Professional Documents
Culture Documents
التجديد الفكري
التجديد الفكري
المقدمة:
يف احلقيقة إذا قيل التجديد فإن أول ما ديكن أن يطرأ على الذىن ىو احلديث النبوي -
الذي ذكره النيب ﷺ يف قضية جتديد ىذا الدين وىو احلديث الذي أخرجو اإلمام أبو
داوود-رمحو اهلل -يف سننو وأخرجو غَته من أصحاب الكتب ادلصنفة ،فعن أيب ىريرة رضي اهلل
عنو أن النيب ﷺ قال" :إن اهلل يبعث ذلذه األمة على رأس كل مائة سنة من جيدد ذلا دينها"،
وىذا احلديث متداول تداوالً واسعاً بُت العلماء على مر العصور من ادلتقدمُت ومن ادلتأخرين،
وشلن تناولو باحلكم عليو من حيث الصحة اإلمام السخاوي والعراقي وابن حجر ،ىؤالء الثالثة
كلهم صححوا إسناده.
ىذا احلديث أفرد بالتصنيف ،فالسيوطي لو كتاب بعنوان " التنبئة مبن يبعثو اهلل على -
رأس كل مئة " وىي رسالة مطبوعة وطبعت حديثاً ضمن أربع رسائل أخرى للسيوطي عن
اجملتهدين واالجتهاد ،وما إىل ذلك ،وىذا احلديث يطرأ حتت ىذا العنوان حُت تتناول القضية
من الناحية الشرعية وإن كان لفظ التجديد يف الواقع ادلعاصر يطرح يف فضاءات فكرية ال
تتناول التجديد من حيث اإلرتكاز على ىذا النص النبوي وإمنا تطرح من حيث النظر الفكري
ادلعريف احملض ،قد تكون بعض ىذه األطروحات التجديدية اليت تتخذ من ىذه ادلظلة الفكرية،
مظلة وحيدة ذلا يف بعض دتثالهتا تأثروا بفكرة احلداثة وفكرة التحديث.
ولذلك من ادلفاىيم اخلاطئة اليت ديكن أن تنبت حتت ىذه ادلظلة ،مفاىيم الظن بأن -
التجديد ىو اإلتيان مبا ىو جديد مطلقاً والسعي إلجياد القطيعة بُت الواقع وبُت القدمي والنظر
دائماً إىل ما ىو جديد من حيث اإلطالق؛ أي أفكار جديدة مل تطرح سابقاً وأقوال جديدة
ليس ذلا دتثالت سابقة.
2
ىذه ادلظلة األوىل اليت حتدثت عنها وىي ادلظلة اليت تتحدث عن :التجديد ضمن النص -
الشرعي وضمن اإلطار الشرعي مثل رسالة السيوطي ومثل من تناول ىذا احلديث وبعض
الدراسات اإلسالمية ادلعاصرة اليت تناولت ىذا الباب.
وىناك من يتناول ىذا الباب أو القضية من ناحية فكرية زلضة تكاد تقًتب يف بعض -
دتثالهتا من فكرة التحديث أو احلداثة ،فأحيانا تلمس أو ترى بشكل واضح يف دتثالت بعض
األطروحات التجديدية أنك تستطيع أن تزيل كلمة التجديد وتضع كلمة احلداثة ،ويف احلقيقة
تناول مثل ىذه القضية ضمن التحليل اللفظي للنص واالضلصار يف مساحة األلفاظ فقط اليت
يسمح هبا احلديث دون اإلجتهاد وفتح اآلفاق اليت ديكن أن تنبثق من ىذا النص فيو إشكال
ونقص ،كما أن االنطالق من ضمن ىذه ادلظلة أو ضمن ادلظلة األخرى دون اعتبار النص وما
يتعلق بو أيضا ىذا فيو خلل وفيو إشكال ،ولذلك ضلتاج إىل االنطالق من زلكمات؛ ىذا ادلعٌت
يف الشريعة ومن ىذا النص بعينو وكذلك فتح آفاق التأمل والتفكر فيما ديكن أن يدخل ضمن
ىذا احلديث وما يتعلق بو من مفاىيم ومن قضايا معاصرة وحتديات مستجدة ،ولذلك
سأحتدث عن ىذا احلديث من حيث التأمل يف ألفاظو ومن مث زلاولة اإلنطالق إىل فضاءات
ديكن أن يكون مستندىا ىذا ادلنطلق.
الوقفة األولى:
النيب ﷺ قال" :اهلل يبعث ذلذه األمة على رأس كل مائة سنة من جيدد ذلا دينها"، -
3
ومن األمور التي تلفت اإلنتباه في هذا النص:
أوال :كلمة "يبعث" وىذا البعث منسوب إىل اهلل سبحانو وتعاىل ،والبعث كما أشار فريد
األنصاري حُت تناول ىذا احلديث قال :يطلق يف لسان القرآن والسنة على معنيُت أوال على
معٌت اإلحياء "فأماتو اهلل مائة عام مث بعثو "
ثانياً :يطلق على معٌت " اإلرسال" ولقد بعثنا يف كل أمة رسوال أن اعبدوا اهلل واجتنبوا
الطاغوت "على أنو يقول أن البعث الثاين يتضمن األول ،فالبعث الذي ىو مبعٌت اإلرسال.
