Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 17

‫‬

‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬


‫‬
‫جون والبريدج‬
‫‬
‫ترجمة طارق عسيلي‬

‫ال�سيا�سي‪ .‬فالفيل�سوف‬
‫ّ‬ ‫كتمرده على ال�سائ��د‬
‫الفكري يف ع�رصه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مت��ر َد ال�سهروردي عل��ى ال�سائد‬ ‫َّ‬
‫غريه‪ ،‬وي ّت�صل به��ا ب أ�رباب احلكمة مهما‬ ‫ُ‬ ‫به‬ ‫َ‬
‫��ل‬ ‫ليكم‬
‫ُ‬ ‫بها‬ ‫يكتمل‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫فل�سفي‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ة‬ ‫حي��ا‬ ‫يحيا‬ ‫من‬ ‫هو‬ ‫عن��ده‬
‫�شي أ�ت االعتبارات‬ ‫ائية الطاغية يف زمانه‪ ،‬والتي ّ‬ ‫تقادم بهم الزمن‪ .‬من هنا كان رف�ضه ملقوالت امل�شّ ّ‬
‫عيني واحد‬ ‫مقدم ًة ملفهمته‪ ،‬و�سبيلاً ملعرفته‪ ،‬فقال بوجودٍ ّ‬ ‫العقلي��ة‪ ،‬وجعلت الرتكيب يف بنية العامل ّ‬ ‫ّ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫�صاغ��ه يف ِمتافيزيق��ا النور املق��ول بالت�شكيك‪ ،‬و�إن كان‪ ،‬عندم��ا �راد اختيار الوح��دات ال ّو ّلية‬
‫(املاهيات)‪ ،‬ومو�ضوع��ات االختبار املبا�رشة‪ ،‬كوحدات �أ ّو ّلية‬ ‫ّ‬ ‫اجلزئية‬
‫ّ‬ ‫يرجح الكيانات‬ ‫ملنظومت��ه‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫مك�شوف‬ ‫العيني فباحل�ضور واملبا��شرة‪� ،‬إذ املعلوم بالذات‬
‫ّ‬ ‫درك هذا الوجود‬ ‫ملنظومت��ه‪� .‬أ ّما كيف ُي َ‬
‫يزوده‪ ،‬دون‬ ‫يف ال يلغي دور العقل مبا هو �آل��ة‪ ،‬بل ّ‬ ‫تو�س��ط �آلة‪ ،‬و�إن كان ال��ذوق ال�صو ّ‬ ‫للع��امل دون ّ‬
‫العقلية عليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البديهيات‪ ،‬مبعرفة احلقيقة التي ميكن بناء املعارف‬ ‫ّ‬

‫[‪ ].1‬حياة السهروردي وأعماله‬


‫[‪ ].1 .1‬من مراغة إلى حلب‬
‫�ضحوا بحياتهم يف �سبيل تعاليمهم‬
‫ينتمي ال�سهروردي �إىل جمموعة من نخبة الفال�سفة الذين ّ‬
‫خ�صم‬
‫ٍ‬ ‫متيز مبقتل��ه على يد‬
‫الفل�سفي��ة‪ ،‬ك�سق��راط وبرونو وفيثاغور�س عل��ى بع�ض الروايات‪ّ .‬‬
‫ّ‬

‫انظر‪،‬‬ ‫ ‬
‫‪J. Walbridge, The Leaven of the Ancients, Suhrawardī and the Heritage of the Greeks (New York: SUNY‬‬
‫‪Press, 2000), pp. 13-26.‬‬
‫ال�رشاق‪ ،‬وله ترجمات‬
‫ال�رشقية يف جامعة �إنديانا يف الواليات امل ّتحدة؛ ترجم مع ح�سني �ضيائي حكمة إ‬
‫ّ‬ ‫ �أ�ستاذ اللغات والثقافات‬
‫لبع�ض �أعمال جربان خليل جربان‪ .‬من م�ص ّنفاته اهلل واملنطق يف إ‬
‫ال�سالم‪ ،‬وعلم أ‬
‫النوار الباطنيّة‪ .‬انظر‪،‬‬
‫‪God and Logic in Islam: The Caliphate of Reason (Cambridge University Press, 2011); The Philosophy of‬‬
‫‪Illumination of Shihab al-Din Yahya Suhrawardi [with Hossein Ziai], (UCLA, 1999); The Science of Mystic‬‬
‫‪Lights: Qutb al-Din Shirazi and the Illuminationist Tradition in Islamic Philosophy (1992).‬‬
‫احلكمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باحث يف معهد املعارف‬
‫ٌ‬ ‫ ‬

‫‪197‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫ت�ستحق‬
‫ّ‬ ‫�سطوري �صالح الدين‪ .‬الرواية املتوفّرة لدينا غري كاملة‪� ،‬إ اّل �أ ّنها‬
‫ّ‬ ‫�شه ٍري ه��و القائد أ‬
‫ال‬
‫الع��ادة‪ ،‬ألنّ فل�سفة ال�سهروردي ارتبطت بحياته وموته‪ ،‬كم��ا ارتبطت فل�سفة فيثاغور�س‬ ‫إ‬
‫و�سقراط بحياتهما وموتهما ‪.‬‬
‫‬

‫ �أع��رف خم���س تراجم كربى لل�سهروردي كتبت يف القرون الو�سطى‪ ،‬تعود جميعه��ا �إىل بداية القرن الثالث ع�رش ومنت�صفه‪،‬‬
‫كتبها م ؤ�لّفون �سبقوا ال�سهروردي من جيل �إىل ثالثة �أجيال هي‪:‬‬
‫الدباء‪ ،‬الطبعة ‪( 1‬القاهرة‪ :‬املطبعة‬ ‫الدباء‪� ،‬أو طبقات أ‬‫الديب املع��روف مبعجم أ‬ ‫الريب �إىل معرفة أ‬ ‫‪ .1‬ياق��وت احلموي‪ ،‬كتاب �إر�شاد أ‬
‫الهنديّة‪ ،)1925 ،‬اجلزء ‪ ،7‬ال�صفحات ‪� 269‬إىل ‪.272‬‬
‫الدباء‪ ،‬حتقيق �أوغ�ست مولر‪ ،‬طبعة ‪( 1‬كونيغ�سربغ‪ ،)1884 ،‬اجلزء ‪ ،1‬ال�صفحات‬ ‫النباء يف طبقات أ‬ ‫‪ .2‬ابن �أبي �أ�صيبعة‪ ،‬عيون إ‬
‫‪� 168‬إىل ‪171‬؛ وحتقيق نزار ر�ضا (بريوت‪ ،)1968 :‬ال�صفحات ‪� 641‬إىل ‪ .646‬وتختلف ن�سخة ر�ضا �شي ًئا ما عن ن�سخة‬
‫مولر‪.‬‬
‫�سالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الم�صار‪ ،‬حتقيق ف ؤ�اد �زسكني‪ ،‬مطبوع��ات معهد العلوم العربية إ‬
‫ال‬ ‫الب�صار يف ممالك أ‬ ‫‪ .3‬اب��ن ف�ضل اهلل العم��ري‪ ،‬م�سالك أ‬
‫�سالمية‪ ،)1988 ،‬اجلزء ‪ ،9‬ال�صفحات ‪� 86‬إىل‬ ‫ّ‬ ‫ة‪-‬ال‬
‫العربي إ‬
‫ّ‬ ‫ال�سل�سل��ة ج‪( 46 ،‬فرانكفورت‪ ،‬مطبوعات معهد تاريخ العل��وم‬
‫ب�شكل كامل‪ ،‬على ابن �أبي �أ�صيبعة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫حد كبري‪ ،‬ولكن لي�س‬ ‫‪93‬؛ وهي ترتكز �إىل ّ‬
‫عبا�س (بريوت‪ :‬دار الثقافة‪ ،)1968 ،‬اجلزء ‪ ،6‬ال�صفحات‬ ‫العيان و�أنباء �أبناء الزمان‪ ،‬حتقي��ق �إح�سان ّ‬ ‫‪ .4‬اب��ن خ ّلكان‪ ،‬وفيّات أ‬
‫النكليز ّية‪.‬‬ ‫‪� 269‬إىل �إىل ‪274‬؛ وقد تُرجم �إىل إ‬
‫انظر‪Ibn Khallikan’s Biographical Dictionary, trans. W. M. de Slane (Paris: Oriental Translation Fund 59, 1843-71(. ،‬‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق خور�شي��د �أحمد (حيدر �آباد‪ ،)1976 ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحات ‪� 119‬إىل ‪143‬؛ حتقيق‬ ‫‪ .5‬ال�شه��رزوري‪ ،‬نزهة أ‬
‫علي �أبو ر ّيان‪ ،‬ال�صفحات ‪� 600‬إىل ‪.622‬‬ ‫حممد ّ‬ ‫ّ‬
‫تتميز بت�ضامنها مع ال�سهروردي؛ انظر‪ ،‬الذهبي‪ ،‬العِ�بر يف خ ِرب َمن َغبرَ ‪ ،‬حتقيق �صالح الدين‬ ‫عما ذُكر‪ّ ،‬‬ ‫وثم��ة رواية مت أ�خّ ��رة ّ‬
‫ّ‬
‫والنباء‪ ،)1963 ،‬اجل��زء ‪ ،4‬ال�صفحتان ‪ 263‬و‪ .264‬وهذه رواية‬ ‫الر�شاد أ‬ ‫العرب��ي ‪( 10‬الكويت‪ :‬وزارة إ‬ ‫املنج��د‪ ،‬الرتاث‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ترتكز على ابن خ ّلكان‪.‬‬
‫م�صدرا لعدد من الروايات‪ ،‬وقد كان له دور يف �إدانة‬ ‫ً‬ ‫�شداد‪ ،‬كاتب �سرية �صالح الدين‪ ،‬وم�ست�شار امللك الظاهر‪،‬‬ ‫و ُيعترب ابن ّ‬
‫ال�شيال‪ ،‬الطبعة ‪( 1‬القاهرة‪:‬‬
‫�شداد‪� ،‬سرية �صالح الدين‪ :‬ال�سرية اليو�سفيّة‪ ،‬حتقيق جمال الدين ّ‬ ‫ال�سهروردي‪ .‬انظر‪ ،‬بهاء الدين بن ّ‬
‫النكليز ّية‪.‬‬
‫اخلاجني‪ ،)1962 ،‬ال�صفحة ‪10‬؛ وقد تُرجم �إىل إ‬
‫‪The Life of Salah ud Din Ayyubi (reprint Rawalbandi: Army Book Club, 1983), pp. 584-86.‬‬ ‫انظر‪،‬‬
‫الن�س‪ ،‬حتقيق الدكتور حممود العابدي‬ ‫ال�صوفية‪ ،‬انظر‪ ،‬عبد الرحمن اجلامي‪ ،‬نفحات أ‬ ‫ّ‬ ‫ب�شكاكي‬ ‫وثمة رواية الحقة ت�ست�شهد ّ‬ ‫ّ‬
‫(طهران‪ :‬اطالعات‪1375 ،‬هـ‪1996-‬م)‪ ،‬ال�صفحات ‪� 584‬إىل ‪.586‬‬
‫تخ�صه‪.‬‬
‫لكل واح��د معلومات ّ‬ ‫الوائ��ل بع�ضهم على بع�ض بدرجة كب�يرة‪ ،‬ف إ�نّ ّ‬ ‫وكم��ا نعل��م‪ ،‬فرغم اعتماد ك ّت��اب ال�سري أ‬
‫�شداد‪ .‬واب��ن خ ّلكان‪ ،‬وابن ف�ض��ل اهلل‪ ،‬يذكرون ابن �أبي‬ ‫فياق��وت‪ ،‬واب��ن �أب��ي �أ�صيبعة‪ ،‬وابن خ ّلكان جميعه��م يذكرون ابن ّ‬
‫اخلا�صة على ما‬
‫ّ‬ ‫�أ�صيبع��ة‪ .‬وال�شه��رزوري ي�ستند �إىل ابن �أبي �أ�صيبعة‪� ،‬أو �إىل م�صدره �سديد الدين ابن رقيقة‪ ،‬رغم �أنّ له م�صادره‬
‫�شداد البالغ للمهرطق �إىل تبجيل ال�شهروزري الوا�ضح‪.‬‬ ‫يبدو‪ .‬ويرتاوح التفاوت يف وجهات النظر بني بغ�ض ابن ّ‬
‫البيبليوغرافية‪ ،‬املقبولة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التاريخية‪� ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫عدة حول ال�سهروردي‪ ،‬لك ّنها ال ترقى �إىل م�ستوى الدرا�سة‬ ‫وهناك روايات حديثة ّ‬
‫بال�ضافة �إىل ما ذُكر �أعاله‪،‬‬
‫انظر‪ ،‬إ‬
‫‪S. H. Nasr, Three Muslim Sages (Cambridge: Harvard University Press, 1964), pp. 52-8; G. Sarton, Introdb‬‬
‫‪duction to the History of Science (Washington: Carnegie Institution, 1931; Carnegie Institution Publicat-‬‬
‫‪tion 376), 2/1:361-62; GAL [Geschichte der arabischen Literature], GI:247, SI:781.‬‬
‫وحتوي التحقيقات احلديثة والرتجمات ألعمال ال�سهروردي �رس ًدا‪ ،‬يزيد �أو ينق�ص‪ ،‬حلياة ال�سهروردي و�أعماله‪ ،‬بيد �أنّها‪،‬‬
‫يف أ‬
‫الغلب‪ ،‬ال تُ�ضيف جديدً ا‪.‬‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪198‬‬
‫جون والبريدج‬

