Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 252

‫‪A Powerful Program to Help You Raise YourHealing Your Emotional Self Original Title‬‬

‫‪BeverlyAuthor: Self-Esteem, Quiet Your Inner Critic, and Overcome Your Shame‬‬
‫‪Engel‬‬

‫مكتبة الحبر اإللكتروني



‫مكتبة العرب الحصرية‬
‫& ‪Copyright © 2006 by Beverly Engel All rights reserved Published by John Wiley‬‬
‫‪Sons, Inc., Hoboken, New Jersey Published simultaneously in Canada.‬‬

‫‪ISBN-10 0471725676 ISBN-13 9780471725671‬‬


‫‪All rights reserved. by Beverly Engel ©2006‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة للعبيكان بالتعاقد مع بيفرلي إنجل‬

‫شركة العبيكان للتعليم‪ 1443 ،‬هـ‬


‫فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر إينجل‪ ،‬بيفرلي‬

‫مداواة جراحك العاطفية والنفسية‪ / .‬بيفرلي إينجل ؛ حميدي‪،‬‬


‫محيي الدين‪ - .‬الرياض‪ 1443 ،‬هـ‬

‫ردمك‪978-603-509-417-7 :‬‬

‫‪ -1‬علم النفس أ‪ .‬حميدي‪ ،‬محيي الدين ( مترجم) ب‪ .‬العنوان‬

‫ديوي ‪150 1443 / 2065‬‬


‫الطبعة العربية األولى ‪1443‬هـ ‪2022 /‬م‬

‫نشر وتوزيع‬
‫المملكة العربية السعودية‪-‬الرياض‪-‬طريق الملك فهد‪-‬مقابل برج المملكة‬

‫هاتف‪ ،+966 11 4808654 :‬فاكس‪ +966 11 4808095 :‬ص‪.‬ب‪ 67622:‬الرياض ‪11517‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬وال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو نقله في أي شكل أو واسطة‪ ،‬سواء أكانت إلكترونية أو ميكانيكية‪ ،‬بما‬
‫في ذلك التصوير بالنسخ (فوتوكوبي)‪ ،‬أو التسجيل‪ ،‬أو التخزين واالسترجاع‪ ،‬دون إذن خطي من الناشر‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫تقديم المترجم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والصالة والسالم على محمد الخاتم األمين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أعتقد أن اإلنسان العربي على مدى تاريخه الطويل يعاني مشكالت نفسية واجتماعية وتربوية؛‬
‫نتيجة ما مَّر به من ويالت الحروب‪ ،‬واالستعمار‪ ،‬وطرق التربية المنزلية والمدرسية التي تعتمد في‬
‫كثير من األحيان على تراث لم يعد صالًح ا في كثير من جوانبه على مجاراة العصر‪ ،‬وبالنتيجة‬
‫تكوين إنسان سوي يمكنه تمّثل قيم العصر المعاصرة‪ ،‬وتحمل عبء التنمية بكل جوانبها‪.‬‬
‫ويضاف إلى ما ذكر آنًفا‪ ،‬أن العقود القليلة الماضية‪ ،‬ابتداًء من ‪1991‬م‪ ،‬أضافت أعباًء جمة على‬
‫كاهل اإلنسان العربي‪ ،‬وال سيما في الدول العربية التي شهدت ما يسمى (الربيع العربي)‪ ،‬الذي هو‬
‫في حقيقته نار جهنم‪ ،‬التي أعادت بعض البلدان كالعراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬واليمن‪ ،‬وليبيا إلى الوراء عقوًدا‬
‫طويلة إن لم تكن قروًنا‪ ،‬وقد صرح وقتها وزير الخارجية األمريكي إبان الغزو األمريكي للعراق‬
‫جيمس بيكر‪ ،‬حيث قال محذًر ا القيادة العراقية‪« :‬سنعيدكم إلى العصر الحجري»‪.‬‬
‫ولست في معرض الحديث عن التفاصيل السياسية أو دوافع تلك الحروب التي ُشنت على هذه البلدان‬
‫تحت اسم الديموقراطية‪ ،‬فذلك موضوع يقع تماًم ا خارج نطاق هذا الكتاب واهتماماته‪ ،‬ولكني أريد‬
‫أن أقدم لهذا الكتاب بأن اإلنسان العربي أصبح ضحية خليط من المشكالت التي أنتجت في نهاية‬
‫المطاف ذاًتا مكلومة مشوهة بكل المعايير اإلنسانية‪ :‬النفسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬وببساطة إنها‬
‫ذات معوجة‪ ،‬مقهورة‪ ،‬مكلومة في كل جوانبها‪.‬‬

‫إن اإلنسان العربي في حاجة إلى إعادة تأهيل نفسي في المقام األول؛ كي يستطيع النظر من منظور‬
‫صحيح إلى نفسه بداية‪ ،‬وإلى محيطه األضيق المتمثل في األبوين‪ ،‬واألسرة‪ ،‬انطالًقا إلى مجتمعه‬
‫األوسع‪.‬‬
‫وتكمن هنا أهمية هذا الكتاب الذي بين أيدينا (مداواة ذاتك العاطفية) والذي فضلت أن يكون عنوانه‬
‫في العربية (مداواة جراحك العاطفية والنفسية) حيث إنني أعتقد أن العنوان المقترح‪ ،‬مع أنه يغطي‬
‫الترجمة الحرفية للعنوان اإلنجليزي‪ ،‬إال أنه أكثر تفصياًل قلياًل للقارئ العربي‪.‬‬

‫ويأتي الكتاب بالتفصيل على معظم الجروح النفسية والعاطفية التي تتعرض لها النفس البشرية منذ‬
‫الصغر حتى الكبر‪ ،‬وكيف تتم معالجتها وفق أسلوب جدي يسمى العالج بالمرآة‪ ،‬وهي استعارة‪ ،‬إذ‬
‫إن المرآة هي الوسيلة لتشخيص المرض‪ ،‬ومن ثم معالجته‪.‬‬
‫ويركز الكتاب على سبعة أنواع من المرايا تشخص معظم األمراض التي قد تعترض حياة الطفل‪،‬‬
‫ومن ثم تكون السبب الكامن وراء تعاسته الحًقا‪ ،‬وهو بالغ راشد‪.‬‬

‫في الحقيقة تفصل المؤلفة كل ذلك في مقدمتها‪ ،‬وال أريد التكرار؛ حرًص ا على وقت القارئ الكريم؛‬
‫ولذلك يمكن العودة إلى مقدمة المؤلفة‪.‬‬

‫ولكن أود أن أوضح أن الكتاب يحتوي على كثير من األسئلة‪ ،‬والتمارين العملية‪ ،‬واالستبيانات‪،‬‬
‫والواجبات األسبوعية التي تجعله في متناول القارئ تماًم ا‪ ،‬فهو ليس كتاًبا نظرًّيا يقدم مفاهيم مجردة‪،‬‬
‫ويأتي الكتاب على ذكر الكثير من المراجعين بذكر اسمهم األول فقط؛ حفاًظا على الخصوصية‪،‬‬
‫ويشرح كيف ُشِّخ صت حاالتهم‪ ،‬وكيف عولجت‪.‬‬

‫أود أن أذكر أن كلمة الوالد‪ ،‬حيثما وردت في النص ال تعني بالضرورة األب (المذكر)‪ ،‬ولكنها تعني‬
‫ببساطة أحد األبوين (األم أو األب)؛ ولذلك أحببت التنويه‪ ،‬وإن كلمتي الجسد والجسم استخدمتا‬
‫مترادفتين في كثير من األحيان‪ ،‬وبالتحديد في الفصول التي تتحدث عن العناية بالجسد‪ /‬الجسم‪،‬‬
‫واستخدمت عبارات عالج المرآة‪ ،‬والعالج بالمرآة‪ ،‬وعالج المرايا‪ ،‬والمعالجة بالمرآة بشكل‬
‫مترادف أيًض ا‪.‬‬

‫ولغة الكتاب لغة يسيرة عموًم ا‪ ،‬وأعتقد أنها مفهومة ألي قارئ يلم بأساسيات اللغة العربية‪ ،‬ما يجعله‬
‫في متناول الجميع‪.‬‬

‫وينتهي الكتاب بملحق ونوعين من المراجع‪ :‬المراجع األساسية‪ ،‬وقد قسمت بحسب الموضوع‪ ،‬ما‬
‫يسهل على القارئ البحث عنها مباشرة‪ ،‬والنوع الثاني تحت عنوان قراءات ُينصح بها‪ ،‬وقسمت‬
‫أيًض ا بحسب الموضوع؛ تسهياًل للرجوع إليها‪.‬‬

‫أما الملحق فيضم عالجات توصي بها المؤلفة‪ ،‬منها‪ :‬عالج المرآة الذي ابتكرته بنفسها‪ ،‬وهو عالج‬
‫يعتمد على مزيج من البصائر النفسية‪ ،‬وكٍّم هائل من الخبرة العملية‪ ،‬وكذلك العالج بالصوت‪،‬‬
‫وبرنامج الحلول‪ ،‬وعالج اضطراب ما بعد الصدمة‪ ،‬وعالج اضطراب الشخصية الحدي‪ ،‬إضافة‬
‫إلى تفصيالت أخرى‪.‬‬
‫وقد حافظت الترجمة على صفات النص الشكلية تماًم ا‪ ،‬حيث الصفات الكبرى من تقسيم النص إلى‬
‫أجزاء‪ ،‬وفصول‪ ،‬وأقسام ضمن الفصول‪ ،‬وحافظت الترجمة أيًض ا على صفات النص الصغرى بما‬
‫يتعلق بالفقرات والجمل والعبارات‪ ،‬وحافظت على الصفات الطباعية‪ ،‬وأعني ما كتب بالمائل‪ ،‬أو‬
‫الخط الغامق‪ ،‬أو بحجم كبير‪ ،‬وال سيما فيما يتعلق بعناوين األجزاء والفصول‪.‬‬

‫أتمنى أن يجد هذا الكتاب مكانه الالئق به في مكتبتنا العربية التي تفتقر إلى كل شيء تقريًبا في كل‬
‫المجاالت‪ ،‬وتبقى مسؤولية إصالح األجيال التي القت األمّر ين في العقود القليلة الماضية هي‬
‫مسؤوليتنا وحدنا نحن _ أبناء العربية _ أفراًدا‪ ،‬وهيئات تربوية حكومية وخاصة‪ ،‬وحكومات‪.‬‬

‫وهللا من وراء القصد‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬محيي الدين حميدي‬

‫(جامعة لوند‪ ،‬السويد‪2021/10/6 ،‬م)‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إهداء المؤلفة‬

‫هذا الكتاب ُم هَدى لذكرى أولئك الذين فقدوا حياتهم في كارثة تسونامي في كانون األول ‪2004‬م‪،‬‬
‫ولكل األشخاص الذين كانوا قلقين علّي في أثناء وجودي في الهند‪.‬‬

‫لقد علمتني هذه التجربة درًسا قيًم ا‪ ،‬وذكرتني بالعدد الكبير من األشخاص الذين يحبونني ‪ -‬وهو‬
‫درس يحتاج إلى أن يتعلمه مرة أخرى الذين عانوا باستمرار من سوء المعاملة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫شكر وتقدير (المؤلفة)‬

‫أشعر بأنني محظوظة جًّدا وممتنة جًّدا للعمل مرة أخرى مع توم ميلر؛ محرري الرائع في مؤسسة‬
‫جون ويلي وأبنائه‪ ،‬وإنني أقدر تعليقاته الحكيمة‪ ،‬وأنا ممتنة لحقيقة أنه قاتَل من أجلي مراًر ا‬
‫وتكراًر ا‪ ،‬وكان إيمانه بي ثابًتا‪ ،‬وقد ساعدني ذلك على مواصلة إيماني بنفسي‪ ،‬وأود أن أشكر الجميع‬
‫في مؤسسة ويلي الذين عملوا على هذا الكتاب‪ ،‬وال سيما ليزا بورستينر‪ ،‬التي قامت بتحرير‬
‫مختصر‪ ،‬ولكنه ذكي تماًم ا‪.‬‬
‫وإلى وكيلي الرائع؛ ستيدمان ميز‪ ،‬أقدم امتناني وتقديري الدائمين‪ ،‬فلقد قطعَت شوًطا أبعد بكثير مما‬
‫يفرضه الواجب بالنسبة إلي‪ ،‬وأقدر كل عملك الشاق‪ ،‬وتعليقاتك‪ ،‬واقتراحاتك‪ ،‬وحدسك‪ ،‬واألهم من‬
‫ذلك كله؛ تفانيك‪.‬‬
‫وأود أيًض ا أن أعبر عن امتناني لماري طحان‪ ،‬وكيلتي األخرى‪ :‬ماري‪ ،‬أقدر رؤيتك واقتراحاتك‬
‫بخصوص ما يتعلق بكتبي‪ ،‬وأقدر بشكل خاص كل عملك الشاق‪ ،‬عندما يتعلق األمر ببيع حقوقي‬
‫للناشرين األجانب‪ ،‬وإنني أعلم دائًم ا أنك تقاتلين من أجلي‪.‬‬
‫إنني أقدر كثيًر ا العديد من العمالء الذين كانوا على استعداد لتجربة أساليبي في العالج بالمرآة‪ ،‬فإن‬
‫شجاعتكم وتصميمكم وتعليقاتكم كلها موضع تقدير كبير عندي‪.‬‬
‫وإنني مدينة بشدة لعمل مؤلفْين استعنت بعملها في كتابة هذا الكتاب‪ :‬الدكتور إيالن جالمب‪ ،‬مؤلف‬
‫كتاب‪ :‬محصورون في المرآة‪ :‬كفاح األطفال الناضجين آلباء نرجسيين من أجل الذات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪Trapped in the Mirror: Adult Children of Narcissists in Their Struggle for‬‬


‫‪Self‬‬
‫وبايرون براين‪ ،‬مؤلف كتاب‪:‬‬
‫روح بال عار‪ :‬دليل إلى تحرير نفسك من قاضيك في الداخل‪.‬‬

‫‪Soul without Shame: A Guide to Liberating Yourself from the Judge Within‬‬

‫فقد أضاء عملهما طريقي‪ ،‬وألهمني‪.‬‬


‫وإنني مدينة ألعمال شخصين ألهمتني أفكارهما إلنشاء برنامجي للعالج بالمرآة‪ :‬أرثر ب‪.‬‬
‫سياراميكولي (دكتوراه في التربية‪ ،‬دكتوراه) مؤلف كتاب‪ :‬قوة التعاطف‪ :‬دليٌل عملي إليجاد‬
‫الحميمية‪ ،‬وفهم الذات‪ ،‬والحب األبدي‪.‬‬

‫‪The Power of Empathy: A Practical Guide to Creating Intimacy, Self-‬‬


‫‪Understanding and Lasting Love‬‬

‫الذي زودني بإطار عمل يمكن من خالله العمل‪ ،‬وال سيما فيما يتعلق بتعاطف المرء مع ذاته‪،‬‬
‫ولوريل ميلين‪ ،‬مبدعة (برنامج الحلول) ومؤلفة (الممر)‪ ،‬التي ساعدتني بشكل أعمق على فهم‬
‫الضرر الناجم عن األبوة واألمومة غير المالئمة‪ ،‬ومع أنني كنت قد فهمت مسبًقا أهمية إيجاد صوت‬
‫داخلي راٍع (رمًز ا لألم الصحية)‪ ،‬فقد علمتني لوريل أَّن تأسيَس حدود صحية (رمًز ا لألب القوي)‬
‫يحظى بالقدر نفسه من األهمية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫مقدمة المؤلفة‬

‫هناك آالف األشخاص ممن تعرضوا لإليذاء‪ ،‬واإلهمال‪ ،‬أو الخنق العاطفي من ِقبل آبائهم أو غيرهم‬
‫من مقدمي الرعاية المهمين في أثناء تنشئتهم‪ ،‬وال يدرك كثير من هؤالء الناس أنهم تعرضوا لسوء‬
‫المعاملة أو اإلهمال‪ ،‬ومن ثم ال يزالون يعانون من عدد ال يحصى من المشكالت طوال حياتهم؛‬
‫ألنهم ال يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها‪ ،‬وإن األشخاص الذين تمثلوا اإلساءَة داخلًّيا‪،‬‬
‫يظهرون تدمير الذات‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬واألفكار االنتحارية‪ ،‬والسلبية‪ ،‬واالنطواء (تجنب التواصل‬
‫االجتماعي)‪ ،‬والخجل‪ ،‬وتدني درجة التواصل مع اآلخرين‪ ،‬ومن المحتمل أنهم يعانون من تدني‬
‫احترام الذات‪ ،‬وكذلك من الشعور بالذنب والندم واالكتئاب والوحدة‪ ،‬والرفض وانعدام األمن‬
‫النفسي‪ ،‬وألنهم يتصورون أنفسهم غير جديرين بالحياة‪ ،‬وأن العالم مكان معاٍد ال بد أن يفشلوا فيه‪،‬‬
‫ترى كثيًر ا منهم غير راغب في تجربة مهام جديدة‪ ،‬أو تطوير مهارات جديدة‪ ،‬أو تحمل أدنى‬
‫درجات المخاطرة‪.‬‬

‫وقد يكون األشخاص الذين يدفعون باإلساءة إلى الخارج عنيفين‪ ،‬وال يمكن توقع تصرفهم‪ ،‬ويتسم‬
‫سلوكهم باالندفاع بداًل من االمتثال للمعايير االجتماعية‪ ،‬وغالًبا ما يصبحون قلقين‪ ،‬وعدوانين‪،‬‬
‫ومعادين‪ ،‬وإنهم يعانون من خوف دائم‪ ،‬وهم دائًم ا في حالة تأهب‪ ،‬وجاهزون للرد‪ ،‬وينتهي األمر‬
‫بالكثير منهم إلى إساءة معاملة اآلخرين‪ ،‬وغالًبا بالطرق نفسها‪ ،‬التي أسيئت معاملتهم بها‪.‬‬

‫ويقع في صلب كل هذه األعراض والسلوكات إحساٌس بالذات ُطِّو ر بشكل غير مناسب‪ ،‬وصورة‬
‫مشوهة للذات مبنية على رسائل ومعاملة سيئتين من الوالدين‪ ،‬وما لم يعالج األحياء الكبار منهم هذه‬
‫القضايا األساسية‪ ،‬فإن جهودهم للتعافي لن تنجح‪.‬‬

‫إذا كنت ضحية لإلساءة أو اإلهمال العاطفيين‪ ،‬عندما كنت طفاًل ‪ ،‬فإن هذا الكتاب سيوضح لك‬
‫بالضبط ما عليك القيام به؛ كي تتعافى من الضرر الذي لحق بصورتك الذاتية‪ ،‬واحترامك لذاتك‪،‬‬
‫وإن كتاب (مداواة جراحك العاطفية والنفسية) سوف يأخذ بيدك خطوة خطوة من خالل برنامج‬
‫مبتكر وسليم نفسًّيا؛ مبتكر ألنه يستخدم المرآة بوصفها استعارة وأداة للشفاء‪ ،‬وسليم نفسًّيا؛ ألنه‬
‫يجمع بين سنوات خبرتي الطويلة في تخصص مداواة الناس‪ ،‬الذين تعرضوا لسوء المعاملة عاطفًّيا‪،‬‬
‫بمفاهيم نفسية محترمة تماًم ا‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن الجمهور األساسي لهذا الكتاب هم الناجون من مشاعر سوء المعاملة واإلهمال‬
‫العاطفيين‪ ،‬إال أن هذا الكتاب مفيٌد لكل من يعاني من مشكالت تتعلق بنقص احترام الذات‪ ،‬أو صورة‬
‫الجسم‪ /‬الجسد‪ ،‬وسيجد الناس المنشغلون بأجسامهم‪ ،‬أو الذين يحددون قيمتهم الذاتية بمظهر أجسامهم‬
‫أن الكتاَب مفيٌد بشكل خاص‪ ،‬ويعاني الكثير من صورة جسم مشوهة‪ ،‬ومن مشاعر سلبية تجاه‬
‫أجسامهم؛ لكنهم ال يفهمون أن السبب قد يكون رسائل أبوية سلبية‪ ،‬أو إساءة عاطفية أو اإلهمال‪.‬‬
‫والكثير منكم يعرفني من خالل كتبي األخرى عن اإلساءة العاطفية‪ ،‬وبالتحديد‪( :‬العالقة العاطفية‬
‫المؤذية‪ ،‬والمرأة المتأذية عاطفًّيا‪ ،‬وصور تشجيعية للمرأة المتأذية عاطفًيا) وقد كتبت في هذه الكتب‬
‫عن حقيقة أن الناس الذين يتعرضون لإليذاء العاطفي حالًّيا (أو يؤذون اآلخرين عاطفًّيا) يفعلون ذلك‬
‫ألنهم تعرضوا لإليذاء العاطفي‪ ،‬عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬واآلن في (مداواة جراحك العاطفية والنفسية)‬
‫سأساعد القراء على اتخاذ خطوة عمالقة إلى األمام‪ ،‬بتقديم برنامج قوي يساعدهم على إصالح‬
‫الضرر الذي سببه آباٌء مؤذون عاطفًّيا‪.‬‬

‫وإن إهمال الطفولة وسوء المعاملة العاطفية‪ ،‬هما السبب وراء أكثر المشكالت خطورة التي يعاني‬
‫منها الناس اليوم‪ ،‬وهذا ليس بالكشف الجديد بالنسبة إلى معظم المهنيين أو الكثيرين ممن يعانون من‬
‫آثارهما؛ ولكن على الرغم من هذه المعرفة‪ ،‬ال توجد هناك مساعدة كافية للناجين من أنواع اإلساءة‬
‫هذه‪ ،‬وهناك عدد قليل نسبًّيا من الكتب قدم للقراء فهًم ا كاماًل لكيفية تأثير هذا النوع من إساءة معاملة‬
‫األطفال في الناس‪ ،‬وطرًقا للشفاء من الضرر‪ ،‬وكيفية حل العالقات مع الوالدين‪ ،‬وهذا هو الكتاب‬
‫األول الذي يقدم برنامج شفاء شامل مخصص ألنواع الرسائل (المرايا) التي يقدمها اآلباء المسيئون‬
‫والمهملون عاطفًّيا ألطفالهم‪ ،‬وكيف أن هذا النوع من اإلساءة يؤثر في صورة الطفل الذاتية‪.‬‬

‫وإن اإلهمال واإلساءة العاطفية هما السببان الرئيسان لكل من اضطراب الشخصية الحدّي‬
‫)‪ borderline personality disorder (BPD‬واضطراب الشخصية النرجسية ‪narcissistic‬‬
‫)‪ ،personality disorder (NPD‬اللذين تبين أنهما االضطرابان الطاغيان في زمننا‪ ،‬وهذا‬
‫صحيح لسببين رئيسين‪ :‬ترعرع األطفال في العقدين الماضيين مع آباء مهملين غائبين‪ ،‬وآباء‬
‫استمروا في نقل اإلساءة العاطفية التي عانوا منها هم أنفسهم ألطفالهم‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن كاًّل‬
‫من اضطرابي الشخصية الحدّي واضطراب الشخصية النرجسية (خرجا من الخزانة)‪ ،‬بمعنى أن‬
‫المهنيين أخبروا مرضاهم بالضبط عن تشخيصاتهم‪ ،‬وفي الماضي‪ ،‬حجَب المهنيون هذه‬
‫التشخيصات عن مراجعيهم؛ خوًفا من الصدمة التي قد تسببها لهم‪.‬‬

‫ويميُل أولئك الذين تعرضوا لإلساءة أو اإلهمال العاطفيين أيًض ا إلى المعاناة من اضطرابات األكل‪،‬‬
‫حيث يفرط الكثير منهم في تناول الطعام بوصفه وسيلة لتهدئة أنفسهم‪ ،‬في حين يفرط آخرون في‬
‫تناول الطعام بدافع كراهية الذات‪ ،‬وفي نهاية الطيف األخرى‪ ،‬يصاب كثير منهم بفقدان الشهية‬
‫بوصفها وسيلة الكتساب الشعور بالسيطرة على الذات؛ ألنهم يشعرون أن والديهم يتحكمون بهم‬
‫بإفراط‪.‬‬

‫وإن األشخاص الذين يتعافون من تعاطي الكحول أو المخدرات‪ ،‬سيجدون هذا الكتاب مفيًدا أيًض ا؛‬
‫ألن كثيًر ا من المدمنين يعانون من تشوهات شديدة إزاء إحساسهم بذواتهم‪.‬‬
‫وفي (مداواة جراحك العاطفية والنفسية) أقدم برنامجي الفريد للعالج بالمرآة‪ ،‬الذي أثبت فعاليته‬
‫العالية في معالجة مراجعّي ‪ ،‬ومراجعّي بعض زمالئي‪ ،‬وإن هذا البرنامج مبتكر للغاية‪ ،‬إذ إنه يجمع‬
‫بين ما تعلمته من خبرة سنوات عدة في التخصص مع البالغين‪ ،‬الذين تعرضوا لإليذاء أو اإلهمال‬
‫العاطفيين‪ ،‬عندما كانوا أطفااًل بمفاهيم من علم النفس التطوري‪ ،‬والعالقات مع األشياء‪ ،‬وعلم النفس‬
‫الذاتي‪ ،‬وعالجات الجسم‪ ،‬والعالج السلوكي المعرفي‪ ،‬والعالج بالفن‪ ،‬وإن كثيًر ا من األفكار الواردة‬
‫في الكتاب من بنات أفكاري وحدي‪ ،‬بينما بعضها اآلخر هو عبارة عن أشكال معّدلة عن مفاهيم‬
‫طورها آخرون‪ ،‬ويشكالن مًعا برنامًج ا فريًدا مصمًم ا خصيًص ا لـمعالجة من تعرض لإلساءة أو‬
‫اإلهمال عاطفًّيا‪.‬‬

‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬وفًقا للوريل ميلين‪ ،‬وهي متخصصة معروفة في علم األغذية‪ ،‬ومؤلفة كتاب‬
‫(الممر) ومبتكرة (برنامج الحلول)‪ ،‬وإن البحث في أسباب السمنة عند األطفال الذين تمت دراستهم‬
‫في جامعة سان فرانسيسكو‪ ،‬يظهر أن معظم وزنهم الزائد كان متجذًر ا في أكثر األنماط الداخلية‬
‫األساسية عندهم‪ ،‬وبالتحديد المحادثات الداخلية التي كانوا يجرونها مع أنفسهم‪ ،‬وإن تعليم األطفال‬
‫بعض المهارات األساسية جًّدا ‪ -‬التنشئة الذاتية (مثل وجود أم داخلية مستجيبة) ووضع حدود فعالة‬
‫(مثل وجود أب داخلي آمن وقوي) ‪ -‬أعاد التوازن لعقولهم وأجسادهم‪ ،‬وأمكن من تالشي دافعهم‬
‫لتناول المزيد من الطعام‪ ،‬ويمكن تعليم هذه المهارات لألشخاص في أي عمر‪ ،‬وهي فعالة أيًض ا‬
‫للتعامل مع أشكال اإلفراط األخرى الشائعة مثل شرب الكحوليات‪ ،‬والتدخين واإلنفاق المفرط‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬وتجد هذه المهارات طريقها إلى الدماغ المفكر‪ ،‬وهو جوهرنا العاطفي‪ ،‬ولقد قمت بتكييف‬
‫بعض هذه المهارات لمساعدة البالغين الذين تعرضوا لإليذاء أو الحرمان العاطفيين بشكل‬
‫يستطيعون أساًسا (تطوير ذواتهم) ويمنحون أنفسهم المهارات التي لم يمنحها إياهم آباؤهم‪.‬‬

‫وببساطة‪ ،‬فلن يغطي هذا الكتاب األرضية القديمة فقط‪ ،‬ومع أنني سأقضي بعض الوقت أعّر ف‬
‫باإلساءة العاطفية‪ ،‬وأصف آثارها‪ ،‬إال أنني سأركز‪ ،‬في المقام األول‪ ،‬على المداواة‪ ،‬وال سيما فيما‬
‫يتعلق بمساعدة القراء على رفع تقديرهم لذواتهم‪ ،‬وتحسين صورتهم الذاتية‪ ،‬و)يمكن العودة إلى‬
‫كتبي السابقة‪( :‬العالقة العاطفية المؤذية‪ ،‬والمرأة المتأذية عاطفًّيا‪ ،‬وصور تشجيعية للمرأة المتأذية‬
‫عاطفًّيا) لمزيد من المعلومات حول اإلساءة العاطفية وآثارها‪.‬‬
‫ولقد نظمت هذا الكتاب حول موضوعات أساسية عدة‪ ،‬بما في ذلك (األنماط السبعة لآلباء المؤذين‬
‫أو المهملين عاطفًّيا) و)المرايا األبوية السبعة األكثر شيوًعا) وأقدم نصيحة وإستراتيجيات محددة‬
‫لمداواة كل واحدة من هذه المرايا األبوية المدمرة‪ ،‬وإستراتيجيات محددة للتعامل مع كل نوع من‬
‫األنواع السبعة لآلباء المؤذين عاطفًّيا‪ ،‬وكل ذلك باستخدام إستراتيجياتي ومفاهيمي في العالج‬
‫بالمرآة‪.‬‬
‫وهناك جوانب فريدة أخرى لمداواة جراحك العاطفية والنفسية‪ ،‬وقد ركزت معظم كتبي السابقة حول‬
‫موضوع العالقات ‪ -‬كيف بوسع الكبار الذين تعرضوا لسوء المعاملة أو اإلهمال‪ ،‬كأطفال تجنب‬
‫خسارة أنفسهم في عالقاتهم‪ ،‬وكيف يمكنهم أيًض ا تجنب التعرض لسوء المعاملة مرة أخرى‪ ،‬وكيف‬
‫يمكنهم تجنب نقل اإلساءة إلى شريكهم أو إلى أطفالهم‪ ،‬ويركز (مداواة جراحك العاطفية والنفسية)‬
‫على الذات‪ ،‬وكيف بوسع القراء التوحد بذواتهم ثانية‪ ،‬وكيف يمكنهم تكوين نفس إيجابية منفصلة عن‬
‫صورة مشوهة عند والديهم عنهم‪ ،‬وكيف يمكنهم رفع تقديرهم لذواتهم‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬يركز‬
‫الكتاب على مساعدة القراء للتغلب على الميل إلى لوم الذات‪ ،‬وكراهية الذات‪ ،‬والتدمير الذاتي‪.‬‬
‫وأغطي أيًض ا موضوًعا لم يتم التركيز عليه في الكتب المهتمة بمساعدة الذات‪ ،‬وهو‪ :‬التأثيرات في‬
‫البالغين الذين تعرضوا لإلهمال األبوي في مرحلة الطفولة‪ ،‬وسيستمر كثير ممن ُأهملوا في البحث‬
‫عن شخص يمنحهم ما فاتهم في طفولتهم‪ ،‬ومن الطبيعي أن يهيئهم ذلك لالستغالل أو اإليذاء أو‬
‫اإلساءة من ِقبل شركائهم‪ ،‬في حين يعاني بعضهم اآلخر من شعور دائم بعدم القيمة‪ ،‬والفراغ‪،‬‬
‫والشعور بالوحدة‪ ،‬واالرتباك القاتلين‪ ،‬وهم غير قادرين على االحتفاظ بعالقات حميمة‪.‬‬

‫وسأناقش أيًض ا قضية أخرى نادًر ا ما تناولها معظم الكتب المهتمة بمساعدة الذات‪ ،‬هذا إذا نوقشت‬
‫في المقام األول‪ ،‬وهي آثار حرص‪ /‬خنق الوالدين عاطفًّيا في الطفل‪ ،‬التي يمكن أن تكون ضارة‬
‫تماًم ا‪ ،‬كاإلهمال‪.‬‬

‫إن كثيًر ا من الناس منشغٌل بمظهره‪ ،‬بل حتى منتقد له‪ ،‬في حين يعتمد بعضهم على الحميات‬
‫الغذائية‪ ،‬والتمارين الرياضية‪ ،‬والجراحة التجميلية؛ لمساعدتهم على اإلعجاب بما يرونه في المرآة‪،‬‬
‫ويدرك آخرون أنهم لن يكونوا سعداء أبًدا بما يرونه‪ ،‬ما لم يرفعوا من تقديرهم لذاتهم‪ ،‬ويأخذ هذا‬
‫الكتاب على عاتقه أن يرفع احترامك لذاتك إلى مستوى مختلف تماًم ا‪ ،‬وإنه ُيعِّلم نظاًم ا يمكن أن‬
‫يساعد‪ ،‬بالفعل‪ ،‬على مداواة الضرر الناجم عن الرسائل األبوية السلبية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الجزء األول

‫كيف يصوغ أبواك احترامك لذاتك‪ ،‬وصورة ذاتك‪ ،‬وصورة جسدك؟‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 1‬آباؤنا بوصفهم مرايا‬

‫السعُي للكمال مؤٍذ للذاٍت من الطراز األول‬

‫آن ويلسون ستيشف‬


‫‪Ann Wilson Schaef‬‬
‫أتجنب النظر في المرآة بقدر ما أستطيع‪ ،‬وعندما أنظر‪ ،‬فكل ما أراه هو عيوبي؛ أنفي الطويل‪،‬‬
‫وأسناني المعوجة‪ ،‬وصدري الصغير‪ ،‬ويخبرني اآلخرون بأنني جذابة‪ ،‬ولكني ببساطة ال أرى ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬كريستين‪ ،‬عمرها ستة وعشرون عاًم ا‪.‬‬

‫أنا ما يمكن أن تسميه ساعية إلى الكمال‪ ،‬وال سيما عندما يتعلق األمر بعملي‪ ،‬ويستغرق األمر مني‬
‫ضعف المدة التي يستغرقها اآلخرون إلنجاز شيء ما؛ ألنني يجب علّي أن أراجع عملي عشرات‬
‫المرات؛ ألتأكد من أنني لم أرتكب أي أخطاء‪ ،‬ويشكو مديري أنني بطيئة جًّدا‪ ،‬ولكني أفضل أن‬
‫يشكو من بطئي أفضل من أن يجَّد خطأ‪ ،‬فإن ذلك من شأنه أن يدمرني‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬إليوت‪ ،‬عمرها واحد وثالثون عاًم ا‪.‬‬

‫هناك صوت داخل رأسي يوبخني بال هوادة‪« :‬لماذا فعلِت ذلك؟» «ِلَم قلِت ذلك؟» تقريٌع ال يرحم‪،‬‬
‫فال شيء يمكنني فعله على الوجه الصحيح‪ ،‬وأنا لست جيدة أبًدا؛ فإنني أشعر أحياًنا بالرغبة في‬
‫الصراخ ‪ -‬اخرس! اتركني وحدي!‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬تيريزا‪ ،‬عمرها ثالثة وأربعون عاًم ا‪.‬‬

‫ال أعرف ما الذي يتطلبه األمر ألشعر بالرضا أخيًر ا عن نفسي‪ ،‬فدائًم ا ما أفكر في أنني في حاجة‬
‫إلى بذل المزيد من الجهد‪ ،‬وتحقيق المزيد‪ ،‬وأن أكون شخًص ا أفضل‪ ،‬وبعد ذلك سأحب نفسي‪،‬‬
‫والناس اآلخرون معجبون بما حققته في حياتي‪ ،‬ولكن ال يهم مقدار ما أنجزه‪ ،‬فال أشعر بالرضا عن‬
‫نفسي أبًدا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬تشارلز‪ ،‬عمره خمسة وخمسون عاًم ا‪.‬‬
‫هل تشبه أًّيا من هؤالء األشخاص؟ هل تكره النظر في المرآة؛ ألنك ال تحب ما تراه أبًدا؟ هل تجد‬
‫أنك لست سعيًدا بنفسك أبًدا‪ ،‬بغض النظر عن الجهد الذي تبذله لجعل نفسك شخًص ا أفضل‪ ،‬وبغض‬
‫النظر عما تبذله من جهد على جسمك؟ هل تجد خطأ في نفسك دائًم ا؟ هل أنَت ممن ينشد الكمال؟ هل‬
‫تعاني من ناقد داخلي يوبخك باستمرار‪ ،‬أو يجد شيًئا خاطًئا في كل شيء تقوم به؟ أم أنك مثل‬
‫تشارلز الذي يعتقد أن الطريق للشعور بالرضا عن النفس هو بإنجازاتك‪ ،‬ولكن بغض النظر عن‬
‫الكثير الذي تنجزه‪ ،‬فإنك تجده غير كاٍف أبًدا؟‬

‫يركز الكثير منا قدًر ا كبيًر ا من الوقت واالهتمام لتحسين أجسامنا وجعل أنفسنا أكثر جاذبية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬ومع كل الوقت والمال اللذين ينفقان على الرجيم والتمارين الرياضية والمالبس وجراحة‬
‫التجميل‪ ،‬ال يزال الكثير منا ال يحبون من يرونه في المرآة؛ هناك دائًم ا شيء ينبغي تغيره أو‬
‫تحسينه‪.‬‬

‫عادة ما ينتقد األشخاص الذين ينتقدون مظهرهم جوانَب أخرى من أنفسهم أيًض ا‪ ،‬وإنهم يميلون إلى‬
‫التركيز على عيوبهم بداًل من محاسنهم‪ ،‬ونادًر ا ما يكونون سعداء بأدائهم‪ ،‬سواء في العمل أو في‬
‫المدرسة أو في عالقة حب‪ ،‬فإنهم يعاقبون أنفسهم بال رحمة عندما يخطئون‪.‬‬
‫ال حرج في الرغبة في تحسين نفسك‪ ،‬فكل واحد منا يعاني من وقت آلخر من أفكار تتعلق بنقد‬
‫الذات‪ ،‬ولكن يعاني بعض الناس من تقدير ذاتي متدٍّن بشكل ال يرضون به أبًدا عن إنجازاتهم أو‬
‫مظهرهم الجسدي أو أدائهم‪ ،‬فإنهم يعانون من ناقد داخلي ال يرحم‪ ،‬يمزقهم باستمرار‪ ،‬ويحرمهم من‬
‫أي رضا قد يشعرون به مؤقًتا عندما يحققون هدًفا‪ ،‬فسيساعدك االستبيان اآلتي على تحديد ما إذا‬
‫كنت تعاني من تدٍّن في احترام الذات‪ ،‬وناقد داخلي غير صحي‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫االستبيان (أ) ‪ :‬فحص (الذات)‪.‬‬


‫‪ .1‬هل تعاني من انعدام األمن أو فقدان الثقة؟‬

‫‪ .2‬هل تركز أكثر على ما تفعله بشكل خاطئ‪ ،‬أو ما تفشل فيه‪ ،‬مقارنة بما تفعله بشكل صحيح أو‬
‫جيد؟‬

‫‪ .3‬هل تشعر بأنك أقل قدًر ا‪ ،‬أو لست بجودة اآلخرين؛ ألنك لست مثالًّيا فيما تفعل‪ ،‬أو كيف تظهر؟‬

‫‪ .4‬هل تعتقد أنك في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد‪ ،‬أو أن تكون أكثر‪ ،‬أو أن تعطي أكثر لكسب‬
‫احترام اآلخرين وحبهم؟‬
‫‪ .5‬هل تدرك أن لديك صوًتا داخلًّيا ناقًدا غالًبا ما يخبرك بأنك فعلت شيًئا خاطًئا؟‬

‫‪ .6‬هل تنتقد أداءك باستمرار‪ :‬في العمل‪ ،‬وفي المدرسة‪ ،‬وفي الرياضة؟‬

‫‪ .7‬هل تنتقد الطريقة التي تتفاعل بها مع اآلخرين؟ على سبيل المثال‪ ،‬هل كثيًر ا ما توبخ نفسك لقولك‬
‫الشيء الخاطئ‪ ،‬أو للتصرف بطرق معينة مع اآلخرين؟‬

‫‪ .8‬هل تشعر كأنك فاشل‪ :‬في الحياة‪ ،‬وفي حياتك المهنية‪ ،‬وفي عالقاتك؟‬

‫‪ .9‬هل أنت ناشد الكمال؟‬

‫‪ .10‬هل تشعر بأنك ال تستحق األشياء الجيدة؟ هل تصبح قلًقا‪ ،‬عندما تكون ناجًح ا أو سعيًدا؟‬

‫‪ .11‬هل تخشى أنه لو عرفك الناس على حقيقتك‪ ،‬فإنهم لن يحبوك؟ هل أنت خائف من أن يكتشف‬
‫الناس أنك محتال؟‬

‫‪ .12‬هل يغلب عليك الشعور بالخجل واإلحراج في كثير من األحيان؛ ألنك تشعر بأنك مكشوٌف أو‬
‫موضع سخرية أو مهزلة؟‬

‫‪ .13‬هل تقارن نفسك باستمرار باآلخرين‪ ،‬وتعتقد أنك أقل منهم؟‬

‫‪ .14‬هل تتجنب النظر في المرآة قدر اإلمكان‪ ،‬أم تميل إلى النظر في المرآة كثيًر ا؛ للتأكد من أنك‬
‫تبدو جمياًل ؟‬

‫‪ .15‬هل تنتقد عادة ما تراه عندما تنظر إليه في المرآة؟ هل نادًر ا ما تكون راضًيا‪ ،‬هذا إن رضيت‬
‫في المقام األول عن المظهر الذي تبدو عليه؟‬

‫‪ .16‬هل أنت واٍع أم خجول من المظهر الذي تبدو عليه؟‬

‫‪ .17‬هل تعاني من اضطراب في األكل ومن اإلفراط في األكل القهري‪ ،‬والنهم واإلقياء‪ ،‬واتباع‬
‫نظام غذائي أو جوع متكرر‪ ،‬أو فقدان الشهية؟‬

‫‪ .18‬هل تحتاج إلى شرب الكحول‪ ،‬أو تناول مواد أخرى من أجل الشعور بالراحة أو أقل خجاًل في‬
‫المواقف االجتماعية؟‬

‫‪ .19‬هل تفشل في االعتناء بنفسك جيًدا بنظام غذائي سيئ‪ ،‬أو قلة النوم‪ ،‬أو القليل جًّدا‪ ،‬أو الكثير من‬
‫ممارسه الرياضة؟‬

‫‪ .20‬هل تميل إلى تدمير الذات بالتدخين واإلفراط في تناول الكحول أو المخدرات أو السرعة؟‬
‫‪ .21‬هل أذيت نفسك عمًدا؛ أي‪ :‬جرحت نفسك؟‬
‫إذا أجبت بنعم عن أكثر من خمسة من هذه األسئلة‪ ،‬فأنت في حاجة إلى المساعدة الخاصة التي‬
‫يقدمها هذا الكتاب من أجل رفع احترامك لقدرك‪ ،‬وتهدئة ناقدك الداخلي‪ ،‬ومداواة خجلك‪ /‬خزيك‪،‬‬
‫والبدء في العثور على الفرح الحقيقي‪ ،‬والرضا عن إنجازاتك وأعمالك‪.‬‬

‫حتى لو أجبت بنعم عن أحد هذه األسئلة فقط‪ ،‬فيمكن لهذا الكتاب أن يساعدك؛ ألنه ليس طبعًّيا أو‬
‫صحًّيا الشعور بأي من تلك المشاعر‪ ،‬ولقد ُو لدت بأحاسيس متأصلة من الخير‪ ،‬والقوة‪ ،‬والحكمة التي‬
‫يجب أن تكون قادًر ا على استدعائها في لحظات الشك الذاتي‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬ربما فقدت االتصال‬
‫بهذا اإلحساس الداخلي بسبب الطريقة التي نشأت بها‪ ،‬والرسائل التي تلقيتها‪ ،‬والتي تشي بعكس‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫احترام الذات معّر ًفا‬


‫لنبدأ بتعريف احترام الذات‪ /‬القدر وتمييزه عن الصورة الذاتية ومفهوم الذات‪ ،‬واحترام الذات هو ما‬
‫تشعر به تجاه نفسك بوصفك شخًص ا ‪ -‬حكمك العام على نفسك‪ ،‬وقد يكون احترامك لذاتك مرتفًعا أو‬
‫منخفًض ا‪ ،‬اعتماًدا على مدى إعجابك أو استحسانك لنفسك‪ ،‬وإذا كان لديك تقدير عاٍل لذاتك‪ ،‬فلديك‬
‫تقدير كامل لشخصيتك‪ ،‬وهذا يعني أنك تقبل نفسك على ما أنت عليه‪ ،‬بكل من صفاتك الحميدة‪ ،‬وما‬
‫يسمى صفاتك السيئة‪ ،‬ويمكن االفتراض عندها أَّن لديك احتراًم ا للذات‪ ،‬وحًّبا للذات‪ ،‬ومشاعر‬
‫إيجابية بقيمة ذاتك‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فأنت لست في حاجة إلى إقناع اآلخرين؛ ألنك تعلم مسبًقا أنك قّيم‪ ،‬وإن‬
‫لم تكن متأكًدا إن كان لديك تقدير عاٍل لذاتك‪ ،‬فاسأل نفسك‪« :‬هل أعتقد أنني يمكن أن ُأحب؟»‪،‬‬
‫و“هل ُأومن أنني جدير باالهتمام؟»‪.‬‬
‫تشكل مشاعرنا بالقيمة الذاتية جوهر شخصيتنا؛ إذ ال شيء مهم لرفاهيتنا النفسية كما هي‪ ،‬وإن‬
‫مستوى احترامنا لذاتنا يؤثر تقريًبا في كل جانب من جوانب حياتنا؛ فإنه يؤثر في كيفية نظرنا‬
‫ألنفسنا‪ ،‬وكيف ينظر إلينا اآلخرون‪ ،‬ومن ثم كيف يعاملوننا‪ ،‬وإنه يؤثر في اختياراتنا في الحياة؛ من‬
‫وظائفنا إلى من نصادق أو من نتبادل معه عواطفنا‪ ،‬وإنه يؤثر في كيفية توافقنا مع اآلخرين‪ ،‬ومدى‬
‫إنتاجيتنا‪ ،‬وكذلك في مدى استفادتنا من كفاءاتنا وقدراتنا‪ ،‬وإنه يؤثر في قدرتنا على اتخاذ قرار‬
‫التغيير‪ ،‬عندما تكون األشياء في حاجة إلى ذلك‪ ،‬وقدرتنا على أن نكون إبداعيين‪ ،‬وإنه يؤثر في‬
‫استقرارنا‪ ،‬بل إنه يؤثر في إن كنا نميل إلى أن نكون تابعين أو قادة‪ ،‬ومن المنطقي إًذا أن مستوى‬
‫احترامنا لذواتنا‪ ،‬والطريقة التي نشعر بها تجاه أنفسنا‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬من شأنه أيًض ا أن يؤثر في قدرتنا‬
‫على تكوين عالقات حميمة‪.‬‬
‫ويستخدم كثيٌر من الناس عبارتي (احترام الذات) و(مفهوم الذات) تبادلًّيا‪ ،‬ولكَّن هاتين العبارتين لهما‬
‫معاٍن مختلفة في الواقع‪ ،‬وإن مفهومنا لذاتنا‪ ،‬أو صورتنا الذاتية‪ ،‬هو مجموعة المعتقدات أو الصور‬
‫التي لدينا عن أنفسنا؛ في حين إن احترامنا لذاتنا هو مقياس مدى رضانا وموافقتنا على مفهومنا‬
‫لذواتنا‪ ،‬وإَّن طريقة أخرى للنظر في األمر‪ ،‬هي أن احترام الذات هو مدى احترامك لنفسك‪ ،‬بينما‬
‫الصورة الذاتية هي كيف ترى نفسك‪ ،‬وال تزال هناك طريقة أخرى للتمييز بين احترام الذات‬
‫والصورة الذاتية‪ ،‬وهي التفكير في احترام الذات على أنه شيء تعطيه لنفسك (لهذا يسمى احترام‬
‫الذات)‪ ،‬في حين أن الصورة الذاتية عادة ما تعتمد على كيفية تخيلك لصورتك عند اآلخرين‪.‬‬

‫وتتكون صورتنا الذاتية من مجموعة متنوعة من الصور والمعتقدات‪ ،‬بعضها بدهي‪ ،‬ويمكن التحقق‬
‫منه بسهولة (على سبيل المثال‪« :‬أنا امرأة»‪« ،‬أنا معالجة نفسية») ولكن هناك أيًض ا جوانب أخرى‬
‫أقل وضوًح ا من الذات (على سبيل المثال‪« :‬أنا ذكي»‪« ،‬أنا متمكن»)‪.‬‬
‫إن كثيًر ا من األفكار التي لدينا عن أنفسنا في مرحلة الطفولة تأتي من مصدرين‪ :‬كيف عاملنا‬
‫اآلخرون‪ ،‬وما قاله لنا اآلخرون عن أنفسنا؛ هكذا أصبح كيف عَّر فنا اآلخرون هو ما نتصوره عن‬
‫أنفسنا‪ ،‬وإن صورتك الذاتية ‪ -‬من تعتقد أنك أنت ‪ -‬هي الحزمة التي جمعتها من كيف رآك اآلخرون‬
‫وعاملوك‪ ،‬ومن االستنتاجات التي توصلت إليها من مقارنة نفسك باآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫السبب الحقيقي النخفاض احترامك لذاتك‪ ،‬أو صورتك الذاتية



‫السلبية‬
‫ربما يعود السبب الرئيس وراء تدني احترامك لذاتك أو صورتك الذاتية السلبية إلى طفولتك‪ ،‬فبغض‬
‫النظر عما حدث لك في حياتك‪ ،‬فإن والديك (أو األشخاص الذين ربوك) لهم التأثير األكثر أهمية‬
‫فيما تشعر به حيال نفسك‪ ،‬ويمكن أن يكون للسلوك األبوي السلبي والرسائل السلبية تأثير عميق في‬
‫صورتنا الذاتية واحترامنا لذاتنا‪ ،‬وأشُّد ما يكون ذلك صحيًح ا في حال الناجين من إساءة عاطفية أو‬
‫إهمال أو اختناق عاطفي‪ ،‬عندما كانوا أطفااًل ‪.‬‬

‫ويمكن أن تؤثر األبوة غير المناسبة وغير الصحية في تكوين هوية الطفل‪ ،‬ومفهومه عن ذاته‪،‬‬
‫ومستوى احترامه لذاته‪ ،‬ويظهر البحث بوضوح أن العامل األوحد األكثر أهمية في تحديد مقدار‬
‫احترام الذات الذي يبدأ به الطفل هو أسلوب والديه في تربية األطفال خالل السنوات الثالث أو‬
‫األربع األولى من حياته‪.‬‬
‫وعندما يكون اآلباء محبين ومشجعين ومنصفين‪ ،‬ويرسمون صورة انضباط مناسب‪ ،‬ويضعون‬
‫حدوًدا مناسبة‪ ،‬ينتهي األمر باألطفال الذين يشكلونهم بأنهم واثقون من أنفسهم‪ ،‬ويراقبون أنفسهم‬
‫ذاتًّيا‪ ،‬ويحققون ما يصبون إليه بذواتهم‪ ،‬ولكن عندما يكون اآلباء مهملين‪ ،‬ومنتقدين‪ ،‬وغير منصفين‪،‬‬
‫ويضعون نظام انضباط قاسًيا وحدوًدا غير مناسبة‪ ،‬فإن األطفال الذين يشكلونهم يكونون غير آمنين‪،‬‬
‫وينتقدون أنفسهم‪ ،‬ويعانون من تدني احترام الذات‪.‬‬
‫وعندما قابلت ماثيو ألول مرة‪ ،‬أذهلتني مالمحه السمراء الجميلة؛ فإنه يشبه نسخة أصغر عمًر ا من‬
‫توم كروز‪ ،‬ولكن أطول وتقاسيم وجه أكثر إثارة‪ ،‬وبتقاسيم وجه مرسومة رسًم ا‪ ،‬وبعينين كبيرتين‬
‫سوداوين على شكل حبة اللوز‪ ،‬وشعره األسود السابل‪ ،‬وألنه كان مبهر الوسامة والجمال‪ ،‬توقعت‬
‫منه أن يتحدث معي بثقة‪ ،‬ولكن بداًل من ذلك تحدث تقريًبا بطريقة متحفظة أقرب ما تكون إلى‬
‫االعتذار‪ ،‬بينما كان يشرح لي سبب قدومه للعالج‪ ،‬اكتشفت أنه يشعر بعدم األمان الشديد‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أنه كان شاًّبا ذكًّيا‪ ،‬وموهوًبا وجذاًبا‪ ،‬إال أنه كان يعاني من الشك الذاتي‪ ،‬وشديد االنتقاد‬
‫لنفسه‪ ،‬فلماذا ينبغي لشاب بكل تلك المزايا اإليجابية أن يشعر بتلك الدرجة السيئة جًّدا تجاه نفسه؟‬

‫وعندما أخبرني ماثيو بقصة حياته‪ ،‬اكتشفت أن والده لم يكن مسروًر ا به أبًدا‪ ،‬وبغض النظر عما‬
‫فعله ماثيو‪ ،‬فقد كان ذلك ال يكفي في نظر والده‪ ،‬وأخبرني عن الوقت الذي كان اسمه في قائمة‬
‫الشرف في المدرسة‪ ،‬وكان متحمًسا إلخبار والده عن ذلك‪ ،‬وبداًل من تهنئة ماثيو واالفتخار به‪،‬‬
‫أخبره والده بأنه طالما أن الدراسة كانت سهلة للغاية بالنسبة إليه كان عليه تأمين عمل بعد المدرسة‪،‬‬
‫ومن ثم فعل ماثيو ما اقترحه والده عليه‪ ،‬ولكن حتى ذلك ال يبدو أنه كان كافًيا لوالده أيًض ا‪ ،‬وبداًل من‬
‫ذلك‪ ،‬اشتكى والده من أنه لم يكن يساعده بما يكفي على العمل في حديقة الدار‪ ،‬وأَّن عليه ترك‬
‫وظيفته؛ حيث انتقده والده بالقول‪« :‬إنك تعمل فقط لتوفير المال لتضيعه على الفتيات»‪ ،‬متناسًيا‬
‫بشكل ما أنه هو من ضغط عليه للبحث عن عمل في المقام األول‪ ،‬وقد كان ماثيو مهتًّم ا بالموسيقا‪،‬‬
‫وكان عازف بيانو موهوًبا جًّدا‪ ،‬ولكن والده لم يكن سعيًدا بأخذه دروًسا في الموسيقا‪ ،‬بل سخر منه‬
‫بالقول‪« :‬أنت مخنث جًّدا من قبل» وأضاف‪« :‬لماذا ال تختار أنواع الرياضات كما فعلت أنا في‬
‫المدرسة كالسير الطويل؟» وعندما اتبع ماثيو نصيحة والده‪ ،‬وحاول المشاركة في مسار فريق سير‬
‫طويل‪ ،‬اشتكى والده‪« :‬إن ذلك ال يتمتع بالمكانة نفسها التي يتمتع بها لعب كرة القدم أو كرة السلة؛‬
‫فلماذا ال تجرب االنضمام إلى واحدة من هذه الفرق؟»‪.‬‬
‫وألن والد ماثيو لم يكن فخوًر ا به أبًدا‪ ،‬ولم يعترف مطلًقا بإنجازاته‪ ،‬أصبح ماثيو قاسًيا جًّدا على‬
‫نفسه‪ ،‬وأصبح شديد االنتقاد لنفسه؛ وبغض النظر عما ينجزه‪ ،‬دائًم ا ما كان يجد شيًئا خطأ فيه‪ ،‬وإذا‬
‫حاول شخص ما مدحه‪ ،‬غالًبا ما يقلل من شأن ذلك بعبارات مثل‪« :‬أوه‪ ،‬كان ممكًنا ألي شخص أن‬
‫يفعل ذلك» أو «نعم‪ ،‬ولكن كان يجب أن ترى كيف جعلُت عاليها سافلها البارحة»‪.‬‬

‫إن عدم اعتراف والد ماثيو به وعدم الرضا أبًدا‪ ،‬جعله يشعر بالخوف والخجل‪ ،‬ويقوض كثير من‬
‫اآلباء من احترام أطفالهم لذواتهم‪ ،‬وُيوِج دون فيهم نوًعا من (القلق الذاتي) بمعاملتهم بواحدة أو كل‬
‫الطرق اآلتية‪ :‬قلة الدفء والمودة‪ ،‬واالعتراف‪ ،‬واالحترام‪ ،‬أو اإلعجاب‪ ،‬إضافة إلى توقعات غير‬
‫معقولة والهيمنة‪ ،‬والالمباالة‪ ،‬والتقليل من شأنهم أو العزلة أو معاملة غير عادلة أو غير متكافئة‪.‬‬

‫ًف‬
‫(الناقد الداخلي) معّر ًفا‬
‫إن وجود ناقد داخلي قوي هو عامل آخر في إيجاد تدني احترام الذات‪ ،‬وعادة ما يسير جنًبا إلى جنب‬
‫مع تدني احترام الذات‪ ،‬ويتشكل ناقدك الداخلي بعملية التنشئة االجتماعية العادية التي يمر بها كل‬
‫طفل‪ ،‬وينبه اآلباء أطفالهم بأي السلوكات المقبولة وغير المقبولة أو الخطيرة أو الالأخالقية‪ ،‬ويفعل‬
‫معظم اآلباء ذلك بمدح النوع األول‪ ،‬وعدم تشجيع الثاني‪ ،‬ويعرف األطفال (سواء بوعي أو بغير‬
‫وعي) أن آباءهم هم مصدر كل أنواع التغذية البدنية والعاطفية؛ لذا فإن موافقة الوالدين تبدو وكأنها‬
‫مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم؛ لذلك عندما يتم توبيخهم أو صفعهم‪ ،‬يشعرون بقسوة انسحاب‬
‫موافقة الوالدين بشكل حاد للغاية؛ ألن ذلك يحمل معه الخطر الرهيب المتمثل في فقدان كل أشكال‬
‫الدعم‪.‬‬
‫ويحتفظ جميع األطفال بذكريات‪ ،‬واعية وغير واعية‪ ،‬عن تلك األوقات التي شعروا فيها بالخطأ أو‬
‫بالسوء بسبب فقدان موافقة والديهم‪ ،‬وهذه هي النقطة التي يبدأ فيها الناقد الداخلي‪« .‬أستخدم (هو)‬
‫عند اإلشارة إلى الناقد الداخلي؛ ألن الكثير من الناس‪ ،‬بما في ذلك النساء‪ ،‬يعتقدون أن ناقدهم‬
‫الداخلي مذكر؛ فال تترددي في استبداله بـ (هي) إذا كان ذلك مناسًبا لِك أكثر» حتى كشخص بالغ‪ ،‬ال‬
‫يزال هناك جزء منك يعتقد أنك (سيئ) كلما غضب أحدهم منك‪ ،‬أو عندما ترتكب خطأ‪.‬‬

‫صوت ناقدك الداخلي هو صوت والديك الرافض؛ صوت المعاقبة والمنع الذي شكل سلوكك بوصفك‬
‫طفاًل ‪ ،‬وإذا كانت تجاربك المبكرة معتدلة ومناسبة‪ ،‬فنادًر ا ما يهاجمك ناقدك‪ ،‬عندما تكون بالًغا‪،‬‬
‫ولكن إذا تلقيت رسائل قوية جًّدا حول درجة (سوئك) أو (خطئك) بوصفك طفاًل ‪ ،‬سيهاجمك ناقدك‬
‫البالغ تكراًر ا وبشراسة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اإلساءة العاطفية واإلهمال معرفان‬


‫اإلساءة كلمة قوية جًّدا من الناحية العاطفية‪ ،‬فعادة ما تتضمن النية السيئة أو حتى الحقد من جانب‬
‫المعتدي‪ ،‬ولكن اآلباء الذين يسيئون معاملة أطفالهم أو إهمالهم عاطفًّيا نادًر ا ما يقومون بذلك عمًدا‪،‬‬
‫وإن معظمهم يكرر ببساطة الطريقة التي عومل بها بوصفه طفاًل ‪ -‬إنهم يفعلون بأطفالهم ما ُفعل‬
‫بهم‪ ،‬وإن كثيًر ا منهم ال يدركون أن الطريقة التي يتعاملون بها مع أطفالهم مؤذية؛ فقليل منهم يفعل‬
‫ذلك بدافع الحقد ‪ -‬أي الرغبة المتعمدة في إيذاء أطفالهم‪.‬‬

‫وعادة ال ُيغرس تدني احترام الذات في األطفال بجهود واعية أو مقصودة من جانب الوالدين‪،‬‬
‫ونموذجًّيا يعاني آباء األطفال الذين يعانون من تدني احترام الذات أنفسهم‪ ،‬من تدني احترام الذات‪،‬‬
‫وإن اآلباء الذين يسيئون معاملة أطفالهم‪ ،‬أو يتجاهلونهم‪ ،‬أو يخنقونهم عاطفًّيا ال يدركون‪ ،‬عادة‪،‬‬
‫القوة الهائلة التي بحوزتهم في تشكيل شعور أطفالهم بالذات‪.‬‬
‫وينبغي أن نكون محددين جًّدا‪ ،‬عندما نستخدم عبارة إساءة عاطفية‪ ،‬وإن إساءة الطفل العاطفية هي‬
‫نمط من السلوك؛ بمعنى أنها تحدث باستمرار بمرور الوقت‪ ،‬إذ إن المواقف أو األفعال السلبية‬
‫العَر ضية ال ُتعّد إساءة عاطفية؛ فحتى أفضل اآلباء يمرون أحياًنا بمواقف يفقدون فيها السيطرة‬
‫مؤقًتا‪ ،‬ويقولون أشياء مؤذية ألطفالهم‪ ،‬ويفشلون في منحهم االهتمام الذي أرادوه‪ ،‬أو يخيفونهم عن‬
‫غير قصد بأفعالهم‪ ،‬وال شك أن كل والد يعامل أطفاله ببعض هذه الطرق من وقت آلخر‪ ،‬ولكن‬
‫اآلباء المسيئين عاطفًّيا يعاملون بانتظام أطفالهم ببعض هذه الطرق أو كلها‪.‬‬

‫وإن اإلساءة العاطفية للطفل هي نمط من السلوك يهاجُم التطور العاطفي للطفل وإحساسه بقيمة ذاته‪،‬‬
‫وألن اإلساءة العاطفية تؤثر في إحساس الطفل بذاته‪ ،‬تخلص الضحية إلى أن ترى نفسها أنها ال‬
‫تستحق الحب والحنان‪ ،‬وتشمل اإلساءة العاطفية كاًّل من أفعال وأشكال التجاهل من ِقبل الوالدين أو‬
‫القائمين على رعايتهم‪ ،‬ويمكن لذلك أن يتسبب في اضطرابات سلوكية‪ ،‬ومعرفية‪ ،‬وعاطفية‪،‬أو‬
‫اضطرابات عقلية خطيرة عند الطفل‪ ،‬ويشمل هذا النوع من سوء المعاملة ما يلي‪:‬‬

‫• اإلساءة اللفظية (بما في ذلك النقد المستمر‪ ،‬والسخرية‪ ،‬واللوم‪ ،‬واالستخفاف‪ ،‬واإلهانة‪ ،‬والرفض‪،‬‬
‫والمضايقة غير الالئقة)‪.‬‬

‫• وضع مطالب مفرطة‪ ،‬أو غير معقولة‪ ،‬على الطفل بما يتجاوز قدراته‪.‬‬
‫• اإلفراط في التحكم‪.‬‬

‫• خنق الطفل عاطفًّيا (بما في ذلك المبالغة في الحماية‪ ،‬أو عدم الرغبة في السماح للطفل بإيجاد حياة‬
‫منفصلة عن اآلباء)‪.‬‬

‫• رفض الطفل أو التخلي عنه عاطفًّيا (بما في ذلك البرودة‪ ،‬وعدم االستجابة ومنع الحب)‪.‬‬

‫إن اإلهمال كلمة يساء فهمها حتى بشكل أكبر‪ ،‬ويمكن أن تتجلى جسدًّيا وعاطفًّيا‪ ،‬ويشمل اإلهمال‬
‫الجسدي الفشل من جانب الوالدين أو مقدم الرعاية األساسي في تلبية حاجات الطفل المادية األساسية‬
‫(الغذاء‪ ،‬والماء‪ ،‬والمأوى‪ ،‬واالهتمام بالنظافة)‪ ،‬وكذلك احتياجاته أو احتياجاتها العاطفية‬
‫واالجتماعية والبيئية والطبية‪ ،‬ويشمل كذلك اإلخفاق في توفير اإلشراف المناسب‪.‬‬

‫ويشمل اإلهمال العاطفي الفشل في توفير الرعاية والدعم اإليجابي الضروري لنمو وتطور الطفل‬
‫العاطفي والنفسي‪ ،‬وتقديم القليل أو ال شيء من الحب‪ ،‬أو الدعم أو اإلرشاد‪ ،‬ويشمل ذلك عدم االنتباه‬
‫الحتياجات الطفل بعدم االعتراف به‪ ،‬وبحاجته إلى المودة والدعم العاطفي (عدم االهتمام بمشاعر‬
‫الطفل ونشاطاته ومشكالته)‪.‬‬
‫سيساعدك االستبيان اآلتي على فهم اإلساءة‪ ،‬واإلهمال العاطفيين‪ ،‬وتحديد إن كنت قد تعرضت لها‬
‫وأنت طفل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫استبيان‪ :‬هل تعرضت لإليذاء أو اإلهمال أو الخنق العاطفي وأنت



‫طفل؟‬
‫‪ .1‬هل كان أحد والديك أو كالهما ينتقدك بشكل مفرط؟ هل تعرضت النتقادات متكررة لقولك أشياء‬
‫خاطئة أو لتصرفك بطريقة خاطئة؟ هل غالًبا ما انتقد أحد والديك أو كالهما الطريقة التي كنت تبدو‬
‫عليها؟‬
‫‪ .2‬هل كان من المستحيل إرضاء والديك؟ هل وصلت إلى القناعة أنه مهما فعلت‪ ،‬فإن والديك لن‬
‫يكونا راضيين عنك أبًدا؟‬

‫‪ .3‬هل كان والداك ممن ينشدون الكمال؟ هل ُو ِّبخت أو عوقبت حتى تفعل األشياء بطريقة معينة؟‬

‫‪ .4‬هل أخبرك والداك أنك كنت سيًئا‪ ،‬أو ال قيمة لك‪ ،‬أو غبًّيا‪ ،‬أو أنك لن تساوي أي شيء؟ هل‬
‫وصفاك بأسماء مهينة؟‬

‫‪ .5‬هل استخف والداك بك‪ ،‬أو سخرا منك‪ ،‬أو جعالك موضوع نكات خبيثة أو سادية؟‬
‫‪ .6‬هل تجاهل والداك احتياجاتك الجسدية؛ على سبيل المثال‪ ،‬عدم توفير مالبس مناسبة‪ ،‬مثل معطف‬
‫دافئ في الشتاء‪ ،‬أو عدم توفير الرعاية الطبية الكافية؟‬
‫‪ .7‬هل أجبرك والداك على العيش في بيئات خطرة أو غير قابلة لالستقرار (مثل التعرض للعنف‬
‫المنزلي أو الصراع األبوي)؟‬

‫‪ .8‬هل كان والداك منشغلين جًّدا‪ ،‬أو مشغولين باحتياجاتهما أو مشكالتهما بشكل لم يخصصا وقًتا‬
‫ألن يكونا معك؟‬

‫‪ .9‬هل تركك والداك في كثير من األحيان بمفردك لتلبية احتياجاتك؟ هل ُح ِر مت من الرعاية‬


‫الجسدية (على سبيل المثال‪ ،‬هل ُح جزت أم ُطّيب خاطرك عندما كنت تصاب بالقلق) أو منعت من‬
‫الحنان عندما كنت طفاًل ؟‬

‫‪ .10‬هل كان أحد والديك أو كالهما بعيًدا عنك‪ ،‬أو مترفًعا عنك‪ ،‬عندما كنت طفاًل ؟‬

‫‪ .11‬هل كان أحد والديك أو كالهما يعاني من مشكلة شرب الكحوليات أو إدمان المخدرات أو القمار‬
‫أو أي إدمان آخر أدى بواحد منهما أو بكليهما إلى إهمالك ؟‬

‫‪ .12‬هل سبق أن ُهجرت عندما كنت طفاًل (هل ُطردت للعيش مع شخص آخر بوصفه عقاًبا‪ ،‬أو ألن‬
‫أحد الوالدين كان مريًض ا‪ ،‬أو ال يستطيع االعتناء بك)؟‬
‫ًط‬ ‫ًط‬
‫‪ .13‬هل كان أحد والديك أو كالهما مفرًطا في حمايتك أو مفرًطا في خوفه من أن يلحق بك أذى‬
‫(على سبيل المثال‪ ،‬عدم السماح لك بالمشاركة في الرياضة‪ ،‬أو نشاطات الطفولة العادية؛ خوًفا من‬
‫تعرضك لألذى)؟‬
‫‪ .14‬هل قام أحد والديك أو كالهما بعزلك عن اآلخرين‪ ،‬أو رفض السماح لك بتشكيل أصدقاء أو‬
‫الذهاب إلي منازل األطفال اآلخرين؟‬
‫‪ .15‬هل كان أحد والديك أو كالهما مفرًطا في حبه لك (أي‪ ،‬هل بدا أو بدت غيورة إذا أوليت شخًص ا‬
‫آخر اهتمامك‪ ،‬أو إذا كان لديك صديق أو شريك رومانسي)؟‬

‫‪ .16‬هل عاملك أحد الوالدين أو كالهما بوصفك صديًقا حميًم ا أو طلَب منك الراحة العاطفية؟ هل‬
‫شعرت في كثير من األحيان كما لو كنت أنت الوالد‪ ،‬وكان أحد والديك هو الطفل؟‬

‫تصف هذه األسئلة أشكااًل مختلفة من اإلساءة و اإلهمال العاطفيين‪ ،‬فإذا أجبت بنعم عن أي من‬
‫األسئلة من ‪ 1‬إلى ‪ ،5‬فإنك قد تعرضت لإلساءة العاطفية باإلساءة اللفظية أو التوقعات غير المعقولة‪،‬‬
‫وإذا أجبت بنعم عن أي من األسئلة من ‪ 6‬حتى ‪ ،12‬فقد ُأهملت أو ُهجرت عندما كنت طفاًل ‪ ،‬وإذا‬
‫أجبت بنعم عن أي من األسئلة من ‪ 13‬إلى ‪ ،16‬فقد عانيت من مشكالت الخنق العاطفي أو سفاح‬
‫القربى العاطفي‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫سوء المعاملة النفسية‬


‫على الرغم من أن معظم اإلساءة واإلهمال العاطفيين غير مقصودين من جانب الوالدين‪ ،‬إال أنه‬
‫أحياًنا يتعمد اآلباء إلحاق األذى بأطفالهم بهذه الطرق‪ ،‬وإن سوء المعاملة النفسية مصطلح يستخدمه‬
‫المحترفون لوصف هجوم مركز من قبل شخص بالغ‪ ،‬على تنمية طفل لذاته وكفاءته االجتماعية ‪-‬‬
‫نمط من سلوك مدمر نفسًّيا‪ ،‬فهناك خمسة أشكال سلوكية رئيسة تندرج أحياًنا تحت فئة اإلساءة‬
‫العاطفية‪:‬‬

‫• الرفض ‪ -‬سلوكات تشكل هجًر ا للطفل أو تنقل رسالة بذلك‪ ،‬مثل رفض إظهار الحنان‪.‬‬

‫• العزل ‪ -‬منع الطفل من المشاركة طبيعًّيا في فرص التفاعل االجتماعي‪.‬‬

‫• الترهيب ‪ -‬تهديد الطفل بعقوبة شديدة أو شريرة‪ ،‬أو تعمد تطوير مناخ من الخوف أو التهديد‪.‬‬
‫• التجاهل ‪ -‬حيث يكون مقدم الرعاية غير متاح نفسًّيا للطفل‪ ،‬ويفشل في االستجابة لسلوك الطفل‪.‬‬
‫• اإلفساد ‪ -‬يشجع سلوك مقدم الرعاية الطفل على تطوير قيم اجتماعية خاطئة‪ ،‬تعزز سلوًكا غير‬
‫اجتماعي أو أنماًطا منحرفة من السلوك‪ ،‬مثل العدوان أو األعمال اإلجرامية‪ ،‬أو تعاطي المخدرات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف يتأثر األطفال بسوء المعاملة واإلهمال العاطفيين؟‬

‫إن الطريقة األساسية التي يتأثر بها األطفال باإلساءة واإلهمال العاطفيين هي أن صورتهم الذاتية‬
‫تصبح مشوهة‪ ،‬ويفتقرون إلى القوة بالشعور بالذات‪ ،‬ويطورون مستوى متدنًيا جًّدا من احترام‬
‫الذات‪ ،‬وُيحبط تطورهم العاطفي‪ ،‬وتحدث اإلساءة واإلهمال العاطفيان نظرة مشوهة إلى الذات غير‬
‫مقبولة أو غير محبوبة أو أقل من اآلخرين‪ ،‬ويمكن أن تؤدي اإلساءة واإلهمال واالختناق العاطفي‬
‫أيًض ا إلى كراهية الذات عند الطفل‪ ،‬ويظهُر كثير من األطفال الذين يتعرضون إلى اإلساءة أو‬
‫اإلهمال العاطفيين تطرًفا في السلبية أو العدوانية‪ ،‬وإن األطفال الذين يتعرضون للتوبيخ أو اإلذالل‬
‫أو الرعب أو الرفض باستمرار يعانون على األقل كما لو أنهم تعرضوا لالعتداء الجسدي‪ ،‬إن لم‬
‫يكن أكثر‪ ،‬ولقد وجدت الدراسات أن اإلهمال يمكن أن يكون أكثر ضرًر ا من اإلساءة المباشرة‪،‬‬
‫حيث وجدت دراسة استقصائية ألطفال تعرضوا لسوء المعاملة أن األطفال المهملين كانوا األكثر‬
‫قلًقا‪ ،‬وشروًدا‪ ،‬والمباالة‪ ،‬وكانوا في كثير من األحيان يميلون بشكل بديل إلى العدوانية واالنزواء‪.‬‬

‫وهناك أسباب مختلفة لهذه النتيجة‪ ،‬فإن اإلهمال والهجران يوحيان للطفل بأنه ال يستحق الحب‬
‫والرعاية‪ ،‬وغالًبا ما يؤدي الحرمان العاطفي المبكر إلى أطفال يكبرون إلى يافعين قلقين ال يشعرون‬
‫باألمن‪ ،‬وينمون ببطء أو يكون احترامهم لذواتهم منخفًض ا‪ ،‬وأشُّد ما ينطبق ذلك على نحو خاص‬
‫على األطفال الذين لم يحظوا بقدر كاٍف من اللمس الجسدي واالحتضان‪ ،‬وقد وجد الباحثون أن‬
‫األطفال األكثر صحة هم أولئك الذين غالًبا ما كان يحتضنهم آباؤهم ويداعبونهم‪ ،‬وأصبح األطفال‬
‫الذين حرموا من اللمس ما يسمى بـ (متجنبي اللمس) حيث يرفض هؤالء األطفال في سن السادسة‬
‫اللمس الحاني‪.‬‬

‫وغالًبا ما تتضمن اإلساءة العاطفية اإليحاء للطفل لفًظا أو غير ذلك أنه غير محبوب‪ ،‬وقبيح‪ ،‬وغبي‪،‬‬
‫أو شرير‪ ،‬ويمكن أن يتسبب كل من اإلهمال واإلساءة العاطفيين لألطفال في أن يبحثوا داخل أنفسهم‬
‫عن العيوب التي تستوجب معاملة آبائهم السيئة لهم‪ ،‬ويمكن أن يؤدي مثل هذا الرفض الداخلي إلى‬
‫خسائر فادحة حيال تطوير الطفل لذاته‪ ،‬ما يؤدي إلى صورة ذاتية ضعيفة‪ ،‬وتدٍّن في احترام الذات‪،‬‬
‫وغالًبا ما يبدي األطفال الذين لم يتلقوا إال القليل من الثناء والقبول ليس ضعًفا في احترام الذات فقط‪،‬‬
‫ولكن أيًض ا سلوًكا مدمًر ا للذات والالمباالة واالكتئاب‪ ،‬ويميل األطفال الذين يكبرون في بيئة‬
‫فوضوية مقرونة بقليل من األمن والسالمة‪ ،‬إلى إظهار القلق والخوف والكوابيس الليلية‪ ،‬إذا ما‬
‫ُهددوا بسحب حب والديهم أو القائمين األساسيين على رعايتهم‪ ،‬وغالًبا ما يعانون من قلق شديد‪،‬‬
‫وخوف مفرط‪ ،‬وضياع‪.‬‬
‫وقد كشفت مراجعة ألدبيات تأثيرات اإلساءة العاطفية في األطفال‪ ،‬أجراها مارتي تام لورنغ ‪Marti‬‬
‫‪ ،Tamm Loring‬مؤلف كتاب (اإلساءة العاطفية) ‪ ،Emotional Abuse‬عما يلي‪:‬‬
‫يصاب أولئك الذين يتمثلون اإلساءة داخلًّيا باالكتئاب واالنتحار واالنطواء‪ ،‬ويظهرون التدمير‬
‫الذاتي‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬واألفكار االنتحارية‪ ،‬والسلبية‪ ،‬واالنطواء (تجنب االتصاالت االجتماعية)‪،‬‬
‫والخجل وتدنًيا في درجة التواصل مع اآلخرين‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون لديهم تقدير منخفض‬
‫لذواتهم‪ ،‬وقد يعانون من الشعور بالذنب والندم واالكتئاب والوحدة والرفض‪ ،‬واإلذعان‪ ،‬وألنهم‬
‫يعّدون أنفسهم غير جديرين بالحياة‪ ،‬وأن العالم مكان معاٍد ال بد أن يفشلوا فيه‪ ،‬فكثير منهم ال يرغب‬
‫في تجربة مهام جديدة أو تطوير مهارات جديدة‪.‬‬
‫كثيًر ا ما يصبح األشخاص الذين يظهرون اإلساءة قلقين‪ ،‬وعدوانيين‪ ،‬وعدائيين‪ ،‬وقد يعانون من‬
‫خوف دائم‪ ،‬وهم دائًم ا متحفزون (للرد) كما كتبت ببالغة لويز م‪ .‬وايزتشايلد ‪Louise M.‬‬
‫‪ ،Wisechild‬مؤلفة (األم التي أحمل) ‪ ،The Mother I carry‬وهي مذكرات رائعة عن الشفاء‬
‫من اإلساءة العاطفية‪:‬‬
‫إن اإلساءة العاطفية أشبه ما تكون بالماء الذي يسقط يومًّيا قطرة قطرة على حجر‪ ،‬بحيث يترك‬
‫ندبة‪ ،‬ما يؤدي إلى تآكل الشخصية بتراكم ال هوادة فيه من الحوادث التي تهين أو تستهزئ أو تنبذ‪،‬‬
‫واإلساءة العاطفية هي هواء واهتزازات ثاقبة‪ ،‬وإن سوء المعاملة العاطفية يمكن اإلحساس به‬
‫جسدًّيا‪ ،‬على الرغم من عدم رفع أي يد‪ ،‬وقد يبدو الجاني هًّشا ومثيًر ا للشفقة‪ ،‬ولكنه ال يزال شريًر ا‪،‬‬
‫ويمكن لإلساءة العاطفية في الطفولة أن تقولبنا ونحن صغار‪ ،‬وتضعفنا مع تقدمنا في السن‪ ،‬وتنتشر‬
‫مثل الفيروس‪ ،‬عندما نأخذ عباراتها‪ ،‬وننقلها إلى اآلخرين‪.‬‬

‫الحظ أن اإلساءة العاطفية ترتبط نموذجًّيا بأنواع أخرى من سوء المعاملة واإلهمال ونتيجة لها‪ ،‬وإن‬
‫اإلساءة العاطفية هي جوهر كل أشكال اإلساءة‪ ،‬وغالًبا ما تتجذر اآلثار طويلة المدى إلساءة معاملة‬
‫األطفال وإهمالهم بشكل عام في الجوانب العاطفية لإلساءة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫دور العار‪ /‬الخزي‪ /‬الخجل في إيجاد احترام ذات منخفض‪


،‬‬
‫والكمالية‬
‫العار هو شعور عميق فينا بأننا مكشوفون‪ ،‬ولسنا جديرين‪ ،‬وعندما نشعر بالعار نريد االختباء‪،‬‬
‫ونشيح ببصرنا‪ ،‬ونحني الكتفين‪ ،‬وننحني إلى الداخل كما لو أننا كنا نحاول أن نجعل أنفسنا غير‬
‫مرئيين‪ ،‬وإن اإلساءة واإلهمال العاطفيين هما تجربتان مخزيتان للغاية‪ ،‬ويشعر أولئك الذين يقعون‬
‫ضحية بأي شكل من األشكال باإلهانة والدونية نتيجة مرورهم بالتجربة‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬يلوم‬
‫معظم األطفال أنفسهم على الطريقة التي عاملهم بها آباؤهم‪ ،‬حيث يشعرون بأنهم يستحقون بطريقة‬
‫ما التعامل معم بهذه الطريقة‪ ،‬ويفكرون على نحو قريب من اآلتي‪« :‬لو كنت أصغيت ألمي فقط‪ ،‬لما‬
‫كانت قللت من شأني‪ ،‬وصرخت في وجهي أمام أصحابي» هذه محاولة الستعادة بعض الشعور‬
‫بالقوة والسيطرة‪ ،‬وإن لوم النفس واالفتراض أنه كان باإلمكان فعل ما هو أفضل‪ ،‬أو كان باإلمكان‬
‫منع وقوع حادثة أمٌر يمكن تحمله بشكل أكبر مقارنة بمواجهة حقيقة العجز المطلق‪.‬‬
‫وينتهي األمر باألطفال الذين نشؤوا في كنف آباء كثيًر ا ما يوبخونهم أو ينتقدونهم أو يضربونهم‬
‫ألدنى خطأ يرتكبونه‪ ،‬بالشعور أن حقيقة وجودهم هي خطأ‪ ،‬وليس مجرد أفعالهم فقط‪ ،‬ويحارب‬
‫بعض الناس العار بالسعي لتحقيق الكمال‪ ،‬وهذه طريقة للتعويض عن إحساس داخلي بالنقص‪،‬‬
‫ويجري التعليل على النحو اآلتي‪( :‬مع أنه غير واٍع)‪« :‬إذا كان بإمكاني أن أصبح مثالًّيا‪ ،‬فلن أكون‬
‫موضع عار ثانية أبًدا»‪ .‬من دون شك‪ ،‬إن هذا السعي لتحقيق الكمال محكوم عليه بالفشل؛ وألن‬
‫الشخص الذي يعاني من العار يشعر مسبًقا بأنه ليس جيًدا تماًم ا‪ ،‬فال يمكنه اعتبار أي شيء يفعله‬
‫على أنه درجة جيدة من الكمال؛ لذلك‪ ،‬فإن االستمرار في توقع الكمال في نفسك سوف يسبب لك‬
‫الشعور بخيبة أمل مستمرة‪ ،‬وضرر مستمر الحترامك لذاتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف يؤثر سوء المعاملة واإلهمال العاطفيين في إحساسك



‫بذاتك؟‬
‫لقد استخدمت الكثير من الكلمات حتى اآلن في تحديد جوانب مختلفة من الذات‪ ،‬مثل الصورة‬
‫الذاتية‪ ،‬ومفهوم الذات‪ ،‬واحترام الذات‪ ،‬ولكنني لم أعّر ف حتى اآلن مفهوم الذات‪ ،‬فهناك كثير من‬
‫التعريفات‪ ،‬ولكن بالنسبة إلي سأعرفها بأنها جوهرك الداخلي‪ ،‬وإنها الشعور الذي لديك عن نفسك‬
‫بوصفك شخًص ا منفصاًل ؛ الشعور بالحد الذي تتوقف عنده احتياجاتك ومشاعرك‪ ،‬وتبدأ مشاعر‬
‫اآلخرين وحاجاتهم‪.‬‬
‫وهناك عبارة أخرى تحتوي (الذات) تحتاج إلى تعريف‪ :‬اإلحساس بالذات‪ ،‬وهذه هي وعيك الداخلي‬
‫بمن أنت‪ ،‬وكيف تتناسب مع العالم‪ ،‬وهذا المثل األعلى هو ما يشار إليه بعبارة «إحساس متماسك‬
‫بالذات» أي امتالك شعور داخلي بالتضامن‪ ،‬وإنك تجرب نفسك بوصفك شخًص ا له مكان في العالم‪،‬‬
‫ولك الحق في التعبير عن نفسك‪ ،‬ولديك القدرة على التأثير والمشاركة فيما يحدث لك‪ ،‬ولسوء الحظ‪،‬‬
‫يعاني األشخاص الذين عانوا من إساءة أو إهمال عاطفيين في طفولتهم من إحساس بالذات غالًبا ما‬
‫يتسم بأي شكل من المشاعر باستثناء تلك التي توصف بالقوة واإلقدام‪ ،‬وبداًل عن ذلك‪ ،‬فهم يشعرون‬
‫بالعجز‪ ،‬والخجل‪ ،‬والغضب‪ ،‬والرعب‪ ،‬والذنب‪ ،‬ما يؤدي إلى مشاعر بعدم األمان‪.‬‬
‫ولسنا بالضرورة على اتصال مع إحساسنا بالذات حتى يحدث لنا شيء يجعلنا ننتبه إليه‪ ،‬وإذا لم‬
‫يعترف أحدهم بإنجازاتك أو َر َفضَك ‪ ،‬سيتحول تركيزك إلى داخلك؛ وستبدأ في التساؤل إذا كنت‬
‫تستحق المكانة المرموقة أو الحب‪ ،‬ويمكن للعكس أن يكون صحيًح ا أيًض ا‪ ،‬فإذا جاملك شخص ما‪،‬‬
‫فقد تتحول إلى الداخل لتهنئة نفسك‪ ،‬وأن تكون واعًيا لذاتك يعني أنه‪ ،‬بغض النظر عن األسباب‪،‬‬
‫تصبح مشغواًل بما تقوم به‪ ،‬أو كيف تبدو إلى اآلخرين‪ ،‬وقد يصبح هذا التقييم الذاتي هوًسا‪ ،‬ويمكن‬
‫أن يسبب لك أيًض ا الشعور إما بالضيق في صحبة اآلخرين أو تصنع مظهر غير صحيح أمامهم‪،‬‬
‫وفي كلتا الحالتين‪ ،‬يتدخل الوعي الذاتي بقدرتك على أن تكون أنت نفسك الحقيقية‪.‬‬

‫وعندما نشعر بالتجاهل أو الرفض من ِقبل اآلخرين (خاصًة آباءنا)‪ ،‬غالًبا ما نبدأ في القلق بشأن ما‬
‫نكون قد فعلناه حتى استوجب ردة الفعل تلك‪ ،‬ويبدأ ذلك في وقت مبكر من الحياة‪ ،‬فاألطفال أنانيون‬
‫‪ -‬بمعنى أنهم يفترضون أن كل شيء يتمحور حولهم‪ ،‬ومن ثم يجب أن يكونوا سبب ردود أفعال‬
‫اآلخرين ‪ -‬وهكذا‪ ،‬فإنهم يميلون إلى لوم أنفسهم على الطريقة التي يعاملهم بها اآلخرون‪ .‬ومع تقدمنا‬
‫في السن نصبح أكثر وعًيا بأنفسنا‪ ،‬ونغذي وعينا الذاتي بالكثير من االفتراضات التي تستنكر الذات‪.‬‬

‫ومن أجل تطوير شعور قوي بالذات‪ ،‬يجب أن تكون قد نشأت في بيئة‪ ،‬حيث التغذية النفسية‬
‫اإليجابية كانت متاحة‪ ،‬وتتألف التغذية النفسية اإليجابية من اآلتي‪:‬‬

‫• االستجابات الوجدانية‪ .‬عندما نقول‪ :‬إن شخًص ا ما لديه القدرة على التعاطف‪ ،‬فإننا نعني عموًم ا أن‬
‫لديه مساحة داخلية‪ ،‬تمكنه من االستماع والرد على شخص آخر دون الوقوع في الجدل‪ ،‬والتعصب‬
‫لوجهة نظره‪ ،‬ولديه القدرة على وضع نفسه في مكان الشخص اآلخر ‪ -‬أن يتخيل كيف يشعر اآلخر‪،‬‬
‫ولسوء الحظ‪ ،‬فإن كثيًر ا من اآلباء متمحورون على أنفسهم‪ ،‬لدرجة أنه ليس لديهم مكان الحتياجات‬
‫أي شخص آخر أو وجهات نظره ‪ -‬حتى احتياجات أطفالهم‪ ،‬وإن استجابة نموذجية غير متعاطفة من‬
‫ِقبل أحد الوالدين قد تتخذ شكل فقدان الصبر من طفل‪ ،‬يقوم بالتبول في سرواله‪ ،‬عندما يكون الوالد‬
‫مشغواًل بمحاولة تهيئة نفسه استعداًدا لحفلة‪ ،‬وأما الوالد المتعاطف فسيأخذ نفًسا عميًقا‪ ،‬ويحمل طفله‬
‫بحب‪ ،‬ويذّكر نفسه بأنه ما كان بوسع صغيره فعل غير ذلك‪ ،‬وسوف يتحدث بلطف مع الطفل‪،‬‬
‫ويداعبه بلطف وهو يغير حفاظته‪ ،‬وقد يلوم الوالد غير المتعاطف الطفل للتسبب في التأخير‪،‬‬
‫ويمسكه بقسوة‪ ،‬ويعبر عن انزعاجه تجاهه‪.‬‬

‫• التحقق من صحة تصوراتك‪ .‬إحدى الطرق األساسية لـتشجيع الشعور الصحي بالذات هي أن يدعم‬
‫اآلباء تجربة الطفل‪ ،‬مثل عندما يوافق أحد الوالدين على شيء ما أنه حزين‪ ،‬عندما يشعر الطفل‬
‫بالحزن‪ ،‬ويجعل هذا النوع من الدعم الطفَل أن يشعر أنه بخير عادة؛ حيث يشعر بأنه «على الطريق‬
‫الصحيح» بمشاعره‪ ،‬وربما تتقلص مشاعر العزلة عنده أيًض ا‪ ،‬ومن الناحية األخرى‪ ،‬إذا ما قال أحد‬
‫الوالدين للطفل‪ :‬إن الشيء المحزن هو حًّقا شيء سعيد‪ ،‬فقد يفقد الطفل توازنه فجأة‪ ،‬أو يشعر أن‬
‫هناك شيًئا خطأ عنده‪ ،‬ومن المحتمل أيًض ا أن يشعر بالوحدة الشديدة‪.‬‬

‫• احترام تفردك‪ .‬عندما يكون تفرد الطفل بوصفه فرًدا محترًم ا‪ ،‬يتعلم تحمل االختالفات مع نفسه‬
‫واآلخرين‪ ،‬ويتعلم أنه من المفيد اكتشاف الخالفات‪ ،‬والتعامل معها بشكل بناء‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬ال يعّد‬
‫أمًر ا طبيعًّيا في كثير من العائالت أن يكون لدى األشخاص في العائلة نفسها تفضيالت مختلفة‪،‬‬
‫وبداًل عن ذلك‪ ،‬هناك افتراض أنه عندما يكون لدى الطفل تفضيل مختلف أو ال يتفق مع اآلخرين‪،‬‬
‫فإنه يحاول السيطرة على القائمين على رعايته‪ ،‬أو أنه منخرط في صراع على السلطة‪ ،‬حتى إن‬
‫بعضهم ُيعاقب أو ُيالم لكونه مختلًفا عن بقية أفراد األسرة اآلخرين‪ ،‬وُيترجم ذلك في عقل الطفل‪،‬‬
‫إلى رسالة‪« :‬أنا سيئ» ولكن من الناحية األخرى‪ ،‬عندما ُتحترم أفضليات الطفل‪ ،‬فإنه يميل إلى‬
‫الشعور بـ «أنا بخير» وهذا بدوره يعزز شعوًر ا بذات تتسم بإحساس أنها جديرة بالحياة والحب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف يتصرف اآلباء بوصفهم مرايا؟‬


‫ليس لدى الرضيع (إحساس بالذات) أي ليس لديه معرفة داخلية بمن هو بوصفه شخًص ا منفصاًل عن‬
‫أي شخص آخر‪ ،‬فلو نظر الرضيع في المرآة‪ ،‬فلن يتعرف إلى نفسه‪ ،‬وال شك أنك قد شاهدت رد‬
‫فعل الرضع أو األطفال الصغار وهم ينظرون في المرآة‪ ،‬فغالًبا ما يتفاعلون كما لو أنهم كانوا يرون‬
‫طفاًل آخر‪.‬‬

‫ويعمل الوالدان بوصفهما مرآة تعمل على أن تظهر للطفل من هو‪ ،‬فلو ابتسم والدا الطفل له‪ ،‬فهو‬
‫يعلم أنه مبهج ورائع‪ ،‬واذا ما ُح مل وُم سح على رأسه‪ ،‬فيعلم أنه آمن‪ ،‬وإذا ما استجاب الوالدان‬
‫لبكائه‪ ،‬يعلم أنه مهم وفعال‪ ،‬ولكن إذا لم ُيحمل الطفل‪ ،‬ولم ُيتحَّدث إليه بمناغاته‪ ،‬وهزه‪ ،‬وحبه‪ ،‬فيتعلم‬
‫دروًسا أخرى عن قيمته‪ ،‬وإذا لم ُيستجب لصرخاته‪ ،‬يتعلم العجز‪ ،‬ويتعلم أنه غير مهم‪ ،‬والحًقا‪،‬‬
‫عندما ينمو‪ ،‬سيعمل والداه بوصفهما مرآة بطرق أخرى‪ ،‬فإذا أفرطا في حمايته‪ ،‬سيتعلم أنه غير‬
‫كفء‪ ،‬وإذا كانا يتحكمان فيه بشكل مفرط‪ ،‬سيتعلم أنه ال يمكن الوثوق به‪.‬‬

‫وسيكون هناك طوال فترة الطفولة مرايا أخرى ُتظهر للطفل من هو‪ ،‬وسيقوم كل من المعلمين‬
‫واألصدقاء ومقدمي الرعاية بأداء ذلك الدور‪ ،‬ولكن الطفل سيعود حتًم ا إلى االنعكاس في المرآة‬
‫بالصورة التي يعتقدها والداه عنه؛ كي يقرر مدى صالحه‪ ،‬وأهميته وجدارة نفسه‪.‬‬
‫وأركز في هذا الكتاب على مساعدتك على إنشاء مرآة جديدة؛ مرآة تعكس من أنت حًّقا مقارنة بكيف‬
‫عّر فك والداك أو غيرهما من مقدمي الرعاية األولية‪ ،‬وستكون قادًر ا من خالل عملية أسميها معالجة‬
‫المرآة على رفع احترامك لذاتك‪ ،‬وتحسين صورتك الذاتية (بما في ذلك صورة جسمك) وتهدئة‬
‫ناقدك الداخلي‪ ،‬والشفاء من عارك‪ /‬خجلك‪ /‬خزيك‪ ،‬وعلى الرغم من أن هذا البرنامج ُيسمى معالجة‬
‫المرآة‪ ،‬إال أنه ينطوي على أكثر بكثير من مجرد النظر في المرآة‪ ،‬وبالتأكيد إنه ال يقوم على الفكرة‬
‫المفرطة في التبسيط؛ المصورة في برنامج ‪ Saturday Night Live‬الهزلي القديم‪ ،‬في النظر إلى‬
‫المرآة وتكرار تأكيدات مثل‪« :‬أنا بخير تماًم ا»‪ ،‬و“أنا ذكي تماًم ا»‪ ،‬و“الناس يحبونني»‪ .‬وبداًل من‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه منهج شامل معتمد على مفاهيم وتقنيات‪ ،‬ومعتقدات وأساليب مهمة نفسًّيا‪.‬‬
‫أسمي برنامجي (معالجة المرآة) ألسباب عدة‪:‬‬