ثالثاً :فيو أيضا معٌت " اإلحياء" ،واإلحياء ادلقصود بو ىو اإلحياء ادلعنوي ،وليس اإلحياء
احلسي ،وإطالق لفظ احلياة على االنعكاسات اإلديانية على اإلنسان ادلؤمن.
وىذا لفظ مستعمل يف الشريعة كما قال النيب ﷺ" :مثل الذي يذكر ربو والذي ال -
يذكر ربو مثل احلي وادليت" ،ومن ادلعلوم أن ادليت ىنا ليس ادلقصود بو الذي توقف قلبو عن
العمل وفاضت روحو وإمنا ادلقصود بو ادلوت ادلعنوي ،فأول ما يلفت اإلنتباه ىنا ربانية ىذا
التجديد وىو أن اهلل يبعث مبعٌت ىو بعث موافق إلرادة اهلل الشرعية والكونية وبالتايل كل جتديد
يناقض مراد اهلل سبحانو وتعاىل يف أصول ما بعث عليو الرسل فهو ليس التجديد ادلقصود يف
مثل ىذا النص.
الوقفة الثانية:
يف ىذا النص ىي نقطة مهمة جدا وىي يف قول النيب ﷺ (ذلا) يف (من جيدد ذلا -
دينها) ،وىناك فرق بُت قول من جيدد دينها فقط وبُت من جيدد "ذلا" دينها .الفرق ىذا ليس
بالضرورة أنو مقتضى اللفظ مباشرة ،وإمنا قد يفهم الفرق يف بعض التصورات "،فلها" ىذه تفيد
أن التجديد ىو متعلق مبا طرأ على ىذه األمة من إشكاالت ومن حجب ومن حتديات على
4
أرض الواقع فهو جيدد ذلا وليس جيدد الدين باعتبار إضافة شيء جديد إليو ،وإمنا جيدد ذلذه
األمة اليت أصل الدين موجود لديها ولكن قد طرأ على ىذا األصل ما دينع من حسن التطبيق
لو أو حسن فهمو ومن مث جيدد ذلا دينها.
الوقفة الثالثة:
ىي يف قول النيب ﷺ (من جيدد): -
ومن ىذه ذىب كثَت العلماء إىل أن ادلقصود بـ "من" ليس الفرد الواحد وإمنا قد يدخل فيها
أكثر من شخص وأسهب العلماء كثَتا يف مثل ىذا ادلعٌت ،مثال الذىيب ذكر يف تاريخ اإلسالم:
"الذي أعتقده من احلديث أن لفظ من جيدد للجمع ال للمفرد" ،وكذلك ابن كثَت رمحو اهلل
تعاىل ،بل إن فريد األنصاري رمحو اهلل يقول " :إن القول بفردية اجملدد حتكم يف النص" .ومن
العلماء من ذىب إىل الفردية لكن أغلب العلماء ذىبوا إىل أن "من" تشمل الواحد وتشمل
تعدد األشخاص الذين ديكن أن يقوموا مبثل ىذا ادلعٌت التجديدي.
ىناك حبوث داخل ىذا النص تناوذلا العلماء ليست زلل التناول ىنا وىي متعلق بـ "ادلئة -
سنة" و"الرأس" وىل ىو يف النهاية أم يف البداية؟ وىل ىي من البعثة أم من اذلجرة؟ وىل ىي
مرتبطة بالتاريخ الدقيق ،تاريخ القرن أو ىي مرتبطة حباالت االضلسار وما إىل ذلك؟ ىذا حبث
فيو شيء من التفصيل ديكن أن يبحث عنو اإلنسان يف مقامات أكثر سعة وتفصيال من مثل
الشروحات احلديثة اليت تناولت ىذا الباب ،إذا ىذه الوقفة األوىل ىي مع النص من حيث
لفظو وثبوتو وبعض ادلعاين ادلرتبطة بو وىي أشبو ما تكون بادلقدمة أو ادلدخل ذلذه ادلادة ،بعد
ذلك ننتقل إىل:
5
العنصر الثاني :أنواع التجديد:
قسمت أنواع التجديد يف ىذا السياق إىل نوعُت :باعتبار اإلطالق والنسبية ،وإال ديكن -
يف داخل التفصيالت وادلوضوعات أن يقال مثال التجديد الفكري والتجديد اإلدياين وغَتمها،
لكن ديكن أن ننظر إىل القضية بشكل عام باعتبار التجديد ادلطلق وباعتبار التجديد النسيب
وىذا طبعا مع استصحاب ما مت تقريره يف البداية وىو أن التجديد ال يساوي إضافة وإمنا
التجديد يف أساسو ىو عملية إلعادة موضعة الدين يف ادلوضع الذي أراده اهلل سبحانو وتعاىل
وطبقة النيب ﷺ.
ىذا يف األساس ىو حقيقة التجديد وزلاولة إزالة احلجب والتحديات الواقعية اليت حتول -
بُت ادلسلمُت وبُت أن يكون الدين يف ذلك ادلوضع الذي كان عليو النيب ﷺ ،ومن ىنا
تنفتح مساحة واسعة للتفاعل مع الواقع وإشكاالتو وحتدياتو وإبصارىا والتعامل معها بأدوات
علمية ومعرفية.
إذا التجديد بهذا اإلعتبار نوعان :جتديد مطلق وجتديد نسيب.