‫تق��ع قرية �سه��رورد يف مقاطعة زجنان على بع��د حوايل ثالثمائة كيلوم�تر �شمال غرب‬
‫طهران احلديثة‪ .‬ولئن كانت هذه القرية م�سقط ر�أ�س ال�سهروردي‪ ،‬ف إ� ّنها مل تكن املكان الذي‬
‫عا���ش فيه‪ .‬فقد �أ�ش��ارت املعلومات أ‬
‫ال ّو ّلية الت��ي نقلها رواة �سريته �إىل �أ ّن��ه ق�صد بلدة مراغة‬
‫الواقعة �شمال غرب �إيران ليدر�س الفل�سفة على جمد الدين اجليلي‪ ،‬الرجل «البارز يف ع�رصه‪،‬‬
‫و�صاح��ب الكتب املمتازة»‪ ،‬والذي كان فخر الدين الرازي‪ ،‬املتك ّلم ال�شهري‪ ،‬قد در�س عليه‬
‫الفل�سفة �أ ً‬
‫ي�ضا‪.‬‬
‫النا�ضول‪ ،‬در�س ال�سهروردي على يد فخر الدين املارديني‬ ‫ويف ماردي��ن‪ ،‬وهي بلد ٌة يف أ‬
‫�رشاح ابن �سينا‪،‬‬ ‫العقلية ال�شهري يف ع�رصه‪ ،‬و�أحد ّ‬
‫ّ‬ ‫الطب والعلوم‬ ‫ّ‬ ‫(‪ 594‬هـ‪1198-‬م)‪� ،‬أ�ستاذ‬
‫ثم در�س يف �أ�صفهان ب�صائر عمر بن �سهالن ال�ساوي على‬ ‫�صوفيا ‪ّ .‬‬
‫‬
‫ًّ‬ ‫وقد كان‪ ،‬فيما يبدو‪،‬‬
‫القاري (�أو الفار�سي)‪ ،‬ورغم �أنّ ظاهر الدين هذا مل ينل �شهرةً‪� ،‬إ اّل �أنّ كتاب‬ ‫ي��د ظاهر الدين ّ‬
‫الب�صائ��ر كان عملاً جتديد ًّيا يف املنط��ق‪� ،‬آذن تنظيمه ببع�ض وجوه كتابات ال�سهروردي‪ ،‬كما‬
‫النا�ضول الو�سطى التي‬ ‫جتول على الغال��ب يف أ‬‫��صرح ال�شه��رزوري ‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬يبدو �أ ّنه ّ‬
‫‬
‫ّ‬
‫حد كبريٍ‪ .‬وقي��ل �إ ّنه عا�ش يف دياربك��ر‪ ،‬ويف �سوريا‪ ،‬كما‬ ‫يرانية الثقاف��ة �إىل ٍّ‬
‫كان��ت حينه��ا �إ ّ‬
‫الوىل من جتواله بالت أ�كيد‬ ‫روايات عن تواجده يف تربيز وميافارقني‪ .‬كانت املراحل أ‬ ‫ٌ‬ ‫حتدثت‬ ‫ّ‬
‫راع‪ ،‬و�إذا م��ا �أخذنا بقول ال�سهروردي‬ ‫طلب��ا للعلم‪� ،‬أ ّما املراح��ل املت أ� ّخرة فكانت بح ًثا عن ٍ‬‫ً‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫فكري ‪ .‬وقد ظفر ب��ال ّول‪ ،‬ودفع عمره ثم ًنا له‪� ،‬إ اّل � ّنه مل‬
‫‪(1‬‬
‫ٍّ‬ ‫ند‬
‫نف�س��ه‪ ،‬فق��د كانت بح ًثا عن ٍّ‬
‫ُيوفَّق بالعثور على الثاين‪.‬‬
‫الروحية وزهده البالغ‪� ،‬إ اّل �أنّ �أكرث‬
‫ّ‬ ‫ي�ضا‪ ،‬فقد �أخرب عن قدراته‬‫�صوفيا �أ ً‬
‫ًّ‬ ‫كان ال�سه��روردي‬
‫ال�س رَي مل يذك��روه كواحدٍ منهم‪ .‬ربمّ ا كان �سب��ب ذلك اهتماماته‬ ‫ال�صوفي�ين ورواة ِ‬
‫ّ‬ ‫الك ّت��اب‬
‫ك�ساحر‪ ،‬وامل�صري الذي �آل �إليه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الفل�سفية‪ ،‬و�شهرته‬
‫ّ‬

‫ابن �أبي �أ�صيبعة‪ ،‬حتقيق مولر‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪.23‬‬ ‫ ‬
‫ي�ضا نعم برعاية امللك الظاهر بع��د موت ال�سهروردي‬‫امل�ص��در نف�س��ه‪ ،‬اجل��زء ‪ ،1‬ال�صفحات ‪ ،263‬و‪� 299‬إىل ‪301‬؛ ه��و �أ ً‬ ‫ ‬
‫بقليل‪.‬‬
‫املق�صود هو كتاب الب�صائر الن�صرييّة يف علم املنطق‪ .‬املرتجم‪.‬‬ ‫ ‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أبو ر ّيان‪ ،‬ال�صفحة ‪603‬؛ و�أ ً‬
‫ي�ضا‪،‬‬ ‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أحمد‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪123‬؛ نزهة أ‬ ‫نزهة أ‬ ‫ ‬
‫‪H. Ziai, EIr [Encyclopaedia Iranica], s.v., “Ebn Sahlān al-Sāvī”.‬‬
‫تركي ٌة قدميةٌ‪ ،‬ا�سمها اليوم �سيلڤان‪ .‬املرتجم‪.‬‬
‫ ميافارقني مدين ٌة ّ‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أبو ر ّيان‪ ،‬م�صدر �سابق‪،‬‬‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أحمد‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجل��زء ‪ ،2‬ال�صفحتان ‪ 124‬و‪125‬؛ نزهة أ‬ ‫‪ (1‬نزه��ة أ‬
‫ال�صفح��ة ‪605‬؛ ال�سه��روردي‪ ،‬امل�شارع واملطارحات‪ ،‬ال�صفح��ة ‪255‬؛ ال�سهروردي‪ ،‬جمموعه م�صنّفات �شي��خ �إ�رشاق‪ ،‬اجلزء ‪،1‬‬
‫ال�صفحة ‪ .505‬هذا ما يعني �أنّ كتاب امل�شارع قد ُو�ضع عند و�صوله �إىل حلب‪� ،‬أو قبله بقليل‪.‬‬

‫‪199‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫باملت�صوف��ة وتع ّلم منهم‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ع��د ٍة �أخرى‪ ،‬ارتب��ط‬‫يق��ول ال�شه��رزوري‪�« :‬ساف��ر �إىل �أماكن ّ‬
‫ال�صوفية‪ ،‬فارتقى �إىل �أعلى مراتب احلكماء‬‫ّ‬ ‫الفكري والريا�ضات‬ ‫ّ‬ ‫واكت�س��ب عادة اال�ستقالل‬
‫لبا�سا من ال�صوف‪ .‬مل تذكر امل�صادر‬ ‫دائما‪ً ،‬‬ ‫ثم ي�ضيف �أ ّنه كان يرتدي �أحيانًا‪ ،‬ال ً‬ ‫والولي��اء»‪ّ .‬‬ ‫أ‬
‫الروحي‪ .‬قد يكون التف�سري الب�سيط‬
‫ّ‬ ‫حددت �سل�سلته‪ ،‬وال ن�سبه‬ ‫ال�صوفيني وال ّ‬
‫ّ‬ ‫�أ�سماء م�شايخه‬
‫املت�صوفة لك ّنه مل ي�شاركه��م‪ ،‬كما ملّح ال�شهرزوري يف قوله «زهده الذي‬ ‫ّ‬ ‫لذل��ك �أ ّنه تع ّلم من‬
‫هم له يف‬
‫ال�سبوع‪ ،‬ال ّ‬ ‫مر ًة واحد ًة يف أ‬ ‫ال مثي��ل ل��ه بني احلكماء»‪ ،‬م�ضيفًا �أ ّنه مل يكن ي�� أ�كل �إ اّل ّ‬
‫ه��ذه الدنيا‪ ،‬وال طمع له يف مركز �أو �سلط��ان‪ .‬كان يرتدي ثيا ًبا مرقّعةً‪ ،‬ي�ص ّلي بانتظام‪ ،‬كثري‬
‫يف‪ .(1‬وقد ملئت امل�صادر امل ؤ� ّيدة واملخالفة ب أ�خبار عجائبه‪ .‬هذا‬ ‫حمبا لل�سماع ال�صو ّ‬ ‫ال�صمت ًّ‬
‫الطبيعي �أو‬
‫ّ‬ ‫وق��د رف�ض ال�شهرزوري االفرتاء ب أ�نّ تلك الق��درات كانت مرتكز ًة على ال�سحر‬
‫للمت�صوفة «قدر ًة على �إيجاد ال�صور �إذا �أرادوا‪ ،‬كما اقتدر على‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيمي��اء‪ ،‬فالواقع ي�شه��د �أنّ‬
‫ذل��ك الب�سطامي واحللاّ ج وغريهما‪ ،‬لقد منحني اهلل يقني وجود هذا املقام‪ّ ،‬‬
‫لكن هناك ما ال‬
‫يجوز ذكره»‪.(1‬‬
‫ممي ٍز خالل حياته‪ .‬فقد �أخرب عبد اللطيف البغدادي (‪-557‬‬ ‫ك�شخ�ص ّ‬
‫ٍ‬ ‫�شك �أ ّنه ُعرف‬
‫ال ّ‬
‫‪[629‬ه��ـ]‪[1231-1162 /‬م])‪ ،‬الذي كان يدر���س يف املو�صل عام ‪[1180‬م] على يد‬
‫عما �أثري حول ال�سهروردي وكتبه‪ ،‬م��ع �أ ّنه هو نف�سه �أ�صيب بخيبة‬‫كم��ال الدي��ن بن يون�س‪ّ ،‬‬
‫�أ ٍ‬
‫مل عندما ّ‬
‫اطلع عليها‪.(1‬‬
‫و�ص��ل ال�سه��روردي �إىل حلب ع��ام ‪[1118/579‬م] حيث لفت انتب��اه علماء املدينة‬
‫اجلدلية ال�شجاعة‬
‫ّ‬ ‫والم�ير احلاكم امللك الظاهر بن �صالح الدين‪ .‬ف أ�ثار حفيظة العلماء ب�آرائه‬ ‫أ‬
‫المري من خالل جوهرة فاخرة �أوجدها ب�سحره – �أو‬ ‫غري التقليد ّية‪ّ ،‬‬
‫ومتكن من الو�صول �إىل أ‬
‫علو‬
‫اجلد‪ .‬بعد ذل��ك بقليل‪ ،‬وبدافع الغرية من ّ‬ ‫الق�صة على حممل ّ‬ ‫ربمّ ��ا باخليمي��اء – �إذا حملنا ّ‬
‫تنبه �صالح الدين للخطر على ابنه من‬ ‫حر�ض العلماء �صالح الدين عليه يف دم�شق‪ّ .‬‬ ‫مكانته‪ّ ،‬‬
‫حتدث ال�شهرزوري‬ ‫خريا �أرغم االبن على التجاوب‪ّ .‬‬ ‫ال�ض�لال‪ ،‬ف أ�مره بقتل ال�سهروردي‪ ،‬و�أ ً‬

‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أبو ر ّيان‪ ،‬م�صدر �سابق‪،‬‬


‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أحمد‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجل��زء ‪ ،2‬ال�صفحتان ‪ 123‬و‪124‬؛ نزهة أ‬ ‫‪  (1‬نزه��ة أ‬
‫ال�صفح��ة ‪ .604‬وق��د �أ�سهب ابن تغربردي (القرن التا�سع)‪ ،‬وهو م�صدر غ�ير ودود‪ ،‬يف احلديث عن قذارة �شخ�صه ولبا�سه؛‬
‫النجوم الزاهرة يف ملوك م�رص والقاهرة (تراثنا؛ القاهرة‪ :‬وزارة الثقافة‪ ،‬دون تاريخ)‪ ،‬اجلزء ‪ ،6‬ال�صفحتان ‪ 114‬و‪.115‬‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أبو ر ّيان‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬ال�صفحتان‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أحمد‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪124‬؛ نزهة أ‬ ‫‪ (1‬نزهة أ‬
‫‪ 604‬و‪.605‬‬
‫‪ (1‬اب��ن �أبي �أ�صيبعة‪ ،‬حتقيق مول��ر‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪204‬؛ الكتب التي ر�آها ه��ي اللمحات‪ ،‬التلويحات‪ ،‬ومعارج‬
‫القد�س‪.‬‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪200‬‬
‫جون والبريدج‬