‫• المرآة ترمز إلى هويتنا‪.‬‬


‫• إن إلهمال الوالدين‪ ،‬واإلساءة العاطفين‪ ،‬والخنق العاطفي تأثيًر ا سلبًّيا (انعكاًسا) في تنمية هوية‬
‫الطفل ‪ -‬مفهومه للذات‪ ،‬وإحساسه بالذات‪ ،‬واحترام الذات‪.‬‬
‫• إن إلساءة الوالدين والحرمان العاطفي تأثيًر ا سلبًّيا في صورة جسم الطفل‪ ،‬ووعيه بجسده‪ ،‬من ثم‪،‬‬
‫فإن ما يراه الطفل (الحًقا‪ ،‬وعندما يكون بالًغا) عندما ينظر في المرآة يكون مشوًها‪.‬‬

‫• ُتوِج د إساءة الوالدين العاطفية عند الطفل ناقًدا أو قاضًيا داخلًّيا سلبًّيا‪ ،‬يعمل بوصفه عدسة مقعرة‬
‫تشوه الواقع‪.‬‬

‫• ُتعّد ممارسة االنعكاس جانًبا أساسًّيا من جوانب األبوة واألمومة‪ ،‬وهي ضرورية للغاية إذا أريَد‬
‫للطفل أن ينمو إلى بالغ بصحة جيدة مع إحساس قوي بالذات وتقدير عاٍل للذات‪.‬‬

‫• يشمل العالج بالمرآة تماريَن وممارسات باستخدام المرايا بوصفها مساعدات لتقليل الشعور‬
‫بالعار‪ ،‬وزيادة احترام الذات‪.‬‬
‫• يعكس‪ /‬يتمثل األطفال سلوك الوالدين‪.‬‬

‫تركز هذه الطريقة على كيف أن وجهة النظر أو الحكم السلبيين عند والدين مسيئين عاطفًّيا تحدد‬
‫صورة الطفل لذاته‪ ،‬وكيف أن اإلهمال يجعل الطفل يشعر بأنه ال قيمة له وغير محبوب‪ ،‬وكيف أن‬
‫الخنق العاطفي يؤدي إلى عدم قدرة الطفل على تكوين نفس مستقلة عن والديه‪ ،‬ومع أنني ابتكرت‬
‫عالج المرآة بشكل خاص للكثيرين الذين تعرضوا لإليذاء العاطفي أو اإلهمال عندما كانوا أطفااًل ‪،‬‬
‫إال أنه يمكن لهذه المعالجة أن تنجح مع أي شخص يعاني من تدٍّن في احترام الذات أو من صورة‬
‫ذاتية فقيرة‪ ،‬أو من ناقد داخلي قوي‪ ،‬أو مليء بالعار‪ ،‬ويشمل ذلك األشخاص الذين تعرضوا لإليذاء‬
‫الجسدي أو الجنسي‪.‬‬

‫وباعتماد المعلومات الواردة في هذا الكتاب‪ ،‬وإكمال التمارين‪ ،‬فلديك فرصة لرفض الصور‬
‫المشوهة لك التي تلقيتها من والديك المسيئين عاطفًّيا أو المهملين وإلى األبد‪ ،‬ولديك الفرصة‬
‫الستبدال هذه الصور المشوهة بصور أكثر دقة تعكس من أنت حقيقة‪ ،‬وأسمي هاتين العمليتين بـ‬
‫(تحطيم المرآة التي ورثتها عن أبويك) و)إنشاء مرآة جديدة) وأشجعك على اغتنام هذه الفرصة‪،‬‬
‫وبينما ال يمكنك عكس جميع األضرار الناجمة عن إساءة أو إهمال الوالدين‪ ،‬يمكنك استعادة الكثير‬
‫من اإلحساس بالطيبة‪ ،‬والقوة‪ ،‬والحكمة‪ ،‬وهذا هو حقك الطبيعي؛ أي حقك في الوالدة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجبات العالج بالمرآة‬

‫إضافة إلى التدريبات المختلفة في الكتاب برمته‪ ،‬أقدم لك أيًض ا واجبات للعالج بالمرآة في نهاية كل‬
‫فصل‪ ،‬وستساعدك هذه الواجبات على التركيز على المشاعر المهمة والقضايا التي قد تظهر وأنت‬
‫تقرأ الكتاب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫عالُج المرآة ‪1 #‬‬
‫خذ وقتك هذا األسبوع لمالحظة عدد مرات انتقادك لنفسك‪ ،‬سواء أكان ذلك بسبب عدم أدائك‬
‫بالطريقة المتوقعة‪ ،‬أو ألنك لست سعيًدا بالطريقة التي تبدو بها‪ ،‬والحظ أيًض ا عدد المرات التي‬
‫تشعر فيها بأنك مكشوٌف أو غير مستحق بالجدارة‪ ،‬أو خائف من أن اآلخرين سيكتشفون عيوبك أو‬
‫حقيقتك‪ ،‬وإن أحببت‪ ،‬سجل عدد مرات انتقادك لذاتك‪ ،‬وأنواع النقد التي تالحظها‪ ،‬وكم مرة تشعر‬
‫بالخزي‪ ،‬وما الذي يسبب ذلك الخزي‪ /‬العار‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 2‬أنماط المرايا األبوية السلبية السبع‬

‫«العصي والحجارة قد تكسر عظامي‪ ،‬لكن الكلمات لن تؤذيني أبًدا» هذا ما ُعلمته‪ ،‬وتلك كذبة أخرى‬
‫من بين عدة‪ ،‬فحقيقة األمر إن الكلمات تخترق األذن المصغية‪ ،‬وتستقر في الروح‪ ،‬وتحمل الكلمات‬
‫الكراهيَة والعاطفَة والحَّب والخوَف ؛ وللكلمات القدرة على الهدم كما البناء‪ ،‬ويمكن للكلمات الحادة‬
‫القاطعة أن تدور لسنوات بعد نطقها مثل شفرات جزازة العشب الدوارة‪.‬‬
‫‪ .Louise M. Wisechild, The Mother I carry‬لويز م‪ .‬وايزتشايلد‪ ،‬األم التي أحمل خالل‬
‫سنواتي الكثيرة من الممارسة والدراسة‪ ،‬الحظت سبعة أنماط شائعة من المرايا األبوية السلبية‪،‬‬
‫وتشمل هذه المرايا‪:‬‬
‫‪ .1‬مرآة (أنا ال يمكن أن ُأحب)‪ :‬عندما يكون الوالدان مهملين‪ ،‬أو ليس لديهما وقت لطفلهما‪ ،‬فإنهما‬
‫يرسالن الرسالة أن الطفل غير مرغوب فيه‪ ،‬أو ال يمكن حبه‪.‬‬
‫‪ .2‬مرآة (أنا بال قيمة)‪ :‬عندما يكون األطفال مهجورين جسدًّيا أو عاطفًّيا من ِقبل والديهم‪ ،‬فالرسالة‬
‫التي يتلقونها هي أن ال قيمة لهم‪.‬‬
‫‪ .3‬مرآة (أنا ال شيء من دون والدَّي )‪ :‬عندما يكون الوالدان مفرطين في حماية أطفالهما‪ ،‬أو‬
‫يحاصرانهم عاطفًّيا‪ ،‬فإنهما يرسالن رسالة مفادها أن أطفالهما ال حول لهم وال قوة من دونهما‪.‬‬

‫‪ .4‬مرآة (أنا عاجز)‪ :‬عندما يفرط اآلباء في السيطرة أو االستبداد‪ ،‬فإنهم يجعلون أطفالهم يشعرون‬
‫بالعجز‪.‬‬

‫‪ .5‬مرآة (أنا لست بخير أبًدا)‪ :‬عندما ينشد الوالدان الكمال‪ /‬المثالية‪ ،‬فإنهما يبعثان برسالة ألوالدهما‬
‫مفادها أنهم بال قيمة إن لم يرتقوا لتوقعات والديهم‪ ،‬و هو أمر نادر إن لم يكن مستحياًل ‪.‬‬

‫‪ .6‬مرآة (أنا سيئ) أو (أنا غير مقبول)‪ :‬عندما يستخدم الوالدان كلمات بذيئة‪ ،‬أو يكونان شديدي‬
‫االنتقاد‪ ،‬أو شديدي السخرية‪ ،‬فالرسالة التي يرسالنها إلى طفلهما هي أنه سيئ أو غير مقبول‪.‬‬

‫‪ .7‬مرآة (أنا ال يهمني)‪ :‬عندما يكون األبوان مفرطي االنغماس في ملذاتهما الشخصية أو نرجسيين‪،‬‬
‫فإن الرسالة التي يرسالنها ألطفالهما هي أن احتياجاتهم ليست مهمة‪ ،‬وال يكترثان بها‪.‬‬

‫سأتطرق في هذا الفصل إلى األنواع السبعة من اآلباء المسيئين والمهملين عاطفًّيا بالتفصيل‪ ،‬وسوف‬
‫أصف أيًض ا مرآة الوالدين التي يحملها كل واحد منهما‪ ،‬والضرر العاطفي الذي يسببه كل نوع من‬
‫أنواع األبوة واألمومة لصورة الطفل الذاتية واحترامه لذاته‪ ،‬وأنت تقرأ هذه األوصاف‪ ،‬الحظ أًّيا‬
‫منها هو األقرب لك‪ ،‬والحظ أن أحد والديك أو كليهما قد يقعان في أكثر من فئة واحدة‪ ،‬وربما تكون‬
‫قد عانيت من أكثر من نمط واحد من اإلساءة العاطفية‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إن اآلباء مفرطي‬
‫االنتقاد‪ ،‬غالًبا ما يكونون مثاليين أيًض ا‪ ،‬والحظ أيًض ا أن هناك أوجه تشابه بين بعض األنواع‬
‫المختلفة من اإلساءة العاطفية‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يمكن أن يكون لإلهمال والتخلي عن الطفل تأثير‬
‫مماثل فيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوالد المهمل أو غير المناسب



‫المرآة األبوية‪( :‬أنت غير محبوب)‬
‫على غير شاكلة أنواع إساءة معاملة األطفال األخرى‪ ،‬فإن للضرر الناجم عن اإلهمال أو اآلباء غير‬
‫المناسبين عالقة أكبر بما لم يفعاله‪ ،‬وليس بما فعاله بأطفالهم‪.‬‬
‫يتعلم الرضيع أنه مرغوٌب ومحبوٌب بمشاهدة وجوه والديه المبتسمة‪ ،‬وهما يحدقان بعشق في عينيه‪،‬‬
‫ويتعلم الطفل الصغير أنه محبوٌب من الطريقة التي يحب والده االنقضاض عليه وهو بين ذراعيه‪،‬‬
‫وبالطريقة التي تحب والدته احتضانه قريًبا من صدرها‪ ،‬وتتعلم طفلة ما قبل المدرسة أنها محبوبة‬
‫برؤية والدتها تبتسم وهي تبدأ باستكشاف العالم من حولها‪ ،‬وتتعلم طفلة في المدرسة االبتدائية أنها‬
‫محبوبة عندما يوبخها والداها لقيامها بشيء ما ال ينبغي أن تقوم به‪ ،‬ولكن بعد دقائق يسامحانها‬
‫عندما يشركانها في نشاط آخر أكثر مالءمة‪ ،‬وُيذّكر الطفل األكبر سًّنا بأنه محبوٌب ‪ ،‬عندما يتفاخر به‬
‫والداه أمام أجداده‪ ،‬على الرغم من أنه حصل على درجة متوسطة فقط في صحيفته المدرسية‪.‬‬

‫ويتعلم األطفال أنهم محبوبون من طريقة نظر والديهم إليهم‪ ،‬ومن خالل مدى رغبة والديهم في‬
‫احتضانهم وضمهم‪ ،‬وكيف يؤدبونهم‪ ،‬وعندما ال ُينظر إلى الطفل بعيون محبة‪ ،‬يبدأ في االعتقاد أنه‬
‫غير محبوب‪ ،‬وعندما يبدو أن والديه ال يريدان معانقته أو ضمه لصدرهما‪ ،‬فإنه يعتقد أنه يجب أال‬
‫يكون محبوًبا‪ ،‬وعندما ُتسحب عاطفة والديه عندما يفعل شيًئا ال يوافقان عليه‪ ،‬يؤمن أن حبه متوقف‬
‫على أفعاله وأعماله‪.‬‬

‫وعندما قابلت سوزان ألول مرة‪ ،‬صدمتني حركاتها اآللية‪ ،‬ووجهها الذي يفتقر إلى أي تعابير‪،‬‬
‫وعندما تحدثت بشكل واقعي عن سبب طلبها العالج‪ ،‬الحظت أيًض ا أن صوتها يبدو أنه يفتقر إلى أي‬
‫مشاعر‪ ،‬حتى قبل أن أعرف المزيد عن طفولتها‪ ،‬كان بوسعي مسبًقا حقيقة الجزم أنها تعرضت‬
‫لصدمة شديدة بطريقة ما‪ ،‬وأنه رًّدا على الصدمة‪ ،‬انغلقت عاطفًّيا‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن سوزان حجبت قدًر ا كبيًر ا من طفولتها‪ ،‬إال أننا في النهاية أمطنا اللثام عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وُأهملت سوزان بشدة عندما كانت طفلة‪ ،‬وعلمْت من أخت أكبر منها أنها كانت ُتترك وحيدة‬
‫في سريرها ساعات في كل مرة‪ ،‬عندما كانت طفلة صغيرة‪ ،‬ونادًر ا ما ُغيرت حفظاتها‪ ،‬وكثيًر ا ما‬
‫كانت تنام جائعة‪ ،‬وعندما كبرت سوزان‪ ،‬كان والداها يخرجان لياًل للشرب في كثير من األحيان‪،‬‬
‫ويتركانها وحيدة‪ ،‬وتذكرت أنه في مرات عدة لم يكن هناك طعام في المنزل‪ ،‬وكانت والدتها أكثر‬
‫اهتماًم ا بإسعاد والدها أكثر من العناية بأطفالها‪ ،‬ونادًر ا ما تتذكر سوزان أن والدتها عانقتها أو قّبلتها‪،‬‬
‫وكان والدها في بعض األحيان حنوًنا تجاه سوزان‪ ،‬ولكن عادًة فقط بعد تناوله بعض المشروبات‪،‬‬
‫ومن ثم كان يضعها في حضنه‪ ،‬ويدغدغها حتى تبكي‪.‬‬
‫وبوصف سوزان شخًص ا بالًغا‪ ،‬لم تكن قادرة على تجربة الحب الحقيقي‪ ،‬وكان لديها القليل من‬
‫األصدقاء وبعض األحباب‪ ،‬ولكنها لم تستطع االحتفاظ بعالقة طويلة‪ ،‬ووجدت أنه من المستحيل‬
‫الوثوق بالناس‪ ،‬ولم تستطع تصديق أن أي شخص يمكنه أن يهتم بها حًّقا‪ ،‬فلو كان شخص ما لطيًفا‬
‫معها‪ ،‬كانت تفترض أنه ال بَّد يريد شيًئا منها في المقابل‪ ،‬وكانت دائًم ا تجد طريقة إلبعاد الناس‬
‫عنها‪ ،‬إما باإلفراط في انتقادهم أو الترفع كثيًر ا عليهم‪ ،‬وبشكل عام‪ ،‬شعرت سوزان بالوحدة في‬
‫العالم‪ ،‬وكانت خائفة من أن تبقى وحيدة دائًم ا‪ ،‬وعرفت أن هناك شيًئا مفقوًدا بداخلها‪ ،‬وأنها في حاجة‬
‫ماسة إلى المساعدة‪.‬‬
‫وبإهمال والدة سوزان البنتها بهذه الطريقة القاسية‪ ،‬أرسلت إليها رسالة مفادها أنها غير محبوبة‪،‬‬
‫وألن األطفال يميلون إلى إلقاء اللوم على أنفسهم نتيجة إهمال آبائهم وسوء معاملتهم لهم‪ ،‬كان ذلك‬
‫االستنتاج الوحيد الذي يمكن أن تتوصل إليه سوزان‪.‬‬
‫وال يحتاج والداك إلى تجاهل احتياجاتك الجسدية كي تشعر باإلهمال‪ ،‬فإليك ما وصفت ميغان أمها‬
‫المهملة‪« :‬نادًر ا ما لمستني أمي وأنا أكبر‪ ،‬ولم تعانقني أو تحضني قط‪ ،‬ولم تمدحني أو تشجعني‪،‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬لم تهتم بي قط‪ ،‬وكنت مجرد حمل عليها ‪ -‬عبًئا حقيقًّيا ‪-‬شخًص ا كان من المفترض أن‬
‫تهتم به‪ ،‬شخًص ا كان من المفترض أن تحبه‪ ،‬ولكني ال أعرف إن كانت تعلم كيف تحب‪ ،‬وكانت‬
‫تعرف كيف تفعل ربة البيت األشياء‪ ،‬مثل الطبخ والتأكد من أن مالبسي نظيفة‪ ،‬ولكنها لم تهتم قط‬
‫بمشاعري أو احتياجاتي العاطفية»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اآلباء غير المناسبين‬

‫يتجاهل كثير من اآلباء أطفالهم؛ ألنهم ببساطة غير قادرين على أن يكونوا آباًء صالحين‪ ،‬وسيشعر‬
‫الشخص الذي يعاني من تدني احترام الذات‪ ،‬بالخوف وغير الكفاءة في أن يكون أًبا‪ ،‬وقد يكون خائًفا‬
‫جًّدا من أن يرتكب خطأ إلى درجة أنه يفضل أال يكون أًبا أو أًّم ا على اإلطالق‪ ،‬أو قد تخشى األم‬
‫فقدان حب أطفالها لدرجة أنها تصبح أيًض ا متساهلة جًّدا‪ ،‬وفي حاالت أخرى‪ ،‬قد يكون الوالد غارًقا‬
‫في احتياجاته الخاصة غير المحققة‪ ،‬أو مشكالته غير المحلولة‪ ،‬لدرجة أنه ال يمكنه التركيز على‬
‫أطفاله؛ حتى إنه قد ينظر بعضهم إلى أطفالهم بوصفهم مصدًر ا للدعم العاطفي‪ ،‬وغالًبا ما يفضي‬
‫الوالد غير المناسب وغير الناضج ألطفاله برسالة مفادها أنه في حاجة إليهم لتشجيعه وحمايته‪ ،‬أو‬
‫لرعايته وتعزيز شخصيته‪.‬‬
‫وقد كان هذا هو الحال مع جاكي‪ ،‬فعندما كانت في الخامسة من عمرها‪ ،‬كانت مسبًقا قد تولت بالفعل‬
‫دور الوالدة بالنسبة إلى أمها‪ ،‬وغالًبا ما كانت أم جاكي تبكي كثيًر ا ‪ -‬بسبب والد جاكي الذي طلقها‬
‫عندما كانت جاكي في الثالثة من عمرها ‪ -‬أو بسبب والدتها وطفولتها المهملة‪ ،‬وكانت جاكي تمسح‬
‫دموع والدتها‪ ،‬وتطمئنها أن األمور ستكون على ما يرام‪.‬‬
‫ومما زاد الطين بلة‪ ،‬أنه عندما كانت جاكي تبدي انزعاجها من أمها ( وهي محقة في ذلك؛ ألن‬
‫والدتها أهملتها كثيًر ا)‪ ،‬تبدأ والدتها في البكاء‪ ،‬وتقول أشياء مثل‪« :‬أعلم أنِك تعتقدين أنني أم فظيعة»‬
‫أو «أنِك تعاقبيني فقط ألنني ال أجعلك محط اهتمامي»‪ .‬وبسبب ذلك‪ ،‬بدأت جاكي تعتقد أن توقعها‬
‫بأنه ينبغي تحقيق احتياجاتها الخاصة بها هو ضرب من األنانية‪.‬‬

‫وقد كانت والدة جريج مثقلة تماًم ا بمتاعب الحياة‪ ،‬وبدا أنها لم تكن قادرة على العناية بنفسها من دون‬
‫زوجها أو دعم ابنها‪ ،‬وغالًبا ما كان والد جريج بعيًدا عن البيت؛ لكونه بائًعا متجواًل ‪ ،‬وكانت والدته‬
‫في الفراش معظم الوقت الذي كان فيه أبوه بعيًدا‪ ،‬تشكو من صداع شديد‪ ،‬وبداًل من االستيقاظ في‬
‫الصباح إلعداد فطور جريج‪ ،‬كانت تبتسم بلطف عندما يدخل غرفة نومها صباًح ا‪ ،‬وتطلب منه أن‬
‫يحضر لها كأًسا من الشاي وبعض الخبز المحمص‪ ،‬وحاول جريج تعويض قصور شخصية أمه‬
‫بحل مشكالتها‪ ،‬وكلما اشتكت لجريج من عدم قدرتها على النهوض ألداء األعمال المنزلية أو‬
‫الذهاب للتسوق‪ ،‬كان جريج يتطوع للقيام بذلك من أجلها‪ ،‬وكلما كانت قلقة من أن والده ربما كان‬
‫يتواصل مع نساء أخريات في أثناء عمله‪ ،‬كان جريج يطمئنها بأن والده يحبها‪ ،‬وأنه لن يفعل مثل‬
‫تلك األشياء‪ ،‬وعندما كانت قلقة من فقدان جمالها‪ ،‬كان يؤكد لها أنها جميلة‪.‬‬

‫وإن كثيًر ا من أطفال اآلباء المدمنين على الكحول مثقلون بطلب ‪ -‬منطوق أو غير منطوق ‪« :-‬اهتم‬
‫بي» ويجد هؤالء األطفال أنه من الضروري إيجاد األعذار لسلوك والديهم‪ ،‬ومساعدتهم عندما‬
‫يكونون في حالة سكر‪ ،‬ويسقطون‪ ،‬حتى أن يطلبوا لهم المساعدة الطبية‪.‬‬

‫وكانت ديانا أكبر طفل في عائلة مدمنة على الكحول‪ ،‬ومنذ أن كان عمرها سبع سنوات‪ ،‬كان والداها‬
‫يتركانها مسؤولة عن أشقائها الثالثة األصغر‪ ،‬ويذهبان إلى الحانة لياًل ‪ ،‬والحًقا‪ ،‬عندما كانت في سن‬
‫المراهقة‪ ،‬توقفت والدتها عن الشرب بسبب مشكالت طبية خطيرة‪ ،‬ومن ثم أصبحت مهمة ديانا‬
‫توصيل والدها إلى الحانة‪ ،‬وانتظاره حتى يخرج؛ حتى ال ُيخالف بقيادة السيارة وهو في حالة سكر‬
‫من ِقبل الشرطة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مرآة اآلباء المهملين التي يضعونها أمام أطفالهم‬


‫ال شك أنك شاهدت تقاريَر إخبارية عن أيتام في دول مثل المجر ورومانيا‪ ،‬يقفون أو يجلسون في‬
‫أسرتهم تهيمن عليهم عالمات الضعف واليأس‪ ،‬وإن كثيًر ا من هؤالء األطفال يدفعون بأسرتهم ذهاًبا‬
‫وإياًبا متأرجحين طلًبا إلراحة أنفسهم‪ ،‬وإن السبب وراء كونهم في مثل هذه الحالة السيئة هو ليس‬
‫أنهم ال يتلقون طعاًم ا مناسًبا؛ بل ألنهم ليسوا موضع حب وحنان‪ ،‬وإن رضيًعا أو طفاًل محروًم ا بشدة‬
‫من مشاعر الرعاية والحنان‪ ،‬على الرغم من االعتناء به جسدًّيا‪ ،‬يمكن أن يفشل في االزدهار‪،‬‬
‫وحتى أن يموت في النهاية؛ حتى إن هناك اسًم ا لهذه الحالة؛ حيث تسمى هذه الحالة الطبية الهزال‬
‫الشديد‪ ،‬والتنشئة الجسدية مهمة للغاية‪ ،‬ولكن حتى بعد أن تبنت عائالت أمريكية جيدة الرعاية هؤالء‬
‫األطفال‪ ،‬استمرت معاناة هؤالء األطفال من مشكالت خطيرة‪ ،‬مثل عجزهم عن تكوين رابطة‬
‫عاطفية مع والديهم‪ ،‬ورّدة الفعل الشديدة والغضب‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬وتدني احترام الذات جذرًّيا‪.‬‬
‫وعادة ما تؤدي األشكال األقل حدة من الحرمان العاطفي المبكر عند األطفال إلى أن يكبروا وهم‬
‫أطفال قلقون وغير آمنين‪ ،‬وبطيئون في تطوير أو امتالك احترام ذات متدٍّن ‪ ،‬ويميل الطفل المهمل‬
‫جسدًّيا أو عاطفًّيا إلى أن يكون إما أن يكون في حاجة شديدة أو دفاعًّيا للغاية‪ ،‬وقد يظهر إما سلوك‬
‫التشبث والتبعية‪ ،‬أو عدم القدرة على االرتباط العاطفي باآلخرين‪ ،‬كما كان الحال مع سوزان‪ ،‬وغالًبا‬
‫ما يؤدي إهمال الطفل إلى سلوك عدواني عند األطفال‪ ،‬ويستمر حتى مرحلة البلوغ إذا لم ُيعاَلج‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬التعرف إلى الطرق التي ُأهملت بها‬


‫ضع عالمة صح بجانب كل رقم يصف كيف ُعوملت من ِقبل والديك‪ ،‬أو مقدمي الرعاية اآلخرين‪،‬‬
‫والدي أو والداي‪:‬‬

‫‪ .1‬تجاهلتني أو لم تستجب الحتياجاتي‪ ،‬عندما كنت رضيًعا أو طفاًل صغيًر ا‪ ،‬بما في ذلك تركي في‬
‫سرير أو روضة األطفال مدة طويلة جًّدا أو لم تغير حفاظاتي‪.‬‬
‫‪ .2‬لم تطعمني أو أطعمتني طعاًم ا غير كاٍف أو غير مناسب الحتياجات الطفل الغذائية‪( .‬ال ينطبق‬
‫ذلك إذا كان والداك فقيرين)‪.‬‬
‫‪ .3‬أجبرتني على إطعام نفسي‪ ،‬قبل أن أتمكن من تناول الطعام الصلب أو قبل أن أتمكن من المضغ‬
‫أو الهضم بشكل صحيح‪.‬‬

‫‪ .4‬لم تزودني بالمالبس الكافية‪ ،‬مثل المعطف الدافئ في الشتاء‪.‬‬


‫‪ .5‬لم تحممني بانتظام أو تغسل مالبسي بانتظام‪.‬‬
‫‪ .6‬تجاهلت احتياجاتي الجسدية‪ ،‬ولم تزودني بالعناية الطبية أو العناية السنية عند الحاجة‪.‬‬

‫‪ .7‬لم تزودني برعاية جسدية‪ ،‬مثل الحضن‪ ،‬أو لم تهدئ من روعي‪ ،‬عندما كنت قلًقا‪.‬‬
‫‪ .8‬كثيًر ا ما تركتني وحدي أياًم ا أو أسابيع في رعاية اآلخرين‪.‬‬

‫‪ .9‬تركتني وحيًدا مع مشرف غير مسؤول أو مقدم رعاية مسيء‪.‬‬


‫‪ .10‬نسيت في أكثر من مناسبة أن تأخذني بعد مشاهدة فيلم في السينما أو بعد انتهاء دوام المدرسة‪.‬‬
‫‪ .11‬أجبرتني على العيش في مكان غير صالح للسكن (معرض للريح الباردة‪ ،‬أو غير نظيف‪ ،‬أو‬
‫غير آمن)‪.‬‬
‫‪ .12‬لم تنهض من فراشها لتلبية احتياجاتي‪.‬‬
‫‪ .13‬لم تسمح لي بمغادرة غرفتي أو منزلي مدة طويلة تمتد ساعات‪ ،‬أو أياًم ا‪ ،‬أو أسابيع‪.‬‬

‫‪ .14‬أهمالني؛ ألنهما كانا يتعاطيان الكحول أو المخدرات‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوالد الهاجر أو الرافض



‫المرآة األبوية‪« :‬أنت بال قيمة»‬
‫يتخلى بعض اآلباء عن أطفالهم جسدًّيا بالموت أو المرض مدًدا طويلة أو الطالق (حيث تغادر‬
‫المنزل ونادًر ا ما ُترى ثانية)‪ ،‬أو بنقلهم إلى مدرسة داخلية‪ ،‬ويتخلى آباء آخرون عن أطفالهم عاطفًّيا‬
‫(بعدم توافرهما عاطفًّيا‪ ،‬أو معاقبتهم بالصمت أو الرفض) وإن كال الشكلين من أشكال التخلي‬
‫مدمران للطفل‪ ،‬وعادة ما ُيحدث ذلك ندوًبا عاطفية ال تشفى من دون تدخل مهني‪.‬‬

‫ويعاني األطفال الذين تم التخلي عنهم جسدًّيا بشكل خاص؛ ألنهم غالًبا ما يشعرون وكأنه ال قيمة‬
‫لهم‪ ،‬وهذه هي الطريقة التي وصفت بها مراجعتي نانسي مشاعرها حيال هجر والديها لها‪« :‬شعرت‬
‫وكأن والدّي رمياني كالقمامة التي ال قيمة لها» فقد انفصل والدا نانسي عندما كان عمرها في السنة‬
‫الرابعة‪ ،‬وأرسالها للعيش مع جديها (فقط حتى يستقر كل منهما في منزله ووظيفته وحياته الجديدة)‬
‫وكانت جدتها صارمة للغاية‪ ،‬فافتقدت نانسي والديها بشكل رهيب‪ ،‬ولم تستطع فهم سبب تخليهما‬
‫عنها‪ ،‬وكانت والدتها تزورها بين حين وآخر‪ ،‬وتعدها دائًم ا بأخذها للعيش معها قريًبا‪ ،‬وفي كل مرة‬
‫تغادر أمها‪ ،‬كانت نانسي تشعر بأنها مهجورة من جديد‪ ،‬وكانت تحبس نفسها في غرفتها وتبكي‬
‫ساعات‪ ،‬فمن المؤكد أنها ارتكبت خطأ جعل والدتها تتخلى عنها بهذا الشكل (هذا ما كانت تتخيله)‬
‫وكان والدها يتصل من حين إلى آخر‪ ،‬ولكن كان لديه دائًم ا بعض األعذار تعيق زيارته لها‪،‬‬
‫وأصبحت نانسي مقتنعة بأن والديها رفضاها ألنها لم تكن ابنة جيدة‪ ،‬وأصبحت قلقة جًّدا؛ خوًفا من‬
‫أن ترفضها جدتها أيًض ا‪ ،‬وذلك جعلها تحاول جاهدًة أن تكون طفلة مثالية‪ ،‬ولكن ألن ذلك كان‬
‫مستحياًل ‪ ،‬فقد بدأت تشعر وكأنها مخلوقة فاشلة ال قيمة لها‪ ،‬كلما ارتكبت خطأ‪ ،‬أو خيبت أمل جدتها‪.‬‬

‫ويجد بعض اآلباء أن األبوة تتطلب الكثير أو أنها مهمة صعبة‪ ،‬فيجدون حاًّل لمعضلتهم بالتخلي عن‬
‫عبء األبوة واألمومة‪ ،‬بحيث يتركون أطفالهم وحيدين في رعاية جدة أو مربية أو جليسات‬
‫األطفال‪ ،‬أو يرسلونهم إلى مدرسة داخلية‪ ،‬أو التخلي عنهم لغيرهم‪ ،‬وغالًبا ما يبرر اآلباء الذين‬
‫يتخلون عن أطفالهم أفعالهم بالقول‪ :‬إن الطفل أفضل حااًل من دونهم أو في حالة المدرسة الداخلية‪،‬‬
‫فإن المدرسة توفر لهم أو عندها أفضل الفرص التي يمكن للمال توفيرها‪ ،‬ولكن نيتهم الحقيقية هي‬
‫التخلص من رعاية الطفل‪.‬‬

‫إن اآلباء الذين يهربون إلى الكحول أو المخدرات أو النوم أو التلفاز أو الكتب يتخلون أيًض ا عن‬
‫أطفالهم؛ ألنهم أساًسا غير موجودين عاطفًّيا‪ ،‬وقد أخبرتني جينيفر القصة المؤلمة عن شعورها‬
‫عندما ربتها أم منفصلة عنها عاطفًّيا‪« :‬بمنتهى السهولة لم تكن أمي حاضرة أبًدا؛ حتى لو كانت معي‬
‫في الغرفة نفسها‪ ،‬ما كنت أشعر بوجودها حقيقة‪ ،‬ومجرد أنني لم أستطع التواصل معها‪ ،‬عندما كنت‬
‫طفلة كان من المؤلم للغاية أن أكون بصحبتها؛ ألنني كنت أشعر دائًم ا بالفراغ والوحدة في‬
‫حضورها‪ ،‬ولم تهتم بأي شيء فعلته أو استمعت إلى أي شيء يجب أن أقوله‪ ،‬وكانت فقط تنظر إلي‬
‫بنظرة فارغة‪ ،‬عندما كنت أحاول التحدث معها‪ ،‬وكانت تذكرني أحياًنا بشكل من أشكال األشباح‬
‫الذين يرومون المكان‪ ،‬وكان رأسها منكًّبا في معظم األوقات على كتاٍب‪ ،‬في عالم خيالي ما‪ ،‬ومن‬
‫نواٍح كثيرة‪ ،‬أشعر وكأنه لم يكن لدي أم»‪.‬‬

‫وإن اآلباء المرتبطين بعملهم أو اهتماماتهم لدرجة أن ال وقت لديهم ألطفالهم هم يهجرونهم في‬
‫الحقيقة‪ ،‬وغالًبا ما يتخلى اآلباء عن أطفالهم؛ ألنهم غير قادرين أو غير راغبين في قضاء الوقت‬
‫معهم‪ ،‬وإن اآلباء الذين يعملون بمهن ُتبعدهم عن المنزل‪ ،‬مثل قيادة الشاحنات أو البائعين المتجولين‪،‬‬
‫غالًبا ما يكونون غير قادرين على الوفاء بمسؤولياتهم بوصفهم آباء‪ ،‬وعلى الرغم من أنه ال يمكن‬
‫إيجاد حل لذلك‪ ،‬فإن الهجر الذي يشعر به الطفل ليس بأقل مرارة أو حدة‪.‬‬

‫ويتخلى الكثير من اآلباء عن أطفالهم عند الطالق من والدة األطفال‪ ،‬وإنهم يخترعون كل أنواع‬
‫األعذار لقطع عالقاتهم مع أطفالهم‪ ،‬بما في ذلك أن والدتهم تطلب الكثير لدعم الطفل‪ ،‬أو أن األب في‬
‫حاجة إلى الخروج من المنطقة؛ بحًثا عن عمل مناسب‪ ،‬ولكن الحقيقة هي أن األطفال يشعرون‬
‫بالتخلي عنهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الهجر النفسي‪ :‬الرفض بوصفه هجًر ا‪.‬‬

‫بمنتهى السهولة ال يريد بعض اآلباء االنزعاج بأطفالهم‪ ،‬وتوضح أفعالهم ذلك بجالء‪ ،‬فكلما احتاج‬
‫طفلهم إلى مساعدة في واجباته المدرسية‪ ،‬أو مساعدة في اتخاذ القرار‪ ،‬أو االستماع إلى مشكالته‪،‬‬
‫ترد األم بشيء مثل‪« :‬أال ترى أنني مشغولة؟ فال تزعجني بهذه األشياء»‪ ،‬أو «اذهب واطلب من‬
‫والدك المساعدة»‪ ،‬أو حتى «ال أريد التعامل مع مشكالتك» وعندما يؤجل أحد الوالدين الطفل أو‬
‫ينقل المسؤولية إلى الوالد اآلخر‪ ،‬يشعر الطفل بعدم حب والديه له واهتمامهما به‪ ،‬وينقل آباء آخرون‬
‫هذه الرسالة نفسها بمهارة أكبر‪ ،‬بالسماح ألطفالهم أن يفعلوا ما يريدون‪ ،‬ولكن في تساهلهم هذا‪،‬‬
‫فإنهم ال يبدون االهتمام بأنشطة أطفالهم‪.‬‬

‫ويمكن للوالدين أيًض ا إظهار شعورهم تجاه الطفل بخطاياهم المتمثلة في اإلغفال‪ ،‬مثل نسيان يوم‬
‫ميالد الطفل‪ ،‬أو إهمال إعطائه الهدايا‪ ،‬أو شراء الهدايا التي من الواضح أنه ال يريدها‪ ،‬أو اإلخفاق‬
‫في اإلدالء بتعليقات إيجابية نحوه (وال سيما عندما يكون الطفل قد قام بأشياء رائعة)‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن قدًر ا كبيًر ا من التخلي األبوي غير مقصود‪ ،‬أو نتيجة ألوجه القصور أو األنانية‬
‫من جانبهم‪ ،‬إال أن بعض التخلي متعمد‪ ،‬حيث إن التقليل من شأن نجاح الطفل‪ ،‬أو قول شيء سلبي‬
‫عنه لشخص أثنى عليه للتو‪ ،‬قد يكون وسيلة إليذاء مشاعره عمًدا‪.‬‬
‫ويتخلى بعض اآلباء روتينًّيا عن أطفالهم بوصفه شكاًل من أشكال التأديب‪ ،‬مثلما يرد أحد الوالدين‬
‫على الطفل بـ (معاملة صامتة) عندما ال يوافق على ما يفعله‪ ،‬ويستخدم اآلباء الرافضون القوة‬
‫واألهمية تجاه أطفالهم للسيطرة عليهم‪ ،‬ويتعلق األطفال بوالديهم‪ ،‬ويعتمدون عليهم‪ ،‬لدرجة أن‬
‫فقدانهم لدعمهم يمكن أن يكون مدمًر ا‪.‬‬

‫وعندما كانت والدتي تغضب مني‪ ،‬كانت تتوقف روتينًّيا عن التحدث معي‪ ،‬فقد كنا نعيش في شقة‬
‫صغيرة جًّدا؛ لذا كان األمر صعًبا أال نقطع طريق بعضنا‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬كانت أمي تمُّر بي مباشرة أو‬
‫حتى تجلس في الغرفة نفسها دون النظر إلي أو تقول لي كلمة‪ ،‬ولو تحدثت معها‪ ،‬كانت تتجاهلني‪،‬‬
‫وفي بعض األحيان كانت ال تتحدث معي أياًم ا عدة‪ ،‬وكان علّي أن أتوسل من أجل غفرانها لما‬
‫ارتكبته من ذنب‪ ،‬ولكنها كانت تصُّر على عدم التحدث معي حتى تكون جاهزة‪ ،‬وقد جعلني هذا‬
‫السلوك أشعر بأنني مهجورة تماًم ا‪.‬‬

‫وقد استخدمت والدتي أيًض ا التهديد بالهجر للسيطرة علَّي ‪ ،‬عندما كنت أفعل شيًئا يزعجها‪ ،‬وكانت‬
‫تقول‪« :‬إن لم تحسبي لي حساًبا‪ ،‬فسأرسلك إلى الدير» وهذا تكتيك شائع يعتمده بعض اآلباء‬
‫الرافضين الهاجرين‪.‬‬

‫وفي ذروة الغضب أو اإلحباط يقول األب أو األم ألطفالهما أشياء‪ ،‬مثل‪« :‬لو عادت عجلة الزمن إلى‬
‫الوراء‪ ،‬فما كنت ألتزوج والدتكم (والدكم) وأنجبكم» ومع أنه يمكن للوالدين أحياًنا التفكير في مثل‬
‫هذه األشياء سًّر ا‪ ،‬إال أنه من المؤكد أنه يجب االحتفاظ بهذه األفكار طي الكتمان؛ ألن الطفل يفسرها‬
‫بشكل صحيح على أنها رفض مباشر‪ .‬يقول بعض اآلباء في الواقع أشياء من هذا القبيل؛ إليذاء‬
‫أطفالهم عمًدا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المرآة التي يضعها اآلباء الهاجرون والرافضون‬

‫يتغذى الطفل اآلمن على ثقته أن عالقته بوالديه قوية ودائمة‪ ،‬وأنه ال يوجد شيٌء يجعلهما يتخليان‬
‫عنه‪ ،‬وعندما ال يتحلى الطفل بهذا اليقين الداخلي‪ ،‬تنصبغ حياته به‪ ،‬وينزع األطفال الذين يتم التخلي‬
‫عنهم أو هجرهم روتينًّيا‪ ،‬سواء قصًدا أو بغير قصد‪ ،‬إلى المعاناة من انعدام األمن الشديد‪ ،‬ومشاعر‬
‫انعدام القيمة‪ ،‬وغالًبا ما يقلقون جًّدا عندما يغادر آباؤهم إلى مكان ما‪ ،‬مقتنعين أن والديهم لن يعودا‬
‫أبًدا‪ ،‬وغالًبا ما يستمر هذا الخوف وعدم األمان إلى مرحلة البلوغ‪ ،‬ما يؤدي إلى وجود بالغين غير‬
‫آمنين‪ ،‬يتشبثون بشركائهم البالغين أو يخشون أن يكونوا بمفردهم‪.‬‬

‫وكان هذا هو حال نينا‪ ،‬التي جاءت لرؤيتي؛ ألنها تعرضت لإليذاء الجسدي من ِقبل زوجها‪ ،‬كما هو‬
‫الحال مع الكثيرين من النساء اللواتي تعرضن لإلساءة‪ ،‬فقد بقيت نينا في العالقة مع زوجها؛ ألنها‬
‫كانت مذعورة من الوحدة‪« :‬أعلم أنني يجب أن أترك زوجي‪ ،‬ولكني خائفة جًّدا من أن أكون وحيدة‪،‬‬
‫فعلى األقل لدي اآلن شخص يحتاج إلي‪ .‬نعم‪ ،‬إنه متسلط وغيور‪ ،‬ولكن هناك شيء يعجبني فيه‪ ،‬فإنه‬
‫يجعلني أشعر بأنه يحب الوجود معي‪ ،‬ولم يفعل والداي ذلك أبًدا‪ ،‬فقد كانا دائًم ا يخرجان‪ ،‬ويتركاني‬
‫وحيدة مع جليسة أطفال‪ ،‬ولم أكن أعرف متى سيعودان‪ ،‬وأتذكر وأنا أراقبهما من النافذة األمامية‬
‫وهما يبتعدان بالسيارة‪ ،‬وأبكي بمرارة معتقدة أنهما لن يعودا أبًدا‪ ،‬حتى عندما كانا في المنزل‪ ،‬لم‬
‫أشعر أبًدا أنهما كان يستمتعان بكوني معهما‪ ،‬فبدا األمر وكأنهما كانا دائًم ا متسامحين معي‪ ،‬وكنت‬
‫دائًم ا أفعل ما يقلقهما أو يخيب أملهما»‪.‬‬
‫الهجر ُيحدث عدم األمان‪ ،‬والهوس بالذات‪ ،‬والميل لتوجيه الغضب نحو النفس‪ ،‬وتصور اآلخرين‬
‫مثاليين‪ ،‬وتتفاقم هذه المشاعر تحت السطح‪ ،‬حيث تتداخل مع الصورة الذاتية‪ ،‬وتكوين عالقات‬
‫صحية‪ ،‬ويميل الكبار الذين تم التخلي عنهم بوصفهم أطفااًل إلى االفتقار إلى الثقة للوصول إلى‬
‫إمكاناتهم الحقيقية‪ ،‬وإنهم يجدون صعوبة في تأخير المتعة‪ ،‬وضعف تقديرهم لذاتهم يجعلهم يلجؤون‬
‫إلى اإلصالح السريع (إنهم يأكلون كعكة الشوكوالتة؛ ألنهم في حاجة إليها اآلن‪ ،‬ومن ثم يفقدون‬
‫فرصة الحصول على الجسد الذي يرغبون فيه)‪.‬‬
‫ويمكن أن يؤدي الهجر أيًض ا إلى كراهية الذات‪ ،‬فقد كرهت تامي نفسها‪ ،‬وكرهت كيف تبدو‪ ،‬ولكنها‬
‫ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير‪ ،‬إذ كرهت حتى من كانت‪« :‬عندما أنظر في المرآة أشعر باالشمئزاز‪،‬‬
‫فببساطة‪ ،‬لم أستطع تحمل الشخص الذي أصبحت عليه» وقد جاءت تامي إلَّي ألنها كانت جارحًة‬
‫(شخص يعاني من اندفاع ال يمكن السيطرة عليه لجرح نفسه) وأظهرت األبحاث أن ‪ 50‬في المئة‬
‫من الجارحات قد تعرضن إلساءة جنسية؛ ولذا كان افتراضي الفوري أنه ربما كان هذا هو سبب‬
‫كراهية تامي لنفسها‪ ،‬ولكن بحسب ما استطاعت تذكره‪ ،‬أنها لم تتعرض لتحرش جنسي‪ ،‬فبداًل من‬
‫ذلك‪ ،‬يبدو أن سبب كراهيتها لنفسها يعود إلى شعورها العميق بالتخلي عنها من ِقبل والدها‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أن والد تامي كان يعود إلى المنزل من عمله كل يوم‪ ،‬ويقضي المساء مع عائلته‪ ،‬إال أن‬
‫تامي كانت تشعر بأنه هجرها بشكل مروع‪« :‬ال أتذكر أن والدي ضمني أبًدا» فهذا ما قالته في‬
‫إحدى جلساتنا‪« :‬في الواقع‪ ،‬نادًر ا ما نظر إلي‪ ،‬وعندما كنت أقترب منه كان يبتعد عني‪ ،‬كما لو أنه‬
‫ُص دم مني‪ ،‬ولقد وّلد ذلك عندي شعوًر ا قبيًح ا وفظيًعا للغاية عن نفسي‪ ،‬واعتقدت أنني يجب أن أكون‬
‫إنسانة مقرًفة جًّدا‪ ،‬حتى يبتعد والدي عني بهذه الطريقة المريعة»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اآلباء الخانقون عاطفًّيا‪ ،‬المتملكون‪ ،‬أو المتطفلون



‫المرآة األبوية‪« :‬أنت ال شيء من دوني»‬
‫يخنق هذا النوع من اآلباء أطفاله بالحماية المفرطة‪ ،‬بالذنب‪ ،‬وبالقواعد‪ ،‬والمطالب‪ ،‬وكثير منهم‬
‫مفرط في حب طفله واالهتمام به‪ ،‬ويستثمر اآلباء الخانقون بإفراط في أطفالهم‪ ،‬ويقدمون في كثير‬
‫من األحيان تضحيات والتزامات ضخمة من أجلهم‪ ،‬ولكنهم يتوقعون االستحواذ على روح الطفل‬
‫مقابل ذلك‪ ،‬وسيقومون‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬بأي شيء للتأكد من أن أطفالهم لن ُيجبروا على‬
‫االنفصال الضروري؛ عملية التفرد والحياة المستقلة‪ ،‬فإني أريدك كلك لنفسي هي الفكرة األساسية‪،‬‬
‫وإن المرآة التي يرفعها الوالدان الخانقان عاطفًّيا في وجه الطفل هي «أنت ال شيء من دوني»‪.‬‬

‫وقد فعلت والدة مارك كل شيء من أجله‪ ،‬فعندما كان طفاًل ‪ ،‬استمرت في تحضير طعامه حتى بعد‬
‫أن كان قادًر ا على ذلك بنفسه‪ ،‬وواصلت تنظيف غرفته جيًدا‪ ،‬حتى عندما كان في المدرسة الثانوية‪،‬‬
‫ولم ُيطلب منه أبًدا القيام بأي أعمال منزلية‪.‬‬
‫وكان والداه مفرطين في حمايته لدرجة خنقه‪ ،‬ولقد حذراه باستمرار من األخطار المحتملة في كل‬
‫مكان من حوله‪« :‬ال تذهب إلى المياه العميقة‪ ،‬وإال فستغرق»‪« ،‬ال تستخدم أبًدا مرحاًض ا عاًّم ا وإال‬
‫فستصاب بمرض» ولقد منعاه من التزلج على الجليد؛ ألنهما كانا خائفين من أن يسقط ويكسر إحدى‬
‫عظامه‪ ،‬ولم يسمحا له بنزع عجالت التدريب من دراجته حتى بلغ عمره سبع سنوات‪.‬‬

‫وإن هذه الحماية الزائدة حكمت على مارك بأن يصبح قليل اإلنجاز‪ ،‬عندما أصبح بالًغا‪ ،‬وأصبحت‬
‫وجهات نظر والديه السلبية عن الحياة نبوءة تتحقق بذاتها؛ وألن والدته فعلت كل شيء من أجله‪ ،‬لم‬
‫يتعلم أبًدا كيف يتحمل مسؤولية نفسه أو مسؤولية ممتلكاته‪ ،‬وكان افتقاره إلى معرفة البقاء محرًج ا‬
‫له‪ ،‬وكان يميل إلى إهمال صحته‪ ،‬ومظهره الجسدي‪.‬‬

‫وإن خنق الوالدين ألوالدهم عاطفًّيا وأحياًنا جسدًّيا يطمس هويتهم‪ ،‬ويمكن أن يكونوا متحكمين أو‬
‫متعجرفين أو بمنتهى السهولة حاضرين دائًم ا في حياة أطفالهم‪ ،‬وهذا الطمس ال يشجع على‬
‫االستقالل‪ ،‬ويولد تبعية غير صحية‪ ،‬ويمكن أن ُيحِدث أيًض ا موقًفا من اليأس والعجز من جانب‬
‫الطفل‪ ،‬وإذا ُأنجز كل شيء من أجلك‪ ،‬كما حدث في حالة مارك‪ ،‬أو إذا ُم نعت من تجربة األشياء‬
‫بنفسك‪ ،‬فكيف يمكنك معرفة ما أنت قادر على فعله؟‬

‫هناك أنواع عدة من اآلباء الخانقين والمتملكين‪:‬‬


‫• أولئك الذين محفزهم هو الخوف في المقام األول (الخوف من شيء سيئ قد يحدث لطفلهم) كما‬
‫حدث مع والدي مارك‪.‬‬
‫• أولئك الذين يحتاجون إلى السيطرة على أطفالهم‪.‬‬
‫• أولئك الذين يريدون ألطفالهم أن يفكروا‪ ،‬ويشعروا‪ ،‬ويفعلوا كما يفعلون هم أنفسهم‪.‬‬

‫• أولئك الذين ال يشعرون باالنفصال عن أطفالهم‪ ،‬ومن ثم ال يريدون ألطفالهم أن يكونوا مستقلين‬
‫عنهم‪.‬‬
‫• أولئك الذين يخشون من الوحدة‪ ،‬ومن ثم يحاولون ربط أطفالهم بهم‪ ،‬بجعلهم معتمدين عليهم‪.‬‬
‫• أولئك الذين يرون أطفالهم انعكاًسا ألنفسهم؛ اآلباء النرجسيون‪.‬‬

‫• أولئك الذين يستخدمون أطفالهم لتلبية احتياجات ينبغي إشباعها مع بالغين آخرين‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي يشعر فيه األشخاص الذين أهملوا أو هجروا بأنهم غير مرئيين‪ ،‬غالًبا ما يشعر‬
‫أولئك الذين تعرضوا لالختناق العاطفي بالعكس‪ ،‬ويميلون إلى الشعور بأنهم تحت عين فاحصة جًّدا‪،‬‬
‫لدرجة أنهم يرغبون في مكان لالختباء من نظرة والديهم الدقيقة الدائمة‪ ،‬وغالًبا ما تكون النظرة‬
‫نظرة والد غير موافق ينتظر ارتكاب ولده شيًئا خاطًئا‪ ،‬وفي أحيان أخرى‪ ،‬تكون النظرة نظرة والد‬
‫قلق يخشى أن شخًص ا ما أو شيًئا ما سيؤذي الطفل‪ ،‬ومهما كانت نية النظرة‪ ،‬فالنتيجة هي أن األطفال‬
‫الذين ُيخنقون عاطفًّيا أو ُتطمس هويتهم غالًبا ما يواجهون صعوبة في اكتشاف من هم بعيًدا عن‬
‫والديهم واالنفصال عن نظرة والديهم‪« :‬حتى عندما كنت بعيدة عن بصر أمي‪ ،‬فما زلت أشعر بها‬
‫تنظر إلّي » فهذا ما قالته مراجعتي سامانثا‪« ،‬كان األمر كما لو أن عينيها كانتا تالحقني أينما ذهبت‪.‬‬
‫حقيقة‪ ،‬فما زلت أشعر بتلك العيون تالحقني اليوم‪ ،‬وتحكم على كل حركة من تحركاتي»‪ .‬وأوضحت‬
‫مراجعة أخرى‪ ،‬مونيكا‪ ،‬األمر على النحو اآلتي‪« :‬يبدو األمر كما لو أن عيني هي عين أمي؛ أرى‬
‫كل شيء من سياق إن كانت ستوافق أو ال توافق على ما أفعله‪ ،‬أو إن كانت ستوافق على الشخص‬
‫الذي أنا بصحبته‪ ،‬فيبدو األمر كما لو أنني لست بمفردي أبًدا‪ ،‬وال يمكنني اتخاذ قراراتي‬
‫الخاصة‪،‬وال حتى أن أرتكب أخطائي أيًض ا»‪.‬‬

‫إن السبب وراء تجربة سامانثا ومونيكا للحياة بهذه الطريقة هو أن أمهما ثَّبطتا استقالليتهما‪ ،‬وكانت‬
‫اُألّم ان مفرطتين في االستثمار في أن تصبح ابنتاهما نسختين طبق األصل عنهما‪ ،‬وأرادتا منهما أن‬
‫يفكرا‪ ،‬ويشعرا‪ ،‬ويتصرفا بالطريقة التي يفعالنها؛ أي اختالفات اعُتبرت على أنها تهديد‪.‬‬
‫وغالًبا ما يواجه اآلباء الخانقون عاطفًّيا صعوبة في رؤية أطفالهم على أنهم مخلوقات بشرية‬
‫باحتياجاتهم ومشاعرهم الخاصة بهم‪ ،‬وغالًبا ما يفترضون أنهم يعرفون ما يحتاج إليه طفلهم‪،‬‬
‫ويصرون على معرفتهم بما يفكر فيه طفلهم‪ ،‬ويمكن لقراءة األفكار هذه أن تكون ضارة بشكل‬
‫خاص بالطفل؛ ألنها تجعله يشعر بالتطفل عليه‪ ،‬وتفصله عن عالمه الخاص‪ ،‬وهذه هي الطريقة التي‬
‫شرح بها مراجعي جوردان األمر‪« :‬كان والدي يعتقد دائًم ا أنه يعرف ما أفكر وأشعر به؛ فبداًل من‬
‫أن يسألني عما كنت أشعر به‪ ،‬كان يخبرني‪ ،‬وكنت أكره ما كان يقوم به‪ ،‬وكان األمر كما لو أنني لم‬
‫أستطع حتى امتالك أفكاري الخاصة من دون أن يتطفل عليها‪ ،‬وما كان يزعجني حًّقا أنه كان في‬
‫بعض األحيان مصيًبا‪ ،‬وكان ذلك يفزعني‪ ،‬وكان األمر كما لو كان لديه القدرة على قراءة أفكاري‪،‬‬
‫فما كان لدي أي مكان لالختباء منه»‪.‬‬
‫ويصر بعض اآلباء الخانقين عاطفًّيا على أن يتبنى أطفالهم قيمهم نفسها‪ ،‬وغالًبا ما ينطبق هذا على‬
‫اآلباء المتدينين جًّدا‪ ،‬ولكنه يحدث أيًض ا في منازل األشخاص الذين قدموا من بلدان أخرى‪ ،‬وحافظوا‬
‫على تقاليد بلدهم األصل‪ ،‬ولدَّي كثير من المراجعين من أوروبا وأمريكا الجنوبية والمكسيك الذين‬
‫كان آباؤهم مفرطين عاطفًّيا جًّدا‪ ،‬بما في ذلك مراجعتي لوب ‪ ،Lupe‬التي جاء والداها من وسط‬
‫المكسيك‪:‬‬
‫«تصرف والدي كما لو كان يملكني جسًدا وروًح ا‪ ،‬ولم يكن لدي مطلًقا أي رأي فيما أردُت فعله‪،‬‬
‫فكل شيء كان يقرره هو ما كان يراه مناسًبا لفتاة شابة‪ ،‬وعندما كنت صغيرة‪ ،‬كان علي ارتداء هذه‬
‫الفساتين المزخرفة التي كرهتها‪ ،‬وكنت دائًم ا عالقة في المطبخ مع أمي وعماتي‪ ،‬وما كان بإمكاني‬
‫اللعب في فناء الدار الخلفي األلعاَب التي كان ُيسمح إلخوتي بلعبها‪ ،‬ومع تقدمي في السن‪ ،‬لم يكن‬
‫لدي أي خيارات‪ ،‬قيل لي‪ :‬إنه علي االلتحاق بالمدرسة الثانوية الكاثوليكية‪ ،‬وإنه علي دراسة‬
‫مقررات دراسية محددة‪ ،‬وما كان بإمكاني االلتقاء مع الشباب حتى بلغت الثامنة عشرة من عمري‪،‬‬
‫وذلك فقط إذا اصطحبني أخي األكبر بوصفه مرافًقا»‪.‬‬

‫وعندما أنهت لوب المدرسة الثانوية‪ ،‬أرادت االلتحاق بالجامعة‪ ،‬ولكن والدها أصر على أنه ليس‬
‫لديهم ما يكفي من المال إلرسال فتاة إلى الجامعة‪ ،‬في الوقت الذي كان ال يزال لديهم ولدان آخران‬
‫قادمان‪ ،‬وحتى عندما حصلت لوب على منحة جامعية‪ ،‬أصر والدها على بقائها في المنزل؛ لرعاية‬
‫جدتها المريضة‪ ،‬فأطاعت لوب والدها بهدوء‪« :‬أعلم أن الفتيات األمريكيات كن سيقاتلن من أجل ما‬
‫يردن‪ ،‬ولكن بمنتهى السهولة ال يمكنِك عدم طاعة والدك‪ ،‬فذلك ليس في ثقافتنا‪ ،‬ولو قمت بذلك‪ ،‬لكان‬
‫ذلك يعني أنني لم أحب والدي‪ ،‬وأنني انقلبت على كل ما تربيت على اإليمان به»‪.‬‬

‫وعندما أتت لوب لرؤيتي أول مرة كانت في الخامسة والعشرين من عمرها‪ ،‬وقد وقعت في حب‬
‫رجل أبيض‪ ،‬وكانت تعلم أن والدها لن يقبله أبًدا‪« :‬أنا أعرف ما علي فعله؛ علّى أن أقول‪ :‬وداًعا إلى‬
‫توم‪ ،‬أتمنى لو أنني لم أحبه إلى تلك الدرجة‪ ،‬ولقد حاولت االبتعاد عنه‪ ،‬لكننا نعمل مًعا‪ ،‬ورؤيته كل‬
‫يوم تسبب لي ألًم ا ال يمكنني تحمله‪ ،‬ولكن ال يمكنني إيذاء والدي بهذا الشكل‪ ،‬فببساطة ال أستطيع‬
‫ذلك»‪.‬‬
‫سيكون هذا وضًعا صعًبا ألي شخص‪ ،‬ولكن بالنسبة إلى شخص لم ُيسمح له قط باتخاذ خياراته‬
‫بنفسه‪ ،‬فإن ذلك كان مهمة شاقة للغاية‪ ،‬وبدأت لوب تعاني من آالم َم ِع دية مروعة‪ ،‬وكانت تتغيب‬
‫كثيًر ا عن العمل بسبب ذلك‪« :‬أظن أنني سأضطر إلى ترك وظيفتي‪ ،‬وبهذه الطريقة لن أضطر إلى‬
‫رؤية توم‪ ،‬فال أعرف إن كان بوسعي القيام بأي شيء آخر» فلم يخطر ببال لوب أن صحتها كانت‬
‫تتدهور بسبب عدم قدرتها على مواجهة والديها وفعل ما هو مناسب لها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوالد المستملك‬

‫يريد الوالد المستملك السيطرة على طفله وامتالكه واستهالكه‪ ،‬ويبدأ ذلك عندما يكون طفله رضيًعا‪،‬‬
‫يفرط في حمايته‪ ،‬بحيث يحتضنه قريًبا جًّدا منه‪ ،‬لدرجة أن الطفل قد يشعر باالختناق‪ ،‬وعندما يصل‬
‫الطفل إلى السن التي يريد أن يبدأ فيها استكشاف العالم منفصاًل عن والديه‪ ،‬يشعر الوالد المستملك‬
‫بالخطر‪ ،‬ويتمسك بطفله بشكل أكبر‪ ،‬ويمكن أن تستمر حاجة االستمالك هذه طوال وقت الطفولة‪ ،‬ما‬
‫يجعل الوالد يشعر بالغيرة من أي شيء‪ ،‬وأي شخص يهدد بسلبه الطفل‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قد ُيثِّبُط‬
‫الوالُد طفله من تكوين صداقات مع رفاقه في اللعب بالعثور دائًم ا على خطأ في كل واحد منهم‪ ،‬وبداًل‬
‫من البدء في تخفيف اللجام قلياًل مع نمو الطفل وكونه أكثر نضًج ا‪ ،‬قد يصبح الوالد أكثر صرامة‪،‬‬
‫وأكثر إصراًر ا دائًم ا على معرفة إلى أين يذهب طفله وبصحبة من‪ ،‬وعندما يبدأ الشاب في االهتمام‬
‫بمواعدة الجنس اآلخر‪ ،‬قد يشعر الوالد المستملك بأنه مهدٌد بشكل كبير‪ ،‬وإما أن يمنع ابنه من‬
‫المواعدة أو أن يجعله يشعر بأنه ال يوجد أحد طيب لدرجة تناسبه‪.‬‬

‫ويصبح بعض اآلباء وأزواج األمهات مستملكين جًّدا لبناتهم‪ ،‬وقد يتأتى ذلك عن اإلحجام عن‬
‫االعتراف بأن (ابنتهم الصغيرة) سوف تكبر‪ ،‬وتتزوج يوًم ا ما‪ ،‬ولكن في أوقات أخرى‪ ،‬قد يتأتى‬
‫ذلك من حقيقة أن األب يثار جنسًّيا برؤية ابنته‪ ،‬وال يريد أي رجل آخر التزوج بها‪ ،‬وعادة ما يمنع‬
‫هذا النوع من اآلباء ابنته من المواعدة‪ ،‬ويصيبه الذعر إذا ارتدت أي شيء يشعر بأنه يكشف عن‬
‫أدنى جزء من جسمها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫سفاح القربى العاطفي‬


‫يصبح بعض اآلباء اآلخرين ما يسمى عاطفًّيا بسفاح القربى مع أطفالهم‪ ،‬ويحّن هؤالء اآلباء بشدة‬
‫إلى حب أطفالهم واالهتمام بهم‪ ،‬ورسالتهم إلى أطفالهم‪ ،‬على الرغم من أنها عادة ما تكون غير‬
‫معلنة‪ ،‬هي‪« :‬قبل كل شيء‪ ،‬كن دائًم ا متاًح ا لي» وغالًبا ما يحاول اآلباء المطلقون أو األرامل‬
‫االستعاضة عن الزوج المفقود بطفلهم‪ ،‬وإذا عامل أحد الوالدين طفله مثل محظوظ أو محظوظة بداًل‬
‫من الحفاظ على عالقة الوالدين ‪ /‬الطفل‪ ،‬فهذا شكل من أشكال سفاح القربى العاطفي‪ ،‬وليس من دور‬
‫الطفل أن يجعل الوالدين يشعران بالرضا أو اإلصغاء إلى مشكالتهم‪.‬‬
‫ويلجأ آباء سفاح القربى إلى أطفالهم إلرضاء حاجات ينبغي إشباعها بالتفاعل مع أشخاص بالغين‬
‫آخرين‪ ،‬وبالتحديد العالقة الحميمة والرفقة‪ ،‬واإلثارة الرومانسية‪ ،‬والمشورة‪ ،‬وحل المشكالت‪،‬‬
‫وتحقيق الذات‪ ،‬و ‪ /‬أو الفضفضة العاطفية‪.‬‬

‫وقد يتخذ سفاح القربى العاطفي أشكااًل عدة‪ ،‬فعلى أحد طرفي الطيف‪ ،‬يعامل الوالد الطفل مثل رفيق‬
‫أو نظير‪ ،‬فإما يصبح الوالد نفسه شبيًه ا بالطفل‪ ،‬وقد يتدخل في أمور طفله االجتماعية (برغبته في‬
‫التسكع مع أصدقاء الطفل) أو يتوقع من الطفل التصرف كصديق بالغ يتحدث معه عن قضايا‬
‫البالغين ومشاعرهم‪ ،‬وقد (يفرغ‪ /‬يحول) شحنته عاطفًّيا إلى طفله بالحديث عن مشكالته إليه‪ ،‬وقد‬
‫يشمل ذلك الشكوى إلى الطفل عن الوالد اآلخر‪ ،‬وفي بعض األحيان يحول كال الوالدين شحنتهما‬
‫العاطفية بطريقة تضع الطفل في المنتصف‪.‬‬
‫وعلى الطرف اآلخر من الطيف‪ ،‬يلجأ الوالد إلى طفله من الجنس اآلخر؛ طلًبا لعالقة حميمة‬
‫وصحبة عادة ما ُيتوقع وجودها في عالقة رومانسية‪ ،‬وغالًبا ما يكون هناك غزل‪ ،‬وإغراء‪ ،‬وفي‬
‫كثير من الحاالت‪ ،‬ممارسة جنسية خفية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫المرآة التي يضعها اآلباء الخانقون عاطفًّيا أمام أوالدهم‬

‫ال يسمح اآلباء الخانقون أو المستملكون ألطفالهم بالمساحة الضرورية ألن ينُّم وا شخصيتهم الخاصة‬
‫بهم ويطوروها‪ ،‬وألنهم ال يسمحون ألطفالهم باالنفصال عنهم‪ ،‬فإنهم يقيدون ويحدون من قدرة‬
‫أطفالهم على صنع شيء ما ألنفسهم في العالم‪ ،‬وألن األطفال البالغين من اآلباء الخانقين عاطفًّيا‬
‫قلقون للغاية حول تعرض والديهم للدمار عند مغادرتهم المنزل‪ ،‬فالكثير منهم ال يفعل ذلك‪ ،‬وغالًبا ما‬
‫يبقى أولئك الذين يغادرون المنزل جسدًّيا مرتبطين

‫عاطفًّيا بوالديهم‪.‬‬
‫وقد قام والدا دونا بثنيها عن مغادرة المنزل بتحذيرها من كل األخطار التي قد تتعرض لها الشابات‪،‬‬
‫وكان أبوها يقرأ على مسامعها كل مساء بعض قصص الرعب في الجريدة المحلية عن امرأة ُفقدت‬
‫أو تعرضت لالغتصاب‪ ،‬وأكد والداها أن ليس من شأن الفتيات الصغيرات الخروج إلى نوادي‬
‫الرقص‪« :‬تبحث هؤالء الفتيات الصغيرات عن المتاعب»‪ ،‬هذا ما يقوالنه لها‪ ،‬وحقيقة‪ ،‬فقد امتلكت‬
‫دونا الشجاعة لالنفصال عن والديها‪ ،‬عندما كانت في الثانية والعشرين من عمرها مباشرة بعد‬
‫تخرجها من الكلية‪ ،‬ووجدت هي وصديقتها ماري شقة مًعا‪ ،‬ولكنها سرعان ما شعرت بأنها مضطرة‬
‫إلى العودة إلى المنزل‪« .‬كانت ماري تخرج كل ليلة تقريًبا‪ ،‬وشعرت بالوحدة والخوف في تلك الشقة‬
‫وحيدة تماًم ا‪ ،‬وحاولْت إخراجي معها إلى النوادي‪ ،‬ولكني لم أحب ذلك حًّقا‪ ،‬إذ كنُت أعرف أن‬
‫والدي ال يحب ذهابي إلى هناك‪ ،‬وأن ذلك سيجعل والدَّي يقلقان علّي ‪ ،‬الى جانب ذلك‪ ،‬قال لي‬
‫والدي‪ :‬إن أمي أصيبت باالكتئاب منذ أن غادرت المنزل»‪.‬‬
‫يفترض الوالد الخانق عاطفًّيا أن أخطاء طفله ستحيط به مدى الحياة‪ ،‬ولذا يحاول إدارة حياة طفله‬
‫بطريقة يقبل بها الطفل مواقف والديه من العالم‪ ،‬ولقد رأينا هذا يحدث مع لوب في وقت سابق من‬
‫هذا الفصل‪ ،‬والمشكلة هي أن سلوك الوالدين يمنع الطفل البالغ من تطوير مواقفه ومعتقداته‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أن الوالد الخانق عاطفًّيا قد يحاول فقط حماية طفله من األذى وخيبة األمل‪ ،‬إال أن‬
‫محاوالته قد تؤدي في الواقع إلى إصابة الطفل بالشلل العاطفي الحًقا في الحياة‪ ،‬ما يجعله يخاف من‬
‫المغامرة بمفرده‪ ،‬أو تجربة أي أشياء جديدة‪.‬‬

‫إذا توّح د الطفل مع موقف والديه المفرط في الحماية‪ ،‬كما رأينا في مثال مارك‪ ،‬سيعيش حياته في‬
‫خوف‪ ،‬ومحكوم عليه بقلة اإلنجاز‪ ،‬وإذا كان غير قادر على المخاطرة خوًفا من األذى‪ ،‬لن يختبر‬
‫أبًدا فرحة اإلنجاز وفخر الوصول إلى تحقيق طموحاته‪ ،‬وسوف يجعله ذلك يشعر حتًم ا وكأنه فاشل‪،‬‬
‫ويعاني من تدٍّن في احترام الذات‪ ،‬وعندما يبّث اآلباء عدم الثقة في قدرة أطفالهم على التعايش مع‬
‫العالم‪ ،‬أو يحذرونهم باستمرار كيف أن الناس غير جديرين بالثقة‪ ،‬فإنهم غالًبا ما ُيوِج دون نبوءة‬
‫متحققة بذاتها‪ ،‬ينمو فيها الطفل غارًقا في انعدام األمن‪ ،‬أو توقع أن تخيب الناس آماله‪ ،‬أو يؤذوه‪ ،‬أو‬
‫يستغلوه‪.‬‬

‫وألن احتياجات والديهم تلغي احتياجاتهم‪ ،‬فغالًبا ما يكون األطفال البالغون آلباء خانقين عاطفًّيا أو‬
‫مستملكين غير قادرين على اكتشاف احتياجاتهم الخاصة‪ ،‬ويكبر الكثيرون ليقبلوا سلبًّيا حتى السلوك‬
‫غير المقبول بداًل من تأكيد أنفسهم‪ ،‬وينتهي المطاف بكثير ممن خنقوا بهذه الطريقة إلى أن يتحكم‬
‫فيهم آباؤهم‪ ،‬أو رؤساؤهم في العمل‪ ،‬أو غيرهم من األشخاص المهمين في حياتهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوالد المتحكم والمستبد بإفراط



‫المرآة األبوية‪« :‬أنت عاجز»‬
‫لورين امرأة جذابة بعيون كبيرة سوداء‪ ،‬وبشرة نقية‪ ،‬وثغر فاتن‪ ،‬وقد ُاعتبرت ذات مرة أنها جذابة‬
‫جًّدا‪ ،‬ولكنها اآلن تعاني من زيادة وزن كبيرة‪ ،‬ولكن الشيء األبرز في لورين هو أنها تتحدث‬
‫وتتصرف كفتاة صغيرة‪ ،‬ومع أنها تبلغ أربعين عاًم ا تقريًبا‪ ،‬إال أنها سلوكاتها هي سلوكات طفل‬
‫صغير‪ ،‬ومع أنها ذكية جًّدا‪ ،‬فغالًبا ما تبدو مرتبكة‪ ،‬وال تستطيع بسهولة فهم تعليمات رؤسائها في‬
‫العمل‪ ،‬وذلك الذي كلفها أكثر من وظيفة‪ ،‬فلماذا تتصرف لورين بالطريقة التي تتصرف بها؟ إنها ال‬
‫تزال تعاني من اإلساءة العاطفية التي تعرضت لها‪ ،‬عندما كانت طفلة على يدي والدتها‪.‬‬
‫وعندما كانت لورين طفلة‪ ،‬كان يتوقع منها التصرف كشخص بالغ‪ ،‬فقد أصرت والدتها على أن‬
‫تتحمل هي وأخواتها مسؤولية تنظيف المنزل بأكمله في أثناء وجود األم في العمل‪ ،‬ولم يكن ذلك‬
‫أمًر ا سيًئا‪ ،‬لوال أن والدتها كانت تسعى إلى الكمال؛ إذ لم يكن بوسع الفتيات فعل أي شيء بالشكل‬
‫الصحيح وفًقا لمعايير األم‪ ،‬وتتذكر لورين ذات مرة‪ ،‬عندما طالبتها والدتها بتنظيف أرضية المطبخ‪،‬‬
‫على الرغم من أن عمرها كان ست سنوات فقط‪.‬‬
‫وكالعادة‪ ،‬عندما عادت والدتها إلى المنزل من العمل فحصت المنزل؛ بحًثا عن أي شيء في غير‬
‫محله أو غير مرتب‪ ،‬وعندما وجدت آثار بقع قاسية على أرضية المطبخ‪ ،‬انفجرت غاضبة‪،‬‬
‫وصرخت على لورين‪ ،‬واصفة إياها بـ «الفتاة الغبية التي ال تصلح لشيء‪ ،‬وال يمكنها أبًدا فعل أي‬
‫شيء بالشكل الصحيح» فشعرت لورين باإلذالل‪ ،‬وأخبرت والدتها بأنها حاولت وحاولت ولكنها لم‬
‫تكن قادرة على إزالة آثار البقع‪ ،‬ومع أن وقت نوم لورين كان قد فات‪ ،‬إال أن أمها أصرت على أن‬
‫تقوم بتنظيف األرضية حتى تختفي العالمات تماًم ا‪ ،‬فاستغرق األمر ساعات‪ ،‬ولم تختِف العالمات‬
‫إال بعد أن ازرقت أصابع لورين‪ ،‬وكانت تنزف‪.‬‬

‫وال تزال لورين تتذكر كيف كانت تشعر بالعجز واإلحباط‪ ،‬وهي تحاول يائسة إزالة آثار البقع‪،‬‬
‫وكلما طلب منها رئيسها اليوم أن تفعل شيًئا ما‪ُ ،‬تصاب بالذعر‪ ،‬فإنها خائفة جًّدا من ارتكاب أي خطأ‬
‫في أثناء فعل أي شيء‪ ،‬لدرجة أنها تتجمد خوًفا‪ ،‬وتبدو غير قادرة على التحرك‪ ،‬ويستغرق األمر‬
‫منها دقائق عدة للعودة إلى وعيها‪ ،‬وبمرور ذلك‪ ،‬تكون قد نسيت ما طلب منها رئيسها القيام به‪.‬‬
‫المرآة التي رفعتها والدة لورين في وجهها قادتها إلى االعتقاد أنها كانت عاجزة وغير قادرة على‬
‫فعل أي شيء بشكل صحيح‪ ،‬فذلك منع لورين من تطوير كفاءة احترام الذات اإليجابية‪ ،‬وإن ذلك‬
‫أعاق نموها العاطفي‪ ،‬وتركها تشعر وكأنها طفلة دائًم ا‪ ،‬تطغى عليها شخصيات السلطة والمسؤولية‪.‬‬
‫ولدى الوالد المستبد أسلوب تربية قاٍس وغير مرن‪ ،‬وغالًبا ما ُيتوقع من كل فرد من أفراد األسرة‪،‬‬
‫بما في ذلك الزوج‪ ،‬الطاعة العمياء‪ ،‬وتنفيذ األوامر‪ ،‬بغض النظر عن درجة سوئها‪ ،‬وعادة ما يؤمن‬
‫هذا النوع من اآلباء بقوة القواعد والطاعة‪ ،‬وأن سلطة الوالدين يجب أال تكون أبًدا موضع تساؤل‪،‬‬
‫ويحاولون السيطرة على أبنائهم بشكل كامل‪ ،‬فإنهم يشعرون بالحاجة إلى السيطرة على اآلخرين من‬
‫أجل الشعور بالقوة واألهمية‪.‬‬

‫وفي بعض األحيان تملي الكماليُة هذا السلوك المسيطر‪ ،‬كما كان الحال مع والدة لورين‪ ،‬وفي أوقات‬
‫أخرى‪ ،‬يكون حافز اآلباء هو الحاجة المطلقة إلى السيطرة؛ غالًبا ألنهم كانوا عرضة للهيمنة من ِقبل‬
‫والديهم‪ ،‬وغالًبا ما يمررون السلوك نفسه ألطفالهم‪ ،‬والتنفيس عن الغضب الذي لم يستطيعوا التعبير‬
‫عنه أمام والديهم‪.‬‬

‫ويسمع الطفل الذي يكبر مع أحد الوالدين المتحكمين بشكل مفرط واباًل من األوامر والتعليمات‬
‫واالقتراحات حول أي شيء وكل شيء‪ ،‬بما في ذلك األطعمة التي يجب تناولها‪ ،‬وكيفية تناولها‪،‬‬
‫والمالبس التي يجب ارتداؤها‪ ،‬وما هي المقررات التي يجب أن يدرسها في المدرسة‪ ،‬أو أَّي نوع‬
‫من األشخاص يجب أن يرتبط به عاطفًّيا‪.‬‬

‫ويشعر كثير من األطفال بالخوف الشديد من أمزجة آبائهم‪« :‬كان مزاج والدي يتقلب باستمرار»‪،‬‬
‫كما أخبرني مراجعي تيرون في جلسته األولى‪« ،‬نكون على ما يرام‪ ،‬ثم فجأة‪ ،‬من دون أي سبب‬
‫واضح‪ ،‬كان ينفجر ويصرخ في وجهي حول شيء ما‪ ،‬ثم يصر على أن أفعل شيًئا غبًّيا‪ ،‬مثل‬
‫الخروج وقص العشب‪ ،‬على الرغم من أنه يكون قد ُقَص قبل أيام قليلة فقط»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المرآة التي يضعها اآلباء المستبدون والمسيطرون‬

‫سيشعر األطفال الذين يكبرون مع والد طاغية بالضعف من لقاءاتهم مع والديهم‪ ،‬وسيعانون حتًم ا من‬
‫ندبات عاطفية عميقة نتيجة التجربة‪ ،‬وعلى شاكلة لورين‪ ،‬سوف يشكون في قدراتهم‪ ،‬وقد يشعرون‬
‫بضغط ال يطاق‪ ،‬عندما ُيطلب منهم فعل شيء ما‪ ،‬وال سيما عندما يطلب ذلك أحد الشخصيات‬
‫المسؤولة‪ ،‬وغالًبا ما يشعرون بالغباء‪ ،‬وعدم الكفاءة‪ ،‬وعدم القدرة‪ ،‬وهذه المشاعر عادة ما تثنيهم عن‬
‫تجربة أشياء جديدة أو ركوب األخطار‪.‬‬

‫البريد اإللكتروني اآلتي هو مثال عن كيف يمكن للوالدين المتحكمين تحطيم روح الطفل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫عزيزتي بيفرلي‪،‬‬
‫لقد قرأت كتابك (المرأة المعنفة عاطفًّيا) وتعلمت الكثير منه‪ ،‬وأنا امرأة في الثامنة والعشرين من‬
‫عمري‪ ،‬وما زلت أعيش مع والدَّي ‪ ،‬ووالدتي مسيئة لفظًّيا‪ ،‬ووقعت حادثة اعتداء جسدي واحدة علي‬
‫أيًض ا‪ ،‬وأشعر بالعار الشديد؛ ألنني ما زلت أعيش في المنزل وأنا في هذا العمر‪ ،‬ولكن ليس لدي ما‬
‫يكفي من المال بعد دفع فواتيري الشهرية للتوفير الجاد للخروج‪ ،‬وتركت الكلية قبل عام ألسباب‬
‫شخصية ومالية‪ ،‬ويشعر والداي بخيبة أمل شديدة؛ ألنني لم أكمل دراستي‪ ،‬ويذكراني بذلك كثيًر ا‪،‬‬
‫فقد تركت الكلية ألن عدم تركها يعني ترك وظيفتي واالعتماد على والدي بشكل أكبر‪.‬‬

‫ويستمر الوضع في التدهور‪ ،‬وال أستطيع تحمل وجودي مع والدّي ‪ ،‬وطوال حياتي وأنا أشعر‬
‫بالنقص‪ ،‬فأريد أن أغادر‪ ،‬ولكن ليس لدي المال‪ ،‬وأشعر أنه لم يعد بوسعي تحمل المزيد‪ ،‬ولكن‬
‫والدّي يقوالن‪ :‬إن استمعت إليهما‪ ،‬فإن حياتي ستكون أفضَل ‪ ،‬فهل هما على حق؟‬

‫ومثلما يمكن للقوة الجسدية المفرطة أن تكسر عظام الطفل‪ ،‬يمكن للسيطرة المفرطة أن تحطم روح‬
‫الطفل‪ ،‬وتمزق نفسيته‪ ،‬ويمكن أن تسبب تشظي الذات‪ ،‬ما يجعل الطفل يتبرأ من بعض أجزاء نفسه‪،‬‬
‫ويضخم أخرى‪.‬‬

‫وغالًبا ما يصبح األطفال الذين يكبرون مع والد مستبد شديدي اليقظة‪ ،‬كما يشير إليه المتخصصون‪،‬‬
‫ما يعني أنهم يطورون قدرات غير عادية على مالحظة أي عالمات تحذير عن هجوم وشيك‪،‬‬
‫ويتعلمون التعرف إلى التغييرات الطفيفة في تعابير الوجه‪ ،‬والصوت‪ ،‬ولغة الجسد عند اآلخرين‬
‫بوصفها إشارات عن الغضب والسكر‪ ،‬واإلهمال أو اإلثارة الجنسية‪ ،‬وعندما يشعرون بالخطر‪،‬‬
‫يحاولون حماية أنفسهم إما بالتجنب أو استرضاء الشخص اآلخر‪ ،‬وإضافة إلى ذلك‪ ،‬عادًة ما يحمُل‬
‫األطفال الذين يعانون من والد مستبد قدًر ا كبيًر ا من الغضب المكبوت؛ مكبوت ألنهم ال يستطيعون‬
‫تحمل االعتراف به‪ ،‬ناهيك عن المخاطرة بالتعبير عنه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوالد الساعي للكمال



‫المرآة األبوية‪« :‬لن تكون جيًدا أبًدا»‬
‫غالًبا ما يكون الوالدان المثاليان مدفوعين بالخوف من الفوضى‪ ،‬والوسخ‪ ،‬أو العيوب‪ ،‬وإنهما يميالن‬
‫إلى إعطاء قيمة كبيرة للمظاهر‪ ،‬والمكانة‪ ،‬والممتلكات المادية‪ ،‬أو ما سيفكر فيه اآلخرون‪ ،‬ويشعر‬
‫الكثير منهم بقوة أن أي شيء أقل من الكمال‪ ،‬هو الفشل بعينه‪ ،‬وبالنتيجة‪ ،‬هم أيًض ا مستبدون‬
‫ومتسلطون عندما يتعلق األمر بما يتوقعون من أطفالهم‪.‬‬

‫وقد توقع والد رود منه أن يتفوق في كل ما يحاوله‪ ،‬وفي أثناء المدرسة الثانوية والكلية‪ ،‬أصر والده‬
‫على أن يحصل على درجة االمتياز في كل مقرراته‪ ،‬وأن يكون الطالب األول كل عام‪ ،‬وأن يكون‬
‫النجم المتألق في ملعب كرة القدم‪ ،‬فغني عن القول‪ :‬إن ذلك كان عبًئا ثقياًل ‪ ،‬فكلما أخطأ رود‪ ،‬كان‬
‫والده يقول له دائًم ا‪« :‬شّد حيلك» وكلما اشتكى من التعب أو أظهر بعض الضعف‪ ،‬كان والده يقول‪:‬‬
‫«ليس هناك مكان للمتذمرين في القمة»‪.‬‬

‫وعند تخرج رود من الكلية‪ ،‬كان مخدًر ا عاطفًّيا‪« :‬لقد قسوت على نفسي بقوة طوال حياتي‪ ،‬لدرجة‬
‫أنني لم أعد أعرف من أنا‪ ،‬عندما أنظر في المرآة ال أعرف حتى من أرى»‪.‬‬
‫ولقد سمعنا جميًعا عن آباء كماليين يدفعون أطفالهم إلى التفوق في رياضة معينة‪ ،‬أو في حقول‬
‫أكاديمية معينة‪ ،‬أو في مجاالت أخرى‪ ،‬وُيعطى هؤالء األطفال الرسالة القوية (أحياًنا صراحة‪،‬‬
‫وغالًبا ما تكون ضمنية) أن لهم قيمة فقط إذا ما أنجزوا وفًقا إلشباع رغبات والديهم‪ ،‬والسبب وراء‬
‫ذلك‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬هو أن الوالد يعيش من خالل طفله‪ ،‬محاواًل تعويض أحالمه الضائعة‪.‬‬
‫ويميل اآلباء المثاليون إلى ازدراء أي نوع من العيوب‪ ،‬وهذا ما يجعلهم ينتقدون بشكل خاص مظهر‬
‫أطفالهم‪« :‬والدتي كانت دائًم ا قلقة بشأن المظهر الذي أبدو به» فهذا ما أخبرتني به مراجعتي‬
‫فيرونيكا‪« ،‬لقد كرهت أسناني التي كانت معوجة مثل أسنان أبي؛ لذلك علمتني كيف أبتسم دون أن‬
‫تظهر أسناني‪ ،‬ولم تستطع االنتظار حتى أكبر إلجراء تقويم ألسناني بوضع حبسات‪ ،‬ولكنها بدت‬
‫محرجة من حقيقة أنني اضطررت إلى وضعها»‪.‬‬

‫إن قلق والدة فيرونيكا بشأن مظهرها جعلها شديدة الحساسية بنفسها‪« :‬اعتقدُت أنني كنت حًّقا البطة‬
‫القبيحة‪ ،‬هذا ما أسرتني به»‪ ،‬و“اعتقدُت أن كل شخص لديه نفس ردة الفعل حيال أسناني‪ ،‬وفيما بعد‬
‫حيال حبساتي كما فعلت والدتي‪ ،‬بحيث إنهم ال يطيقون حتى النظر إلّى ‪ ،‬واليوم على الرغم من أن‬
‫لدي أسناًنا مستقيمة جميلة‪ ،‬ما زلت أبتسم وفمي مغلق‪ ،‬وأضع يدي أمام فمي كثيًر ا»‪.‬‬

‫المرآة التي يرفعها اآلباء الكماليون أمام أطفالهم‬


‫وبداًل من تلقي التشجيع والدعم من والدي أطفال اآلباء الكماليين‪ ،‬يميلون إلى تلقي النقد فقط‪،‬‬
‫والمطالب واألوامر والسخرية أحياًنا‪ ،‬وبالنتيجة غالًبا ما يكبرون ويهيمن عليهم شعور بعدم الكفاءة‬
‫أو العجز أو اإلحراج أو عدم المهارة‪ ،‬وألنهم ال يتلقون سوى القليل من الثناء أو التوجيه البناء‪،‬‬
‫فعادة ما يكون تقديرهم لذواتهم منخفًض ا جًّدا‪ ،‬وثقتهم في قدراتهم الخاصة قليلة أيًض ا‪ ،‬وغالًبا ما‬
‫يكونون قلقين جًّدا كلما اضطروا إلى األداء بأي شكل من األشكال‪ ،‬وهذا ما يهيئهم إلى الفشل تماًم ا‪،‬‬
‫وإضافة إلى ذلك‪ ،‬يميل الناس الذين تربوا على أيدي آباء كماليين إلى المعاناة من أي من المشكالت‬
‫اآلتية أو كلها‪:‬‬
‫• الشعور بأنهم مقدرون لما يفعلونه‪ ،‬وليس من يكونون (الفعل مقابل الوجود)‪.‬‬

‫• الميل إلى النقد الذاتي‪ ،‬وعدم الرضا أبًدا عن أنفسهم‪ ،‬أو أدائهم‪.‬‬

‫• الميل إلى الشك في أنفسهم والتخمين كثيًر ا‪.‬‬


‫• عدم القدرة على تحديد مشاعرهم والتعبير عنها‪.‬‬

‫• السلوكات القهرية (اتباع نظام غذائي قاٍس ‪ ،‬واإلفراط في ممارسة الرياضة‪ ،‬واإلفراط في ممارسة‬
‫التنظيف)‪.‬‬

‫• الكآبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫اآلباء المعيرون ومفرطو النقد



‫المرآة األبوية‪« :‬أنت سيئ» أو «أنت غير مقبول»‬
‫نشأ ستيفن وهو يشعر بأن والديه ال يحبانه كثيًر ا‪ ،‬فقد قال لي ستيفن‪« :‬كان منزلنا مكاًنا بارًدا جًّدا»‬
‫في جلستنا األولى‪ ،‬ووالدتي لم تكن ترغب في قضاء الوقت معي‪ ،‬إذ قالت‪ :‬إنني كنت أذكرها‬
‫بوالدي؛ أي إنني كنت عنيًدا ومتشبًثا برأيي‪ ،‬وكانت دائًم ا تنظر إلي بازدراء وكأنها تقول لي‪« :‬أنت‬
‫بائس جًّدا‪ ،‬وال أريد أن أكون بالقرب منك» وإن أقصى ما أمكنه تذكره أنه كان في سريره‪ ،‬يصرخ‬
‫بأعلى صوته‪ ،‬إذ كان يشعر وكأنه قد فعل شيًئا خاطًئا ُيعاقب عليه‪.‬‬

‫كان والده منضبًطا صارًم ا‪ ،‬وبدا ستيفن دائًم ا أنه في مشكلة معه‪ ،‬وغالًبا ما كان يوبخ ستيفن؛ ألنه لم‬
‫يرتِق لتوقعاته‪« ،‬حاولت أن أكون مثالًّيا؛ حتى ال أخيب أمل والدي‪ ،‬وال أتعرض للعقاب‪ ،‬ولكن مهما‬
‫حاولت‪ ،‬فإنني لم أصل إلى النقطة التي أرضت والدي»‪.‬‬
‫وكان ستيفن يبلل الفراش لياًل حتى سن العاشرة‪ ،‬وكان يشعر بالكثير من الخجل حيال ذلك‪ ،‬وكانت‬
‫والدته تشكو باستمرار من اضطرارها إلى غسل الشراشف‪ ،‬وفي النهاية‪ ،‬بدأ ستيفن ينظر إلى نفسه‬
‫بالطريقة نفسها التي ينظر بها إليه والداه؛ كطفل سيئ‪« :‬مهما أكن‪ ،‬فأنا غير مقبول» وأصبحت أمه‬
‫تسيء إليه لفظًّيا وجسدًّيا‪ ،‬وال سيما بعدما انفصل والداه‪ ،‬و“كانت تصفني بالخاسر‪ ،‬عندما غادر‬
‫والدي‪ ،‬أصبح واضًح ا أنها ال تريد أي شيء يتعلق بي»‪ .‬وفي آخر مرة ضربته والدته‪ ،‬هرب من‬
‫المنزل ولم يعد‪ ،‬وحينها كان عمره في الخامسة عشرة سنة‪ ،‬وانتهى به المطاف بالتسكع مع بعض‬
‫األوالد األكبر سًّنا‪ ،‬وأصبح صديًقا لهم‪.‬‬
‫«شعرت دائًم ا بأنني كنت تحت حكم والدّي ‪ ،‬عندما كنت في البيت‪ ،‬في حين أنني شعرت مع‬
‫أصدقائي بالحرية ألول مرة في حياتي‪ ،‬ولم أكن في حاجة إلى أم أو أب ‪ -‬فقررت أن أربَي نفسي»‪.‬‬

‫وهذا ما فعله‪ ،‬فقد أصبح قاسًيا جًّدا على نفسه‪ ،‬ونجح بمعدالت عالية في سنوات الثانوية األخيرة‪،‬‬
‫حتى إنه التحق بالجامعة‪ ،‬ودفع رسوم تعليمه بالعمل في محل بقالة‪ ،‬وبنى ستيفن حصًنا من حوله؛‬
‫ليمنع نفسه من أن يصاب باألذى مرة أخرى‪.‬‬

‫وعندما التقيت ستيفن لم يستطع البكاء‪ ،‬مع أن زوجته كانت تهدد بتركه‪ ،‬فال أعرف لماذا تزوجتني‬
‫في المقام األول‪ ،‬وقد قال لي في جلستنا األولى‪« :‬أنا لست مناسًبا» الحقيقة المحزنة هي أن ستيفن‬
‫دفع زوجته إلى تركه؛ ألنه كان خائًفا جًّدا من فقدانها‪ ،‬ومن ثم أقنع نفسه بأنه ال يستحقها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف يعّير‪ /‬يخزي اآلباء أبناءهم‬


‫أحياًنا يعّير اآلباء أطفالهم عمًدا‪ ،‬دون إدراك التأثير التخريبي الذي يمكن أن يحدثه ذلك في إحساس‬
‫الطفل بذاته‪ ،‬وإن عبارات مثل «يجب أن تخجل من نفسك» أو «عار عليك» لهي أمثلة واضحة‪،‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وألن هذه األنواع من العبارات مخزية بشكل مفرط‪ ،‬فهي في الواقع أسهل على الطفل في‬
‫حماية نفسه منها مقارنة بأشكال العار الخفية مثل االزدراء‪ ،‬واإلذالل والتشهير العلني‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫المثال‪ ،‬إن السلوك المقبول في المنزل‪ ،‬يراه الوالدان فجأة سيًئا عندما يكونان في األماكن العامة‪ ،‬أو‬
‫يبدو أحد الوالدين أنه يشعر بالخجل ألن الطفل ال يلتزم بأعراف اجتماعية معينة ال يعرفها أبًدا‪ ،‬وإن‬
‫تعليقات مثل‪« :‬توقف عن ذلك‪ ،‬أنت تحرجني أمام الجميع» ال تجعل الطفل يشعر بأنه مكشوف‪،‬‬
‫وُح كم عليه بإساءة التصرف‪ ،‬وبالخجل فقط‪ ،‬ولكن هناك أيًض ا عبء عار والديه الذي ُر مي على‬
‫كاهله أيًض ا‪.‬‬

‫وهناك كثير من الطرق التي يعّير بها اآلباء أطفالهم؛ بما في ذلك التصغير‪ /‬االستخفاف‪ ،‬واللوم‬
‫واالزدراء واإلذالل وتثبيط الهمم‪:‬‬
‫• االستخفاف‪ .‬إن تعليقات مثل «أنت أكبر من أن ُتحمل باألحضان» أو «أنت ال تزال طفاًل يبكي‬
‫ويبحث عن الرضاعة» هي عبارات مهينة جًّدا للـطفل‪ ،‬وعندما يقوم أحد الوالدين بإجراء مقارنة‬
‫سلبية بين طفل وآخر‪ ،‬مثل‪« :‬لماذا ال يمكنك التصرف مثل تومي؟ تومي ليس طفاًل باكًّيا»‪ ،‬فهو ال‬
‫يذل فقط‪ ،‬ولكن أيًض ا يعلم الطفل أن يقارن نفسه دائًم ا بأقرانه‪ ،‬وأن يجد نفسه ناقًص ا‪.‬‬

‫• إلقاء اللوم‪ .‬عندما يرتكب الطفل خطأ‪ ،‬مثل عندما يسدد الكرة‪ ،‬فتكسر زجاج نافذة أحد الجيران‪،‬‬
‫عليه أن يتحمل المسؤولية‪ ،‬ولكن كثيًر ا من اآلباء يذهبون إلى أبعد من تعليم درس للطفل في إلقاء‬
‫اللوم عليه وتوبيخه‪« :‬أنت غبي أحمق! كان يجب أن تعرف أنه ما كان عليك أن تلعب قريًبا جًّدا من‬
‫المنزل! سأضطر اآلن إلى دفع ثمن تصليح تلك النافذة‪ ،‬فهل تعتقد أن المال يأتي من دون مقابل؟‬
‫ليس لدي ما يكفي من المال لتصليح ما تقوم به من أضرار دائًم ا!» كل ما يحققه ذلك هو تعيير‬
‫الطفل لدرجة أنه ال يستطيع أن يجد طريًقا للخروج من المأزق مرفوع الرأس‪ ،‬وإن إلقاء اللوم على‬
‫الطفل بهذه الطريقة يشبه تمريغ أنفه في المشكلة التي صنعها‪ ،‬وينتج عن ذلك عار ال يطاق‪ ،‬لدرجة‬
‫أن الطفل قد ُيجبر على إنكار المسؤولية‪ ،‬أو أن يجد طرًقا لتبريرها‪.‬‬