فيمكن أن يكون التجديد ادلطلق ىو يف ادلسار العلمي وادلعريف وديكن أن يكون التجديد -
ادلطلق ىو يف ادلسار العملي ،بطبيعة احلال إذا قلنا أن التجديد ادلطلق ادلتعلق حبقائق الدين
الكربى ىو جتديد معريف يف قسم وجتديد عملي ،فال يعٍت أن التجديد ادلعريف ال يكون لو دتثل
6
عملي وال يعٍت كذلك أن التجديد العملي ال يكون لو مستند علمي أو معريف ،وإذا قلنا ىو
جتديد حلقائق الدين الكربى وكان ادلسار األساسي فيها ىو ادلسار ادلعريف فإنو والبد أن يكون
لو شيء من االنعكاسات العملية .وإذا قلنا أن التجديد حلقائق الدين الكربى عملي فال بد أن
يكون من ادلستندات ادلعرفية ما يعُت على تنزيل أو على القيام مبثل ىذا ادلشروع العملي على
أرض الواقع.
حُت يتحدث العلماء عن اجملددين على مر التاريخ اإلسالمي فإنك جتد بينهم -
اختالفات ،إال أهنم يكادون جيمعون على شخصيتُت ،فعلى مر تاريخ ادلسلمُت ال تكاد جتد
ىناك خالفا يف أن ىاتُت الشخصيتُت من اجملددين على اختالف ادلذاىب حىت العقيدة
اإلسالمية اليت تتحدث عن مسار التجديد ،وىم يتفقون أو يكادون يتفقون على عمر بن عبد
العزيز رمحو اهلل وعلى الشافعي -رمحو اهلل ،-وكل من يعد اجملددين أو يشرح ىذا احلديث مث
يذكر التعداد يكادون يتفقون على ىاتُت الشخصية ومنهم من يضيف إليهما شخصيات أخرى
ومنهم من يكتفي هبما واألكثر يكتفي هبما يف سياق القرنُت األول والثاين.
إذا نظرت إىل ىاتُت الشخصيتُت كشخصيتُت متفق عليهما يف ناحية التجديد ستجد -
أن أحدمها ينطبق عليو ادلسار ادلعريف واآلخر ينطبق عليو ادلسار العملي ،فالتجديد الذي كان
عليو عمر بن عبد العزيز يف احلقيقة مل يكن جتديداً علمياً معرفياً ،وإمنا كان جتديدا عملياً،
والتجديد العملي كان مرتبطاً ال بقضية جزئية ،وإمنا كان مرتبطا حبقائق الدين الكربى وادلتصلة
بإقامة الدين على أرض الواقع من جهة احلكم والسياسة وتطبيق العدل على وجو التحديد؛
العدل مبساره اإلسالمي الشرعي الذي أنزلو اهلل سبحانو ،إذ مل يكن مشروع عمر بن عبد العزيز
األساسي مشروعاً معرفياً وإن قام ببعض اجلهود ادلعرفية فهو مثال أمر جبمع السنة وما إىل ذلك
ولكن حىت مجع السنة مل يكن مشروعا جتديديا ،فالسنة كانت تتداول وتتدارس ويتناقلها
7
العلماء ،وىو قد أمر بوسيلة من وسائل حفظها وىو الكتاب أو اجلمع ،بينما مشروع اإلمام
الشافعي كان مشروعا معرفياً علميا ،وإن كان لو دتثيل على أرض الواقع ،ىذا التمثيل على
أرض الواقع ،دتثل يف تدريس الشافعي وكتاباتو "الشافعي ومناظراتو"،لكن مشروعو األساسي مل
يكن مشروعاً عملياً.
ومن ادلفارقات ادلهمة اليت حيسن أن ننظر إليها و تراعيها حىت ندرك اإلشكال الذي -
ذكرتو يف البداية يف الفرق بُت مساري التجديد؛ التجديد ادلنطلق من أصول شرعية والتجديد
ادلنطلق من نواح عقلية زلضة أو فكرية زلضة أو واقعية ،إنك جتد ادلفارقة الرىيبة لكثَت شلن يتبٌت
التجديد بنوعو الثاين حيث يرون أن اإلشكالية اليت دتثل ما يضاد بالتجديد من اجلمود والقولبة
والتقييد العقلي كانت تتمثل يف الشافعي ،بينما جتد اإلطار الشرعي يتفق على أن الشافعي كان
اجملدد يف مرحلة من ادلراحل ،وىذا يدل على أن التقسيم الذي ذكرتو يف البداية إذا نشأ على
حالة مفارقة فهو ينتج نتائج متضادة يف قضية التجديد.
ىذا اإلختالف يف التقييم وادلعيار واإلطار وادلنطلقات واحملركات أدى إىل تضاد يف -
النتائج ،حيث يرى ادلسار األول أن الشافعي رلدد يف مرحلة ما ،أما ادلسار الثاين فَتى أن
اإلشكالية يف مجود العقل اإلسالمي ،كما يقول بعض من ديثل ىذا االجتاه مثل زلمد شحرور:
"إن الشافعي ىو ادلشكل يف معٌت كالمو ولذلك كان يتحدث عن جتديد أصول الفقو" وىذا
مسار يتخذه طائفة من احلداثيُت ليس فقط زلمد شحرور ،الحظوا ادلفارقة يف ىذه القضية،
ومن أىم أسباب ىذا األمر قضية ادلعيار الذي ينطلق منو اإلنسان يف تقييم حقيقة وجوىر
ومركزية التجديد وأين تكون.