‫روايات خمتلف ٍة حول وفاة ال�سه��روردي‪ ،‬يقول بع�ضها �إ ّنه رف���ض الطعام‪� ،‬أو منع عنه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ع��ن‬
‫الخر �أ ّنه ُ�شن��ق‪� ،‬أو قُتل بال�سي��ف‪� ،‬أو �ألقي به عن �أ�س��وار القلعة‪� .‬أ ّما ابن‬
‫فيم��ا ي��رى بع�ضها آ‬
‫العدام‪ ،‬فيقول �إ ّنه ُ�صلب ‪ .‬قد‬
‫‪(1‬‬
‫�شداد‪ ،‬قا�ضي �صالح الدين الذي �شارك يف �إ�صدار حكم إ‬ ‫ّ‬
‫امل�رشف عن طريق‬ ‫�صلبا ل�صالح الدين‪ ،‬والقتل ّ‬ ‫املروع ً‬ ‫يك��ون امللك الظاهر �أعلن خرب املوت ّ‬
‫التجويع أل�ستاذ ال�سهروردي املفجوع املارديني‪� .‬أ ّما الروايات حول تاريخ وفاته‪ ،‬فاختلفت‬
‫كم��ا يل��ي‪[586 :‬ه��ـ]‪[1190/‬م]‪[587 ،‬ه��ـ]‪[1191 /‬م]‪ 5 ،‬رج��ب ‪[587‬هـ]‪28/‬‬
‫مت��وز‪[1191‬م]‪� ،‬أواخر ذي احلجة ‪[587‬هـ]‪� /‬أوائل كان��ون الثاين ‪[1192‬م]‪ .‬يقول ابن‬
‫تاريخ‬
‫ٌ‬ ‫خ ّل��كان �إنّ لدي��ه معلومات موثوقة تدعم رواية ‪ 5‬رجب ‪[587‬ه��ـ] ‪ .‬ولي�س ّ‬
‫ثمة‬ ‫‪(1‬‬

‫�ست وثالثون‪،‬‬ ‫ثالث وثالثون‪ٌّ ،‬‬ ‫تقريبي ٌة لعمره وقت وفاته هي‪ٌ :‬‬ ‫ّ‬ ‫تقديرات‬
‫ٌ‬ ‫مدونٌ لوالدته‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫ثمانٍ وثالثون‪ ،‬حوايل �أربعني‪ ،‬وخم�سون‪.‬‬
‫[‪ ].2 .1‬آثار السهروردي‬
‫ال�رشاق‪ ،‬الذي يوافق اجلميع على �أ ّنه مفتاح فل�سفته‪:‬‬
‫كتب ال�سهروردي يف مطلع حكمة إ‬
‫ال�رشاق �أوه��ن عزمي يف االمتناع‪،‬‬ ‫وبع��د‪ ،‬اعلموا �إخ��واين �أنّ كرثة اقرتاحك��م يف حترير حكمة إ‬
‫م��ر ورد من حملٍّ‬ ‫أ‬
‫حق ل��زم‪ ،‬وكلم ٌة �سبقت‪ ،‬و� ٌ‬ ‫ال�سع��اف‪ .‬ولوال ٌّ‬ ‫ال��ضراب عن إ‬ ‫و�أزال ميل��ي �إىل إ‬
‫القدام على �إظهاره‪ ،‬ف إ�نّ فيه ال�صعوبة ما‬
‫يف�ضي ع�صيانه �إىل اخلروج عن ال�سبيل‪ ،‬ملا كان يل داعية إ‬

‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أبو ر ّيان‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬ال�صفحة‬ ‫الرواح‪ ،‬حتقي��ق �أحمد‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪126‬؛ نزه��ة أ‬ ‫‪  (1‬نزه��ة أ‬
‫عبا�س‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،6‬ال�صفحة ‪273‬؛ الذهبي‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،4‬ال�صفحة‬ ‫‪607‬؛ ابن خ ّلكان‪ ،‬حتقيق �إح�سان ّ‬
‫جوعا فهو رواية عن مغامرات ال�سه��روردي يف حلب‪ ،‬رواها �سديد الدين حممود بن‬ ‫‪� .263‬أ ّم��ا م�ص��در موت ال�سهروردي ً‬
‫وتلميذا �آخ��ر أل�ستاذ ال�سهروردي املارديني‪ .‬ومبا �أن ابن �أبي �أ�صيبعة ولد يف زمن قتل‬
‫ً‬ ‫رقيق��ة الذي كان �صديقًا لل�سهروردي‪،‬‬
‫الخري مل يكن �شاهدً ا‬‫م�صدرا مكتو ًبا هو ابن رقيقة‪ .‬ويبدو �أنّ أ‬
‫ً‬ ‫ال�سهروردي‪ ،‬وتويف عام ‪ ،1270‬يحتمل �أنّ الراويني يذكران‬
‫لكن املارديني نعم برعاي��ة امللك الظاهر بعد وفاة ال�سه��روردي بقليل‪ ،‬وهكذا يحتم��ل �أن يكون هو م�صدر‬ ‫عل��ى احل��دث‪ّ ،‬‬
‫ال�شيال‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬ال�صفحة ‪.10‬‬‫�شداد‪ ،‬ال�سرية‪ ،‬حتقيق جمال الدين ّ‬ ‫معلومات ابن رقيقة؛ ابن ّ‬
‫حاكم حلب من حلظ��ة اال�ستيالء عليها‪ ،‬يف حزيران ‪ ،1183‬لغاية كانون الثاين الذي تاله‪ ،‬حيث‬ ‫َ‬ ‫وق��د كان امللك الظاهر‬
‫حكمها امللك العادل �أخو �صالح الدين‪ ،‬ثم ا�ست ؤ�نف ثاني ًة يف �آب ‪ .1186‬ولو كانت جميع التواريخ دقيق ًة فينبغي �أن يكون‬
‫ال��شراق يف ‪� 15‬أيلول ‪ ،1186‬م�ساء‬ ‫ق��دوم ال�سه��روردي �إىل حلب يف الن�صف الثاين م��ن ‪ .1183‬وربمّ ا كان �إكمال حكمة إ‬
‫قل من ثالثة �أ�سابيع من عودة امللك الظاهر �إىل حلب‪ .‬وربمّ ا ّبينت لنا هذه الفجوة يف‬ ‫اقرتان الكواكب ال�سبعة الكربى‪ ،‬وبعد �أ ّ‬
‫حتدثت عن وجود ال�سهروردي يف دم�شق؛ فقد ق�ضى الظاهر ال�سنوات الثالث املتخ ّللة مع والده‪،‬‬ ‫حك��م الظاهر الرواية التي ّ‬
‫يوبيني‪ .‬انظر‪ ،‬ابن �أبي �أ�صيبعة‪ ،‬حتقيق مولر‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪168‬؛ ابن خ ّلكان‪،‬‬ ‫ال ّ‬ ‫قل جزء منها‪ ،‬يف دم�شق عا�صمة أ‬ ‫على أ‬
‫ال ّ‬
‫أ‬
‫عبا�س‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪ .269‬فلو كان ال�سهروردي يف دم�شق خالل ال�سنوات الثالث‪ ،‬لمكن تف�سري ال�رسعة التي‬ ‫حتقيق ّ‬
‫�أ�صدر فيها �صالح الدين �أمر القتل‪.‬‬
‫عبا�س‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،6‬ال�صفحة ‪273‬؛ وانظر‪ ،‬ابن �أبي �أ�صيبعة‪ ،‬حتقيق مولر‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء‬ ‫‪ (1‬ابن خ ّلكان‪ ،‬حتقيق ّ‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أحمد‪ ،‬م�صدر‬ ‫الر�شاد‪ ،‬م�ص��در �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،7‬ال�صفحة ‪270‬؛ و�أ ً‬
‫ي�ضا‪ ،‬نزه��ة أ‬ ‫‪ ،2‬ال�صفح��ة ‪167‬؛ ياقوت‪ ،‬إ‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أبو ريّان‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬ال�صفحة ‪.607‬‬ ‫�سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحة ‪126‬؛ نزهة أ‬

‫‪201‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫يحب وير�ضى‪ ،‬تلتم�سون م ّني �أن �أكتب لكم‬ ‫تعلم��ون؛ وما زلتم يا مع�رش �صحبتي‪ ،‬وفّقكم اهلل ملا ّ‬
‫ولكل نف�س طالبة ٌ‬
‫ق�سط من نور اهلل قلّ‬ ‫ّ‬ ‫كتا ًبا �أذكر فيه ما ح�صل يل بالذوق يف خلواتي ومنازالتي‪.‬‬
‫ولكل جمتهد ذوقٌ نق�ص �أو كمل‪ ،‬ولي�س العلم وقفًا على قوم ليغلق بعدهم باب امللكوت‬ ‫ّ‬ ‫�أو كرث‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫لأْ‬ ‫ِ‬
‫ومين��ع املزيد عن العاملني‪ ،‬بل واهب العلم الذي هو }با ُف � � � ��قِ ا مْ ُل ِبنيِ‪َ ،‬و َما ُه َو َع َلى ال ْ َغ ْي ِب ب َضن ٍني{ [�سورة‬
‫الفكار‬ ‫و�رش القرون ما طوي فيه ب�ساط االجته��اد وانقطع فيه �سري أ‬ ‫اليت��ان ‪ 23‬و‪]24‬؛ ّ‬ ‫التكوي��ر‪ ،‬آ‬
‫وان�سدت طرق امل�شاهدات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وانح�سم باب املكا�شفات‬

‫كتبا على طريقة امل�شّ ائني‪،‬‬‫وقد رتّبت لكم قبل هذا الكتاب ويف �أثنائه عند معاوقة القواطع عنه ً‬
‫والعر�شية’ امل�شتمل‬
‫ّ‬ ‫اللوحية‬
‫ّ‬ ‫خل�ص��ت فيها قواعدهم ومن جملتها املخت�رص املو�سوم بـ ‘التلويحات‬ ‫و ّ‬
‫خل�صت فيه القواعد مع �صغر حجمه‪ ،‬ودونه ‘اللمحات’‪ .‬و�ص ّنفت غريهما‪،‬‬ ‫على قواعد كثرية‪ ،‬و ّ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وطريق �قرب من تل��ك الطريقة و��ضبط و�نظم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ٌ‬ ‫ومنه��ا ما رتّبته يف �أ ّيام ال�صب��ا‪ .‬وهذا �سياقٌ �آخر‬
‫احلجة‬
‫ثم طلبت ّ‬ ‫ق��ل �إتعا ًب��ا يف التح�صيل‪ .‬ومل يح�صل �أ ّو اًل بالفكر‪ ،‬بل كان ح�صول��ه ب أ�مر �آخر؛ ّ‬
‫و�أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلجة مثلاً ‪ ،‬ما كان ي�شككني فيه م�شكك ‪.‬‬
‫‪(1‬‬
‫ح ّتى لو قطعت النظر عن ّ‬
‫م��ا زال��ت جميع الكت��ب التي �أ�شار �إليه��ا موجودةً‪ ،‬وي ّت�ض��ح من الكالم �أ ّنه��ا ال ينبغي‬
‫التبادلية؟ فالكتب التي يف‬
‫ّ‬ ‫�أن تُعط��ى نف���س القيمة‪ ،‬لكن �أ ّنى لن��ا �أن نفهم بال�ضبط عالقاته��ا‬
‫«تلخ�ص قواعد امل�شّ ائني على‬‫«�صباه» ميكن �أن تُفهم بو�صفها م ؤ� ّلفات ال�صبا‪ .‬والكتب التي ّ‬
‫املميزة‪ .‬كما �أ�شري يف‬
‫الوىل غري مالئمة لفهم فل�سفة ال�سه��روردي ّ‬ ‫طريقته��م» تب��دو للوهلة أ‬
‫المر كذلك‪،‬‬ ‫القرب للعل��م»‪ .‬لكن لو كان أ‬ ‫الخر» و«الطريق أ‬ ‫ال��شراق لـ«الطريق آ‬ ‫حكمة إ‬
‫الجابة‬
‫ال�رشاق؟ ال ميكن إ‬ ‫م�شائي ًة يف نف�س الوقت الذي كان يكتب فيه حكمة إ‬ ‫ّ‬ ‫ملاذا �أ ّلف ً‬
‫كتبا‬
‫�ص �أكرث دقّة مل ؤ� ّلفات ال�سهروردي ومناهجه‪.‬‬ ‫ال�سئلة �إ اّل من خالل ّ‬
‫تفح ٍ‬ ‫عن هذا النوع من أ‬

‫منهجي ًة لكتبه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بيبليوغرافي ًة‬
‫ّ‬ ‫يقدم درا�س ًة‬ ‫كتب ال�سهروردي بغزارةٍ‪ ،‬ويف حني �أنّ �أ ً‬
‫حدا مل ّ‬
‫�سنق�سم هذه‬
‫ّ‬ ‫الخ��رى‪.(1‬‬ ‫يب��دو �أنّ كتاباته الكربى و�صلتنا ك ّله��ا �إ�ضاف ًة �إىل معظم كتاباته أ‬
‫فئات �أ ٍ‬
‫ربع‪:‬‬ ‫الكتابات بح�سب ما يقت�ضي البحث �إىل ٍ‬

