Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 50

‫جذور العنصزية العزبية‬

‫عادل العمري‬
‫جذور العنصزية العزبية‬
‫عادل العمري‬

‫‪ 30‬سبتمبر ‪2012‬‬
‫فهرس‪:‬‬

‫ممدمة‬
‫‪ -1‬العرب‬
‫‪ -2‬لؽة العرب والزعم بتفولها‬
‫‪ -3‬أثر اإلسالم‬
‫‪ -4‬عروبٌون وإسالمٌون‬
‫‪ -5‬التفوق العربً منحة إلهٌة‬
‫‪ -6‬وضع الٌهود‬
‫‪ -7‬العنصرٌة العربٌة دافعها المصالح‬
‫‪ -8‬خالصة‬

‫‪3‬‬
‫ممدمة‪:‬‬
‫هل توجد عنصرٌة عربٌة؟ توجد مشاعر عنصرٌة بٌن شعوب األلطار العربٌة تجاه‬
‫بعضهم البعض وهنان شعور متبادل بالتعالً والتفوق بٌن هذا الشعب وذان‬
‫بدرجات متفاوتة كما توجد مشاعر وسلوكٌات عنصرٌة فً الخلٌج بالذات تجاه‬
‫الشعوب الفمٌرة فً آسٌا وأفرٌمٌا‪ .‬ولكن الكالم هنا ٌتعلك بعنصرٌة عربٌة صرؾ‬
‫صا بٌن عرب المشرق‪ ،‬حتى من‬ ‫تجاه ؼٌر العرب‪ .‬وٌوجد ما ٌدل على ذلن وخصو ً‬
‫المسٌحٌٌن أصحاب الثمافة اإلسالمٌة‪ ،‬باعتبارهم جمٌعًا أصحاب اإلسالم وحاملو‬
‫الرسالة األبدٌة وأصحاب اللؽة التً نزل بها المرآن؛ المعجزة األبدٌة التً لم‬
‫ٌستطع أحد كما ٌمولون أن ٌتحداها عملٌا‪ .‬فالمرآن هو كتاب العرب الممدس‪ ،‬بل‬
‫ألدس ألداسهم‪ ،‬وإعجازه الوحٌد – حسب اعتمادهم ‪ -‬هو لؽته البلٌؽة والجمٌلة‪،‬‬
‫سا ال ٌستطٌع‬ ‫التً ٌفاخرون بها األمم‪ .‬فالعرب – زع ًما – ٌملكون ً‬
‫كنزا إلهٌا ممد ً‬
‫مبررا لمطالبة اآلخرٌن إما بالتعرب وإما باتباع‬
‫ً‬ ‫ؼٌرهم أن ٌفهمه‪ ،‬وهذا ما ٌعطٌهم‬
‫فمهابهم دون جدال كثٌر؛ ألنهم الوحٌدون الذٌن ٌستطٌعون فهم كنوز المرآن‬
‫صا أن ما ٌسمى باإلعجاز العلمً هو محاولة حدٌثة للبرهنة على‬ ‫اللؽوٌة‪ ،‬خصو ً‬
‫األصل اإللهً للمرآن‪ ،‬وهو برهان ضعٌؾ إلى حد كبٌر‪ ،‬وهنان من المفكرٌن‬
‫المسلمٌن من ٌرفضه وٌنكره‪.‬‬
‫الخالصة أن العرب ٌرون أنفسهم أهل المرآن ذي المعجزة اللؽوٌة‪ ،‬وبالتالً‬
‫ٌفضلون أنفسهم على "العجم"؛ المتالكهم هذه المعجزة األبدٌة‪ .‬وال ٌجد العرب‬
‫المسلمون من شًء ٌفخرون به على سابر الشعوب سوى حملهم للؽة المرآن‪،‬‬
‫وبالتالً دورهم المٌادي فً نشر اإلسالم وتفسٌره‪ ،‬وٌمدون هذا الكالم على‬
‫استمامته‪ ،‬فٌمدمون لؽتهم على أنها أفصح اللؽات وأؼناها‪ ،‬وأن شعرهم شدٌد‬
‫التفوق على ؼٌره‪ ،‬وأنهم أهل البالؼة‪ ..‬إلخ؛ وإال فلماذا اختار هللا اللؽة العربٌة‬
‫لٌنزل بها المرآن؟ وٌحمل هذا الشعور بالتفوق حتى مسٌحٌو الشام؛ المسلمون‬
‫ثمافٌا‪ .‬وإذا أعادوا مد هذا على استمامته زعموا أنهم أمراء الكالم‪ ،‬وأهل الكرم‪،‬‬
‫والمروءة‪ ،‬والسخاء‪ ،‬وأشجع الناس‪ ،‬وأكثرهم حكمة‪ ..‬إلخ(‪.)1‬‬

‫مثال‪ -‬محمود شكري األلوسً البؽدادي عشرات‬‫(‪ )1‬تكلم الكثٌرون من العروبٌٌن بهذه اللهجة‪ ،‬ولد خصص – ً‬
‫الصفحات لشرح مزاٌا العرب على ؼٌرهم‪ ،‬بلوغ األرب فً معرفة أحوال العرب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمٌة‪ ،‬بٌروت لبنان‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وسوؾ أحاول هنا تحلٌل جذور هذه العنصرٌة لدى العرب؛ كٌؾ نظر العرب إلى‬
‫أنفسهم وإلى اآلخر ؼٌر العربً لبل اإلسالم وبعده وأثر األخٌر فً هذه النظرة‬
‫ومدى تؽٌرها وفً أي اتجاه‪ ،‬ولماذا توجد هذه العنصرٌة‪ .‬وسٌكون الممصود‬
‫باإلسالم فً هذا الممال الفهم السابد للمسلمٌن له‪ ،‬كما أتصوره ولٌس معناه‬
‫"الحمٌمً" الذي ال أزعم أننً أعرفه دون ؼٌري ولٌس حتى معناه الحمٌمً من‬
‫وجهة نظري‪.‬‬

‫**********************‬
‫‪ -1‬العرب‪:‬‬
‫ألرب أصل للعرب نعرفه بالفعل هو سكان الجزٌرة العربٌة‪ ،‬دون أي إمكانٌة‬
‫للزعم بوحدة عرلهم‪ ،‬فلم ٌفلح أحد فً البرهنة على نماء أي شعب بعٌنه أبدًا(‪.)2‬‬
‫أما أصل عرب الجزٌرة‪ ،‬فاختلفت فٌه النظرٌات‪ ،‬وكثرت اآلراء وتشعبت‪ ،‬ولٌست‬
‫هنان معلومات لاطعة فً هذا الصدد‪ .‬ولد صارت هنان شعوب عربٌة منتشرة على‬
‫نطاق أوسع بعد ظهور وانتشار اإلسالم‪ ،‬الذي كان له الدور األكبر فً تعرٌب كثٌر‬
‫من شعوب أخرى تعٌش فٌما ٌُسمى بالعالم العربً اآلن‪ .‬وبذلن ٌكون أمامنا‬
‫سا‪ ،‬والعرب بعد إعادة‬‫عربان‪ :‬العرب لبل الفتوحات اإلسالمٌة؛ سكان الجزٌرة أسا ً‬
‫تكوٌنهم بعد اإلسالم‪.‬‬
‫وال ٌوجد اتفاق بٌن الباحثٌن حول أصل كلمة عرب ومعناها لبل اإلسالم‪ .‬ولكن‬
‫الؽالب أن ؼٌر العرب لصدوا بها الشعوب البدوٌة التً عاشت شمال الجزٌرة‬
‫العربٌة‪ ،‬أو من أسماهم العروبٌون بالعرب المستعربة‪ .‬وبعد اإلسالم وحتى اآلن‬

‫(‪ )2‬اختلؾ العروبٌون فً ذلن؛ فزعم ابن هشام ً‬


‫مثال أن العرب كلها من ولد إسماعٌل ولحطان‪ ،‬ونسب إلى‬
‫بعض أهل الٌمن الزعم بؤن لحطان من ولد إسماعٌل‪ ،‬السٌرة النبوٌة‪ ،‬ملؾ ‪ 12‬من ‪،116‬‬
‫‪http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=249‬‬
‫أما ابن كثٌر ‪ -‬كمثل مضاد ‪ -‬فذكر ؼٌر ذلن؛ فرفض المول بؤن جمٌع العرب ٌنتسبون إلى إسماعٌل‪ ،‬معتب ًرا أن‬
‫العرب العاربة لبل إسماعٌل‪ ،‬أما العرب المستعربة‪ ،‬وهم عرب الحجاز فمن ذرٌة إسماعٌل‪ ،‬وأما عرب الٌمن‪،‬‬
‫وهم حمٌر‪ ،‬فالمشهور أنهم من لحطان‪ .‬البداٌة والنهاٌة‪ 27 ،‬من ‪،239‬‬
‫‪http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=251‬‬

‫‪5‬‬
‫تطلك على من ٌتكلم من حٌث األصل اللؽة العربٌة‪ ،‬حتى أن بالدًا مثل الصومال‪،‬‬
‫وإرٌترٌا‪ٌ ،‬صفها العرب بؤنها بالد عربٌة؛ ألن أؼلب أهلها ٌتكلمون العربٌة‪ ،‬رؼم‬
‫األصول اإلثنٌة والعرلٌة المختلفة لهم – فً الؽالب ‪ -‬عن أصول عرب الجزٌرة‪.‬‬
‫والمصد من هذا هو ‪ -‬كما أعتمد ‪ -‬هو توسٌع لاعدة العروبٌة فً مواجهة أعدابها‪.‬‬
‫وحٌن تكلم كتاب العرب المدامى‪ ،‬وكثٌر أٌضًا من المحدثٌن من علماء اللؽة‪ ،‬بل‬
‫وحتى مإرخون محدثون فً الؽرب والشرق من كل صنؾ عن تعرٌؾ العرب‬
‫وتمسٌمهم وتحدٌد أصولهم‪ ،‬اختلطت األساطٌر بؤخبار النسابٌن بالمصص الخٌالٌة‬
‫والمنحولة‪ ،‬والؽٌبٌات والرواٌات الدٌنٌة من التوراة وؼٌرها‪ ،‬بحٌث ال ٌستطٌع‬
‫المرء أن ٌعتمد استنتاجاتهم(‪ .)3‬لذلن سنتعامل مع هذه المسؤلة بكثٌر من التحفظ‪،‬‬
‫مكتفٌن بتناول األمر بشكل أكثر عملٌة‪ .‬فالموضوع شدٌد التعمٌد‪ ،‬وفهم العاللة بٌن‬
‫أصل العرب ولؽتهم ٌحتاج معرفة كبٌرة بعلم اللؽة وعلم األجناس واألنثروبولوجٌا‪،‬‬
‫وكل هذا ال أزعم أن لً فٌه باع ٌذكر‪ ،‬عالوة على أن هذا ٌحتاج لجهود مبات‬
‫الباحثٌن‪.‬‬
‫والؽالب أن عرب الشمال الموصوفٌن بالمستعربة هم الذٌن سادوا فً الجزٌرة‬
‫لبل اإلسالم مباشرة وبعده‪ ،‬خاصة أن منهم لرٌش‪ ،‬التً حكمت الشرق األوسط‬
‫لمدة لرون‪.‬‬
‫أما عن أحوال العرب لبل اإلسالم‪ ،‬فتواجهنا مشكلة كبرى؛ هً النمص الشدٌد فً‬
‫المعلومات الموثمة فً هذا المجال‪ ،‬والؽالبٌة العظمى من المعلومات المتاحة عنها‬
‫ذكرت بعد اإلسالم‪ ،‬وفً سٌاق صراعات اجتماعٌة عدٌدة‪ ،‬لعبت دو ًرا هاما فً‬
‫انتحال الولابع والنصوص‪ ،‬بما فٌها حتى ما ٌعرؾ بالشعر الجاهلً‪ ،‬المشكون‬
‫كثٌ ًرا فً انتساب معظمه لعرب ما لبل اإلسالم‪ ،‬حٌث ال توجد وثابك مكتوبة ٌعتمد‬
‫علٌها‪ .‬ولد ذكر لوٌس عوض أن ألدم نص عربً معروؾ ٌنتمً إلى عام ‪328‬‬

‫( ‪)3‬‬
‫ٌمكن بخصوص هذه المسؤلة العودة إلى أحمد بن علً الملمشندي‪ ،‬نهاٌة األرب فً معرفة أنساب العرب‪،‬‬
‫‪http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=200‬‬
‫وجواد علً‪ ،‬المفصل فً تارٌخ العرب لبل اإلسالم‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=13&book=2138‬‬

‫‪6‬‬
‫صا‪ ،‬بل آرامٌا‪-‬عربٌا(‪ .)5‬وحتى التارٌخ‬ ‫(‪)4‬‬
‫مٌالدٌة ‪ ،‬مع أنه لٌس نصا عربٌا خال ً‬
‫اإلسالمً ٌستحك الشن والتشكٌن الشدٌد؛ ألنه أٌضًا لم ٌعتمد على وثابك (كانت‬
‫لرارات الدولة شفوٌة معظم الولت)‪ ،‬وما توفر من آثار وعمالت لم ٌكن كافًٌا‬
‫لرصد ولابع هذا التارٌخ بدرجة معمولة من الدلة‪ ،‬وبل اعتمد إلى حد كبٌر‪ -‬على‬
‫النمل الشفهً من اإلخبارٌٌن‪ ،‬كما تختلط فٌه الولابع باألساطٌر والخرافات‬
‫ولصص الوحً‪ ،‬وتخضع الرواٌات للمصالح وتنازع الفرق اإلسالمٌة‪ .‬لذلن تتباٌن‬
‫من كاتب آلخر‪ ،‬بل ٌذكر الكاتب الواحد أحٌانًا عدة رواٌات مختلفة لشرح والعة‬
‫معٌنة (الطبري‪ ،‬وهو من أهم المإرخٌن العرب‪ ،‬مثل بارز جدا)‪ ،‬وتكفً اإلشارة‬
‫إلى أن السٌرة النبوٌة لد بُدء فً كتابتها بعد وفاة النبً بمرن ونصؾ على األلل‪،‬‬
‫و ُكتبت بناء على النمل الشفهً‪ ،‬وهً مكتظة بالخرافات التً ال ٌستسٌؽها حتى‬
‫عمل طفل صؽٌر‪ .‬ولد دفع هذا المنهج فً كتابة التارٌخ العروبٌٌن إلى زعم‬
‫تبرٌري‪ٌ ،‬دعً الموة الخارلة لذاكرة العرب‪ ،‬واعتبار ذلن ضمن مزاٌاهم‪ ،‬التً‬
‫ٌتفولون بها على ؼٌرهم‪ ،‬وهو بالطبع زعم ال ٌمبله أي عالل‪ .‬لذلن سنتعامل بكل‬
‫تحفظ مع الولابع‪ .‬أما الشعر "الجاهلً" فال ٌمكن الركون إلٌه كمصدر لحٌاة‬

‫(‪ )4‬ممدمة فً فمه اللؽة العربٌة‪ ،‬رإٌة للنشر والتوزٌع‪ ،‬جمع وتنفٌذ الشركة الدولٌة لخدمات الكمبٌوتر‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2006‬ص ‪ .31‬وهً نص شاهد لبر امرئ المٌس‪" :‬مر المٌس بر عمرو‪ ،‬ملن العرب كله‪،‬‬
‫ذو استرالتج وملن األسدٌن ونزروا وملوكهم وهرب مذحجو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬من أشهر النموش التً لٌل إنها سبمت األدب "الجاهلً"‪:‬‬
‫نمش النمارة‪ ،‬المرئ المٌس وتارٌخه ‪ 328‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نمش زٌد‪ ،‬وهً أطالل لرب حلب وٌسجل تارٌخ بناء كنٌسة وتارٌخه ‪ 512‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫نمش حوران وٌرجع تارٌخه إلى ‪ 568‬م وبه كلمات ال تعرفها العربٌة مثل كلمة المرطول بمعنى‬ ‫‪-‬‬
‫كنٌسة‪ .‬وٌبدأ بـ‪" :‬أنا شرحبٌل بر ظلموا"‪ ،‬إبراهٌم أنٌس‪ ،‬فً اللهجات العربٌة‪ ،‬مكتبة األنجلو‪ ،‬الماهرة‪ ،‬ص‬
‫‪.32‬‬
‫نص نمش النمارة‪ " :‬تً نفس مر المٌس بر عمرو ملن العرب كله ذو أسر التج وملن األسدٌن ونزرو‬
‫وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا بزجً فً حبج نجران مدٌنة شمر وملن معدو ونزل بنٌه الشعوب‬
‫ووكلهن فرسو لروم فلم ٌبلػ ملن مبلؽه عكدي هلن سنة ‪ٌ 223‬وم ‪ 7‬بكسلول بلسعد ذو ولده"‪ ،‬وتارٌخه‬
‫‪328‬م‪ ،‬وترجمته باللؽة العربٌة المعاصرة‪:‬‬
‫‪ -1‬هذا لبر امرئ المٌس بن عمرو ملن العرب كلهم الذي تملد التاج‪ - 2 .‬وأخضع لبٌلتً أسد ونزار وملوكهم‬
‫وهزم مذحج ولاد‪ -3 .‬الظفر إلى أسوار نجران مدٌنة شمر وأخضع مع ًدا واستعمل بنٌه‪ -4 .‬على المبابل‬
‫ووكلهم فرسانا للروم فلم ٌبلػ ملن مبلؽه‪ -5 .‬إلى الٌوم‪ .‬توفى سنة ‪ 223‬م فً ‪ 7‬من أٌلول وفك بنوه‬
‫للسعادة‪ ،‬عام ‪ 223‬بتموٌم بصري ٌوافك ‪ 328‬مٌالدي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫العرب‪ ،‬ولد لدم كل من مرجلٌوث(‪ )6‬وطه حسٌن(‪ )7‬ما ٌكفً للتشكٌن فٌه على‬
‫سا على اإللماء الشفهً‪،‬‬‫األلل‪ ،‬وإذا عرفنا أن شعراء ما لبل اإلسالم اعتمدوا أسا ً‬
‫وأن جمع الشعر "الجاهلً" لد بدأ فً العصر األموي‪ ،‬ألدركنا بالتؤكٌد أن معظمه‬
‫منحول‪ ،‬وأن ؼٌر المنحول منه إما نادر‪ ،‬أو لم ٌصل إلٌنا‪ .‬وال ٌمؾ تبرٌر إبراهٌم‬
‫أنٌس(‪ )8‬الختالؾ لؽة الشعراء عن لهجات المبابل التً انتموا إلٌها على أرض‬
‫صلبة؛ فمد برر ذلن بؤن لؽة النخبة فً بالد العرب "الجاهلٌٌن" كانت واحدة‬
‫ورفٌعة‪ ،‬ولم تتخذ لهجات المبابل منهجا‪ .‬فهل من المعمول أن كافة شعراء العرب‬
‫لد اتخذوا لؽة تشبه لؽة المرآن؛ أي لؽة لرٌش كلؽة ألشعارهم؟ فكٌؾ ٌمكن أن ٌتم‬
‫هذا االتفاق ولماذا اختاروا لؽة لرٌش بالذات؟ األكثر اتسالًا مع المنطك أن ما‬
‫وصلنا من هذا الشعر كما ذهب كل من مرجلٌوث وطه حسٌن لد كتب بعد سٌادة‬
‫لؽة المرآن بٌن العرب‪ ،‬وبالتالً فإن معظمه منحول‪ .‬وال ٌمكن االعتماد حتى على‬
‫الشعر المكتوب فً عصر النبً أو بعده بملٌل‪ ،‬مثل شعر حسان بن ثابت‪ ،‬وعمر بن‬
‫أبً ربٌعة‪ ،‬وعبد هللا بن الزبعري السهمً‪ ،‬فرؼم حداثته ومعاصرته للدعوة‬
‫اإلسالمٌة عمل فٌه النحال الكثٌر (‪ .) 9‬أما األحادٌث المنسوبة للنبً فال ٌمكن‬
‫اعتبارها صحٌحة‪ ،‬من حٌث نسبها له‪ ،‬ألسباب عدة‪ ،‬منها أنها كتبت بعد وفاته‬
‫بمرن ونصؾ على األلل‪ ،‬ولم توثك فً حٌاته لط‪ ،‬كما أن بها الكثٌر من‬
‫المتنالضات والخالؾ ومخالفة المرآن‪ ،‬وكل فرلة إسالمٌة اعتمدت لنفسها أحادٌث‬
‫خاصة‪ ،‬ولكل أسانٌده ولرابنه(‪.)10‬‬

‫(‪ )6‬أصول الشعر العربً‪ ،‬ترجمة د‪ .‬إبراهٌم عوض‪،2006 ،‬‬


‫‪http://search.4shared.com/postDownload/RmOySBW6/.html‬‬
‫(‪ )7‬فً الشعر الجاهلً‪،‬‬
‫‪http://www.4shared.com/office/IhQoGI6N/.html‬‬
‫(‪ )8‬نفسه‪ ،‬ص ص ‪.40 – 38‬‬
‫(‪ )9‬استعرض ولٌد عرفات فً كتابه‪ :‬دٌوان حسان بن ثابت‪ ،‬عملٌات االنتحال العدٌدة التً جرت لشعر حسان‬
‫مما ٌدفع المرء للتحفظ البالػ‪ ،‬دار صادر بٌروت‪.‬‬
‫(‪ )10‬لٌس المجال هنا مناس ًبا لتحلٌل هذه المسؤلة‪ .‬وٌمكن االطالع على مالدمه أحمد صبحً منصور من نمد‬
‫لنسبة األحادٌث للرسول فً كتابه‪ :‬المرآن وكفى مصد ًرا للتشرٌع‪،‬‬
‫‪http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=29467‬‬
‫وكتاب زكرٌا أوزون‪ ،‬جناٌة البخاري إنماذ الدٌن من إمام المحدثٌن‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫وٌعد المرآن حتى اآلن أهم وثٌمة كتبت باللؽة العربٌة‪ ،‬رؼم ما شاب جمعه من‬
‫صعوبات ومشاكل ال حصر لها‪ ،‬ورؼم اختالؾ المإرخٌن المسلمٌن حول تارٌخ‬
‫وطرٌمة جمعه‪ ،‬وحول أول وآخر آٌاته‪ ،‬واألحرؾ والمراءات السبع أو العشر التً‬
‫لم ٌتم االتفاق‪ ،‬ال على عددها وال على معناها‪ ،‬والتً أثارت مشاكل ال حل لها(‪،)11‬‬
‫ومبدأ النسخ وتحدٌد اآلٌات المنسوخة والناسخة‪ ،‬بخالؾ اآلٌات المفمودة‬
‫والمضافة فً زعم البعض‪ ،‬وأخطاء الجمع المحتملة‪ ،‬كما كانت الكتابة العربٌة فً‬
‫البداٌة ؼٌر منموطة وال مشكلة‪ ،‬وتمت إضافة النمط والتشكٌل على مراحل‪ ،‬وتمت‬
‫كل إعدادات المصحؾ فً عهد األموٌٌن‪ ،‬بإشراؾ الحجاج بن ٌوسؾ الثمفً(‪.)12‬‬
‫ومن المنطمً أن المرآن لد ُكتب بلؽة ٌستطٌع أن ٌفهمها عرب الجزٌرة؛ فمد كان‬
‫مادة للنماش طوال ‪ 23‬سنة‪ ،‬وبالتالً فلؽة هذا النص هً نفسها لؽة عرب ما لبل‬
‫اإلسالم‪ ،‬رؼم أنه بالتؤكٌد كُتب بلهجة لرٌش حٌث نشؤ النبً دمحم‪ .‬ولذلن فهو‬
‫كمصدرالستنباط أحوال العرب لبل اإلسالم ٌُعد موثولًا أكثر بما ال ٌماس مما ٌُسمى‬
‫باألدب الجاهلً‪ .‬ورؼم ذلن ٌمكن الزعم أن فهم لؽة المرآن لد تؽٌر منذ صٌاؼة‬

