22 Fi Alzlazel A7kamha

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 38

‫‪  22‬اﻟﺰﻻزل وأﺣﻜﺎﻣﻬﺎ‬

‫‪22‬‬
‫ اﻟﺰﻻزل وأﺣﻜﺎﻣﻬﺎ‬
‫حقوق الطبع والنرش لكل مسلم‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫احلمد هلل‪ ،‬والصـالة والسـالم عىل رسول اهلل‪.‬‬


‫ِ‬
‫الزالزل‬ ‫فـــهذه ُخالصات مـــجموعة يف‪:‬‬
‫العلمــي بمجموعة زاد‬ ‫الفريق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وأحكامها‪ ،‬قام‬
‫ُّ‬
‫وإعادة صياغتِها من َّ‬
‫عدة ُخ َطب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استخراجها‬ ‫عىل‬
‫املنجد يف هذا‬
‫وحمارضات للشــيخ حممد صالح ِّ‬
‫خريا‬
‫املوضوع‪ ،‬نسأل اهلل أن ينفع هبا‪ ،‬وأن جيزي ً‬
‫شها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إعداد هذه املادة و َن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وأعان يف‬ ‫َ‬
‫شارك‬ ‫َّ‬
‫كل َمن‬

‫‪3‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪1‬‬

‫ــوف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ــوف ُ‬


‫واخل ُس‬ ‫ُ‬ ‫والرباكني‪ ،‬وال ُك ُس‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الزالزل‬
‫ياح‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والر ُ‬
‫ِّ‬ ‫حاب‬
‫ُ‬ ‫والس‬
‫َّ‬ ‫‪،‬‬ ‫يضانات‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫وال‬ ‫ف‬ ‫والعواص‬
‫والح ُّر‬ ‫ــر‪َ ،‬‬ ‫ــم ُس وال َق َم ُ‬ ‫هار‪َّ ،‬‬
‫والش ْ‬ ‫يل والنَّ ُ‬ ‫وال َّل ُ‬
‫آيات اهللِ‬ ‫واألفالك؛ ك ُّلها من ِ‬ ‫ُ‬ ‫والب ُد‪ ،‬والنُّجو ُم‬ ‫َْ‬
‫الدا َّل ِة عىل َو ْحدان َّيتِ ِه وربوب َّيتِه وقيوم َّيتِه‪،‬‬
‫تعاىل‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫واســتحقاقه‬ ‫ِ‬
‫تدبريه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكامل‬ ‫وعظي ِم ُق ْد َرتِــه‪،‬‬
‫وحده ســبحانه ال رشيــك له‪ ،‬وأ َّنه ال‬ ‫للعبادة َ‬‫ِ‬
‫مفتق َ‬
‫رون‬ ‫اخللق ك َّلهم ِ‬ ‫َ‬ ‫بحق إال ُه َو‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫معبو َد ٍّ‬
‫أمر وال‬ ‫ذلك‬ ‫يف‬ ‫ِ‬
‫للطبيعة‬ ‫َ‬
‫خاضعون له‪ ،‬ليس‬ ‫له‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ُق ْد َرة‪ ،‬ما أصابنا من ذلك مل يكن ل ُي ْخطِ َئنا‪ ،‬وما‬
‫أخطأنا مل يكن ل ُيصي َبنا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫قال اهلل تعاىل‪( :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬


‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [آل‬

‫عمــران‪ ،]190 :‬وقــال‪( :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬


‫ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ) [الذاريات‪.]٢١-٢٠ :‬‬
‫وقال تعاىل‪( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [األعراف‪.]185 :‬‬
‫وقال سبحانه‪( :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ‬
‫ﰛ) [فاطر‪.]44 :‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪2‬‬

‫العظيمة عــى ِ‬
‫عباده‪ ،‬والتي‬ ‫ِ‬ ‫ِمن نِ َعــ ِم اهلل تعاىل‬
‫اخل ْلق‪ :‬نِعم ُة ِ‬
‫كثري من َ‬
‫ثبات األرض‪،‬‬ ‫َْ‬ ‫يغ ُفل عنها ٌ‬
‫كام قال اهلل تعــاىل‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [غافر‪.]64 :‬‬
‫وقــال‪( :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧ ﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)‬
‫[النمل‪.]61 :‬‬
‫فهو ســبحانه الذي جعل األرض «قار ًة ِ‬
‫ساكن ًة‬ ‫َّ‬
‫متيد وال تتحر ُك ِ‬
‫بأهلها وال َت ْر ُجف هبم‪،‬‬ ‫ثابِت ًة‪ ،‬ال ُ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫العيش‬ ‫طاب عليها‬ ‫فإنا لو كانت كذلك َل َ‬
‫ـــا َ‬ ‫َّ‬

‫‪6‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫حتِه‪ِ -‬مها ًدا‬


‫ور ْ َ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫‪-‬من ِ‬
‫فضل‬ ‫واحلياة! بل جع َلها ِ‬
‫بِ َسا ًطا ثابِت ًة ال َت َت َز ْل َزل وال َت َت َح َّرك»(((‪.‬‬
‫كام قال سبحانه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)‬
‫[النحل‪.]15 :‬‬

‫(((  تفسير ابن كثير (‪.)203/6‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪3‬‬