‫• االزدراء‪ .‬تنقل عبارات االشمئزاز أو االزدراء الرفض المطلق‪ ،‬ويمكن لمظهر االزدراء (غالًبا ما‬
‫يكون بالسخرية أو برفع الشفة العليا)‪ ،‬وال سيما من شخص مهم بالنسبة إلى الطفل‪ ،‬أن يكون محفًز ا‬
‫مدمًر ا للعار؛ ألنه يجعل الطفل يشعر باالشمئزاز أو اإلساءة‪ ،‬وإن وجود والد ناقد علًنا دائًم ا؛ والد‬
‫يجد دائًم ا شيًئا خاطًئا عند الطفل‪ ،‬يضمن أن يعاني الطفل باستمرار من العار‪ ،‬وعندما كنت طفلة‪،‬‬
‫كان لدى والدتي حالة سلبية للغاية تجاهي‪ ،‬ففي كثير من األحيان‪ ،‬كانت تنظر إلّي مترقبًة‪ ،‬كما لو‬
‫كانت تقول‪« ،‬ما الذي تنوين فعله اآلن؟» أو عدم الموافقة أو االشمئزاز مما فعلته مسبًقا‪ ،‬وكانت هذه‬
‫النظرات مخزية جًّدا بالنسبة إلي‪ ،‬ما جعلتني أشعر أن هناك شيًئا فظيًعا خاطًئا عندي‪.‬‬
‫• الذل‪ .‬كما ذكر غيرشن كوفمان في كتابه ‪( Shame: The Power of Caring‬العار‪ :‬قوة‬
‫الرعاية)‪« :‬ال توجد هناك تجربة أكثر إذالاًل من أن يكون لديك شخص آخر هو األقوى بشكل‬
‫واضح‪ ،‬ويسّخ ر تلك القوة لضربنا» وأستطيع أن أشهد شخصًّيا على ذلك‪ ،‬إضافة إلى التسبب في‬
‫شعوري بالعار بنظراتها المحتقرة‪ ،‬كثيًر ا ما كانت والدتي تعاقبني بضربي بغصن شجرة‪ ،‬وغالًبا ما‬
‫فعلت ذلك في الخارج‪ ،‬أمام الجيران‪ ،‬وكان اإلذالل الذي شعرت به مثل جرح عميق في روحي‪.‬‬

‫• تثبيط الهمم‪ /‬توقعات تعجيزية‪ .‬تخدم التوقعات األبوية المناسبة بوصفها لوحات إرشادية ضرورية‬
‫للسلوك‪ ،‬وال تؤدي إلى توقعات تعجيزية‪ ،‬فالتوقعات التعجيزية‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬تنطوي على‬
‫الضغط على الطفل للتفوق أو أداء مهمة أو مهارة أو نشاط‪ ،‬ومن المحتمل أن يتصرف اآلباء الذين‬
‫لديهم حاجة مفرطة لتفوق أطفالهم بطرق تضغط على الطفل لبذل المزيد والمزيد‪ ،‬ووفًقا لكوفمان‪،‬‬
‫عندما يدرك الطفل االحتمالية الحقيقية في الفشل في تلبية توقعات الوالدين‪ ،‬غالًبا ما يعاني من وعي‬
‫ذاتي مؤلم ‪ -‬األلم المؤلم لمراقبة الذات ‪ -‬وهذا محبط للغاية‪ ،‬وعندما يكون هناك شيء ما ُيتوقع منا‬
‫بهذه الطريقة‪ ،‬يصبح تحقيق الهدف أكثر صعوبة‪ ،‬إن لم يكن مستحياًل ‪.‬‬

‫وطريقة أخرى يثير بها الوالدان العار في أطفالهم هي إبالغهم بأنهم مخيبون لآلمال‪ ،‬وإن رسائل‬
‫مثل «ال أصدق أنه يمكنك فعل شيء كهذا» أو «أشعر بخيبة أمل عميقة فيك»‪ ،‬مصحوبة بنبرة‬
‫صوت وتعبيرات وجه مستنكرة‪ ،‬يمكن أن تسحق روح الطفل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المرآة التي يضعها اآلباء المنتقدون والمعّيرون أمام أطفالهم‬

‫يمكن للوالدين مفرطي النقد أن يدمروا ثقة أطفالهم واحترامهم لذاتهم‪ ،‬ويهشموا أيًض ا صورتهم‬
‫الذاتية‪ ،‬وبداًل من تحفيز األطفال‪ ،‬تميل التعليقات االنتقادية العلنية إلى تدمير إرادة الطفل في النجاح‬
‫وقدرته على التغيير‪ ،‬وحرمانه من الدافع‪.‬‬

‫وعلى شاكلة ستيفن‪ ،‬الطفل الذي يشعر بالعار بسبب الرفض أو السخرية أو عبارات االشمئزاز أو‬
‫االزدراء من االتصال بـاآلخرين‪ ،‬غالًبا ما يتملص من التواصل مع اآلخرين‪ ،‬قد يسعى إلى االختفاء‬
‫ليشعر باألمان‪ ،‬فقد كبر وهو يشعر بأنه غير محبوب؛ ألنه ُعّلم أن خطأه هو السبب وراء عدم حبه‬
‫له‪ ،‬أو أن قبوله كان مشروًطا‪ ،‬اعتماًدا على مدى وصول أدائه من رضا والديه‪.‬‬
‫وألن العار منهك للغاية‪ ،‬فمن المنطقي أن نفعل أي شيء لتجنبه‪ ،‬ويكابد البشر األمّر ين للبقاء في‬
‫موقع السيطرة‪ ،‬فنحن ُنرَّبى على االعتقاد أننا مسؤولون عما يحدث لنا‪ ،‬وأنه بإمكاننا التحكم في‬
‫حياتنا‪ ،‬وعندما يحدث خطأ ما‪ ،‬نميل إلى الشعور بالخجل من حقيقة أننا فقدنا السيطرة على حياتنا‪،‬‬
‫وهذا ينطبق بشكل خاص على األطفال‪ ،‬الذين بداًل من مجرد اإليمان أن شيًئا (حدث للتو) يميلون‬
‫إلى االعتقاد أنهم بطريقة ما تسببوا أو ساهموا في األحداث‪ ،‬ومن ثم فهم مسؤولون عنها‪ ،‬وكوننا‬
‫ضحايا يجعلنا نشعر بالعجز‪ ،‬وأن هذا العجز هو ما يقودنا إلى الشعور باإلهانة والخجل‪ ،‬وكحماية‬
‫من هذه المشاعر‪ ،‬قد نتحمل المسؤولية الشخصية لعملية إيذائنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫يصبح مقيًدا بالعار‪ /‬الخزي‬

‫في بعض األحيان يشعر الطفل بالخزي الشديد بسبب الكثير من الحوادث المسببة للعار التي مَّر بها‬
‫أو عانى منها‪ ،‬لدرجة أنه يصبح ما يشار إليه «مقيًدا بالعار» أو «أساسه العار»‪ ،‬ما يعني أن العار‬
‫أصبح عاماًل مهيمًنا في تكوين شخصية المرء‪ ،‬ويعاني الناس الذين أساسهم العار من تدٍّن شديد في‬
‫تقدير الذات‪ ،‬ومشاعر انعدام القيمة‪ ،‬وكراهية الذات‪ ،‬ويشعرون بالنقص‪ ،‬والسوء‪ ،‬وعدم القبول‪،‬‬
‫واالختالف عن اآلخرين‪ ،‬وقد ُأخبروا في كثير من األحيان أن ال قيمة لهم‪ ،‬أو أنهم سيئون بسماع‬
‫الكبار يقولون لهم أشياء مثل‪« :‬أنت مصيبة في وجهي»‪« ،‬أتمنى لو أنك ما ُخ لقت» أو «لن تحقق‬
‫أي شيء»‪.‬‬

‫وعادة ما يكون األشخاص المقيدون بالعار ناجين من نظام تأديب قاٍس ‪ ،‬أو إساءة عاطفية‪ ،‬أو إهمال‪،‬‬
‫وهجر‪ ،‬فكلها ترسل رسالة مفادها أن الطفل ال قيمة له‪ ،‬وغير مقبول وسيئ‪ ،‬وتنقل هذه األعمال‬
‫أيًض ا رسالة مفادها أن الشخص البالغ سوف يعاملك بالطريقة التي يريدها؛ ألنك سلعة ال قيمة لها‪،‬‬
‫وتعرض األشخاُص المقيدون بالعار إلى اإلذالل أيًض ا بسبب سلوكهم‪ ،‬كونهم ُو بخوا أو ُض ربوا أمام‬
‫اآلخرين‪ ،‬حيث قيل لهم‪« :‬ما الخطأ الذي تعاني منه؟» أو «ماذا سيفكر فيك معلمك الغالي إن هو‬
‫عرف من أنت حًّقا؟»‪ .‬وأخيًر ا وليس آخًر ا‪ ،‬يضطر الناس المقيدون بالعار إلى أن يتحملوا‪ ،‬في كثير‬
‫من األحيان‪ ،‬صدمات تثير العار مثل االعتداء الجنسي على األطفال‪.‬‬
‫ويميل األشخاص المقيدون بالعار إلى الدفاع ضد أي شعور مخٍز بالغضب‪ ،‬ففي حين أن معظم‬
‫الناس يتفاعلون بغضب متى شعروا باإلهانة أو التقليل من قيمتهم‪ ،‬أو االحتقار‪ ،‬يميل األشخاص‬
‫المقيدون بالعار إلى أن يكونوا حساسين للغاية ودفاعيين‪ ،‬ويفورون غضًبا عندما يشعرون باالنتقاد‬
‫أو التعرض لهجوم‪ ،‬وهذا هو الحال في أغلب األحيان‪ ،‬وألنهم ينتقدون أنفسهم بشدة‪ ،‬فهم يعتقدون أن‬
‫كل شخص آخر ينتقدهم‪ ،‬وألنهم يحتقرون أنفسهم‪ ،‬فإنهم يتصورون أن الجميع يكرههم‪ ،‬ولو كنت‬
‫مقّيًدا بالعار‪ ،‬فإن تعليًقا مغيًظا واحًدا‪ ،‬أو نقًدا حسن النية‪ ،‬يمكن أن يدفعك إلى غضب يستمر‬
‫ساعات‪ ،‬وألنك تشعر بالخزي من تعليق الشخص اآلخر‪ ،‬فقد تقضي ساعات تفكر في طريقة تجعل‬
‫الشخص اآلخر يشعر بالرعب تجاه نفسه بردك العار عليه‪.‬‬

‫وهناك طريقة أخرى‪ ،‬يستخدم األشخاص المقيدون بالعار الغضَب فيها بوصفه وسيلة دفاع‪ ،‬وهي‬
‫مهاجمة اآلخرين قبل أن تتاح لهم فرصة مهاجمتهم‪ ،‬كما لو كانوا يقولون‪« :‬سأريك‪ ،‬سأجعلك تشعر‬
‫بالقرف بسبب رأيك في»‪.‬‬
‫ويشعر األشخاص المقيدون بالعار بأنهم ضعفاء جًّدا في قرارة أنفسهم على الرغم من كل ما لديهم‬
‫من طرق دفاعية‪ ،‬وإذا كنت مقّيًدا بالعار‪ ،‬يمكنك أيًض ا استخدام الغضب من أجل إبعاد الناس عن‬
‫نقاط ضعفك بالتنمر عليهم‪ ،‬فما تقوله في الجوهر‪« :‬ال تقترب مني أكثر؛ ال أريدك أن تعرف من أنا‬
‫حًّقا»‪ .‬فهذا النوع من التنمر مفيد؛ فإنه ُيبعد الناس أو يبقيهم على مسافة آمنة‪ ،‬ومن دون شك‪ ،‬يجعلك‬
‫هذا أيًض ا تشعر بسوء أكثر عندما تدرك أن اآلخرين يتجنبونك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الغضب‬
‫يحدث الغضب عفوًّيا وطبيعًّيا نتيجة العار‪ ،‬ويقوم بوظيفة الحماية الذاتية الحيوية‪ ،‬بعزل الذات ضد‬
‫المزيد من التعرض وإبعاد اآلخرين بشكل نشط لتجنب المزيد من تكرار العار‪ ،‬ومن األكثر احتمااًل‬
‫أن يعبر األطفال المنفتحون عن غضبهم إذا ما تعرضوا لموقف مخٍز ‪ ،‬في حين يميل األطفال‬
‫االنطوائيون‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬إلى كتم غيظهم داخل أنفسهم‪ ،‬مخفًيا عن أنظار اآلخرين‪.‬‬

‫ويمكن للذل أن يكون تربة خصبة للبغضاء واالنتقام‪ ،‬ويمكن للشخص المجروح والمتعرض للعار‬
‫أن ينقذ شيًئا من ماء وجهه بكره الشخص الظالم والتفكير في االنتقام منه‪ ،‬وإن القيام بخالف ذلك‪،‬‬
‫واالستسالم لقوة اآلخرين‪ ،‬قد يشعر به البعض وكأنه تنازل عن النزاهة‪ ،‬ويعني القيام بذلك خسارة‬
‫الحترام الذات‪.‬‬

‫وطريقة ذات صلة يقوم بها الضحايا بكبت مشاعرهم بالعجز هي بالتماهي مع المعتدي‪ ،‬ونجد هذه‬
‫الظاهرة شائعة مع الضحايا األوالد‪ ،‬وفي معظم المجتمعات‪ ،‬ليس مقبواًل أن ُينظر إلى الرجال على‬
‫أنهم ضحايا‪ ،‬وبسبب ذلك‪ ،‬يميل األوالد إلى إلقاء اللوم على أنفسهم‪ ،‬وحتى إقناع أنفسهم بأنهم هم‬
‫سبب سلوك الشخص المؤذي‪ ،‬وقد يصل األمر بالصبي أيًض ا إلى التماهي مع المعتدي؛ أي أن‬
‫يصبح مثل المعتدي‪ ،‬والطريق الوحيد المتبقي له كي يتبرأ من العار والعدوان اللذين لحقا به هو أن‬
‫يفعل باآلخرين ما ُفعل به‪.‬‬
‫ويشرح غيرشن كوفمان في كتابه (العار‪ :‬قوة الرعاية) ‪« The Power of Caring:‬إذا ُاعتمد‬
‫الغضب على أنه إستراتيجية دفاع‪ ،‬فما سنراه هو فرد يعتمد الغضب بوصفه أسلوًبا شخصًّيا‪،‬‬
‫ويتجلى ذلك إما في استعداء اآلخرين‪ ،‬أو في المرارة‪ ،‬ومع أن هذا العداء أو المرارة ينشأان‬
‫بوصفهما دفاًعا لحماية النفس من تجارب أخرى من العار‪ ،‬إال أنه يصبح منفصاًل عن مصدره‬
‫األصلي‪ ،‬ويصبح رد فعل معمٍم موجه تجاه أي شخص قد يقترب»‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬تجاربك المخزية‬


‫إذا تعرفت إلى بعض أو كل أمثلة العار‪ /‬الخزي‪ /‬الخجل التي سببها الوالدان‪ ،‬المذكورة سابًقا‪،‬‬
‫فسيساعدك هذا التمرين على تحديد ومعالجة ما عايشته شخصًّيا عندما كنت طفاًل ‪:‬‬
‫‪ .1‬ضع قائمة بالتجارب في مرحلة الطفولة والمراهقة التي سببت لك أعلى درجات الخزي‪.‬‬

‫‪ .2‬اكتب ما هو الشعور الذي ولدته فيك كل تجربة من هذه التجارب‪.‬‬


‫‪ .3‬كيف كانت ردة فعلك تجاه التجارب المخزية في طفولتك؟ هل لمَت نفسك؟ هل صرت غاضًبا؟‬
‫‪ .4‬كيف تعتقد أن هذه التجارب المخزية قد أثرت في حياتك؟ اكتب بصائرك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوالد المهتم بملذاته أو النرجسي



‫المرآة األبوية‪« :‬أنت غير مهم» أو «أنَت نكرٌة»‬
‫بعض اآلباء مهتمون بذواتهم‪ ،‬ما يعني أن احتياجاتهم ورغباتهم ومعتقداتهم هي دائًم ا أكثر أهمية من‬
‫حاجات واهتمامات أطفالهم (أو أي شخص آخر في هذا الشأن) ولدى هؤالء اآلباء إحساس ضئيل أو‬
‫معدوم بأن تجاهلهم (اإليجابي أو السلبي) ألطفالهم يعلمهم أنه ال قيمة لهم‪ ،‬وتميل هذه المعاملة إلى‬
‫أن ينتج عنها كراهيُة الذات‪ ،‬أو إحساٌس دفاعي مثالي بالذات‪ ،‬يؤدي إلى اإلحباط‪ ،‬والفشل‪ ،‬وتعاسة‬
‫الطفل‪.‬‬

‫وصفت مراجعتي سارة والدتها بهذه الطريقة‪« :‬كانت والدتي منغمسة تماًم ا بذاتها‪ ،‬فكل شيء‬
‫يتمحور حولها؛ احتياجاتها واهتماماتها وأفكارها‪ ،‬ولم تكن في أغلب األحيان تشعر بوجودي‪ ،‬ويمكن‬
‫أن أكون معها في الغرفة نفسها‪ ،‬ولكن ال تشعر بي‪ ،‬وإذا كنُت في حاجة إلى أي شيء‪ ،‬كانت‬
‫تتصرف كما لو كان ذلك عبًئا مزعًج ا جًّدا لها‪ ،‬ولم أتجرأ على مقاطعتها إن كانت مشغولة‪ ،‬وإال‬
‫كانت سترمقني بنظرة تجعلني أشعر وكأنني كنت أنانية بمضايقتها‪ ،‬والموقف الوحيد الذي يبدو أنها‬
‫تحس بوجودي هو إذا لفُّت بعض االهتمام اإليجابي بنفسي‪ ،‬كفتاة صغيرة‪ ،‬إذا أطراني أحدهم بأنني‬
‫حلوة‪ ،‬كانت أمي تتباهى فخًر ا‪ ،‬وتدلي ببعض التعليقات حول كم أنا أشبهها‪ ،‬وقد قالت لي عندما‬
‫اكتشفُت أن لدي موهبة في الموسيقا‪ :‬إنني قد حصلت عليها منها‪ ،‬وبالنسبة إليها‪ ،‬لم يكن هناك أي‬
‫شيء حققته بمفردي‪ ،‬حيث كان ذلك إما ألنني ورثته منها‪ ،‬أو ألنها ساعدتني‪ ،‬أو ألنها جعلت ذلك‬
‫ممكًنا»‪.‬‬

‫مثل الوالد المنغمس في ملذاته واهتماماته‪ ،‬فإن الوالد النرجسي مهتم فقط فيما ينعكس على نفسه؛ فإن‬
‫احتياجاته هي األهم‪ ،‬وال شيء‪ ،‬وال أحد آخر مهم‪ ،‬بما في ذلك أطفاله‪ ،‬ولكَّن الوالدين النرجسيين‬
‫يرفعان من درجة االنغماس الذاتي إلى درجة أبعد من ذلك‪ ،‬فكل شيء يفعله النرجسي أو يجربه يعّد‬
‫انعكاًسا للذات؛ لذلك ُيعّد األطفال ممتلكات له‪ ،‬ومفيدون له فقط إذا استطاعوا تقديم شيء يحتاج إليه؛‬
‫اإلعجاب من اآلخرين‪ ،‬والتوكيد على أنه والد صالح‪ ،‬أو أنه شخص سيعشقه‪ ،‬ويضعه بوصفه‬
‫تمثااًل ‪ ،‬ويتمتع النرجسيون بالسلطة التي يتملكونها بها بوصفهما أبوين‪ ،‬ويستخدمونها لبناء ذواتهما‬
‫المهتزة‪.‬‬

‫وقد جاء ميسن؛ لرؤيتي ألنه أراد مساعدتي على قطع الصلة بوالدته‪ ،‬وكان في الخامسة والعشرين‬
‫من عمره‪ ،‬ولكنه كان يعيش على نفقته الخاصة مدة ستة أشهر فقط‪« ،‬عندما غادرت المنزل‬
‫تصرفت والدتي وكأنني قد طعنتها في قلبها»‪ ،‬قال ميسن بحزن‪« ،‬كل ما فعلته هو ما ُيفترض أن‬
‫يفعله األطفال ‪ -‬يكبرون ويستقلون عن آبائهم!» ومما زاد الطين بلة أن ميسن كان فناًنا‪ ،‬وعملت‬
‫والدته بوصفها مديرة أعماله سنوات عدة‪ ،‬حيث قامت بكل األعمال المطلوبة إليصال لوحاته إلى‬
‫صاالت العرض‪« ،‬أنا ممتن جًّدا لكل ما فعلت أمي من أجلي‪ ،‬ولكن بصراحة‪ ،‬فعلت كل ذلك من‬
‫أجل نفسها أكثر من أجلي‪ ،‬فقد جعلها ذلك تشعر بالرضا عن نفسها لتربية مثل هذا الطفل المعجزة‪،‬‬
‫وأخذت معظم الفضل في مسيرتي المهنية‪ ،‬ويجب أن تسمعيها وهي تتحدث عن مقدار ما فعلته‬
‫لتشجيع موهبتي وأنا أكبر‪ ،‬ومقدار العمل الشاق الذي كانت تقوم به كي يالحظ الناس عملي‪ ،‬واآلن‬
‫بعد أن أصبحت بمفردي‪ ،‬تشعر بأنها مهددة‪ ،‬وإنني ُأظهر لها أنني لست في حاجة إليها‪ ،‬وهي ال‬
‫يعجبها ذلك»‪.‬‬

‫كان ميسن يصف األم النرجسية النموذجية‪ ،‬باردًة بشكل مزمن‪ ،‬ولكنها في الوقت نفسه مفرطة‬
‫الحماية‪ ،‬وإنها تغزو استقاللية طفلها‪ ،‬وتحورها بما يتوافق مع رغباتها‪ ،‬وإنها ترفض كل شيء عنه‬
‫تجده غير مقبول‪ ،‬ما يضعه في حالة من القلق‪ ،‬وذلك موقٌف يفقده عاطفتها إذا أبدى عدم رضاه‪.‬‬

‫وتأتي الصحة النفسية من التجربة‪ ،‬وتبدأ في وقت مبكر من الطفولة عن قبول الوالدين‪ ،‬وتأتي من‬
‫التعلم أنه على الرغم من أنك لست مثالًّيا‪ ،‬ما زلت تستحق الحب‪ ،‬وينبغي أن يعلم األطفال أن كل ما‬
‫هم عليه ‪ -‬جيد وسيئ‪ ،‬شقي ولطيف‪ ،‬ذكي وغبي ‪ -‬هو أمر مقبول لدى والديهم‪ ،‬ولكَّن أبناء اآلباء‬
‫النرجسيين ال يجربون هذا النوع من القبول‪ ،‬فبدال من ذلك‪ ،‬يرفض الوالد النرجسي كل ما يجده عن‬
‫طفله غير كامل أو قابل للطعن‪ ،‬ولديه توقعات عالية للغاية عن طفله‪ ،‬ويعمل باستمرار على تحسينه‪.‬‬

‫وكتب إيالن غولمب في كتابه الكالسيكي (محاصرون في المرآة)‪ :‬األطفال البالغون آلباء نرجسيين‬
‫وصراعهم من أجل الذات‪ ،‬لدى طفل الوالد النرجسي الرفض كحق مكتسب‪ ،‬وألن الوالد النرجسي‬
‫يحتقر نفسه من دون وعي (بسبب رفض والديه له)‪ ،‬ال يستطيع أن يقبل أطفاله‪ ،‬وإن موقفه صيغة‬
‫محورة من قول غروشو ماركس القديم المأثور‪« :‬لن أنضم إلى أي ناٍد يستضيفني بوصفي عضًو ا»‬
‫يصبح‪« :‬لن أحب أي طفل من شأنه أن يعّدني والده»‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فإن الوالد النرجسي هو األكثر تطلًبا‬
‫وتشويًه ا للطفل الذي أشد ما يكون متحًدا معه‪.‬‬

‫وتصبح النرجسية‪ ،‬في أقصى حدودها‪ ،‬اضطراًبا في الشخصية‪ ،‬وإن الشخص المصاب باضطراب‬
‫الشخصية النرجسية‪ ،‬أو ‪ ،NPD‬كما هو موضح في الدليل التشخيصي واإلحصائي لالضطرابات‬
‫العقلية (‪ ،)DSM-IV‬يتصف بالخصائص اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬شعور متضخم أو فخم بأهمية الذات (على سبيل المثال‪ ،‬يبالغ في قدراته وإنجازاته)‪.‬‬

‫‪ .2‬االنشغال بأوهام النجاح الالمحدود‪ ،‬والشهرة‪ ،‬والقوة‪ ،‬والجمال‪ ،‬والحب الكامل (العشق غير‬
‫النقدي)‪.‬‬

‫‪ .3‬االعتقاد أنه مميز وفريد‪ ،‬وال يمكن فهمه وتقديره إال من ِقبل الذين يتمتعون بمكانة خاصة أو‬
‫عالية‪.‬‬
‫‪ .4‬يتطلب اإلعجاب المفرط‪.‬‬

‫‪ .5‬اإلحساس باالستحقاق؛ أي التوقعات غير المعقولة ألن ُيعامل بشكل خاص على أنه مفضٌل ‪ ،‬أو‬
‫أن تلبى تلقائًّيا رغباته الخاصة‪.‬‬
‫‪ .6‬استغاللٌّي في عالقاته الشخصية؛ أي يستفيد من اآلخرين لتحقيق احتياجاته الخاصة‪.‬‬

‫‪ .7‬عدم التعاطف مع اآلخرين‪ ،‬غير راغب أو غير قادر على التعرف‪ ،‬أو التوحد مع مشاعر‬
‫اآلخرين واحتياجاتهم‪.‬‬

‫‪ .8‬غالًبا ما يحسد اآلخرين أو أنه يعتقد أن اآلخرين يحسدونه‪.‬‬

‫‪ .9‬الغطرسة والتكبر في السلوك والمواقف‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق‪ ،‬يظهر أولئك الذين يعانون من ‪ NPD‬أو سمات نرجسية قوية ما يلي‪ :‬الميل‬
‫للشعور بالغضب بسبب موضوعي بسيط‪ ،‬واالستعداد لمعاملة الناس بال مباالة باردة كعقاب لمعاملة‬
‫مؤذية‪ ،‬أو كمؤشر على حقيقة أنه ال فائدة مباشرة منهم بالنسبة إلى الشخص‪ ،‬وميل نحو مشاعر‬
‫شديدة من الدونية‪ ،‬والعار‪ ،‬والفراغ‪ ،‬والحاجة ألن ُيحتَر م واإلعجاب به (التباهي) والميل إلى المبالغة‬
‫في وصف الناس أو التقليل من قيمتهم‪ ،‬اعتماًدا على منظور ضيق إلى حد كبير‪.‬‬

‫ويستثمر اآلباء النرجسيون في منع أطفالهم من أن يصبحوا أفراًدا منفصلين‪ ،‬فهم ال يدركون أن‬
‫ألطفالهم احتياجاتهم ومشاعرهم ورغباتهم وتصوراتهم الخاصة بهم‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يعتقد هؤالء‬
‫اآلباء أن أطفالهم يجب أن يكونوا دائًم ا سعيدين أو بائسين كما هم‪ ،‬وعندما ال يشاركهم الطفل‬
‫مزاجهم العاطفي‪ُ ،‬ينظر إلى ذلك على أنه عالمة على عدم الوالء‪ ،‬وعدم اإلحساس‪ ،‬وُيدَّر ب أطفال‬
‫النرجسيين على عدم الثقة بحقيقة أفكارهم الخاصة والسماح لآلخرين بالتفكير عنهم؛ وذلك ألن‬
‫النرجسي يحاول تحديد حقيقة أطفاله‪ ،‬وإنه يخبرهم بماذا يشعرون ويفكرون‪ ،‬وغالًبا ما ُيحِدث إرباًكا‬
‫كبيًر ا في عقول األطفال‪.‬‬

‫إن أي تحرك نحو االستقالل الذاتي من جانب الطفل‪ ،‬يستقبله اآلباء النرجسيون بألم واستياء‬
‫وغضب‪ ،‬وغالًبا ما يشعر أبناء النرجسيين بأنه ليس لديهم الحق في الوجود‪ ،‬وكما صاغ إيالن‬
‫جوالمب ذلك ببالغة في (محاصرون في المرآة)‪ُ« :‬لِو يت ذواتهم عن شكلها الطبيعي‪ ،‬إذ إن أي‬
‫تحرك نحو االستقالل ُيعامل على أنه خيانة‪ ،‬وشيء يمكن أن يتسبب في حدوث ضرر ال يمكن‬
‫إصالحهعند الوالدين»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المرآة التي يضعها اآلباء النرجسيون أمام أبنائهم‬


‫يصبح طفل الوالد النرجسي الناقَل لكل من أشكال رفض عيوب والديه المرفوضة‪ ،‬وتخيالتهما‬
‫العظيمة‪ ،‬فيحدث ذلك صورة ذاتية شديدة التناقض‪ ،‬فإنه إخفاق بائس لن ينجز أي شيء‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬فإنه قادر على الكمال التام واإلعجاب‪ ،‬وُتعامل ذات الطفل الداخلية على أنها مطابقة لسلوكه‬
‫الخارجي واألفعال التي يقوم بها‪ ،‬فإنه مليء بالنقد الذي يصدقه ال محالة في نهاية المطاف‪ ،‬وعالوة‬
‫على كل هذا الضرر‪ ،‬فإن الوالد النرجسي يؤطر تعليقاته بطريقة تنطوي على ذات الطفل الداخلية‪،‬‬
‫وإن المشكلة ليست في أنه حصل على درجة سيئة على الورق‪ ،‬المشكلة أنه فاشل؛ نتيجة لذلك‪ ،‬ال‬
‫يمكن للطفل أن يكون موضوعًّيا بشأن ما يفعله‪ ،‬وال يستطيع االستفادة من النقد بفعالية‪ ،‬فيؤلمه تحمل‬
‫ذلك كثيًر ا‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬غالًبا ما يعاني أطفال اآلباء النرجسيين من مشكالت خطيرة في األداء‪ ،‬وبسبب خوفهم‬
‫من الفشل واحترام الذات المحطمة‪ ،‬يجدون كثيًر ا من الطرق لالختباء‪ ،‬وعلى الرغم من أن األطفال‬
‫البالغين آلباء نرجسيين قد يحققون الكفاءة في بعض المجاالت‪ ،‬إال أنهم عادة ال يحققون سوى قدر‬
‫ضئيل فقط من إمكاناتهم الحقيقية‪ ،‬وُيبطئون‪ ،‬ويقيدون بفقدان الثقة التي أظهرها آباؤهم النرجسيون‬
‫بهم‪ ،‬وبدفاعاتهم ضد أشكال نقد والديهم‪ ،‬وتالعبهم‪ ،‬واستغاللهم‪ ،‬ورفضهم‪.‬‬
‫ويصف إيالن غولمب األمر على النحو اآلتي‪« :‬نتيجة دفاعية مريعة تتمثل في االستقرار في وجود‬
‫آلي عاطفًّيا ال نشعر فيه بألم الطفولة‪ ،‬وال تحقيق مسرات الحياة‪ ،‬ومن دون أحاسيس‪ ،‬وحيادية‪،‬‬
‫نذعن لحظر الوالدين في أن نصبح أشخاًص ا مستقلين»‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب معالجة المرآة ‪2 #‬‬


‫‪ .1‬اكتب كل المرايا السلبية التي وضعها والداك أمامك‪ ،‬ومع أنه قد تجد كثيًر ا من أشكال الوصف‬
‫واألمثلة أو حتى جميعها تنطبق عليك‪ ،‬فهل هناك من مرآة بعينها تجدها تنطبق عليك أكثر من‬
‫غيرها؟‬
‫‪ .2‬اكتب وصًفا مفصاًل للطريقة التي تعامل بها والداك معك‪ ،‬واذكر أي سلوك من جانبهما أدى بك‬
‫إلى الشعور بعدم المناسبة‪ ،‬وعدم الكفاءة‪ ،‬وغير محبوب‪ ،‬والخزي‪ ،‬وبال قيمة‪ ،‬أو العجز‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 3‬جسدك بوصفه مرآة‬

‫ال يحّفُز احتقاُر الذات تغييًر ا أبدًّيا‬

‫جين ر‪ .‬هايرستمان‪ ،‬وكارول هـ‪ .‬منتر‬


‫‪Jane R. Hirschmann And Carol H. Munter‬‬
‫‪When Women Stop Hating Their Bodies‬‬

‫إن صورة جسمك‪ /‬جسدك والطريقة التي تشعر بها‪ ،‬وتهتم بجسمك‪ ،‬هي أجزاء أساسية من شعورك‬
‫العام بقيمة الذات ومستوى احترامها‪ ،‬وإن كل العمل الذي ستقوم به في هذا الكتاب سيساعدك على‬
‫رفع مستوى احترام الذات‪ ،‬ولكننا سنركز في هذا الفصل على صورة جسمك‪ ،‬وسنبدأ بمساعدتك‬
‫على أن تصبح أكثر وعًيا بصورة جسمك‪ ،‬ومن أين أتت أفكارك عن جسمك‪ ،‬وسنركز الحًقا في‬
‫الكتاب على كيفية إجراء تحسينات دائمة‪ ،‬ومهمة لصورة جسمك‪.‬‬

‫صورة الجسد هي النظرة أو التصور الذي لديك عن مظهرك المادي‪ ،‬ما هي األشياء التي تعتقد أنها‬
‫تنتمي لك‪ ،‬وما هي األشياء التي تعتقد أنها تنتمي إلى اآلخرين‪ ،‬وبالنسبة إلى كثير من الناس‪ ،‬فإن‬
‫تدني احترام الذات سببه صورة سلبية لصورة الجسد‪ ،‬بينما بالنسبة إلى اآلخرين‪ ،‬يأتي تدني احترام‬
‫الذات أواًل ‪ ،‬وتتأتى صورة الجسم السلبية عنه‪.‬‬

‫غالًبا ما تعكس أجسادنا ما نشعر به تجاه أنفسنا‪ ،‬وماذا يقوله جسدك عنك؟ ما هي الطرق التي يعكس‬
‫بها إحساسك العام قيمَة ذاتك؟ هل يقول جسدك‪« :‬أشعر بالرضا بنفسي حًّقا» أم أنه يقول‪« :‬أشعر‬
‫حًّقا بال قيمة تجاه نفسي؟»‪.‬‬
‫إضافة إلى ما تشعر به حيال نفسك‪ ،‬فإن جسدك هو انعكاس ألشياء أخرى كثيرة بما في ذلك‪:‬‬

‫• ما مدى شعورك باألمان في العالم؟‬

‫• مستوى صحتك العاطفية و ‪ /‬أو الجسدية‪.‬‬


‫• كيف تم االعتناء بك جسدًّيا‪ ،‬وعاطفًّيا عندما كنت طفاًل ‪.‬‬

‫• الرسائل التي ينقلها والداك بشأن كمال الجسد‪.‬‬

‫• الرسائل التي وجهها لك والداك حول العناية الذاتية‪.‬‬


‫• الرسائل التي تلقيتها من والديك (وآخرين) حول شعورهم تجاه جسدك‪.‬‬
‫الحقيقة المحزنة هي أنه حتى لو كان لديك جسد شبه كامل‪ ،‬فقد ال تكون قادًر ا على تقديره‪ ،‬وأشد ما‬
‫يكون ذلك صحيًح ا إذا ُأهملت أو أسيء إليك عاطفًّيا‪ ،‬عندما كنت طفاًل ‪ ،‬وقد يكون لديك ميل إلى‬
‫البحث عن أدنى عيب‪ ،‬وتركز على عيوبك كثيًر ا‪ ،‬لدرجة تبدو أنها تطغى على كل صفاتك الجيدة‬
‫األخرى‪ ،‬ويأخذ بعض الناس ذلك إلى درجة قصوى‪ ،‬لدرجة أنهم يصابون بما يسمى اضطراب‬
‫الجسم المشوه‪ ،‬أو ‪.)BDD) body dysmorphic disorder‬‬

‫ويشعر الكثير من المراهقين بالقلق باستمرار حيال وزنهم ومظهرهم‪ ،‬ولكن بعضهم يصبح مهووًسا‬
‫بعيب معين أو عيب متصور‪ ،‬وكان هذا هو الحال مع كيمبرلي‪ ،‬الذي في السادسة عشرة من‬
‫عمرها‪ ،‬فقد كانت كيمبرلي مقتنعة أن ذقنها كبيرة جًّدا‪ ،‬وكانت تنظر باستمرار في المرآة‪ ،‬متفحصة‬
‫ذقنها من زوايا مختلفة‪ ،‬وكانت مهووسة بأي تسريحة شعر تموه ذلك على النحو األفضل‪ ،‬وعندما‬
‫حاول اآلخرون إخبارها بأن ذقنها جيدة‪ ،‬لم تصدقهم‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬ضغطت على والديها إلرسالها‬
‫إلى جراح تجميل لتصحيح المشكلة‪ ،‬وعندما رفض والداها السماح لها بإجراء الجراحة‪ ،‬أصبحت‬
‫مستاءة للغاية‪ ،‬ورفضت الذهاب إلى المدرسة بعد ذلك‪ ،‬وأوحى سلوكها لوالديها ‪ -‬وبحق ‪ -‬أن ذلك‬
‫كان أكثر من هوس المراهق النموذجي حيال مظهره‪ ،‬وأن كيمبرلي في حاجة إلى العالج‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المهووسون والمتجنبون‬
‫ينزع األشخاص الذين يعانون من مشكالت تتعلق باحترام الذات‪ ،‬وصورة الجسد‪ ،‬ونقد الذات إلى‬
‫الوقوع في فئتين رئيستين ‪ -‬المهووسين والمتجنبين ‪ -‬ويميلون إلى التعامل مع المرآة بطرق مختلفة‬
‫جًّدا‪.‬‬

‫وينشغل المهووسون بالطريقة التي يبدون بها‪ ،‬ويميلون إلى النظر في المرآة كثيًر ا‪ ،‬إن لم يكن دائًم ا‪،‬‬
‫ويدققون في مالمح وجههم‪ ،‬وشعرهم وبشرتهم‪ ،‬وهم مهووسون بأي جزء من الجسم يشعرون أنه‬
‫سمين جًّدا‪ ،‬أو نحيف جًّدا‪ ،‬أو طويل جًّدا‪ ،‬أو قصير جًّدا‪ ،‬أو معوج جًّدا‪ ،‬وعندما يرتدون مالبسهم‪،‬‬
‫فهم مهووسون إن كانت المالبس تبدو جيدة عليهم‪ ،‬وطوال اليوم يقومون بالنظر في المرآة؛ للتأكد‬
‫إن كان مظهرهم يبدو مقبواًل ‪.‬‬

‫وقد ينظر المتجنبون مدة وجيزة في المرآة عندما يرتدون مالبسهم‪ ،‬أو بضع دقائق في اليوم كله؛‬
‫للتأكد من أن شعرهم أو مكياجهم على ما يرام‪ ،‬وإال فنادًر ا ما ينظرون في المرآة‪ ،‬وينظر كثير من‬
‫المتجنبين في المرآة دون النظر حًّقا ‪ -‬فقط لمحة سريعة؛ للتأكد من أن مالبسهم متطابقة أو أن أحمر‬
‫شفاههم على ما يرام ‪ -‬ولكنهم يتجنبون النظر بتمعن‪ ،‬وقد يكون سبب تجنب المرآة هذا هو رفضهم‬
‫األساسي لمظهرهم‪ ،‬ولهذا السبب فهو مؤلم بالنسبة إليهم النظر إلى أنفسهم‪ ،‬ويشعر آخرون بقبح‬
‫سريرتهم‪ ،‬لدرجة أنهم يرون فقط القبح عندما ينظرون في المرآة‪ ،‬بغض النظر عن درجة جاذبيتهم‬
‫في حقيقة األمر‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف ُتنشأ صورة أجسادنا؟‬


‫تأتي صورة أجسادنا إلى حد كبير من الدخل المادي والعاطفي الذي نتلقاه في طفولتنا‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من أن الصور والتوقعات التي مبعثها وسائل اإلعالم لها تأثير بالتأكيد‪ ،‬إال أن الرسائل من المهمين‬
‫اآلخرين‪ ،‬لها تأثير أكثر درامية على ما نشعر به جسدًّيا وعاطفًّيا عن أجسادنا بوصفنا بالغين‪.‬‬

‫ولآلباء التأثير األكثر عمًقا في صورة أجسامنا‪ ،‬وإذا هم أحبوا كيف نبدو وأخبرونا بذلك‪ ،‬سنواجه‬
‫العالم ونحن في المقدمة دائًم ا؛ ولكن من الناحية األخرى‪ ،‬إذا كره آباؤنا مظهرنا‪ ،‬فإن صورتنا‬
‫الجسدية سوف تتأثر بطريقة سلبية‪.‬‬

‫وقد بدأ كارلوس بكره جسده وهو صغير جًّدا‪ ،‬فشرح األمر لي على النحو اآلتي‪« :‬كان والدي يتمتع‬
‫بجسم رياضي‪ ،‬وكان يريدني على شاكلته أيًض ا‪ ،‬ولكني كنت نحيًفا جًّدا‪ ،‬مثل والدتي‪ ،‬فكان يلُّح علي‬
‫باستمرار لزيادة وزني‪ ،‬وأقوي جسمي‪ ،‬ولكن بغض النظر عن مقدار ما أكلت أو مارست الرياضة‪،‬‬
‫بقيت نحيًفا جًّدا‪ ،‬وكنت أعلم أن والدي أصيب بخيبة أمل من مظهري‪ ،‬وقد أزعجني ذلك كثيًر ا‪،‬‬
‫وجعلني أشعر بالخجل‪ ،‬وعندما كنت في المدرسة‪ ،‬كنت أكره حصص الصالة الرياضية‪ ،‬وما كنت‬
‫أرغب في نزع قميصي؛ ألنني كنت أخجل من صدري الصغير الضعيف»‪.‬‬

‫وعندما يولي اآلباء أهمية كبيرة للمظهر الخارجي‪ ،‬غالًبا ما يغرسون في أطفالهم مياًل إلى المبالغة‬
‫في التأكيد على المظهر‪ ،‬وكان هذا هو الحال مع أنيت‪« :‬كانت والدتي جميلة جًّد‪ ،‬وكانت تقضي‬
‫الكثير من الوقت في االعتناء بمظهرها‪ ،‬ولقد علمتني أن أفعل الشيء نفسه منذ أن كنت صغيرة جًّدا‪،‬‬
‫فلو وجدت شعرة واحدة ليست في مكانها في رأسي‪ ،‬كانت تغضب مني‪ ،‬ويبدو أن والدي كان أيًض ا‬
‫يولي الكثير من االهتمام بمظهري ومظهر أمي‪ ،‬وكان دائًم ا يدلي بتعليقات حول كم كانت أمي‬
‫جميلة‪ ،‬وكان يقول لي دائًم ا‪ :‬إنني أبدو حلوة‪ ،‬ولكني عرفت أنني لن أكون جميلة مثل والدتي؛ ألنني‬
‫لم أرث قسماتها الجميلة‪ ،‬ولقد نشأت وأنا أفكر أن الجمال هو الشيء األكثر أهمية الذي يجب على‬
‫المرأة أن تقدمه للرجل‪ ،‬وأنه كي تحافظي على الرجل عليِك أن تعملي على الظهور بمظهر جميل‬
‫طوال الوقت»‪.‬‬

‫وعامل آخر يؤثر في صورة جسمك هو إن كان أبواك راضيين عن مظهرهما‪ ،‬ويمكن آلباء بصورة‬
‫جسم فقيرة أن ينقلوا مواقفهم ومشاعرهم السلبية إلى أطفالهم‪ ،‬ما يجعلهم يكرهون أجسادهم‪ ،‬وأشُّد ما‬
‫يكون ذلك صحيًح ا إذا كنت تشبه والًدا يكره جسده‪.‬‬
‫وكانت والدة مادلين‪ ،‬أرمنية األصل‪ ،‬تعاني من كثافة في شعر الجسم‪ ،‬كما كان حال كل فرد من‬
‫عائلة والدتها‪ ،‬وكان هناك شعر أسود على ذراعيها‪ ،‬وفخذيها‪ ،‬وساقيها‪ ،‬وحتى على وجها‪« :‬عندما‬
‫كنت صغيرة‪ ،‬أتذكر أن والدتي كانت تستخدم منتًج ا يسمى ناير؛ إلزالة الشعر من أجزاء مختلفة من‬
‫جسدها‪ ،‬وكانت دائًم ا قلقة من أن ينمو الشعر مرة أخرى»‪ ،‬وأخبرتني مادلين‪« .‬عندما كنت في‬
‫الثانية عشرة من عمري‪ ،‬وبدأت في النمو‪ ،‬بدأْت تقلق على شعر جسدي‪ ،‬فعلمتني كيفية استخدام‬
‫مزيل الشعر‪ ،‬وكانت تلح علي باستخدامه بمجرد أن يبدأ حتى أدنى قدر منه بالظهور‪ ،‬فكرهت‬
‫استخدامه‪ ،‬فقد كان نتن الرائحة ومربًكا في استخدامه‪ ،‬وكان يتسبب أحياًنا بطفح جلدي‪ ،‬ولكنها‬
‫أصرت على استخدامه‪ ،‬حتى عندما أحتج على ذلك‪ ،‬وعندما أصبحت مراهقة بدأت أشعر بالخجل؛‬
‫لكوني مشعرة جًّدا‪ ،‬وأصبحت مهووسة مثل أمي بالتأكد دائًم ا من إزالته‪ ،‬والحظت أن الفتيات‬
‫األخريات لم تكّن مشعرات كما كنُت ‪ ،‬وبطريقة ما أصبح الشعر مصدر خجل بالنسبة إلي‪ ،‬بحيث‬
‫إنني بدأت أكره جسدي؛ لكوني مشعرة جًّدا»‪.‬‬

‫وأسقطت والدة شيلي صورتها الجسدية السيئة أيًض ا على ابنتها‪« :‬منذ أن كنت طفلة صغيرة‪ ،‬أتذكر‬
‫أن والدتي كانت تصارع وزنها دائًم ا‪ ،‬واستخدمْت جميع أنواع الحميات الغذائية لتخفيف الوزن‪،‬‬
‫وأحياًنا تتضور جوًعا أياًم ا عدة‪ ،‬وعندما بلغُت عشر سنوات‪ ،‬بدأْت في التركيز على وزني أيًض ا‪،‬‬
‫وقال لها الطبيب‪ :‬إن وزني كان طبيعًّيا‪ ،‬ومن المحتمل أن أتخلص من دهون مرحلة الطفولة‪ ،‬ولكنها‬
‫لم تصدقه‪ ،‬حيث جعلتني أتبع حميات غذائية معينة‪ ،‬وكانت تتابع ما أتناوله من غذاء بدقة»‪ ،‬واستمر‬
‫هذا طوال المرحلة اإلعدادية‪ ،‬وبدخول شيلي المدرسة الثانوية‪ ،‬كانت تعاني من مشكلة خطيرة تتعلق‬
‫بصورتها الذاتية‪ ،‬فقد اعتقدْت أنها كانت بدينة على الرغم من أنها لم تكن كذلك‪« :‬حتى إنني كنت‬
‫أرى نفسي بدينة عندما كنت أنظر في المرآة‪ ،‬مع أنني كنت أنحُف وأنحُف » وبوصول شيلي‬
‫السادسة عشرة‪ ،‬كانت تتقيأ أي طعام تأكله‪ ،‬وأصبحت مصابة بفقدان الشهية‪ ،‬وقد عملت مع شيلي‬
‫خالل العامين الماضيين‪ ،‬أساعدها على التغلب على مشكلتها‪ ،‬وأن ترى نفسها بدقة‪ ،‬بداًل من أن ترى‬
‫نفسها منتقدًة‪.‬‬

‫ومثل شيلي‪ ،‬لدى الكثير من الناس صور سلبية عن أجسادهم‪ ،‬ليس ألن لديهم أجساًم ا غير جذابة‪،‬‬
‫ولكن ألنهم يرون أنفسهم بشكل غير صحيح‪ ،‬وإن صورهم عن أنفسهم الجسدية مشوهة؛ إما ألنهم‬
‫يرون حجمها وشكلها العامين أكثر بدانة‪ ،‬أو أكثر نحافة‪ ،‬أطول أو أقصر مما هي عليه في الواقع ؛‬
‫أو ألنهم ينظرون إلى أجزاء معينة من الجسم بطريقة مشوهة‪ ،‬وعندما يحدث هذا األخير‪ ،‬فإنهم ال‬
‫يرون فقط أن أنفهم طويل‪ ،‬أو حب الشباب‪ ،‬أو الوركين العريضين أو الثديين المترهلين أو‬
‫المؤخرات الكبيرة أكثر بشاعة مما هي عليه حقيقة‪ ،‬ولكنهم يرون هذه العيوب المتخيلة أو الحقيقية‬
‫أنها تسيطر على ذواتهم الجسدية بالكامل‪ ،‬كما فعلت كارال‪« :‬الجميع يخبرني بأنني جميلة جًّدا‪،‬‬
‫ولكني أعلم أنني لست كذلك حًّقا؛ فإنهم ال يعرفون أن لدي هذين الوركين والفخذين الضخمين؛ ألنني‬
‫أفعل ما في وسعي إلخفائها‪ ،‬ولكن عندما أنظر في المرآة فإن كل ما أراه هو هذين الوركين‬
‫والفخذين‪ ،‬فإنهما يثيران اشمئزازي لدرجة أنني أرفض ارتداء بذلة استحمام أو شورت‪ ،‬وأعلم أن‬
‫ًّق‬
‫اآلخرين سيشعرون باالشمئزاز إذا رأوا كيف أبدو حًّقا»‪ .‬ولسوء الحظ‪ ،‬عميت كارال عن رؤية‬
‫سماتها الجسدية األخرى؛ بشرتها الجميلة‪ ،‬وشعرها الجميل‪ ،‬والكتفين الجميلين‪ ،‬والثديين الحلوين‪،‬‬
‫ومالمح وجهها المدهشة‪.‬‬

‫كارال ليست وحدها؛ إذ إن كثيًر ا من الناس قضاة قساة على أنفسهم‪ ،‬ولديهم وجهة نظر مشوهة عن‬
‫كيفية إبهار اآلخرين‪ ،‬وإن معظم الناس‪ ،‬وال سيما النساء‪ ،‬ليسوا بغير جذابين كما يعتقدون‪ ،‬حيث‬
‫وجد البحث الحديث أن اثنين في المئة فقط من النساء راضيات عن الطريقة التي يظهرن بها‪،‬‬
‫وأظهرت الدراسات أن عدًدا قلياًل نسبًّيا من النساء ينظرن في المرآة من دون التركيز على كل‬
‫األشياء التي يرغبن في تغييرها‪ ،‬بينما يميل الرجال إلى أن يكونوا أكثر تقباًل لما يرونه‪ ،‬وتميل‬
‫النساء إلى تشويه تصوراتهن عن أجسادهن سلًبا‪ ،‬في حين أن الرجال ‪ -‬بشكل غير واقعي تماًم ا ‪-‬‬
‫يشوهون تصوراتهم إيجاًبا بطريقة يضخمون من أنفسهم‪.‬‬
‫وتركز النساء بشكل مفرط على الطريقة التي تبدو بها أجسامهن‪ ،‬ويفترضن أن الرجال ينجذبون‬
‫إليهن أساًسا وفقط بسبب أجسامهن‪ ،‬ومع أن ثقافتنا تضع‪ ،‬في الواقع‪ ،‬قيمة عالية على الجاذبية‬
‫الجسدية‪ ،‬ال تأخذ النساء في الحسبان شخصياتهن‪ ،‬وذكاءهن‪ ،‬وعقولهن‪ ،‬وحساسيتهن‪ ،‬وقدرتهن‬
‫على التحدث مع اآلخرين‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬قدرتهن على الحب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫هل تحكم على نفسك بدقة؟‬


‫تعكس صورة الجسم السيئة التي يشعر بها كثير من الناس حقيقة أن شيًئا ما حدث في الطفولة أدى‬
‫إلى تقويض ثقتهم بأجسادهم‪ ،‬ومع األسف نحن جميًعا ُنعلم منذ سن مبكرة أن األشخاص الجذابين‬
‫أيًض ا أكثر قيمة (على سبيل المثال‪ ،‬تظهر األبحاث الحديثة أن اآلباء يعاملون أطفالهم الجذابين بشكل‬
‫أفضل من أطفالهم غير الجذابين)‪ .‬وكذلك ُعلمنا أيًض ا ما يعّد جذاًبا في دائرتنا االجتماعية الضيقة‬
‫فقط‪ ،‬ويبدأ هذا التدريب في وقت مبكر جًّدا‪ ،‬عندما ُيعطى األطفال الصغار والرضع الجميلون القدر‬
‫األكبر من االهتمام من قبل الغرباء‪ ،‬وببطء عندما يكبر األطفال‪ ،‬سُيعاملون بطريقة معينة اعتماًدا‬
‫على مدى حالوتهم‪ ،‬وما هي المالبس التي يرتدونها‪ ،‬وما هو لون بشرتهم‪.‬‬
‫وال ينبغي أن يكون مفاجًئا أن الدراسات أظهرت أن األطفال األكثر جمااًل يميلون إلى تطوير الثقة‬
‫بالنفس أكبر‪ ،‬وتقدير ذات أرفع مقارنة باألطفال الذين ُينظر إليهم على أنهم أقل جاذبية‪ ،‬وإذا ابتسم‬
‫لك الكبار باستحسان وقالوا لِك ‪ :‬كم أنت لطيفة أو جميلة‪ ،‬أو كم أنَت وسيم وأنت تكبر‪ ،‬فلربما شعرت‬
‫باستحسان كبير حيال جسدك والطريقة التي ظهرت بها‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬إذا قال الكبار غير‬
‫الحساسين أشياء مثل‪« :‬يا إلهي‪ ،‬إنها سمينة‪ ،‬أليس كذلك؟» أو «إنه يشبه والده ال محالة» (ما يعني‬
‫أنه ال يشبه والدته الجذابة)‪ ،‬فلربما انتهى بك األمر إلى عدم الشعور بالرضا عن مظهرك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫قبول األقران ورفضهم‬
‫من المهم جًّدا لألطفال والمراهقين أن يقبلهم أقرانهم‪ ،‬وإذا حصلوا على هذا القبول‪ ،‬فإنهم يميلون إلى‬
‫احترام ذواتهم بنسبة عالية‪ ،‬بينما يميل أولئك الذين يعانون من الرفض أو المضايقة أو الالمباالة إلى‬
‫تدني احترام الذات عندهم‪ ،‬وتعّد األلقاب أمًر ا مؤلًم ا بشكل خاص لألطفال‪ ،‬ويمكن أن تؤثر سلًبا في‬
‫صورة أجسامهم‪ ،‬وإن األلقاب مثل فاتسو (داللة على البدانة المفرطة) يمكن أن ترافق الشخص مدى‬
‫الحياة‪ ،‬كما حدث لهانك‪« :‬من الصعب جًّدا التفكير في نفسك أنك جذاب جنسًّيا عند النساء‪ ،‬عندما‬
‫كان ُيطلق عليك (جحش دراسة) أو (درويش) في معظم أيام طفولتك‪ ،‬فال تزال هذه الكلمات ترّن‬
‫في أذني‪ ،‬في كل مرة أفكر فيها أن أطلب من فتاة الخروج معي»‪.‬‬
‫ويمكن للرفض أو الالمباالة من الجنس اآلخر أن يكون مدمًر ا بشكل خاص لصورة الشخص‬
‫الجسدية‪ ،‬ويمكن أن يكون بداية العتقاد المراهقة بأنها ليست جذابة أو مرغوبة‪ ،‬كما حدث مع إيلين‪:‬‬
‫«لم يهتم بي األوالد أبًدا في المدرسة‪ ،‬فقد كنت أطول من معظمهم‪ ،‬ولم يكن بوسع والدّي شراء‬
‫مالبسي من متجر متخصص؛ لذلك كانت مالبسي عادًة إما قصيرة جًّدا أو طويلة جًّدا‪ ،‬وبوصولي‬
‫إلى المدرسة اإلعدادية‪ ،‬كنت قد تخليت تماًم ا عن محاولة لفت انتباههم»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫آثار اإلساءة العاطفية واإلهمال والخنق العاطفي في



‫صورة جسمنا‬
‫نعاني جميًعا من مشكالت مع أجسادنا‪ ،‬ونشعر أننا سمينون جًّدا‪ ،‬أو أقصر من الالزم‪ ،‬أو أن أجسادنا‬
‫ليست متناسقة‪ ،‬ولكن إن كنا أوذينا أو ُح رمنا عاطفًّيا في طفولتنا‪ ،‬فإننا نميل إلى أن نعاني من‬
‫مشكالت أكبر مع أجسادنا‪ ،‬وربما قد أخذنا في الحسبان رسائل وتوقعات والدينا السلبية حول‬
‫أجسادنا في تعليقات مثل‪« :‬هللا يساعدك على أنفك الذي هو مثل خرطوم الفيل» ولكن األهم من ذلك‬
‫هو أنه عندما ننظر في المرآة غالًبا ما نرى كراهيتنا لذاتنا ترتد إلينا ثانية؛ كراهية الذات التي تأتي‬
‫غالًبا من التعرض لالنتقاد‪ ،‬أو التجاهل‪ ،‬أو نظرة االحتقار من ِقبل والدينا‪.‬‬

‫وإذا تعرض الطفل لالعتداء العاطفي أو الجسدي أو الجنسي‪ ،‬فمن المحتمل‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬أن يعاني‬
‫من صورة جسدية إشكالية‪ ،‬وال شيء يؤدي إلى تآكل ثقة الطفل بنفسه أكثر من التعرض لهذا النوع‬
‫من اإلساءة‪ ،‬وال سيما عندما تأتي من الوالدين‪ ،‬ومرُّد ذلك جزئًّيا إلى أن األطفال يميلون إلى إلقاء‬
‫اللوم على أنفسهم‪ ،‬بداًل من أن يكونوا مستعدين لتحمل تجربة العزلة التي يمكن أن تتأتى عن الشعور‬
‫بالغضب تجاه الوالد المسيئ‪ ،‬فيتحول قدر عظيم من لوم الذات إلى كره للذات‪ ،‬وال سيما كراهية‬
‫الطفل لجسده‪.‬‬
‫ويهاجم كثير من اآلباء المؤذين عاطفًّيا مظهر أطفالهم الجسدي‪ ،‬كما في حالة بريندا‪« :‬كان والدي‬
‫يمُّر دورًّيا في حالة هياج‪ ،‬حيث يصرخ ويرمي األشياء على أمي‪ ،‬وبعد ذلك يقتحم غرفة نومي‪،‬‬
‫ويصرخ في وجهي بعبارات مروعة‪ :‬إنني قبيحة‪ ،‬ولن يرغب بي أحد أبًدا‪ ،‬وال أستطيع أن أحصي‬
‫لك كم مرة سمعت هذه الكلمات نفسها مراًر ا وتكراًر ا في رأسي»‪.‬‬
‫ولآلباء تأثير هائل في صورة جسد االبنة‪ ،‬وإن عرفت الفتاة أن والدها يحبها‪ ،‬ويعتقد أنها جذابة‪،‬‬
‫فمن األكثر احتمااًل أنها ستشعر بأنها جذابة للرجال اآلخرين‪ ،‬ولكن من ناحية أخرى‪ ،‬فإن هي‬
‫شعرت بالرفض من والدها‪ ،‬أو إن اعتقدت أنه يراها غير جذابة‪ ،‬فإنها سوف ستعمم ذلك على جميع‬
‫الرجال‪.‬‬

‫وعندما ُيصنف الجسم بأنه غير مالئم‪ ،‬وال سيما من ِقبل أحد الوالدين‪ ،‬فإن النفس تشعر بالتقزم‬
‫كذلك‪ ،‬وقد يؤدي ذلك إلى سلوكات مدمرة بذاتها‪ ،‬وغالًبا ما يتجاهل البالغون الذين تعرضوا لإليذاء‪،‬‬
‫وهم أطفال‪ ،‬أجساَم هم‪ ،‬ويهملونها‪ ،‬وربما يسيئون إليها‪ ،‬إذ يعّدونها مدعاة للخزي‪ ،‬ويميل الناجون من‬
‫اإلساءة إلى إخفاء أجسادهم؛ يخفونها عن أنفسهم‪ ،‬وعن بقية العالم‪.‬‬

‫ويمكن إلهمال الوالدين أو ازدرائهم‪ ،‬أو إساءتهم اللفظية أن يقنع الطفل أن ال قيمة له أبًدا‪ ،‬وغير‬
‫محبوب وقبيح من الداخل والخارج‪ ،‬وقد كان هذا هو حال مراجعتي مارلين‪« :‬ال يمكنني النظر في‬
‫المرآة؛ فإنني أكره ما أراه فيها‪ ،‬وإنني أنظر في المرآة بضع ثواٍن فقط؛ ألمشط شعري‪ ،‬أو أضع‬
‫بعض أحمر الشفاه»‪ .‬وإن سبب شعور مارلين بذلك تجاه نفسها أن والديها عامالها بازدراء‪ ،‬أوضحا‬
‫لها أنهما ال يريدانها‪ ،‬وأنها عقبة في طريقهما‪ ،‬ويمكن أن يتسبب انتقاد الوالدين وازدراؤهم لألطفال‬
‫بكره األطفال ألنفسهم وأجسادهم‪ ،‬ما يؤدي في كثير من األحيان‪ ،‬إلى تشويه الذات وسلوكات أخرى‬
‫مدمرة للذات‪ ،‬ومن أجل شفاء كراهية الذات هذه‪ ،‬احتاجت مارلين إلى العمل على رفض الرسائل‬
‫األبوية السلبية‪ ،‬التي ساعدت على إنشائها‪( .‬سوف تتعلم كيفية القيام بذلك في الجزء الثاني من هذا‬
‫الكتاب)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬ما هي الرسائل التي تلقيتها؟‬


‫‪ .1‬ضع في قائمة جميع الرسائل المتعلقة بجسدك‪ ،‬التي تتذكر أنك تلقيتها من أقرانك وإخوتك‬
‫وأصدقائك منذ أن كنت طفاًل حتى الوقت الحاض‪.،‬و اذكر األلقاب والشتائم من إخوتك وأقرانك‪،‬‬
‫واألشياء التي قالها لك األصدقاء والمحبون‪.‬‬
‫‪ .2‬اذكر الرسائل التي تلقيتها من والديك بخصوص جسمك‪ ،‬واذكر الرسائل اللفظية وغير اللفظية‪.‬‬

‫‪ .3‬راجع القائمتين‪ ،‬وضع نجمة بجانب كل رسالة ال تزال تؤثر فيك (تلك التي ما زلت تؤمن بها‪،‬‬
‫وتلك التي ال تزال تترد في رأسك)‪.‬‬
‫ينزع األطفال الذين تعرضوا النتقادات شديدة من ِقبل والديهم‪ ،‬وال سيما انتقاد أجسادهم‪ ،‬إلى تمثل‬
‫البحث عن العيوب داخلًّيا‪ ،‬فإنهم ينظرون إلى أجسادهم بطريقة انتقادية مماثلة‪ ،‬حيث يقّيمون‬
‫ويرفضون أدنى العيوب‪ ،‬وطالما أننا نستمر في مقارنة أنفسنا بمعيار مثالي‪ ،‬فإننا نستنتج أن تحسين‬
‫الذات ضروري لقبول الذات‪.‬‬
‫ُص مم التمرين اآلتي لمساعدتك على بدء النظر إلى جسمك بطريقة مختلفة تماًم ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬ما الذي يحاول جسدك إخبارك به؟‬


‫‪ .1‬انظر إلى وجهك في المرآة‪ ،‬فما الذي يقوله لك وجهك عن نفسك؟ على سبيل المثال‪ ،‬هل تبدو‬
‫حزيًنا؟ غاضًبا؟ خائًفا؟ خجالَن ؟‬
‫‪ .2‬اقترب أكثر من المرآة‪ ،‬وانظر بعمق في عينيك‪ ،‬فما الذي تراه هناك‪ :‬خوًفا؟ غضًبا؟ حزًنا؟‬
‫عاًر ا؟‬

‫‪ .3‬في مرآة طويلة‪ ،‬ألِق نظرة فاحصة على جسمك‪ ،‬ليس من وجهة نظر تقييمه‪ ،‬ولكن من رؤية ما‬
‫يقوله جسدك عنك‪ ،‬فما الذي يخبرك جسمك عن نفسك؟ هل يحاول إخبارك أنك غاضب؟ حزين؟‬
‫خائف؟ خجالن؟ هل يحاول أن يقول لك‪ :‬إنك ال تعتني به بالشكل الصحيح؛ أي إنك تهمله بالطريقة‬
‫نفسها التي فعلها والداك؟ هل يحاول إخبارك أنك تسيء له بالطريقة نفسها التي أساء بها والداك له؟‬
‫هل يخبرك جسدك بأنه يحاول حمايتك من مزيد من األذى؟‬
‫‪ .4‬ألِق نظرة فاحصة على وضعية وقوفك‪ ،‬فهل تقف منتصًبا‪ ،‬أو أنك تميل إلى االنحناء؟ هل أحد‬
‫الكتفين أعلى من اآلخر؟ ما رأيك فيما تقوله هذه األشياء عنك؟‬
‫‪ ‬‬

‫مسائل الجسم بوصفها إشارات تحذيرية‬


‫في بعض األحيان تكون أعضاء أجسامنا التي أشد ما نكرهها هي بسبب الوراثة؛ نرث أنف أحد‬
‫الوالدين أو االستعداد إلى أن نكون نحيفين جًّدا‪ ،‬ولكن في أحيان أخرى‪ ،‬تكون منطقة الجسم التي بها‬
‫مشكلة هي إشارة تحذيرية‪ ،‬تخبرنا أن هناك شيًئا غير سليم‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬غالًبا ما يستخدم‬
‫األشخاص الذين يعانون من السمنة األكَل إلنكار األلم الداخلي‪ ،‬وإن السماح ألنفسهم باالعتراف‬
‫باأللم والشعور به‪ ،‬يمكن أن يساعد على التخفيف من الحاجة إلى قمع المشاعر بالطعام‪.‬‬

‫أجسادنا مرايا؛ فإنها تعكس حقيقة ما يجري بداخلنا‪ ،‬وإذا كنت حزيًنا‪ ،‬سيعكس وجهك وجسمك هذا‬
‫الحزن بطريقة ما‪ ،‬وإذا نظرت بعمق في عينيك‪ ،‬سترى الحزن واأللم الذي بداخلك‪ ،‬وإذا نظرت إلى‬
‫قسمات وجهك‪ ،‬من المحتمل أن ترى الحزن في هبوط فمك‪ ،‬والتوتر في خطوط مقروصة بين‬
‫حاجبيك‪.‬‬

‫ويعكس جسمنا أيًض ا كيف نشعر حًّقا تجاه أنفسنا‪ ،‬فلو كنا مليئين بالكراهية الذاتية‪ ،‬من المحتمل أن‬
‫نراها في أجسادنا‪ ،‬ومن المحتمل أن ُتكشف بكوننا نحيفين للغاية بسبب حرمان أنفسنا من التغذية‬
‫الضرورية‪ ،‬ويمكن الكشف عن ذلك بمعاقبة أجسادنا بالكحول أو المخدرات‪ ،‬أو قد ُيكشف عن ذلك‬
‫بالندوب على أذرعنا بالجرح المستمر‪.‬‬

‫وعندما كانت آنا صغيرة جًّدا‪ ،‬لم يكن والداها يتوقعان أي شيء جيد أو سيئ منها‪ ،‬فببساطة لم‬
‫يرياها‪« :‬كان األمر كما لو أنني لم أسجل بوصفي ابنتهما‪ ،‬فقد كانا مشغولين جًّدا بحياتهما الخاصة‪،‬‬
‫ومركزين على مشاعرهما واحتياجاتهما الخاصة‪ ،‬لدرجة لم يكن بوسعهما االلتفات إلى حاجاتي»‬
‫ومن ثم‪ ،‬فعلت آنا بنفسها ما فعله والداها بها‪ ،‬فقدجعلت نفسها غير مرئية‪ ،‬حيث عزلت نفسها في‬
‫غرفتها‪ ،‬وضاعت في عالم الكتب‪ ،‬وأنكرت مشاعرها‪ ،‬واختبأت عن نفسها الحقيقية‪.‬‬

‫وبعدما كبرت آنا‪ ،‬غالًبا ما عاقبها والداها عن أشياء لم تفعلها‪ ،‬وعندما حاولت الدفاع عن نفسها‪،‬‬
‫أصبحا حتى أكثر غضًبا ورفًض ا‪.‬‬
‫«تعودت تماًم ا على أال ُأرى؛ وعندما بدأا في اتهامي بأشياء لم أفعلها‪ ،‬شعرت بألم رهيب‪ ،‬وحاولت‬
‫أن أصبح سلحفاة‪ ،‬تدخل داخل صدفة خيالية‪ ،‬ومن ثم سأكون بعيدة عن تعليقاتهما االتهامية‪،‬‬
‫واختفيت من ألمي بتناول الطعام‪ ،‬ولم يكن لدي أي طريقة أخرى لتهدئة نفسي أو إراحتها‪ ،‬وكنت‬
‫أقول لنفسي‪« :‬ال يهم ما أفعله» و“ال فائدة من الدفاع عن نفسي‪ ،‬ولن ُيجِد غضبي نفًعا؛ ولذلك كنت‬
‫أتسلل بالطعام إلى غرفتي‪ ،‬وأهدئ مشاعري‪ ،‬ولقد حولت كل غضبي إلى نفسي»‪.‬‬

‫وفي المدرسة كانت آنا خائفة بشدة من المزيد من الرفض‪ ،‬ولذلك استمرت في عزل نفسها‪« :‬كنت‬
‫قد أتقنت أداء عملي السلحفاتي عندما وصلت إلى الصف الثالث‪ ،‬فيبدو أن ال أحد كان يالحظني‪،‬‬
‫وهذا هو بالضبط ما كنت أرغب فيه‪ ،‬ففي داخلي كنت‪ ،‬من دون شك‪ ،‬أتضور جوًعا من أجل الحب‪،‬‬
‫ولكن في الخارج صنعت قوقعة صلبة أبعدت الجميع»‪.‬‬

‫وبينما كانت آنا تروي قصتها‪ ،‬أدهشتني‪ ،‬بطريقة ما‪ ،‬كيف بدت حقيقة كالسلحفاة‪ ،‬فقد كان ذراعاها‬
‫وساقاها قصيرين‪ ،‬وكان جذعها يشبه الصندوق‪ ،‬كما ستبدو السلحفاة إذا وقفت على رجليها‬
‫الخلفيتين‪ ،‬وبدت وكأنها بال رقبة على اإلطالق‪ ،‬وكان هناك صفة غير مرئية حول آنا‪ ،‬إذ كانت‬
‫تميل إلى ارتداء ألوان داكنة جًّدا‪ ،‬ولم يبرز أي شيء من سماتها حقيقة‪ ،‬ولقد رأيتها إحدى المرات‬
‫في مقهى بالقرب من مكتبي‪ ،‬فقالت لي‪ :‬مرحًبا‪ ،‬ولكني لم أميزها‪ ،‬ولم أتذكر ذلك إال بعد أن ذكرتني‬
‫برؤيتي لها في جلستنا المقبلة‪ ،‬حيث أدركت أنها كانت المرأة التي قالت لي‪ :‬مرحًبا‪.‬‬

‫كما اتضح‪ ،‬لم تجعل آنا جسدها غير مرئي تقريًبا فقط‪ ،‬ولكنها صنعت أيًض ا قناًعا عاطفًّيا لحمايتها‪:‬‬
‫«ال أحد يعرفني حًّقا‪ ،‬ولن أسمح لهم برؤية ما وراء قناعي؛ فإنني خائفة مما سيحدث إذا أظهرت‬
‫للناس من أنا حًّقا»‪.‬‬
‫ويعمل جسمك أيًض ا بوصفه حامًيا لعواطفك وذاتك أيًض ا‪ ،‬وقد دأبت والدة ماريان على انتقادها‬
‫باستمرار منذ أن كانت طفلة صغيرة جًّدا‪ ،‬وال سيما فيما يتعلق بالطريقة التي كانت تبدو بها‪ ،‬فبدايًة‬
‫كانت نحيفة جًّدا؛ لذا أعطتها والدتها زيت كبد سمك القد‪ ،‬والحقن‪ ،‬والفيتامينات لتسمينها‪ ،‬ثم أصبحت‬
‫بدينة للغاية‪ ،‬ولذلك ُو ضعت تحت سلسلة ال نهاية لها من الحميات‪ ،‬وعندما لم تنُم طواًل بما يتناسب‬
‫مع وزنها‪ ،‬أخذتها والدتها إلى الطبيب؛ لمعرفة ما إذا كان نموها تقزم بطريقة ما‪ ،‬وعندما بدأت‬
‫أخيًر ا في اكتساب الطول‪ ،‬سخرت والدتها منها‪ ،‬وأخبرتها بأن ال أحد سيريدها؛ ألنها ستكون أطول‬
‫منه‪ ،‬وبوصول ماريان سن المراهقة‪ ،‬قررت أنها ال تستطيع إرضاء والدتها أبًدا‪ ،‬وأنه كان عليها‬
‫إخفاء نفسها عن عين والدتها الناقدة‪ ،‬وفعلت هذا باكتساب قدر هائل من الوزن‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن األمر قد يبدو هزيمًة ذاتيًة الكتسابها مزيًدا الوزن‪ ،‬ومن ثم دعوة والدتها‬
‫النتقاها‪ ،‬في الواقع‪ ،‬كانت ماريان تحاول ببساطة الدفاع عن نفسها ضد تمحيص والدتها المستمر‪،‬‬
‫وطالما كانت والدتها مشتتة بسبب وزنها‪ ،‬لم تتعمق أكثر في جوانب ماريان الشخصية‪ ،‬وقد عمل‬
‫وزنها بمثابة الجدار الواقي‪ ،‬الذي يحميها من نظرة أمها الفاحصة‪ ،‬وباحتفاظها بوزنها الزائد‪ ،‬لم تكن‬
‫تشكل تهديًدا لغرور والدتها الهش‪ ،‬ولم تكن منافسة لها‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬بقيت سمينة؛ ألن ذلك حفظها من‬
‫إغضاب والدتها‪ ،‬بحيث لن تعيش حياة مستقلة؛ ولم يطلب منها الشبان الخروج للمتعة‪ ،‬ومن ثم يمكن‬
‫ألمها أن تبقيها مرتبطة بها عاطفًّيا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إعادة االتصال بجسمك‬

‫َيظهر الكثير من الضرر الناجم عن اإلساءة العاطفية واإلهمال واالختناق العاطفي على شكل‬
‫انفصال عن الجسد وتشوهات في صورة الجسد‪ ،‬ويمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات األكل‪ ،‬مثل‬
‫إفراط األكل القهري‪ ،‬والشره المَر ضي‪ ،‬وفقدان الشهية‪ ،‬وغالًبا ما يفقد األطفال الذين تعرضوا‬
‫لإليذاء أو الحرمان عاطفًّيا الصلة بأجسادهم‪ ،‬وال يعرفون كيف يقرؤون أحاسيسها ورسائلها‪ ،‬وقد‬
‫يكون ألم الرفض أو الذل أو الحرمان شديًدا‪ ،‬لدرجة أنهم يضطرون إلى تخدير أنفسهم ضده‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن هناك أحٌد لتهدئتهم عندما يكونون في حالة من عدم الراحة أو األلم‪ ،‬فعليهم عندها إيقاف‬
‫اإلحساس أو العاطفة‪ ،‬وواحدة من المشكالت الرئيسة التي يعاني منها هؤالء الناس هي عجزهم عن‬
‫تهدئة أنفسهم؛ ألنه يتم تعلم القدرة نموذجًّيا من تجربة جهود األبوين المهدئة‪.‬‬

‫وال يستجيب اآلباء المؤذون عاطفًّيا بشكل مناسب لعواطف الطفل و‪ /‬أو أحاسيس الجسم‪ ،‬ويميلون‬
‫إلى أن يكونوا بعيدين عن االتصال بمشاعر أطفالهم والتفاعل معها واالستجابة لها‪ ،‬وفًقا ألهوائهم‪،‬‬
‫وحاالتهم المزاجية واحتياجاتهم وتجاربهم السابقة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا ما استهزئ بأحد الوالدين‬
‫عندما بكى‪ ،‬فسينزع لفعل الشيء نفسه مع طفله‪ ،‬ويميل اآلباء المؤذون أو المحرومون عاطفًّيا أيًض ا‬
‫إلى عدم تصديق مشاعر واحتياجات أطفالهم‪ ،‬إذ غالًبا ما يخبرون أطفالهم بأنهم ال يشعرون حًّقا بما‬
‫يشعرون به (على سبيل المثال‪ ،‬إذا كان أحد الوالدين مشغواًل لدرجة أنه ال يمكنه التوقف إلطعام‬
‫طفله‪ ،‬فإنه يخبره أنه ليس جائًعا في حقيقة األمر)‪ .‬وألن الجسم يزودنا بأدلة حيوية عما يحدث معنا‬
‫عاطفًّيا‪ ،‬فإن العجز عن فهم رسائل أجسامنا يمنعنا من الحصول على فهم عميق ألنفسنا‪ ،‬وإن لم‬
‫نستطع فهم أحاسيسنا الجسدية فمن نكون؟ بالتأكيد نحن أكثر من مجرد أفكارنا‪.‬‬
‫ويمكن أن يعاني األشخاص الذين تعرضوا لإليذاء أو الحرمان عاطفًّيا أيًض ا من تشوهات في صورة‬
‫الجسد‪ ،‬ويشعر بعضهم بصغر حجمهم‪ ،‬بينما يشعر اآلخرون بأنهم أكبر مما هم عليه في الواقع‪،‬‬
‫ويشعر الكثيرون بأنهم أقل جاذبية بكثير مما هم عليه حًّقا‪ ،‬بسبب رسائل الوالدين السلبية على شكل‬
‫نقد‪ ،‬وأحكام وأشكال عار أو خزي أخرى‪.‬‬

‫وإن مراجعتي ليندا امرأة جميلة استثنائًّيا‪ ،‬بشعر أسود مجعد طويل‪ ،‬وعيون بنية كبيرة‪ ،‬وجسم‬
‫رياضي جميل‪ ،‬ولكنها تشعر بأنها عادية جًّدا‪ ،‬وأن الرجال يجدونها عادية؛ ألن والدها كان ينتقد‬
‫باستمرار مظهرها وهي تكبر‪« :‬والدي لم تعجبه حقيقة أنني كنت أشبه بوالدتي‪ ،‬وليس بأهله من‬
‫العائلة‪ ،‬الذين يتمتعون بشعر أشقر سابل‪ ،‬وعيون زرق‪ ،‬فقد أرادني مثيرة جنسًّيا وممتلئة‪ ،‬ولكنني‬
‫كنت دائًم ا نحيفة جًّدا‪ ،‬ولقد أزعجني بال رحمة‪ ،‬وكان يعيرني دائًم ا بشكلي‪ ،‬الذي كان يراه كشكل‬
‫صبي صغير»‪.‬‬
‫ومن أجل معالجة الضرر الناجم عن اإلساءة العاطفية واإلهمال‪ ،‬ستحتاج إلى تعلم كيفية إعادة‬
‫اكتشاف نفسك من خالل العواطف واألحاسيس الجسدية‪ ،‬وإعادة االتصال بجسمك‪ ،‬وأقدم في هذا‬
‫الكتاب أساليب إبداعية لتسهيل إعادة االتصال هذا‪ ،‬مثل تمارين الكتابة‪ ،‬وإنشاء صور ذاتية‪،‬‬
‫والتعبير عن مشاعرك بالفن‪ ،‬ولكن التغييرات الحقيقية ستتأتى عن العمل بالمرآة‪ ،‬وباالستفادة من‬
‫مفهوم (الجسد بوصفه مرآة)‪ ،‬وبتنفيذ تمارين مختلفة باستخدام المرآة حقيقة‪ ،‬ستكون قادًر ا على‬
‫معالجة صورة جسدك المشوهة‪ ،‬والبدء برؤية نفسك بطريقة أكثر واقعية وإيجابية‪.‬‬
‫وإننا جميًعا إما مفتونون أو كارهون لصورتنا في المرآة‪ ،‬وإن معظمنا منشغل بصورة جسمه‪،‬‬
‫وكيف نبدو لآلخرين‪ ،‬وكيف نجعل أنفسنا أكثر جاذبية‪ ،‬ولكن من المهم أن نفهم أنه ما لم نعالج أنفسنا‬
‫من الداخل‪ ،‬فلن نحب الشخص الذي نراه في المرآة‪ ،‬وفكرة أنه يمكنك بالفعل استخدام المرآة في‬
‫مساعدتك على التئام جروحك الداخلية‪ ،‬قد تبدو مثيرة لالهتمام بالنسبة إليك‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد يوقفك ذلك أو حتى يخيفك‪ ،‬وإذا ما كان ذلك هو حالك‪ ،‬جرب تمارين المرآة‬
‫المختلفة مرة واحدة؛ لمعرفة إن كانت فعالة بالنسبة إليك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪


:3 #‬‬
‫مرآة‪ ،‬مرآة على الحائط‬
‫‪ .1‬قف بالقرب من مرآة الحمام‪ ،‬وانظر إلى وجهك؛ هل يتولد لديك انطباع إيجابي أم سلبي عن‬
‫صورة وجهك بشكل عام؟ إذا كان لديك انطباع سلبي‪ ،‬اكتب أسباب عدم إعجابك بوجهك‪.‬‬
‫‪ .2‬افحص كل صفة من صفاتك بدقة‪ ،‬واحدة تلو األخرى‪ ،‬وأنت تنظر إلى كل صفة‪ ،‬واسأل نفسك‬
‫األسئلة اآلتية‪« :‬هل تعجبني هذه الصفة؟» «ما الذي يجعلني أحب أو أكره هذه الصفة؟» «هل‬
‫تذكرني هذه الصفة بأي شخص في عائلتي؟»‪.‬‬
‫‪ .3‬ضع في قائمة الرسائل التي تشعر بأنك تلقيتها من أبويك (أو غيرهم من مقدمي الرعاية المهمين)‬
‫حول وجهك‪ ،‬فربما تلقيت الرسائل بصوت عاٍل ‪ ،‬أو ربما تم إعطاؤها لك بطريقة غير لفظية‬
‫(بنظرات سلبية أو غياب المديح)‪.‬‬

‫‪ .4‬انظر إلى جسمك في مرآة كاملة الطول اآلن‪ ،‬وابدأ بسؤال نفسك إذا كنت تحب أو تكره شكل‬
‫جسمك‪ ،‬ثم حاول تذكر أي رسائل قد تكون تلقيتها عن جسدك من والديك‪.‬‬
‫‪ .5‬كما فعلت مع وجهك‪ ،‬انظر إلى كل جزء من جسمك (ذراعيك‪ ،‬صدرك‪ ،‬معدتك) واسأل نفسك‪:‬‬
‫«هل أحب هذا الجزء من جسدي؟» «ما الذي يجعلني أحب هذا الجزء من جسدي أو أكرهه؟» «هل‬
‫يذكرني هذا الجزء من جسدي بأي شخص آخر في عائلتي؟»‪.‬‬
‫‪ .6‬ربما شعرت بالقلق أو الحرج عندما قمت بهذا التمرين‪ ،‬فاكتب أي مشاعر نشأت بداخلك‪ ،‬وال‬
‫تحكم على المشاعر أو تحللها؛ فقط ِص ْفها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 4‬كيف يعمل عالج المرآة؟‬

‫مرآة‪ ،‬مرآة‪ ،‬على الحائط‪ ،‬أيهم األجمل على اإلطالق؟‬

‫ال يعتمد عالج المرايا على تقنية واحدة معينة‪ ،‬فبداًل عن ذلك‪ ،‬فهو يرتكز على سلسلة من الحقائق‬
‫النفسية‪ ،‬وعمليتين رئيستين‪ ،‬أسميهما «تحطيم مرآتك األبوية» (رفض الصور المشوهة التي تلقيتها‬
‫من والديك المسيئين أو المهملين عاطفًّيا) و“إنشاء مرآة جديدة» (استبدال الصور المشوهة بانعكاس‬
‫أكثر دقة لمن أنت عليه حًّقا)‪ .‬تشمل هاتان العمليتان الرئيستان سلسلة من التمارين‪ ،‬والواجبات‬
‫المنزلية‪ ،‬بعضها يتضمن مرآة فعلية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المبادئ األساسية للمعالجة بالمرآة‬


‫يعتمد العالج بالمرآة على الحقائق النفسية اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬غالًبا ما يكون سبب مشكالت تدني احترام الذات‪ ،‬وضعف صورة الجسد‪ ،‬هي الرسائل األبوية‬
‫السلبية التي ُنقلت باإلساءة العاطفية أو اإلهمال أو االختناق العاطفي‪.‬‬
‫‪ .2‬البديل الحقيقي الوحيد لنقد الذات هو معرفة حقيقة هويتك؛ إذا كان لديك إيمان عميق بأنه ال قيمة‬
‫لك‪ ،‬يجب أن تكتشف من أين جاء هذا االعتقاد‪ ،‬ولماذا تعتقد أنه صحيح‪.‬‬
‫‪ .3‬يميل األشخاص الذين لديهم تاريخ من سوء المعاملة‪ ،‬أو اإلهمال‪ ،‬إلى البقاء عالقين بوالديهم‬
‫بدافع الرغبة اليائسة في الحصول على ما لم يحصلوا عليه وهم أطفال‪.‬‬
‫‪ .4‬تنشئ اإلساءة العاطفية األبوية قاضًيا سلبًّيا داخلًّيا‪ ،‬أو ناقًدا داخلًّيا َمَر ضًّيا‪.‬‬

‫‪ .5‬غالًبا ال يطور الناجون من اإلساءة أو اإلهمال العاطفيين صورة واضحة وغير مشوهة عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬وبالحفاظ على مذكرات يومية بالمرآة‪ ،‬وإيجاد صورة ذاتية بالكلمة‪ ،‬وإكمال أنشطة أخرى‬
‫مختلفة‪ ،‬يمكن للناجين الحصول على صورة أوضح عن أنفسهم؛ ما يعجبهم وما يكرهون‪ ،‬وقيمهم‪،‬‬
‫وأهدافهم‪ ،‬وأحالمهم‪.‬‬
‫‪ُ .6‬يسقط اآلباء على أطفالهم قضاياهم التي لم تحل بعد‪ ،‬وللشفاء من الضرر الذي يسببه ذلك‪ ،‬يحتاج‬
‫البالغون من مثل هؤالء األطفال‪ ،‬إلى رفض المرآة المشوهة التي ألبسهم إياها آباؤهم‪ ،‬وإيجاد مرآة‬
‫جديدة تعكس بدقة أكبر حقيقتهم‪.‬‬
‫‪ .7‬يميل األشخاص الذين تعرضوا لإليذاء أو اإلهمال العاطفيين في طفولتهم إلى أن يكونوا مخدرين‬
‫حيال مشاعرهم‪ ،‬ويشعرون بتأثيرها‪ ،‬أو يشعرون باإلرهاق عندما تتراكم مشاعرهم‪.‬‬

‫‪ .8‬يبدأ األمر في الطفولة‪ ،‬حيث يحتاج األطفال إلى انعكاس إيجابي وعاطفي من والديهم‪ ،‬ليعرفوا‬
‫أن لهم قيمة‪ ،‬وعندما ُيعامل الطفل بتعاطف؛ أي‪ :‬عندما يستجيب الوالدان بحساسية ألفكار الطفل‬
‫ومشاعره‪ ،‬يتعلم الطفل أنه يستحق الحب والقيمة‪ ،‬وينمو تعاطفه وحبه لنفسه؛ ألنه يعكس بداخله ما‬
‫كشفه له العالم الخارجي عن قيمة ذاته‪ ،‬ومن الناحية األخرى‪ ،‬إذا لم ُيمَنح الطفل هذا التعاطف‬
‫اإليجابي‪ ،‬فلن يشعر بأنه محبوب‪ ،‬ولن يستطيع الشعور بالعطف تجاه نفسه‪.‬‬

‫‪ .9‬يحتاج البالغون الذين تعرضوا لإليذاء أو الحرمان العاطفيين إلى إيجاد (أم) داخلية حاضنة‬
‫وسريعة االستجابة‪ ،‬و)أب) داخلي آمن وقوي من أجل تزويد أنفسهم‪ ،‬بالذي فاتهم عندما كانوا‬
‫أطفااًل ‪ ،‬وينطوي ذلك على تعلم مهارات الرعاية‪ ،‬وكيفية وضع حدود فعالة‪.‬‬
‫‪ .10‬إذا ما تم تجاهل احتياجات الطفل ومشاعره باستمرار‪ ،‬أو ُر فضت‪ ،‬فلن يعرف كيف يهدئ نفسه‪.‬‬

‫‪ .11‬بااللتزام بعملية التغيير والنمو‪ ،‬نستطيع اكتشاف متى نكون أكثر قبواًل ألنفسنا ‪ -‬حتى مع كل‬
‫عيوبنا ونواقصنا ‪ -‬نحن أحرار في أن نصبح الشخص الذي كنا من المفترض أن نكون‪.‬‬
‫‪ .12‬يميل األشخاص الذين تعرضوا إلى سوء المعاملة أو اإلهمال العاطفيين‪ ،‬إلى أن يكونوا‬
‫منفصلين عن عواطفهم وأجسادهم‪ ،‬وبتمارين صورة الجسم‪ ،‬وتمارين المشاعر‪ ،‬يمكن للناجين إعادة‬
‫االتصال بهذه الجوانب المهمة من أنفسهم‪.‬‬

‫‪ .13‬يعكس األطفال ما يرونه في الحياة‪ ،‬وال سيما ما يفعله آباؤهم‪ ،‬ويصبح اآلباء الذين يتصرفون‬
‫بطرق غير الئقة قدوة غير صحية ألطفالهم‪.‬‬

‫في بقية هذا الكتاب‪ ،‬بدًء ا من الفصل الخامس‪ ،‬سأذكرك بهذه األسس على شكل (حقائق نفسية) في‬
‫نهاية كل فصل‪ ،‬وستتناظر كل حقيقة نفسية مع النقطة األساسية في كل فصل‪ ،‬وستعمل بوصفها‬
‫اقتراًح ا للتأمل ولمراجعة أساسية‪.‬‬

‫يعتمد العالج بالمرآة أيًض ا على األفكار اآلتية‪ :‬إذا كان لديك تدٍّن في احترام الذات‪ ،‬وصورة جسم‬
‫ضعيفة و‪ /‬أو تميل إلى النقد الذاتي‪ ،‬فإن الصورة التي تراها في المرآة تعكس‪ ،‬في أغلب األحيان‪،‬‬
‫كيف نظر إليك والداك ومقدمو الرعاية األساسيون اآلخرون‪ ،‬وغالًبا ما تجعلنا تجارب األبوة‬
‫واألمومة السلبية نرى أنفسنا بعدسات مشوهة‪ ،‬فعندما يكون اآلباء غافلين‪ ،‬أو غاضبين‪ ،‬أو منغمسين‬
‫في ملذاتهم‪ ،‬فإن المرآة التي يضعونها أمام أطفالهم تعكس رؤية مشوهة للواقع‪ ،‬وعندما يكونون‬
‫مفرطي النقد‪ ،‬أو معيرين ألطفالهم‪ ،‬أو يسيئون لهم لفظًّيا‪ ،‬فإن األطفال يرون صورة مشوهة وغير‬
‫واقعية عن أنفسهم‪ ،‬وإن األمر أشبه ما يكون بالنظر إلى نفسك في قاعة المرايا الممتعة‪ ،‬فال يمكنك‬
‫رؤية نفسك بدقة حقيقة؛ ألن المرآة نفسها مشوهة‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬ليس لدى األطفال طريقة لمعرفة‬
‫أن الصورة التي يرونها مشوهة‪ ،‬ومن ثم يصلون لالعتقاد بأن االنعكاس حقيقٌّي ‪.‬‬

‫ويمكن أن يساعدك العالج بالمرآة على تزويدك بتجاربك االنعكاسية اإليجابية‪ ،‬ورفض الرسائل‬
‫والتوقعات السلبية التي ألبسها إياك والداك‪ ،‬وسوف يساعدك أيًض ا على الشفاء من افتقار والديك إلى‬
‫االنعكاس المناسب‪ ،‬وبالتخلص من اإلسقاطات السلبية التي وضعها والداك عليك‪ ،‬ومن ثم تزويد‬
‫نفسك باالنعكاس التعاطفي اإليجابي الذي لم تتلَّقه بوصفك طفاًل ‪ ،‬يمكنك التخلص من صورتك الذاتية‬
‫المشوهة والسلبية‪ ،‬وسيتم ذلك بسلسلة من التمارين والممارسات‪ ،‬التي طورت خصيًص ا للتغلب على‬
‫اإلهمال‪ ،‬والعار‪ ،‬ورسائل الوالدين السلبية‪ ،‬والدور القائد غير المناسب‪.‬‬

‫وستساعدك عملية العالج بالمرآة أيًض ا على فهم مفهوم القاضي (أو األنا العليا أو الناقد الداخلي)‪،‬‬
‫وتعلمك كيفية التغلب على تأثيره السلبي في حياتك‪ ،‬وكذلك تهدئة نفسك‪ ،‬إضافة إلى وسائل تهدئة‪،‬‬
‫وكيفية التعاطف مع نفسك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫االنعكاس واإلسقاط‬
‫االنعكاس كلمة تستخدم لوصف االستجابة الوجدانية التي لدى كثير من اآلباء تجاه احتياجات أطفالهم‬
‫وأنشطتهم ورغباتهم‪ ،‬ويعّلم االنعكاُس الطفَل أي صفاته المحتملة هي األكثر احتراًم ا وقيمًة‪ ،‬وإن‬
‫االنعكاس يؤكد للطفل من هو‪ ،‬ويؤكد قيمته‪.‬‬

‫اإلسقاط آلية دفاع غير واعية‪ ،‬فما هو عاطفًّيا غير مقبول إلى الذات مرفوض في الالوعي‪ ،‬وُينسب‬
‫إلى اآلخرين‪ ،‬ويسيء كثير من اآلباء أو يتجاهلون أو يخنقون أطفالهم عاطفًّيا بإهمال ممارسة‬
‫االنعكاس الصحيح‪ ،‬أو بإسقاط صفاتهم غير المقبولة والمرفوضة عليهم‪.‬‬