‫ال�رشاق‪ ،‬املقطعان ‪ 2‬و‪.3‬‬


‫‪  (1‬حكمة إ‬
‫الرواح‪ ،‬حتقيق‬‫الرواح‪ ،‬حتقيق �أحمد‪ ،‬م�ص��در �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحتان ‪ 128‬و‪129‬؛ نزهة أ‬ ‫‪ (1‬جن��د الالئحة أ‬
‫الطول يف نزهة أ‬
‫�أبو ريّان‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬ال�صفحتان ‪ 608‬و‪ ،609‬واللوائح أ‬
‫الق�رص جندها يف ابن خ ّلكان‪ ،‬حتقيق ّ‬
‫عبا�س‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء‬
‫الر�شاد‪ ،‬م�صدر‬‫‪ ،6‬ال�صفحة ‪270‬؛ ابن �أبي �أ�صيبعة‪ ،‬حتقيق مولر‪ ،‬م�صدر �سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،2‬ال�صفحتان ‪ 170‬و‪171‬؛ ياقوت‪ ،‬إ‬
‫حاجي خليفة‪ ،‬ك�شف الظنون‪ ،‬وملحقاته‪ .‬انظر‪GAL , op. cit, 1: ،‬‬‫�سابق‪ ،‬اجلزء ‪ ،7‬ال�صفحة ‪270‬؛ ويف م�صادر مت أ�خّ رة مثل ّ‬
‫‪ .437-8, SI:781-3, 819‬يوجد معلومات �أكرث تف�صيلاً حول املخطوطات‪ ،‬ومعها ال�رشوحات‪ ،‬يف‪:‬‬
‫‪“Philologika ix, Die vier Suhrawardī: Ihre Werke in Stambuler Handschriften,” Der Islam 24 (1937):‬‬
‫‪270-86.‬‬
‫ت�ص��وف‪ ،‬وربمّ ا ال�سحر – فيما كتب‬
‫ّ‬ ‫اجلدي��ر باملالحظ��ة �أنّ ال�سهروردي كتب يف جم��ال ّ‬
‫�ضيق من املو�ضوعات – فل�سفة‪،‬‬
‫متعددة‪ ،‬ولو مل يكن ل�سبب �آخر غري �إظهار �سعة علمهم‪.‬‬
‫معظم علماء زمانه يف مو�ضوعات ّ‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪202‬‬
‫جون والبريدج‬

‫لهيات فيه‪ ،‬والتي‬


‫ال ّ‬
‫تغطي إ‬ ‫ال�رشاق‪ ،‬الذي و�صفه ال�سهروردي ب أ� ّنه �أ ّ‬
‫هم كتبه‪ّ .‬‬ ‫‪ .1‬حكم��ة إ‬
‫اهتم الباقي باملنطق‪ ،‬ونقد‬
‫ترتكز على مفهومي النور والظلمة‪ ،‬ن�صف الكتاب فقط‪ ،‬يف حني ّ‬
‫ائية املختلفة‪.‬‬
‫ائي – القواعد امل�شّ ّ‬
‫– باال�صطالح امل�شّ ّ‬
‫ائي ٍة كربى‪ ،‬التلويح��ات‪ ،‬املقاومات‪ ،‬وامل�ش��ارع واملطارحات‪ .(1‬معنى‬ ‫كت��ب م�شّ ّ‬
‫ٍ‬ ‫‪ .2‬ثالث��ة‬
‫تبت �أمرها‪ .‬لكن ميكن‬ ‫تف�صيلي�� ٍة ّ‬
‫ّ‬ ‫مث�ير للجدل‪ ،‬أل ّنها مل تخ�ضع لدرا�س ٍة‬
‫ٌ‬ ‫ائي��ة هذه الكتب‬ ‫م�شّ ّ‬
‫ائية؛ مبعنى ا�ستخدامها مل�صطلحات الفل�سفة التقليد ّية‬ ‫قل‪ُ ،‬كتبت بلغ ٍة م�شّ ّ‬ ‫أ‬
‫القول �إ ّنها‪ ،‬على ال ّ‬
‫�رشاقيني املوجودة يف الق�سم‬
‫ال ّ‬ ‫عو�ضا عن م�صطلحات إ‬ ‫البن �سينا‪ ،‬وغريه من �أتباع مدر�سته‪ً ،‬‬
‫�سالمية‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ال��شراق‪� .‬إ�ضاف ًة �إىل ترتيبها عمو ًما على ال�شكل املعت��اد للفل�سفة إ‬ ‫الث��اين من حكمة إ‬
‫ائي��ة‪ .‬من جه ٍة �أخ��رى‪ ،‬ال توجد �صعوب�� ٌة يف العثور على �أوجه �شب ٍه م��ع قواعد حكمة‬ ‫امل�شّ ّ‬
‫ال�رشاق‪.‬‬ ‫إ‬
‫‪ .3‬كتابات مرحلة ال�شباب‪.‬‬
‫الفار�سي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .4‬جمموع ٌة من الكتابات الرمزيّة‪ ،‬وهي ب أ�غلبها من روائع النرث‬
‫نتعر���ض ملعظمها يف هذه‬ ‫منوع ٌة م��ن الكتابات‪ ،‬مثل أ‬
‫الدعي��ة‪ ،‬لن ّ‬ ‫ثم��ة �أ ً‬
‫ي�ضا جمموع�� ٌة ّ‬ ‫ّ‬
‫الدرا�سة‪.‬‬
‫الفل�سف��ي‪ ]1[ ،‬ظهور �أر�سطو له يف‬
‫ّ‬ ‫تطوره‬
‫يذك��ر ال�سهروردي حادثت�ين حا�سمتني يف ّ‬
‫بواقعية‬
‫ّ‬ ‫ال�صوفية التي �أقنعته‬
‫ّ‬ ‫احل�ضوري‪ ،‬و[‪ ]2‬التجربة‬
‫ّ‬ ‫عامل الر ؤ�يا‪ ،‬و�إر�شاده �إىل مذهبه بالعلم‬
‫فالطونية‪ .‬ه��ذه التجارب – يروي حل��م �أر�سطو بالتف�صي��ل – �أ ّدت به �إىل التخ ّلي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫املث��ل أ‬
‫�سالمية التي التزمها يف ف�ترة �شبابه‪ ،‬و�إىل االلتزام‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ائية إ‬
‫ع��ن مدر�سة ابن �سينا وفل�سفت��ه امل�شّ ّ‬
‫قل‪،‬‬ ‫بحكمة «القدم��اء»‪ .‬وهكذا ميكن اجلزم �أنّ هناك قطيع ًة بني كتابات ال�شباب‪ ،‬وعلى أ‬
‫ال ّ‬
‫ائي��ة الكربى التي كانت‪،‬‬ ‫ال��شراق‪ .‬غري �أنّ هذا الكالم ال ينطب��ق على الكتابات امل�شّ ّ‬ ‫حكم��ة إ‬
‫مترين‬
‫جمرد ٍ‬ ‫حد ين أ�ى بها عن �أن تكون ّ‬ ‫ال�رشاق‪ ،‬والتي تبدو �أ�صيل ًة �إىل ٍّ‬ ‫تقريبا‪ ،‬معا�رص ًة حلكمة إ‬
‫ً‬
‫الفل�سفي ل�شخ�ص �آخر‪ .‬يف الوقت نف�س��ه‪ ،‬يو�ضح ال�سهروردي‬ ‫ّ‬ ‫كادمي��ي على �رشح النظ��ام‬
‫ٍّ‬ ‫�أ‬
‫�صح ما كتب��ه يف عر�ض الفل�سفة‪ .‬كان ميك��ن للم� أس�لة �أن تبدو‬ ‫ال��شراق هي �أ ّمت و�أ ّ‬ ‫�أنّ حكم��ة إ‬
‫و�ضوحا لوال اجل��دل الذي �أثري حول فل�سف��ة ال�سهروردي باعتباره��ا �إحيا ًء لنوع من‬ ‫ً‬ ‫�أك�ثر‬

‫كل من هذه أ‬
‫العمال ن�رش يف جمموعة م�ص ّنفات‪ ،‬اجلزء ‪ .1‬وقد نُ�رش ق�سم املنطق يف �أحد هذه‬ ‫لهي��ات‪ ،‬يف ّ‬
‫ال ّ‬‫‪ (1‬الكت��اب الثالث‪ ،‬إ‬
‫علي �أكرب فيا�ض (طهران‪ :‬انت�شارات دانشگاه تهران ‪.)1955-1334 ،270‬‬ ‫ّ‬ ‫حتقيق‬ ‫التلويحات‪،‬‬ ‫الكتب با�سم منطق‬

‫‪203‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫ت�شكل ِمتافيزيقا النور والظلمة �أكرث �أجزاء نظام ال�سهروردي‬ ‫الفار�سية القدمية‪ ،‬حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫احلكمة‬
‫ين‪.‬‬
‫اليرا ّ‬‫الطالق بالفكر إ‬‫ائية ال عالقة لها على إ‬ ‫لكن الكتابات امل�شّ ّ‬ ‫الفار�سية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫�شب ًها باحلكمة‬
‫ين لل�سه��روردي‪ ،‬فهو كغريه من‬ ‫اليرا ّ‬‫ق��د تب��دو امل� أس�لة �أكرث ب�ساط ًة يف غياب ه��ذا التف�سري إ‬
‫املحدثني ي�ستفيد من �أر�سطو ل�رشح موجودات هذا العامل‪ ،‬ومن �أفالطون ل�رشح‬ ‫َ‬ ‫فالطونيني‬
‫ّ‬ ‫أ‬
‫ال‬
‫الفل�سفية كما‬
‫ّ‬ ‫املوج��ودات العليا‪� .‬أعتق��د �أنّ هذه الكتب مت ّثل �آراء ال�سه��روردي يف احلقائق‬
‫الفل�سفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ميكن �أن تُعلم بالعقل املح�ض‪ ،‬كما �أ ّنها مت ّثل جز ًءا ال يتج ّز�أ من نظامه‬
‫ال ّول �أ ّنها مت ّثل ذروة‬ ‫�أ ّم��ا الق�ص���ص الرمز ّية ف ُتعت�بر م� أس�ل ًة خمتلفةً‪ .‬فهي تب� يف طرفه��ا أ‬
‫ّي نّ‬
‫موجه ٌة للمبتدئني‬ ‫فك��ر ال�سه��روردي ‪ � .‬أس��س ّلط ال�ضوء على الط��رف الخر‪ ،‬وهو � ّنه��ا ّ‬
‫أ‬ ‫آ‬ ‫‪(1‬‬

‫الفل�سفي وال�صويفّ‪ .‬كما � أس�بينّ �أ ّنها ال ت�شتمل على‬ ‫ت�شكل مدخلاً للفكر‬ ‫وللطلاّ ب‪ ،‬و�أ ّنه��ا ّ‬
‫ّ‬
‫املميزة يف فل�سفة ال�سهروردي النا�ضجة‪ ،‬وبعد ذلك � أس��ص ّنفها �إ ّما يف م ؤ� ّلفاته‬ ‫�أ ٍّي من القواعد ّ‬
‫ق�صدا من املبادئ العليا أ‬
‫والكرث عمقًا‪.‬‬ ‫املبكرة‪� ،‬أو يف تلك التي اقتطعت ً‬
‫وثيق ب�ين حياة ال�سهروردي وفكره‪ ،‬متا ًما كارتب��اط حياة وفكر فيثاغور�س‬ ‫ٌ‬
‫ارتباط ٌ‬ ‫ثم��ة‬ ‫ّ‬
‫فل�سفية‪ .‬كانت الفل�سفة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫وعددٍ من الفال�سفة املت� ّخرين الذين اعتقدوا �نّ الفل�سفة تتطلب حيا ًة‬
‫حب‬
‫جمرد ّ‬ ‫حب احلكمة‪ ،‬وه��ذا يقت�ضي �أن يعي���ش فل�سفته‪ ،‬فالفل�سف��ة لي�ست ّ‬ ‫بالن�سب��ة �إلي��ه ّ‬
‫�رشاقية‪ ،‬البحث عن اال�ستنارة‬‫ال ّ‬ ‫الكالم عل��ى احلكمة ‪� .‬إذ يلزم من �أجل ممار�سة احلكم��ة إ‬
‫‪(2‬‬

‫فالطونية وحكمة القدماء‬‫ّ‬ ‫لهية‪ .‬كذلك‪ ،‬ف إ�نّ طبيعة الفل�سفة التي مار�سها – أ‬
‫ال‬ ‫ال ّ‬‫النوار إ‬ ‫م��ن أ‬
‫ح��ددت نوع الكتب التي كتبها‪ .‬بالن�سبة للم�شّ ائ�ين‪ ،‬كانت كتابة الفل�سفة م� أس�لة تقرير‬ ‫– ّ‬
‫لكن فيثاغور�س كان قد بينّ حماقة توثيق التعاليم‬ ‫قيا�س �صحي��ح‪ّ ،‬‬ ‫حج��ج ونتائج على �شكل ٍ‬
‫الفل�سفية‬
‫ّ‬ ‫الفل�سفي��ة العميقة عن طريق الكتابة – و�أفالطون بينّ ا�ستحالة ذلك‪ .‬كانت الكتابة‬ ‫ّ‬
‫العلمية‬
‫ّ‬ ‫بكيفية �إر�شاد الطالب خالل املقامات‬
‫ّ‬ ‫مرهف‬
‫ٍ‬ ‫وح�س‬
‫ٍّ‬ ‫جدليةً‪ ،‬حتتاج �إىل معرف ٍة‬
‫ّ‬ ‫حماول ًة‬
‫�رشاقية‬
‫ال ّ‬ ‫الطالق‪ ،‬لال�ستخدام يف تعليم احلكمة إ‬ ‫املختلفة‪� .‬إذ مل تُق�صد الكتب وحدها‪ ،‬على إ‬
‫الكاملة‪.‬‬

