Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 20

1

‫المقدمة‪:‬‬
‫يف احلقيقة إذا قيل التجديد فإن أول ما ديكن أن يطرأ على الذىن ىو احلديث النبوي‬ ‫‪-‬‬
‫الذي ذكره النيب ﷺ يف قضية جتديد ىذا الدين وىو احلديث الذي أخرجو اإلمام أبو‬
‫داوود‪-‬رمحو اهلل‪ -‬يف سننو وأخرجو غَته من أصحاب الكتب ادلصنفة‪ ،‬فعن أيب ىريرة رضي اهلل‬
‫عنو أن النيب ﷺ قال‪" :‬إن اهلل يبعث ذلذه األمة على رأس كل مائة سنة من جيدد ذلا دينها"‪،‬‬
‫وىذا احلديث متداول تداوالً واسعاً بُت العلماء على مر العصور من ادلتقدمُت ومن ادلتأخرين‪،‬‬
‫وشلن تناولو باحلكم عليو من حيث الصحة اإلمام السخاوي والعراقي وابن حجر‪ ،‬ىؤالء الثالثة‬
‫كلهم صححوا إسناده‪.‬‬

‫ىذا احلديث أفرد بالتصنيف‪ ،‬فالسيوطي لو كتاب بعنوان " التنبئة مبن يبعثو اهلل على‬ ‫‪-‬‬
‫رأس كل مئة " وىي رسالة مطبوعة وطبعت حديثاً ضمن أربع رسائل أخرى للسيوطي عن‬
‫اجملتهدين واالجتهاد‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬وىذا احلديث يطرأ حتت ىذا العنوان حُت تتناول القضية‬
‫من الناحية الشرعية وإن كان لفظ التجديد يف الواقع ادلعاصر يطرح يف فضاءات فكرية ال‬
‫تتناول التجديد من حيث اإلرتكاز على ىذا النص النبوي وإمنا تطرح من حيث النظر الفكري‬
‫ادلعريف احملض‪ ،‬قد تكون بعض ىذه األطروحات التجديدية اليت تتخذ من ىذه ادلظلة الفكرية‪،‬‬
‫مظلة وحيدة ذلا يف بعض دتثالهتا تأثروا بفكرة احلداثة وفكرة التحديث‪.‬‬

‫ولذلك من ادلفاىيم اخلاطئة اليت ديكن أن تنبت حتت ىذه ادلظلة‪ ،‬مفاىيم الظن بأن‬ ‫‪-‬‬
‫التجديد ىو اإلتيان مبا ىو جديد مطلقاً والسعي إلجياد القطيعة بُت الواقع وبُت القدمي والنظر‬
‫دائماً إىل ما ىو جديد من حيث اإلطالق؛ أي أفكار جديدة مل تطرح سابقاً وأقوال جديدة‬
‫ليس ذلا دتثالت سابقة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ىذه ادلظلة األوىل اليت حتدثت عنها وىي ادلظلة اليت تتحدث عن‪ :‬التجديد ضمن النص‬ ‫‪-‬‬
‫الشرعي وضمن اإلطار الشرعي مثل رسالة السيوطي ومثل من تناول ىذا احلديث وبعض‬
‫الدراسات اإلسالمية ادلعاصرة اليت تناولت ىذا الباب‪.‬‬
‫وىناك من يتناول ىذا الباب أو القضية من ناحية فكرية زلضة تكاد تقًتب يف بعض‬ ‫‪-‬‬
‫دتثالهتا من فكرة التحديث أو احلداثة‪ ،‬فأحيانا تلمس أو ترى بشكل واضح يف دتثالت بعض‬
‫األطروحات التجديدية أنك تستطيع أن تزيل كلمة التجديد وتضع كلمة احلداثة‪ ،‬ويف احلقيقة‬
‫تناول مثل ىذه القضية ضمن التحليل اللفظي للنص واالضلصار يف مساحة األلفاظ فقط اليت‬
‫يسمح هبا احلديث دون اإلجتهاد وفتح اآلفاق اليت ديكن أن تنبثق من ىذا النص فيو إشكال‬
‫ونقص‪ ،‬كما أن االنطالق من ضمن ىذه ادلظلة أو ضمن ادلظلة األخرى دون اعتبار النص وما‬
‫يتعلق بو أيضا ىذا فيو خلل وفيو إشكال‪ ،‬ولذلك ضلتاج إىل االنطالق من زلكمات؛ ىذا ادلعٌت‬
‫يف الشريعة ومن ىذا النص بعينو وكذلك فتح آفاق التأمل والتفكر فيما ديكن أن يدخل ضمن‬
‫ىذا احلديث وما يتعلق بو من مفاىيم ومن قضايا معاصرة وحتديات مستجدة‪ ،‬ولذلك‬
‫سأحتدث عن ىذا احلديث من حيث التأمل يف ألفاظو ومن مث زلاولة اإلنطالق إىل فضاءات‬
‫ديكن أن يكون مستندىا ىذا ادلنطلق‪.‬‬

‫العنصر األول‪ :‬وقفات في الحديث‪:‬‬

‫الوقفة األولى‪:‬‬
‫النيب ﷺ قال‪" :‬اهلل يبعث ذلذه األمة على رأس كل مائة سنة من جيدد ذلا دينها"‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪3‬‬
‫ومن األمور التي تلفت اإلنتباه في هذا النص‪:‬‬
‫أوال‪ :‬كلمة "يبعث" وىذا البعث منسوب إىل اهلل سبحانو وتعاىل‪ ،‬والبعث كما أشار فريد‬
‫األنصاري حُت تناول ىذا احلديث قال‪ :‬يطلق يف لسان القرآن والسنة على معنيُت أوال على‬
‫معٌت اإلحياء "فأماتو اهلل مائة عام مث بعثو "‬

‫ثانياً‪ :‬يطلق على معٌت " اإلرسال" ولقد بعثنا يف كل أمة رسوال أن اعبدوا اهلل واجتنبوا‬
‫الطاغوت "على أنو يقول أن البعث الثاين يتضمن األول‪ ،‬فالبعث الذي ىو مبعٌت اإلرسال‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬فيو أيضا معٌت " اإلحياء" ‪ ،‬واإلحياء ادلقصود بو ىو اإلحياء ادلعنوي‪ ،‬وليس اإلحياء‬
‫احلسي‪ ،‬وإطالق لفظ احلياة على االنعكاسات اإلديانية على اإلنسان ادلؤمن‪.‬‬