‫‪http://www.eqla3.com/vb/archive/index.php/t-209224.html‬‬
‫(‪ )11‬كتب الكثٌر والكثٌر عن هذه المضٌة‪ ،‬نذكر منها الحجة فً المراءات السبع المنسوب البن خالوٌه‪،‬‬
‫‪www.almeshkat.com/books/open.php?cat=7&book=2250‬‬
‫األحرؾ السبعة ألبً عمرو الدانً‪،‬‬
‫‪http://tafsir.org/books/open.php?cat=9.&book=887‬‬
‫شهاب الدٌن أحمد بن دمحم بن عبد الؽنً الدمٌاطً‪ ،‬إتحاؾ فضالء البشر فً المراءات األربعة عشر (حسب‬
‫العربٌة المٌاسٌة ٌجب أن تكتب‪ :‬األربع عشرة – عادل)‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/archive/books/ethaaf_f .zip‬‬
‫عدنان بن أحمد البحٌصً‪ :‬المتحؾ فً معنى األحرؾ السبعة‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/archive/books/almuthaf.zip‬‬
‫والمضٌة لها عاللة وثٌمة بموضوع جمع وتدوٌن المرآن‪ ،‬الذي لٌل فٌه الكثٌر‪ ،‬وتباٌنت الرواٌات‪ ،‬وبلػ األمر‬
‫حد ادعاء البعض من السنة والشٌعة بتحرٌؾ المرآن‪.‬‬
‫(‪ )12‬كان المرآن مكتوبا بدون تنمٌط وال تشكٌل‪ ،‬ولد أمر بجمعه أبو بكر الصدٌك ثم وحد عثمان بن عفان‬
‫المصاحؾ فً مصحؾ واحد‪ .‬ولما تولى علً بن أبً طالب‪ ،‬أمر أبا األسود الدإلً بؤن ٌشكل كلمات المرآن‬
‫بطرٌمة التنمٌط الملون‪ ،‬إذ جعل لكل حركة من حركات التشكٌل نمطة مختلفة اللون بتنمٌط الحروؾ أما الحجاج‬
‫بن ٌوسؾ الثمفً فمد أمر نصر بن عاصم بتشكٌله‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫اللؽة العربٌة ووضع لواعدها‪ ،‬عن فهمها فً عصر مالبل اإلسالم‪ .‬فالمرآن نفسه‬
‫لم ٌكن المرجع الوحٌد بل أعٌد فهمه لؽوٌا وإخضاعه لمواعد لؽوٌة تم وضعها‬
‫الحمًا استنادًا للؽة المبابل البدوٌة التً اعتبرها النحوٌون العربٌة النمٌة‪.‬‬
‫وكلمة عرب هً صفة أطلمها سكان وادي الرافدٌن على بدو جزٌرة العرب‪،‬‬
‫ومرتبطة باألعراب‪ .‬أما العروبٌون فمد اعتبر بعضهم أن لفظ العرب مستوحى من‬
‫اللؽة العربٌة نفسها(‪ .)13‬ولد ذهب جواد علً إلى استنتاج أن ذلن استنبط من‬
‫المرآن واللؽة(‪ ،)14‬فكلمة إعراب تحمل معنى تفسٌري وتوضٌحً‪ ،‬وكلمتا أعرب‬
‫وٌعرب معناها اإلفصاح‪ ،‬فالعربٌة مرتبطة بالفصاحة‪ .‬وذهب بعض اللؽوٌٌن إلى أن‬
‫اللفظ مشتك من ٌعرب بن لحطان(‪ ،)15‬وهنان تفسٌرات أخرى ألل شهرة‪.‬‬
‫ألدم نص أثري ورد فٌه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملن‬
‫اآلشوري شلمانصر الثالث ‪ ، 852‬ق‪ .‬م‪.‬‬
‫ولد ظهر لفظ العرب سنة ‪ 530‬ق‪ .‬م‪ .‬فً النصوص الفارسٌة‪ ،‬ثم ظهر لدى‬
‫الٌونان آواخر المرن الخامس لبل المٌالد‪ ،‬ثم ورد فً النموش السببٌة فً المرن‬
‫األول لبل المٌالد‪ .‬وكان اللفظ ٌدل على سكان البوادي بالجزٌرة العربٌة‪.‬‬
‫وكان المرأن أول وثٌمة عربٌة معروفة تستخدم لفظة عرب لإلشارة إلى سكان‬
‫الجزٌرة العربٌة ككل‪ ،‬سواء من البدو أو الحضر‪ .‬ولبل المرآن كان اللفظ ٌشٌر إلى‬
‫بدو العرب فحسب(‪.)16‬‬
‫ولد لجؤ العروبٌون إلى تمسٌم العرب‪ .‬والتمسٌم األكثر شٌوعًا هو ‪ 3‬طبمات‪،‬‬
‫وهو‪ :‬العرب البابدة (المبابل التً اختفت)‪ ،‬والعرب العاربة‪ ،‬الذٌن تكلموا العربٌة‬
‫منذ بداٌة نشوبهم‪ ،‬والعرب المستعربة‪ ،‬الذٌن من أصل ؼٌر عربً واكتسبوا اللؽة‬
‫العربٌة‪ ،‬وهم وفمًا لهذا التمسٌم أبناء إسماعٌل(‪ ،)17‬وهم الذٌن انحدرت منهم لرٌش‬
‫(‪ )13‬لال الملمشندي‪ " :‬والذي علٌه العرؾ العام إطالق لفظة العرب مشتمة من األعراب وهو البٌان أخ ًذا من‬
‫لولهم أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان سموا بذلن ألن الؽالب علٌهم البٌان والبالؼة"‪ ،‬جذور اإلرب فً‬
‫معرفة أنساب العرب‪ ،‬نفس الموضع‪ ،‬سبك ذكره‪.‬‬
‫(‪ )14‬نفسه‪.‬‬
‫(‪)15‬‬
‫لسان العرب والماموس المحٌط‪.‬‬
‫(‪ )16‬جواد علً‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬الفصل األول‪ ،‬سبك ذكره‪.‬‬
‫(‪ )17‬د‪ .‬حسٌن الشٌخ‪ ،‬العرب لبل اإلسالم‪ ،‬دار المعرفة الجامعٌة‪ ،‬اإلسكندرٌة‪ ،1993 ،‬ص ص ‪.74- 69‬‬

‫‪10‬‬
‫ونبً اإلسالم‪ .‬ووف ًما لجواد علً أن كل ما روي من هذا التمسٌم لم ٌرد إلٌنا من‬
‫النصوص "الجاهلٌة"‪ ،‬وإنما من الكتب المدونة فً اإلسالم‪ ،‬لذلن ال نستطٌع أن‬
‫نعزي هذا التمسٌم لعرب لبل اإلسالم‪ .‬وهنان تمسٌم آخر ألل شهرة‪ :‬العرب البابدة‬
‫أو العاربة‪ ،‬والعرب البالٌة التً تنمسم إلى المستعربة والتابعة للعرب(‪ ،)18‬وهذا‬
‫التمسٌم وذان ال ذكر لهما ال فً الموارد الٌهودٌة الٌونانٌة أو الالتٌنٌة‪ ،‬أو‬
‫السرٌانٌة وٌظهر أنه تمسٌم عربً خالص‪.‬‬
‫ظهر هذا التمسٌم فً العصر األموي‪ ،‬وفً الؽالب لجؤ إلٌه العرب من أصول‬
‫جنوبٌة الستعادة اعتبارهم من عرب الشمال الذٌن انحدر منهم نبً اإلسالم‪،‬‬
‫وتسلطوا فً عهد الخلفاء "الراشدٌن"‪ ،‬ثم بنً أمٌة‪ .‬وال ٌوجد من تارٌخ‬
‫ً‬
‫أصال‪ ،‬ولم ٌشر المرآن‪ ،‬وهو أكثر الوثابك‬ ‫"الجاهلٌٌن" ما ٌشٌر إلى هذا التمسٌم‬
‫العربٌة موضعًا للثمة‪ ،‬إلى وجود طبمات من العرب‪ ،‬بل خاطبهم ككل واحد‪ .‬ولكن‬
‫من المتولع أن هنان من تعربوا بالفعل من لبابل وأفراد وجماعات مجاورة للعرب‪،‬‬
‫أو هاجرت إلى أرضهم واختلطت بهم‪ ،‬مثلما حدث لكل الشعوب‪ .‬أما التمسٌم‬
‫المذكور ففً الؽالب هو محض خرافة‪ ،‬واألمر أكثر تعمٌدًا من ذلن بكثٌر‪ ،‬وهو‬
‫صا سام (أصل المحطانٌٌن)‪ ،‬وفً‬ ‫ٌعتمد على أساطٌر تتعلك بؤبناء نوح‪ ،‬خصو ً‬
‫(‪)19‬‬
‫هجرة إسماعٌل بن إبراهٌم إلى مكة (أصل العدنانٌٌن) ‪ .‬ولد اختلؾ العروبٌون‬
‫بشكل كبٌر فً شرح تفاصٌل هذا التمسٌم‪ ،‬ورسم شجرة األنساب العربٌة للطبمات‬
‫الثالث(‪.)20‬‬

‫(‪ )18‬مصطفى صادق الرافعً‪ ،‬تارٌخ آداب العرب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الكتب العلمٌة‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2000 ،‬ص ‪ .37‬منشور على‪:‬‬
‫‪http://www.al-mostafa.info/data/arabic/gap.php?file=nc/other/0010.pdf‬‬
‫(‪ )19‬المراجع العروبٌة التً روت هذه األسطورة ال تحصى‪ ،‬منها‪ ،‬بلوغ األرب فً معرفة أحوال العرب‪،‬‬
‫محمود شكري األلوسً البؽدادي‪ ،‬سبك ذكره‪.‬‬
‫(‪ )20‬أشار جورجً زٌدان إلى هذه الخالفات بشًء من التفصٌل فً كتابه‪ :‬العرب لبل اإلسالم‪ ،‬مطبعة الهالل‪،‬‬
‫مصر ‪ ،1922‬منشور على النت‪،‬‬
‫‪http://www.4shared.com/dir/29883502/719897ba/_sharing .html‬‬
‫ومع ذلن عاد ٌتكلم عن تارٌخ العرب‪ ،‬مستخد ًما التوراة ومعتم ًدا للتمسٌم إلى عرب بابدة وعاربة‪ ...‬الذي ال‬
‫دلٌل علٌه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫والتمٌٌز هنا لؽوي بشكل أساسً‪ ،‬وبدون أفضلٌة لعربً على آخر‪ ،‬بل إن الرسول‬
‫وفمًا لهذه النظرٌة منحدر من أصل مستعرب‪.‬‬

‫***************************‬
‫‪ -2‬لؽة العرب والزعم بتفولها‬
‫تمٌز اللؽة العربٌة بٌن العرب وبمٌة الشعوب‪ ،‬التً تسمى بـ "العجم"‪ .‬وكما ذهب‬
‫نصر أبو زٌد "هو من لبٌل التصنٌؾ المٌمً الذي ٌعطً العرب مكانة التفوق‪ ،‬كما‬
‫ٌعطً للؽتهم مكانة ((اللؽة)) بؤلؾ والم العهد‪ ،‬كؤن ما سواها من اللؽات لٌس‬
‫كذلن‪ ،‬وكؤن من ٌتحدثون بلؽة ؼٌرها هم بمثابة العجماوات التً ال تبٌن وال‬
‫تنطك"(‪.)21‬‬
‫ولفظ العجم ٌعنً‪ :‬اإلبهام‪ ،‬عدم التفصٌل‪ ،‬عدم الفصاحة(‪ .)22‬وكؤن اللؽات ؼٌر‬
‫العربٌة ؼامضة وؼٌر فصحى بطبٌعتها ولٌست كذلن فمط بالنسبة للعرب‪.‬‬

‫(‪ ) 21‬نصر حامد أبو زٌد‪ ،‬ضرورة تجدٌد الخطاب العربً النسوي‪ ،‬الحوار المتمدن‪ ،‬العدد‪،951 :‬‬
‫‪،2004/9/9‬‬
‫‪http://www.wluml.org/arabic/newsfulltxt.shtml?cmd%5B157%5D=x-157-‬‬
‫‪86832‬‬
‫كثٌرا‪ٌ ،‬مال‬
‫ً‬ ‫(‪ )22‬حسب (لسان العرب) ‪ :‬عجم‪ :‬العجم والعجم‪ :‬خالؾ العرب والعرب‪ٌ ،‬عتمب هذان المثاالن‬
‫عجمً وجمعه عجم‪ ،‬وخالفه عربً وجمعه عرب‪ ،‬ورجل أعجم ولوم أعجم؛ والعجم‪ :‬جمع األعجم الذي ال‬
‫ٌفصح‪ٌ .‬مال‪ :‬هإالء العجم والعرب أفصح أو لم ٌفصح‪.‬‬
‫ً‬
‫عربٌة‬ ‫لال األزهري‪" :‬ومعناه أن اللـه عزوجل لال‪{ :‬ولو جعلناه لرآ ًنا أعجمٌا لمالوا لوال فصلت آٌاته}‬
‫مفصلة اآلي كؤن التفصٌل للسان العرب‪ ،‬وأعجمت الكتاب‪ :‬ذهبت به إلى العجمة‪ ،‬ولالوا‪ :‬حروؾ المعجم‬
‫فؤضافوا الحروؾ إلى المعجم‪ ،‬فإن سؤل سابل فمال‪ :‬ما معنى حروؾ المعجم؟ هل المعجم صفة لحروؾ أو‬
‫ؼٌر وصؾ لها؟ فالجواب أن المعجم من لولنا حروؾ المعجم ال ٌجوز أن ٌكون صفة لحروؾ هذه من‬
‫وجهٌن‪ :‬أحدهما أن حرو ًفا لو كانت ؼٌر مضافة إلى المعجم لكانت نكرة والمعجم كما ترى معرفة ومحال‬
‫وصؾ النكرة بالمعرفة‪ ،‬واآلخر أن الحروؾ مض افة ومحال إضافة الموصوؾ إلى صفته‪ ،‬والعلة فً امتناع‬
‫ذلن أن الصفة هً الموصوؾ على لول النحوٌٌن فً المعنى‪ ،‬وإضافة الشًء إلى نفسه ؼٌر جابزة‪ ،‬وإذا‬
‫كانت الصفة هً الموصوؾ عندهم فً المعنى لم تجز إضافة الحروؾ إلى المعجم‪ ،‬ألنه ؼٌر مستمٌم إضافة‬
‫الشًء إلى نفسه‪ ،‬لال‪ :‬وإنما امتنع من لبل أن الؽرض فً اإلضافة إنما هو التخصٌص والتعرٌؾ‪ .‬واألعجم‪:‬‬
‫األخرس‪ .‬والعجماء والمستعجم‪ :‬كل بهٌمة‪ .‬وفً الحدٌث‪ :‬العجماء جرحها جبار أي ال دٌة فٌه وال لود؛ أراد‬
‫بالعجماء البهٌمة‪ ،‬سمٌت عجماء ألنها ال تتكلم‪ ،‬لال‪ :‬وكل من ال ٌمدر على الكالم فهو أعجم ومستعجم‪ .‬ومنه‬
‫الحدٌث‪ :‬بعدد كل فصٌح وأعجم؛ لٌل‪ :‬أراد بعدد كل آدمً وبهٌمة‪ ،‬ومعنى لوله العجماء جرحها جبار أي‬

‫‪12‬‬
‫ً‬
‫اعتزازا خاصا بلؽتهم‬ ‫واستخدام لفظً عرب وعجم‪ ،‬أو فصٌح وأعجم ٌتضمن‬
‫وكؤنها ((اللؽة))؛ فالنسبً‪ ،‬أي الفصاحة فً هذا الممام‪ٌُ ،‬عامل كما لو كان مطلك‬
‫رؼم إدران نسبٌته‪ .‬وٌسمً العرب الماموس بالمعجم وهو ٌشرح معانً األلفاظ‬
‫الؽامضة‪ ،‬مما ٌتضمن أن العجم ٌساوي الؽموض‪.‬‬
‫وصفة العجم‪ ،‬وإن كانت كلمة عامة‪ ،‬لصد بها كل من هو لٌس بعربً‪ ،‬لكنها‬
‫أطلمت فً الؽالب على الفرس والٌونان‪ ،‬بٌنما لد نظر العرب لبل اإلسالم على األلل‬
‫لألفارلة على أنهم درجة دنٌا من العجم؛ بسبب ؼرابة لؽتهم عن العربٌة‪ ،‬وعدم‬
‫(‪)23‬‬
‫لدرتهم على التمكن من النطك بها‪ ،‬فٌسمون بالطمطمانٌة‪ .‬ولد الحظ جواد علً‬
‫ما ورد فً معلمة عنترة‪ :‬تؤوي له للص النعام كما أوت حزق ٌمانٌة ألعجم‬
‫طمطـم(‪ ،)24‬وهو ما ٌعنً وصؾ للذي ال ٌفصح من العجم كان أو من العرب‬
‫فؤعجم(‪.)25‬‬
‫ولد مال من وضعوا النحو وجمعوا الكلمات العربٌة فً العصر األموي إلى تدوٌن‬
‫لؽة عربٌة "نمٌة"؛ فاعتبر العروبون أن لؽة البدو هً األصل‪ ،‬بدلٌل أنهم حٌن‬
‫بدأوا ٌضعون لواعد النحو راحوا ٌبحثون عن البدو فً كل مكان لمعرفة العربٌة‬
‫"األصٌلة" منهم‪ ،‬ووضع المواعد النحوٌة "السلٌمة"‪ .‬وتفادوا عمدًا االعتماد على‬

‫البهٌمة تنفلت فتصٌب إنسانا فً انفالتها‪ ،‬فذلن هدر‪ ،‬وهو معنى الجبار‪ .‬وٌمال‪ :‬لرأ فالن فاستعجم علٌه ما‬
‫ٌمرإه إذا التبس علٌه فلم ٌتهٌؤ له أن ٌمضً فٌ ه‪ .‬وصالة النهار عجماء إلخفاء المراءة فٌها‪ ،‬ومعناه أنه ال‬
‫ٌسمع فٌها لراءة‪ .‬واستعجمت على المصلً لراءته إذا لم تحضره‪ .‬واستعجم الرجل‪ :‬سكت‪ .‬واستعجمت علٌه‬
‫لراءته‪ :‬انمطعت فلم ٌمدر على المراءة من نعاس‪ .‬والعجمات‪ :‬الصخور الصالب‪ .‬وعجم الذنب وعجمه جمٌعا‪:‬‬
‫عجبه‪ ،‬وهو أصله‪ ،‬وهو العصعص‪ ،‬وزعم اللحٌانً أن مٌمهما بدل من الباء فً عجب وعجب‪ .‬واألعجم من‬
‫الموج‪ :‬الذي ال ٌتنفس أي ال ٌنضح الماء وال ٌسمع له صوت‪ .‬وباب معجم أي ممفل"‪.‬‬
‫(‪)23‬‬
‫المفصل فً تارٌخ العرب لبل اإلسالم‪ ،‬الفصل ‪،136‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=13&book=2138‬‬
‫(‪ )24‬المعلمات السبع‪،‬‬
‫‪http://www.khayma.com/almoudaress/moualakat/index .htm‬‬
‫(‪ )25‬المخصص البن سٌده‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=16&book=1296&PHPSES‬‬
‫‪SID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬

‫‪13‬‬
‫سكان المدن‪ ،‬أو أطراؾ الصحراء المجاورٌن لشعوب أخرى ؼٌر العرب‪ ،‬بل‬
‫واعتمدوا على لبابل بعٌنها اعتبرت لؽتها أكثر نماء(‪.)26‬‬
‫إذن اعتبر العرب أنفسهم متمٌزٌن على ؼٌرهم‪ ،‬باعتبارهم األكثر فصاحة؛ فاللؽة‬
‫العربٌة فً عرفهم هً لؽة الفصاحة‪ ،‬وٌعتبرونها أفصح وأؼنى اللؽات‪ .‬وهذا‬
‫االعتماد مازال سابدًا للؽاٌة بٌن العرب عمو ًما‪ ،‬بل صارت اللؽة العربٌة تتمتع‬
‫بالمدسٌة‪ ،‬وتعد فخ ًرا ألصحابها‪ ،‬لٌس ألنهم ٌعتبرونها لؽة عظٌمة فحسب‪ ،‬بل أٌضًا‬
‫ألنها – فً عرفهم‪ -‬أؼنى وأجمل اللؽات؛ فلسان العرب فً عرؾ أهله "أتُم األلسنة‬
‫وتمٌٌزا للمعانى جمعًا وفر ًلا بجمع المعانً الكثٌرة فً اللفظ الملٌل‪ ،‬إذا شاء‬
‫ً‬ ‫بٌانا‪،‬‬
‫المتكلم الجمع‪ .‬وٌمٌز بٌن كل لفظٌن مشتبهٌن بلفظ آخر مختصر‪ ،‬إلى ؼٌر ذلن من‬
‫خصابص اللسان العربً”(‪ .)27‬وصفها إخوان الصفا بؤنها "اللؽة التامة لؽة العرب‪،‬‬
‫والكالم الفصٌح كالم العرب‪ ،‬وما سوى ذلن نالص‪ .‬فاللؽة العربٌة فً اللؽات مثل‬
‫صورة اإلنسان فً الحٌوان‪ .‬ولما كان خروج صورة اإلنسان آخر صور الحٌوانٌة‪،‬‬
‫كذلن كانت اللؽة العربٌة تمام اللؽة اإلنسانٌة وختام صناعة الكتابة‪ .‬لم ٌحدث بعدها‬
‫شًء ٌنسخها وال ٌؽٌرها وال ٌزٌد علٌها وال ٌنمصها"(‪ .)28‬ورؼم أن الجاحظ لد‬
‫فهم كلمتً عرب وعجم بمعنى نسبً إال أنه اعتبر أن اللؽة العربٌة هً األكثر‬
‫فصاحة‪ ،‬فمال "الفصٌح هو اإلنسان‪ ،‬واألعجم كل ذي صوت ال ٌفهم إرادته إال ما‬
‫كان من جنسه‪ ..‬واإلنسان فصٌح‪ ،‬وإن عبر عن نفسه بالفارسٌة أو بالهندٌة أو‬
‫بالرومٌة‪ ،‬ولٌس العربً أسوأ فه ًما لطمطمة الرومً من الرومً لبٌان لسان‬

‫(‪ )26‬كتب السٌوطً فً هذا بشًء من التفصٌل فً‪ :‬المزهر فً علوم اللؽة وأنواعها‪ ،‬ملؾ ‪ 4‬من ‪،20‬‬
‫‪www.al-eman.com/islamlib/viewtoc.asp?BID=173‬‬
‫(‪ )27‬مرعً بن ٌوسؾ الحنبلً الممدسً أو مرعً الكرمً‪ ،‬مسبون الذهب فً فضل العرب وشرؾ العلم على‬
‫شرؾ النسب‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/list .php?cat=18&PHPSESSID=66fb8644‬‬
‫‪8405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫و‬
‫‪http://www.geocities.com/alamid1970/msbok.htm‬‬
‫(‪ )28‬رسابل إخوان الصفا‪ ،‬ص ‪،432‬‬
‫‪http://www.alwaraq.net/index2.htm?i=69‬‬