‫‪ (1‬هذا ر�أي مهدي �أمني ر�ضوي يف كتابه‪ ،‬ال�سهروردي ومدر�سة إ‬


‫ال�رشاق‪:‬‬
‫‪M. Amin Razavi (Curzon Sufi Series; Richmond, Surrey: Curzon, 1996).‬‬
‫وقد راجعت عر�ضه يف املجلّة الدوليّة لدرا�سات ال�رشق أ‬
‫الو�سط‪:‬‬
‫‪International Journal of Middle East Studies 30.4 (1998): 615-7.‬‬
‫‪KAP [Kingsley, Ancient Philosophy, Mystery, and Magic], p. 158.‬‬ ‫‪(2‬‬
‫ال�رشاق‪ ،‬املقطع ‪.6‬‬
‫حكمة إ‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪204‬‬
‫جون والبريدج‬

‫بع��د وفاة ال�سهروردي‪ ،‬ع�ّبررّ �أحد �أ�ساتذته بحزنٍ �أنّ «علمه كان �أعظم من حر�صه»‪ .‬مع‬
‫ذل��ك‪ ،‬و�إذا نظرنا من داخ��ل منظومته‪ ،‬نرى �أنّ معتقداته أ‬
‫قررت �أحداث ّ‬
‫�سني‬ ‫فالطوني��ة ّ‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫فالطونية تنطوي عل��ى فكرة امللك‪-‬‬
‫ّ‬ ‫الخرية‪ ،‬مبا فيه��ا واقعة وفاته وطريقته��ا‪ .‬أ‬
‫فال‬ ‫حيات��ه أ‬
‫مدفوعا‪ ،‬مبنطق فك��ره‪� ،‬إىل حماولة �إعداد ملك‪-‬‬
‫ً‬ ‫احلكيم‪ ،‬وال�سه��روردي كان‪ ،‬ك أ�فالطون‪،‬‬
‫حكيم عندما تُتاح له الفر�صة‪ .‬لكن بالن�سبة لل�سهروردي‪ ،‬كما بالن�سبة ألفالطون الذي �سبقه‬
‫بخم�سة ع�رش قرنًا‪ ،‬تبينّ �أنّ املحاولة تك ّللت بالف�شل‪ ،‬و ُدفع ثمنها د ًما‪.‬‬

‫[‪ّ ].2‬‬
‫ملخص الحكمة اإلشراق ّية‬
‫السهروردي‬
‫ّ‬ ‫[‪ ].1 .2‬أسلوب التفلسف‬

‫امللخ�ص ب�شكل �أ�سا�س على حكمة إ‬


‫ال�رشاق‪.(2‬‬ ‫يرتكز هذا ّ‬
‫ت�صوفه‬
‫َ�شكل ُّ‬ ‫ومت�صوفًا يف �آن‪ .‬كان فيل�سوفً��ا �أ ّو اًل‪ ،‬حيث ت َّ‬
‫ّ‬ ‫كان ال�سه��روردي فيل�سوفً��ا‬
‫الفل�سفي تراث ابن �سينا‪ ،‬وبالتايل‬
‫ّ‬ ‫فل�سفية مرتابطة ووا�ضح��ة‪ .‬وكان تراثه‬ ‫ّ‬ ‫وفُ��ِّسرِرِّ يف منظوم ٍة‬
‫ت��راث �أر�سطو‪ .‬فعك���س ترتيب م ؤ� ّلفات��ه ترتيب م ؤ� ّلف��ات �أر�سطو كما ُع ّدل��ت يف القرون‬
‫مر ًة �أخ��رى‪ّ ،‬‬
‫خا�ص ًة يف حكمة‬ ‫لكن ه��ذا الرتتيب ُع ّدل ّ‬‫اخلم�س��ة ع�رش الت��ي ف�صلت بينهما‪ّ ،‬‬
‫اخلا�صة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫متيز منظومته‬
‫ال�رشاق‪ ،‬ليعك�س ّ‬ ‫إ‬
‫ممي��زات فكر ال�سهروردي‪ .‬فهو ينظ��ر بريبة �إىل النظم‬ ‫العامة من ّ‬
‫تُعت�بر بع���ض املقاربات ّ‬
‫جزئية‪ ،‬ومو�ضوعات االختبار املبا�رشة‪ ،‬كوحدات �أ ّو ّلية‬ ‫ّ‬ ‫ويف�ضل اختيار كيانات‬
‫ّ‬ ‫تافيزيقية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ا ِمل‬
‫الطبيعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ملنظومته‪ .‬وهو يعامل أ‬
‫المور الدنيو ّية العاد ّية – ك أ�فراد احليوان – واملوجودات فوق‬
‫معتربا مرتبتي الوج��ود كل َتيهما مو�ضوعات‬‫ً‬ ‫فالطونية‪ ،‬بطريق��ة م�شابهة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مث��ل اهلل واملثل أ‬
‫ال‬
‫املاهية»‪،‬‬‫العامة �أ�صبحت تعرف بـ«�أ�صالة ّ‬
‫تافيزيقية ّ‬
‫ّ‬ ‫للتجرب��ة املبا�رشة املمكنة‪ .‬هذه القاعدة ا ِمل‬
‫الفل�سفية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وه��و اال�صطالح الذي مل ي�ستخدمه ال�سه��روردي‪ .‬من جه ٍة �أخرى‪ ،‬رف�ض النظم‬
‫الوىل‪ ،‬واعتربها ت�شيي ًئا غري م�رشوع للمفاهيم‪ .‬وبالتايل‪ ،‬اعترب �أنّ التجربة‬ ‫كالوج��ود واملا ّدة أ‬
‫لكل �أنواع املعارف‪.‬‬ ‫ال�سا�س ّ‬ ‫املقوم أ‬
‫الذاتية هي ّ‬ ‫ّ‬

‫خ�صو�صا يف الف�صلني ‪2‬‬


‫ً‬ ‫‪ (2‬عملت على التف�سري املوجود يف هذا البحث يف كتابي [‪،The Science of Mystic Lights [SML‬‬
‫و‪.3‬‬

‫‪205‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫[‪ ].2 .2‬المنطق‬


‫ج��رت عادة الفال�سفة امل�سلمني عل��ى تق�سيم املنطق �إىل ت�سعة �أج��زا ٍء تعك�س ترتيب الكتب‬
‫العربية م��ن أ‬
‫الورغان��ون‪ ،‬وهي‪ :‬الك ّل ّي��ات اخلم�س‪ ،‬املق��والت‪ ،‬الق�ضايا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الت�سع��ة للن�سخ��ة‬
‫لكن ال�سه��روردي اختار يف حكمة‬‫القيا���س‪ ،‬الربهان‪ ،‬اجل��دل‪ ،‬اخلطابة‪ ،‬املغالط��ة‪ ،‬ال�شعر‪ّ .‬‬
‫ق�سمه �إىل ثالثة �أج��زا ٍء هي‪ :‬املعارف والتعريف‪،‬‬
‫حد�سي ًة ّ‬
‫ّ‬ ‫ال��شراق منطقًا �أكرث ب�ساط�� ًة و�أكرث‬
‫إ‬
‫احلجج‪ ،‬واملغالطات‪.‬‬
‫ر�سط��ي‪ .‬لقد ر�أى‬ ‫احلد التام أ‬
‫ال‬ ‫�رشاق��ي يف رف�ض ّ‬ ‫تكم��ن ميزة مباحث �ألف��اظ املنطق إ‬
‫ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف إ�نّ �أ�س�س العلم‬
‫ّ‬ ‫للنواع‬‫بحث يف ال�صفات اجلوهر ّية أ‬ ‫امل�شّ ��ا ؤ�ون �أنّ العلم ٌ‬
‫الوىل املعروفة بيقني �سابق على‬ ‫ماهيات املو�ضوعات اخلا�ضعة للدر�س‪ ،‬واملبادئ أ‬ ‫هي معرفة ّ‬
‫ماهيات مو�ضوعات‬ ‫املتخ�ص�ص بالهند�سة‪ ،‬مثلاً ‪� ،‬أن يع��رف ّ‬ ‫ّ‬ ‫البح��ث يف ذلك العلم‪ .‬فعل��ى‬
‫علم��ه – النق��اط‪ ،‬اخلطوط‪ ،‬املوا ّد ال�صلب��ة وغريها – وعليه �أن يعرف املب��ادئ التي ال ميكن‬
‫الكل �أعظم من جزئه‪ ،‬مثلاً ‪ .‬بالطب��ع‪ ،‬ميكن �أن توجد تعريفات لغو ّية‬ ‫�إثباته��ا يف الهند�س��ة – ّ‬
‫ٌ‬
‫�ضاحك»‪.‬‬ ‫«الن�سان منت�ص��ب القامة‬ ‫ماهي��ة ال�شيء‪ ،‬مثل إ‬ ‫في��ة‪ ،‬ور�سوم ال تك�شف عن ّ‬ ‫تع�س ّ‬
‫ّ‬
‫ماهية النوع الطبيعي‪ ،‬واملطلوب‬ ‫ّ‬ ‫ىل‬‫إ‬ ‫�‬ ‫التعريف‬ ‫ي�صل‬ ‫ن‬‫أ‬‫�‬ ‫ة‪،‬‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫الفائدة‬ ‫جل‬ ‫أ‬
‫�‬ ‫ومن‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ً‬
‫ذ‬ ‫إ‬ ‫�‬ ‫ينبغي‪،‬‬
‫الطبيعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املق��وم للنوع‬
‫ّ‬ ‫احلد؛ �أي التعريف امل ؤ�لّ��ف من اجلن�س القريب‪ ،‬والف�صل‬ ‫للعل��م هو ّ‬
‫ناطق»‪ ،‬حيث �إنّ «حيوان» هو اجلن�س القريب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫«الن�سان حيوانٌ‬ ‫وهذا يتبينّ يف املثل القدمي إ‬
‫و«ناطق» هو الف�صل‪.‬‬
‫الوىل‪� ،‬أنّ ّ‬
‫مهمة‬ ‫ب�شدةٍ‪ ،‬ور�أى فيه �صعوبتَني كبريتَ�ين‪ .‬أ‬ ‫رف���ض ال�سهروردي هذا ال��ر�أي ّ‬
‫الطبيعي‪ ،‬فهذا‬
‫ّ‬ ‫�إن�شاء هذه احلدود ال تخلو من الدور‪ ،‬فلو ك ّنا نعرف اخل�صائ�ص املاهو ّية للنوع‬
‫ثانيا‪� ،‬أ ّنى لنا �أن نعرف‬
‫يعن��ي �أ ّننا نعرف��ه م�سبقًا‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬ف إ�نّ التعريف لن يفيدنا ب أ� ّي جديدٍ ‪ً .‬‬
‫علميا من هذا النوع �سيجعل ّ‬
‫كل املعارف‬ ‫معيارا ًّ‬
‫ً‬ ‫احلقيق��ي؟ �إنّ‬
‫ّ‬ ‫احل��د ي�شتمل على الف�صل‬
‫ّ‬ ‫�أنّ‬
‫ائيني الق��وا �صعوب ًة كبري ًة يف �صوغ حدودٍ من هذا‬ ‫العلمي��ة م�ستحيلةً‪ .‬من هنا‪ ،‬ر�أى �أنّ امل�شّ ّ‬
‫ّ‬
‫جامع للب�رص»‪ ،‬خري‬
‫ٌ‬ ‫لونٌ‬ ‫�س��ود‬ ‫أ‬
‫«ال‬ ‫القدمي‪،‬‬ ‫ائي‬ ‫امل�شّ‬ ‫فالتعريف‬ ‫املفاهيم‪.‬‬ ‫ب�س��ط‬ ‫أ‬
‫ل‬ ‫ى‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫الن��وع‬
‫ّ‬
‫غام�ض‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ال�سود‪� ،‬أ ّما «اجلامع للب�رص» فهو مفهو ٌم‬ ‫كل مب� ٍرص يعرف ما هو أ‬ ‫مثالٍ على ذلك‪� .‬إذ ّ‬
‫اخلا�صة �أنّ املفاهيم تُعرف ب إ�دراك �أمثالها‪ ،‬فنحن نعرف ال�سواد‬
‫ّ‬ ‫ت ؤ� ّكد نظر ّية ال�سهروردي‬
‫للحد فعله هو تعريف ال�شيء‬
‫ّ‬ ‫جل ما ميكن‬‫من خالل ر ؤ�يتنا لل�سواد‪ .‬وبالن�سبة لل�سهروردي‪ّ ،‬‬
‫ناطق»‪ ،‬يفيدان م ًعا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫�ضاحك»‪ ،‬و«حيوانٌ‬ ‫املعرف عن طريق اال�ستبعاد‪ ،‬فـ«منت�ص��ب القامة‬ ‫َّ‬
‫الن�سان عن باقي أ‬
‫ال�شياء‪.‬‬ ‫بالدرجة نف�سها‪ ،‬يف متييز إ‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪206‬‬
‫جون والبريدج‬

