Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 20

‫دعوى أن شيخ اإلسالم مجسّم ومشبّه‬

‫د‪ .‬عبد هللا بن صالح بن عبد العزيز الغصن‬

‫‪ ‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه‬

‫في بداية عرض مذهب أهل السنة وقولهم في المشبهة ‪ -‬الذي حرصت أن يكون مستخلصا ً من كالم‬
‫السلف قبل ابن تيمية رحمه هللا يحسن البدء بتعريف عام عن المشبهة‪ ،‬وأشهر الفرق التي تعرف بالتشبيه‬
‫في تاريخ المسلمين‪ ،‬وبه يكون البدء بهذا المبحث‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫التعريف بالمشبهة‬

‫التشبيه‪ :‬قسمان‪ :‬تشبيه المخلوق بالخالق‪ ،‬وتشبيه الخالق بالمخلوق‪.‬‬


‫القسم األول‪ :‬من شبه المخلوق بالخالق‪ ،‬ومن ذلك تشبيه النصارى حيث جعلوا عيسى ابن مريم ابن هللا‪،‬‬
‫ومن هذا الصنف السبئية الذين يزعمون أن عليا ً هو هللا ‪.‬‬
‫القسم اآلخر‪ :‬من شبه الخالق بالمخلوق‪ :‬وهم صنفان‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬شبهوا ذات البارئ بذات غيره‪.‬‬
‫الصنف اآلخر‪ :‬شبهوا صفات\ البارئ بصفات غيره‪.‬‬
‫أصناف شتى)‬
‫ٍ‬ ‫يقول البغدادي رحمه هللا عن هذين الصنفين‪( :‬وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على‬
‫‪.‬‬
‫وسأذكر باختصار أبرز الفرق التي عرفت بالتشبيه‪ ،‬ويأتي في مقدمتها طوائف متعددة من الشيعة‪ ،‬وهم‬
‫أول من أظهر التشبيه عند المسلمين كما يقول الرازي رحمه هللا عنهم ‪.‬‬

‫وأبرز الفرق التي قالت بالتشبيه ما يلي‪:‬‬


‫الفرقة األولى‪ :‬الهشامية‪ :‬وهم طائفتان‪:‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬أتباع هشام بن الحكم ‪ ،‬ومما زعمه ابن الحكم في معبوده أنه عريض طويل عميق‪ ،‬طوله‬
‫مثل عرضه‪ ،‬وعرضه مثل عمقه‪ ،‬كالسبيكة الصافية يتألأل كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها‪ ،‬وأنه ذو‬
‫لون وطعم ورائحة وأنه سبعة أشبار بشبر نفسه‪. )...‬‬
‫الطائفة األخرى‪ :‬أتباع هشام بن سالم الجواليقي ‪ ،‬ومما زعمه أن معبوده على صورة اإلنسان‪ ،‬وأن نصفه‬
‫األعلى مجوف‪ ،‬ونصفه األسفل مصمت‪ ،‬وأن له شعرة سوداء‪ ،‬وقلبا ً ينبع منه الحكمة ‪.‬‬
‫ويطلق على الطائفة األولى‪ :‬الهشامية الحكمية‪ ،‬ويطلق على الطائفة الثانية‪ :‬الهشامية الجواليقية ‪.‬‬
‫الفرقة الثانية‪ :‬الجواربية‪:‬‬
‫أتباع داود الجواربي ‪ ،‬ومما زعمه في معبوده أنه جسم ولحم ودم‪ ،‬وله جوارح وأعضاء‪ ،‬ووصف معبوده‬
‫بأن له جميع أعضاء اإلنسان إال الفرج واللحية ‪.‬‬
‫الفرقة الثالثة‪ :‬الكرامية‪ :‬أتباع محمد بن كرام السجستاني ‪ ،‬وأثبتوا هلل الجسمية‪ ،‬وأنه جوهر‪ ،‬وهم طوائف‬
‫متعددة تختلف ببعض جزئيات التشبيه ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫اعتقاد السلف نفي التمثيل والتشبيه‬

‫تواترت عبارات سلف األمة في نفي تمثيل وتشبيه الخالق بالمخلوق‪ ،‬فهم يثبتون ما أثبته هللا لنفسه‪ ،‬أو‬
‫أثبته له رسوله صلّى هللا عليه وسلّم إثباتا ً يليق بجالل هللا وعظمته‪ .‬وينفون ما نفاه هللا عن نفسه‪ ،‬أو نفاه‬
‫عنه رسوله صلّى هللا عليه وسلّم‪.‬‬
‫فقد سئل أبو حنيفة النعمان عن نزول الباري ‪ -‬جل وعال ‪ -‬فقال‪:‬‬
‫(ينزل بال كيف) ‪.‬‬
‫وقال ابن أبي زمنين (ت ‪399 -‬هـ) رحمه هللا‪( :‬فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه‬
‫بها نبيه صلّى هللا عليه وسلّم وليس في شيء منها تحديد وال تشبيه وال تقدير‪ ،‬فسبحان من ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير‪ ،‬لم تره العيون فتحده كيف هو كينونيته) ‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر اإلسماعيلي‪  ‬رحمه هللا‪:‬‬
‫(ويداه مبسوطتان‪ ،‬ينفق كيف يشاء‪ ،‬بال اعتقاد كيف‪ ،‬وأنه ع ّز وجل استوى على العرش بال كيف‪ ...،‬وال‬
‫يوصف بما فيه نقص‪ ،‬أو عيب‪ ،‬أو آفة‪ ،‬فإنه ع ّز وجل تعالى عن ذلك) ‪.‬‬

‫وقال اإلمام اآلجري (ت ‪360 -‬هـ) رحمه هللا عن نزول الباري جل وعال إلى السماء الدنيا‪:‬‬
‫(وأما أهل الحق فيقولون‪ :‬اإليمان به واجب بال كيف؛ ألن األخبار قد صحت عن رسول هللا صلّى هللا عليه‬
‫وسلّم أن هللا عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ) ‪.‬‬

‫وقال اإلمام الصابوني (ت ‪449 -‬هـ) رحمه هللا‪:‬‬


‫(قلت وباهلل التوفيق‪ :‬أصحاب الحديث ‪ -‬حفظ هللا تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم ‪ -‬يشهدون هلل تعالى‬
‫بالوحدانية‪ ،‬وللرسول صلّى هللا عليه وسلّم بالرسالة والنبوة‪ ،‬ويعرفون ربهم ع ّز وجل بصفاته التي نطق‬
‫بها وحيه وتنزيله‪ ،‬أو شهد له بها رسوله صلّى هللا عليه وسلّم على ما وردت األخبار الصحاح به‪ ،‬ونقلت‬
‫العدول الثقات عنه‪ ،‬ويثبتون له جل جالله ما أثبته لنفسه في كتابه‪ ،‬وعلى لسان رسوله صلّى هللا عليه‬
‫وسلّم‪ ،‬وال يعتقدون تشبيها ً لصفاته بصفات خلقه‪ ،‬فيقولون‪ :‬إنه خلق آدم بيديه كما نص سبحانه عليه في‬
‫ك َأ ْن تَ ْس ُج َد لِ َما خَ لَ ْق ُ‬
‫ت بِيَ َديَّ} [ص‪ ، ]75 :‬وال يحرفون الكلم‬ ‫قوله ‪ -‬عز من قائل ‪ { :-‬قَا َل يَا ِإ ْبلِيسُ َما َمنَ َع َ‬
‫عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين‪ ،‬أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية ‪ -‬أهلكهم هللا ‪ -‬وال‬
‫يكيفونهما\ بكيف أو شبهها‪  ‬بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة ‪ -‬خذلهم هللا ‪ .-‬وقد أعاذ هللا تعالى أهل السنة‬
‫من التحريف والتشبيه والتكييف) ‪.‬‬

‫وقال قوام السنة األصبهاني\ رحمه هللا‪:‬‬


‫(الكالم في صفات هللا ع ّز وجل ما جاء منها في كتاب هللا‪ ،‬أو روي باألسانيد الصحيحة عن رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬فمذهب السلف ‪ -‬رحمة هللا عليهم أجمعين ‪ -‬إثباتها وإجراؤها على ظاهرها‪ ،‬ونفي‬
‫الكيفية عنها‪. )...‬‬
‫وقال ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬بعد ذكره بعض الصفات الثابتة هلل ع ّز وجل‪( :‬فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول هللا‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره ونفي\ الكيفية والتشبيه‬
‫عنه‪ ...‬ونقول‪ :‬إنما وجب إثباتها ‪ -‬أي الصفات ‪-‬؛ ألن الشرع ورد بها‪ ،‬ووجب نفي التشبيه عنها لقوله‬
‫ْس َك ِم ْثلِ ِه َش ْي ٌء َوهُ َو ال َّس ِمي ُع ْالبَ ِ‬
‫صيرُ} [الشورى‪. ]11 :‬‬ ‫تعالى‪ { :‬لَي َ‬