‫وىذا لفظ مستعمل يف الشريعة كما قال النيب ﷺ‪" :‬مثل الذي يذكر ربو والذي ال‬ ‫‪-‬‬
‫يذكر ربو مثل احلي وادليت"‪ ،‬ومن ادلعلوم أن ادليت ىنا ليس ادلقصود بو الذي توقف قلبو عن‬
‫العمل وفاضت روحو وإمنا ادلقصود بو ادلوت ادلعنوي‪ ،‬فأول ما يلفت اإلنتباه ىنا ربانية ىذا‬
‫التجديد وىو أن اهلل يبعث مبعٌت ىو بعث موافق إلرادة اهلل الشرعية والكونية وبالتايل كل جتديد‬
‫يناقض مراد اهلل سبحانو وتعاىل يف أصول ما بعث عليو الرسل فهو ليس التجديد ادلقصود يف‬
‫مثل ىذا النص‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪:‬‬
‫يف ىذا النص ىي نقطة مهمة جدا وىي يف قول النيب ﷺ (ذلا) يف (من جيدد ذلا‬ ‫‪-‬‬
‫دينها)‪ ،‬وىناك فرق بُت قول من جيدد دينها فقط وبُت من جيدد "ذلا" دينها‪ .‬الفرق ىذا ليس‬
‫بالضرورة أنو مقتضى اللفظ مباشرة‪ ،‬وإمنا قد يفهم الفرق يف بعض التصورات‪ "،‬فلها" ىذه تفيد‬
‫أن التجديد ىو متعلق مبا طرأ على ىذه األمة من إشكاالت ومن حجب ومن حتديات على‬

‫‪4‬‬
‫أرض الواقع فهو جيدد ذلا وليس جيدد الدين باعتبار إضافة شيء جديد إليو‪ ،‬وإمنا جيدد ذلذه‬
‫األمة اليت أصل الدين موجود لديها ولكن قد طرأ على ىذا األصل ما دينع من حسن التطبيق‬
‫لو أو حسن فهمو ومن مث جيدد ذلا دينها‪.‬‬

‫الوقفة الثالثة‪:‬‬
‫ىي يف قول النيب ﷺ (من جيدد)‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومن ىذه ذىب كثَت العلماء إىل أن ادلقصود بـ "من" ليس الفرد الواحد وإمنا قد يدخل فيها‬
‫أكثر من شخص وأسهب العلماء كثَتا يف مثل ىذا ادلعٌت‪ ،‬مثال الذىيب ذكر يف تاريخ اإلسالم‪:‬‬
‫"الذي أعتقده من احلديث أن لفظ من جيدد للجمع ال للمفرد"‪ ،‬وكذلك ابن كثَت رمحو اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬بل إن فريد األنصاري رمحو اهلل يقول‪ " :‬إن القول بفردية اجملدد حتكم يف النص"‪ .‬ومن‬
‫العلماء من ذىب إىل الفردية لكن أغلب العلماء ذىبوا إىل أن "من" تشمل الواحد وتشمل‬
‫تعدد األشخاص الذين ديكن أن يقوموا مبثل ىذا ادلعٌت التجديدي‪.‬‬

‫ىناك حبوث داخل ىذا النص تناوذلا العلماء ليست زلل التناول ىنا وىي متعلق بـ "ادلئة‬ ‫‪-‬‬
‫سنة" و"الرأس" وىل ىو يف النهاية أم يف البداية؟ وىل ىي من البعثة أم من اذلجرة؟ وىل ىي‬
‫مرتبطة بالتاريخ الدقيق‪ ،‬تاريخ القرن أو ىي مرتبطة حباالت االضلسار وما إىل ذلك؟ ىذا حبث‬
‫فيو شيء من التفصيل ديكن أن يبحث عنو اإلنسان يف مقامات أكثر سعة وتفصيال من مثل‬
‫الشروحات احلديثة اليت تناولت ىذا الباب‪ ،‬إذا ىذه الوقفة األوىل ىي مع النص من حيث‬
‫لفظو وثبوتو وبعض ادلعاين ادلرتبطة بو وىي أشبو ما تكون بادلقدمة أو ادلدخل ذلذه ادلادة‪ ،‬بعد‬
‫ذلك ننتقل إىل‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫العنصر الثاني ‪ :‬أنواع التجديد‪:‬‬
‫قسمت أنواع التجديد يف ىذا السياق إىل نوعُت‪ :‬باعتبار اإلطالق والنسبية‪ ،‬وإال ديكن‬ ‫‪-‬‬
‫يف داخل التفصيالت وادلوضوعات أن يقال مثال التجديد الفكري والتجديد اإلدياين وغَتمها‪،‬‬
‫لكن ديكن أن ننظر إىل القضية بشكل عام باعتبار التجديد ادلطلق وباعتبار التجديد النسيب‬
‫وىذا طبعا مع استصحاب ما مت تقريره يف البداية وىو أن التجديد ال يساوي إضافة وإمنا‬
‫التجديد يف أساسو ىو عملية إلعادة موضعة الدين يف ادلوضع الذي أراده اهلل سبحانو وتعاىل‬
‫وطبقة النيب ﷺ‪.‬‬
‫ىذا يف األساس ىو حقيقة التجديد وزلاولة إزالة احلجب والتحديات الواقعية اليت حتول‬ ‫‪-‬‬
‫بُت ادلسلمُت وبُت أن يكون الدين يف ذلك ادلوضع الذي كان عليو النيب ﷺ‪ ،‬ومن ىنا‬
‫تنفتح مساحة واسعة للتفاعل مع الواقع وإشكاالتو وحتدياتو وإبصارىا والتعامل معها بأدوات‬
‫علمية ومعرفية‪.‬‬
‫إذا التجديد بهذا اإلعتبار نوعان‪ :‬جتديد مطلق وجتديد نسيب‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬التجديد المطلق‪:‬‬


‫ديكن أن نصفو بأنو التجديد ادلتعلق حبقائق الدين الكربى أو بادلسار التطبيقي لتلك‬ ‫‪-‬‬
‫احلقائق الكربى للدين‪ ،‬فهذا التجديد ادلطلق لو مساران بناء على ذلك‪:‬‬
‫المسار األول‪ :‬مسار معريف علمي‪.‬‬
‫المسار الثاني‪ :‬مسار عملي تطبيقي‪.‬‬