‫‪14‬‬
‫العربً‪ ،‬فكل إنسان من هذا الوجه ٌمال له فصٌح‪ ،‬فإذا لالوا‪ :‬فصٌح وأعجم‪ ،‬فهذا‬
‫هو التؤوٌل فً لولهم أعجم‪ ،‬وإذا لالوا العرب والعجم ولم ٌلفظوا بفصٌح وأعجم‪،‬‬
‫فلٌس هذا المعنى ٌرٌدون‪ ،‬إنما ٌع ُنون أنه ال ٌتكلم بالعربٌة‪ ،‬وأن العرب ال تفهم‬
‫عنه”(‪ ‘)29‬ثم عاد ٌمول‪" :‬وفضٌلة الشعر ممصورة على العرب‪ ،‬وعلى من تكلم‬
‫بلسان العرب"(‪ ،)30‬بل راح ٌصؾ الوزن العربً بالمعجز‪" :‬ولو حولت (ٌمصد‬
‫ترجمت) حكمة العرب‪ ،‬لبطل ذلن المعجز الذي هو الوزن‪ ،‬مع أنهم لو حولوها لم‬
‫ٌجدوا فً معانٌها شٌبًا لم تذكره العجم فً كتبهم"(‪.)31‬‬
‫وٌبدو أن العرب لبل اإلسالم لد تمكنوا من إنتاج شعر جٌد‪ ،‬بدلٌل أن المرآن لد‬
‫كتب بلؽة بلٌؽة ومتماسكة‪ ،‬ولها نظم خاص وتتمٌز بالجمال‪ ،‬وهذا لم ٌكن ممكنًا‬
‫دون أن تكون لؽة عرب ما لبل اإلسالم على مستوى من التطور والرلً‪ ،‬فلٌس‬
‫من المتصور أن المرآن لد جاء من فراغ‪ ،‬ورؼم التشكن فً األشعار المنسوبة‬
‫لعرب "الجاهلٌة"‪ٌ ،‬مكن تصور أن الشعر "الجاهلً" الحمٌمً لم ٌصل إلٌنا الكثٌر‬
‫منه‪ ،‬ولكن ال ٌمكن إنكار وجوده‪ .‬وهنان إجماع واسع على وجود شعراء فطاحل‬
‫وخطباء وحكماء كثٌرٌن لبل اإلسالم‪ ،‬رؼم االختالؾ حول محتوى إنتاجهم الحمٌمً‬
‫والمنحول منه‪ .‬ولد أشار المرآن لوجود الشعر لدى العرب‪ ،‬بل هنان سورة تسمى‬
‫سورة الشعراء‪ .‬وإن المبالؽة فً التشكٌن فً مجمل الشعر "الجاهلً" بحجج منها‬
‫أن بعضه ٌحتوي على ألفاظ ومفاهٌم لرآنٌة ٌفوته أنه كانت لبل اإلسالم توجد‬
‫جماعات من األحناؾ‪ ،‬أشار لهم المرآن؛ مسلمون لبل دمحم‪ .‬ومن الوارد تما ًما أن‬
‫أنبٌاء كثٌرٌن ظهروا لبل دمحم ولم ٌنجحوا‪ ،‬بل توجد نصوص فرعونٌة موثمة تشبه‬
‫عبارات ومفاهٌم لرآنٌة صرٌحة(‪ .)32‬وفً الوالع – وحسب ما ذكرته كتب التارٌخ‬
‫‪ -‬لم ٌجد عرب ما لبل اإلسالم شٌبًا ٌفتخرون به على ؼٌرهم سوى فصاحتهم‬
‫سا‪ ،‬الذي ال ٌوجد ما ٌدل على تفوله على أشعار الشعوب‬ ‫المتمثلة فً الشعر أسا ً‬
‫(‪ )29‬الحٌوان‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪،10‬‬
‫‪http://www.alwaraq.net/index2.htm?i=16&page=1‬‬
‫(‪ )30‬نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫(‪ )31‬نفس الموضع‪.‬‬
‫(‪ )32‬لدم عماد الصباغ بحث ًا جٌ ًدا عنهم بعنوان‪ :‬األحناؾ‪ ،‬دار الحصاد‪ ،‬للنشر والتوزٌع‪ ،‬سورٌا‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫نمال عن مالٌس بودج (األدٌان المصرٌة المدٌمة) الفصل األول‪.‬‬‫‪ ،1998‬ولد أورد بعض النصوص الفرعونٌة ً‬
‫مثل‪" :‬إن هللا واحد ووحٌد وما من إله آخر معه‪ ،‬إن هللا واحد‪ ،‬وهو الذي خلك األشٌاء طرا"‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫األخرى‪ .‬أما لماذا كانت اللؽة العربٌة بهذا المدر من التطور‪ ،‬فهذا ما ال أزعم المدرة‬
‫على تفسٌره بوضوح‪ ،‬وال أجد تفسٌ ًرا سوى أنها كانت نتا ًجا لحضارات عربٌة‬
‫بادت‪ ،‬مثل حضارة الٌمن‪ ،‬وشمال الجزٌرة‪ ،‬والبحرٌن‪ ،‬وؼٌرها‪.‬‬
‫ال ٌوجد أي دلٌل على تفوق عرب ما لبل اإلسالم على الشعوب المجاورة‪ ،‬لهم ال‬
‫فً تطور اللؽة وال فً إنتاج الشعر واألدب‪ ،‬وال حتى على اعتمادهم بذلن؛ خاصة‬
‫أن معظم ما وصلنا من أشعارهم منحول‪ ،‬ولم ٌشر المرآن إلى عنصرٌة العرب تجاه‬
‫ؼٌرهم‪ .‬وكل ما هنالن أنهم اعتبروا "العجم" عج ًما ألن لؽتهم ؼٌر مفهومة لهم‪،‬‬
‫وهو مولؾ ٌنم عن ضٌك األفك والتعصب‪ ،‬وربما ٌنم عن الشعور بالنمص تجاه‬
‫الحضارات المحٌطة بهم‪ ،‬بعد أن تدهورت حضاراتهم المدٌمة‪ ،‬وربما كانوا بالفعل‬
‫ٌظنون أنهم متفولون فً لؽة الشعر على ؼٌرهم(‪ .)33‬وٌبدو أن كل ما تبمى لهم من‬
‫حضاراتهم البابدة هو اللؽة المتطورة بالنسبة لعصرها‪.‬‬
‫فً الوالع ال نستطٌع الكالم عن عنصرٌة عربٌة بمعنى الكلمة وبشكل مإكد لبل‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫**************************‬
‫‪ -3‬أثر اإلسالم‪:‬‬
‫المرآن لم ٌنحاز للعرب بشكل صرٌح‪ ،‬إال أنه أكد على تفوق لؽته العربٌة‪ ،‬واص ًفا‬
‫ؼٌرها باألعجمٌة‪ ،‬فؤلر نفس التمٌٌز اللؽوي بٌن العرب وؼٌر العرب‪ ،‬فاللؽات ؼٌر‬
‫العربٌة تسمى أعجمٌة‪ :‬ولو جعلناه لرآنا أعجمٌا لمالوا لوال فصلت آٌاته أأعجمً‬
‫إعجازا للمرآن هو لؽته العربٌة البلٌؽة(‪.)34‬‬
‫ً‬ ‫وعربً‪( ..‬فصلت‪ )44 :‬وأهم ما ٌعد‬
‫(‪)35‬‬
‫وتضاؾ معجزات أخرى ألل أهمٌة وؼٌر جادة عمو ًما ‪.‬‬

‫(‪ )33‬مثل هذه األوهام ممكنة تما ًما‪ ،‬فالمصرٌون المعاصرون‪ ،‬وهم فً مإخرة البشرٌة على كل األصعدة‬
‫تمرٌبا‪ٌ ،‬عتمدون أنهم أكثر البشر تمدنا وذكا ًء‪...‬إلخ استنا ًدا لماضً األجداد وحده‪.‬‬
‫(‪ )34‬إعجاز المرآن للبالالنً‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=7&book=1182&PHPSES‬‬
‫‪SID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪ )35‬مثل ما ذكره أحمد دٌدات‪ ،‬المرآن معجزة المعجزات‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫ولد فهم الناس من اآلٌات أن الممصود بعربٌة المرآن لٌس فمط جعل فهمه ممكنا‬
‫من جانب العرب‪ :‬وكذلن أوحٌنا إلٌن لرآنا عربٌا (الشورى‪ ،)7 :‬بل ٌمصد كذلن أن‬
‫عربٌته بلٌؽة تتحدى العرب أن ٌملدوه(‪ :)36‬وإن كنتم فً رٌب مما نزلنا على عبدنا‬
‫فؤتُوا بسورة من مثله (البمرة‪.)23 :‬‬
‫واإلسالم كما لدمه المرآن هو دعوة عالمٌة ولٌس موجها للعرب فمط‪ :‬وما‬
‫أرسلنان إال كافة للناس بشٌ ًرا ونذٌ ًرا ولكن أكثر الناس ال ٌعلمون (سبؤ‪.)28 :‬‬
‫النتٌجة المنطمٌة أن ؼٌر العرب أو "العجم" لن ٌتبٌنوا إعجازه اللؽوي‪ ،‬ولن‬
‫ٌمثل تحدًٌا لهم‪ .‬وإذا كانت الرسالة موجهة للعالمٌن فكٌؾ ٌمكن إلناعهم بها؟‬
‫األمر المنطمً تما ًما أن توصٌل الرسالة لـ "العجم" البد أن ٌموم به العرب؛ ألن‬
‫المرآن جاء بلؽتهم‪ .‬هكذا منح اإلسالم للعرب مٌزة كبٌرة‪ ،‬فهم حملة الرسالة‬
‫اإللهٌة التً نزلت بلؽتهم‪ .‬ولد كُلؾ العرب بمهمة حمل الرسالة للعالم‪ ،‬وفمًا للتراث‬
‫اإلسالمً‪ ،‬ألنهم لد امتازوا – زعما ‪ -‬من بٌن سابر األمم بصفات أربع لم تجتمع‬
‫فً التارٌخ ألمة من األمم‪ ،‬وتلن هً‪ :‬جودة األذهان‪ ،‬ولوة الحوافظ‪ ،‬وبساطة‬
‫الحضارة والتشرٌع‪ ،‬والبعد عن االختالط ببمٌة أمم العالم‪ ،‬كما أنهم أطوع للخٌر‪،‬‬
‫وألرب للسخاء‪ ،‬والحلم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والوفاء؛ أصحاب إباء ال ٌعرفون التزلؾ‬
‫والنفاق وتحمل االستبداد‪ .‬ومما تمٌز به العرب الصدق‪ ،‬حتى الذٌن كانوا ٌحاربون‬
‫اإلسالم ظهر صدلهم فً أمور(‪.)37‬‬
‫ولد ألر المرآن بتمٌز الناس إلى عرب و"عجم" دون أن ٌؽٌر من معنى كلمة‬
‫عجم‪ ،‬وهو فً الوالع لم ٌفضل اللؽة العربٌة على ؼٌرها بشكل صرٌح‪ ،‬واكتفى‬
‫بتمسٌم العرب والعجم كما اعتاد العرب‪ ،‬وكل ما ذكره حول لؽته أنها بلٌؽة تتحدى‬
‫العرب أن ٌنتجوا مثلها‪ .‬وفمط ألنه جاء باللؽة العربٌة للعالم كله فمد منح العرب‬

‫‪http://www.saaid.net/book/open.php?cat=88&book=1934‬‬
‫(‪ )36‬فسر ابن كثٌر اآلٌة السابمة‪ :‬وكذلن أوحٌنا إلٌن لرآنًا عربٌا‪ ،‬أي واض ًحا جلٌا بٌنًا‪ .‬ولد ألر جل المفسرٌن‬
‫(ابن كثٌر والبؽوي‪ ..‬وؼٌرهما) أن الممصود بـ "ما حولها" كل البالد العربٌة وؼٌر العربٌة‪.‬‬
‫(‪ )37‬جزٌرة العرب بٌن التشرٌؾ والتكلٌؾ‪ ،‬مشاركة ناصر بن سلٌمان العمرالمشرؾ العام على مولع المسلم‬
‫‪www.almoslim.net‬‬
‫ضمن أوراق البعد الرسالً لمجلس التعاون الخلٌجً‪،‬‬
‫‪http://saaid.net/Warathah/alaomar/o30.zip‬‬

‫‪17‬‬
‫شرؾ حمل وتوصٌل الرسالة لألخر ن‪ .‬مع ذلن ٌمكن التؤكٌد أن النص المرآنً لم‬
‫ٌتضمن نزعة عنصرٌة عربٌة‪ ،‬بل ٌمٌل إلى المساواة بٌن الناس وٌفاضل بٌنهم‬
‫على أساس التموى‪ ،‬ولد رفع االنتماء العمٌدي فوق االنتماء المبلً والشعوبً‪،‬‬
‫ودعا لسٌطرة المسلمٌن ولٌس العرب‪.‬‬
‫كما دفع انتصار اإلسالم العرب إلى االعتزاز بلؽتهم دفعة كبرى؛ فمع انتشار‬
‫المرآن المكتوب كله تمرٌبًا بلهجة لرٌش(‪ ،)38‬بدأ اعتبار لهجة لرٌش هً أفضل‬
‫صا أن‬
‫لهجات العرب‪ ،‬عالوة بالطبع على اعتبار العربٌة أفضل لؽات العالم‪ ،‬خصو ً‬
‫اإلسالم لد سارعلى نفس درب "الجاهلٌٌن" معتب ًرا اللؽة العربٌة هً (اللؽة) بؤلؾ‬
‫الم التعرٌؾ‪ .‬وأدى انتصاره إلى جعل االعتزاز اللؽوي مزدو ًجا؛ بالؼٌا‪ ،‬وهو‬
‫السابك على اإلسالم‪ ،‬ودٌنٌا باعتبارها لؽة ممدسة‪ ،‬اعتبر الثعالبً – كمثال – أن‬
‫"اإللبال على تفهمها من الدٌانة‪ ،‬إذ هً أداة العلم ومفتاح التفمه فً الدٌن وسبب‬
‫إصالح المعاش والمعاد"(‪ .)39‬وهً لؽة أهل الجنة حسب الحدٌث‪ :‬عن أبً هرٌرة‬
‫لال‪ :‬لال رسو ُل اللـه أنا عربً‪ ،‬والمرآن عربً‪ ،‬ولسان أهل الجنة عربً(‪.)40‬‬
‫ولد ُنسب لعمر بن الخطاب المول‪ :‬تعلموا العربٌة فإنها من دٌنكم(‪" ،)41‬ال تعلموا‬
‫رطانة األعاجم"(‪ .)42‬ولد بالػ بعض علماء اللؽة وتطرؾ فً تصور لدسٌة اللؽة‬
‫(‪ )38‬نمول ذلن على سبٌل االستنتاج؛ فمن الطبٌعً أن ٌك تب المرآن بلؽة النبً دمحم وهى لؽة لرٌش وال توجد‬
‫بالطبع وثابك مإكدة للؽة لرٌش لبل المرآن‪ ،‬ولكن كثر الكالم فً التراث اإلسالمً عن تعدد لراءات المرآن‬
‫ووصل عدد اآلراء فٌها إلى العشرات واختلؾ العلماء فً تعرٌؾ المراءة وفً عدد المراءات وضمن مالٌل أن‬
‫المرآن لد نز ل بلؽة لرٌش ولؽات عربٌة أخرى أو بسبع لراءات من لؽة لرٌش نفسها‪...‬إلخ‪ ،‬والمصادر فً‬
‫هذا الصدد ال تحصى‪ .‬كما ذكر البعض أن بالمرآن ألفا ً‬
‫ظا أعجمٌة منها سرٌانٌة‪ .‬ألفونس مٌنؽانا‪ ،‬التؤثٌر‬
‫السرٌانً على أسلوب المرآن‪ ،‬ترجمة مالن مسلمانً‪،‬‬
‫‪http://www.4shared.com/office/HtsgW3U1/.html‬‬
‫(‪ )39‬فمه اللؽة وسر العربٌة‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/o pen.php?cat=16&book=1043&PHPSES‬‬
‫‪SID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪ )40‬مرعً الكرمً‪ ،‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ )41‬مرعً الكرمً‪ ،‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ )42‬ذكره ً‬
‫نمال عن آخرٌن ابن لٌم الجوزٌة فً‪ :‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬ص ‪،228‬‬
‫‪http://www.manaressabil.com/downkout.htm‬‬
‫وابن تٌمٌة فً‪ :‬التضاء الصراط المستمٌم‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫العربٌة فذكر أنها لؽة آدم فً الجنة ولؽة المرآن فً اللوح المحفوظ منذ األزل‬
‫(التصور الذي خرج علٌه المعتزلة باعتبارهم أن المرآن ‪ -‬وبالتالً لؽته‪ -‬مخلوق)‬
‫وأنها لؽة الناجٌن من الطوفان ثم تفرعت منها اللؽات األخرى‪ .‬ولد بلػ األمر‬
‫ببعض العروبٌٌن أن حاولوا منح الشرؾ للعرب المستعربة ألن منهم الرسول‬
‫فزعموا بؤن آدم هو أول من كتب الكتاب العربً والسرٌانً وال ُكتُب كلها لبل موته‬
‫بثالثمابة سنة‪ ،‬كتبها فً طٌن وطبخه‪ .‬فلما أصاب األرض الؽرق وجد كل لوم كتا ًبا‬
‫فكتبوه‪ ،‬فكان من نصٌب إسماعٌل الكتاب العربً وعُززت هذه األسطورة بمول‬
‫منسوب البن عباس أن إسماعٌل هو الذي أول من وضع الكتاب العربً(‪ ،)43‬وهو‬
‫كالم ٌتنالض مع الزعم بوجود العرب البابدة والمستعربة‪ ،‬بل ٌكون إسماعٌل هو‬
‫أبو العرب العاربة ولٌس عدنان‪.‬‬
‫فوضعت لها المواعد‪ ،‬وتم‬‫وال ٌمكن إنكار أن اإلسالم لد حفز تطور اللؽة العربٌة؛ ُ‬
‫ابتكار التنمٌط والتشكٌل بؽرض المحافظة على معانً المرآن من الضٌاع وضبط‬
‫سا‪ .‬وال شن أن المرآن نفسه كنص لد‬ ‫لراءته‪ .‬كما تطور اإلعراب لؽرض دٌنً أسا ً‬
‫فاق ما لبله من نصوص عربٌة‪ ،‬بدلٌل أنه تحدى العرب أن ٌكتبوا سورة منه‪ ،‬ولم‬
‫ً‬
‫دلٌال على نبوته أهم من المرآن‪،‬‬ ‫ٌمبل أحد هذا التحدي بجدٌة‪ ،‬بل لم ٌمدم دمحم‬
‫متحدًٌا العرب به‪ .‬ولد أدى هذا إلى المزٌد من االعتزاز العربً باللؽة‪ ،‬التً صارت‬
‫أكثر تطو ًرا وانضبا ًطا بفضل اإلسالم‪.‬‬
‫(‪)44‬‬
‫ً‬
‫اعتزازا شدٌدًا‪ ،‬وتعطٌهم لؽتهم إمكانٌات‬ ‫والعرب بوجه عام ٌعتزون بالبالؼة‬
‫كبٌرة فً هذا المجال‪ .‬ولذلن كان للشعراء أهمٌة كبٌرة فً المجتمع العربً لبل‬

‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=25&book=560&PHPSESSID=66fb86448‬‬
‫‪405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪ )43‬ابن فارس‪ ،‬الصاحبً فً فمه اللؽة‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=16&book=1151‬‬
‫(‪)44‬‬
‫تعرٌؾ البالؼة حسب ما جاء فً معجم مماٌٌس اللؽة ألبً الحسٌن أحمد بن فارس بن زكرٌا‪:‬‬
‫"(بلػ) الباء والالم والؽٌن أصل واحد وهو الوصول إلى الشًء‪ .‬تمول بلؽت المكان‪ ،‬إذا وصلت إلٌه‪ .‬ولد‬
‫تسمى المشارفة بلو ًؼا بحك المماربة‪ .‬لال اللـه تعالى‪{ :‬فإذا بلؽن أجلهن فؤمسكوهن بمعروؾ} (الطالق‪.)2 :‬‬
‫ومن هذا الباب لولهم هو أحمك بلػ وبلػ‪ ،‬أي إنه مع حمالته ٌبلػ ما ٌرٌده‪ .‬والبلؽة ما ٌتبلػ به من عٌش‪،‬‬
‫كؤنه ٌراد أنه ٌبلػ رتبة المكثر إذا رضً ولنع‪ ،‬وكذلن البالؼة التً ٌمدح بها الفصٌح اللسان‪ ،‬ألنه ٌبلػ بها ما‬

‫‪19‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬لما للشعر من تؤثٌر كان ٌُمارن بتؤثٌر السٌؾ‪ ،‬ولد اهتم العرب بشعرابهم‬
‫باعتبارهم من حماة المبٌلة بلسانهم‪ ،‬لما كان من تؤثٌر كبٌر لألشعار‪ ،‬سواء فً‬
‫السلم أو الحرب‪ .‬ومن هنا اعتبروا إعجاز المرآن لؽوٌا‪ .‬فرؼم أن اللؽة من إنتاج‬
‫البشر‪ ،‬إال أن أصحاب اللؽة أعلنوا عجزهم عن أن ٌنتجوا بها نصا كالمرآن‪ ،‬من‬
‫حٌث البالؼة‪ ،‬وهذا هو أهم دلٌل لدمه المرآن نفسه على مصدره اإللهً‪ .‬وكان‬
‫ٌكفً لكثٌر من العرب أن ٌستمع إلى عدد من آٌات المرآن لٌعلن إٌمانه باإلسالم‬
‫كله‪ ،‬اعتمادًا على بالؼة لؽة المرآن وموسٌماه التً فالت ما كان ٌسمعه من الشعر‪.‬‬
‫فمد كانت مجرد تالوة المرآن وحدها كافٌة لتحوٌل بعض العرب إلى مسلمٌن(‪،)45‬‬
‫ونشٌر كمثال إلى ما ُذكر فً التراث من تؤثر أحد شٌوخ وفصحاء لرٌش‪ ،‬وهو‬
‫الولٌد بن المؽٌرة بالمرآن؛ فوصفه ً‬
‫لابال‪ :‬وهللا إن له لحالوة وإن علٌه لطالوة وإن‬
‫(‪)46‬‬
‫أعاله لمثمر وإن أسفله لمؽدق وما ٌمول هذا بشر وإنه لٌعلو وال ٌعلى ‪.‬‬
‫وأما الرافضون لإلسالم فرأوا فٌه سح ًرا‪ ،‬لما فٌه من بالؼة تتحداهم‪ ،‬وللٌلون من‬
‫ادعى أنه ٌستطٌع أن ٌتحدث أفضل من دمحم دون أن ٌحمك ذرة من نجاحه‪ ،‬فمد‬
‫انتصر دمحم انتصا ًرا ساحمًا‪ .‬وما زالت البالؼة تحدث تؤثٌ ًرا هاما للمستمعٌن العرب‪،‬‬
‫بحٌث لد تصرفهم عن مضمون الحدٌث نفسه‪.‬‬
‫وبذا لام اإلسالم بتجاوز التمسٌم إلى عرب و"عجم" دون أن ٌنفٌه نف ًٌا مطل ًما؛ أي‬
‫نفاه واحتفظ به فً نفس الولت؛ هضمه وتجاوزه‪ .‬ومنذ اآلن تصبح العروبة‬
‫مختلطة تما ًما باإلسالم‪ ،‬وٌصبح أساسها ثمافٌا ٌتضمن اللؽة العربٌة‪ ،‬ولٌس لؽوٌا‬
‫ضا كما كان‪ ،‬وأصبحت العروبة هً جسد اإلسالم‪ .‬وألن اللؽة العربٌة أصبحت‬ ‫مح ً‬
‫لؽة النص الممدس ولؽة أهل الجنة‪ ،‬فمد صارت لؽة ممدسة‪.‬‬