‫وقال الحافظ عبد الغني المقدسي‪  ‬رحمه هللا ناقالً اتفاق السلف على ترك التشبيه والتمثيل‪:‬‬
‫(اعلم وفقنا هللا وإياك لما يرضيه من القول والعمل والنية‪ ،‬وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل‪ :‬أن صالح‬
‫السلف‪ ،‬وخيار الخلف‪ ،‬وسادات األئمة‪ ،‬وعلماء األمة اتفقت\ أقوالهم‪ ،‬وتطابقت آراؤهم على اإليمان باهلل‬
‫ع ّز وجل وأنه واحد أحد‪ ،‬فرد صمد‪ ،‬حي قيوم‪ ،‬سميع بصير‪ ،‬ال شريك له وال وزير‪ ،‬وال شبيه وال نظير‪،‬‬
‫وال عدل وال مثيل) ‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬أيضا ً ‪( :-‬وتواترت األخبار‪ ،‬وصحت اآلثار بأن هللا ع ّز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا‪،‬‬
‫فيجب اإليمان والتسليم له‪ ،‬وترك االعتراض عليه‪ ،‬وإمراره من غير تكييف وال تمثيل‪ ،‬وال تأويل وال‬
‫تنزيه ينفي حقيقة النزول) ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة المقدسي رحمه هللا‪:‬‬
‫(وكل ما جاء في القرآن‪ ،‬أو صح عن المصطفى عليه السالم من صفات الرحمن وجب اإليمان به‪ ،‬وتلقيه‬
‫بالتسليم والقبول‪ \،‬وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل) ‪.‬‬
‫وقال العالمة الواسطي رحمه هللا‪:‬‬
‫(وهو في ذاته وصفاته ال يشبهه شيء من مخلوقاته‪ ،‬وال تمثل بشيء من جوارح مبتدعاته‪ ،‬بل هي صفات‬
‫الئقة بجالله وعظمته‪ ،‬ال تتخيل كيفيتها الظنون‪ ،‬وال تراها في الدنيا العيون‪ ،‬بل نؤمن بحقائقها وثبوتها‪،‬‬
‫ونصف الرب سبحانه وتعالى بها‪ ،‬وننفي عنها تأويل المتأولين‪ ،‬وتعطيل الجاحدين‪ ،‬وتمثيل المشبهين‬
‫تبارك هللا أحسن الخالقين) ‪.‬‬
‫وضرب أمثلة لبيان اعتقاد السلف في الصفات\ وأنه اإلثبات من غير طمع في إدراك الكيفية ببعض‬
‫الصفات وهي‪ :‬الحياة والفوقية واالستواء والنزول ثم قال‪:‬‬
‫(وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت‪ ،‬غير معقولة من حيث التكييف والتحديد‪ ،‬فيكون المؤمن بها‬
‫مبصراً من وجه‪ ،‬أعمى من وجه ‪ ،‬مبصراً من حيث اإلثبات والوجود‪ ،‬أعمى من حيث التكييف والتحديد‪،‬‬
‫وبهذا يحصل الجمع بين اإلثبات لما وصف هللا به نفسه‪ ،‬وبين نفي التحريف والتشبيه والوقف‪ ،‬وذلك هو‬
‫مراد هللا تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها‪ ،‬ونؤمن بحقائقها‪ ،‬وننفي عنها التشبيه) ‪.‬‬
‫وذكر الحافظ المقدسي (ت ‪600 -‬هـ) رحمه هللا موقف السلف من األلفاظ المجملة التي تطلق على هللا ع ّز‬
‫وجل فقال‪:‬‬
‫(من السنن الالزمة السكوت عما لم يرد فيه نص عن رسوله صلّى هللا عليه وسلّم أو يتفق المسلمون على‬
‫إطالقه‪ ،‬وترك التعرض له بنفي أو إثبات‪ ،‬وكما ال يثبت إال بنص شرعي‪ ،‬كذلك ال ينفى إال بدليل شرعي)‬
‫‪.‬‬
‫ويرى سلف األمة أن تشبيه هللا بخلقه كفر‪ ،‬وهذا واضح من خالل نصوصهم الصريحة مثل قول نعيم بن‬
‫حماد الخزاعي‪  ‬رحمه هللا‪:‬‬
‫(من شبه هللا بخلقه فقد كفر‪ ،‬ومن أنكر ما وصف هللا به نفسه فقد كفر‪ ،‬وليس ما وصف هللا به نفسه‬
‫ورسوله تشبيه) ‪.‬‬
‫وقال إسحاق بن راهويه رحمه هللا‪:‬‬
‫(من وصف هللا فشبه صفاته بصفات أحد من خلق هللا فهو كافر باهلل العظيم) ‪.‬‬
‫وحين ذكر بشر المريسي في مناظرة اإلمام الدارمي (ت ‪280 -‬هـ) رحمه هللا له أن تشبيه هللا بخلقه خطأ‪،‬‬
‫تعقبه اإلمام الدارمي (ت ‪280 -‬هـ) بقوله‪:‬‬
‫(أما قولك‪ :‬إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود في الخلق خطأ‪ ،‬فإنا ال نقول\ إنه خطأ‪ ،‬بل هو‬
‫عندنا كفر‪ ،‬ونحن لتكييفها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفا ً منكم غير أنا كما ال نشبهها وال‬
‫نكيفها ال نكفر بها‪. )...‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫رد السلف دعوى أن اإلثبات يستلزم التشبيه‬