‫تذكري بن ِ ْعمة‬
‫ٌ‬ ‫الزالزل التي يبتيل اهللُ هبا عبا َده؛ فيها‬
‫ِ‬
‫ومتهيدها‬ ‫األرض‪ ،‬و َب ْسطِها وتسو َيتِها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بثبات‬ ‫اهلل‬
‫ِ‬
‫اخلالئق عىل َظ ْه ِرهــا‪ ،‬والتم ُّك ِن من‬ ‫الســتقرار‬
‫نيان عليها‪ ،‬واالنتفا ِع بام‬ ‫راســها وال ُب ِ‬ ‫وغ ِ‬
‫حرثِها ِ‬
‫َْ‬
‫خريات‪ ،‬كام قال تعاىل‪( :‬ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ٍ‬ ‫فيها من‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النبــأ‪ ،]7-6 :‬وقــال‪:‬‬
‫(ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الغاشية‪.]20-17 :‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪4‬‬

‫قال اإلما ُم ابــ ُن الق ِّيــم ‪« :‬وتأ َّمل َخ ْل َق‬


‫األرض عىل ما هي عليــه‪ ،‬حني ُخ ِل َقت واقف ًة‬ ‫ِ‬
‫لتكون ِ‬
‫ستقرا للحيوان والنبات‬ ‫َ ً ُ ًّ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫ساكن ًة‪،‬‬
‫والناس من السعي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احليوان‬ ‫واألمتعة‪ ،‬ويتم َّك َن‬
‫ِ‬
‫لراحاتم‪ ،‬والنو ِم‬ ‫ِ‬
‫واجللوس‬ ‫مآرهبم‪،‬‬‫عليها يف ِ‬
‫ِ‬
‫أعاملم‪.‬‬ ‫ُّن من‬ ‫هلدوئهم‪ ،‬والتمك ِ‬ ‫ِ‬

‫ولو كانت َر ْجراج ًة متاميل ًة؛ مل يســتطيعوا عىل‬


‫ثبت هلم عليها‬
‫هــدوءا‪ ،‬وال َ‬
‫ً‬ ‫َظ ْه ِرها ً‬
‫قرارا وال‬
‫بناء‪ ،‬وال أمك َنهم عليهــا صناع ٌة وال جتار ٌة وال‬
‫حراثــ ٌة وال مصلحــ ٌة! وكيف كانــوا يتهنَّون‬
‫واألرض َت ْر َت ُّج من حتتهم؟!‬
‫ُ‬ ‫بالعيش‬

‫‪9‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ب ذلك بــا ُيصي ُبهم من الزالزل‪ ،‬عىل ِق َّلة‬


‫وا ْع َت ِ ْ‬
‫ب‬‫واهلر ِ‬ ‫هلم‬ ‫ِ‬
‫مناز‬ ‫مكْثِها‪ ،‬كيف ُتصيهم إىل َتر ِ‬
‫ك‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ ُ‬ ‫ُ‬
‫عنها؟!‬
‫وقد ن َّبه اهلل ‪ ‬عىل ذلك بقوله‪( :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [النحــل‪:‬‬

‫‪ ،]15‬وقوله تعــاىل‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬


‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [غافر‪ ،]64 :‬وقوله‪:‬‬
‫(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [طه‪.(((»]53 :‬‬

‫(((  مفتاح دار السعادة (‪ ،)619/2‬بتصرُّ ف يسير‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٥‬‬

‫ِ‬
‫عالمات‬ ‫ودوامها من‬ ‫ُ‬
‫وشــمولا‬ ‫ِ‬
‫الزالزل‬ ‫كثر ُة‬
‫ُ‬
‫الصغرى وأرشاطِها؛ كام يف احلديث‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الســاعة ُّ‬
‫ــض ِ‬
‫الع ْل ُم‪َ ،‬و َت ْك ُث َر‬ ‫الســا َع ُة َح َّتى ُي ْق َب َ‬ ‫«الَ َت ُقو ُم َّ‬
‫ان‪ ،‬و َت ْظهــر ِ‬
‫الف َت ُن‪،‬‬ ‫ــار َب ال َّز َم ُ َ َ َ‬ ‫الــ َّزالَ ِز ُل‪َ ،‬و َي َت َق َ‬
‫ــو ال َق ْت ُل ال َق ْت ُل‪َ ،-‬ح َّتى َي ْك ُث َر‬
‫‪-‬و ُه َ‬ ‫َو َي ْك ُث َر َاهل ْر ُج َ‬
‫يض»(((‪.‬‬ ‫فِي ُك ُم ا َمل ُال َف َي ِف َ‬

‫محل الشاهد‪.‬‬
‫بعضه (‪ )157‬وليس عندَ ه ُّ‬
‫(((  رواه البخاري (‪ ،)1036‬وروى مسلمٌ َ‬

‫‪11‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٦‬‬

‫الدنيا آيــ ٌة من ِ‬
‫آيات اهلل‪ ،‬التــي ُت َذ ِّك ُرنا‬ ‫زالزل ُّ‬ ‫ِ‬
‫وأهوال اآلخرة‪ ،‬فهي من أرشاطِها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القيامة‬ ‫بيو ِم‬
‫و ُت َذ ِّك ُر هبا‪.‬‬
‫قال اهلل تعــاىل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)‬
‫[احلج‪.]2-1 :‬‬
‫وقال سبحانه‪( :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴ‬

‫‪12‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ) [الزلزلة‪.]6-1 :‬‬
‫وقال سبحانه‪ ( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الواقعة‪]6-4 :‬؛‬
‫أي‪ُ :‬ح ِّر َكــت األرض و َت َز ْل َز َلت واضطر َبت‪،‬‬
‫فصارت كالدقيق املبسوس ‪-‬وهو‬ ‫َ‬ ‫و ُف ِّت َت اجلبال‬
‫املتفرق‪.‬‬ ‫فأصبحت كال ُغ ِ‬
‫بار ِّ‬ ‫َ‬ ‫املبلول‪،-‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٧‬‬

‫الــزالزل تك ُثــر‬ ‫ِ‬ ‫أن‬


‫النبــي ‪َّ ‬‬ ‫ُّ‬ ‫أخــر‬
‫َ‬
‫كالعراق وغريهــا؛ فقال عنها‬ ‫املرشق‪ِ ،‬‬ ‫ناحيــة ِ‬
‫اك ال َّزالَ ِز ُل و ِ‬
‫الف َت ُن‪َ ،‬و ِ َبا َي ْط ُل ُع‬ ‫«هنَ َ‬
‫َ‬ ‫‪ُ :‬‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫َق ْر ُن َّ‬
‫وهذا هو الغالِــب‪ ،‬فال يمن َُع هــذا من وقو ِع‬
‫املغرب وغريها‪.‬‬ ‫الزالزل يف ِ‬ ‫ِ‬

‫(((  رواه البخاري (‪.)1037‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٨‬‬

‫تعار َض بني‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫الزالز ُل هلا أســباب ِ‬
‫وح‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫القلب‬ ‫اللبيب ذو‬ ‫واملســلم‬ ‫مة‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫السبب ِ‬
‫واحل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫املادي‬ ‫السبب‬ ‫خيل ُط بينهام‪ ،‬وال َي ْش َغ ُله‬ ‫احلي ال ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كف ْعــل املاد ِّيني الذين ال‬ ‫احلكْمــة اإلهلية‪ِ ،‬‬‫عن ِ‬
‫َّ‬
‫لون باألســباب‬ ‫ــغ َ‬ ‫وينش ِ‬ ‫يؤمنــون باهلل تعاىل‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وحك َْمتِه‪ ،‬كام‬ ‫ُّــر يف ُق ْدرة اهلل ِ‬
‫َ‬ ‫الظاهرة عن التفك ِ‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ) [الــروم‪ ،]7 :‬وقال‪( :‬ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ) [يوسف‪.]105 :‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٩‬‬

‫فمن ِح ْك َم الزالزل وال ُك ُسوف ُ‬


‫واخل ُسوف‪َّ :‬أنا‬ ‫ِ‬
‫ف اهلل هبا عبا َده‪ ،‬حتــى ِير ُجعوا إليه‬
‫خيو ُ‬
‫آيــات ِّ‬
‫ٌ‬
‫ويتوبوا‪ ،‬كام قال تعاىل‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ) [اإلرساء‪.]59 :‬‬
‫َّاس بِ َم‬‫ف الن َ‬ ‫ــال َق َتــا َد ُة ‪« :‬إِ َّن اهللَ ُي ِّ‬
‫َــو ُ‬ ‫َق َ‬
‫ون‪َ ،‬أ ْو‬‫َشــا َء ِم ْن آياتِه‪َ ،‬ل َع َّل ُه ْم ُيعتِبون‪َ ،‬أ ْو َي َّذ َّك ُر َ‬
‫ون»‪.‬‬‫َي ْر ِج ُع َ‬
‫ثم قال‪ُ « :‬ذ ِك َر َلنَا َأ َّن ا ْلكُو َف َة َر َج َف ْت َع َل َع ْه ِد ا ْب ِن‬
‫َّاس‪ ،‬إِ َّن َر َّبك ُْم‬ ‫ٍ‬
‫َم ْس ُعود ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َأ ُّ َيا الن ُ‬
‫َي ْس َت ْعتِ ُبك ُْم َف َأ ْعتِ ُبو ُه»(((؛ أي‪ :‬ا ْط ُلبوا منه أن َ‬
‫يزيل‬
‫(((  تفسير الطبري (‪.)638/14‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫بالرجو ِع عن ُّ‬
‫الذنوب بالتوبة واالستغفار‬ ‫َع ْت َبه‪ُّ ،‬‬
‫واإلنابة‪.‬‬
‫وقال تعــاىل‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ) [األنعام‪.]65 :‬‬
‫ــر َل‬‫ــم َس َوا ْل َق َم َ‬‫الش ْ‬ ‫وقــال ‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫ت َأح ٍد و َل َِلياتِ ِ‬
‫ــه‪َ ،‬و َلكِنَّ ُه َم ِم ْن‬ ‫ان َل ِو ِ‬‫ِ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ــ‬‫س‬ ‫ي ْك ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف اهللُ ِبِ َم ِع َبا َد ُه»(((‪.‬‬
‫ي ِّو ُ‬‫ات اهللِ‪َ ُ ،‬‬‫آي ِ‬
‫َ‬

‫(((  رواه البخاري (‪ ،)1044‬ومسلم (‪ )901‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٠‬‬