‫[‪ ].1 .2 .2‬البرهان‬


‫ال ّول‪ ،‬من‬ ‫تتمي��ز نظر ّية ال�سهروردي يف الربهان باختزال جميع �أ�شكال القيا�س �إىل ال�شكل أ‬ ‫ّ‬
‫يرتكز‬ ‫ر�سطي ّ‬ ‫خالل حتويل جميع الق�ضايا �إىل الق�ضايا الك ّل ّية املوجبة ال�رضور ّية‪ .‬يف املنطق أ‬
‫ال‬
‫ّ‬
‫جزئي ًة �أو ك ّل ّيةً‪� ،‬سالب ًة �أو موجبةً‪� ،‬رضور ّي ًة‬
‫ّ‬ ‫االهتمام حول احلمل‪ ،‬وتختل��ف الق�ضايا بكونها‬
‫عدة‪ ،‬فهر�سها ابن �سين��ا و�آخرون ب�شكل �شامل‪ .‬فالق�ضايا‬ ‫�أو ممكن��ةً‪ .‬وهذا ي�سمح برتكيبات ّ‬
‫الخرى يف القيا�س تفيد‬ ‫الك�ثر فائد ًة يف العلم هي‪ :‬املوجبة‪ ،‬ال�رضور ّية‪ ،‬والك ّل ّية‪ .‬والق�ضايا أ‬ ‫أ‬
‫ال�شكال حتتاج �إىل قواعد‬ ‫جدا من أ‬ ‫يف �إنتاج نتائج ممكن ٍة �أو ّ‬
‫جزئيةٍ‪ ،‬كما توجد جمموع ٌة معقّد ٌة ًّ‬
‫معقّدة‪.‬‬

‫ال ّ‬
‫�سا�سية‬ ‫وب�سب��ب م��ا ر�آه يف االهتمام بهذا النوع م��ن التفا�صيل من ت�شوي���ش للقواعد أ‬
‫الوىل للفل�سف��ة القدمية‪ ،‬انطلق ال�سهروردي للتقليل م��ن تعقيدات املنطق من خالل تب�سيط‬ ‫أ‬
‫الجراءات لتحويل جميع الق�ضايا �إىل �أب�سط �أ�شكالها‪،‬‬‫مقرتحا‪� ،‬أ ّو اًل‪ ،‬جمموع ًة من إ‬
‫ً‬ ‫ال�شكال‪،‬‬‫أ‬
‫الك ّل ّية املوجبة ال�رضور ّية‪ ،‬فنح�صل على ق�ضايا مثل‪:‬‬

‫بالمكان‪.‬‬ ‫ال�رضوري �أن يكون ّ‬


‫كل الب�رش مثقّفني إ‬ ‫ّ‬ ‫من‬

‫عاقل بال�رضورة‪.‬‬ ‫ّ‬


‫كل ح�صانٍ غري ٍ‬

‫ائي‬ ‫الجنازات أ‬
‫هذا النهج يخدم هدفَني‪� .‬أ ّو اًل‪ ،‬ي�سمح با�ستبعاد إ‬
‫تعقيدا يف املنطق امل�شّ ّ‬
‫ً‬ ‫الكرث‬
‫ثانيا‪� ،‬إنّ اختزال القيا�س أ‬
‫بال�شكال املوجبة ال�رضور ّية يوازي‬ ‫تعقيدات غري �رضور ّية‪ً .‬‬
‫ٍ‬ ‫بو�صفها‬
‫العلى‪.‬‬ ‫كامل من املرتبة أ‬
‫ب�شكل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كل مرتبة وجود ّية‬ ‫البنية الع ّل ّية لنظامه‪ ،‬حيث ّ‬
‫تتقرر ّ‬
‫مغالط��ات منطق ال�سهروردي هي يف الواقع جز ٌء من جداله مع امل�شّ ائني‪ .‬فعندما يناق�ش‬
‫�شكلي ًة خمتلفةً‪ ،‬نرى �أنّ هذه املغالط��ات ال تندرج �ضمن نظام وا�ضح‪ ،‬فالغاية من‬ ‫ّ‬ ‫مغالط��ات‬
‫ٍ‬
‫ائية‪ .‬من هنا‪ ،‬ف�� إ�نّ باب املغالطات يف‬‫�إقحامه��ا ه��ي ال�سماح له بنقد عددٍ م��ن القواعد امل�شّ ّ‬
‫هم ّية للمنطق ‪.‬‬
‫‪(2‬‬
‫ال ّ‬‫ائية‪ ،‬لك ّنه قليل أ‬
‫جدا لفهم نقده للفل�سفة امل�شّ ّ‬
‫مهم ًّ‬
‫ال�رشاق ٌّ‬ ‫فل�سفة إ‬
‫[‪ ].3 .2‬الفلسفة األولى‪ :‬االعتبارات العقل ّية‬
‫�سالميني‪ ،‬ومنهم بع�ض‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫من املنا�سب هنا �أن ّ‬
‫نق�س��م ا ِملتافيزيقا‪ ،‬وفقًا ملا فعله بع�ض الفال�سفة إ‬
‫اللهي؛ تبح��ث الفل�سفة أ‬
‫الوىل‬ ‫أ‬
‫املنتم�ين لفل�سفة ال�سه��روردي‪� ،‬إىل الفل�سفة الوىل والعلم إ ّ‬

‫‪ZKI [H. Ziai, Knowledge and Illumination], pp. 44-5.‬‬ ‫‪(2‬‬

‫‪207‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫واملجردات‪ .(2‬ففي حكمة‬


‫ّ‬ ‫لهي يف اهلل‬
‫ال ّ‬‫الذاتية‪ ،‬فيما يبحث العلم إ‬
‫ّ‬ ‫يف الوجود وعوار�ض��ه‬
‫�رشاقي‬ ‫ال‬
‫ُعد جز ًءا من املذهب إ‬
‫الوىل يف ف�صل املغالطات التي ال ت ّ‬ ‫ال�رشاق‪ ،‬عوجلت الفل�سفة أ‬
‫إ‬
‫ّ‬
‫�سالمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫ائية إ‬
‫املميز‪ ،‬بل تندرج يف نقد الفل�سفة امل�شّ ّ‬
‫ّ‬
‫ثمة فوارق‬ ‫�ضحية مغالطة ا ّدعاء �أ ّنه ينبغي �أن يكون ّ‬
‫ّ‬ ‫يعتق��د ال�سهروردي �أنّ ابن �سينا وقع‬
‫العقلية‪� .‬إذ رغم �أنّ بع�ض املفاهيم‬
‫ّ‬ ‫�شي أ� االعتبارات‬
‫العقلية‪ ،‬لقد ّ‬
‫ّ‬ ‫حقيقي��ة تنطبق عليها الفوارق‬ ‫ّ‬
‫�سا�سي�� ٌة لعم��ل الذهن‪ ،‬لك��ن لي�س لها ما ب�� إ�زاء يف اخلارج‪ ،‬مثل مفاهي��م الوجود والوحدة‬ ‫�أ ّ‬
‫والم��كان‪ .‬فمفهوم احل�صان‪ ،‬مثلاً ‪ ،‬يح�صل يف الذهن بت أ� ّمل اخليول‪� .‬أ ّما مفاهيم‬ ‫وال�رضورة إ‬
‫والمكان‪ ،‬فتح�صل يف الذهن من خالل الت أ� ّمل يف مفاهيم احل�صان‪� ،‬أو البقرة‪،‬‬ ‫مثل الوجود إ‬
‫�أو احلج��ر وغريه��ا‪ .‬اخليول موج��ودةٌ‪� ،‬إ ًذا ي�ستطيع املرء احلديث عن وج��ود اخليول‪ ،‬وعن‬
‫وج��ود البقر واحلج��ارة‪ .‬يف ذهننا ن�ستطيع التفك�ير بالوجود عمو ًما‪ ،‬املنت��زع من احل�صان‬
‫كل اخلي��ول والبقر‬‫لك��ن هذا ال يعن��ي �أنّ هنالك �شي ًئ��ا تت�شارك ّ‬
‫ّ‬ ‫املتعينة‪،‬‬
‫والبق��رة واحلج��ر ّ‬
‫ي�سمي ال�سهروردي ه��ذه املفاهيم االعتبارات‬ ‫واحلج��ارة املوجودة وغريها في��ه بوجودها‪ّ .‬‬
‫يدل على �أ ّنها‬
‫العقلي��ة‪ .(2‬وهذا النوع من املفاهي��م يعرف عاد ًة باملعقوالت الثانية‪ .‬وه��ذا ّ‬ ‫ّ‬
‫اخلارجية‪ .‬توحي عبارة ال�سهروردي �أنّ الذهن‬ ‫ّ‬ ‫املوجودات‬ ‫م��ن‬ ‫ولي�س‬ ‫املفاهيم‪،‬‬ ‫من‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫منتزع‬
‫فية‪.‬‬ ‫يعتربها لي�شري �إىل �أ ّنها م�صطنعةٌ‪ ،‬لك ّنها لي�ست معانٍ ّ‬
‫تع�س ّ‬
‫انتقادات �أ ّ‬
‫�سا�سي ٍة خمتلف ٍة لفكر ابن �سينا‬ ‫ٍ‬ ‫�سع��ى ال�سهروردي من خالل هذا التمييز لتوجيه‬
‫�صح انتقاد‬
‫الفل�سفي مرتك ًزا على هذه املفاهيم‪ ،‬لكن لو ّ‬
‫ّ‬ ‫�شيد ابن �سينا فكره‬
‫تافيزيقي‪ .‬فقد ّ‬
‫ّ‬ ‫ا ِمل‬
‫الب�رشي‪ ،‬ال‬
‫ّ‬ ‫الحكام الفطريّة للذهن‬ ‫حججا كهذه تك�شف فقط ع��ن بنية أ‬ ‫ً‬ ‫ال�سه��روردي ف إ�نّ‬
‫اخلارجي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن بنية الواقع‬
‫مكونات الجسم‬
‫[‪ ].4 .2‬الطبيع ّيات‪ّ :‬‬
‫واملاهية‪ ،‬امل��ا ّدة وال�صورة‪ ،‬اجلوهر‬
‫ّ‬ ‫ات‪ :‬الوجود‬
‫ثنائي ٍ‬
‫ائية م��ن ّ‬ ‫ّ‬
‫يرتك��ب العامل يف الفل�سفة امل�شّ ّ‬
‫رك ٍب من �أ ٍّ�س وبناءٍ‪ .‬ال‬
‫كم ّ‬‫ب�شكل ما ُ‬
‫ٍ‬ ‫كل مرتب ٍة من الوجود‬ ‫والعر�ض‪ ،‬اجلن�س والف�صل‪ .‬تُفهم ّ‬
‫عد رف�ض هذا النوع من‬ ‫ميك��ن �أن يوجد ّ‬
‫املكونان منف�صلني؛ �إ مّنا ُيدركان عن طريق التعقّل‪ُ .‬ي ُّ‬

‫حممد‬
‫لغ��رة الديباج‪ ،‬حتقيق ّ‬ ‫‪ (2‬يع��ود التميي��ز �إىل �أر�سطو‪ ،‬وا�ستخدمه قط��ب الدين ال�شريازي؛ انظر مو�سوعت��ه إ‬
‫ال�رشاقية د ّرة التاج ّ‬
‫م�شكات‪ ،‬ح�سن م�شكان‪ ،‬ومهدوخت هومايى ( طهران‪ :‬جمل�س‪1946-1939 ،‬؛ �رشكت انت�شارات علمى وفرهنگى ‪247‬؛‬
‫[طه��ران]‪ :‬وزارت فهرنگ � � � ��ى و�آموز�ش ع��اىل‪ ،1 ،)1990 ،‬اجلزء ‪ ،1‬ال�صفح��ات ‪ ،74‬و‪� 136‬إىل ‪ ،138‬و‪� 151‬إىل ‪،153‬‬
‫متفرقة‪ .‬والكتاب هذا من م�ص ّنفات القرن الرابع ع�رش‪.‬‬ ‫واجلزء ‪ ،3‬يف ّ‬
‫حمال ّ‬
‫متفرقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حمال‬ ‫يف‬ ‫�رشاق‪،‬‬‫ال‬
‫إ‬ ‫حلكمة‬ ‫ترجمتي‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ي�ض‬
‫ً‬ ‫أ‬‫�‬ ‫و‬ ‫‪،SMF,‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪ (2‬انظر كتابي‪ff ،‬‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪208‬‬
‫جون والبريدج‬