‫أكث َر نفاة الصفات من إطالق لفظ (التشبيه) على مخالفيهم من مثبتة الصفات‪ ،‬حتى صار من عالمة‬
‫الجهمية تسمية أهل السنة مشبهة كما قال ذلك اإلمام إسحاق بن راهويه (ت ‪238 -‬هـ) رحمه هللا‪:‬‬
‫(عالمة جهم وأصحابه دعواهم على أهل السنة والجماعة وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة‪ ،‬بل هم‬
‫المعطلة‪ ،‬ولو جاز أن يقال لهم هم المشبهة الحتمل ذلك) ‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة الرازي‪  ‬رحمه هللا‪:‬‬
‫(المعطلة النافية الذين ينكرون صفات هللا ع ّز وجل التي وصف هللا بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه‬
‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬ويكذبون باألخبار الصحاح التي جاءت عن رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم في‬
‫الصفات‪ ،‬ويتأولونها بآرائهم المنكوسة على موافقة ما اعتقدوا من الضاللة وينسبون رواتها إلى التشبيه‪،‬‬
‫فمن نسب الواصفين ربهم ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلّى هللا عليه‬
‫وسلّم من غير تمثيل وال تشبيه إلى التشبيه فهو معطل ٍ‬
‫ناف‪ ،‬ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم‬
‫معطلة نافية) ‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي رحمه هللا‪:‬‬
‫(عالمة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة) ‪.‬‬
‫وقال ابن خزيمة (ت ‪311 -‬هـ) رحمه هللا‪:‬‬
‫(وزعمت الجهمية ‪ -‬عليهم لعائن هللا ‪ -‬أن أهل السنة ومتبعي اآلثار‪ ،‬القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلّى‬
‫هللا عليه وسلّم‪ ،‬المثبتين هلل ع ّز وجل من صفاته ما وصف هللا به نفسه في محكم تنزيله‪ ،‬المثبت بين‬
‫الدفتين‪ ،‬وعلى لسان نبيه المصطفى صلّى هللا عليه وسلّم بنقل العدل عن العدل موصوالً إليه مشبهةٌ‪ ،‬جهالً‬
‫منهم بكتاب ربنا وسنة نبينا صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وقلة معرفتهم بلغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا) ‪.‬‬
‫وقد نبه اإلمام إسحاق بن راهويه (ت ‪238 -‬هـ) رحمه هللا في النص السابق على أن المعطلة هم الذين‬
‫يستحقون وصف التشبيه؛ ألنهم شبهوا أوالً‪ ،‬ثم عطلوا ثانيا ً ‪ ،‬وقد نبه إلى هذا ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬اإلمام الدارمي (ت‬
‫‪280 -‬هـ) رحمه هللا‪ ،‬فبعد نص طويل في رده على المريسي (ت ‪218 -‬هـ) وأنه نفى ما وصف هللا به‬
‫نفسه‪ ،‬ووصفه بخالف ما وصف به نفسه‪ ،‬ثم ضرب أمثلة لتعطيل الصفات عن طريق التأويل الفاسد قال‪:‬‬
‫(تضرب له األمثال تشبيها ً بغير شكلها‪ ،‬وتمثيالً بغير مثلها‪ ،‬فأي تكييف أوحش من هذا‪ ،‬إذ نفيت هذه‬
‫الصفات وغيرها عن هللا بهذه األمثال والضالالت المضالت؟) ‪.‬‬
‫وقد ناقش اإلمام الواسطي (ت‪711‬هـ) رحمه هللا األشاعرة الذين يثبتون بعض الصفات‪ ،‬وينفون بعض‬
‫الصفات‪ ،‬وحجتهم في نفي ما نفوه من الصفات أنه يستلزم التشبيه فقال‪:‬‬
‫(ال فرق بين االستواء والسمع‪ ،‬وال بين النزول والبصر؛ ألن الكل ورد في النص فإن قالوا لنا‪ :‬في‬
‫االستواء َشبَّهتم‪ ،‬نقول لهم‪ :‬في السمع شبهتم‪ ،‬ووصفتم ربكم بالعرض ‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬ال عرض‪ ،‬بل كما يليق‬
‫به‪ ،‬قلنا‪ :‬في االستواء والفوقية ال حصر‪ ،‬بل كما يليق به‪ ،‬فجميع ما يلزموننا في االستواء‪ ،‬والنزول‪،‬‬
‫واليد‪ ،‬والوجه‪ ،‬والقدم‪ ،‬والضحك‪ ،‬والتعجب من التشبيه‪ :‬نلزمهم به في الحياة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والعلم‪،‬‬
‫فكما ال يجعلونها أعراضاً‪ ،‬كذلك نحن ال نجعلها جوارح‪ ،‬وال مما يوصف به المخلوق) ‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬فما يلزموننا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم في هذه الصفات من العرضية‪.‬‬
‫وما ينزهون ربهم به في الصفات السبع‪ ،‬وينفون عنه من عوارض الجسم فيها‪ ،‬فكذلك نحن نعمل في تلك‬
‫الصفات التي ينسبوننا فيها إلى التشبيه سواء بسواء) ‪.‬‬
‫وينبه اإلمام ابن قدامة المقدسي (ت ‪620 -‬هـ) رحمه هللا إلى أمر مهم أال وهو سبب نفي المتكلمين صفات‬
‫الباري ‪ -‬جل وعال ‪ -‬فظاهر األمر عندهم هو التنزيه ونفي التشبيه‪ ،‬ولكن حقيقة األمر هو‪ :‬إبطال السنن‬
‫واآلثار الواردة فيقول‪:‬‬
‫(وأما ما يموه به من نفي التشبيه والتجسيم فإنما هو شيء وضعه المتكلمون وأهل البدع توسالً به إلى‬
‫إبطال السنن ورد اآلثار واألخبار‪ ،‬والتمويه على الجهال واألغمار‪  ‬ليوهموهم‪ :‬إنما قصدنا التنزيه ونفي‬
‫التشبيه) ‪.‬‬
‫وأما دعوى أن إثبات الصفات يستلزم الجوارح واألعضاء هلل ع ّز وجل فقد أجاب عن هذه الشبهة اإلمام‬
‫الدارمي (ت ‪280 -‬هـ) رحمه هللا في رده على المريسي (ت ‪218 -‬هـ) فقال‪( :‬وأما تشنيعك على هؤالء‬
‫المقرين بصفات هللا‪ ،‬المؤمنين بما قال هللا‪ :‬أنهم يتوهمون فيها جوارح وأعضاء‪ ،‬فقد ادعيت عليهم في ذلك‬
‫زوراً وباطالً‪ ،‬وأنت من أعلم الناس بما يريدون بها‪ ،‬إنما يثبتون منها ما أنت معطل‪ ،‬وبه مكذب‪ ،‬وال‬
‫يتوهمون فيها إال ما عنى هللا ورسوله صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وال يدعون جوارح وأعضاء كما تقولت‬
‫عليهم‪. )...‬‬
‫ومما أجاب به سلف األمة على من ألصق بهم تهمة التشبيه والتجسيم‪ ،‬بيانهم ألمر غفل عنه النفاة أال وهو‬
‫أن اتفاق األسماء ال يلزم منه اتفاق المسميات‪ ،‬وكذلك اتفاق الصفات ال يلزم منه اتفاق الموصوفين بها فقد‬
‫سمى هللا ع ّز وجل نفسه سميعا ً بصيراً بقوله سبحانه‪ِ{ :‬إ َّن هَّللا َ يَْأ ُم ُر ُك ْم َأ ْن تَُؤ ُّدوا اَأْل َمانَا ِ‬
‫ت ِإلَى َأ ْهلِهَا وَِإ َذا‬
‫اس َأ ْن تَحْ ُك ُموا بِ ْال َع ْد ِل ِإ َّن هَّللا َ نِ ِع َّما يَ ِعظُ ُك ْم بِ ِه ِإ َّن هَّللا َ َكانَ َس ِميعا ً بَ ِ‬
‫صيراً} [النساء‪. ]58 :‬‬ ‫َح َك ْمتُ ْم بَ ْينَ النَّ ِ‬
‫اج نَ ْبتَلِي ِه فَ َج َع ْلنَاهُ َس ِميعا ً‬ ‫وسمى بعض خلقه سميعا ً بصيراً بقوله ع ّز وجل‪ِ{ :‬إنَّا خَ لَ ْقنَا اِأْل ْن َسانَ ِم ْن نُ ْ‬
‫طفَ ٍة َأ ْم َش ٍ‬
‫صيراً } [اإلنسان‪. ]2 :‬‬
‫بَ ِ‬
‫وقد ذكر ذلك اإلمام الدارمي (ت ‪280 -‬هـ) رحمه هللا بقوله‪:‬‬
‫(إنما نصفه باألسماء ال بالتكييف وال بالتشبيه‪ ،‬كما يقال‪ :‬إنه ملك كريم‪ ،‬عليم حكيم‪ ،‬حليم رحيم‪ ،‬لطيف‬
‫مؤمن‪ ،‬عزيز جبار متكبر‪ ،‬وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذه األسماء) ‪.‬‬
‫وقد أطال اإلمام ابن خزيمة (ت ‪311 -‬هـ) رحمه هللا في بيان هذه القاعدة‪ ،‬وضرب لها أمثلة عدة منها‬

‫ت ْال َع ِز ِ‬
‫يز تُ َر ِ‬
‫او ُد‬ ‫تسمية هللا نفسه عزيزاً ‪ ،‬وسمى بعض الملوك عزيزاً فقال‪َ { :‬وقَا َل نِ ْس َوةٌ فِي ْال َم ِدينَ ِة ا ْم َرَأ ُ‬
‫فَتَاهَا ع َْن نَ ْف ِس ِه } [يوسف‪. ]30 :‬‬
‫ومنها تسمية هللا ع ّز وجل نفسه الجبار المتكبر بقوله‪ { :‬السَّال ُم ْال ُمْؤ ِمنُ ْال ُمهَ ْي ِمنُ ْال َع ِزي ُز ْال َجبَّا ُر ْال ُمتَ َكبِّ ُر }‬
‫ب ُمتَ َكب ٍِّر َجب ٍ‬
‫َّار }‬ ‫ك يَ ْ‬
‫طبَ ُع هَّللا ُ َعلَى ُكلِّ قَ ْل ِ‬ ‫[الحشر‪ ، ]23 :‬وسمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال‪َ { :‬ك َذلِ َ‬
‫[غافر‪ ، ]35 :‬وغيرها من األمثلة ‪.‬‬
‫وأختم بما قاله الفخر الرازي (ت ‪606 -‬هـ) رحمه هللا حين قال كلمة حق في معتقد السلف‪ ،‬وأنه بعيد عن‬
‫التشبيه وهي قوله‪:‬‬
‫(اعلم أن جماعة من المعتزلة ينسبون التشبيه إلى اإلمام أحمد بن حنبل رحمه هللا وإسحاق بن راهويه‪،‬‬
‫ويحيى بن معين‪  ‬وهذا خطأ‪ ،‬فإنهم منزهون في اعتقادهم عن التشبيه‪ ،‬والتعطيل‪ ،‬لكنهم كانوا ال يتكلمون‬
‫في المتشابهات بل كانوا يقولون‪ :‬آمنا وصدقنا‪ ،‬مع أنهم كانوا يجزمون بأن هللا تعالى ال شبيه له‪ ،‬وليس‬
‫كمثله شيء‪ ،‬ومعلوم أن هذا االعتقاد بعيد جداً عن التشبيه) ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫دعوى أن شيخ اإلسالم مجسم ومشبه‪ ،‬ومناقشتها‬

