Ar 3lw AlHmt Treeqk Ilee AlQmt

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 35

‫علو الهمة ‪ ..

‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪5‬‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نيب بعده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫اهلمة من األخالق الرفيعة والصفات والكرمية‪،‬‬
‫علو َّ‬
‫فإن َّ‬
‫واخلالل احلميدة‪ ،‬هتفو إليه النفوس الشريفة‪ ،‬وتتوق إليه قلوب‬
‫العظام‪ .‬وهو سلم الرقي إىل الكمال املمكن يف كل أبواب اخلري‪،‬‬
‫بكل مجيل‪ ،‬واستطاع أن‬
‫كل صعب‪ ،‬واتصف ِّ‬ ‫من حتلَّى به الن له ُّ‬
‫حُي قِّق مراده وهدفه‪.‬‬
‫لَ َّما كان هذا اخللق هبذه املنزلة‪ ،‬ولَما كان كثريٌ من الناس‬
‫لعل اهلل أن ينفع هبا‪.‬‬
‫يفتقدونه؛\ أحببنا أن نقف معه وقفات سريعة؛ َّ‬
‫وصلى اهلل على نبيا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫الناشر‬
‫‪6‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫الهمة‬
‫تعريف علو َّ‬
‫الهمة‪:‬‬
‫َّ‬
‫هم به من أم ٍر ليُفعل‪َّ ،‬‬
‫واهلمة‬ ‫مأخوذة من «اهلم»‪ ،‬واهلم‪ :‬ما َّ‬
‫ٍ‬
‫وسفول‪ ،‬فمن الناس من‬ ‫بعلو‬
‫هي الباعثة\ على الفعل‪ ،‬وتوصف ٍّ‬
‫علو السماء‪ ،‬ومنهم من تكون مهَّته قاصرة دنيئة‬
‫تكون\ مهَّته عاليةً َّ‬
‫سافلة هتبط به إىل أسوأ الدرجات‪.‬‬
‫الهمة‪:‬‬
‫وعلو َّ‬
‫هو استصغار\ ما دون النهاية من معايل األمور‪ ،‬وطلب املراتب‬
‫السامية‪ ،‬واستحضار ما جيود به اإلنسان\ عند العطية‪ ،‬واالستخفاف‬
‫بأوساط األمور‪ ،‬وطلب الغايات‪ ،‬والتهاون\ مبا ميلكه‪ ،‬وبذل ما‬
‫ٍ‬
‫اعتداد به‪.‬‬ ‫ميكنه ملن يسأله من غري ٍ‬
‫امتنان وال‬
‫اهلمة فقال‪:‬‬
‫وعرف ابن القيم رمحه اهلل علو َّ‬
‫َّ‬
‫تتعوض\ عنه‬
‫اهلمة أالّ تقف – أي النفس‪ \-‬دون اهلل‪ ،‬وال َّ‬‫«علو َّ‬
‫بشيء سواه‪ ،‬وال ترضى بغريه بدالً منه‪ ،‬وال تبيع حظَّها من اهلل‬
‫بشيء من احلظوظ‬‫وقُربه واُألنس به والفرح والسرور واالبتهاج به ٍ‬
‫اخلسيسة الفانية»‪.‬‬
‫فاهلمة العالية على اهلمم كالطائر العايل على الطيور‪ ،‬ال يرضى‬
‫َّ‬
‫اهلمة كلَّما‬ ‫مبساقطهم‪ ،‬وال تصل إليه اآلفات اليت تصل إليهم‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫علت بعدت عن وصول اآلفات إليها وكلَّما نزلت قصدهتا اآلفات‬
‫كل مكان‪.‬‬‫من ِّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪7‬‬

‫الهمة‬
‫دنو َّ‬
‫تعريف ِّ‬
‫الهمة‪:‬‬
‫دنو َّ‬
‫َّأما ّ‬
‫فهو ضعف النفس عن طلب املراتب العالية‪ ،‬وقصور األمل عن‬
‫بلوغ الغايات‪ ،‬واستكثار اليسري من الفضائل‪ ،‬واستعظام\ القليل من‬
‫العطايا واالعتداد به‪ ،‬والرضا بأوساط األمور وصغائرها‪.‬‬
‫الدعة ‪ -‬أي الراحة ‪ -‬والرضا بالدون‪،‬‬
‫وهو كذلك إيثار َّ‬
‫والقعود عن معايل األمور‪.‬‬
‫الهمة نوعان‪:‬‬
‫َّ‬
‫الهمة قسمان‪ :‬وهبية وكسبية‪ ،‬فالوهبية\ هي ما وهبه اهلل تعاىل‬
‫َّ‬
‫اهلمة أو سفوهلا‪ ،‬وميكن أن تُنمي وتُرعى أو هُت مل‬
‫علو َّ‬
‫للعبد من ِّ‬
‫وتُرتك‪ ،‬فإن منَّاها صاحبها وعال هبا صارت كسبية‪ ،‬وإن تركها‬
‫وأمهلها ومل يلتفت إليها خبت وتضاءلت‪ ،‬وهي يف هذا مثل الذكاء‬
‫وحسن اخللق وغري ذلك ممَّا هو معلوم‪.‬‬
‫وقوة الذاكرة ُ‬
‫َّ‬
‫واهلمة مولودة مع اآلدمي‪ ،‬يقول ابن اجلوزي‪:‬‬
‫َّ‬
‫اهلمة مولودة مع اآلدمي‪ ،‬وإمنا تقصر‬
‫أن َّ‬ ‫«وقد عرف بالدليل َّ‬
‫بعض اهلمم يف بعض األوقات‪ ،‬فإذا حثت سارت‪ ،‬ومىت رأيت يف‬
‫خريا‬ ‫عجزا ِ‬
‫فسل املنعم‪ ،‬أو كسالً فاجلأ إىل املوفق‪ ،‬فلن تنال ً‬ ‫نفسك ً‬
‫إالَّ بطاعته‪ ،‬ولن يفوتك خريٌ إال مبعصيته‪ \،‬فمن الذي أقبل عليه ومل‬
‫ٍ‬
‫بغرض‬ ‫كل مراد؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة أو حظي‬ ‫َير َّ‬
‫من أغراضه»‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫الهمة‬
‫أصناف الناس في شأن َّ‬
‫يتفاوت الناس يف مِه َمهم‪ ،‬فمنهم من تسمو مهَّته‪ ،‬ومنهم من‬
‫تدنو مهَّته‪ ،‬ومنهم من هو بني بني ‪ ..‬وميكن تقسيم الناس يف شأن‬
‫اهلمة إىل أربعة أصناف‪:‬‬
‫َّ‬
‫األول‪ -‬صنف يشعرون َّ‬
‫أن لديهم قُدرة على عظائم األمور‪،‬‬
‫ولديهم أهدافًا ومطالب سامية‪ ،‬وعندهم مهَّة عظيمة جعلوها يف‬
‫سمون‬
‫حتصيل هذه املطالب واألهداف‪ ،‬وهذا الصنف من يُ َّ‬
‫اهلمة»‪.‬‬
‫«عظيمي َّ‬
‫صنف لديهم قُدرة على عظائم األمور‪ ،‬ولكنهم‬
‫والثاني‪ٌ -‬‬
‫يبخسون نفوسهم فيضعون\ مهَّتهم يف سفاسف األمور وصغائرها‬
‫اهلمة»‪.‬‬
‫سمون «صغريي َّ‬ ‫ودنياها‪ ،‬وهذا الصنف من يُ َّ‬
‫والثالث‪ -‬صنف ليس لديه قدرة على معايل األمور وعظائمها‪،‬‬
‫ويشعر أنه ال يستطيعها وأنه مل خُي لق هلا‪ ،‬فيجعل مهَّته وسعيه على‬
‫متواضع يف سريته‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قدر استعداده‪ ،‬وهذا الصنف بصريٌ بنفسه‪،‬‬
‫والرابع‪ -‬صنف ال يقدر على عظائم األمور‪ ،‬ولكنه يتظاهر‬
‫فخورا» وإن‬
‫سمونه « ً‬ ‫قوي عليها‪ ،‬خملوق هلا‪ ،‬وهذا الصنف يُ ُّ‬
‫بأنه ٌّ‬
‫متعظما»‪.‬‬
‫فسمه « ً‬ ‫شئت ِّ‬
‫الهمة‬
‫قالوا عن َّ‬
‫همتكم؛‬ ‫َّ‬
‫تصغرن ّ‬ ‫‪ -1‬قال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪« :‬ال‬
‫فإني لم َأر أقع َد عن المكرمات من صغر الهمم»‪.‬‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪9‬‬

‫اهلمة مقدمة‬ ‫‪ -2‬وقال ممشاد الدينوري‪« :‬مهَّتك فاحفظها‪َّ ،‬‬


‫فإن َّ‬
‫األشياء‪ ،‬فمن صلحت له مهَّته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك‬
‫من األعمال»‪.‬‬
‫‪ -3‬وقال ابن حبَّان البسيت‪ :‬من مل يكن له مهَّة إالَّ بطنه وفرجه‬
‫عُ َّد من البهائم‪َّ ،‬‬
‫واهلمة النبيلة تبلغ صاحبها الرتبة العالية‪.‬‬
‫‪ -4‬وقال اإلمام مالك رمحه اهلل‪« :‬عليك مبعايل األمور‬
‫سف منها‪َّ ،‬‬
‫فإن اهلل تعاىل حيب معايل‬ ‫وكرائمها‪ِ ،‬‬
‫واتق رذائلها وما َّ‬
‫األمور ويكره سفاسفها»‪\.‬‬
‫‪ -5‬وقال أمحد الدرعي‪« :‬كن َر ُجالً ِرجله يف الثرى ومهُّه يف‬
‫الثريا‪ ،‬وما افرتقت الناس إالَّ يف اهلمم‪ ،‬من علت مهَّته علت ُرتبته‪،‬‬
‫وال يكون أح ٌد إال فيما رضيت له مهَّته»‪.‬‬
‫‪ -6‬وقال عبد القادر اجليالين لغالمه‪« :‬يا غالم ال يكن مهُّك‬
‫ما تأكل وما تشرب وما تلبس وما تنكح وما تسكن وما جتمع‪،‬‬
‫هم النفس والطبع‪ ،‬فأين هم القلب؟‪ ..‬مهُّك ما أمهَّك‪،‬‬‫كل هذا ُّ‬
‫ُّ‬
‫فليكن مهُّك ربك عز وجل وما عنده»‪.‬‬
‫‪ -7‬وقال ابن القيم رمحه اهلل‪« :‬النفوس\ الشريفة ال ترضى من‬
‫األشياء إالَّ بأعالها وأفضلها وأمحدها عاقبة‪ ،‬والنفوس\ الدنيئة حتوم‬
‫حول الدناءات‪ ،‬وتقع عليها كما يقع الذباب على األقذار»‪.‬‬
‫بكل‬
‫أيضا‪« :‬من علت مهَّته وخشعت نفسه‪ ،‬اتصف ِّ‬‫‪ -8‬وقال ً‬
‫بكل ُخلق رذيل»‪.‬‬
‫مجيل‪ ،‬ومن دنت مهَّته وطغت\ نفسه‪ ،‬اتصف ِّ‬
‫‪10‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫كل أحد على حسب قدره ومهَّته‬ ‫أيضا‪َّ « :‬لذة ِّ‬