‫عيني واحدٍ ‪ُ ،‬يدرك‬ ‫ٍّ‬ ‫ميز ًة ّ‬


‫عام ًة ملنظومة ال�سهروردي وذلك انحيا ًزا للقول بوجودٍ‬ ‫الرتكيبات ّ‬
‫�سمى املا ّدة‬
‫ثمة �شي ٌء ُي ّ‬
‫مبا��شرةً‪ .‬هكذا يكون قد حكم على نظر ّية الهيوىل بالتهاف��ت‪ .‬فلي�س ّ‬
‫مقدار فقط‪ ،‬فاجل�سم بب�ساط ٍة هو املقدار مع عوار�ضه‪ ،‬ال �أكرث‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أ‬
‫الوىل‪ ،‬بل‬
‫ال ّول‪ ،‬والعقول‬ ‫النوار يبح��ث يف املب��د�إ أ‬‫وق��د الح��ظ ال�شارح قط��ب الدين �أنّ عل��م أ‬
‫الطبيعيات‪ ،‬وبع���ض ا ِملتافيزيقا‪ .(2‬مع ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(الفلكي��ة)‪ ،‬والنفو�س التي يقوم عليه��ا معظم‬
‫ّ‬
‫أ‬
‫الطبيعيات قد تكون مرتكز ًة عل��ى علم النوار‪ ،‬ف إ�نّ ال�سهروردي مل ُي ِبد �إ اّل‬
‫ّ‬ ‫ورغ��م �أنّ معظم‬
‫الوىل‬ ‫ال�رشاقي هو املبادئ أ‬ ‫الطبيعيات‪ .‬فما ّمت بحثه يف النظام إ‬
‫ّ‬ ‫بع���ض االهتمام بتفا�صيل علم‬
‫ّ‬
‫للفيزياء‪ ،‬ال تفا�صيلها‪.‬‬
‫الحضوري‬
‫ّ‬ ‫[‪ ].5 .2‬العلم‬
‫العامة ال تك�شف‬ ‫رف�ض ال�سهروردي العقل املح�ض �آل ًة ملعرفة العامل‪ ،‬م ؤ� ِّك ًدا �أنّ معظم مفاهيمنا ّ‬
‫كيفية تفكرينا‪ .‬فقد بقي مبن أ�ى عن االجنرار‬ ‫تنم �إ اّل عن ّ‬
‫�سا�سية للوجود‪ ،‬وهي ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ع��ن البني��ة أ‬
‫احلجة‬‫بحجتَني‪ :‬يف ّ‬ ‫داعما ر�أي��ه ّ‬
‫احل�ضوري‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫كانطية من خالل اعتق��اده بالعلم‬ ‫ّ‬ ‫مربيقي��ة‬
‫ّ‬ ‫�إىل �إ‬
‫الذاتية للـ«�أنا‬
‫ّ‬ ‫والدراك هي التجربة‬ ‫كل �أ�شكال العل��م إ‬ ‫الوىل واملح��دودة‪ ،‬ي�شري �إىل �أنّ ميزة ّ‬ ‫أ‬
‫نوع من آ‬
‫ال ّلية‬ ‫الدراك ب أ� ّنه ٌ‬
‫حتو اًل ما لنوع من ال�ص��ور‪ .‬ال ن�ستطيع تف�سري إ‬ ‫�أع��رف»‪ ،‬ولي�ست ّ‬
‫تتخيل‪� ،‬أو حتل��م‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف إ�نّ ميزة‬‫ذات عامل ٌة تدرك‪ّ ،‬‬ ‫ثم��ة ٌ‬ ‫طي��ة‪ ،‬ب��ل ينبغي �أن يكون ّ‬‫التو�س ّ‬
‫ّ‬
‫الو�سع‬ ‫احلجة أ‬ ‫كل املعارف هي �أنّ املعلوم بالذات هو الذي ينبغي �أن يكون مك�شوفًا للعالمِ ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫والع�صاب‬ ‫يل للعني‪ ،‬أ‬ ‫للدراك والعلم‪ .‬ف إ�ذا ر�أينا جبلاً ‪ ،‬يكون العمل آ‬
‫ال ّ‬ ‫طية إ‬
‫التو�س ّ‬
‫ال ّلية ّ‬‫تعالج آ‬
‫�سا�سيا لر ؤ�ية اجلبل (رغم �أنّ ال�سهروردي‪ ،‬على غري عادته‪ ،‬مل ّ‬
‫يهتم‬ ‫�رشطا �أ ًّ‬
‫الب�رص ّية‪ ،‬والدماغ‪ً ،‬‬
‫به��ذه التفا�صي��ل)‪ .‬و�إنّ ما نراه لي�س �صور ًة يف الدماغ؛ بل هو اجلبل نف�سه‪ .‬فمثلاً نحن نرى‬
‫اجل�سم��ي للر ؤ�ية‪ .‬بالتايل‪ ،‬ما نراه ال ميكن �أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املحل‬ ‫اجلب��ل �أكرب من جتويف الدماغ الذي هو‬
‫ٌ‬
‫�رشوط‬ ‫بد �أن يكون اجلبل نف�سه‪ .‬وما عمل العني والدماغ �إ اّل‬ ‫يكون �صور ًة يف الدماغ؛ بل ال ّ‬
‫الدراك‪.‬‬ ‫للدراك‪ ،‬لك ّنها لي�ست هي إ‬ ‫إ‬
‫حج ًة �شبيه�� ًة حول الذوق ال�صويفّ‪� .‬إذ ميك��ن من خالل ا�ستعدادات‬
‫ق��دم ال�سهروردي ّ‬ ‫ّ‬
‫املجردة‪ ،‬مثل اهلل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قل‪ ،‬ك�شف احلجب التي متنع من �إدراك املوجودات‬ ‫خا�صة‪ ،‬م ؤ�قّتة على أ‬
‫ال ّ‬ ‫ّ‬
‫يزوده مبعرفة احلقيقة التي‬ ‫والنوار (العقول) العلو ّية‪ .‬فالذوق ال�صو ّ‬
‫يف ال يلغي دور العقل‪ ،‬بل ّ‬ ‫أ‬

‫ال�رشاق‪.‬‬
‫‪ (2‬قطب الدين ال�شريازي‪� ،‬رشح حكمة إ‬

‫‪209‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫فالطونية عن طريق الك�شف ال�صو ّ‬


‫يف‬ ‫ّ‬ ‫العقلية عليها‪ .‬الذي ي�شاهد املثل أ‬
‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ميكن بناء املعارف‬
‫العقلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مو�ضوع للتفكري‬
‫ٌ‬ ‫لكن فهمه لهذه التجربة هو‬
‫ي�شك بوجودها‪ّ .‬‬ ‫ال ميكن �أن ّ‬

‫حقيقي ٍة بالعامل‬
‫ّ‬ ‫احل�ضوري بالن�سبة لل�سهروردي‪ ،‬هو الذي يمُ ّكننا من تكوين معرف ٍة‬
‫ّ‬ ‫العل��م‬
‫البديهية‬
‫ّ‬ ‫واملجرد‪ .‬من هن��ا ر�أى‪ ،‬برف�ضه العتماد ابن �سينا عل��ى املفاهيم‬‫ّ‬ ‫اخلارج��ي‪ ،‬امل��ا ّد ّي‬
‫ّ‬
‫كركي��ز ٍة للمعرفة ال�صحيحة‪� ،‬أنّ احلد�س املبا�رش بالعامل ميك��ن �أن يوفّر ركيز ًة �أكيد ًة للمعرفتَني‬
‫والعلمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفل�سفية‬
‫ّ‬
‫المتافيزيقا وعلم الكالم‬
‫[‪ِ ].6 .2‬‬
‫ال�رشاق‪ .‬فالنور غري متماه‬ ‫ا�شته��ر ال�سهروردي مبِتافيزيقا النور والظلمة املب�سوطة يف حكم��ة إ‬
‫ظلمانيةً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ي�ضا‪ ،‬جواهر‬‫نظرا لوجود النور والظلمة‪ ،‬وال هو بجوهر ألنّ هناك‪� ،‬أ ً‬ ‫م��ع الوجود ً‬
‫�سا�سية‬
‫ال ّ‬ ‫رئي�سي�� ًة تفيد يف ا�ستنتاج املرات��ب أ‬
‫ّ‬ ‫و�أ ً‬
‫ن��وارا عار�ض��ةً‪ .‬وعليه فقد ب�ّي نّ ثالثة فوارق‬
‫يحددان �أنواع‬
‫ال ّوالن ّ‬ ‫امل�ستقل والتابع؛ الفارقان أ‬
‫ّ‬ ‫للوج��ود‪ :‬النور والظلمة‪ ،‬اجلوهر والهيئة‪،‬‬
‫الوجود يف العامل‪:‬‬

‫الظلمة‬ ‫النور‬
‫نور حم�ض‪:‬‬
‫جمرد‪ٌ ،‬‬
‫ّ‬
‫اجلواهر الغا�سقة‪ :‬أ‬ ‫اجلواهر‬
‫الج�سام‬ ‫جم��رد ٌة (مالئك��ة)‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عق��ول ّ‬
‫حيواني ٌة وناطق ٌة‬
‫ّ‬ ‫نفو�س‬
‫ٌ‬

‫أ‬
‫النوار العار�ضة‪:‬‬
‫الظلماني��ة‪� ،‬إ ّم��ا‬
‫ّ‬ ‫العرا���ض‬‫أ‬
‫يف أ‬ ‫الن��وار العار�ضة يف أ‬
‫النوار‬ ‫أ‬
‫املج��ردة‪� ،‬أو يف‬
‫ّ‬ ‫الن��وار‬ ‫الهيئات‬
‫أ‬ ‫اجل�سمانية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املجردة‪ ،‬أ‬
‫النوار‬ ‫ّ‬
‫الج�سام‬
‫ال�شعاعات‬‫إ‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪210‬‬
‫جون والبريدج‬

