Professional Documents
Culture Documents
Ar 3lw AlHmt Treeqk Ilee AlQmt
Ar 3lw AlHmt Treeqk Ilee AlQmt
Ar 3lw AlHmt Treeqk Ilee AlQmt
المقدمة
احلمد هلل وحده ،والصالة والسالم على من ال نيب بعده ،وبعد:
اهلمة من األخالق الرفيعة والصفات والكرمية،
علو َّ
فإن َّ
واخلالل احلميدة ،هتفو إليه النفوس الشريفة ،وتتوق إليه قلوب
العظام .وهو سلم الرقي إىل الكمال املمكن يف كل أبواب اخلري،
بكل مجيل ،واستطاع أن
كل صعب ،واتصف ِّ من حتلَّى به الن له ُّ
حُي قِّق مراده وهدفه.
لَ َّما كان هذا اخللق هبذه املنزلة ،ولَما كان كثريٌ من الناس
لعل اهلل أن ينفع هبا.
يفتقدونه؛\ أحببنا أن نقف معه وقفات سريعة؛ َّ
وصلى اهلل على نبيا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
الناشر
6 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
الهمة
تعريف علو َّ
الهمة:
َّ
هم به من أم ٍر ليُفعلَّ ،
واهلمة مأخوذة من «اهلم» ،واهلم :ما َّ
ٍ
وسفول ،فمن الناس من بعلو
هي الباعثة\ على الفعل ،وتوصف ٍّ
علو السماء ،ومنهم من تكون مهَّته قاصرة دنيئة
تكون\ مهَّته عاليةً َّ
سافلة هتبط به إىل أسوأ الدرجات.
الهمة:
وعلو َّ
هو استصغار\ ما دون النهاية من معايل األمور ،وطلب املراتب
السامية ،واستحضار ما جيود به اإلنسان\ عند العطية ،واالستخفاف
بأوساط األمور ،وطلب الغايات ،والتهاون\ مبا ميلكه ،وبذل ما
ٍ
اعتداد به. ميكنه ملن يسأله من غري ٍ
امتنان وال
اهلمة فقال:
وعرف ابن القيم رمحه اهلل علو َّ
َّ
تتعوض\ عنه
اهلمة أالّ تقف – أي النفس \-دون اهلل ،وال َّ«علو َّ
بشيء سواه ،وال ترضى بغريه بدالً منه ،وال تبيع حظَّها من اهلل
بشيء من احلظوظوقُربه واُألنس به والفرح والسرور واالبتهاج به ٍ
اخلسيسة الفانية».
فاهلمة العالية على اهلمم كالطائر العايل على الطيور ،ال يرضى
َّ
اهلمة كلَّما مبساقطهم ،وال تصل إليه اآلفات اليت تصل إليهمَّ ،
فإن َّ
علت بعدت عن وصول اآلفات إليها وكلَّما نزلت قصدهتا اآلفات
كل مكان.من ِّ
علو الهمة ..طريقك إلى القمة 7
الهمة
دنو َّ
تعريف ِّ
الهمة:
دنو َّ
َّأما ّ
فهو ضعف النفس عن طلب املراتب العالية ،وقصور األمل عن
بلوغ الغايات ،واستكثار اليسري من الفضائل ،واستعظام\ القليل من
العطايا واالعتداد به ،والرضا بأوساط األمور وصغائرها.
الدعة -أي الراحة -والرضا بالدون،
وهو كذلك إيثار َّ
والقعود عن معايل األمور.
الهمة نوعان:
َّ
الهمة قسمان :وهبية وكسبية ،فالوهبية\ هي ما وهبه اهلل تعاىل
َّ
اهلمة أو سفوهلا ،وميكن أن تُنمي وتُرعى أو هُت مل
علو َّ
للعبد من ِّ
وتُرتك ،فإن منَّاها صاحبها وعال هبا صارت كسبية ،وإن تركها
وأمهلها ومل يلتفت إليها خبت وتضاءلت ،وهي يف هذا مثل الذكاء
وحسن اخللق وغري ذلك ممَّا هو معلوم.