‫‪ -9‬وقال ً‬
‫قدرا‬
‫نفسا وأعالهم مهَّةً‪ ،‬وأرفعهم ً‬
‫وشرف نفسه‪ ،‬فأشرف الناس ً‬
‫والتودد إليه مبا‬
‫ُّ‬ ‫من َّلذهتم يف معرفة اهلل وحمبته والشوق إىل لقائه‪،‬‬
‫حيبه ويرضاه»‪.‬‬
‫الهمة‬
‫علو َّ‬
‫اهتمام اإلسالم بخلق ّ‬
‫وحث املسلمني على‬
‫وحض عليه‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫اهلمة‬
‫بعلو َّ‬
‫اهتم اإلسالم ِّ‬
‫َّ‬
‫التحلِّي هبذا اخللق الطيب‪َّ ،‬‬
‫ووجههم إىل طريق اكتسابه‪ ،‬وحرص‬
‫على تربيتهم عليه وتنوعت\ اآليات واألحاديث الدالة على ذلك‪،‬‬
‫وكثرت مظاهر اهتمام اإلسالم\ به‪ ،‬وميكن توضيح ذلك يف النقاط‬
‫اآلتية‪\:‬‬
‫إن القرآن قرن بني اإلميان والعمل كما يف قوله تعاىل‪ِ :‬إلَّا‬ ‫‪َّ -1‬‬
‫اص ْوا بِ َّ‬ ‫الَّ ِذين آمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫الص ْب ِر‪‬‬ ‫اص ْوا بِال َ‬
‫ْح ِّق َوَت َو َ‬ ‫الصال َحات َوَت َو َ‬ ‫َ َ َ‬
‫اهلمة يف النفس؛ ألنه‬
‫لعلو َّ‬
‫[العصر‪ ]3 :‬والعمل هو الظاهرة املادية ِّ‬
‫أي غاية من‬
‫التحرك اجلاد الذي تُبذل فيه الطاقات لتحصيل ِّ‬
‫هو ُّ‬
‫الغايات‪.‬‬
‫حث على ترقية غايات املسلمني‪ ،‬وهذا إعالء‬ ‫‪َّ -2‬‬
‫إن اإلسالم\ َّ‬
‫هلممهم وارتفاع هبا عن الدنايا‪ ،‬وأخذ هبا إىل معايل األمور‪.‬‬
‫وجه املسلمني لكسب أرزاقهم عن طريق‬ ‫‪َّ -3‬‬
‫إن اإلسالم\ َّ‬
‫يعف اإلنسان نفسه‬
‫الكدح والعمل واملشي يف مناكب األرض حىت َّ‬
‫ووجههم يف املقابل إىل الرتفُّع عن مسألة الناس‬
‫ويستغين عن غريه‪َّ ،‬‬
‫وعرفهم َّ‬
‫أن اليد العليا خريٌ من اليد‬ ‫ما مل تدع الضرورة إىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪11‬‬

‫السفلى ‪ ..‬قال ‪« :‬ألن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل‪ ،‬فيجيء‬


‫خير من‬ ‫بحزمة الحطب على ظهره‪ ،‬فيبيعها َّ‬
‫يكف اهلل بها وجهه ٌ‬
‫أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه»(‪. )1‬‬
‫حث املسلمني على التنافس يف فعل اخلريات‪،‬‬ ‫‪ -4‬ومنها أنه َّ‬
‫والتسابق إىل معايل األمور ورفيع املنازل‪ ،‬وعودهم على اجلد يف‬
‫هبمة ونشاط ‪ ..‬قال تعاىل‪َ  :‬سابُِقوا ِإلَى َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن‬
‫العمل والقيام\ به َّ‬
‫ُأع َّد ْ ِ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ض َّ ِ‬
‫آمنُوا‬
‫ين َ‬ ‫ت للَّذ َ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫الس َماء َو ْ‬ ‫َربِّ ُك ْم َو َجن ٍَّة َع ْر ُ‬
‫ض َها َك َع ْر ِ‬
‫اهلل َو ُر ُسلِ ِه‪[ ‬احلديد‪]21 :‬‬ ‫بِ ِ‬

‫وقال سبحانه‪َ  :‬و َسا ِرعُوا ِإلَى َمغْ ِف َر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم َو َجن ٍَّة َع ْر ُ‬
‫ض َها‬
‫ين‪[ ‬آل عمران‪.]133 :‬‬ ‫ت لِل ِ‬ ‫ات واَأْلر ِ‬
‫ض ُأع َّد ْ ُ‬
‫ْمتَّق َ‬ ‫الس َم َاو ُ َ ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫ورغبهم فيه أميا ترغيب‪،‬‬ ‫‪ -5‬ومنها أنه أمر املسلمني باجلهاد َّ‬
‫واجلهاد أقصى مراتب العمل اجلاد ‪ ..‬قال تعاىل‪ :‬اَل يَ ْستَ ِوي‬
‫يل ِ‬
‫اهلل‬ ‫اه ُدو َن فِي َسبِ ِ‬ ‫اع ُدو َن ِمن الْمْؤ ِمنِين غَير ُأولِي الضَّر ِر والْمج ِ‬ ‫الْ َق ِ‬
‫َ َ َُ‬ ‫َ ُ َ ُْ‬
‫ين بِ َْأم َوالِ ِه ْم َوَأْن ُف ِس ِه ْم َعلَى‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ب َْأم َواله ْم َوَأْن ُفسه ْم فَض َ‬
‫َّل اهللُ ال ُْم َجاهد َ‬
‫ين َد َر َجةً ‪[ ...‬النساء‪.]95 :‬‬ ‫ِِ‬
‫الْ َقاعد َ‬
‫أن اإلسالم\ ذم التواين والكسل‪ ،‬وأمر بالبعد عن‬ ‫‪ -6‬ومنها َّ‬
‫كل أم ٍر ال فائدةً تُرجى من‬
‫اهلزل واللهو واللعب‪ ،‬ونأى بأتباعه\ عن ِّ‬
‫ورائه‪ ،‬وأمرهم بالبعد عن سفاسف األمور والرتفُّع عن الدنايا‬
‫أجل وأعظم وأبقى وأخلد‪،‬‬ ‫واحملقِّرات والزهد بالدنيا طلبًا لِما هو َّ‬
‫أال وهو النعيم املقيم يف جنات النعيم‪.‬‬

‫(?) رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪12‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫‪ -7‬ومنها َّ‬
‫أن اإلسالم\ وضع املسلمني يف موضع قيادة البشرية‪،‬‬
‫اهلمة يف‬
‫ومحلهم تبعات هذه القيادة‪ ،‬ويف هذا غرس خللق علو َّ‬
‫نفوسهم‪ ،‬وحفز شديد هلم حىت يتحلوا بكل ظواهرها من اخرتاق‬
‫الصعاب وحتمل املشاق‪.‬‬
‫باب‬
‫وجه املسلمني للدعاء‪ ،‬والدعاء ٌ‬
‫أن اإلسالم\ َّ‬‫‪ -8‬ومنها َّ‬
‫اهلمة‬
‫اهلمة‪ ،‬فبه تكرب النفس وتشرف وتعلو َّ‬
‫علو َّ‬
‫عظيم من أبواب ِّ‬
‫ٌ‬
‫أن الداعي يأوي إىل ُركن شديد ينزل به مجيع‬‫وتتسامى‪ \،‬وذلك َّ‬
‫حاجاته‪ ،‬ويستعني به يف كافة أموره‪.‬‬
‫حث املسلمني على ُخلق احلياء‪ ،‬ألنه‬ ‫‪ -9‬ومنها َّ‬
‫أن اإلسالم\ َّ‬
‫وسبب عظيم الكتساهبا‪ ،‬وذلك‬
‫ٌ‬ ‫اهلمة‪،‬‬
‫علو َّ‬
‫مظهر من أعظم مظاهر ِّ‬
‫مجيل حمبوب‪ ،‬والتخلِّي عن ِّ‬
‫كل قبيح‬ ‫ألنه يدفع املرء للتحلِّي ِّ‬
‫بكل ٍ‬
‫مكروه‪.‬‬
‫‪ -10‬ومنها ‪ -‬بل ومن أغرهبا ‪ -‬ما جاء يف قول النيب ‪َّ « :‬‬
‫إن‬
‫اهلل يُحب العُطاس ويكره التثاؤب‪ ،‬فإذا عطس أحدكم فحمد‬
‫كل مسلم سمعه أن يشمته‪َّ ،‬أما التثاؤب فإنما هو‬ ‫اهلل َّ‬
‫فحق على ِّ‬
‫من الشيطان‪ ،‬فإذا تثاءب أحدكم فليردَّه ما استطاع‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫أحدكم إذا قال "ها" ضحك منه الشيطان»(‪. )1‬‬
‫هزة عصبية موقظة للنشاط‬ ‫فالعطاس الذي ال يكون عن ٍ‬
‫مرض َّ‬
‫اهلمة‪ ،‬خبالف التثاؤب الذي هو ظاهرةٌ من‬
‫علو َّ‬
‫والعمل‪ ،‬وهو من ِّ‬
‫ظواهر الفتور والكسل وميل األعصاب إىل االسرتخاء واخللود إىل‬