‫المطلب األول‬
‫دعوى أن شيخ اإلسالم مجسم ومشبه‬

‫ركز المناوئون البن تيمية رحمه هللا على إلصاق تهمة التجسيم والتشبيه به ‪ -‬وذلك بناء على معتقد نفاة‬
‫الصفات الذين يرمون مثبتة الصفات بالتشبيه ‪ -‬وتنوعت وسائلهم في تقرير هذه الشبهة في نفوس الضعفة‪:‬‬
‫فمنها‪ :‬رميه بأنه مجسم كما قال الحصني (ت ‪829 -‬هـ) ‪( :‬والحاصل أنه وأتباعه من الغالة في التشبيه‬
‫والتجسيم) ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر الهيتمي‪  ‬متحدثا ً عن موقف ابن تيمية رحمه هللا من الباري ‪ -‬ج َّل وعال ‪:-‬‬
‫(نسب إليه العظائم والكبائر‪ ،‬وخرق سياج عظمته‪ ،‬وكبرياء جاللته بما أظهر للعامة على المنابر من‬
‫دعوى الجهة والتجسيم) ‪.‬‬
‫وأنه أول من قال بالتجسيم ‪ ،‬وأنه يقول‪ :‬إن هللا جسم كاألجسام ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬رميه بالتشبيه والتمثيل ‪ ،‬والحشو ‪.‬‬
‫ومن فروع هذه القاعدة‪ :‬محبته للمشبهة‪ ،‬وعدم ذمهم ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ابن تيمية رحمه هللا يثبت االستواء‪ ،‬وإثبات االستواء ‪ -‬عندهم ‪ -‬يلزم منه الجسمية‪ ،‬كما قال ابن‬
‫جهبل‪  ‬في رده على ابن تيمية رحمه هللا‪:‬‬
‫(نقول لهم‪ :‬ما هو االستواء في كالم العرب؟ فإن قالوا‪ :‬الجلوس واالستقرار)‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هذا ما تعرفه العرب إال في الجسم فقولوا‪ :‬يستوي جسم على العرش‪. )...‬‬
‫وقالوا بأنه يشبّه استواء هللا على عرشه باستواء المخلوق على الكرسي كما ذكر ذلك التقي الحصني (ت ‪-‬‬
‫‪829‬هـ) عن أبي الحسن علي الدمشقي عن أبيه‪.‬‬
‫قال‪( :‬كنا جلوسا ً في صحن الجامع األموي في مجلس ابن تيمية فذ ّكر ووعظ‪ ،‬وتعرض آليات االستواء‪،‬‬
‫ثم قال‪( :‬واستوى هللا على عرشه كاستوائي هذا) قال‪ :‬فوثب الناس عليه وثبة واحدة‪ ،‬وأنزلوه عن‬
‫الكرسي‪ ،‬وبادروا إليه ضربا ً باللكم والنعال وغير ذلك‪. )...‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ابن تيمية رحمه هللا أثبت النزول للباري ع ّز وجل كل ليلة‪ ،‬كما هو ظاهر حديث النزول‪،‬‬
‫فأنكروا عليه إثبات النزول ‪.‬‬
‫وقالوا بأن ابن تيمية رحمه هللا يثبت نزوالً للخالق يشبه نزول المخلوقين‪ ،‬كما ذكر ذلك ابن بطوطة (ت ‪-‬‬
‫‪779‬هـ) في رحلته المشهورة فقال‪:‬‬
‫(حضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم‪ ،‬فكان من جملة كالمه أن قال‪( :‬إن هللا‬
‫ينزل كنزولي هذا) ونزل درجة من درج المنبر) ‪.‬‬
‫وقد اشتهرت هذه المقولة عن ابن بطوطة (ت ‪779 -‬هـ) ‪ ،‬وهي تنسب ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬إلى أبي علي السكوني‬
‫وأنه نسبها إلى ابن تيمية رحمه هللا قبل ابن بطوطة (ت ‪779 -‬هـ) ‪.‬‬
‫ومرد ذلك إلى االختالف الكبير الحاصل في تحديد سنة وفاة أبي علي السكوني‪ ،‬فالقول\ الذي رجحه بعض‬
‫الباحثين هو أن وفاة السكوني كانت سنة (‪717‬هـ) ‪ ،‬وبهذا تكون القصة قد اشتهرت ونسبت إلى ابن تيمية‬
‫رحمه هللا قبل مجيء ابن بطوطة إلى دمشق‪ ،‬فقد كان مجيئه إليها سنة (‪726‬هـ) في شهر رمضان ‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن السكوني قد توفي سنة (‪747‬هـ) وقيل‪ :‬سنة (‪816‬هـ)‪ ،‬لكنها أقوال مرجوحة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫مـنـاقـشـة الـدعـوى‬

