Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫األصــــــــوات الـــلـــغـــــــويـــــــــــة‬

‫‪3241‬‬ ‫عــــــــريب‬

‫الفونيم (مفهومه وأنواعه)‬


‫تمهيد‬
‫• حني يتبادل املتكلمون األحاديث يف لغتهم‪ ،‬ال ختطر بباهلم تلك الفروق الصوتية الضئيلة يف بعض‬
‫السياقات النطقية‪ ،‬بني التنوعات املختلفة املمكنة اليت يطلق عليها األلوفونات ‪ Allophones‬اليت تتفرع‬
‫من الوحدة الصوتية الواحدة اليت يطلق عليها الفونيم ‪.Phoneme‬‬
‫• فأبناء اللغة تتجه عنايتهم فقط إىل التمييز بني الوحدات الصوتية الرئيسة ذات القدرة على التفرقة‬
‫الداللية‪ ،‬وهي الفونيمات ‪.Phonemes‬‬
‫• ولتوضيح ما سبق‪ ،‬نقول‪ :‬إنَّ السامع العربي‪ ،‬عندما يستمع إىل كلمة‪ ،‬مثل (صالة) منطوقة بالم مرققة‬
‫تارة‪ ،‬والم مفخمة تارة أخرى‪ ،‬ال يُلقي باالً‪ ،‬أو اهتماماً‪ ،‬إىل االختالف القائم بني هذين الصوتني ‪،‬أو لنقل‬
‫بني هذين التنوعني‪ ،‬لوحدة الالم الصوتية الفونيمية املفخمة واملرققة‪.‬‬
‫• ويعود ذلك إىل أن هذين التنوعني يُدرجان عنده من غري وعي وال اهتمام‪ ،‬يف إطار الصوت الواحد أو على‬
‫وجه التحديد‪ ،‬يف إطار الوحدة الصوتية الواحدة‪ ،‬وهي فونيم ‪.‬‬
‫• ولعل سائال يسأل عن سبب ذلك‪ ،‬فنقول له ‪ :‬إن هذه الوحدة الصوتية ‪-‬وهي الفونيم‪ -‬بنوعيها‬
‫املفخم واملرفق‪ ،‬ترتبط يف ذهن هذا السامع‪ ،‬مبعنى واحد‪ ،‬أو قيمة داللية ووظيفية واحدة‪ ،‬على‬
‫حني جند هذا السامعَ نَفْسَه يلحظ فرقا حامسا يف مستوى الداللة واملعنى بني كلمات من مثل‪:‬‬
‫(سال‪ ،‬وقال‪ ،‬وطال)‪ ،‬وذلك الختالف الوحدات الصوتية‪ ،‬أو الفونيمات فيهما‪ ،‬وهما‪ :‬فونيم‬
‫السني‪ ،‬وفونيم القاف‪ ،‬وفونيم الطاء‪ ،‬وذلك على الرغم من اتفاق هذه الكلمات الثالث يف بقية‬
‫املكونات الصوتية فيها‪.‬‬
‫• وقد جتلى هذا االهتمام‪ ،‬وهذه التفرقة الصوتية لدى اللغوي منذ أقدم العصور يف الكتابة‬
‫األلفبائية‪ ،‬أو الكتابة اهلجائية اليت اعتمدت وما زالت تعتمد على الوحدات الصوتية ذاتِ القُدرة‬
‫التمييزية على مستوى الداللة واملعنى‪ ،‬ونعين بها الفونيمات‪ ،‬دون غريها من التشكالت‬
‫والتنوعات الصوتية السياقية هلذه الوحدات‪ ،‬ونعين بها األلوفونات‪.‬‬
‫• ففي الكتابة األلفبائية اإلجنليزية‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬جند أن تشكلي‪ ،‬أو تنوعي‪ ،‬أو قل إن شئتَ‪ :‬ألوفوني صوت‬
‫الدال يف الكلمتني اإلجنليزيتني ‪ does‬و ‪ ،do‬يُمثالن برمز كتابي واحد‪ ،‬هو (احلرف)‪ ،‬املعروف بالرمز ‪ ،/d/‬يف‬
‫حني جند نظرييهما‪ ،‬يف اللغة العربية‪ ،‬وهما‪ :‬الدال ‪ ،/d/‬والضاد ‪ ، /dˁ/‬يُمَثالن حبرفني كتابيني‪ ،‬أو بوحدتني‬