‫(?) رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪13‬‬

‫الراحة وعزوف النفس عن العمل واحلركة‪ ،‬وكل ذلك من ضعف‬


‫اهلمة‪ ،‬ولذلك جعل النيب ‪ ‬التثاؤب من الشيطان‪ ،‬أي مما يرضي‬
‫َّ‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫ولَ َّما كان العطاس باعثًا على اليقظة والنشاط كان حقًّا على‬
‫ألن العطاس نعمة‪.‬‬‫العاطس\ أن حيمد اهلل‪َّ ،‬‬
‫اهلمة‬
‫دليل على الكسل والفتور وضعف َّ‬
‫ولَ َّما كان التثاؤب\ ٌ‬
‫يرده املسلم عن نفسه ما استطاع‪.‬‬
‫كان من األدب أن َّ‬
‫وبالجملة‪:‬‬
‫فاإلسالم أخي احلبيب\ دين العزة والكرامة‪ ،‬ودين السمو‬
‫اجلد واالجتهاد‪ ،‬ليس دين كسل ومخول وذلَّة‬ ‫واالرتفاع‪ \،‬ودين ِّ‬
‫وتنوعت مظاهر اهتمامه‬‫اهلمة ودعا إليه‪َّ ،‬‬
‫حث على علو َّ‬‫ومسكنة‪َّ \،‬‬
‫به كما رأيت‪.‬‬
‫الهمة‬
‫دنو َّ‬
‫ذم ِّ‬
‫اهلمة وتوجيه املسلمني إىل‬‫علو َّ‬
‫حث اإلسالم على ِّ‬‫يف مقابل ِّ‬
‫مسلك‬
‫ٌ‬ ‫اهلمة َّ‬
‫وحذرهم منه‪ ،‬وبنَّي هلم أنه‬ ‫دنو َّ‬
‫ذم َّ‬
‫أيضا َّ‬
‫اكتسابه جنده ً‬
‫وعمل مرذول‪ ،‬ال يليق بأهل الفضل‪ ،‬وال ينبغي\‬ ‫ٌ‬ ‫لق ساقط‬
‫وخ ٌ‬
‫دينءٌ ُ‬
‫أيضا أساليب القرآن يف التحذير من‬ ‫وتنوعت\ ً‬
‫من أهل النبل والعقل‪َّ ،‬‬
‫هذا اخللق‪.‬‬
‫وصورهم يف أبشع صورة‪ ،‬قال‬ ‫اهلمة َّ‬ ‫ذم ساقطي َّ‬ ‫فمنها‪ :‬أنه َّ‬
‫ِ‬
‫تعاىل‪َ  :‬واتْ ُل َعلَْي ِه ْم َنبََأ الَّ ِذي آَت ْينَاهُ آيَاتِنَا فَانْ َسلَ َخ م ْن َها فََأْتَب َعهُ‬
‫‪14‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫ين * َولَ ْو ِشْئ نَا لََر َف ْعنَاهُ بِ َها َولَ ِكنَّهُ َأ ْخلَ َد ِإلَى‬ ‫ِ‬
‫الش ْيطَا ُن فَ َكا َن م َن الْغَا ِو َ‬‫َّ‬
‫ث َْأو‬ ‫ْب ِإ ْن تَ ْح ِم ْل َعلَْي ِه َيل َْه ْ‬ ‫ض َو َّاتبَ َع َه َواهُ فَ َم َثلُهُ َك َمثَ ِل الْ َكل ِ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص‬
‫ص َ‬ ‫ص الْ َق َ‬ ‫ْص ِ‬ ‫ين َك َّذبُوا بِآيَاتنَا فَاق ُ‬ ‫ك َمثَ ُل الْ َق ْوم الذ َ‬ ‫ث ذَل َ‬ ‫َت ْت ُر ْكهُ َيل َْه ْ‬
‫لَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن‪[ ‬األعراف‪.]176 ،175 :‬‬
‫ذم املنافقني املتخلِّفني عن اجلهاد لسقوط مهَّتهم‬ ‫ومنها أنه َّ‬
‫ضوا بَِأ ْن ي ُكونُوا مع الْ َخوالِ ِ‬
‫ف‬ ‫وقناعتهم بالدون‪ ،‬فقال يف شأهنم‪َ  :‬ر ُ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫‪[ ‬التوبة‪.]87 :‬‬
‫ِ‬
‫َأَلع ُّدوا لَهُ عُ َّدةً َولَك ْن َك ِر َه اهللُ‬
‫وج َ‬ ‫وقال‪َ  :‬ولَ ْو ََأر ُ‬
‫ادوا الْ ُخ ُر َ‬
‫ين‪[ ‬التوبة‪.]46 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل اقْعُ ُدوا َم َع الْ َقاعد َ‬
‫انْب َعا َث ُه ْم َفثَبَّطَ ُه ْم َوق َ‬
‫ومنها أنه شنع على الذين يؤثرون احلياة الدنيا على اآلخرة‪،‬‬
‫وجيعلوهنا أكرب مههم وغاية علمهم‪ ،‬واعترب هذا اإليثار من أسوأ‬
‫اهلمة‪ ،‬وأنه تسفُّل ونزول يرتفع عنه املؤمن قال تعاىل‪:‬‬ ‫خسة َّ‬
‫مظاهر َّ‬
‫يل ِ‬
‫اهلل‬ ‫يل لَ ُك ُم انْ ِف ُروا فِي َسبِ ِ‬ ‫ِإ ِ‬
‫آمنُوا َما لَ ُك ْم َذا ق َ‬
‫َّ ِ‬
‫‪‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ِ‬ ‫ضيتم بِالْحي ِاة ُّ ِ‬
‫الد ْنيَا م َن اآْل خ َر ِة فَ َما َمتَاعُ‬ ‫اثَّا َقلْتُم ِإلَى اَأْلر ِ ِ‬
‫ض ََأر ُ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ ِإ ِ‬ ‫الْحياةِ ُّ ِ‬
‫يل‪[ ‬التوبة‪.]38 :‬‬ ‫الد ْنيَا في اآْل خ َرة اَّل قَل ٌ‬ ‫ََ‬
‫وصف اليهود الذين علموا فلم يعملوا بعلمهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ومنها أنه‬
‫َّ ِ‬
‫وشبَّههم باحلمار‪ ،‬فقال تعاىل‪َ  :‬مثَ ُل الذ َ‬
‫ين ُح ِّملُوا الت َّْو َراةَ ثُ َّم لَ ْم‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ْحما ِر يَ ْح ِمل ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َّذبُوا‬
‫س َمثَ ُل الْ َق ْوم الذ َ‬
‫َأس َف ًارا بْئ َ‬ ‫ُ‬ ‫وها َك َمثَ ِل ال َ‬ ‫يَ ْح ِملُ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بِآي ِ ِ‬
‫ين‪[ ‬اجلمعة‪]5 :‬‬ ‫ات اهلل َواهللُ اَل َي ْهدي الْ َق ْو َم الظَّالم َ‬ ‫َ‬
‫أيضا‪َ  :‬وعُلِّ ْمتُ ْم َما لَ ْم َت ْعلَ ُموا‪[ ‬األنعام‪.]91 \:‬‬‫وقال عنهم ً‬
‫الهمة‬
‫مظاهر دنو َّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪15‬‬

‫الهمة‪:‬‬
‫لدنو َّ‬
‫يف حياتنا مظاهر عديدة‪ ،‬وصور كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬التكاسل عن أداء العبادات‪:‬‬
‫يؤدي الصالة\ بتثاقُ ٍل وتباطٍؤ وقلَّة رغبة حاله‬ ‫اهلمة ِّ‬
‫فضعيف َّ‬
‫كحال املنافقني الذين ال يقومون\ إىل الصالة إالَّ وهم ُك َساىل كما‬
‫الصاَل ِة قَ ُاموا ُك َسالَى‬
‫عز وجل بقوله‪َ  :‬وِإ َذا قَ ُاموا ِإلَى َّ‬
‫وصفهم رهبم َّ‬
‫َّاس‪[ ‬النساء‪]142 :‬‬
‫ُي َراءُو َن الن َ‬
‫كما أنه يتكاسل عن قيام الليل و صالة الوتر وأداء السنن‬
‫وخباصة إذا فاتته‪.‬‬
‫‪ -2‬التهرب من المسئولية‪:‬‬
‫وهذا له صور كثرية‪ ،‬منها التخاذل وذلك بكثرة االعتذارات\‬
‫واالحتجاج بكثرة املشاغل‪ ،‬ومنها التخذيل‪ ،‬حيث ال يكتفي‬
‫بالتهرب‪ ،‬وإمنا يثبط من أراد البذل والعمل‪ ،‬ومنها‬
‫اهلمة ُّ‬
‫ضعيف َّ‬
‫التهوين\ وذلك بتهوين األمور أكثر من الالزم‪ ،‬وعكسه التهويل\‬
‫دنو مهَّة‬
‫دليل على ِّ‬
‫وكل هذه األمور ٌ‬‫وهو تعسري األمور وهتويلها‪ُّ ،‬‬
‫والتهرب من املسئولية‪.‬‬
‫الشخص ورغبته يف إيثار السالمة ُّ‬
‫‪ -3‬اإلغراق في المظهرية الجوفاء‪:‬‬
‫اهلمة نفسه باملظاهر الفارغة فيعتين بامللبس‬
‫حيث يشغل ضعيف َّ‬
‫كبريا باألمور الشكلية على‬
‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫واملركب العناية\ الزائدة‪ ،‬ويهتم‬
‫حساب األمور اجلوهرية احلقيقية‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫‪ -4‬االشتغال بما ال يعني واالنصراف عما يعني‪:‬‬


‫اهلمة يشغل نفسه مبا ال يعنيه ويرتك ما يعنيه‪ \،‬كأن‬
‫فضعيف َّ‬
‫يشغل نفسه بالقيل والقال وكثرة السؤال‪ ،‬واإلكثار من املراء‬
‫واجلدال واملزاح والوقوع\ يف الغيبة\ والنميمة فيضيع بذلك وقته الذي‬
‫هو حياته ورأس ماله‪.‬‬
‫‪ -5‬االنهماك في الترف‪:‬‬
‫اهلمة‪ ،‬ويشغل املرء عن طاعة ربه‪ ،‬ويقود‬
‫وهذا يورث ضعف َّ‬
‫إىل الضياع‪ \،‬وينايف املراتب\ العالية‪.‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬

‫ومن‬ ‫ال ال ُْمنَى َ‬ ‫فَ َمن َه َجر اللَّ َّذات نَ َ‬


‫ض َعلَى اليَ ِد‬ ‫ب َعلَى اللَّ َّذ ِ‬
‫ات َع َّ‬ ‫َأ َك َّ‬
‫التوسع يف املآكل واملشارب‪،‬‬ ‫صور االهنماك يف الرتف ُّ‬ ‫ِ‬
‫ومن ُ‬
‫وكثرة النوم واملبالغة\ يف التجمل‪.‬‬
‫‪ -6‬االشتغال بسفاسف األمور ومحقرات األعمال‪:‬‬
‫هم عنده و ال‬‫اهلمة يعيش بال هدف وال غاية‪ ،‬ال َّ‬‫فضعيف َّ‬
‫شغل إالَّ العناية مبظهره والتأنُّق يف ملبسه‪ ،‬وتلميع سيارته‪ ،‬ومتابعة\‬
‫الفن والرياضة‪ ،‬واجللوس يف الطُرقات وعلى األرصفة وإيذاء‬ ‫أخبار ِّ‬
‫الناس بالتفحيط واملعاكسات‪.‬‬
‫‪ -7‬االسترسال مع األماني الكاذبة‪:‬‬
‫اهلمة يهوى املعايل ويعشق املكارم‪ ،‬ويريد النجاح‪،‬‬
‫فضعيف َّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪17‬‬

‫ولكنه مع ذلك ال يسعى إليها‪ ،‬وال ُّ‬


‫جيد يف طلبها‪ ،‬وال يبذل أسباب‬
‫حتصيلها وإمنا يكتفي\ باألماين الكاذبة واألحالم املعسولة‪.‬‬
‫‪ -8‬ا لتسويف والتأجيل‪:‬‬
‫اهلمة‪ ،‬ومها آفتان‬
‫احلس عدمي املباالة ضعيف َّ‬
‫ومها صفة بليد ِّ‬
‫خطريتان‪ ،‬ال يسلم منها إالَّ أ صحاب َّ‬
‫اهلمة العالية واإلرادات‬
‫القوية‪ \،‬وهلما آثار وخيمة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫التحسر على ما مضى وترك العمل‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫‪-9‬‬
‫اهلمة يتحسر على ما مضى من تقصريه‪ \،‬ويسرف يف‬‫فضعيف َّ‬
‫شديدا فيضيع بذلك حاضره ومستقبله كما ضاع‬‫ذلك إسرافًا ً‬
‫ماضيه‪ ،‬ويأتيه املوت وقد ضاع عمره فيما ال فائدة فيه‪ ،‬وال طائل‬
‫وراءه(‪. )1‬‬
‫أسباب ضعف الهمم وانحطاطها‬
‫ودنوها أسباب كثرية‪ ،‬نذكر منها‬
‫لضعف اهلمم واحنطاطها ِّ‬
‫على وجه االختصار‪:‬‬
‫‪ -1‬الوهن‪:‬‬
‫وهو كما فسره النيب ‪« :‬حب الدنيا وكراهية الموت»(‪. )2‬‬
‫كل خطيئة‪ ،‬وهو أصل التثاقل إىل‬
‫أما حب الدنيا‪ :‬فهو رأس ِّ‬
‫األرض‪ ،‬وسبب استئثار الشهوات\ واالنغماس يف َّ‬
‫امللذات والتنافس‬

‫اهلمة العالية للشيخ حممد احلمد‪.‬‬


‫(?) باختصار من كتاب َّ‬
‫‪1‬‬

‫(?) رواه أمحد وصححه األلباين‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪18‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫على دار الغرور‪.‬‬


‫أما كراهية الموت‪:‬‬
‫حب الدنيا واحلرص على متاعها‪ ،‬مع ختريب اآلخرة‪،‬‬
‫فثمرة ِّ‬
‫واهلمة العالية ال‬
‫ومها صنوان ال يفرتقان‪ ،‬ووجودمها يُورث اجلنب َّ‬
‫تسكن القلب اجلبان‪.‬‬
‫الهمة‪:‬‬
‫‪ -2‬وجود اإلنسان في بيئة أو مجتمع ساقط َّ‬
‫علو مهَّته أو سفوهلا‬
‫دور كبريٌ يف ِّ‬
‫فالبيئة اليت حتيط باإلنسان هلا ٌ‬
‫ومسو مهَّته وتشجيعه على‬
‫واحنطاطها‪ ،‬فقد تكون\ سببًا يف ترقيه ِّ‬
‫طلب املعايل والعظائم‪ ،‬وقد تكون سببًا يف عكس ذلك كالبيئة\‬
‫بالنسبة للنبات‪ ،‬فهي‪ ،‬إن كانت صاحلة منا النبات وترعرع وإن‬
‫كانت سيئة ضعف ومات‪.‬‬
‫‪ -3‬ضعف التربية المنزلية أو فسادها‪:‬‬
‫أخص من سابقه‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن البيت هو املدرسة‬ ‫وهذا السبب\ ُّ‬
‫مدين‬
‫األوىل اليت يرتىَّب فيها الولد قبل أن تُربِّيه املدرسة أو البيئة\ وهو ٌ‬
‫لوالديه يف ُسلوكه املستقيم‪ /‬كما أهنما مسئوالن\ عن فساده واحنرافه‬
‫‪ ..‬والبيت\ الذي يُرىَّب أوالده على امليوعة والرتف واإلسراف‬
‫علو‬
‫واخلوف واجلنب واهللع والفزع ال ميكن أن ينشأ أوالده على ِّ‬
‫اهلمة‪ ،‬أو يرتبَّوا\ على معايل األمور‪ ،‬والعكس\ صحيح‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪ -4‬االستجابة للصوارف األسرية‪:‬‬
‫التوسع يف حتقيق‬
‫من زوجة وأوالد‪ ،‬و استغراق اجلهد يف ُّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪19‬‬

‫مطالبهم‪ ،‬فالزوجة واألوالد قد يكونون\ فتنةً للرجل حيث يصدُّونه‬


‫عن العبادة وعن طلب العلم والسعي\ إىل املعايل ويثنونه\ عن مراده‪،‬‬
‫وذلك بسبب كثرة طلباهتم وختذيلهم له‪ ،‬وهلذا قال ربنا عز وجل‪:‬‬
‫‪َ ‬وا ْعلَ ُموا َأنَّ َما َْأم َوالُ ُك ْم َو َْأواَل ُد ُك ْم فِ ْتنَةٌ‪[ ‬األنفال‪.]28 :‬‬
‫وقال سبحانه‪ :‬يا َُّأي َها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َّن ِمن َأ ْزو ِ‬
‫اج ُك ْم َو َْأواَل ِد ُك ْم‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وه ْم‪[ ‬التغابن‪.]14 :‬‬ ‫اح َذ ُر ُ‬
‫َع ُد ًّوا لَ ُك ْم فَ ْ‬
‫‪ -5‬الكسل والفتور‪:‬‬
‫ومها عائقان\ خطريان‪ ،‬وال َّ‬
‫بد للمرء من البعد عنهما ألهنما‬
‫للهمة م ِ‬
‫ذهبان هلا‪ ،‬وقد قيل‪« :‬ما لزم أحد الدعَّة إال َّ‬
‫ذل‪،‬‬ ‫قاتالن َّ ُ‬
‫وحب الهوينى يُكسب الذل‪ ،‬وحب الكفاية أي االكتفاء بما‬ ‫ُ‬
‫عليه وعدم الرغبة في االرتقاء‪ -‬مفتاح العجز»‪.‬‬
‫الهمة‪:‬‬
‫‪ -6‬صحبة البطالين ومرافقة ساقطي َّ‬
‫ليل‬
‫الذين كلما هم اإلنسان\ جذبوه إليهم وقالوا له‪« :‬أمامك ٌ‬
‫طويل فارقُد» والطبع يسرق منهم‪ ،‬واملرء يتأثر بعادات وأخالق جليسه‪ُ ،‬‬
‫وصحبة\ هؤالء ُتعوق‬
‫ُ‬
‫املرء عن مهَّته‪ ،‬وتُثنيه عن عزميته‪ ،‬وحتول بينه وبني طلب املعايل‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬

‫َّ‬
‫فإن خالئق السفهاء تُعدي‬ ‫وال تجلس إلى أهل الدنايا‬
‫‪ -7‬كثرة الزيارات لألقارب واألصحاب‪:‬‬
‫وإهدار الوقت يف فضول املباحات‪ ،‬وفيما ال يعود مبنفعة أو‬
‫فائدة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فهذا مما يصرف اإلنسان\ عن طلب املعايل‪،‬‬
‫ويؤدي إىل ضياع عمره‪ ،‬وصدق من قال‪« :‬إذا طال المجلس‬ ‫ِّ‬
‫‪20‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫صار للشيطان فيه نصيب»‪.‬‬


‫‪ -8‬متابعة وسائل اإلعالم الهابطة‪:‬‬
‫اليت تُثبط اهلمم وختنق املواهب\ وتُكبت الطاقات وخترب‬
‫ازدراء النفس‪ ،‬وتعمق فيهم احتقار الذات‬‫العقول‪ ،‬وتزرع يف الناس َ‬
‫والشعور بالدونية‪ ،‬وتقود الناس إىل اهلاوية‪ ،‬وتقتل املروءة‬
‫ودنوها‪.‬‬
‫وتؤدي إىل احنطاط اهلمم ِّ‬ ‫والرجولة‪ِّ ،‬‬
‫‪ -9‬االنحراف في فهم العقيدة‪:‬‬
‫وخاصة مسألة القضاء والقدر‪ ،‬وعدم حتقيق ُّ‬
‫التوكل على اهلل‬
‫توكله‪ ،‬وعدم األخذ باألسباب‪ ،‬فهذه من أعظم ُمثبطات اهلمم‬ ‫حق ُّ‬
‫محاس وتطلُّع إىل العلو‪،‬‬
‫لكل ٍ‬‫ومضعفات العزائم‪ ،‬وقاتالت ِّ‬
‫للعز بالذل‪ ،‬والعلم باجلهل‪ ،‬والنشاط بالبطالة‪ ،‬والتقدُّم‬
‫ومبدالت ِّ‬
‫باالحندار والسقوط‪.‬‬
‫‪ -10‬مالحظة الناس وتقليدهم تقلي ًدا أعمى‪:‬‬
‫شك أن أكثر اخللق مفرطون‪ ،‬وهم يف الغفلة غارقون‪،‬‬ ‫وال َّ‬
‫اهلمة العلية‪ ،‬يقول ابن القيم رمحه اهلل‪« :‬فما على‬
‫وهم صوارف عن َّ‬
‫العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه‪ ،‬فنظره قاصر‪ ،‬ومهَّته واقفة عند‬
‫التشبه هبم وتقليدهم‪ ،‬والسلوك أين يسلكون حىت لو ليدخلوا جحر‬
‫ضب ألحب أن يدخل معهم»‪.‬‬
‫‪ -11‬العشق‪:‬‬
‫َّ‬
‫ألن صاحبه حيصر مهَّته يف حصول معشوقه‪ ،‬فيلهيه ذلك عن‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪21‬‬