وقوة الذاكرة ُ
َّ
واهلمة مولودة مع اآلدمي ،يقول ابن اجلوزي:
َّ
اهلمة مولودة مع اآلدمي ،وإمنا تقصر
أن َّ «وقد عرف بالدليل َّ
بعض اهلمم يف بعض األوقات ،فإذا حثت سارت ،ومىت رأيت يف
خريا عجزا ِ
فسل املنعم ،أو كسالً فاجلأ إىل املوفق ،فلن تنال ً نفسك ً
إالَّ بطاعته ،ولن يفوتك خريٌ إال مبعصيته \،فمن الذي أقبل عليه ومل
ٍ
بغرض كل مراد؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة أو حظي َير َّ
من أغراضه».
8 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
الهمة
أصناف الناس في شأن َّ
يتفاوت الناس يف مِه َمهم ،فمنهم من تسمو مهَّته ،ومنهم من
تدنو مهَّته ،ومنهم من هو بني بني ..وميكن تقسيم الناس يف شأن
اهلمة إىل أربعة أصناف:
َّ
األول -صنف يشعرون َّ
أن لديهم قُدرة على عظائم األمور،
ولديهم أهدافًا ومطالب سامية ،وعندهم مهَّة عظيمة جعلوها يف
سمون
حتصيل هذه املطالب واألهداف ،وهذا الصنف من يُ َّ
اهلمة».
«عظيمي َّ
صنف لديهم قُدرة على عظائم األمور ،ولكنهم
والثانيٌ -
يبخسون نفوسهم فيضعون\ مهَّتهم يف سفاسف األمور وصغائرها
اهلمة».
سمون «صغريي َّ ودنياها ،وهذا الصنف من يُ َّ
والثالث -صنف ليس لديه قدرة على معايل األمور وعظائمها،
ويشعر أنه ال يستطيعها وأنه مل خُي لق هلا ،فيجعل مهَّته وسعيه على
متواضع يف سريته.
ٌ قدر استعداده ،وهذا الصنف بصريٌ بنفسه،
والرابع -صنف ال يقدر على عظائم األمور ،ولكنه يتظاهر
فخورا» وإن
سمونه « ً قوي عليها ،خملوق هلا ،وهذا الصنف يُ ُّ
بأنه ٌّ
متعظما».
فسمه « ً شئت ِّ
الهمة
قالوا عن َّ
همتكم؛ َّ
تصغرن ّ -1قال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه« :ال
فإني لم َأر أقع َد عن المكرمات من صغر الهمم».
علو الهمة ..طريقك إلى القمة 9
وقال سبحانهَ :و َسا ِرعُوا ِإلَى َمغْ ِف َر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم َو َجن ٍَّة َع ْر ُ
ض َها
ين[ آل عمران.]133 : ت لِل ِ ات واَأْلر ِ
ض ُأع َّد ْ ُ
ْمتَّق َ الس َم َاو ُ َ ْ ُ َّ
ورغبهم فيه أميا ترغيب، -5ومنها أنه أمر املسلمني باجلهاد َّ
واجلهاد أقصى مراتب العمل اجلاد ..قال تعاىل :اَل يَ ْستَ ِوي
يل ِ
اهلل اه ُدو َن فِي َسبِ ِ اع ُدو َن ِمن الْمْؤ ِمنِين غَير ُأولِي الضَّر ِر والْمج ِ الْ َق ِ
َ َ َُ َ ُ َ ُْ
ين بِ َْأم َوالِ ِه ْم َوَأْن ُف ِس ِه ْم َعلَى ِِ ِِ ِ ِِ
ب َْأم َواله ْم َوَأْن ُفسه ْم فَض َ
َّل اهللُ ال ُْم َجاهد َ
ين َد َر َجةً [ ...النساء.]95 : ِِ
الْ َقاعد َ
أن اإلسالم\ ذم التواين والكسل ،وأمر بالبعد عن -6ومنها َّ
كل أم ٍر ال فائدةً تُرجى من
اهلزل واللهو واللعب ،ونأى بأتباعه\ عن ِّ
ورائه ،وأمرهم بالبعد عن سفاسف األمور والرتفُّع عن الدنايا
أجل وأعظم وأبقى وأخلد، واحملقِّرات والزهد بالدنيا طلبًا لِما هو َّ
أال وهو النعيم املقيم يف جنات النعيم.