8
خالصة الكالم:
فيما يتعلق مبا ذكرتو إىل اآلن يف قضية النوع األول من التجديد الذي ىو التجديد -
ادلطلق وأنو جتديد ادلتعلق حبقائق الدين الكربى وأن لو مسارين مسار معريف ومسار عملي ،وأن
ادلسار ادلعريف من دتثالتو ادلتفق عليها يف التاريخ :الشافعي وأنو يستلزم شيئا عمليا ،ومن
التجديد يف ادلسار العملي عمر بن عبد العزيز وىو متفق عليو كذلك وىو يستلزم بال شك
مستنداً معرفياً علمياً ،وعمر بن عبد العزيز كان أحد األئمة ادلسلمُت وعلمائهم.
الصورة األولى:
يكون بإعادة تلك احلقائق الكربى إىل ادلركز :وإن كانت مل تكن يف واقع الناس منكرة -
أو مستنكرة وإمنا التجديد يكون يف إعادة موضعتها ،وديكن لنا أن نأخذ شيئا من ىذه الصورة
اليت ليست مطابقة ولكن ديكن لنا أن نقول أن ادلشركُت يف وقت النيب ﷺ وقبلو كانوا
يعبدون اهلل كما يعبدون غَته ومل يكونوا ينكرون أن اهلل إلو حق ومل ينكروا أن اهلل ىو اخلالق
الرازق ،وإمنا كان ىناك خلل يف مركزة العبودية ذلذا اإللو احلق ،حيث كانت آخذة يف طرف
وأدخلت معها أطرافا أخرى فصارت للمعادلة فيها قدر من اإلشكال ،فمن صور التجديد
9
الذي ديكن أن يكون ضمن احلقائق الكربى ،ىذه الصورة وىي إعادة مركزة ادلركزيات إىل ادلكان
وادلوضع الذي تستحقو من خارطة الدين.
الصورة الثانية:
إزالة احلجب واحلواجز والرواسب اليت تشكلت عرب حاالت اإلضلراف الفكري -
والعقدي:من التجديد ادلتعلق حبقائق الدين الكربى ليس مرتبطا باخللل يف موازين الثقل بُت
ادلركزيات وغَتىا ،وإمنا بإزالة احلجب واحلواجز والرواسب اليت تشكلت عرب حاالت اإلضلراف
الفكري والعقدي وما إىل ذلك ،فحالت بُت الناس وبُت حسن التصور وحسن الرؤيا ذلذه
احلقائق الكربى وبالتايل صار نوع التجديد ىنا ىو نوع متمثل يف التدافع مع تلك احلواجز
واحلجب ،وبطبيعة احلال ىو ليس تدافعا مع أفكار وال دتثالت ذلا وإمنا ىي يف الغالب تدافع
مع محلة تلك التصورات اخلاطئة اليت مل يستحق اجملدد أن يكون رلددا إال بعد توجهو إىل تلك
احلجب واحلواجز.
وبالتايل صورة التجديد ادلتعلقة حبقائق الدين الكربى يف قسمها الثاين اليت ذكرت اعاله -
ان التجديد ادلرتبط بإزالة احلجب واحلواجز والرواسب والتصورات اخلاطئة ادلرتبطة باحلقائق
الكربى وإعادة الفهم الصحيح والتطبيق الصحيح ادلرتبط هبا ،وديكن أن يكون يف زمن أو يف
أزمنة متعددة ،وقد يكون ادلوجود يف أرض الواقع ىو صوريت اإلشكال؛ صورة خلل يف ادلركزيات
وانزياح ادلركزيات إىل الطرف بدل أن تكون يف الوسط ،وصورة التصورات اخلاطئة واحلجب
والتمثالت اخلاطئة ادلرتبطة بتلك ادلعاين واحلقائق الكربى.
فيكون دور التجديد مضاعفاً وىو يف إعادة ادلوضعة ويف إزالة احلجب سوياً ،وأعتقد أن -
ىناك عديد التمثالت يف واقعنا ينطبق عليها ىذان ادلعنيان ،والتجديد ادلرتبط بالصورة الثانية
الذي يتطلب يف إزالة احلجب والرواسب ما يلي:
10
.1قدراً وافياً من ادلعرفة بالواقع
.2معرفة تاريخ تشكل الرواسب واحلجب والبواعث واحملركات اليت أدت إىل نشوء تلك
احلجب والقدرة
.3امتالك األدوات والعلوم وادلعاين اليت تعُت على تصحيح
.4إزالة تلك احلجب والرواسب أيضا ،وىذه كلها متطلبات إذا استعملنا ادلصطلح األصويل
شلا ال يتم الواجب إال بو أي ال يتم واجب التجديد إال بو.