‫ِ‬
‫أســباب الــزالزل التــي ُي ِب هبــا علامء‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫القرشة األرض َّية يف مكان‬ ‫اجليولوجيا‪َ :‬ض ْعف‬
‫الزلزال‪ ،‬أو انضغاط البخار يف جوف األرض‬
‫ف ُي َز ْل ِزل ما ُقر َب منه من األرض‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫كون هذه الزالزل ٍ‬
‫آيات‬ ‫وهذه األسباب ال تنفي َ‬
‫ف اهلل هبا عبا َده‪.‬‬
‫خيو ُ‬
‫ِّ‬

‫ِ‬
‫«الزالزل‬ ‫قال ُ‬
‫شيخ اإلسالم اب ُن تيم َّية ‪:‬‬
‫خيوفهم‬
‫خيوف اهلل هبا عبا َده‪ ،‬كام ِّ‬
‫من اآليات التي ِّ‬
‫ِ‬
‫وغريه من اآليات ‪.‬‬ ‫بالكُس ِ‬
‫وف‬ ‫ُ‬

‫‪18‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسباب وحك ٌَم‪ ،‬فكوهنا آي ًة ِّ‬
‫خيوف‬ ‫ٌ‬ ‫واحلواد ُ‬
‫ث هلا‬
‫اهلل هبا عباده هي ِمن حكمة ذلك»(((‪.‬‬

‫عرف‬ ‫وقال شــيخنا اب ُن باز ‪« :‬كوهنا آي ًة ُت َ‬


‫جل‬ ‫باحلســاب‪ ،‬ال َي ْمن َُع كوهنــا ختوي ًفا من اهلل َّ‬
‫حتذير منه ســبحانه وتعاىل‪ ،‬فإ َّنه‬‫ٌ‬ ‫وأنــا‬
‫وعال‪َّ ،‬‬
‫هو الذي أجــرى اآليات‪ ،‬وهــو الذي ر َّتب‬
‫ٍ‬
‫أوقات‬ ‫وتغرب يف‬‫أســبابا‪ ،‬كام تط ُلع الشمس ُ‬‫َ‬
‫آيات من‬ ‫مع َّينة‪ ،‬وهكذا القمر والنجوم‪ ،‬وك ُّلها ٌ‬
‫جعل هلا أسبا ًبا‬ ‫آيات اهلل ‪ ،‬فكون اهلل َ‬
‫‪-‬كام ذكر الفلك ُّيون‪ -‬ال يمنع من كوهنا ختوي ًفا‬
‫عز َّ‬
‫وجل»(((‪.‬‬ ‫وحتذيرا من اهلل َّ‬
‫ً‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)264/24‬‬


‫(((  فتاوى ورسائل الشيخ ابن باز (‪ ،)290/30‬باختصار‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١١‬‬

‫أسبابا‪ ،‬كأن ُيقال‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الزالزل إىل‬ ‫ال بأس بن ِ ْســ َبة‬
‫احلذر من الغف َل ِة‬
‫ســبب الزلزال كذا وكذا‪ ،‬مع َ‬
‫ومقد ِرها‬
‫ِّ‬ ‫خالقها ومد ِّب ِرها‬‫ِ‬ ‫عن ِح ْك َمتِها‪ ،‬وعن‬
‫ي ِدث يف القلب من‬ ‫‪‬؛ َّ‬
‫فإن تد ُّب َر ذلك ُ ْ‬
‫اخلوف واخلشية واإلنابة ما ُ ِ‬
‫ي ُّبه اهلل ويرضاه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٢‬‬

‫وغريها من‬ ‫ــوف‬


‫ُ‬ ‫ــوف واخلُ ُس‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الزالز ُل والك ُُس‬
‫ُ‬
‫ختويف من اهلل ‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫اآليات‪ ،‬هي يف األصل‬
‫بالرجوع إىل اهلل‬ ‫وتذكــر‬ ‫هلم‪،‬‬ ‫وحتذير‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لعباد‬
‫ٌ ُّ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫لعقوبة‬ ‫ُ‬
‫التخويف‬ ‫يكون هــذا‬ ‫ُ‬ ‫تعاىل‪ ،‬لكــن قد‬
‫أســبابا باملعايص؛ وهلــذا ُأ ِم َر الناس‬ ‫ُ‬ ‫انعقدت‬
‫َ‬
‫قة‬ ‫والصد ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصــاة‬ ‫بالفزع إىل‬
‫عند الكُســوف َ‬
‫تقــع هذه العقوب ُة‬ ‫َ‬ ‫والدعاء؛ َّ‬
‫لئل‬ ‫ِ‬
‫واالســتغفار ُّ‬
‫وخوف بالك ُُسوف والزالزل‬ ‫أنذر اهلل هبا َّ‬ ‫التي َ‬
‫وختويف‬
‫ٌ‬ ‫إنــذار‬
‫ٌ‬ ‫يد ُّل عــى أ َّنه‬ ‫ونحوها؛ ممَّــا ُ‬
‫أسبابا(((‪.‬‬ ‫ت‬ ‫انعقد‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫لعقوبات‬
‫ُ‬