-7ومنها َّ
أن اإلسالم\ وضع املسلمني يف موضع قيادة البشرية،
اهلمة يف
ومحلهم تبعات هذه القيادة ،ويف هذا غرس خللق علو َّ
نفوسهم ،وحفز شديد هلم حىت يتحلوا بكل ظواهرها من اخرتاق
الصعاب وحتمل املشاق.
باب
وجه املسلمني للدعاء ،والدعاء ٌ
أن اإلسالم\ َّ -8ومنها َّ
اهلمة
اهلمة ،فبه تكرب النفس وتشرف وتعلو َّ
علو َّ
عظيم من أبواب ِّ
ٌ
أن الداعي يأوي إىل ُركن شديد ينزل به مجيعوتتسامى \،وذلك َّ
حاجاته ،ويستعني به يف كافة أموره.
حث املسلمني على ُخلق احلياء ،ألنه -9ومنها َّ
أن اإلسالم\ َّ
وسبب عظيم الكتساهبا ،وذلك
ٌ اهلمة،
علو َّ
مظهر من أعظم مظاهر ِّ
مجيل حمبوب ،والتخلِّي عن ِّ
كل قبيح ألنه يدفع املرء للتحلِّي ِّ
بكل ٍ
مكروه.
-10ومنها -بل ومن أغرهبا -ما جاء يف قول النيب َّ « :
إن
اهلل يُحب العُطاس ويكره التثاؤب ،فإذا عطس أحدكم فحمد
كل مسلم سمعه أن يشمتهَّ ،أما التثاؤب فإنما هو اهلل َّ
فحق على ِّ
من الشيطان ،فإذا تثاءب أحدكم فليردَّه ما استطاعَّ ،
فإن
أحدكم إذا قال "ها" ضحك منه الشيطان»(. )1
هزة عصبية موقظة للنشاط فالعطاس الذي ال يكون عن ٍ
مرض َّ
اهلمة ،خبالف التثاؤب الذي هو ظاهرةٌ من
علو َّ
والعمل ،وهو من ِّ
ظواهر الفتور والكسل وميل األعصاب إىل االسرتخاء واخللود إىل
ين * َولَ ْو ِشْئ نَا لََر َف ْعنَاهُ بِ َها َولَ ِكنَّهُ َأ ْخلَ َد ِإلَى ِ
الش ْيطَا ُن فَ َكا َن م َن الْغَا ِو ََّ
ث َْأو ْب ِإ ْن تَ ْح ِم ْل َعلَْي ِه َيل َْه ْ ض َو َّاتبَ َع َه َواهُ فَ َم َثلُهُ َك َمثَ ِل الْ َكل ِ
اَأْلر ِ
ْ
ِ َّ ِ ِ ِ
ص
ص َ ص الْ َق َ ْص ِ ين َك َّذبُوا بِآيَاتنَا فَاق ُ ك َمثَ ُل الْ َق ْوم الذ َ ث ذَل َ َت ْت ُر ْكهُ َيل َْه ْ
لَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن[ األعراف.]176 ،175 :
ذم املنافقني املتخلِّفني عن اجلهاد لسقوط مهَّتهم ومنها أنه َّ
ضوا بَِأ ْن ي ُكونُوا مع الْ َخوالِ ِ
ف وقناعتهم بالدون ،فقال يف شأهنمَ :ر ُ
ََ َ َ
[ التوبة.]87 :
ِ
َأَلع ُّدوا لَهُ عُ َّدةً َولَك ْن َك ِر َه اهللُ
وج َ وقالَ :ولَ ْو ََأر ُ
ادوا الْ ُخ ُر َ
ين[ التوبة.]46 : ِِ ِ ِ
يل اقْعُ ُدوا َم َع الْ َقاعد َ
انْب َعا َث ُه ْم َفثَبَّطَ ُه ْم َوق َ
ومنها أنه شنع على الذين يؤثرون احلياة الدنيا على اآلخرة،
وجيعلوهنا أكرب مههم وغاية علمهم ،واعترب هذا اإليثار من أسوأ
اهلمة ،وأنه تسفُّل ونزول يرتفع عنه املؤمن قال تعاىل: خسة َّ
مظاهر َّ
يل ِ
اهلل يل لَ ُك ُم انْ ِف ُروا فِي َسبِ ِ ِإ ِ
آمنُوا َما لَ ُك ْم َذا ق َ
َّ ِ
يَا َُّأي َها الذ َ
ين َ
ِ ضيتم بِالْحي ِاة ُّ ِ