‫فيمكن أن يكون التجديد ادلطلق ىو يف ادلسار العلمي وادلعريف وديكن أن يكون التجديد‬ ‫‪-‬‬
‫ادلطلق ىو يف ادلسار العملي‪ ،‬بطبيعة احلال إذا قلنا أن التجديد ادلطلق ادلتعلق حبقائق الدين‬
‫الكربى ىو جتديد معريف يف قسم وجتديد عملي‪ ،‬فال يعٍت أن التجديد ادلعريف ال يكون لو دتثل‬

‫‪6‬‬
‫عملي وال يعٍت كذلك أن التجديد العملي ال يكون لو مستند علمي أو معريف‪ ،‬وإذا قلنا ىو‬
‫جتديد حلقائق الدين الكربى وكان ادلسار األساسي فيها ىو ادلسار ادلعريف فإنو والبد أن يكون‬
‫لو شيء من االنعكاسات العملية‪ .‬وإذا قلنا أن التجديد حلقائق الدين الكربى عملي فال بد أن‬
‫يكون من ادلستندات ادلعرفية ما يعُت على تنزيل أو على القيام مبثل ىذا ادلشروع العملي على‬
‫أرض الواقع‪.‬‬

‫حُت يتحدث العلماء عن اجملددين على مر التاريخ اإلسالمي فإنك جتد بينهم‬ ‫‪-‬‬
‫اختالفات‪ ،‬إال أهنم يكادون جيمعون على شخصيتُت‪ ،‬فعلى مر تاريخ ادلسلمُت ال تكاد جتد‬
‫ىناك خالفا يف أن ىاتُت الشخصيتُت من اجملددين على اختالف ادلذاىب حىت العقيدة‬
‫اإلسالمية اليت تتحدث عن مسار التجديد‪ ،‬وىم يتفقون أو يكادون يتفقون على عمر بن عبد‬
‫العزيز رمحو اهلل وعلى الشافعي ‪-‬رمحو اهلل‪ ،-‬وكل من يعد اجملددين أو يشرح ىذا احلديث مث‬
‫يذكر التعداد يكادون يتفقون على ىاتُت الشخصية ومنهم من يضيف إليهما شخصيات أخرى‬
‫ومنهم من يكتفي هبما واألكثر يكتفي هبما يف سياق القرنُت األول والثاين‪.‬‬

‫إذا نظرت إىل ىاتُت الشخصيتُت كشخصيتُت متفق عليهما يف ناحية التجديد ستجد‬ ‫‪-‬‬
‫أن أحدمها ينطبق عليو ادلسار ادلعريف واآلخر ينطبق عليو ادلسار العملي‪ ،‬فالتجديد الذي كان‬
‫عليو عمر بن عبد العزيز يف احلقيقة مل يكن جتديداً علمياً معرفياً‪ ،‬وإمنا كان جتديدا عملياً‪،‬‬
‫والتجديد العملي كان مرتبطاً ال بقضية جزئية‪ ،‬وإمنا كان مرتبطا حبقائق الدين الكربى وادلتصلة‬
‫بإقامة الدين على أرض الواقع من جهة احلكم والسياسة وتطبيق العدل على وجو التحديد؛‬
‫العدل مبساره اإلسالمي الشرعي الذي أنزلو اهلل سبحانو‪ ،‬إذ مل يكن مشروع عمر بن عبد العزيز‬
‫األساسي مشروعاً معرفياً وإن قام ببعض اجلهود ادلعرفية فهو مثال أمر جبمع السنة وما إىل ذلك‬
‫ولكن حىت مجع السنة مل يكن مشروعا جتديديا‪ ،‬فالسنة كانت تتداول وتتدارس ويتناقلها‬

‫‪7‬‬
‫العلماء‪ ،‬وىو قد أمر بوسيلة من وسائل حفظها وىو الكتاب أو اجلمع‪ ،‬بينما مشروع اإلمام‬
‫الشافعي كان مشروعا معرفياً علميا‪ ،‬وإن كان لو دتثيل على أرض الواقع‪ ،‬ىذا التمثيل على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬دتثل يف تدريس الشافعي وكتاباتو "الشافعي ومناظراتو"‪،‬لكن مشروعو األساسي مل‬
‫يكن مشروعاً عملياً‪.‬‬

‫ومن ادلفارقات ادلهمة اليت حيسن أن ننظر إليها و تراعيها حىت ندرك اإلشكال الذي‬ ‫‪-‬‬
‫ذكرتو يف البداية يف الفرق بُت مساري التجديد؛ التجديد ادلنطلق من أصول شرعية والتجديد‬
‫ادلنطلق من نواح عقلية زلضة أو فكرية زلضة أو واقعية‪ ،‬إنك جتد ادلفارقة الرىيبة لكثَت شلن يتبٌت‬
‫التجديد بنوعو الثاين حيث يرون أن اإلشكالية اليت دتثل ما يضاد بالتجديد من اجلمود والقولبة‬
‫والتقييد العقلي كانت تتمثل يف الشافعي‪ ،‬بينما جتد اإلطار الشرعي يتفق على أن الشافعي كان‬
‫اجملدد يف مرحلة من ادلراحل‪ ،‬وىذا يدل على أن التقسيم الذي ذكرتو يف البداية إذا نشأ على‬
‫حالة مفارقة فهو ينتج نتائج متضادة يف قضية التجديد‪.‬‬

‫ىذا اإلختالف يف التقييم وادلعيار واإلطار وادلنطلقات واحملركات أدى إىل تضاد يف‬ ‫‪-‬‬
‫النتائج‪ ،‬حيث يرى ادلسار األول أن الشافعي رلدد يف مرحلة ما‪ ،‬أما ادلسار الثاين فَتى أن‬
‫اإلشكالية يف مجود العقل اإلسالمي‪ ،‬كما يقول بعض من ديثل ىذا االجتاه مثل زلمد شحرور‪:‬‬
‫"إن الشافعي ىو ادلشكل يف معٌت كالمو ولذلك كان يتحدث عن جتديد أصول الفقو" وىذا‬
‫مسار يتخذه طائفة من احلداثيُت ليس فقط زلمد شحرور‪ ،‬الحظوا ادلفارقة يف ىذه القضية‪،‬‬
‫ومن أىم أسباب ىذا األمر قضية ادلعيار الذي ينطلق منو اإلنسان يف تقييم حقيقة وجوىر‬
‫ومركزية التجديد وأين تكون‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫خالصة الكالم‪:‬‬
‫فيما يتعلق مبا ذكرتو إىل اآلن يف قضية النوع األول من التجديد الذي ىو التجديد‬ ‫‪-‬‬
‫ادلطلق وأنو جتديد ادلتعلق حبقائق الدين الكربى وأن لو مسارين مسار معريف ومسار عملي‪ ،‬وأن‬
‫ادلسار ادلعريف من دتثالتو ادلتفق عليها يف التاريخ‪ :‬الشافعي وأنو يستلزم شيئا عمليا‪ ،‬ومن‬
‫التجديد يف ادلسار العملي عمر بن عبد العزيز وىو متفق عليو كذلك وىو يستلزم بال شك‬
‫مستنداً معرفياً علمياً‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز كان أحد األئمة ادلسلمُت وعلمائهم‪.‬‬