‫ويؤدي االنعكاس واإلسقاط دوًر ا مهًّم ا في إيجاد صورتنا الذاتية‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يشعر معظم‬
‫اآلباء بدفقة عاطفية قوية عندما يرون طفلهم حديث الوالدة ألول مرة‪ ،‬ولديهم شعور ساحق من‬
‫الحب والرغبة العميقة في تربية طفلهم وحمايته من أي سوء‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬ال يشعر بعض اآلباء‬
‫بدفقة الحب هذه‪ ،‬وال يشعرون بغريزة رعاية‪ ،‬أو حماية قوية‪ ،‬وبعضهم اآلخر ال يشعر بأي شيء‪،‬‬
‫وبعضهم الثالث غارق في الخوف‪.‬‬
‫إن اآلباء الذين يشعرون بالحب تجاه رّضعهم يحبون أيًض ا النظر إلى أطفالهم‪ ،‬وإنهم ُيعجبون بكل‬
‫شيء صغير يفعله الطفل‪ ،‬وإن كل لفتة أو تعبيرة وجه محببة لهم‪ ،‬وهم يبتسمون طبيعًّيا للطفل في‬
‫هيام‪ ،‬وهذه النظرات العاشقة والموافقة‪ ،‬هي بمثابة جرعة سحرية للطفل‪ ،‬تشبعه بالثقة وبإحساس‬
‫قوي بالذات‪.‬‬
‫وإن اآلباء الذين ال يشعرون بالحب تجاه رضيعهم‪ ،‬قد يفعلون كل شيء ضروري لرعاية طفلهم‬
‫بشكل صحيح‪ ،‬ومع ذلك لن يعكسوا طبيعًّيا (يكررون أو يقلدون) إيماءات وجه الطفل أو يمطرون‬
‫طفلهم بحب غير مشروط‪ ،‬ومع أنهم قد يضمون طفلهم إلى صدرهم‪ ،‬ويزودونه بالتغذية الالزمة‪،‬‬
‫فقد ينظرون بعيًدا عنه‪ ،‬أو ينشغلون عنه بشيء آخر؛ نتيجة لذلك ال يتلقى الرضيع االهتمام المحب‬
‫العميق أو االنعكاس العاطفي الذي يحتاج إليه‪.‬‬
‫وينزع اآلباء الذين تعرضوا لإلهمال أو سوء المعاملة في طفولتهم‪ ،‬إلى معاملة أطفالهم بالطريقة‬
‫التي عوملوا بها‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا لم تتلَّق األم انعكاًسا عاطفًّيا من أمها‪ ،‬فأغلب الظن أنها لن‬
‫تعرف كيف تعطيه لطفلها‪ ،‬واذا تعرض األب النتقادات مفرطة أو توبيخ من ِقبل والديه‪ ،‬فعلى‬
‫األرجح أنه سيسقط مشاعره السيئة على أطفاله‪ ،‬وينتهي به المطاف في معاملتهم بالطريقة نفسها‬
‫التي عومل بها‪.‬‬
‫وخالل مراحل النمو منذ قرابة سنتين إلى أربع سنوات (المعروفة بمرحلة اإلحساس بالذات)‪ ،‬يبني‬
‫الطفل على ما تعلمه من قبل‪ ،‬وينطوي ذلك على اكتشاف الطفل المتزايد أنه ذات مستقلة منفصلة‪،‬‬
‫وخالل هذه المرحلة‪ ،‬يتنقل الطفل باستمرار ذهاًبا وإياًبا‪ ،‬من نفسه إلى والديه أو القائم على رعايته؛‬
‫كي يتحقق إن كان من الصواب التحرك بنفسه‪ ،‬وال شك أنك قد الحظت ذلك عند مشاهدة األطفال‬
‫الصغار‪ /‬الّدرج‪ ،‬فيحاولون لمس شيء ما‪ ،‬ولكن قبل لمسه ينظرون إلى والدهم لمعرفة ردة فعله‪.‬‬
‫ويتحقق الطفل من تعابير الوجه‪ ،‬ولغة الجسد‪ ،‬ونبرة صوت الناس من حوله ونغمتهم ‪ -‬ال سيما‬
‫والديه ‪ -‬لتحديد أي نوع من األشخاص هو‪ ،‬ويصبح أولئك األقرب إليه انعكاسات عن نفسه ‪-‬‬
‫مراياها‪ ،‬وإذا كانت هذه المرايا تبتسم‪ ،‬يشعر الطفل باستحسان عن نفسه‪ ،‬ولكن إذا كانوا عابسين‪،‬‬
‫فقد يصاب بالخوف‪ ،‬وال يشعر بالرضا عن نفسه‪ ،‬وكما قالت نانسي نابير‪ ،‬مؤلفة كتاب (إعادة‬
‫تكوين نفسك)‪« :‬تنقل المرايا في حياة الطفل مجموعة متنوعة من الرسائل عن الذات‪ ،‬وقد تقول‪ :‬إنك‬
‫جدير باالهتمام أو محبوب‪ ،‬أو إنك مصدر إزعاج أو غير محبوب»‪.‬‬

‫ووفًقا لنابير‪ُ ،‬تحدث هذه االنعكاسات أساًسا قوًّيا إلحساس الطفل الداخلي بذاته‪ ،‬وإذا كان الوالدان‬
‫دائًم ا بعيدين‪ ،‬أو غاضبين أو معاديين‪ ،‬فإن الرسائل التي تأتي إلى الطفل ستكون مقللة للذات‪ ،‬وقد‬
‫ُتحدث لدى الطفل افتقاًر ا محدًدا عن قبوله لذاته؛ ألننا بوصفنا أطفااًل ‪ ،‬نؤمن بما يعكسه الناس علينا‪،‬‬
‫وإننا بوصفنا أطفااًل ‪ ،‬ليس لدينا القدرة المعرفية وال العاطفية على إدراك أن األم كانت تمر بيوم‬
‫صعب‪ ،‬وأنها ستنفجر أمام أي شخص كان سيتعامل معها‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬نستنتج أننا السبب وراء‬
‫استجابة األم‪ ،‬الذي يمكن بدوره أن يتحول إلى اإليمان أننا سيئون‪ ،‬وأن هناك شيًئا غير صحيح فينا‪،‬‬
‫أو أننا ال نستحق أن ُنعامل بشكل جيد‪.‬‬
‫وإن اآلباء ليسوا الوحيدين الذين يعكسون معتقدات تقليل قيمة الذات علينا‪ ،‬ويرى األطفال أيًض ا‬
‫مرايا في أفراد األسرة اآلخرين‪ ،‬وغيرهم من القائمين على الرعاية‪ ،‬والمعلمين‪ ،‬واألصدقاء‪،‬‬
‫ورموز السلطة‪ ،‬وتعّد استجابات كل هؤالء الناس انعكاسات للنفس النامية‪ ،‬وعندما تكون هذه‬
‫االنعكاسات مشابهة لالنعكاسات السلبية من اآلباء‪ ،‬يعتقد األطفال بشكل أكثر تأكيًدا أنهم سيئون‪ ،‬وأن‬
‫المالمة تقع عليهم‪ ،‬أو أنهم غير محبوبين‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬عندما تكون االنعكاسات من تلك‬
‫المرايا إيجابية دائًم ا‪ُ ،‬تعزز الذات وتقوى‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬يميل كثيٌر ممن يكبرون في منازل سيئة‪ ،‬أو‬
‫مهملة‪ ،‬إلى تلقي المزيد من انعكاسات تقليل الذات مقارنة بانعكاسات تعزيزها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيفية استخدام هذا الكتاب‬


‫في أثناء القراءة‪ ،‬أشجعك على االحتفاظ بسجل للمرآة تسجل فيه مشاعرك‪ ،‬وردود أفعالك‪ ،‬وتقدمك‪،‬‬
‫وقد ترغب في استخدام سجل المرآة الخاص بك‪ ،‬في أثناء التعامل مع كثير من التمارين في هذه‬
‫الفصول‪ ،‬إضافة إلى الرسائل المتنوعة التي أشجعك على كتابتها وأنت تقرأ هذا الكتاب برمته‪.‬‬
‫وأقترح عليك محاولة قراءة فصل واحد فقط في األسبوع‪ ،‬وال سيما عند دخولك في برنامج العالج‬
‫بالمرآة الفعلي (دخولك للجزأين الثاني والثالث)‪ .‬ومن األفضل أن تستوعب المعلومات بتمعن‪،‬‬
‫وهناك في كل فصل كثير من التمارين للقيام بها‪ ،‬وستجد في نهاية كل فصل (واجًبا منزلًّيا)‬
‫لألسبوع‪ ،‬وأشجعك على القيام بهذه التمارين وهذه الواجبات؛ ألنها تمثل جانًبا مهًّم ا في عملية‬
‫الشفاء‪ ،‬وقد زودني قراء كتبي السابقة دائًم ا بتغذية راجعة‪ ،‬مفادها أنهم حققوا المزيد من التقدم عندما‬
‫قاموا بالتدريبات‪.‬‬
‫وُيعّد برنامج العالج بالمرآة المقدم في هذا الكتاب مكماًل للعالج المهني‪ ،‬وال سيما إذا ُأوذيت عاطفًّيا‪،‬‬
‫عندما كنت طفًل‪ .،‬ومع أنه يمكنك القيام بالتمارين بمفردك‪ ،‬واكتساب فهم أفضل عن سبب كونك‬
‫على ما أنت عليه من قراءة الكتاب‪ ،‬إال أنه يمكن أن يساعدك معالج محترف في بعض القضايا‬
‫األعمق‪ ،‬مثل مداواة جروح الهجر والعار‪ ،‬وإن التقدير اإليجابي الدائم الذي تتلقاه من معالج جيد‬
‫(انعكاس إيجابي) يمكن أن يساعد على التئام الجروح الناتجة عن االنتقاد المفرط أو تعيير‪ /‬توبيخ‬
‫اآلباء المفرط‪ ،‬ولدى هذا الشعور بالموافقة من شخصية متمكنة القدرة على الشفاء بشكل هائل‪.‬‬

‫وُيقصد من أساليب العالج بالمرآة أن تكّو ن أيًض ا أدوات للمعالجين النفسيين الذين يتعاملون مع‬
‫األشخاص الذين يعانون من ثقة متدنية بالنفس‪ ،‬أو نقاد داخليين أقوياء‪ ،‬ومواضيع عار عميقة‪ ،‬وأقدم‬
‫مزيًج ا من أساليب إعادة البناء اإلدراكية التي أفضل ما يكون استخدامها في حاالت تدني احترام‬
‫الذات الموقفي (شخص يميل احتراُم الذات المتدني عنده إلى الظهور فقط في مواقف‪ /‬مجاالت‬
‫محددة مثل في العمل أو األداء الجنسي)‪ ،‬في حين أنه يتمتع بثقة في جوانب أخرى من حياته‪ ،‬وعادة‬
‫ما يكون لتدني احترام الذات المميز‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬جذور في التجارب المبكرة من اإلساءة أو‬
‫الهجر‪ ،‬وإن معنى (اإلساءة) أو (الخطأ) أكثر شمواًل ‪ ،‬ويميل إلى التأثير في كثير من مجاالت حياته‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬ال يكفي تغيير أفكار المراجع‪ ،‬وينبغي أن يكون التركيز العالجي الرئيس على‬
‫مساعدة المراجع على إعادة تكوين هويته‪ ،‬وفي طريقة ما البدء من جديد؛ ألن هويته السلبية هي‬
‫مصدر أفكاره السلبية‪ ،‬وإن مساعدة المراجعين على البدء في منح أنفسهم ما قد فاتهم في طفولتهم‬
‫(االنعكاس اإليجابي‪ ،‬والرعاية‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬واألم الداخلية‪ ،‬واألب الداخلي اآلمن والقوي على‬
‫مساعدتهم على وضع حدود) ستساعدهم على (تنمية أنفسهم) بطريقة صحية‪ ،‬وإن تشجيعهم على أن‬
‫يصبحوا أكثر تعاطًفا تجاه أنفسهم سيساعدهم على تهدئة منتقديهم الداخليين والتغلب على أشكال‬
‫عارهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪4 #‬‬


‫ضع في قائمة الطرق التي تشعر أن والديك أسقطا مشكالتهما الخاصة أو حاجاتهما غير المحققة‬
‫عليك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الجزء الثاني تحطيم مرآة أبويك المشوهة‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 5‬رفض التفكير السلبي عند والديك‬

‫ال يوجد أي شيء خاطئ عندك‪ ،‬وإن من يقول‪ :‬إن هناك شيًئا خاطًئا‪ ،‬فهو مخطٌئ ‪.‬‬

‫رينس جين هيل‬


‫‪Renais Jeanne Hill‬‬
‫ينبغي أال نسمح أبًدا لتصورات اآلخرين المحدودة أن تعّر فنا‪.‬‬

‫فيرجينيا ساتير‬
‫‪Virginia Satir‬‬
‫ال نحتاج إلى مرآة فعلية لرؤية انعكاساتنا‪ ،‬ففي وسعنا رؤيتها بالطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا‪،‬‬
‫وبالطريقة التي ينظر بها اآلخرون إلينا‪ ،‬ويتعاملون معنا‪ ،‬وفي الطرق التي تعكس بها حياتنا ما‬
‫نشعر به تجاه أنفسنا‪ ،‬وبمجرد أن تدرك الصورة المشوهة التي لديك عن نفسك‪ ،‬يمكنك البدء في‬
‫رفض المرآة غير الدقيقة‪ ،‬التي ورثتها عن والديك‪ ،‬واستبدالها بانعكاس أكثر دقة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تحطيم صورتك المشوهة‬


‫قبل أن تتمكن من إنشاء صورة جديدة وصحية لنفسك‪ ،‬عليك أواًل تحطيم الصورة المشوهة التي‬
‫ألبسها إياك والداك بأفعالهما ومعتقداتهما‪ ،‬وهذا يتضمن‪:‬‬

‫‪ .1‬مواجهة الحقيقة وإطالق المشاعر المكبوتة حيال اإلساءة أو اإلهمال اللذين تعرضت لهما‪.‬‬

‫‪ .2‬تحديد المسؤولية‪ ،‬حيث يجب أن تكون‪ ،‬ورّد إسقاطات والديك‪.‬‬


‫‪ .3‬تحويل خزيك‪ /‬عارك إلى غضب محق‪.‬‬

‫‪ .4‬تحديد المعتقدات السلبية ومواجهتها‪.‬‬


‫واجه الحقيقة وعّبر عن المشاعر المكبوتة‬

‫ربما تكون قد مررت مسبًقا بمشاعر قوية‪ ،‬وأنت تقرأ عما يشكل اإلساءة واإلهمال العاطفيين‬
‫لألطفال‪ ،‬واآلثار التي يمكن أن يحدثاها على إحساس الطفل بذاته واحترامه لها‪ ،‬وقد يكون‬
‫االعتراف بأنك تعرضت لإلساءة أو اإلهمال في هذه الطرق مؤلًم ا جًّدا‪ ،‬وأنك على األرجح قد‬
‫عانيت من بعض أو كل هذه التأثيرات‪ ،‬وقد تعاني من ألم شديد‪ ،‬وأنت تتذكر كيف شعرت وقد‬
‫عوملت بالطريقة تلك‪ ،‬وقد تصبح غاضًبا للغاية من األشخاص الذين أساؤوا إليك أو أهملوك‪ ،‬وقد‬
‫تشعر بإحساس عميق بـالخسارة‪ ،‬وصورتك المثالية لطفولتك أو صورتك اإليجابية عن أحد‬
‫الوالدين‪ ،‬أو أحد أفراد األسرة أو مقدم الرعاية المحبوب‪ ،‬قد تلطخت بالعار إلى األبد‪.‬‬

‫وعندما نواجه أخيًر ا حقيقة ما حدث لنا عندما كنا أطفااًل ‪ ،‬يمكن أن يغمرنا الحزن‪ ،‬واألسى‪،‬‬
‫والغضب‪ ،‬واسمح لنفسك بأن تشعر بهذه المشاعر‪ ،‬وال تحاول مقاومتها‪ ،‬فربما كنت تقوم بذلك مدة‬
‫طويلة جًّدا‪ ،‬واسمح لمشاعرك أن تخرج منك‪ ،‬وابِك من أجل ذلك الطفل الصغير‪ ،‬الذي تعرض‬
‫لسوء المعاملة في مثل تلك الطرق الرهيبة‪ ،‬واغضب من الطريقة التي ُاستخدم بها ذلك الطفل‬
‫الصغير أو أسيء له من ِقبل البالغين‪ ،‬الذين كان ينبغي أن يعرفوا بشكل أفضل أنهم بالغون‪ ،‬وكان‬
‫من المفترض أن يحموك‪.‬‬
‫ومن أجل تحطيم مرآتك األبوية السلبية‪ ،‬ورفع احترامك لذاتك‪ ،‬عليك العودة إلى الجرح األصلي‪،‬‬
‫ولسوء الحظ‪ ،‬معظم الناس الذين ُأهملوا أو ُأسيَئت معاملتهم ينتهون من آالمهم‪ ،‬ويحاولون إخراجها‬
‫من أذهانهم‪ ،‬ولكن ذلك ال يحقق أي نتيجة‪ ،‬وتستمر تجارب اإلهمال واإلساءة العاطفية في إجهادك‬
‫عاطفًّيا‪ ،‬وتقلل بخبث من احترامك لذاتك‪.‬‬
‫ويعلُق كثير من الناس الذين ُأهملوا أو تعرضوا لسوء المعاملة في حالة من الغضب أو األلم‪ ،‬وال‬
‫يتجاوزون مشاعرهم‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬يحولون مشاعرهم الغاضبة إلى أنفسهم‪ ،‬ويصابون باالكتئاب‪،‬‬
‫وتتمزق أنفسهم بمشاعر غير ضرورية (وغير صحية) من الذنب والعار‪ ،‬وبعضهم يعاقب نفسه‬
‫بتدمير نفسه ذاتًّيا‪ ،‬وذلك من خالل التدخين‪ ،‬والقيادة بسرعة كبيرة‪ ،‬أو إثارة مشاجرة مع شخص ما‪،‬‬
‫في حين يخدر آخرون مشاعرهم المؤلمة‪ ،‬وتراهم غير قادرين على الوصول إلى غضبهم وألمهم‬
‫في الماضي‪.‬‬

‫وغالًبا ما تظل المشاعر المكبوتة خاملة بداخلنا‪ ،‬حتى يذكرنا شخص ما أو شيء ما بماضينا‪ ،‬ويثير‬
‫الذكرى والشعور‪ ،‬وعندما يحدث ذلك‪ ،‬يمكن أن نصبح مكتئبين وناقدين لذواتنا‪ ،‬أو نهاجم األقرب‬
‫إلينا عندما يكون هدفنا الحقيقي شخًص ا من الماضي البعيد؛ شخًص ا من المحتمل أننا كنا نخشى‬
‫التعبير عن مشاعرنا أمامه في ذلك الوقت‪.‬‬

‫وقد يكون مخيًفا رفع حجاب اإلنكار‪ ،‬ونزعتنا إلى تجاهل أو قمع أو كبت الحقائق واألفكار‬
‫والمشاعر المؤلمة‪ ،‬وأما الجزء األكثر رعًبا فهو تجربة المشاعر الشديدة التي تكمن فقط تحت سطح‬
‫اإلنكار‪ ،‬وقد تحتاج إلى مساعدة مهنية على التعامل مع كل هذه المشاعر القوية‪ ،‬وفي الوقت الحالي‪،‬‬
‫اسمح لنفسك بتجربة أي شيء تشعر به اآلن‪ ،‬وتذكر ما يلي‪:‬‬
‫• مع أن األمر يبدو كأنه يحدث في الوقت الحاضر‪ ،‬إال أنه إذا ذّكرت نفسك بأن ما تشعر به اآلن هو‬
‫مجرد ذكريات عن مشاعر عشتها عندما كنت طفاًل ‪ ،‬فإن ذلك سيساعدك‪ ،‬وهذه األشياء ال تحدث لك‬
‫في الوقت الحاضر‪ ،‬فلقد تجاوزت طفولتك واألشياء المؤلمة التي حدثت لك فيها‪.‬‬

‫• من المفيد أن تتنفس عاطفًّيا‪ ،‬وكما هو الحال مع األلم المادي‪ ،‬فإن تنفيس المشاعر يميل إلى التقليل‬
‫من حدتها‪ ،‬ويجعلها أقل إرهاًقا‪.‬‬

‫• بقدر ما تكون المشاعر قوية وساحقة‪ ،‬إال أنها في الواقع قوى إيجابية‪ُ ،‬قصد منها مساعدتك على‬
‫معالجة التجربة‪.‬‬

‫• طالما أنك ال تسمح لنفسك بأن تطغى عليك عواطفك‪ ،‬فإنها ستساعدك على الخروج‪ ،‬والبقاء بعيًدا‬
‫عن اإلنكار‪.‬‬

‫• سيساعدك السماح لنفسك بالشعور والتعبير عن مشاعرك الخفية من الماضي‪ ،‬على التئام جروحك‬
‫الماضية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬مشاعرك تجاه اإلساءة‬


‫‪ .1‬قمت مسبًقا بإعداد قائمة بكل الطرق التي تم فيها إهمالك أو أسيء معاملتك بها بوصفك طفاًل ‪،‬‬
‫فعد إلى قائمتك‪ ،‬واكتب عن كل عنصر ما يلي‪:‬‬
‫• كيف شعرت في ذلك الوقت؟‬

‫• تأثير اإلهمال أو اإلساءة فيك في ذلك الوقت‪.‬‬


‫• كيف تشعر اآلن وأنت تتذكر التجربة‪.‬‬
‫• ما هو األثر الذي تعتقد أن التجربة تركته فيك على المدى الطويل‪.‬‬

‫اسمح لنفسك وأنت تكتب عن كل حادثة إهمال أو إساءة أن تشعر بأي مشاعر تخرج منك‪ ،‬ومن‬
‫المعقول أن تشعر بالغضب‪ ،‬والحنق‪ ،‬والخوف‪ ،‬والرعب‪ ،‬والحزن‪ ،‬والذنب‪ ،‬والخجل‪ ،‬أو أي‬
‫مشاعر أخرى قد تشعر بها‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ال تنزعج إن لم تشعر بأي شيء‪ ،‬وغالًبا ما يخّدر‬
‫الناجون من اإلساءة واإلهمال في مرحلة الطفولة أنفسهم تجاه مشاعرهم بوصفها آلية حماية ذاتية‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كان ممكًنا بأي شكل من األشكال‪ ،‬شارك كتاباتك مع شخص آخر على األقل‪ ،‬فليس لدى‬
‫معظم ضحايا اإلهمال أو اإلساءة في مرحلة الطفولة ما يسمى الشاهد الحنون على آالمهم وكربهم‪،‬‬
‫وإن إخبار أحد محبيك بما حدث لك‪ ،‬وتلقي الدعم واللطف من أحبائك‪ ،‬يمكن أن يكون خطوة رئيسة‬
‫في عملية الشفاء‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬وجد الخبراء مثل أليس ميلر أن تقدير شاهد وتعاطفه على‬
‫معاناة الطفل متطلب مسبق بالغ األهمية للتعاطف في مرحلة البلوغ‪ ،‬ومن دون التعاطف ال يمكننا أن‬
‫نكون حساسين أللم اآلخرين‪.‬‬

‫واآلن بعد أن عرفت الحقيقة‪ ،‬فالحقيقة ملكك الستخدامها للتعافي‪ ،‬ولديك فكرة أفضل عن األلم‬
‫الجسدي والعاطفي الذي تحملته‪ ،‬وما هي اآلثار طويلة المدى التي تعاني منها‪ ،‬والشفاء هو في‬
‫اكتشاف الحقيقة‪ ،‬ومواجهتها‪ ،‬وأخيًر ا قبولها‪ ،‬وإن إدراكك لحقائق أنك ُأهملت‪ ،‬وأسيئت معاملتك يفتح‬
‫الطريق للتعامل مع غضبك وحل عالقاتك مع عائلتك‪ ،‬ولقد عشت مع األكاذيب والسرية والخداع‬
‫وقًتا طوياًل ‪ ،‬وكان األمر مؤلًم ا‪ ،‬وإن تعلم العيش مع الحقيقة يساعد على تحريرك من األلم‪ ،‬ويقودك‬
‫نحو حياة أكمل‪ ،‬وأكثر ثراًء ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ضع المسؤولية حيث يجب أن تكون‪ ،‬وُر ْد إسقاطات والديك‬


‫لقد قابلَت ستيفن في وقت سابق (كان المنزل مكاًنا بارًدا حيث لم تحبه والدته) وعندما بدأت أنا‬
‫وستيفن العمل مًعا‪ ،‬سألته عن شعوره حيال الطريقة التي عامله بها والداه‪ ،‬ومع أنه لم يكن قريًبا من‬
‫أي منهما‪ ،‬إال أنه لم يكن لديه على ما يبدو أي مشاعر قوية تجاههما بطريقة أو بأخرى‪« :‬لم أَر أمي‬
‫مدة سنوات‪ ،‬ولم يكن ذلك إال في التجمعات العائلية‪ ،‬حيث كان بإمكاني تحيتها بأدب‪ ،‬وال أريد أن‬
‫أفعل أي شيء معها‪ ،‬وأما عالقتي بوالدي فهي عالقة سطحية؛ نتحدث على الهاتف مرتين شهرًّيا‪،‬‬
‫ولكننا ال نتكلم حقيقة عن أي شيء ذي قيمة»‪.‬‬
‫بعد عدة أشهر من العمل مًعا‪ ،‬بدأ ستيفن في التواصل بشكل أكبر مع بعض غضبه تجاه والديه‪،‬‬
‫ولكن ذلك لم يناسبه تماًم ا‪« :‬أنا مسؤول عن خيري وشري‪ ،‬وليس والدَّي ‪ ،‬ولقد رفعت كثيًر ا من قدر‬
‫نفسي‪ ،‬وصعٌب علي االعتراف بأنني تحت تأثير أي شخص‪ ،‬ناهيك عنهما»‪.‬‬

‫ويشعر الكثير من األشخاص الذين أهملوا أو أوذوا عاطفًّيا بالطريقة كما عند ستيفن‪ ،‬ويفضلون‬
‫تحمل المسؤولية عن حيواتهم بداًل من (إلقاء اللوم) على والديهم‪ ،‬ولكن تحميل والديك المسؤولية عن‬
‫الطريقة التي أهمالك أو أساءا إليك بها‪ ،‬واآلثار التي خلفها عليك هذا النوع من المعاملة على‬
‫احترامك لذاتك ليس كإلقائك اللوم عليهما‪ ،‬وإلقاء اللوم عليهما يبقينا عالقين في المشكلة في حين أن‬
‫الغضب في محله يساعدنا على تجاوز المشكلة‪ ،‬ويميل الناس الذين يرفضون الغضب من والديهم‬
‫إلى الغرق في لوم الذات والعار والكآبة‪ ،‬وإنه لمن الصحي كثيًر ا أن تعبر عن غضبك الذي في‬
‫محله‪ ،‬بداًل من تحويله إلى نفسك‪ ،‬ومن المرجح جًّدا أن يمّكنك غضبك من والديك بسبب معاملتهما‬
‫السيئة‪ ،‬من رفض الرسائل السلبية التي جاءت مع تلك المعاملة؛ الرسائل السلبية التي ال تزال تؤثر‬
‫فيك حتى اليوم‪.‬‬

‫وقد ناقشنا مسبًقا مفهوم اإلسقاط‪ ،‬فمن الممكن جًّدا أن الرسائل السلبية والنقدية والمعاملة السيئة التي‬
‫تلقيتها من والديك هي نتيجة إلسقاطات والديك جوانب من أنفسهم عليك‪ ،‬وال يوافقون عليها أو‬
‫يرفضونها‪ ،‬وإن كانت هذه هي الحالة‪ ،‬فمن المهم أن ترَّد هذه اإلسقاطات‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬والدة‬
‫داستن أخبرته باستمرار وهو يكبر أنه كان كسواًل ومدلاًل ‪ ،‬واشتكت من عدم تنظيفه لغرفته‪ ،‬وكلما‬
‫طلب نقوًدا لشراء اللوازم المدرسية أو الضروريات األخرى‪ ،‬اتهمته بالجشع والجحود‪ ،‬وبقليل من‬
‫التحقق من الواقع‪ ،‬المستقى من العالج‪ ،‬ومعرفة المزيد عن تاريخ والدته‪ ،‬اكتشف أنه لم يكن كسواًل‬
‫على اإلطالق‪ ،‬وبالتأكيد لم يكن مدلاًل ‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬قضى معظم طفولته ومراهقته مكتئًبا شاعًر ا‬
‫بالذنب إلزعاج والدته طلًبا للمال‪ ،‬واتضح أنه قد ُاُتِه مت والدة داستن باألشياء نفسها عندما كانت‬
‫تكبر‪ ،‬وكانت على األرجح مكتئبة أيًض ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫رد عار والديك‬


‫كما ذكرنا سابًقا‪ ،‬يشعر كثير من ناجي اإلساءة واإلهمال العاطفيين بالكثير من الخجل تجاه أنفسهم‬
‫وأجسادهم‪ ،‬وإن تجربة العار الداخلية هي أن تشعر بأن اآلخرين يرونك أو يفهمونك بطريقة مؤلمة‬
‫تقلل من قدرك‪ ،‬وتشعر الذات بأنها مكشوفة‪ ،‬وإن هذا الشعور المفاجئ وغير المتوقع باالنكشاف‬
‫والخجل المصاحب لذلك هو ما يصبغ الطبيعة األساسية للعار‪ ،‬ويسبب العار أيًض ا اعتقاًدا جارًفا بأن‬
‫المرء يعاني من نقص جوهري في بعض األمور الحيوية بوصفه إنساًنا‪ ،‬وإن العيش مع الخجل هو‬
‫الشعور بالعزلة والهزيمة‪ ،‬وإنه االعتقاد بأنك لست على درجة مقبولة من الجودة أبًدا‪.‬‬

‫وأوضحت جين ميدلتون ‪ -‬موز في ‪( Shame and Guilt‬العار والذنب)‪« :‬العار المنهك هو تجربة‬
‫عازلة تجعلنا نعتقد أننا وحدنا تماًم ا‪ ،‬وفريدون في عدم محبتنا من قبل اآلخرين‪ ،‬والعار المنهك هو‬
‫حالة من كره الذات وخفض قيمة النفس‪ ،‬ال تقارن إال بالقليل من األشياء األخرى‪ ،‬وإنه يجعلنا نشعر‬
‫بأن الحياة تدعسنا‪ ،‬وأننا عاجزون تجاه ذلك الدعس»‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أنك قد تفهم ذهنًّيا أن اإلساءة أو اإلهمال لم يكن خطأك‪ ،‬فقد ال تعرف ذلك عاطفًّيا‪،‬‬
‫وربما ما زلت تلقي اللوم على نفسك‪ ،‬وال يستحق أي شيء فعلته على اإلطالق وأنت طفل أي نوع‬
‫من اإلهمال أو االنتهاك العاطفي أو الجسدي أو الجنسي الذي تعاني منه اآلن‪ ،‬وإنك لم تبِك كثيًر ا‬
‫لدرجة أن والدتك اضطرت في النهاية إلى تجاهل صرخاتك وتركك وحدك في سريرك ساعات‬
‫وقتها‪ ،‬ولم تكن طفاًل متطلًبا جًّدا لدرجة أن والديك كان عليهما تجاهلك‪ ،‬ولم يكن لديك تلك األنا‬
‫المتضخمة لدرجة أنه كان على والدك «تنزيلك درجة أو اثنتين» بإخبارك أنك غبي‪ ،‬وإن ردود فعل‬
‫والديك (أو غيرهم من المسيئين) كانت مسؤوليتهم وحدهم‪ ،‬ومن األهمية بمكان أن تفهم ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫حّو ل عارك إلى غضب في محله‬


‫حتى لو لم يكن لديك والد معّير‪ ،‬فإذا أنت ُأهملت أو أسيء لك عاطفًّيا‪ ،‬فال شك أنك عانيت من‬
‫جرعات كبيرة من العار‪ ،‬وينبغي تحويل هذا العار إلى غضب؛ كي يكون بوسعك تحطيم المرآة التي‬
‫يحدثها العار‪.‬‬

‫والغضب يدفع بالعار بعيًدا‪ ،‬وإن إطالق غضبك إلى من أساء إليك‪ ،‬سيساعدك على التوقف عن لوم‬
‫نفسك‪ ،‬وإن غضبك على من اعتدى عليك سيؤكد براءتك‪ ،‬وستكون القوة الحيوية للغضب متحركة‬
‫في االتجاه الصحيح‪ :‬للخارج بداًل من الداخل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬رد العار إلى المسيء لك‬

‫‪ .1‬اجلس بشكل مريح‪ ،‬وتنفس بعمق‪.‬‬


‫‪ .2‬تخيل أنك تنظر إلى داخل جسدك‪ ،‬وابحث عن أي عار أو مشاعر سيئة قد تكون لديك هناك‪.‬‬

‫‪ .3‬تخيل أنك داخل جسمك‪ ،‬وتقتلع كل تلك األشياء المظلمة والقبيحة؛ كل ذلك العار ولوم الذات‪.‬‬
‫‪ .4‬اآلن تخيل أنك ترمي كل ذلك القبح المظلم على المسيء‪ ،‬حيث ينتمي‪.‬‬
‫‪ .5‬افتح عينيك‪ ،‬وقم بحركة الرمي بذراعيك‪ ،‬وقل بصوت عاٍل في أثناء قيامك بذلك‪« :‬استعْد عارك‪،‬‬
‫فإنه ليس عاري‪ ،‬إنه عارك»‪ .‬افعل ذلك حتى تشعر بحقيقة ما تقول‪.‬‬
‫إضافة إلى إبعاد العار‪ ،‬يساعد الغضب أيًض ا على االنفصال ‪ /‬عملية التفرد‪ ،‬التي سنناقشها الحًقا في‬
‫هذا الفصل‪ ،‬ويفرق الغضب بين الناس‪ ،‬وفكر في األمر‪ ،‬فعندما تكون غاضًبا من شخص ما‪ ،‬فأنت‬
‫ال تريد عادة أن تكون قريًبا منه‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬إذا كنت تنتبه لرسائل جسدك‪ ،‬ستالحظ أنه عندما‬
‫تكون غاضًبا من شخص ما‪ ،‬فإنك تعطيه ظهرك‪ ،‬أو يبتعد جسدك عنه‪ ،‬وقد تشعر بعدم االرتياح‬
‫حتى للجلوس بجانب الشخص أو حتى أن يلمسك‪ ،‬ويساعد الغضب أيًض ا على عملية الفصل؛ ألنه‬
‫يمّكننا ويحفزنا على إحداث تغييرات‪ ،‬وإذا سمحت لنفسك أن تغضب من والديك لسوء معاملتهما لك‪،‬‬
‫يمكن أن يمنحك ذلك الشجاعة لتبدأ في قطع بعض روابطك العاطفية غير الصحية معهما‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تجاوز مخاوفك من الغضب‬


‫قد تكون متردًدا في التعبير عن غضبك الصحيح تجاه والديك؛ ألنك خائف من غضبك الذي هو‬
‫األكثر تهديًدا وتخويًفا من كل عواطفنا‪ ،‬ولكن من المهم أن تدرك أن خوفك من الغضب تركَك سجين‬
‫الماضي‪ ،‬خائًفا من الوقوف في وجه أولئك الذين أساؤوا إليك‪ ،‬وخائًفا من المضي قدًم ا‪ ،‬وإذا‬
‫استطعت التغلب على خوفك من الغضب‪ ،‬يمكنك أن تتخلص من مكانة الضحية‪ ،‬وترتقي إلى مرتبة‬
‫الناجي‪،‬وقد تساعدك االقتراحات اآلتية‪:‬‬

‫• حدد أي خرافات لديك عن الغضب‪ ،‬وحقك في التعبير عن ذلك‪.‬‬


‫• حدد المعتقدات في عائلتك التي حالت دون التعبير عن الغضب‪.‬‬

‫• أسلوُب مْن في الغضب قد اعتمدته؟ كيف أصبح هذا الشخص قدوة لك؟ ما مدى فعالية هذه القدوة؟‬
‫الغضب بحد ذاته ليس عاطفة سلبية؛ بل إن ما نفعله بغضبنا هو الذي يحدد إن كان سلبًّيا أم إيجابًّيا‪،‬‬
‫فلو صببنا جام غضبنا على األبرياء‪ ،‬يصبح الغضب سلبًّيا‪ ،‬وإذا احتفظنا بالغضب‪ ،‬وقلبناه ضد‬
‫أنفسنا‪ ،‬فإنه يصبح أيًض ا سلبًّيا‪ ،‬ولكن إذا وجدنا طرًقا بناءة للتنفيس عنه‪ ،‬وأماكن آمنة للتعبير عنه‪،‬‬
‫فإنه يصبح قوة إيجابية في حياتنا‪ ،‬بحيث ُيوِج د الطاقة‪ ،‬والتحفيز‪ ،‬واإلصرار‪ ،‬والتمكين‪ ،‬واإلبداع‪.‬‬

‫الغضب طاقة‪ ،‬إنه قوة محفزة يمكنها أن تمدك بالقوة ألن تشعر بعجز أقل‪ ،‬وبإطالقه‪ ،‬ستجد أنك‬
‫خلصت نفسك من التوتر الجسدي والعاطفي الذي استنفد طاقتك؛ الطاقة التي يمكنك استخدامها‬
‫لتحفيز نفسك على التغيير‪ ،‬ويمكن أن يحفزك الغضب على رسم الحدود مع والديك اليوم والحفاظ‬
‫عليها‪ ،‬وكذلك مع األشخاص اآلخرين في حياتك‪ ،‬وكلما عبرت عن الغضب‪ ،‬كنت أقل خوًفا منه‪،‬‬
‫ويمكن للغضب أن يكون طريق نجاتك‪ ،‬فخذه‪.‬‬

‫التمرين‪ :‬طرق بناءة وآمنة لتحديد غضبك والتعبير عنه‪.‬‬

‫‪ .1‬اكتب كل الطرق السلبية العاطفية التي أثرت اإلساءة أو اإلهمال العاطفيين فيك‪ ،‬وقد يستغرق‬
‫ذلك بعض التفكير وبعض الوقت‪ ،‬فاسمح لنفسك أن تشعر بغضبك المحق حيال معاناتك بهذه‬
‫الطرق‪.‬‬
‫‪ .2‬اكتب عن أي نقاط وصل يمكنك تأسيسها بين تدني مستوى احترام النفس لديك‪ ،‬وميلك إلى النقد‬
‫الذاتي‪ ،‬وغضبك المكبوت‪.‬‬

‫‪ .3‬اكتب عن أي نقاط وصل يمكنك إجراؤها‪ ،‬بين تجاربك في االكتئاب‪ ،‬وغضبك المتواصل‪.‬‬

‫‪ .4‬اكتب عن أي نقاط وصل يمكنك القيام بها‪ ،‬بين تجارب في القلق وغضبك المتواصل‪.‬‬
‫‪ .5‬تحدث عن مشاعرك الغاضبة إلى شخص تثق به؛ شخص يستمع فقط ويفهم دون أن يحاول‬
‫إنقاذك أو إخراجك من غضبك‪.‬‬

‫‪ .6‬اكتب رسالة إلى الوالد أو مقدم الرعاية الذي أساء لك أو أهملك‪ ،‬معبًر ا عن جرحك وغضبك‪ ،‬وال‬
‫تمنع نفسك‪ ،‬ودع نفسك تقول كل األشياء السلبية البغيضة التي تدور في رأسك‪ ،‬فإن وظيفة هذه‬
‫الرسالة هي التنفيس فقط‪ ،‬وال ُتعِط ها إلى الشخص‪ ،‬ويمكنك اختيار االحتفاظ بالرسالة أو تمزيقها أو‬
‫حرقها‪.‬‬

‫‪ .7‬قم بأداء دور غضبك‪ ،‬وأجِر محادثة وهمية مع الشخص الذي أنت غاضب منه‪ ،‬وأخبر ذلك‬
‫الشخص بماذا تشعر بالضبط‪ ،‬وال تمسك أي شيء‪ ،‬فقد يساعدك على األمر إلقاء نظرة على صورة‬
‫الشخص أو أن تتخيله جالًسا على كرسي مقابلك‪ ،‬وإذا كنت ال تزال خائًفا من ذلك الشخص‪ ،‬تخيله‬
‫مقيًدا ومكمًم ا‪ ،‬وال يمكنه أن يؤذيك أو أن يقول لك أي شيء‪.‬‬
‫‪ .8‬ابحث عن متنفس إبداعي لغضبك؛ فعلى سبيل المثال‪ :‬لون الغضب الذي تشعر به عندما تفكر في‬
‫المعاملة التي تلقيتها‪ ،‬واصنع تمثااًل طينًّيا لوالدك المؤذي أو المهمل‪ ،‬ومن ثم حطمه‪.‬‬

‫‪ .9‬إذا كنت في حاجة إلى شيء مادي أكثر‪ ،‬عبر عن غضبك بالرقص‪ ،‬والصراخ في وسادة‪ ،‬أو‬
‫اصرخ في الحمام (إذا كان بإمكانك القيام بذلك دون أن يسمعك أحد)‪.‬‬
‫‪ .10‬ابحث عن نشاط بدني يساعدك على التخلص من طاقة غضبك بطريقة آمنة‪ ،‬وأمثلة جيدة هي‬
‫الجري‪ ،‬ولعب كرة السلة‪ ،‬أو الذهاب إلى قفص الضرب‪ ،‬واضرب بعض الكرات‪ ،‬وإذا كنت تميل‬
‫إلى الشعور بالغضب المتفجر‪ ،‬تجنب الرياضات العدوانية أو التنافسية كالمالكمة أو المصارعة أو‬
‫الهوكي؛ ألنها قد تعزز السلوك العدواني بداًل من تنفيس الغضب‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬ابحث عن أنشطة‬
‫بدنية تجعلك تشعر بالهدوء واالسترخاء‪ ،‬مثل المشي‪ ،‬والسباحة‪ ،‬أو الجري‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫حدد المعتقدات السلبية األساسية وواجهها‬

‫إذا قيل للطفل باستمرار‪« :‬أنت لست صالًح ا»‪ ،‬ينتهي به األمر إلى تصديق ذلك؛ وإذا قيل له‪ :‬إنه لن‬
‫يحقق أي شيء‪ ،‬فمن المرجح أنه سيكبر‪ ،‬ويثبت أن والديه على حق‪ ،‬ومن شبه المؤكد دائًم ا أن‬
‫األطفال الذين أسيء إليهم أو حرموا عاطفًّيا سيتمثلون الرسائل األبوية السلبية التي يتلقونها‪،‬‬
‫وللقضاء على هذه الرسائل الداخلية السلبية‪ ،‬ينبغي تحديد وجودها بداية‪.‬‬

‫وينقل اآلباء رسائل سلبية ألطفالهم بطرق مختلفة‪ ،‬إذ ينتقد بعضهم طفلهم أو سلوكه صراحة‪ ،‬وما‬
‫تعليقات مثل‪« :‬أنت غبي» و“أنت مشروع خاسر» و“أنت محرج بالنسبة إلي» إال أمثلة شائعة عن‬
‫الرسائل التي يمررها الوالدان المسيئان عاطفًّيا‪.‬‬

‫ُتنقل أنواع أخرى من المعتقدات السلبية والمنهكة بطرق أقل وضوًح ا‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬ربما‬
‫وصلت استجابة لرفض أو هجر عانيت منه عندما كنت طفاًل إلى قناعة ترى نفسك فيها أنك سخيف‬
‫أو تعاني من عيوب‪ ،‬وإذا لم يعكس والداك قيمتك‪ ،‬ستجد صعوبة في رؤية قيمة في نفسك‪.‬‬

‫في حالتي‪ ،‬نقلت لي والدتي االعتقاد األساسي السلبي أنني ال أستحق األشياء الجيدة‪ ،‬فكلما حدثت‬
‫أشياء جيدة لي عندما كنت طفلة صغيرة‪ ،‬كانت والدتي إما تحذرني من أن شيًئا سيًئا سيحدث‪ ،‬أو‬
‫ستفعل شيًئا ما يجعلني أشعر بالسوء‪.‬‬

‫وأقوى تجربة لهذه الرسالة حدثت عندما كنت في السنة الخامسة عشرة‪ ،‬وكنت في الصف العاشر‪،‬‬
‫ولم تكن أول سنتين لي في المدرسة الثانوية جيدة جًّدا بالنسبة إلي‪ ،‬فلقد انتقلت من مدرسة أخرى‪،‬‬
‫وما كنت أعرف الكثير من الناس‪ ،‬وألننا كنا فقراء‪ ،‬ولم تعلمني والدتي كيف أعتني بنفسي‪ ،‬لم أبُد‬
‫جذابة كما ينبغي أن أكون‪ ،‬ولكن في سنتي األولى كنت قد تعلمت قلياًل من دروس االقتصاد‬
‫المنزلي‪ ،‬ومن مراقبة كيف ترتدي األخريات مالبسهن‪ ،‬فبدأت بارتداء مالبس أكثر مالءمة‪ ،‬وكونت‬
‫بعض الصداقات الجديدة‪ ،‬فيكفي‪ ،‬في الواقع‪ ،‬أنني وصديقتي استطعنا صنع مائدة الغداء الخاصة بنا‬
‫في الكافتيريا‪ ،‬وُيعّد ذلك مكاًنا آمًنا وسط الفوضى‪ ،‬وكنُت أبلي بالًء حسًنا في المدرسة‪ ،‬واكتسبت‬
‫احترام بعض األطفال األكثر شهرة في فصولي‪ ،‬وعندما طلب اثنان من الطلبة األقدم مني االنضمام‬
‫إلى نادي ‪( YWCA‬جمعية النساء الشابات المسيحيات) تشرفت بذلك‪ ،‬وكانت األشياء تتحسن‬
‫بالتأكيد‪.‬‬
‫وفي يوم بعينه‪ ،‬كنت أشعر بشعور رائع ال نظير له؛ إذ أثنت معلمتي في اللغة اإلنجليزية علي أمام‬
‫الفصل بأكمله؛ لبحث كنت قد كتبته‪ ،‬فقالت‪ :‬إنني كاتبة رائعة‪ ،‬وإنني يجب أن أعتبر الكتابة مهنة لي‬
‫بجدية‪ ،‬وأتذكر أنني شعرت بالفخر‪ ،‬ولقد احترمت تلك المعلمة كثيًر ا‪ ،‬وإن مدحها لي أمام كل‬
‫شخص أعطاني نوع التصديق الذي نادًر ا ما تلقيته في حياتي‪ ،‬وبعد االنتهاء من دوام المدرسة في‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬انُتخبُت رئيًسا لنادي ‪ ،YWCA‬ومرة أخرى‪ ،‬كان ذلك توكيًدا ال يصدق بالنسبة إلي‪.‬‬
‫وأبحرت طوال الطريق إلى المنزل‪ ،‬مدعومة بأشكال الدعم والتصديق تلك‪ ،‬وعشت تجربة معلمتي‬
‫في مدحي مراًر ا وتكراًر ا في رأسي‪ ،‬وشعرت بدفء وهج القبول واإلعجاب من أفراد النادي‪ ،‬وكان‬
‫ذلك يوم إجازة والدتي‪ ،‬ولذا دخلت الشقة متبخترة‪ ،‬مشتاقة إلخبارها بكل نجاحاتي؛ ال أتذكر ما‬
‫قالته‪ ،‬وبالتأكيد لم تمدحني‪ ،‬ولم تخبرني بأي شيء إيجابي‪.‬‬
‫واتصلت بصديقتي المفضلة‪ ،‬وأخبرتها بما حدث في الصف‪ ،‬واستمررت في الشعور بالرضا عن‬
‫نفسي إلى بقية وقت ما بعد الظهر وحتى المساء‪ ،‬وال أعرف كيف كنت أتصرف‪ ،‬ولكن من الواضح‬
‫أن والدتي لم تحب ذلك‪ ،‬وكل ما أتذكره هو أن والدتي التي كان جالسة على األريكة تشرب الجعة‪،‬‬
‫قالت لي‪« :‬إنك تعتقدين حًّقا أنك تساوي أي شيء‪ ،‬أليس كذلك؟» َصَم ُّت ‪ ،‬ولم أعرف عن ماذا كانت‬
‫تتحدث‪« .‬تعتقدين حًّقا أنك شيء؛ ألن معلمتك أثنت عليك‪ ،‬وألنك رئيسة ناديك الغبي‪ .‬حسًنا‪ ،‬دعيني‬
‫أقول لِك شيًئا‪ ،‬دعيني أخبرك من أنت حًّقا» وقالت بنبرة ساخرة‪« :‬أنت بنت غير شرعية‪ ،‬فلقد كنت‬
‫طفلة غير مرغوب فيها‪ ،‬لقد دمرت حياتي»‪.‬‬
‫وقفُت مصدومة‪ ،‬فال أفهم ماذا كانت تقول لي‪ ،‬ولكني شعرت بالجرح من كلماتها‪ ،‬ورّنت كلمة غير‬
‫شرعية في أذني‪ ،‬ففي تلك األيام‪ ،‬في منتصف الستينيات‪ ،‬أن تكون طفاًل غير شرعي فذلك معيب‬
‫وعار جًّدا‪ ،‬وأتذكر أنني شعرت وكأنني سأموت‪ ،‬وتلك المشاعر المؤذية تخيم علي‪ ،‬وكأنها سحابة‬
‫مظلمة‪.‬‬
‫غصت في األريكة‪ ،‬بينما تابعت والدتي تخبرني‪ ،‬ألول مرة‪ ،‬حقيقة أبي ووالدتي‪ ،‬ولم تكن والدتي‬
‫متزوجة والدي عندما حملت بي‪ ،‬ففي الواقع‪ ،‬كانت ال تزال متزوجة شرًعا من رجل آخر على‬
‫الرغم من أنها هجرته‪ ،‬ولم تخبر والدي عني أبًدا‪ ،‬ولكنها غادرت المدينة بمجرد اكتشافها أنها كانت‬
‫حاماًل ‪ ،‬وفي اللحظات التي تلت ذلك‪ ،‬تغير مفهومي الكامل عن ذاتي‪ ،‬فلطالما شعرت بالفرق‪ ،‬وأنني‬
‫ًّن‬
‫أقل من اآلخرين؛ ألنه لم يكن لدي أب‪ ،‬وألن والدتي كانت أكبر سًّنا بكثير من األمهات األخريات‪،‬‬
‫وألننا كنا فقراء للغاية أيًض ا‪ ،‬ولدى اآلن سبب آخر ألشعر بعدم الكفاءة‪ :‬كنت غير شرعية‪ ،‬ومع أنني‬
‫شعرت دائًم ا أنني غير مرغوبة ومذنبة حيال وجودي‪ ،‬فاآلن تم تأكيد ذلك‪ ،‬فقد كنت غير مرغوبة‪،‬‬
‫ودمرُت حياة والدتي‪ ،‬وغني عن القول‪ :‬إن المشاعر الطيبة التي شعرت بها حيال االعتراف بي في‬
‫ذلك اليوم اختفت تماًم ا‪ ،‬ومع أن والدتي لم تصفعني جسدًّيا في وجهي هذه المرة‪ ،‬إال أنني شعرت‬
‫بصفعي بدرجة جعلتني أشعر «بقيمتي الحقيقية»‪.‬‬
‫وكان للمقارنة بين أحداث ذلك اليوم تأثير عميق في‪ ،‬ولم أستطع سنوات عدة اإلحساس بالفرح أو‬
‫الشعور بالنجاح دون الخوف من أن شيًئا سيًئا سيحدث لي؛ بمعنى أنني سوف أتعرض للصفع‪،‬‬
‫وأعود لحجمي الطبيعي‪.‬‬
‫وأتذكر بوضوح ذلك اليوم الذي تمكنت فيه أخيًر ا من التخلص من الخوف من أن شيًئا سيًئا سوف‬
‫يحدث لي في كل مرة كانت تغمرني مشاعر الفرح‪ ،‬وكان ذلك قبل نحو خمسة عشر عاًم ا‪ ،‬حيث‬
‫كنت أقود سيارتي عائدة من العمل إلى المنزل‪ ،‬وكنت أشعر بالرضا عن العمل الذي قمت به في‬
‫ذلك اليوم مع المراجعين‪ ،‬وأدركت أن حياتي كانت تسير على ما يرام حًّقا‪ ،‬حيث إنه ألول مرة منذ‬
‫مدة طويلة لم أكن مثقلة بمشكلة من المشكالت‪ ،‬ففجأة سيطَر علي خوف مرعب‪ ،‬وعرفت بمنتهى‬
‫السهولة أن شيًئا سيًئا كان سيحدث لي‪ ،‬ولكن بعد ذلك بدأ شعور آخر يتسلل ببطء إلى وعيي‪،‬‬
‫وسمعت صوًتا في رأسي يقول‪« :‬ال‪ ،‬لن يحدث شيء سيئ‪ ،‬فألنك سعيدة اآلن ال يعني أن شيًئا سيًئا‬
‫سيحدث» فواصلت قيادتي السيارة إلى المنزل وأنا متحررة تماًم ا من الخوف الذي كان سيطبق علي‬
‫في العادة‪ ،‬وحرة في الشعور بالرضا الذي كنت أحس به‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك نهاية القصة‪ ،‬فقد واصلت سنوات عدة القتال مع نسخة أخرى من هذه المشكلة؛ فبداًل‬
‫من الخوف بوعي من أن شيًئا سيًئا سيتبع دائًم ا شيًئا جيًدا‪ ،‬كان لدي ميل لفعل شيء ما إليذاء نفسي‬
‫كلما حدث شيء رائع لي‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬بدأت منذ عدة سنوات أكافئ نفسي برسالة كل‬
‫أسبوعين‪ ،‬ولكن بعد أن اعتنيت بجسدي بالشكل الصحيح‪ ،‬وبدأت الشعور أنني في حالة جيدة‪،‬‬
‫والحظت أنني بدأت األكل كثيًر ا لياًل ‪ ،‬وغالًبا ما «صفعت نفسي» بالطريقة نفسها التي صفعتني بها‬
‫أمي في ذلك اليوم الرهيب‪.‬‬

‫وإن رسائل الوالدين السلبية كتلك التي تلقيتها من أمي تجعلنا نطور معتقدات أساسية معينة عن‬
‫الحياة وعن أنفسنا‪ ،‬بما في ذلك افتراضات أساسية حول قيمتنا في العالم‪ ،‬ويمكن أن تحدد المعتقدات‬
‫األساسية عن نفسك إلى أي درجة تتصور نفسك جديًر ا وكفًئا ومحبوًبا وآمًنا وقوًّيا وواثًقا من نفسك‪،‬‬
‫وإن المعتقد األساسي الذي طورته من تجاربي مع أمي هو أنني ال أستحق األشياء الجيدة‪ ،‬ففي نهاية‬
‫المطاف‪ ،‬مرددة كلمات أمي‪« :‬من كنت أعتقد أنني كنت؟» لّو ن هذا االعتقاد تصوراتي عن نفسي‬
‫إلى درجة متطرفة‪ ،‬حيث إنه كلما حدث شيء جيد بالنسبة إلي‪ ،‬قمت على الفور بتخريبه بطريقة ما‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أمثلة على معتقدات سلبية أساسية‬

‫يمكن أن تستمر المعتقدات السلبية وأنماط التفكير السلبية في التأثير في هويتك ومفهومك عن ذاتك‬
‫ما لم تعمل بوعي على تغييرها‪ ،‬ففي الفصل الثاني‪ ،‬وضعت قائمة بالمعتقدات الشائعة التي أنشأتها‬
‫سبعة أنواع من اآلباء المسيئين عاطفًّيا‪ ،‬وفيما يلي بعض األمثلة األخرى الشائعة عن أنماط التفكير‬
‫لدى األشخاص المحرومين و‪ /‬أو المساء إليهم عاطفًّيا‪ ،‬فقد وضعت المعتقدات األساسية التي تدعم‬
‫أنماط األفكار هذه بخط مائل‪ ،‬وضع إشارة حيال أي من المعتقدات السلبية التي تنطبق عليك‪.‬‬
‫‪ .1‬ال أستطيع الوثوق أبًدا أن أي شيء جيد سيستمر؛ فإما أنه سينتهي أو يغيب‪ ،‬والناس ليسوا‬
‫جديرين بالثقة وال الحياة أيًض ا‪ ،‬فكالهما سيخيب ظنك‪ ،‬ويخذلك‪.‬‬

‫‪ .2‬ليس لدي سيطرة على حياتي أو ما يحدث لي‪ ،‬فعلي فقط أن أقبل كل ما يحدث‪ ،‬وأحاول االستفادة‬
‫منه قدر اإلمكان‪ ،‬وإن ما قلته أو فعلته لم يوقف والدَّي أبًدا (أو غيرهما من مقدمي الرعاية) من‬
‫اإلساءة إلي‪ ،‬فال شيء أقوله أو أفعله ُيحدث فرًقا‪ ،‬فلماذا أزعج نفسي؟‬
‫‪ .3‬أنا عاجز عن إحداث أي تغييرات في حياتي‪ ،‬وكنت ضحية في طفولتي‪ ،‬وسأكون ضحية دائًم ا‪.‬‬

‫‪ .4‬أنا المسؤول عن األلم الذي أشعر به وعن مشكالتي‪ ،‬ولو لم أفعل أشياء ُتغضب والدّي أو قمت‬
‫بأشياء غير صحيحة‪ ،‬لما كنت عوقبت‪.‬‬
‫‪ .5‬إن الوقت الوحيد الذي أشعر فيه بالرضا عن نفسي هو عندما أعطي اآلخرين‪ ،‬أو أساعد‬
‫اآلخرين‪ ،‬فالقيمة الوحيدة التي لدي هي ما يمكنني فعله لآلخرين‪.‬‬

‫‪ .6‬ال أستطيع أن أكون حازًم ا؛ ألن اآلخرين عندها لن يحبوني‪ ،‬وإذا رفعت صوتي حيال ما أحتاج‬
‫إليه‪ ،‬فسيفكر اآلخرون أنني أناني‪.‬‬

‫‪ .7‬ال ينبغي أن أخبر أي شخص أبًدا عندما أشعر باألذى أو بخيبة األمل أو بالغضب؛ ألنني سأجعل‬
‫الشخص اآلخر يشعر باألذى أو الغضب‪ ،‬وإنني مسؤول عن مشاعر اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .8‬ال يجب أن أتحدث أبًدا عما يدور في عائلتي؛ ألنني سأكون خائًنا‪ ،‬وينبغي االحتفاظ باألسرار‬
‫وعدم التحدث عنها أبًدا‪ ،‬حتى مع أفراد األسرة اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .9‬ال أستطيع أن أثق في تصوراتي؛ إذ يخبرني والداي دائًم ا أن ما اعتقدته كان خطأ‪.‬‬

‫إن المعتقدات األساسية عن نفسك هي أساس احترامك لذاتك؛ فإنها تملي عليك إلى حد كبير ما‬
‫يمكنك‪ ،‬وما ال يمكنك فعله‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬إنها تشكل أساس القواعد التي تعيش حياتك بها‪،‬‬
‫وعموًم ا‪ ،‬فإن المعتقدات األساسية السلبية تملي عليك ما ال يمكنك فعله؛ فعلى سبيل المثال‪« :‬ال‬
‫ينبغي حتى أن أزعج نفسي بالحصول على هذه الوظيفة؛ ألنه لن يرغب أحد في توظيفي؛ ألنني ال‬
‫أجيد التواصل الجيد»‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تشجعك المعتقدات األساسية اإليجابية على توكيد قدراتك‪،‬‬
‫كما في «أعلم أنه يمكنني اجتياز هذه الدورة؛ فأنا ذكي وقادر على تعلم حتى المفاهيم الصعبة إذا‬
‫ركزت عليها»‪.‬‬
‫وتجعلنا الرسائل األبوية السلبية أيًض ا مهيئين ألن يكون لدينا توقعات غير معقولة عن أنفسنا‬
‫واآلخرين‪ ،‬ففي حالتي‪ ،‬كنت أرغب بشدة في موافقة اآلخرين (وال سيما والدتي) ووصلت إلى‬
‫االعتقاد إن كنت «جيدة» بشكل استثنائي‪ ،‬فسأحصل أخيًر ا على تلك الموافقة‪ ،‬فقد أدى بي ذلك إلى‬
‫أن يكون لدى توقعات غير معقولة عن نفسي من حيث كم كان علي أن أعمل بجد كي أكون شخصية‬
‫جيدة‪ ،‬وفي تحقيق النجاح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬معتقداتك األساسية‬


‫‪ .1‬فكر في الطريقة التي عاملك بها والداك وأنت طفل‪ ،‬وبناء على هذه المعاملة‪ ،‬ما هي المعتقدات‬
‫الزائفة والتوقعات غير المعقولة عن نفسك وعن الحياة التي تعتقد أنك طورتها؟ إن إكمال الجمل‬
‫اآلتية سيساعدك على أن ترى بشكل أوضح‪.‬‬
‫عندما والدي ‪«( ...................................‬تجاهلني»‪« ،‬انتقدني»)‪ ،‬قادني ذلك إلى االعتقاد أنني‬
‫‪«( ...............................‬غير مهم»‪« ،‬أنا غير كفء»)‪.‬‬
‫‪ .2‬استمر في إكمال هذه الجملة؛ حتى تستنفد كل إجاباتك‪:‬‬
‫عندما والدي ‪ ......................‬قادني ذلك إلى تصديق أنني ‪......................‬‬

‫‪ .3‬اآلن أكمل الجملة اآلتية‪ ،‬ومرة أخرى استمر حتى تستنفد كل استجاباتك‪.‬‬
‫عندما كانت والدتي ‪«( .........................................‬توقعت الكثير مني»)‪ ،‬قادني ذلك إلى‬
‫‪«( ...................................‬توقع الكثير من نفسي»)‪.‬‬
‫‪ .4‬ضع في قائمة المعتقدات التي طورتها بسبب معاملة والديك عندما كنت تكبر‪ ،‬مستخدًم ا إجاباتك‬
‫من تمرين إتمام الجمل واألمثلة السابقة عن المعتقدات السلبية‪.‬‬
‫‪ .5‬ضع في قائمة منفصلة التوقعات غير المعقولة التي لديك‪ ،‬اعتماًدا على طريقة معاملة والديك لك‬
‫وتجارب طفولتك المبكرة‪.‬‬

‫إن تحديد هذه المعتقدات الخاطئة والتوقعات غير المعقولة هي الخطوة األولى القتالعها من عقلك‪،‬‬
‫وإذا كنت ال تزال غير متأكد فيما يتعلق بمعتقداتك الخاطئة وتوقعاتك غير المعقولة‪ ،‬سيساعدك‬
‫الواجب في نهاية الفصل على ذلك‪.‬‬
‫قد يبدو لنا أن معتقداتنا السلبية وتوقعاتنا غير المعقولة عن أنفسنا وعن الحياة مغروسة في أدمغتنا‬
‫بشكل دائم‪ ،‬وأن تغيير أذهاننا حول هذه المعتقدات السلبية أقرب إلى المستحيل‪ ،‬ولكن الحقيقة هي أنه‬
‫من الممكن تغيير حتى أكثر المعتقدات السلبية وغير الصحية والتدميرية‪ ،‬وسيقدم لك الفصالن‬
‫الالحقان المزيد من التدريبات واألنشطة التي ستساعدك على هذه العملية‪.‬‬

‫قد يستغرق تغيير معتقداتك األساسية قدًر ا كبيًر ا من الوقت والجهد‪ ،‬ولكنه بالتأكيد يستحق ذلك‪،‬‬
‫وبالقيام بذلك‪ ،‬ستتمكن من تغيير نظرتك عن نفسك والعالم بطريقة مهمة‪ ،‬وقد كتبت في وقت سابق‬
‫عن كيف أن وجود والدين مسيئين عاطفًّيا يشبه النظر إلى نفسك في مرآة بيت المرح (تعّد المرآة‬
‫المشوهة‪ ،‬أو مرآة المنزل الترفيهي‪ ،‬أو مرآة الكرنفال من عوامل الجذب الشهيرة في الكرنفاالت‬
‫والمعارض‪ ،‬وبداًل من مرآة مستوية عادية تعكس صورة معكوسة مثالية‪ ،‬فإن المرايا المشوهة هي‬
‫مرايا منحنية‪ ،‬وغالًبا ما تستخدم أقساًم ا محدبة ومقعرة لتحقيق التأثير المشوه)‪ ،‬ما يجعلك ترى نفسك‬
‫بطريقة مشوهة‪ ،‬وإن التخلص من المعتقدات السلبية األساسية عن نفسك يشبه استبدال مرآة بيت‬
‫المرح بواحدة غير مشوهة‪ ،‬وبداًل من رؤية نفسك على شكل وحش صغير‪ ،‬سترى نفسك بالحجم‬
‫الطبيعي والمتناسب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫حقائق األسبوع النفسية‬


‫• غالًبا ما يكون سبب مشكالت تدني احترام الذات‪ ،‬وضعف صورة الجسد الرسائَل األبوية السلبية‬
‫المنقولة باإلساءة أو اإلهمال أو االختناق العاطفي‪.‬‬
‫• إن البديل الحقيقي الوحيد للحكم على الذات هو معرفة حقيقة هويتك‪ ،‬وإذا كان لديك اعتقاد عميق‬
‫بأن ال قيمة لك‪ ،‬يجب أن تكتشف من أين جاء هذا االعتقاد‪ ،‬ولماذا تعتقد أنه صحيح؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪


: 5 #‬‬
‫مذكراتك الشفوية اليومية‬
‫ابدأ هذا األسبوع باالحتفاظ بمذكرات شفوية تسجل فيها أقوالك الذاتية أو حديثك الداخلي متى شعرت‬
‫بالغضب أو الحزن أو االكتئاب أو الذنب‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وسيكون صعًبا بال شك في البداية أن تالحق‬
‫نفسك في فعل التفكير في األفكار السلبية؛ ألنها غالًبا ما تكون متأصلة جًّدا‪ ،‬وقد يساعد إن حاولت‬
‫تحديد المواقف التي يكون فيها احترامك لذاتك منخفًض ا جًّدا‪ ،‬مثل عندما تشعر أنك غير كفء أو‬
‫غبي أو غير جذاب على نحو خاص‪ ،‬وسيساعدك حمل يومياتك الشفوية على تسجيل مشاعرك‬
‫وأقوالك الذاتية في أثناء حدوثها مباشرة في ذهنك‪ ،‬وِص ف الموقف («ذهبت إلى اجتماع ألرباب‬
‫العمل‪ ،‬ولم يقترب مني أحدث للتحدث»)‪ ،‬وأقوالك الذاتية‪«( :‬إنك سمين جًّدا‪ ،‬وال يريد أحد التحدث‬
‫إليك»)‪ ،‬وكيف تشعر بسبب الموقف («القبيح»)‪ .‬وإليك ما قد تبدو عليه صفحاتك الذاتية الشفوية‪:‬‬
‫التاريخ‪ 25 :‬أيلول‪.‬‬

‫الشعور‬ ‫قولك‬ ‫الموقف‬

‫إنني غبي؛ فدائًم ا ما أخلط الحابل‬


‫غير كفء‬ ‫لم ُيعجب رئيسي بتقريري‬
‫بالنابل‬

‫غير مناسب‬ ‫«إنك لست رجاًل »‬ ‫لم أكن قادًر ا على االنتصاب (القضيب)‬

‫يا لك من أحمق‪ ،‬ستنسى رأسك لو‬


‫ال قيمة لك‬ ‫قفلت السيارة والمفاتيح بداخلها‬
‫لم يكن متصاًل برقبتك!‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 6‬االنفصال عاطفًّيا عن والديك‬

‫عندما أقول‪« :‬أنا» أعني شيًئا فريًدا تماًم ا‪ ،‬فال ينبغي الخلط بينه وبين أي شخص آخر‪.‬‬

‫أوغو بيتي‬
‫‪Ugo Betti‬‬
‫ال يوجد وجع أشُّد فتًكا من السعي إلى أن نكون أنفسنا‪.‬‬

‫يفغيني فينوكروف‬
‫‪Yevgeniy Vinokurov‬‬
‫كان من المفترض أن أصبح نسخة عنها لو ُص ّنعُت وفًقا للخطة؛ ُدربت على تكرار حياتها‪ ،‬حيث‬
‫تصبح البنت زوجة‪ ،‬ومن ثم أًّم ا‪ .‬أحمل مخاوفها وقيودها في سالسل حول معصمي وكاحلي‪ُ .‬قولب‬
‫جسدي أواًل بجسدها‪ ،‬ومن ثم بالكلمات التي لفتها حول مشاعري‪.‬‬
‫لويز‪ .‬م‪ .‬وايزتشايلد‬
‫‪Louise M. Wisechild,‬‬

‫‪The Mother I Carry‬‬


‫إن أحد األسباب األساسية في استمرار البالغين الذين ُأهملوا أو ُأسيء لهم عاطفًّيا وراء اتباع‬
‫معتقدات والديهم السلبية هو أنهم ما زالوا مرتبطين بهم عاطفًّيا جًّدا‪ ،‬ولم يكملوا عملية التفرد‪،‬‬
‫فالتفرد هو فعل أن يصبح المرء شخًص ا منفصاًل ومستقاًّل عن والديه وعائلته‪ ،‬ويميل أولئك الذين‬
‫يعانون من تاريخ من اإلهمال أو اإلساءة إلى البقاء مرتبطين بعائالتهم األصلية بدافع الرغبة اليائسة‬
‫في الحصول على ما لم يحصلوا عليه عندما كانوا أطفااًل ؛ ولكن الحقيقة المحزنة هي أن معظمنا لن‬
‫يحصل من آبائنا على ما فاتنا في الطفولة‪ ،‬فنحن في حاجة إلى قبول أنه يتعين علينا أن ننمو‪ ،‬حتى‬
‫لو أننا ال نشعر بأننا مستعدون عاطفًّيا للقيام بذلك‪.‬‬
‫ربما عملت بجد لتكون مختلًفا عن والديك‪ ،‬وربما كنت بمفردك مدة ال بأس بها من الوقت‪ ،‬ولكن هذا‬
‫ال يعني أنك أصبحت منفصاًل عنهم عاطفًّيا‪ ،‬ويتطلب األمر أكثر من مجرد التقدم في السن ‪ -‬يتطلب‬
‫ذلك نضًج ا عاطفًّيا‪ ،‬وجهًدا واعًيا من جانبك‪.‬‬
‫في العائالت السليمة‪ ،‬يحدث االنفصال العاطفي طبيعًّيا وتدريجًّيا؛ إذ يبدأ خالل مرحلة التقارب‬
‫المشار إليها سابًقا (من سنتين إلى أربع سنوات)‪ ،‬عندما يكتشف الطفل ألول مرة أنه منفصل عن‬
‫والديه‪ ،‬وفي هذه المدة‪ ،‬من الضروري أن يمر الطفل بتجارب تثبت قدرته على االنفصال من دون‬
‫الشعور بالتخلي عنه‪ ،‬وعلى الرغم من أن الطفل لديه حاجة متزايدة إليجاد مكانه الخاص في العالم‪،‬‬
‫إال أنه ال يزال في حاجة إلى رعاية جسدية من والديه‪ ،‬وكذلك في حاجة إلى من يحبه‪.‬‬

‫ولكن في بعض األحيان‪ ،‬يواجه اآلباء وغيرهم من مقدمي الرعاية أوقاًتا صعبة في السماح بكل من‬
‫االستقاللية والتبعية على حد سواء‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬ماري فضلت اللعب بمفردها‪ ،‬وقضاء الكثير‬
‫من الوقت في غرفتها بداًل من الجلوس مع العائلة لياًل ومشاهدة التلفاز‪ ،‬وكان ذلك يؤذي مشاعر‬
‫أمها؛ وألن والدتها أخذت األمر على محمل شخصي‪ ،‬وشعرت أن ماري كانت ترفضها (كما يحدث‬
‫غالًبا مع اآلباء الخانقين عاطفًّيا)‪ ،‬نأت بنفسها عن ابنتها في كل مرة دخلت ابنتها عليها غرفتها لياًل ‪،‬‬
‫وبالقيام بذلك‪ ،‬أرسلت والدة ماري لها رسالة مفادها أنه لم يكن مقبواًل لها أن تفصل نفسها عنها‪.‬‬
‫وال يشعر بعض اآلباء بالراحة إال عندما يكون أطفالهم تابعين أو محتاجين‪ ،‬وقد يثبطون أي عالمات‬
‫على االستقالل عندهم‪ ،‬وأشّد ما ينطبق ذلك على الوالدين الخانقين عاطفًّيا أو المصابين بسفاح‬
‫المحارم‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما يبدأ الطفل في المشي أو استكشاف العالم‪ ،‬سوف يستجيب الوالد‬
‫السليم بما يناسب من الدعم والتشجيع‪ ،‬ويمدح كل نجاح صغير‪ ،‬ولكن من الناحية األخرى‪ ،‬قد‬
‫يستجيب الوالد القلق أو غير اآلمن بتثبيط جهود طفله‪ ،‬بالتجاهل‪ ،‬أو بالتخلي عنه‪.‬‬

‫والمراهقة هي مرحلة أخرى من النمو المتسارع‪ ،‬والدفع من أجل االستقالل‪ ،‬وخالل هذه المرحلة‬
‫المضطربة عادة‪ ،‬يكون معظم المراهقين متمردين للغاية‪ ،‬ويصرون على القيام بأشيائهم بطريقتهم‬
‫الخاصة‪ ،‬ويرفضون اقتراحات والديهم وقيمهم‪ ،‬وأحياًنا قواعد انضباطهم‪ ،‬فإنهم يغضبون‪ ،‬من دون‬
‫أي سبب واضح‪ ،‬من آبائهم ويلومونهم عن أي شيء‪ ،‬وكل ما يحدث خطأ في حياتهم‪ ،‬وإن ذلك‪ ،‬في‬
‫الواقع‪ ،‬أمر صحّي ٌ؛ ألن الغضب يساعد المراهقين على االنفصال عن والديهم‪ ،‬واكتشاف هويتهم‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫ولسوء الحظ‪ ،‬ال يمر األطفال المهملون أو المساء إليهم عاطفًّيا‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬بمرحلة‬
‫مراهقة صحية‪ ،‬وغالًبا ما يكونون خائفين جًّدا من والديهم‪ ،‬أو خائفين جًّدا من الرفض إن تمردوا‬
‫على قيم والديهم‪ ،‬وغالًبا ما ينشغلون كثيًر ا بمحاولة كسب موافقة والديهم‪ ،‬وحب العمل على تطوير‬
‫هوية منفصلة عنهم‪ ،‬وغالًبا ال يريد اآلباء المسيئون ألطفالهم االنفصال‪ ،‬أو أنهم يفتقرون إلى‬
‫المهارات التي تساعدهم على االنفصال بطريقة صحية‪.‬‬

‫كيف تنفصل عاطفًّيا عن والديك‪ ،‬وتكمل عملية التفرد إذا لم تقم بذلك بعد؟ كيف تستبدل مرآة والديك‬
‫المشوهة‪ ،‬بمرآة أكثر دقة؟ قد يشمل االنفصال العاطفي عنهما أًّيا أو كاًّل مما يلي‪ :‬تزويد نفسك‬
‫بالتشجيع والدعم اللذين لم تتلَقهما من والديك‪ ،‬والتعبير عن الغضب الذي كنت خائًفا من التعبير عنه‪،‬‬
‫واالعتراف باحتياجاتك غير المحققة‪ ،‬ومواجهة حقيقة أن وقت تلبية هذه االحتياجات من قبل والديك‬
‫قد انتهى‪ ،‬ويتضمن الحزن على كل الوجع والرفض والهجر‪ ،‬والخيانة التي تعرضت لها على يد‬
‫والديكأو مقدمي العناية اآلخرين‪.‬‬
‫ويشمل التفرد أيًض ا حل عالقتك مع الوالدين بطريقة واعية بداًل من إعادة تمثيل العالقة مع اآلخرين‬
‫دائًم ا‪ ،‬وبالتحديد زوجتك وأطفالك‪ ،‬وتتمثل إحدى الطرق‪ ،‬التي يستخدمها البالغون الذين تعرضوا‬
‫لسوء المعاملة أو اإلهمال وهم أطفال‪ ،‬في إيجاد الشعور الخاطئ باالتصال بوالديهم‪ ،‬بتكرار بشكل‬
‫ال واعي بحياتهم‪ ،‬وإذا فعلوا ما فعله آباؤهم‪ ،‬فال ينبغي أن يشعروا باالنفصال عنهم‪ ،‬ويبدو األمر كما‬
‫لو أنهم يعيشون حياة والديهم بداًل من حياتهم الخاصة‪ ،‬وبهذه الطريقة‪ ،‬ال يجب أن ينفصلوا أبًدا‪،‬‬
‫ويتحملونمسؤولية حياتهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التعلق السلبي‬
‫يواجه كثير من الناجين صعوبة بالغة في االعتراف باإلساءة‪ ،‬أو اإلهمال الذي عانوا منه على أيدي‬
‫والديهم‪ ،‬ووقًتا أشّد صعوبة إن هم أغضبوهما‪ ،‬ومرُّد ذلك جزئًّيا؛ ألنهم ال يريدون مواجهة الحقيقة‬
‫والخروج من حالة اإلنكار‪ ،‬ولكن أيًض ا ألنهم متعلقون جًّدا بوالديهم‪ ،‬والتعلق السلبي هو مصطلح‬
‫يستخدم في علم النفس لوصف اعتماد غير صحي على شخص آخر؛ كي يعترف بعض الناس بما‬
‫تعرضوا له من ِقبل آخرين‪ ،‬فهم في حاجة إلى تطوير هوياتهم الخاصة بشكل منفصل عن هويات‬
‫الوالدين (أو غيرهم من المسيئين)‪.‬‬
‫نظل متعلقين سلبًّيا بوالدينا بالطرق اآلتية‪:‬‬
‫• باالستمرار في إنكار الطريقة التي عاملونا بها‪.‬‬
‫• بحجب غضبنا عن معاملتهم المسيئة أو المهملة‪.‬‬

‫• باعتماد قيمهم ومعتقداتهم بالكامل من دون أي تحليل أو سؤال‪.‬‬


‫• بتكرار سلوكهم‪ ،‬وأن نصبح مثلهم تماًم ا‪.‬‬

‫• بمحاولة أن نكون عكسهم تماًم ا‪.‬‬


‫• بالعمل الجاد لعدم إغضابهم أو المخاطرة بهجرهم لنا‪.‬‬
‫• بالقيام عمًدا بأشياء تغضبهم أو تربكهم‪.‬‬

‫• بعدم وضع حدود وقيود صحية معهم‪.‬‬


‫ستساعدك المعلومات واالقتراحات اآلتية على مجابهة الطرق التي بقيت فيها متعلًقا سلبًّيا بوالديك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أعلن استقاللك‬

‫لقد بدأت إعالن استقاللك‪ ،‬عندما بدأت في مواجهة الحقيقة حول والديك‪ ،‬وأفراد األسرة اآلخرين‪،‬‬
‫والدور السلبي الذي أداه سلوكهم في حياتك‪ ،‬وعندما بدأت نفخ الروح بهذا االعتراف بالتعبير عن‬
‫غضبك المحق‪ ،‬تسارعت عملية الفصل العاطفي‪ ،‬وإن وقوفك في وجه والديك والقول‪ :‬ال‪ ،‬لهما‬
‫(ربما ألول مرة) هي طرق أخرى لإلعالن عن استقاللك عن والديك وطرق عملهما‪ ،‬وقد يكون‬
‫ذلك مبهًج ا ودافًعا قوًّيا‪ ،‬وسيمكنك من معرفة مدى اختالفك عن األشخاص الذين توحدت معهم وأنت‬
‫طفل‪ ،‬وكم أنت مختلف عن المرآة التي أسقطوها عليك‪.‬‬
‫وعلى أية حال‪ ،‬ال ينطوي إعالن استقاللك على إنكار تأثير والديك العاطفي فيك‪ ،‬وبإنكار دور‬
‫والديك في تشكيل شخصيتك‪ ،‬فإنك تجازف بإنكار جزء من نفسك‪ ،‬ومن المحتم أنك ستأخذ كثيًر ا من‬
‫صفات والديك‪ ،‬فقبل كل شيء‪ ،‬إن تأثيرهما فيك‪ ،‬وراثًّيا وبيئًّيا‪ ،‬هو التأثير األكثر عمًقا الذي‬
‫ستختبره على اإلطالق‪ ،‬ويتضمن االنفصال االعتراف بمدى تشابهك بوالديك‪ ،‬وكم أنت مختلف‬
‫عنهما؛ ألن كثيًر ا من السمات التي ورثتها عن والديك هي بال شك إيجابية للغاية‪.‬‬

‫ويقضي بعض الناس معظم حياتهم في محاولة يائسة كي يكونوا مختلفين عن أحد والديهم أو كليهما‪،‬‬
‫ومن المفارقات أن أولئك الذين يعملون جاهدين ليصبحوا مختلفين هم في الواقع متعلقون عاطفًّيا‬
‫بوالديهم كأولئك الذين يحاولون تقليدهم‪ ،‬وإن تركيزهم على االختالف عن والديهم يمكن أن يمنعهم‪،‬‬
‫في الواقع‪ ،‬من أن يصبحوا أنفسهم‪ ،‬وبتركيزك الكثير من الطاقة كي تكون مختلًفا عن والديك‪ ،‬فإنك‬
‫تهدر قدًر ا من طاقة اكتشاف حقيقة نفسك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬الجيد والسيئ‬


‫‪ .1‬ضع قائمة بكل الصفات التي تشعر أنك تشبه والديك بها‪.‬‬

‫‪ .2‬ضع قائمة بكل الصفات التي تشعر أنك مختلف عن والديك بها‪.‬‬

‫‪ .3‬صف شعورك تجاه هاتين القائمتين‪ ،‬فهل تشعر بالقلق من كثرة أوجه التشابه الموجودة؟ هل‬
‫تشعر بالفخر نتيجة هذه االختالفات؟‬

‫اطرح أسئلة عن قيم والديك ومعتقداتهما‬

‫ال يتعين عليك تبني قيم والديك أو معتقداتهما تلقائًّيا‪ ،‬وال سيما إذا كانت تسهم في إهمالك أو اإلساءة‬
‫إلى نفسك‪ ،‬ففي الواقع‪ ،‬يمكنك أن تكون أول فرد في عائلتك يطرح أسئلة عن القيم والمعتقدات التي‬
‫اعُتبرت حتى اآلن صحيحة‪ ،‬من دون أي سؤال‪ ،‬وسيساعدك التمرين اآلتي على البدء‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬معتقدات والديك ‪ /‬معتقداتك‬


‫‪ .1‬ضع قائمة بمعتقدات والديك وقيمهما التي تتفق معها‪.‬‬
‫‪ .2‬ضع قائمة بالمعتقدات والقيم التي ال توافق عليها‪.‬‬
‫‪ .3‬الحظ أي المعتقدات والقيم عند والديك التي تؤدي إلى إهمال الذات أو اإلساءة إليها‪.‬‬

‫‪ .4‬ما هي القيم والمعتقدات في البند الثالث التي اعتمدتها بنفسك؟‬


‫‪ ‬‬

‫ضع حدوًدا وقيوًدا صحية‬


‫إذا استمررت في خضوعك لسيطرة والديك أو تالعبهما بك‪ ،‬أو إذا كنت ال تزال تعتمد عليهما بشكل‬
‫كبير‪ ،‬فستحتاج إلى وضع حدود وقيود كي تميز نفسك عنهما‪ ،‬فقد يكون مؤلًم ا رؤية ألم والديك‪،‬‬
‫وخيبة أملهما عندما تبدأ بالقول لهما‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬لن تفعل كما يقترحان‪ ،‬ولن تكون عبًدا أصَّم أبكَّم بعد‬
‫اآلن؛ ال‪ ،‬ولن تصبح ما أراداه لك أن تصبح‪ ،‬فقد تخشى أن يقوال‪« :‬في هذه الحالة‪ ،‬هللا معك‪ ،‬وإلى‬
‫غير رجعة» رًّدا على إظهارك الستقالليتك‪ ،‬فحقيقة‪ ،‬قد يصبح والداك غاضبين جًّدا في البداية‪،‬‬
‫عندما تبدأ في رسم حدود وقيود معهما‪ ،‬وقد يصبحان مهينين‪ ،‬أو مريرين أو مهددين عندما تقف في‬
‫وجههما‪ ،‬وتخبرهما بأنك ستتولى شؤون حياتك بطريقتك‪ ،‬ولكن ال تسمح لردود الفعل هذه أن تبعدك‬
‫عن طريقك الصحيح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أكمل عملك غير المكتمل‬


‫يمكن أن يشمل إتمام عملك غير المكتمل مع والديك أو غيرهما أًّيا من العناصر اآلتية أو كلها‪:‬‬
‫التعبير عن غضبك وتجاوزه‪ ،‬ومواجهة المسيئين لك‪ ،‬وحل عالقتك‪ ،‬والتسامح‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تجاوز غضبك‬
‫االستياء هو النوع األكثر شيوًعا عن األعمال غير المكتملة‪ ،‬وعلى الرغم من أنه من الطبيعي‬
‫والعادي أن تشعر باالستياء (الذي يترجم إلى غضب) تجاه والديك‪ ،‬عليك تجاوز غضبك إذا كنت‬
‫ستنفصل عنهما عاطفًّيا‪ ،‬وعندما نظل غاضبين من شخص ما‪ ،‬فنحن نبقى مرتبطين به عاطفًّيا‬
‫بطريقة سلبية جًّدا‪ ،‬ونستمر في الشعور بأننا ضحيته‪ ،‬ونهدر كمية هائلة من الطاقة في لومه‪ ،‬في‬
‫حين أن الغضب أمر طبيعي‪ ،‬وعاطفة صحية عندما يتم تنفيسها بشكل صحيح‪ ،‬فإن اللوم هو تجربة‬
‫سلبية ضائعة‪ ،‬وإن الفرق بين الغضب واللوم هو أن اللوم يبقيك عالًقا في المشكلة‪ ،‬في حين أن‬
‫تنفيس غضبك بطريقة بناءة‪ ،‬يمكنك من حل المشكلة‪.‬‬
‫وإذا لم تنجح في التعامل مع غضبك تجاه المسيئين لك‪ ،‬ارجع إلى التمرين المقدم سابًقا في الفصل‬
‫الخامس المتعلق بتحديد غضبك‪ ،‬وتنفيسه بشكل بناء‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أشكال المواجهات‬
‫لمواجهة والديك أو غيرهما من المسيئين فوائد عدة‪ ،‬فقد تساعدك على االنفصال العاطفي عن‬
‫األشخاص الذين ما زال لديك معهم اتصال عاطفي غير صحي‪ ،‬وتساعدك على حل المشكلة أو‬
‫إنهاء العالقات التي أشد ما تعاني منها (مع والديك أو أشقائك‪ ،‬أو غيرهم من المسيئين)‪.‬‬

‫وتمّكنك مواجهة األشخاص الذين يؤذونك من استعادتك لقوتك‪ ،‬وتثبت لنفسك أنك لن تسمح ألي‬
‫شخص بعد اآلن أن يخيفك‪ ،‬أو يسيطر عليك‪ ،‬أو يسيء معاملتك‪ ،‬وإنها توفر فرصة لوضع األمور‬
‫في نصابها‪ ،‬وإيصال ما تحتاج إليه من اآلن فصاعًدا‪ ،‬وإنها تمنح الشخص اآلخر فرصة أخرى‬
‫للتعويض والتعامل معك بطريقة أفضل اآلن‪.‬‬

‫والمواجهة هي طريقة لقول الحقيقة‪ ،‬والوقوف في وجه أولئك الذين أساؤوا إليك‪ ،‬وإخبارهم كيف‬
‫أساؤوا إليك‪ ،‬وكيف تشعر تجاههم‪ ،‬وإنها ليست هجوًم ا وليس مقصوًدا منها التخلص منهم‪ ،‬وإنها‬
‫ليست مجادلة‪ ،‬وليس الغرض منها تغيير الناس اآلخريين‪ ،‬أو إجبار شخص ما على االعتراف بأنه‬
‫كان مخطًئا في طريقة تعامله معك‪.‬‬
‫وتختلف المواجهة عن تنفيس غضبك‪ ،‬ومع أنه يمكن لمواجهتك أن تتضمن التعبير عن غضبك جنًبا‬
‫إلى جنب مع مشاعر أخرى‪ ،‬فمن المهم عامة أن تكون قد نفست قدًر ا كبيًر ا من غضبك بطرق بناءة‬
‫قبل مواجهتك؛ ألن ذلك سيمكنك بشكل أفضل من التعبير عن مشاعرك بطريقة قوية وواضحة‬
‫وواثقة‪ ،‬وستكون أيًض ا أقل عرضة لالنفجار أو فقدان السيطرة‪ ،‬وُيوَص ى بشدة أن تكتب (رسالة‬
‫غضب) قبل أن تقوم بالمواجهة؛ إذ تمكنك هذه الرسالة من استخالص مادة موضوع مواجهتك‪.‬‬

‫وتدرب على المواجهة بكتابتها أو تسجيل حديثك‪ ،‬أو مجرد التحدث بصوت عاٍل ‪ ،‬ويمكنك التدرب‬
‫مع صديق أو معالج‪ ،‬واستخدم الصيغة اآلتية بوصفها دلياًل ؛ فيمكنك بعد ذلك اختيار وانتقاء النقاط‬
‫التي ترغب في تضمينها في مواجهاتك الحقيقية‪.‬‬

‫‪ .1‬ضع قائمة بالسلوكات المهينة أو المسيئة التي مارسها هذا الشخص عليك‪.‬‬
‫‪ .2‬اشرح كيف كان شعورك نتيجة هذه السلوكات‪.‬‬

‫‪ .3‬ضع قائمة بآثار هذه السلوكات فيك‪ ،‬عندما كنت طفاًل وبوصفك رجاًل بالًغا‪ ،‬وكيف تأثرت‬
‫حياتك‪.‬‬
‫‪ .4‬ضع قائمة بكل ما تريده من هذا الشخص وقتها‪.‬‬

‫‪ .5‬ضع قائمة بما تريده من هذا الشخص اآلن‪.‬‬

‫وهناك طرق عدة إلجراء المواجهة‪ :‬المواجهة وجًه ا لوجه‪ ،‬أو بالهاتف‪ ،‬أو بالبريد اإللكتروني‪،‬‬
‫والمواجهات وجًه ا لوجه هي األكثر فائدة‪ ،‬ولكنها غير ممكنة أحياًنا بسبب بعد المسافة؛ أو ألنك غير‬
‫مستعد لرؤية الشخص حضورًّيا‪ ،‬واختر الطريقة التي تناسب احتياجاتك‪ ،‬وثق بالتي اخترتها على‬
‫أنها سوف تنجح‪.‬‬
‫قبل أن تختار مواجهة الشخص حضورًّيا‪ ،‬فكر في اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬قرر ما إذا كنت ترغب في اصطحاب شخص ليدعمك‪ ،‬وإذا كنت تخشى العنف أو فقدان‬
‫السيطرة‪ ،‬وقد تحتاج إلى وجود طرف ثالث‪ ،‬حتى إن كان ما تخشاه هو غضبك أو فقدانك للسيطرة‪.‬‬

‫‪ .2‬ضع بعض القواعد األساسية للمواجهة‪ ،‬وحدد كيف ستعبر عن ذلك لوالديك‪ ،‬وإليك بعض‬
‫األمثلة‪« :‬أريدك أن تسمعني قبل أن ترد»؛ «أريدك أال تقاطعني أو تمنعني عن الكالم حتى أنتهي»؛‬
‫«ال أريدك أن تدافع أو تبرر أو تسوغ‪ ،‬فقط استمع‪ ،‬وستكون لديك فرصتك للرد الحًقا»‪.‬‬
‫‪ .3‬حتى إذا وافق الشخص على قواعدك األساسية‪ ،‬كن مستعًّدا ألي مما يلي‪ ،‬في أثناء المواجهة‬
‫وبعدها‪:‬‬

‫اإلنكار‪« :‬ال أتذكر»‪« ،‬لم يحدث ذلك أبًدا»‪« ،‬أنت تبالغ بذلك»‪« ،‬أنت تكذب»‪.‬‬
‫اللوم‪« :‬لقد كنت طفاًل متطلًبا جًّدا»‪« ،‬كان علي فعل شيء للسيطرة عليك»‪« ،‬أنت أردت ذلك ‪ -‬لقد‬
‫جئت إلّي »‪« ،‬لماذا لم تخبرني؟»‪.‬‬

‫التبريرات‪« :‬لقد بذلت قصارى جهدي»‪« ،‬كانت األشياء حًّقا قاسية»‪« ،‬حاولت التوقف عن الشرب‪،‬‬
‫لكني لم أستطع»‪« ،‬كنت خائفة أن تترك والدك ‪ -‬كيف سننجح؟»‪.‬‬
‫الشفقة على الذات‪« :‬لدي ما يكفي من المشكالت من دون ذلك»‪« ،‬أنت فقط ال تفهم كم كان األمر‬
‫صعًبا بالنسبة إلي»‪« ،‬أنا عجوز جًّدا (أو مريض) ألتحمل ما تقوله»‪.‬‬

‫الشعور بالذنب‪« :‬هذه مكافأتنا بعد كل ما فعلناه من أجلك؟» «ال شيء كان كافًيا بالنسبة إليك»‪،‬‬
‫«كيف يمكنك أن تفعل هذا بي؟»‪.‬‬

‫‪ .4‬تأكد من وجود أشخاص داعمين للتحدث معهم قبل المواجهة وبعدها‪.‬‬


‫‪ .5‬كن مستعًّدا إلنهاء المواجهة متى شعرت بأنها لم تعد فعالة أو مفيدة أو آمنة ‪ -‬إذا كنت تشعر‬
‫بالتهديد أو تخشى فقدان السيطرة‪ ،‬أو إذا كان والدك مشغواًل للغاية في الدفاع عن نفسه ليسمعك حًّقا‪،‬‬
‫أو إن تحولت المواجهة إلى مباراة صراخ‪.‬‬

‫ال تؤمل نفسك بأمل كاذب من أن والدك أو غيره من أفراد أسرتك سيرى فجأة خطأ أساليبه‪ ،‬ويعتذر‬
‫بإخالص‪ .‬في الواقع‪ ،‬يمكنك أن تتوقع منه اإلنكار‪ ،‬واالدعاء أنه نسي‪ ،‬أو إسقاط اللوم عليك ثانية‪ ،‬أو‬
‫حتى يشتاط غضًبا‪ .‬أعِط الشخص الوقت للتفكير فيما قلته؛ ال تفترض ألنه لم يعتذر حااًل ‪ ،‬فإنه لم‬
‫يأخذ ما قلته على محمل الجد‪ ،‬وإنه قد ال يعتذر بطريقة ما الحًقا‪.‬‬

‫بغض النظر عن كيفية انتهاء المواجهة‪ ،‬اعتبرها ناجحة لمجرد أنك امتلكت الشجاعة للقيام بها‪،‬‬
‫وترمز هذه المواجهة إلى بداية تغيير ميزان القوى في عالقتك‪ ،‬وهي فعل تفرد كبير من جانبك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫حّل عالقاتك مع والديك والمسيئين اآلخرين‬

‫ستستمر العالقات التي لم تحل في مضايقتك‪ ،‬وتؤثر سلًبا في حياتك حتى تخرَج األشياء إلى العلن‪،‬‬
‫ما يفسح المجال لشفائها‪ ،‬وقد ينطوي حل عالقة مع أحد الوالدين أو غيره من المسيئين على أي مما‬
‫يلي أو كله‪ :‬التسامح‪ ،‬المصالحة‪ ،‬االنفصال المؤقت أو (الطالق)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التسامح‬