الد ْنيَا م َن اآْل خ َر ِة فَ َما َمتَاعُ اثَّا َقلْتُم ِإلَى اَأْلر ِ ِ
ض ََأر ُ ْ َ َ ْ ْ
ِ ِ ِإ ِ الْحياةِ ُّ ِ
يل[ التوبة.]38 : الد ْنيَا في اآْل خ َرة اَّل قَل ٌ ََ
وصف اليهود الذين علموا فلم يعملوا بعلمهم، َ ومنها أنه
َّ ِ
وشبَّههم باحلمار ،فقال تعاىلَ :مثَ ُل الذ َ
ين ُح ِّملُوا الت َّْو َراةَ ثُ َّم لَ ْم
ِ َّ ِ ْحما ِر يَ ْح ِمل ْ ِ ِ
ين َك َّذبُوا
س َمثَ ُل الْ َق ْوم الذ َ
َأس َف ًارا بْئ َ ُ وها َك َمثَ ِل ال َ يَ ْح ِملُ َ
ِِ ِ بِآي ِ ِ
ين[ اجلمعة]5 : ات اهلل َواهللُ اَل َي ْهدي الْ َق ْو َم الظَّالم َ َ
أيضاَ :وعُلِّ ْمتُ ْم َما لَ ْم َت ْعلَ ُموا[ األنعام.]91 \:وقال عنهم ً
الهمة
مظاهر دنو َّ
علو الهمة ..طريقك إلى القمة 15
الهمة:
لدنو َّ
يف حياتنا مظاهر عديدة ،وصور كثرية منها:
-1التكاسل عن أداء العبادات:
يؤدي الصالة\ بتثاقُ ٍل وتباطٍؤ وقلَّة رغبة حاله اهلمة ِّ
فضعيف َّ
كحال املنافقني الذين ال يقومون\ إىل الصالة إالَّ وهم ُك َساىل كما
الصاَل ِة قَ ُاموا ُك َسالَى
عز وجل بقولهَ :وِإ َذا قَ ُاموا ِإلَى َّ
وصفهم رهبم َّ
َّاس[ النساء]142 :
ُي َراءُو َن الن َ
كما أنه يتكاسل عن قيام الليل و صالة الوتر وأداء السنن
وخباصة إذا فاتته.
-2التهرب من المسئولية:
وهذا له صور كثرية ،منها التخاذل وذلك بكثرة االعتذارات\
واالحتجاج بكثرة املشاغل ،ومنها التخذيل ،حيث ال يكتفي
بالتهرب ،وإمنا يثبط من أراد البذل والعمل ،ومنها
اهلمة ُّ
ضعيف َّ
التهوين\ وذلك بتهوين األمور أكثر من الالزم ،وعكسه التهويل\
دنو مهَّة
دليل على ِّ
وكل هذه األمور ٌوهو تعسري األمور وهتويلهاُّ ،
والتهرب من املسئولية.
الشخص ورغبته يف إيثار السالمة ُّ
-3اإلغراق في المظهرية الجوفاء:
اهلمة نفسه باملظاهر الفارغة فيعتين بامللبس
حيث يشغل ضعيف َّ
كبريا باألمور الشكلية على
اهتماما ً
ً واملركب العناية\ الزائدة ،ويهتم
حساب األمور اجلوهرية احلقيقية.
16 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
َّ
فإن خالئق السفهاء تُعدي وال تجلس إلى أهل الدنايا
-7كثرة الزيارات لألقارب واألصحاب:
وإهدار الوقت يف فضول املباحات ،وفيما ال يعود مبنفعة أو
فائدة يف الدنيا واآلخرة ،فهذا مما يصرف اإلنسان\ عن طلب املعايل،
ويؤدي إىل ضياع عمره ،وصدق من قال« :إذا طال المجلس ِّ
20 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
-3العلم والبصيرة:
باهلمة ،ويرفع طالبه عن حضيض التقليد ،ويورث فالعلم يصعد َّ
صاحبه الفقه مبراتب األعمال؛ فيتَّقي فضول املباحات اليت تشغله
عن التعبُّد ،ويبصره ِحبيَل إبليس وتلبيسه عليه كي حيول بينه وبني ما
وحيث على طلب املعايل والرتفع عن الدنايا.