‫حب اهلل ورسوله‪ ،‬كما َّ‬


‫أن العشق مينع القرار‪ ،‬ويسلب املنام‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وحيدث اجلنون‪ \،‬ويتلف الدين والدنيا‪ ،‬واملال والعرض والنفس‪،‬‬
‫عبدا فهو من أقوى أسباب ضعف اهلمم واحنطاطها‪.‬‬ ‫ويصري امللك ً‬
‫‪ -12‬اإلعجاب بالنفس واالستبداد بالرأي‪:‬‬
‫وهذا آية اجلهل‪ ،‬ودليل السفه ونقص العقل‪ ،‬مينع املرء من‬
‫االستفادة\ من عقول اآلخرين واالستنارة بآرائهم وجتارهبم والعكس\‬
‫فقد اإلنسان\‬‫صحيح‪ ،‬فاملبالغة يف احتقار النفس تقتل الطموح‪ ،‬وتُ ِ‬
‫الثقة بنفسه‪ ،‬واستشارة\ من ليس أهالً هلا تورد املهالك‪ ،‬وتُثيِن عن‬
‫املعايل‪.‬‬
‫‪ -13‬التردُّد المذموم واالندفاع الزائد‪:‬‬
‫اهلمة وصدق من قال‪:‬‬
‫يؤديان إىل ضعف العزمية وموت َّ‬
‫مذموم حيث ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وكالمها‬

‫يم ٍة‬ ‫نت َذا َر ٍ‬


‫أي فَ ُك ْن َذا َع ِز َ‬ ‫إ َذا ُك َ‬
‫َّدا‬ ‫الر ِ‬
‫أي أ ْن َتَت َرد َ‬ ‫اد َّ‬ ‫فس َ‬
‫إن َ‬ ‫فَ َّ‬
‫‪ -14‬الحسد والطمع والجشع‪:‬‬
‫وكلُّها من موجبات سقوط َّ‬
‫اهلمة‪ ،‬وسقوط اجلاه واملنزلة‪،‬‬
‫والطماع واجلشع ال تعلو هلم مكانة‪ ،‬وال ترتفع هلم منزلة‪،‬‬
‫فاحلاسد َّ‬
‫اهلمة ُمهيين النفس‪.‬‬
‫ألهنم دنيئي َّ‬
‫‪ -15‬الذنوب والمعاصي‪:‬‬
‫لكل ما مضى‪ ،‬والذنوب جتعل صاحبها من‬ ‫جامع ِّ‬‫وهذا السبب\ ٌ‬
‫السفلة بعد أن كان ُمهيًَّئا ألن يكون\ من العليَّة‪ ،‬وتورث ال ُذل‪،‬‬
‫‪22‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫نسي العبد نفسه‪،‬‬ ‫فسد العقل‪ ،‬وتُ ِ‬


‫ذهب احلياء‪ ،‬وتُصغِّر النفس‪ ،‬وتُ ِ‬ ‫وتُ ِ‬
‫دنو اهلمم واحنطاطها‪.‬‬
‫وكل هذه األمور من أسباب ِّ‬ ‫ُّ‬
‫بالهمة‬
‫أسباب االرتقاء َّ‬
‫باهلمة‪ ،‬وهي يف‬
‫هناك أسباب كثرية ووسائل متعدِّدة لالرتقاء َّ‬
‫اهلمة ‪ ..‬وفيما يلي مُج لة منها‪:‬‬
‫احلقيقة\ الوجه اآلخر ألسباب احنطاط َّ‬
‫‪ -1‬التربية الصحيحة من قبل الوالدين‪:‬‬
‫فإن الولد الذي حيرص والداه على تربيته على اخلصال احلميدة‬ ‫َّ‬
‫واألخالق الفاضلة‪ ،‬واخلالل الكرمية مع إبعاده عن مساوئ األخالق‬
‫اهلمة‪ ،‬حمبًّا ملعايل األمور‪،‬‬
‫سيشب بإذن اهلل عايل َّ‬
‫ُّ‬ ‫ومرذول الفعال‬
‫كارها لسفاسف األمور‪.‬‬ ‫متص ًفا مبكارم األخالق‪ً ،‬‬
‫ومن أراد أن يعرف أثر الوالدين يف نفوس األوالد فليتتبع حال‬
‫خرجوا لنا أفضل األجيال‪ ،‬وقدَّموا لنا أ عظم‬ ‫سلفنا الصاحل الذين َّ‬
‫علي بن أيب طالب وأسامة بن زيد وعبد‬ ‫األبطال‪ ،‬فمن كان وراء ّ‬
‫اهلل بن الزبري؟ ومن الذي صنع البخاري وابن تيمية وابن القيم‬
‫وغريهم؟ إهنم اآلباء العظماء واألمهات الفضليات‪.‬‬
‫‪ -2‬وجود المربين األفذاذ والمعلمين القدوة‪:‬‬
‫وحسن اخللق‪ ،‬ويستشعرون\ عظم‬ ‫اهلمة ُ‬
‫بعلو َّ‬
‫الذين يتَّصفون ِّ‬
‫بث ُروح التنافس بني‬
‫املسئولية وضخامة األمانة‪ ،‬وحيرصون على ِّ‬
‫طالهبم‪ ،‬وتربيتهم على طلب املعايل والرتفُّع عن الدنايا َّ‬
‫وعزة النفس‬
‫وقوة العزمية‪ ،‬ويؤثِّرون فيهم بالفعل قبل القول‪.‬‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪23‬‬

‫‪ -3‬العلم والبصيرة‪:‬‬
‫باهلمة‪ ،‬ويرفع طالبه عن حضيض التقليد‪ ،‬ويورث‬ ‫فالعلم يصعد َّ‬
‫صاحبه الفقه مبراتب األعمال؛ فيتَّقي فضول املباحات اليت تشغله‬
‫عن التعبُّد‪ ،‬ويبصره ِحبيَل إبليس وتلبيسه عليه كي حيول بينه وبني ما‬
‫وحيث على طلب املعايل والرتفع عن الدنايا‪.‬‬
‫ُخلق له‪ُّ ،‬‬
‫‪ -4‬مجاهدة النفس ومحاسبتها‪:‬‬
‫فبدون ذلك ال يتحقَّق شيء وال خيطو املرء خطوة لإلمام‬
‫َّه ْم ُس ُبلَنَا َوِإ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اه ُدوا فينَا لََن ْهد َين ُ‬ ‫وهلذا قال ربنا عز وجل‪َ  :‬والذ َ‬
‫ين َج َ‬
‫ين‪[ ‬العنكبوت‪]69 :‬‬ ‫ِِ‬
‫اهللَ لَ َم َع ال ُْم ْحسن َ‬
‫أن جماهدة النفس وحرماهنا من بعض َّ‬
‫ملذاهتا ورغباهتا وعوائدها‪ ،‬وإلزامها بأعمال‬ ‫شك َّ‬
‫وال َّ‬
‫يقوي اإلرادة‪،‬‬ ‫شك َّ‬
‫أن هذا ِّ‬ ‫باجلد واحلزم‪ ،‬ال َّ‬
‫جهدا ومشقَّة‪ ،‬وحماسبتها على التقصري‪ ،‬وأخذها ِّ‬
‫حتتاج ً‬
‫ويبعث على العزمية يقول الشاعر‪:‬‬

‫اعتز ُازها‬
‫وس َ‬ ‫أهواء الن ُف ِ‬
‫وفي قَمع َ‬
‫يلها َما تَشتهي ذُ ٌّل َسرم ُد‬
‫وفي نَ َ‬
‫هما واح ًدا‪:‬‬
‫‪ -5‬إرادة اآلخرة وجعل الهموم ًّ‬
‫اد اآْل ِخ َر َة َو َس َعى لَ َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن‬
‫قال تعاىل‪َ  :‬و َم ْن ََأر َ‬
‫ورا‪[ ‬اإلسراء‪]19 :‬‬ ‫فَُأولَِئ َ‬
‫ك َكا َن َس ْع ُي ُه ْم َم ْش ُك ً‬
‫وقال ‪« :‬من كانت اآلخرة همه؛ جعل اهلل غناه في قلبه‪،‬‬
‫وجمع له شمله‪ ،‬وأتته الدنيا وهي راغمة‪ ،‬ومن كانت الدنيا‬
‫همه؛ جعل اهلل فقره بين عينيه‪ ،‬وفرق عليه شمله‪ ،‬ولم يأته من‬
‫‪24‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫الدنيا إال ما قدر له»(‪. )1‬‬


‫‪ُّ -6‬‬
‫تذكر الموت وقصر األمل‪:‬‬
‫اهلمة‪ ،‬ويبعث\ اجلد واالجتهاد‪ ،‬ويدفع إىل العمل‬‫فهذا يُوقظ َّ‬
‫لآلخرة‪ ،‬والتجايف عن دار الغرور وجتديد التوبة وإيقاظ العزم على‬
‫االستقامة\ ‪ ..‬يقول ابن القيم رمحه اهلل‪:‬‬
‫التأهب للقاء اهلل‪ -‬ومنه تذكر املوت واالستعداد له‪-‬‬ ‫«صدق ُّ‬
‫فإن من َّ‬
‫استعد‬ ‫من أنفع ما يكون للعبد وأبلغه يف حصول استقامته‪َّ ،‬‬
‫للقاء اهلل انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها‪ ،‬ومخدت من‬
‫نفسه نريان الشهوات‪ \،‬وأخبت قلبه إىل اهلل وعكفت مهَّته على اهلل‬
‫وعلوما أخر‪،‬‬
‫ً‬ ‫وعلى حمبته وإيثار مرضاته واستحدثت مهَّة أخرى‬
‫وولد والدة أخرى تكون\ نسبة قلبه فيها إىل الدار اآلخرة كنسبة‬
‫جسمه إىل هذه الدار بعد أن كان يف بطن ِّأمه‪ ..‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعاء الصادق وااللتجاء إلى اهلل‪:‬‬
‫يقوي إرادتنا‪ ،‬ويعلي مهَّتنا ويرفع‬
‫فهو املسئول وحده أن ِّ‬
‫اهلمة‪ ،‬وهلذا كان من‬
‫درجاتنا ‪ ..‬وبالدعاء تشرف النفس وتعلو َّ‬
‫وحسن‬ ‫ِ‬
‫دعاء النيب ‪« :‬اللهم أعنِّي على ذكرك و ُشكرك ُ‬
‫عبادتك»(‪. )2‬‬
‫‪ -8‬قراءة القرآن الكريم وتدبره‪:‬‬
‫وحيث على‬
‫فهو يهدي لليت هي أقوم‪ ،‬ويدفع إىل الكماالت‪ُّ ،‬‬
‫(?) رواه الرتمذي وصححه األلباين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه أبو داود وصححه النووي‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪25‬‬