‫الكمل‪،‬‬ ‫النوار‪ ،‬م�صداقها أ‬ ‫الفارق الثالث يتع ّلق ب�سل�سلة العلل التي مي ّثل اهلل وحده‪ ،‬نور أ‬
‫تقريبا مع العقل يف‬
‫املج��رد ً‬
‫ّ‬ ‫الخرى تابعةٌ‪ .‬يتماهى النور‬ ‫م�ستقل وجميع املوج��ودات أ‬ ‫ٌّ‬ ‫فه��و‬
‫املجرد يختلف عن‬‫ّ‬ ‫ال�شدة‪ .‬فالن��ور‬
‫بالقرار بالفرق يف ّ‬ ‫ائ��ي‪ ،‬لك ّنه يختلف عن��ه إ‬ ‫ال�تراث امل�شّ ّ‬
‫طبيعي‪ .‬والنور بالن�سبة لل�سهروردي لي�س‬‫ٍّ‬ ‫ج�سم‬
‫ٍ‬ ‫الطبيعي يف �أ ّنه مدرِ ٌك وال يحتاج �إىل‬
‫ّ‬ ‫الن��ور‬
‫ج�س��م من ٍري يف جميع اجلهات‪ ،‬بل هو الق��درة على جعل أ‬
‫ال�شياء‬ ‫ٍ‬ ‫دفقً��ا من الطاقة ينتقل من‬
‫ظاهرا‪ ،‬لكن ال �شيء ينتقل من النور �إىل‬
‫ً‬ ‫فكل �شي ٍء يف ح�ضور النور ي�صبح‬ ‫الخ��رى ظاهرةً‪ّ .‬‬ ‫أ‬
‫ال�شيء املُنار‪ .‬ال�شعاع‪� ،‬إ ًذا‪ ،‬هو ال َع َر�ض املنري يف ال�شيء املُنار‪ ،‬ال جمرى طاقة ّ‬
‫يتحرك من النور‬
‫�إىل ال�شيء املُنار‪.‬‬
‫ال�رشف»‬ ‫همها «قاعدة �إمكان أ‬ ‫عام ًة ال�ستنتاج ِمتافيزيقاه‪� .‬أ ّ‬
‫ي�ستخدم ال�سهروردي قواعد ّ‬
‫حيثيتان يف‬‫التي تو�ضح �أ ّنه ال �شيء ميكن �أن يوجد من دون ع ّل ٍة �أ�رشف وجو ًدا‪ ،‬و�إذا ُوجدت ّ‬
‫ني لقاعدة «ال�شيء يوجد من‬ ‫تطبيق �أم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫حيثيتان لتف�سريه‪ .‬هذا‬ ‫بد �أن يكون يف ع ّلته ّ‬ ‫�شيءٍ‪ ،‬فال ّ‬
‫ر�سطي ٌة يف جذورها‪ ،‬وهي «ا�ستحالة الت�سل�سل»؛‬ ‫ّ‬ ‫الوىل �أ‬ ‫ُقيد أ‬
‫العدم»‪ .‬والقاعدة الثانية التي ت ّ‬
‫احلقيقية ميكن �أن‬
‫ّ‬ ‫فالرقام‬‫ال ميك��ن اجتماع �سل�سل ٍة المتناهي ٍة من العلل واملعلوالت املتزامنة‪ .‬أ‬
‫الطبيعية ميكن �أن تكون ال متناهيةً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�سباب‬‫بالقوة‪ ،‬و�سل�سلة أ‬ ‫تكون ال متناهي ًة من حيث هي ّ‬
‫أل ّنه��ا غري متزامن ٍة يف الوجود‪ .‬و�إذا جمعنا القاعدتَني ال�سابقتَني م ًعا‪ ،‬يتبينّ لنا �أ ّنه ال ميكن �أن‬
‫يوج��د عد ٌد ال متنا ٍه من املراتب الوجود ّية‪ ،‬و�أ ّنه ينبغي �أن يكون هناك وجو ٌد ّ‬
‫ماهيته �رضور ّي ٌة‬
‫بذاتها‪« ،‬واجب الوجود» عند ابن �سينا‪.‬‬
‫بد‬ ‫�رصيحا لهذه املقوالت والقواعد‪� .‬إذ ال ّ‬ ‫ً‬ ‫ُعد ُكزمولوجيا النور عند ال�سهروردي تطبيقًا‬ ‫ت ُّ‬
‫واجب بذاته‪ ،‬ال ع ّلة له‪ ،‬ب�سيط من جميع اجلهات‪ ،‬قدرته ال متناهية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫�سبب �أ ّولٍ ‪،‬‬
‫من وجود ٍ‬
‫يتحرك عند �أر�سطو‪،‬‬ ‫املحرك ال��ذي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫النوار الذي يتماهى مع‬ ‫بالق��وة‪� .‬إ ّنه نور أ‬
‫ّ‬ ‫ح��د له‬
‫وال ّ‬
‫نور‬
‫النوار ٌ‬ ‫الديان التوحيد ّية‪ .‬ي�صدر ع��ن نور أ‬ ‫وواج��ب الوجوب عند ابن �سين��ا‪ ،‬واهلل يف أ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ب�سيط من جميع اجلهات‪ ،‬فال ي�صدر عنه �إ اّل‬ ‫ٌ‬ ‫النوار‬‫ولنّ نور أ‬‫وثالث عن الثاين‪ .‬أ‬ ‫ٌ‬ ‫ثانٍ ‪،‬‬
‫ين‬
‫�ض ظلما ٌّ‬ ‫حيثيتان؛ [‪ ]1‬نور ّيته املرتكزة على عالقته بخالقه‪ ،‬و[‪َ ]2‬ع َر ٌ‬ ‫�أ ّم��ا النور الثاين فله ّ‬
‫ت�صور �صدور‬ ‫�ضي يعن��ي �إمكان ّ‬ ‫أ‬
‫يعك���س متايز النور الثاين عن ن��ور النوار‪ .‬وهذا النور ال َع َر ّ‬
‫ج�سما‪ .‬وملّا كانت �سل�سلة ال�صدور‬ ‫ً‬ ‫كائ َن�ين متماي َزين عن النور الثاين‪ ،‬ميكن �أن يكون �أحدها‬
‫تركيبا؛ �أ�ضعف ب�سب��ب بعد امل�سافة عن‬ ‫ً‬ ‫النوار ت�صبح �أ�ضع��ف‪ ،‬و�أكرث‬ ‫نزول‪ ،‬ف�� إ�نّ أ‬‫ت�ستم��ر اً‬
‫ّ‬
‫النوار‬ ‫النوار العليا‪ .‬ت�شبه �سل�سلة أ‬ ‫النوار ال�سفلى ناجت ٌة ع��ن أ‬ ‫تركيبا ألنّ أ‬
‫ً‬ ‫كرث‬ ‫أ‬
‫�‬ ‫و‬ ‫نوار‪،‬‬ ‫ال‬‫ن��ور أ‬
‫الفلكية‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫العقول‬ ‫النوار الع�رشة (�أو �أكرث)‬ ‫ال�صادرة ح�رص ًّيا عن نوريّة النور الكائن فوق �سل�سلة أ‬

‫‪211‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬
‫السهروردي‪ ،‬وحكمة اإلشراق‬

‫نوار �أخرى بنف�س‬


‫ي�ضا �أ ٌ‬ ‫الع�رشة عند ابن �سينا‪ .‬وال تختلف هذه أ‬
‫النوار �إ اّل يف نور ّيتها‪ .‬هناك �أ ً‬
‫للعرا�ض املرتكزة على عالقاتها املختلفة أ‬
‫بالنوار العليا‪ .‬ولهذه‬ ‫ال�شدة التي تختلف بالن�سبة أ‬
‫ّ‬
‫وثانيا‪ ،‬هي املثل‬
‫الدنى‪ً ،‬‬ ‫النوار هدفان يف منظومة ال�سهروري‪� :‬أ ّو اًل‪ ،‬هي ع ّلة تركيب العامل أ‬ ‫أ‬
‫الدنى‪ .‬ويعتربها ال�سهروردي مراتب نورٍ‬ ‫العيان الثابتة يف العامل أ‬
‫فالطوني��ة التي هي ع ّلة أ‬
‫ّ‬ ‫أ‬
‫ال‬
‫بال�شدة‪� ،‬أو بالرتبة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نظرا إلمكان اختالفها بالنوع من دون اختالفها‬ ‫عر�ضيةً‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫للنوار ال�سماو ّية‪.‬‬‫احليثي��ات املظلمة أ‬
‫ّ‬ ‫ونفو�س علو ّي ٍة �سببها‬
‫ٍ‬ ‫ج�سام‬
‫ٍ‬ ‫كم��ا �أنّ هناك �سل�سلة �أ‬
‫مركب�� ٌة أل ّنها ت�سعى للتعبري ع��ن ت�سل�سل العالقات املعقّدة ب�ين أ‬
‫النوار ال�سماو ّية‪.‬‬ ‫حركاته��ا ّ‬
‫الفالك هي �سبب‬ ‫تعبري �آخر عن هذا التعقيد)‪ .‬حركة أ‬ ‫(الرتتيب غري املفهوم للنجوم الثابتة هو ٌ‬
‫الكون والف�ساد يف عامل ما حتت فلك القمر‪� .‬إ ًذا‪ ،‬الع ّلة ال�صور ّية لكائنات ما حتت فلك القمر‬
‫الفالك‪.‬‬ ‫الفاعلية هي حركة أ‬
‫ّ‬ ‫العر�ضية للنور‪ ،‬وع ّلتها‬
‫ّ‬ ‫فالطونية‪ /‬املرتبة‬
‫ّ‬ ‫هي املثل أ‬
‫ال‬
‫الفل�سفية مع تعاليم ابن �سينا‪ ،‬مثل ب�ساطة‬
‫ّ‬ ‫لهيات ال�سهروردي‬
‫كثري من خ�صائ�ص �إ ّ‬
‫تتطابق ٌ‬
‫فالطونية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬‫و�ضوحا هو وجود املثل أ‬
‫ً‬ ‫لكن الفارق أ‬
‫الكرث‬ ‫اهلل‪ّ .‬‬
‫التصوف‪ :‬عالم المثال‪ ،‬اآلخرة‪ ،‬حركات األفالك الدائر ّية‪ ،‬التناسخ‬
‫ّ‬ ‫[‪].7 .2‬‬
‫بقي عد ٌد من املو�ضوعات التي ميكن جمعها حتت عنوان «املعاد»‪ ،‬ترتبط بالتوفيق مع فل�سفة‬
‫وا�ضح��ا بالن�سبة يل �أين‬
‫ً‬ ‫همه��ا عامل املثال‪ .‬لي�س‬ ‫الدينية ح��ول م�صري النف�س والتي �أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫املفاهي��م‬
‫ن�ش�� أ� هذا املفه��وم‪ ،‬كما �أ ّنني ال �أع��رف م� أس�ل ًة ي�ستخدم فيها ال�سه��روردي هذا اال�صطالح‬
‫بالتحدي��د‪� ،‬إ اّل �أنّ املفهوم حا�رضٌ بو�ضوح يف كتاباته‪ ،‬وه��و ُيعرف كميز ٍة ملذاهب القدماء‪.‬‬
‫املجرد‪� ،‬إ ّنه املرتبة الوجود ّية حيث تكون ال�صور‬ ‫ّ‬ ‫يتو�سط العامل املا ّد ّي وعامل الذهن‬
‫ع��امل املثال ّ‬
‫والحالم‪ ،‬وعامل العجائب الذي يتجاوز‬ ‫ال�شباح‪ ،‬و�صور املرايا أ‬ ‫غري امل ّت�سمة باملا ّدة‪� .‬إ ّنه عامل أ‬
‫خروي‪ ،‬كما يفيد للتوفيق‬ ‫ّ‬ ‫عجازي أ‬
‫وال‬ ‫ّ‬ ‫عاملن��ا‪ .‬من الوا�ضح �أ ّنه يفيد كطريق ٍة للتوفيق ب�ين إ‬
‫ال‬
‫طور‬
‫ر�سطية‪ .‬مل ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫مالئم يف بنية ال�صورة يف امل��ا ّدة أ‬
‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫ب�ين املختلفات التي ال تتنا�س��ب ب�شكل‬
‫لكن �أتباع��ه قاموا بذل��ك‪( .‬ال عالقة له��ذا املفهوم باملثل‬ ‫منهجي��ا‪ّ ،‬‬
‫ًّ‬ ‫ال�سه��روردي املفه��وم‬
‫نطولوجي)‪.‬‬ ‫كليا بالوظيفة‪ ،‬وامل�ستوى أ‬
‫ال‬ ‫فالطونية التي تختلف ًّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬
‫ال‬
‫ّ‬
‫التقم�ص‪ ،‬و�أ ّ�س�س‬
‫ي ّت�صل بهذه امل� أس�لة مو�ضوعات املعاد والتنا�سخ‪ .‬كتب �أفالطون �أ�ساطري ّ‬
‫الفل�سف��ي‪ .‬واقرتح ال�سهروردي نظريّ ًة تفيد �أنّ نفو�س‬‫ّ‬ ‫را�سخ يف الرتاث‬
‫ٍ‬ ‫ب�شكل‬
‫ٍ‬ ‫فيه��ا املفهوم‬
‫خالقية‪ ،‬وبهذه الطريقة‬ ‫ّ‬ ‫الناق�ص�ين تتنا�سخ يف �أج�سام احليوانات التي تتنا�سب مع خطاياها أ‬
‫ال‬
‫لكن‬
‫وال�سيا�سية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الفل�سفي��ة‬
‫ّ‬ ‫وا�ضح �أنّ ه��ذه النظر ّية ال تخلو من امل�شاكل‬ ‫ٌ‬ ‫تتحقّ��ق طهارتها‪.‬‬

‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬ ‫‪212‬‬
‫جون والبريدج‬

‫معتربا �أنّ ذلك قد يح�صل يف عامل‬


‫ً‬ ‫مربهن عليها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كفر�ضية‪ ،‬ال كحقيق ٍة‬
‫ّ‬ ‫يقدمها‬
‫ال�سه��روردي ّ‬
‫املثال‪ ،‬ال يف عاملنا‪� ،‬أو يف العاملَني كليهما‪.‬‬
‫وا�ضح‪ .‬ال ميكن �أن توجد‬ ‫ٌ‬ ‫�ضمني �إ اّل �أ ّنه‬ ‫الفالك – العام العظيم –‬ ‫وموقف��ه يف حركات أ‬
‫ٌّ‬
‫الفالك‪،‬‬ ‫الزمانية معلول ٌة حلركات أ‬
‫ّ‬ ‫�أحداث ّ‬
‫متميزة يف التاريخ مت�سل�سل ٌة �إىل ال نهايةٍ‪ .‬فاحلوادث‬
‫النوار ال�سماو ّية‪ .‬أ‬
‫ولنّ‬ ‫جدا بني أ‬ ‫التبادلية املعقّدة ًّ‬
‫ّ‬ ‫وه��ذه احلركات بدورها معلول ٌة للعالقات‬
‫الفالك‪،‬‬ ‫بد �أن تعود أ‬
‫التبادلية‪ ،‬ورغم كرثتها‪ ،‬متناهية العدد بال��ضرورة‪ ،‬فال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه��ذه العالق��ات‬
‫الحداث يف‬ ‫كل أ‬ ‫ثم تب��د�أ من جديدٍ ‪ .‬عندما يح�صل هذا‪ ،‬ف�� إ�نّ ّ‬ ‫�صلية‪ّ ،‬‬
‫ال ّ‬‫بالنهاي��ة‪ ،‬ملواقعه��ا أ‬
‫يتكرر كما هو‪ ،‬بل‬ ‫تتكرر بال�ضبط‪ .‬غري �أنّ ال�شخ�ص الفرد لن ّ‬ ‫عاملنا‪ ،‬كبري ًة �أو �صغريةً‪� ،‬سوف ّ‬
‫فال�شياء ال ميكن �أن تكون مغاير ًة‬ ‫ي�ضا‪ .‬أ‬ ‫لهية �أ ً‬
‫ال ّ‬ ‫�ستوجد ن�سخة مماثلة له‪ .‬وهذا تف�سري للعناية إ‬
‫النوار ال�سماو ّية‪.‬‬ ‫ملا هي عليه‪ ،‬ذلك ألنّ العامل يعك�س النظام املنطقي املوجود بني أ‬
‫ّ‬

‫‪213‬‬ ‫المحجـة‪ :‬العدد ‪ | 23‬صيف ‪ -‬خريف ‪2011‬‬


‫ّ‬

You might also like