ُخلق لهُّ ،
-4مجاهدة النفس ومحاسبتها:
فبدون ذلك ال يتحقَّق شيء وال خيطو املرء خطوة لإلمام
َّه ْم ُس ُبلَنَا َوِإ َّن ِ ِ َّ ِ
اه ُدوا فينَا لََن ْهد َين ُ وهلذا قال ربنا عز وجلَ :والذ َ
ين َج َ
ين[ العنكبوت]69 : ِِ
اهللَ لَ َم َع ال ُْم ْحسن َ
أن جماهدة النفس وحرماهنا من بعض َّ
ملذاهتا ورغباهتا وعوائدها ،وإلزامها بأعمال شك َّ
وال َّ
يقوي اإلرادة، شك َّ
أن هذا ِّ باجلد واحلزم ،ال َّ
جهدا ومشقَّة ،وحماسبتها على التقصري ،وأخذها ِّ
حتتاج ً
ويبعث على العزمية يقول الشاعر:
اعتز ُازها
وس َ أهواء الن ُف ِ
وفي قَمع َ
يلها َما تَشتهي ذُ ٌّل َسرم ُد
وفي نَ َ
هما واح ًدا:
-5إرادة اآلخرة وجعل الهموم ًّ
اد اآْل ِخ َر َة َو َس َعى لَ َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن
قال تعاىلَ :و َم ْن ََأر َ
ورا[ اإلسراء]19 : فَُأولَِئ َ
ك َكا َن َس ْع ُي ُه ْم َم ْش ُك ً
وقال « :من كانت اآلخرة همه؛ جعل اهلل غناه في قلبه،
وجمع له شمله ،وأتته الدنيا وهي راغمة ،ومن كانت الدنيا
همه؛ جعل اهلل فقره بين عينيه ،وفرق عليه شمله ،ولم يأته من
24 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
كل مجيل ،وهو الذي يرهف العزائم ويعليالفضائل ،ويدعو إىل ِّ
اهلمم ،ويقوي ا إلرادات ،وحيفز النفوس\ على العمل النافع والسعي
املثمر ،ويطهر النفوس من الدنايا ،وينأى هبا عن حمقرات األعمال
وسفاسف األمور ،وهو الذي جعل من رعاة الغنم قادة األمم
تفجريا.
ً وفجروا العلم واحلكمة
فنشروا العدل ،وقضوا على الظلمَّ ،
التحول عن البيئة المثبطة للهمم:
ُّ -9
فعلى املرء أن يهجر البيئة\ اليت تدعوه إىل الكسل واخلمول
وإيثار الدون حىت تعلو مهَّته ،وتتحرر من سلطان تأثريها ،وتنعم
بفرصة الرتقِّي إىل املطالب العالية حيث جيتمع قلبه ،ويلتئم مشله،
وتتوحد مهَّته ،وتتوجه بصدق وعزم حنو املعايل.
-10مصاحبة أولي الهمم العالية:
اهلمة
أخص من سابقه ،وهو من أ عظم ما يبعث َّ وهذا السبب\ ُّ
كل قرين باملقارن ويريب األخالق الرفيعة يف النفس ،وذلك َّ
ألن َّ
يقتدي ،واملرء مولع مبحاكاة من حوله ،شديد التأثر مبن يصاحبه،
جمبول على الغرية\ والتنافس ومزامحة اآلخرين.
ووجود الصاحب ،الذي جيري بك حنو معايل األمور ،وال
جناحا شخصيًايتواىن يف تقدمي ما مينحك التوفيق ،ويعترب جناحك ً
له ،مهم يف وصولك إىل القمة وبلوغ املعايل .وهذا يفسر لنا قول
ابن مسعود رضي اهلل عنه« :اعتربوا\ الرجل مبن يصاحب ،فإمنا
يصاحب الرجل من هو مثله».