وبالتايل ىذا ديكن أن يكون إطاراً تعريفياً تعرف بو كثَت العلوم ادلرتبطة بتاريخ األفكار -
وأصول األفكار اخلاطئة ،وما إىل ذلك من سياقات دراسة األفكار الغربية وانعكاساهتا وبعض
التمثالت الكربى ذلذه األفكار ،فال يتم التجديد ادلرتبط حبقائق الدين الكربى بصورتو الثانية
اف هبذه احلجب وتشكالهتا وأسباهبا كاف وو ٍ
ادلرتبطة بإزالة احلجب ما مل يكن ىناك علم ٍ
ومالبسات كوهنا ىي األكثر تأثَتاً ،وىذا كلو اآلن ضمن النوع األول الذي ىو التجديد ضمن
احلقائق الكربى ،ىذا التجديد ديكن أن تكون لو حتت الصورتُت معاجلة معرفية وديكن أن يكون
عملية ،إال أن طبيعة التجديد يف مثل ىذا الباب من الصعب أن يكون مستقال بأحد ادلسارين
دون اآلخر؛ أي التجديد ادلرتبط حبقائق الدين الكربى يف الغالب ال يتطلب جهدا معرفيا فقط
أو فكريا فقط وإمنا يتطلب انعكاساً ودتثال ذلذا اجلهد على أرض الواقع ،ولذلك قد تكون بعض
صور ادلشاريع التجديدية حتت ىذا العنوان ىي صور يف صناعة النماذج اليت دتثل مثل ىذا
النوع من التجديد.
11
اجملاالت وديكن أن يكون جتديدا عمليا يف رلاالت أخرى ،فهو رلال واسع ،ومن مجلتو التجديد
الفكري واألصويل واحلديثي وغَته من أنواع التجديد يف العمل الًتبوي ،والتجديد يف طبيعة
اخلطاب.
التجديد النسيب جتديد خارطتو واسعة وشلتدة ،وكل رلال من ىذه اجملاالت النسبية ديكن -
أن تكون لو ضوابطو وقواعده اليت حتكم التجديد يف كل رلال من اجملاالت ،إال أن فكرة
التجديد النسيب ال تتخلف برأيي عن ادلسارين اللذين ذكرهتما يف السابق ادلسار ادلعريف وادلسار
العملي ،وكذلك يف الفكرة اجلوىرية يف التجديد وىي إزالة اإلشكاالت اليت نشأت على ىذا
التجديد إما من حيث التطبيق أو من حيث التصورات ،وىنا ديكن أن تكون إضافة بعض
األفكار اجلديدة متاحة يف اجملال النسيب ،كاإلتيان ببعض األفكار اجلديدة اليت مل تطرح سابقا
بينما حقائق الدين الكربى ال رلال إلضافة أشياء جديدة مل تطرح سابقا ،لكن الًتبية مثال
ووسائلها وما يتعلق هبا وكيفية تربية النشأة واألبناء أو الطالب أو ما إىل ذلك ،فهو رلال قابل
للزيادة واالجتهاد واإلتيان بأشياء جديدة مل يأت هبا أحد.
بينما دلا تتكلم عن علم مثل أصول الفقو صلد أن حقائق التجديد فيو ختتلف عن -
التجديد يف اجملال الًتبوي ،ولذلك إذا ذكرنا مثالً الشاطيب ،كمجدد يف أصول الفقو ما أن تقرأ
مقدمات كتاب ادلوافقات حىت تدرك ادلعاين ادلرتبطة بالتجديد ،واليت ديكن أن نلخصها يف
احملافظة على مقاصد ىذا العلم الذي ينبغي أن حتقق عربه ،وعن طريقو ،فالشاطيب مثال يف
موافقاتو يقول إن أصول الفقو وبالتايل ادلسائل اليت ال تكون نافعة أو مثمرة أو مفيدة يف الفقو
فال ينبغي أن تعد من أصولو ،ىذا معناه إزالة لكثَت العوالق أو العواري اليت تراكمت يف ىذا
العلم وكانت من أسباهبا بعض ادلصادر ادلعرفية األخرى اليت أدت إىل بعض اإلشكال يف ىذا
العلم ،فهذا رلال واسع ويصعب احلديث فيو بتفاصيلو ألن كل رلال لو ضوابطو وقواعده
12
ادلرتبطة بالتجديد فيو ،أما االختزال الشديد لفكرة التجديد يف إضافة ادلعلومات اجلديدة أو
األفكار اجلديدة فهذا أيضا فيو اختزال كبَت جدا.
كنت قد ذكرت أول شيء أن ىناك اجتاىُت يف التعامل مع فكرة التجديد مث ذكرت -
بعد ذلك النص الوارد يف ىذا الباب ووقفت معو مث بعد ذلك ذكرت أنواع التجديد وذكرت
نوع التجديد ادلطلق والتجديد النسيب وذكرت األقسام ضمن التجديد ادلطلق وما يتعلق بو وما
يدخل فيو وبعض األمثلة ادلرتبطة بو وصورة التجديد يف كل مسار من ادلسارات ادلرتبطة هبذا
التجديد.