‫ٌرٌده‪ ،‬ولً فً هذا بالغ أي كفاٌة‪ .‬ولولهم بلػ الفارس‪ٌ ،‬راد به أنه ٌمد ٌده بعنان فرسه‪ ،‬لٌزٌد فً عدوه‪.‬‬
‫ولولهم تبلؽت الملة بفالن‪ ،‬إذا اشتدت‪ ،‬فألنه تناهٌها به‪ ،‬وبلوؼها الؽاٌة"‪ .‬الجزء األول‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=16&book=758&PHPSES‬‬
‫‪SID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪) 45‬هذه المسؤلة تناولها الكثٌرون من المدامى والمحدثٌن‪ ،‬وتوسع جمال البنا فً وصفها وهو من‬
‫المستنٌرٌن‪ ،‬فؤبرز أهمٌة هذه الظاهرة وحللها‪ .‬انظر‪ :‬نحو فمه جدٌد‪ ،‬الباب الثانً‪ ،‬الفصل السابع‪ ،‬فهم‬
‫الخطاب المرآنً كما ٌجب أن ٌكون‪ ،‬ص ‪ ،154‬سبك ذكره‪.‬‬
‫(‪)46‬‬
‫ذكر ذلن فً كثٌر من كتب السٌرة النبوٌة منها سٌرة ابن هشام والسٌرة الحلبٌة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وأإكد هنا أنه بالرؼم من أن المرآن لم ٌمٌز العرب على ؼٌرهم بالنص فمد استؽل‬
‫العرب هذا النص الممدس فً تمدٌس لؽتهم وبالتالً منح أنفسهم واجب ؼزو العالم‬
‫والسٌطرة علٌه مستؽلٌن أٌضًا دعوة المرآن للمسلمٌن لفرض شرٌعته على العالم‬
‫وابتكروا األحادٌث النبوٌة كل حسب مصلحته ورإٌته والتى ٌتضمن كثٌر منها‬
‫عنصرٌة عربٌة صرٌحة‪ .‬فمد كان لإلسالم الدور األكبر فً دفع العرب إلى ؼزو‬
‫الشعوب األخرى‪ ،‬فباإلضافة إلى توحٌد العرب حول حكومة واحدة لادرة على‬
‫توجٌه المبابل المتناحرة إلى االتحاد ضد الشعوب األخرى‪ ،‬لدم اإلسالم مبررات‬
‫أٌدٌولوجٌة لفكرة الؽزو‪ ،‬الذي اعتبره مهمة ممدسة لنشر اإلسالم وتحمٌك السٌادة‬
‫سا‪ ،‬وجعل منه واجبًا ولٌس حما للعرب‬‫لدٌن هللا‪ .‬هكذا أضفى على الؽزو طابعًا ممد ً‬
‫(‪)47‬‬
‫المسلمٌن‪ ،‬بل صار الفمه اإلسالمً ٌعتبر الؽزو أشرؾ األعمال ‪ .‬وبدعوته للؽزو‬
‫ونشر اإلسالم فً العالم مهد الطرٌك لظهور حكم الؽزاة أنفسهم‪ ،‬ووضع فً ٌد‬
‫العرب – عملٌا ‪ -‬أٌدٌولوجٌا تبرر االستٌالء على األراضً والسٌطرة على‬
‫أصحابها‪.‬‬
‫ولد أدى ظهور وانتصار اإلسالم إلى تؽٌرات اجتماعٌة وسٌاسٌة عمٌمة فً‬
‫الجزٌرة العربٌة والشرق األوسط كله‪:‬‬
‫‪ -1‬تشكلت حكومة عربٌة‪-‬إسالمٌة مركزٌة فً جزٌرة العرب كلها‪ ،‬ثم أخذت تضم‬
‫المزٌد من األراضً والسكان‪.‬‬
‫‪ -2‬تكونت أرستمراطٌة دٌنٌة تمثلت فً الصحابة كان لها نفوذ معنوي ضخم‪.‬‬
‫‪ -3‬مع ؼزو البلدان المجاورة تدفمت الثروات على العرب فاؼتنى الكثٌرون‪.‬‬
‫‪ -4‬تدرٌجٌا سٌطر األموٌون على السلطة السٌاسٌة‪ ،‬ابتداء من عصر عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬حٌن سٌطروا على الشام‪ ،‬ثم اتسع نفوذهم بشدة فً عهد عثمان بن عفان‬
‫وعلً‪ ،‬حتى استولوا على الدولة كلها‪ ،‬وحرموا بمٌة البطون العربٌة من مكاسب‬
‫الفتوحات‪.‬‬
‫‪ -5‬ظهرت فبة ضخمة من المسلمٌن هم "الموالً"؛ أبناء البالد المفتوحة‪،‬‬
‫وبالتالً صار هنان مسلمون عرب ومسلمون موال‪.‬‬
‫ً‬
‫تفصٌال فً كتابً‪ :‬النزعة المركزٌة اإلسالمٌة‪ ،‬الفصل الخامس‪،‬‬ ‫(‪ )47‬تناولت ذلن‬
‫‪http://ahewar.org/rate/bindex.asp?yid=12465‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -6‬ضمت الدولة الجدٌدة مسلمٌن وؼٌر مسلمٌن‪.‬‬
‫كل هذه التؽٌرات خلمت مصالح متباٌنة وصراعات اجتماعٌة عدٌدة‪ ،‬وبالتالً‬
‫أفكا ًرا وأٌدٌولوجٌات متنالضة‪ .‬وألن العرب لد سٌطروا على السلطة والثروة بدون‬
‫شرعٌة راحوا ٌبتكرون شرعٌة مصطنعة‪ ،‬أهمها األحادٌث التً تبرر سٌطرة العرب‬
‫وسٌادتهم‪ ،‬بل ولدسٌتهم‪ ،‬باإلضافة لكتابة السٌرة النبوٌة وتارٌخ اإلسالم‪ ،‬بحٌث‬
‫ٌخدم هذه الشرعٌة‪ .‬وال ٌمكن إنكار أن المرآن نفسه كنص لد شجع ؼزو الشعوب‬
‫األخرى‪ ،‬وفرض تعالٌمه بالموة المسلحة‪ ،‬وهذا تمشى مع نزوع لبابل العرب لبل‬
‫اإلسالم نحو الؽزو وممارسة النهب والسلب‪ ،‬ومع الجوع وحسد الشعوب المجاورة‬
‫على ثرواتها تم إنتاج هذه األفكار‪ ،‬التً منحت تلن المبابل شرعٌة الؽزو والتسلط‬
‫سا‪ ،‬بد ًال من نهب بعضهم البعض وهم‬ ‫وجعلت نهبهم للشعوب األخرى واجبًا ممد ً‬
‫فمراء فً مجموعهم‪ .‬ولذا بالذات كان اإلسالم دعوة للعالمٌن ولٌس للعرب فمط‪،‬‬
‫لتسوٌػ الؽزو والسٌطرة العربٌة‪ ،‬وألنه دعوة عالمٌة‪ ،‬لم ٌتبك للعرب شٌبًا‬
‫ٌسوؼون به مشروعٌة لدسٌتهم سوى لؽة النص الممدس‪ ،‬التً اعتبروها ممدسة‪.‬‬
‫بهذا المعنً كان اإلسالم – موضوعٌا ‪ -‬هو المحفز األول لظهور العنصرٌة‬
‫العربٌة‪ ،‬التً تحججت باللؽة الممدسة‪ .‬ونحن ال نمصد وجود أي خطة دمحمٌة محددة‬
‫إلنتاج أٌدٌولوجٌا شاملة‪ ،‬بل تم إنتاجها بالتفاعل بٌن المابد والجمهور‪ ،‬فجاء‬
‫اإلسالم ‪ -‬حسب تفسٌر العروبٌٌن ‪ -‬مناسبًا لطموحاتهم وإمكانٌاتهم‪.‬‬

‫****************************‬
‫‪ -4‬عروبٌون وإسالمٌون‪:‬‬
‫ٌمكن أن نمول إنه بعد انتصار اإلسالم برزت ثالثة اتجاهات أٌدٌولوجٌة عامة‬
‫لدى العرب(‪ ،)48‬راح كل منها ٌبرر مولفه بابتكار األحادٌث والتفاسٌر واألحداث‬
‫التارٌخٌة التً تناسبه‪.‬‬

‫(‪)48‬‬
‫الرأي الشابع هو ما ذكره لوٌس عوض أن هنان مجرٌٌن فً الفكر اإلسالمً؛ هما مجرى العروبة‬ ‫ُ‬
‫ومجرى اإلسالم‪ ،‬وأن األخٌر تمثل فً الخوارج والشٌعة (واعتبر الشٌعة حركة شعوبٌة)‪ .‬ممدمة فً فمه اللؽة‬
‫العربٌة‪ ،‬ص ص ‪ ،80 – 75‬سبك ذكره‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫األول‪ :‬اتجاه عروبً‪ -‬إسالمً‪ :‬جعل من العروبة األصل الذي جعل هللا ٌحدد أٌن‬
‫ولمن ٌبعث بالرسالة اإلسالمٌة‪ .‬وهذا االتجاه لد برز وسٌطر مع نمو نفوذ ثم‬
‫سٌطرة األموٌٌن‪ ،‬واستمر سابدًا بعد ذلن معظم الولت‪ .‬وهذا هو االتجاه األكثر‬
‫صراحة فً تعبٌره عن العنصرٌة العربٌة التً نحن بصددها‪.‬‬
‫ولدى هذا االتجاه لم ٌُعتبر اختٌار اللـه أن تكون رسالته األخٌرة للبشر باللؽة‬
‫العربٌة وأن ٌكون النبً عربٌا أم ًرا اعتباطٌا‪ .‬ولد فسر ذلن بطرٌمتٌن‪ :‬األولً أن‬
‫الرسالة أنزلت باللؽة العربٌة لفضلها على سابر اللؽات‪ ،‬بل ذكر البعض أن كل‬
‫الكتب السماوٌة لد أنزلت باللؽة العربٌة‪ ،‬وكان جبرٌل ٌترجم لكل نبً بلسان‬
‫لومه(‪ .)49‬والثانٌة أن الرسالة أبلؽت للعرب وبالتالً كان البد أن تؤتً بلؽتهم‪،‬‬
‫واتسالًا مع التفسٌر الثانً ذهب كثٌر من الفمهاء والمثمفٌن العرب مذه ًبا ذو نزعة‬
‫عنصرٌة عربٌة فجة‪ ،‬ولنمرأ معًا هذا النص الماطع لواحد من أكبر "علماء"‬
‫اإلسالم؛ ابن تٌمٌة‪:‬‬
‫"جنس العرب أفضل من جنس العجم‪ -‬فإن الذي علٌه أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫اعتماد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم‪ ،‬عبرانٌهم وسرٌانٌهم‪ ،‬رومٌهم‬
‫شا‪ :‬أفضل العرب‪ ،‬وأن بنً هاشم‪ :‬أفضل لرٌش‪ ،‬وأن‬ ‫وفرسٌهم‪ ،‬وؼٌرهم‪ .‬وأن لرٌ ً‬
‫رسول اللـه صلى اللـه علٌه وسلم أفضل بنً هاشم‪ ،‬فهو‪ :‬أفضل الخلك نفسًا‪،‬‬
‫وأفضلهم نسبًا‪ .‬ولٌس فضل العرب‪ ،‬ثم لرٌش‪ ،‬ثم بنً هاشم لمجرد كون النبً‬
‫صلى اللـه علٌه وسلم منهم‪ ،‬وإن كان هذا من الفضل‪ ،‬بل هم فً أنفسهم أفضل‪،‬‬
‫وبذلن ٌثبت لرسول اللـه صلى اللـه علٌه وسلم‪ :‬أنه أفضل نفسًا ونسبًا"‪.‬‬
‫"بؽض العرب كفر أو سبب للكفر‪ ،‬ونفاق‪ ،‬وحبهم إٌمان‪ :‬وهذا دلٌل على أن‬
‫بؽض جنس العرب‪ ،‬ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر‪ ،‬وممتضاه‪ :‬أنهم أفضل من‬
‫ؼٌرهم‪ ،‬وأن محبتهم سبب لوة اإلٌمان‪ ،‬ألنه لو كان تحرٌم بؽضهم كتحرٌم بؽض‬
‫سابر الطوابؾ ‪ -‬لم ٌكن ذلن سببًا لفراق الدٌن‪ ،‬وال لبؽض الرسول‪ ،‬بل كان ٌكون‬
‫نوع عدوان‪ ،‬فلما جعله سببًا لفراق الدٌن وبؽض الرسول ‪ -‬دل على أن بؽضهم‬
‫أعظم من بؽض ؼٌرهم‪ ،‬وذلن دلٌل على أنهم أفضل‪ ،‬ألن الحب والبؽض ٌتبع‬
‫الفضل‪ ،‬فمن كان بؽضه أعظم ‪ -‬دل على أنه أفضل‪ ،‬ودل ‪ -‬حٌنبذ على أن محبته‬
‫(‪ )49‬اإلمام أبً عبٌد الماسم بن سالم‪ ،‬لؽات المبابل الواردة فً المرآن الكرٌم‪،‬‬
‫‪http://saaid.net/book/open.php?cat=2&book=601‬‬

‫‪23‬‬
‫دٌن‪ ،‬ألجل ما فٌه من زٌادة الفضل وألن ذلن ضد البؽض‪ ،‬ومن كان بؽضه سببًا‬
‫للعذاب بخصوصه ‪ -‬كان حبه سببًا للثواب‪ ،‬وذلن دلٌل على الفضل”(‪.)50‬‬
‫ومما ذُكر فً التراث أن "لهم مكارمُ أخالق محمودة ال تنحصر‪ ،‬ؼرٌزة فً‬
‫أنفسهم‪ ،‬وسجٌة لهم ُجبلوا علٌها‪ ،‬لكن كانوا لبل اإلسالم طبٌعة لابلة للخٌر‪ .‬ومما‬
‫ٌدل على فضل العرب أٌضًا ما رواه البزار بإسناده لال‪ :‬لال سلمان ‪ -‬رضً اللـه‬
‫عنه‪ :-‬نفضلكم ٌا معشر العرب لتفضٌل رسول اللـه – صلى اللـه علٌه وآله وسلم‪-‬‬
‫إٌاكم‪ ،‬ال ننكح نساءكم‪ ،‬وال نإ ُمكُم فً الصالة"(‪ .)51‬ولال ابن حنبل أستاذ ابن‬
‫تٌمٌة‪" :‬ونعرؾ للعرب حمها وفضلها وسابمتها ونحبهم لحدٌث النبً صلى اللـه‬
‫علٌه وسلم فإن حبهم إٌمان وبؽضهم نفاق"(‪.)52‬‬
‫ومن األحادٌث التً تفرض حب العرب‪:‬‬
‫من ؼش العرب لم ٌدخل فً شفاعتً ولم تنله مودتً (الجامع الصحٌح سنن‬
‫الترمذي‪ – )53()3928-‬لمن أحب العرب فبحبً أحبهم ومن أبؽض العرب فببؽضً‬
‫أبؽضهم ‪-‬أحبوا العرب لثالث ألنً عربً والمرآن عربً وكالم أهل الجنة‬
‫عربً(‪.)54‬‬
‫‪ -‬وفً مسند أحمد ‪ 23346 -‬جاء‪ ..:‬عن سلمان لال‪ :‬لال لً رسول اللـه صلى‬
‫اللـه علٌه وسلم‪ٌ :‬ا سلمان‪ ،‬ال تبؽضنً فتفارق دٌنن‪ ،‬لال‪ :‬للت‪ٌ :‬ا رسول اللـه‪،‬‬

‫(‪ )50‬التضاء الصراط المستمٌم‪ ،‬سبك ذكره‪.‬‬


‫(‪ )51‬مرعً الكرمً‪ ،‬مسبون الذهب‪ ،‬سبك ذكره‪ .‬ذكر هذا برواٌات مختلفة من المحتمل أن بعضها ٌحمل معنى‬
‫االستنكار ونمد العرب‪ٌ .‬مكن الرجوع فً ذلن لكتاب‪ :‬سلمان الفارسً‪ ،‬السٌد جعفر مرتضى العاملً‪،‬‬
‫‪http://www.alkafeel.com/islamiclibrary/history/salman/index.html‬‬
‫(‪ )52‬كتاب العمٌدة‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/archive/books/ahmed1.zip‬‬
‫(‪)53‬‬

‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=8&book=60&PHPSESSI‬‬
‫‪D=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪ )54‬الحاكم النٌسابوري‪ ،‬معرفة علوم الحدٌث‪ ،‬ذكر النوع الثامن والثالثٌن من علوم الحدٌث‪،‬‬
‫‪http://www.kabah.info/uploaders/ma3refat.pdf‬‬

‫‪24‬‬
‫وكٌؾ أبؽضن وبن هدانا هللا؟ لال‪ :‬تبؽض العرب فتبؽضنً‪ُ .‬وذُكر الحدٌث نفسه فً‬
‫سنن الترمذي ‪.4096-‬‬
‫وحتى الخوارج لصروا الدخول فً مذهبهم على العرب‪ ،‬ورأوا أن اإلمامة تنحصر‬
‫فً العرب‪ ،‬وذلن حتى ضعفت شوكتهم‪ ،‬ولم ٌعد لدٌهم ما ٌكفً من األتباع‪،‬‬
‫فاضطروا لدعوة الموالً‪ ،‬والتحول إلى االتجاه الذي ٌرى أن الحكم ٌمكن أن ٌكون‬
‫ألي مسلم‪ ،‬وطبموا ذلن بالفعل‪ ،‬فسمحوا أن ٌكون حاكم دولتهم بالمؽرب‪ :‬دولة بنً‬
‫مدرار‪ ،‬زنجٌا(‪.)55‬‬
‫المفهوم من هذا الكالم أن اختٌار دمحم لٌس سابمًا على اختٌار العرب لحمل‬
‫الرسالة‪ ،‬فلم تكن عروبة دمحم صدفة‪ ،‬بل تم اختٌاره ألفضلٌة العرب على "العجم"‬
‫ً‬
‫أصال‪.‬‬
‫ولد ذهب أصحاب هذا االتجاه إلى اشتراط أن ٌكون إمام المسلمٌن من العرب‪،‬‬
‫وأؼلبهم رأى أن ٌكون من لرٌش بالذات(‪ ،) 56‬واستندوا فً هذا إلى أحادٌث‬
‫صحٌحة فً عرؾ علماء اإلسالم‪ ،‬وأخذ بها الؽالبٌة العظمى من الفمهاء واألبمة‬
‫السنة األربعة‪ ،‬وبعض المعتزلة‪ ،‬ولم ٌخالفها إال الخوارج‪ ،‬وبعض المعتزلة(‪،)57‬‬
‫وبعض األشاعرة‪ ،‬وبعض الزٌدٌة‪ .‬كما ٌإمن بها الكثٌر من عامة المسلمٌن نظرٌا‪،‬‬
‫وإن كانت ؼٌر مطرولة عملٌا فً العصر الراهن‪.‬‬
‫ولد استخدم الحدٌث لتؤكٌد "صحة" هذا الخٌار‪ :‬جاء فً صحٌح البخارى ‪-‬‬
‫‪ :3424‬ال ٌزال هذا األمر فً لرٌش ما بمً منهم اثنان ‪ -‬لرٌش والة هذا األمر‬

‫(‪ )55‬محمود إسماعٌل‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫(‪ )56‬من أهم منظري سٌاسة الحكم فً الدولة اإلسالمٌة‪ :‬الماوردي ولد اعتبر النسب المرشً هو الشرط‬
‫السابع لإلمام‪ ،‬األحكام السلطانٌة‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=11&book=1216&PHPSES‬‬
‫‪SID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫وذهب مثله أبو ٌعلً الفراء‪ ،‬األحكام السلطانٌة‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/archive/books/ahkam%20sultanya2.zip‬‬
‫(‪ )57‬من المعتزلة من رأى حصر اإلمامة فً لرٌش ومنهم من رأى أنه إن لم ٌكن فً لرٌش من ٌصلح جازت‬
‫إمامة ؼٌرهم (دمحم عمارة‪ ،‬المعتزلة ومشكلة الحرٌة اإلنسانٌة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة الثانٌة‪ 1988 ،‬ص‬
‫‪.)177‬‬

‫‪25‬‬
‫فبر الناس تبع لبرهم‪ ،‬وفاجرهم تبع لفاجرهم(‪ ،)58‬إن اللـه حٌن خلك الخلك بعث‬
‫جبرٌل فمسم الناس لسمٌن لسم العرب لس ًما ولسم العجم لس ًما وكانت خٌرة اللـه‬
‫فً العرب ثم لسم العرب إلى لسمٌن فمسم الٌمن لس ًما ولسم مضر لس ًما وكانت‬
‫خٌرة اللـه فً مضر ولسم مضر لسمٌن فكانت لرٌش لس ًما وكانت خٌرة اللـه فً‬
‫لرٌش ثم أخرجنى من خٌار من أنا منه(‪.)59‬‬
‫ونجد فً الفكر اإلسالمً على مدى التارٌخ ما خص حتى "الكفار" من العرب بما‬
‫ٌمٌزهم على نظرابهم من "العجم"؛ إذ ال رق لعربً‪ ،‬وفمًا لمسم مهم من الفمهاء‪،‬‬
‫منهم مالن‪ ،‬وأبً حنٌفة‪ ،‬والشافعً‪ ،‬فً مذهبه المدٌم ورواٌة ألحمد وابن تٌمٌة‪،‬‬
‫وكذلن عمر بن الخطاب‪ ،‬الذي حرر السبً من العرب فً حروب الردة حٌن تولً‬
‫الخالفة‪ ،‬والبدٌل هو المتل ما لم ٌدخلوا فً اإلسالم؛ تكرٌ ًما لهم‪ .‬وهذا ما اتفك علٌه‬
‫معظم الفمهاء‪ ،‬عدا الشافعً فً مذهبه الجدٌد‪ ،‬ورواٌة ألحمد‪ ،‬والشوكانً‪ ،‬باعتبار‬
‫أن المتل أفضل من االسترلاق‪.‬‬
‫عزي فضل لرٌش لحكمتهم ومكانتهم الدٌنٌة حتى لبل اإلسالم‪ :‬ففً مسند‬ ‫ولد ُ‬
‫اإلمام أحمد (‪ )16423‬جاء‪ :‬إن للمرشً مثلً لوة الرجل من ؼٌر لرٌش‪ .‬فمٌل‬
‫للزهري‪ :‬ما عنى بذلن لال‪ :‬نبل الرأي(‪ ،)60‬وكانوا لبل اإلسالم ٌسمون أهل اللـه‪،‬‬

‫(‪ )58‬وهو الحدٌث الذي‪ -‬وفمًا لرواٌة ابن كثٌر‪ -‬احتج به أبو بكر لٌتولى الخالفة بعد وفاة دمحم فً اجتماع‬
‫سمٌفة بنً ساعدة‪ ،‬ابن كثٌر‪ ،‬البداٌة والنهاٌة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص‪،268‬‬
‫‪.http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=251‬‬
‫لال ابن كثٌر مسندا كالمه إلى اإلمام أحمد‪" :‬لال‪ :‬فانطلك أبو بكر وعمر ٌتعادان حتى أتوهم‪ ،‬فتكلم أبو بكر‬
‫فلم ٌترن شٌبا أنزل فً األنصار‪ ،‬وال ذكره رسول اللـه من شؤنهم إال ذكره ولال‪ :‬لمد علمتم أن رسول اللـه‬
‫صلى اللـه علٌه وسلم لال‪ :‬لو سلن الناس وادًٌا وسلكت األنصار وادًٌا‪ ،‬سلكت وادي األنصار ولمد علمت ٌا‬
‫سعد أن رسول اللـه صلى اللـه علٌه وسلم لال وأنت لاعد‪ :‬لرٌش والة هذا األمر فبر الناس تبع لبرهم‪،‬‬
‫وفاجرهم تبع لفاجرهم"‪ .‬وهو ما أنكرته كافة المراجع اإلسالمٌة األخرى الهامة من سنٌة وشٌعٌة‪.‬‬
‫(‪ً )59‬‬
‫نمال عن‪ :‬علً بن برهان الدٌن الحلبً‪ ،‬السٌرة الحلبٌة فً سٌرة األمٌن المؤمون‪ ،‬جزء ‪ ،1‬ص ‪،44‬‬
‫‪http: //arabic.islamicweb.com/Books/seerah.asp?book=3‬‬
‫(‪ )60‬تناول أبو عبد اللـه الذهبً هذه المضٌة بالتفصٌل فً‪ :‬هل المرشٌة شرط فً اإلمامة؟ معتم ًدا على‬
‫النصوص الممدسة وؼٌرها‪،‬‬
‫‪http: //saaid.net/book/open.php?cat=8&book=416‬‬

‫‪26‬‬
‫وٌسمون سكان اللـه‪ ،‬وأهل الحرمة‪ ،‬ولطان بٌت اللـه‪ ،)61(..‬رؼم أنهم من العرب‬
‫المستعربة‪ ،‬حسب التراث‪.‬‬
‫ومن األفكار التً تعزز مكانة لرٌش ما ٌشٌع حتى اآلن لدى العرب عن أن لؽة‬
‫لرٌش هً األكثر بالؼة بٌن لهجات العرب‪ ،‬وٌُضاؾ أن المرآن جاء بها‪ ،‬مما ٌتسك‬
‫مع المول بؤفضلٌة لرٌش على بمٌة الناس‪ ،‬رؼم أن تفوق لؽة لرٌش لٌس مإكدًا‪،‬‬
‫كما أنه لٌس من المإكد أن كل لؽة المرآن بالكامل هً بلسان لرٌش‪ ،‬فمن المحتمل‬
‫أن به كلمات بلهجات أخرى من مختلؾ لهجات العرب‪ ،‬كما اختلؾ ثماة الصحابة‬
‫فً تمرٌر اللؽة التً كتب بها أهً لؽة لرٌش أم مضر كما أنه من المإكد أن به‬
‫الكثٌر من الكلمات المعربة وحتى ؼٌر المعربة‪ ،‬وفمًا ألؼلب آراء المتفمهٌن فً هذا‬
‫األمر(‪ .)62‬واأللرب للمعمول أن لؽة لرٌش نفسها تضمنت كلمات من أصل ؼٌر‬
‫عربً‪.‬‬
‫وفً ممارسة الشعابر ألر كثٌر من كبار مفكري اإلسالم أن تُفرض أٌضًا اللؽة‬
‫العربٌة‪ ،‬فمال مالن فً ال ُمدونة(‪" :)63‬أكره أن ٌدعو الرجل باألعجمٌة فً الصالة‪.‬‬
‫ولدى النووي ال تجوز المراءة باألعجمٌة سواء أحسن العربٌة أم ال سواء كان فً‬