‫أين يكمن التجديد في هذا التجديد المطلق؟‬


‫ضلن قلنا أنو متعلق حبقائق الدين الكربى وحقائق الدين الكربى من ادلفًتض أن تكون‬ ‫‪-‬‬
‫زلل اتفاق‪ ،‬أين يكمن التجديد يف ىذا النوع الذي ىو مرتبط حبقائق الدين الكربى؟ أرى أن‬
‫التجديد يتمثل يف صورتُت أساسيتُت مرتبطتُت هبذا النوع‪ ،‬فالصورة األوىل ىي التجديد ادلتعلق‬
‫باخللل يف مركزة ىذه احلقائق‪ ،‬وقد ىذا حصل يف التاريخ‪ ،‬فمع الزمن كثَتا ما تنزاح تلك‬
‫احلقائق الكربى عن مركز الثقل إىل األطراف والتجديد ىنا تكون يف‪:‬‬

‫الصورة األولى‪:‬‬
‫يكون بإعادة تلك احلقائق الكربى إىل ادلركز‪ :‬وإن كانت مل تكن يف واقع الناس منكرة‬ ‫‪-‬‬
‫أو مستنكرة وإمنا التجديد يكون يف إعادة موضعتها‪ ،‬وديكن لنا أن نأخذ شيئا من ىذه الصورة‬
‫اليت ليست مطابقة ولكن ديكن لنا أن نقول أن ادلشركُت يف وقت النيب ﷺ وقبلو كانوا‬
‫يعبدون اهلل كما يعبدون غَته ومل يكونوا ينكرون أن اهلل إلو حق ومل ينكروا أن اهلل ىو اخلالق‬
‫الرازق‪ ،‬وإمنا كان ىناك خلل يف مركزة العبودية ذلذا اإللو احلق‪ ،‬حيث كانت آخذة يف طرف‬
‫وأدخلت معها أطرافا أخرى فصارت للمعادلة فيها قدر من اإلشكال‪ ،‬فمن صور التجديد‬

‫‪9‬‬
‫الذي ديكن أن يكون ضمن احلقائق الكربى‪ ،‬ىذه الصورة وىي إعادة مركزة ادلركزيات إىل ادلكان‬
‫وادلوضع الذي تستحقو من خارطة الدين‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪:‬‬
‫إزالة احلجب واحلواجز والرواسب اليت تشكلت عرب حاالت اإلضلراف الفكري‬ ‫‪-‬‬
‫والعقدي‪:‬من التجديد ادلتعلق حبقائق الدين الكربى ليس مرتبطا باخللل يف موازين الثقل بُت‬
‫ادلركزيات وغَتىا‪ ،‬وإمنا بإزالة احلجب واحلواجز والرواسب اليت تشكلت عرب حاالت اإلضلراف‬
‫الفكري والعقدي وما إىل ذلك‪ ،‬فحالت بُت الناس وبُت حسن التصور وحسن الرؤيا ذلذه‬
‫احلقائق الكربى وبالتايل صار نوع التجديد ىنا ىو نوع متمثل يف التدافع مع تلك احلواجز‬
‫واحلجب‪ ،‬وبطبيعة احلال ىو ليس تدافعا مع أفكار وال دتثالت ذلا وإمنا ىي يف الغالب تدافع‬
‫مع محلة تلك التصورات اخلاطئة اليت مل يستحق اجملدد أن يكون رلددا إال بعد توجهو إىل تلك‬
‫احلجب واحلواجز‪.‬‬

‫وبالتايل صورة التجديد ادلتعلقة حبقائق الدين الكربى يف قسمها الثاين اليت ذكرت اعاله‬ ‫‪-‬‬
‫ان التجديد ادلرتبط بإزالة احلجب واحلواجز والرواسب والتصورات اخلاطئة ادلرتبطة باحلقائق‬
‫الكربى وإعادة الفهم الصحيح والتطبيق الصحيح ادلرتبط هبا‪ ،‬وديكن أن يكون يف زمن أو يف‬
‫أزمنة متعددة‪ ،‬وقد يكون ادلوجود يف أرض الواقع ىو صوريت اإلشكال؛ صورة خلل يف ادلركزيات‬
‫وانزياح ادلركزيات إىل الطرف بدل أن تكون يف الوسط‪ ،‬وصورة التصورات اخلاطئة واحلجب‬
‫والتمثالت اخلاطئة ادلرتبطة بتلك ادلعاين واحلقائق الكربى‪.‬‬
‫فيكون دور التجديد مضاعفاً وىو يف إعادة ادلوضعة ويف إزالة احلجب سوياً‪ ،‬وأعتقد أن‬ ‫‪-‬‬
‫ىناك عديد التمثالت يف واقعنا ينطبق عليها ىذان ادلعنيان‪ ،‬والتجديد ادلرتبط بالصورة الثانية‬
‫الذي يتطلب يف إزالة احلجب والرواسب ما يلي‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ .1‬قدراً وافياً من ادلعرفة بالواقع‬
‫‪ .2‬معرفة تاريخ تشكل الرواسب واحلجب والبواعث واحملركات اليت أدت إىل نشوء تلك‬
‫احلجب والقدرة‬
‫‪ .3‬امتالك األدوات والعلوم وادلعاين اليت تعُت على تصحيح‬
‫‪ .4‬إزالة تلك احلجب والرواسب أيضا‪ ،‬وىذه كلها متطلبات إذا استعملنا ادلصطلح األصويل‬
‫شلا ال يتم الواجب إال بو أي ال يتم واجب التجديد إال بو‪.‬‬