‫كل مجيل‪ ،‬وهو الذي يرهف العزائم ويعلي‬‫الفضائل‪ ،‬ويدعو إىل ِّ‬
‫اهلمم‪ ،‬ويقوي ا إلرادات‪ ،‬وحيفز النفوس\ على العمل النافع والسعي‬
‫املثمر‪ ،‬ويطهر النفوس من الدنايا‪ ،‬وينأى هبا عن حمقرات األعمال‬
‫وسفاسف األمور‪ ،‬وهو الذي جعل من رعاة الغنم قادة األمم‬
‫تفجريا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وفجروا العلم واحلكمة‬
‫فنشروا العدل‪ ،‬وقضوا على الظلم‪َّ ،‬‬
‫التحول عن البيئة المثبطة للهمم‪:‬‬
‫‪ُّ -9‬‬
‫فعلى املرء أن يهجر البيئة\ اليت تدعوه إىل الكسل واخلمول‬
‫وإيثار الدون حىت تعلو مهَّته‪ ،‬وتتحرر من سلطان تأثريها‪ ،‬وتنعم‬
‫بفرصة الرتقِّي إىل املطالب العالية حيث جيتمع قلبه‪ ،‬ويلتئم مشله‪،‬‬
‫وتتوحد مهَّته‪ ،‬وتتوجه بصدق وعزم حنو املعايل‪.‬‬
‫‪ -10‬مصاحبة أولي الهمم العالية‪:‬‬
‫اهلمة‬
‫أخص من سابقه‪ ،‬وهو من أ عظم ما يبعث َّ‬ ‫وهذا السبب\ ُّ‬
‫كل قرين باملقارن‬ ‫ويريب األخالق الرفيعة يف النفس‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن َّ‬
‫يقتدي‪ ،‬واملرء مولع مبحاكاة من حوله‪ ،‬شديد التأثر مبن يصاحبه‪،‬‬
‫جمبول على الغرية\ والتنافس ومزامحة اآلخرين‪.‬‬
‫ووجود الصاحب‪ ،‬الذي جيري بك حنو معايل األمور‪ ،‬وال‬
‫جناحا شخصيًا‬‫يتواىن يف تقدمي ما مينحك التوفيق‪ ،‬ويعترب جناحك ً‬
‫له‪ ،‬مهم يف وصولك إىل القمة وبلوغ املعايل‪ .‬وهذا يفسر لنا قول‬
‫ابن مسعود رضي اهلل عنه‪« :‬اعتربوا\ الرجل مبن يصاحب‪ ،‬فإمنا‬
‫يصاحب الرجل من هو مثله»‪.‬‬
‫خريا من أخ صاحل فإذا‬
‫ويقول عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪« :‬ما أعطي ع بد بعد اإلسالم ً‬
‫‪26‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫رأى أحدكم\ ودًّا من أخيه فليتمسك به»‪.‬‬

‫بالذي اختَرت َخلِيال‬ ‫أنت في النَّاس ُت َقاس‬


‫َ‬
‫كرا َجميال‬ ‫ِ‬
‫وتَنل ذ ً‬ ‫فاص َحب األخيَار تَعلو‬
‫ْ‬
‫من ي ِ‬
‫ؤاخيه ُخ ُموال‬ ‫تكسو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫صحبة ال َخامل ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلمة يف التسابق إىل‬
‫وإذا أردت أن تعرف أثر الصحبة العالية َّ‬
‫فتأمل ما قاله حممد بن علي السلمي رمحه اهلل‪« :‬قمت ليلة‬ ‫اخلريات‪َّ ،‬‬
‫سحرا آلخذ النوبة\ على ابن األخرم‪ ،‬فوجدت قد سبقين ثالثون\‬ ‫ً‬
‫قارًئا‪ ،‬ومل تدركين النوبة إىل العصر»‪.‬‬
‫‪ -11‬إدامة النظر في سيرة النبي ‪:‬‬
‫فهو أقوى الناس عزميةً وأعظمهم إراد ًة وأعالهم مهَّة‪ ،‬وحياته ‪‬‬
‫اهلمة وتوقظ العزمية‪.‬‬
‫علو َّ‬‫مليئة باملواقف واألحداث اليت تبعث\ َّ‬
‫يقول ابن حزم رمحه اهلل‪« :‬من أراد خري اآلخرة وحكمة الدنيا‬
‫وعدل السرية‪ ،‬واالحتواء\ على حماسن األخالق كلها‪ ،‬واستحقاق‬
‫ِ‬
‫فليقتد مبحمد رسول اهلل ‪ ‬وليستعمل أخالقه‬ ‫الفضائل بأسرها؛‬
‫وسريه ما أمكنه»‪\.‬‬
‫‪ -12‬مطالعة أخبار السلف وقراءة سيرهم‪:‬‬
‫اجلد والنشاط‪ ،‬يقول‬
‫والنظر يف ترامجهم وما كانوا عليه من ِّ‬
‫ابن اجلوزي رمحه اهلل‪« :‬فسبيل طالب الكمال االطالع على‬
‫وعلو مهمهم‪ ،‬ما يشحذ خاطره‪،‬‬
‫الكتب‪ \..‬فإنه يرى من علوم القوم ِّ‬
‫وحيرك عزميته للجد»‪..‬‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪27‬‬

‫مث يقول‪« :‬وعليكم مبالحظة سري السلف ومطالعة تصانيفهم\‬


‫وأخبارهم‪ ،‬فاالستكثار من مطالعة ُكتبهم ُرؤية هلم»‪.‬‬
‫مث يُبني مثرة ذلك فيقول‪ ..« :‬فاستفدت بالنظر فيها من‬
‫مالحظة سري القوم وقدر مهمهم وحفظهم وعباداهتم وغرائب\‬
‫علومهم ما ال يعرفه من مل يطالع»‪.‬‬
‫همته وأنه ال بد له أن‬
‫‪ -13‬اعتراف الشخص بقصور َّ‬
‫يطورها ويعلو بها‪:‬‬
‫بد منه‪ ،‬فمن مل يعرتف بقصور مهَّته ال ميكن أن‬ ‫أمر ال َّ‬
‫وهذا ٌ‬
‫قادر على أن‬
‫بد أن يعتقد أنه ٌ‬ ‫حياول يف تطويرها واالرتقاء هبا‪ ،‬مث ال َّ‬
‫اهلمة العالية‪ ،‬وبدون هذين األمرين ال ميكن أن‬ ‫يكون\ من أهل َّ‬
‫يتقدَّم املرء أو خيطو خطوات صحيحة‪.‬‬
‫‪ -14‬الحرص على تحصيل الكماالت والتشويق إلى‬
‫المعرفة‪:‬‬
‫قانعا حباله وما هو‬
‫فمن استوى عنده العلم واجلهل‪ ،‬أو كان ً‬
‫علوها واالرتقاء هبا إىل األفضل‪،‬‬ ‫عليه؛ مل ِ‬
‫ترتق مهَّته ومل حيرص على ِّ‬
‫يقول عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنه‪« :‬إن\ نفسي تواقة‪ ،‬وإهنا مل‬
‫تُعط من الدنيا شيًئا إال تاقت إىل ما هو أفضل منه‪ ،‬فلما ُأعطيت ما‬
‫ال أفضل منه يف الدنيا؛ تاقت إىل ما هو أفضل منه ‪ ..‬يعين اجلنة»‪.‬‬
‫ويقول ابن حجر رمحه اهلل واص ًفا حال اإلمام جالل الدين‬
‫أحدا ممَّن لقيته أحرص على حتصيل الفائدة منه‪،‬‬
‫البلقيين‪« :‬ما رأيت ً‬
‫حبيث إنه كان إذا طرق مسعه شيء مل يكن يعرفه ال يقر وال يهدأ‬
‫‪28‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫مكب على‬
‫وال ينام حىت يقف عليه وحيفظه‪ ،‬وهو على هذا ٌّ‬
‫حق احملبة»\ اهـ‪.‬‬
‫حمب للعلم ّ‬
‫االشتغال‪ٌّ ،‬‬
‫‪ -15‬تحديد األهداف ومراعاة األولويات واإلعداد الجيد‬
‫للوصول إليها‪:‬‬
‫وذلك َّ‬
‫ألن اإلنسان\ إذا مل حيدِّد األهداف اليت يريد حتقيقها ومل‬
‫يقدم ما حقُّه التقدمي‪ ،‬ومل يرسم لنفسه طُرقًا للوصول إىل هذه‬
‫األهداف‪ ،‬إذا مل يفعل ذلك سيصاب بامللل والرتابة والكسل‪،‬‬
‫وكلُّها أشياء مثبطة للهمم مضعفة هلا‪.‬‬
‫‪ -16‬البعد عن الترف والنعيم‪:‬‬
‫ألن االنغماس يف النعيم والتقلُّب يف الرتف‪ ،‬واالهنماك‬
‫وذلك َّ‬
‫يف اللذات يشغل اإلنسان\ عن طلب املعايل‪ ،‬ويسد عليه طريق اجملد‪،‬‬
‫اهلمة وحقارة الشأن‪ \،‬والعكس صحيح‪ ،‬فالبعد عن‬ ‫ويورث ضعف َّ‬
‫اهلمة‬
‫الرتف والتجايف عن النعيم يعني على بلوغ العز واكتساب َّ‬
‫العالية والطموح إىل معايل األمور‪.‬‬
‫‪ -17‬النظر إلى من هو أعلى في الفضائل‪ ،‬وإلى ما هو‬
‫أسفل في أمور الدنيا‪:‬‬
‫اهلمة العالية والنهوض\ إىل طلب‬
‫فهذا من وسائل اكتساب َّ‬
‫معايل األمور‪ ،‬وقد قيل‪« :‬إذا علمت فال تفكر يف كثرة من دونك‬
‫من اجلهال‪ ،‬ولكن انظر إىل من فوقك من العلماء»‪.‬‬
‫وذلك َّ‬
‫ألن اإلنسان\ إذا نظر إىل من هو أعلى منه يف الفضائل‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪29‬‬