‫(‪ )61‬استعرض دمحم بن حبٌب بن أمٌة بن عمرو‪ ،‬البؽدادي‪ ،‬أبو جعفر فضابل لرٌش من األحادٌث النبوٌة‬
‫وؼٌرها بالتفصٌل فً كتاب‪ :‬المنمك من أخبار لرٌش‪،‬‬
‫‪www.al-eman.com/islamlib/viewtoc.asp?BID=225‬‬
‫(‪ )62‬حلل هذه المضٌة بالتفصٌل جواد علً‪ ،‬المفصل فً تارٌخ العرب لبل اإلسالم‪ ،‬الفصل ‪ ،136‬سبك ذكره‪.‬‬
‫ً‬
‫فصوال من كتابه‪ :‬اإلتمان فً علوم المرآن للكشؾ عن الكلمات ؼٌر المرشٌة وؼٌر العربٌة‬ ‫وأفرد السٌوطً‬
‫فً المرآن (الفصل ‪،)39 ،38 ،16‬‬
‫‪http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=156‬‬
‫وعلى نمٌضه ذهب ابن حسنون‪ ،‬إلى أن لؽة المرآن هً لؽة العرب فمط بلسان لرٌش ولد وافمت بعض ألفاظه‬
‫ألفا ً‬
‫ظا من لؽات أخرى‪ ،‬وهذا هو موضوع كتابه‪ :‬اللؽات فً المرآن‪،‬‬
‫‪www.hdhod.com/file/90312/‬‬
‫(‪ )63‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪،63‬‬
‫‪http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16458&page=6&pp=1‬‬
‫‪5‬‬

‫‪27‬‬
‫(‪)64‬‬
‫ورأى ابن حزم أن من لرأ باألعجمٌة فً الصالة فلم ٌمرأ‬ ‫الصالة أم خارجها"‬
‫المرآن بال شن(‪.)65‬‬
‫وألن العرب اعتبروا أنفسهم أفضل من ؼٌرهم‪ ،‬وأن المرأة ألل من الرجل‪،‬‬
‫سمحوا لبل اإلسالم للرجل العربً أن ٌتزوج أي امرأة‪ ،‬ولكن لم ٌسمحوا للمرأة‬
‫العربٌة أن تتزوج إال عربً‪ ،‬حتى ال ٌتحكم فً العربٌة أعجمً(‪ .)66‬واستمر هذا‬
‫التمٌٌز بعد اإلسالم‪ ،‬وأضٌؾ علٌه رأي أخذ به معظم الفمهاء‪ٌ ،‬رى أال ٌتزوج مسلم‬
‫ي بعض كبار الفمهاء‪ ،‬ومنهم‬ ‫أعجمً من امرأة عربٌة‪ ،‬بحجة عدم الكفاءة‪ ،‬وهو رأ ُ‬
‫األحناؾ (نسبة ألبً حنٌفة)‪ .‬ورؼم أنه ال ٌوجد حدٌث نبوي ٌفٌد ذلن بل العكس‪،‬‬
‫ُرفض – كما لٌل فً التارٌخ‪ -‬تزوٌج بالل وسلمان الفارسً من نسوة عرب وفً‬
‫حٌاة النبً‪ ،‬لعدم التكافإ(‪ ،)67‬ؼالبًا بالمخالفة لتعلٌماته‪ .‬ولد أشار الجاحظ إلى هذا‬
‫التمٌٌز‪ ،‬ناسبًا إلى الزنج‪ :‬ولد لالت الزنج للعرب‪ :‬من جهلكم أنكم رأٌتمونا لكم‬
‫أكفاء فً الجاهلٌة فً نسابكم فلما جاء عدل اإلسالم رأٌتم ذلن فاسدًا وما بنا‬
‫الرؼبة عنكم(‪ .)68‬ونُسب إلى عمر بن الخطاب تشدده فً هذه المسؤلة‪ ،‬بالنهً عن‬

‫(‪ )64‬اإلمام محًٌ الدٌن النووي‪ ،‬المجموع شرح المهذب‪ ،‬ص ‪،165‬‬
‫‪http: //www.almeshkat.net/books/archive/books/almohdab .zip‬‬
‫(‪ )65‬اإلحكام فً أصول األحكام‪،‬‬
‫‪http:‬‬
‫‪//www.almeshkat.net/books/list.php?cat=11&PHPSESSID=66fb86448405‬‬
‫‪e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪)66‬‬
‫تناول تفاصٌل ذلن عبد السالم الترمانٌنً فً كتاب‪ :‬الزواج عند العرب‪ ،‬سلسلة كتب عالم المعرفة‪ ،‬رلم‬
‫‪.80‬‬
‫(‪)67‬‬
‫من المصادر كتاب المبسوط للسرخسً‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب األكفاء‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/list.php?cat=11&PHPSESSID=66fb8644‬‬
‫‪8405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫وكتاب حاشٌة ابن عابدٌن لدمحم أمٌن بن عابدٌن‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الكفاءة (كتاب إلكترونً‪ ،‬شركة العرٌس‬
‫للكمبٌوتر)‪.‬‬
‫(‪ )68‬رسابل الجاحظ‪ ،‬الرسالة الرابعة كتاب فخر السودان علً البٌضان‪ ،‬ولد امتدح الجاحظ مزاٌا السودان فً‬
‫هذا الفصل وعدد من كان منهم ذو أهمٌة لدى العرب والمسلمٌن الكثٌر‪.‬‬
‫‪www.al-eman.com/islamlib/viewtoc.asp?BID=192 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫زواج العجم من العرب‪ ،‬ولال‪" :‬ألمنعن فروجهن إال من األكفاء"(‪ .) 69‬وعلى‬
‫العكس‪ ،‬فمما ذكرته السٌرة النبوٌة أن النبً لد تجاوز شرط التكافإ‪ ،‬فزوج ابنة‬
‫عمه ضباعة بنت الزبٌر للممداد بن األسود(‪ ،)70‬وهو فً العرؾ السابك على‬
‫اإلسالم ألل تكافإا‪ ،‬فهو لٌس لرشٌا‪ ،‬ولكنه عربً‪ .‬ورفض بعض الفمهاء تمٌٌز‬
‫العرب و"العجم"‪ ،‬مثل الصنعانً‪ ،‬مستعٌنًا بوالعة أخرى‪ ،‬إذ سمح أبو حذٌفة‬
‫بتزوٌج ابنة أخٌه هند بنت الولٌد من سالم بن ربٌعة‪ ،‬وهو مولى المرأة من‬
‫األنصار(‪.)71‬‬
‫وبلؽت العنصرٌة لمتها فً العصر األموي‪ ،‬حٌث اعتبر األموٌون – عملٌا ‪-‬‬
‫اإلسالم دٌن العرب؛ فرفضوا إسالم "العجم"‪ ،‬الذٌن كانوا ٌُسمون الموالً‪،‬‬
‫وفرضوا على من أسلم منهم الجزٌة‪ ،‬ورفضوا أي مشاركة فً الحكم لؽٌر العرب‬
‫األلحاح‪ ،‬بل ومنع الحجاج بن ٌوسؾ الثمفً ؼٌر العرب من إمامة الصالة‪ .‬لم ٌتخذ‬
‫األموٌون هذه السٌاسة من منطلمات أٌدٌولوجٌة أو بناء على مشاعر عنصرٌة‬
‫بحتة‪ ،‬بل وضعوا األٌدٌولوجٌا لمصلحة الدولة‪ ،‬لجمع أكبر كم من الضرابب‪،‬‬
‫وضمان استمرارها‪ ،‬ولو بمخالفة الشرٌعة صراحة‪ .‬ولد انملب عمر بن عبد العزٌز‬
‫على هذه السٌاسة؛ فجعل األولوٌة للمبادئ اإلسالمٌة المرآنٌة‪ ،‬وٌمكن اعتباره‬
‫إسالمٌا لهذا السبب(‪ .)72‬ولد خفت هذه النزعة كثٌ ًرا فً عصر الدولة العباسٌة‪،‬‬
‫التً شارن "العجم" فً إلامتها‪ ،‬بل وكان كل خلفابها من أبناء الجواري‪" ،‬العجم"‬
‫عدا ثالثة فمط(‪.)73‬‬

‫(‪ )69‬المبسوط للسرخسً‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬سبك ذكره‪.‬‬


‫(‪ ) 70‬الحافظ دمحم بن أحمد بن عثمان بن لاٌماز الذهبً‪ ،‬سٌر أعالم النبالء‪ ،‬الجزء الثانً‪،274 ،‬‬
‫‪http://saaid.net/book/open.php?cat=7&book=1237‬‬
‫(‪ )71‬سبل السالم شرح بلوغ المرام‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الكفاءة والخٌار‪ ،‬أم الكتاب لألبحاث والدراسات‬
‫اإللكترونٌة‪ .‬متاح أٌ ً‬
‫ضا كنسخة إلكترونٌة‪ ،‬شركة العرٌس للكمبٌوتر‪.‬‬
‫(‪ )72‬تناول ٌولٌوس فلهوزن تارٌخ الدولة األموٌة بشًء من التفصٌل متضمنًا فترة حكم عمر بن عبد العزٌز‪،‬‬
‫فً كتابه‪ :‬تارٌخ الدولة العربٌة من ظهور اإلسالم الى نهاٌة الدولة األموٌة‪،‬‬
‫‪http://www.4shared.com/office/Gqq2LgsA/.html‬‬
‫(‪ )73‬هم‪ :‬أبو العباس السفاح‪ ،‬والمهدي بن المنصور‪ ،‬ودمحم األمٌن بن هارون الرشٌد‪ ،‬هند ٌوسؾ مجٌد‬
‫السامرابً‪ ،‬أثر الجواري فً العصر العباسً‪،‬‬
‫‪http://www.alnoor.se/article.asp?id=122382‬‬

‫‪29‬‬
‫ولد خبى هذا التوجه مع انحسار سٌطرة العرب‪ ،‬منذ الدولة العباسٌة‪ ،‬وصعود‬
‫صا منذ السٌطرة العثمانٌة‪ .‬ثم عاد لالنتشار من‬
‫مكانة الموالً‪ ،‬ثم الممالٌن‪ ،‬وخصو ً‬
‫جدٌد مع تدهور الدولة العثمانٌة وبدء سٌادة الؽرب وانتشار الفكرة المومٌة عمو ًما‬
‫وصعود الحركة المومٌة العربٌة‪ ،‬فً مواجهة األتران‪ .‬وال ٌمكن اعتبار هذا التوجه‬
‫مجرد مٌراث أٌدٌولوجً‪ -‬مع عدم إنكار هذا العنصر‪ -‬بل األهم هو عامل آخر‪:‬‬
‫تزاٌد االضطهاد التركى للعرب فى عصر أفول تلن اإلمبراطورٌة‪ ،‬واألهم‪:‬‬
‫العنصرٌة األوروبٌة ضد األخر ن‪ ،‬والمواجهات المستمرة بٌن العرب والؽرب‬
‫العنصري؛ فتكونت عنصرٌة مضادة‪.‬‬
‫ولد تبنً المومٌون العرب هذا التوجه (أي عروبة اإلسالم)‪ .‬فعلى سبٌل المثال‬
‫رأى لسطنطٌن زرٌك أن واجب أي عربً أٌا كانت طابفته أن ٌحًٌ وٌمجد ذكرى‬
‫نبً العرب دمحم وأن ٌدافع عن اإلسالم داب ًما‪ ،‬وكان ساطع الحصري ٌرى أن اإلسالم‬
‫ذو دور مهم فً الهوٌة العربٌة‪ ،‬فهو عامل مساعد على نمو الشعور المومً‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى أفكار حزب البعث لوجدناه ٌنتمً لهذا االتجاه‪ ،‬وحتى المإسس‬
‫المسٌحً الدٌانة اعتبر اإلسالم هو حركة لومٌة عربٌة‪ ،‬فالعروبة لها أولولٌة‬
‫منطمٌة على اإلسالم وما األخٌر إال سالح عربً لتحمٌك الوحدة ورسالة األمة‪.‬‬
‫فوفمًا لمٌشٌل عفلك‪" :‬أما صدر اإلسالم فإنه من ناحٌة أخرى ٌمثل اتحاد النفس‬
‫العربٌة مع المدر بعد أن كانت متجاهلة له‪ ،‬فتصبح إرادة المدر هً إرادتها بعد‬
‫عزلة المكان ووحشة الزمان وٌصبح العالم كله‪ ،‬ال بل الكون وكل ما هو منظور‬
‫وؼٌر منظور مسر ًحا لنشاطه ولتطبٌك تلن المٌم الجدٌدة التً ظهرت فً الحٌاة‬
‫العربٌة"(‪ ،)74‬وكان ٌدعو إلى عدم تنحٌة الدٌن مثل الماركسٌة‪ ،‬بل تبنً أفكار‬
‫دٌنٌة تمدمٌة‪ .‬وبوجه عام سار المسٌحٌون العرب فً المشرق العربً عمو ًما نفس‬
‫المسار؛ فصار معظمهم مسلمٌن من حٌث الثمافة وعرب من حٌث االنتماء‪ ،‬وكانت‬
‫مساهمتهم الملموسة فً حركة المومٌة العربٌة ضمن عوامل نمو هذا االتجاه‬
‫العروبً – اإلسالمً‪.‬‬
‫ولد سار على الدرب المومٌون العرب عمو ًما‪ ،‬مثل الناصرٌٌن‪ .‬ولد صار الخطاب‬
‫العروبً رسمٌا تتبناه الدولة مع صعود الناصرٌة‪ ،‬التً أرادت استخدام الحركة‬

‫(‪ )74‬فً سبٌل البعث‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪،108‬‬


‫‪http://albaath.online.fr/download-zip.htm‬‬

‫‪30‬‬
‫المومٌة العربٌة لصالحها‪ ،‬وكذلن بعد وصول حزب البعث إلى السلطة فً سورٌا‬
‫والعراق‪.‬‬
‫ولد تطرؾ هذا االتجاه فً العصر الحدٌث‪ ،‬معتب ًرا العرب لٌسوا مجرد شعوب‬
‫ناطمة بالعربٌة‪ ،‬بل أمة عربٌة واحدة (وأضافت شعارات حزب البعث ‪ :‬ذات رسالة‬
‫خالدة‪ ،‬وٌمصد بها رسالة لٌمٌة وأخاللٌة)‪ ،‬رؼم وجود خالفات عرلٌة وثمافٌة‬
‫واضحة بٌن الناطمٌن بالعربٌة‪ ،‬بل وحتى مشاعر االنتماء‪ .‬ومارس العروبٌون‬
‫تمٌٌزا عنصرٌا واض ًحا ضد األكراد‪ ،‬والتركمان‪ ،‬واألمازٌج‪ ،‬ولبابل جنوب‬ ‫ً‬
‫السودان‪ ،‬ودارفور من ؼٌر العرب‪ ،‬وإلى حد ما النوبٌٌن؛ ألن هذه الشعوب لم‬
‫تتعرب لؽوٌا بالكامل‪ ،‬ولم تعلن انتسابها للمشروع العروبً المضاد للعثمانٌٌن ثم‬
‫للصهٌونٌة والؽرب فٌما بعد‪ .‬وبٌنما لدمت المومٌة العربٌة نفسها كمشروع للتحرر‬
‫من االستعمار وتوحٌد العرب‪ ،‬إال أنها مارست اضطهادًا شدٌدًا تجاه األللٌات‬
‫المومٌة واإلثنٌة بلؽت حد ارتكاب مذابح جماعٌة واسعة‪ ،‬ومحاوالت مستمٌتة‬
‫إلفناء الثمافات ؼٌر العربٌة‪ ،‬ولم توافك أبدًا على حك األمم ؼٌر العربٌة فً تمرٌر‬
‫مصٌرها تجاه الحكم العربً‪ .‬ونجد جذور هذا التوجه فً الؽزوات العربٌة فً صدر‬
‫اإلسالم‪ ،‬حٌث عمل العرب كل جهدهم لتعرٌب البلدان التً احتلوها وضمها‬
‫ألمالكهم‪ ،‬وفً البداٌة لسموا السكان إلى عرب وموالً‪ ،‬ولكن مع اتساع التعرٌب‬
‫وامتزاج السكان اختفى وصؾ الموالً‪ ،‬وصار المتعربون منهم ٌعتبرون عر ًبا‪.‬‬
‫ولد اهتم العروبٌون بإبراز التارٌخ العربً‪ ،‬الذي بدأ منذ ما لبل الدعوة اإلسالمٌة‬
‫على حساب تارٌخ األلطار العربٌة المختلفة‪ :‬الفرعونً والبابلً وؼٌرهما‪ .‬وأعادوا‬
‫االعتبار للتارٌخ "الجاهلً"‪ ،‬بإبراز فضابل العرب لبل اإلسالم‪ ،‬واستعدادهم للمٌام‬
‫بالمهمة الممدسة التالٌة لـ "الجاهلٌة"‪ ،‬وتصوٌرهم كما لو كانوا أصحاب حضارة‬
‫عرٌمة‪ ،‬كما نفخوا فً فضابل اللؽة العربٌة بشدة‪ ،‬وتعاملوا مع اإلسالم كنتاج‬
‫لعبمرٌة عربٌة‪ .‬بل اعتبر كثٌر منهم شعوبًا متحضرة ؼٌر عربٌة األصل ضمن‬
‫العرب مثل الفٌنٌمٌٌن‪ ،‬واآلرامٌٌن‪ ،‬والبابلٌٌن‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وبفضل اعتبار لؽتهم ممدسة وأنها لؽة الكتاب الممدس‪ٌ ،‬عتمد العروبٌون أن هللا‬
‫معهم‪ ،‬وأنهم منتصرون فً النهاٌة على أعدابهم‪ ،‬فالصراع السٌاسً مع الشعوب‬
‫األخرى ٌتخذ فً أذهانهم صورة دٌنٌة‪ ،‬فالعروبة لٌست مجرد انتماء لؽوي أو‬
‫لومً‪ ،‬بل انتماء لشًء ممدس ٌفضله هللا على العالمٌن؛ إنها دٌن حمٌمً؛ إنها‬
‫رسالة خالدة مدعومة من السماء‪ ،‬ولد سبموا ماركس الذي أخذ بالحتمٌة‬

‫‪31‬‬
‫التارٌخٌة؛ فاعتبروا انتصار المومٌة العربٌة هو حتمٌة تارٌخٌة مدعومة من هللا‬
‫نفسه‪.‬‬
‫الثانً‪ :‬اتجاه إسالمً صرؾ‪ :‬ذهب إلى اعتبار اإلسالم هو معٌار التفوق ولٌس‬
‫اللؽة أو العنصر‪ ،‬وهإالء تمثلوا فً الخوارج‪ ،‬فً مرحلة متؤخرة من تارٌخهم(‪،)75‬‬
‫وجزء من المعتزلة‪ ،‬والمرامطة الذٌن مثلوا االتجاه األكثر مساواتٌة فً‬
‫اإلسالم(‪ .)76‬ورؼم لوة حجج الخوارج المنطمٌة والنصٌة (المرآن) لم ٌنجحوا فً‬
‫تحمٌك سٌادتهم؛ فمد سحمهم علً بن أبً طالب‪ ،‬وخلفاء بنً أمٌة وبنً العباس‬
‫بمسوة(‪ ،)77‬أما الشعوبٌون فسادوا فً مناطك معٌنة‪ ،‬مثل فارس‪ ،‬وبعض سواحل‬
‫الخلٌج‪ ،‬وطالما تعرضوا لممع بالػ من خلفاء العرب‪ .‬وكُتب فً التراث اإلسالمً ما‬
‫ٌفٌد أن ؼٌر العربً‪ ،‬كصهٌب الرومً‪ ،‬وسلمان الفارسً‪ ،‬وبالل الحبشً‪،‬‬
‫وؼٌرهم؛ لد ٌكون أفضل من آالؾ من العرب(‪ .)78‬والواضح – حسب هذا التوجه ‪-‬‬
‫أن مٌزة العرب األهم صارت بعد اإلسالم تتلخص فً لدرتهم على حمل وتوصٌل‬
‫الرسالة اإللهٌة‪ ،‬وإذا لم ٌلتزموا بذلن فربما – وفمًا لألحادٌث ‪ -‬أن تنتمل المهمة‬
‫إلى ؼٌرهم‪ .‬فاألولوٌة تظل للدٌن ومهمة الدعوة له‪ :‬حدثنا عبد بن حمٌد حدثنا عبد‬
‫الرزاق أخبرنا شٌخ من أهل المدٌنة عن العالء بن عبد الرحمن عن أبٌه عن أبً‬
‫هرٌرة لال تال رسول اللـه ‪ -‬صلى اللـه علٌه وسلم‪ٌ -‬وما هذه اآلٌة‪ :‬وإن تتولوا‬
‫ٌستبدل لو ًما ؼٌركم ثم ال ٌكونوا أمثالكم‪ ،‬لالوا ومن ٌستبدل بنا لال فضرب رسول‬
‫اللـه ‪-‬صلى اللـه علٌه وآله وسلم‪ -‬على منكب سلمان ثم لال‪ :‬هذا ولومه هذا‬
‫ولومه (سنن الترمذي‪ .)3883 -‬وبناء على ذلن ذهب بعض اإلسالمٌٌن إلى أن‬
‫اإلمامة كانت من لرٌش بفضل "عصبٌتهم"‪ ،‬أي لوتهم ولدرتهم على لٌادة األمة‪،‬‬

‫(‪ )75‬محمود إسماعٌل‪ ،‬الحركات السرٌة فً اإلسالم‪ ،‬سٌنا للنشر‪ ،‬الماهرة‪ 1997 ،‬ط ‪ ،5‬ص‪ .14‬هذا رؼم أن‬
‫الخوارج لد لصروا أعضاء مذه بهم على العرب فمط لمدة طوٌلة ثم سمحوا بانضمام الموالً لمذهبهم بل‬
‫وتبوء المٌادة أحٌانًا (نفسه‪ ،‬ص ‪.)25‬‬
‫(‪ )76‬اندرج فً حركة المرامطة المبابل العربٌة الضعٌفة والعبٌد والموالً‪ ،‬محمود إسماعٌل‪ ،‬المرجع السابك‪،‬‬
‫ص ‪.123‬‬
‫(‪ )77‬محمود إسماعٌل‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ص ‪.22 -21‬‬
‫(‪ )78‬مرعً الكرمً‪ ،‬مسبون الذهب‪ ،‬سبك ذكره‬