العنصر الثالث:
صور أو أنواع اخللل يف التجديد:وأقصد اخللل ىنا أو أنواع من اخللل واقعاً معيناً وليست -
تصورات ذىنية رلردة وإمنا ىناك خلل أو بعض الصور يف اخللل يف التعامل مع ملف التجديد
على أرض الواقع:
الصورة األولى:
الظن بأن التجديد مرادف للحداثة أو للتحديث :من صور اخللل وىي اليت ذكرهتا قبل -
قليل وىي الظن بأن التجديد مرادف للحداثة أو للتحديث ،وأن التجديد يستلزم قطع الصلة
بادلاضي وإمنا ىو يف اإلضافة أن يكون ىناك شيء معريف يضاف على علم ما أو على أساس
الدين أو على أي كان ،وىذه الفكرة ال ينبغي أن تكون عنوانا للتجديد وإمنا ىذه الفكرة أعٍت
اإلضافة إذا أدخلناىا يف بعض رلاالت التجديد النسيب يكون التجديد فيها عرب اإلضافة ،لكن
قولبة التجديد يف اإلضافة يف ىذه صورة من الصور اخلاطئة وما أكثر ما ترتب عليها من صور
اخللل.
13
الصورة الثانية:
من صور اخللل يف التجديد وىي الظن بأن التجديد ىو تكييف الدين واستحداث -
وسائل لو جتعلو متوائماً مع مناخات الواقع الثقايف ،فالظن بأن التجديد ىو تنزيل الدين على
الواقع من جهة جعلو موافقا وموائماً للمناخات الثقافية السائدة فيو فصورة التجديد يف زمن
اذليمنة الليربالية الغربية ىي يف تكييف الدين حيث ال يتعارض مع سلرجات ىذه الثقافة وجتديد
الدين يف زمن اإلشًتاكية ،ىو تكييفو بطريقة ال تتعارض مع ادلخرجات االشًتاكية وىكذا قس
على ذلك ،ىذه صورة من الصور اخلاطئة اليت قد تكون مستبطنة أحيانا وال يكون الذي
استبطنها يشعر بأن ىذا ىو احملرك الداخلي لطبيعة التجديد الذي يدعو بو.
فأنت جتد ىذا مثال يف مرحلة من ادلراحل اليت كان العنوان األساسي فيها بالنسبة -
للوسط الفكري والثقايف اإلسالمي ىو عنوان التقدم ادلادي وادلدنية والعلوم الطبيعية يف وقت
كانت الثقافة الغربية أو الواقع األورويب ال يزال صاعدا وبقوة يف رلال النهضة العلمية الطبيعية.
فكان التجديد الذي يتمثلو بعض ادلفكرين ىو يف أن جيعل الدين موافقا دلركزية التقدم ادلايل،
والتقدم ادلدين ،فمركزيات الدين ومركزيات ادلدنية األوروبية الغربية تكاد تتطابق ،فهذه ىي صورة
التجديد اليت كان يظنها البعض ،وبالتايل ما ال يتواءم مع ىذا التطابق فإزالتو ونقده ىو صورة
من صور التجديد.
وبالتايل جاءت عندنا قضية مثل إنكار ادلعجزات مثال ،ودلا تفهم احملرك يف قضية إنكار -
ادلعجزات تدرك أن ىناك قدراً من التأثر بقضية القوانُت الطبيعية واستعمال النهضة األوروبية
للقوانُت الطبيعية للوصول إىل ادلكتشفات اليت وصلوا إليها.
وبالتايل حقيقة احلياة وحقيقة وجود اإلنسان ىي التفاعل مع ىذه القوانُت الطبيعية وما -
كان على خالف ذلك شلا جيري حتت عنوان ادلعجزات فهو خيتلف مع ىذا ادلعٌت وبالتايل
14
اإلزالة أو التأويل ىو الذي يتفق مع التجديد الذي تناسبو تلك ادلرحلة ،ىذه صورة من صور
اخللل واإلشكال الذي وقع ،اآلن نرى نفس الشيء انتشار الثقافة النسوية مثال ،فالبعض يظن
أن التجديد ىو إعادة قراءة الدين حبيث يتوافق مع الواقع النسوي اجلديد ،مثل نصوص ادلَتاث
اليت فيها "للذكر مثل حظ األنثيُت" األخذ بداللة ىذا النص الظاىرية أو بداللة منطوق ىذا
النص ىي رؤية قددية والتجديد مع ىذه التغَتات الواقعية والتغَت يف قيمة الوظائف والعمل
النسائي واإلنفاق يتطلب جتديد اإلنسان يف ىذا النص ،ويف احلقيقة ىذه التفسَتات والقراءات
اجلديدة عادة ما يكون الدافع واحملرك ذلا ىو أمر باطٍت وأحيانا ال يكون مستحضراً ،الذي
يستبطن شيئا حيركو وال تلتقط عينو إال ما يتعارض مع ىذا احملرك فتجد أن رلموعة من
النصوص ىي اليت توضع حتت التشريح والقصقصة وحُت تبصر ىذه النصوص جتد أهنا تتعارض
مع مثل ىذا ادلخرج .ولذلك كل من يقرأ الدين قراءة مرتبطة بواقع فكري ما يزيل أو يؤول أو
يبعد عن الدين ما يتعارض مع منطلقات تلك القراءة ،لذلك ىذه الصورة خاطئة من صور
التجديد.