‫(((  ينظــر‪ :‬مفتاح دار الســعادة البــن القيِّــم (‪ ،)1411/2‬وفتاوى ابــن عثيمين‬
‫(‪ ،)320/16‬وفتاوى نور على الدَّ رْ ب‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٣‬‬

‫ِ‬
‫الــزالزل ُتصيــب املؤمنــن والكافرين‪ ،‬وما‬
‫الزالزل املدم ِ‬
‫رة‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫املســلمني‬ ‫لبعض ِ‬
‫بالد‬ ‫ِ‬ ‫يقع‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫االبتالءات التي يك ِّف ُر‬ ‫ِ‬
‫ونحوها؛ قد يكون مــن‬
‫ويرفع هبا الدرجات‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫اهلل تعاىل هبا الس ِّيئات‬
‫ابتالء‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫يكون عقوب ًة عىل املعايص‪ ،‬وقــد‬
‫آلخرين من نفس ال َب َلد‪.‬‬
‫لقو ٍم وعقوب ًة َ‬
‫كام قال تعــاىل يف األول‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ) [البقــرة‪ ،]155 :‬وقال‪( :‬ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ) [األنبياء‪.]35 :‬‬
‫ْــم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِ َّن َأ ْم َر ُه‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬‫ويف احلديث‪« :‬عجبا ِ‬
‫َ َ ً ْ‬
‫ــد إِ َّل لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن‪ :‬إِ ْن‬
‫اك ِلَح ٍ‬
‫ــر‪َ ،‬و َل ْي َس َذ َ َ‬
‫ُك َّل ُه َخ ْ ٌ‬
‫‪22‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ان َخ ْ ًيا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب ْت ُه‬


‫س ُاء َشــ َك َر َف َك َ‬ ‫أ َصا َب ْت ُه َ َّ‬
‫َ‬
‫ان َخ ْ ًيا َل ُه»(((‪.‬‬
‫ب َف َك َ‬
‫ض ُاء َص َ َ‬ ‫َ َّ‬
‫وقال ســبحانه يف الثاين‪( :‬ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)‬
‫[الشورى‪ ،]30 :‬وقال‪( :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ) [الروم‪ ،]41 :‬وقال‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [امللــك‪:‬‬

‫‪ ،]16‬وقــال‪( :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ) [النحل‪.]45 :‬‬
‫ــى َع ْه ِد ُع َم َر‬‫أن األَ ْر َض ُز ْل ِز َلت َع َ‬‫صــح َّ‬
‫َّ‬ ‫وقد‬
‫ب ُع َم ُر‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الس‬ ‫ت‬ ‫‪ ،‬ح َّتى اص َط َف َق ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2999‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ــد َع ِج ْل ُت ْم! َل ِئ ْن‬


‫حد ْث ُتم؟ َل َق ْ‬‫ــال‪َ « :‬أ َ‬ ‫الناس‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َ‬
‫َعا َد ْت؛ ألَ ْخ ُر َج َّن ِم ْن َب ْ ِ‬
‫ي َظ ْه َرا َنيك ُْم»(((‪.‬‬

‫ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (‪ ،)8335‬والبيهقي في «الكُ برى» (‪.)476/3‬‬


‫(((  رواه ُ‬

‫‪24‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٤‬‬

‫بالــزالزل‪ :‬ما َي ْصطِفي‬


‫ِ‬ ‫حة اهلل ‪‬‬ ‫من َر ْ َ‬
‫الشهداء؛ كام يف احلديث‪ُّ :‬‬
‫«الش َه َد ُاء‬ ‫بس َببها من ُّ‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫ون‪َ ،‬وال َغ ِر ُيق‪َ ،‬و َصاح ُ‬
‫ون‪َ ،‬وا َمل ْب ُط ُ‬
‫َخ َْس ٌة‪ :‬ا َمل ْط ُع ُ‬
‫يل اهلل»(((‪.‬‬‫الش ِه ُيد ِف َسبِ ِ‬‫َاهل ْدمِ‪َ ،‬و َّ‬

‫(((  رواه البخاري (‪ ،)653‬ومسلم (‪.)1914‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٥‬‬

‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫حصول‬ ‫ِ‬
‫الصالة عند‬ ‫حب ال َف َز ُع إىل‬ ‫ُي ْس َت ُّ‬
‫المعتا َدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫غــر‬ ‫عة‬ ‫ِ‬
‫فز‬ ‫الم‬ ‫ِ‬
‫خيفــة‬ ‫الم‬ ‫ِ‬
‫العظيمــة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والصواعق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والزالزل‪،‬‬ ‫كالك ُُسوف واخلُ ُسوف‪،‬‬
‫املستمرة‪،‬‬ ‫خيفة‬ ‫ُ‬
‫مل‬ ‫ا‬ ‫الشديدة‬ ‫ِ‬
‫ياح‬ ‫والر‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫والعواص‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ســواد‬ ‫والفيضانات املد ِّمرة‪ ،‬وبياض ال َّليل أو‬
‫أفضل األعامل‬ ‫ِ‬ ‫النَّهار‪ ،‬ونحو ذلك؛ فالصالة من‬
‫التي ُت ْس َت ْد َف ُع هبا النِّ َقم واملِ َحن‪.‬‬
‫وهو مذهــب احلنف َّية‪ ،‬ورواية عن اإلمام أمحد‪،‬‬
‫واختاره ُ‬
‫شيخ اإلسالم اب ُن تيم َّية(((‪.‬‬ ‫َ‬
‫النبي ‪« ‬إِ َذا َح َز َب ُه َأ ْم ٌر َص َّل»(((‪.‬‬
‫وقد كان ُّ‬