‫دفعه ذلك إىل اقتنائها واجتهد يف طلبها‪ ،‬ومل يرض من املناقب إالَّ‬
‫بأعالها ومل يقف عند فضيلة إالَّ وطلب الزيادة فيها‪.‬‬
‫‪ -18‬استشعار المسئولية‪:‬‬
‫ويقويها\ ويقود إىل التنافس يف اخلريات‪،‬‬
‫اهلمة ِّ‬
‫وهذا مما يبعث\ َّ‬
‫كل ما يف وسعه ومقدوره‪ ،‬وينهض‬ ‫وجيعل اإلنسان يبذل َّ‬
‫تردد أو إحجام‪ ،‬وال خيتلق األعذار للتهرب من‬ ‫بالواجبات من غري ُّ‬
‫املسئولية‪ ،‬قال ‪« :‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته»(‪.)1‬‬
‫وهمته‪:‬‬
‫‪ -19‬التنافس والتنازع بين الشخص َّ‬
‫ويطورها أن يكلِّف نفسه‬
‫هبمته ِّ‬
‫فعلى من يريد أن يرتقي َّ‬
‫نوعا من‬
‫بأعمال جديدة غري اليت اعتادها‪ ،‬وهذا بدوره خيلق ً‬
‫التحدِّي بداخله إلجناز هذه األعمال اجلديدة‪ ،‬كما أنه هبذا العمل‬
‫استثار مهَّته وحرك إرادته حنو مزيد من األعمال‪ ،‬ودفع عن نفسه‬
‫امللل واليأس\ اللذين قد يُصاب هبما نتيجة تكرار األعمال اليومية‪\.‬‬
‫‪ -20‬ا نتهاز الفرص التي تعرض عليك‪:‬‬
‫َّ‬
‫فإن الفرص مثينة‪ ،‬وفواهتا ال يعوض‪ ،‬وانتهازها دليل على اجلد واحلزم‪ ،‬ووسيلة\ لتحسني‬

‫اهلمة يقول الشاعر‪:‬‬


‫األخالق وتقويتها واليت منها علو َّ‬
‫وتهَا‬
‫صةَ َواحَْذْر َف َ‬
‫ادِر الفُرْ َ‬
‫بَ ِ‬
‫وغ العِِّز ِفي َنْيلِ ال ُفرص‬
‫َفُبُل ُ‬
‫‪ -21‬اغتنام األوقات‪:‬‬

‫(?) متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪30‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫فإن الوقت هو رأس مال اإلنسان‪ ،‬وضياعه ضياع لإلنسان‪،‬‬ ‫َّ‬


‫وحفظه واستثماره\ يف املفيد النافع من أعظم احلفظ وأحسن‬
‫حريصا أخي ا ملسلم على أن يكون لك جم ٌد‬
‫ً‬ ‫االستثمار فإن كنت‬
‫فدع الراحة جانبًا‪ ،‬واجعل بينك وبني اللهو واللعب حاجبًا‪ ،‬فالعاقل‬
‫ِ‬
‫حق قدره‪ ،‬وال يتخذه وعاء ألخبس األشياء‪،‬‬
‫من يقدِّر قيمة وقته َّ‬
‫فاألنفاس معدودة‪ ،‬والوقت\ حمدود‪ ،‬وما فات من الزمن ال يعود‪.‬‬
‫‪ -22‬التوكل على اهلل مع األخذ باألسباب‪:‬‬
‫فتوجه القلب إىل اهلل تعاىل واستمداد العون\ منه واالعتماد عليه‬
‫َّ‬
‫وحده والقيام\ باألسباب املأمور هبا حال العمل‪ ،‬سبب يف حصول‬
‫معا‪ ،‬وهذا‬
‫املراد ودفع املكروه‪ \،‬وال يكفي\ أحدمها‪ ،‬بل ال بد منهما ً‬
‫هو التوكل احلقيقي على اهلل‪ ،‬وما بذل أحد جهده‪ ،‬وسعى يف‬
‫األمور النافعة‪ ،‬واستعان باهلل‪ ،‬وأتى األمور من أبواهبا؛ إالَّ وأدرك‬
‫مقصوده‪ ،‬وحقَّق مناه كلَّه أو بعضه‪.‬‬
‫‪ -23‬السالمة من الغرور ومن المبالغة في احتقار النفس‪:‬‬
‫ألن الغرور واحتقار النفس من أعظم أسباب سقوط‬ ‫وذلك َّ‬
‫وقوة‬
‫اهلمة َّ‬
‫أن السالمة منهما من أعظم علو َّ‬‫ودنوها‪ ،‬كما َّ‬
‫اهلمة ِّ‬‫َّ‬
‫كل من عداه‪ ،‬ويرتفَّع عن‬ ‫اإلرادة‪َّ ،‬أما الغرور َّ‬
‫فألن صاحبه حيتقر َّ‬
‫اإلصغاء للنصيحة واالستماع إىل آراء اآلخرين ويستبد برأيه‪ ،‬وال‬
‫وأما احتقار النفس فألنه حيطم النفس‬
‫يستفيد من جتارب غريه‪َّ ،‬‬
‫ويسلب اإلرادة ويفقد األمل ويقلل الثقة بالنفس ويساعده على‬
‫الكسل واخلمول‪.‬‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪31‬‬

‫بالهمة وتضييعها‪:‬‬
‫كل ما من شأنه الهبوط َّ‬
‫‪ -24‬االبتعاد عن ِّ‬
‫اهلمة‬
‫تؤدي إىل احنطاط َّ‬ ‫وقد ذكرنا مُج لة من األسباب اليت ِّ‬
‫ودنوها‪ ،‬وال شك أن تاليف هذه األسباب واالبتعاد عنها والعمل‬‫ِّ‬
‫على إجياد عكسها‪ ،‬هو أجنع األدوية وأقواها‪.‬‬
‫‪ -25‬تقوى اهلل تعالى وطاعته‪:‬‬
‫لكل ما مضى‪ ،‬فتقوى اهلل هي العدَّة يف‬
‫جامع ِّ‬‫وهذا السبب\ ٌ‬
‫السمو إىل‬
‫ِّ‬ ‫امللمات‪ ،‬وهي مبعث القوة\ ومعراج‬
‫الشدائد والعون يف َّ‬
‫السماء‪ ،‬وهي اليت تُثبِّت\ األقدام يف املزالق‪ ،‬وتربط القلوب يف الفنت‪،‬‬
‫وتقذف النفس حنو معايل األمور وتورث الطمأنينة والسكينة‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫للهمة العالية من حياة السلف‬


‫نماذج َّ‬
‫مل ختل حياة سلفنا من مناذج عظيمة وقمم عالية يف شىت العلوم‬
‫ترض‬
‫والفروع‪ ،‬تعلقت قلوهبم باملعايل واشتاقت للذرى‪ ،‬فلم َ‬
‫اهلمة ويقدح زندها ويزكي‬ ‫أبدا‪ ،‬وسري هؤالء مما يبعث\ َّ‬
‫بالدون ً‬
‫املضي على آثارهم والتخلُّق‬
‫أوارها‪ ،‬ويبعث\ يف النفوس\ ُروح ِّ‬
‫بأخالقهم‪.‬‬
‫بعلو مهَّة سلفنا‪ ،‬وتعلن عن‬
‫لقد حفل تارخينا مبواقف رائعة تشي ِّ‬
‫نظرهتم العميقة إىل حقائق األشياء‪ ،‬وتساميهم عن املظهرية اجلوفاء‪،‬‬
‫وترفعهم عن سفاسف األمور ودنايا األفعال‪ ،‬واعتزازهم بانتمائهم‬
‫إىل هذا الدين ‪ ..‬وها هي إشارات سريعة من حياة القوم نسوقها‬
‫علَّها حترك نفوسنا\ للسري يف طريقهم‪.‬‬
‫همة السلف في طلب العلم‬
‫علو َّ‬
‫يقول ابن عباس رضي اهلل عنه‪« :‬ملا قُبض رسول اهلل ‪ ‬قلت‬
‫هلم فلنسأل أصحاب رسول اهلل ‪ ،‬فإهنم اليوم\‬‫لرجل من األنصار‪ّ :‬‬
‫كثري‪ ،‬فقال‪ :‬وا عجبًا لك يا ابن عباس‪ ،‬أترى الناس يفتقرون إليك‬
‫ويف الناس من أصحاب رسول اهلل ‪ ‬من فيهم؟‬
‫قال‪ :‬فرتكت ذاك‪ ،‬وأقبلت أسأل أصحاب رسول اهلل ‪ ،‬وإن‬
‫كان يبلغين احلديث عن الرجل فآيت بابه وهو قائل‪ ،‬فأتوسد ردائي‬
‫على بابه‪ ،‬يسفي الريح علي من الرتاب‪ ،‬فيخرج فرياين فيقول‪ :‬يا‬
‫إيل فآتيك؟ فأقول‪:‬‬
‫ابن عم رسول اهلل‪ ،‬ما جاء بك؟ هال أرسلت َّ‬
‫أحق أن آتيك‪ ،‬فأسأله عن احلديث‪.‬‬
‫ال‪ ،‬أنا ُّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪33‬‬

‫فعاش هذا الرجل األنصاري حىت رآين وقد اجتمع الناس حويل‬
‫يسألوين فيقول‪ :‬هذا الفىت كان أعقل مين»‪.‬‬
‫وقيل للشعيب‪ :‬من أين لك هذا العلم كله؟ قال‪ :‬بنفي االعتماد‪،‬‬
‫والسري يف البالد‪ ،‬وصرب كصرب احلمار‪ ،‬وبكور كبكور الغراب‪.‬‬
‫ويقول الرازي عن نفسه‪« :‬أول ما رحلت أقمت سبع سنني‪،‬‬
‫ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ‪ ،‬مث تركت العدد‪،‬‬
‫وخرجت من البحرين إىل مصر ماشيًا مث إىل الرملة ماشيًا‪ ،‬مث إىل‬
‫طرسوس‪ ،‬ويل عشرون سنة»‪.‬‬
‫همتهم في العبادة‬
‫علو َّ‬
‫ِّ‬
‫اجتهادا‬
‫ً‬ ‫اجتهد أبو موسى األشعري رضي اهلل عنه قبل موته‬
‫شديدا فقيل له‪ :‬لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟! فقال‪:‬‬‫ً‬
‫َّ‬
‫إن اخليل إذا أرسلت فقاربت رأس جمراها أخرجت مجيع ما عندها‪،‬‬
‫أقل من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فلم يزل على ذلك حىت‬‫والذي بقي من أجلي ُّ‬
‫مات‪.‬‬
‫وكان أبو مسلم اخلوالين قد علَّق سوطًا يف مسجد بيته خيوف‬
‫ألزحفن بك زح ًفا حىت‬
‫َّ‬ ‫به نفسه‪ ،‬وكان يقول لنفسه‪ :‬قومي فواهلل‬
‫يكون\ الكلل منك ال مين‪ ،‬فإذا دخلت الفرتة تناول سوطه وضرب‬
‫به ساقه‪ ،‬ويقول‪ :‬أنت أوىل بالضرب من دابيت‪.‬‬
‫وكان يقول‪« :‬أيظن أصحاب حممد ‪ ‬أن يستأثروا به دوننا؟!‬
‫زحاما حىت يعلموا أهنم قد خلفوا وراءهم‬
‫كال واهلل‪ ،‬لنزامحهم عليه ً‬
‫رجاالً»‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫وعن محاد بن سلمة قال‪« :‬ما أتينا سليمان التيمي يف ساعة‬