‫ال شك أن التسامح يحررنا‪ ،‬وللتسامح القوة في شفاء أجسادنا وعقولنا وأرواحنا‪ ،‬وحياتنا نفسها‪،‬‬
‫ولكننا في حاجة إلى التأكد من أننا ال نتسامح لمجرد أننا نعتقد أنه الشيء الصحيح الذي يجب القيام‬
‫به‪ ،‬أو ألننا نستسلم لضغوط اآلخرين‪ ،‬وعلينا التأكد من أننا ال نستخدم التسامح بوصفه شكاًل آخر‬
‫من أشكال اإلنكار‪.‬‬
‫ويحدث التسامح الحقيقي فقط عندما نسمح ألنفسنا بمواجهة الحقيقة‪ ،‬وأن نشعر ونحرر مشاعرنا‪،‬‬
‫بما في ذلك غضبنا‪ ،‬حيال ما حدث لنا‪ ،‬ومن السابق ألوانه تماًم ا أن تسامح إذا لم ُيعترف لك‬
‫بتعرضك لألذى‪ ،‬وتالحظ أليس ميلر أنه عندما ُيطلب من األطفال مسامحة الوالدين المسيئين دون‬
‫تجربة عواطفهم وآالمهم الشخصية أواًل ‪ ،‬تصبح عملية التسامح سالًح ا آخر لإلسكات‪ ،‬والشيء نفسه‬
‫ينطبق على البالغين الذين يندفعون للتسامح‪ ،‬وتعرض كثير من الناس إلى غسيل دماغ؛ إلخضاعهم‬
‫من قبل أولئك الذين يصرون على أنهم سيكونون «أقل قيمة» إذا لم يسامحوا‪.‬‬
‫ويعتقد الكثير من الناس أن مسامحة الشخص الذي يؤذيهم هو مثل قول‪ :‬إن ما حدث لهم كان مقبواًل‬
‫أو إنه لم يؤِذهم؛ ولكن التسامح ال يعني أن ما حدث كان حسًنا‪ ،‬فإنه يعني ببساطة أننا لم نعد على‬
‫استعداد للسماح بهذه التجربة لتؤثر سلًبا في حياتنا‪ ،‬وفي نهاية المطاف‪ ،‬التسامح شيء نفعله ألنفسنا؛‬
‫والمعلومات الواردة في الفصل السابع سوف تساعدك بشكل أكبر على مسامحة والديك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المصالحة‬
‫على الرغم من أنك ربما تكون قد سامحت الشخص الذي أساء إليك‪ ،‬فقد ال تشعر باألمان في أن‬
‫تكون قريًبا منه‪ ،‬وقد توقف كثير من الناجين من إساءة مرحلة الطفولة عن رؤية والديهم‪ ،‬أو أفراد‬
‫األسرة اآلخرين بوصفها وسيلة لحماية أنفسهم من مزيد من سوء المعاملة‪ ،‬وينطبق هذا بشكل خاص‬
‫على أولئك الذين واجهوا المسيئين إليهم في الماضي‪ ،‬ولكنهم لم يحققوا نتائج إيجابية‪ ،‬وإذا لم يكن‬
‫الشخص الذي أساء إليك منفتًح ا للنظر فيما فعل لإلضرار بك‪ ،‬أو استمر في اإلساءة إليك بالطريقة‬
‫نفسها التي أساء بها لك عندما كنت طفاًل ‪ ،‬أو ما زال يمثل تهديًدا ألطفالك‪ ،‬فقد تحتاج إلى االستمرار‬
‫في االنفصال عنه أو حتى الطالق منه (لمزيد من المعلومات في هذا الصدد‪ ،‬راجع كتابي (طالق‬
‫أحد الوالدين)‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬إذا أظهر المسيء بعض القدرة على فهم ألمك‪ ،‬وبعض االستعداد لتحمل مسؤولية‬
‫أفعاله ‪ -‬مهما بدت تلك القدرة واالستعداد صغيرة ‪ -‬قد يكون هناك أمل لالستمرار في العالقة‪ ،‬وهذا‬
‫هو الحال أيًض ا إذا الحظت أن المسيء إليك كان منفتًح ا لمحاوالتك وضع حدود وقيود‪.‬‬
‫قبل أن ُتصالح‪ ،‬اسأل نفسك األسئلة اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬هل أنا على درجة من القوة ألكون قريًبا من هذا الشخص دون أن أخسر أسباب شفائي؟‬
‫‪ .2‬هل بوسعي الحفاظ على شعور باالنفصال العاطفي عن هذا الشخص‪ ،‬عندما أكون في حضرته؟‬

‫‪ .3‬هل أنا على درجة من القوة لوضع حدود وقيود مناسبة‪ ،‬حتى ال أسمح لنفسي أن أكون عرضة‬
‫لإليذاء مرة أخرى؟‬
‫‪ .4‬هل أتعرض إلى ضغوط من أجل المصالحة (من قبل أفراد آخرين من العائلة؛ من ِقبل زوجي‪،‬‬
‫أو الشعور بالذنب‪ ،‬أو بسبب معتقداتي الدينية) قبل أن أكون جاهًز ا بالفعل؟‬
‫‪ .5‬هل هذا الشخص مستعد للتصالح معي؟ هل ما زالت غاضبة مني؛ ألنني غاضبة منها‪ ،‬أو ألنني‬
‫لم أَر ها منذ مدة‪ ،‬أو ألنني أخرجت اإلساءات إلى العلن؟ (إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فقد تحتاج إلى مزيد‬
‫من الوقت للشفاء والتسامح‪ ،‬بغض النظر عن مقدار التسامح الذي تشعر به)‪.‬‬
‫إذا لم تتمكن من اإلجابة بنعم عن األسئلة ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ 3‬و ‪ 5‬وبال عن السؤال ‪ ،4‬قد تحتاج إلى االنتظار‬
‫بعض الوقت قبل محاولة المصالحة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مواجهة ألم االنفصال العاطفي وارتباكه‬


‫غالًبا ما ينطوي االنفصال العاطفي على ألم عاطفي‪ ،‬وقد يكون مؤلًم ا مواجهة حقيقة والديك‪،‬‬
‫والتشكيك في معتقداتهما والدروس التي علماك إياها‪ ،‬والوقوف في وجههما‪ ،‬أو االختالف معهما‬
‫اليوم‪ ،‬واالنفصال يجلب معه الخسائر‪ ،‬ومع أنها خسائر ضرورية‪ ،‬فهي ال تزال مؤلمة‪ ،‬وقد تضطر‬
‫إلى التخلي عن األمل الزائف أن والديك سيكونان يوًم ا ما من النوع الذي تتوق إليه‪ ،‬وتستحقه‪ ،‬فهذه‬
‫الخسارة يمكن أن تكون مؤلمة جًّدا‪.‬‬

‫ويمكن أن يؤدي االنفصال العاطفي أيًض ا إلى حدوث صراع داخلي‪ ،‬فقد تدرك أن االعتناء بنفسك‪،‬‬
‫وأن تكون صادًقا معها سيتعارضان بالضرورة مع رغبات والديك ومعتقداتهما‪ ،‬وقد يسبب ذلك أن‬
‫تشعر بأنك غير مخلص لهما‪ ،‬وقد تتأرجح بين مشاعر متضاربة مثل الرغبة في استعادة إحساس‬
‫حقيقي أو متخيل بالتقارب األسري أو الرغبة في االنتقام أو التعويض من والديك‪ ،‬وقد تشعر في‬
‫لحظة ما أنك ال تريد شيًئا يتعلق بوالديك أو بعض أفراد األسرة اآلخرين المسيئين‪ ،‬وفي لحظة‬
‫أخرى قد تقلق من أن يتم التبرؤ منك‪ ،‬وإن التمييز بين الرسائل السلبية المتمثلة داخلًّيا عن والديك‬
‫والرسائل الصحية الصادرة عن صوتك الحقيقي يمثل تحدًيا صعًبا‪.‬‬
‫واالنفصال العاطفي ينطوي على القدرة على االحتفاظ بالتوتر بين ضدين‪ ،‬وعلى الرغم من أنه من‬
‫المهم مواجهة الحقيقة بشأن سوء معاملة والديك لك‪ ،‬والسماح لنفسك بأن تغضب منهما‪ ،‬إال أنه من‬
‫المهم أن تدرك أيًض ا أن والديك أنفسهما قد تعرضا إلى سوء المعاملة‪ ،‬ومن المهم أن تفهم أنك ال‬
‫تستحق سوء المعاملة التي تعرضت إليها‪ ،‬وال حتى أن والديك يستحقان سوء المعاملة التي تعرضا‬
‫إليها‪ ،‬ومع أن والديك لم يكونا مسؤولين عما حدث لهما وهما طفالن‪ ،‬إال أنهما مسؤوالن عما فعاله‬
‫بك‪.‬‬
‫وستجد أنك ستستمر في الحزن على خسائرك في مرحلة الطفولة طوال عملية االنفصال‪ ،‬وأنها‬
‫ستكون جزًء ا مهًّم ا من شفائك‪ ،‬وال شك أن والديك قد عانيا من خسائر في طفولتهما‪ ،‬ولكن لم يتمكنا‬
‫من الحزن عليها‪ ،‬وهذا ما أسهم في تكرارهما لما حدث لهما‪ ،‬وبمواجهة حزنك‪ ،‬فأنت تقلل من‬
‫حاجتك إلساءة معاملة اآلخرين‪.‬‬
‫في حين أن االنفصال العاطفي غالًبا ما يستغرق وقًتا ودعًم ا من اآلخرين‪ ،‬مثل األصدقاء الداعمين‬
‫أو أفراد األسرة أو المعالجين أو مجموعات مساعدة الذات‪ ،‬فإن األشخاص الذين تمكنوا من إكمال‬
‫هذه الخطوات يعبرون عن شعور‪ ،‬وكأنهم قد تولوا زمام أمور حياتهم في نهاية المطاف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫حقائق األسبوع النفسية‬


‫يميل أولئك الذين لديهم تاريخ من سوء المعاملة أو اإلهمال إلى البقاء متعلقين سلبًّيا بآبائهم بدافع‬
‫الرغبة اليائسة في الحصول على ما لم يحصلوا عليه عندما كانوا أطفااًل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪6 #‬‬


‫‪ .1‬راجع هذا الفصل‪ ،‬واذكر الجانب الناتج عن االنفصال العاطفي عن والديك الذي تعمل عليه حالًّيا‬
‫(إعالن استقاللك‪ ،‬تمحيص قيم والديك ومعتقداتهما‪ ،‬وضع حدود وقيود صحية‪ ،‬أو إكمال عملك غير‬
‫المكتمل أو حل عالقتك بوالديك أو غيرهما من المسيئين)‪.‬‬

‫‪ .2‬الحظ كم من الوقت استغرقته وأنت تعمل على هذه المرحلة‪ ،‬وما األدوات التي استخدمتها‪ ،‬وما‬
‫الذي تشعر بأنك ما زلت في حاجة إلى القيام به من أجل إكمال هذه الخطوة‪.‬‬
‫‪ .3‬اكتب عن الخطوة التي تشعر بأشد القلق أو الخوف منها‪ ،‬أو أي خطوة تبدو أنها األكثر صعوبة‬
‫بالنسبة إليك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 7‬تهدئة ناقدك الداخلي ومواجهته‬

‫من الصعب محاربة عدو بؤره االستيطانية في رأسك‪.‬‬

‫سالي كيمبتون‬
‫‪Sally Kempton‬‬
‫اسمحوا لي بأن أستمع إلي‪ ،‬وليس إليهم‪.‬‬

‫غيرترود ستين‬
‫‪Gertrude Stein‬‬
‫يميل األشخاص الذين تعرضوا لإليذاء أو اإلهمال العاطفيين في مرحلة الطفولة إلى مشاطرة الكثير‬
‫من القواسم المشتركة‪ ،‬بما في ذلك الميل إلى االستمرار بتقييم أنفسهم‪ ،‬والحكم على أنفسهم بقسوة‪،‬‬
‫ووضع توقعات ومعايير غير معقولة ألنفسهم‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬حتى لو كانت هذه الميول نتيجة‬
‫مباشرة لكيفية معاملة والديك لك‪ ،‬فإنها ال تختفي فقط ألنك انفصلت بنجاح عن والديك‪ ،‬ويمكن لهذه‬
‫الميول أن تقاوم‪ ،‬وهي مع األسف‪ ،‬إرث الطفولة أو اإلهمال العاطفيين اللذين تعرضت لهما‪.‬‬
‫تصف مراجعتي كوني نفسها بهذه العبارات‪« :‬أنا امرأة مثقفة‪ ،‬ولكنني أشعر بعدم الكفاءة والغباء‬
‫معظم الوقت؛ إنني أقارن باستمرار نفسي بأشخاص آخرين‪ ،‬وينتهي بي األمر دائًم ا إلى الشعور‬
‫بأنني أقل شأًنا بطريقة ما‪ ،‬وإنني َدِه شة دائًم ا كيف يبدو اآلخرون أنهم قادرون على التحدث‪ ،‬وعدم‬
‫القلق‪ ،‬بشأن إن كان ما يقولونه سيحكم عليه اآلخرون سلًبا؛ ألنني أخشى دائًم ا أن أقول شيًئا من شأنه‬
‫السماح لآلخرين بمعرفة مدى عدم كفاءتي‪ ،‬ويخبرني أشخاص آخرون بأنهم معجبون بمدى‬
‫معرفتي‪ ،‬ومدى إتقاني لعملي‪ ،‬ولكنني ال أثق في تقييم اآلخرين لي‪ ،‬وأعتقد دائًم ا أنهم يشعرون‬
‫باألسف من أجلي‪ ،‬ويحاولون رفع معنوياتي‪ ،‬وال أستطيع قبول إطرائهم‪ ،‬حتى ذلك من األصدقاء‬
‫المقربين‪ ،‬وبغض النظر عما يقوله لي اآلخرون‪ ،‬بناًء على معاييري الخاصة‪ ،‬فأنا لست كفأة تماًم ا»‬
‫وال تستطيع كوني االسترخاء واالستمتاع بحياتها؛ ألن لديها ناقًدا داخلًّيا قوًّيا يسيطر على كل عمل‬
‫من أعمالها‪.‬‬

‫وإذا تعرفت إلى بعض مشاعر كوني أو كلها‪ ،‬فإن لديك أيًض ا ناقًدا داخلًّيا قوًّيا‪ ،‬وسيساعدك االستبيان‬
‫اآلتي على تحديد مدى قوة ناقدك الداخلي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫االستبيان‪ :‬تحديد قوة ناقدك الداخلي‬
‫‪ .1‬هل تقضي وقًتا طوياًل في تقييم أدائك‪ ،‬أو مظهرك‪ ،‬أو قدراتك‪ ،‬أو تاريخ ماضيك؟‬
‫‪ .2‬هل تضع لنفسك معاييَر عالية جًّدا؟‬

‫‪ .3‬هل من الصعب أن ترقى إلى مستوى المعايير التي تستخدمها للحكم على نفسك؟‬

‫‪ .4‬هل تسمح لنفسك بارتكاب بعض األخطاء ولو على قدر صغير؟‬
‫‪ .5‬هل شعورك األساسي وراء الذات‪ ،‬غالًبا ما تحدده المعتقدات المتعلقة بما هو صواب وخطأ؟‬

‫‪ .6‬هل غالًبا ما يتحدد إحساسك بالذات بمدى استيفائك لمعاييرك أو معايير اآلخرين؟‬

‫‪ .7‬هل تقضي وقًتا طوياًل قلًقا أنك فعلت شيًئا خاطًئا؟‬


‫‪ .8‬هل تعاني باستمرار من رسائل حرجة في رأسك ال تستطيع تهدئتها؟‬

‫‪ .9‬هل تقارن نفسك باستمرار باآلخرين أو بنجاح اآلخرين؟‬

‫‪ .10‬هل غالًبا ما تحسد اآلخرين على نجاحاتهم أو إنجازاتهم؟‬


‫إذا أجبت بنعم على كثير من هذه األسئلة‪ ،‬فإن حياتك وتجربتك الحياتية يسيطر عليهما ناقدك‬
‫الداخلي‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ناقدك الداخلي‬
‫عادة ما يطور الشخص الذي تربى على يد والدين راعيين وداعمين ناقًدا داخلًّيا يمثل قواعد‬
‫وعواقب داخلية‪ ،‬وهذا الناقد الداخلي يجعله يحس بـ (إشارة القلق) عند التفكير في عمل يتعارض مع‬
‫نظام قيمه‪ ،‬وكذلك الشعور بالذنب وأحياًنا باالكتئاب‪ ،‬إذا انتهك نظامه القيمي فعاًل ‪ ،‬وبهذه الطريقة‬
‫يوفر الناقد الداخلي الصحي عقوبة ُتفرض ذاتًّيا تحافظ على سلوك الشخص تحت سيطرة نظامه‬
‫األخالقي‪ ،‬ولكن ُيحافظ على القلق‪ ،‬والشعور بالذنب‪ ،‬واالكتئاب في حدود معقولة؛ ألن وعيه مقولب‬
‫على غرار مواقف والديه المعقولة‪ ،‬ونتمثل ناقدنا الداخلي‪ ،‬ومعاييره‪ ،‬للحفاظ على والدينا معنا‪،‬‬
‫ولنمنح أنفسنا شعوًر ا بالحماية واألمان والقوة المتخيلة على أنفسنا والواقع‪.‬‬
‫ليس لدى األشخاص الذين ُأهملوا أو أسيء ليهم ناقد داخلي معقول (المعروف أيًض ا باسم األنا العليا‬
‫أو القاضي) ولدى كل فرد صوت ناقد داخلي منتقد‪ ،‬ولكن يميل األشخاص الذين تعرضوا لإليذاء أو‬
‫اإلهمال العاطفيين إلى أن يكون ناقدهم الداخلي أكثر شراسة وضجيًج ا‪ ،‬وناقدهم الداخلي هو حضور‬
‫منتشر‪ ،‬ولكن غير مرئي‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬في حياتهم‪.‬‬

‫والناقد الَمَر ضي هو مصطلح صاغه عالم النفس يوجين ساجان لوصف الصوت الداخلي السلبي‬
‫الذي يهاجمنا ويحكم علينا‪ ،‬والناقد الداخلي الصاخب المطّو ل ساٌّم للغاية لصحتك النفسية في الواقع‬
‫أكثر من أي صدمة أو حرمان تعرضت له‪ ،‬ويمكننا في كثير من األحيان مداواة جراحنا والتعافي‬
‫من خسائرنا‪ ،‬ولكن الناقد معنا دائًم ا‪ ،‬يحكم علينا‪ ،‬ويلومنا‪ ،‬ويجد أخطاًء فينا‪.‬‬

‫ومن المحتمل أن يعاملك ناقدك الداخلي بقلة التعاطف‪ ،‬والقبول أنفسهما اللذين كان والداك يعامالنك‬
‫بهما عندما كنت تكبر‪ ،‬وتتمثل إحدى وظائفه الرئيسة في تحفيزك لمثل عليا ال يمكن تحقيقها‪ ،‬ويصُّر‬
‫عليك باستمرار الوصول إلى تلك الصورة المثالية‪ ،‬بحيث ال يسمح لك أبًدا بالراحة أو الشعور‬
‫بالرضا‪.‬‬

‫ووظيفة ناقدنا الداخلي هي الحفاظ على الوضع الراهن بطريقتين‪ :‬إنه يبعدنا عما يعّده خطيًر ا أو‬
‫أجزاًء ال يمكن السيطرة عليها من أنفسنا‪ ،‬ويوجهنا نحو أي مثل عليا يشعر بأنها ستجعلنا شخًص ا‬
‫مقبواًل وناجًح ا‪ ،‬ويمطرنا دائًم ا بتعليقات مثل «ال تفعل ذلك»‪ ،‬ومطالبه ال تنتهي أبًدا‪ ،‬والشعور‬
‫الفعلي الذي يتركنا به هو «أنا لست جيًدا بما يكفي‪ ،‬ولن أكون كذلك أبًدا»‪.‬‬

‫ال يقّيمك ناقدك أو قاضيك الداخلي وفًقا لمعاييره الخاصة فقط‪ ،‬ولكنه يقارنك باستمرار بأشخاص‬
‫آخرين‪ ،‬وترتبط المقارنة ارتباًطا وثيًقا بالحكم على الذات‪ ،‬إلى درجة أنه إن كنت تقارن نفسك‬
‫بشخص آخر‪ ،‬فأنت تحكم على نفسك أيًض ا‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما تكون تؤدي أداًء جيًدا وفًقا‬
‫لمعيار واحد‪ ،‬فهناك دائًم ا شخص يعمل بشكل أفضل يمكنك مقارنة نفسك به‪ ،‬وعندما يكون الناقد‬
‫الداخلي مسيطًر ا‪ ،‬تتجه المقارنة دائًم ا نحو تحديد القيمة أو االستحقاق؛ أي من هو (أفضل) وإذا كنت‬
‫مختلًفا عن شخص ما بشكل ما‪ ،‬فهذا يعني أنه يجب على ذلك الذي منك أن يكون أفضل من اآلخر‪.‬‬

‫تسبب سيليا لنفسها قدًر ا كبيًر ا من األلم بمقارنة نفسها المستمرة باآلخرين‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما‬
‫تخرج مع صديقاتها في نزهة‪ ،‬تميل إلى الصمت واالستماع إلى قصصهم‪ ،‬وهن يتحدثن عن‬
‫أطفالهن أو آخر إنجازاتهن‪ ،‬وتشعر وكأنها فاشلة تماًم ا بالمقارنة بهن‪ ،‬ويبدو أن أطفال صديقاتها‬
‫متأقلمون مقارنة بأطفالها‪ ،‬ويبدو أن جميع صديقاتها يتقدمن في حياتهن المهنية‪ ،‬بينما تشعر بأنها‬
‫عالقة في القيام بالوظيفة القديمة نفسها‪ ،‬وفي طريق العودة إلى المنزل‪ ،‬يوبخها ناقدها الداخلي؛‬
‫لكونها أًّم ا سيئة للغاية‪ ،‬ولعدم مواصلة الدراسة مدة أطول للحصول على درجة جامعية‪ ،‬ولعدد كبير‬
‫من األشياء األخرى‪ ،‬وبوصولها إلى البيت تكون قد دخلت في حالة اكتئاب عميقة‪.‬‬

‫كيفية التعرف إلى ناقدك الداخلي‬

‫ُة‬
‫الحقيقُة المحزنة هي أنه ال يهم ما أنجزته في الحياة‪ ،‬وما مدى النجاح الذي حققته‪ ،‬وكم أنت جميل أو‬
‫وسيم‪ ،‬أو ما هي الجهود التي تبذلها لرفع درجة قدرك‪ ،‬وإن كان لديك ناقد داخلي قوي يوبخك‬
‫باستمرار أو يخفض من قيمته إنجازاتك في كل منعطف‪ ،‬فسيظل احترامك لذاتك دائًم ا منخفًض ا‪.‬‬

‫وتتمثل الخطوة األولى في تهدئة ناقدك الداخلي في التعرف إليه داخل نفسك‪ ،‬ويأخذ ناقدك الداخلي‬
‫أدواًر ا عدة؛ فإنه ذلك الجزء منك الذي‪:‬‬
‫• يضع لك قواعَد تصف كيف يجب أن تتصرف‪ ،‬وبعد ذلك يصرخ فيك بأنك مخطئ أو سيئ إذا‬
‫أجبرتك احتياجاتك على انتهاك هذه القواعد‪.‬‬

‫• يلومك على األشياء التي لم تحدث كما هو مخطط لها‪.‬‬


‫• ينعتك بصفات مثل «غبي» و“قبيح» و“ضعيف»‪ ،‬ويجعلك تعتقد أن هذه الصفات صحيحة‪.‬‬

‫• يقارنك باآلخرين ‪ -‬خاصة إنجازاتهم وقدراتهم ‪ -‬ويجدك أقل منهم‪.‬‬


‫• يضع معايير كمال مستحيلة‪.‬‬

‫• يطلب منك أن تكون األفضل‪ ،‬وأنك إذا لم تكن األفضل‪ ،‬فأنت ال شيء‪.‬‬
‫• يطحنك طحًنا على أصغر خطأ ترتكبه‪.‬‬
‫• يتتبع إخفاقاتك أو عيوبك‪ ،‬ولكنه ال يذكرك بإنجازاتك‪ ،‬أو نقاط قوتك‪.‬‬

‫• يبالغ في نقاط ضعفك بتوبيخك أنك «دائًم ا ما تفسد عالقة»‪« ،‬ال تنهي أبًدا ما بدأته» أو «دائًم ا ما‬
‫تقول أشياء غبية»‪.‬‬

‫وإذا تعرضت لإليذاء العاطفي عندما كنت طفاًل ‪ ،‬فإن االحتماالت كبيرة أن ناقدك الداخلي يقوض‬
‫قيمتك الذاتية في كل يوم من أيام حياتك‪ ،‬وإن صوته ماكر جًّدا‪ ،‬فهو محاك في نسيج وجودك لدرجة‬
‫أنه من النادر أن تالحظ آثاره المدمرة‪ ،‬وقد تجرب ناقدك الداخلي بشكل واٍع على شكل فكرة أو‬
‫(صوت)‪ ،‬ولكن معظمنا غير مدرك لنشاطه المعتاد‪ ،‬وعادة نصبح واعين بوجوده فقط خالل‬
‫المواقف العصيبة عندما ُينشُط خزينا‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما نرتكب خطأ قد نسمع صوًتا داخلًّيا‬
‫يقول شيًئا من قبيل‪« :‬يا لك من أحمق!» أو «ها أنت مرة أخرى‪ ،‬أال يمكنك القيام بأي شيء بشكل‬
‫صحيح؟» قبل تقديم عرض مهم في العمل أو خطاب أمام فصل دراسي أو مجموعة من المستمعين‪،‬‬
‫قد تسمع‪« :‬كان ينبغي لك اإلعداد بشكل أفضل‪ ،‬وستجعل من نفسك أضحوكة»‪ ،‬أو «سيرى الجميع‬
‫مدى توترك» ماريان المرأة التي قابلتها في وقت سابق‪ ،‬والتي لم تستطع النظر في المرآة‪ ،‬وكانت‬
‫تعاني من اكتئاب حاد‪ ،‬وصفت ناقدها الداخلي على النحو اآلتي‪« :‬لدي صوت داخل رأسي ال يلين؛‬
‫فكل ما أسمعه هو‪« :‬لقد أفسدِت كل شيء‪ ،‬لم تفعليه على الوجه األفضل‪ ،‬أنت فاشلة»‪.‬‬
‫وحتى عندما تكون على وعي بالهجمات‪ ،‬فإنها يمكن أن تبدو معقولة ومبررة‪ ،‬ويبدو الصوت‬
‫الداخلي القاضي طبيعًّيا‪ ،‬فإنه جزء مألوف منك‪ ،‬ولكن مع كل حكم سلبي‪ ،‬وكل هجوم‪ ،‬فإن ناقدك‬
‫الداخلي يضعفك‪ ،‬ويمزق أي مشاعر طيبة لديك عن نفسك‪.‬‬
‫وغالًبا ما يظهر ناقدك الداخلي على أنه صوتك‪ ،‬ما يجعله يبدو كما لو كنَت أنت الشخص الذي لديه‬
‫هذه المفاهيم حول ما هو صواب وما هو ضروري‪ ،‬أو ما تعنيه األشياء‪ ،‬ولكن ال تخطئ في ذلك‪:‬‬
‫الصوت الذي تسمعه ليس صوتك‪ ،‬فإنه يخص شخًص ا يعيش بداخلك‪ ،‬أحضرته معك في رحلة‬
‫حياتك‪.‬‬
‫وبااللتفات إلى أحكامك الذاتية‪ ،‬ستبدأ في إدراك أنك تعلمتها من اآلخرين‪ ،‬ويمكن لهذه المعايير‪ ،‬في‬
‫الواقع‪ ،‬أن تتعارض مع ما تريده أنت بنفسك أو تشعر به‪ ،‬أو تعرف أنه صحيح‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬حتى‬
‫عندما تدرك أن الصوت ليس صوتك‪ ،‬ال يمكنك االنفصال عنه‪ ،‬ومهما حاولت‪ ،‬ستستمر في مواصلة‬
‫مراقبة نفسك‪ ،‬وتتبع إيجابياتك وسلبياتك‪ ،‬وستواصل الشعور بمراقبة من حولك لك‪ ،‬وتخشى عدم‬
‫موافقتهم‪ ،‬وعدم اكتراثهم‪ ،‬أو رفضهم‪ ،‬وترى قاضيك في اآلخرين إضافة إلى سماعه داخل نفسك‪،‬‬
‫وستبدأ في إدراك مدى ضآلة تحكمك في عملية القضاء هذه؛ فأنت تحت رحمة موقف ناقد معاقب؛‬
‫وذلك مظهر من مظاهر عدم ثقتك بنفسك‪ ،‬وكراهيتك لذاتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬الناقد الداخلي‪ /‬والداك‬


‫‪ .1‬خذ بعض الوقت للكتابة عما أراده والداك لك ومنك‪ .‬من أراده منك أن تكون‪ ،‬ولماذا؟ كيف أبلغاك‬
‫ذلك‪ ،‬وكيف أثر ذلك فيك؟‬

‫‪ .2‬استكشف الطرق التي يتصرف بها ناقدك الداخلي أو قاضيك مثل والدتك أو والدك‪ ،‬وكيف تعكس‬
‫طريقة ارتباطك بنفسك الطريقَة التي ارتبطت بها‪ /‬بهما؟‬
‫‪ ‬‬

‫كيف تنفصل عن ناقدك الداخلي؟‬

‫الخطوة الثانية في تعلم كيفية االنفصال عن ناقدك أو قاضيك الداخلي هي مراقبة نفسك عن كثب في‬
‫أثناء تجربتك لهجوم‪ ،‬ولن يكون ذلك مهمة سهلة‪ ،‬وسيتطلب األمر منك البقاء متيقًظا‪ ،‬مولًيا اهتماًم ا‬
‫خاًّص ا لجسمك وردود أفعالك العاطفية‪.‬‬
‫‪ .1‬اختر هجوًم ا ذاتًّيا الحظته مؤخًر ا أو هجوًم ا مألوًفا لك (على سبيل المثال‪ ،‬إخبار نفسك بأنك غبي‬
‫عندما ترتكب خطأ‪ ،‬أو تحكم على نفسك بقسوة‪ ،‬بالمقارنة مع شخص آخر)‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كان ذلك ممكًنا‪ ،‬ابحث عن وقت ومكان هادئين حتى تتمكن من البقاء مع عمليتك الداخلية‪.‬‬

‫‪ .3‬ركز انتباهك على الداخل بعيًدا عن الخارج‪ ،‬من القاضي ورسائله إلى نفسك الداخلية‪ ،‬وكيف‬
‫تؤثر الرسائل فيك‪ ،‬وإن مراقبة تجربتك في هذه الطريقة ستساعدك على كشف المزيد من الطبقة‬
‫العاطفية لتلك الخبرة‪.‬‬
‫‪ .4‬مجرد أن أدركت المشاعر التي حفزها الهجوم‪ ،‬إما اكتبها أو اصدح بها بصوت مرتفع‪.‬‬
‫‪ .5‬بالبقاء مع مشاعرك‪ ،‬قد تشعر أن الشعور بهذه الطريقة هو تجربة مألوفة؛ في الواقع‪ ،‬ربما حدثت‬
‫مرات عدة من قبل‪ ،‬وإن البقاء مع المشاعر التي تحصل سيميل إلى فتح عينيك إلى مشاعر‬
‫ومعتقدات مرتبطة بالموقف‪ ،‬وقد تكتشف فهًم ا مختلًفا أو أعمَق عن الهجوم الحالي‪ ،‬وأنت تتذكر‬
‫التجارب السابقة‪ ،‬وقد تالحظ أنك ال تتذكر حادثة فقط‪ ،‬ولكن أيًض ا مجموعة كاملة من المعتقدات‬
‫وأحاسيس الجسد‪ ،‬وغيرها من الحواس مثل الرائحة أو الصوت أو الصور المرئية‪ ،‬وقد تتجمع كل‬
‫هذه األشياء مًعا لتكوين تجربة كاملة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إخراج حوارك الداخلي إلى العلن‬

‫يمكن تنشيط الصوت الحرج في أي موقف تجد نفسك فيه تشعر بالضعف أو االنكشاف‪ ،‬وبمجرد‬
‫تفعيله‪ ،‬ستتحرك زوبعُة فضٍح لها طاقتها الذاتية الخاصة بها؛ لذلك من الضروري أن تقوم بإخراج‬
‫هذا الحوار الداخلي إلى الخارج؛ ألنه أحد الطرق الرئيسة التي تجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك‪،‬‬
‫وسيساعدك على ذلك جعل الحوار الداخلي واعًيا‪ ،‬إضافة إلى سلبه بعًض ا منه من قوته عليك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬فضح‪ /‬كشف ناقدك الداخلي‬


‫ما يلي هو تعديل لتمرين عالج شامل‪ ،‬وقد ُطور لكشف الحوار النقدي الذاتي الداخلي الذي يعاني‬
‫منه الكثير في رؤوسنا دون أن ندرك ذلك‪.‬‬
‫‪ .1‬اجلس مرتاًح ا مغمض العينين‪ ،‬وتخيل أنك تواجه مرآة‪ ،‬وأنت قادر على النظر إلى نفسك وأنت‬
‫جالس على الكرسي‪ ،‬والحظ كيف تجلس هذه الصورة ‪ -‬هذا الشخص الذي يواجهك‪ ،‬ماذا يرتدي؟‬
‫أي قسمات وجه ترى؟‬

‫‪ .2‬اآلن انتقد صورة نفسك هذه كما لو كنت تتحدث إلي شخص اخر‪ ،‬وتتحقق أفضل النتائج إذا كنت‬
‫تتحدث بصوت عاٍل ‪ ،‬وقل لنفسك ما يجب عليك وما ال يجب عليك فعله‪ ،‬فسيساعدك األمر إن أنت‬
‫بدأت كل جملة بـ‪« :‬يجب عليك ‪ »...............................‬أو «يجب أال‬
‫‪ .»...............................‬انتقد نفسك دقائق عدة‪ ،‬بحيث تسمح لكل ما يخطر ببالك أن يخرج‪،‬‬
‫وانتبه جيًدا لصوتك وأنت تنتقد نفسك‪.‬‬
‫‪ .3‬تخيل أنك بدلت موقعك بموقع ذاك الذي يواجهك ‪ -‬صورة نفسك في المرآة‪ .‬وكن الشخص الذي‬
‫تعرض إلى االنتقاد‪ ،‬وادفع عن نفسك التهم‪ ،‬فماذا ستقول رًّدا على هذه التعليقات االنتقادية؟ عّم تعبر‬
‫نغمة صوتك؟ كيف تشعر‪ ،‬وأنت ترد على هذه االنتقادات؟‬

‫‪ .4‬بّدل األدوار‪ ،‬وخذ دور الناقد مرة أخرى؛ وأنت تواصل هذا الحوار‪ ،‬وكن على دراية بما تقول‪،‬‬
‫وكيف تقوله‪ ،‬ونغمة صوتك‪ ،‬وكيف تشعر‪ ،‬وتوقف من حين إلى آخر لتستمع إلى كلماتك‪ ،‬ودع‬
‫نفسك تجربها‪.‬‬
‫‪ .5‬استمر في تبديل األدوار متى شعرت بذلك‪ ،‬ولكن استمر في هذا الحوار‪ ،‬والحظ ما الذي يجري‬
‫بداخلك وأنت تقوم بذلك‪ ،‬والحظ كيف تشعر جسدًّيا وعاطفًّيا في كل دور تقوم به‪ ،‬وهل يبدو‬
‫الصوت الذي يقوم بالنقد مثل صوت شخص تعرفه؟ وما األشياء األخرى التي تدركها أيًض ا في هذا‬
‫التفاعل؟ واستمر في هذا الحوار بضع دقائق أطول‪ ،‬والحظ أي تغييرات في أثناء المتابعة‪.‬‬
‫‪ .6‬اجلس بهدوء واستعرض كل ما حدث خالل هذا الحوار‪ ،‬فربما رغبت في كتابة مشاعرك‬
‫وبصائرك‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬ربما واجهت نوًعا ما من االنقسام أو الصراع بين جزء قوي‪،‬‬
‫ونقدي‪ ،‬وسلطوي منك يتطلب منك التغيير‪ ،‬وآخر أقل قوة يختلق األعذار والمسوغات‪ ،‬أو يتهرب‬
‫من الموضوع‪ ،‬وقد يبدو أنك منقسم إلى والد وطفل‪ ،‬فالوالد (أو‪ ،‬بلغة الكل‪ ،‬القوي) يحاول دائًم ا‬
‫التحكم في تغييرك إلي شيء «أفضل»‪ ،‬والطفل (أو «المستضعف») الذي يحاول باستمرار التهرب‬
‫من محاوالت التغيير هذه‪ ،‬وربما الحظت أن الصوت الناقد المتطلب بدا وكأنه واحد من والديك أو‬
‫ربما شخص آخر في حياتك يأمرك‪ ،‬أو أي شخص سلطوي آخر يتحكم فيك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الرد على ناقدك الداخلي‬

‫ال توجد فرصة لتحسن احترامك لذاتك طالما أنك تتعرض باستمرار للقصف برسائل سلبية من‬
‫ناقدك الداخلي‪ .‬من أقوى طرق تهدئة ناقدك الداخلي والرد عليه طريقة الرد عليه‪ ،‬وحرفًّيا وتماًم ا‬
‫مثلما ما كنت لتسمح لبلطجي أو مستبد أن ينتقدك بال هوادة أو يحتقرك‪ ،‬فال يمكنك السماح لناقدك‬
‫الداخلي باالستمرار في تحطيم احترامك لذاتك‪.‬‬

‫ويشعر معظم الناس بعدم االرتياح الشديد لفكرة الرد على ناقدهم الداخلي؛ ألن الناقد الداخلي عادة ما‬
‫ُتوِج ده رسائل الوالدين‪ ،‬وقد يأخذ في الواقع شكل واحد من أصواتهما‪ ،‬فقد تشعر كما لو أنك تتحدث‬
‫إلى والديك‪ ،‬وإذا كنت ال تزال تهاب والديك‪ ،‬فقد يمثل ذلك احتمااًل مخيًفا في الواقع‪ ،‬وإذا كانت فكرة‬
‫الرد على ناقدك تخيفك‪ ،‬فابدأ ببطء‪ ،‬وال تفعل ذلك إال عندما تشعر بأنه لديك ما يكفي من الشجاعة أو‬
‫القوة‪.‬‬
‫وقد أثبتت العبارات اآلتية أنها قوية على نحو الفت‪ ،‬في إسكات الناقد الداخلي‪ ،‬فاختر المناسبة لك‪،‬‬
‫التي تمدك بالقوة‪ ،‬وتجعلك تشعر بالغضب‪:‬‬

‫• اسكت!‬

‫• توقف عن ذلك!‬
‫• هذا سٌّم ‪ ،‬توقف عن ذلك!‬

‫• انزل عن ظهري!‬

‫• هذا أكل هوى!‬

‫• هذه أكاذيب‪.‬‬
‫• هذه هي األكاذيب نفسها التي أخبرتني بها أمي‪.‬‬

‫• أنا ال أصدقك‪.‬‬

‫• ال مزيد من أشكال التحقير‪.‬‬


‫• اذهب إلى الجحيم!‬
‫أخرس الناقد مجرد أن يبدأ‪ ،‬فقبل أن تسمح له بإضعافك أو يتسبب في الكثير من الضرر‪ ،‬واصرخ‬
‫في نفسك على الناقد حتى تتمكن من إغراقه بغضبك‪ ،‬وإذا صرخ ناقدك الداخلي في وجهك‪ ،‬اصرخ‬
‫حتى بصوت أعلى‪ ،‬فقد تحتاج إلى الصراخ بصوت أعلى‪ ،‬واأللفاظ النابية صحية تماًم ا في هذا‬
‫المقام‪ ،‬وقد تمنحك المزيد من القوة‪ ،‬وإذا قمت بذلك كلما سمعت صوت ناقدك‪ ،‬ستجد أن هجماته‬
‫سيتضاءل حدوثها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫عندما يصبح ناقدك الداخلي مخرًبا‬

‫يبدو أحياًنا كما لو أن هناك جزًء ا منا عازًم ا على تخريب أي شيء جيد يأتي في طريقنا‪ ،‬وإنه يرفع‬
‫رأسه القبيح‪ ،‬وال سيما عندما نحاول إجراء تغييرات على حياتنا‪ ،‬أو كسر أنماط سلبية قديمة‪ ،‬ولقد‬
‫قاتلت ضد مخرب داخلي قوي طوال حياتي وأنا بالغة‪ ،‬وأخيًر ا ظهَر عندما بدأت العمل على تغيير‬
‫المقاومة إلى تمرين بدني مارسته معظم حياتي‪ ،‬وبعدما التحقت بنادي صحي‪ ،‬وبدأت السباحة‬
‫بانتظام‪ ،‬وممارسة تمارين رياضة السباحة والماء‪ ،‬وجدت أنني أحب ممارسة رياضات الماء‪ ،‬ففي‬
‫الحقيقة لمست التمارين شيًئا عميًقا في روحي‪ ،‬وشجعني ذلك على ممارسة أنواع من التمارين‬
‫األخرى‪ ،‬وبدأت أشعر بتحسن أفضل‪ ،‬فأضل عن نفسي‪ ،‬ولكن مخربي الداخلي لم يكن سعيًدا بهذا‬
‫المنعطف من األحداث‪ ،‬ويوضح الحلم اآلتي كيف عمل علي‪ ،‬حتى في نومي‪:‬‬
‫في حلمي‪ ،‬كنت أستمتع مع مجموعة داعمة من الناس؛ فقررت أن أستحم في الغرفة نفسها‪ ،‬وخلعت‬
‫مالبسي‪ ،‬ودخلت إلى غرفة دوش زجاجية‪ ،‬ولم يكن الناس من حولي ينظرون إلي‪ ،‬وشعرت باألمان‬
‫في وجودهم‪ ،‬وكنت أحب اإلحساس بالماء على جسدي العاري؛ شهوانية شعور جلدي‪ ،‬وشعرت‬
‫بأنني صغيرة وبريئة جًّدا‪ ،‬وفجأة جاء ناسك إلى الحمام‪ ،‬وبدأ في اإلمساك بثديي (من الواضح أنني‬
‫كنت بالغة في الحلم‪ ،‬على الرغم من أنني على نسخة أصغر من عمري) فزعت‪ ،‬وابتعدت عنه‬
‫منزوية‪ ،‬واستمر في محاولته اإلمساك بي‪ ،‬وصرخت في وجهه للتوقف‪ ،‬وكانت ابتسامة شريرة‬
‫تعلو وجهه‪ ،‬ويبدو أنه كان مسروًر ا بإزعاجي‪ ،‬واستمررت في االبتعاد عنه قدر المستطاع‪ ،‬ولكنه‬
‫استمر في اإلمساك بي‪ ،‬فطالبه اآلخرون بالتوقف‪ ،‬ولكن ذلك لم يوقفه‪.‬‬

‫كان حلمي تصويًر ا واضًح ا لمكابدتي الحالية‪ ،‬حيث يمثل الناس في الحلم الدعم الذي كنت أتلقاه من‬
‫الناس في النادي الصحي ومدربي الشخصي‪ ،‬ويمثل الحمام حمام السباحة والجاكوزي في نادَّي ‪،‬‬
‫وكان الناسك هو مخربي الداخلي بوضوح‪.‬‬

‫وألنني كنت ابنة امرأة نرجسية‪ ،‬كانت تنهال علي عاطفًّيا بوابل من النقد والرفض منذ سن مبكرة‪،‬‬
‫وقد طورت ما ُيطلق عليه عادًة‪( introject‬صورة عن الوالد السلبي) أو مخرًبا داخلًّيا‪ ،‬ويميل اآلباء‬
‫العاديون إلى قبول طفلهم حتى عندما يرتكب أشياء خاطئة‪ ،‬فيدينون سلوكه السيئ‪ ،‬ولكن ال‬
‫يرفضون ولدهم‪ ،‬ولكن أطفال الوالدين النرجسيين (وغالًبا أولئك الذين تعرضوا النتقادات شديدة‪،‬‬
‫وتم التالعب بهم أو رفضهم) فيطورون ناقًدا داخلًّيا أكثر سلبية‪ ،‬وهو في الواقع تمثيل داخلي للوالد‬
‫الرافض‪ ،‬ويعيش الوالد الداخلي السلبي في عقل البالغ الذي تعرض لإليذاء العاطفي عندما كان‬
‫طفاًل ‪ ،‬حتى عندما يكون الوالد الحقيقي غائًبا‪ ،‬وتجسد صورة الوالد السلبي المطالب التي من‬
‫المفترض أن يحققها الطفل للحصول على موافقة الوالدين‪ ،‬وتعزز أدوار الطفولة وسلوكاتها التي‬
‫ُاكتسبت من أجل البقاء‪ ،‬وال تزال صورة الوالد السلبية تهدد بحجب الحب إذا لم يفعل الطفل ما‬
‫يرغبه الوالد‪ ،‬وإنها تجسد غضب الوالدين تجاه الطفل لفشله في تلبية معاييرهما‪.‬‬

‫وبداًل من العمل بوصفك مراقًبا صحًّيا‪ ،‬كما في حالة ناقد صحي داخلي‪ ،‬تتصرف الصورة السلبية‬
‫للوالد من الداخل بوصفها عدًّو ا معاقًبا‪ ،‬فإنها تحدث مثل ذلك القلق الشديد الذي يشُّل ‪ ،‬ما ينتج عنه‬
‫مثل ذلك الشعور القوي بالذنب‪ ،‬بحيث يشعر الشخص بأن ال قيمة له على اإلطالق (خزي) ويؤدي‬
‫االكتئاب والشعور بالذنب والعار والصراع الداخلي إلى تمزيق الشخص‪ ،‬وقد يتسبب في أن يؤذي‬
‫الشخص نفسه بالطريقة نفسها التي أذاه بها والداه‪ ،‬حيث يهاجم نقاط ضعفه بالغضب البغيض‬
‫واالزدراء نفسه‪.‬‬
‫وال يوجد مكان للفرار‪ ،‬وال مكان لالختباء لالبتعاد عن هذا الصوت الداخلي القاسي‪ ،‬ولكن هناك‬
‫طريقة لتهدئة هذا الصوت‪ ،‬وبتفحص دقيق‪ ،‬يمكن استئصال تأثير المخرب الداخلي والرد عليه‪.‬‬

‫وكما ذكرت إيالن غولمب في كتابها (محاصرون في المرآة) تدخل صورة الوالد السلبية بداية إلى‬
‫واقعنا عندما نكون أطفااًل ونحن في أمّس الحاجة إلى حب والدينا‪ ،‬وإذا كانوا ناقدين أو غير محبين‪،‬‬
‫تبدأ عيونهم الرافضة وأفواههم الغاضبة في إيذائنا من الداخل‪ ،‬بينما نستمر في النمو‪ ،‬تفرض‬
‫الصورة السلبية قيوًدا علينا‪ ،‬وقد تحاول ذواتنا الحقيقية الرفض‪ ،‬ولكن ستهزمها ال محالة صورُة‬
‫الوالد السلبية‪ ،‬وتذكر أن صورة الوالد السلبية تريد أن تكون القائد‪ ،‬وعلى غير شاكلة الضمير الذي‬
‫يقود إلى الراحة باألمان والقيود‪ ،‬فإن الصورة السلبية تزيل األمان عن النفس‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫تأثيرها السلبي‪ ،‬فإننا نعتقد أنه باالستماع إلى صورة الوالد السلبية‪ ،‬سنكون قادرين على كسب حب‬
‫والدينا‪.‬‬

‫كيفية التعرف إلى صورة والدك السلبية (ُتعرف أيًض ا بمخربك الداخلي)‪.‬‬
‫إن صورة والدك السلبية أو المخرب الداخلي تبدو وكأنها أجنبي‪ ،‬وكيان مهاجم؛ ألنه جزئًّيا هو‬
‫صوت والدك (النرجسي) المهاجم والمقيد الذي استقر تفكيره في عقلك‪ ،‬وال يفلت من سعيه إلى‬
‫السيطرة إال القليل؛ فإنه ينتقدك بتعليقات مثل «أنت فاشل» و“لماذا تحاول؟»‪.‬‬
‫وأحياًنا‪ ،‬يتخذ المخرب شكل صوت قاٍس بداخل رأسك‪ ،‬ولكن القسوة عادة ما تكون أكثر صمًتا‬
‫وقاتلة‪ ،‬فإنها القسوة التي تردد صدى العداء التام للوالد النرجسي‪ ،‬وكذلك الغضب الذي يشعر به‬
‫طفلك الداخلي‪ ،‬عندما يكون محبًطا‪ ،‬ويمكن لهذه القسوة أن تسبب االكتئاب‪ ،‬ويمكن أن تجعلك ال‬
‫تلقي بااًل للمجامالت‪ ،‬وأال تثق في المودة‪ ،‬ويمكن لمطالبها العقابية‪ ،‬وحججها المعوقة أن تمنعك من‬
‫محاولة التغيير‪ ،‬ويمكن أن تسبب لك الفشل في أي شيء تحاول تحقيقه‪.‬‬

‫وال تزال الطفلة بالداخل تتمسك باألمل‪ ،‬مهما كان عديم الجدوى‪ ،‬أنها ستتمكن يوًم ا ما من كسب‬
‫حب والديها‪ ،‬وبسبب هذا‪ ،‬يتشبث طفلنا الداخلي بالطرق الطفولية‪ ،‬ويتولى زمام األمور من نواٍح‬
‫عدة‪ ،‬ويمكن أن يجعلنا مدمنين على الحلويات‪ ،‬والتسويف‪ ،‬وأن نكون متأخرين على الدوام‪،‬‬
‫وننغمس في احتياجات الطفولة ومتعتها في الوقت الذي تنهار فيه حياتنا البالغة‪ ،‬وهذا ما بدأ يحدث‬
‫لي‪ ،‬فكلما مارست الرياضة أكثر‪ ،‬بدأت أشتهي الكربوهيدرات أكثر‪ ،‬وكنت أتبع نظاًم ا غذائًّيا فقيًر ا‬
‫بالكربوهيدرات‪ ،‬وفقدت الكثير من الوزن‪ ،‬وشعرت بتحسن عندما حددت تناول الكربوهيدرات‪،‬‬
‫ولكن فجأة بدأت أشتهيها مرة أخرى‪ ،‬وليس لدى اإلرادة لقول‪ :‬ال‪.‬‬
‫والتجربة الطبيعية لوجود ناقد داخلي هي أن رسائله السلبية يمكن أن تجعلنا نعدل سلوكنا‪ ،‬ولكن‬
‫صورة الوالد السلبية أو المخرب الداخلي غير مبالية‪ ،‬وال تأتي بالضرورة على شكل رسائل سلبية‬
‫يمكن سماعها وتحديدها‪ ،‬واذا كان لديك مخرب داخلي‪ ،‬قد تتمكن فقط من التعرف إلى تأثيره‬
‫بالمالحظة بعناية ما يحدث كلما شعرت بالمتعة والحب والتقدير أو النجاح؛ أي عندما ُيحتمل أن‬
‫يطل المخرب برأسه؛ ألنه يشعر بالتهديد كلما جربت هذه األشياء‪ ،‬ويريد المخرب بداخلك أن يشّلك‪،‬‬
‫ويبعدك عن السعادة‪ ،‬أو حتى تدميرك‪ ،‬وال يمكنه التسامح مع مشاعرك أو تجريبك أي شيء جيد‪،‬‬
‫وماذا يحدث عندما تجرب مشاعر القبول الطيبة‪ ،‬وفرحة العفوية والسرور‪ ،‬أو فخر اإلنجاز؟ سيجد‬
‫المخرب بداخلك طريقة لتدمير اللحظة‪ ،‬وفي حالتي‪ ،‬تسبب في حشو نفسي بالكربوهيدرات بعد‬
‫تجربة ممتعة بالماء في أثناء سباحتي‪ ،‬والتواصل مع جسدي بعد أن مارست الرياضة‪ ،‬والفخر‬
‫باإلنجاز عندما كنت أزيد من تحملي باستمرار وأنا أتعلم السباحة‪ ،‬ولقد هاجمني بدهاء بالتسبب في‬
‫اشتهاء الكربوهيدرات‪ ،‬وبقمع الناقد الداخلي األكثر إيجابية‪ ،‬الذي قد يفكر معي في الحد من تناولي‬
‫للكربوهيدرات‪ ،‬والجزء األكثر صحة مني‪ ،‬الذي سيشير إلي أنني كنت أقوم بتخريب الفوائد التي‬
‫حصلت عليها بممارسة الرياضة‪.‬‬

‫والطريقُة التي يتجلى بها مخربك الداخلي عادة ما تكون مرتبطة بنوع السعادة التي تعيشها‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬لم يكن من قبيل المصادفة أن المخرب جعلني أتناول مزيًدا من الطعام‪ ،‬كلما كنت‬
‫متصلة بجسدي بطريقة إيجابية‪ ،‬وإذا كانت تجربتك اإليجابية هي الشعور بالحب أو القبول‪ ،‬فمن‬
‫المرجح أن يجعلك المخرب تتصرف بطريقة تثير الغضب أو الرفض ممن هو قريب منك‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال‪ ،‬لنفترض أنك تشعرين بأنك محبوبة من صديقك الجديد‪ ،‬فالمخرب ال يريدك أن تشعري‬
‫بالحب؛ لذلك قد يحثك على بدء جدال مع صديقك‪ ،‬أو مغازلة رجل آخر‪ ،‬ويجعل صديقك يغضب‪،‬‬
‫وقد يجد شخص ‪ -‬يشعر في النهاية بأنه مقبول من ِقبل مجموعة من الناس ‪ -‬نفسه يتصرف فجأة‬
‫بطريقة تجعل المجموعة ترفضه أو تنقلب عليه‪.‬‬

‫فيما يلي بعض االقتراحات لمساعدتك على التعرف إلى مخربك الداخلي‪:‬‬

‫‪ .1‬الحظ ما يحدث عندما تجرب الفرح والسرور والحب والتقدير والنجاح‪.‬‬


‫‪ .2‬الحظ بالتحديد إن كنت تميل إلى اإلفراط في تناول الطعام والشراب أيًض ا‪ ،‬أو تتساهل مع نفسك‬
‫عندما تجرب أًّيا من هذه األشياء اإليجابية‪ ،‬خاصة عندما تكون مشاعرك اإليجابية مرتبطة‬
‫بالتواصل مع جسدك أو شهيتك أو الجنس‪ ،‬أو عواطفك‪.‬‬
‫‪ .3‬الحظ ما إذا كنت تبدأ مناقشة أو تدفع اآلخرين بعيًدا كلما شعرت بالحب أو القبول‪.‬‬

‫كان لدى مراجعتي شيريل أم نرجسية لم تحبها أبًدا‪ ،‬ولم تكن والدتها تريد طفاًل في ذلك الوقت‪،‬‬
‫خاصًة أنها كانت تخطط وقتها لترك والد شيريل‪ ،‬وعندما ُو لدت شيريل‪ ،‬كرهت أمها مظهرها؛‬
‫وسخرت منها أمام اآلخرين‪ ،‬وعندما وصل عمر شيريل عامين‪ ،‬قررت والدتها ترك والدها أخيًر ا؛‬
‫وتركت شيريل مع زوجين جارين «حتى تقف على قدميها» واستغرق ذلك خمس سنوات‪ ،‬لم يأِت‬
‫خاللها أي من والديها لزيارتها‪ ،‬وعندما بلغ عمر شيريل سبع سنوات‪ ،‬وصلت والدتها ذات يوم‪،‬‬
‫وطالبت بها‪ ،‬فانفطر قلب شيريل حزًنا لتركها األم واألب الوحيدين اللذين تعرفهما‪ ،‬واتضح أن‬
‫السبب وراء مطالبة والدتها بها فجأة هو أنها تزوجت ثانية‪ ،‬وأنجبت ولدين صغيرين‪ ،‬وكانت في‬
‫حاجة إلى جليسة أطفال؛ حتى تتمكن من العودة إلى العمل‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬كلما شعرت شيريل بأنها قريبة من أي شخص‪ ،‬حتى لمدة قصيرة الوقت‪ ،‬تبعد ذلك الشخص‬
‫على الفور بانتقاده أو بقول شيء مؤٍذ أو مهين‪ ،‬فهذا هو مخربها الداخلي قيد العمل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫خوض المعركة مع مخربك الداخلي‬


‫كما قالت إيالن غولمب‪« :‬نريد أن نرضي هذا القاضي غير المدعو‪ ،‬الذي يبدو كثيًر ا مثل آبائنا‬
‫النرجسيين‪ ،‬وإننا نستسلم لرسائله‪ ،‬واألفكار التي نكرهها‪ ،‬ونكاد نؤمن بها‪ ،‬ونريد أن نرفض مثل‬
‫هذا الدخل البائس‪ ،‬ولكننا نفتقر إلى أدنى فكرة عن كيفية القيام بذلك»‪.‬‬

‫وعندما ندخل في صراع مع مخربنا الداخلي‪ ،‬غالًبا ما ينتهي بنا األمر مسحوقين مستنفذين جهودنا‪،‬‬
‫ويبدو األمر كما لو أننا لن نربح المعركة أبًدا‪ ،‬ونتقدم خطوة إلى األمام‪ ،‬ثم ال نتخذ خطوتين فقط إلى‬
‫الوراء‪ ،‬ولكن دزينة من الخطوات‪ ،‬ونحاول تجاهل النقد المستمر‪ ،‬ولكن في النهاية نستسلم‪ ،‬ونشعر‬
‫بمزيد من اليأس في العملية‪.‬‬

‫وإن القوة التي نعطيها لمخربنا الداخلي تجعله عصًّيا على القضاء عليه‪ ،‬ولكن بتفكير وجهد‬
‫متعمدين‪ ،‬يمكننا لجمه‪:‬‬

‫‪ .1‬الخطوة األولى هي تحديد مخربك الداخلي‪ ،‬على أنه شيء غريب عن نفسك‪ ،‬وطالما بقيت تفكر‬
‫في أنه شيء بوصفه جزًء ا منك‪ ،‬فأنت في وضع غير مؤاٍت‪ ،‬وإذا اعتبرته ليس من نفسك‪ ،‬شيًئا‬
‫يقودك إلى مشاعر وسلوكات وأدوار غير مقبولة‪ ،‬يمكنك البدء في تبوء الموقف األقوى‪.‬‬

‫‪ .2‬وصف المخرب الداخلي بأنه ليس من ذاتنا أمر صعب؛ ألننا نعّد ال شعورًّيا المخرب الداخلي‬
‫بأنه جانب من جوانب والدينا مفرطي السيطرة أو النرجسيين‪ ،‬ويمكن أن يقوض الوالُء لوالدنا‬
‫جهودنا‪ ،‬وأشُّد ما يكون ذلك صحيًح ا عند األشخاص الذين تربوا على أال يضعوا أنفسهم في المرتبة‬
‫األولى‪ ،‬ومن أجل تخليص أنفسنا من مخربنا الداخلي والوصول إلى إمكاناتنا الحقيقية‪ ،‬يجب أن نقف‬
‫وحدنا ونواجه حقيقة أن والدنا (وال سيما الوالد النرجسي) ال يمكنه اآلن تلبية احتياجاتنا الطفولية‬
‫بشكل مناسب أكثر مما كان بإمكانه‪ ،‬عندما كنا نكبر‪ ،‬ويجب أن نتخلى عن سلوكاتنا الطفولية‬
‫وأوهامنا‪ ،‬وتخيالتنا‪ ،‬واإلدمان على رغبتنا غير المحققة في جعل والدينا يلبيان احتياجاتنا‪.‬‬
‫‪ .3‬علينا أن ندرك أن مخربنا الداخلي يستخدم قيم والدينا‪ ،‬وإذا كان آباؤنا نرجسيين أو مؤذين‬
‫عاطفًّيا‪ ،‬فإن معظم هذه القيم ال يمكن أن تقودنا إلى السعادة‪.‬‬

‫‪ .4‬ألن المخرب الداخلي قاٍس جًّدا‪ ،‬فال يمكن أبًدا دمجه بالكامل في الشخصية على شكل وعي‬
‫عادي‪ ،‬كما تفعل مع ناقدك الداخلي‪ ،‬وينبغي تخفيف حدة هذا الغضب الداخلي‪ ،‬وبقواعده الداخلية‬
‫القاسية‪ ،‬وإعادة توازنه بتجربة الحب األبوي كي يتطور إلى وعي معقول‪ ،‬وألن هناك نقًص ا حاًّدا‬
‫في إمدادات الحب عند أطفال اآلباء النرجسيين‪ ،‬يبقى المخرب الداخلي مدمًر ا‪ ،‬وفي الحقيقة‪ُ ،‬يَتَبنى‬
‫موقف الوالد من داخل الطفل‪( ،‬وفي النهاية البالغ)‪ ،‬يكرهه‪ ،‬ويخبره بما عليه فعله أو ال يفعله‪.‬‬

‫ولطالما شعرت أن مخربي السلبي كان أجنبًّيا في جسمي‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬سمعت مخربي السلبي‬
‫يتحدث معي مرتين في حياتي بصوت فظ‪ ،‬وقاٍس وذكوري‪ ،‬وهذا ما جعله غاية الوضوح بالنسبة‬
‫إلي‪ ،‬وإنه ليس صوتي‪ ،‬ولن أنسى أبًدا أول مرة سمعته فيها‪ ،‬وكنت أسير في الشارع أفكر كيف‬
‫شعرت بأنني على استعداد لفقدان الوزن (كنت في صراع مع وزني منذ أن كنت في التاسعة من‬
‫عمري) وبينما كنت أقول لنفسي بصمت‪« :‬أنا مستعدة حًّقا‪ ،‬أنا مستعدة للقيام بذلك»‪ ،‬وصلت إلى‬
‫زاوية الرصيف‪ ،‬وبينما كنت أتجاوز الشارع‪ ،‬سمعت صوًتا داخل رأسي يقول‪« :‬يا فاشلة! لن أسمح‬
‫لك بإنقاص وزنك‪ ،‬وكانت تلك تجربة مزعجة للغاية‪ ،‬وشعرت كأنني مسكونة بروح أخرى‪،‬‬
‫واستغرق األمر مني سنوات عدة الكتشاف أن ذلك الصوت هو في الحقيقة يمثل صوت والدتي‬
‫النرجسية‪.‬‬

‫وكما ذكرت سابًقا‪ ،‬عاد مخربي الداخلي أخيًر ا ليحاول تخريب نجاحي في الحصول على اللياقة‬
‫البدنية‪ ،‬وكان حلمي بالواعظ الذي حاول اإلمساك بي في الحمام مثااًل جيًدا‪ ،‬فقررت استخدام هذا‬
‫الحلم وصورة الرجل الذي يمسك بي‪ ،‬في مساعدتي على مواجهة قوة مخربي السلبي‪ ،‬ومن أجل‬
‫القيام بذلك‪ ،‬قمت برسم صورة للواعظ‪ ،‬واحتفظت بها بوصفها تذكيًر ا بمدى حضوره في حياتي‪.‬‬

‫وقد كان من المفيد للغاية بالنسبة إلي أن أذكر نفسي بشكل دوري أن مخربي الداخلي لم يكن أنا‪،‬‬
‫ولكنه كان كياًنا أجنبًّيا قد جعل من داخلي مستقًّر ا له‪ ،‬وبالتفكير فيه بهذه الطريقة‪ ،‬تمكنت من مواجهة‬
‫هذا الكيان دون شعور كما لو كنت أهاجم جزًء ا من نفسي‪.‬‬
‫وبدأت بالتصريح بصوت عاٍل للمخرب أنني لم أعد أسمح له بالتحكم في‪ ،‬وكان حواري على هذا‬
‫النحو‪« :‬أريدك أن تعرف أنني سأفوز في هذه المعركة‪ ،‬ولن أعود أسمح لك بالتحكم في أو تخريب‬
‫سعادتي» فشعرت بأنني قوية بشكل ال يصدق وأنا ألفظ هذه الكلمات‪.‬‬
‫وإذا اخترت مقارعة مخربك بهذه الطريقة‪ ،‬فكن مستعًّدا للعواقب‪ ،‬وفي األسبوع التالي لقراري‪ ،‬كان‬
‫مخربي في حالة تأهب قصوى‪ ،‬حيث أصبحُت منزعجة جًّدا من مراِج عة وصلْت متأخرة بعد تغيير‬
‫موعدها‪ ،‬ثم الحظت أنني كنت أقود سيارتي بشكل سيئ طوال األسبوع‪ ،‬وكنت أجد نفسي أبدأ في‬
‫االنحراف في الطريق من دون سبب واضح‪ ،‬ومرة كنت على وشك أن أصطدم السيارة التي أمامي؛‬
‫ألنني لم أكن على درجة كافية من االنتباه‪ ،‬ثم أدركت أنني كنت أرتطم باألشياء‪ ،‬ولقد ضربت رأسي‬
‫بعد أن انحنيت اللتقاط شيء ما عن األرض‪ ،‬وإنني رطمت الطاولة بوركي‪ ،‬وتورمت إصبع قدمي‪،‬‬
‫ولم أكتشف حتى نهاية األسبوع أن كل هذه األعمال كانت من صنع مخربي‪ .‬وألن تصميمي كان‬
‫عظيًم ا‪ ،‬وإدراكي أن مخربي الداخلي كان مستنفًر ا جعلني أشعر بقدر أكبر من العزم على الفوز في‬
‫معركتي‪ ،‬وواصلت ألتحدث معه بصوت عاٍل ‪ ،‬وواصلت السباحة‪ ،‬وببطء شديد‪ ،‬الحظت أنه بدأ‬
‫يضعف‪ ،‬وال يزال يطل برأسه القبيح من وقت آلخر‪ ،‬ولكني مستعدة اآلن‪ ،‬فإنني أعرف ما يجب‬
‫القيام به‪.‬‬
‫كلمة تحذيرية‪ :‬إذا اخترت خوض المعركة مع مخربك الداخلي‪ ،‬تأكد من حصولك على الكثير من‬
‫الدعم‪ ،‬سواء أكان معالًج ا أو مجموعة دعم‪ ،‬أو مجموعة دعم تساعد المدمنين أو متعاطي الكحول‬
‫على التخلص من آثار اإلدمان‪ ،‬وإذا وجدت نفسك تشعر باإلرهاق أو خائًفا‪ ،‬توقف فوًر ا‪ ،‬واطلب‬
‫المساعدة من الخارج‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫استبدل بصوتك الناقد صوًتا أكثر مودة وإيجابية‬


‫لسوء الحظ‪ ،‬ال يمكنك تهدئة ناقدك الداخلي أو صوت مخربك الداخلي إلى األبد بتحديه أو إخباره أن‬
‫يصمت‪ ،‬فهذا يساعدك في اللحظة‪ ،‬ولكن في النهاية سيعود صوته‪ ،‬وما عليك القيام به هو أن تستبدل‬
‫بصوته صوًتا آخر؛ صوًتا ودوًدا داخلًّيا يستبدل برسائل الناقد السلبية رسائل أخرى إيجابية‪،‬‬
‫وسأفصل حول كيفية البدء في إنشاء هذا الصوت الداخلي الودود في الفصل التاسع‪.‬‬
‫وحالًّيا‪ ،‬ركز على محاولة أن تستبدل بصوت ناقدك الداخلي وعًيا إيجابًّيا عن قيمتك األساسية‪ ،‬ولن‬
‫يكون ذلك مهمة سهلة؛ ألنك تعتقد على األرجح أن قيمتك تعتمد على سلوكك‪ ،‬وبداًل من النظر إلى‬
‫نفسك على أنك إناء وعاء فارغ ُيمأل قطرة قطرة بإنجازاتك‪ ،‬عليك أن تبدأ في إدراك أن قيمتك‬
‫الجوهرية تنبع من أنك إنسان‪ ،‬وهذا يعني أنك تبدأ في قبول فكرة أنك على درجة جيدة من الكمال‬
‫بالفعل كما أنت‪ ،‬ولست في حاجة إلى تحقيق أي شيء حتى تكون ذا قيمة‪ ،‬وسيعمل ناقدك الداخلي ما‬
‫في وسعه ليجعلك تعتقد أن ال قيمة جوهرية لك‪ ،‬وأننا ولدنا فارغين‪ ،‬ولدينا فقط إمكانية أن نصبح‬
‫شخًص ا جديًر ا باالهتمام‪ ،‬ولكنك ولدت بكم هائل من الخير‪ ،‬والحكمة والقوة‪.‬‬
‫ولكي تؤكد إحساسك بالقيمة‪ ،‬عليك االتصال بهذا الخير األساسي والحكمة والقوة‪ ،‬كما سنناقش‬
‫بالتفصيل في الفصل الثامن‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الرحمة وقبول الذات‬


‫كما وضح بايرون براون‪ ،‬مؤلف كتاب (روح بال عار)‪ ،‬ببالغة شديدة‪« :‬الرحمة هي أعظم ترياق‬
‫لسم ناقدك الداخلي الَمَر ضي» وعندما تكون رحيًم ا بنفسك‪ ،‬فأنت ُتبعد في األساس ناقدك الداخلي‬
‫الَمَر ضي؛ ألنه ال يستطيع تحمل الرحمة؛ ألنها تجعله ال حول له وال قوة‪.‬‬

‫الرحمة هي جوهر احترام الذات‪ ،‬وعندما يكون لديك رحمة بنفسك‪ ،‬فإنك تفهم نفسك وتقبلها كما‬
‫هي‪ ،‬وستميل إلى رؤية نفسك أنك جيد أساًسا‪ ،‬وإذا أخطأت‪ ،‬ستسامح نفسك‪ ،‬ولديك توقعات معقولة‬
‫عن نفسك‪ ،‬وترسم أهداًفا قابلة للتحقيق‪.‬‬
‫الرحمة مهارة‪ ،‬وهذا يعني أنه يمكنك تحسينها إذا كانت لديك مسبًقا‪ ،‬أو يمكنك اكتسابها إن لم تكن‬
‫لديك بعد‪ ،‬وفي المرة القادمة التي تسمع فيها ناقدك الداخلي يوبخك عن شيء فعلته أو لم تفعله‪ ،‬واجه‬
‫هذه السلبية بإخبار نفسك شيًئا مثل‪« :‬إنني أفعل أفضل ما أستطيع»‪ ،‬أو «بالنظر إلى ظروفي‪ ،‬فهذا‬
‫كل ما أستطيع فعله في هذا الوقت» وإن تعلمك أن تكون رحيًم ا بنفسك فسيساعدك أيًض ا على‬
‫التواصل مع إحساسك بقيمتك الذاتية‪.‬‬
‫ولسوء الحظ‪ ،‬وإلى حد ما‪ ،‬سيبقى األشخاص الذين لديهم ناقد داخلي قوي مقيدين دائًم ا بصوت‬
‫داخلي سلبي‪ ،‬ومهمتك هي التقليل من شدة الهجمات الذاتية في أثناء ممارسة طرق الحديث الصحي‬
‫عن النفس‪ ،‬وعلى الرغم من أنك قد ال تكون أبًدا متحرًر ا تماًم ا من صوت داخلي يقول‪« :‬ما‬
‫دهاك؟» أو «أنت أحمق» عندما ترتكب خطأ‪ ،‬يمكنك إنشاء وتعزيز نمو متواٍز وصوت أقوى يقول‪:‬‬
‫«لقد بذلت قصارى جهدي» أو «أنا بخير على ما أنا عليه» وسوف تكتشف أنه مع نمو صوتك‬
‫الداخلي السليم بشكل أقوى‪ ،‬سوف يستجيب بشكل أسرع وأكثر قوة وأكثر صدًقا لهجمات ناقدك‪،‬‬
‫وستتعلم في الجزء الثالث من هذا الكتاب المزيد عن الطرق لتقوية هذا الصوت الداخلي السليم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫حقائق األسبوع النفسية‬


‫• تنشئ اإلساءة األبوية العاطفية قاضًيا داخلًّيا سلبًّيا أو ناقًدا َمَر ضًّيا‪.‬‬
‫• ناقدنا الداخلي هو مرآة تعكس لنا ما نعتقده عن أنفسنا؛ فإنه يطغى على ذكائنا الموروث‪،‬‬
‫واستجابتنا المباشرة للحياة بفرض معتقداته على ما هو حقيقي‪ ،‬وإنه عدسة مقعرة تشوه الواقع‪،‬‬
‫وبسبب هذا اإلدراك المشوه‪ ،‬فإننا ال نثق في اتصالنا البدهي بالحياة‪ ،‬ومع أن ناقدنا الداخلي يتصرف‬
‫كما لو أنه يساعدنا على الحصول على ما نريده في الحياة‪ ،‬فإنه في الواقع يقاوم حركتنا نحو النمو‬
‫والتطوير‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪


:7 #‬‬
‫إيجاُد صوٍت ودوٍد‬
‫هذا التمرين هو تعديل لـ (تخيل) من برنامج الحلول (راجع الملحق في نهاية هذا الكتاب لمزيد من‬
‫المعلومات)‪.‬‬
‫‪ .1‬خذ نفًسا عميًقا‪ ،‬وابدأ بالدخول إلى نفسك‪.‬‬

‫‪ .2‬قد تدرك وجود جدار من الغضب أو الحزن أو الخوف أو الذنب‪ ،‬أو قد تشعر بالفراغ في داخلك‪،‬‬
‫فقل لنفسك‪ :‬إن ما ستجده بالداخل‪ ،‬بغض النظر عن ماهيته‪ ،‬سيكون مقبواًل ‪ ،‬واستمر في التركيز‬
‫على داخلك على أي حال‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا الحظت وجود جدار من األفكار‪ ،‬تخَّط الجدار‪ ،‬وابدأ في الغوص بنفسك بشكل أعمق‪.‬‬
‫‪ .4‬ركز على الداخل‪ ،‬واكتشف إن كان بإمكانك العثور حتى ولو إحساس ضعيف بالتواصل مع‬
‫نفسك‪.‬‬
‫‪ .5‬أحضر صوتك الداخلي المغذي؛ فهذا ليس صوًتا قاسًيا‪ ،‬أو ناقًدا‪ ،‬أو حازًم ا‪ ،‬وليس صوًتا مفرًطا‬
‫في لطفه‪ ،‬ونعومته‪ ،‬فإنه صوت دافئ ولطيف يعتز بك‪ ،‬ويقبلك على ما أنت عليه‪ ،‬وبمرور الوقت‪،‬‬
‫سيصبح هذا الصوت صوتك‪ ،‬ولكن في الوقت الحالي‪ ،‬يمكن أن يكون أي صوت يلبي احتياجاتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الجزء الثالث إيجاُد مرآٍة جديدٍة‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 8‬النظر عميًقا في المرآة اكتشاف ذاتك الحقيقية‬

‫ما يكمن خلفنا وما يكمن أمامنا هو أمور صغيرة مقارنة بما يكمن في داخلنا‪.‬‬

‫رالف والدو إيمرسون‬


‫‪Ralph Waldo Emerson‬‬
‫عندما يطير العقل سعًيا وراء األشياء المتصورة في الفضاء‪ ،‬فإنه يلهث وراء سراب؛ ولكن عندما‬
‫يغوص اإلنسان في أعماق نفسه‪ ،‬فإنه يختبر كمال الوجود‪.‬‬
‫ميهير بابا‬
‫‪Meher Baba‬‬

‫من أجل االستمرار في رفع احترامك لذاتك‪ ،‬والشعور بتحسن حيال نفسك‪ ،‬أنت في حاجة إلى معرفة‬
‫من أنت‪ ،‬وليس من أنت كما قيل لك‪ ،‬وليس الشخصية التي اتخذتها إلرضاء والديك‪ ،‬ولكن‬
‫شخصيتك الحقيقية‪ ،‬وال يعرف كثير من الناجين من اإلساءة واإلهمال العاطفيين في مرحلة الطفولة‬
‫أنفسهم‪ ،‬فإنهم يعرفون أنفسهم وفق ما قاله آباؤهم عنهم‪ ،‬ويعرفون من يتظاهرون على أنه هم‪،‬‬
‫ولكنهم ال يعرفون ذواتهم الحقيقية‪.‬‬

‫وال أحد يستطيع إخبارك من أنت‪ ،‬فأنت الوحيد القادر على تحديد نفسك الحقيقية‪ ،‬ولقد أوجدت‬
‫تسميات والديك التي في غير محلها‪ ،‬والتصورات المشوهة‪ ،‬واإلسقاطات السلبية صورة خاطئة؛‬
‫صورة تحتاج اآلن إلى إسقاطها‪ ،‬وبداًل عنها‪ ،‬عليك اكتشاف نفسك الحقيقية وتكوينها‪ ،‬وأقول‪:‬‬
‫اكتشف؛ ألن كثيًر ا منكم ال يعرف من هو باستثناء مرآة والديه‪ ،‬وبمجرد أن تحطم هذه المرآة‪ ،‬ستجد‬
‫أن صورة أخرى لن تنبثق بسهولة‪ ،‬فهذا يعني أنه عليك النظر بشكل أعمق في الداخل لتبدأ في‬
‫العثور على انعكاسك الحقيقي‪.‬‬
‫ويميل األشخاص الذين تم إهمالهم أو التخلي عنهم إلى أن يكون إحساسهم بهوياتهم عابًر ا‪ ،‬ويبدو‬
‫األمر كما لو أنهم يمرون بجوار المرآة‪ ،‬ويرون انعكاًسا ألنفسهم يختفي على الفور‪ ،‬وكثير منهم في‬
‫بحث مستمر عن أدلة حول هويته‪ ،‬وغالًبا ما ينتابهم شعور بعدم القيمة‪ ،‬لدرجة أنهم يشعرون أحياًنا‬
‫بأنهم سيختفون حقيقة‪.‬‬
‫ولكن بغض النظر عن سرعة زوال الصورة أو مدى شعورك بعدم قيمتك‪ ،‬مازال هناك شخص ما‪،‬‬
‫وقد تضطر إلى االستمرار في الحفر إلى أن تجده تحت أنقاض أحكام والديك وتوقعاتهما‪ ،‬أو ربما‬
‫تضطر إلى النظر بشكل أعمق في المرآة لتجد نفسك‪ ،‬ولكن عاجاًل أم آجاًل ‪ ،‬ومع ما يكفي من‬
‫التركيز والصبر‪ ،‬ستجد ذاتك الحقيقية‪ ،‬وسنركز في هذا الفصل على مساعدتك على إيجاد صورة‬
‫شخصية مفصلة‪ ،‬وسنبدأ بجعلك تراقب سلوكك‪ ،‬وتضع في قائمة السمات الشخصية‪ ،‬وسأشجعك‬
‫على االهتمام بمشاعرك‪ ،‬وال سيما‪ ،‬ما يجعلك غاضًبا‪ ،‬وخائًفا‪ ،‬ومحرًج ا‪ ،‬وحزيًنا‪ ،‬وأخيًر ا سنركز‬
‫على مساعدتك على اكتشاف جوهرك أو ذاتك الحقيقية؛ شيء منفصل عن جسدك‪ ،‬وحتى كيانك‬
‫العاطفي‪.‬‬
‫ويتطلب اكتشاف الذات وعًيا ذاتًّيا‪ ،‬أو اهتماًم ا مستمًّر ا بذات المرء‪ ،‬ومن أجل أن ينتبه المرء إلى‬
‫نفسه حًّقا ألغراض اكتشاف الذات‪ ،‬من المهم اتخاذ موقف محايد‪ ،‬وعندما تراقب نفسك بهذه‬
‫الطريقة‪ ،‬فأنت تأخذ كل ما تالحظه عن نفسك بحيادية واهتمام وفضول‪ ،‬ولكنك ال تحكم على ما‬
‫تالحظه‪.‬‬
‫بعض الناس ال يعرفون ذواتهم الحقيقية؛ ألنهم مليئون بالصراعات‪ ،‬كما كان حال مراجعتي‬
‫ستيفاني‪« :‬ال أستطيع معرفة من أنا حًّقا‪ ،‬فإنها تتغير باستمرار‪ ،‬وأعتقد أحياًنا أنني على هذه الشاكلة‬
‫ألكتشف فقط أنني أتصرف بطريقة مختلفة تماًم ا في وقت آخر» وعلى الرغم من أننا جميًعا نتغير‬
‫إلى حد ما اعتماًدا على من نحن‪ ،‬والظروف التي نحن فيها‪ ،‬يجب أن يكون هناك عنصر من التناسق‬
‫والتوافق مع من نحن في أي وقت‪ ،‬ولكن بالنسبة إلى أشخاص مثل ستيفاني‪ ،‬التي بذلت كل جهد ألن‬
‫تكون جيدة لدرجة أنها تحولت إلى نسخة مختلفة من نفسها مع كل شخص كانت بقربه‪ ،‬قد يكون‬
‫العثور على جوهر االتساق صعب القيام به‪ ،‬وستساعدك االقتراحات اآلتية على أخذ نظرة عميقة‬
‫إلى نفسك والبدء في تحديد من أنت حًّقا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬من أنت؟‬


‫‪ .1‬راقب نفسك عن كثب مدة أسبوع على األقل‪( .‬الحظ سلوكك‪ ،‬ومشاعرك‪ ،‬واألفكار التي تخطر‬
‫ببالك)‪ .‬دّو ن مالحظات حول ما تالحظه‪ ،‬أو أي بصائر أخرى قد تكون لديك عن نفسك‪ ،‬وقد ترغب‬
‫أيًض ا في استخدم األسئلة اآلتية بوصفها نقطة انطالق‪:‬‬
‫• هل تشعر بعدم االرتياح وحدك‪ ،‬أم أنك مدرك أنك محتاج إلى وقت لتكون بمفردك؟ بماذا تستمتع‬
‫عندما تكون وحدك؟‬
‫• متى تشعر بأقصى درجات األمان؟ ومتى تشعر بأقل درجات األمان؟‬
‫• متى تشعر بأقصى درجات الكفاءة؟ ومتى تشعر بأقل درجات الكفاءة؟‬

‫• كيف تلبي احتياجاتك (على سبيل المثال‪ ،‬األمان‪ ،‬أو االنتباه‪ ،‬أو الحنان)؟‬
‫• هل يكون أداؤك على أفضله في بيئة منظمة صارمة أم في بيئة فيها الكثير من الحرية؟‬
‫‪ .2‬ضع سماتك الشخصية في قائمة‪ ،‬وفيما يلي قائمة كتبها واحد ممن راجعني‪ :‬صادٌق ‪ ،‬أحياًنا حيال‬
‫خطأ («اذكره كما حدث»)‪ ،‬مخلٌص ‪ ،‬ال يثق‪ ،‬ميل للقلق‪ ،‬قلق أكثر من الالزم حول ما يعتقده‬
‫اآلخرون عني‪ ،‬ناشد للكمال‪ ،‬وحساس‪ ،‬تتأذى مشاعري بسهولة‪ ،‬الميل إلى االنغماس في ملذات‬
‫الذات‪ ،‬مخلص‪ ،‬مندفع‪ ،‬مهووس‪ ،‬يحترم احتياجات اآلخرين‪ ،‬موهوب‪ ،‬كفء‪ ،‬ذكي‪ ،‬مهتم‪ ،‬وأنت‬
‫تواصل مالحظة نفسك‪ ،‬يمكنك اإلضافة إلى قائمتك‪.‬‬
‫‪ .3‬الحظ أي ميول قد تكون لديك إلخفاء نفسك الحقيقية عن اآلخرين أو عن نفسك‪ ،‬أو أي ميل‬
‫للتظاهر أنك تشعر بشيء ما عندما تشعر حقيقة بشعور آخر‪ ،‬والحظ أيًض ا أشياء مثل كيفية تصرفك‬
‫مع اآلخرين‪ ،‬مقارنة بكيفية تصرفك عندما تكون بمفردك‪.‬‬
‫‪ .4‬اكتب وصًفا عن نفسك بناًء على مالحظاتك‪ ،‬وعما تعرفه مسبًقا عن نفسك على أنه صحيح‪،‬‬
‫وتأكد من تضمين جميع جوانب نفسك في وصفك‪ ،‬بما في ذلك جوانبك الجسدية واالجتماعية‬
‫والفكرية والعاطفية و الروحية‪ ،‬وأضف إلى قائمتك كلما الحظت شيًئا جديًدا عن نفسك‪ ،‬وستجد أنك‬
‫تفكر بنفسك‪ ،‬وتنظر إليها بعناية أكثر منك من أي وقت مضى‪ ،‬وقد تكتشف صفات عن نفسك‪ ،‬لم‬
‫تلحظها أبًدا من قبل‪ ،‬أو قد تراجع فكرة سابقة كنت تعتنقها عن نفسك‪.‬‬

‫أعد االتصال بجسمك وعواطفك‬


‫كما قالت ماريون وودمان بحكمة‪« :‬ما تعرفه في رأسك لن يدعمك في لحظات األزمات‪ . . .‬الثقة‬
‫تأتي من وعي الجسد‪ ،‬ومعرفة ما تشعر به في اللحظة»‪.‬‬

‫الطريقة األكثر فعالية الستعادة كل مشاعرك ‪ -‬األلم‪ ،‬والغضب‪ ،‬والخوف‪ ،‬والشعور بالذنب‪ ،‬والعار‪،‬‬
‫والفرح‪ ،‬والحب ‪ -‬هي أن تبدأ في االهتمام بجسدك‪ ،‬وحتى عندما تقمع دون وعي مشاعرك‪ ،‬فإن‬
‫جسدك يتذكرها‪ ،‬وتسمى هذه الذكريات ذكريات الجسد‪ ،‬ويتذكر جسدك ما شعرت به عندما ُأهملت‪،‬‬
‫وانُتقدت‪ ،‬وُر فضت أو ُخ نقت عاطفًّيا‪ ،‬عندما كنت طفاًل ‪ ،‬ولكل عاطفة يمر بها جسمك مجموعة‬
‫مختلفة من األحاسيس الجسدية‪ ،‬حيث يتذكر بصالبة‪ ،‬وانقباض‪ ،‬وتوتر األلَم والغضَب اللذين شعرت‬
‫بهما عندما كنت طفاًل ‪.‬‬

‫واسمح لنفسك بإعادة االتصال بجسدك؛ للسماح له بالتعبير والتنفيس عن كل آالم الطفولة‪ ،‬فجسدك‬
‫يتألم‪ ،‬وينزف‪ ،‬ويشعر بالوخز‪ ،‬أو الشِّد لسبب معين‪ ،‬فإنه يحاول إخبارك بشيء‪ ،‬وإنه يذكرك بأنواع‬
‫صدمات الطفولة التي عانيت منها‪ ،‬واستمع إلى جسدك‪ ،‬وانتبه لرسائله‪.‬‬
‫ومن أكثر الطرق فعالية الكتشاف من أنت هي االنتباه لمشاعرك‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬يعرف بعضهم‬
‫الوعي الذاتي بأن نكون واعين ألمزجتنا وأفكارنا حول أمزجتنا‪ ،‬ومرة أخرى‪ ،‬أحثك على اتخاذ‬
‫موقف محايد‪ ،‬غير تفاعلي؛ موقف ال يلقي أحكاًم ا عند مالحظة عواطفك‪ ،‬ومن المفيد أن تأخذ خطوة‬
‫يسيرة إلى الوراء من تجربتك‪ ،‬وبذلك تكون على دراية بما تشعر به‪ ،‬بداًل من االنغماس فيه‪.‬‬

‫وفًقا لدانييل جولمان في كتابه الرائد ‪Emotional Intelligence: Why It Can Matter‬‬
‫‪( More Than IQ‬الذكاء العاطفي‪ :‬لماذا يمكنه أن يكون أكثر أهمية من معدل الذكاء)‪« :‬الوعي‬
‫الذاتي ‪ -‬التعرف على الشعور في أثناء حدوثه ‪ -‬هو حجر الزاوية في الذكاء العاطفي‪ . . .‬القدرة‬
‫على مراقبة المشاعر من لحظة إلى لحظة أمر حاسم للبصيرة النفسية والفهم‪ . . . .‬األشخاص الذين‬
‫لديهم قدر أكبر من اليقين بشأن مشاعرهم‪ ،‬هم مالحون أفضل لقيادة حياتهم‪ ،‬ولديهم إحساس أقوى‬
‫بما يشعرون به حيال القرارات الشخصية»‪.‬‬

‫ولسوء الحظ‪ ،‬بالنسبة إلى الكثيرين الذين ُأهملوا‪ ،‬وأسيئت معاملتهم في الطفولة‪ ،‬العواطف شيء‬
‫مخيف‪ ،‬وقد كان ذلك عندما خرجت مشاعر والديهم عن السيطرة لدرجة أنهم تعرضوا للتعنيف‪ ،‬أو‬
‫اإلبعاد أو الضرب‪ ،‬وكان ذلك عندما غضبوا هم أنفسهم أو بدؤوا في البكاء عندما تم االستهزاء بهم‬
‫أو معاقبتهم أو التخلي عنهم‪ ،‬ولهذا السبب‪ ،‬فإن معظم الناجين من اإلساءة واإلهمال يميلون إلى‬
‫إنكار مشاعرهم الحقيقية وقمعها‪ ،‬وحتى بالنسبة إلى األشخاص الذين قد يبدون أنهم عاطفيون للغاية‬
‫أو انفعاليون أو متقلبو األمزجة‪ ،‬عادة ما ينكرون مشاعرهم األكثر ضعًفا في األعماق‪.‬‬

‫وإضافة إلى ذلك‪ ،‬فإذا تعرضت لإلهمال أو اإلساءة في الطفولة‪ ،‬فستميل إلى أن تطغى عليك‬
‫عواطفك‪ ،‬وأن تتحكم فيك‪ ،‬وإن كثيًر ا من الناس مرهقون لدرجة أن عواطفهم تصبح أعداءهم‪ ،‬وإن‬
‫السلوكات المختلة‪ ،‬بما في ذلك األنماط المسيئة أو التي تأخذ شكل الضحية‪ ،‬وتعاطي المخدرات‪،‬‬
‫والميول االنتحارية هي محاوالت للتأقلم مع مشاعر مؤلمة ال تطاق‪ ،‬ويحاول الكثير تنظيم عواطفهم‬
‫بمحاولة جعل أنفسهم ال يشعرون بما يشعرون به‪ ،‬وهذا األسلوب هو نتيجة مباشرة للبيئة غير‬
‫الصحيحة عاطفًّيا التي نشؤوا فيها‪ ،‬والتي تفرض على الناس أن يبتسموا عندما يكونون غير سعداء‪،‬‬
‫وأن يكونوا لطفاء‪ ،‬وال يزلزلون األرض عندما يكونون غاضبين‪ ،‬أو يعترفون أو أن يطلبوا السماح‬
‫عندما ال يشعرون بأنهم فعلوا أي شيء خاطئ‪.‬‬
‫وبسبب هذه السلوكات‪ ،‬قد ينتهي بك األمر إلى الشعور بأنك مغلوب بعواطفك‪ ،‬أو أنك مغلوب عندما‬
‫تتعاظم عواطفك‪ ،‬وهذا بدوره قد يدفعك إلى إسقاط مشاعرك على اآلخرين‪.‬‬

‫وما يشار إليه باسم «لتخدير النفسي» (المشاعر العالقة أو المجمدة) هو نتيجة أخرى متكررة لسوء‬
‫المعاملة واإلهمال في مرحلة الطفولة‪ ،‬ويوقف األطفال مشاعرهم أو ينفصلون استجابًة لموقف‬
‫مؤلم‪ ،‬ويبدو األمر كما لو أن عقولهم ترحل إلى مكان آخر‪ ،‬وهم مفصولون عن أجسادهم‪ ،‬ويتطلب‬
‫تعلم إعادة تجربة المشاعر المجمدة ردًح ا من الزمن‪ ،‬ولكن بمجرد أن تتحرر هذه المشاعر الميتة‪،‬‬
‫يمكنها مساعدتك بتوفير معلومات مفيدة حتى تتمكن من اتخاذ قرارات عقالنية‪ ،‬واتخاذ إجراءات‬
‫مناسبة‪ ،‬في حياتك‪ ،‬وإعادة االتصال بمشاعرك‪ ،‬يمكن أن تزودك بالقوة‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والفرح‪.‬‬

‫ومن المهم أن تتوقف عن وصف المشاعر بأنها (جيدة) أو (سيئة)‪ ،‬فبداًل عن ذلك‪ ،‬انظر إليها على‬
‫أنها رسائل مهمة يمكنها أن تخبرك عن نفسك وظروفك وبيئتك‪ ،‬وستبدأ في رؤية أن عواطفك يمكن‬
‫أن تمّكنك من أن تعتني بنفسك بشكل أفضل‪ ،‬وبذلك تساعدك على رفع احترامك لذاتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬قوائم مشاعرك‬


‫‪ .1‬ضع قائمة ببعض األشياء التي تميل إلى إثارة غضبك‪.‬‬
‫‪ .2‬ما هي بعض األشياء التي تجعلك تشعر بالحزن؟‬
‫‪ .3‬ما الذي يجعلك خائًفا؟‬

‫‪ .4‬ما الذي يجعلك تشعر بالذنب؟‬


‫‪ .5‬ما الذي يجعلك سعيًدا أو فِر ًح ا؟‬
‫‪ .6‬ما الذي يجعلك تشعر بالقناعة أو الرضا؟‬
‫‪ ‬‬

‫حدد مشاعرك‬
‫يميل األشخاص الذين أهملوا‪ ،‬وأسيئت معاملتهم في طفولتهم إلى أن يواجهوا صعوبة في تحديد‬
‫المشاعر التي يشعرون بها في أي وقت بعينه؛ وهذا ألنه ربما كان عليهم فصل عواطفهم من أجل‬
‫النجاة من صدمة أو إهمال في مرحلة الطفولة‪ ،‬أو ربما كان عليهم التظاهر بالشعور بشيء لم‬
‫يشعروا به حًّقا‪ ،‬ولكن ربما كان السبب أن كثيًر ا اعتقد أيًض ا أنه لم يكن في مأمن إن عرف أي‬
‫شخص ما كان يشعر به‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أصبح بالًغا بخليط من المشاعر يواجه صعوبة في تحديدها‬
‫اآلن‪.‬‬

‫وفي غضون يوم واحد فقط‪ ،‬نشعر جميًعا بعواطف كثيرة جًّدا‪ ،‬ويمكن لتعلم كيفية التعرف إلى كل‬
‫واحدة منها أن يكون أمًر ا شاًّقا؛ لذلك من األفضل التركيز على بعض المشاعر األساسية وحسب‪،‬‬
‫وعلى األقل في البداية‪ ،‬ووفًقا لمعظم الخبراء‪ ،‬هناك ثمانية أو نحو ذلك من المشاعر األساسية‪:‬‬
‫الغضب‪ ،‬الحزن‪ ،‬الفرح‪ ،‬المفاجأة‪ ،‬الخوف‪ ،‬االشمئزاز‪ ،‬الشعور بالذنب ‪ /‬الخجل والمصلحة (يعّد‬
‫بعضهم الحب أيًض ا عاطفة أساسية)‪ُ .‬تعّد هذه مشاعر أساسية؛ ألننا ولدنا مع اإلمكانية أو االستعداد‬
‫البيولوجي لها‪ ،‬وُتعّد كل المشاعر األخرى عواطف ثانوية أو اجتماعية؛ ألنه يتم تعلمها‪ ،‬وعادة ما‬
‫تكون عبارة عن مزيج من المشاعر األساسية‪ ،‬وبالنسبة إلينا سنركز على خمسة من المشاعر‬
‫األساسية‪ ،‬وهي‪ :‬الخوف‪ ،‬واألسى (أو الحزن) والغضب‪ ،‬والشعور بالذنب‪ /‬الخزي‪ ،‬والفرح‪.‬‬
‫وغالًبا ما ننفصل عن عواطفنا األساسية‪ ،‬بتخفيفها وإعطائها أسماء أخرى‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬بداًل‬
‫من قول‪ :‬إنهم خائفون‪ ،‬سيقول الكثير من الناس‪ :‬إنهم يشعرون بالقلق أو االضطراب‪ ،‬وبداًل من‬
‫القول‪ :‬إنهم يشعرون بالحزن (أو حتى لو عرفوا أنهم كذلك)‪ ،‬سيقول الكثير من الناس‪ :‬إنهم يشعرون‬
‫بالتعب؛ وبداًل من قوله‪:‬م إنهم غاضبون‪ ،‬سيقول الكثير من الناس‪ :‬إنهم غيرمهتمين أو يشعرون‬
‫بالملل‪.‬‬
‫ولجعل األمر أكثر إرباًكا‪ُ ،‬تستخدم كثير من الكلمات األخرى بشكل شائع لوصف مشاعرنا‬
‫األساسية‪ ،‬ومن ثم هي قائمة بالكلمات التي غالًبا ما ُتستخَدم في وصف الشعور بالحزن‪ ،‬وتصف‬
‫بعض الكلمات شكاًل خفيًفا‪ ،‬في حين أن أخرى تصف أشكااًل أخرى أكثر شدة من الحزن‪ ،‬وبالنسبة‬
‫إلى الجزء األكبر‪ ،‬فإن القائمة مرتبة بحسب الشدة‪ :‬التعاسة‪ ،‬األذى‪ ،‬الفزع‪ ،‬خيبة األمل‪ ،‬الكآبة‪،‬‬
‫الحزن‪ ،‬األسف‪ ،‬المعاناة‪ ،‬البؤس‪ ،‬اليأس‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬العذاب‪ ،‬الكرب والقنوط‪ ،‬وإن استخدام إحدى‬
‫هذه الكلمات بداًل من كلمة حزين أحياًنا مفيد؛ ألنه يوضح بالضبط مستوى الحزن الذي تشعر به‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬إن العذاب واليأس يصفان بالتأكيد حالة حزن أكثر حدة من الحزن العام‪ ،‬والشيء‬
‫المهم هو أال تسمح لوصف حالتك بأخذك بعيًدا عن حقيقة أنك تشعر أساًسا بمشاعر الحزن‪.‬‬
‫وإَّن هناك كلمات ترتبط ارتباًطا وثيًقا بمشاعر الحزن‪ ،‬على الرغم من أنها تعني أكثر مما نحدده‬
‫عموًم ا بأنه حزٌن ‪ ،‬وتشمل هذه الكلمات‪ :‬االغتراب‪ ،‬والهزيمة‪ ،‬واالكتئاب‪ ،‬وخيبة األمل‪ ،‬والسخط‪،‬‬
‫واالستياء‪ ،‬والضيق‪ ،‬وانعدام األمن‪ ،‬والعزلة‪ ،‬واإلهمال‪ ،‬والشفقة‪ ،‬والرفض‪.‬‬