‫وكشاف القناع للبُهُ وتي (‪.)66/2‬‬


‫(((  ينظر‪ :‬بدائع الصنائع للكاساني (‪َّ ،)282/1‬‬
‫وحسنه األلباني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)1319‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫وغريها هي من اآليات التي ُي ِّوف‬ ‫ِ‬


‫والــزالزل ُ‬
‫شع يف الكُس ِ‬
‫ــوف‬ ‫رشع هلا ما ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫اهلل هبا عبا َده‪ ،‬ف ُي َ‬
‫وف ِمن ال َف َز ِع إىل الصالة؛ كام يف احلديث‪:‬‬ ‫واخلس ِ‬
‫ُُ‬
‫ان ِمن آي ِ‬
‫ف‬ ‫ات اهلل‪َ ُ ،‬‬
‫ي ِّو ُ‬ ‫الش ْم َس َوا ْل َق َم َر آ َي َت ِ ْ َ‬ ‫«إِ َّن َّ‬
‫اهللُ ِبِ َم ِع َبا َد ُه ‪َ ...‬فإِ َذا َر َأ ْي ُت ْم ِمنْ َها َشــ ْي ًئا َف َص ُّلوا‪،‬‬
‫ف َما بِ ُك ْم»(((‪.‬‬ ‫َوا ْد ُعوا اهللَ َح َّتى ُي ْك َش َ‬

‫(((  رواه البخاري (‪ ،)1041‬ومسلم (‪ )911‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٦‬‬

‫ختصها عند‬ ‫ِ‬


‫للزالزل صال ٌة ُّ‬ ‫العلامء‪ :‬هل‬
‫ُ‬ ‫اختلف‬
‫الناس هلــا‪ ،‬أم ُيص ُّلون‬ ‫ع‬ ‫ح ُدوثِهــا‪ ،‬وهل ِ‬
‫جيتم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُفرادى؟‬
‫بعــض العلــاء إىل مرشوع َّيتها مجاع ًة‬
‫ُ‬ ‫فذهب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫كصفة صالة الك ُُســوف‪ ،‬فيص ِّليها ركع َتني‪ ،‬يف‬
‫ِ‬
‫وسجودان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ركوعان‬ ‫ٍ‬
‫ركعة‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫واختاره‬ ‫الدائمة‪،‬‬ ‫الز ْل َز ِ‬
‫لة‬ ‫وهو مذهب احلنابلة يف َّ‬
‫َ‬
‫ورجحه‬ ‫‪،‬‬ ‫لكل ٍ‬
‫آية‬ ‫شــيخ اإلســام اب ُن تيم َّية ِّ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الشيخ ابن عثيمني ‪.(((‬‬
‫صل يف َز ْل َز َل ٍة‬ ‫وصح عن ِ‬
‫ابن ع َّب ٍ‬
‫اس ‪ ،‬أ َّنه َّ‬ ‫َّ‬
‫وكشــاف القنــاع للبُهُ وتي (‪،)66/2‬‬
‫(((  ينظر‪ :‬االختيــارات العلميَّة (ص ‪َّ ،)84‬‬
‫والشرح الممتع (‪.)195/5‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ُوت (أي‪ :‬القيام)‪ُ ،‬ث َّم َر َك َع‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ص ِة‪َ ،‬ف َأ َط َال ا ْل ُقن َ‬ ‫بِا ْل َب ْ َ‬
‫َر َف َع َر ْأ َس ُه َف َأ َط َال ا ْل ُقن َ‬
‫ُوت‪ُ ،‬ث َّم َر َك َع‪ُ ،‬ث َّم َر َف َع‬
‫ُوت‪ُ ،‬ث َّم َر َك َع َف َس َج َد‪ُ ،‬ث َّم َقا َم‬‫َر ْأ َس ُه َف َأ َط َال ا ْل ُقن َ‬
‫ال ُت ُه ِس َّت‬ ‫ِف ال َّثانِ َي ِة َف َف َع َل َك َذلِ َك‪َ ،‬ف َص َار ْت َص َ‬
‫ات و َأربع سج َد ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ات‪.‬‬ ‫َر َك َع َ ْ َ َ َ َ‬
‫ال ُة اآلي ِ‬ ‫ُث َّم َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫ات»(((‪.‬‬ ‫«هك ََذا َص َ َ‬ ‫اس‪َ :‬‬
‫للز ْلزلة‬ ‫ِ‬
‫الصالة َّ‬ ‫ِ‬
‫استحباب‬ ‫وذهب الشافع َّية إىل‬
‫الترض ِع‬ ‫سائر الصلوات‪ ،-‬مع‬ ‫ُمن َف ِردين ‪-‬كصفة ِ‬
‫ُّ‬
‫بالدعاء(((‪.‬‬
‫إىل اهلل تعاىل ُّ‬