‫مطيعا‪ ،‬إن كان يف ساعة صالة‬ ‫عز وجل فيها إالَّ وجدناه ً‬‫يُطاع اهلل َّ‬
‫وجدناه مصليًا‪ ،‬وإن مل تكن ساعة صالة وجدناه َّإما متوضًئا‪ ،‬أو‬
‫قاعدا يف املسجد‪ ،‬قال‪ :‬فكنا نرى أنه‬
‫مشيعا جلنازة ‪ ,‬أو ً‬
‫عائدا‪ ،‬أو ً‬ ‫ً‬
‫ال حيسن يعصي\ اهلل عز وجل»‪.‬‬
‫همتهم في الدعوة إلى اهلل‬
‫علو َّ‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬
‫قال شجاع بن الوليد‪« :‬كنت أخرج مع سفيان\ الثوري فما‬
‫يكاد لسانه يفرت عن األمر باملعروف والنهي عن املنكر ذاهبًا‬
‫وراجعا»‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال إبراهيم بن األشعث‪« :‬كنا إذا خرجنا مع الفضيل يف‬
‫يودع أصحابه ذاهب‬
‫جنازة ال يزال يعظ ويذكر ويبكي حىت لكأنه\ ِّ‬
‫إىل اآلخرة‪.»..‬‬
‫وكان الفقيه الواعظ\ أمحد الغزايل يدخل القرى والضياع‪\،‬‬
‫ويعظ أهل البوادي تقربًا إىل اهلل‪.‬‬
‫همتهم في الجهاد في سبيل اهلل‬
‫علو َّ‬
‫علو مهَّة صالح الدين األيويب رمحه‬
‫يقول القاضي ابن شداد عن ِّ‬
‫اهلل‪« :‬كان رمحه اهلل عنده من أ مر القدس أمر عظيم ال حتمله‬
‫اجلبال‪ ،‬وهو كالوالدة الثكلي جيول بنفسه من ٍ‬
‫طلب إىل طلب‪،‬‬
‫وحيث الناس على اجلهاد‪ ،‬ويطوف بني األطالب\ بنفسه‪ ،‬وينادي‪ :‬يا‬
‫ُّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪35‬‬

‫لإلسالم‪ ،‬وعيناه\ تذرفان بالدموع»‪.‬‬


‫ونظر صالح الدين رمحه اهلل إىل أمواج البحر اهلادرة‪ ،‬مث التفت‬
‫«أما أحكي لك شيًئا يف نفسي؟ إنه‬ ‫إىل القاضي ابن شداد وقال‪َ :‬‬
‫يسر اهلل تعاىل فتح بقية الساحل قسمت البالد‪ ،‬ووصيت‬ ‫مىت َّ‬
‫وودعت‪ ،‬وركبت هذا البحر إىل جزائره‪ ،‬وأتبعتهم – أي‬
‫الصليبيني‪ -‬فيها حىت ال أبقي على وجه األرض من يكفر باهلل أو‬
‫أموت»‪.‬‬
‫وانظر إىل مهَّة اإلمام ابن حزم رمحه اهلل اليت بلغت اآلفاق إذ يقول‪:‬‬
‫أبثها‬
‫مَُناي مِن الدُنيَا ُعلو ٌم ُّ‬
‫اضر‬
‫اد َوحَ ِ‬ ‫َوَأنشُُرهَا ِفي ُكِّل بَ ٍ‬
‫دَُعاء إلى القُرآن والسَُنن الَّتي‬
‫المحاضرِ‬
‫ِ‬ ‫كرها في‬ ‫َتَناسَى ِرجالٌ ذِ َ‬
‫جاهِ ًدا‬‫اف الثُُغورِ ُم َ‬
‫طر َ‬ ‫َوألزم َأ َ‬
‫ارت َفأََّول نَِافِر‬ ‫إذا َهيعٌَة ثَ َ‬
‫ألَلقَى ِحَمامي ُمقبالً َغير ُمدبٍِر‬
‫البواتِِر‬
‫اق َ‬ ‫مر العَوالِي َوالدقَ ِ‬ ‫بس ِ‬
‫ُ‬
‫ومة الوَغَى‬ ‫احا مَع الكفّار في حَ ِ‬ ‫كف ً‬
‫َ‬
‫تل َكِافِر‬ ‫لفَتى َق ُ‬ ‫وت لِ َ‬
‫أكرُم َم ٍ‬ ‫َو َ‬
‫يرهَا‬‫جعل ِحَمامي َبغ ِ‬ ‫ب ال َت َ‬‫َفيا َر ُّ‬
‫جعِلني مِن َقِطين المقَِابر‬ ‫َوال تَ َ‬
‫الهمة‬
‫ثمرات علو َّ‬
‫‪36‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫اهلمة أخي احلبيب مثرات كثرية منها‪:‬‬


‫لعلو َّ‬
‫ألن احلياة الطيبة ال تُنال إالَّ َّ‬
‫باهلمة العالية‬ ‫اهلمة سبب للحصول على احلياة الطيبة؛ َّ‬
‫‪ -1‬علو َّ‬
‫واحملبة الصادقة واإلرادة اخلالصة‪ ،‬وعلى قدر ذلك تكون احلياة الطيبة‪ ،‬وأخس الناس حياة أخسهم‬

‫مهَّة‪ ،‬وأضعفهم حمبة وطلبًا‪ ،‬وحياة البهائم خري من حياته كما قيل‪:‬‬
‫غفَلةٌ‬
‫هو َو ْ‬ ‫ور َس ٌ‬
‫ارك َيا مغرُ ُ‬
‫نهَ ُ‬
‫ك الزُِم‬
‫وم والرََّدى لَ َ‬
‫وليلك نَ ٌ‬ ‫ُ‬
‫نكر ِغّبه‬‫وف تُ ِ‬‫ح ِفيمَا سَ َ‬‫َوتكدَ ُ‬
‫عيش البهَِائمُ‬
‫كذِلك في الدُنيَا تَ ُ‬ ‫َ‬
‫ح ِبالُْمنى‬‫وتفرَ ُ‬
‫تسرُّ بِما َيفنَى َ‬
‫النوم حَِالمُ‬‫كما َغرَّ باللذَّات في َّ‬
‫خريا غري جمذوذ‪ ،‬وجيري يف‬
‫اهلمة جيلب لصاحب ً‬ ‫‪ -2‬علو َّ‬
‫عروقه دم الشهامة‪ ،‬والركض يف ميدان العلم والعمل‪ ،‬فال يُرى‬
‫واق ًفا إال على أبواب الفضائل‪ ،‬وال باسطًا يده إال ملهمات األمور‪.‬‬
‫اهلمة يسلب منك سفاسف ا آلمال واألعمال‪،‬‬‫‪ -3‬علو َّ‬
‫وجيتث منك شجرة الذل واهلوان‪ ،‬وال جيعلك ترضى الدون‪ ،‬وال‬
‫تقنع بالسفاسف‪.‬‬
‫كثريا من األمور اليت يظنها عامة الناس‬
‫اهلمة حيقق لك ً‬
‫‪ -4‬علو َّ‬
‫خياالً ال يتحقَّق‪ ،‬وهذا أمر مشاهد ومعروف عند أهل اهلمم؛ إذ‬
‫اهلمة‬
‫يستطيعون\ إجناز كثري من األعمال بإذن اهلل‪ ،‬اليت يظنها ضعفاء َّ‬
‫خياالً‪.‬‬
‫اهلمة سبب للوصول إىل املراتب العالية يف العبادة‬
‫‪ -5‬علو َّ‬
‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬ ‫‪37‬‬

‫والزهد‪ ،‬واألمثلة على ذلك من حياة السلف كثرية‪.‬‬


‫اهلمة ترفع القوم من السقوط‪ ،‬وتبدهلم باخلمول نباهة‪،‬‬
‫‪ -6‬علو َّ‬
‫وباحلطة رفعة‪ ،‬وباالضطهاد حرية‪ ،‬وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية‪.‬‬
‫اهلمة جتعل اإلنسان\ جيود بالنفس والنفيس يف سبيل‬ ‫‪ -7‬علو َّ‬
‫حتصيل غايته وحتقيق بغيته؛\ ألنه يعلم أن املكارم منوطة\ باملكاره‪،‬‬
‫وأن املصاحل واخلريات واللذات ال تنال إال حبظ من املشقة وال يعرب‬
‫إليها إال على جسر من التعب‪\.‬‬
‫اهلمة جتعل صاحبها قدوة يف جمتمعه‪ ،‬ينظر إليه‬
‫‪ -8‬علو َّ‬
‫هبمته‪ ،‬وتناط به األمور الصعبة\‬
‫الكساىل والقاعدون فيقتدون\ َّ‬
‫وتوكل إليه‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ :‬نسأل اهلل تعاىل أن يرزقنا مهَّة عالية‪ ،‬وعزمية قوية‪،‬‬
‫إنه ويل ذلك و القادر عليه‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫علو الهمة ‪ ..‬طريقك إلى القمة‬

‫أهم املراجع‬
‫اهلمة للشيخ حممد إمساعيل املقدم‪.‬‬
‫‪ -1‬علو َّ‬
‫اهلمة العالية للشيخ حممد احلمد‪.‬‬
‫‪َّ -2‬‬
‫اهلمة طريق إىل القمة للدكتور حممد حسن عقيل‪.‬‬
‫‪َّ -3‬‬
‫‪ -4‬الوجيزة يف األخالق اإلسالمية للشيخ عبد الرمحن امليداين‪.‬‬
‫‪ -5‬جند املعايل خلليل صقر‪.‬‬
‫وغريها كثري‪...‬‬

You might also like