‫وبالتايل ىذا ديكن أن يكون إطاراً تعريفياً تعرف بو كثَت العلوم ادلرتبطة بتاريخ األفكار‬ ‫‪-‬‬
‫وأصول األفكار اخلاطئة‪ ،‬وما إىل ذلك من سياقات دراسة األفكار الغربية وانعكاساهتا وبعض‬
‫التمثالت الكربى ذلذه األفكار‪ ،‬فال يتم التجديد ادلرتبط حبقائق الدين الكربى بصورتو الثانية‬
‫اف هبذه احلجب وتشكالهتا وأسباهبا‬ ‫كاف وو ٍ‬
‫ادلرتبطة بإزالة احلجب ما مل يكن ىناك علم ٍ‬
‫ومالبسات كوهنا ىي األكثر تأثَتاً‪ ،‬وىذا كلو اآلن ضمن النوع األول الذي ىو التجديد ضمن‬
‫احلقائق الكربى‪ ،‬ىذا التجديد ديكن أن تكون لو حتت الصورتُت معاجلة معرفية وديكن أن يكون‬
‫عملية‪ ،‬إال أن طبيعة التجديد يف مثل ىذا الباب من الصعب أن يكون مستقال بأحد ادلسارين‬
‫دون اآلخر؛ أي التجديد ادلرتبط حبقائق الدين الكربى يف الغالب ال يتطلب جهدا معرفيا فقط‬
‫أو فكريا فقط وإمنا يتطلب انعكاساً ودتثال ذلذا اجلهد على أرض الواقع‪ ،‬ولذلك قد تكون بعض‬
‫صور ادلشاريع التجديدية حتت ىذا العنوان ىي صور يف صناعة النماذج اليت دتثل مثل ىذا‬
‫النوع من التجديد‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬التجديد النسبي‪:‬‬


‫وىو التجديد ادلرتبط مبجال ما من اجملاالت ادلتصلة بالدين بعلم من العلوم بواقع معُت‬ ‫‪-‬‬
‫ختلفت فيو حقائق الدين‪ .‬فالتجديد الثاين ىو جتديد ديكن أن يكون جتديداً معرفياً يف بعض‬

‫‪11‬‬
‫اجملاالت وديكن أن يكون جتديدا عمليا يف رلاالت أخرى‪ ،‬فهو رلال واسع‪ ،‬ومن مجلتو التجديد‬
‫الفكري واألصويل واحلديثي وغَته من أنواع التجديد يف العمل الًتبوي‪ ،‬والتجديد يف طبيعة‬
‫اخلطاب‪.‬‬

‫التجديد النسيب جتديد خارطتو واسعة وشلتدة‪ ،‬وكل رلال من ىذه اجملاالت النسبية ديكن‬ ‫‪-‬‬
‫أن تكون لو ضوابطو وقواعده اليت حتكم التجديد يف كل رلال من اجملاالت‪ ،‬إال أن فكرة‬
‫التجديد النسيب ال تتخلف برأيي عن ادلسارين اللذين ذكرهتما يف السابق ادلسار ادلعريف وادلسار‬
‫العملي‪ ،‬وكذلك يف الفكرة اجلوىرية يف التجديد وىي إزالة اإلشكاالت اليت نشأت على ىذا‬
‫التجديد إما من حيث التطبيق أو من حيث التصورات‪ ،‬وىنا ديكن أن تكون إضافة بعض‬
‫األفكار اجلديدة متاحة يف اجملال النسيب‪ ،‬كاإلتيان ببعض األفكار اجلديدة اليت مل تطرح سابقا‬
‫بينما حقائق الدين الكربى ال رلال إلضافة أشياء جديدة مل تطرح سابقا‪ ،‬لكن الًتبية مثال‬
‫ووسائلها وما يتعلق هبا وكيفية تربية النشأة واألبناء أو الطالب أو ما إىل ذلك‪ ،‬فهو رلال قابل‬
‫للزيادة واالجتهاد واإلتيان بأشياء جديدة مل يأت هبا أحد‪.‬‬

‫بينما دلا تتكلم عن علم مثل أصول الفقو صلد أن حقائق التجديد فيو ختتلف عن‬ ‫‪-‬‬
‫التجديد يف اجملال الًتبوي‪ ،‬ولذلك إذا ذكرنا مثالً الشاطيب‪ ،‬كمجدد يف أصول الفقو ما أن تقرأ‬
‫مقدمات كتاب ادلوافقات حىت تدرك ادلعاين ادلرتبطة بالتجديد‪ ،‬واليت ديكن أن نلخصها يف‬
‫احملافظة على مقاصد ىذا العلم الذي ينبغي أن حتقق عربه‪ ،‬وعن طريقو‪ ،‬فالشاطيب مثال يف‬
‫موافقاتو يقول إن أصول الفقو وبالتايل ادلسائل اليت ال تكون نافعة أو مثمرة أو مفيدة يف الفقو‬
‫فال ينبغي أن تعد من أصولو‪ ،‬ىذا معناه إزالة لكثَت العوالق أو العواري اليت تراكمت يف ىذا‬
‫العلم وكانت من أسباهبا بعض ادلصادر ادلعرفية األخرى اليت أدت إىل بعض اإلشكال يف ىذا‬
‫العلم‪ ،‬فهذا رلال واسع ويصعب احلديث فيو بتفاصيلو ألن كل رلال لو ضوابطو وقواعده‬

‫‪12‬‬
‫ادلرتبطة بالتجديد فيو‪ ،‬أما االختزال الشديد لفكرة التجديد يف إضافة ادلعلومات اجلديدة أو‬
‫األفكار اجلديدة فهذا أيضا فيو اختزال كبَت جدا‪.‬‬

‫كنت قد ذكرت أول شيء أن ىناك اجتاىُت يف التعامل مع فكرة التجديد مث ذكرت‬ ‫‪-‬‬
‫بعد ذلك النص الوارد يف ىذا الباب ووقفت معو مث بعد ذلك ذكرت أنواع التجديد وذكرت‬
‫نوع التجديد ادلطلق والتجديد النسيب وذكرت األقسام ضمن التجديد ادلطلق وما يتعلق بو وما‬
‫يدخل فيو وبعض األمثلة ادلرتبطة بو وصورة التجديد يف كل مسار من ادلسارات ادلرتبطة هبذا‬
‫التجديد‪.‬‬

‫العنصر الثالث‪:‬‬
‫صور أو أنواع اخللل يف التجديد‪:‬وأقصد اخللل ىنا أو أنواع من اخللل واقعاً معيناً وليست‬ ‫‪-‬‬
‫تصورات ذىنية رلردة وإمنا ىناك خلل أو بعض الصور يف اخللل يف التعامل مع ملف التجديد‬
‫على أرض الواقع‪:‬‬