‫صوتيتني‪ ،‬أو بفونيمني خمتلفني‪.‬‬
‫• ويعود السبب يف ذلك إىل أن التفخيم الذي يطرأ على صوتِ الدَّال يف اللغة اإلجنليزية ‪-‬يف بعض السياقات النطقية‬
‫اليت يقع فيها‪ -‬ال حيمل أي قيمة متييزية‪ ،‬أو أي قيمة داللية‪ ،‬خالفا ملا هو عليه احلال يف لغتنا العربية كما جند‬
‫ذلك مثال يف كلميت (دَمَّ) و (ضَمَّ)‪.‬‬
‫• ومعنى هذا أن ما يعرف بالصوت الواحد قد يتعدد يف الكالم املتصل إذ قد يظهر بصورة خمتلفة طبقا للسياق املعني‬
‫الذي يقع فيه‪ ،‬ولكن ملا كانت أفراد الصوت الواحد‪ ،‬أو الوحدة الصوتية كـ (النون‪ ،‬والالم‪ ،‬والراء ‪..‬اخل)‪ ،‬أو أمثلتها‬
‫املنوعة حتمل يف طياتها صفات مشرتكة ال خترجها عن إطار هذه الوحدة‪ ،‬وال تؤهلها لالنتماء إىل وحدة أخرى‪ ،‬رأى‬
‫علماء األصوات ضم هذه األفراد واألمثلة بعضها إىل بعض‪ ،‬واحلكم عليها مجيعا بأنها تنتمي إىل صوت عام واحد‬
‫وأنها أعضاء أسرة واحدة والتعامل معها كما لو كانت شيئا واحدا‪ ،‬وهذا الصوت الذي جيمع مجلة من األفراد‬
‫والتنوعات هو الذي يسميه علماء األصوات الفونيم ‪.Phoneme‬‬
‫تعريفات الفونيم‬
‫• الفونيم؛ كلمة غري عربية تُرمجت إىل اللغة العربية بألفاظ متعدة كـ (الوحدة الصوتية)‪،‬‬
‫و(حرف)‪ ،‬و(حرفيم)‪ ،‬و(صومت)‪ ،‬و(صوتيم)‪ ،‬و(صوتون)‪.‬‬
‫• رمبا يكون من الصعب علينا أن حنصر تلك التعريفات الكثرية‪ ،‬اليت وضعها اللغويون ملصطلح‬
‫الفونيم‪ ،‬مما دفع اللغوي اإلجنليزي روبنز ‪ Robins‬إىل القول‪ :‬إن كمية كبرية من املداد استخدمت‬
‫يف اجلدال حول نظرية الفونيم وداخلها غري أن تلك التعريفات على اختالفها ترتد إىل وجهات‬
‫النظر املعينة اليت تتبناها وتدافع عنها‪ ،‬هذه املدرسة اللغوية أو تلك‪.‬‬
‫• وسنحاول فيهما يأتي‪ ،‬تقديم موجز ألهم التعريفات والتصورات الرئيسة اليت قدمتها بعض‬
‫املدراس اللغوية هلذا املصطلح‪.‬‬
‫المدرسة الفيزيائية‬
‫• ويُعد اللغوي اإلجنليزي دانيال جونز رائد هذه املدرسة اللغوية‪ ،‬فيعرِّف الفونيم بأنه‪:‬‬
‫• "عائلة‪ ،‬أو أسرةٌ من األصوات‪ ،‬يف لغة معينة‪ ،‬متشابهة ومستعملة بطريقة ال تسمح ألحد أعضائها أن يقع‬
‫يف كلمةٍ من الكلمات‪ ،‬يف السياق الصوتي نفسه الذي يقع فيه أيُّ عُضو آخر من العائلة نفسها"‪.‬‬
‫• ويرى دانيال جونز‪ ،‬أنَّ أحد أفراد هذه العائلة الفونيمية‪ ،‬يُعدُّ عُضوا رئيسا ‪ ،Principal members‬يف‬
‫حني تُعد األعضاء األخرى أعضاء إضافية‪ ،‬أو ثانوية ‪ ،Secondary members‬أو تنوعات نطقية سياقية‬
‫للعضو الرئيس‪ ،‬أو الوحدة األساسية‪ ،‬وذلك عائد إىل أسباب خمتلفة أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬كثرة ورودِ هذا العضو يف االستعمال اللغوي‪ ،‬بصورة تفوقُ بقية األعضاء‪.‬‬