‫‪32‬‬
‫ولكن ما أن ضاعت هذه العصبٌة وبرزت ؼٌرها حتى انتمل حك الخالفة إلى‬
‫ؼٌرهم؛ العثمانٌٌن(‪.)79‬‬
‫واستند هإالء أٌضًا إلى الكثٌر من النصوص الممدسة من المرآن واألحادٌث‪ ،‬التً‬
‫ال تمٌز بٌن الناس إال على أساس التموى والعمل الصالح‪ ،‬ولد جاء فً الحدٌث‪:‬‬
‫حدثنا دمحم بن بشار حدثنا ٌحًٌ حدثنا شعبة لال‪ :‬حدثنً أبو التٌاح عن أنس عن‬
‫النبً ملسو هيلع هللا ىلص لال‪ :‬اسمعوا وأطٌعوا وإن استُعمل حبشً كؤن رأسه زبٌبة (صحٌح‬
‫البخاري‪ )684 -‬والتملٌل من شؤن الحبشً واضح هنا‪ ،‬ولكن المالحظ أن الحدٌث‬
‫ال ٌستنكر تبوأه لإلمامة‪ .‬وفً مسند اإلمام أحمد ‪ٌ :4376 -‬ا معشر لرٌش‪ ،‬فإنكم‬
‫أهل هذا األمر ما لم تعصوا اللـه‪ ،‬فإذا عصٌتموه بعث إلٌكم من ٌلحاكم كما ٌلحً‬
‫هذا المضٌب‪ ،‬لمضٌب فً ٌده ثم لحا لضٌبه فإذا هو أبٌض ٌصلد‪ ،‬أي أن أولوٌتهم‬
‫مرهونة بعدم معصٌتهم للـه‪.‬‬
‫وبالطبع ٌسود هذا التوجه فً البلدان اإلسالمٌة ؼٌر العربٌة‪ ،‬مثل باكستان‬
‫أصال اللؽة والثمافة العربٌة‪ .‬ولد ذهب كل من المودودي‬‫ً‬ ‫وؼٌرها‪ ،‬حٌث لم تنتشر‬
‫والخمٌنى نفس المذهب فى الفصل بٌن اإلسالم والمومٌة‪ ،‬ومن المحتمل أن هإالء‬
‫ٌتمثلون نهجا لومٌا ؼٌر عربً بحكم انتمابهم‪ .‬فالمودودي فى كتابه‪ :‬نظرٌة‬
‫ضا فكرة المواطنة‪ ..‬إلخ(‪.)80‬‬
‫اإلسالم السٌاسٌة نادى بالخالفة اإلسالمٌة راف ً‬
‫وفً العصر التركً كانت السٌادة بالطبع لالتجاه اإلسالمً حتى ظهرت الحركات‬
‫المومٌة‪ ،‬فظهر من جدٌد االتجاه العروبً اإلسالمً واإلسالم العروبً‪ ،‬بد ًءا من دمحم‬
‫بن عبد الوهاب الذي أعلن الجهاد ضد الصوفٌة المدعومة من العثمانٌٌن وخاض‬
‫حربًا ضارٌة ضد الدولة العثمانٌة‪.‬‬
‫وهذا التوجه اإلسالمً الصرؾ لٌس له دور ٌذكر فً الصراع السٌاسً فى العالم‬
‫العربً وال عاللة له بالعنصرٌة العربٌة التً نحن بصددها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اتجاه إسالمً‪ -‬عروبً‪ :‬وٌمكن أن نحدد الفرق الجوهري بٌن االتجاهٌن‬
‫العروبً‪-‬اإلسالمً واإلسالمً‪-‬العروبً فً أن التٌار العروبً ٌمدم خطابًا ٌضع‬
‫اإلسالم فً خدمة العروبة‪ ،‬والعكس بالعكس‪ .‬ولكن حسب ما نعتمد فهذا الخالؾ‬

‫(‪ )79‬دمحم الخضري‪ ،‬اتمام الوفاء فً سٌره الخلفاء‪ ،‬المكتبه الثمافٌه‪ ،1982 ،‬ص ص ‪.9-8‬‬
‫(‪http://ia700602.us.archive.org/18/items/KutubAbulAlaMaududi/2.pdf )80‬‬

‫‪33‬‬
‫شكلً فحسب؛ فٌتفك االتجاهان فً وضع اعتبار خاص للعروبة‪ ،‬من حٌث هً‬
‫اللؽة الممدسة‪ ،‬وبالتالً اعتبار العرب هم األعلً شؤنًا بٌن األمم‪ ،‬بفضل هذه اللؽة‪.‬‬
‫فكالهما اتجاهان لومٌان عربٌان فً النهاٌة‪ٌ ،‬ستخدم األول (العروبً) اإلسالم‬
‫لخدمة العروبة بٌنما ٌتوسع الثانً (اإلسالمً) فً هذا االستخدام نفسه؛ فٌستموي‬
‫بعموم المسلمٌن لخدمة أهدافه المومٌة‪ .‬ولد استخدم لدٌ ًما كل من الخلفاء‬
‫الراشدٌن‪ ،‬وهم من االتجاه اإلسالمً‪ ،‬والخلفاء األموٌٌن‪ ،‬وهم عروبٌون شعارات‬
‫دٌنٌة لتبرٌر الؽزوات‪ ،‬ولكن صبت الؽنابم فً الحالتٌن لصالح العرب‪ .‬ولكن‬
‫لالتساق مع النفس ٌنزع اإلسالمٌون إلى إلصاء ؼٌر المسلمٌن والعلمانٌٌن فً‬
‫البلدان العربٌة‪ ،‬وٌمنحون األولوٌة لالنتماء الدٌنً ال المومً‪ ،‬وٌمٌلون إلى تطبٌك‬
‫الشرٌعة‪ ،‬وهم من شكلوا اإلسالم السٌاسً‪.‬‬
‫ال ٌختلؾ اإلسالمٌون العرب عن العروبٌٌن فً االعتراؾ بمدسٌة اللؽة العربٌة‪،‬‬
‫وبفضل العرب فً نشر الرسالة‪ ،‬وفً نزول األخٌرة إلٌهم‪ ،‬لفضابل تخصهم‪،‬‬
‫وتمٌزهم عن بمٌة الشعوب‪ .‬ولد وضعوا للعروبة مكانة خاصة فً اإلسالم‪ .‬فؤؼلب‬
‫لادته ومفكرٌه لد احتفظوا للعرب بمركز المٌادة والسٌادة فً أطروحاتهم‪.‬‬
‫ولد رأٌنا جمال الدٌن األفؽانً‪ ،‬رؼم توجهه إلى جعل األولوٌة للرابطة الدٌنٌة‬
‫فٌما عرؾ بالجامعة اإلسالمٌة ٌدعو إلى ضرورة لٌادة العرب لهذه الجامعة‪ ،‬داع ًٌا‬
‫األتران أنفسهم إلى التعرب‪" :‬فالعرب ٌمتلكون لسان الدٌن"‪ ،‬الذي ٌعتبره أهم‬
‫األركان‪ ،‬كما أن لهم تارٌ ًخا وحضارة ومدنٌة لم تتوفر لؽٌرهم‪ .‬ولد لارن بٌن‬
‫فتوحات العرب وفتوحات الترن؛ فالفتوحات العربٌة تركت آثا ًرا أدبٌة ومادٌة على‬
‫البلدان المفتوحة‪ ،‬بعكس الترن الذٌن لم ٌتركوا نفس اآلثار(‪.)81‬‬
‫كذلن ذهب حسن البنا إلى تفضٌل جنس العرب على ؼٌرهم‪" :‬ولسنا مع هذا ننكر‬
‫خواص األمم وممٌزاتها الخلمٌة‪ ،‬فنحن نعلم أن لكل شعب ممٌزاته ولسطه من‬
‫الفضٌلة والخلك‪ ،‬ونعلم أن الشعوب فً هذا تتفاوت وتتفاضل‪ ،‬ونعتمد أن العروبة‬
‫لها من ذلن النصٌب األوفً واألوفر"‪ ،‬واعتبر أن من أسباب تحلل الدولة اإلسالمٌة‬

‫(‪ )81‬خاطرات األفؽانً – آراء وأفكار‪ ،‬تمرٌر دمحم باشا المخزومً – إعداد وتمدٌم‪ :‬سٌد هادي خسرو شاهً‪،‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربٌة‪ ،‬ص ‪.90‬‬

‫‪34‬‬
‫انتمال السلطة والرٌاسة إلى ؼٌر العرب"(‪ .)82‬وواضح من كالمه أن أفضلٌة العرب‬
‫ثمافٌة بحتة‪.‬‬
‫ولد كتب دمحم عمارة‪ ،‬اإلسالمً‪ ،‬كتابًا كبٌ ًرا(‪ٌ )83‬شرح فٌه بالتفصٌل هذه العاللة‬
‫التً ال تنفصم بٌن اإلسالم والعروبة‪ٌ ،‬صور فٌه العرب كحاملً الرسالة الممدسة‪،‬‬
‫والمٌم الفاضلة‪ ،‬والساعٌن لبناء حضارة إنسانٌة تجمع كل األجناس‪ ،‬منتمدًا ؼلو‬
‫األموٌٌن‪ ،‬دون أن ٌملل من محورٌة الدور المنوط بالعرب فً حمل راٌة اإلسالم‪.‬‬
‫ومن الؽرٌب أن أبا الحسن الندوي‪ ،‬وهو هندي‪ ،‬لد ألر بمركزٌة الدور العربً‬
‫تجاه اإلسالم والعالم‪" :‬والعالم العربً بمواهبه وخصابصه وحسن مولعه الجؽرافً‬
‫وأهمٌته السٌاسٌة ٌحسن االضطالع برسالة اإلسالم‪ ،‬وٌستطٌع أن ٌتملد زعامة‬
‫العالم اإلسالمً‪ ،‬وٌزاحم أوروبا بعد االستعداد الكامل‪ ،‬وٌنتصر علٌها بإٌمانه ولوة‬
‫رسالته ونصر من اللـه‪ ،‬وٌحول العالم من الشر إلى الخٌر‪ ،‬ومن النار والدمار إلى‬
‫الهدوء والسالم"(‪ .)84‬وألن العرب هم حاملو الرسالة‪ ،‬فهم حسب ما ذهب د‪ .‬دمحم‬
‫شولً الفنجري أعظم األمم ألنهم ٌحملون أعظم الرساالت التً تمدم الطرٌمة‬
‫المثلى فً الحٌاة(‪.)85‬‬
‫كما ذهب بعض اإلسالمٌٌن بعٌدًا فً تعصبهم‪ ،‬وحملوا نزعة عنصرٌة متطرفة؛‬
‫فعلى سبٌل المثال اعتبر الوهابٌون أن المسلمٌن أتباعهم فحسب‪ ،‬وراحوا ٌماتلون‬
‫مسلمٌن أخر ن‪ ،‬وٌمتلونهم‪ ،‬وٌسبون نساءهم‪ ،‬وٌفرضون علٌهم الجزٌة‪ ،‬وٌمارس‬
‫ورثتهم فً السعودٌة عنصرٌة سعودٌة صرٌحة ضد كل من هو من خارجهم‬
‫صا من ؼٌر العرب‪ .‬كما ٌذهب أنصار وورثة حسن البنا مذهبًا شبٌ ًها؛‬ ‫وخصو ً‬

‫(‪ )82‬رسابل اإلمام حسن البنا‪ ،‬دعوتنا‪،‬‬


‫‪http: //saaid.net/book/open.php?cat=8&book=1688‬‬
‫‪http: //saaid.net/book/open.php?cat=8&book=1688‬‬
‫(‪ )83‬العرب والتحدي‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪.29 ،‬‬
‫(‪ )84‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمٌن‪ ،‬الباب الخامس‪ ،‬الفصل الثانً‪ ،‬زعامة العالم العربً‪،‬‬
‫‪http: //saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1911‬‬
‫(‪)85‬‬
‫اإلسالم والنظرٌات االلتصادٌة المعاصرة (باإلنجلٌزٌة)‪ ،‬إهداء‪،‬‬
‫‪http: //www.witness-pioneer.org/vil/Books/MF_ICIT/Default.htm‬‬

‫‪35‬‬
‫فٌعتبرون اإلسالم وتنظٌمهم توأمان‪ ،‬فؤعداإهم هم أعداء اإلسالم‪ ،‬ومنتمدوهم حتى‬
‫من المسلمٌن عمالء للكفار‪ ،‬ومتآمرون على اإلسالم "الصحٌح"‪ .‬وهذا اإللصاء‬
‫إنما ٌنم عن نزعة ألل حتى من لومٌة متطرفة بل نزعة طابفٌة أو لبلٌة (فً الحالة‬
‫السعودٌة)‪ ،‬ضٌمة األفك‪ .‬وعلى نهج العروبٌٌن لجؤ اإلسالمٌون فً السودان إلى‬
‫اضطهاد ؼٌر العرب‪ ،‬مثل أبناء جنوب السودان‪ ،‬ولم ٌتورعوا عن ارتكاب مجازر‬
‫بحك مبات األلوؾ من سكان دارفور من ؼٌر العرب‪ ،‬رؼم أنهم مسلمٌن من خالل‬
‫دعم الحكومة اإلسالمٌة للمبابل العربٌة فً المنطمة‪.‬‬
‫وٌجد اإلسالمٌون سندًا ألٌدٌولوجٌتهم فً النص الممدس وفً تراث اإلسالم ككل‪.‬‬
‫فهنان كثٌر من النصوص‪ ،‬سبك أن أوردنا بعضها‪ ،‬تساوي بٌن الناس‪ ،‬على أساس‬
‫الدٌن‪ ،‬وتنبذ المبلٌة والعرلٌة‪ ،‬بل وتتوعد حتى العرب إذا تماعسوا عن أداء‬
‫الرسالة بسحب المهمة منهم‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫وفً الحمٌمة ٌعتبر التوجه اإلسالمً العروبً توج ًها لومٌا أو لطرٌا ٌؽلؾ نفسه‬
‫بالدٌن؛ فهو نتاج للحداثة ولٌس مجرد امتداد للماضً‪ ،‬وحدٌثًا صار ٌتبنى خطابًا‬
‫لطرٌا صرٌ ًحا؛ فنجد اإلسالمٌٌن ٌتحدثون باسم مصر أو سورٌا ً‬
‫مثال‪ ،‬أو ٌمجدون‬
‫المملكة (السعودٌة)‪ ،‬ومن لبل حارب الوهابٌون الخالفة العثمانٌة تحت حجة‬
‫مكافحة الصوفٌة‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫ومع ذلن فهنان خالؾ كبٌر مهم؛ فإشكالٌة العاللة بٌن اإلسالم والعروبة كانت‬
‫تعبٌ ًرا عن إشكالٌة العاللة بٌن الدٌن والدولة‪ ،‬التً طرحت فى العصر األموي‬
‫بسبب فرض الجزٌة على المسلمٌن الموالً‪ ،‬وكانت أحد عوامل ثورة الموالً ضد‬
‫العرب‪ ،‬ولدمت للثورة العباسٌة ‪-‬الشٌعٌة‪ ،‬ثم طرحت بشدة منذ مرحلة أفول الخالفة‬
‫العثمانٌة‪ .‬فالعروبٌون – بوجه عام ‪ٌ -‬مٌلون إلى العلمانٌة؛ فاألموٌون كانوا‬
‫صا دٌنٌة صرٌحة تما ًما‪ ،‬مثلما فرضوا الجزٌة على المسلمٌن‬ ‫ٌتجاوزون نصو ً‬
‫الموالً لصالح الدولة‪ ،‬فالدولة كانت لدٌهم فوق الدٌن‪ ،‬وهم فً الؽالب الذٌن لتلوا‬
‫الخلٌفة الذي حاول تعدٌل هذا االتجاه بتطبٌك الشرٌعة‪ .‬وحدٌثًا مال البعثٌون‬
‫والناصرٌون ومن شابههم إلى توسٌع فهم الشرٌعة لكً ٌنسجم مع الحداثة‪ .‬أما‬
‫اإلسالمٌون المعاصرون فٌمٌلون إلى تطبٌك الشرع كما ٌفهم ظاهرٌا‪ ،‬ومنهم‬
‫الوهابٌون واإلخوان والسلفٌون المعاصرون‪ ،‬بٌنما لاد السلؾ الالحمون منذ‬
‫سٌطرة الحنابلة عصر االنحطاط العربً‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ٌ -‬مكن أن نضٌؾ اتجا ًها راب ًعا‪ :‬هم المومٌون المتطرفون من سابر األلطار‬
‫العربٌة‪ ،‬المتؤثرون بالمومٌة األوروبٌة‪ ،‬ومنهم من ٌرفض كل من العروبة واإلسالم‬
‫كمرجعٌة لهم‪ ،‬وهً توجهات ضعٌفة بوجه عام‪ .‬كما ظهر أحٌانًا بعض العروبٌٌن‬
‫الرافضٌن للثمافة والمرجعٌة اإلسالمٌة بالكامل ومنهم بعض اللٌبرالٌٌن‬
‫والماركسٌٌن أنصار فكرة األمة العربٌة‪ ،‬وهً توجهات ضعٌفة وؼٌر عنصرٌة‬
‫بالطبع‪.‬‬

‫**********************‬
‫‪ -5‬التفوق العربً منحة إلهٌة‪:‬‬
‫صا مهمة تدعً أن‬
‫لم ٌتضمن التراث العربً واإلسالمً المدٌم حسب علمً نصو ً‬
‫سا بٌولوجٌا لتمسٌم البشر إلى عرب وعجم‪ ،‬بل أساس لؽوي‪ -‬ثمافً‬ ‫هنان أسا ً‬
‫بحت‪ .‬بل وٌوجد ما ٌدل على إدران العرب بتفوق الشعوب المجاورة لهم حضارٌا‬
‫وعلمٌا وؼٌر ذلن‪ .‬ولد التصر افتخارهم على اللؽة والفصاحة والفروسٌة وبعض‬
‫الصفات األخاللٌة(‪ .)86‬وتسعفنا هنا الممارنة مع ثمافات أخرى رأت أن الناس خلمت‬
‫درجات بٌولوجٌة مثل تعلٌل الهنود لدٌ ًما لوجود ‪ 4‬طبمات مؽلمة‪ ،‬وكالم بعض‬
‫فالسفة اإلؼرٌك (خاصة أفالطون وأرسطو) حول التفوق الطبٌعً للعنصر‬

‫(‪ )86‬لال مرعً الكرمً‪" :‬وأما العمل الدال على فضل العرب‪ :‬فمد ثبت بالتواتر المحسوس المشاهد أن العرب‬
‫أكثر الناس لسخاء‪ ،‬وكرما ‪ ،‬وشجاعة‪ ،‬ومروءة‪ ،‬وشهامة‪ ،‬وبالؼة‪ ،‬وفصاحة‪ .‬ولسانهم أتم األلسنة بٌا ًنا‪،‬‬
‫وتمٌٌزا للمعانً جمعا وفرلا بجمع المعانً الكثٌرة فً اللفظ الملٌل‪ ،‬إذا شاء المتكلم الجمع‪ .‬وٌمٌز بٌن كل‬
‫لفظٌن مشتبهٌن بلفظ آخر مختصر‪ ،‬إلى ؼٌر ذلن من خصابص اللسان العربً‪ ..‬ولهم مكارم أخالق محمودة ال‬
‫تنحصر‪ ،‬ؼرٌزة فً أنفسهم‪ ،‬وسجٌة لهم جبلوا علٌها‪ ،‬لكن كانوا لبل اإلسالم طبٌعة لابلة للخٌر لٌس عندهم‬
‫علم منزل من السماء‪ ،‬وال هم أٌضا مشتؽلون ببعض العلوم العملٌة المحضة كالطب أو الحساب أو المنطك‬
‫ونحوه‪ .‬إنما علمهم ما سمحت به لرابحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم‪ ..‬بؽض جنس العرب‬
‫ومعاداتهم كفر‪ ،‬أو سبب للكفر‪ ،‬وممتضاه أنهم أفضل من ؼٌرهم‪ ،‬وأن محبتهم سبب لوة اإلٌمان‪ ...‬وشرؾ‬
‫العلم أفضل من حٌث التمدم فً الصالة ومنصب اإلفتاء والمضاء وؼٌر ذلن‪ .‬وٌنظر فً منصب الخالفة‪،‬‬
‫واإلمامة العظمى فهل ٌستحمها لرشً جاهل‪ ،‬أو عجمً فاضل؟ وهذا كله مع االتصاؾ بتموى هللا ‪ -‬تعإلى ‪-‬‬
‫وإال فالعالم الفاسك كإبلٌس‪ ،‬والعربً الجاهل كفرعون وكالهما مذموم‪ ...‬فمن الؽرور الواضح‪ ،‬والحمك‬
‫الفاضح أن ٌفتخر أحد من العرب على أحد من العجم بمجرد نسبه‪ ،‬أو حسبه‪ ،‬ومن فعل ذلن فإنه مخطا جاهل‬
‫مؽرور‪ ..‬ولعبد مإمن خٌر من مشرن ولو أعجبكم‪ ..‬وألمة مإمنة خٌر من مشركة ولو أعجبتكم‪ ..‬لد روى‬
‫الحافظ السلفً بإسناده عن أبً هرٌرة ‪ -‬رضً هللا عنه ‪ -‬عن النبً ‪ -‬لال‪ :‬من تكلم بالعربٌة فهو عربً‪ ،‬ومن‬
‫أدرن له أبوان فً اإلسالم فهو عربً"‪ ،‬نفسه المرجع‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫اإلؼرٌمً بالنسبة لبمٌة العالم‪ ،‬وأنهم خلموا لكً ٌحكموا العالم باعتبارهم ٌحملون‬
‫أفضل سمات الجنس البشري‪ ،‬ولد اعتبر أرسطو أن اإلؼرٌك نبالء بطبٌعتهم؛ أما‬
‫بمٌة البشر فؤسماهم برابرة‪ ،‬وأن هذا التمسٌم من فعل الطبٌعة‪ ،‬التً مثلما لسمت‬
‫الناس إلى ذكور وإناث وإلى سادة (ٌمارسون العمل الذهنً) وعبٌد (ال ٌصلحون‬
‫إال للعمل الٌدوي) جعلت من البرابرة ككل عبٌدًا‪ ،‬وبالتالً منحت اإلؼرٌك حما‬
‫طبٌعٌا فً حكم العالم واستعباده(‪ .)87‬والنظرٌات االستعمارٌة التً بررت استعباد‬
‫صا ذكاإهم‪،‬‬‫السود باعتبارهم ألل من البٌض بٌولوجٌا؛ فمدراتهم محدودة‪ ،‬خصو ً‬
‫ً‬
‫ذٌوال‪ ،‬وٌؤكلون لحم البشر‪ ،‬وحجم مخهم صؽٌر‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫بل زعم البعض أن لهم‬
‫ولكن وجد من العروبٌٌن المحدثٌن من تبنً نزعة عنصرٌة بٌولوجٌة فجة‪ ،‬مثل‬
‫مصطفى صادق الرافعً‪ ،‬الذي لال حرفٌا‪" :‬سكان الفٌافً وتربٌة العراء ٌنبسطون‬
‫مع الشمس وٌفٌبون مع الظل وٌطٌرون فً مهب الهواء‪ ،‬بل أوالد السماء‪ ،‬ما‬
‫شبت من أنوؾ حمٌة وللوب أبٌة وطباع سٌالة وذهان حداد‪ ،‬ونفوس منكرة‪ ،‬ولد‬
‫أصبحت بماٌاهم الضاربة فً بوادي العربٌة ومصر وسورٌة لهذا العهد‪ ،‬موضع‬
‫العجب ألهل البحث من علماء الطبابع‪ ،‬حتى أجمعوا على أنه ال ند لهذا الجنس فً‬
‫جمٌع السالبل البشرٌة‪ ،‬من حٌث الصفات التً تتباٌن فٌها أجناس البشر خل ًما‬
‫و ُخل ًما‪ ،‬وحتى صرح بعضهم بؤن هذه الساللة تسمو على سابر األجٌال‪ ،‬بالنظر إلى‬
‫هٌبة المحؾ وسعة الدماغ وكثرة تالفٌفه وبناء األعصاب وشكل األلٌاؾ العضلٌة‬
‫فضال عما هً علٌه من مالحة‬ ‫والنسٌج العظمى ولوام الملب ونظام نبضاته و ً‬
‫وفضال عما فً‬‫ً‬ ‫السحنة وتناسب األعضاء وحسن التماطٌع ووضوح المالمح‪،‬‬
‫طباعها من الكرم واألنفة واألرٌحٌة وعزة النفس والشجاعة‪ .‬ال جرم كانوا أهل‬
‫هذه اللؽة المعجزة التً ناسبتهم بؤوضاعها فً معانً التركٌب‪ ،‬حتى كؤنما كتب لها‬
‫أن تكون دٌن األلسنة الفطري‪ ،‬لتصلح بعد ذلن أن تكون لسان دٌن الفطرة"(‪.)88‬‬
‫ولكن لم تصبح هذه النزعة العنصرٌة الفجة واسعة االنتشار‪.‬‬