‫الصورة األولى‪:‬‬
‫الظن بأن التجديد مرادف للحداثة أو للتحديث‪ :‬من صور اخللل وىي اليت ذكرهتا قبل‬ ‫‪-‬‬
‫قليل وىي الظن بأن التجديد مرادف للحداثة أو للتحديث‪ ،‬وأن التجديد يستلزم قطع الصلة‬
‫بادلاضي وإمنا ىو يف اإلضافة أن يكون ىناك شيء معريف يضاف على علم ما أو على أساس‬
‫الدين أو على أي كان‪ ،‬وىذه الفكرة ال ينبغي أن تكون عنوانا للتجديد وإمنا ىذه الفكرة أعٍت‬
‫اإلضافة إذا أدخلناىا يف بعض رلاالت التجديد النسيب يكون التجديد فيها عرب اإلضافة‪ ،‬لكن‬
‫قولبة التجديد يف اإلضافة يف ىذه صورة من الصور اخلاطئة وما أكثر ما ترتب عليها من صور‬
‫اخللل‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الصورة الثانية‪:‬‬
‫من صور اخللل يف التجديد وىي الظن بأن التجديد ىو تكييف الدين واستحداث‬ ‫‪-‬‬
‫وسائل لو جتعلو متوائماً مع مناخات الواقع الثقايف‪ ،‬فالظن بأن التجديد ىو تنزيل الدين على‬
‫الواقع من جهة جعلو موافقا وموائماً للمناخات الثقافية السائدة فيو فصورة التجديد يف زمن‬
‫اذليمنة الليربالية الغربية ىي يف تكييف الدين حيث ال يتعارض مع سلرجات ىذه الثقافة وجتديد‬
‫الدين يف زمن اإلشًتاكية‪ ،‬ىو تكييفو بطريقة ال تتعارض مع ادلخرجات االشًتاكية وىكذا قس‬
‫على ذلك‪ ،‬ىذه صورة من الصور اخلاطئة اليت قد تكون مستبطنة أحيانا وال يكون الذي‬
‫استبطنها يشعر بأن ىذا ىو احملرك الداخلي لطبيعة التجديد الذي يدعو بو‪.‬‬

‫فأنت جتد ىذا مثال يف مرحلة من ادلراحل اليت كان العنوان األساسي فيها بالنسبة‬ ‫‪-‬‬
‫للوسط الفكري والثقايف اإلسالمي ىو عنوان التقدم ادلادي وادلدنية والعلوم الطبيعية يف وقت‬
‫كانت الثقافة الغربية أو الواقع األورويب ال يزال صاعدا وبقوة يف رلال النهضة العلمية الطبيعية‪.‬‬
‫فكان التجديد الذي يتمثلو بعض ادلفكرين ىو يف أن جيعل الدين موافقا دلركزية التقدم ادلايل‪،‬‬
‫والتقدم ادلدين‪ ،‬فمركزيات الدين ومركزيات ادلدنية األوروبية الغربية تكاد تتطابق‪ ،‬فهذه ىي صورة‬
‫التجديد اليت كان يظنها البعض‪ ،‬وبالتايل ما ال يتواءم مع ىذا التطابق فإزالتو ونقده ىو صورة‬
‫من صور التجديد‪.‬‬

‫وبالتايل جاءت عندنا قضية مثل إنكار ادلعجزات مثال‪ ،‬ودلا تفهم احملرك يف قضية إنكار‬ ‫‪-‬‬
‫ادلعجزات تدرك أن ىناك قدراً من التأثر بقضية القوانُت الطبيعية واستعمال النهضة األوروبية‬
‫للقوانُت الطبيعية للوصول إىل ادلكتشفات اليت وصلوا إليها‪.‬‬
‫وبالتايل حقيقة احلياة وحقيقة وجود اإلنسان ىي التفاعل مع ىذه القوانُت الطبيعية وما‬ ‫‪-‬‬
‫كان على خالف ذلك شلا جيري حتت عنوان ادلعجزات فهو خيتلف مع ىذا ادلعٌت وبالتايل‬

‫‪14‬‬
‫اإلزالة أو التأويل ىو الذي يتفق مع التجديد الذي تناسبو تلك ادلرحلة‪ ،‬ىذه صورة من صور‬
‫اخللل واإلشكال الذي وقع‪ ،‬اآلن نرى نفس الشيء انتشار الثقافة النسوية مثال‪ ،‬فالبعض يظن‬
‫أن التجديد ىو إعادة قراءة الدين حبيث يتوافق مع الواقع النسوي اجلديد‪ ،‬مثل نصوص ادلَتاث‬
‫اليت فيها "للذكر مثل حظ األنثيُت" األخذ بداللة ىذا النص الظاىرية أو بداللة منطوق ىذا‬
‫النص ىي رؤية قددية والتجديد مع ىذه التغَتات الواقعية والتغَت يف قيمة الوظائف والعمل‬
‫النسائي واإلنفاق يتطلب جتديد اإلنسان يف ىذا النص‪ ،‬ويف احلقيقة ىذه التفسَتات والقراءات‬
‫اجلديدة عادة ما يكون الدافع واحملرك ذلا ىو أمر باطٍت وأحيانا ال يكون مستحضراً‪ ،‬الذي‬
‫يستبطن شيئا حيركو وال تلتقط عينو إال ما يتعارض مع ىذا احملرك فتجد أن رلموعة من‬
‫النصوص ىي اليت توضع حتت التشريح والقصقصة وحُت تبصر ىذه النصوص جتد أهنا تتعارض‬
‫مع مثل ىذا ادلخرج‪ .‬ولذلك كل من يقرأ الدين قراءة مرتبطة بواقع فكري ما يزيل أو يؤول أو‬
‫يبعد عن الدين ما يتعارض مع منطلقات تلك القراءة‪ ،‬لذلك ىذه الصورة خاطئة من صور‬
‫التجديد‪.‬‬