‫‪ -2‬أو‪ ،‬ألن هذا العضو الرئيس هو الذي يُستعمل‪ ،‬وحده‪ ،‬منعزالً عن السياق الفعلي‪.‬‬
‫‪ -3‬أو ألنه يف املوقع الوسط بني بقية األعضاء‪.‬‬
‫• إنَّ اهلدف الذي تسعى املدرسة الفيزيائية إىل حتقيقه من وراء دراستها للفونيم‪ ،‬يتمثل يف تعيني عناصر‬
‫التنوعات الصوتية ‪-‬أي األلوفونات‪ -‬اليت يتكون منها كلُّ فونيم من فونيمات اللغة‪ ،‬وهي تعتمد من أجل‬
‫حتقيق هذا اهلدف‪ ،‬وسائل عِدَّة‪ ،‬من بينها‪:‬‬
‫‪ -1‬الثنائيات الصغرى ‪ Minimal Pairs‬ويُقصد بالثنائية الصغرى‪" :‬أقل تقابل ممكن تسمح به بنيه اللغة‪،‬‬ ‫•‬
‫وينتج ‪ .‬عنه اختالف يف املعنى املعجمي"‪ ،‬أو يُقصد بها كلمتان متماثلتان يف أصواتهما‪ ،‬باستثناء صوتني‬
‫اثنني‪ ،‬يقعان يف موضعني متناظرين منهما‪ ،‬مع اختالف الكلمتني يف املعنى وعندئذٍ يُعَدُّ الصوتان املختلفان‬
‫مُنتَميني إىل فونيمني خمتلفني‪ ،‬ومن أمثلة ذلك التقابل بني الكلمتني (تاب) و (ناب)‪.‬‬
‫‪ -2‬التوزيع التكاملي ‪ Complementary Distribution‬ويُقصد بهذا املصطلح بني صوتني من أصوات اللغة‪،‬‬ ‫•‬
‫توزيعا تكامليا‪ ،‬إذا كان حلول أحدهم حمل اآلخر‪ ،‬يف أي سياق يرد فيه أمرا ممتنعا‪.‬‬
‫• فصوت النون املوجود على سبيل املثال‪ ،‬يف كلمة (نهر)‪ ،‬يعد من الناحية الصوتية اخلالصة غري صوت النون‬
‫املوجود يف‪( :‬منك)‪ ،‬و(عنك)‪ ،‬و (إن تاب)‪( ،‬وانصلح)‪ ،‬و(انهال)‪ ،‬و (إن ثاب)‪ ،‬و(إن شاء)‪ ،‬وغريها‪،‬‬
‫والسبب يف ذلك يعود إىل البيئة السياقية اليت يرد فيها كل صوت من هذه األصوات‪.‬‬
‫• إن هذه البيئة السياقية‪ ،‬لكل صوت‪ ،‬من شأنها أن تُحدد التشكل الصوتي؛ األلوفوني للفونيم‪ ،‬ففونيم النون ‪-‬على‬
‫سبيل املثال‪ -‬قد ينطق على سبع تنوعات خمتلفة‪ ،‬دون غريه من التشكالت إىل حد كبري‪.‬‬
‫• ‪ -3‬التشابه الصوتي العام ‪Phonetic Similarity‬‬
‫• يطرح اللغوي األمريكي هوكيت ‪ Hocket‬قضية التشابه الفوناتيكي على النحو اآلتي‪" :‬إذا كان عنصران ينتميان‬
‫إىل الفونيم نفسه‪ ،‬فإنهما يكونان مشرتكني يف ملمح واحد ‪ ،‬أو أكثر" وبالرغم من صعوبة االعتماد على هذه القاعدة‬
‫وحدها يف تعيني الفونيم الواحد‪ ،‬إال أنه من املمكن االستئناس بها يف حماولة تعيني تلك األلوفونات املنتمية إىل‬
‫فونيم واحد‪.‬‬
‫• ففي املثال الذي قدمناه عن تشكالت فونيم النون‪ ،‬نالحظ وجود أكثر من ملمح مشرتك بني تلك التشكالت الصوتية‪،‬‬
‫وهي يف واقع األمر ألوفونات لفونيم واحد يف اللغة العربية‪.‬‬
‫• وجيب أن نالحظ يف الوقت نفسه‪ ،‬أن هناك بعض املالمح املشرتكة بني بعض الوحدات الصوتية الفونيمية؛ كامليم‬