خريا من أخ صاحل فإذا
ويقول عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه« :ما أعطي ع بد بعد اإلسالم ً
26 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
مكب على
وال ينام حىت يقف عليه وحيفظه ،وهو على هذا ٌّ
حق احملبة»\ اهـ.
حمب للعلم ّ
االشتغالٌّ ،
-15تحديد األهداف ومراعاة األولويات واإلعداد الجيد
للوصول إليها:
وذلك َّ
ألن اإلنسان\ إذا مل حيدِّد األهداف اليت يريد حتقيقها ومل
يقدم ما حقُّه التقدمي ،ومل يرسم لنفسه طُرقًا للوصول إىل هذه
األهداف ،إذا مل يفعل ذلك سيصاب بامللل والرتابة والكسل،
وكلُّها أشياء مثبطة للهمم مضعفة هلا.
-16البعد عن الترف والنعيم:
ألن االنغماس يف النعيم والتقلُّب يف الرتف ،واالهنماك
وذلك َّ
يف اللذات يشغل اإلنسان\ عن طلب املعايل ،ويسد عليه طريق اجملد،
اهلمة وحقارة الشأن \،والعكس صحيح ،فالبعد عن ويورث ضعف َّ
اهلمة
الرتف والتجايف عن النعيم يعني على بلوغ العز واكتساب َّ
العالية والطموح إىل معايل األمور.
-17النظر إلى من هو أعلى في الفضائل ،وإلى ما هو
أسفل في أمور الدنيا:
اهلمة العالية والنهوض\ إىل طلب
فهذا من وسائل اكتساب َّ
معايل األمور ،وقد قيل« :إذا علمت فال تفكر يف كثرة من دونك
من اجلهال ،ولكن انظر إىل من فوقك من العلماء».
وذلك َّ
ألن اإلنسان\ إذا نظر إىل من هو أعلى منه يف الفضائل
علو الهمة ..طريقك إلى القمة 29
دفعه ذلك إىل اقتنائها واجتهد يف طلبها ،ومل يرض من املناقب إالَّ
بأعالها ومل يقف عند فضيلة إالَّ وطلب الزيادة فيها.
-18استشعار المسئولية:
ويقويها\ ويقود إىل التنافس يف اخلريات،
اهلمة ِّ
وهذا مما يبعث\ َّ
كل ما يف وسعه ومقدوره ،وينهض وجيعل اإلنسان يبذل َّ
تردد أو إحجام ،وال خيتلق األعذار للتهرب من بالواجبات من غري ُّ
املسئولية ،قال « :كلكم راع ،وكلكم مسئول عن رعيته»(.)1
وهمته:
-19التنافس والتنازع بين الشخص َّ
ويطورها أن يكلِّف نفسه
هبمته ِّ
فعلى من يريد أن يرتقي َّ
نوعا من
بأعمال جديدة غري اليت اعتادها ،وهذا بدوره خيلق ً
التحدِّي بداخله إلجناز هذه األعمال اجلديدة ،كما أنه هبذا العمل
استثار مهَّته وحرك إرادته حنو مزيد من األعمال ،ودفع عن نفسه
امللل واليأس\ اللذين قد يُصاب هبما نتيجة تكرار األعمال اليومية\.
-20ا نتهاز الفرص التي تعرض عليك:
َّ
فإن الفرص مثينة ،وفواهتا ال يعوض ،وانتهازها دليل على اجلد واحلزم ،ووسيلة\ لتحسني
بالهمة وتضييعها:
كل ما من شأنه الهبوط َّ
-24االبتعاد عن ِّ
اهلمة
تؤدي إىل احنطاط َّ وقد ذكرنا مُج لة من األسباب اليت ِّ
ودنوها ،وال شك أن تاليف هذه األسباب واالبتعاد عنها والعملِّ
على إجياد عكسها ،هو أجنع األدوية وأقواها.
-25تقوى اهلل تعالى وطاعته:
لكل ما مضى ،فتقوى اهلل هي العدَّة يف
جامع ِّوهذا السبب\ ٌ
السمو إىل
ِّ امللمات ،وهي مبعث القوة\ ومعراج
الشدائد والعون يف َّ
السماء ،وهي اليت تُثبِّت\ األقدام يف املزالق ،وتربط القلوب يف الفنت،
وتقذف النفس حنو معايل األمور وتورث الطمأنينة والسكينة.