الصورة الثالثة:
ىي الظن بأن التجديد إمنا يكون يف الوسائل ،من صور اخلطأ ،ىي الظن بأن التجديد -
إمنا يكون يف الوسائل ،كيف صلدد مثال اخلطاب الديٍت؟ ال بد من وجود أسلوب جديد يتعامل
فيو ادلتحدث ،طبعا البعض يقصد أيضا ادلضامُت وحىت التجديد من حيث الريادة يف واقع
ادلسلمُت وما إىل ذلك ،كثَتا ما يتم الًتكيز مثال على ادلهارات اليت يتم الًتكيز فيها على
الوسائل ادلهارية والوسائل اإلدارية،وحصر التجديد يف قضية الوسائل فيو إشكال ،فالتجديد يف
حقيقتو ىو يف إعادة ادلقاصد وتفعيلها ليس فقط يف استحداث وسائل جديدة وإن كان
استحداث الوسائل يدخل ضمن التجديد إذا كان زلققا للمقاصد ويتفرع عن ىذا اخللل يف
الظن بأن التجديد ينحصر يف الوسائل ويتفرع عنو بسبب اإلستغراق يف التجديد يف الوسائل
15
خلل أكرب وىو التجديد يف وسائل حتقق نقيض ما ينبغي حتقيقو من ادلقاصد وذلك عرب
اإلستغراق يف دائرة الوسائل والظن بأهنا ىي التجديد احلقيقي ،وىذا اإلستغراق يعمي أحيانا
عن حتقيق ادلقاصد الشرعية والتوازن يف قضية الوسائل وادلقاصد ،واليت ىي مهمة جدا.
وإذا استعملنا ما ىو أقرب للمقاصد يف الشريعة ديكن أن نشبو ادلقاصد مبظلة أو خيمة -
ذلا أعمدة وأركان ومن الناس من يركز على سقف اخليمة ىذا أو ادلظلة دون األعمدة اليت نشأ
عليها ،ومن الناس من يركز على األعمدة دون النظر إىل ادلظلة أو اخليمة اليت تستند إليو،
والصواب ىو اجلمع بُت األمرين؛ ففي مقاصد الشريعة البعض يركز على ادلظلة ويقول لك
الدين عبارة عن مقاصد ولكن لو وسائل ولو عبادات ولو تفاصيل شرعية توصل إليو ،ومقاصد
الشريعة مل تنشأ إال من خالل تفاصيلها اليت فهمنا منها أن من مقاصد الشريعة كذا وكذا.
ىذه التفاصيل ىي عبارة عن نصوص وكليات الدين وما إىل ذلك والبعض جيمد على -
ألفاظ النصوص وظواىرىا وال يريد أن يقرأ ما تدل عليو ىذه النصوص .كليات ىذه النصوص
ورلاالهتا اليت يسعى لتحقيقها وتعزيزىا وما بُت االضلصار يف ىذا واالضلصار يف ذاك تضيع قضية
الوسائل أو ادلقاصد الشرعية ،بينما يف احلقيقة ادلراعاة بالنظر لالثنُت وىذه أيضا ديكن تشبيهها
مبثال آخر وىي أن يضع اإلنسان قدمو على الطريق ويعرف كيف يسَت ىذه الوسائل وأن يبصر
دائما هناية الطريق واإلشكاالت اليت ديكن أن تنتج يف مراحلو .ىذا النظر للمقاصد واجلمع
بينهما ىو الذي جيعل اإلنسان يسَت يف طريق الشريعة بشكل صحيح بينما الذي ينظر إىل
قدميو فقط قد ال يبصر إشكاالت الطريق أو حىت اضلرافاتو وينظر إىل األمام فقط وال يرى ما
حتتو وقد يزل لذلك ،واجلمع بُت االثنُت ىو األفضل.
خالصة الكالم:
16
أن من صور التجديد اخلاطئة اليت تظن أن التجديد إمنا يكون يف الوسائل بينما من أىم -
صور التجديد إعادة موضعة ادلقاصد وتفعيلها وتنزيلها حىت تكون فاعلة على أرض الواقع ،ومن
جزء من ذلك ما مت ذكره سابقاً ،وىو إعادة ادلركزيات إىل ادلركز وإزالة احلجب عنها وىذا كلو
ال يكون حتت قضية الوسائل فقط وإمنا ىو حتت عنوان ادلقاصد أو بادلقاصد أقرب وأبسط.
العنصر الرابع:
يف الواقع احلايل ىي الصورة ادلطلوبة يف التجديد ،وحقيقة ادلوضوع أكرب من ذلك بقيت -
أمور كثَتة متطلبة ولكن ديكن أن نعترب ىذه بداية يف ادلوضوع أو تناول لبعض أطرافو بناء على
التقسيم السابق ألنواع التجديد الذي ىو التجديد ادلطلق والنسيب ،وبناء على ادلسارات اليت
يتضمنها كل التجديد وىو ادلسار ادلعريف وادلسار العملي ،فإمنا ديكن أن نتصور خارطة للتجديد
أو رلاالت للتجديد بناء على ىذا التقسيم .ولذلك الصورة األوىل من صور التجديد ادلطلوبة
اليوم ىي من أعظم الصور ومن أجلها ومن أكثر ما ينبغي العمل عليو وىو برأيي التجديد
احلقيقي الذي ديكن أن يعمل ولو انواع:
الصورة األولى:
التجديد يف إعادة موضعة مركزيات الشريعة لتأخذ ادلركز والثقل. -
الصورة الثانية:
عرب إزالة العوائق واحلجب واحلواجز والرواسب اليت دتنع الناس من أن يتصور الدين -
بشكل صحيح يف حقائقو الكربى فهذان رلالُت من رلاالت التجديد والعمل فيها واسع جدا،
17
وكما قلت ينطبق عليها ادلسارين وديكن أن يكون يف ادلعاجلة ادلعرفية وديكن أن يكون يف ادلعاجلة
العملية إال أنو بطبيعتو يتطلب األمرين ،ىذا من أىم اجملاالت اليت ينبغي العمل عليها.