‫تحدث شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا باستفاضة عن مصطلحات‪ :‬التجسيم‪ ،‬والتشبيه‪ ،‬والتمثيل‪،‬‬
‫والحشو‪ ،‬ورد على من قال‪ :‬بأن مذهب أهل السنة والجماعة هو التشبيه في مواضع متعددة من كتبه‪،‬‬
‫وأوضح رحمه هللا مذهبه في استواء الباري ع ّز وجل على عرشه‪ ،‬وفي نزوله إلى السماء الدنيا‪.‬‬
‫فمصطلح التجسيم درسه شيخ اإلسالم رحمه هللا باستيعاب من حيث نشأته التاريخية في اإلسالم وقبل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وبيّن أقوال الناس في معنى الجسم‪ ،‬ثم ناقش هذه األقوال مبينا ً وجه الخطأ والصواب فيها‪،‬‬
‫وف ّ‬
‫صل في مناقشة لفظة الجسم من حيث اللغة‪ ،‬والشرع‪ ،‬والعقل‪ \،‬وبين موقف السلف من إطالق لفظ‬
‫الجسم على هللا‪.‬‬
‫فذكر شيخ اإلسالم رحمه هللا أن اليهود من غالة المجسمة ‪ ،‬وأنهم سلف المجسمة‪ ،‬وأما في اإلسالم فإن‬
‫بداية ظهور التجسيم كان من قِبل بعض الشيعة كهشام بن الحكم (ت ‪190 -‬هـ) وهشام الجواليقي يقول\ ابن‬
‫تيمية رحمه هللا‪:‬‬
‫(وأول ما ظهر إطالق لفظ الجسم من متكلمة الشيعة كهشام بن الحكم) ‪.‬‬
‫وفصل رحمه هللا في معنى الجسم من حيث اللغة‪ ،‬مبينا ً أن معناه هو‪ :‬البدن والجسد ناقالً عن أئمة اللغة‬
‫إثبات ذلك‪ ،‬مثل قول أبي زيد األنصاري‪( :  ‬الجسم‪ :‬الجسد وكذلك الجسمان والجثمان) ‪.‬‬
‫وقال األصمعي‪( :  ‬الجسم والجثمان‪ :‬الجسد‪ ،‬والجثمان‪ :‬الشخص‪ ،‬واألجسم‪ :‬األضخم بالبدن) ‪.‬‬
‫وقال ابن السكيت‪( :  ‬تجسمت األمر‪ :‬أي ركبت أجسمه‪ ،‬وجسيمه أي‪ :‬معظمه‪ ،‬وكذلك تجسمت الرمل‬
‫والجبل‪ :‬أي ركبت أجسمه) ‪.‬‬
‫قال عامر بن الطفيل ‪:‬‬
‫وقد علم الحي بن عامر *** بأن لنا ذروة األجسم‬
‫وبين ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬أن (الجسم قد يراد به الغلظ نفسه‪ ،‬وهو عرض قائم بغيره‪ ،‬وقد يراد به الشيء‬
‫الغليظ‪ ،‬وهو القائم بنفسه‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا الثوب له جسم أي‪ :‬غلظ‪ ،‬وقوله؛ { َوزَا َدهُ بَ ْسطَةً فِي ْال ِع ْل ِم َو ْال ِجس ِْم }‬
‫[البقرة‪ ] 247 :‬قد يحتج به على هذا‪ ،‬فإنه قرن الجسم بالعلم الذي هو مصدر‪ ،‬فنقول المعنى‪ :‬زاده بسطة‪:‬‬
‫في قدره فجعل قدر بدنه أكبر من بدن غيره‪ ،‬فيكون الجسم هو القدر نفسه ال نفس المقدر‪.‬‬
‫ك َأجْ َسا ُمهُ ْم } [المنافقون‪ ، ]4 :‬أي صورهم القائمة بأبدانهم كما تقول‪ :‬أعجبني حسنه‬ ‫وكذلك قوله‪ { :‬تُع ِ‬
‫ْجبُ َ‬
‫وجماله ولونه وبهاؤه‪ ،‬فقد يراد صفة األبدان‪ ،‬وقد يراد نفس األبدان‪،‬وهم إذا قالوا‪ :‬هذا أجسم من هذا‬
‫أرادوا أنه أغلظ وأعظم منه‪ ،‬أما كونهم يريدون بذلك أن ذلك العظم والغلظ كان لزيادة األجزاء‪ ،‬فهذا مما‬
‫يعلم قطعا ً بأنه لم يخطر ببال أهل اللغة) ‪.‬‬
‫وأما من حيث الشرع فقد بين أنه لم يُنقل في الشرع وال عن األنبياء السابقين وال عن الصحابة‪ ،‬وال عن‬
‫التابعين ومن تبعهم من سلف األمة إثبات هذا اللفظ أو نفيه‪.‬‬
‫قال رحمه هللا‪( :‬وأما الشرع فالرسل وأتباعهم الذين من أمة موسى وعيسى ومحمد صلّى هللا عليه وسلّم لم‬
‫يقولوا‪ :‬إن هللا جسم‪ ،‬وال إنه ليس بجسم‪ ،‬وال إنه جوهر وال إنه ليس بجوهر‪ ،‬لكن النزاع اللغوي والعقلي\‬
‫والشرعي في هذه األسماء هو بما أحدث في الملل الثالث بعد انقراض الصدر األول من هؤالء وهؤالء‬
‫وهؤالء) ‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬والذي اتفقت عليه الرسل وأتباعهم‪ ،‬ما جاء به القرآن والتوراة‪ :‬من أن هللا موصوف\ بصفات‬
‫الكمال‪ ،‬وأنه ليس كمثله شيء‪ ،‬فال تمثل صفاته بصفات المخلوقين‪ ،‬مع إثبات ما أثبته لنفسه من‬
‫الصفات) ‪.‬‬
‫وقال رحمه هللا‪( :‬وأما الشرع‪ :‬فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من األنبياء وال الصحابة وال التابعين وال سلف‬
‫األمة أن هللا جسم‪ ،‬أو أن هللا ليس بجسم‪ ،‬بل النفي واإلثبات بدعة في الشرع) ‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬أيضا ً ‪( :-‬وأما من ال يطلق على هللا اسم الجسم كأئمة الحديث‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والتصوف‪ ،‬والفقه‪ ،‬مثل‬
‫األئمة األربعة وأتباعهم‪ ،‬وشيوخ المسلمين المشهورين في األمة‪ ،‬ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم‬
‫بإحسان فهؤالء ليس فيهم من يقول‪ :‬إن هللا جسم‪ ،‬وإن كان أيضاً‪ :‬ليس من السلف واألئمة من قال‪ :‬إن هللا‬
‫ليس بجسم) ‪.‬‬
‫وبين رحمه هللا سبب عدم إطالق السلف لفظ الجسم ال نفيا ً وال إثباتا ً أنه لوجهين‪:‬‬
‫( أحدهما‪ :‬أنه ليس مأثوراً ال في كتاب وال سنة‪ ،‬وال أثر عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان‪ ،‬وال‬
‫غيرهم من أئمة المسلمين‪ ،‬فصار من البدع المذمومة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن معناه يدخل فيه حق وباطل‪ ،‬فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص والتمثيل ما هو باطل‪ ،‬والذين‬
‫نفوه أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو باطل) ‪.‬‬
‫وعن سؤال افترضه هل جوابه موجود في الكتاب والسنة أم ال؟ وهو‪ :‬هل هللا جسم أم ليس بجسم؟ قال‪:‬‬
‫(فإذا قال السائل‪ :‬هل هللا جسم أم ليس بجسم؟ لم نقل‪ :‬إن جواب هذا السؤال ليس في الكتاب والسنة‪ ،‬مع‬
‫قول القائل‪ :‬إن هذا السؤال موجود في فطر الناس بالطبع‪ ،‬وهللا تعالى يقول‪ْ { :‬اليَوْ َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم‬
‫ُض َّل قَوْ ما ً بَ ْع َد ِإ ْذ‬
‫يت لَ ُك ُم اِأْل سْال َم ِدينا ً } [المائدة‪ ، ]3 :‬وقال‪َ { :‬و َما َكانَ هَّللا ُ لِي ِ‬
‫ض ُ‬ ‫َوَأ ْت َم ْم ُ‬
‫ت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬
‫هَدَاهُ ْم َحتَّى يُبَيِّنَ لَهُ ْم َما يَتَّقُونَ } [التوبة‪. ]115 :‬‬
‫ى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى لِ ْل ُم ْسلِ ِمينَ } [النحل‪. ]89 :‬‬ ‫ك ْال ِكت َ‬
‫َاب تِ ْبيَانا ً لِ ُكلِّ َش ْي ٍء َوهُد ً‬ ‫وقال‪َ { :‬ونَ َّز ْلنَا َعلَ ْي َ‬
‫ى َو َرحْ َمةً لِقَوْ ٍم‬ ‫ق الَّ ِذي بَ ْينَ يَ َد ْي ِه َوتَ ْف ِ‬
‫صي َ\ل ُكلِّ َش ْي ٍء َوهُد ً‬ ‫وقال‪َ { :‬ما َكانَ َح ِديثا ً يُ ْفتَ َرى َولَ ِك ْن تَصْ ِدي َ‬
‫يُْؤ ِمنُونَ } [يوسف‪. ]111 :‬‬
‫ضلُّ َواَل يَ ْشقَى * َو َم ْن َأ ْع َر َ‬
‫ض عَن ِذ ْك ِري فَِإ َّن لَهُ‬ ‫وقال‪ { :‬فَِإ َّما يَْأتِيَنَّ ُكم ِّمنِّي هُدًى فَ َم ِن اتَّبَ َع هُدَا َ‬
‫ي فَاَل يَ ِ‬
‫ك َأتَ ْت َ‬
‫ك‬ ‫صيراً * قَا َل َك َذلِ َ‬ ‫ضنكا ً َونَحْ ُش ُرهُ يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة َأ ْع َمى * قَا َل َربِّ لِ َم َحشَرْ تَنِي َأ ْع َمى َوقَ ْد ُك ُ‬
‫نت بَ ِ‬ ‫َم ِعي َشةً َ‬
‫ك ْاليَوْ َم تُن َسى} [طه‪. ]126 - 123 :‬‬ ‫آيَاتُنَا فَن َِسيتَهَا َو َك َذلِ َ‬
‫وقال‪ { :‬اتَّبِعُوا َما ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْي ُك ْم ِم ْن َربِّ ُك ْم َوال تَتَّبِعُوا ِم ْن دُونِ ِه َأوْ لِيَا َء} [األعراف‪. ) ]3 :‬‬
‫ثم ذكر آيات كثيرة وقال‪( :‬ومثل هذا في القرآن كثير‪ ،‬مما يبين هللا فيه أن كتابه مبيِّن للدين كله‪ ،‬موضح‬
‫كاف لمن اتبعه‪ ،‬ال يحتاج معه إلى غيره يجب اتباعه دون اتباع غيره من السبل) ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لسبيل الهدى‪،‬‬
‫ثم شرع في ذكر بعض األحاديث الدالة على أن الرسول صلّى هللا عليه وسلّم بين الحق‪ ،‬وترك األمة على‬
‫المحجة البيضاء‪ ،‬ومنها قول النبي صلّى هللا عليه وسلّم في خطبته‪( :‬إن خير الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير‬
‫الهدي هدي محمد‪ ،‬وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل بدعة ضاللة) ‪.‬‬
‫وكان يقول‪( :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬تمسكوا بها وعضوا عليها‬
‫بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات األمور فإن كل بدعة ضاللة) ‪.‬‬
‫وكان يقول‪( :‬تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها‪ ،‬ال يزيغ عنها بعدي إال هالك) ‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬فكيف يكون هذا ‪ -‬مع هذا البيان والهدى ‪ -‬ليس فيما جاء به جواب عن هذه المسألة‪ ،‬وال بيان‬
‫الحق فيها من الباطل‪ ،‬والهدى من الضالل؟ بل كيف يمكن أن يسكت عن بيان األمر ولو لم يسأله الناس؟)‬
‫‪.‬‬
‫وبين وجوب اعتقاد الحق فيها‪ ،‬ثم شنع على الذين يقولون‪ :‬إن جواب هذا السؤال وأمثاله ليس في الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬ووصفهم بأنهم (الذين يُعرضون عن طلب الهدى من الكتاب والسنة‪ ،‬ثم يتكلم كل منهم برأيه ما‬