‫(‪ )87‬لال أرسطو‪ " :‬لكن بٌن البرابرة لم ٌحدث تماٌز بٌن اإلناث والعبٌد ألن المانون الطبٌعً لم ٌمٌزهم‪ ،‬ومن‬
‫ً‬
‫رجاال ونسا ًء ولذا لال الشاعر‪ :‬بما أنهم كذلن‪..‬عبٌد برجالهم ونسابهم ٌكون من‬ ‫ثم فهم شعوب من العبٌد ككل‬
‫الطبٌعً أن ٌحكم اإلؼرٌك البرابرة"‪ .‬كتاب السٌاسة‪ ،‬ترجمه إلى اإلنجلٌزٌة بنٌامٌن جوٌت‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ص‬
‫‪.2‬‬
‫‪/http://www.iep.utm.edu/aris-pol‬‬
‫(‪)88‬‬
‫تارٌخ آداب العرب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪ ،32‬سبك ذكره‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وال ٌوجد فً المرجع العربً األساسً؛ المرآن‪ ،‬أي تمٌٌز بٌولوجً بٌن البشر‪،‬‬
‫ولكن جعلهم هللا درجات‪ ،‬ولم ٌفسر أحد هذه الدرجات بمعنى بٌولوجً‪ ،‬بل‬
‫اجتماعً أو دٌنً فحسب‪ .‬وهنان آٌات تدل على وحدة أصل الجنس البشري‪:‬‬
‫اس اتموا ربكم الذي خلمكُم من نفس واحدة وخلك منها زوجها وبث‬ ‫ٌا أٌها الن ُ‬
‫ً‬
‫رجاال كثٌ ًرا ونساء (النساء آٌة‪ ،)1 :‬وأن التموى هً معٌار الرضا اإللهً‪:‬‬ ‫من ُهما‬
‫ٌا أٌها الناس إنا خلمناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعو ًبا ولبابل لتعارفوا إن‬
‫أكرمكم عند ّللا أتماكم إن ّللا علٌم خبٌر (الحجرات‪)13 :‬‬
‫مثال‪ .‬ولم ٌعترض أعداء اإلسالم من العرب فً‬‫ولم ٌدعُ إلى استعباد جنس آلخر ً‬
‫مكة وؼٌرها على ذلن‪ ،‬مما ٌدل على ؼٌاب أو ضعؾ العنصرٌة البٌولوجٌة لدٌهم‪.‬‬
‫وفً الحدٌث‪ :‬الفضل لعربً على أعجمً إال بالتموى والعمل الصالح (المسند‬
‫الجامع ‪ ،)89()15693-‬إن أكرمكم عند اللـه أتماكم (الحجرات‪ .)13 :‬هكذا امتدت‬
‫أفضلٌة اللؽة إلى أفضلٌة ذي العمل الصالح‪ ،‬أي – بطبٌعة الحال – المسلم الحك‪.‬‬
‫وبذا ؼٌر اإلسالم من تمسٌم العرب للبشر إلى عرب وعجم ؛ فالبشر ٌنمسمون اآلن‬
‫إلى مسلمٌن وؼٌر مسلمٌن‪ ،‬مع االحتفاظ بعناصر من التمسٌم السابك إلى عرب‬
‫دورا خاصا فً نشر اإلسالم المرتبط باللؽة‬‫ً‬ ‫و"عجم"‪ ،‬على أساس أن للعرب‬
‫العربٌة‪.‬‬
‫ولد ؼٌر اإلسالم فً عصر الرسول من األساس الذي كان ٌحدد "شرؾ" المبابل‬
‫العربٌة لبله‪ ،‬من المرابة إلى خدمة الكعبة مخلوطة بالنفوذ المالً‪ ،‬إلى السبك‬
‫(‪ )89‬تؤلٌؾ أبً الفضل السٌد أبو المعاطً النوري‪ :‬عن أبً نضرة حدثنً من سمع خطبة رسول اللـه صلعم‬
‫فً وسط أٌام التشرٌك فمال‪:‬‬
‫"ٌا أٌها الناس أال إن ربكم واحد وإن أباكم واحد أال ال فضل لعربً على أعجم ً وال لعجمً على عربً وال‬
‫ألحمر على أسود وال أسود على أحمر إال بالتموى أبلؽت‪ .‬لالوا بلػ رسول اللـه صلعم ثم لال أي ٌوم هذا‪.‬‬
‫لالوا ٌوم حرام‪ .‬ثم لال أي شهر هذا‪ .‬لالوا شهر حرام‪ .‬لال ثم لال أي بلد هذا‪ .‬لالوا بلد حرام‪ .‬لال فإن اللـه لد‬
‫حرم بٌنكم دماءكم وأموالكم‪ .‬لال وال أدري لال أو أعراضكم أم ال كحرمة ٌومكم هذا فً شهركم هذا فً بلدكم‬
‫هذا أبلؽت‪ .‬لالوا بلػ رسول اللـه صلعم‪ .‬لال لٌبلػ الشاهد الؽابب"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد ‪ 411/5‬لال‪ :‬حدثنا إسماعٌل‪ ،‬لال‪ :‬حدثنا سعٌد الجرٌري‪ ،‬عن أبً نضرة‪ ،‬فذكره‪،‬‬
‫‪http:‬‬
‫‪//www.almeshkat.net/books/open.php?cat=8&book=380&PHPSESSID=66‬‬
‫‪fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬

‫‪39‬‬
‫لإلسالم والتفانً فً خدمته‪ ،‬ولد دعا المرآن إلى تجاوز االنتماء المبلً لصالح‬
‫الدٌنً‪ ،‬وبالتالً للرسول بما مثله من سلطة روحٌة وسٌاسٌة‪ ،‬وفً النهاٌة ٌعنً‬
‫ذلن رفع االنتماء للدولة على االنتماء للمبٌلة‪.‬‬
‫ونفهم مما سبك أن تمٌز العرب على ؼٌرهم كما اعتبره العروبٌون نسبٌا تما ًما‪،‬‬
‫وٌمكن تجاوزه إذا تعرب الشخص ؼٌر العربً‪ ،‬فتكلم العربٌة بفصاحة‪ ،‬كما أن‬
‫التفوق العربً – زع ًما ‪ -‬نسبً ومشروط بحملهم الرسالة الدٌنٌة – األخاللٌة‬
‫بؤمانة وإخالص‪ ،‬وتبنً لٌمها‪ ،‬والمدرة على نشرها‪ ،‬والتضحٌة من أجلها‪ ،‬وإال‬
‫ٌمكن أن تنتمل المهمة لؽٌرهم‪ ،‬بل وحتى ذهب بعضهم إلى اعتبار حكم وإمامة‬
‫لرٌش لٌس لاعدة ممدسة‪ ،‬بل مرنة تما ًما؛ فٌمكن لعبد حبشً أن ٌتولى إمامة‬
‫المسلمٌن‪ ..‬فاألفضلٌة العربٌة مشروطة بالتموى واإلٌمان‪ ،‬بما ٌعنً أنها مكتسبة‬
‫ولٌست بٌولوجٌة‪ .‬شًء ٌشبه الحصول على بركة الرب‪ .‬وحتى المول بؤزلٌة اللؽة‬
‫العربٌة فً اللوح المحفوظ‪ ،‬وفً الجنة‪ ،‬تعنً أن اللؽة هً الممدسة‪ ،‬ولٌس العرب‬
‫كجنس؛ ألن أي إنسان ٌستطٌع أن ٌصبح عربٌا‪ .‬ومن الممكن لـ "العجمً" أن‬
‫ٌكتسب فضابل العرب بمجهوده(‪( )90‬لكن هنان بعض االختالفات بٌن العروبٌٌن‬
‫واإلسالمٌٌن)‪.‬‬
‫ولكن ٌبدو من النصوص التً تجعل من المحتمل أن ٌسحب هللا مهمة حمل‬
‫الرسالة من العرب ومنحها لؽٌرهم أنها مجرد نصوص لتشجٌع العرب وتحفٌزهم‬
‫على توصٌل الرسالة الممدسة‪ ،‬بدلٌل النص الصرٌح على أن دمحم هو خاتم الرسل‪،‬‬
‫وبالتالً ستظل الرسالة المكتوبة بالعربٌة هً آخر الرساالت‪ ،‬فؤي شعب هذا الذي‬
‫سٌكلؾ من جدٌد بحمل الرسالة عربٌة اللؽة؟ البد أن ٌتعرب ً‬
‫أوال‪.‬‬
‫وبخصوص السود كان من العرب لبل وبعد اإلسالم من للل من شؤنهم‪ ،‬ولد‬
‫عٌُروا فً "الجاهلٌة" وفً اإلسالم بسوادهم وبمالمح أجسامهم وبطرٌمة تكلمهم‪.‬‬
‫هذا حسان ٌهجو أحدهم بموله‪ :‬وأمن سوداء نوبـٌة كؤن أناملها الحنظب(‪ .)91‬ولكن‬
‫فً الؽالب لم تكن هذه المشاعر العنصرٌة ضد السود سابدة أو لها وزن كبٌر‪ ،‬فمد‬
‫كانت بعض لبابل العرب لونها أسود‪ ،‬كما روى الجاحظ‪" :‬وكان عبد هللا بن عباس‬

‫(‪ )90‬أشار مرعً الكرمً مستن ًدا إلى سعٌد بن المسٌب إلى أن هنان من العجم من ٌعادل لرٌش بالنسبة‬
‫للعرب‪ ،‬هم أهل أصبهان‪ ،‬الذٌن تسمٌهم لرٌش العجم‪ ،‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ً )91‬‬
‫نمال عن جواد علً‪ ،‬نفس الموضع‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫أدل ًما ضخ ًما‪ .‬وآل أبً طالب أشرؾ الخلك وهم سود وأدم ودلم‪ .‬لالوا‪ :‬ولال النبً‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬بُعثت إلى األحمر واألسود‪ .‬فإذا لال‪ :‬بُعثت إلى األحمر واألسود‪ ،‬ولسنا عنده‬
‫ُحمر وال بٌض فمد بُعث إلٌنا فإنما عنانا بموله ‘األسود‘‪ .‬وال ٌخرج الناس من هذٌن‬
‫االسمٌن فإن كانت العرب من األحمر فمد دخلت فً عداد الروم والصمالبة وفارس‬
‫وخراسان‪ .‬وإن كانت من السود فمد اشتك لها هذا االسم من اسمنا"(‪.)92‬‬
‫فؽالبًا كان التملٌل من شؤن السود ؼٌر المتعربٌن والعبٌد لتخلفهم الحضاري‪،‬‬
‫وعدم فصاحتهم‪ ،‬والعتبارات جمالٌة‪ ،‬ال عنصرٌة (فالعرب ٌفضلون الشخص‬
‫األبٌض)‪.‬‬
‫رؼم هذا ال ٌمكن نفً الؽٌاب المطلك للعنصرٌة البٌولوجٌة بٌن العرب‪ ،‬ال لبل وال‬
‫صا تجاه اللون األسود‪ ،‬بل وجدت بشكل هامشً‪ .‬ولد جاء فً‬ ‫بعد اإلسالم‪ .‬خصو ً‬
‫المرآن‪:‬‬
‫ٌوم تبٌض وجوه وتسود وجوه فؤما الذٌن اسودت وجوههم أكفرتم بعد إٌمانكم‬
‫فذولوا العذاب بما كنتم تكفرون (آل عمران‪ )106 :‬وأما الذٌن ابٌضت وجوههم‬
‫ففً رحمة ّللا هم فٌها خالدون (آل عمران‪ .)107 :‬هذه اإلشارة تعنً أن الوجه‬
‫ً‬
‫ممبوال عند العرب عمو ًما‪ .‬وكانت كلمة‬ ‫األبٌض أفضل من األسود‪ ،‬وأن هذا كان‬
‫أسود فً كثٌر من األحٌان مرتبطة بالعبودٌة‪ ،‬وكؤن األسود خلك عب ًدا‪ .‬ولد ذكر‬
‫صاحب عبد هللا بن عباس‪ ،‬لم‬
‫ُ‬ ‫المسعودي أن طاوس الٌمانً (من أعالم التابعٌن)‪،‬‬
‫ٌكن ٌؤكل من ذبٌحة الزنجً‪ ،‬وٌمول‪ :‬إنه عبد ُمشوه الخلمة‪ ،‬كما ذكر أن أبا العباس‬
‫الراضً باهلل بن الممتدر باهلل كان ال ٌتناول شٌب ًا من أسود‪ ،‬وٌمول‪ :‬إنه عبد مشوه‬
‫خلمه(‪.)93‬‬

‫(‪ )92‬رسابل الجاحظ‪ ،‬الرسالة الرابعة‪ ،‬كتاب فخر السودان علً البٌضان‪ ،‬سبك ذكره‪.‬‬
‫واألدلم من الرجال هو‪ :‬الطوٌل األسود؛ وكذلن هو من الجمال والجبال‪ .‬وزعم ناس أن الدٌلم‪ :‬سواد اللٌل‪،‬‬
‫معجم مماٌٌس اللؽة‪ ،‬باب الدال والالم وما ٌثلثهما‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=16&book=758&PHPSES‬‬
‫‪SID=66fb86448405e11b64aa9fccfec863f6‬‬
‫(‪ )93‬مروج الذهب للمسعودي‪،‬‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=6&book=1547‬‬

‫‪41‬‬
‫ورؼم هذه النزعة العنصرٌة لم ٌكن هنان تمٌٌز منهجً ضد السود‪ ،‬ال لبل وال‬
‫بعد اإلسالم‪ .‬فحٌن اختار الرسول بالل‪ ،‬وهو أسود‪ ،‬كمإذن خاص لجمال صوته لم‬
‫ٌثر هذا أي استهجان من أي طرؾ‪ .‬وٌمكن أن نتصور مولؾ العرب لبل وبعٌد‬
‫اإلسالم من السود مثل مولؾ العرب الحالٌٌن‪ ،‬فبٌاض البشرة لدى أؼلب العرب‬
‫ضمن عالمات الجمال‪ ،‬ولكن هذا ال ٌعنً أن هنان تفرلة عنصرٌة خاصة ضد‬
‫السود‪ ،‬تمارن ً‬
‫مثال بما علٌه الحال فً بلدان مثل جنوب افرٌمٌا أو الوالٌات المتحدة‬
‫فً فترة ما‪.‬‬
‫عنصرٌة العرب التالٌة لإلسالم إذن هً بشكل أساسً عنصرٌة ثمافٌة‪ ،‬أساسها‬
‫تفولهم األخاللً والمٌمً والفكري‪ ،‬زعما‪ .‬هذا ألنهم – وفمًا – لتراثهم – األكثر‬
‫معرفة باهلل منذ عبدوه على دٌن إبراهٌم‪ ،‬وحتى بعد أن ارتدوا وعبدوا األصنام‪،‬‬
‫ظل المرشٌون "أهل هللا"‪ ،‬ولطان بٌته (أي سكانه)‪ ..‬إلخ‪ .‬كما رأٌنا من لبل‪ .‬وكان‬
‫اإلعجاز اللؽوي للمرآن دع ًما حاس ًما فً إضفاء طابع المداسة على لؽة العرب؛ مما‬
‫منحهم حجة كبري إلعالن تفولهم‪ .‬ومع ذلن لٌس للعرب تمٌز فً الحساب والعماب‬
‫على سابر البشر‪ ،‬وهنان الكثٌر من األحادٌث التً تنفً هذا التمٌز‪ ،‬فالتمٌز معنوي‬
‫فمط‪ .‬وهو تمٌٌز ٌلمً على العرب بمهمة دٌنٌة‪ ،‬كما ذهب اإلسالمٌون العروبٌون‪،‬‬
‫أو أخاللٌة‪ ،‬كما ذهب العروبٌون المحدثون (المومٌون)‪ ،‬فهً عنصرٌة تمدم نفسها‬
‫كحامل لواجب ممدس‪ ،‬ولٌست حما ٌمٌز العرب على ؼٌرهم فً الثروات أو حتى‬
‫ٌوم المٌامة‪ .‬فالعرب إذن هم أصحاب رسالة‪ ،‬ولٌسوا ؼزاة ومستؽلٌن‪ ،‬وحتى‬
‫ؼزواتهم ومذابحهم ونهبهم للشعوب األخرى ٌبررونها‪ ،‬بؤنها تمت من أجل المهمة‬
‫التارٌخٌة التً ألماها علٌهم الرب‪ .‬هذا بالطبع هو المبرر األٌدٌولوجً للعروبٌة‪.‬‬
‫إال أن هذه العنصرٌة الثمافٌة لم تجد أي تبرٌر سوى تفوق العرب فطرٌا‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫أصال؟ لم ٌمل أحد بؤن‬ ‫ٌتضح من كالم ابن تٌمٌة وؼٌره‪ ،‬فلماذا تفولت اللؽة العربٌة‬
‫سبب ذلن ٌرجع إلى تفوق العرب حضارٌا أو علمٌا‪ ،‬بل التصرت كافة التفسٌرات‬
‫على طبٌعة خاصة بجنس العرب‪ .‬ومع ذلن لم ٌمدم العروبٌون أنفسهم إال فٌما ندر‬
‫(كما ذهب مصطفى صادق الرافعً كما أسلفنا) كجنس متفوق بٌولوجٌا بشكل‬
‫مباشر‪ ،‬كما فعل النازٌون األلمان ً‬
‫مثال أو األوروبٌون عمو ًما‪ ،‬فحتى تم االعتراؾ‬
‫شكلٌا بعروبة كل من تكلم العربٌة إلى حد ما‪ ،‬إال أن األصل العربً ظل طول الولت‬
‫عامل تفوق‪ ،‬كما أوضحنا من لبل (اإلمامة فً الصالة وعاللات الزواج‪.)..‬‬

‫‪42‬‬
‫والممصود العرب العاربة والمستعربة من أبناء جزٌرة العرب‪ ،‬ال فرق‪ ،‬ألسباب‬
‫تخص الطبٌعة األخاللٌة والثمافة العربٌة "األصٌلة"‪.‬‬
‫هذا التفوق الثمافً العربً الفطري لم ٌبرر بتفوق التكوٌن البٌولوجً‪ ،‬بل بفطرة‬
‫ؼٌر مبررة‪ ،‬شًء ٌشبه "بركة الرب"‪ ،‬كما أشرنا من لبل‪ ..‬لرار إلهً ال أكثر‪.‬‬
‫مما ٌدل على أهمٌة األصل العربً نجد أن كثٌ ًرا من لادة العرب وؼٌرهم من‬
‫المسلمٌن من حاول إثبات أصله العربً المح‪ ،‬ولكن األكثر شٌوعًا هو محاولة‬
‫إثبات االنتماء للبٌت النبوي‪ ،‬مما ٌدل على أن االنتماء "للفطرة األخاللٌة" هو‬
‫الموضوع‪.‬‬
‫وكان من نتابج انتشار اإلسالم وؼزو العرب للبلدان تحت مبرر نشر اإلسالم أن‬
‫دورا محورٌا فً الحضارة العربٌة – اإلسالمٌة‪ .‬فكانت‬‫لعب الدٌن ولؽته العربٌة ً‬
‫مختلؾ علوم الدٌن واللؽة العربٌة أكثر ما اهتم به العرب والمتعربون على مدى‬
‫تارٌخهم‪ .‬وحتى طرٌمة جمع وتصنٌؾ اللؽة تمت على أساس المحافظة على اللؽة‬
‫األصلٌة وتنمٌتها من اللؽات الدخٌلة‪ ،‬وحكم المسلمون العرب هاجس المحافظة‬
‫مثال من مبررات جمع المرآن وحرق‬ ‫ً‬ ‫على نص المرآن األصلً‪ ،‬وكان هذا‬
‫المصاحؾ وتوحٌد المصحؾ‪ .‬وكان لتطوٌر اللؽة العربٌة بإضافة النمط‪ ،‬ثم عالمات‬
‫اإلعراب‪ ،‬ثم اختراع النحو وؼٌره من علوم اللؽة‪ ،‬هدؾ واحد هو المحافظة على‬
‫النص الممدس وفهمه‪ ،‬فهذا هو رأس المال العربً األهم على اإلطالق‪.‬‬

‫***************************‬
‫‪ -6‬وضع الٌهود‪:‬‬
‫وفمًا لجواد علً أنه ٌظهر من مواضع من التلمود أن ً‬
‫نفرا من العرب دخلوا فً‬
‫الٌهودٌة‪ .‬ومن المتولع مع وجود الٌهود فً سابر الجزٌرة العربٌة لمدة طوٌلة أن‬
‫صا أن عاللتهم بالٌهود كانت حمٌمة‪ ،‬وصلت للتزاوج‬ ‫ٌتهود بعض العرب‪ ،‬خصو ً‬
‫مثال كانت أمه ٌهودٌة وأبوه من لبٌلة طٌا العربٌة‬‫أحٌانا‪ .‬فكعب بن األشرؾ ً‬
‫الٌمنٌة األصل‪ .‬وٌالحظ جواد علً أن ٌهود الجزٌرة العربٌة ما لبل اإلسالم لم‬
‫ٌحافظوا على ٌهودٌتهم وعلى خصابصهم التً ٌمتازون بها محافظة شدٌدة‪ ،‬كما‬
‫حافظوا علٌها فً األلطار األخرى‪ .‬فؤكثر أسماء المبابل والبطون واألشخاص‪ ،‬هً‬

‫‪43‬‬
‫أسماء عربٌة‪ ،‬والشعر المنسوب إلً شعراء منهم‪ٌ ،‬حمل الطابع العربً والفكر‬
‫كبٌرا عن‬
‫ً‬ ‫العربً‪ .‬وفً حٌاتهم االجتماعٌة والسٌاسٌة لم ٌكونوا ٌختلفون اختالفًا‬
‫العرب‪ ،‬فهم فً أكثر أمورهم كالعرب‪ .‬فٌما سوى الدٌن‪ .‬ولعل هذا بسبب تؤثٌر‬
‫العرب المتهودة علٌهم‪ ،‬وكثرتهم بالنسبة إلً من كان من أصل ٌهودي‪ ،‬مما سبب‬
‫تؤثٌرهم‪ ،‬وهم ذوو أكثرٌة‪ ،‬فً الٌهود األصٌلٌن الذٌن أثروا فٌهم فؤدخلوهم فً‬
‫دٌنهم‪ ،‬فؤثروا هم فٌهم‪ ،‬وطبعوهم بطابع عربً‪ .‬ولد عاش الٌهود فً جزٌرة العرب‬
‫معٌشة أهلها‪ ،‬فلبسوا لباسهم‪ ،‬وتصاهروا معهم‪ ،‬فتزوج الٌهود عربٌات‪ ،‬وتزوج‬
‫العرب ٌهودٌات‪ ،‬ولعل كون بعض الٌهود من أصل عربً‪ ،‬هو الذي ساعد على‬
‫تحطٌم المٌود التً تحول بٌن زواج الٌهود بالعربٌات وبالعكس‪ .‬والفرق الوحٌد‬
‫الذي كان بٌن العرب والٌهود عند ظهور اإلسالم هو االختالؾ فً الدٌن‪ .‬ولد تمتع‬
‫الٌهود بحرٌة واسعة لم ٌحصلوا علٌها فً أي بلد آخر من البالد التً كانوا بها فً‬
‫ذلن العهد‪.‬‬
‫ولكن الٌهود مع ما كان لهم من لالع وحصون لم ٌتمكنوا من بسط نفوذهم‬
‫وسلطانهم على األرض التً عاشوا فٌها‪ ،‬ولم ٌتمكنوا من إنشاء ممالن وحكومات‬
‫ٌحكمها حكام ٌهود‪ ،‬بل كانوا مستملٌن فً حماٌة سادات المبابل العربٌة‪ٌ ،‬إدون‬
‫لهم إتاوة فً كل عام ممابل حماٌتهم لهم ودفاعهم عنهم ومنع اإلعراب من التعدي‬
‫علٌهم‪.‬‬
‫ولم ٌرصد مولؾ عربً عدابً ضد الٌهود لبل اإلسالم‪ ،‬بل ومع بدء الدعوة‬
‫اإلسالمٌة اتخذ دمحم من لبلة الٌهود لبله لصالته‪ ،‬وتوجه لهم بالدعوة إلى اإلسالم‪،‬‬
‫وكان ٌؤمل فً انضمامهم له‪ ،‬ولكن آمن به للٌلون للؽاٌة‪ ،‬وظلت األؼلبٌة العظمى‬
‫معادٌة لدعوته‪ .‬وبعد اإلسالم فمط بدأت الصراعات العدابٌة بٌن الطرفٌن‪ ،‬فٌذخر‬
‫تارٌخ اإلسالم المبكر بصراعات دموٌة بٌن المسلمٌن والٌهود‪ ،‬من ذلن مذبحة بنً‬
‫لرٌظة‪ ،‬وؼزوة خٌبر‪ ،‬ثم لرار عمر بن الخطاب بطردهم من جزٌرة العرب‪ .‬ونجد‬
‫فً المرآن ما ٌبٌن المشاعر العدابٌة بٌن الطرفٌن فً مواضع عدٌدة‪:‬‬
‫ٌا أٌها الذٌن آمنوا ال تتخذوا الٌهود والنصارى أولٌاء بعضهم أولٌاء بعض ومن‬
‫ٌتولهم منكم فإنه منهم إن ّللا ال ٌهدي الموم الظالمٌن (المابدة ‪ ،)51 :‬لتجدن أشد‬
‫الناس عداوة للذٌن آمنوا الٌهود والذٌن أشركوا ولتجدن ألربهم مودة للذٌن آمنوا‬
‫الذٌن لالوا إنا نصارى ذلن بؤن منهم لسٌسٌن ورهبانا وأنهم ال ٌستكبرون‬
‫(المابدة‪ ،)82 :‬وهنان آٌات تحط من شؤنهم وتشرح كفرهم "التارٌخً"‪ ،‬رؼم‬