ومن أهم المجاالت اليت يصح أن يقال أهنا تعمل على طريق األنبياء وعلى طريق النيب -
ﷺ وىي اليت يرجى أن تكون موافقة حلقائق الدين الكربى ومقاصده العظمى ،ويدخل
حتت ذلك طبعا كل ما ديكن أن يضاف إليو مركزية كذا يف الدين ،مثال العبودية ومرجعية
الوحي والتزكية إىل آخره من مركزيات الدين ،فكل جهد يصب يف إعادة موضعتها لتكون يف
ادلركز والوسط وكل جهد يصب يف إزالة ما يعارضها ىو من حقيقة التجديد الذي ينبغي العمل
عليو فقط .وىذا ادلوضوع يستحق حديثا طويال جدا ،يعٍت دلا تقول إزالة ما يعارضها السؤال
ىنا ىو ما الذي يعارضها من التمثالت ادلعاصرة ادلوجودة اليوم؟ ىذا حيتاج إىل الوعي بالواقع
وفهم التاريخ وإدراك حقائق األفكار وإدراك طبيعة ادلؤثرات ادلوجودة يف الواقع وطبيعة التفاعل
مع األدوات اليت تنتج أفكار وغَتىا من كل ما يدخل يف ىذا اجملال وكلو ديكن أن يفيد يف ىذا
اجملال ،وىذه الصيغة ادلعرفية أو ىذا ادلسار ادلعريف مسار عملي يدخل يف صورة ثالثة وىي:
الصورة الثالثة:
صناعة احلَ َملة أو النماذج اليت تتمثل يف مثل ىذه احلقائق وتنشأ على مركزيات صحيحة -
ومقاصد صحيحة ،وىذا أيضا صورة عملية ومسار عملي دلثل ىذا ادلعٌت.
18
بينما شلا ينبغي أن يكون ضمن السياق التجديدي وأن يتم التجديد يف بعض ادلكونات أو
بعض ادلسائل اليت جتعل األصل فيمن يدرس ىذه العلوم أن يكون مدركا دلقاصدىا قادرا على
التفاعل مع تلك ادلقاصد ،فما الفائدة من اجلهة الغائية حينما يدرس الطالب أصول الفقو
واحلديث والعقيدة لسنوات مث ال يستطيع التفاعل يف أرض الواقع فيما يتصل هبذه اجملاالت؟
ىذا فيو إشكال من حيث حتقيق ادلقاصد وال أقصد بأرض الواقع الواقع احملسوس بالضرورة وإمنا
حىت يف الواقع الفكري ،فال تتحقق ىذه ادلقاصد ،ىذا جزء فيو إشكال وبالتايل التجديد عرب
ىذه الوسيلة ىو جتديد مهم -برأيي -وىو من التجديد النسيب الذي ينبغي العناية بو يف ىذه
ادلرحلة.
الصورة الثانية:
مم فقد يف كثَت من السياقات العناية بالربىنة والعناية بقضية الربىان ،وذلك ألن ّ -
اإلسالمية ىو الناحية الربىانية وأنت يف واقع بطبيعتو واقع يستصحب النسبية ويستصحب
الشك يف كثَت من دتثالتو ،ولذلك من مجلة ما يعُت على تلك ادلركزيات ىو الثقل الربىاين
الذي جيعل للمركزية قيمة أكرب من عرضها اجملرد ،وإذا رأيت يف رسالة النيب ﷺ ستجد أن
الثقل الربىاين كان ضخما كبَتا ثقيال لو وزنو ولو سطوتو على النفوس وىذا أيضا رلال من
اجملاالت التجديدية.
الصورة الثالثة:
إن من رلاالت التجديد النسيب العملية اليت ضلتاجها اليوم :التجديد يف سياقات حتفيظ -
القرآن ،فمعاىد التحفيظ وحلقاتو حتتاج تدخالً جتديدي بالتنبو إىل حقيقة ما ينبغي أن تكون
عليو ىذه احللقات من حتقيق للمقاصد والثمرات وأن ال تنحصر أو يعطى احلفظ قيمة أكرب
من الغايات اليت حيققو ،وىذه القضية مفهومة ،وذلا أصول كثَتة يف الشريعة لكن تتطلب
19
التجديد العملي ألن الواقع العملي يف أغلب دتثالتو حيقق جانب احلفظ وال حيقق الثمرات اليت
تنبٍت عليو ،وأحيانا تكون طبيعة التدريس وطبيعة اإلطار الذي يرسل للحلقة ىو الذي خيرج
مثل ىذه النتائج القاصرة عن حتقيق الغايات وادلقاصد ،حقيقة إن صور التجديد النسيب كثَتة
جدا وال يسع اجملال لذكرىا.
وأكتفي هبذا ادلدخل وأسال اهلل تعاىل ان يبارك مبا مت تقدديو واشكر لكم احلضور والسالم
عليكم ورمحة اهلل وبركاتو.
20