‫وستالحظ أن هذه الكلمات تضيف نغمة‪ ،‬وقيمة حكم أو معنى إضافي لكلمة حزن‪ ،‬ومرة أخرى‪،‬‬
‫بينما يمكن لهذه الكلمات أن تساعدك على وصف سبب معين لشعورك بالحزن‪ ،‬إال أنها ال تزال‬
‫تصف مشاعر الحزن األساسية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬كلمات الحزن ومشاعره‬


‫‪ .1‬ادرس قائمة الكلمات التي تصف مشاعر الحزن‪ ،‬والحظ عدد المرات التي تستخدم فيها هذه‬
‫الكلمات الوصفية‪ ،‬وذّكر نفسك أنه بغض النظر عن الكلمات التي تستخدمها‪ ،‬فأنت ما زلت تشعر‬
‫بمشاعر الحزن األساسية‪.‬‬
‫‪ .2‬اكتب عن االرتباطات التي تنتابك بمشاعر الحزن‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬هل من المقبول أن تشعر‬
‫بالحزن‪ ،‬أم هل تشعر بأنه غير مقبول اجتماعًّيا؟ هل كان مقبواًل أن تشعر بالحزن في منزلك وأنت‬
‫تكبر؟ من تتذكر أنه كان يشعر بالحزن عندما كنت تكبر؟‬
‫‪ ‬‬

‫كيف تعرف متى ينتابك شعور خاص؟‬


‫أفضل طريقة الكتشاف ما تشعر به هي أن تبدأ بالسؤال عن أي من المشاعر الثمانية أو التسعة‬
‫األساسية التي تشعر بها (الغضب‪ ،‬الحزن‪ ،‬الفرح‪ ،‬المفاجأة‪ ،‬الخوف‪ ،‬االشمئزاز‪ ،‬الشعور بالذنب‪/‬‬
‫الخجل‪ ،‬االهتمام‪ ،‬أو الحب)‪ .‬من المناسب القول‪ :‬إننا جميًعا نعاني في أي وقت بعينه من شعور‬
‫واحد أو أكثر من المشاعر األساسية‪.‬‬

‫إن مجرد طرح السؤال على نفسك لن يساعدك بالضرورة إن لم تكن على اتصال بجسمك‪ ،‬فجسمك‬
‫هو أفضل مقياس إلخبارك بأي عاطفة تشعر بها في أي وقت بعينه‪ ،‬وتتضمن العواطف تغيرات في‬
‫الجسم‪ ،‬مثل التقلبات في معدل ضربات القلب‪ ،‬ودرجة حرارة الجلد‪ ،‬وشد أو ارتخاء العضالت‪،‬‬
‫وأما التغيرات األكثر أهمية فتقع في عضالت الوجه‪ ،‬ويعتقد الباحثون اآلن أن التغيرات في هذه‬
‫العضالت تؤدي دوًر ا مهًّم ا في إثارة المشاعر حقيقًة‪.‬‬

‫ونميل إلى الشعور بالحزن في جميع أنحاء أجسادنا بالطرق اآلتية‪ :‬عبوس‪ ،‬وفم متدٍّل ‪ ،‬وعينان‬
‫متدليتان‪ ،‬وهيئة جسم متراجع‪ ،‬والتكلم بصوت منخفض أو هادئ أو بطيء أو رتيب‪ ،‬ثقل في‬
‫الصدر‪ ،‬ضيق في الحلق‪ ،‬أو صعوبة في البلع (بسبب منع الدموع من السقوط)‪ :‬عيون رطبة أو‬
‫دموع‪ ،‬النحيب‪ ،‬البكاء‪ ،‬الشعور وكأنك ال تستطيع التوقف عن البكاء‪ ،‬أو الشعور بأنه إذا بدأت في‬
‫البكاء فلن تتوقف أبًدا؛ الشعور بالتعب أو االنحطاط أو انخفاض الطاقة؛ الشعور بالخمول والفتور‪،‬‬
‫الرغبة في البقاء في السرير طوال اليوم؛ الشعور وكأنه لم يعد هناك وجود ألي شيء ممتع؛ الشعور‬
‫بألم أو فراغ في صدرك أو أمعائك؛ الشعور بالفراغ‪.‬‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬يتجلى الفرح عادة في الجسد في الطرق اآلتية‪ :‬االبتسامة‪ ،‬والشعور بالحماس‪،‬‬
‫والشعور بالحيوية الجسدية والنشاط‪ ،‬والحياة‪ ،‬والشعور بالضحك؛ ووجود توهج دافئ‪ ،‬والشعور‬
‫«بقلب منفتح» ومحبة‪.‬‬
‫ويمكنك أيًض ا تحديد المشاعر المعينة التي تشعر بها بمراقبة سلوكك‪ ،‬فإن جميع السلوكات اآلتية تدل‬
‫على أن الشخص يشعر بالحزن‪ :‬الحديث عن األشياء الحزينة؛ الجلوس أو االستلقاء؛ الخمول‪ ،‬القيام‬
‫بحركات بطيئة متقطعة؛ االستسالم وعدم المحاولة لتحسين الوضع؛ الكآبة‪ ،‬االستغراق في التأمل‪،‬‬
‫أو التصرف المزاجي؛ االنسحاب من التواصل االجتماعي؛ التحدث قلياًل أو عدم التحدث على‬
‫اإلطالق‪.‬‬

‫ويمكن للشخص الذي يشعر بالسعادة أن يظهر أًّيا مما يلي من السلوكات‪ :‬االبتسامة‪ ،‬االبتسامة‬
‫العريضة‪ ،‬الضحك‪ ،‬الشعور بخفة الجسد‪ ،‬العطف تجاه اآلخرين‪ ،‬القفز صعوًدا وهبوًطا‪ ،‬التحدث‬
‫بحماس أو صوت منفعل‪ ،‬التحدث كثيًر ا‪.‬‬

‫وتتضمن العواطف أيًض ا دوافع عمل؛ فإن وظيفة مهمة للعواطف هي تحفيز السلوك (قاتل في حالة‬
‫الغضب‪ ،‬واهرب في حالة الخوف) وعلى الرغم من أن الفعل ال ُيعّد بحد ذاته جزًء ا من العاطفة‪ ،‬إال‬
‫أن الدافع هو كذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ال مشاعر سلبية‬

‫كثير من الناس يعّدون مشاعر كالخوف والغضب والحزن والشعور بالذنب والخجل مشاعر سلبية‪،‬‬
‫ولكن ال توجد مشاعر سلبية إذا اعتبرت كل المشاعر بوصفها إشارات أو رساًل تخبرنا أن شيًئا مهًّم ا‬
‫يحدث داخلنا‪.‬‬

‫وما يجعل المشاعر سلبية هو الطريقة التي نتعامل معها‪ ،‬والتفسير الذي نعطيه إياها‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫المثال‪ ،‬يتعامل معظم الناس مع المشاعر اآلتية بإحدى الطرق السلبية األربع‪:‬‬

‫‪ .1‬يحاولون تجنب الشعور بالعاطفة بالكامل (قمع)‪.‬‬


‫‪ .2‬يحاولون إنكار الشعور بالتظاهر بأنه ليس على تلك الدرجة العالية من السوء (تصغير)‪.‬‬

‫‪ .3‬يلومون شخًص ا آخر على جعلهم يشعرون بما يشعرون به‪.‬‬

‫‪ .4‬ينكرون شعورهم بإسقاط أنفسهم على شخص آخر‪.‬‬

‫وإن كل هذه الطرق األربع تمنعك من االستماع إلى اإلشارة التي ترسلها العاطفة‪ ،‬والتعلم من‬
‫العاطفة‪ ،‬واالستفادة من تلك المعرفة على الوجه األكمل لمصلحتك‪ ،‬واألكثر أهمية‪ ،‬هو أنه عندما‬
‫نحاول تجنب الشعور بعاطفة‪ ،‬فإننا ننكر جزًء ا مهًّم ا من أنفسنا‪ ،‬ونخاطر بفقدان االتصال بمن نحن‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التعلم عن نفسك من خالل عواطفك‬


‫مفتاح التعلم عن نفسك من خالل عواطفك هو تجربتها دون تثبيطها أو الحكم عليها أو تجنبها‬
‫بتشتيت انتباه نفسك‪ ،‬وهذا ما يسمى أنك متيقٌظ؛ فبداًل من محاربة العواطف أو عزلها‪ ،‬يمكنها أن‬
‫تساعدنا على اكتشاف المزيد عن حقيقتنا إن كنا متيقظين لها‪ ،‬وستساعدك الخطوات اآلتية على‬
‫تجربة مشاعرك بطريقة واعية‪:‬‬

‫• ابدأ بمجرد مالحظة مشاعرك‪ ،‬والحظ كيف تجعلك تشعر‪ ،‬والحظ ما يحدث في جسمك وأنت‬
‫تشعر بتلك المشاعر‪.‬‬

‫• ال تحكم على العاطفة بأنها جيدة أو سيئة‪.‬‬

‫• جرب مشاعرك بالكامل‪ ،‬واسمح لنفسك بأن تشعر بها على أنها موجة‪ ،‬تهزك يميًنا ويساًر ا‪،‬‬
‫وحاول أال تقمع األحاسيس أو تدفع العاطفة بعيًدا‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ال تتمسك بالعاطفة أو‬
‫تضخمها؛ فقط دعها تسري في عروقك كالموجة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫لماذا من المهم عدم الحكم على مشاعرنا؟‬


‫عندما نحكم على عواطفنا أنها سيئة‪ ،‬فإن النتيجة الطبيعية هي الشعور بالذنب والخجل والقلق و ‪ /‬أو‬
‫الغضب‪ ،‬وإن إضافة هذه المشاعر الثانوية تجعل بمنتهى السهولة الضيق أكثر حدة وال يطاق‪،‬‬
‫وغالًبا ما ستجد أنه يمكنك تحمل موقف مؤلم أو شعور مؤلم بشكل أحسن إذا امتنعت عن الشعور‬
‫بالذنب أو القلق حول اإلحساس بالشعور المؤلم في المقام األول‪ ،‬وفّكر في بعض الحاالت عندما‬
‫كنت تعاني من ردة فعل عاطفية ثانوية تجاه عاطفة أولية‪ ،‬مثل الغضب أو الشعور بالخجل ألنك‬
‫غضبت‪ ،‬أو أصبت باالكتئاب ألنك اكتأبت‪ ،‬ومن الذي سبب لك المزيد من األلم أو المتاعب ‪-‬‬
‫العاطفة األولية أم الثانوية؟‬
‫توضح القائمة اآلتية كيفية مالحظة المشاعر دون إصدار أحكام‪:‬‬

‫‪ .1‬بمنتهى السهولة راقب المشاعر ‪ -‬أين تشعر بها في جسدك؟ ما األحاسيس التي تثيرها؟ ‪ -‬من‬
‫دون أي نوع من الحكم أو التقييم على اإلطالق؛ امتنع عن وصفها بأنها (جيدة) أو (سيئة) أو‬
‫(لطيفة) أو (مؤلمة)‪.‬‬

‫‪ .2‬الحظ األفكار التي تدور في ذهنك وأنت تشعر بهذا الشعور واالرتباطات التي تربطك ب‪ ،‬وأِقّر‬
‫بالمفيدة‪ ،‬أو الصحية‪ ،‬ولكن ال تحكم عليها‪ ،‬وأِقّر بالضارة أو غير الصحية‪ ،‬ولكن ال تحكم عليها‪.‬‬

‫‪ .3‬الحظ اآلراء التي لديك حول هذا الشعور‪ ،‬وحول حقيقة أنك تشعر به‪ ،‬واطرح آراءك جانًبا‪،‬‬
‫بمنتهى السهولة جرب الشعور فقط‪.‬‬
‫‪ .4‬عندما تجد نفسك أنك تلقي أحكاًم ا‪ ،‬ال تحكم على حكمك؛ فقط توقف‪ ،‬وامِض قدًم ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إدراكك لمشاعرك يمكن أن يساعدك على تغييرها‬


‫على الرغم من وجود فرق بين إدراكك لمشاعرك والعمل على تغييرها‪ ،‬ستجد أن االثنين يسيران‬
‫جنًبا إلى جنب‪ ،‬وعندما تبدأ في التعرف إلى ما تشعر به في وقت محدد‪ ،‬ستكون أكثر استعداًدا وقدرة‬
‫على تغيير هذا الشعور‪.‬‬

‫وقد وجد جون ماير‪ ،‬عالم النفس بجامعة نيو هامبشاير والصائغ المشارك لنظرية الذكاء العاطفي‪،‬‬
‫أن الناس تميل إلى الوقوع في فئات مختلفة‪ ،‬عندما يتعلق األمر بعواطفهم والعناية بها‪:‬‬
‫• الواعون ذاتًّيا‪ .‬يدرك هؤالء الناس أمزجتهم وهم يمرون بها‪ ،‬وقد يكون وضوح عواطفهم‪ ،‬في‬
‫الواقع‪ ،‬هو األساس القابع تحت سمات الشخصية األخرى التي يمتلكونها مثل االستقاللية‪ ،‬وتأكيد‬
‫حدودهم‪ ،‬والصحة النفسية الجيدة‪ ،‬والميل إلى الحصول على نظرة إيجابية للحياة‪ ،‬وعندما يمرون‬
‫في مزاج سيئ‪ ،‬فهم ال يجترون األمر‪ ،‬ويصابون بالهوس حياله‪ ،‬وهم قادرون على الخروج منه في‬
‫وقت أقرب من الفئات األخرى‪ ،‬وباختصار‪ ،‬تيقظهم يساعدهم على إدارة عواطفهم‪.‬‬
‫• الغارقون‪ .‬غالًبا ما يغرق هؤالء الناس بعواطفهم‪ ،‬ويشعرون بالعجز للهروب منها‪ ،‬ويبدو األمر‬
‫كما لو كانت أمزجتهم هي التي تقودهم‪ ،‬فإنهم ال يدركون مشاعرهم تماًم ا‪ ،‬وفي الوقت نفسه يميلون‬
‫إلى أن يكونوا زئبقيين إلى حد ما (لألعلى واألسفل) ولقد ضاعوا في مشاعرهم بداًل من أن يكون‬
‫لديهم منظور ولو كان ضعيًفا‪ ،‬وألنهم يشعرون بأنهم ال يسيطرون على عواطفهم‪ ،‬ال يفعلون الكثير‬
‫في محاولة الهروب من األمزجة السيئة‪.‬‬

‫• المذعنون‪ .‬في حين أن هؤالء الناس غالًبا ما يكونون واضحين بشأن ما يشعرون به‪ ،‬فهم يميلون‬
‫أيًض ا إلى قبول أمزجتهم‪ ،‬وال يحاولون تغييرها‪ ،‬وهناك نوعان من نمط المذعنين‪ :‬األشخاص الذين‬
‫عادة ما يكونون في حالة مزاجية جيدة‪ ،‬ولذلك لديهم القليل من الدافع لتغييرها‪ ،‬والناس الذين هم‬
‫عرضة للحاالت المزاجية السيئة‪ ،‬ولكنهم يقبلونها على أي حال‪ ،‬وهي واضحة بالنسبة إليهم‪ ،‬وال‬
‫يفعلون شيًئا لتغيير مزاجهم‪ ،‬مهما كان سلبًّيا أو مؤلًم ا‪ ،‬وغالًبا ما يوجد هذا النمط من السلوك في‬
‫األشخاص المصابين باالكتئاب الذين استسلموا ليأسهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫امأل فراغك بـمشاعرك الخاصة‬


‫بسبب تدني احترامك لذاتك‪ ،‬فأنت‪ ،‬مثل كثير من الناجين اآلخرين من اإلساءة أو الحرمان‬
‫العاطفيين‪ ،‬فربما بحثت عن شيء ما خارج نفسك من أجل الشعور بالكمال والشعور بالقيمة‪ ،‬وربما‬
‫قد نظرت إلى الحب الرومانسي بوصفه حاًّل لمشاعرك بالنقص وعدم الكفاية‪ ،‬ولكن ال أحد سواك‬
‫يمكنه أن يكملك‪ ،‬أو يمأل فراغك‪ ،‬أو أن يمنحك إحساًسا بالقيمة‪.‬‬

‫وإذا منحت نفسك الوقت والمساحة للتعرف إلى نفسك ومشاعرك‪ ،‬ستجد أنه يمكنك ملء الفراغ‪،‬‬
‫طبقة في كل مرة‪ ،‬وفي كل مرة تسمح لنفسك بالشعور بشعور معين‪ ،‬وفي كل مرة تسمح لنفسك‬
‫بالتعبير عن إحساس بعينه‪ ،‬فأنت تمأل فراًغا خالًيا آخر بداخلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اكتشف جوهرك‬
‫إضافة إلى اكتشاف من أنت على المستوى الجسدي والعاطفي‪ ،‬عليك أن تكتشف أن هناك جانًبا آخر‬
‫منك ال يتعلق بخصائصك الجسدية‪ ،‬وال تحدده صفاتك العاطفية أو نوع الشخصية‪ ،‬فإنها تجربة من‬
‫أنت التي ليست نتيجة تاريخك وتكييفك‪ ،‬وال تتأثر بمعتقداتك أو آرائك‪ ،‬ويشار إلى هذا الجانب منك‬
‫في بعض األحيان بطبيعتك الحقيقية‪ ،‬أو كيانك‪ ،‬أو جوهرك؛ ألنه هو الطبيعة المطلقة لمن أنت‪،‬‬
‫ويشير الجوهر أيًض ا إلى ذلك الجزء منك الذي هو األكثر ديمومة وال يتغير؛ جزؤك األساسي في‬
‫تحديد من أنت‪.‬‬

‫وبشكل عام‪ ،‬نعّد أجسادنا وتاريخنا الشخصي‪ ،‬وتكويننا العاطفي أنها الجوانب األكثر تميًز ا والتي ال‬
‫تتغير في أنفسنا‪ ،‬فإنها التي تحددنا وتميزنا عن اآلخرين‪ ،‬ولكن حقيقة األمر‪ ،‬إنها فقط جزء مما نحن‬
‫عليه‪ ،‬وإنها تحدد فقط طبقتنا الخارجية‪.‬‬

‫وقد شكلت الرسائل السلبية التي تلقيتها من والديك (منطوقة أو غير منطوقة) طبقة عليا فوق‬
‫جوهرك‪ ،‬غالًبا تخفيه عن وعيك‪ ،‬ولكي تعيد االتصال بجوهرك‪ ،‬قد تحتاج إلى الحفر أسفل الرسائل‬
‫األبوية السلبية التي تلقيتها‪ ،‬وتحت الناقد الداخلي‪ ،‬وتحت حكمك على ذاتك‪.‬‬
‫وإليك كيف عّر ف بايرون براون‪ ،‬مؤلف الكتاب الرائع (روح بال خجل‪ :‬دليل لتحرير نفسك من‬
‫القاضي في الداخل)‪ ،‬الجوهر‪:‬‬

‫توجد طبيعة الروح الحقيقية أساًسا على أنها اآلن؛ فإنها طبيعة ال تعتمد على الماضي أو المستقبل‪،‬‬
‫وال تعتمد على تجربة أن تكون جسًدا مادًّيا‪ ،‬وكلما كان لديك إحساس بنفسك كروح‪ ،‬كنت أكثر‬
‫إدراًكا أن جوهرك حقيقة ال يحدده جسمك‪ ،‬وإنه ال ُيعّر ف بما تعلمته أو عرفته في الماضي‪ ،‬فمن‬
‫أنت شيء أكثر حميمية وفورية‪ ،‬وشيء أكثر غموًض ا وأصعب بكثير على التعريف‪ ،‬وأن تكون‬
‫مدرًكا لهذا األمر هو أن تبدأ باالنفتاح على الطبيعة الحقيقية للروح‪
،‬‬
‫وجودك اآلن في حياتك‪.‬‬

‫وفًقا لبراون‪ ،‬يتجلى الجوهر (أو الطبيعة الحقيقية) في كل شخص بشكل فريد‪ ،‬وهذا التفرد متأصل‬
‫فيمن أنت عند الوالدة‪ ،‬وال ُينجز‪ ،‬وال يمكن تدميره‪ ،‬وال يعتمد على مظهرك أو أي شيء تفعله أو‬
‫تحققه‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يمكنك أن تفقد االتصال مع طبيعتك الحقيقية‪ ،‬أو حتى أن تنسى أنه موجود‪ ،‬ولسوء‬
‫الحظ‪ ،‬هذا صحيح بالنسبة إلى الكثيرين ممن يقرؤون هذا الكتاب‪.‬‬

‫وإن اإليمان بوجود الجوهر يعني أنك تؤمن بامتالكك صفات أو قدرات تتجاوز تلك التي تعلمتها أو‬
‫غرسها فيك والداك ومقدمو الرعاية اآلخرون‪ ،‬ويقول براون في كتابه‪ :‬مع أن كثيًر ا من التعاليم‬
‫الروحية تتبنى مفهوم الروح الجوهر ‪ -‬إننا بوصفنا بشًر ا ال نبدأ الحياة كلوح أبيض أو قطعة من‬
‫الصلصال جاهزة للقولبة بتربيتنا ‪ -‬فأنت لست في حاجة إلى اإليمان بالمفهوم كي تستفيد من هذه‬
‫المعلومات واالتصال مع جوهرك‪.‬‬
‫ويتكون جوهرك أو طبيعتك الحقيقية مما يسمى صفاتك األساسية؛ صفات أساسية لما هو األصدق‬
‫في تجربة أن تكون إنساًنا‪ ،‬وتشمل هذه الصفات الصدق‪ ،‬والفرح‪ ،‬والرحمة‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والقوة‪،‬‬
‫والوعي‪ ،‬والسالم‪ ،‬فعلى سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬تقبع الصفات األساسية في مستوى أعمق من العادة‬
‫والتفضيل والتكييف المبكر‪ ،‬وتوجد دائًم ا بوصفها إمكانيات مدفونة في أعماق الالوعي عند كل‬
‫شخص‪.‬‬
‫وال تعتمد القيمة النهائية عمن تكون على سماتك ‪ -‬مظهرك الجسدي‪ ،‬أو معدل ذكائك‪ ،‬أو مواهبك‪،‬‬
‫أو نجاحك المادي ‪ -‬ولكن على الحقيقة المعجزة أنك موجود‪ ،‬وأنك في صميمك جيد وحكيم وقوي‬
‫أساًسا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬تكريم نفسك األساسية‬


‫‪ .1‬ابحث عن مساحة داخل نفسك ترمز إلى داخلك الخير وحكمتك وقوتك‪ ،‬وباستخدام صوتك‬
‫الداخلي‪ ،‬قل اسمك‪ ،‬وامأل المساحة بأكملها باسمك‪ ،‬وانطق اسمك بجرأة ومحبة‪ ،‬وتخيل أن اسمك‬
‫يعظم أهمية وجودك‪ ،‬واعلم أنه ال يوجد سوى شخص واحد منك؛ أي ال يوجد شخص آخر مثلك‪،‬‬
‫وأنك فريد من نوعه‪.‬‬

‫‪ .2‬امأل صدرك باسمك حتى تبدأ بالشعور بالحياة في الداخل‪ ،‬وذّكر نفسك أنك شخص غاٍل ‪ ،‬كما أن‬
‫كل شخص آخر ثمين‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أننا جميًعا في حاجة إلى الدعم من اآلخرين‪ ،‬إال أن المصدر الحقيقي لـتقديرك لذاتك‬
‫وقوتك يأتي من الداخل‪ ،‬وللوصول إلى قوتك‪ ،‬فأنت في حاجة إلى البقاء على اتصال مع نفسك‪،‬‬
‫وأنت في حاجة إلى تطوير عادة الذهاب إلى الداخل والتواصل مع قوتك وخيرك وحكمتك المتأصلة‬
‫فيك‪ ،‬وإن القيام بذلك خالل اليوم‪ ،‬وكل يوم‪ ،‬لن يساعدك فقط على رفع احترامك لذاتك‪ ،‬بل‬
‫سيساعدك أيًض ا على الشعور بمزيد من القوةواألمان الداخليين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫طرح صورتك الذاتية المثالية واحتضان من أنت حًّقا‬


‫عندما كنا أطفااًل تعلمنا ما هو مطلوب منا لنكون محبوبين ومقبولين من قبل والدينا‪ ،‬وكانت النتيجة‬
‫أننا أصبحنا ثابتين على إحساس مثالي‪ ،‬ولكن بإحساس بالذات مشوه‪ ،‬وتصبح هذه (الذات المثالية)‬
‫صورة داخلية لما ينبغي أن نؤمن به‪ ،‬لكي يكون كل شيء على ما يرام‪ ،‬ونكون محبوبين ومقبولين‬
‫ومقَّدرين‪ ،‬وتتضمن هذه الصورة الذاتية المثالية معايير شخصية للعمل‪ ،‬والفكر‪ ،‬والشعور‪،‬‬
‫والسلوك‪ ،‬والمظهر‪ ،‬واإلنجاز‪.‬‬
‫وإن أكبر صعوبة في السعي وراء صورتنا الذاتية المثالية هي أنها ال تعمل‪ ،‬فعلى الرغم من أن‬
‫السعي لتحقيق المثل األعلى بوصفك طفاًل ربما قد جلب لك موافقة الوالدين‪ ،‬إال أنه لم يفعل سوى‬
‫القليل لمنحك السالم الداخلي‪ ،‬وإن التوتر الناتج عن مقارنة نفسك باستمرار بالمثل األعلى مرهق‬
‫ومثير للقلق‪ ،‬وألنه من المستحيل الوصول إلى مثل أعلى‪ ،‬فنحن محكومون بالفشل‪ ،‬ونجد أنفسنا‬
‫دائًم ا ناقصين‪ ،‬أو عاجزين‪ ،‬أو ال نتمتع بقدر كاٍف من الخيرية‪ ،‬ويهيئ ذلك لمزيد من الخجل‬
‫والشعور بالذنب‪ ،‬ومع أن المثل العليا قد تكون جديرة‪ ،‬فإننا نحتاج في مرحلة ما إلى التساؤل عن كم‬
‫هي جيدة‪ ،‬عندما نستخدمها بوصفها وسيلة لرفض أنفسنا باستمرار‪.‬‬

‫حقائق األسبوع النفسية‬


‫• ال يطور أولئك الذين تعرضوا لإليذاء أو اإلهمال العاطفيين بوصفهم أطفااًل ‪ ،‬في كثير من األحيان‪،‬‬
‫صورة واضحة وغير مشوهة عن أنفسهم‪ ،‬وبإنشاء مجلة مرآة وصورة ذاتية‪ ،‬وإكمال أنشطة أخرى‬
‫مختلفة‪ ،‬يمكن للناجين الحصول على صورة أوضح عن أنفسهم‪ ،‬وما يحبون‪ ،‬وما يكرهون‪ ،‬وقيمهم‪،‬‬
‫وأهدافهم‪ ،‬وأحالمهم‪.‬‬

‫• يسقط اآلباء على أطفالهم مشكالتهم التي لم تحل بعد‪ ،‬ومن أجل الشفاء من الضرر الذي يسببه ذلك‬
‫لألطفال‪ ،‬ينبغي لألطفال البالغين رفض المرآة المشوهة التي وضعها آباؤهم عليهم‪ ،‬وإنشاء مرآة‬
‫جديدة تعكس بدقة أكبر من هم حقيقة‪.‬‬

‫• يميل أولئك الذين تعرضوا لإليذاء أو اإلهمال العاطفيين بوصفهم أطفااًل ‪ ،‬إما إلى الشعور بالخدر‬
‫تجاه مشاعرهم‪ ،‬ويشعرون بالضيق من قبلها‪ ،‬أو يشعرون باإلرهاق عندما تتراكم مشاعرهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪ :8 #‬قبول ذاتك األقل من



‫المثالية واحتضانها‬
‫‪ .1‬ارجع إلى وصف نفسك‪ ،‬والقائمة التي كتبتها في وقت سابق من هذا الفصل‪ ،‬وراجع وصفك‪ ،‬وقم‬
‫بعمل قائمتين‪ ،‬تضم األولى كل صفاتك اإليجابية‪ ،‬وقدراتك‪ ،‬ومواهبك ومجاالت النمو‪ ،‬وتضم القائمة‬
‫األخرى الصفات السلبية‪ ،‬وأشكال القصور‪ ،‬والعادات السيئة‪.‬‬
‫‪ .2‬اآلن اقرأ قائمة الصفات اإليجابية‪ ،‬وامأل نفسك منها‪ ،‬واسمح لنفسك أن تشعر بالفخر الذي يتأتى‬
‫من االعتراف بأنك تمتلك‪ ،‬حقيقة‪ ،‬هذه الصفات الجيدة‪.‬‬
‫‪ .3‬اقرأ قائمة الصفات السلبية أو األقل من الكمال‪ ،‬وحاول أن تكون محايًدا‪ ،‬وبمنتهى السهولة‬
‫اعترف بهذه الجوانب من نفسك دون أن تنتقد نفسك‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قل‪« :‬صحيح أنني أميل إلى‬
‫عدم التحلي بالصبر و النقد‪ ،‬وأنني أفتقر إلى الكثير من القدرة الرياضية»‪.‬‬

‫‪ .4‬حدد الصفات التي هي أقل من الكمال للعمل عليها‪ ،‬وتلك التي تحتاج إلى قبولها بمنتهى السهولة‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪« :‬أتمنى لو لم أكن أقل صبًر ا ونقًدا‪ ،‬وأنني أعمل على ذلك‪ ،‬وبالنسبة إلى ما أفتقره‬
‫من مقدرة رياضية‪ ،‬أعتقد أنني في حاجة فقط لقبول أنني لن أكون العًبا محترًفا»‪.‬‬
‫‪ .5‬ألِق نظرة أخرى على قائمتك التي تضم أفضل سماتك (حس الفكاهة لديك‪ ،‬وذكاءك‪ ،‬وكرمك‪،‬‬
‫وشجاعتك‪ ،‬وساقيك القويتين‪ ،‬وشعرك الالمع‪ ،‬وابتسامتك‪ ،‬وقدرتك على الرقص‪ ،‬وقدرتك على‬
‫التعاطف مع اآلخرين)‪ .‬واآلن اقرأ هذه القائمة بصوت عاٍل ‪ ،‬والحظ كيف تشعر عندما تقرأ القائمة‪،‬‬
‫وإذا شعرت بالخجل من صفاتك اإليجابية‪ ،‬حاول قراءة القائمة بصوت أقوى وأعلى‪ ،‬واشعر بفخر‪،‬‬
‫وأنت تقرأ كم أنت شخص عظيم!‬
‫‪ .6‬اختر عنصرين أو ثالثة عناصر ترغب في تعزيزها في نفسك‪ ،‬وابذل جهًدا مركًز ا لالعتراف‬
‫بهذه السمات و‪ /‬أو لتعزيز هذه السلوكات متى استطعت‪ ،‬وإن مدح نفسك أو مكافأتها في كل مرة‬
‫تصبح فيها على وعي بهذه السمات أو السلوكات‪ ،‬سيساعدك على رفع مستوى احترامك لذاتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 9‬تقديم ما فقدته لنفسك عندما كنت طفاًل‬

‫المفارقة العجيبة هي أنني عندما أقبل نفسي كما أنا‪ ،‬يمكنني أن أتغير‪.‬‬

‫كارل روجرز‬
‫‪Carl Rogers‬‬
‫التنشئة الذاتية تعني‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬صنع االلتزام بالتعاطف مع الذات‪.‬‬

‫جينفر لودين‬
‫‪Jennifer Louden‬‬
‫‪The Woman’s Comfort Book‬‬

‫الشعور أنني ذو قيمة ‪« -‬أنني شخص ذو قيمة» أساسي للصحة العقلية‪ ،‬وهو حجر الزاوية في ضبط‬
‫الذات‪ . . .‬ألنه عندما يعّد المرء نفسه ذا قيمة‪ ،‬سيهتم بنفسه بكل الوسائل الضرورية‪ ،‬واالنضباط‬
‫الذاتي هو رعاية الذات‪.‬‬
‫م‪ .‬سكوت بيك‬

‫‪M. Scott Peck‬‬


‫‪The Road Less Travelled‬‬

‫سنركز في هذا الفصل على كيفية مساعدتك لتزويدك بكثير من األشياء التي فاتتك عندما كنت طفاًل ‪،‬‬
‫وبالتحديد‪ :‬االنعكاس التعاطفي‪ ،‬ورعاية أبوية محببة‪.‬‬
‫يحتاج الرضع والدّر ج واألطفال‪ ،‬في سنوات تكوينهم‪ ،‬إلى خبرة قبول حقيقي؛ كي يصبحوا أشخاًص ا‬
‫بالغين سويين‪ ،‬ويجب أن يعرفوا أنهم موجودون في عيني والديهم حقيقة‪ ،‬وأنهم مثاليون ومحبوبون‬
‫في نظرهم أيًض ا‪ ،‬وأنهم في حاجة إلى التعثر‪ ،‬والسقوط أحياًنا كي ُيرحب بهم باهتمام أب أو أم‬
‫حنون‪ ،‬وبقبول الوالدين‪ ،‬يتعلم األطفال أن ذواتهم األساسية تستحق الحب‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬عندما‬
‫تكون المرآة التي نحدق فيها واضحة وغير مشوهة‪ ،‬نرى أنفسنا كما نحن حًّقا‪ ،‬ومع األسف إن‬
‫الذات الحقيقية لألطفال الذين رباهم آباء ناقدون أو نرجسيون أو ُم طاِلبون بإفراط مرفوضة من قبل‬
‫والديهم‪.‬‬
‫وفي عالم مثالي‪ ،‬كان آباؤنا أو مقدمو الرعاية األساسيون قلقين بصدق علينا إذا ما تعرضنا ألذى‪،‬‬
‫وكانوا يعتنون بجراحنا‪ ،‬ويتحدثون إلينا بنغمة ودودة‪ ،‬ويخبرونا بالكلمات واألفعال أنهم فهموا ما كنا‬
‫نمر به‪ ،‬ومن ثم توفير مرآة دقيقة‪ ،‬وكنا نشعر بالقبول والتفهم‪.‬‬

‫وعندما ُيعامل الطفل بوّد؛ أي عندما يفهم الوالدان بدقة‪ ،‬ويستجيبان برقة ألفكار الطفل ومشاعره‪،‬‬
‫فإنه يتعلم أنه يستحق الحب وجدير بالحياة‪ ،‬ويزداد تعاطف الطفل ورحمته بنفسه على قدم وساق‪،‬‬
‫وهو يعكس ما كشفه له العالم الخارجي عن قيمة نفسه‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬إذا لم يمنح الطفل هذا‬
‫االنعكاس التعاطفي‪ ،‬فال يشعر بأنه محبوب‪ ،‬وغير قادر على الشعور بمحبة نفسه‪ ،‬وفي هذا الفصل‪،‬‬
‫ستتعلم كيف تحب نفسك‪ ،‬وتقبلها كما هي حقيقة‪ ،‬وُتقدم هذا االنعكاس اإليجابي التعاطفي لنفسك‪.‬‬

‫ويحتاج األطفال أيًض ا إلى مزيج مما أسمته لوريل ميلين‪ ،‬مبتكرة برنامج الحلول والممر (أم داخلية‬
‫مستجيبة وودود) و)أب داخلي آمن وقوي) وستتعلم في هذا الفصل أيًض ا كيف تصبُح بنفسك األم‬
‫الراعية الودود‪ ،‬واألب الواضع للحدود‪ ،‬وعلى القدر نفسه من األهمية‪ ،‬سوف تتعلم كيفية تهدئة‬
‫نفسك بطرق صحية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف تقدم انعكاًسا تعاطفًّيا لنفسك؟‬


‫تكتب إيالن غولمب‪ ،‬مؤلفة كتاب (محاصرون في المرآة‪ :‬أطفال بالغون آلباء نرجسيين في كفاحهم‬
‫من أجل الذات)‪ ،‬وتكتب عن أهمية ما تشير إليه بـ (العين المستديرة)‪« :‬يحتاج كل األطفال إلى نظرة‬
‫مفيدة لما أسميه (العين المستديرة)؛ عين ال تركز على أجزاء من كياننا وتقييمها‪ ،‬وتنظر العين‬
‫المستديرة على كلنا من دون قيد أو شرط؛ وتمنحنا القبول‪ ،‬وتشفي الضرر الذي لحق بنا نتيجة‬
‫تربيتنا»‪.‬‬

‫وإذا تعرضت لإليذاء العاطفي‪ ،‬فمن المحتمل أنك نشأت تحت نظرة والديك المهملة أو الفاحصة‬
‫للغاية‪ ،‬وربما شعرت أحياًنا كما لو كنت حشرة تحت المجهر‪ ،‬وأنت تكبر تحت هذا النظام‪ ،‬وربما‬
‫شعرت في أوقات أخرى كأنك طفل مهجور في زاوية من زوايا البيت؛ ونتيجة لذلك‪ ،‬ربما تكون قد‬
‫تمثلت داخلًّيا البحث عن عيوبك‪ ،‬وبدأت مراقبة نفسك بطريقة نقدية ورافضة‪ ،‬ولقد حول تدقيق‬
‫والديك عفويتك إلى شلل‪ ،‬وبداًل من الشعور بالحرية الستكشاف العالم واكتشاف األشياء التي أحببت‬
‫القيام بها‪ ،‬تعلمت أن تضيق على نفسك كي تتخلص من نقد الوالدين‪ ،‬ومن أجل مواجهة هذه الميول‪،‬‬
‫وتصحيح صورتك الذاتية المشوهة‪ ،‬عليك العمل على قبول نفسك كما هي تماًم ا‪.‬‬

‫وإن النظر إلى نفسك بعين مستديرة هو النظر بعين الرحمة بداًل من الحكم على نفسك باستمرار‪،‬‬
‫وإليك بعض االقتراحات لتساعدك على أن تستبدل بعينك الناقدة واحدة عطوفة‪:‬‬
‫• عندما ترتكب خطأ أو تفشل في تحقيق هدف معين‪ ،‬فبداًل من السماح لناقدك الداخلي بتولي زمام‬
‫األمور وتوبيخك بال رحمة‪ ،‬قل لنفسك‪« :‬لقد بذلت قصارى جهدي» أو‪« :‬أنا فقط إنسان‪ ،‬واإلنسان‬
‫معرض للخطأ»‪ .‬وهذا ليس كما اختالق األعذار لسلوكك؛ فإنه مجرد اعترف رحيم بأننا يمكن أن‬
‫نفشل جميًعا‪ ،‬حتى عندما نبذل قصارى جهدنا‪ ،‬وستكون متحمًسا بشكل أكبر لمحاولة بذل المزيد في‬
‫المرة المقبلة‪ ،‬إذا تحدثت إلى نفسك بطريقة لطيفة ومتفهمة‪ ،‬مقارنة بما لو أنت مزقت احترامك‬
‫لذاتك‪.‬‬

‫• عندما ترتكب خطأ أو تفشل في تحقيق هدف معين‪ ،‬ذكر نفسك أن قيمتك ال تعتمد على إنجازاتك‪،‬‬
‫وذكر نفسك أن لديك قيمة متأصلة وقيمة؛ إنها ذاتك األساسية‪.‬‬

‫• عندما تفشل في تحقيق هدف‪ ،‬اسأل نفسك إن كان هدفك معقواًل ‪ :‬هل كانت أهدافك صعبة المنال إذا‬
‫ما أخذت في الحسبان من أنت اليوم وظروفك الحالية؟ غالًبا ما نضع أهداًفا‪ ،‬أو نتوقع من أنفسنا‬
‫أشياء ليست معقولة‪ ،‬فابدأ في وضع توقعات أكثر منطقية لـذاتك‪ ،‬وبداًل من وضع أهداف يستحيل‬
‫تحقيقها‪ ،‬ضع أهداًفا ممكنة‪ ،‬بحيث تعطي تقديرك لذاتك دفعة قوية عندما تصل إليها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إيجاد صوت داخلّي مغٍّذ‪ /‬راٍع (األمومة)‬


‫إحدى الطرق األساسية لتقديم انعكاس تعاطفي إيجابي لنفسك هي إيجاد صوت معزز داخلي‪ ،‬ويمكن‬
‫إليجاد صوت معزز داخلي أن يساعد على تليين وتوازن صورة الوالدين السلبية‪ ،‬وإنه مثل إعطاء‬
‫أنفسنا الوالد المستجيب الذي لم يحصل عليه الكثيرون منا‪.‬‬
‫كيف تصنع صوًتا داخلًّيا راعًيا؟ وكيف تستبدل صوًتا أكثر إيجابية واستجابة ليحل محل صوت‬
‫والديك الناقد المتمثل داخلًّيا؟ تماًم ا مثلما تحتاج إلى زرع البذور أو األبصال للحصول على حديقة‪،‬‬
‫تحتاج إلى غرس صوت معزز راٍع في نفسك‪.‬‬
‫‪ .1‬ابدأ الغوص في أعماق نفسك‪ ،‬وأنشئ بوعي اتصااًل حميمًّيا مع نفسك‪ ،‬فال يعرف الكثير من‬
‫الناس كيفية فعل ذلك؛ في حين يخشى بعضهم اآلخر أن يفعلوه؛ ألن حياتهم الداخلية تبدو وكأنها‬
‫مكان بارد غير جذاب‪ ،‬ويمكنك أن تبدأ ببساطة بسؤال نفسك‪« :‬كيف أشعر؟» قدر ما تستطيع في‬
‫اليوم‪ ،‬وقد تحتاج إلى حث نفسك على الذهاب إلى الداخل بأشكال تذكير مكتوبة مثل «تحقق من‬
‫نفسك» أو «كيف حالك؟»‪.‬‬
‫‪ .2‬قم بإحضار صوت داخلي ُم عزز‪ ،‬ولكنه قوي؛ صوت عميق مرتبط بقوة بالخير والحكمة‬
‫المتأصلة بداخلك (جوهرك) وإن بعض الناس قادرون على العثور على مثل هذا الصوت بسهولة‪،‬‬
‫بينما يواجه اآلخرون صعوبة أكبر‪ ،‬وإذا وجدت صعوبة في العثور على صوت معزز وراٍع‪َ ،‬تَبَّن‬
‫صوت شخص راٍع تعرفه‪ ،‬ولكنه قوي (معالجك‪ ،‬ممول‪ ،‬صديق محب)‪.‬‬
‫‪ .3‬كلما وجدت أنك تنتقد نفسك‪ ،‬أو أنك قاٍس على نفسك‪ ،‬قم بوعي بالتبديل إلى هذا الصوت األكثر‬
‫رعاية‪ ،‬وهذا مهم وال سيما لألشخاص الذين تعرضوا النتقادات شديدة من ِقبل والديهم‪ ،‬فإنهم في‬
‫حاجة إلى أن يستبدلوا بصوت الوالدين الناقد والسلبي‪ ،‬صوًتا داخلًّيا أكثر رعاية ورحمة‪.‬‬

‫‪ .4‬اجعل ذلك ممارسة لمنح نفسك بانتظام الفضل للتقدم الذي أحرزته‪ ،‬أو األشياء الجيدة التي‬
‫أنجزتها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إذا كنت تواجه صعوبة في تكوين صوت معزز‪ /‬راٍع‬


‫لقد قابلت لورين في وقت سابق من هذا الكتاب‪ ،‬ولم تكن والدتها سعيدة أبًدا بأي شيء فعلته‪ ،‬وعندما‬
‫كبرت لورين‪ ،‬اتخذت لسوء الحظ موقف والدتها النقدي‪ ،‬وتردد صدى صوت والدتها القاسي‬
‫بداخلها‪ ،‬وعندما بدأُت العمل مع لورين‪ ،‬طلبت منها أن تبدأ باالنتباه إلى الصوت الناقد بالداخل‪،‬‬
‫والبدء بأن تستبدل به صوًتا داخلًّيا أكتر تعزيًز ا ورعاية‪ ،‬ولكن لورين كانت تواجه صعوبة جمة في‬
‫فعل ذلك‪« :‬ال يمكنني العثور على صوت معزز‪ /‬راٍع؛ فإنني أسمع صوت والدتي فقط» والحًقا‬
‫أخبرتني أنها سمعت صوتي أحياًنا‪« :‬أحيانا أتساءل إن كان علي أن أفعل شيًئا‪ ،‬وسأسمع صوتك‬
‫يسألني إن كان القيام بذلك يعني االهتمام بنفسي‪ ،‬وفي أوقات أخرى‪ ،‬أسمعك تتحدثين إلي بطريقة‬
‫لطيفة‪ ،‬كما تفعلين عندما تعرفين أنني أتألم حًّقا» فاستخدمت لورين صوتي بوصفه صوتها المعزز‪/‬‬
‫الراعي؛ حتى يمكنها تطوير صوتها الراعي‪ ،‬ومن المقبول تماًم ا استخدام صوت شخص آخر‬
‫يجعلك تشعر بالحب واالهتمام والقبول‪ ،‬وربما حاولت أيًض ا استخدام الصوت الذي تستخدمه عندما‬
‫تتحدث إلى طفل أو حيوان أليف‪ ،‬وتظهر الدراسات الحديثة أن الصوت الحلو عالي النغمة هو‬
‫الصوت الذي أشُّد ما يستجيب له األطفال‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كن والداك الراعي لنفسك‬

‫إضافة إلى إنشاء صوت داخلي راٍع‪ /‬معزز‪ ،‬تحتاج أيًض ا إلى توفير الرعاية واالستجابة لنفسك التي‬
‫فاتتك وأنت طفل‪ ،‬فابدأ بالكتابة عما تعلمته عن الرعاية واالستجابة عندما كنت طفاًل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تمرين الكتابة‪ :‬تاريخك في الرعاية‬


‫‪ .1‬فكر في كيفية تلبية والديك الحتياجاتهما‪ ،‬وهل تعتقد أن والديك كانا مرتبطين بما شعرا به‬
‫عاطفًّيا‪ ،‬وما كانت احتياجاتهم الحقيقية فعاًل ؟ اكتب كيف شاهدت والديك وهما يعتنيان بنفسيهما أو‬
‫يعززان نفسيهما‪.‬‬

‫‪ .2‬فكر في كيفية رعاية والديك الحتياجاتك‪ ،‬وهل تعامل والداك معك كما لو كان لك الحق في تلبية‬
‫احتياجاتك؟ وهل شعرت بأن مشاعرك كانت مهمة لهما؟ اكتب إذا كنت تشعر بأن والديك كانا‬
‫متجاوبين أو قاسيين أو متسامحين تجاهك‪.‬‬

‫‪ .3‬فكر إن كان والداك قد علماك كيفية الرعاية بنفسك‪ ،‬وهل تحدث والداك معك حول كيفية العناية‬
‫بنفسك؟ وهل تحدثا معك عن تكريم مشاعرك واحتياجاتك؟ وهل علماك كيف تهدأ نفسك‪ ،‬وتريحها؟‬
‫‪ .4‬فكر في الطرق التي عززت بها نفسك وأنت بالغ‪ ،‬وهل تعرف ما تشعر به‪ ،‬وما الذي تحتاج إليه‬
‫في أي وقت؟ وهل أنت قادر على تهدئة نفسك وإراحتها من الداخل؟ وهل تميل إما إلى تدليل نفسك‬
‫أو تحرمها بداًل من االستجابة لها؟‬

‫حاجتك إلى البناء (األبوة)‬


‫على قدر أهمية إنشاء صوت داخلي مغٍّذ‪ /‬معزز‪ /‬راٍع (رمزية إلى األم الصحية)‪ ،‬من المهم أن توفر‬
‫لنفسك قيوًدا صحية (رمزية لألب القوي) وبينما تمثل األمهات الرعاية‪ ،‬يمثل اآلباء السالمة والبناء‬
‫والقيو‪ ،‬وتاريخًّيا‪ ،‬كانت األمهات مسؤوالت في المقام األول عن توفير الرعاية ألطفالهن‪ ،‬وكان دور‬
‫األب هو توفير التأديب (ومن هنا أتت الرسالة‪« :‬فقط انتظر حتى يعود أبوك إلى المنزل» من قبل‬
‫كثير من األمهات)‪.‬‬

‫إذا لم يكن والداك قادرين أو راغبين في رعايتك بشكل صحيح‪ ،‬ربما لم يكونا جيدين في وضع‬
‫القيود أيًض ا‪ ،‬ومن دون حدود وتوقعات واضحة‪ ،‬قد تشعر باالرتباك‪ ،‬والضياع‪ ،‬والعجز‪ ،‬أو فقدان‬
‫األمان‪ ،‬وقد ُو ِج د أن األطفال الذين لم يتلقوا حدوًدا مناسبة وإرشاًدا أخالقًّيا‪ ،‬يميلون إلى أن يصبحوا‬
‫إما مندفعين وعدوانيين أو خائفين وسلبيين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫االستبيان‪ :‬حدودك‪ /‬قيودك‬


‫‪ .1‬هل كان لدى والديك توقعات معقولة منك‪ -‬ليست قاسية جًّدا وال سهلة جًّدا؟‬
‫‪ .2‬هل أبلغاك بتوقعاتهما بوضوح‪ ،‬أم كانت لعبة تخمين مستمرة لمحاولة معرفة ماذا كانت‬
‫توقعاتهما؟‬

‫‪ .3‬هل يميل والداك إلى االمتناع عن حرمانك أو تدليلك بشكل مفرط؟‬


‫‪ .4‬هل كان والداك قدوة جيدة فيما يتعلق بإعداد قيود شخصية على نفسيهما؟‬
‫‪ .5‬هل شاهدت أحد والديك أو كليهما بشكل متكرر يفرطان في تناول الطعام‪ ،‬والعمل بجد‪،‬‬
‫والتسوق‪ ،‬أو يفرطان في أي عمل آخر؟‬
‫‪ .6‬هل شاهدت أحد والديك أو كليهما بشكل متكرر يحرم نفسه أو نفسها من التغذية السليمة‪ ،‬أو النوم‬
‫أو الراحة الكافية أو االستجمام؟‬
‫‪ .7‬هل تحدث والداك معك في أي وقت عن وضع حدود على نفسك؟‬

‫‪ .8‬هل تحدث والداك معك عن توقعات معقولة عن نفسك؟‬


‫‪ .9‬هل لديك توقعات معقولة عن نفسك اليوم؟‬
‫‪ .10‬هل تميل إلى تجنب حرمان نفسك أو تدليلها بشكل مفرط؟‬
‫إذا كان والداك غير قادرين على وضع حدود صحية لسلوكك‪ ،‬سوف تميل إلى أن تكون إما سهاًل‬
‫جًّدا أو صعًبا جًّدا على نفسك‪ ،‬وقد تكون قاسًيا جًّدا مع نفسك‪ ،‬وتتوقع الكثير‪ ،‬بحيث ال يوجد متسع‬
‫كبير في حياتك من أجل المتعة‪ ،‬أو قد يكون العكس صحيًح ا‪ ،‬ومن ثم قد تكون سهاًل جًّدا على نفسك‪،‬‬
‫بحيث إنك تخذل نفسك أو اآلخرين‪ ،‬وربما أصبحت مثالًّيا‪ ،‬دافًعا بنفسك إلى ما وراء الحدود البشرية‬
‫العادية‪ ،‬ومرهًقا نفسك بال رحمة‪ ،‬أو قد تفعل العكس‪ ،‬وتتردد في القيام باألفعال‪ ،‬وتماطل كلما كان‬
‫لديك مهمة للقيام بها‪ ،‬أو تميل إلى التخلي عن المشاريع بداًل من تنفيذها‪.‬‬
‫إذن كيف يمكنك إنشاء أب داخلي قوي واضع للقيود؟ كيف تبدأ في توفير حدود صحية لنفسك؟‬

‫كي يضع الوالد قيوًدا فعالة على الطفل‪ ،‬يجب عليه مراقبة طفله والتعرف إليه بحميمية‪ ،‬ويجب أن‬
‫يكون قادًر ا على تحديد متى يحتاج الطفل إلى التوجيه‪ ،‬ومتى يحتاج إلى مساحة لتعلم دروسه‪،‬‬
‫ويجب أن يكون قادًر ا على تحديد متى يجب قول‪« :‬ال» للطفل‪ ،‬ومتى يحتاج إلى غض الطرف قلياًل‬
‫عن تصرفاته‪ ،‬وسوف تحتاج إلى القيام بالشيء نفسه بالنسبة إليك‪ ،‬وهذا يعني أنك ستحتاج إلى‬
‫مراقبة نفسك باستمرار؛ بمراقبة عواطفك وسلوكك لتكتشف متى تحتاج إلى وضع حدود على نفسك‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬عليك أن تنتبه لنفسك؛ كي تعرف متى تحتاج إلى سماع صوت معزز‪ ،‬ومتى تريد‬
‫أن تسمع صوت تحديد الحد‪ ،‬وبخالف ذلك‪ ،‬سوف تكون صعًبا جًّدا على نفسك‪ ،‬عندما تحتاج حًّقا‬
‫إلى التشجيع‪ ،‬أو أن تكون سهاًل جًّدا على نفسك عندما تحتاج إلى إيجاد بعض الحدود أو البناء‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا كنت تميل إلى السهر إلى وقت متأخر جًّدا في الليل‪ ،‬ثم تشعر باإلرهاق‬
‫صباًح ا‪ ،‬فأنت ال تضع حدوًدا مناسبة لـنفسك‪ .‬إذن كيف ستشرع تغير ذلك؟ الخطوة األولى هي‬
‫مالحظة السلوك وعواقبه‪ ،‬وضع مالحظة في مذكراتك االنعكاسية حول ما تشعر به في الصباح‪،‬‬
‫وخالل النهار كله‪ ،‬عندما تبقى مستيقًظا إلى وقت متأخر جًّدا من الليل‪.‬‬

‫وتتمثل الخطوة المقبلة في االلتزام بتغيير السلوك‪ ،‬حتى لو كان قلياًل في كل مرة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫التزم بالنوم قبل خمس عشرة دقيقة فقط لمدة أسبوع واحد عن الموعد السابق‪ ،‬وفي األسبوع المقبل‪،‬‬
‫التزم بالذهاب إلى الفراش قبل خمس عشرة دقيقة أخرى‪ ،‬وضع في دفتر يومياتك مالحظة بأي‬
‫تحسينات في مستوى طاقتك أو مزاجك قد الحظتها مع كل تغيير لمدة خمس عشرة دقيقة قمت به‪،‬‬
‫واستمر في هذه العملية حتى تكون قد غيرت موعد نومك إلى شيء معقول وصحي لك‪.‬‬

‫قد يكون صعًبا جًّدا استيعاب مفهوم أن وضع الحدود على الذات يمكن أن يكون شيًئا محبًبا ومعزًز ا‬
‫للقيام به‪ ،‬وهذا صحيح وال سيما عندما تشعر بأن الحدود دائًم ا تعني الحرمان‪ ،‬أو عندما يضع اآلباء‬
‫قيوًدا بوصفها عقاًبا‪ ،‬ولكن كما وضح اقتباس م‪ .‬سكوت بيك في بداية الفصل‪« :‬االنضباط الذاتي هو‬
‫رعاية الذات» وإَّن طريقة أخرى لقول الشيء نفسه‪« :‬وضع الحدود يساوي الحب»‪ .‬وإذا كان‬
‫بوسعك تذكير نفسك بذلك باستمرار‪ ،‬سوف يساعدك ذلك على التغلب على مقاومتك للحدود‪ ،‬وإذا‬
‫كنت ال تزال تواجه صعوبات في تعلم كيفية وضع الحدود وال سيما إذا كنت تعاني من مشكالت‬
‫إدمان مثل اإلدمان القهري في اإلفراط في تناول الطعام أو تعاطي الكحول‪ ،‬أوصي بشدة بـبرنامج‬
‫الحلول الذي ابتكرته لوريل ميلين‪ ،‬وللمزيد من المعلومات عن البرنامج‪ ،‬راجع (العالجات الموصى‬
‫بها) في الملحق‪.‬‬

‫وطريقة أخرى للعمل على وضع حدود على نفسك هي عمل الطفل الداخلي‪ ،‬فراجع الفصل الحادي‬
‫عشر لمزيد من المعلومات حول ذلك‪.‬‬

‫إن وضع توقعات معقولة لنفسك‪ ،‬التي ناقشناها مسبًقا‪ ،‬هو جانب مهم آخر إليجاد أب داخلي قوي‪،‬‬
‫وسيساعدك برنامج الحلول أيًض ا على تعلم وضع توقعات معقولة لنفسك‪ ،‬وإذا لم يكن لديك توقعات‬
‫معقولة عن نفسك‪ ،‬ليست قاسية جًّدا وال متساهلة جًّدا‪ ،‬سينتهي بك المطاف إما أن تهيئ نفسك لتشعر‬
‫بخيبة أمل في نفسك (ومن ثم ستقوم بتنشيط صوتك الداخلي الناقد)‪ ،‬أو لن تتخذ أفعااًل من شأنها أن‬
‫تسمح لك بالوصول إلى إمكاناتك الحقيقية‪.‬‬
‫ويمكن الوصول إلى توقع معقول إذا ما أخذت في الحسبان تاريخك‪ ،‬وحاضرك‪ ،‬ومن أنت اليوم‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬من المعقول إذا ما ُأخذ تاريخك في التعرض لإليذاء العاطفي في الحسبان‪ ،‬فقد‬
‫تعاني من تدٍّن في احترام الذات‪ ،‬وناقد داخلي قوي‪ ،‬وبعض الخجل غير الصحي‪ ،‬وإنه لمن غير‬
‫المعقول‪ ،‬إذا ما ُأخذ تاريخك في الحسبان‪ ،‬توقع أنك ستكون قادًر ا على التغلب على اآلثار السلبية‬
‫لإلساءة العاطفية بين عشية وضحاها‪ ،‬ولكن من المعقول توقع أنه بقراءة هذا الكتاب والقيام‬
‫بالتمارين‪ ،‬أنك قد تكون قادًر ا على التغلب على الكثير من الضرر الذي عانيت منه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬توقعاتك عن نفسك‬


‫• ضع قائمة بالتوقعات أو األهداف التي لديك لنفسك‪.‬‬

‫• راجع هذه القائمة‪ ،‬وحدد أًّيا من هذه التوقعات تبدو معقولة (بمعنى أنك قادر على تنفيذ هذه‬
‫التوقعات‪ ،‬بالنظر إلى من أنت اليوم‪ ،‬وظروفك الحالية)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إيجاد التوازن في حياتك‬


‫يميل حتى أكثر اآلباء مساعدة وتفهًم ا إلى االفتقار إلى الشعور بالتوازن عندما يتعلق األمر بأسلوب‬
‫األبوة واألمومة‪ ،‬فإما أنهم يميلون إلى الصرامة والحرمان‪ ،‬أو التراخي والتساهل‪ ،‬ويمكن تتبع سبب‬
‫أنماط األبوة واألمومة هذه بالعودة إلى تربية الوالدين (على سبيل المثال‪ ،‬كان والداهم مخنوقين‬
‫عاطفًّيا‪ ،‬و)مندمجين) مع طفلهم أم كان والداهم بعيدين عنهم بشكل مفرط و)منفصلين)»‪ .‬وكما تذكر‬
‫لوريل ميلين في كتابها بعنوان‪ :‬الممر‪ :‬اتبع الطريق للصحة والسعادة‪« :‬هذه األنماط محفورة في‬
‫دماغ الشعور‪ ،‬في وقت مبكر من الحياة‪ ،‬ومن ثم تميل إلى االنتقال من جيل إلى آخر»‪.‬‬
‫والحرمان والتساهل هما في الواقع وجهان للعملة نفسها‪ ،‬ويميل اآلباء الذين تعرضوا للحرمان‬
‫أنفسهم عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬إما إلى حرمان أطفالهم‪ ،‬أو أن يفرطوا في التساهل تجاه أطفالهم نتيجة‬
‫تصميمهم على عدم ارتكاب أخطاء والديهما‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أن تصبَح والدك المستجيب‬


‫وتوضح لوريل ميلين في برنامجها (الهدف هو إيجاد توازن بين الطرفين) أال تكون حازًم ا وال‬
‫متساهاًل تجاه نفسك‪ ،‬وتسمى هذه النقطة الوسطى بـ (االستجابة) والوالد المستجيب يدرك تماًم ا‬
‫احتياجات طفله‪ ،‬فإنه منتبه لطفله‪ ،‬ولديه الرغبة في تلبية احتياجاته بمجرد اكتشاف ماهيتها‪ ،‬فاألم ال‬
‫تغير حفاظات طفلها‪ ،‬عندما يكون باكًيا بسبب جوعه‪ ،‬وإنها ال تحاول إطعام طفلها‪ ،‬عندما يكون ما‬
‫ًّق‬
‫يحتاج إليه حًّقا هو حمله على صدرها‪ ،‬وعندما يكتشف والد مستجيب حاجات طفله الحقيقة‪ ،‬ويلبيها‪،‬‬
‫فهو ليس في حاجة إلى تدليل الطفل للتعويض عن أي إهمال من جانبه‪ ،‬فاألم تعرف أنها كانت‬
‫تستجيب الحتياجات طفلها الحقيقية‪ ،‬ومن ثم ال تعاني من الشعور بالذنب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف أعرف ماذا أحتاج إليه؟‬


‫غالًبا ال يعرف البالغون الذين تعرضوا لإلهمال أو سوء المعاملة العاطفيين كيف يعتنون بأنفسهم؛‬
‫ألن آباءهم غالًبا ما تجاهلوا احتياجاتهم‪ ،‬فالناجون البالغون غالًبا ما يستمرون في تجاهلها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬حاجاتنا األساسية‬


‫ألِق نظرة فاحصة على القائمة اآلتية من الحاجات األساسية‪ ،‬وفكر في عدد المرات التي توفر هذه‬
‫الحاجات لنفسك‪:‬‬
‫• الجوع ‪ -‬تعطي نفسك طعاًم ا صحًّيا تأكله‪.‬‬
‫• العطش ‪ -‬تعطي نفسك الكثير من الماء‪ ،‬وليس الكوال الدايت‪ ،‬أو مشروبات سكرية‪.‬‬

‫• النوم ‪ -‬تذهب إلى الفراش في وقت معقول‪ ،‬وال تأكل قبل الذهاب إلى النوم أو تتناول أي منبهات‪.‬‬
‫• الرفقة ‪ -‬ال تسمح لنفسك بالبقاء منعزاًل ‪ ،‬فتتواصل عندما تكون وحيًدا‪.‬‬

‫• الجنس ‪ -‬توفر لنفسك منافذ صحية لممارسة الجنس أيًض ا‪ ،‬بحيث ال تحرم نفسك‪ ،‬أو تصبح‬
‫مهووًسا جنسًّيا‪.‬‬
‫• التحفيز ‪ -‬تشارك في األنشطة التي تحفز عقلك وجسمك وروحك‪.‬‬

‫• االتصال الروحي ‪ -‬تشبع حاجتك إلى التأمل‪ ،‬والشكر أو الصالة أو الطقوس أو أي نوع آخر من‬
‫الروحانيات التي تحتاج إليها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫االتصال بين الحاجات والمشاعر‬

‫تتمثل إحدى طرق اكتشاف احتياجاتك في أي وقت في التحقق من مشاعرك‪ ،‬وستخبرك بما تحتاج‬
‫إليه إن أنت أصغيت لها بدقة‪ ،‬وسيساعدك التمرين اآلتي‪ ،‬المعتمد على عملية لوريل ميلين في‬
‫برنامج الحلول عندها على تحقيق هذا االتصال المهم (راجع الملحق في نهاية هذا الكتاب)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬المشاعر واالحتياجات‬


‫‪ .1‬تحقق من نفسك مرات عدة يومًّيا بالغوص في الداخل‪ ،‬واسأل نفسك عما تشعر به‪.‬‬
‫‪ .2‬عندما تجد شعوًر ا‪ ،‬ابحث عن الحاجة المناظرة له‪ ،‬واسأل نفسك‪« :‬إلى ماذا أحتاج؟» غالًبا ما‬
‫تكون اإلجابة‪« :‬أشعر بشعوري‪ ،‬وأتركه يتالشى» وأجب بأبسط طريقة بداًل من الخلط بين المشكلة‬
‫وتفاصيل وتعقيدات كثيرة جًّدا‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا كنت جائًعا‪ ،‬فأنت في حاجة إلى غذاء‪ ،‬وعندما‬
‫تشعر بالذنب‪ ،‬عليك أن تعتذر‪.‬‬
‫‪ .3‬قد يتطلب األمر محاولة احتياجات عدة قبل أن تجد الحاجة الصحيحة بالنسبة إليك‪ ،‬وقد يكون‬
‫لديك أيًض ا احتياجات عدة مرتبطة بشعور واحد‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قد تشعر بالوحدة‪ ،‬وقد تكون‬
‫حاجتك إلى االتصال بصديق‪ ،‬للحصول على عناق من شريك حياتك‪ ،‬أو للتواصل مع نفسك‪.‬‬
‫‪ .4‬كن في حالة تأهب لألجوبة التي ليست مستجيبة لك‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪« :‬أشعر بالحزن»؛‬
‫«أحتاج إلى بعض الحلوى»؛ «أشعر بالغضب»؛ «أنا في حاجة إلى َض ربِه » استفد من حكمتك‬
‫المتأصلة‪ ،‬واسترِخ في إجابة أكثر منطقية تعتني بنفسك‪ ،‬واسأل نفسك‪« :‬حسًنا‪ ،‬ما الذي أحتاج إليه‬
‫حًّقا؟» فعلى سبيل المثال‪« ،‬للتعبير عن نفسي (أكتب‪ ،‬أغني)‪ ،‬ولممارسة الرياضة (المشي‪،‬‬
‫الحركات البدنية)‪ ،‬ولتطوير خطة للتعلم منها (سأفعل في المرة القادمة‪.»)...‬‬
‫‪ ‬‬

‫تقييم الرعاية الذاتية‬


‫تشير األسئلة اآلتية إلى قدرتك على رعاية نفسك ووضع حدود‪ ،‬فاكتب (صواب) أو (خطأ) بجوار‬
‫كل رقم‪:‬‬
‫‪ .1‬أنا على دراية بما أشعر به في أي وقت‪.‬‬

‫‪ .2‬أنا ال أشعر بأحاسيسي منذ مدة طويلة‪.‬‬


‫‪ .3‬أنا قادر على التعرف إلى حاجاتي وتلبيتها‪.‬‬

‫‪ .4‬ال أستطيع التعرف إلى احتياجاتي؛ لذا ال يمكنني تلبيتها‪.‬‬


‫‪ .5‬أنا قادر على طلب المساعدة من اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .6‬أظل منعزاًل عن اآلخرين‪ ،‬وال أستطيع طلب المساعدة‪.‬‬
‫‪ .7‬أنا قادر على وضع توقعات معقولة (ليست قاسية جًّدا‪ ،‬وال سهلة جًّدا)‪.‬‬

‫‪ .8‬غالًبا ما تكون التوقعات التي أرسمها لنفسي ليست بالقاسية جًّدا‪ ،‬وال السهلة جًّدا‪.‬‬
‫‪ .9‬أنا مدرك بوجود مكان آمن بداخلي‪.‬‬

‫‪ .10‬أشعر بالفراغ والخدر أو ضياع الكثير من الوقت‪.‬‬


‫‪ .11‬صوتي الداخلي معزز ودافئ‪.‬‬

‫‪ .12‬صوتي الداخلي ناقد ومتطلب‪.‬‬


‫‪ .13‬عندما تصبح الحياة صعبة‪ ،‬أهدئ نفسي من الداخل‪.‬‬
‫‪ .14‬عندما تكون الحياة صعبة‪ ،‬أهدئ نفسي بالطعام أو الكحول أو المخدرات‪ ،‬أو حلول خارجية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ .15‬أستطيع أن أشعر بألم الماضي‪ ،‬وأتركه يمضي بهدوء‪.‬‬
‫‪ .16‬أستبعد مشاعري السيئة عن الماضي‪.‬‬

‫‪ .17‬أنا نشيط بدنًّيا‪.‬‬


‫‪ .18‬أنا لست نشيًطا بدنًّيا‪.‬‬
‫‪ .19‬أتبع نظاًم ا غذائًّيا صحًّيا‪.‬‬
‫‪ .20‬ال أتناول نظاًم ا غذائًّيا صحًّيا‪.‬‬

‫‪ .21‬آخذ الوقت الكافي الستعادة جسدي وعقلي وروحي‪.‬‬


‫‪ .22‬أواصل دفع نفسي ألفعل‪ ،‬وأفعل‪ ،‬وأفعل‪.‬‬

‫إذا كانت إجاباتك في الغالب (ال) عن األسئلة ذات األرقام الفردية‪ ،‬وفي الغالب (نعم) بالنسبة إلى‬
‫األسئلة ذات األرقام الزوجية‪ ،‬فليس بوسعك رعاية نفسك‪ ،‬أو وضع حدود بشكل جيد للغاية‪ .‬ألن‬
‫الناجين من اإلساءة أو اإلهمال العاطفي غالًبا ما يكونون منفصلين عن مشاعرهم أو ال يحسون بها‪،‬‬
‫وربما ال تعرف ما هي احتياجاتك في الواقع في أي وقت بعينه‪ ،‬وقد ال تطعم نفسك عندما يحتاج‬
‫جسمك إلى وقود؛ ألنك مخدر لمشاعر الجوع‪ ،‬وقد ال تسمح لنفسك بالبكاء أو البحث عن شخص‬
‫للتحدث معه؛ ألنك ال تعلم متى تشعر بالحزن أو الوحدة‪.‬‬
‫إذا كانت حاجتك األساسية المتعلقة بالرعاية والحدود والحماية والدعم لم يحققها والدان مهمالن أو‬
‫مهتمان بنفسيهما فقط‪ ،‬ستعاني من وقت صعب في معرفة كيفية تلبية هذه االحتياجات اآلن‪ ،‬ويبدو‬
‫األمر كما لو كان هناك قطع اتصال بداخلك بين ما تحتاج إليه وما توفره لنفسك‪ ،‬ويحتاج الطفل إلى‬
‫تلقي الحب حتى يشعر به‪ ،‬وهذا يشمل حب الذات‪ ،‬وإذا كنا ال نحب أنفسنا‪ ،‬فلن نكون متحمسين‬
‫لالعتناء بأنفسنا‪ ،‬وغالًبا ما ينظر أولئك الذين أهملوا أو تعرضوا لإليذاء العاطفي باستغراب إلى‬
‫اآلخرين المتحمسين لالعتناء بأنفسهم‪ ،‬فـ «من أين يحصلون على الدافع؟» نسأل أنفسنا‪« ،‬لماذا‬
‫يهتمون كثيًر ا بصحتهم أو كيف يبدون؟» فندرك بشدة أن هناك شيًئا مفقوًدا فينا؛ شيًئا ُيوجد نوًعا من‬
‫الدافع من شأنه أن يجعل أحدهم يقول‪ :‬ال‪ ،‬لقطعة من الحلوى‪ ،‬وهذا النوع من التحفيز لالستيقاظ في‬
‫الساعة السادسة صباًح ا للوصول إلى صالة األلعاب الرياضية قبل الذهاب إلى العمل‪ ،‬نوع الدافع‬
‫الذي من شأنه أن يساعد شخًص ا ما على ترك شريك مسيئ‪ ،‬والشيء المفقود هو حب الذات‪.‬‬

‫يهتم اآلخرون بأجسادهم‪ ،‬ولكنهم ال يهتمون بمشاعرهم أو أرواحهم‪ ،‬فيمكنهم قضاء ساعات‬
‫يمارسون تمارين مختلفة في صالة األلعاب الرياضية‪ ،‬ولكن ليس حتى خمس دقائق للتحقق من‬
‫شعورهم‪ ،‬ويمكنهم قضاء عطلة نهاية األسبوع في الجري‪ ،‬أو ركوب الدراجات أو التسلق‪ ،‬ولكن ال‬
‫يقضون لحظة بمفردهم لالتصال بأرواحهم‪ ،‬أو يكرسون الكثير من الوقت قلقين حول كيف يبدون‬
‫خارجًّيا‪ ،‬لدرجة أنهم يفقدون من هم في داخلهم‪.‬‬
‫وال يهتم بعض البالغين الذين تعرضوا لإلهمال أو اإلساءة العاطفية بأنفسهم؛ ألنهم ال يشعرون بأنهم‬
‫يستحقونها‪ ،‬ويميل األطفال إلى لوم اإلهمال وسوء المعاملة التي يتعرضون لها على أنفسهم‪ ،‬حيث‬
‫يقولون في جوهرهم ألنفسهم‪« :‬أمي تعاملني بهذه الطريقة؛ ألنني كنت سيًئا» أو «يتم إهمالي؛ ألنني‬
‫غير محبوب» ويميل الناجون البالغون إلى مواصلة هذا النوع من التبرير‪ ،‬معتقدين أنهم مسؤولون‬
‫عن حرمانهم وسوء معاملتهم عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬وبوصفهم بالغين يتحملون سوء المعاملة من‬
‫األصدقاء واألقارب والشركاء الرومانسيين؛ ألنهم يؤمنون بأنهم جلبوها على أنفسهم‪ ،‬وعندما تحدث‬
‫أشياء جيدة لهم‪ ،‬قد يصبحون في الواقع غير مرتاحين‪ ،‬فإنهم يشعرون بانحطاط القيمة لدرجة أنه ال‬
‫يمكنهم تقبل األشياء الجيدة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬لماذا ال تعتني بنفسك بشكل أفضل؟‬


‫• اكتب األسباب التي تجعلك تعتقد أنها السبب وراء عدم اعتنائك بنفسك بشكل أفضل‪.‬‬

‫• ضع قائمة بكل الطرق التي تحرم بها نفسك من الرعاية‪ ،‬والدعم والحماية‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫َتَعُّلم كيفية تهدئة نفسك بطرق صحية‬


‫جانب آخر من جوانب الرعاية الذاتية هو القدرة على تهدئة نفسك‪ ،‬حيث تتفاعل األم المستجيبة‬
‫بسرعة لبكاء طفلها‪ ،‬فتحمله‪ ،‬وتهدئه بصوت لطيف ولمسة ناعمة‪ ،‬فإنها تتأكد مما يحتاج إليه الطفل‪،‬‬
‫سواء كان طعاًم ا‪ ،‬أو تغييًر ا للحفاظات‪ ،‬أو لمجرد حمله وتلطيف مزاجه‪ ،‬ويعّد هذا رد فعل تعاطفًّيا‪،‬‬
‫ما يجعل الطفل يشعر باألمان والطمأنينة‪ ،‬ومن تجارب كهذه‪ ،‬يتعلم األطفال بطريقة عميقة غير‬
‫واعية أنه بوسعهم الحصول على ما يحتاجون إليه‪ ،‬عندما يحتاجون إليه‪ ،‬وسيكون كل شيء على ما‬
‫يرام‪ ،‬وهذه التجربة الالواعية المتمثلة في معرفة أنه سيتم الرد عليهم بشكل مناسب‪ ،‬وأن كل شيء‬
‫سيكون على ما يرام ُتترجم إلى قدرة على تهدئة النفس‪.‬‬
‫ودعونا اآلن نتخيل رضيًعا آخر وأًّم ا أخرى‪ ،‬ففي هذه المرة‪ ،‬األم مشتتة ونافدة الصبر‪ ،‬وإن عجز‬
‫طفلها وتلبية احتياجاته الفورية تثير مخاوفها وشعورها الهش بـالذات‪ ،‬وبداًل من االستجابة بهدوء‬
‫وثقة‪ ،‬تتصرف بقلق ونفاد الصبر‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهي ترسل رسالة لطفلها (غير شفوية) أن األشياء ليست‬
‫آمنة‪ ،‬فبداًل من الشعور بالراحة نتيجة استجابة مهدئة‪ ،‬يشعر الطفل بمزيد من القلق‪ ،‬وكلما زاد‬
‫حزنه‪ ،‬ازدادت أمه حزًنا‪ ،‬وحتى الطعام أو الحفاظات النظيفة ال يمكنهما تهدئته؛ ألنه مثقل بنوعية‬
‫رعاية والدته‪.‬‬
‫وإذا عاملت هذه األم طفلها باستمرار بهذه الطريقة أو بأي طرق أخرى أقل رعاية (مثل تركه‬
‫بمفرده مدًدا طويلة من الزمن أو تلقي ردود ال يمكن التنبؤ بها)‪ ،‬من المحتمل أن ينمو إلى شخص‬
‫بالغ غير قادر على تهدئة نفسه بفعالية‪ ،‬وقد يشعر بعدم التوازن ومتضايق كلما كان في موقف‬
‫صعب أو غير متأكد من النتائج‪ ،‬ومن خالل هذه التجارب المبكرة‪ ،‬من المحتمل أن يطور التوقع أن‬
‫األمور لن تكون على ما يرام‪ ،‬وأنه لن يستطيع تلبية احتياجاته‪ ،‬وأن العالم مكان غير آمن‪ ،‬ومن‬
‫دون شك‪ ،‬فإن بعض األطفال بطبيعتهم أكثر حساسية‪ ،‬وأكثر هشاشة لالستجابات غير المتعاطفة‪.‬‬
‫وربما الحظت أنه عندما تقدم الحياة تحديات‪ ،‬غالًبا ما تعاني من شدة في الضيق‪ ،‬تبدو مفرطة‪ ،‬وال‬
‫يمكن التحكم فيها‪ ،‬أو قد تشعر بيأس وعدم جدوى عميقين يبدوان قويين للغاية‪ ،‬وإذا كان ذلك‬
‫صحيًح ا بالنسبة إليك‪ ،‬ربما كان سبب ذلك أن احتياجاتك لم ُيستجب لها بطريقة مهدئة ومعززة عندما‬
‫كنت رضيًعا‪ ،‬وقد يعني ذلك أيًض ا أنك بوصفك طفاًل قد واجهت قدًر ا كبيًر ا من الفوضى بين‬
‫الشخصية (مثل سماع في كثير من األحيان صوت تشاجر والديك) أو إهمال الوالدين‪ ،‬أو الغضب‪.‬‬

‫وحتى مع هذه التجارب المبكرة‪ ،‬يمكنك تعلم تهدئة نفسك وتلطيفها حتى عندما ال تدرك بوعي أنك‬
‫في حاجة إلى ذلك‪ ،‬ويمكنك أيًض ا تعلم االستماع إلى احتياجاتك وتلبيتها‪ ،‬وبتطوير القدرة على‬
‫التهدئة الذاتية‪ ،‬فإنك تتعلم أيًض ا حب نفسك‪ ،‬حتى عندما ترتكب أخطاء‪ ،‬وتتوقف عن تجاهل إشارات‬
‫جسدك طلًبا للراحة والرعاية‪.‬‬

‫وتبدأ هذه القدرة على التهدئة الذاتية بتكوين صوت معزز داخلي‪ ،‬وكلما وجدت نفسك في موقف‬
‫محزن‪ ،‬بداًل من السماح لنفسك بأن تصبح خائًفا بشكل مفرط‪ ،‬أو أن يستحوذ عليك القلق حيال ما‬
‫يمكن أو ما ال يمكن أن يحدث‪ ،‬تحدث إلى نفسك بهدوء ورعاية (يمكنك القيام بذلك بصمت‪ ،‬داخل‬
‫رأسك‪ ،‬أو إذا كنت وحدك‪ ،‬يمكنك التحدث بصوت مسموع)‪ .‬قل أشياء من قبيل‪« :‬أنت بخير» أو‬
‫«ستعبر هذه المصيبة وأنت بخير»‪ .‬وعندما تشعر بالنقد‪ ،‬أو عندما يبدأ ناقدك الداخلي بخطبته‬
‫العصماء‪ ،‬هدئ نفسك بإخبارها بأنه ال بأس أال تكون مثالًّيا‪ ،‬وأنك مرتاح بما أنت عليه‪ ،‬مع كل‬
‫العيوب وسواها‪.‬‬

‫ويمكنك أيًض ا تعلم التهدئة الذاتية بالتواصل مع الطفل داخلك‪ ،‬وراجع الفصل الحادي عشر للحصول‬
‫على إرشادات القيام بذلك‪ ،‬فمجرد أن تعلمت كيفية التواصل مع طفلك الداخلي‪ ،‬يمكنك التدرب على‬
‫االستماع إلى احتياجاته‪ ،‬واالهتمام بها‪ ،‬وحضنه‪ ،‬والتحدث إليه‪ ،‬وإن القيام بذلك على أساس ثابت‪،‬‬
‫سيعلمك كيفية تهدئة نفسك‪ ،‬عندما تكون في موقف محزن أو غير آمن‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫معاملة أنفسنا بالطريقة التي تعامل بها آباؤنا معنا‬


‫ينتهي األمر بكثير من الناجين من اإلهمال واإلساءة العاطفيين إلى معاملة أنفسهم بالضبط بالطريقة‬
‫التي عاملهم بها آباؤهم الحارمون‪ ،‬المتخلون‪ ،‬المستبدون‪ ،‬المشهرون‪ ،‬أو الذين كانوا مهتمين‬
‫بملذاتهم الشخصية فقط‪ ،‬وقد تكون معتاًدا على أن تكون محروًم ا لدرجة أنك تستمر في حرمان‬
‫نفسك‪ ،‬وقد تكون اعتدت على التخلي والهجران لدرجة أنك تتخلى عن نفسك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬كيف تهمل نفسك وتحرمها بالطريقة التي فعلها والداك‬


‫أحد الجوانب المهمة للرعاية الذاتية هو اكتشاف كل الطرق التي تعامل بها نفسك بالطريقة التي‬
‫عاملك بها والداك عندما كنت طفاًل ‪.‬‬

‫‪ .1‬ضع قائمة بالطرق التي تهمل بها أو تحرم نفسك مما تحتاج إليه‪.‬‬

‫‪ .2‬اكتب كل مثال يمكنك التفكير فيه يتعلق بكيفية إهمال والديك في االعتناء بك‪ ،‬واذكر الطرق التي‬
‫حرماك بها جسدًّيا وعاطفًّيا‪ ،‬واذكر أيًض ا الطرق التي دلالك بها لدرجة اإلفساد‪ ،‬وإليك قائمتي‪:‬‬

‫• والدتي لم تعتني بنظافتي الشخصية‪ ،‬ولم تعلمني كيفية القيام بذلك (تنظيف أسناني‪ ،‬وغسل شعري‬
‫وتمشيطه)‪.‬‬
‫• كانت تلبسني مالبس مضحكة‪ ،‬عندما كنت صغيرة‪ ،‬ولم تعلمني كيف أنسق مالبسي بعد أن‬
‫أصبحت كبيرة؛ كي ألبس نفسي‪.‬‬
‫• طلبت من حالق قص شعري بشكل قصير جًّدا ما جعلني أبدو وكأنني صبي‪.‬‬
‫• لم يكن لدينا فواكه وخضراوات طازجة في المنزل‪ ،‬ولم تطبخ الخضراوات‪.‬‬

‫• لم تضع أي حدود فيما يتعلق بكم يمكن أن أتناول‪.‬‬

‫• لم تستيقظ في الصباح لتحضير إفطاري قبل أن أذهب إلى المدرسة‪ ،‬ولم أتناول طعام إفطار‬
‫جاهز‪.‬‬

‫• سمحت لي بالسهر إلى وقت متأخر من الليل‪.‬‬


‫• لم تلعب معي‪ ،‬ولم تقدم أي شيء لتحفيزي‪.‬‬

‫• تركتني وحيدة إلى وقت طويل في كثير من األحيان‪.‬‬

‫‪ .3‬ألِق نظرة فاحصة على قائمتك‪ ،‬وانظر إن كان هناك اتصال بين الطريقة التي تعامل بها نفسك‬
‫اليوم والطريقة التي تعامل بها والداك معك‪ ،‬واكتب اآلن قائمة بكل الطرق التي تهمل بها نفسك أو‬
‫تفسدها بالملذات‪ ،‬وإليك استجاباتي‪:‬‬

‫• أجد صعوبة في إنفاق المال على الفواكه والخضراوات‪ ،‬فأقول لنفسي‪ :‬إنها تكلف أموااًل كثيرة‪ ،‬ثم‬
‫ينتهي بي المطاف بشراء الحلويات بداًل عن ذلك‪.‬‬

‫• أميل إلى اإلفراط في تناول الطعام ‪ -‬جزئًّيا بسبب الشعور بالحرمان‪ ،‬والخوف من عدم الحصول‬
‫على ما يكفي‪ ،‬وجزئًّيا بسبب العادة‪.‬‬
‫• أظل مستيقظة إلى وقت متأخر جًّدا من الليل‪.‬‬
‫• أجد صعوبة في االستيقاظ في الصباح‪ ،‬ونادرا ما أتناول وجبة اإلفطار‪.‬‬

‫• أميل إلى أن أعيش حياة ساكنة (أقرأ‪ ،‬أشاهد التلفاز) مثل أمي‪ ،‬وأخيًر ا فقط بدأت السباحة وركوب‬
‫الدراجات‪.‬‬

‫• أميل إلى عزل نفسي عن اآلخرين (في أغلب األحيان‪ ،‬ال أتصل باألصدقاء أو أقوم بترتيبات‬
‫للذهاب بصحبتهم إلى أماكن ممتعة)‪.‬‬

‫ال داعي للبقاء محاصًر ا في تكرار أنماط الحرمان والدالل المفرط التي تعلمتها من والديك‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أنه من المغري أن تدلل نفسك لتعويض ما لم تتلَّقه عندما كنت طفاًل ‪ ،‬فإن ذلك لن يعوض‬
‫عن الحرمان الذي عانيت منه‪ ،‬وإن الشيء الوحيد الذي سيبدأ في تعويض ما لم تتلَّقه بوصفك طفاًل‬
‫هو أن تصبح الوالد المستجيب‪ ،‬والراعي لنفسك التي تستحقها طوال الوقت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫حقائق األسبوع النفسية‬


‫• بداية من الطفولة‪ ،‬يحتاج األطفال إلى انعكاس إيجابي وعاطفي من والديهم؛ ليعرفوا أن لهم قيمة‪.‬‬
‫• البالغون الذين تعرضوا لإليذاء العاطفي أو الحرمان بوصفهم أطفااًل في حاجة إلى إنشاء (أم)‬
‫داخلية معززة ومتجاوبة و)أب) داخلي آمن وقوي من أجل التوفير ألنفسهم ما فاتهم عندما كانوا‬
‫أطفااًل ‪ ،‬وينطوي ذلك على تعلم تنمية مهارات الرعاية وتعلم وضع حدود فعالة‪.‬‬

‫• إذا تم تجاهل احتياجات األطفال ومشاعرهم أو لم ُيلتفت إليها باستمرار‪ ،‬لن يعرفوا كيف يهدئون‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫• بااللتزام بعملية التغيير والنمو‪ ،‬يمكننا اكتشاف أنه عندما نكون أكثر قبواًل ألنفسنا ‪ -‬حتى مع كل‬
‫عيوبنا ونواقصنا ‪ -‬فنحن أحرار في أن نصبح الشخص الذي كان من المفترض أن نكون عليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪


:9 #‬‬
‫االلتزام ببدء تلبية احتياجاتك‬
‫‪ .1‬فكر فيما كنت تريده من والديك ولم تتلَّقه‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬هل طمعت في تشجيعهما؟‬
‫موافقتهما؟ هل رغبت في المزيد من المودة؟ ضع في قائمة كل األشياء التي تمنيت لو تلقيتها من‬
‫والديك‪ ،‬ولكن لم تحصل عليها‪.‬‬
‫‪ .2‬ضع في قائمة الطرق التي تخطط من خاللها البدء بتلبية احتياجاتك‪ ،‬واألشياء التي ستفعلها من‬
‫أجل تزويد نفسك باألشياء التي لم يعِط ها إياها والداك‪.‬‬
‫‪ .3‬تعهد البدء بالقيام بعمل واحد محدد ملموس سيوفر لك ما فاتك عندما كنت طفاًل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 10‬تعلم أن تحب جسدك‪ /‬جسمك‬

‫الجسد رداء مقدس‪.‬‬

‫‪ -‬مارثا جراهام‬
‫‪Martha Graham‬‬
‫‪Blood Memory‬‬

‫من الصعب أن تحب جسدك إن انتقد والداك المظهر الذي بدا به‪ ،‬أو جعالك تشعر بأنه كان وسًخ ا أو‬
‫مدعاة للخجل‪ ،‬بل لعل األصعب من ذلك هو امتالك جسدك عندما يعامله والداك كما لو أنه من‬
‫ممتلكاتهما‪ ،‬وكأن لهما الحق في ضربك أو إهمالك متى شاءا‪ ،‬وكيف يمكنك التفكير في جسدك على‬
‫أنه مقدس‪ ،‬وأن ما تضعه فيه مهم عندما ُتهمل حاجات جسمك المتعلقة بالغذاء الكافي‪ ،‬أو الراحة‪ ،‬أو‬
‫ممارسة الرياضة؟ كيف يمكنك أن تشعر برغبة في االعتناء بجسمك أو حمايته من األذى عندما كان‬
‫يتعرض بانتظام لظروف غير صحية؟ أقدم في هذا الفصل عدًدا من التمارين التي ستساعدك على‬
‫التواصل مع جسدك‪ ،‬والتعلم عن نفسك منه‪ ،‬وإظهار تقديرك له‪ ،‬والتوقف عن الحكم عليه‪ ،‬وحبه في‬
‫نهاية المطاف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التواصل مع جسدك‬
‫يميل الناجون من اإلساءة واإلهمال العاطفيين إلى الشعور بفقدان اإلحساس تجاه أجسامهم‪ ،‬ويميلون‬
‫إلى التبرؤ منها؛ ألن والديهم تجاهلوا احتياجاتهم‪ ،‬ويستمرون في تجاهل إشارات أجسادهم‬
‫واحتياجاتها‪ ،‬حتى إن بعضهم يتعامل مع جسده كما لو كان عدًّو ا‪ ،‬ويوفر لك االستبيان اآلتي إحساًسا‬
‫أفضل بمدى ارتباطك بجسمك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫االستبيان‪ :‬عالقتك بجسمك‬


‫اعتماًدا على عدد المرات التي تكون فيها هذه العبارات اآلتية صحيحة إن وجدت‪ ،‬امنح نفسك درجة‬
‫‪ 1‬لـ أبًدا‪ ،‬مطلًقا (يعني ليس لديك)‪ ،‬و ‪ 2‬أحياًنا‪ ،‬و ‪ 3‬دائًم ا‪.‬‬
‫‪ .1‬لدي شعور جيد بجسدي‪.‬‬
‫‪ .2‬بشكل عام‪ ،‬أنا سعيد بالطريقة التي يبدو بها جسدي‪.‬‬
‫‪ .3‬أنا متصل بجسدي‪ ،‬ونادًر ا ما أفصل نفسي عن مشاعري‪ ،‬أو أشعر بعدم اإلحساس بها‪.‬‬

‫‪ .4‬أنتبه إلى الرسائل التي يرسلها لي جسدي‪.‬‬


‫‪ .5‬ال أحرم نفسي من الطعام المناسب أو الماء أو النوم أو المالبس المناسبة‪.‬‬
‫‪ .6‬أتعامل مع جسدي بشكل جيد بتوفير طعام صحي بكميات معتدلة‪ ،‬وممارسة التمارين الرياضية‬
‫بانتظام‪ ،‬وبكثير من النوم‪.‬‬
‫‪ .7‬نادًر ا ما أسقط أو أتعثر أو أصطدم باألشياء‪.‬‬
‫‪ .8‬نادًر ا ما أحّم ل جسدي فوق طاقته‪ ،‬بما يتعلق بالجهد البدني‪ ،‬وقلة النوم‪ ،‬أو أنواع الحرمان‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ .9‬أنا ال أسمم جسدي بالكحول الزائد‪ ،‬أو السجائر‪ ،‬أو العقاقير الترويحية‪.‬‬

‫‪ .10‬أقف بثبات وراحة على قدمي‪.‬‬

‫‪ .11‬أتنفس بانتظام وعمق‪.‬‬

‫‪ .12‬أرفع رأسي عالًيا وكتفي إلى الخلف‪.‬‬


‫‪ .13‬أنا أستمتع بالعناق والمعانقة‪.‬‬
‫‪ .14‬أسمح لنفسي بالضحك كثيًر ا وبحرية‪.‬‬

‫‪ .15‬أتلقى تدليًكا بانتظام للمساعدة على استرخاء جسدي وزيادة احترامي لذاتي‪.‬‬

‫اجمع إجاباتك‪ ،‬وإذا كان مجموعك من ‪ 37‬إلى ‪ ،45‬فأنت تستمتع بعالقة رائعة إيجابية مع جسمك‪،‬‬
‫وإذا كان مجموعك من ‪ 26‬إلى ‪ ،36‬فإن جسمك يستحق المزيد من الرعاية واالحترام منك‪ ،‬وأما إذا‬
‫كان مجموعك من ‪ 15‬إلى ‪ ،25‬فإن عالقتك بجسمك في حاجة إلى إصالح‪.‬‬

‫جسدك موجود لدعمك للقيام بكل األشياء التي تريد فعلها‪ ،‬فإنه موجود لمساعدتك على الشعور‬
‫باألمان والحماية والبهجة واإلحساس كأنك طفٌل ‪.‬‬
‫وبداًل من التفكير في جسدك على أنه (نكرة)‪ ،‬أو بضاعة‪ ،‬أو وحش يجب ترويضه والسيطرة عليه‪،‬‬
‫وابدأ في إنشاء عالقة جديدة بجسمك‪ ،‬واسمح لنفسك أن تقودها قوة جسمك وحكمته‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫جسدك بوصفه معلًم ا‬


‫جسمك ثروة من المعلومات‪ ،‬وإنه يحمل ذكرى صدمة ُنسيت منذ مدة طويلة‪ ،‬ولكنها مع ذلك ما‬
‫زالت تؤثر فيك‪ ،‬ويمكنه أن يخبرك كيف تشعر‪ ،‬وإلى ماذا تحتاج في أي وقت بعينه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬التعلم من جسدك‬


‫‪ .1‬اليوم‪ ،‬طوال اليوم‪ ،‬انتبه إلى أنفاسك‪ ،‬وكيف تتنفس اآلن؟ بعمق أم بشكل سطحي؟ هل تنسى‬
‫أحياًنا أن تتنفس مدًدا طويلةمن الزمن؟‬

‫‪ .2‬حدد العاطفة التي تعبر عنها أنفاسك‪ :‬القلق‪ ،‬االسترخاء‪ ،‬التهيج‪ ،‬الخوف‪ .‬ماذا يمكنك أن تتعلم من‬
‫نمط تنفسك؟ اكتب إجاباتك في يوميات مرآتك العاكسة‪.‬‬

‫‪ .3‬الحظ أي أجزاء من جسمك هي األكثر توتًر ا‪ ،‬ولو كان بإمكانها التكلم‪ ،‬ماذا كانت ستقول؟ ماذا‬
‫سوف تقول لك‪ :‬إنها في حاجة إليك؟ ماذا ستقول لك عن الصدمة الماضية؟‬

‫‪ .4‬ما هي أجزاء جسمك األكثر خدًر ا؟ لماذا فقدت هذه األجزاء من جسدك كل شعور؟ ربما كان‬
‫هناك خلف الخدر كثير من األلم؛ عَّم يدور هذا األلم؟‬
‫نركز أحياًنا كل طاقتنا السلبية على جزء واحد من أجسامنا‪ ،‬حيث نصبح مقتنعين أن هذا الجزء هو‬
‫المسؤول عن كل مشاعرنا السيئة عن أنفسنا‪ ،‬ولقد ذكرت نسخة متطرفة عن ذلك في وقت سابق من‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬عندما ناقشت مدة وجيزة اضطراب تشوه الجسم‪ ،‬وغالًبا ما يشعر الناس الذين تعرضوا‬
‫لإليذاء الجنسي بسلبية شديدة تجاه األجزاء التي شملها االعتداء ( أثداؤهم‪ ،‬فرجهم‪ ،‬قضيبهم)‪ .‬إذا‬
‫كانت مشاعرك السيئة تجاه جسمك تبدو أنها تركز على جزء واحد من الجسم‪ ،‬فقد يساعدك التمرين‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬التعلم من أقل األجزاء تفضياًل من جسمك‬