‫والنون‪ ،‬أو امليم والباء‪ ،‬أو غري الوحدات الصوتية‪ ،‬وذلك على الرغم من أن كل وحدة منها متثل فونيما مستقالً‪،‬‬
‫وليست تنزعا صوتيا لفونيمٍ مُعيَّن‪.‬‬
‫المدرسة الذهنية النفسية‬
‫• ترى هذه املدرسة أنَّ الفونيم عبارة عن صوت واحد مثالي ‪ ،Ideal Sound‬أو صوت منوذجي يسعى الناطق إىل‬
‫حتقيقه‪ ،‬غري أنه ‪-‬أي الناطق‪ -‬خيرج‪ ،‬أو ينحرف عن هذا الصوت املثالي أو النموذجي ‪ ، :‬نظراً لصعوبة إنتاج‬
‫صورة مطابقة ومكررة لصوت ما من جهة‪ ،‬ونظراً للتأثري الناجم عن األصوات اجملاورة‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫• ويعد اللغوي البولندي يان بودوان دي كورتينيه ‪ ،Jan Baudouin de Courtenay‬أحد رواد هذه املدرسة‬
‫اللغوية‪ ،‬فهو يُفرِّق‪ ،‬يف دراساته اللغوية‪ ،‬بني أمرين أو جانبني اثنني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫• ‪ .‬أصوات الكالم ‪ Speech Sounds‬ويدرس هذا اجلانب األصوات املادية لألصوات‪ ،‬وهو يقوم على أسس‬
‫أكوستيكية فيزيائية وفسيولوجية‪ ،‬وقد أطلق عليه اسم علم األصوات العضوي ‪. Physio Phonetics‬‬
‫• أما اجلانب اآلخر‪ ،‬فيتمثل فيما مساه "كورتينيه"‪ ،‬بالصور الذهنية ‪ Phonetic images‬لألصوات‪ ،‬وهي الصور‬
‫اليت تتألف منها اللغة‪ ،‬أو‪ ،‬بعبارة أكثر حتديداً‪ ،‬كلمات اللغة‪ .‬وقد أطلق عليه مصطلح علم األصوات‬
‫النفسي ‪ Psycho Phonetics‬ويتناول يف دراسته‪ ،‬الصور الذهنية لألصوات ‪ ،‬وهي الصور اليت أطلق عليها‬
‫فونيمات ‪ ،Phonemes‬وذلك من منطلق إميانه بأنَّ الفونيم يُعدُّ معادال نفسيا للصوت‪.‬‬
‫• وعلى أي حال‪ ،‬فقد عرَّف هذا اللغوي؛ أي يان بودوان دي كورتينيه‪ ،‬الفونيم بأنه "الصورة‬
‫العقلية للصوت"‪.‬‬
‫• ويرى من هذا املنطلق‪ ،‬أن الفونيم عبارة عن صوت يتصوره املرء أو يقصد إليه‪ ،‬وهو يقابل الصوت‬
‫املنطوق مقابلة الظاهرة الصوتية النفسية للواقع الصوتية العضوية‪.‬‬
‫• ‪.‬ومن أنصار هذه املدرسة اللغوي األمريكي إدوار سابري ‪ ،Edward Sapir‬الذي عرّف الفونيم‬
‫بأنه‪" :‬صوت مثالي ‪ ،Ideal Sound‬حناول تقليده يف النطق‪ ،‬ولكننا نفشل يف إنتاجه متاما كما‬
‫نريد‪ ،‬أو بالصورة نفسها اليت نسمعه بها"‪.‬‬
‫• ويقول هذا اللغوي أيضا‪ :‬إنَّ هذه األصوات املثالية‪ ،‬اليت يُكوّنها اإلحساس الفطري بوجود‬
‫عالقات مهمة بني األصوات احلقيقية أكثر واقعية وحتققاً بالنسبة للمتكلم العادي‪ ،‬من األصوات‬
‫احلقيقية نفسها‪.‬‬
‫المدرسة الوظيفية (الفونولوجية)‬
‫• تنطلق هذه املدرسة يف تصورها للفونيم من منطلقات وظيفية فونولوجية حبتة‪ ،‬ال مادية‪ ،‬كاملدرسة األوىل‪،‬‬
‫وال نفسية وذهنية‪ ،‬كاملدرسة الثانية‪ ،‬فهي تعتمد األساس الوظيفي يف تعريف الفونيم‪.‬‬