32 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
فعاش هذا الرجل األنصاري حىت رآين وقد اجتمع الناس حويل
يسألوين فيقول :هذا الفىت كان أعقل مين».
وقيل للشعيب :من أين لك هذا العلم كله؟ قال :بنفي االعتماد،
والسري يف البالد ،وصرب كصرب احلمار ،وبكور كبكور الغراب.
ويقول الرازي عن نفسه« :أول ما رحلت أقمت سبع سنني،
ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ،مث تركت العدد،
وخرجت من البحرين إىل مصر ماشيًا مث إىل الرملة ماشيًا ،مث إىل
طرسوس ،ويل عشرون سنة».
همتهم في العبادة
علو َّ
ِّ
اجتهادا
ً اجتهد أبو موسى األشعري رضي اهلل عنه قبل موته
شديدا فقيل له :لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟! فقال:ً
َّ
إن اخليل إذا أرسلت فقاربت رأس جمراها أخرجت مجيع ما عندها،
أقل من ذلك ،قال :فلم يزل على ذلك حىتوالذي بقي من أجلي ُّ
مات.
وكان أبو مسلم اخلوالين قد علَّق سوطًا يف مسجد بيته خيوف
ألزحفن بك زح ًفا حىت
َّ به نفسه ،وكان يقول لنفسه :قومي فواهلل
يكون\ الكلل منك ال مين ،فإذا دخلت الفرتة تناول سوطه وضرب
به ساقه ،ويقول :أنت أوىل بالضرب من دابيت.
وكان يقول« :أيظن أصحاب حممد أن يستأثروا به دوننا؟!
زحاما حىت يعلموا أهنم قد خلفوا وراءهم
كال واهلل ،لنزامحهم عليه ً
رجاالً».
34 علو الهمة ..طريقك إلى القمة
مهَّة ،وأضعفهم حمبة وطلبًا ،وحياة البهائم خري من حياته كما قيل:
غفَلةٌ
هو َو ْ ور َس ٌ
ارك َيا مغرُ ُ
نهَ ُ
ك الزُِم
وم والرََّدى لَ َ
وليلك نَ ٌ ُ
نكر ِغّبهوف تُ ِح ِفيمَا سَ ََوتكدَ ُ
عيش البهَِائمُ
كذِلك في الدُنيَا تَ ُ َ
ح ِبالُْمنىوتفرَ ُ
تسرُّ بِما َيفنَى َ
النوم حَِالمُكما َغرَّ باللذَّات في َّ
خريا غري جمذوذ ،وجيري يف
اهلمة جيلب لصاحب ً -2علو َّ
عروقه دم الشهامة ،والركض يف ميدان العلم والعمل ،فال يُرى
واق ًفا إال على أبواب الفضائل ،وال باسطًا يده إال ملهمات األمور.
اهلمة يسلب منك سفاسف ا آلمال واألعمال، -3علو َّ
وجيتث منك شجرة الذل واهلوان ،وال جيعلك ترضى الدون ،وال
تقنع بالسفاسف.
كثريا من األمور اليت يظنها عامة الناس
اهلمة حيقق لك ً
-4علو َّ
خياالً ال يتحقَّق ،وهذا أمر مشاهد ومعروف عند أهل اهلمم؛ إذ
اهلمة
يستطيعون\ إجناز كثري من األعمال بإذن اهلل ،اليت يظنها ضعفاء َّ
خياالً.
اهلمة سبب للوصول إىل املراتب العالية يف العبادة
-5علو َّ
علو الهمة ..طريقك إلى القمة 37
أهم املراجع
اهلمة للشيخ حممد إمساعيل املقدم.
-1علو َّ
اهلمة العالية للشيخ حممد احلمد.
َّ -2
اهلمة طريق إىل القمة للدكتور حممد حسن عقيل.
َّ -3
-4الوجيزة يف األخالق اإلسالمية للشيخ عبد الرمحن امليداين.
-5جند املعايل خلليل صقر.
وغريها كثري...