‫يخالف الكتاب والسنة‪ ،‬ثم يتأول آيات الكتاب على مقتضى\ رأيه‪ ،‬فيجعل أحدهم ما وصفه برأيه هو أصول‬
‫الدين الذي يجب اتباعه‪ ،‬ويتأول القرآن والسنة على وفق ذلك‪ ،‬فيتفرقون ويختلفون) ‪.‬‬
‫وبين شيخ اإلسالم أن لفظ الجسم مجمل يحتاج إلى استفصال‪.‬‬
‫فإن ُأريد بالجسم‪ :‬الموجود القائم بنفسه‪ ،‬المتصف بالصفات‪ \،‬فهذا المعنى حق‪ ،‬لكن الخطأ إنما هو في‬
‫اللفظ‪.‬‬
‫وإن أريد غير ذلك من المعاني في معنى الجسم كأن يقال‪ :‬هو ما يشار إليه‪ ،‬أو المركب‪ ،‬أو غير ذلك فإنه‬
‫معنى باطل ولفظ مردود ‪.‬‬
‫وأما دعوى أن ابن تيمية رحمه هللا يقول بأن هللا جسم ال كاألجسام‪ ،‬فغير صحيحة‪ ،‬وهذه نصوص ابن‬
‫تيمية الصريحة في رد هذه المقولة‪ ،‬وتخطئة من قالها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫قوله حين قال له أحد كبار مخالفيه بجواز أن يقال‪ :‬هو جسم ال كاألجسام‪:‬‬
‫(إنما قيل‪ :‬إنه يوصف هللا بما وصف به نفسه‪ ،‬وبما وصفه به رسوله صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وليس في‬
‫الكتاب والسنة أن هللا جسم حتى يلزم هذا السؤال) ‪.‬‬
‫وحكم على القائل بهذا القول\ أنه مشبه‪ ،‬بقوله‪( :‬فمن قال هو جسم ال كاألجسام كان مشبهاً‪ ،‬بخالف من قال‪:‬‬
‫حي ال كاألحياء) ‪.‬‬
‫وذكر أن القائلين بهذه المقولة هم طوائف من أهل الكالم المتقدمين والمتأخرين فقال عن إثباتهم صفات هللا‬
‫ع ّز وجل‪( :‬يثبتون هذه الصفات‪ \،‬ويثبتون ما ينفيه النفاة لها‪ ،‬ويقولون‪ :‬هو جسم ال كاألجسام‪ ،‬ويثبتون‬
‫المعاني التي ينفيها أولئك بلفظ الجسم) ‪.‬‬
‫وذكر أن القائل بهذه المقولة هم علماء المجسمة ‪.‬‬
‫وقال رحمه هللا‪( :‬وأما المعنى الخاص الذي يعنيه النفاة والمثبتة‪ ،‬الذين يقولون‪ :‬هو جسم ال كاألجسام‪ ،‬فهذا‬
‫مورد النزاع بين أئمة الكالم وغيرهم‪ ،‬وهو الذي يتناقض سائر الطوائف من نفاته إلثبات ما يستلزمه‪ ،‬كما‬
‫يتناقض مثبتوه مع نفي لوازمه‪.‬‬
‫ولهذا كان الذي عليه أئمة اإلسالم أنهم ال يطلقون األلفاظ المبتدعة المتنازع فيها ال نفياً‪ ،‬وال إثباتاً‪ ،‬إال بعد‬
‫االستفسار والتفصيل‪ :‬فيثبت ما أثبته الكتاب والسنة من المعاني‪ ،‬وينفي ما نفاه الكتاب والسنة من المعاني)‬
‫‪.‬‬
‫وبين رحمه هللا في مقولة‪( :‬إن هللا ذو جسم وأعضاء وجوارح) أنها كالم باطل ‪.‬‬
‫وأما ألفاظ (التشبيه والتمثيل) فقد بين شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬أقوال الناس في الفرق‬
‫بينها‪ :‬هل هي بمعنى واحد أو معنيين؟‪ ،‬وأنها قوالن‪:‬‬
‫( أحدهما‪ :‬أنهما بمعنى واحد‪ ،‬وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقا ً ومقيداً يدل عليه لفظ الشبه‪ ،‬وهذا قول‬
‫طائفة من النظار‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن معناها مختلف عند اإلطالق لغة‪ ،‬وشرعاً‪ ،‬وعقالً‪ ،‬وإن كان مع التقييد والقرينة يراد بأحدهما‬
‫ما يراد باآلخر‪ ،‬وهذا قول أكثر الناس) ‪.‬‬
‫وبين سبب االختالف‪ ،‬وأنه مبني على مسألة عقلية وهي‪ :‬أنه هل يجوز أن يشبه الشي ُء الشي َء من وجه‬
‫دون وجه‪ ،‬وذكر رحمه هللا أن للناس في ذلك قولين‪( :‬فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال‪ :‬المثل‬
‫والشبه واحد‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه‪ ،‬ف ّرق بينهما عند اإلطالق وهذا قول جمهور‬
‫الناس) ‪.‬‬
‫وبين قول المخالفين في عدم التفريق بين التشبيه والتمثيل وهو‪ :‬امتناع كون الشيء يشبه غيره من وجه‬
‫ويخالفه من وجه‪ ،‬بل عندهم كل مختلفين كالسواد والبياض فإنهما لم يشتبها من وجه‪ ،‬وكل مشتبيهن‬
‫كاألجسام عندهم‪ ،‬يقولون بتماثلها‪ ،‬فإنها متماثلة عندهم من كل وجه ال اختالف بينها إال في أمور عارضة‬
‫لها ‪.‬‬
‫فاألجسام متماثلة من كل وجه‪ ،‬وأما األعراض المختلفة واألجناس ‪ -‬كالسواد والبياض ‪ -‬فمختلفة من كل‬
‫وجه ‪.‬‬
‫وبين نتيجة هذا القول وأنه‪( :‬كل من أثبت ما يستلزم التجسيم في اصطالحهم فهو مشبه ممثل) ‪.‬‬
‫وذكر أن القائل بهذا كثير من أهل الكالم من المعتزلة واألشعرية‪ ،‬ومن وافقهم من الصفاتية كالباقالني ‪،‬‬
‫وأبي يعلى ‪ ،‬وأبي المعالي ‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫وناقش هؤالء نقاشا ً عقليا ً ولغوياً‪ ،‬وشرعيا ً بقوله‪:‬‬
‫(فإن العقل يعلم أن األعراض مثل األلوان‪ ،‬تشتبه في كونها ألوانا ً مع أن السواد ليس مثل البياض‪ ،‬وكذلك‬
‫األجسام والجواهر عند جمهور العقالء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر‪ ،‬وإن كانت حقائقها ليست‬
‫متماثلة‪ ،‬فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب‪ ،‬وال حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان‪ ،‬وال حقيقة النار‬
‫مماثلة لحقيقة الماء‪ ،‬وإن اشتركا في أن كالً منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه) ‪.‬‬
‫(وأيضا ً فمعلوم في اللغة أنه يقال‪ :‬هذا يشبه هذا‪ ،‬وفيه شبه من هذا‪ ،‬إذا أشبهه من بعض الوجوه‪ ،‬وإن كان‬
‫مخالفا ً له في الحقيقة‪.‬‬
‫قال هللا تعالى‪َ { :‬وُأتُوا بِ ِه ُمتَ َشابِها ً } [البقرة‪. ]25 :‬‬
‫ات فََأ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِه ْم َز ْي ٌغ فَيَتَّبِعُونَ َما تَ َشابَهَ ِم ْنهُ‬ ‫ب َوُأ َخ ُر ُمتَ َشابِهَ ٌ‬ ‫ات ه َُّن ُأ ُّم ْال ِكتَا ِ‬‫ات ُمحْ َك َم ٌ‬‫وقال‪ِ { :‬م ْنهُ آيَ ٌ‬
‫ا ْبتِغَا َء ْالفِ ْتنَ ِة َوا ْبتِغَا َء تَْأ ِويلِ ِه } [آل عمران‪. ]7 :‬‬
‫ت‬ ‫وقال‪َ { :‬وقَا َل الَّ ِذينَ ال يَ ْعلَ ُمونَ لَوْ ال يُ َكلِّ ُمنَا هَّللا ُ َأوْ تَْأتِينَا آيَةٌ َك َذلِ َ‬
‫ك قَا َل الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم ِم ْث َل قَوْ لِ ِه ْم تَ َشابَهَ ْ‬
‫قُلُوبُهُ ْم } [البقرة‪. ]118 :‬‬
‫فوصف القولين بالتماثل‪ ،‬والقلوب بالتشابه ال بالتماثل‪ ،‬فإن القلوب وإن اشتركت في هذا القول فهي مختلفة‬
‫ال متماثلة‪.‬‬
‫وقال النبي صلّى هللا عليه وسلّم‪« :‬إن الحالل بيّن‪ ،‬وإن الحرام بيّن‪ ،‬وبين ذلك أمور متشابهات ال يعلمهن‬
‫كثير من الناس» ‪.‬‬
‫فدل على أنه يعلمها بعض الناس‪ ،‬وهي في نفس األمر ليست متماثلة‪ ،‬بل بعضها حرام وبعضها حالل) ‪.‬‬
‫وأما لفظ (الحشوية) فقد بيّن شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا أن هذا اللفظ ليس له مسمى معروف ال في‬
‫الشرع‪ ،‬وال في اللغة‪ ،‬وال في العرف العام‪ ،‬وليس فيه ما يدل على شخص معين‪ ،‬وال مقالة معينة‪ ،‬فال‬
‫يدرى من هم هؤالء؟‬
‫ويذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد ‪ ،‬حيث قال‪ :‬كان عبد هللا بن عمر ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪-‬‬
‫حشوياً‪.‬‬
‫وأصل ذلك أن كل طائفة قالت قوالً تخالف به الجمهور والعامة فإنها تنسب قول المخالف لها إلى أنه قول‬
‫الحشوية‪ :‬أي الذين هم حش ٌو في الناس ليسوا من المتأهلين عندهم‪.‬‬
‫فالمعتزلة تسمي من أثبت القدر حشوياً‪ ،‬والجهمية يسمون مثبتة الصفات حشوية‪ ،‬والقرامطة ‪ -‬كأتباع‬
‫الحاكم ‪ -‬يسمون من أوجب الصالة والزكاة والصيام والحج حشوياً‪.‬‬
‫وأهل هذا المصطلح يعنون به حين يطلقونه‪ :‬العامة الذين هم حشو‪ ،‬كما تقول الرافضة عن مذهب أهل‬
‫السنة مذهب الجمهور ‪.‬‬
‫وحين رد شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا على الرافضي في كتابه (منهاج السنة النبوية) قوله عن جماعة‬
‫من الحشوية والمشبهة‪ :‬إن هللا تعالى جسم‪ ،‬له طول وعرض وعمق‪ ،‬وأنه يجوز عليه المصافحة‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫استفصل رحمه هللا في المراد بالحشوية فقال‪:‬‬
‫(فإن كان مراده بالحشوية‪ :‬طائفة من أصحاب األئمة األربعة دون غيرهم‪ ،‬كأصحاب أحمد أو الشافعي‪ ،‬أو‬
‫مالك‪ ،‬فمن المعلوم أن هذه المقاالت ال توجد فيهم أصالً‪ ،‬بل هم يكفّرون من يقولها‪...‬‬
‫وإن كان مراده بالحشوية‪ :‬أهل الحديث على اإلطالق‪ :‬سواء كانوا من أصحاب هذا أو هذا‪ ،‬فاعتقاد أهل‬
‫الحديث‪ :‬هو السنة المحضة؛ ألنه هو االعتقاد الثابت عن النبي صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وليس في اعتقاد أحد‬
‫من أهل الحديث شيء من هذا‪ ،‬والكتب شاهدة بذلك‪.‬‬
‫وإن كان مراده بالحشوية‪ :‬عموم أهل السنة والجماعة مطلقاً‪ :‬فهذه األقوال ال تعرف في عموم المسلمين‬
‫وأهل السنة) ‪.‬‬
‫وأما نزول الباري ع ّز وجل إلى السماء الدنيا‪ ،‬واستواؤه على عرشه سبحانه وتعالى‪ ،‬فليس في نصوص‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا ما يثبت أنه يشبّه نزول الرب بنزول المخلوقين‪ ،‬واستواءه باستوائهم‪ ،‬بل‬
‫نصوصه صريحة في نفي المماثلة والمشابهة في غير موضع‪.‬‬