‫وصححه‪.‬‬‫َّ‬ ‫«السنن الكبرى» (‪،)478/3‬‬


‫البيهقي في ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  ينظر‪ :‬األمّ لإلمام الشــافعي (‪ ،)535/2‬والمجموع للنووي (‪ ،)55/5‬ونهاية‬
‫المحتاج للرَّ ملي (‪.)412/2‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٧‬‬

‫ِ‬
‫وغريها من‬ ‫ِ‬
‫الــزالزل‬ ‫ِ‬
‫حصول‬ ‫ب عند‬
‫ُي ْســ َت َح ُّ‬
‫الترضع إىل اهلل تعاىل‪ ،‬واإلنابة‬
‫ُّ‬ ‫اآليات العظيمة‪:‬‬
‫إليه‪ ،‬واإلقالع عن املعايص‪ ،‬وا ُملبا َدرة إىل التوبة‪،‬‬
‫والذ ْكر‪،‬‬ ‫بالدعاء‪ِّ ،‬‬ ‫واإلحلاح إليه ُّ‬
‫ُ‬ ‫واالســتِغفار‪،‬‬
‫وغريها من األسباب التي ُي ْس َت َد َف ُع‬
‫ُ‬ ‫والص َدقة‪،‬‬
‫َّ‬
‫العذاب والنِّ َقم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هبا‬

‫قال اهلل تعاىل‪( :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬


‫ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ) [الــروم‪ ،]41 :‬وقــال‪( :‬ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯱ‬
‫[األنعــام‪:‬‬ ‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)‬
‫‪30‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪ ،]43‬وقــال‪( :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ) [األنفال‪.]33 :‬‬
‫وف الشمس‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ويف حديث ُخس ِ‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫ون َل ِو ِ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫ُ‪،‬‬ ‫هلل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ــل‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ات‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫اآل‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ِ‬
‫ذ‬ ‫«ه‬
‫ُ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف اهللُ ِبا ِع َبا َد ُه‪َ ،‬فإِ َذا‬ ‫َأ َح ٍد َوالَ َِل َياتِ ِه‪َ ،‬و َلكِ ْن ُ َ‬
‫ي ِّو ُ‬
‫ك؛ َفا ْف َز ُعوا إِ َل ِذ ْك ِر ِه َو ُد َعائِ ِه‬ ‫َر َأ ْي ُت ْم َش ْي ًئا ِم ْن َذلِ َ‬
‫ار ِه»(((‪.‬‬ ‫َو ْاستِ ْغ َف ِ‬

‫حديث آخر‪َ « :‬فــإِ َذا َر َأ ْي ُت ُموا ذلك؛ فا ْد ُعوا‬ ‫ٍ‬ ‫ويف‬


‫بوا‪َ ،‬و َص ُّلوا‪َ ،‬و َت َص َّد ُقوا»(((‪.‬‬ ‫اهلل‪ ،‬و َك ِّ ُ‬
‫ود؛ َق َال‪َ « :‬يا‬ ‫و َّملا رج َف ْت الكوف ُة َع َل َعه ِد اب ِن مسع ٍ‬
‫ْ ْ َْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َّاس‪ ،‬إِ َّن َر َّبك ُْم َي ْس َت ْعتِ ُبك ُْم َف َأ ْعتِ ُبو ُه»(((؛ أي‪:‬‬ ‫َأ ُّ َيا الن ُ‬
‫الذنوب بالتوبة واالستغفار واإلنابة‪.‬‬ ‫ْار ِجعوا عن ُّ‬
‫(((  رواه البخاري (‪ ،)1059‬ومسلم (‪.)912‬‬
‫(((  رواه البخاري (‪ ،)1044‬ومسلم (‪.)901‬‬
‫(((  تفسير الطبري (‪.)638/14‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫ٍ‬
‫طائفة‬ ‫وقال اب ُن رجب ‪« :‬وقد ُر ِو َي عن‬
‫من علامء أهل الشــام‪َّ :‬أنم كانوا يأمرون عند‬
‫الزلزلة‬
‫بالتوبة واالستغفار‪ ،‬وجيتمعون لذلك‪...‬‬
‫ور ِو َي عن عمر بن عبــد العزيز‪ ،‬أ َّنه َ‬
‫كتب إىل‬ ‫ُ‬
‫الر ْج َفــة يش ٌء ُيعاتِب‬
‫إن هذه َّ‬‫أهل األمصــار‪َّ :‬‬
‫كتبت إىل أهل بلد كذا‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬
‫اهلل به العباد‪ ،‬وقد ُ‬
‫فمن اســتطاع‬ ‫وكذا أن َي ُْرجوا يوم كذا وكذا‪َ ،‬‬
‫فإن اهلل يقول‪( :‬ﯿ ﰀ ﰁ‬ ‫يتصدق ف ْل َي ْف َعل؛ َّ‬
‫َّ‬ ‫أن‬
‫ﰂ) [األعىل‪.(((»]14 :‬‬

‫(((  فتح الباري (‪.)251/9‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٨‬‬