‫‪44‬‬
‫كثرة أنبٌابهم‪ ،‬بل وتكشؾ تارٌخهم المنكر لنعم هللا‪ ،‬حتى فً زمن نبٌهم موسى‪.‬‬
‫والخالصة أن المرآن صور الٌهود فً صورة المتعصبٌن‪ ،‬والمستكبرٌن‪،‬‬
‫والمنكرٌن لنعم هللا‪ ،‬والمعادٌن للخٌر وللحك‪ ،‬ولإلسالم وأهله‪ ،‬وهى ً‬
‫فعال صورة‬
‫شٌطانٌة بشعة‪ ،‬تثٌر كراهٌة عمٌمة لدى المسلم العادي (طبعًا بؽض النظر عن‬
‫مدى صحتها)‪.‬‬
‫كما توجد أحادٌث كثٌرة معادٌة للٌهود‪ ،‬والعنة لهم‪ ،‬ومحرضة للمسلمٌن على‬
‫عدم الثمة بهم‪ ،‬بل وتتوعدهم باإلبادة فً ٌوم ما على أٌدٌهم‪ :‬ال تموم الساعة حتى‬
‫تماتلوا الٌهود‪ ،‬حتى ٌمول الحجر وراءه الٌهودي‪ٌ :‬ا مسلم‪ ،‬هذا ٌهودي ورابً‬
‫فالتله (البخاري‪.)2859 -‬‬
‫ومع ذلن لم تشهد الدول العربٌة اإلسالمٌة ظاهرة اضطهاد عملً ممٌز وواضح‬
‫للٌهود لبل بدء تنفٌذ المشروع الصهٌونً أكثر مما تعرض بمٌة أهل الكتاب‪ ،‬إال أن‬
‫الصورة السوداء لهم فً التراث اإلسالمً لم تبرح األذهان‪ ،‬مما كان له دور فً‬
‫إذكاء المشاعر العنصرٌة فو ًرا وبشدة منذ بدء تنفٌذ المشروع الصهٌونً فً‬
‫طهد الٌهود فً البلدان العربٌة؛ مما كان له أكبر األثر فً‬ ‫فلسطٌن‪ ،‬ومنذبذ اض ُ‬
‫هجرة كثٌر منهم إلى فلسطٌن وؼٌرها‪ .‬وٌختلؾ عداء العروبٌٌن واإلسالمٌٌن‬
‫للٌهود منذ المشروع الصهٌونً؛ فالعداء العروبً سٌاسً فً جوهره‪ ،‬أما العداء‬
‫اإلسالمً فدٌنً ‪ -‬سٌاسً أو سٌاسً مؽلؾ بالدٌن‪ .‬وألن المشروع الصهٌونً هو‬
‫مشروع ٌهودي باألساس (توجد صهٌونٌة ؼٌر ٌهودٌة)‪ ،‬لابم على أساطٌر دٌنٌة‪،‬‬
‫نجد أن العداء العروبً السٌاسً لٌس خالًٌا من العداء الدٌنً للٌهود عمو ًما ولٌس‬
‫للصهٌونٌة فمط‪ ،‬ولد رأٌنا المومٌٌن العرب فً كل البلدان العربٌة ٌمارسون‬
‫اضطهادًا ضد الٌهود ككل‪ ،‬مما كان له دور مهم فً هجرة الكثٌر منهم إلى‬
‫إسرابٌل‪ ،‬ورؼم التشدق بؤنهم معادون للصهٌونٌة ولٌس للٌهود‪ ،‬لامت حكومة مثل‬
‫الحكومة الناصرٌة بطرد الٌهود من مصر (‪ 25‬ألفًا) على الهوٌة الدٌنٌة وحدها‪،‬‬
‫ولم ٌتبك سوى من أسلم منهم‪ ،‬أو من رفض الهجرة بموة وتشبث بالبماء‪ ،‬ولم‬
‫تسمح الحكومات العربٌة بتجنٌد مواطنٌها الٌهود فً الجٌش أو أجهزة األمن‪،‬‬
‫استنادًا لهوٌتهم الدٌنٌة وحدها‪ .‬كما مارست الجماهٌر العربٌة إلصاء للٌهود ولٌس‬

‫‪45‬‬
‫الصهاٌنة منهم بعد تبلور المشروع الصهٌونً‪ .‬ولكل هذا لعبت العروبٌة دو ًرا‬
‫أساسٌا فً إلامة دولة إسرابٌل(‪.)94‬‬
‫ومن الواضح من طبٌعة المولؾ العربً اإلسالمً العدابً للٌهود أنه ٌنبع من‬
‫مصدرا للشر ولٌس لكونهم من ساللة معٌنة‪ ،‬فهو عداء ثمافً‪ ،‬بدلٌل أن‬ ‫ً‬ ‫اعتبارهم‬
‫دخول الٌهودي فً اإلسالم ٌجد ترحٌبًا شدٌدًا من لبل المسلمٌن عرب وؼٌر عرب‪.‬‬
‫أما الخطب العنصرٌة الفجة التً تصفهم بـ "أحفاد المردة والخنازٌز" فال تعبر عن‬
‫اعتماد حمٌمً بانحطاطهم البٌولوجً؛ وهً تعبٌرات تستخدم لإلهانة فحسب‪ ،‬وال‬
‫ٌوجد فً النص الدٌنً اإلسالمً ماٌدل على ذلن‪ ،‬بل العكس‪ .‬فمن الحدٌث‪ :‬إن ّللا‬
‫ً‬
‫نسال‪ .‬وإن المردة والخنازٌر‬ ‫عز وجل لم ٌهلن لوما‪ ،‬أو ٌعذب لو ًما‪ ،‬فٌجعل لهم‬
‫كانوا لبل ذلن (صحٌح مسلم ‪ )6723 -‬ــ حدثنا عبد هللا حدثنً أبً ثنا أبو سعٌد‬
‫ثنا داود بن أبً الفرات ثنا دمحم بن زٌد عن أبً األعٌن العبدي عن أبً األحوص‬
‫الجشمً عن ابن مسعود لال ‪ :‬سؤلنا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن المردة والخنازٌر أمن نسل‬
‫الٌهود ؟ فمال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ :‬إن هللا لم ٌلعن لو ًما لط فمسخهم وكان لهم نسل حتى‬
‫ٌهلكهم‪ ،‬ولكن هللا عز وجل ؼضب على الٌهود فمسخهم وجعلهم مثلهم (مسند‬
‫أحمد‪.)3768 -‬‬
‫ومن الطرٌؾ أن الفكرة الٌهودٌة المابلة بؤنهم شعب هللا المختار لد استوردها‬
‫العروبٌون وعربوها‪ .‬فالعرب هم األكثر فصاحة وبالؼة‪ ،‬ولهم من السمات‬
‫األخاللٌة ما ٌمٌزهم على كافة البشر بفضل لرار إلهً بذلن كما أوضحنا؛ فاهلل لد‬
‫فضلهم على العالمٌن‪ ،‬ثم منحهم أٌضًا شرؾ حمل وتوصٌل رسالته األخٌرة‪،‬‬
‫ومرسال كتابه الممدس بلؽتهم‪ ،‬بل حفظه فً لوح‬‫ً‬ ‫مختا ًرا منهم خاتم المرسلٌن‪،‬‬
‫محفوظ باللؽة نفسها‪ ،‬كما ٌظن أؼلب العرب‪ .‬ولد وصؾ المرأن المسلمٌن بؤنهم‬
‫خٌر أمة أخرجت للناس (آل عمران ‪ .)110 :‬فإذا كان العرب هم خٌر المسلمٌن‬
‫كما ٌظن العروبٌون‪ ،‬فهم إذن خٌر البشر‪ .‬ومثلما وعد هللا الٌهود بؤرض فلسطٌن‬
‫وعد المسلمٌن ولادتهم العرب بالسٌادة على العالم‪ :‬وعد اللـه الذٌن آمنوا منكم‬
‫وعملوا الصالحات لٌستخلفنهم فً األرض كما استخلؾ الذٌن من لبلهم (النور‪:‬‬

‫(‪ )94‬لال ألفرٌد لٌلنتال‪" :‬ولد كان انتصار بن جورٌون فً الدعاٌة أكثر بكثٌر من أي انتصار عسكري لام به‬
‫فً سهول سٌناء‪ ،‬عندما صفٌت الجالٌة الٌهودٌة فً مصر ؼداة الؽزو اإلسرابٌلً"‪ .‬وهكذا ضاع الشرق‬
‫األوسط‪ ،‬دار الماهرة للطباعة‪ ،‬سلسلة )اخترنا لن)‪ ،‬عدد ‪ ،38‬ص‪.7‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ .)55‬ولد ذهب كثٌر من المفسرٌن إلى أن الممصود هو كل األرض‪ ،‬أوكما لال‬
‫الطبري‪" :‬أرض المشركٌن من العرب والعجم‪ ،‬فٌجعلهم ملوكها وساستها”(‪.)95‬‬
‫هكذا تصٌر العروبٌة – اإلسالمٌة صهٌونٌة عربٌة‪.‬‬

‫************************‬
‫‪ -7‬العنصرٌة العربٌة دافعها المصالح‪:‬‬
‫ظل الترادؾ بٌن كلمتً عرب ومسلمٌن مستمرا لمدة طوٌلة‪ ،‬ولد صبت جل ؼنابم‬
‫الؽزو بعد انتصار اإلسالم فً جٌب العرب بالطبع‪ ،‬ورؼم دخول كثٌر من أبناء‬
‫الشعوب المؽلوبة فً اإلسالم‪ ،‬سموا بالموالً‪ ،‬وفرض علٌهم األموٌون دفع الجزٌة‬
‫لصالح دولة بنً أمٌة العربٌة‪ ،‬واستخدم األموٌون دعاوٌهم العنصرٌة مبر ًرا‬
‫الستمرار استؽالل المسلمٌن الموالً‪ ،‬حتى تؽٌر الوضع فً العهد العباسً ثم‬
‫التركً‪ ،‬حٌث مورس الحكم باسم اإلسالم‪ .‬ثم ظهرت المومٌة العربٌة من جدٌد مع‬
‫أفول العثمانٌٌن‪ ،‬وكذلن ظهور االستعمار الؽربً‪ ،‬ولجؤت لشعارات عروبٌة‬
‫عنصرٌة بدرجة أو بؤخرى‪ ،‬بل راحت تضطهد األللٌات ؼٌر العربٌة بمسوة‬
‫متفاوتة‪ .‬ومع فشل المومٌة العربٌة والعلمانٌة عمو ًما فً تحمٌك تحدٌث فعلً‪،‬‬

‫(‪ )95‬جامع البٌان عن تفسٌر آي المرآن‪ -‬تفسٌر سورة النور‪ .‬وذكر المرطبً‪{" :‬لٌستخلفنهم فً األرض} فٌه‬
‫لوالن‪ :‬أحدهما ‪ٌ :‬عنً أرض مكة؛ ألن المهاجرٌن سؤلوا اللـه تعالى ذلن فوعدوا كما وعدت بنو إسرابٌل؛ لال‬
‫معناه النماش‪ .‬الثانً‪ :‬بالد العرب والعجم‪ .‬وابن كثٌر‪ :‬هذا وعد من اللـه تعالى لرسوله صلوات اللـه وسالمه‬
‫علٌه بؤنه سٌجعل أمته خلفاء األرض‪ ،‬أي أبمة الناس والوالة علٌهم‪ ،‬وبهم تصلح البالد‪ ،‬وتخضع لهم العباد‪.‬‬
‫ورأى سٌد لطب (فً ظالل المرآن‪ -‬سبك ذكره)‪ :‬فما حمٌمة االستخالؾ فً األرض إنها لٌست مجرد الملن‬
‫والمهر والؽلبة والحكم‪ ..‬إنما هً هذا كله على شرط استخدامه فً اإلصالح والتعمٌر والبناء؛ وتحمٌك المنهج‬
‫الذي رسمه اللـه للبشرٌة كى تسٌر علٌه؛ وتصل عن طرٌمه إلى مستوى الكمال الممدر لها فً األرض‪ ،‬الالبك‬
‫بخلٌمة أكرمها اللـه‪ .‬إن االستخالؾ فً األرض لدرة على العمارة واإلصالح‪ ،‬ال على الهدم واإلفساد‪ .‬ولدرة‬
‫على تحمٌك العدل والطمؤنٌنة‪ ،‬ال على الظلم والمهر‪ .‬ولدرة على االرتفاع بالنفس البشرٌة والنظام البشري‪ ،‬ال‬
‫على االنحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحٌوان! وهذا االستخالؾ هو الذي وعده اللـه الذٌن آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات‪ ..‬وعدهم اللـه أن ٌستخلفهم فً األرض ‪ -‬كما استخلؾ المإمنٌن الصالحٌن لبلهم ‪ -‬لٌحمموا النهج‬
‫الذي أراده هللا؛ وٌمرروا العدل الذي أراده هللا؛ وٌسٌروا بالبشرٌة خطوات فً طرٌك الكمال الممدر لها ٌوم‬
‫أنشؤها اللـه‪ ..‬فؤما الذٌن ٌملكون فٌفسدون فً األرض‪ ،‬وٌنشرون فٌها البؽً والجور‪ ،‬وٌنحدرون بها إلى‬
‫مدارج الحٌوان‪ ..‬فهإالء لٌسوا مستخلفٌن فً األرض‪ .‬إنما هم مبتلون بما هم فٌه‪ ،‬أو مبتلى بهم ؼٌرهم‪،‬‬
‫ممن ٌسلطون علٌهم لحكمة ٌمدرها اللـه"‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ظهر اإلسالم السٌاسً الذي ٌنحو منحً إسالمً ‪ -‬عروبً‪ ،‬أو لومً فً صورة‬
‫دٌنٌة‪ ،‬لالستمواء ببمٌة المسلمٌن فً الصراع مع الؽرب‪ .‬لمد خرج العرب إلى‬
‫العالم باإلسالم‪ ،‬فلجؤوا إلى ربط شرعٌة حكمهم به‪ ،‬وادعوا أنهم أصحاب رسالة‬
‫مثل أي استعمار ٌزعم أنه ٌحتل البالد األخرى لكً ٌنشر الحضارة‪ .‬فهم ادعوا أنهم‬
‫المسإولون عن نشر اإلسالم‪ ،‬وأنهم ٌحتلون العالم لهذا الؽرض‪ ،‬واخترعوا‬
‫األحادٌث التً تسوغ لهم الحكم والسلطة ومدح الؽزو‪ .‬ولد خلك اإلسالم ثمافة‬
‫إسالمٌة جهادٌة‪ ،‬بدأها النبً نفسه وحفزها المرآن‪ ،‬ولد أدى نجاح الؽزو إلى دفع‬
‫ً‬
‫هابال بالزهو والتفوق بعد أن‬ ‫العرب لالستبثار بالسلطة والثروة‪ ،‬كما منحهم شعو ًرا‬
‫لهروا إمبراطورٌات كبرى‪ ،‬مما حفز ابتكار األفكار العروبٌة اإلسالمٌة‪ ،‬فكانت‬
‫األٌدٌولوجٌا نتا ًجا لوالع ظهر منذ عصر الفتوحات‪ ،‬وربما وضعت بذرتها منذ‬
‫مولعة ذي لار(‪.)96‬‬
‫ومع ظهور االستعمار األوروبً وتمسٌمه للشرق األوسط إلى ألطار‪ ،‬حاول‬
‫اإلسالمٌون استخدام شعار الرابطة اإلسالمٌة‪ ،‬وااللتفاؾ حول الخالفة العثمانٌة‬
‫لمماومة االحتالل‪ ،‬ولكن مع سموط الخالفة أصبح الطرٌك ممهدًا أمام الخطاب‬
‫العروبً‪ ،‬المطري‪ ،‬والمومً بدرجة ألل‪ ،‬حٌث تكونت طبمات جدٌدة ذات مصالح‬
‫راحت تتنالض تدرٌجٌا مع مصالح االستعمار‪ .‬وكان الخطاب العروبً أعلى صوتا‬
‫فً المشرق العربً‪ ،‬بفضل الموروث الثمافً العروبً الموي‪ ،‬واالضطهاد العثمانً‬
‫الشدٌد‪ ،‬والتالحم الموي بٌن شعوب ألطار المشرق ولتها (كانت سورٌا تشمل كل‬
‫بالد الشام)‪ .‬كما استخدم اإلنجلٌز فكرة المومٌة العربٌة فً فترة ما لالستفادة من‬
‫جهود عرب الجزٌرة (أتباع الشرٌؾ حسٌن) لمواجهة العثمانٌٌن‪ .‬أما فً شرق‬
‫الجزٌرة فمد ظهرت الحركة الوهابٌة المعادٌة للعثمانٌٌن‪ ،‬بالتحالؾ مع آل سعود‪،‬‬
‫المحرضٌن من لبل اإلنجلٌز مباشرة‪.‬‬
‫وكما هو معروؾ أن الحركة المومٌة العربٌة الحدٌثة لد فشلت فً تحمٌك الوحدة‬
‫العربٌة‪ ،‬وساد الخطاب المطري‪ ،‬حتى بٌن اإلسالمٌٌن؛ حتى فً معمل العروبٌٌن فً‬
‫سورٌا والعراق‪ .‬وبعد كل معارن المرن الماضً ٌمكن أن نرصد اآلن أن الدعوة‬
‫المومٌة العربٌة لم تكن إال أداة الطبمات المحلٌة (المطرٌة) لالستفادة من المحٌط‬

‫(‪ )96‬مولعة حربٌة جرت عام ‪ 609‬م بٌن لبابل عرب الشمال‪ ،‬خاصة بنً شٌبان والفرس انتصر فٌها العرب‬
‫انتصا ًرا كبٌ ًرا‪ .‬ذكرت فً مراجع عدٌدة بحٌث ال ٌمكننا التشكٌن فً حدوثها‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫العربً‪ ،‬كل لتكرٌس سلطته فً المنطمة على حساب االستعمار الؽربً والشعوب‬
‫العربٌة نفسها‪ ،‬بٌنما ٌتوسع اإلسالمٌون فً االستعانة بالشارع اإلسالمً األوسع‬
‫لتكرٌس هٌمنتهم‪ ،‬بل حاول حتى نظام المذافً استؽالل العمك األفرٌمً لدعم‬
‫نظامه‪ ،‬وكانت الناصرٌة تحاول استخدام الدوابر الثالث‪ :‬العربٌة واإلسالمٌة‬
‫واألفرٌمٌة لصالح سلطتها المحلٌة ال أكثر‪.‬‬
‫ومن الؽرٌب أن العنصرٌة العربٌة التً ترتب علٌها نهب وسلب الشعوب األخرى‪،‬‬
‫والمذابح الكبرى‪ ،‬وأشكال من اضطهاد ؼٌر العرب‪ ،‬لد بُررت بؤن العرب ٌإدون‬
‫رسالة ممدسة‪ ،‬فكل هذا واجب علٌهم ولٌس حما لهم‪ ،‬فهم نبالء بالطبٌعة وال‬
‫ٌرٌدون االستبثار بالدنٌا‪ ،‬بل هو الواجب الممدس‪ .‬ولد اشترن العروبٌون بؤطٌافهم‬
‫فً التروٌج لهذه الفكرة‪ ،‬فحتى البعثٌون اعتبروا أن للعروبة رسالة خالدة‪ ،‬هً‬
‫نشر المٌم السامٌة‪ ،‬بٌنما ذهب اإلسالمٌون العروبٌون إلى أن رسالة العرب هً‬
‫جعل كلمة هللا هً العلٌا‪ ،‬ألنهم األلدر على حملها بفضل لؽتهم الممدسة وأخاللهم‬
‫الرفٌعة ولٌمهم السامٌة‪ .‬لمد بلؽوا لمة الدٌماجوجٌة‪.‬‬
‫فً النهاٌة ٌمكن أن نمول بخصوص العروبٌة بمختلؾ صورها‪ :‬ابحث عن‬
‫المصالح‪.‬‬

‫‪ -8‬خالصة‪:‬‬
‫‪ -‬العنصرٌة العربٌة ذات أٌدٌولوجٌا ثمافٌة‪ ،‬ناتجة عن منحة وتكلٌؾ إلهٌٌن –‬
‫زع ًما ‪ -‬وال عاللة لها بالتكوٌن البٌولوجً للعرب‪ ،‬إال لدي للٌل من العروبٌٌن‪ .‬ولد‬
‫كان انتصار اإلسالم هو المحفز لظهور هذا الشعور العربً بالتفوق الثمافً على‬
‫الشعوب األخرى‪ ،‬الذي ربما كانت بذوره لبل ذلن‪.‬‬
‫‪ٌ -‬مكن أن ٌتعرب أي شخص بتعلم اللؽة الممدسة واكتساب الصفات العربٌة ولكن‬
‫ٌظل العربً األصلً أكثر عروبة لدي أؼلب العروبٌٌن ألنه األكثر أصالة من‬
‫الناحٌة الفطرٌة‪ ،‬األخاللٌة‪.‬‬
‫‪ -‬التفوق الثمافً العربً ٌخص بالذات اللؽة العربٌة التً ٌعتبرها العروبٌون‬
‫أفصح وأؼنً اللؽات‪ ،‬وٌعتبرها الكثٌرون لؽة أهل الجنة‪ ،‬ولؽة اللوح المحفوظ‪..‬‬
‫إلخ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬ترتبط العروبة باإلسالم ارتبا ً‬
‫طا وثٌ ًما؛ فالعربٌة هً لؽة المرآن‪ ،‬ولد جعلها‬
‫اإلسالم لؽة ممدسة أو اختار هللا رسالتة بالعربٌة ألنها لؽة ممدسة أ ً‬
‫صال‪.‬‬
‫‪ -‬العروبٌة تحمل العرب تكلٌ ًفا وواجبًا أكثر مما تمنحهم حما‪ ،‬بل ما تمنحهم إٌاه‬
‫من حك هو من أجل تنفٌذ الواجب الممدس‪ :‬نشر الرسالة الدٌنٌة أو األخاللٌة‪.‬‬
‫‪ٌ -‬ختلؾ العروبٌون عن اإلسالمٌٌن فً التكتٌن فمط؛ فالعروبٌون ٌستخدمون‬
‫اإلسالم لخدمة المشروع المومً؛ أما اإلسالمٌون العرب فٌستخدمون العروبة‬
‫لمشروع الوحدة اإلسالمٌة‪ ،‬التً مع ذلن ٌمودها العرب‪ ،‬فهو نفس المشروع‬
‫المومً العربً مستفٌدًا من العمك اإلسالمً‪ .‬وٌمٌل اإلسالمٌون أكثر إلى تطبٌك‬
‫الشرٌعة فً الحكم بدرجة أكبر من العروبٌٌن‪ ،‬الذٌن ٌمٌلون أكثر إلى العلمانٌة‪ ،‬بل‬
‫وإلى وعلمنة اإلسالم نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬فً الوالع الفعلً مارس العروبٌون واإلسالمٌون بؤطٌافهم لمعًا وحشٌا ضد‬
‫األللٌات العرلٌة واإلثنٌة‪ ،‬ولم ٌسمحوا لؽٌرهم بحك تمرٌر المصٌر‪ ،‬مستخدمٌن‬
‫أحٌانا حجة اشتران هذه الشعوب معهم فً اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬لعب اإلسالم دو ًرا جوهرٌا وحاس ًما فً بلورة العنصرٌة العربٌة بآلٌات متعددة‪.‬‬
‫ورؼم أن المرآن لم ٌنص أبدًا على تفوق العرب صراحة‪ ،‬إال أن األحادٌث نصت‬
‫على ذلن كثٌ ًرا‪ .‬ورؼم النص على إمكانٌة سحب الرسالة من العرب‪ ،‬جاء هذا‬
‫النص فً صورة تهدٌد بؽرض حفز العرب وشحذ هممهم على الؽزو ونشر‬
‫الرسالة‪.‬‬

‫****************************‬

‫‪50‬‬

You might also like