‫فحين تحدث عن منهج الوسطية عند أهل السنة والجماعة في باب األسماء والصفات قال‪:‬‬
‫(ويعلمون مع ذلك أنه ال مثيل له في شيء من صفات الكمال‪ ،‬فال أحد يعلم كعلمه‪ ،‬وال يقدر كقدرته‪ ،‬وال‬
‫يرحم كرحمته‪ ،‬وال يسمع كسمعه‪ ،‬وال يبصر كبصره‪ ،‬وال يخلق كخلقه‪ ،‬وال يستوي كاستوائه‪ ،‬وال يأتي‬
‫كإتيانه‪ ،‬وال ينزل كنزوله كما قال تعالى‪ { :‬قُلْ هُ َو هَّللا ُ َأ َح ٌد * هَّللا ُ ال َّ‬
‫ص َم ُد * لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَ ْد * َولَ ْم يَ ُكن لَّهُ‬
‫ُكفُواً َأ َح ٌد} [اإلخالص] ) ‪.‬‬
‫وفي معرض رده على من ينفي الصفات الفعلية‪ ،‬بحجة أنها تستلزم التجسيم‪ ،‬صاغ قول المخالف وقوله‬
‫على هيئة حوار قائالً‪:‬‬
‫(فإذا قيل‪ :‬سمعه ليس كسمعنا‪ ،‬وبصره ليس كبصرنا‪ ،‬وإرادته ليست كإرادتنا‪ ،‬وكذلك علمه وقدرته‪.‬‬
‫قيل له‪ :‬وكذلك رضاه ليس كرضانا‪ ،‬وغضبه ليس كغضبنا‪ ،‬وفرحه ليس كفرحنا‪ ،‬ونزوله واستواؤه ليس‬
‫كنزولنا واستوائنا) ‪.‬‬
‫وقال عن االستواء‪:‬‬
‫(وكذلك ما أخبر به عن نفسه من استوائه على العرش‪ ،‬ومجيئه في ظلل من الغمام‪ ،‬وغير ذلك من هذا‬
‫الباب‪ ،‬ليس استواؤه كاستوائهم‪ ،‬وال مجيئه كمجيئهم) ‪.‬‬
‫وقال عن النزول ناقالً عن اإلمام أحمد بن حنبل (ت ‪241 -‬هـ) رحمه هللا في رسالته إلى مسدد‪  ‬أن النزول‬
‫ال تعلم كيفيته‪:‬‬
‫(وهم متفقون على أن هللا ليس كمثله شيء‪ ،‬وأنه ال يُعلم كيف ينزل‪ ،‬وال تمثل صفاته بصفات خلقه) ‪.‬‬
‫وحكم على من مثل استواء هللا ونزوله باستواء المخلوقين ونزولهم بأنه مبتدع ضال ‪.‬‬
‫وقد أطال النفس رحمه هللا في الجواب عن شبهة أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم‪ ،‬مبينا ً قبل ذلك قاعدة‬
‫مهمة وهي‪ :‬أن كل من نفى شيئا ً قال لمن أثبته إنه مجسم ومشبه‪ ،‬فغالة الباطنية‪ ،‬نفاة األسماء‪ ،‬يسمون من‬
‫سمى هللا بأسمائه الحسنى مشبها ً ومجسماً‪ ،‬فيقولون‪ :‬إذا قلنا حي عليم‪ ،‬فقد شبهناه بغيره من األحياء‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وكذلك إذا قلنا‪ :‬هو سميع بصير‪ ،‬فقد شبهناه باإلنسان السميع البصير‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم‪ ،‬بل قالوا‪ :‬إذا قلنا‪ :‬إنه موجود فقد شبهناه بسائر‬
‫الموجودات‪ ،‬الشتراكهما في مسمى الوجود ‪.‬‬
‫ومثبتة األسماء دون الصفات من المعتزلة ونحوهم‪ ،‬يقولون لمن أثبت الصفات‪ :‬إنه مجسم‪ ،‬ومثبتة‬
‫الصفات دون ما يقوم به من األفعال االختيارية يقولون لمن أثبت ذلك‪ :‬إنه مجسم‪ ،‬وكذلك سائر النفاة ‪.‬‬
‫وبين رحمه هللا مذهب أهل السنة والجماعة في األسماء والصفات‪ :‬وأنه وسط بين التعطيل والتمثيل في‬
‫مواضع متعددة من كتبه‪:‬‬
‫فقال‪( :‬أهل السنة والجماعة في اإلسالم ‪ -‬كأهل اإلسالم في الملل ‪ -‬فهم وسط في باب صفات هللا ع ّز وجل‬
‫بين أهل الجحد والتعطيل‪ ،‬وبين أهل التشبيه والتمثيل؛ يصفون هللا بما وصف به نفسه‪ ،‬وبما وصفه به‬
‫رسوله من غير تعطيل وال تمثيل‪ ،‬إثباتا ً لصفات الكمال‪ ،‬وتنزيها ً له عن أن يكون له فيها أنداد وأمثال‪،‬‬
‫ْس َك ِم ْثلِ ِه َش ْي ٌء} [الشورى‪ ، ]11 :‬رد على‬
‫إثبات بال تمثيل‪ ،‬وتنزيه بال تعطيل‪ ،‬كما قال تعالى‪ { :‬لَي َ‬
‫الممثلة‪َ { :‬وهُ َو ال َّس ِمي ُع ْالبَ ِ‬
‫صي ُر } [الشورى‪ ، ]11 :‬رد على المعطلة‪.‬‬
‫ص َم ُد * لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَ ْد * َولَ ْم يَ ُكن لَّهُ ُكفُواً َأ َح ٌد } [اإلخالص] ) ‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ { :‬قُلْ هُ َو هَّللا ُ َأ َح ٌد * هَّللا ُ ال َّ‬
‫وذكر أن ما نفاه المعطلة من األسماء والصفات ثابت بالشرع والعقل‪ \،‬وأن تسميتهم لما أثبته غيرهم تشبيه‬
‫وتجسيم‪ ،‬إنما هو تمويه على الجهال‪.‬‬
‫وبين أن التمثيل والتشبيه المنهي عنه في األسماء والصفات للباري ع ّز وجل هو‪ :‬ما يستلزم االشتراك بين‬
‫الخالق والمخلوق فيما يختص به الخالق‪ ،‬مما يختص بوجوبه أو جوازه أو امتناعه‪ ،‬فال يجوز أن يشركه‬
‫فيه مخلوق ‪.‬‬
‫ويوضح أس المشكلة عند النفاة وهي‪ :‬قياس الخالق بالمخلوق‪ ،‬فلو كان الخالق ع ّز وجل عندهم متصفا ً‬
‫بالصفات‪ ،‬لكان مماثالً للمخلوق المتصف بالصفات‪ \،‬ويخلص إلى نتيجة وهي‪ :‬أن هذا القول في غاية‬
‫الفساد؛ ألن تشابه الشيئين من بعض الوجوه‪ ،‬ال يقتضي\ تماثلهما في جميع األشياء‪.‬‬
‫ولو كان إثبات الصفات يقتضي التجسيم؛ لكان الرسول صلّى هللا عليه وسلّم إلى إنكار ذلك أسبق‪ ،‬وهو به‬
‫أحق‪ ،‬وإن كان الطريق إلى نفي العيوب والنقائص‪ ،‬ومماثلة الخالق لخلقه هو ما في ذلك من التجسيد‬
‫والتجسيم؛ كان إنكار ذلك بهذا الطريق هو الصراط المستقيم كما فعله من أنكر ذلك بهذا الطريق من‬
‫القائلين بموجب ذلك من أهل الكالم‪ ،‬فلما لم ينطق النبي صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وال أصحابه والتابعون‬
‫بحرف من ذلك‪ ،‬بل كان من نطق به موافقا ً مصدقا ً لذلك ‪.‬‬
‫والقرآن الكريم بيّن الفرق بين الخالق والمخلوق‪ ،‬وأنه ال يجوز أن يسوى بين الخالق والمخلوق في شيء‪،‬‬
‫ُون هَّللا ِ َأ ْندَاداً ي ُِحبُّونَهُ ْم َكحُبِّ هَّللا ِ َوالَّ ِذينَ‬
‫اس َم ْن يَتَّ ِخ ُذ ِم ْن د ِ‬
‫فيجعل المخلوق نداً للخالق‪ .‬قال تعالى‪َ { :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫آ َمنُوا َأ َش ُّد ُحبّا ً هَّلِل ِ } [البقرة‪. ]165 :‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬هَلْ تَ ْعلَ ُم لَهُ َس ِميّا ً } [مريم‪. ]65 :‬‬
‫وا نِ ْع َمةَ هّللا ِ الَ تُحْ صُوهَا ِإ َّن هّللا َ لَ َغفُو ٌر‬
‫ق َأفَال تَ َذ َّكرُونَ * وَِإن تَ ُع ُّد ْ‬ ‫وقال تعالى‪َ { :‬أفَ َمن يَ ْخلُ ُ‬
‫ق َك َمن الَّ يَ ْخلُ ُ‬
‫ُون هّللا ِ الَ يَ ْخلُقُونَ َشيْئا ً َوهُ ْم ي ُْخلَقُونَ *‬
‫َّحي ٌم * َوهّللا ُ يَ ْعلَ ُم َما تُ ِسرُّ ونَ َو َما تُ ْعلِنُونَ * َوالَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ ِمن د ِ‬
‫ر ِ‬
‫وات َغ ْي ُر َأحْ يَاء َو َما يَ ْش ُعرُونَ َأيَّانَ يُ ْب َعثُونَ } [النحل‪. ]21 - 17 :‬‬
‫َأ ْم ٌ‬
‫قال رحمه هللا في بيان لوازم التماثل بين الخالق والمخلوق‪ ،‬وأن التماثل غير ممكن‪:‬‬
‫(وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على اآلخر‪ ،‬ويجب له ما يجب له‪ ،‬ويمتنع عليه ما‬
‫يمتنع عليه‪ ،‬فلو كان المخلوق مماثالً للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع‪ ،‬والخالق يجب‬
‫وجوده وقدمه‪ ،‬والمخلوق يستحيل وجوبه وقدمه‪ ،‬بل يجب حدوثه وإمكانه‪ ،‬فلو كانا متماثلين للزم‬
‫اشتراكهما في ذلك‪ ،‬فكان كل منهما يجب وجوده وقدمه‪ ،‬ويمتنع وجوب وجوده وقدمه‪ ،‬ويجب حدوثه‬
‫وإمكانه‪ ،‬فيكون كل منهما واجب القدم واجب الحدوث‪ ،‬واجب الوجود ليس واجب الوجود‪ ،‬يمتنع قدمه ال‬
‫يمتنع قدمه‪ ،‬وهذا جمع بين النقيضين) ‪.‬‬
‫ومن رده رحمه هللا على من توهم أن مدلول نصوص الصفات\ هو التمثيل‪ ،‬بين أنه يقع في أربعة أنواع‬
‫من المحاذير‪:‬‬
‫األول‪ :‬كونه مثّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين‪ ،‬وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها\ وعطله‪ ،‬بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات‬
‫الالئقة باهلل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه ينفي تلك الصفات عن هللا بغير علم‪ ،‬فيكون معطالً لما يستحقه الرب تعالى‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات‪ ،‬أو صفات المعدومات ‪.‬‬
‫وتوسع رحمه هللا في بيان قاعدة (اتفاق األسماء والصفات ال يستلزم اتفاق المسميات والموصوفات عند‬
‫اإلضافة والتقييد والتخصيص)‪.‬‬
‫ففي األسماء‪ :‬سمى هللا نفسه حيا ً بقوله‪{ :‬هَّللا ُ ال ِإلَهَ ِإاَّل هُ َو ْال َح ُّي ْالقَيُّو ُم } [البقرة‪. ]255 :‬‬
‫وت} [الفرقان‪. ]58 :‬‬ ‫وبقوله‪َ { :‬وتَ َو َّكلْ َعلَى ْال َح ِّي الَّ ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫وسمى بعض عباده حيا ً بقوله‪ { :‬ي ُْخ ِر ُج ْال َح َّي ِمنَ ْال َميِّ ِ‬
‫ت} [يونس‪. ]31 :‬‬
‫مع العلم أنه ليس الحي كالحي؛ ألن قوله‪( :‬الحي) اسم هلل مختص به‪ ،‬وقوله‪ { :‬ي ُْخ ِر ُج ْال َح َّي ِمنَ ْال َميِّ ِ‬
‫ت}‬
‫[يونس‪ ، ] 31 :‬اسم للحي المخلوق المختص به‪ ،‬وإنما يتفقان إذا أطلقا‪ ،‬وجردا عن التخصيص‪.‬‬
‫ك ْالقُ ُّدوسُ } [الحشر‪ ، ]23 :‬وسمى بعض عباده الملك فقال‪َ { :‬وقَا َل ْال َملِ ُ‬
‫ك‬ ‫وسمى نفسه بالملك‪ْ :‬‬
‫{ال َملِ ُ‬
‫اْئتُونِي بِ ِه } [يوسف‪ ، ]50 :‬وليس الملك كالملك‪.‬‬
‫وسمى نفسه العزيز الجبار المتكبر فقال‪ْ { :‬ال َع ِزي ُز ْال َجبَّا ُر ْال ُمتَ َكبِّ ُر } [الحشر‪. ]23 :‬‬