‫شيخ اإلســا ِم اب ُن تيم َّية ‪ُّ :‬‬


‫«السنَّة‬ ‫يقول ُ‬ ‫ُ‬
‫العبد عند‬
‫ُ‬ ‫والرش‪ :‬أن َي ْفعــل‬
‫ِّ‬ ‫يف أســباب اخلري‬
‫األعامل الصاحلة ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظاهرة من‬ ‫أســباب ِ‬
‫اخلري‬
‫الرش الظاهرة‬ ‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫وعند‬ ‫اخلري‪،‬‬ ‫به‬ ‫هلل‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َي ِ‬
‫ل‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫الرش»(((‪.‬‬ ‫عنه‬ ‫به‬ ‫هلل‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ع‬‫ف‬‫َ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ِ‬
‫العبادات‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬
‫َّ‬ ‫َ‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)170/35‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪١٩‬‬

‫استحباب ِذ ْك ٍر أو د ٍ‬
‫عاء‬ ‫ِ‬ ‫السنَّة ٌ‬
‫دليل عىل‬
‫ُ‬ ‫ليس يف ُّ‬
‫معي عند حــدوث الزالزل؛ وإ َّنام يدعو اهلل بام‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫والغوث من اهلل‬ ‫الرمحة‬ ‫َي ْف َتح له‪ ،‬ممَّا فيه َط َل ُ‬
‫ــب‬
‫ف اهلل تعاىل عن‬ ‫ِ‬
‫ليرص َ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وبأدعية الك َْرب‪،‬‬
‫ِ‬
‫الناس البالء‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٢٠‬‬

‫ِ‬
‫واجلامعة‪:‬‬ ‫اجلم ِ‬
‫عة‬ ‫ِ‬
‫صالة ُُ‬ ‫ف عن‬ ‫ير َّخص يف التخ ُّل ِ‬
‫َُ ُ‬
‫يلزمه أو مالِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫أو‬ ‫ه‬‫نفسه أو أهلِ‬
‫خاف عىل ِ‬ ‫َ‬ ‫َملن‬
‫الز ْل َزل َة ُ‬
‫نوع‬ ‫ألن َّ‬ ‫بعــده؛ َّ‬ ‫َ‬ ‫أثناء وقو ِع ال ِّز ِ‬
‫لزال أو‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫خوف(((‪.‬‬

‫(((  ينظر‪ :‬المجموع للنووي (‪ ،)206/4‬واإلنصاف للمرداوي (‪.)303/2‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٢١‬‬

‫نفســه أو أهلِه أو مالِه‪ ،‬يف‬


‫خاف عىل ِ‬ ‫َ‬ ‫وجيو ُز َملن‬
‫فيجم ُع‬
‫َ‬ ‫اجل ْم ُع بني الصال َتني‪،‬‬ ‫الزالزل أو ِ‬
‫غريها‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫بني ال ُّظ ْهر والعرص‪ ،‬وبني املغرب والعشاء‪ ،‬ما‬
‫دام َت ْر ُك ا َ‬
‫جل ْم ِع ُ‬
‫يش ُّق عليه(((‪.‬‬

‫وكشاف‬
‫(((  ينظر في أعذار الجمع بين الصالتَين‪ :‬اإلنصاف للمرداوي (‪َّ ،)336/2‬‬
‫القناع للبُهُ وتي (‪.)5/2‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫‪٢٢‬‬

‫ِ‬
‫وأوقات‬ ‫والبحث عنها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أحوال ال َّط ْقس‬ ‫ِ‬ ‫َم ْع ِر َف ُة‬
‫ِ‬
‫وحدوث‬ ‫ونزول األمطار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سوف‪،‬‬ ‫واخل ِ‬ ‫سوف ُ‬ ‫ال ُك ِ‬
‫الرياح‪ ،‬وتو ُّق ُع ذلك؛ ال َي ْد ُخل‬ ‫ِ‬
‫وهبوب ِّ‬ ‫ِ‬
‫الزالزل‪،‬‬
‫ألنا ُتبنَى عىل‬ ‫الغيب؛‬ ‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫يف التنجيم أو ادعاء ِ‬
‫ع‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫وجتارب‪ ،‬و َن َظ ٍر يف ُسنَن اهلل الكون َّية‪،‬‬‫ِ‬ ‫أمور ِح ِّس َّية‬‫ٍ‬
‫وتطئ أخرى‪ ،‬وليس فيها اعتقا ٌد‬ ‫ف ُتصيب تار ًة ُ‬
‫تأثريا يف األحوال األرض َّية‪.‬‬ ‫أن للنُّجوم ً‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ســوف أو‬ ‫خل‬ ‫ا‬ ‫أو‬ ‫ِ‬
‫ُســوف‬‫وال ُينايف ذلك كون الك‬
‫ُ‬
‫الزالزل آيــ ًة من آيات اهلل تعاىل التــي ُي َِّوف هبا‬ ‫ِ‬
‫ربم ويستقيموا عىل طاعته(((‪.‬‬ ‫عبا َده‪ِ ،‬‬
‫ليجعوا إىل ِّ‬ ‫َْ‬

‫(((  ينظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمــة (‪ ،)323/8 ،635 ،634/1‬والقول المفيد البن‬
‫عثيمين (‪.)531/1‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ 22‬يف الزالزل وأحكامها‬

‫نسأل اهلل تعاىل أن يو ِّف َقنا ملا حي ُّبه ويرضاه‪،‬‬


‫ظهر منها وما بطن‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ونعو ُذ به سبحانه من ِ‬
‫الف‬
‫َ‬
‫رب العاملني‬ ‫واحلمد هلل ِّ‬

‫‪38‬‬

You might also like