‫الصورة الثالثة‪:‬‬
‫ىي الظن بأن التجديد إمنا يكون يف الوسائل‪ ،‬من صور اخلطأ‪ ،‬ىي الظن بأن التجديد‬ ‫‪-‬‬
‫إمنا يكون يف الوسائل‪ ،‬كيف صلدد مثال اخلطاب الديٍت؟ ال بد من وجود أسلوب جديد يتعامل‬
‫فيو ادلتحدث‪ ،‬طبعا البعض يقصد أيضا ادلضامُت وحىت التجديد من حيث الريادة يف واقع‬
‫ادلسلمُت وما إىل ذلك‪ ،‬كثَتا ما يتم الًتكيز مثال على ادلهارات اليت يتم الًتكيز فيها على‬
‫الوسائل ادلهارية والوسائل اإلدارية‪،‬وحصر التجديد يف قضية الوسائل فيو إشكال‪ ،‬فالتجديد يف‬
‫حقيقتو ىو يف إعادة ادلقاصد وتفعيلها ليس فقط يف استحداث وسائل جديدة وإن كان‬
‫استحداث الوسائل يدخل ضمن التجديد إذا كان زلققا للمقاصد ويتفرع عن ىذا اخللل يف‬
‫الظن بأن التجديد ينحصر يف الوسائل ويتفرع عنو بسبب اإلستغراق يف التجديد يف الوسائل‬

‫‪15‬‬
‫خلل أكرب وىو التجديد يف وسائل حتقق نقيض ما ينبغي حتقيقو من ادلقاصد وذلك عرب‬
‫اإلستغراق يف دائرة الوسائل والظن بأهنا ىي التجديد احلقيقي‪ ،‬وىذا اإلستغراق يعمي أحيانا‬
‫عن حتقيق ادلقاصد الشرعية والتوازن يف قضية الوسائل وادلقاصد‪ ،‬واليت ىي مهمة جدا‪.‬‬

‫وإذا استعملنا ما ىو أقرب للمقاصد يف الشريعة ديكن أن نشبو ادلقاصد مبظلة أو خيمة‬ ‫‪-‬‬
‫ذلا أعمدة وأركان ومن الناس من يركز على سقف اخليمة ىذا أو ادلظلة دون األعمدة اليت نشأ‬
‫عليها‪ ،‬ومن الناس من يركز على األعمدة دون النظر إىل ادلظلة أو اخليمة اليت تستند إليو‪،‬‬
‫والصواب ىو اجلمع بُت األمرين؛ ففي مقاصد الشريعة البعض يركز على ادلظلة ويقول لك‬
‫الدين عبارة عن مقاصد ولكن لو وسائل ولو عبادات ولو تفاصيل شرعية توصل إليو‪ ،‬ومقاصد‬
‫الشريعة مل تنشأ إال من خالل تفاصيلها اليت فهمنا منها أن من مقاصد الشريعة كذا وكذا‪.‬‬
‫ىذه التفاصيل ىي عبارة عن نصوص وكليات الدين وما إىل ذلك والبعض جيمد على‬ ‫‪-‬‬
‫ألفاظ النصوص وظواىرىا وال يريد أن يقرأ ما تدل عليو ىذه النصوص‪ .‬كليات ىذه النصوص‬
‫ورلاالهتا اليت يسعى لتحقيقها وتعزيزىا وما بُت االضلصار يف ىذا واالضلصار يف ذاك تضيع قضية‬
‫الوسائل أو ادلقاصد الشرعية‪ ،‬بينما يف احلقيقة ادلراعاة بالنظر لالثنُت وىذه أيضا ديكن تشبيهها‬
‫مبثال آخر وىي أن يضع اإلنسان قدمو على الطريق ويعرف كيف يسَت ىذه الوسائل وأن يبصر‬
‫دائما هناية الطريق واإلشكاالت اليت ديكن أن تنتج يف مراحلو‪ .‬ىذا النظر للمقاصد واجلمع‬
‫بينهما ىو الذي جيعل اإلنسان يسَت يف طريق الشريعة بشكل صحيح بينما الذي ينظر إىل‬
‫قدميو فقط قد ال يبصر إشكاالت الطريق أو حىت اضلرافاتو وينظر إىل األمام فقط وال يرى ما‬
‫حتتو وقد يزل لذلك‪ ،‬واجلمع بُت االثنُت ىو األفضل‪.‬‬

‫خالصة الكالم‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫أن من صور التجديد اخلاطئة اليت تظن أن التجديد إمنا يكون يف الوسائل بينما من أىم‬ ‫‪-‬‬
‫صور التجديد إعادة موضعة ادلقاصد وتفعيلها وتنزيلها حىت تكون فاعلة على أرض الواقع‪ ،‬ومن‬
‫جزء من ذلك ما مت ذكره سابقاً‪ ،‬وىو إعادة ادلركزيات إىل ادلركز وإزالة احلجب عنها وىذا كلو‬
‫ال يكون حتت قضية الوسائل فقط وإمنا ىو حتت عنوان ادلقاصد أو بادلقاصد أقرب وأبسط‪.‬‬

‫العنصر الرابع‪:‬‬
‫يف الواقع احلايل ىي الصورة ادلطلوبة يف التجديد ‪،‬وحقيقة ادلوضوع أكرب من ذلك بقيت‬ ‫‪-‬‬
‫أمور كثَتة متطلبة ولكن ديكن أن نعترب ىذه بداية يف ادلوضوع أو تناول لبعض أطرافو بناء على‬
‫التقسيم السابق ألنواع التجديد الذي ىو التجديد ادلطلق والنسيب‪ ،‬وبناء على ادلسارات اليت‬
‫يتضمنها كل التجديد وىو ادلسار ادلعريف وادلسار العملي‪ ،‬فإمنا ديكن أن نتصور خارطة للتجديد‬
‫أو رلاالت للتجديد بناء على ىذا التقسيم‪ .‬ولذلك الصورة األوىل من صور التجديد ادلطلوبة‬
‫اليوم ىي من أعظم الصور ومن أجلها ومن أكثر ما ينبغي العمل عليو وىو برأيي التجديد‬
‫احلقيقي الذي ديكن أن يعمل ولو انواع‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬من أهم صور التجديد المطلق الحقيقي‪:‬‬