‫‪ .1‬اكتب في دفتر يومياتك عن أي جزء من جسمك هو األقل حًّبا لك ولماذا؟ على سبيل المثال‪ ،‬هل‬
‫ال تحب هذا الجزء من جسدك ألن اآلخرين انتقدوه‪ ،‬أم ألنه يجعلك تشبه أحد والديك؟ إذا كنت ال‬
‫تعرف اإلجابة‪ ،‬أكمل الجملة اآلتية مراًر ا وتكراًر ا حتى تتوصل إلى األسباب‪:‬‬

‫«أنا ال أحب هذا الجزء من جسدي؛ ألن ‪.».....................................‬‬

‫ال تفكر في إجابتك قبل فوات األوان‪ ،‬فقط تابع في إكمال الجملة؛ حتى تستنفَد كل اإلجابات‪.‬‬

‫‪ .2‬تخيل أنك تجري محادثة مع هذا الجزء من جسدك‪ ،‬فماذا تتخيل أنه سيقول لك لو استطاع‬
‫التحدث معك؟‬

‫‪ .3‬إذا كنت تواجه صعوبة‪ ،‬ارسم خًّطا عمودًّيا في منتصف قطعة من الورق‪ ،‬وعلى الجانب األيسر‪،‬‬
‫اسأل هذا الجزء من جسدك سؤااًل ‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قد تسأله‪« :‬هل هناك شيء تريدني أن‬
‫أعرفه؟» أو «لماذا تبدو كما تبدو؟» أو «هل هناك شيء يمكنك تعليمي إياه؟» على الجانب األيمن‬
‫من الورقة‪ ،‬اكتب اإلجابة‪ .‬ال تفكر فيما ستكتبه‪ ،‬فقط دع عقلك الباطن يقوم بالمهمة من أجلك‪.‬‬

‫حددت مراجعتي تريسي معدتها على أنها الجزء األقل محبة من جسمها‪ ،‬وعندما قامت بهذا‬
‫التمرين‪ ،‬سألت معدتها‪« :‬هل هناك شيء تريديني أن أعرفه؟»‪.‬‬

‫جاء الجواب بسرعة‪« :‬أريدك أن تعرفي أنني أشعر باالنتفاخ وعدم الراحة! لقد أتخمتني كثيًر ا‬
‫باألمس‪ ،‬وأنا ال أحب ذلك؛ أشعر بالحرج»‪.‬‬

‫وعندما سألت‪« :‬هل هناك شيء يمكنك أن تعلمني إياه؟ لماذا أصبحت كبيرة جًّدا؟» فكان الجواب‪:‬‬
‫«أنا أكبر؛ ألنك تأكلين كثيًر ا‪ ،‬وتأكلين األطعمة المضرة‪ ،‬ولكن أيًض ا ألنك تريديني أن أحميك‪ ،‬فال‬
‫أحد يستطيع االقتراب منك إذا أنا برزُت إلى األمام‪ ،‬فال يمكنهم إيذاؤك»‪.‬‬
‫وقد كانت والدة تريسي تنتقدها بشدة في أثناء نموها‪ ،‬وبدأت تريسي تجد الراحة في الطعام‪ ،‬وال سيما‬
‫تناول األطعمة النشوية‪ ،‬وعندما وصلت الثانية عشرة من عمرها‪ ،‬كانت بطنها بارزة مثل المرأة‬
‫الحامل‪ ،‬وكانت معدة تريسي تعمل بمثابة درع يبعد الناس‪ ،‬ويخدرها عن مشاعرها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قصُة جسِدك‬
‫لدى جسدك قصة ليرويها‪ ،‬فهناك رسائل في خطوط وجهك‪ ،‬ومالمح جسمك‪ ،‬وهناك أسرار مخبأة‬
‫في عضالتك‪.‬‬

‫‪ .1‬انظر إلى نفسك في المرآة أو إلى صورة حديثة لك‪ ،‬فماذا ترى؟ انظر إلى ما وراء المظهر‬
‫الخارجي ( سواء كنت تبدو جيًدا أم ال)‪ ،‬وانظر إلى ما يقوله جسمك عنك‪ ،‬والحظ كيف تقف‪ ،‬وهل‬
‫أنت منتصب أم مترهل؟ هل تبدو غير مرتاح أو متوتر؟ هل أنت مبتسم أم عابس؟ هل شعرك المع‬
‫وصحي أم باهت؟ سجل مالحظاتك‪ ،‬واكتب عما تقوله هذه األشياء عنك‪.‬‬
‫‪ .2‬ارسم مخطًطا لجسمك‪ ،‬ويمكنك استخدام خيالك‪ ،‬أو صورة‪ ،‬أو المرآة للحصول على الشكل‬
‫والنسب‪.‬‬
‫‪ .3‬باستخدام قلم أحمر أو قلم رصاص‪ ،‬لّو ن مناطق جسمك التي تعاني من األلم أو التوتر اآلن‪ ،‬فقد‬
‫تعاني من توتر عضالت رقبتك‪ ،‬أو صداع أو اضطراب في المعدة‪ ،‬وإن لم تكن متأكًدا من مكمن‬
‫التوتر‪ ،‬ابدأ من رأسك‪ ،‬وتحرك نزواًل إلى أن تغطي كل جسدك‪ ،‬متأكًدا من كل جزء لمعرفة إن كان‬
‫التوتر قد استقر فيه‪.‬‬

‫‪ .4‬باستخدام قلم أزرق أو قلم رصاص‪ ،‬لّو ن مناطق جسمك‪ ،‬حيث تعاني من جهد أو ألم مزمن‪ ،‬وقد‬
‫يكون هذا موقع حادثة سابقة‪ ،‬أو أذى في أثناء الطفولة (على سبيل المثال‪ ،‬تعاني من ألم مزمن في‬
‫رقبتك بسبب صفع والدتك لك على الوجه في كثير من األحيان‪ ،‬أو قد تعانين من أمراض النساء‬
‫المزمنة بسبب االعتداء الجنسي الذي تعرضت له)‪.‬‬
‫‪ .5‬باستخدام قلم أسود أو قلم رصاص‪ ،‬سّو د مناطق جسمك التي تنتقدها‪ ،‬أو كان والداك ينتقدانها أو‬
‫تلك األجزاء من جسمك التي تحمل قدًر ا كبيًر ا من العار‪.‬‬
‫‪ .6‬بقلم أخضر أو قلم رصاص‪ ،‬لّو ن مناطق جسمك التي تشعر باالسترخاء والراحة‪.‬‬

‫‪ .7‬الحظ ما تخبرك به هذه الصورة عن نفسك‪ ،‬وهل رسمك مغطى باللون األحمر واألزرق‬
‫واألسود مع قليل فقط من بقع خضراء؟ إذا كان ذلك صحيًح ا‪ ،‬فأنت في حاجة ماسة إلى رعاية‬
‫الذات‪ ،‬واالسترخاء وقبول الذات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫آباؤنا‪ ،‬أجسادنا‬
‫ال يشكل آباؤنا شخصياتنا فقط‪ ،‬ولكن أيًض ا الطريقة التي ننظر بها إلى أجسادنا ونقدرها أيًض ا‪ ،‬وهل‬
‫تعامل والداك مع جسمك باحترام‪ ،‬أم هل تعامال معه كما لو كان سلعة يمكنهم االستحواذ عليها‪ ،‬أو‬
‫التطفل عليها متى أرادا؟ هل أحبا جسدك أم كانا ينتقدانه؟ هل ترى أي تشابه بين الطريقة التي عامل‬
‫بها والداك جسدك‪ ،‬وكيف تعامله اآلن؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬هل تعامل جسدك بالطريقة التي تعامل بها



‫والداك معه؟‬
‫ضع قائمة بكل الطرق التي تسيء بها إلى جسدك اليوم‪ ،‬وانظر بعين فاحصة إلى هذه القائمة‪ ،‬وانظر‬
‫إن كان بإمكانك إجراء اتصال بين كيفية معالجة والديك لجسمك‪ ،‬وكيف تتعامل معه اآلن‪ ،‬وها هي‬
‫قائمتي‪:‬‬
‫• سمحت لي والدتي بالسهر إلى وقت متأخر جًّدا من الليل؛ لذلك لم أحصل على قسط كاٍف من‬
‫النوم‪.‬‬
‫• ما زلت أسهر إلى وقت متأخر جًّدا‪ ،‬وغالًبا ما أشعر بالحرمان من النوم‪.‬‬
‫• والدتي لم تستيقظ صباًح ا لكي تحضر لي اإلفطار‪.‬‬
‫• أنا ال أعد لنفسي الفطور‪.‬‬

‫• سمحت لي والدتي بتناول طبق كبير من الطعام في العشاء (غالًبا في وقت متأخر من الليل قبل‬
‫النوم مباشرة)‪.‬‬
‫• أميل إلى االنتظار حتى وقت متأخر من الليل لتناول الطعام‪ ،‬والنتيجة أنني أكون قد جعت كثيًر ا؛‬
‫ولذلك آكل طبًقا كبيًر ا من الطعام قبل النوم مباشرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫قّدر جسدك‬
‫إضافة إلى انفصالك عن جسدك‪ ،‬فمن المحتمل أنك ال تقدر جسمك بالشكل المطلوب‪ ،‬وكلما قدرت‬
‫جسدك بشكل أكبر‪ ،‬كانت خياراتك أفضل بما يتعلق برعايته‪ ،‬وبشكل مشابه‪ ،‬كلما ازداد حبك‬
‫لجسدك‪ ،‬ازدادت احتمالية تنشئتك عادات صحية إيجابية‪ :‬تناول وجبات مغذية بشكل أكبر‪ ،‬ومارس‬
‫الرياضة بانتظام‪ ،‬واستمع إلى حكمة جسدك إلخبارك بما تحتاج إليه‪ ،‬وتعامل مع نفسك بلطف عندما‬
‫تكون مريًض ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬اشكر جسمك‬


‫سيساعدك التمرين اآلتي على البدء في الشعور باالمتنان لكل ما يفعله لك والتعبير عنه‪.‬‬

‫• عبر عن التقدير واالمتنان لكل جزء من أجزاء جسمك‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬اشكر ذراعيك على‬
‫األشياء الكثيرة التي يفعالنها لك‪ ،‬على الجوانب المذهلة من الحياة التي تستمتع بها بسببهما‪:‬‬
‫«أشكركما على تمكيني من معانقة أطفالي»‪« ،‬شكًر ا لكما؛ لتمكيني من احتضان زوجي»‪« ،‬شكًر ا‬
‫لكما على مساعدتي على حماية نفسي من االعتداء»‪« ،‬شكًر ا لكما؛ لتمكيني من حمل ما أشتريه من‬
‫البقالة»‪.‬‬

‫• استمر في هذه العملية؛ حتى تقر بعرفان كل جزء كبير من جسدك‪ ،‬وتشكره‪.‬‬
‫• الحظ كيف يشعر كل جزء من جسمك بعد أن أعربت عن امتنانك له‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قبول الجسم‪ /‬الجسد‬

‫لكي تكون قادًر ا على تقدير جسدك وحبه‪ ،‬تحتاج أيًض ا إلى تقبله كما هو بما في ذلك جميع قيودك‪،‬‬
‫وعيوبك‪ ،‬ونواقصك‪ ،‬وسيساعدك التمرين اآلتي على اكتشاف مقدار احترامك لجسدك اليوم‪ ،‬وسوف‬
‫يساعدك على البدء في العمل نحو المزيد من قبول الجسم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬قبول الجسم‪ /‬الجسد‬


‫‪ .1‬اكتب ما تشعر به حيال جسدك اليوم‪ ،‬واذكر أي أجزاء من جسدك تقبلها‪ ،‬وأي منها موضع‬
‫انتقادك‪ .‬هل تستمر في اعتبار جسدك شيًئا مفروًغا منه؟‬
‫‪ .2‬خذ بعض الوقت للتفكير في جزء من جسدك ال تحبه على نحو خاص‪ ،‬واكتب رسالة إلى ذلك‬
‫الجزء من الجسم‪ ،‬شاكًر ا له من أجل بقائه جزًء ا من جسمك على الرغم من موقفك الجاحد له‪،‬‬
‫وضّم ن اعتذاًر ا له؛ لكونك شديد االنتقاد‪ ،‬وجاحًدا له‪.‬‬

‫‪ .3‬افعل شيًئا لطيًفا لهذا الجزء من جسمك اليوم‪ ،‬فقد تحمل الكثير من النقد والجحود منك‪( .‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬إذا كنت ناقًدا لمعدتك‪ ،‬ضع بعض الزيت الدافئ عليها ودلكها بلطف)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫انظر إلى نفسك بعيون جديدة‬


‫لست في حاجة إلى أن تحاول باستمرار تلبية بعض المفاهيم الخارجية لما هو جميل‪ ،‬فما عليك سوى‬
‫النظر في المرآة بعيون جديدة؛ بعيونك الجديدة‪ ،‬وسترفض قبول التعريفات السطحية لماهية الجمال‪،‬‬
‫وبعيونك الجديدة‪ ،‬يمكنك النظر بعمق إلى داخل نفسك لتجد جمالك وحكمتك وقوتك الداخلية ‪ -‬جوهر‬
‫من أنت‪ ،‬وبعيونك الجديدة يمكنك أن تفتح نفسك على فكر جديد ‪ -‬أنك جميل بالفعل من قبل‪ ،‬وليس‬
‫هناك حاجة إلى الكد‪ ،‬وال داعي لتشويه جسدك‪ ،‬وال داعي لوضع الكريمات‪ ،‬أو إجراء جراحة‬
‫للتجميل‪ ،‬فكل ما عليك فعله هو بمنتهى السهولة هو أن تكون جمياًل ‪ ،‬وبكل يسر كن من أنت‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫حّب نفسك‬

‫إن حبك لنفسك سيفيد مظهرك الخارجي أكثر من أي شيء آخر يمكنك فعله‪ ،‬فال مساحيق التجميل‪،‬‬
‫وال أي شكل من أشكال التمرينات‪ ،‬وال أي نظام غذائي يمكنه أن يقدم لنفسك ما يقدمه حبك لها‪،‬‬
‫وكلما أحببت جسدك‪ ،‬تماًم ا كما هو‪ ،‬ستعتني به بشكل أفضل‪ ،‬وستجلس بشكل أكثر استقامة‪ ،‬وتقف‬
‫منتصًبا تماًم ا‪ ،‬وستكون ابتسامتك أعرَض ‪.‬‬

‫إن حب جسدك عمل شجاع‪ ،‬ويمكن أن يجعلنا نشعر كما لو كنا أنانيين‪ ،‬ومنغمسين في ملذاتنا‪ ،‬بل‬
‫ومنحطين‪ ،‬ويمكن أن تحس باالستماع إلى حكمة جسدك على أنه غريب و)عصر جديد) تماًم ا‬
‫لبعضهم‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬إن هذه األشياء هي التي نحتاج إلى القيام بها لمساعدة أجسامنا وأرواحنا على‬
‫الشفاء‪.‬‬

‫‪ .1‬ابدأ في التركيز على رعاية صحتك الجسدية بشكل أفضل‪ ،‬وكن أكثر وعًيا بجسمك‪ ،‬واعتِن‬
‫بحاجاتك المادية‪.‬‬

‫‪ .2‬تماًم ا كما يتأكد الوالد المحب لطفله النائم‪ ،‬ابدأ بفحص جسمك طوال اليوم‪ ،‬والحظ عالمات‬
‫اإلجهاد أو التوتر أو التعب‪ ،‬وانتبه إن كنت جائًعا‪ ،‬واسأل نفسك إن كنت تشعر بالمرض أو بالعافية؟‬
‫‪ .3‬إذا الحظت أنك متوتٌر أو مجهٌد‪ ،‬فابحث عن طرق السترخاء جسمك (تمدد‪ ،‬تأمل‪ ،‬خذ قيلولة)‪.‬‬
‫إذا وجدت أنك جائع‪ ،‬تناول وجبة خفيفة أو وجبة مغذية‪ ،‬وإذا كنت تشعر بالمرض‪ ،‬تناول بعض‬
‫الفيتامينات اإلضافية‪ ،‬أو العالج باألعشاب أو األسبرين‪ ،‬أو االستلقاء للراحة‪.‬‬

‫‪ .4‬قم بجرد دوري لجسمك‪ ،‬والحظ هيئتك‪ ،‬فهل تجلس منحنًيا أو معتداًل ومستقيًم ا؟ هل تشعر بتوتر‬
‫عضالتك أو أجزاء من جسمك أم أنك مرتاح؟ كيف حال تنفسك؟ طويل ومرتاح أم قصير ومجهد؟‬

‫‪ .5‬قرر أنك ستلبي احتياجات جسمك بتغذية صحية‪ ،‬ونشاط بدني ونوم كاٍف ‪.‬‬
‫‪ .6‬تحقق دورًّيا من احتياجاتك العاطفية‪ ،‬وإذا كنت وحيًدا‪ ،‬قم بإجراء اتصال مع شخص ما‪ ،‬وإذا‬
‫كنت غاضًبا‪ ،‬أعِط نفسك إذًنا للتعبير عنه بطرق بناءة‪ ،‬واتخاذ إجراءات لتغيير الوضع‪ ،‬وإذا كنت‬
‫تشعر بالذنب‪ ،‬اعتذر أو عّو ض األشخاص الذين جرحتهم أو أسأت إليهم‪.‬‬

‫ال يمكنك أن تتوقع من نفسك أن تحب نفسك إذا كنت ال تحب جسمك‪ ،‬فإن جسمك هو أثمن هدية‬
‫لديك‪ ،‬وال تستمر في التعامل معه بالطريقة التي تعامل بها والداك أو غيرهم من مقدمي الرعاية‬
‫معه‪ ،‬وال تستمر في تجاهل احتياجاته‪ ،‬واستمع إلى جسدك؛ فسيخبرك بما يحتاج إليه‪ ،‬وأظهر‬
‫االمتنان لكل ما يقدمه جسمك لك‪ ،‬واحترم جسدك‪ ،‬وسوف يستمر في خدمتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫حقائق األسبوع النفسية‬


‫• يميل األشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة أو اإلهمال عاطفًّيا إلى أن يكونوا منفصلين عن‬
‫عواطفهم وأجسادهم‪ ،‬وعبر تمارين صورة الجسد والمشاعر‪ ،‬يمكن للناجين إعادة التواصل بهذه‬
‫الجوانب المهمة من أنفسهم‪.‬‬

‫• يعكس األطفال ما يرونه في الحياة‪ ،‬وال سيما ما يفعله والداهم‪ ،‬ويصبح اآلباء الذين يتصرفون‬
‫بطرق غير الئقة قدوة غير صحية ألطفالهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫واجب عالج المرآة ‪


: 10 #‬‬
‫النظر إلى المرآة بعيون جديدة‬
‫‪ .1‬قف أمام مرآة كاملة الطول‪ ،‬وأغمض عينيك‪ ،‬وخذ نفًسا عميًقا‪ ،‬وتظاهر لحظة بأنك تحب نفسك‬
‫كما هي‪ ،‬وال سيما جسدك‪ ،‬واستنشق وتحسس حًّقا ماهية هذا الشعور‪ ،‬واإلحساس بالرفاهية الذي‬
‫يتأتى عن القبول الكامل‪.‬‬
‫‪ .2‬ازفر‪ ،‬ومع الزفير تخلص من كل العار الذي عانيت منه طوال حياتك‪ ،‬وتخلص من كل‬
‫االنتقادات‪ ،‬واإلهانات‪ ،‬و)األوامر) التي سمعتها‪.‬‬
‫‪ .3‬كرر هذه الدورة؛ االستنشاق هو قبول الذات‪ ،‬والزفير هو التخلص من العار والنقد واألوامر‪.‬‬
‫‪ .4‬اسمح لجسمك بإعادة ترتيب نفسه‪ ،‬واشعر بالفخر‪ ،‬والحرية‪ ،‬والقوة‪ ،‬والمحبة مع كل زفير‬
‫وشهيق‪ .‬كرر ذلك بقدر ما تحتاج إليه من مرات؛ حتى تتخلص من العار‪ ،‬وأن تستبدل به الحب‪.‬‬

‫‪ .5‬افتح عينيك‪ ،‬وانظر إلى نفسك‪ ،‬فكيف تبدو اآلن؟‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الجزء الرابع المساعدة المتخصصة‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 11‬إذا كنت ُم هماًل ‪ ،‬مرفوًضا أو مهجوًر ا مداواة مرآتي (أنا غير محبوب) و)ال قيمة لي)‬

‫الوحدة‪ ،‬والشعور بأنك غير مرغوب فيه‪ ،‬هي أشد أنواع الفقر فظاعًة‪.‬‬

‫األم تيريزا‬
‫‪Mother Teresa‬‬
‫لم يفت األوان أبًدا ألن تكون ما ربما كنت عليه‪.‬‬

‫جورج إليوت‬
‫‪George Eliot‬‬
‫أقدم في هذا الفصل إستراتيجيات عالجية محددة لمن تعرض منكم إلى اإلهمال‪ ،‬أو الرفض أو‬
‫الهجر عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬يميل معظم ضحايا اإلهمال وهجران الطفولة إلى‬
‫االستمرار في إهمال أنفسهم والتخلي عنها بوصفهم بالغين‪ ،‬وال يعرف كثير من الناجين حتى ما هي‬
‫احتياجاتهم‪ ،‬ناهيك عن كيفية تلبيتها‪ ،‬وينطبق ذلك بشكل خاص على أولئك الذين لم يتلقوا ما يكفي‬
‫من الرعاية من أمهاتهم‪ ،‬وإذا كانت هذه هي حالتك‪ ،‬فستحتاج إلى أن تصبح أنت والدتك الطيبة‪،‬‬
‫بتزويد نفسك اليوم باألشياء التي لم تتلَّقها عندما كنت طفاًل ‪.‬‬

‫األم الراعية تولي اهتماًم ا باحتياجات أطفالها الجسدية والعاطفية؛ فإنها تتأكد من تناولهم وجبات‬
‫مغذية‪ ،‬وحصولهم على قسط كاٍف من الراحة وممارسة الرياضة‪ ،‬واألهم من ذلك أنهم يحصلون‬
‫على قدر كاٍف من العناق واالستماع إليهم‪.‬‬
‫إن تجاهلْت والدتك حاجاتك إلى العناية‪ ،‬واللمس‪ ،‬وتقبل الجسم‪ ،‬والتغذية الجيدة‪ ،‬وممارسة الرياضة‪،‬‬
‫أو إذا لم يكن لديك أم في المنزل‪ ،‬فمن المحتمل أنك كبرت وأنت تشتاق إلى هذه األشياء‪ ،‬وربما‬
‫حاولت العثور على بدائل األم في أصدقائك والعشاق‪ ،‬وربما قد ساعدك ذلك إلى حد ما‪ ،‬ولكن‬
‫سرعان ما يتعب األصدقاء والعشاق من محاولة تعويض ما لم توفره لك والدتك‪ ،‬وإن أولئك الذين ال‬
‫يتعبون من االهتمام بك قد يستغلون الموقف‪ ،‬حيث يكونون مسيطرين بوضوح أو حتى مؤذين‪،‬‬
‫والحقيقة هي أنك الوحيد الذي يستطيع أن يمنحك ما فاتك عندما كنت طفًل‪ ،‬فابدأ بالتركيز على‬
‫توفير األمومة التي تحتاج إليها باالهتمام باحتياجاتك وجسمك‪ ،‬بالطريقة التي تقوم بها أم حانية‬
‫برعاية طفلها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫اهتم بنفسك‬
‫إذا كنت جائًعا أو كانت حفاظاتك مبللة‪ ،‬فمن المحتمل أن والديك اعتبرا ذلك احتياجات حقيقية‪،‬‬
‫ونأمل أن يكونا قد لبياها‪ ،‬ولكن اذا ما كنت تريده هو االهتمام‪ ،‬ربما لم يتم اعتباره حاجة حقيقية‪،‬‬
‫واليوم قد تعامل نفسك بالطريقة نفسها‪ ،‬فهل ال تهتم باحتياجاتك بالقول لنفسك‪« :‬أوه‪ ،‬توقف! كل ما‬
‫تحتاج إليه هو الرعاية»‪ ،‬أو «انتهى وقت الحصول على هذه األشياء؛ فتصرف بنضج!»‪.‬‬

‫إذا ُأهملت أو ُح رمت من األشياء التي يحتاج إليها األطفال ‪ -‬أي المودة واإلقرار والحماية ‪ -‬ال‬
‫يمكنك التوقع من نفسك أبًدا التخلي عن تلبية هذه االحتياجات‪ ،‬فقد ُكتب عليك أن تكبر من دون‬
‫الحصول على األشياء التي تحتاج إليها‪ ،‬ولكنك ُتركت مع بعض الثغرات الرئيسة في تطورك وفي‬
‫روحك‪ ،‬فأنت في حاجة إلى سد تلك الثقوب اليوم‪ ،‬بل اآلن‪ ،‬وعليك أن تعطي نفسك ما فاتك عندما‬
‫كنت طفاًل ‪ ،‬وفي حالتي؛ ألن والدتي أمضت كثيًر ا من الوقت في تجاهلي وتجاهل احتياجاتي‪ ،‬كنت‬
‫في حاجة إلى البدء في االهتمام بمشاعري‪ ،‬ولما كنت أحتاج إليه في أي وقت بعينه‪ ،‬فقد فعلت ذلك‬
‫بالتأكد من نفسي مرات عدة في اليوم‪ ،‬سائلة نفسي‪« :‬بماذا تشعرين؟» و“إلى ماذا تحتاجين؟»‪.‬‬

‫وألنه كان من المتوقع أن أعول نفسي في سن مبكرة جًّدا (أربع سنوات فقط)‪ ،‬بما في ذلك تحضير‬
‫شيء لنفسي ألكله‪ ،‬فقد تعلمت عادات سيئة للغاية عندما يتعلق األمر بالطعام‪ ،‬ولم يكن لدي حدود‬
‫على كمية الطعام التي يمكنني تناولها‪ ،‬وكان هناك دائًم ا شعور بأن اإلمداد بالطعام كان محدوًدا‪،‬‬
‫وشعرت أنه كان من األفضل لي أن آكل قدر استطاعتي‪ ،‬عندما كان الطعام متاًح ا؛ ألنه قد ال يكون‬
‫هناك ما يكفي من الطعام في المرة القادمة التي أشعر فيها بالجوع‪ ،‬وقد كنت في حاجة إلى أن أصبح‬
‫والدتي الطيبة بالتأكد من أن لدي الكثير من الطعام الصحي في المنزل‪ ،‬وطهي وجبات صحية‬
‫لنفسي‪ ،‬وإخبار نفسي أنني لم أكن في حاجة إلى إتخام معدتي؛ ألنه كان هناك الكثير من الطعام إذا‬
‫ما شعرت بالجوع مرة أخرى‪.‬‬

‫وإنني لم أحصل على الحماية التي يحتاج إليها جميع األطفال كي يحافظوا على سالمتهم‪ ،‬وقد كانت‬
‫والدتي تنام إلى ساعة متأخرة من الصباح‪ ،‬وتأخذ كثيًر ا من القيلوالت في يوم إجازتها‪ ،‬عندما لم تكن‬
‫نائمة‪ ،‬وكانت تجلس‪ ،‬وتتحدث ألصدقائها‪ ،‬وهذا يعني أنني كنت بمفردي معظم الوقت‪ ،‬وكنت أغادر‬
‫كل يوم فناء المنزل؛ بحًثا عن شخص ألعب معه أو أتحدث إليه‪ ،‬وهذا ما جعلني عرضة لالعتداء‬
‫الجنسي (تعرضت للتحرش ألول مرة عندما كنت في الرابعة) وللتعويض عن هذا النقص في‬
‫الحماية بوصفي شخًص ا بالًغا‪ ،‬كنت في حاجة إلى البدء في حماية نفسي بشكل أفضل‪ ،‬وهو ما يعني‬
‫في حالتي‪ ،‬أنني توقفت عن التهور مع نفسي (كوني قريبة من أشخاص لم يكونوا لطيفين معي‪،‬‬
‫وقيادة سيارتي أيًض ا سريًعا‪ ،‬ما جعلني أضع نفسي في مواقف خطيرة)‪.‬‬

‫وألن والدتي إما تجاهلتني أو كانت تنتقدني‪ ،‬كنت في حاجة إلى االهتمام بنفسي وتوفير الرعاية‬
‫اللطيفة لذاتي‪ ،‬وكنت في حاجة إلى تشجيع نفسي بطريقة محببة‪ ،‬بداًل من انتقاد جهودي كما فعلت‬
‫والدتي‪ ،‬وفكر في األشياء التي ُح رمت منها في طفولتك‪ ،‬وابدأ في توفيرها لنفسك اعتباًر ا من اليوم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬انتبه لنفسك‬


‫اجلس في مكان هادئ‪ ،‬واسترِخ وخذ نفًسا عميًقا‪ ،‬واسال نفسك‪« :‬ما نوع االهتمام أو الرعاية الذي‬
‫أحتاج إليه اليوم؟» هل تحتاج إلى االعتراف بمدى صعوبة العمل على نفسك؟ ما مقدار التقدم الذي‬
‫أحرزته في شفاء مآسي طفولتك؟ ماذا عن كتابة رسالة إقرار بنفسك؟ اكتب لنفسك كما لو كنت والًدا‬
‫محًّبا وحانًيا تخبر طفلك كم أنت فخور بما أنجزه‪ ،‬وهل تشعر بالعزلة والوحدة؟ قد تحتاج إلى‬
‫االتصال بصديق مقرب أو شخص محبوب‪ ،‬فهل أنت متعب من أسبوع العمل؟ ماذا عن االستلقاء‬
‫بضع دقائق واالستماع إلى موسيقا ناعمة قبل بدء العشاء؟ كيف يشعر جسمك؟ هل بشرتك في حاجة‬
‫إلى الرعاية؟ ماذا عن عالج بشرة وجهك بنفسك؟ هل تتألم قدمك؟ ماذا عن تدليك مهدئ للقدم؟ هل‬
‫أكتافك متيبسة؟ ستكون خمس عشرة دقيقة من تمارين إرخاء العضالت وتمارين التنفس مفيدة جًّدا‪.‬‬
‫قم بهذا التمرين مرة واحدة على األقل في األسبوع في البداية‪ ،‬وكّثفه إلى أن تصل إلى القيام به‬
‫يومًّيا‪ ،‬فإنك تستحق االهتمام بنفسك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهمية اللمس والتواصل البشري‬


‫كما ناقشنا سابًقا‪ُ ،‬تعّد اللمسة والدعم اإلنسانيان أمًر ا حيوًّيا للغاية‪ ،‬حتى إن األطفال الذين يتغذون‬
‫جيًدا سيهزلون‪ ،‬وربما يموتون إذا لم ُيشبع جوعهم للعاطفة‪ ،‬وإن الشعور بعدم الحب واالنفصال من‬
‫أولئك الذين يمكنهم تقديم لمسة مطمئنة أو أذن صاغية يمكن أن يتغلغل في أجسامنا على المستوى‬
‫الخلوي‪ ،‬ومع ذلك قد تستمر في حرمان نفسك من لمسة حانية والرفقة باالعتزال أو دفع األشخاص‬
‫الذين يرغبون في االقتراب منك بعيًدا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اسمح لنفسك أن تشعر بألمك‬


‫هذا ما حدث لسوزان من الفصل الثاني؛ المرأة التي كانت تقوم بحركات آلية تماًم ا بسبب اإلهمال‬
‫الشديد الذي عانت منه من والديها‪ ،‬وقد كانت سوزان منغلقة‪ ،‬وتخشى التعرض لمزيد من األذى‬
‫لدرجة أنها كانت تبعد أي شخص حاول االقتراب منها‪ ،‬بما في ذلك أنا‪ ،‬ولكن تدريجًّيا‪ ،‬بدأت الوثوق‬
‫بي بمرور الوقت‪ ،‬واستغرق األمر مزيًدا من الوقت قبل أن تبدأ في منح نفسها الرعاية والعناية‬
‫اللتين فقدتهما في طفولتها‪ ،‬وبناًء على اقتراحي‪ ،‬التزمت بالحصول على تدليك كامل لجسمها مرة‬
‫واحدة في األسبوع من ِقبل شخص حنون وآمن‪ ،‬وقد فهَم هذا الخبير بشؤون الجسد كيف يمكن أن‬
‫يتسبب اإلهمال الجسدي في تصلب جسد الشخص‪ ،‬وكم ستكون مقاومة سوزان العاطفية والجسدية‬
‫شديدة قبل أن تسمح ألحد أن يلمسها‪ ،‬ومع أن جسدها وقلبها كانا يصرخان للعناية والرعاية‪ ،‬كانت‬
‫خائفة من ذلك‪ ،‬وبدقة أكبر‪ ،‬كانت تخشى إن استسلمت للمتعة والعناية‪ ،‬فستنهار عاطفًّيا؛ ألن كل‬
‫األلم الذي تعاني منه بسبب عدم لمسها سوف يطفو على السطح أخيًر ا‪.‬‬
‫لقد كانت مخاوف سوزان مبررة بالفعل‪ ،‬وكان من المرجح أنه بمجرد أن سمحت لنفسها بأن تصبح‬
‫هشة جسدًّيا وعاطفًّيا‪ ،‬فكل ألمها المكبوت سينفجر دفعة واحدة‪ ،‬ولكن مع الدعم العاطفي للعالج‪،‬‬
‫وخبرة الخبير بالجسم‪ ،‬شعرُت بالثقة أن سوزان يمكنها أن تنجو من انهيارها المؤقت‪ ،‬وتخرج منه‬
‫بسرعة‪.‬‬

‫وبعد نحو ثالثة أشهر من التدليك األسبوعي‪ ،‬أصبح جسم سوزان أكثر تقباًل للمس‪ ،‬وبدأت عضالتها‬
‫في االسترخاء‪ ،‬وكانت هناك نظرة أكثر نعومة تحليها‪ ،‬وال سيما على وجهها‪ ،‬الذي أظهر اآلن أدنى‬
‫درجات التعبير وحسب‪ ،‬وذات يوم دخلت إلى العالج تبدو ناعمة للغاية‪ ،‬ولم يعد وجهها يحمل‬
‫القسمات القاسية النموذجية‪ ،‬فسألتها‪ :‬ماذا حدث؟ فأخبرتني بأنه في أثناء آخر جلسة مساج كانت قد‬
‫بدأت بالبكاء‪ ،‬وبداية كانت الدموع تنساب فقط من عينيها؛ ولكن سرعان ما كانت تبكي مثل طفلة‪،‬‬
‫وكانت على ظهرها في ذلك الوقت‪ ،‬وكانت أخصائية التدليك تعمل على بطنها‪ ،‬فقالت‪ :‬إنها شعرت‬
‫أن البكاء كان يخرج من أعماق معدتها‪ ،‬وكانت في حاجة إلى أن تنقلب على جانبها حتى تتنفس‪،‬‬
‫فغطتها أخصائية التدليك ببطانية‪ ،‬وبدأت في مداعبة جبينها ورأسها بلطف‪ ،‬وبقيت سوزان مستلقية‬
‫وهي تبكي في وضع الجنين لما بدا كأنه مدة طويلة جًّدا‪ ،‬فتشعر وكأنها لن تتوقف أبًدا‪ ،‬ولكن بعدما‬
‫قالت أخصائية التدليك‪ :‬إنها كانت نحو خمس عشرة دقيقة‪ ،‬بدأت أخيًر ا في التوقف عن النحيب‪ ،‬ثم‬
‫بدأت المعالجة بتدليك قدمي سوزان‪ ،‬الذي ساعدها على الشعور بمزيد من القوة‪ ،‬وبحلول الوقت‬
‫الذي نهضت به من على طاولة التدليك‪ ،‬شعرت بالضعف‪ ،‬ولكنها كانت مرتاحة للغاية وفخورة‬
‫بنفسها للسماح لنفسها أن تشعر بألمها على هذا المستوى العميق‪.‬‬

‫وقد احتاجت سوزان إلى أن تشعر بهذا األلم‪ ،‬ولو عانيت في أي شكل من األشكال التي عانت منها‬
‫سوزان عندما كانت طفلة‪ ،‬عليك أن تسمح لنفسك بالشعور باأللم أيًض ا‪ ،‬فيمكن أن يساعد التدليك‬
‫األسبوعي على توفير الرعاية لك ولجسمك الذي هو في أمس الحاجة إليها‪ ،‬وإنه يمكن أن يقلل من‬
‫دفاعاتك‪ ،‬ومن ثم تسمح بدخول األشياء الجيدة‪ ،‬وخروج جميع أشكال ألمك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫جراح الهجر‬
‫ُيحِدث اإلهمال‪ ،‬والرفض‪ ،‬والهجر (الجسدي والعاطفي) جروًح ا عاطفية شديدة عند الطفل‪ ،‬ويمكن‬
‫لجروح الهجر هذه أن ُتحِدث شعوًر ا مدى العمر‪ ،‬بأن هناك شيًئا خطًأ متأصاًل في النفس‪.‬‬
‫وإذا كنت تعاني من جروح الهجر العميقة هذه‪ ،‬فأنت في حاجة إلى التأكد من عدم االستمرار في‬
‫هجر نفسك بالطريقة التي كنت فيها مهجوًر ا عندما كنت طفًل‪ ،‬وإنك تهجر نفسك عندما تضع نفسك‬
‫في مواقف خطيرة أو مؤذية‪ ،‬عندما ال تقدم التغذية السليمة والراحة الكافية لنفسك‪ ،‬وعندما ال تسمح‬
‫لنفسك بالتحدث نيابة عنك‪ ،‬وإن معرفة أن الجزء البالغ منك يستطيع‪ ،‬في الواقع‪ ،‬أن يعطي الجزء‬
‫الطفل منك ما فاتك عندما كنت طفاًل ‪ ،‬ويمكن لذلك أن يمثل طريقة فعالة‪ ،‬على نحو خاص‪ ،‬لكسر‬
‫هذا النمط من الهجر‪.‬‬
‫وقد يكون مؤلًم ا جًّدا أن يقال لك‪ :‬إنه من غير المحتمل أن تتلقى من والديك الحب واالهتمام والدعم‬
‫الذي فاتك وأنت طفل‪ ،‬مهما حاولت جاهًدا إرضاء والديك اليوم‪ ،‬وينتظر كثير من الذين تم إهمالهم‬
‫أو هجرهم طوال حياتهم بأكملها‪ ،‬منتظرين من والديهم أو اآلخرين‪ ،‬أن يقدموا لهم اليوم ما لم‬
‫يحصلوا عليه عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬ويظل بعضهم مرتبطين بوالديهم المهملين مستمرين في المعاناة‬
‫من آالم الرفض أو الهجر أو اإلحباط‪ ،‬ويتوقع بعضهم اآلخر أنه يجب على اآلخرين إزالة آالمهم‪،‬‬
‫وهذا يسبب لهم خيبة أمل مستمرة‪ ،‬وكذلك المزيد من تجارب الرفض والتخلي‪ ،‬وأريد أن أنقذك من‬
‫كل من هاتين المأساتين‪ ،‬فإن أفضل طريقة للقيام بذلك هي التأكيد لك على أنه يجب أن تتوقف تماًم ا‬
‫عن توقع أن يهتم بك اآلخرون‪.‬‬

‫وعلى الرغم من عدم قدرة أي شخص آخر على إعطائك ما فاتك عندما كنت طفاًل ‪ ،‬إال أن هذا ال‬
‫يعني أنه محكوم عليك بعدم تلقيه أبًدا‪ ،‬وهناك شخص واحد يمكنه أن يمنحك ما فاتك‪ ،‬وما أنت في‬
‫حاجة ماسة إليه وترغبه؛ هذا الشخص هو أنت‪.‬‬

‫إن الجزء البالغ منك؛ ذلك الجزء الذي كان عليه أن يكبر على الرغم من أنه لم يحصل على ما‬
‫يحتاج إليه للقيام بذلك يمكنه البدء في االهتمام بالـطفل المحتاج فيك‪ ،‬ويعتني الجزء البالغ باألعمال‪،‬‬
‫ويستيقظ للعمل كل يوم‪ ،‬ويدفع الفواتير‪ ،‬ويحميك‪ ،‬ويمكن لهذا الجزء البالغ منك أن يبدأ في رعاية‬
‫الجزء الطفل منك؛ الجزء الذي يشعر بالعجز‪ ،‬والخوف‪ ،‬والحرمان‪ ،‬وأنه غير محبوب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫عمل الطفل الداخلي‬


‫ُطّو ر مفهوم عمل الطفل الداخلي منذ سنوات عدة‪ ،‬وكثير من المعالجين‪ ،‬وال سيما أولئك الذين‬
‫يعملون في مجال الشفاء يوصون بأساليب الطفل الداخلي مدة طويلة لدرجة أن تلك األساليب‬
‫أصبحت إلى حد ما كليشيهات‪ ،‬ولكن كليشيهات أم ال‪ ،‬فيمكن لعمل الطفل الداخلي أن يكون العمل‬
‫األهم الذي بوسع األشخاص الذين تم إهمالهم أو التخلي عنهم فعله لرفع تقديرهم لذواتهم‪.‬‬
‫وإن مفهوم الطفل الداخلي هو فكرة أنه لدينا جميًعا ضمن أنفسنا ذاكرة أو جوهر الطفل الذي كنا‬
‫عليه في يوم من األيام‪ ،‬وأنه كما لو أن جزًء ا منا كبر‪ ،‬وأصبح بالًغا‪ ،‬في حين أن جزًء ا آخر منا بقي‬
‫طفاًل ‪ ،‬وينطبق ذلك على وجه التحديد على األشخاص الذين تم إهمالهم أو اإلساءة إليهم وهم أطفال؛‬
‫ألن اإلهمال وسوء المعاملة يمكن أن يسببا لنا أن نصبح ثابتين أو عالقين في سن معينة‪ ،‬وغير‬
‫قادرين أو غير راغبين في أن نكبر‪ ،‬وطفلنا الداخلي هو أيًض ا رمز ألنفسنا الحساسة‪ ،‬وإن الوصول‬
‫إلى هذه النفس الحساسة يمكن أن يساعدك على تحديد ما تحتاج إليه في أي وقت‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬اكتشف طفلك الداخلي‬


‫فيما يلي اقتراحات حول كيفية اكتشاف طفلك الداخلي والعناية به‪:‬‬

‫‪ .1‬تصفح ألبومات الصور القديمة‪ ،‬مهتًّم ا بشكل خاص بصورك وأنت طفل‪ ،‬وانظر إليها عن كثب‪،‬‬
‫واعزل واحدة أو اثنتين تنجذب إليهما‪ ،‬إما بسبب أنه لديك مشاعر ولع أو حنان تجاه الطفل في‬
‫الصورة‪ ،‬أو ألن هناك شيًئا خاًّص ا الفًتا للغاية عن الطفل الذي تراه‪.‬‬
‫‪ .2‬ضع هذه الصورة في إطار‪ ،‬وضعها في غرفة نومك أو أي غرفة أخرى‪ ،‬حيث ستراها كثيًر ا‪ ،‬أو‬
‫ضع صورة من نفسك وأنت طفل في غرفة نومك أو مرآة الحمام بوصفها تذكيًر ا ناعًم ا بأن لديك‬
‫طفاًل محروًم ا بالداخل يحتاج إلى الحب‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬إن التحدث إلى صورتك تلك كل صباح‪ ،‬وقول‬
‫أشياء مثل‪« :‬أنا معك»‪« ،‬سأعتني بك» و“أنا أحبك» قد تكون غاية في األهمية‪.‬‬
‫‪ .3‬ابدأ في تخيل أن طفلك الداخلي معك دائًم ا‪ ،‬وأن هذا الطفل لديه احتياجات يجب عليك االهتمام‬
‫بها‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إن تخيل الطفل الذي بداخلك هو بجانبك في سيارتك يمكن أن يجعلك تقود‬
‫سيارتك بشكل أكثر أماًنا‪ ،‬أو أن تستقطع وقًتا للتوقف لتناول الغداء‪.‬‬
‫‪ .4‬ابدأ في إجراء حوار مع طفلك الداخلي‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قد تسأله‪« :‬ما هو شعورك اليوم؟» أو‬
‫«ماذا تريد أن تفعل اليوم؟» يفعل معظم الناس ذلك بصمت‪ ،‬داخل رؤوسهم‪ ،‬ولكَّن آخرين يتحدثون‬
‫في الواقع بصوت عاٍل ألطفالهم الداخليين‪ ،‬ويجعلونهم يجيبون بصوت عاٍل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬حوار مكتوب مع طفلك الداخلي‬


‫إن طريقًة فعالة لبدء حوار مع طفلك الداخلي هي القيام بتمرين الكتابة اآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬ارسم خًّطا عمودًّيا منتصف قطعة من الورق أو على صفحة في دفتر يومياتك‪.‬‬

‫‪ .2‬بيدك المسيطرة (إذا كنت يميًنا‪ ،‬فيعني ذلك يدك اليمنى) اسأل طفلك سؤااًل بسيًطا مثل «كيف‬
‫حالك اليوم؟» أو بمنتهى السهولة اكتب‪« :‬مرحًبا»‪ .‬اكتب هذا على الجانب األيسر من الخط‬
‫العمودي‪.‬‬
‫‪ .3‬قم بتبديل القلم أو قلم الرصاص إلى يدك األقل سيطرة‪ ،‬وانظر إن أتاك جواٌب ‪ ،‬وال تفكر كثيًر ا‪،‬‬
‫وانظر إذا تدفق شيء فقط‪ .‬عامة‪ ،‬تشعر باإلجابة كما لو أنها من جزء آخر منك‪ ،‬وفي هذه الحالة‪،‬‬
‫نحن نركز على طفلك الداخلي؛ لذلك قد تبدو اإلجابة كما لو أنها طفولية تماًم ا‪ ،‬واكتب هذه اإلجابة‬
‫على الجانب األيمن من الخط العمودي‪.‬‬
‫‪ .4‬إذا كان طفلك الداخلي واثًقا‪ ،‬ويمكن الوصول إليه‪ ،‬فهو أو هي قد يقول شيًئا مثل‪« :‬أنا حزين» أو‬
‫«مرحًبا» رًّدا على سؤالك‪ ،‬ولكن في كثير من األحيان ال تلقى رًّدا أبًدا‪ ،‬وقد يكون هذا مؤشًر ا على‬
‫أن طفلك الداخلي غاضب منك‪ ،‬أو ال يثق بك إلى حد أن يرد عليك؛ ألنك لم تتصل بـطفلك الداخلي‬
‫من قبل‪ ،‬وقد يشعر بالريبة منك بشكل طبيعي‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬أين كنت؟ لماذا لم تهتم بي من قبل؟‬
‫لهذا السبب‪ ،‬قد تحتاج إلى أن تسأله مرات عدة‪ ،‬وفي مناسبات مختلفة‪ ،‬قبل أن يثق الطفل الداخلي‬
‫أنك مهتم به حًّقا‪ ،‬وتلقى بعض الناس إجابات بالفعل مثل‪« :‬لماذا تهتم بي؟» أو «لن أتحدث إليك»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التواصل مع طفلك الداخلي‬


‫يجد كثير من الناس صعوبة بالغة في العثور على طفلهم الداخلي‪ ،‬وإن كان هذا ينطبق عليك‪ ،‬قد‬
‫تحتاج إلى اكتساب ثقة طفلك الداخلي قبل أن يكشف عن نفسه لك؛ ألن كثيًر ا من البالغين الذين‬
‫ُأهملوا أو أسيئت معاملتهم بدؤوا معاملة طفلهم الداخلي بالطريقة نفسها التي عاملهم بها آباؤهم‪ ،‬وكما‬
‫أوضحت لي مراجعتي دانا‪« :‬أمي تجاهلتني وتجاهلت احتياجاتي‪ ،‬ولقد تظاهرْت ببساطة أنني لم‬
‫أكن هناك‪ ،‬وأجد اآلن أنني أفعل الشيء نفسه لطفلي الداخلي‪ ،‬فأنا فقط أتجاهله‪ ،‬على أمل أنه‬
‫سيتركني وشأني» وإذا تجاهلت طفلك الداخلي وتجاهلت احتياجاته مدة طويلة‪ ،‬فمن غير المحتمل أن‬
‫يكشف عن نفسه لك بسهولة‪ ،‬فقبل كل شيء‪ ،‬لماذا ينبغي أن يكشف عن نفسه؟ ومراجع آخر‪ ،‬وهو‬
‫توني‪ ،‬الذي أوضح‪« :‬لم يرد طفلي الداخلي أي عالقة بي‪ ،‬ولم يثق بي طالما كان بوسعه أن يرمي‬
‫بي‪ ،‬وكنت أسمع في كل مرة حاولت التحدث له‪ ،‬مجرد صمت قاتل»‪.‬‬

‫وقد تضطر إلى كسب ثقة طفلك الداخلي‪ ،‬فبوسعك القيام بذلك بكونك ثابًتا وصابًر ا‪ ،‬ومن خالل‬
‫الوفاء بوعودك‪ ،‬وال تسأل طفلك الداخلي ما يريده أو ما يحتاج إليه إال إذا كنت تخطط لتوفيره له‪،‬‬
‫وال تخبر طفلك الداخلي أبًدا بأنك ستفعل شيًئا‪ ،‬ثم ال تفعله‪ ،‬فعندها مهما كانت الثقة المزدهرة قوية‬
‫بينه وبينك ستنتهي في لحظتها‪ ،‬وستساعدك االقتراحات اآلتية على التواصل مع طفلك الداخلي حتى‬
‫األكثر تحفًظا‪.‬‬
‫‪ .1‬إذا استمررت في عدم تلقي أي رد عند محاولتك بكتابة الحوار‪ ،‬قد ترغب في كتابة رسالة لطفلك‬
‫الداخلي‪ ،‬والغرض هو إجراء اتصال؛ للتعبير عن أي ندم لديك عن الطريقة التي عومل بها طفلك‪،‬‬
‫والطريقة التي تستمر في معاملتك له‪ ،‬ومن المرجح أن يكتسب طفلك بعض الثقة فيك إذا كنت‬
‫مخلًص ا وآسًفا عموًم ا‪.‬‬
‫‪ .2‬يمكنك بعد ذلك محاولة جعل طفلك الداخلي أن يكتب رسالة جوابية إليك‪ ،‬ويمكنك القيام بذلك‬
‫باستخدام يدك األقل سيطرة إذا كنت ترغب‪ ،‬ولكن هذا ليس ضرورًّيا‪.‬‬
‫قد يبدو كل هذا شيًئا ضرًبا من الغباء بالنسبة إليك‪ ،‬ولكن صدقني‪ ،‬فهذه األساليب تعمل حقيقة‪ ،‬فهي‬
‫ال تساعدك فقط على التواصل مع األجزاء المنفصلة عن نفسك (مشاعرك‪ ،‬ذكريات طفولتك)‪،‬‬
‫ولكنها تساعدك أيًض ا على التركيز على العناية باحتياجاتك بشكل أفضل‪ ،‬وفي الجوهر‪ ،‬إنها‬
‫تساعدك على أن توفر لنفسك اليوم ما لم تتلَّقه من والديك عندما كنت تكبر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫االنغماس في ملذات الذات‬


‫ال يستمر األطفال البالغون الذين حرموا في مرحلة الطفولة بحرمان أنفسهم فقط بالطريقة التي فعلها‬
‫آباؤهم‪ ،‬ولكنهم غالًبا ما يذهبون إلي الطرف اآلخر‪ ،‬ويصبحون منغمسين في ملذات ذواتهم بإفراط‪،‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬إن الوجه اآلخر للحرمان هو االنغماس في ملذات الذات‪ ،‬وهذا هو السبب في أن كثيًر ا‬
‫من األطفال الذين ُأهملوا أو تعرضوا لإليذاء العاطفي‪ ،‬كبروا ليصبحوا بالغين مفرطين في ملذاتهم‪،‬‬
‫وكطريقة لموازنة مصاعبهم‪ ،‬ومن حاجة بائسة إلراحة أنفسهم‪ ،‬يطورون طريقة ألن يكونوا سهلين‬
‫جًّدا مع أنفسهم‪ ،‬وعندما تصبح الحياة صعبة‪ ،‬فإنهم يتطلعون إلى الطعام‪ ،‬والكحول أو المخدرات أو‬
‫العالقات أو التسوق أو الكثير من أنواع اإلدمان األخرى من أجل العزاء والراحة‪ ،‬وبناًء على‬
‫مقابالت معمقة مع عائالت أطفال يعانون من السمنة المفرطة‪ ،‬وجدت هيلدا بروخ‪ ،‬وهي طبيبة‬
‫نفسية في كلية بايلور الطبية وزميلتها غريس تورين أن جذور الدافع للجوء إلى اإلفراط هي أساليب‬
‫األبوة واألمومة التي كانت متساهلة و ‪ /‬أو الحرمان‪ ،‬وقد أيدت األدبيات الطبية‪ ،‬منذ ذلك الحين‬
‫النتائج التي توصلت إليها بروخ وتورين‪ ،‬مظهرة أنه من األكثر احتمااًل أن مشكالت مختلفة تظهر‬
‫عندما يكون الوالدان متساهلين جًّدا أو قاسيين جًّدا‪ ،‬وإن األدبيات عن اضطرابات األكل وتعاطي‬
‫المخدرات واالضطرابات العاطفية‪ ،‬وتعزيز الصحة تتوافق بشكل خاص مع هذه الفكرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تجربتي مع الحرمان واالنغماس في ملذات الذات‬


‫كانت والدتي ربة أسرة بنفسها (مصطلح يعني أن ال والد في البيت)‪ ،‬وعملت بجد إلعالتنا‪ ،‬وكانت‬
‫تقف على قدميها ثماني ساعات يومًّيا‪ ،‬تبيع مستحضرات التجميل للنساء الثريات في متجر راٍق ‪،‬‬
‫وكانت تنهض كل يوم باكًر ا قبل ساعات؛ إلعطاء نفسها متسًعا من الوقت لتطبيق مكياج كامل‬
‫واللبس بطريقة رائعة حتى تبدو مناسبة لوظيفتها‪ ،‬وكانت مركزة جًّدا على أن تظهر بالمظهر األنيق‬
‫من أجل الحفاظ على وظيفتها‪ ،‬لدرجة أنها لم تنتبه إال قلياًل إلى ما كنت أرتديه‪ ،‬أو حتى التأكد من‬
‫أنني أقوم بمبادئ النظافة األساسية‪ ،‬مثل تنظيف أسناني بالفرشاة‪ ،‬وكانت النتيجة أنني كثيًر ا ما كنت‬
‫أتحرك بأسنان قذرة‪ ،‬وشعر متسخ‪ ،‬ومالبس غير نظيفة‪.‬‬
‫وألن والدتي عملت بجد‪ ،‬وكانت مرهقة للغاية كي تحتفظ بوظيفتها وتأمين لقمة العيش‪ ،‬كانت‬
‫تنغمس في ملذاتها مساًء ‪ ،‬وفي أيام إجازتها‪ ،‬ومن أول األشياء التي كانت تفعلها عندما تعود إلى‬
‫المنزل هو فتح أول قارورة من كثير من قوارير البيرة‪ ،‬وتجلس لمشاهدة التلفاز‪ ،‬وكانت تسمح‬
‫لنفسها‪ ،‬في أيام إجازتها‪ ،‬بالنوم حتى الظهر في كثير من األحيان‪ ،‬وعندما كانت تستيقظ أخيًر ا‪،‬‬
‫كانت تشرب القهوة‪ ،‬وتدخن السجائر‪ ،‬ساعات عدة‪ ،‬حتى تبدأ بعد ذلك بشرب البيرة والتدخين حتى‬
‫وقت متأخر من بعد الظهيرة‪ ،‬وكانت تقرأ أو تشاهد التلفاز بقية المساء‪ ،‬وكانت تشرب في بعض‬
‫األحيان ما يصل إلى زجاجتين من زجاجات البيرة‪.‬‬
‫وعندما كنت طفلة‪ ،‬كنت أشعر بالحرمان الشديد من األم‪ ،‬فقد اشتقت إلى واحدة تستيقظ صباًح ا‪،‬‬
‫وتفعل ما رأيت أن األمهات األخريات يفعلنه‪ :‬إعداد اإلفطار‪ ،‬وتنظيف المنزل‪ ،‬وغسل مالبس‬
‫أطفالهن‪ ،‬وأردت أن أكون قادرة على إحضار أصدقائي لتناول العشاء‪ ،‬وأن تقود أمي السيارة‬
‫إليصالي لمشاهدة فيلم‪ ،‬أو الذهاب للعب البولينج‪ ،‬كما تفعل أمهات صديقاتي معهن‪ ،‬وبداًل من ذلك‪،‬‬
‫كنت أستيقظ صباًح ا‪ ،‬وأخرج باحثة عن طفل في الحي أللعب معه أو شخص بالغ للتحدث إليه‪ ،‬وفي‬
‫أيام المدرسة‪ ،‬كنت أرتدي مالبسي‪ ،‬وأذهب إلى المدرسة من دون وجبة اإلفطار‪ ،‬وغالًبا ما كنت‬
‫أبدو مثل صعلوكة صغيرة‪.‬‬

‫وقد تعتقد أنني سوف أكون طفلة نحيفة‪ ،‬وربما حتى طفلة مريضة‪ ،‬ولكن لحسن الحظ‪ ،‬كان لدي‬
‫جينات جيدة‪ ،‬وحافظت على صحة جيدة إلى حد ما‪ ،‬باستثناء المعاناة من التهاب الشعب الهوائية‬
‫المزمن بسبب تدخين أمي‪ ،‬وإنني كنت أعاني من إمساك شديد؛ ألنني ما كنت أتناول إال القليل جًّدا‬
‫من الخضراوات والفاكهة‪ ،‬وكان عندي أشكال نخٍر متعددة بسبب سوء نظافة أسناني‪ ،‬وبداًل من أن‬
‫أكون نحيفة‪ ،‬بوصولي السنة السادسة أو السابعة‪ ،‬بدأت أبدو بدينة إلى حد ما‪ ،‬وكنت قد بدأت بالفعل‬
‫في تدليل نفسي بالطعام من أجل التعويض عن مشاعر الحرمان التي كنت أعاني منها‪ ،‬وألني منهكة‬
‫جًّدا بسبب عدم تناول وجبة اإلفطار‪ ،‬كنت آتي على كل غدائي في الكافتريا‪ ،‬وكنت أحضر لنفسي‪،‬‬
‫بعد المدرسة‪ ،‬شطائر البيض المقلي (لم يكن هناك أبًدا لحوم أو جبنة أبًدا في متناول اليد)‪ .‬وفي‬
‫العشاء‪ ،‬كنت أحشو نفسي بأي شيء تمكنت أمي من تحضيره‪ ،‬وفي وقت متأخر من المساء‪ ،‬كنت‬
‫أتسلل إلى الثالجة؛ ألرى ما يمكن أن أجده‪.‬‬

‫وقد كانت بدايات ميولي إلى االنغماس في نفسي أيًض ا بسبب ميل والدتي إلى التطرف في الحرمان‬
‫من جهة والتساهل من جهة أخرى‪ ،‬إذ كنا «بالكاد نعيش»‪ ،‬كما تقول‪ ،‬حيث نأكل الفاصوليا‬
‫والمعكرونة طوال األسبوع‪ ،‬ولكن عندما كانت تتسلم راتبها‪ ،‬كانت تشتري دائًم ا لنا شريحة لحم أو‬
‫دجاج وهدية‪ ،‬وكانت الهدية عادة نصف جالون من الحليب المجمد؛ نسخة أرخص من اآليس كريم‪،‬‬
‫وكانت تشتري الحليب المثلج يوم الجمعة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬وكان ينتهي تماًم ا في ليلة السبت‪ ،‬أو‬
‫ظهيرة يوم األحد على أبعد تقدير‪ ،‬وربما تناولت هي زبدية واحدة‪ ،‬وكنت آتي علىالباقي بنفسي‪.‬‬

‫وتعلمت أشياء عدة من والدتي؛ تعلمت أن أعمل بجد‪ ،‬وفي الحقيقة‪ ،‬تعلمت أنه يمكنك فعل أي شيء‬
‫إذا فكرت فيه جيًدا‪ ،‬ومضيت قدًم ا في تنفيذه‪ ،‬واستطاعت تربية طفل بمفردها على الرغم من حقيقة‬
‫أنها لم تكن تمتلك أي مهارات سوى كونها مندوبة مبيعات جيدة‪ ،‬وتعلمُت أنه إذا بقيت مركًز ا على‬
‫المهمة بين يديك‪ ،‬وتجاهلت جسدك ومشاعرك واحتياجاتك‪ ،‬ينتهي بك األمر بقليل من الراحة‪ ،‬وقليل‬
‫من المتعة‪ ،‬وقليل من الرعاية‪ ،‬وهذا ما اعتدت على فعله معظم حياتي‪ ،‬وعملت بجد‪ ،‬وأنجزت أشياء‬
‫رائعة‪ ،‬ولكن نادًر ا ما أخذت الوقت لالنتباه إلى جسدي أو احتياجاتي العاطفية‪ ،‬وحرمت نفسي من‬
‫النوم‪ ،‬ونادًر ا ما لعبت‪ ،‬أو متعت نفسي كثيًر ا‪ ،‬وانتهى بي األمر وأنا أفعل الشيء نفسه مثل أمي‪ ،‬فقد‬
‫قسمت حياتي إلى نقيضين‪ :‬الحرمان والتساهل‪ ،‬وأدخلت نفسي دوامة اإلرهاق تماًم ا‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫(نزلت) من عملي مجنونة بسبب اإلفراط في األكل‪ ،‬ثم النوم حتى أرتاح من آثار اإلرهاق‪ ،‬تماًم ا‬
‫كما كانت والدتي تتعامل مع التوتر بشرب اثنتي عشرة زجاجة من البيرة‪ ،‬وتعاملت مع إرهاقي‬
‫باإلفراط في تناول الطعام عندما أصل إلى المنزل‪ ،‬والمفاجأة‪ ،‬المفاجأة أنني كنت أكافئ نفسي‪ ،‬في‬
‫نهاية أسبوع طويل في العمل‪ ،‬بالبوظة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تمريُن المذكرات اليومية‪ :‬قاٍس جًّدا أو سهل جًّدا‬


‫‪ .1‬اكتب عن الطرق التي تكون فيها متساهاًل جًّدا مع نفسك (ال تضغط على نفسك لممارسة‬
‫الرياضة‪ ،‬تسمح لنفسك بتناول اآليس كريم على الرغم من رغبتك في إنقاص الوزن‪ ،‬أو االستمرار‬
‫في السماح لنفسك بالمماطلة)‪.‬‬

‫‪ .2‬اكتب عن الطرق التي أنت فيها قاٍس جًّدا على نفسك (الضغط على نفسك إلكمال مهمة‪ ،‬وتجاهل‬
‫حاجتك إلى التغذية السليمة والراحة‪ ،‬وحرمان نفسك بين الحين واآلخر من مكافأة غذائية؛ ألنك‬
‫مهووس بالبقاء نحيًفا)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫توقف عن مهاجمة نفسك‬


‫القليل من تجارب الطفولة لها تأثير مدمر في شعورك بهجران الذات‪ ،‬وإنها ُتحِدث إحساًسا أساسًّيا‬
‫بانعدام القيمة أو الخطأ‪ ،‬حيث إنها تضخم حتى األذى الخفيف لتجعله إحساًسا مدمًر ا‪ ،‬وإذا تم التخلي‬
‫عنك عندما كنت طفاًل ‪ ،‬يمكن ألي حدث مؤلم أن يتسبب في أن تحس بشعور مدمر من عدم القيمة‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا أصبح شخص ينتقدك أو يغضب منك‪ ،‬وإذا شعرت بالتجاهل أو عدم التقدير‪،‬‬
‫أو إذا ارتكبت خطأ‪ ،‬فإن ذلك يمكنه أن يؤكد اعتقادك األساسي بأنك عديم القيمة‪ ،‬وقد يكون رد فعلك‬
‫إما أن تغضب من نفسك‪ ،‬وتوبخ نفسك بشدة‪ ،‬أو تصبح عديم اإلحساس‪ ،‬وقد تعيش في خوف دائم‬
‫من أن يكتشف اآلخرون كيف أن ال قيمة لك حًّقا‪ ،‬وعندما ينتقدك شخص ما أو يرفضك‪ ،‬قد تشعر‬
‫كما لو أنه عرفك على حقيقتك‪ ،‬ومهما كانت صغيرة الصعوبة الحالية‪ ،‬فإنها تذكير مؤلم باألوقات‬
‫التي ُر فضت فيها أو تم التخلي عنك عندما كنت طفاًل ‪ ،‬وانتهى األمر بك إلى االعتقاد أنك من يالم‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أنك قد تحاول إخبار نفسك أنه مجرد شيء صغير‪ ،‬إال أن صوتك المعقول تغرقه‬
‫مشاعرك الغامرة من عدم القيمة والخطأ‪ ،‬وقد تحاول الدفاع ضد مشاعر عدم القيمة أو صدها‬
‫بمهاجمة نفسك معتقًدا إن أنت عاقبت نفسك بما يكفي‪ ،‬فسوف تصحح عيوبك أخيًر ا ‪ -‬أي يمكن‬
‫إصالح األشياء التي تكرهها في نفسك ‪ -‬وأنه عندما تضع نفسك في الشكل الصحيح‪ ،‬فإن ذلك‬
‫الشعور السيئ سيختفي‪.‬‬

‫ويمكن لهذا النوع من جلد الذات أن يعمل مؤقًتا‪ ،‬وإنك مركٌز جًّدا على تصحيح عيوبك‪ ،‬لدرجة أن‬
‫الشعور العميق بعدم القيمة ينزوي مؤقًتا‪ ،‬ولكن بمرور الوقت فأنت تدمر احترامك لذاتك‪ ،‬وتقديرك‬
‫لذاتك بشكل أكبر‪.‬‬

‫وإن الطريقة الوحيدة لوقف هذه الهجمات الذاتية هي إدراك أنه في كل مرة تجلد ذاتك‪ ،‬فأنت ال تلحق‬
‫الضرر بقيمتك الذاتية فحسب‪ ،‬بل أيًض ا إنك تهرب أيًض ا من الحقيقة‪ ،‬وإنك ُتوِج د صورة خيالية‬
‫تعتقد أنه يمكنك أخيًر ا إقحام نفسك في ُم ثلك الشخصية‪ ،‬ولكن ال يمكنك تفصيل نفسك على الشكل‬
‫الذي ترغبه‪ ،‬وفي الحقيقة‪ ،‬إنك تؤذي نفسك أكثر مما تنفعها‪ ،‬وإن الهجوم الذاتي يقلل في الواقع من‬
‫قدرتك على التغيير‪ ،‬فقط عندما تحس بالرضا عن نفسك‪ ،‬عندها تشعر بالدافع إلجراء تغييرات‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أعد توجيه غضبك‬

‫ُأ‬
‫يحّو ل كثير من الناس الذين ُأهملوا في مرحلة الطفولة غضبهم‪ ،‬بسبب التخلي عنهم‪ ،‬إلى أنفسهم على‬
‫شكل جلد الذات‪ ،‬أو العقاب الذاتي‪ ،‬أو كراهية الذات‪ ،‬وإذا كنت أحدهم‪ ،‬فمن األهمية بمكان أن تعمل‬
‫على إعادة توجيه غضبك نحو أولئك الذين تخلوا عنك‪.‬‬

‫وعندما كانت نانسي في السادسة من عمرها‪ ،‬انفصل والداها‪ ،‬فتنقل والد نانسي في جميع أنحاء‬
‫البالد‪ ،‬وتركتها والدتها في رعاية جدتها في أثناء بحثها عن عمل‪ ،‬ولم تستطع العثور على وظيفة‬
‫في بلدتهم الصغيرة‪ ،‬ولكنها تمكنت من الحصول على عمل في مدينة قريبة‪ ،‬ولسوء الحظ‪ ،‬وألنها‬
‫شعرت بأن المدينة ليست مكاًنا لتربية طفل‪ ،‬تركت نانسي مع جدتها طوال الوقت‪ ،‬واكتفت بزيارتها‬
‫في نهاية كل أسبوع‪ ،‬ونشأت نانسي وهي تشعر بالتخلي عنها من ِقبل والديها‪ ،‬ولكن بشكل خاص‬
‫من ِقبل والدتها التي أصبحت زياراتها أقل فأقل‪.‬‬

‫وكما هو معتاد لدى األطفال‪ ،‬فقد ألقت نانسي باللوم على نفسها لهجران أمها لها‪ ،‬وشعرت بأنها لو‬
‫كانت ابنة أفضل مما هي عليه‪ ،‬لكانت والدتها رغبت في إعادتها إلى المدينة‪ ،‬وفي كل مرة تركتها‬
‫والدتها‪ ،‬كانت نانسي تبحث في دماغها محاولة اكتشاف الخطأ الذي فعلته‪ ،‬وبوصف نانسي شخًص ا‬
‫بالًغا‪ ،‬فقد استمرت في إلقاء اللوم على نفسها لتخلي والدتها عنها‪ ،‬وكانت مقتنعة بوجود خلل‬
‫جوهري عندها‪ ،‬وأنه بسببه لن يرغب بها أي إنسان‪ ،‬وعندما التقيت نانسي‪ ،‬كانت امرأة وحيدة مع‬
‫القليل من األصدقاء الذين يميلون إلى النقد الذاتي بشكل رهيب‪.‬‬

‫ولم يستغرق األمر وقًتا طوياًل حتى أدركُت أن نانسي كانت في حالة غضب من أمها؛ لتخليها عنها‪،‬‬
‫وعدم حبها لها بما يكفي‪ ،‬حيث لم تخصص لها من وقتها لرعايتها‪ ،‬وكان عليها أن تدرك أن والدتها‬
‫تركتها؛ ألنها كانت أًّم ا أنانية‪ ،‬أو ليست أًّم ا جيدة‪ ،‬وليس ألن نانسي كانت ابنة ليست بجيدة‪.‬‬

‫وببعض التشجيع مني‪ ،‬تمكنت نانسي أخيًر ا من مواجهة الحقيقة بشأن والدتها‪ ،‬ففي إحدى جلسات‬
‫لعب األدوار‪ ،‬كانت قادرة على أن تقول لوالدتها‪« :‬أنا لست عديمة القيمة‪ .‬أنت التي ال قيمة لك؛ كنت‬
‫أًّم ا ال قيمة لها»‪ .‬في هذه الجلسة خطت نانسي خطوة كبيرة نحو شفائها‪.‬‬

‫هل تتذكر تامي من الفصل الثاني ‪ -‬المنفصلة؟ تمثلت خطوة كبيرة من شفائها بإقرارها مدى غضبها‬
‫من والدها الذي تخلى عنها‪ ،‬وبداًل من تمثل الرفض داخلًّيا‪ ،‬وافتراض أنها كانت تعاني من شيء‬
‫خاطئ عندها تسبب في رفض والدها لها‪ ،‬تمكنت أخيًر ا من السماح لنفسها بأن تغضب منه‪ ،‬وتبدأ‬
‫في إدراك أنه هو من كان يعاني من مشكلة‪.‬‬

‫وقد أخبرتك سابًقا أن تامي كانت تكره أن ترى انعكاس صورتها في المرآة‪ ،‬وفي واقع األمر‪ ،‬كانت‬
‫تكره صورتها كثيًر ا‪ ،‬لدرجة أنها حطمت بالفعل المرآة في أكثر من مرة؛ أحياًنا بقبضتيها العاريتين‪،‬‬
‫وأحياًنا أخرى بقذف المرآة بشيء ما‪« :‬كنت أستشيط غضًبا لرؤية نفسي‪ ،‬وكنت أشعر بأنني غير‬
‫مقبولة وغير محبوبة‪ ،‬وكنت أشعر بالذنب الشديد للطريقة التي كنت أعامل بها نفسي (االنفصال)‬
‫ولكني لم أعرف كيف أوقف نفسي» وبتوجيه غضبها الذي في محله نحو والدها بداًل من نفسها‪،‬‬
‫بدأت تامي تدرك أن المشكلة لم تكن عندها‪ ،‬ولكن عند والدها‪« :‬هناك شيء خاطئ عنده‪ ،‬فقبل كل‬
‫شيء‪ ،‬أي نوع من األب هو ذاك الذي يرفض ابنته؟»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫توقف عن حماية والديك‬

‫لقد قابلت جريج في الفصل الثاني‪ ،‬وهو ذاك الصبي الذي عانت والدته من صداع شديد‪ ،‬وكانت‬
‫تتوقع منه أن يعتني بها بداًل من العكس‪ ،‬وقد احتاج جريج إلى أن يغضب من والدته إلهمالها له‪،‬‬
‫ولكن مثل كثير من أطفال اآلباء غير المناسبين‪ ،‬واجه صعوبة في االعتراف بغضبه؛ ألن آباءهم‬
‫غالًبا ما يتصرفون مثل األطفال العاجزين أو غير المسؤولين‪ ،‬ويميل األطفال البالغون إلى الشعور‬
‫بالحماية بهم‪ ،‬والقفز إلى حماية والديهم إذا انتقدهم أحد‪« :‬لكنهما لم يقصدا أي ضرر»‪ ،‬وغالًبا ما‬
‫تكون الردود النموذجية‪« :‬لقد بذال قصارى جهدهما» وهذه كانت حال جريج‪ ،‬فعندما أوضحت له أن‬
‫والدته حولت مسؤولياتها إليه‪ ،‬أصبح غاضًبا جًّدا مني‪« :‬لم تستطع والدتي عمل أي شيء حيال هذا‬
‫الصداع الشديد‪ ،‬فأصابها اإلرهاق الشديد بسببه» وعندما ذكرته أنه قد قال لي‪ :‬إن والدته لم تكن‬
‫تعاني من هذا الصداع‪ ،‬عندما كان يعود أبوه إلى المنزل‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬بدت وكأنها كانت ُتشفى‬
‫بمعجزة قبل وصوله مباشرة‪ ،‬فرّد جريج قائاًل ‪« :‬حسًنا‪ ،‬ربما كنت مشوًشا حيال ذلك‪ ،‬وربما لم‬
‫يحدث األمر حقيقة بتلك الطريقة»‪.‬‬

‫استغرق األمر بعض الوقت قبل أن يستوعب جريج أنه ُأجبر على أن يكبر قبل وقته بكثير‪ ،‬وأنه‬
‫ُسرق من طفولته‪ ،‬فقد كان في حاجة إلى التوقف عن إرهاق نفسه باالعتناء بأمه‪ ،‬والبدء في التركيز‬
‫على احتياجاته من أجل التغيير‪ ،‬وبمجرد أن فعل ذلك‪ ،‬الحظ جريج أن لديه الكثير من الطاقة‪« :‬كنت‬
‫أشعر بثقل بالمسؤولية‪ ،‬فاآلن أشعر بحرية جديدة‪ ،‬وألول مرة في حياتي‪ ،‬أتواصل مع ما أريده‬
‫وأحتاج إليه في أي وقت بعينه‪ ،‬وأشعر بتحسن كبير تجاه نفسي‪ ،‬واعتدت أن يكون احترامي لذاتي‬
‫مرتبًطا دائًم ا بمدى حب والدتي لي‪ ،‬وبمدى قدرتي على اإلنجاز‪ ،‬واآلن يأتي تقديري لذاتي من‬
‫االهتمام باحتياجاتي الخاصة»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تذكيرك بقيمتك ومدى حب اآلخرين لك‬


‫عموًم ا إنها ليست بفكرة جيدة أن تنظر خارج نفسك كي تشعر بالرضا عمن تكون‪ ،‬ولكن الناس‬
‫الذين عانوا من الهجر (و‪ /‬أو النقد الشديد) عندما كانوا أطفااًل يميلون إلى أن يكونوا في حاجة إلى‬
‫الدعم الخارجي أكثر من اآلخرين‪ ،‬وهذه الحاجة إلى الدعم الخارجي مفهومة؛ ألنه إذا تخلى عنك‬
‫والداك فهذا يعني أنك لم تكن تستحق الحياة‪ ،‬وعندما يبدو أن األشخاص األكثر أهمية بالنسبة إليك‬
‫في حياتك ال يحبونك أو يقدرونك‪ ،‬أو يقبلونك‪ ،‬فمن الواضح أنك ستشعر بأنك غير مرغوب فيك‪،‬‬
‫َأ‬
‫وال تستحق الحياة‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬سوف تشعر بأنك في أمس الحاجة إلى أن ُتطمَأن بأنك في الحقيقة‬
‫محبوب‪ ،‬وُم قَّدر‪ ،‬وموضع احترام‪ ،‬وعلى الرغم من أنه ال يمكن ألحد أن يمنحك احتراًم ا لذاتك‪ ،‬إال‬
‫أن دعم األصدقاء والعشاق يمكن أن يساعدك على الشعور بالراحة تجاه نفسك‪ ،‬ومن ثم يمكنك أن‬
‫تمنح نفسك التقدير الذي تستحقه‪ ،‬وبمعنى آخر‪ ،‬يمكن الستخدام الدعم الخارجي أن يصبح أداة‬
‫لمساعدتك على رفع احترامك لذاتك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تمرين المذكرات اليومية‪ :‬من الدعم الخارجي إلى احترام الذات‬

‫في المرة القادمة التي ترتكب فيها خطأ‪ ،‬أو تثقل كاهلك مشاعر من عدم القيمة ألي سبب من‬
‫األسباب‪ ،‬قم بعمل ما يلي في مذكراتك اليومية‪:‬‬
‫‪ .1‬تذكر وقًتا اعترف بك األصدقاء أو العائلة أو غيرهم في مجتمعك من أجل شيء أبليت فيه بالء‬
‫حسًنا‪.‬‬
‫‪ .2‬كيف تصف إحساسك باسترجاع تلك التغذية الراجعة؟‬

‫‪ .3‬ما هو أكثر ما يقّدره أصدقاؤك فيك؟‬


‫‪ .4‬فكر في صديق مقرب‪ ،‬فماذا تتخيل قد يقول إذا ُطرح عليك السؤال‪« :‬ما هو الشيء الذي أكثر ما‬
‫تقدره فَّي »؟‬

‫‪ .5‬ما هو أكثر شيء تقدره في نفسك؟‬


‫‪ .6‬هل يتطابق تقييم صديقك لك مع تقييمك؟ كيف؟‬

‫‪ .7‬هل هناك أي شيء في نفسك تقدره‪ ،‬ولكن ال يبدو أن أصدقاءك يقرونه؟‬


‫‪ .8‬ما هي الصفات اإلضافية عن نفسك التي تريد من اآلخرين أن يقروها؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 12‬إذا كنت محمًّيا بشكل مفرط‪ ،‬أو كنت مخنوًقا عاطفًّيا‬

‫مداواة مرآة (أنا ال شيء من دون والدّي )‬

‫إنك تحبني كثيًر ا‪ ،‬وتريد أن تضعني في جيبك‪ ،‬وينبغي أن أموت هناك خنًقا‪.‬‬
‫د‪ .‬هـ‪ .‬لورنس‬
‫‪D. H. Lawrence‬‬

‫يميل اآلباء مفرطو الحماية‪ ،‬أو الخانقون عاطفًّيا‪ ،‬إلى حرمان أطفالهم من الطاقة‪ ،‬والوعي بهويتهم‬
‫المنفصلة‪ ،‬بحيث ال يتركون لهم أي قوة للنمو‪ ،‬وتطوير شخصياتهم الفريدة‪ ،‬وإن اآلباء الذين‬
‫يرفضون أن يستقل أطفالهم عنهم‪ ،‬هم في الواقع‪ ،‬يقيدون ويحّدون من قدرة أطفالهم على صنع شيء‬
‫ما‪ ،‬ألنفسهم في العالم‪ ،‬وعندما تكون رغبة الوالدين في الحماية بعيدة المدى‪ ،‬يمكنها أن تعيق نمو‬
‫الطفل بشدة‪ ،‬وتحد من خياراته في العالم بشكل مريع‪.‬‬

‫إن واحدة من المشكالت األساسية عند البالغين‪ ،‬الذين عانوا من حماية مفرطة أو االختناق عاطفًّيا‪،‬‬
‫التي يميلون لتجربتها‪ ،‬هي صعوبة فصل أنفسهم عن والديهم واالستقالل بذواتهم‪ ،‬ويشير مصطلح‬
‫الفصل إلى القدرة على التمتع بتمثيل نفسي واضح (صورة داخلية وفهم) عن الذات على أنها مختلفة‬
‫عن أي شخص آخر‪ ،‬وال سيما األم‪ ،‬وينزع كثيٌر من الذين كانوا محميين بشكل مفرط أو مخنوقين‬
‫عاطفًّيا‪ ،‬وال سيما من ِقبل أمهاتهم‪ ،‬إلى مواصلة النظر إلى أنفسهم على أنهم امتداد ألمهاتهم‪.‬‬

‫ويكون االنفصال صعًبا‪ ،‬وال سيما عندما ال يستطيع الوالدان السماح ألطفالهم بأن يكونوا منفصلين؛‬
‫وعندما يستمرون في اعتبارهم امتدادات ألنفسهم‪ ،‬وتثبيط أي محاوالت من ِقبل األطفال لكي‬
‫يصبحوا منفصلين‪ ،‬وينطبق ذلك بشكل خاص على اآلباء ذوي الميول النرجسية‪ ،‬أو الذين يعانون‬
‫من اضطراب الشخصية النرجسية‪.‬‬
‫ويشير مصطلح التفرد إلى تكوين الهوية؛ إذ ليس كافًيا االنفصال؛ حيث تحتاج أيًض ا إلى التمتع‬
‫بصورة واضحة وفهم حيال من أنت‪ ،‬ومن أجل القيام بذلك‪ ،‬غالًبا ما يحتاج أولئك الذين كانوا‬
‫محميين بشكل مفرط أو مخنوقين عاطفًّيا إلى االختيار بحرية ووعي بوعي الهوية التي يريدونها‪،‬‬
‫بداًل من اعتماد خصائص ومعتقدات وقيم ومواقف محددة إرضاًء لوالديهم‪.‬‬
‫ويميل اآلباء النرجسيون‪ ،‬والمفرطون في الحماية‪ ،‬والخانقون ألطفالهم عاطفًّيا إلى اإلصرار على‬
‫الطاعة‪ ،‬وتعزيز التبعية‪ ،‬والدوس بسرعة على أي عالمات للمقاومة والتمرد‪ ،‬ولكن المقاومة‬
‫والتمرد هما‪ ،‬غالًبا‪ ،‬ما يحتاج إليهما بالضبط األطفال البالغون من هؤالء األنواع من اآلباء‪ ،‬إذا‬
‫أرادوا تطوير شعور منفصل بالذات‪.‬‬
‫وقد كان هذا هو الحال مع ‪ ،Lupe‬التي قابلتها في الفصل الثاني؛ فلم تفتقر فقط إلى القوة للوقوف في‬
‫وجه والدها‪ ،‬والقتال من أجل ما أرادت‪ ،‬ولكنها كانت تشك أيًض ا في قدرتها على اتخاذ القرارات‬
‫الصحيحة لنفسها‪ ،‬وعندما شجعتها على البدء في التفكير لنفسها‪ ،‬قالت لي‪« :‬تعلمين أن والدي‬
‫مصيٌب حيال المواضيع والقضايا‪ ،‬إذا فعلُت ما أردُت القيام به‪ ،‬فربما أفسدُت حياتي»‪.‬‬

‫واستغرق األمر أشهًر ا عدة من العالج قبل أن تتمكن لوب من االعتراف بأنها استاءت من طرق‬
‫والدها الخانقة والمسيطرة‪ ،‬واستغرق األمر المزيد من العالج قبل أن تتمكن من التعبير عن غضبها‬
‫تجاهه خالل جلسات لعب األدوار معي‪ ،‬وحتى في ذلك الحين‪ ،‬كانت تشعر ببعض الذنب عن القيام‬
‫بذلك‪« :‬أشعر وكأنني مراهقة متمردة‪ ،‬ولكني أعتقد أن هذا مناسب؛ ألنني لم أتمكن من التمردعندما‬
‫كنت طفلة»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫جوشوا‪ :‬حالة (ولد ماما؛ دلول الماما)‬


‫جوشوا يبلغ من العمر ثمانية عشر عاًم ا‪ ،‬وقد جاء لرؤيتي بسبب انفصاله مؤخًر ا عن صديقته‪ ،‬وكان‬
‫يعاني من االكتئاب منذ انتهاء العالقة بقوله‪« :‬أنا فقط ال أستطيع الرد كما ينبغي‪ ،‬فما زلت غاضًبا‬
‫من حبيبتي السابقة‪ ،‬وليس لدي االهتمام باالنخراط مع أي فتيات أخريات‪ ،‬حتى إنني بدأت أتساءل‬
‫إن كنت قادًر ا حًّقا على حب فتاة أخرى»‪.‬‬
‫وعلى مدار أسابيع عدة‪ ،‬تعمقنا أنا وجوشوا في مشاعره‪ ،‬واتضح أنه لم يكن يحب نفسه كثيًر ا بقوله‪:‬‬
‫«أنا مصاب بخيبة أمل في نفسي‪ ،‬وهناك أشياء كثيرة أريد أن أفعلها‪ ،‬لكني خائف جًّدا من تجربتها»‬
‫واستكشفنا أيًض ا خلفية عائلته؛ حيث إنه تربى على يد أب مدمن على العمل‪ ،‬الذي نادًر ا ما أمضى‬
‫معه بعض الوقت‪ ،‬وأمه المسيطرة والخانقة له عاطفًّيا بشكل مفرط‪.‬‬

‫وأوضح جوشوا‪« :‬أمي تقلق كثيًر ا‪ ،‬فإنها تريد أن تعرف ما أفعله في جميع األوقات ‪ -‬من هم‬
‫أصدقائي وما نفعل‪ ،‬فإنها تراقب ما أشاهد على التلفاز‪ ،‬وكيف أستخدم الكمبيوتر‪ -‬ليس فقط بالمراقبة‬
‫العادية‪ ،‬ولكن بطريقة شديدة‪ ،‬ومنذ أن كنت طفاًل صغيًر ا‪ ،‬كان لديها دائًم ا أعمال روتينية لي ألقوم‬
‫بها‪ ،‬وإذا قاومت بأي شكل من األشكال‪ ،‬كانت تجعلني أشعر بذنب حقيقي حول مدى إرهاقها‪ ،‬وقد‬
‫كنت األصغر بين خمسة أطفال‪ ،‬وفي الوقت الذي ُو لدت فيه‪ ،‬كانت قد وصلت حد اإلرهاق من‬
‫حياتها‪ ،‬وفهمت ذلك؛ لذلك حاولت مساعدتها‪ ،‬ولكن كان علَّي أن أفعل األشياء بطريقة معينة‬
‫إلرضائها وحسب‪ ،‬ويعتقد إخوتي أنني ولد أمي (دلول الماما) ألنني كنت أبقى في المنزل مع والدتي‬
‫كثيًر ا‪ ،‬والسبب ليس ألنني قريب جًّدا منها‪ ،‬ولكن ألنني لم أشعر أنني أمتلك الحق في حياتي‬
‫الخاصة‪ ،‬وكان ذلك ألن والدتي دربتني على االمتثال ألمنياتها‪ ،‬وفي الواقع أنا مستاء منها؛ لكونها‬
‫مسيطرة للغاية‪ ،‬وأكره نفسي لعدم الوقوف في وجهها بشكل أكبر‪.‬‬

‫وما اكتشفه جوشوا هو أن هناك عالقة بين كراهيته الشديدة‪ ،‬وخيبة أمله في نفسه‪ ،‬وعدم قدرته على‬
‫االنفتاح واالهتمام بإنسان آخر‪ ،‬وطريقة والدته بالسيطرة عليه ومراقبته‪ ،‬وألنه لم يستطع الوقوف‬
‫في وجه األم ورفض مطالبها‪ ،‬لم يحترم جوشوا نفسه؛ وألنه لم يحترم نفسه بل اعتبر نفسه ضعيًفا‪،‬‬
‫لم ُيعجب بنفسه‪ ،‬ناهيك عن حبها؛ وألنه لم يكن قادًر ا على حب نفسه‪ ،‬لم يستطع أن يحب أي شخص‬
‫آخر‪ ،‬وإن إقامة هذا االتصال كان عميًقا جًّدا لجوشوا‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬كما أوضح جوشوا‪« :‬أنا أحاول التحرر» ويشكك في األشياء بداًل من مجرد تنفيذ مطالب‬
‫والدته‪ ،‬وال يستسلم لسلوك والدته التوسلي (مثل االضطرار إلى االستماع لمشكالتها) فإنه يوضح لها‬
‫مع أنه يفهم همومها‪ ،‬يجب أن تبدأ في الوثوق به؛ ألنه أثبت لها مراًر ا وتكراًر ا أنه جدير بالثقة‪ ،‬وإنه‬
‫يجد أنه كلما ازداد في الدفاع عن نفسه أمام والدته‪ ،‬كان قادًر ا على الوقوف في وجه اآلخرين‪،‬‬
‫وتفاخر في أحد األيام قائاًل ‪« :‬لم أعد ذلك الصغير الضعيف بعد اآلن‪ ،‬حتى إنني وقفت في وجه تنمر‬
‫أخي علي!»‪.‬‬

‫وقد بدأ جوشوا بحب نفسه أكثر فأكثر مع مرور الوقت‪ ،‬وهذا يؤثر في مقدرته على االهتمام‬
‫باآلخرين‪« :‬أنا لست غاضًبا جًّدا من صديقتي السابقة‪ ،‬في الواقع‪ ،‬أستطيع أن أرى من أين أتت‪ ،‬ولم‬
‫أكن مستعًّدا لعالقة‪ ،‬وقد شعرت بذلك‪ ،‬وأعتقد أنني سأكون أكثر قدرة على الحب في عالقتي القادمة؛‬
‫ألنني أحب نفسي أفضل بكثير اآلن»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشفاء من سفاح القربى العاطفي‬


‫من أجل التعافي من ضرر سفاح القربى العاطفي‪ ،‬عليك أواًل االعتراف بأنك ضحيته‪ ،‬وقد يكون‬
‫ذلك صعًبا بشكل خاص؛ ألن كثيًر ا من البالغين الذين كانوا أوالد آباء يمارسون سفاح القربى‬
‫العاطفي‪ ،‬وينكرون أو ال يدركون العواقب السلبية لمثل هذه العالقة‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬كل ما يركزون‬
‫عليه هو األشياء التي اكتسبوها منها‪ ،‬وبالتحديد امتيازات إضافية‪ ،‬وعالقة وثيقة مع أحد الوالدين‪،‬‬
‫والثناء والمودة و‪ /‬أو األسرار المشتركة و‪ /‬أو تعليم خاص مكثف‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬يتمنى كل طفل أن‬
‫يكون لديه هذا النوع من العالقة الخاصة مع والده من الجنس اآلخر‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫االستبيان‪ :‬عالمات سفاح القربى العاطفية‬


‫اقرأ كاًّل من العبارات اآلتية‪ ،‬وضع عالمة √ بعد تلك التي تنطبق عليك‪ ،‬وقد تجد أنه مفيٌد‪ ،‬وضع‬
‫الحرف األول من اسم الوالد أو مقدم الرعاية بجوار كل بيان‪.‬‬
‫‪ .1‬كنت مصدًر ا للدعم العاطفي ألحد والدّي ‪.‬‬
‫‪ .2‬كنت «أفضل األصدقاء» ألحد الوالدين‪.‬‬

‫‪ .3‬عندما ترك أحد والدي المنزل (إما بسبب الطالق أو الموت أو الغياب الطويل)‪ ،‬قيل لي‪ :‬إنني‬
‫ينبغي أن أشغل مكانه (بالنسبة إلى الفتيان‪ ،‬ليكون «رجل البيت» أو للفتيات «للحفاظ على رفقة‬
‫األب»)‪.‬‬
‫‪ .4‬كنت أحصل على امتيازات أو هدايا خاصة من أحد والدّي ‪.‬‬

‫‪ .5‬أخبرني أحد الوالدين بأنني كنت أفضل من صحبة زوجه‪.‬‬


‫‪ .6‬أخبرني أحد الوالدين بأنني فهمته أكثر من زوجه‪.‬‬
‫‪ .7‬تحدث أحد الوالدين معي عن مشكالته أو مشكالتها‪.‬‬

‫‪ .8‬أخبرني أحد الوالدين بأسرار‪ ،‬وجعلني أقطع عهًدا بعدم الكشف عنها لوالدي اآلخر‪.‬‬
‫‪ .9‬أخبرني أحد والدّي بثقة بأنني كنت طفله المفضل‪.‬‬

‫‪ .10‬أخبرني أحد والدّي بأنه يتمنى لو كان والدي اآلخر أكثر شبًه ا بي‪.‬‬
‫‪ .11‬شعر أحد والدّي بالوحدة الشديدة‪ ،‬واحتاج إلي للبقاء في صحبته‪.‬‬
‫‪ .12‬شعرت بضرورة حماية أو رعاية أحد والدّي ‪.‬‬
‫‪ .13‬أحد الوالدين اعتمد علي أكثر من أٍّي من أشقائي‪.‬‬

‫‪ .14‬شعرت بالمسؤولية عن سعادة أحد والدي‪.‬‬


‫‪ .15‬أشعر أحياًنا بالذنب عندما أقضي وقًتا بعيًدا عن أحد والدي‪.‬‬

‫‪ .16‬كان لدي انطباع بأن أحد الوالدين ال يريدني االبتعاد عن المنزل أو الزواج‪.‬‬
‫‪ .17‬لم يتقدم أي شخص لخطبتي‪ ،‬وكان على مستوى أن ينال موافقة أو رضا أحد والدّي ‪.‬‬
‫‪ .18‬بدا أن أحد والدّي يشعر بقلق مفرط واضح بتطور حياتي الجنسية‪.‬‬

‫‪ .19‬شعرت أحياًنا بأن أحد والدّي كان يشعر بمشاعر رومانسية أو جنسية تجاهي‪.‬‬
‫‪ .20‬أدلى أحد والدّي بتصريحات جنسية غير الئقة‪ ،‬أو انتهك خصوصيتي‪.‬‬
‫إذا أجبت بنعم عن أي من هذه األسئلة‪ ،‬فمن المحتمل أن يكون لديك عالقة توّسلية مع أحد الوالدين‬
‫المحتاجين‪ ،‬ولكن إذا أجبت بنعم باستمرار عن هذه األسئلة فإنك تعاني وال شك من سفاح القربى‬
‫العاطفي أيًض ا‪ ،‬وأشُّد ما ينطبق إذا أجبت بنعم عن األسئلة من ‪ 2‬إلى ‪ 10‬ومن ‪ 18‬إلى ‪.20‬‬
‫إن مواجهة حقيقة أنك كنت ضحية سفاح القربى العاطفي‪ ،‬وأن هناك بالفعل عواقب سلبية لمثل هذه‬
‫العالقة الشديدة‪ ،‬يمكن أن يكون شيًئا مقلًقا‪ ،‬ولكن قيامك بذلك سوف يكسبك نظرة ثاقبة تجاه بعض‬
‫أكثر مشكالتك العاطفية المحيرة والمزعجة‪.‬‬
‫ما هي العواقب السلبية‪ ،‬وال سيما فيما يتعلق باحترامك لذاتك؟ وفًقا للدكتورة باتريشيا لوف‪ ،‬مؤلفة‬
‫كتاب (متالزمة سفاح القربى العاطفية‪ ،‬وخبراء آخرون في سفاح القربى العاطفي) تشمل اآلثار‬
‫الرئيسة لسفاح القربى العاطفي على احترام الذات‪ ،‬والصورة الذاتية ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬مشكالت تتعلق بالصورة الذاتية‪ :‬تحوالت جذرية في احترام الذات‪ ،‬ويمكنك أن تكون مليًئا بالثقة‬
‫في لحظة وعكسها تماًم ا في التي تليها‪ ،‬حيث تغمرك مشاعر العجز وعدم الثقة بالنفس‪.‬‬