‫ت ْال َع ِز ِ‬
‫يز} [يوسف‪ ، ]51 :‬وسمى بعض خلقه بالجبار‬ ‫ت ا ْم َرَأ ُ‬
‫وسمى بعض خلقه العزيز فقال‪ { :‬قَالَ ِ‬
‫ب ُمتَ َكب ٍِّر َجب ٍ‬
‫َّار } [غافر‪. ]35 :‬‬ ‫ك يَ ْ‬
‫طبَ ُع هَّللا ُ َعلَى ُكلِّ قَ ْل ِ‬ ‫المتكبر فقال‪َ { :‬ك َذلِ َ‬
‫ض ال ُّد ْنيَا‬
‫وفي الصفات‪ :‬وصف ‪ -‬سبحانه ‪ -‬نفسه باإلرادة‪ ،‬ووصف عباده باإلرادة فقال‪ { :‬تُ ِري ُدونَ َع َر َ‬
‫َوهَّللا ُ ي ُِري ُد اآْل ِخ َرةَ َوهَّللا ُ ع ِ‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم} [األنفال‪. ]67 :‬‬
‫ووصف\ نفسه بالمشيئة‪ ،‬ووصف\ بعض عباده بالمشيئة بقوله‪ { :‬لِ َمن َشاء ِمن ُك ْم َأن يَ ْستَقِي َم * َو َما تَشَاُؤ ونَ‬
‫ِإاَّل َأن يَ َشا َء هَّللا ُ َربُّ ْال َعالَ ِمينَ } [التكوير‪. ]29 - 28 :‬‬
‫ت َأ ْي ِدينَا َأ ْن َعاما ً فَهُ ْم لَهَا َمالِ ُكونَ } [يس‪]71 :‬‬
‫ووصف\ نفسه بالعمل بقوله‪َ { :‬أ َولَ ْم يَ َروْ ا َأنَّا خَ لَ ْقنَا لَهُ ْم ِم َّما َع ِملَ ْ‬
‫‪.‬‬
‫ووصف\ عباده بالعمل بقوله‪َ { :‬جزَا ًء بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ } [السجدة‪. ]17 :‬‬
‫إلى غيرها من األسماء والصفات\ الدالة على أن تماثل األسماء والصفات ال يعني تماثل المسمى‬
‫والموصوف\ عند اإلطالق (‪.)144‬‬
‫وقد أجابت إحدى الباحثات عن رمي ابن تيمية رحمه هللا بالتجسيم‪ ،‬بأن نصوص كتب ابن تيمية تدل داللة‬
‫واضحة على أنه بريء كل البراءة مما نسب إليه من شبهة التجسيم‪ ،‬إذ ال يمكن لسنّي مثله دافع عن‬
‫الكتاب والسنة دفاعا ً مريراً‪ ،‬إلى أن خافه الفقهاء والصوفية‪ ،‬فدسوا له عند الحكام‪ ،‬حتى سجن‪ ،‬أن يقول‬
‫مثل هذا القول‪ \،‬وبينت أن األسرة التي عاش فيها ابن تيمية لم تكن محاطة بالتشبيه والتجسيم‪ ،‬بل كانت‬
‫أسرة متدينة ومتفقهة في الدين اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫( نقال عن كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ اإلسالم ابن تيمية\ " للدكتور عبدهللا الغصن ‪ -‬وفقه هللا ‪ ،‬طبع دار ابن‬

‫الجوزي بالدمام ‪،‬ص‪ ،139-161‬ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب ‪.) ..‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪       ‬‬

‫دعاوى المناوئين‬
‫‪‬‬ ‫ترجمة ابن تيمية‬
‫‪‬‬ ‫دعوى المناوئين‬
‫‪‬‬ ‫مواضيع متفرقة‬
‫‪‬‬ ‫كتب ابن تيمية‬
‫‪‬‬ ‫الصفحة الرئيسية‬

You might also like