‫• فالفونيم – عند اللغوي الروسي تروبتسكوي ‪- Trubezkoy‬رائد مدرسة براغ اللغوية‪ ،‬وأحد أنصار هذا‬
‫االجتاه يف دراسة الفونيم – هو‪:‬‬
‫• " جمموع صفات الصوت اليت هلا صلة بالفونولوجيا"‪.‬‬
‫• أو ‪" :‬الوحدة الصغرى اليت تقوم بدور يف متييز املعاني"‪.‬‬
‫• أو " هو‪" :‬أصغر وحدة فونولوجية يف اللغة موضع الدرس"‬
‫• ويرى هذا اللغوي‪ :‬أن باستطاعة الفونيمات أن متيز كلمة من كلمة أُخرى عن طريق تبادل املواقع‪.‬‬
‫• ويرى هذا العامل‪ ،‬أيضاً أن األساس‪ ،‬الذي يقوم عليه تعريف الفونيم‪ ،‬ينبغي أن كلمة من معنى‬
‫يكون مفهومه الوظيفي ‪ Functional Concept‬يف متييز معنى " كلمة أخرى‪.‬‬
‫• وقد وضع هلذا التمييز ‪ ،‬قواعد ميكن تطبيق بعضها على اللغة العربية‪ ،‬وهذه القواعد هي‪:‬‬
‫• القاعدة األوىل‪ :‬إذا كان الصوتان من اللغة نفسها‪ ،‬ويظهران يف اإلطار الصوتي نفسه‪ ،‬وكان من‬
‫املمكن أن حيلَّ أحَدُهما حمل اآلخر‪ ،‬دون أن ينتج عن هذا التبادل اختالف يف املعنى العقلي‬
‫للكلمة ‪ -‬حينئذ يكون هذان الصوتان صورتني اختياريتني لفونيم واحد‪.‬‬
‫• ومن أمثلة ذلك‪ ،‬أننا لو نظرنا إىل النطق القرآني للسني‪ ،‬يف كلمة "مسيطر"‪ ،‬لوجدناه يرد أحياناً‬
‫بالسني ‪،‬املرققة‪ ،‬ويرد أحياناً أخرى‪ ،‬باملقابل املفخم للسني؛ وهو صوت الصاد‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فإن‬
‫هذين الصوتني هما صورتان‪ ،‬أو تنوعان‪ ،‬لفونيم واحد‪ ،‬ما دام التغيري مل يرتتب عليه اختالف يف‬
‫املعنى الداللي والعقلي للكلمة‪.‬‬
‫• القاعدة الثانية‪ :‬إذا كان الصوتان يظهران متاماً يف املوقع الصوتي نفسه‪ ،‬وال ميكن أن حيل أحدهما حمل اآلخر دون‬
‫تعديل معنى الكلمة‪ ،‬أو دون أن تصري الكلمة إىل الغموض ‪ -‬حينئذ يكون هذان الصوتان صورتني واقعيتني لفونيمني‬
‫مستقلني‪.‬‬
‫• ولو أننا طبقنا هذه القاعدة على اللغة العربية‪ ،‬فسنجد أن ارتباط تغري املعنى‪ ،‬بتغيري الفونيم يعد الفيصل يف حتديد‬
‫الكلمات؛ فالكلمتان (سار‪ ،‬وصار)‪ ،‬لكل منهما معنى معني‪ ،‬خيتلف عن األخرى‪ ،‬ألن كالً منهما تتميز بفونيم خاص‬
‫بها‪ ،‬يعد ميساً وعالقة مميزة هلا‪ ،‬لذا‪ ،‬فإنَّ السني والصاد هنا فونيمان خمتلفان‪.‬‬
‫• القاعدة الثالثة‪ :‬إذا كان الصوتان من اللغة نفسها متقاربني فيما بينهما‪ ،‬من الناحية السمعية‪ ،‬أو النطقية‪ ،‬وال‬
‫يربزان مطلقاً يف اإلطار الصوتي نفسه – فإنهما يُعدان صورتني صوتيتني للفونيم نفسه‪.‬‬
‫• ففونيم النون –كما ذكرنا سابقا‪ -‬صُورا كثرية‪ ،‬تظهر كلُّ واحدة منها يف موقع معني‪ ،‬فالنون الساكنة‪ ،‬قبل صوت‬