‫الصورة األولى‪:‬‬
‫التجديد يف إعادة موضعة مركزيات الشريعة لتأخذ ادلركز والثقل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الصورة الثانية‪:‬‬
‫عرب إزالة العوائق واحلجب واحلواجز والرواسب اليت دتنع الناس من أن يتصور الدين‬ ‫‪-‬‬
‫بشكل صحيح يف حقائقو الكربى فهذان رلالُت من رلاالت التجديد والعمل فيها واسع جدا‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫وكما قلت ينطبق عليها ادلسارين وديكن أن يكون يف ادلعاجلة ادلعرفية وديكن أن يكون يف ادلعاجلة‬
‫العملية إال أنو بطبيعتو يتطلب األمرين‪ ،‬ىذا من أىم اجملاالت اليت ينبغي العمل عليها‪.‬‬
‫ومن أهم المجاالت اليت يصح أن يقال أهنا تعمل على طريق األنبياء وعلى طريق النيب‬ ‫‪-‬‬
‫ﷺ وىي اليت يرجى أن تكون موافقة حلقائق الدين الكربى ومقاصده العظمى‪ ،‬ويدخل‬
‫حتت ذلك طبعا كل ما ديكن أن يضاف إليو مركزية كذا يف الدين‪ ،‬مثال العبودية ومرجعية‬
‫الوحي والتزكية إىل آخره من مركزيات الدين‪ ،‬فكل جهد يصب يف إعادة موضعتها لتكون يف‬
‫ادلركز والوسط وكل جهد يصب يف إزالة ما يعارضها ىو من حقيقة التجديد الذي ينبغي العمل‬
‫عليو فقط‪ .‬وىذا ادلوضوع يستحق حديثا طويال جدا‪ ،‬يعٍت دلا تقول إزالة ما يعارضها السؤال‬
‫ىنا ىو ما الذي يعارضها من التمثالت ادلعاصرة ادلوجودة اليوم؟ ىذا حيتاج إىل الوعي بالواقع‬
‫وفهم التاريخ وإدراك حقائق األفكار وإدراك طبيعة ادلؤثرات ادلوجودة يف الواقع وطبيعة التفاعل‬
‫مع األدوات اليت تنتج أفكار وغَتىا من كل ما يدخل يف ىذا اجملال وكلو ديكن أن يفيد يف ىذا‬
‫اجملال‪ ،‬وىذه الصيغة ادلعرفية أو ىذا ادلسار ادلعريف مسار عملي يدخل يف صورة ثالثة وىي‪:‬‬

‫الصورة الثالثة‪:‬‬
‫صناعة احلَ َملة أو النماذج اليت تتمثل يف مثل ىذه احلقائق وتنشأ على مركزيات صحيحة‬ ‫‪-‬‬
‫ومقاصد صحيحة‪ ،‬وىذا أيضا صورة عملية ومسار عملي دلثل ىذا ادلعٌت‪.‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬صور التجديد النسبي‪:‬‬


‫فهناك رلاالت وصور متعددة ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫الصورة األولى‪:‬‬
‫التجديد يف تطبيق مقاصد العلوم اإلسالمية كثَت العلوم اإلسالمية أو العلوم الشرعية‬ ‫‪-‬‬
‫تدرس اليوم تدريساً ال حيقق ادلقاصد الغائية ذلذه العلوم إال جبهد ذايت زائد من بعض الطالب‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫بينما شلا ينبغي أن يكون ضمن السياق التجديدي وأن يتم التجديد يف بعض ادلكونات أو‬
‫بعض ادلسائل اليت جتعل األصل فيمن يدرس ىذه العلوم أن يكون مدركا دلقاصدىا قادرا على‬
‫التفاعل مع تلك ادلقاصد‪ ،‬فما الفائدة من اجلهة الغائية حينما يدرس الطالب أصول الفقو‬
‫واحلديث والعقيدة لسنوات مث ال يستطيع التفاعل يف أرض الواقع فيما يتصل هبذه اجملاالت؟‬
‫ىذا فيو إشكال من حيث حتقيق ادلقاصد وال أقصد بأرض الواقع الواقع احملسوس بالضرورة وإمنا‬
‫حىت يف الواقع الفكري‪ ،‬فال تتحقق ىذه ادلقاصد‪ ،‬ىذا جزء فيو إشكال وبالتايل التجديد عرب‬
‫ىذه الوسيلة ىو جتديد مهم ‪-‬برأيي‪ -‬وىو من التجديد النسيب الذي ينبغي العناية بو يف ىذه‬
‫ادلرحلة‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪:‬‬
‫مم فقد يف كثَت من السياقات‬ ‫العناية بالربىنة والعناية بقضية الربىان‪ ،‬وذلك ألن ّ‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسالمية ىو الناحية الربىانية وأنت يف واقع بطبيعتو واقع يستصحب النسبية ويستصحب‬
‫الشك يف كثَت من دتثالتو‪ ،‬ولذلك من مجلة ما يعُت على تلك ادلركزيات ىو الثقل الربىاين‬
‫الذي جيعل للمركزية قيمة أكرب من عرضها اجملرد‪ ،‬وإذا رأيت يف رسالة النيب ﷺ ستجد أن‬
‫الثقل الربىاين كان ضخما كبَتا ثقيال لو وزنو ولو سطوتو على النفوس وىذا أيضا رلال من‬
‫اجملاالت التجديدية‪.‬‬

‫الصورة الثالثة‪:‬‬
‫إن من رلاالت التجديد النسيب العملية اليت ضلتاجها اليوم‪ :‬التجديد يف سياقات حتفيظ‬ ‫‪-‬‬
‫القرآن‪ ،‬فمعاىد التحفيظ وحلقاتو حتتاج تدخالً جتديدي بالتنبو إىل حقيقة ما ينبغي أن تكون‬
‫عليو ىذه احللقات من حتقيق للمقاصد والثمرات وأن ال تنحصر أو يعطى احلفظ قيمة أكرب‬
‫من الغايات اليت حيققو‪ ،‬وىذه القضية مفهومة‪ ،‬وذلا أصول كثَتة يف الشريعة لكن تتطلب‬

‫‪19‬‬
‫التجديد العملي ألن الواقع العملي يف أغلب دتثالتو حيقق جانب احلفظ وال حيقق الثمرات اليت‬
‫تنبٍت عليو‪ ،‬وأحيانا تكون طبيعة التدريس وطبيعة اإلطار الذي يرسل للحلقة ىو الذي خيرج‬
‫مثل ىذه النتائج القاصرة عن حتقيق الغايات وادلقاصد‪ ،‬حقيقة إن صور التجديد النسيب كثَتة‬
‫جدا وال يسع اجملال لذكرىا‪.‬‬

‫وأكتفي هبذا ادلدخل وأسال اهلل تعاىل ان يبارك مبا مت تقدديو واشكر لكم احلضور والسالم‬
‫عليكم ورمحة اهلل وبركاتو‪.‬‬

‫تم بح ــمد اهلل تعالى‬


‫ت ــفريغ م ــي شـ ــطناوي‬

‫‪20‬‬

You might also like