‫أسناني‪ ،‬كالثاء‪ ،‬يف حنو‪ :‬إن ثاب‪ ،‬تنطق أسنانية‪ ،‬والنون الساكنة‪ ،‬قبل صوت هلوي كالقاف‪ ،‬يف حنو إن قال‪ ،‬تنطق‬
‫هلوية‪ ،‬وهكذا تتعدد صور النون باختالف األصوات التالية هلا‪ ،‬على حنو ال ميكن‪ ،‬يف بيئة معينة‪ ،‬أن حتل صورة‬
‫أسنانية حمل صورة هلوية‪.‬‬
‫• وإذا ما أردنا أن نقارن بني آراء املدرسة الفيزيائية‪ ،‬واملدرسة الوظيفية يف موضوع الفونيم‪ ،‬فإنه بوسعنا‬
‫القول‪:‬‬
‫• إنه يف الوقت الذي اعتمدت فيه املدرسة الفيزيائية‪ ،‬يف عملية التصنيف الفونيمي للغة‪ ،‬على اخلصائص‬
‫املادية للصوت‪ ،‬وجدنا املدرسة الوظيفية‪ ،‬تركز على جانب التفرقة الداللية لألصوات‪ ،‬فصوتا الكاف‬
‫والقاف‪ ،‬على سبيل املثال ال يؤديان يف اللغة اإلجنليزية إىل اختالف داللي‪ ،‬وبالتالي فإنهما ينتميان إىل‬
‫فونيم واحد هو فونيم الكاف ‪ ، /k/‬أما يف اللغة العربية‪ ،‬فإن نظريي هذين الصوتني‪ :‬الكاف ‪ ، /k /‬والقاف‬
‫‪ ، /q/‬يؤديان يف حالة تبادهلما املواقع يف البنى اللغوية إىل تفرقة داللية واضحة يف حنو‪( :‬كال من الكيل‪،‬‬
‫وقال من القول) مما جيعلهما فونيمني مستقلني‪.‬‬
‫• ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإنَّ تصنيف النظام اللغوي للغة ما إىل فونيمات‪ ،‬يتم يف رأي هذه املدرسة‪ ،‬حسب‬
‫التقابالت القائمة يف النظام الفونولوجي لتلك اللغة؛ ومن ثُمَّ‪ ،‬ميكننا القولُ بإمكان اختالفِ معرفة فونيم ما‬
‫من لغة إىل أخرى‪ ،‬وذلك على الرغم من اشتمال كلّ منهما على ألوفونات متماثلة‪.‬‬
‫• أهمية الفونيم‬
‫• وخالصة القول يف اختالف تعريف الفونيم يف هذه املدارس اللغوية يرجع االختالف إىل اختالف مناهج‪ .‬الدراسة اليت تتبناها كل‬
‫منها ‪ ،‬لذا يقوم كل لغوي بتعريف الفونيم بالطريقة اليت تتالءم مع منهجه العام‪ ،‬إال أن تلك اآلراء تؤدي يف النهاية إىل نتائج‬
‫متشابهة ومتماثلة وإىل غايات عملية واحدة يف أهمية الفونيم‪ ،‬ميكننا أن نشري إىل أهمها فيما يلي ‪:‬‬
‫• أوال ‪ :‬الفونيم يؤدي وظيفة أساسية يف وضع األلفبائيات الكتابية املنظمة اليت متثل وسيلة عملية الستخدام تلك اللغات‪ ،‬وفكرة‬
‫الفونيم تعود إىل اختصار رموز تلك األصوات يف تلك األجبديات ويوضع لكل صوت أساسي رمز واحد‪ ،‬وليس لكل صوت ينطق ‪ ،‬وإال‬
‫تعددت أصوات اللغات أو رموز أصوات اللغات لتجعل كتابتها غري عملية‪.‬‬
‫• ثانيا ‪ :‬الفونيم يقوم بوظيفة التمييز بني كلمة وأخرى من الناحية الصرفية والنحوية والداللية بني كلمة وأخرى‪ ،‬فالفرق بني‬
‫(قال) و (مال) فرق يف الداللة بسبب وجود القاف يف أول الكلمة األوىل وامليم يف أول الكلمة الثانية‪ ،‬و الفرق بني (مِنْْ) بكسر امليم و‬
‫(مَنْْ) بفتح امليم‪ ،‬فرق يف الصرف والنحو والداللة وكله يعود إىل وجود فونيم الكسر يف الكلمة األوىل والفتحة يف الثانية‪.‬‬
‫• ثانيا‪ :‬الفونيم وسيلة ضرورية لتسهيل عملية تعليم اللغات األجنبية وتعلمها وذلك ألن األصوات الفعلية اليت تنطق يف أي لغة‬
‫تفوق فونيمتها الرئيسة؛ لذا يصبح التعرف على الفونيمات الرئسية وتعلمها أسهل من التعرف على األصوات الفعلية واملنطوقة‪.‬‬
‫أنواع الفونيم‬
‫• حاولنا‪ ،‬يف الشرائح السابقة‪ ،‬اإلملام مبعنى الفونيم‪ ،‬وبينا آراء املدارس اللغوية فيه‪ ،‬كما عرضنا‬
‫يف السطور السابقة‪ ،‬ألهمية دراسة الفونيم يف اجملال الصوتي بعامة‪.‬‬
‫• واآلن نتساءل قائلني‪ :‬هل يقتصر مفهوم الفونيم على جانب صوتي واحد‪ ،‬أو على نوع صوتي‬
‫واحد‪ ،‬أم أنَّ له أنواعا خمتلفة تندرج كلُّها حتت املفهوم العام هلذا املصطلح ؟‬
‫• الواقع أنَّ علماء األصوات اللغوية‪ ،‬يقسمون الفونيم على قسمني رئيسني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ -1‬الفونيم الرتكييب‪ ،‬أو الفونيم القِطعي‪ ،‬نسبة إىل قطعة‪ ،‬أو جزء‪Segmental phoneme:‬‬ ‫•‬
‫• ‪ -2‬والفونيم غري الرتكييب أو فوق الرتكييب ‪ ،‬أو غري القِطعي‪Suprasegmental phoneme :‬‬
‫• أوال ‪ -‬الفونيم الرتكييب ‪ Segmental Phoneme‬يُقصد بالفونيم الرتكييب أو القطعي‪ ،‬تلك الوحدة‬
‫الصوتية ‪ Phonetic Unit‬أو القطعة الصوتية ‪ ،Segmental Unit‬اليت تكون جزءاً من أصغر صيغة لغوية‬
‫ذات معنى‪ ،‬منعزلة عن السياق‪ ،‬أو هو ذلك العنصر الذي يكون جزءاً أساسياً من بنية الكلمة املفردة‪ ،‬كالباء‪،‬‬
‫والتاء‪ ،‬والثاء وغريها من الصوامت ‪ ،Consonants‬باإلضافة إىل احلركات ‪ Vowels‬وأنصاف احلركات‬
‫‪ .Half-vowels‬فهذه الفونيمات تدخل يف الرتكيب الفعلي للكلمات وتعد من األجزاء املكونة هلا؛ ولذلك‬
‫يطلق عليها الفونيمات الرئيسة‪.‬‬

‫• ثانيا ‪ -‬الفونيم غري الرتكييب ‪ Suprasegmental Phoneme‬أو فوق الرتكييب‪ ،‬أو غري القطعي‪ ،‬هو عبارة عن‬
‫" كل ظاهرة أو صفة صوتية ذات مغزى‪ ،‬أو قيمة يف الكالم املتصل‪ ،‬أو هو بعبارة أخرى‪ ،‬ملمح صوتي تتأثر‬
‫به وحدات صوتية‪ ،‬قد تشتمل على أكثر من صامت‪ ،‬أو حركة يف املنطوق الكالمي‪ .‬إن هذا النوع من الفونيمات‬
‫ال يكون جزءاً من تركيب بنية الكلمة يف رموزها الكتابية‪ ،‬وإمنا يظهر ويلحظ يف السياق حني تُستعمل‬
‫الكلمة الواحدة بصورة خاصة‪ ،‬كأن تُستعمل مجلة‪ ،‬أو حني تضم كلمة إىل أخرى‪ .‬ومن أمثلة الفونيمات فوق‬
‫الرتكيبية‪ :‬ا َملفْصِل ‪،Juncture‬و النرب ‪ ،Stress‬والتنغيم ‪ ،Intonation‬وغريها‪.‬‬
‫مصطلحات صوتية‬
• Phone
• Phoneme
• Allophones
• Diphones
• Variphones
• Morpheme
• Allomorph

You might also like