‫‪ .2‬الشعور المفرط بالذنب تجاه أٍّي وكٍّل مما يلي‪ :‬إبعاد الوالد بعيًدا عن الشريك‪ ،‬والمعاملة بشكل‬
‫أفضل مقارنة بإخوتك‪ ،‬واإلخفاق بتلبية توقعات والديك‪ ،‬والرغبة في االبتعاد عن الوالد المتسلط أو‬
‫الخانق عاطفًّيا (أو العمل على ذلك) ويمكن لكل هذا الشعور بالذنب أن يضعف ثقتك بنفسك‪.‬‬
‫‪ .3‬القلق المزمن‪ ،‬والخوف من الرفض بسبب أٍّي مما يلي‪ :‬كان دورك بوصفك طفاًل مختاًر ا أو‬
‫شريًكا بدياًل دائًم ا غير مؤكد‪ ،‬وكانت عالقتك بأحد والديك سًّر ا‪ ،‬ورفضها والدك اآلخر وبقية أفراد‬
‫األسرة أيًض ا‪ ،‬وربما قد شعرت بأن دورك بوصفك زوًج ا بدياًل كان مؤقًتا فقط‪ ،‬وإذا قام والداك بحّل‬
‫مشكالتهما‪ ،‬ربما تكون قد ُأجبرت على العودة إلى دورك بوصفك طفاًل ‪ ،‬أو ربما يكون أحد إخوتك‬
‫قد حَّل مكانك‪ ،‬ما يجعلك تتساءل‪« :‬ما خطبي؟ ألست ما زلت مميًز ا؟» إذا كان والدك متزوًج ا‪،‬‬
‫فعليك دائًم ا التنحي جانًبا إلفساح المجال لشريك الزواج الشرعي‪ ،‬وخوًفا من أن يصبح أحد الوالدين‬
‫من الجنس اآلخر متورًطا جنسًّيا‪ ،‬قد ينسحب عندما يظهر على الطفل عالمات النضج الجنسي‪ ،‬ما‬
‫يتركه يشعر باإلحساس بالرفض‪ .‬إذا كنت قادًر ا على تطوير بعض اإلحساس باالستقاللية عن‬
‫والديك‪ ،‬فلربما يكون قد هدده إحساسك الناشئ بالذات‪ ،‬وربما أصبح ناقًدا أو رافًض ا‪.‬‬
‫‪ .4‬إن احتياجاتك األساسية للرعاية واالستقالل تم تجاهلها لمصلحة حاجة والديك إلى العالقة‬
‫الحميمة والعشرة‪ ،‬وقد يكون ذلك جعلك تشعر بالحرمان والحاجة‪ ،‬ومع ذلك تشعر بالذنب لشعورك‬
‫بهذه األشياء‪ ،‬ويمكن أن يدفعك ذلك أيًض ا إلى التقليل من احتياجاتك الخاصة لمصلحة العناية‬
‫باحتياجات اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .5‬قد يكون االهتمام المفرط من أحد والديك بك قد أوجد حاجة إلى العناية بها أو االهتمام بها‪،‬‬
‫وعندما ال يوجد هناك أحد في الجوار ليفعل أشياء معك‪ ،‬أو من أجلك‪ ،‬فقد تشعر بالحرمان‪.‬‬
‫‪ .6‬ربما يكون قد ترك اهتمام أحد والديك الشديد وغير المالئم بك شعوًر ا لديك بأنك مقيد وغير قادر‬
‫على تطوير نفسك‪ ،‬ووفًقا إليقاعك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫خطوات عملية للشفاء‬


‫سواء كنت محمًّيا بشكل مفرط‪ ،‬أو مخنوًقا عاطفًّيا‪ ،‬أو معرًض ا لسفاح القربى العاطفي‪ ،‬هناك أشياء‬
‫محددة عليك القيام بها كي تنفصل عاطفًّيا عن والديك‪ ،‬وترفع من ثقتك بنفسك‪:‬‬
‫‪ .1‬حدد مستوى راحتك من حيث عدد المرات التي ترغب فيها رؤية والديك‪ ،‬فأنت وأنت وحدك هو‬
‫من في حاجة إلى تحديد عدد المرات وشروطها‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يكون بعض الناس أكثر راحة‬
‫لزيارة والديهم في منزل الوالدين؛ ألنهم يستطيعون المغادرة عندما يشعرون بأنهم غير مرتاحين‪،‬‬
‫وإنهم ال يحبون أن يغزو والداهم مساحتهم الشخصية‪ ،‬بينما قد تشعر بأنك ملزم برؤية والديك في‬
‫أيام العطالت‪ ،‬والمناسبات الخاصة األخرى‪ ،‬يمكنك القيام بذلك فقط‪ ،‬إذا استطعت الحفاظ على‬
‫حدودك الشخصية‪.‬‬

‫‪ .2‬ضع حدوًدا تجاه أحد الوالدين المتطفل‪ ،‬وتشمل الحدود الشخصية المسافة التي تسمح ألحد والديك‬
‫االقتراب بها منك جسدًّيا‪ ،‬وما الذي ترغب في مشاركته معه أو معها بشأن حياتك الشخصية‪ ،‬وما‬
‫أنت على استعداد لالستماع إليه بشأن حياة والديك الشخصية‪ ،‬واقِض بعض الوقت في تحديد ما هو‬
‫مستوى راحتك حيال هذه القضايا‪ ،‬ومن ثم عزز هذه الحدود‪ ،‬عندما تكون في وجود والديك‪.‬‬

‫‪ .3‬حدد دورك في انتهاك الحدود المستمر‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬هل لديك شعور بالذنب في غير‬
‫محله؟ هل تشعر بأنك مسؤول بشكل مفرط عن والديك؟ هذه ردود أفعال شائعة‪ ،‬عندما يكون أحد‬
‫الوالدين قد أوضح تماًم ا أنه قدم تضحيات ضخمة من أجل الطفل‪ ،‬وسيجد الطفل الذي ُدِّر ب على‬
‫رعاية احتياجات الوالدين العاطفية صعوبة جمة في التخلي عن هذا الدور‪ ،‬ولكن من المهم جًّدا أن‬
‫تتوقف عن قبول هذا الشعور بالذنب‪ ،‬فإنك شخص بالغ تستحق حياتك الخاصة المنفصلة عن‬
‫والديك‪ ،‬وإنك لست مديًنا لوالدك‪ ،‬لدرجة أنك في حاجة إلى التضحية بحياتك من أجل ذلك الشخص‪.‬‬
‫‪ .4‬ال تستمر في طلب المساعدة من أحد الوالدين الخانقين عاطفًّيا‪ ،‬وإذا كان أحد والديك يشعر بالفعل‬
‫أن له الحق في إخبارك بماذا عليك فعله‪ ،‬ال تشجع هذا السلوك بسؤاله عن نصيحة أو مساعدة‪،‬‬
‫وينبغي أن ُتشعر والدك الخانق عاطفًّيا بأن يعلم أنك شخص بالغ قادر ومؤّهل‪ ،‬ولن تنقل هذه الرسالة‬
‫إذا عدت دورًّيا إلى والديك إلنقاذك عاطفًّيا أو مالًّيا‪.‬‬
‫‪ .5‬تحدث في اللحظة التي ُتنتهك فيها حدودك‪ ،‬ووضح موقفك بهدوء ووضوح‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫«أبي‪ ،‬أريدك أن تتصل بي قبل أن تأتي (أو) أمي‪ ،‬من فضلك ال تتصلي بي وأنا في العمل‪ ،‬اتصلي‬
‫بي في المنزل بداًل عن ذلك»‪.‬‬
 
‫‪ ‬‬

‫‪ 13‬إذا كنت خاضًعا للسيطرة أو االستبداد بإفراط معالجة مرآة (أنا عاجز)‬

‫كنَت مرة جامًح ا حًّر ا طليًقا هنا؛ ال تدعهم يرّو ضونك!‬

‫إيزدورا دنكان‬
‫‪Isadora Duncan‬‬
‫الحرية هي ما تفعله بما ُفعل بك‪.‬‬

‫جان بول سارتر‬


‫‪Jean-Paul Sartre‬‬
‫في هذا الفصل‪ ،‬سأساعد أولئك منكم الذين تم السيطرة عليهم أو االستبداد بهم بشكل مفرط للتحرر‬
‫من سيطرة والديهم‪ ،‬واكتشاف قوتهم الخاصة‪ ،‬واسترجاعها‪ ،‬ويبدأ هذا بسرد قصتك‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫من أهمية مشاركة ما حدث لك في الطفولة ألي شخص تعرض لسوء المعاملة أو اإلهمال عاطفًّيا‪،‬‬
‫إال أن ذلك غاية في األهمية بشكل خاص ألولئك الذين تم السيطرة عليهم واالستبداد بهم بشكل‬
‫مفرط‪ ،‬وبسرد قصتك‪ ،‬ستجعلها أكثر واقعية‪ ،‬ومن ثم تخلص نفسك من أي إنكار متسكع‪ ،‬ومشاعر‬
‫مكبوتة مدة طويلة‪ ،‬وتصل إلى فهم أفضل لسلوكك ومعتقداتك‪ ،‬وطالما كانت طفولتك على األرجح‬
‫طفولة كنت عاجًز ا فيها عن التحدث أو الدفاع عن نفسك‪ ،‬فإن القيام بذلك اآلن يمكن أن يصوب‬
‫تجربتك‪ ،‬ويساعدك على تمكين نفسك‪ ،‬وبسرد قصتك‪ ،‬فإنك تمنح نفسك ما لم تحصل عليه في‬
‫طفولتك؛ ففرصة التحدث دون مقاطعتك‪ ،‬تجربة رؤيتك وسماعك على حقيقتك‪ ،‬وفرصة التحقق من‬
‫ذاتك‪ ،‬وفيما يلي بعض االقتراحات إليجاد طرق‪ ،‬وبيئات آمنة‪ ،‬حيث تحكي قصتك من خاللها‪:‬‬

‫‪ .1‬ابحث عن معالج أو مستشار عادي تثق به‪ ،‬وأخبره أو أخبرها عن طفولتك التي عانيت منها‪.‬‬
‫‪ .2‬اسأل شريكك أو صديًقا تثق به إذا كان يرغب في سماع قصتك‪ ،‬وحدد وقًتا يكون فيه كالكما‬
‫على األقل فارًغا مدة ساعة لتكريسه لذلك دون انقطاع‪ ،‬واطلب من صديقك فقط االستماع وعدم‬
‫اإلدالء بأي تعليقات حتى تنتهي‪ ،‬وأخبر هذا الشخص بأنك لست في حاجة إلى أن يحَّل لك مشكالتك‪،‬‬
‫فمجرد أن تجد فيه أذًنا

‫محبة ومتعاطفة‪.‬‬
‫‪ .3‬اكتب قصتك أو سجلها على شريط صوتي أو شريط فيديو‪ ،‬وال تمنع نفسك من قول أي شيء‪،‬‬
‫فقط قل الحقيقة‪ ،‬وكيف جعلتك تشعر الحًقا‪ ،‬ويمكنك الحًقا قراءة قصتك أو االستماع إليها لمزيد من‬
‫المداواة‪ ،‬وتأكد من أنك تقرأ أو تستمع دون القيام بأي حكم‪ ،‬مع التعاطف مع نفسك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫تأكد أنك تحررت من السيطرة المطلقة‬


‫من أجل رفع احترامك لذاتك واستعادة قوتك‪ ،‬تحتاج أيًض ا إلى التأكد من أنك لم تعد تحت سيطرة‬
‫والديك‪ ،‬أو أي شخص آخر في هذا الشأن‪ ،‬ومع أنه مفهوم تماًم ا أنه قد تكون عرضة للسماح‬
‫لآلخرين بالسيطرة عليك‪ ،‬فلن تشعر أبًدا بالرضا عن نفسك طالما سمحت بذلك‪ ،‬وسوف تخسر‬
‫احترام نفسك في كل مرة تسمح فيها لشخص ما بالتحكم فيك‪ ،‬وإذا واصلت‪ ،‬فلن تشعر في النهاية‬
‫بشيء سوى كراهية الذات‪.‬‬

‫ومن أجل استعادة قوتهم من سيطرة الوالدين‪ ،‬ينبغي لألطفال الكبار االنفصال عاطفًّيا عن مثل أولئك‬
‫اآلباء؛ وهذا يعني أحياًنا مواجهتهم‪ ،‬وفي أوقات أخرى‪ ،‬يعني وضع حدود أكثر صحية‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يوفر وضع الحدود المناسبة اليوم القوَة بموازنة انتهاكات حدود الطفولة‪ ،‬وقد يشمل ذلك أيًض ا تقليل‬
‫االتصال بالوالدين‪ ،‬ويتحكم اآلباء المسيطرون عندما يكون بوسعهم الوصول إلى أطفالهم‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يؤدي تغيير هذا الوصول إلى تمكينك بإظهار أن لديك اآلن التحكم في الوقت الذي ترغب فيه برؤية‬
‫والديك‪ ،‬وما نوع التفاعل الذي ترغب في الحصول عليه‪.‬‬

‫وعمل آخر للتمكين هو القدرة على رؤية اآلباء على حقيقتهم اليوم‪ ،‬وفي كثير من األحيان‪ ،‬يستمر‬
‫األطفال البالغون من اآلباء المتحكمين في النظر إليهم بوصفهم شخصيات أكبر من الحياة‪ ،‬وال يزال‬
‫لديهم القدرة على التحكم فيهم‪ ،‬وبالبدء في رؤية والديك بشكل أكثر دقة‪ ،‬يمكنك البدء في التخلص من‬
‫بعض القوة التي يتمتعون بها عليك‪ ،‬وقد يشمل ذلك الوقوف بجانب أحد الوالدين‪ ،‬ومالحظة مدى‬
‫صغر حجمه مقارنة بالصورة التي في ذهنك عنه‪ ،‬ومما يساعد أيًض ا أن يلتقط شخص صورة لك مع‬
‫والديك ومن ثم تواجه حقيقة أنك اآلن جسدًّيا بحجم والدك أو أضخم منه‪.‬‬
‫وتأتي المساواة أيًض ا من التخلي عن االحتياجات والتوقعات من والديك‪ ،‬بما في ذلك األمل الكاذب‬
‫في أنهما سيقبالنك في النهاية كما أنت‪ ،‬أو يعطيانك ما لم يقدمانه لك وأنت طفٌل ‪ ،‬وبمجرد أن تتخلى‬
‫عن ارتباطك العاطفي بما يجب أن والدك كان عليه‪ ،‬فقد تجد أنك ُتِر كت بعالقة مع مجرد رجل أو‬
‫امرأة بداًل من الوحش أو األيقونة التي قد اعتقدت أنه والدك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف تستعيد قوتك؟‬


‫إن أفضل طريقة الستعادة قوتك هي مواجهة سلوك والديك المسيء‪ ،‬ومع أنك ربما ال تزال خائًفا‬
‫من القيام بذلك مباشرة‪ ،‬يمكنك القيام بذلك بتخيل أنك تواجه الوالدين‪ ،‬وإخبارهما بما تشعر به حًّقا‪.‬‬
‫لورين هي المرأة من الفصل الرابع التي تعرضت لإلذالل لعدم إزالة البقع العنيدة عن األرض‪ ،‬ومع‬
‫أنها كانت ال تزال خائفة من أمها‪ ،‬فقد ساعد على األمر أنها منحت نفسها أخيًر ا اإلذن بالتعبير عن‬
‫غضبها تجاه والدتها خالل جلساتنا‪« :‬على الرغم من أنها لن تسمع ما أقوله‪ ،‬أعتقد أن لدي خوًفا من‬
‫أنها ستعرف ذلك بطريقة ما‪ ،‬وأعلم أن ذلك ضرب من الغباء؛ ولكنني أشعر بعدم الوالء لها عندما‬
‫أغضب‪ ،‬فقبل كل شيء‪ ،‬أعلم أنها كانت تبذل قصارى جهدها»‪ .‬وقد تمكنت لورين في النهاية من‬
‫وضع هذه المخاوف غير الضرورية جانًبا‪ ،‬وعبرت لي عن شعورها حًّقا حيال معاملة والدتها لها‪،‬‬
‫إذ قالت لي بغضب حقيقي في نبرة صوتها‪« :‬لقد كرهتها ألنها عاملتني بقسوة شديدة»‪« .‬لقد توقعت‬
‫الكثير مني؛ بينما ما زلت مجرد طفلة صغيرة‪ ،‬وال ينبغي التحدث إلى أي أحد أو أن ُيعامل على هذا‬
‫النحو»‪.‬‬

‫وقد كانت هذه بداية مقدرة لورين على االنفصال عن أمها‪ ،‬وكانت الخطوة المقبلة هي مواجهة‬
‫والدتها مباشرة‪ ،‬التي كانت مخيفة للغاية‪« :‬ال أعرف ما الذي ستفعله بي‪ ،‬فقبل كل شيء‪ ،‬إنها عجوز‬
‫صغيرة اآلن‪ ،‬ولم تعد قادرة على ضربي بعد اآلن؛ ربما ال تستطيع حتى الصراخ في وجهي؛ لماذا‬
‫أنا خائفة جًّدا؟»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أنشئ حامًيا‬

‫لمساعدة لورين على مواجهة والدتها‪ ،‬شجعتها على ابتكار ما أطلق عليه بـ (الحامي) وهو شخص‬
‫خيالي سيقف بجانبك أو خلفك عندما تفعل أشياء صعبة‪ ،‬وإن إيجاد حاٍم يمكن أن يمدك بالشجاعة‬
‫الالزمة للوقوف في وجه والدك المستبد‪ ،‬وسيوضح التمرين اآلتي هذا المفهوم بشكل أكبر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬إنشاُء حاٍم‬


‫‪ .1‬تخيل أن هناك شخًص ا ما يقف خلفك‪ ،‬شخًص ا هناك ليحميك ويدافع عنك ضد أي شخص ينتقدك‪،‬‬
‫أو يهاجمك‪ ،‬أو يحبطك‪.‬‬
‫‪ .2‬تذكر حادثة في طفولتك عندما أحد والديك (أو غيرهما من مقدمي الرعاية) انتقدك أو عّيرك‪.‬‬

‫‪ .3‬تخيل ما سيقوله حاميك لهذا الشخص‪ ،‬وتخيل الكلمات التي قد يستخدمها لدحض األقوال السلبية‪،‬‬
‫واالنتقادية‪.‬‬
‫‪ .4‬إذا كنت ترغب في ذلك‪ ،‬قل هذه الكلمات بصوت عاٍل ‪.‬‬

‫ساعد إنشاء حاٍم لورين على مواجهة والدتها‪« :‬أنا أعلم أن األمر يبدو مضحًكا‪ ،‬ولكنه منحني القوة‬
‫لمواجهتها‪ ،‬حيث تخيلت أنني لست وحيدة»‪.‬‬
‫وعندما طلبُت من مراجعي ستيفن تخيل أن الحامي كان يقف خلفه‪ ،‬شخص يقف في وجه أمه‬
‫المسيئة عاطفًّيا‪ ،‬انهار وبكى‪ ،‬وعادة كان ستيفن يجد صعوبة في البكاء‪ ،‬ناهيك عن النشيج‪ ،‬وقد‬
‫شعرت بتأُّثر عميق بسبب بكائه وحزنه‪ ،‬لدرجة أنني ذهبت إلى األريكة‪ ،‬حيث جلس‪ ،‬ووضعت يدي‬
‫برفق على كتفه‪ ،‬وبمجرد أن هدأ نحيبه‪ ،‬قال‪« :‬لم يكن لدي قط أي شخص مثل هذا ‪ -‬لم يكن لدي أي‬
‫شخص من قبل دافع عني أو حماني»‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫هدئ ناقدك الداخلي‬

‫يميل األشخاص الذين تعرضوا إلى التحكم المفرط أو االستبداد‪ ،‬إلى تطوير ناقد داخلي قوي بشكل‬
‫خاص‪ ،‬وألنك كنت تحت سيطرة أو استبداد مفرط‪ ،‬لم يكن لديك خيار إال أن تمثل داخلًّيا أصوات‬
‫انتقادات والديك‪ ،‬ولذلك من أجل الشفاء‪ ،‬ورفع احترامك لذاتك‪ ،‬تحتاج إلى إيجاد طرق قوية لتهدئة‬
‫رسائلك الداخلية الناقدة‪.‬‬
‫ابدأ بالنظر في انتقاداتك الذاتية‪ ،‬فهل تنتقد نفسك اليوم بالطريقة التي تعرضت بها للنقد عندما كنت‬
‫طفاًل ؟ غالًبا ما تكون مواضيع ناقدك الداخلي ‪ -‬تلك (التعليقات الصوتية) التي غرسها والداك ‪ -‬أعلى‬
‫صوًتا عندما تتصرف أو تشعر بمخالفة لقيم والديك أو قيمهم‪ ،‬وبتسمية هذه األصوات‪« :‬أوه‪ ،‬هذا هو‬
‫صوت أمي المسيطر مرة أخرى» يمكنك في الواقع أن تخفف كثيًر ا من قوتها‪ ،‬وإن هدفك ليس إبعاد‬
‫رسائل النقد الذاتي من رأسك‪ ،‬ولكن التعرف إلى ناقدك الداخلي وكيف يعمل‪ ،‬ووضع حدود على‬
‫تأثيره‪.‬‬
‫وبمجرد أن تضع حدوًدا صحية لكل من أصوات والديك الداخلية وأصواتهما الحقيقية‪ ،‬ستجد أن‬
‫لديك قدرة أكبر على سماع صوت آخر داخل نفسك؛ صوتك الراعي‪ ،‬وفيما يلي بعض االقتراحات‬
‫للحد من ناقدك الداخلي‪:‬‬

‫• عندما تسمع رسالة انتقادية‪ ،‬قل‪« :‬ال‪ ،‬ال أريد أن أسمعها!» أو‪« :‬ال‪ ،‬أنا ال أصدقك»‪.‬‬

‫• واجه أي رسائل انتقادية بالثناء على الذات‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪« :‬ال‪ ،‬أنا لست كسواًل ‪ ،‬انظر إلى كل‬
‫العمل الذي قمت به اليوم؛ أنا عامل مجد»‪.‬‬
‫• ال تسمح لتقييم والديك النقدي أو التوقعات غير المعقولة أن تحكمك‪ ،‬وإذا كنت تميل إلى قيادة نفسك‬
‫قهرًّيا كرّد فعل لآلباء الذين وصفوك بأنك كسول أو ال تصلح ألي شيء‪ ،‬تمهل واسأل نفسك إذا كنت‬
‫تعمل بجد ألنك تريد ذلك‪ ،‬أم كي ترضي والديك‪ ،‬وإذا كان أداؤك ضعيًفا بوصفه طريقة للتمرد على‬
‫ضغط والديك‪ ،‬فقد ترغب في دفع نفسك أكثر قلياًل للعثور على بعض التحفيز الداخلي‪ ،‬وفي كثير‬
‫من األحيان يميل أولئك الذين يتمردون على توقعات اآلباء غير المعقولة إلى أن يكونوا سهلين للغاية‬
‫على أنفسهم‪ ،‬وبدفع نفسك قلياًل ‪ ،‬قد تكتشف رغبة حقيقية وشعوًر ا باإلنجاز في إنشاء المهام أو‬
‫إكمالها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اعترف بألمك واشعر به‬

‫إن القاضي أو الناقد الداخلي متخصص في مهاجمتنا لشعورنا بألمنا برسائل مثل‪« :‬ما فائدة الشعور‬
‫باأللم؟ لن يغير أي شيء!»‪ ،‬و“أنت طفل باٍك » و“احترس‪ ،‬قد تخسره‪ ،‬وبعد ذلك ستكون حًّقا في‬
‫حالة من الفوضى!» لكن ما لم تكن على استعداد لتقر بألمك‪ ،‬وتشعر بأنك ُأوذيت عاطفًّيا‪ ،‬سيكون‬
‫صعًبا عليك تجريب التعاطف مع نفسك أو مع اآلخرين‪.‬‬

‫تذكر أن التعاطف مع الذات هو ترياق مباشر لسم القاضي‪ ،‬وإن الدفء المهدئ للصوت الداخلي‬
‫الراعي يحّيد ذلك السم‪ ،‬والرقة تذيب القسوة والرفض‪ ،‬واستنجد بصوتك الداخلي الراعي‪ ،‬وتحدث‬
‫مع نفسك برأفة‪ ،‬وتفهم كلما كنت منتقًدا لذاتك‪ ،‬أو تشعر بفقدان اإلرادة والعزيمة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أخبر قصتك لشاهد عطوف‬

‫سيساعدك البوح بقصتك لشخص مهتم على تلقي بعض من االنعكاس التعاطفي الذي فقدته في‬
‫طفولتك‪ ،‬وإنه يوفر لك طريقة لمنح نفسك أشياء أخرى فاتتك في مرحلة الطفولة‪ ،‬وبالتحديد تجربة‬
‫أن ُتشاهَد وُترى كما أنت حًّقا (من دون تصورات والديك المشوهة التي تحجب صورتك الحقيقية)‬
‫وفرصة التحقق من صورتك من ِقبل اآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف يمكن التصالك مع جوهرك أن يساعدك على تهدئة ناقدك الداخلي؟‬


‫وفًقا لبايرون براون‪ ،‬مؤلف كتاب (روٌح بال عار) بشكل عام يدرك ناقدك الداخلي أهمية الصفات‬
‫اإلنسانية األساسية‪ ،‬ولكنه ال يعتقد أنك تمتلكها بالفطرة‪ ،‬فبداًل عن ذلك‪ ،‬يخبرك بأنه يجب عليك‬
‫الحصول عليها من الخارج باإلنجازات والسلوك الجيد‪« :‬لو كنت شخًص ا لطيًفا ومعطاًء ‪ ،‬قد يكون‬
‫لك بعض القيمة»‪.‬‬

‫من أجل مواجهة هيمنة ناقدك الداخلي في توجيه تجربتك والتحكم بها‪ ،‬عليك أن تدرك أواًل أن‬
‫جوهرك ليس نتيجة إنجازاتك‪ ،‬أو تأثيرك في اآلخرين‪ ،‬فإنه جزء منك‪ ،‬وكان كذلك دائًم ا‪ ،‬وأنت‬
‫أيًض ا في حاجة إلى معرفة كيف أن ناقدك الداخلي يقوض باستمرار مثل هذا الوعي‪ ،‬ثم عليك أن‬
‫تستدعي صفات محددة من جوهرك أو طبيعتك الحقيقية لتحدي الطريقة التي يعمل بها ناقدك‬
‫الداخلي‪ ،‬وبإدراكك لهذه الجوانب من إنسانيتك‪ ،‬وتطوير اتصالك بها‪ ،‬ستكتشف نظام توجيه ودعم‬
‫بديل‪ ،‬يرتكز على المزيد من الحس األساسي للواقع‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫استمر في تطوير القبول الذاتي وحب الذات‬


‫من أجل إلغاء جميع التعليقات السلبية التي تسرق التقدير‪ ،‬من قبل والديك المستبدين أو المتحكمين‬
‫بشكل مفرط‪ ،‬ستحتاج إلى مواصلة العمل على قبول ذاتك وحبها‪ ،‬ولقد التقيَت بمراجعتي مارلين في‬
‫وقت سابق من الكتاب‪ ،‬فـ (لم تكن قادرة على النظر في المرآة سوى نظرة سريعة عندما تمشط‬
‫شعرها أو تضع المكياج) وعندما اقترحُت عليها أن تحاول النظر في المرآة وقًتا أطول قلياًل ‪،‬‬
‫امتنعت قائلة ‪« :‬ال أستطيع‪ ،‬فبمنتهى السهولة ال أستطيع‪ ،‬وال أريد أن أرى نفسي‪ ،‬فأنا قبيحة»‬
‫وظللت أشجع مارلين لتجريب ذلك‪ ،‬وتمكنت تدريجًّيا من النظر إلى نفسها مدًدا أطول‪ ،‬ففي البداية‬
‫كرهت الشخص الذي رأته في المرآة؛ ألنها شاهدت فقط انعكاس استنكار والديها لها‪ ،‬ولكن بعد أن‬
‫سمحت لنفسها بالشعور والتعبير عن غضبها تجاه والديها‪ ،‬وأن تعيد لهما اإلسقاطات التي وضعاها‬
‫عليها‪ ،‬بدأت ترى شخًص ا مختلًفا تماًم ا في المرآة؛ شخًص ا بدأت في الواقع تحبه‪ ،‬وفي النهاية‪ ،‬تمكنت‬
‫من النظر إلى المرآة وقول‪« :‬أنا أحبك» وذلك تمرين أشجعك على التدرب عليه أيًض ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬مرآة‪ ،‬مرآة‬


‫‪ .1‬انظر إلى نفسك في المرآة (يمكنك استخدام مرآة تظهرك كاماًل أو مرآة أصغر ‪ -‬أيهما أقل‬
‫تهديًدا) وإذا لم يعجبك ما تراه‪ ،‬فحاول العثور على شيء واحد على األقل يعجبك في نفسك‪ ،‬وقل‬
‫بصوت عاٍل ‪« :‬أحب عيني» وإذا كنت مثل مارلين ال يمكنك النظر إلى نفسك في المرآة دون‬
‫الشعور بكراهية الذات أو االزدراء‪ ،‬حاول أن تجد شيًئا واحًدا عن نفسك يمكنك أن تشعر بالحياد‬
‫حوله‪ ،‬وتقول‪« :‬أشعر بالحياد حيال رقبتي»‪.‬‬
‫‪ .2‬افعل ذلك على مدار أسابيع عدة حتى تجد خمسة أشياء على األقل عن وجهك أو جسدك‪ ،‬يمكنك‬
‫من قول‪ :‬إنك تحبها أو على األقل تشعر بالحياد تجاهها‪.‬‬

‫‪ .3‬انظر إلى انعكاسك‪ ،‬وقل لنفسك‪« :‬أنا أحبك» وحتى لو كنت ال تقصد ذلك بعد‪ ،‬قلها على أي‬
‫حال‪ ،‬والحظ كيف تشعر عاطفًّيا‪ ،‬وما هي المشاعر التي تنهض في جسدك عندما تقول هذا لنفسك‪،‬‬
‫وإذا سمعت صوًتا داخلًّيا ناقًدا أو صوت أحد الوالدين يقول شيًئا سلبًّيا‪ ،‬مثل‪« :‬كيف يمكنك أن تقول‪:‬‬
‫إنك تحب نفسك عندما ال تكون جيًدا؟» قل لذلك الصوت‪« :‬اخرس!»‪.‬‬

‫‪ .4‬كرر هذا التمرين على مدار أسابيع عدة‪ ،‬ومرة واحدة في األسبوع على األقل؛ حتى يمكنك قول‪:‬‬
‫«أنا أحبك» النعكاسك‪ ،‬وتعني ذلك حًّقا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 14‬إذا كنت تعاني من أبوين ناقدين‪ ،‬أو معّيرين بشكل مفرط أو ينشدان الكمال دائًم ا‬

‫مداواة مرايا (أنا سيئ)‪ ،‬و(أنا غير مقبول) و(أنا لست على درجة مقبولة من الجودة)‬

‫أقول لكم‪ :‬إن هناك شيًئا مثل الكراهية اإلبداعية‪.‬‬


‫ويال كاثر‬
‫‪Willa Cather‬‬

‫‪The Song of the Lark‬‬


‫سنركز في هذا الفصل على إصالح الضرر الذي يلحق بتقدير الذات‪ ،‬والصورة الذاتية‪ ،‬نتيجة النقد‬
‫المفرط أو التشهير أو ناشدي الكمال من اآلباء‪ ،‬وسيتضمن ذلك منح نفسك اإلذن بالتعبير عن‬
‫الغضب من والديك المسيئين‪ ،‬والعمل على تخليص نفسك من العار الذي ُغِر س فيك‪.‬‬

‫ويستجيب األطفال بشكل مختلف للعار‪ ،‬حيث يغضب بعضهم‪ ،‬ويوجه هذا الغضب إلى الخارج‪،‬‬
‫وأحياًنا في صورة عنف ضد أناس آخرين‪ ،‬في حين يوجه آخرون غضبهم إلى الداخل‪ ،‬وغالًبا ما‬
‫يقودهم ذلك إلى حلقة مفرغة من كراهية الذات‪ ،‬ينعزل فيها الشخص‪ ،‬وينسحب من أجل تجنب‬
‫احتمال المزيد من الرفض‪ ،‬ويمكن أن تؤدي الصدمة المرتبطة بألم االستجابة لعار شديد إلى جميع‬
‫الظواهر التي نربطها باضطراب ضغط ما بعد الصدمة‪.‬‬

‫وألنه يصعب شفاء الجروح التي تنجم عن وجع العار والرفض بشكل خاص‪ ،‬غالًبا ما يهيمن على‬
‫األشخاص الذين عانوا من أشكال شديدة من هذا األلم الرغبُة في تجنب المزيد من أفعال العار‬
‫والرفض‪ ،‬وإنهم يفعلون ذلك ببناء جدران دفاعية حول أنفسهم‪ ،‬تحول دون دخول الرفض‪ ،‬ولكن في‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬تبقي الحميمية والحب بعيدين‪ ،‬ومن أجل البدء في هدم هذه الجدران‪ ،‬تحتاج إلى أن‬
‫تشفي نفسك من خزيك‪.‬‬
‫وتتمثل الخطوة األولى بالضبط في فهم ما هو هذا العار وكيفية تحديده في نفسك‪ ،‬فإن تحديد العار‬
‫ليس سهاًل مثل تحديد بعض من عواطفنا األخرى‪ ،‬وعندما نشعر بالخزي الشديد‪ ،‬من الشائع أن‬
‫نرغب في االختباء من اآلخرين‪ ،‬وفي الحقيقة‪ُ ،‬يعتقد أن كلمة العار مشتقة من كلمة هندو أوروبية‬
‫تعني (االختباء) وإليكم كيف وصف أحد مراجعّي الشعور بالعار‪« :‬أردت فقط حفر حفرة واالختباء‬
‫فيها» ووصف مراجع آخر الشعور بالخزي على هذا النحو‪« :‬أتمنى فقط أن أختفي؛ فإنني أشعر‬
‫بالخجل لدرجة أنني ال أستطيع النظر في عين أي شخص»‪.‬‬
‫ويمكن أن يساعدك التأكد من جسدك على اكتشاف شعورك بالخزي‪ ،‬ونميل إلى الشعور بالخزي في‬
‫أجسادنا كشعور بالرهبة؛ شعور ساحق بالرغبة في االختفاء أو تغطية وجوهنا‪ ،‬أو ألم في بطوننا‪،‬‬
‫ويحمّر بعض الناس‪ ،‬بينما يشعر آخرون بالعصبية أو إحساس باالختناق أو ضيق النفس‪ ،‬ويعاني‬
‫آخرون مما يسمى هجوم العار‪ ،‬إذ يشعرون فيه بالغرق التام بهذا الشعور بالرهبة‪ ،‬وتشمل‬
‫األعراض العامة التي غالًبا ما يرويها من تعرض لهجوم العار‪ :‬الشعور بالدوار‪ ،‬أو الفراغ‪،‬‬
‫واالرتباك‪ ،‬والغثيان‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫فّر ق بين الخزي والشعور بالذنب‬


‫غالًبا ما ُيخلط العار بالشعور بالذنب‪ ،‬ولكنه ليس الشعور نفسه‪ ،‬وعندما نشعر بالذنب‪ ،‬نشعر بالسوء‬
‫حيال شيء فعلناه أو أهملنا فعله‪ ،‬وعندما نشعر بالعار‪ ،‬نشعر بالسوء حيال من نحن‪ ،‬وعندما نشعر‬
‫بالذنب‪ ،‬علينا أن نتعلم أنه ال بأس من ارتكاب األخطاء‪ ،‬ولكن عندما نشعر بالعار‪ ،‬علينا أن نتعلم أنه‬
‫من المقبول أن نكون ما نحن عليه‪.‬‬

‫وهناك فرق آخر بين الشعور بالذنب والعار‪ ،‬وهو أن العار يأتي نتيجة انكشاف نقاط ضعف المرء‬
‫للعامة من الناس‪ ،‬في حين أن الشعور بالذنب أمر خاص‪ ،‬يحصل نتيجة الشعور بالفشل في االرتقاء‬
‫إلى مستوى معاييرنا الداخلية‪ ،‬وعندما (يكتشف) اآلخرون أو (يعرفون) أنك كنت في يوم من األيام‬
‫عاجًز ا‪ ،‬تميل إلى الشعور بالخجل‪ ،‬وتشعر أيًض ا باالنكشاف‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬إذا شعرت أنك‬
‫السبب في مشكالتك‪ ،‬لن تعود تشعر بأنك عاجز أو مكشوف‪ ،‬فقبل أي شيء‪ ،‬قد تفكر في أنك من‬
‫جلب األلم لنفسك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫التمرين‪ :‬كيف أثر فيك العار؟‬


‫‪ .1‬فكر في كيفية التعايش مع العار الذي عانيت منه في الطفولة‪ ،‬وكيف دافعت عن نفسك ضد هذا‬
‫العار؟‬
‫‪ .2‬إذا تمثلت العار داخلًّيا‪ ،‬فكر في الطرق التي أثر الخزي فيها على احترامك لذاتك‪.‬‬

‫‪ .3‬إذا كنت قد أخرجت العار‪ ،‬فكْر في الطرق التي أسقطت فيها العار على اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .4‬الحظ ما يثير العار فيك اليوم‪ ،‬فهل هو نقد اآلخرين‪ ،‬حيث ُيطلب منك القيام بما هو مطلوب (أو‬
‫كما وصف أحد مراجعي األمر «سحب كل أغطيتي») أم رفض اآلخرين لك؟‬

‫‪ .5‬متى من المرجح أن تشعر بالخزي؟ هل هو عندما تشعر بدرجة عالية من عدم األمان؟ هل هو‬
‫عندما تحاول التأثير في شخص ما لحد اإلعجاب بك؟‬
‫‪ .6‬ما هو الشيء األكثر احتمااًل أن يثير العار فيك؟ هل هم األشخاص الذين أكثر ما تهتم بهم؟ أم‬
‫أولئك الذين تحاول التأثير فيهم لدرجة اإلعجاب بك؟ ماذا عن األشخاص الذين تشعر بعدم مناسبتهم‬
‫حولك‪ ،‬أو الذين رفضوك في الماضي؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إذا أخرجت عارك (ألقيته على اآلخرين)‬


‫يدفع بعض الناس العار بإسقاطه على اآلخرين‪ ،‬والغضب عليهم‪ ،‬وإذا كنت تميل إلى القيام بذلك‪،‬‬
‫خاصة إذا كنت تنتقد الناس‪ ،‬أو تعاني من نوبات غضب مفاجئة وغير متوقعة‪ ،‬انتبه إلى الطرق التي‬
‫تحّو ل بها العار إلى غضب‪ ،‬فهل تحط من قدر اآلخرين ألنك تشعر بالرفض منهم؟ هل تدخل في‬
‫هياج كالمي في محاولة لتعيير كل من يجرؤ على انتقادك؟ هل تصرخ في وجه أي شخص يجعلك‬
‫تشعر بعدم الكفاءة؟ هل تصبح صعًبا أو مهيًنا عندما تشعر بالفشل؟ على الرغم من أنه مؤلم‬
‫االعتراف بمثل هذا السلوك‪ ،‬إال أن مواجهة الحقيقة هي الخطوة األولى نحو الشفاء‪.‬‬
‫من أجل كسر دائرة العار ‪ /‬الغضب‪ ،‬عليك أن تسأل نفسك‪« :‬ما الذي أخجل منه؟» في كل مرة‬
‫تغضب فيها‪ ،‬وفكر في غضبك بوصفه علًم ا أحمر يشير إلى حقيقة أنك تشعر بالعار‪ ،‬وأشُّد ما ينطبق‬
‫ذلك كلما عانيت فجأة من نوبات من الغضب أو عندما تستشيط غضًبا‪ ،‬وقد يكون صعًبا العثور على‬
‫سبب خجلك في البداية‪ ،‬وقد ال تشعر بالعار في كل مرة تشعر بالغضب‪ ،‬ولكن ببعض الممارسة‬
‫ستتمكن من التعرف إلى تلك األوقات التي تشعر فيها بالخجل‪ ،‬وتكتشف سبب ذلك‪ ،‬وبمجرد تحديد‬
‫عالقة العار ‪ /‬الغضب‪ ،‬فأنت في حاجة إلى كسرها‪ ،‬وهذا يعني أنه عليك أن تمنع نفسك من أن‬
‫تصبح غاضًبا بوصفها طريقة للدفاع ضد خزيك‪ ،‬وارجع إلى المعلومات في الفصل الخامس حول‬
‫كيفية تحسس العار‪ ،‬ثم اتركه يتدفق منك‪ ،‬والحًقا في هذا الفصل‪ ،‬سأقدم اقتراحات للتخفيف من‬
‫عارك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إذا تمثلت عارك داخلًّيا



‫من لوم الذات إلى الغضب‬
‫اللوم الذاتي والعار مرتبطان ارتباًطا وثيًقا‪ ،‬ويميل األطفال إلى لوم أنفسهم عن سلوك آبائهم‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن مدى أذيته وسوئه‪ ،‬وإن اللوم الذاتي يتسق أيًض ا مع الطريقة التي يفكر بها األشخاص‪،‬‬
‫الذين عانوا من صدمات من جميع األعمار‪ ،‬وإنهم يبحثون عن أخطاء في سلوكهم في محاولة منهم‬
‫لفهم ما حدث لهم‪ ،‬وعندما يتعرض الطفل لسوء المعاملة بشكل مزمن‪ ،‬فال الوقت وال الخبرة يوفران‬
‫أي تصويب لهذا الميل نحو لوم الذات‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ُ ،‬يعزز ذلك باستمرار‪ ،‬وقد يلقى شعوُر الطفل‬
‫المساء إليه تجاه إساءته الداخلية توكيًدا مباشًر ا بجعله كبش فداء من قبل الوالدين‪ ،‬وغالًبا ما يصف‬
‫الناجون إلقاء اللوم عليهم ليس فقط بسبب سوء معاملة والديهم أو عنفهما‪ ،‬ولكن أيًض ا بسبب‬
‫المصائب األخرى التي تقع على العائلة‪.‬‬
‫أحياًنا‪ ،‬يتعلم الطفل الذي ينشأ في عائلة لّو امة أن يلقي اللوم على نفسه ‪ -‬يتمثل اللوم داخلًّيا بداًل من‬
‫إخراجه – بوصفه طريقة لتجنب اللوم من اآلخرين المهمين في األسرة‪ ،‬ويتعلم مثل هذا الشخص أنه‬
‫إذا بادر بسرعة إلى إلقاء اللوم على نفسه‪ ،‬سوف تهدأ اتهامات الوالدين أو يتم تجنبها تماًم ا‪ ،‬ويبدو‬
‫األمر كما لو أن الطفل يوقع عقًدا ضمنًّيا مع الوالدين‪ :‬سألقي اللوم على نفسي‪ ،‬ومن ثم لستما في‬
‫حاجة إلى القيام به‪ ،‬وبهذه الطريقة يوضع اللوم الذي ال يطاق‪ ،‬والذي يحفز على العار عند الطفل‪،‬‬
‫تحت رقابة الطفل الداخلية‪ ،‬ويصبح متمثاًل داخلًّيا بطريقة تجعل حياة الطفل الداخلية خاضعة إلى‬
‫األبد إللقاء اللوم الذاتي التلقائي‪.‬‬

‫وإذا كان لديك ميل نحو لوم الذات‪ ،‬فإن تحويل العار إلى غضب يمكن أن يكون وسيلة إيجابية وقوية‬
‫لتخليص نفسك من العار‪ ،‬وبداًل من أخذ الطاقة السلبية إلى الداخل‪ ،‬ضد نفسك‪ُ ،‬توجه الطاقة إلى‬
‫الخارج‪ ،‬نحو الشخص الذي يقوم بالتشهير‪ ،‬أو يتسبب في العار‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف تتخلص من العار؟‬


‫ستساعدك االقتراحات اآلتية على بدء العمل على تخفيف أو تقليل شعورك بالعار‪ /‬الخجل‪ /‬الخزي‪.‬‬
‫‪ .1‬تقبل حقيقة أنك ال تستحق اإلساءة أو اإلهمال‪ ،‬وقل لنفسك‪ :‬ال شيء فعلته عندما كنت طفاًل ‪ ،‬يبرر‬
‫أي نوع من سوء المعاملة أو اإلهمال الذي تعرضت له‪ ،‬وإذا واصلت إلقاء اللوم على نفسك بسبب‬
‫سلوك والديك غير المناسب أو غير المالئم قد تحتاج إلى التفكير في كم كنت طفاًل بريًئا وضعيًفا‪،‬‬
‫واقِض بعض الوقت مع أطفال كانوا في عمرك عندما كنت ُم هماًل أو مساء إليك عاطفًّيا‪ ،‬والحظ‬
‫حقيقة األطفال األبرياء وكم هم ضعفاء‪ ،‬بغض النظر عن مدى النضج الذي يحاولون التصرف به‪.‬‬
‫‪ .2‬أخبر اآلخرين المهمين عن سوء المعاملة واإلهمال اللذين تعرضت لهما‪ ،‬فكما يقول المثل‪:‬‬
‫«نبقى مرضى طالما بقي ثقل أسرارنا في صدورنا» وبإخفاء حقيقة أنك تعرضت لسوء المعاملة أو‬
‫اإلهمال عاطفًّيا عندما كنت طفاًل عن أصدقائك المقربين وعائلتك‪ ،‬فإنك تحافظ على فكرة أنك تبقيها‬
‫سًّر ا؛ ألنك فعلت شيًئا خاطًئا‪ ،‬وبمشاركة تجربتك مع شخص تحبه‪ ،‬وتثق به (شريكك‪ ،‬صديق‬
‫مقرب‪ ،‬معالج‪ ،‬أعضاء مجموعة داعمة) سوف تتخلص من السر‪ ،‬وتتخلص من العار‪.‬‬

‫‪ .3‬أرجع عار والديك‪ .‬عندما يسيء أحد الوالدين للطفل‪ ،‬غالًبا ما يكون ذلك بسبب وجوده في‬
‫منتصف هجوم مخٍز ‪ ،‬ومن حيث الجوهر‪ ،‬يقوم الوالد بإسقاط عاره أو عارها على الطفل‪ ،‬وفي أثناء‬
‫حدوث اإلساءة‪ ،‬غالًبا ما يشعر الطفل بـعار المسيء الذي يطغى عليه ما يتسبب في أن يتحمل‬
‫الطفل‪ ،‬في الواقع‪ ،‬عار المعتدي‪ ،‬وربما ُأخبرت مرات عدة من ِقبل معالجك‪ ،‬أو من ِقبل أصدقائك‬
‫وأحبائك‪ ،‬أن اإلساءة أو اإلهمال الذي تعرضت له لم يكن خطأك‪ ،‬واآلن هو الوقت المناسب للبدء‬
‫في تصديق ذلك‪ ،‬وإن تنفيس غضبك تجاه والديك أو غيرهما من المسيئين سيساعدك على التوقف‬
‫عن لوم نفسك؛ ألن المسيء هو هدف غضبك المناسب‪ ،‬وعندما تغضب من المسيئين إليك‪ ،‬تؤكد‬
‫براءتك‪.‬‬
‫‪ .4‬بدل نقدك الذاتي بالرحمة بنفسك وقبولها‪ .‬من أجل مداواة خزيك‪ ،‬من المهم جًّدا أن تبدل ميلك إلى‬
‫عدم الصبر أو انتقاد الذات بتعاطفك مع نفسك‪ ،‬وتذكر ما شعرت به عندما تحدث إليك والداك‬
‫بطريقة ناقدة أو مزعجة‪ ،‬وشاهد صورك عندما كنت طفاًل ‪ ،‬وذّكر نفسك بأنك كنت طفاًل بريًئا‬
‫ضعيًفا ال يستحق اإلهانة أو المذلة أو االنتقاد أو العار لمجرد أن كنت ما كنت عليه‪ ،‬واستمر في‬
‫العمل على أن تستبدل بالصوت الناقد أو المزعج داخل رأسك صوًتا أكثر رحمة ورعاية‪ ،‬وإن‬
‫التعاطف مع نفسك سوف يمنحك القوة والحافز للتغيير‪ ،‬في حين أن النقد الذاتي ال يستمر إال في‬
‫تمزيقك‪.‬‬

‫‪ .5‬توقف عن مقارنة نفسك باآلخرين‪ .‬إن األشخاص الذين لديهم قدر كبير من الخجل‪ /‬العار‪ /‬الخزي‬
‫يتفاعلون مع اإلحساس باالختالفات فيما بينهم وغيرهم بترجمتها تلقائًّيا إلى مقارنة للخير مقابل‬
‫الشر‪ ،‬واألفضل مقابل األسوأ‪ ،‬وبداًل من تثمين االختالفات‪ ،‬يشعرون بأنهم مهددون بها‪ ،‬ولكن ال‬
‫أنت وال الشخص اآلخر في حاجة إلى الظهور على أنه األقل‪ ،‬إذا أمكن إبقاء اختالفاتكما كما هي؛‬
‫اختالفات يحتفظ بها كل منكما‪ ،‬وتثمن عالًيا‪.‬‬
‫‪ .6‬توقع أن يتقبلك اآلخرون كما أنت‪ .‬من أجل مداواة خجلك‪ /‬عارك‪ /‬خزيك‪ ،‬تحتاج أيًض ا إلى العمل‬
‫بوعي على اإليمان أنه ال بأس في أن تكون ما أنت عليه‪ ،‬وهذا يعني أنك في حاجة إلى التوقف عن‬
‫االعتماد على أي شخص يعاملك كما لو أنك لست مقبواًل كما أنت عليه‪ ،‬وأحط نفسك بأشخاص‬
‫يحبونك ويتقبلونك كما أنت عليه تماًم ا‪ ،‬مقارنة باألشخاص المنتقدين‪ ،‬الذين يطلقون أحكاًم ا‪ ،‬أو‬
‫ينشدون الكمال‪ ،‬أو معيرون‪ ،‬وافتح عالقاتك مع هؤالء الناس وعمقها‪ ،‬وعندما يعاملك شخص جيًدا‪،‬‬
‫تأكد من استيعاب ذلك‪ ،‬وعندما يفعل شخٌص شيًئا لطيًفا لك‪ ،‬أو يقول شيًئا لطيًفا عنك‪ ،‬خذ نفًسا‬
‫عميًقا‪ ،‬ودع المشاعر الطيبة تدخل إلى جوفك‪ ،‬وعندما تكون بمفردك‪ ،‬تذكر األشياء اإليجابية أو‬
‫اللطيفة التي قالها الشخص أو فعلها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيفية التعامل مع هجوم العار‬


‫إذا كنت تعاني من نوبة عار عاتية‪ ،‬قد تحتاج إلى التحدث إلى صديق موثوق به‪ ،‬أو شخص آخر‬
‫قريب منك (معالجك‪ ،‬راعيك‪ ،‬عضو في مجموعة دعمك‪ ،‬شخص على الخط الساخن) واشرح بأنك‬
‫تتعرض لهجوم عار‪ ،‬وأنك تشعر بالفزع على نفسك‪ ،‬وال َتُلِم الشخص الذي تسبب في شعورك‬
‫بالخزي؛ ألنه جعلك تشعر بالسوء (إال إذا كان هو الشخص نفسه الذي جلب لك العار بشكل فظيع‬
‫وأنت طفل)‪ ،‬ولكن تحمل مسؤولية خزيك‪ ،‬وحاول أن تؤسس اتصااًل بين الحادث الحالي وبما‬
‫يذكرك (منذ الطفولة‪ ،‬أو من صدمة عار حديثة جًّدا) واطلب من الشخص أن يذّكرك بأنك لست‬
‫شخًص ا فظيًعا‪ ،‬وإذا كان شخًص ا قريًبا منك‪ ،‬اطلب منه أن يذكرك بصفاتك اإليجابية‪.‬‬

‫وإذا لم تتمكن من العثور على شخص تثق به للتحدث معه‪ ،‬فاكتب مشاعرك‪ ،‬وِص ف ما تشعر به‬
‫بالتفصيل‪ ،‬بما في ذلك ردود فعلك الجسدية‪ ،‬وتتبع ردود الفعل هذه إلى أوقات وأحداث أخرى عندما‬
‫شعرت بمشاعر مماثلة‪ ،‬وإذا وجدت حالة اتصال‪ ،‬فاكتب عن ذلك بالتفصيل‪ ،‬ثم اقِض بعض الوقت‬
‫مذكًر ا نفسك بـصفاتك وإنجازاتك الحميدة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫مواجهة الرسائل من آباء ينشدون الكمال دائًم ا‬


‫هناك سبب إلدراج طرق للتغلب على الضرر الناجم عن اآلباء الذين ينشدون الكمال في هذا الفصل‬
‫حول التغلب على الضرر الناجم عن اآلباء مفرطي االنتقاد أو المعيرين‪ ،‬والسبب هو أن الكمال‬
‫يمكن أن يكون مخزًيا جًّدا‪ ،‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬يحارب بعض الناس العار بالسعي من أجل الكمال‪،‬‬
‫بوصفه طريقة للتعويض عن الشعور الكامن بالنقص‪ ،‬والتعليل يذهب على النحو اآلتي‪« :‬إذا كان‬
‫بإمكاني أن أصبح كاماًل ‪ ،‬فأنا لن أكون عرضة للعار» ولسوء الحظ‪ ،‬إن السعي إلى تحقيق الكمال‬
‫محكوم عليه بالفشل‪ ،‬وإن إدراك هذا الفشل يوقظ من جديد الشعور بالخزي الموجود مسبًقا الذي كان‬
‫الشخص يحاول الهروب منه في المقام األول؛ ألنه يشعر مسبًقا بأنه ليس على قدر جيد من الجودة‬
‫بطبيعته بوصفه شخًص ا‪ ،‬ال ينظر إلى أي شيء يفعله على أنه على درجة جيدة من الجودة‪.‬‬
‫وإذا كنت تتوقع الكمال من نفسك‪ ،‬فسوف تشعر بخيبة أمل مستمرة في نفسك‪ ،‬وتدمر ثقتك بنفسك‬
‫باستمرار‪ ،‬وإذا كنت تتوقع الكمال من اآلخرين‪ ،‬سينتهي بك األمر إلى أن تكون منتقًدا ومطالًبا‪ ،‬وإذا‬
‫فعلت ذلك مع أطفالك‪ ،‬فإنك ستسيء إليهم عاطفًّيا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫كيف تتعامل مع ناقدك الداخلي؟‬


‫إذا كان أحد والديك أو كالهما مثالًّيا‪ ،‬فستميل إلى أن تكون مثالًّيا أيًض ا‪ ،‬وتتوقع من نفسك أن تفعل‬
‫األشياء بشكل صحيح من المرة األولى‪ ،‬وعندما تخطئ فلن تسامح نفسك‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬ستوبخ‬
‫نفسك بتعليقات مثل‪« :‬ماذا دهاك؟» و“يا لك من غبي‪ ،‬ال يمكنك فعل أي شيء بشكل صحيح» وقد‬
‫تتوقع الكمال من اآلخرين‪ ،‬ولكن في الغالب تتوقعه من نفسك‪ ،‬وقد يكون توبيخك لذاتك وحشًّيا‬
‫أحياًنا‪ ،‬ما يجعلك مكتئًبا أو يائًسا عندما ترتكب خطأ‪ ،‬في حين يبدو أن اآلخرين قادرون على المضي‬
‫قدًم ا بعد ارتكاب الخطأ‪ ،‬تميل أنت إلى التفكير فيه مطواًل ‪ ،‬وهذا يضر باحترامك لذاتك دائًم ا‪.‬‬
‫وإذا كان هذا يصفك‪ ،‬فإن أول شيء عليك القيام به هو تحديد ناقدك الداخلي؛ ذلك الصوت القاسي‬
‫الحاكم الذي يصر على الكمال‪ ،‬وابدأ في مالحظة عدد المرات التي توبخ فيها نفسك‪ ،‬مثل مراجعتي‬
‫باميال‪ ،‬قد تجده ثابًتا‪« :‬أنا شديدة القسوة على نفسي! كلما ارتكبت خطأ سمعت صوًتا في رأسي‬
‫يخبرني يا لك من حمقاء! ‪ -‬كيف ال أستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح ‪ -‬إنني حمقاء عاجزة‪،‬‬
‫وبمنتهى اليسر ال يمكنني أن أترك نفسي تفلت من سنارة العقاب»‪.‬‬

‫وقد قدمت في وقت سابق من الكتاب تمارين عدة وعمليات لتساعدك على البدء في التعامل البناء مع‬
‫ناقدك الداخلي‪ ،‬والبدء في تكوين صورة ذاتية أكثر إيجابية‪ ،‬ويتضمن ذلك أيًض ا البدء في تطوير أم‬
‫داخلية راعية لتحل محل أم منتقدة ومعّيرة‪ ،‬وأب داخلي آمن وقوي ليحل محل الذي كان صارًم ا‬
‫وحاكًم ا‪ ،‬وراجع تلك األجزاء من الكتاب‪ ،‬واستمر في توفير الرعاية والقيود لنفسك‪ ،‬التي ستساعدك‬
‫على التغلب على تجاربك المخزية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 15‬إذا كان والدك مهتًّم ا بملذاته أو نرجسًّيا شفاء مرآة (ال أهتم)‬

‫عندما كنت أكبر‪ ،‬كنت أعلم أن والدتي تكرهني‪ ،‬وأنها أرادت تدميري‪ ،‬وكنت أالحظها أحياًنا وهي‬
‫تنظر إلي بازدراء وحقد في عينيها‪ ،‬وكنت أعاني من التهاب الشعب الهوائية المزمن‪ ،‬وكنت أسعل‬
‫أحياًنا طوال الليل‪ ،‬وأعاني أحياًنا من الحمى‪ ،‬وفي إحدى الليالي‪ ،‬أتت والدتي إلى جانب سريري‬
‫لتضع منشفة باردة على جبهتي لخفض درجة حرارتي‪ ،‬وفي حالتي المحمومة‪ ،‬كنت على يقين من‬
‫أنها كانت تحاول خنقني‪ ،‬فصرخت ودفعتها بعيًدا‪ ،‬فيمكنك القول‪ :‬إنني كنت أعاني من الهلوسة‬
‫بسبب الحمى‪ ،‬وكان ذلك ممكًنا بالتأكيد‪ ،‬ولكنني اعتقدت أيًض ا أن والدتي ربما كانت تفضل خنقي‪.‬‬

‫يريد كثير من اآلباء النرجسيين تدمير أطفالهم‪ ،‬فال يريدونهم أن يكونوا موجودين‪ ،‬ومن أجل رعاية‬
‫الطفل‪ ،‬ينبغي لآلباء في كثير من األحيان وضع احتياجاتهم الخاصة جانًبا‪ ،‬إذ يستاء اآلباء‬
‫النرجسيون من االضطرار إلى القيام بذلك؛ ألنهم يميلون إلى األنانية واالنغماس في ملذاتهم‪ ،‬فما‬
‫يهمهم هو احتياجاتهم وحسب‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يريد اآلباء النرجسيون من أطفالهم أن يكونوا تحت‬
‫تصرفهم‪ ،‬ويتصلوا بهم‪ ،‬ويعتنوا باحتياجاتهم‪ ،‬في حين أن كثيًر ا من اآلباء النرجسيين يستاؤون من‬
‫االضطرار إلى رعاية أطفالهم‪ ،‬فإنهم يكبرون متوقعين أن أطفالهم سوف يعتنون بهم‪.‬‬

‫وإن كنت طفاًل ألب نرجسي‪ ،‬سيكون تحديك األكبر هو التحرر من قبضة والديك الخانقة‪ ،‬وال يريد‬
‫اآلباء النرجسيون ألطفالهم أن تكون لهم ذات منفصلة‪ ،‬فإنهم يريدون السيطرة الكاملة على أطفالهم؛‬
‫للتأكد من أنهم سيكونون متاحين دائًم ا لتلبية احتياجاتهم‪ ،‬وإذا طور الطفل حياة منفصلة‪ ،‬فلن يكون‬
‫مستعًّدا ومستجيًبا بدرجة كبيرة لتلبية احتياجات والديه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إيجاد الذات المنفصلة‬


‫في كتاب (محصورون في المرآة) ‪ ،Trapped in the Mirror‬تقارن إيالن غولمب أطفال اآلباء‬
‫النرجسيين بنباتات بونساي‪« :‬نحن مثل نباتات بونساي بسنوات سابقة من الحبس والقمع وإعادة‬
‫التشكيل‪ ،‬فما هو شكلنا الطبيعي؟ يستغرق األمر سنوات الكتشافه‪ ،‬حيث نعود إليه بدرجات من‬
‫النمو»‪.‬‬

‫وألن معظم أطفال اآلباء النرجسيين ال يعرفون حًّقا من هم‪ ،‬وألننا منفصلون تماًم ا عن أنفسنا‬
‫الحقيقية‪ ،‬فمن الصعب إيجاد نفس منفصلة‪ ،‬ويرجع ذلك جزئًّيا إلى األحكام التي يضعها أهلنا علينا‪،‬‬
‫وهذا بدوره يصبغ تصوراتنا عن أنفسنا‪ ،‬وعلى األرجح أنك تعلمت كراهية الذات حتى من دون‬
‫معرفة نفسك الحقيقية‪ ،‬ولقد استوعبت آراء والديك السلبية عنك‪ ،‬واآلن تصدقها على أنها حقيقية‪،‬‬
‫وربما تكون قد اعتمدت قيم والديك‪ ،‬ولكن ال تعرف حقيقة‪ ،‬ما تؤمن به أنت بنفسك‪.‬‬
‫وستساعدك الكثير من المعلومات والتمارين الواردة في الفصل السادس على البدء في اكتشاف من‬
‫أنت منفصاًل عن والدك النرجسي‪ ،‬وفي هذا الفصل سأقدم لك المزيد من االقتراحات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫افصل نفسك عن والديك‪ ،‬وآراء والديك عنك‬

‫يصر اآلباء النرجسيون على أنهم يعرفون أطفالهم أفضل من أي شخص آخر‪ ،‬مع أن اآلباء يميلون‬
‫إلى معرفة أطفالهم بشكل أفضل‪ ،‬إال أن ذلك ليس هو الحال مع اآلباء النرجسيين؛ ألنهم يسقطون‬
‫كراهيتهم لذواتهم على أطفالهم‪ ،‬ومن ثم لديهم مثل هذه التصورات المشوهة عنهم‪.‬‬

‫ومع األسف‪ ،‬إن أطفال اآلباء النرجسيين‪ ،‬مثل جميع األطفال‪ ،‬يميلون إلى تصديق ما يقوله آباؤهم‬
‫لهم عن أنفسهم؛ لذلك ستكون إحدى أصعب مهامك هي أن تتعلم كيف تفكر بدقة حيال المعلومات‬
‫التي تلقيتها من والديك‪ ،‬وتتجاهل األشياء غير الصحيحة‪ ،‬وإذا كنت ال تزال في حيرة من أمرك‪،‬‬
‫فإن تغذية راجعة من أقرب أصدقائك حول كيفية فهمهما لك سيساعدك على األمر‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ال تخَش من النظر إلى الداخل‬

‫يخاف أطفال اآلباء النرجسيين من النظر إلى الداخل‪ ،‬ومن الوصول إلى معرفة ذواتهم الحقيقية؛ ألن‬
‫الذي غالًبا ما يميلون إلى اكتشافه هو غضب تجاه والدهم القمعي‪.‬‬

‫وقد عرفت كارين أن أمها نرجسية‪ ،‬فاحتقرتها وهاجمتها لفظًّيا وجسدًّيا بشكل شبه يومي‪ ،‬ولكن‬
‫كارين كانت تخشى استكشاف الغضب الذي شعرت به تجاه والدتها‪ ،‬وتذكرت بوضوح تام حادثة‪،‬‬
‫عندما كانت تغمرها الرغبة في قتل والدتها‪ ،‬إذ كانت تبلغ من العمر ست سنوات فقط‪ ،‬ولكن والدتها‬
‫كانت قد أجبرتها على العمل في المطبخ مسبًقا في تقطيع الخضراوات‪ ،‬ولم يكن عملها يرضي‬
‫معايير والدتها‪ ،‬فلذلك كانت تصرخ عليها‪ ،‬وتقول لها‪ :‬كم كانت طفلة غبية‪ ،‬وكيف ال تستطيع فعل‬
‫أي شيء بشكل صحيح‪« :‬بدأت يدي ترتجف وأنا أستمع إليها تحتقرني مرة أخرى‪ ،‬ووضعت‬
‫إصبعي على نهاية السكين الحادة‪ ،‬ثم تخيلت تناول السكين وطعن والدتي في القلب‪ ،‬وكلما فكرت في‬
‫األمر‪ ،‬اهتزت يدي بعنف أكبر‪ ،‬ولكن شعرت بأن ساقّي تسمرتا في مكانهما‪ ،‬ولم أستطع التحرك من‬
‫المكان الذي كنت أقف فيه‪ ،‬والحمد هلل على ذلك؛ ألنه لو أمكنني التحرك‪ ،‬فأنني أعتقد أنني كنت قد‬
‫طعنتها»‪.‬‬
‫واستغرق األمر الكثير من التشجيع مني كي تبدأ كارين في السيطرة على غضبها والتعبير عنه‪،‬‬
‫الذي ما زالت تشعر به تجاه والدتها‪ ،‬وكانت تخاف انفجار غضبها‪ ،‬وفقدانها سيطرتها عليه‪ ،‬فقد‬
‫قالت لي‪« :‬أبًدا‪ ،‬ال أريد أن أشعر بهذا النوع من الغضب القاتل مرة أخرى»‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬من خالل‬
‫مذكرات اليوميات ورسائل الغضب‪ ،‬تمكنت كارين من وضع مشاعرها على الورق‪« :‬لدي الكثير‬
‫من الغضب وهو قاتل»‪ ،‬لقد شاركتني‪« :‬لكنني أعرف اآلن أن غضبي مبرر‪ ،‬وأعرف كيف‬
‫أحتويه»‪.‬‬

‫يخشى آخرون أن يشعر والدهم النرجسي بغضبهم‪ ،‬وأن هذا قد يتسبب في هجوم آخر‪ ،‬وما زال‬
‫بعض آخر يتبرأ من الغضب؛ ألن الغضب يجعلهم يشبهون إلى حد كبير األبوين اللذين يكرهونهما‪،‬‬
‫وهذا ما قاله لي مراجعي ويليام‪ ،‬عندما اقترحت عليه أنه في حاجة إلى التعبير عن غضبه المكبوت‬
‫تجاه والده‪« :‬أنا أرفض أن أكون مثل أبي‪ ،‬فقد كان غاضًبا طوال الوقت‪ ،‬وكان يؤذي الناس دائًم ا‬
‫بتعليقاته؛ لهذا السبب قررت دفن غضبي فقط‪ ،‬ولن أبحث فيه ثانية أبًدا»‪.‬‬

‫والحقيقة هي أنه ال يمكن أن تكون قد نشأت في كنف والد نرجسي دون الشعور بغضب شديد تجاهه‬
‫أو تجاهها‪ ،‬ويجب عليك أن تقبل أن ذلك الغضب هو جزء من الحياة وجزء منك‪ ،‬وارجع إلى الفصل‬
‫الخامس القتراحات حول كيفية التعبير عن غضبك بأمان وطرق صحية‪ ،‬وإيجاد طريقة تناسبك‪،‬‬
‫ويمكن أن يساعدك على أن تسأل جسدك عن كيفية تنفيس غضبك (الضرب‪ ،‬القذف‪ ،‬التحطيم‪،‬‬
‫التمزيق) وإنك تعرف حدسًّيا ما عليك القيام به‪ .‬إذا كان لديك تاريخ من فقدان السيطرة على غضبك‪،‬‬
‫فاختر أسلوب تنفيس عن غضبك ال ينطوي على نشاط بدني‪ ،‬مثل كتابة اليوميات أو رسائل‬
‫الغضب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫احزن على فقدان طفولة صحية‬

‫من أجل تحرير نفسك من والدك النرجسي‪ ،‬يجب عليك أن تأسى على احتمالية أن تحظى بطفولة‬
‫سعيدة محبة من والدين يرحبان بك‪ ،‬واحزن على فقدان تصور أن والديك سيحبانك بالطرق التي‬
‫تحتاج إليها‪ ،‬وإن االستمرار في التخيل أن والدك النرجسي سيتغير يوًم ا ما‪ ،‬ويعاملك بالطريقة التي‬
‫كنت تأملها دائًم ا‪ ،‬سيبقيك عالًقا في الماضي‪ ،‬وغير قادر على إيجاد حياة منفصلة عنه أو عنها‪.‬‬
‫افصل نفسك عن قيم والديك‪ ،‬ومعتقداتهما الكاذبة‪ ،‬وعاداتهما السلبية‪.‬‬

‫من المهم أيًض ا أن تتوقف عن كونك غير مرئي لوالديك من منطلق حاجتك إلى إرضائهما أو‬
‫استرضائهما‪ ،‬وتجرأ على التعبير عن أفكارك وأهدافك‪ ،‬فوالداك لن يعجبهما هذا‪ ،‬وقد يزيدان من‬
‫محاولتهما سحقك‪ ،‬ولكن ذكر نفسك أنك شخص بالغ‪ ،‬وأنه ليس لديهما سلطة عليك اليوم‪.‬‬
‫وال يمكن للوالدين النرجسيين السماح ألطفالهما بأن يكونوا كائنات مستقلة‪ ،‬فقبل كل شيء‪ ،‬ماذا لو‬
‫فعلوا شيًئا ال يوافقون عليه؟ ماذا لو كان شيًئا ال يمكنهم فعله بأنفسهم؟ وبسبب حاجتهم لربط أطفالهم‬
‫بهم‪ ،‬سيقنع اآلباء النرجسيون أطفالهم بأنهم ال يستطيعون القيام بأي شيء من دون موافقة والديهم‪،‬‬
‫وأنهم كذلك غير أكفاء أو عاجزون‪ ،‬أو ال أحد يريدهم أبًدا‪ ،‬وال تستمر في تصديق هذه األشياء عن‬
‫نفسك‪ ،‬وتجرأ على التجربة مع أناس جدد‪ ،‬وطرق جديدة في التفكير‪ .‬ارجع إلى الفصل الرابع من‬
‫أجل مزيد من المعلومات حول كيفية القيام بذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫اسمح لنفسك بتجربة الحياة‬


‫في بعض األحيان تكون الخبرة ضرورية لمعرفة ما نفتقر إليه؛ حيث تواجه الخبرة ما قيل لنا أن‬
‫نصدقه‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يعلمنا السفر كيف يمكن للناس أن يعيشوا في طرق غير نرجسية‪،‬‬
‫وكونك بعيًدا جسدًّيا عن والديك يمكن أن يجعلك تشعر بأنك بعيد عن متناولهما‪ ،‬بعيد لدرجة أنه‬
‫يمكنك تجربة طرق مختلفة من الوجود‪.‬‬
‫وأكون في أفضل حاالتي عندما أسافر‪ ،‬وأشعر بالحماس واالنفتاح واالستقاللية‪ ،‬وتأخذ شخصيتي‬
‫تغييًر ا دقيًقا‪ ،‬ولكن عميًقا‪ ،‬وأصبح أكثر ودية مما أنا عليه في المنزل‪ ،‬وأصبح أكثر انفتاًح ا على‬
‫االجتماع بالغرباء والتحدث معهم‪ ،‬وأشعر بمزيد من الطاقة‪ ،‬وأجازف في أخطار أكبر‪.‬‬
‫ويستفيد أطفال اآلباء النرجسيين من الولوج في أي شيء غير معروف من أي نوع‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫أشخاًص ا أم قراءة أم تجريًبا أم عزًفا على آالت موسيقية‪ ،‬وإن تجربتي مع تعلم كيفية السباحة لهي‬
‫مثال ممتاز عن كيف أن االنطالق يمكن أن يساعدنا على التفرد‪ ،‬وقد أدركت لماذا كان سبب‬
‫السباحة قوًّيا للغاية بالنسبة إلي (وتسبب في قيام مخربي الداخلي بإطاللة رأسه القبيح) وهو أنه كان‬
‫مستقاًّل تماًم ا عن أي ارتباط مع والدتي‪ ،‬فلم أسبح أبًدا معها‪ ،‬وكانت السباحة مجالي وحدي‪ ،‬ولم يكن‬
‫تعلم السباحة شيًئا من الممكن أن تفعله والدتي مطلًقا‪ ،‬فقد كانت السباحة كلها لي‪ ،‬فلم تتلوث بنقدها أو‬
‫توقعاتها أو مخاوفها‪ ،‬وفي المياه الحارة المثيرة لألحاسيس أنا وحدي‪ ،‬غير مثقلة بصوت والدتي‬
‫المتواصل‪ ،‬وأنا متصلة بجسدي بطريقة حسية؛ شيء حرمته مني والدتي‪ :‬أنا حرة‪ ،‬أنا حرة‪ ،‬وأنا في‬
‫جسدي‪ ،‬فيا لها من تجربة رائعة!‬
‫‪ ‬‬

‫استكشف إبداعك‬
‫يمكن أن يكون الفرح نفسه حقيقًّيا في اإلبداع‪ ،‬سواء كان ذلك في الموسيقا أو الفن أو الكتابة‪ ،‬وإذا لم‬
‫تكن متصاًل بإبداعك‪ ،‬يمكنك أن تصبح معتمًدا باطراد على والديك النرجسيين إلعطائك ما يجب أن‬
‫يأتي من الداخل‪ ،‬واإلبداع هو وسيلة فعالة بشكل ال يصدق (الخروج‪ ،‬واالبتعاد) عن والديك‪ ،‬وأن‬
‫تصبح ذاًتا مستقلة‪ ،‬ففعل الخلق بحد ذاته هو فعل تفرد‪.‬‬
‫وقد قال إيالن غولمب ببالغة‪« :‬اإلبداع يأخذ خيوط الحياة المدمرة‪ ،‬ويجمعها مع شيء ما من الداخل‬
‫يغير كل شيء إلى ما يمكن أن يحافظ على النفس المتعثرة‪ ،‬ويتخطى عقلنا اإلبداعي الفكر المحدود‬
‫المبتذل‪ ،‬ويظهر لنا من نحن حًّقا‪ . . .‬لمن يعتقد أن ال قيمة له‪ ،‬إن رؤية إبداعه يشكل صدمة‪ ،‬ومن‬
‫أين جاء هذا التدفق؟ هل توجد ذات جديرة باالهتمام؟»‪.‬‬
‫اعمل على اكتشاف ما يثير اهتمامك‪ ،‬وما الذي ُيحدث الشغف في داخلك‪ ،‬واسترجع نفسك‪ ،‬وألنه‬
‫كان من الصعب بال شك أن تتولى أي مشروع دون تدخل الوالدين‪ ،‬قد يكون لديك اهتمامات‬
‫وهوايات مرفوضة‪ ،‬وحتى مواهب في محاولة االنفصال عن والديك‪ ،‬وحان الوقت اآلن الستعادة‬
‫هذه االهتمامات والهوايات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫انضم إلى مجموعة‬


‫سواء كان عالًج ا جماعًّيا‪ ،‬أو مجموعة دعم نفسانية‪ ،‬أو دائرة روحانية‪ ،‬كي تطور ذاتك بشكل‬
‫صحي أكثر‪ ،‬فأنت في حاجة إلى أماكن يمكنك اكتشاف من أنت حًّقا‪ ،‬وُتشجع على التعبير عن حقيقة‬
‫شعورك‪ ،‬وأنت في حاجة إلى تغذية إرجاعية من اآلخرين تدعم تطويرك لشعورك بالذات‪ ،‬وسيشمل‬
‫هذا التغذية الراجعة التي ستصحح صورتك الذاتية المشوهة‪ ،‬وغير المقبولة‪ ،‬واألهم‪ ،‬فألن األطفال‬
‫البالغين من آباء نرجسيين يميلون إلى التدمير الذاتي‪ ،‬والعزلة‪ ،‬واالنفصال عن الحياة وعن‬
‫اآلخرين‪ ،‬فأنت في حاجة إلى التواصل مع اآلخرين‪ ،‬وأنت في حاجة ماسة إلى تجربة أن يقر بك‬
‫اآلخرون‪ ،‬ويقبلوك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ركز على تأسيس حياة داخلية‬


‫معظم أطفال اآلباء النرجسيين لم يؤسسوا حياة داخلية‪ ،‬ويمكنك فعل ذلك باكتشاف مشاعرك‬
‫وأفكارك وأحالمك‪ ،‬وبداًل من السماح للتلفاز أو اإلنترنت باالستيالء على انتباهك‪ ،‬وتشتيت انتباهك‬
‫عن نفسك‪ ،‬اذهب في نزهة انفرادية‪ ،‬واكتب في مذكرات يومياتك‪ ،‬واقرأ رواية أو كتاًبا حول‬
‫مساعدة الذات‪ ،‬وتعلم كيفية التأمل‪ ،‬وأنشئ حياة داخلية قوية تساعدك على االنفصال عن والدك‬
‫النرجسي‪ ،‬واكتشاف نفسك الحقيقية‪.‬‬

‫اطلب مساعدة خارجية‬


‫قد تكون جهودك لتضميد جراحك‪ ،‬ولتصبح ذاًتا منفصلة عن والدك النرجسي مقيدًة بحماية ذاتية‬
‫ودفاعات نتائج عكسية قد ال تكون على دراية بها‪ ،‬ويمكن لمعالج نفسي محترف أن يساعدك على‬
‫تحديد هذه الدفاعات‪ ،‬والعمل على تجاوزها‪.‬‬

‫ولسوء الحظ‪ ،‬إذا كان لديك والد نرجسي‪ ،‬فمن المحتمل أن يكون لديك نفسك بعض الميول النرجسية‬
‫القوية‪ ،‬ولهذا قد يكون عالمك الداخلي فارًغا تماًم ا‪ ،‬وقد تكون نفسك الحقيقية مختلة‪ ،‬وربما قد تكون‬
‫أنشأت نفًسا كاذبة مستبدة ومضللة في مكانها‪ ،‬وقد تجد صعوبة في حب اآلخرين؛ ألنك ال تستطيع‬
‫أن تحب نفسك‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬فإنك تحب انعكاسك؛ نفسك البديلة‪ ،‬ويمكن أن يساعدك عمل المرآة‬
‫على مواجهة هذه الذات الزائفة‪ ،‬وأن تستبدل بها ذاًتا حقيقية‪:‬‬
‫• انظر في المرآة‪ ،‬واسأل نفسك‪« :‬من أنا؟»‪.‬‬
‫• انظر بعمق في عينيك؛ لتجد الشخص الحقيقي هناك‪.‬‬

‫قد يكون األمر مزعًج ا أو مؤلًم ا عند النظر إلى عينيك بعمق ومواجهة ما تراه هناك‪ ،‬وقد ترى األلم‬
‫أو الخوف أو الغضب‪ ،‬ولن أنسى أبًدا المرة األولى التي نظرت فيها بعمق في المرآة‪ ،‬واستيقظت‬
‫منتصف الليل‪ ،‬واحتجت إلى الذهاب إلى الحمام‪ ،‬وبعد ذلك شعرت بأنني مجبرة على النظر بعمق‬
‫في عيني‪ ،‬وشعرت بالرعب مما رأيت‪ ،‬وبالكاد تعرفت إلى نفسي‪ ،‬وبداًل من ذلك رأيت شخًص ا مليًئا‬
‫بالغضب والحقد‪ ،‬ولحسن الحظ‪ ،‬كنت أعمل مع عالم نفس (من أتباع ‪ )Carl Jung‬في ذلك الوقت‪،‬‬
‫وبدأت في السيطرة على جانبي المظلم أو ظلي؛ لذلك علمت أن ما كنت أنظر إليه كان كل غضبي‬
‫المكبوت عن والدتي‪.‬‬

‫وقد ال يعجبك ماذا أو من تراه في البداية‪ ،‬وكحالي قد تغمرك مشاعر الغضب تجاه الذي تجده مختبًئا‬
‫في عينيك‪ ،‬ولكن بمجرد أن تجد هذا الغضب‪ ،‬يمكنك البدء في تنفيسه بطرق بناءة‪ ،‬وبمجرد أن يهدأ‬
‫الغضب‪ ،‬يمكنك النظر بشكل أعمق للعثور على نفسك وجوهرك الحقيقيين‪.‬‬
‫وقد تجد أيًض ا أنك تواجه صعوبة في العيش في الوقت الحاضر‪ ،‬وبداًل عن ذلك‪ ،‬فالحياة صراع‬
‫دائم‪ ،‬وسعي‪ ،‬وشغف لشيء ما‪ ،‬وقد تميل إلى أخذ دالئلك السلوكية والعاطفية والمعرفية حصرًّيا من‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫وكما هو متوقع‪ ،‬تعلمنا الكثير من عادات آبائنا النرجسيين‪ ،‬ونطور دفاعات نرجسية وأنماًطا حسية‬
‫تجعلنا نتصرف بعدم حساسية تجاه اآلخرين‪ ،‬ومثل أسرى الحرب‪ ،‬نتخذ موقف خاطفينا من أجل‬
‫إنكار ضعفنا‪ ،‬ونتوحد مع المعتدين علينا‪ ،‬فقد اكتسبنا صفات الوالدين التي سببت لنا معظم األلم‪.‬‬

‫ومن المحتمل أن تكون العالقات مع اآلخرين صعبة للغاية بالنسبة إليك‪ ،‬وقد تجد أنك تشعر‬
‫باالختناق في العالقات الحميمة‪ ،‬وفي الوقت نفسه لديك خوف هائل من الهجران‪ ،‬ويمكن أن يكون‬
‫أبناء اآلباء النرجسيين منتقدين‪ ،‬وناشدي الكمال مثل آبائهم‪ ،‬وقد ال تتسامح مع أخطاء اآلخرين‪ ،‬وقد‬
‫تتمتع بنظرة ساخرة عن الحياة‪ ،‬وقد يجعل ذلك من الصعب عليك التعايش مع اآلخرين‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬قد تكون شديد الحساسية للتعليقات التي يدلي بها اآلخرون‪ ،‬وقد تفترض أن اآلخرين ضدك‪،‬‬
‫حتى لو لم يكونوا كذلك‪ ،‬وقد تؤدي سنوات تصويبك أو تجاهلك من ِقبل والديك النرجسيين أن‬
‫تجعلك تعتقد أن اآلخرين يعاملونك بالطريقة نفسها‪.‬‬
‫ويمكن لمعالج نفسي محترف ُدِّر ب على العمل مع أطفال اآلباء النرجسيين‪ ،‬ومع األشخاص الذين‬
‫لديهم ميول نرجسية أن يساعدك على التغلب على أوجه التشابه بينك وبين والديك‪ ،‬وإيجاد نفس‬
‫حساسة لمشاعر اآلخرين‪ ،‬وإذا اكتسبت بعض الميول النرجسية‪ ،‬سيكون العالج صعًبا؛ ألنه‬
‫سيتطلب منك االعتراف بإخفاقاتك البشرية‪ ،‬واالعتراف بحاجتك إلى أشخاص آخرين‪ ،‬وأيًض ا‬
‫سيعني ذلك مرة أخرى تجربة الشعور بأنك طفل ال حول له وال قوة‪ ،‬ويتم التالعب به‪ ،‬وقد يكون‬
‫ذلك مؤلًم ا للغاية‪ ،‬ولكن المكافآت تستحق العناء بالتأكيد‪ ،‬وستحتاج أيًض ا إلى اإلقرار بفراغ حياة يتم‬
‫التحكم فيها قهرًّيا بالحاجة إلى اإلعجاب واإلنجاز‪ ،‬وكما كتب ‪« Golumb:‬إن نتيجة كفاحها لكشف‬
‫الذات األصيلة ستكون المقدرة على عيش حياة عادية؛ حياة فيها أفراح وأحزان حقيقية‪ ،‬وليس متًعا‬
‫خيالية لصورة معكوسة»‪.‬‬

‫ويسعدني أن أخبركم أنه بمساعدة كل من األفراد والعالج الجماعي‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬وكتابة اليوميات‪،‬‬
‫والسفر‪ ،‬واالجتماع في دوائر الدعم‪ ،‬وبرنامج الحلول‪ ،‬وجهودي الواعية إليجاد ذاتي الحقيقية‪ ،‬فقد‬
‫أحرزت تقدًم ا كبيًر ا في فصل نفسي عن أمي النرجسية‪ ،‬ولقد عملت طوياًل وبجد على التخلص من‬
‫نزعاتي في أن أكون منتقدة وناشدة للكمال‪ ،‬ولم أعد أعّر ف حياتي باإلنجازات‪ ،‬وباتباع االقتراحات‬
‫الموضحة هنا‪ ،‬وبمساعدة معالج جيد‪ ،‬فإنني مقتنعة بأن الشيء نفسه يمكن أن يكون صحيًح ا بالنسبة‬
‫إليك‪.‬‬

‫وكانت مداواة جراحي النرجسية هي الجانب األكثر صعوبة في شفائي الشخصي‪ ،‬حتى أكثر‬
‫صعوبة من الشفاء من االعتداء الجنسي الذي تعرضت له في مرحلة الطفولة‪ ،‬وفي أثناء كتابة هذا‬
‫الكتاب حلمُت بكفاحي‪ ،‬وكنت أواجه ثالثة أصدقاء من الماضي‪ ،‬مع حقيقة أنني أيًض ا واجهت‬
‫مشكالت (أعتقد أن هذا كان في إشارة إلى حقيقة أنني ما زلت أرى مراجعين) واعترفت لهم‪ :‬نعم‪،‬‬
‫إن لدي مشكلة‪ ،‬فقد كنت أجد صعوبة في الوثوق بأي أحد‪ ،‬وواجهت كل صديق بدليل لماذا يجب‬
‫علَّي أال أثق بأي شخص بتوضيح كيف خانني كل صديق‪ ،‬وضم المشهد التالي في الحلم ثالثة‬
‫أشخاص ينظرون إلي‪ ،‬ولقد ُسلخ جلدي بالكامل‪ ،‬وكنت مستلقية على سرير عارية تماًم ا‪ ،‬وأعتقد أن‬
‫هذا كان رمًز ا إلظهار أنني على استعداد لبدء بداية جديدة في الحياة‪ ،‬وأنني كنت على استعداد‬
‫للتخلي عن إيماني بأنني ال يمكن أن أثق بأحد‪ ،‬وُأقيمت مأدبة فخمة‪ ،‬وتم اصطحابي بمناشف ناعمة‬
‫على ظهري‪ ،‬وكانت هناك ثالث طاوالت منفصلة معدة‪ ،‬وكان علي الجلوس مع كل من األشخاص‬
‫الثالثة كل على حدة‪ ،‬وإصالح عالقتنا‪.‬‬
‫وكانت صعوبة الثقة باآلخرين مجرد واحدة من كثير من المشكالت‪ ،‬فلقد عانيت منها بسبب تربيتي‬
‫على يد أم نرجسية‪ ،‬ولكن باستمرار العمل على نفسي‪ ،‬فأنا أتذوق طعم الشفاء بمرور كل يوم‪ ،‬وأنا‬
‫مقتنعة أنه يمكنك ذلك أيًض ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 16‬مواصلة المداواة‬

‫كما اكتشفت من قراءة هذا الكتاب‪ ،‬فال داعي ألن تبقى محاصًر ا في تأمالت الماضي‪ ،‬ولديك القدرة‬
‫على الرفع من احترامك لنفسك‪ ،‬وتحسين صورتك الذاتية‪ ،‬وتهدئة ناقدك المزعج في داخلك‪،‬‬
‫ومداواة خزيك‪ ،‬وإن تدني احترام الذات ليس دلياًل على قيمتك‪ ،‬بل هو انعكاس للطريقة التي عوملت‬
‫بها وأنت طفل‪ ،‬واألحكام والتوقعات غير المعقولة التي وضعت عليك‪.‬‬
‫وال يمكنك تجاهل المواقف والمعتقدات السلبية التي لديك تجاه نفسك‪ ،‬فلقد تعلمت هذه المواقف‬
‫والمعتقدات‪ ،‬ويمكن التخلص منها‪ ،‬وبتذكر تنشئة صوت داخلي داعم ليواسيك ويشجعك‪ ،‬يمكنك‬
‫االستمرار في مواجهة الناقد الداخلي السلبي‪ ،‬وباستخدام نغمة تدلل فيها نفسك‪ ،‬يمكنك توفير الغذاء‬
‫والقوة التي تحتاج إليها للتغيير‪.‬‬
‫ومن أجل االستمرار في الشعور بتحسن تجاه نفسك‪ ،‬أحط نفسك بأشخاص يحبونك ويعاملونك‬
‫باحترام‪ ،‬واسمح لنفسك بتجربة االستمتاع بالسعادة وتشبعها‪ ،‬وشارك في األنشطة التي تمنحك‬
‫الشعور بالكفاءة واإلنجاز‪.‬‬

‫ومع أنه من المهم لنمو حياتك الشخصية أن تكون بصحبة آخرين يقبلونك‪ ،‬ويكونون مدعاة فرح لك‪،‬‬
‫ومشاركتهم تجارب النجاح‪ ،‬فمن األهمية بمكان أال تسمح لمرايا اآلخرين أن تؤثر في صورتك عن‬
‫نفسك بشكل كامل‪ ،‬وتذكر أن كل شخص سيراك‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬من خالل مرشحاته واحتياجاته‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫ومن الضروري أن تتذكر أن وجهة نظر أي شخص عنك هي فقط واحدة من كثير من األفكار التي‬
‫تعترض طريقك؛ وألن مرايا اآلخرين قد تحتوي على بعض التشوهات‪ ،‬كما كان حال مرايا والديك‪،‬‬
‫فقد ال تكون هذه اآلراء األخرى عنك دقيقة دائًم ا‪.‬‬

‫ومن المهم أيًض ا أن تستمر في تعلم حب نفسك وتقديرها؛ فقط ألنك موجود‪ ،‬وهذا التقدير يأتي عندما‬
‫َتعّد نفسك مميًز ا وثميًنا‪ ،‬على الرغم من أنك قد ال توافق على كل ما تفعله‪ ،‬ويتطلب األمر استشعار‬
‫تفردك واعتباره ثميًنا جًّدا‪ ،‬وعلى الرغم من عيوبك ونقاط ضعفك‪ ،‬ابَق منفتًح ا أمام ما يعجبك‬
‫بنفسك‪.‬‬
‫ابدأ بسؤال نفسك‪« :‬ما مدى تقديري لنفسي؟» قدر حقيقة أنه ال يوجد شخص آخر على وجه األرض‬
‫مثلك تماًم ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫تمرين الكتابة‪ :‬صفاتك الخاصة‬


‫‪ .1‬لمساعدتك أكثر على هذه المداواة‪ ،‬ضع في قائمة صفاتك الشخصية بوصفك شخًص ا‪ ،‬تلك األشياء‬
‫التي تجعلك فريًدا‪ ،‬فبغض النظر عن مدى صعوبة إنشاء هذه القائمة‪ ،‬الحقيقة هي أن لديك بعض‬
‫المقدرات والحساسيات تجعلك فريًدا‪ ،‬ولديك نقاط قوة خاصة تختلف عن قوة اآلخرين بطريقة ما‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا واجهتك مشكلة في وضع هذه القائمة‪ ،‬فاطلب من صديق مقرب معرفة إذا كان يمكنكما العمل‬
‫مًعا إلعداد قائمة بصفاتك الخاصة‪.‬‬
‫‪ .3‬ضع قائمة السمات اإليجابية‪ ،‬والصفات الخاصة على مرآة حمامك أو مرآة غرفة نومك‪ ،‬بحيث‬
‫يمكنك تذكير نفسك كل يوم بأنك شخص رائع حًّقا‪ ،‬فاقرأ القائمة بصوت عاٍل ‪ ،‬وال سيما في األيام‬
‫التي تكون فيها أكثر نقًدا لنفسك‪ ،‬أو عندما تشك في صفاتك الخاصة‪.‬‬

‫وإذا كنت مثل معظم الناس‪ ،‬فهذا يعني أنك قد قضيت سنوات في التركيز على الصفات التي ال‬
‫تمتلكها‪ ،‬واآلن اعكس تركيزك‪ ،‬وركز على الصفات اإليجابية التي تمتلكها حقيقة‪ ،‬وتوقف عن‬
‫اعتبار ما وصلت إليه أمًر ا مفروًغا منه‪ ،‬وابدأ في االعتراف بكل العمل الشاق الذي قمت به لتصل‬
‫إلى هذا الحد‪ ،‬وامنح نفسك الفضل في تجاوز طفولتك وأنت على قيد الحياة‪ ،‬وعلى االستمرار في‬
‫العمل على نفسك‪ ،‬وقراءة هذا الكتاب‪.‬‬

‫تذكر أن تعامل نفسك باحترام‪ ،‬واطلب من اآلخرين بهدوء‪ ،‬ولكن بحزم إظهار االحترام الحتياجاتك‪،‬‬
‫واستمر في مراقبة نفسك‪ ،‬عندما تبدأ في انتقاد نفسك‪ ،‬واستمر باحترام احتياجات جسمك الجسدية‬
‫والعاطفية‪ ،‬واعمل بنشاط على تلبيتها‪ ،‬وخصص فترات زمنية للقيام بأشياء تجعلك تشعر باستحسان‬
‫نفسك‪ ،‬وأمِض وقًتا مع اآلخرين الذين تستمتع بصحبتهم‪ ،‬وكافئ نفسك من وقت إلى آخر على القيام‬
‫بعمل جيد يتعلق بالعناية بنفسك‪.‬‬

‫أتمنى بقراءتك لهذا الكتاب‪ ،‬وإتمام التدريبات والواجبات‪ ،‬أنك بدأت بالفعل في مالحظة بعض‬
‫االختالفات الطفيفة فيما تشعر به حيال نفسك‪ ،‬وومن ناحية أخرى‪ ،‬التغيير يستغرق وقًتا‪ ،‬وال سيما‬
‫عندما تقوم بإجراء تغييرات مهمة تتعلق بتقديرك لذاتك‪ ،‬ومحاولة تهدئة ناقدك الداخلي‪ ،‬ومداواة‬
‫عارك‪ ،‬وكن صبوًر ا مع نفسك‪ ،‬وأنت تواصل العمل على هذه العملية‪ ،‬وال تضف إلى خزيك أو‬
‫تعطي دعًم ا لناقدك الداخلي بتوبيخ نفسك؛ ألنك لم تتحسن عاجاًل ‪ ،‬ونادًر ا ما نشعر بأننا نحقق تقدًم ا‬
‫عندما نكون في منتصف فترة التعافي‪ ،‬فقط عندما ننظر إلى الوراء على حياتنا يمكننا أن نرى‬
‫التحسن المستمر عادة‪.‬‬
‫وأقترح عليك أيًض ا إعادة قراءة الفصول التي أشّد ما تنطبق عليك أكثر من غيرها‪ ،‬أو تلك التي‬
‫واجهت أكبر الصعوبات معها‪ ،‬وإذا لم تكن قد أكملت التمارين‪ ،‬أشجعك على القيام بذلك‪ ،‬فال‬
‫تساعدك التمارين فقط على فهم نفسك بشكل أفضل‪ ،‬بل إنها تعطيك إشارة إلى مزيد من العمل على‬
‫نفسك‪.‬‬

‫وإذا وجدت أن مفهومك عن نفسك أصبح غير مرن‪ ،‬وال يمكنك قبول األدلة اإليجابية عن قيمتك‬
‫واستحقاقك‪ ،‬أشجعك على طلب مساعدة مهنية‪ ،‬وإليك قائمة ببعض السبل لمثل هذه المساعدة في‬
‫الملحق‪.‬‬

‫أرحب بتغذيتك الراجعة‪ ،‬فيرجى مراسلتي عبر البريد اإللكتروني على‪:‬‬


‫الويب‪:‬‬ ‫على‬ ‫موقعي‬ ‫من‬ ‫وتأكد‬ ‫‪،beverly@beverlyengel.com‬‬
‫‪ ،www.beverlyengel.com‬لقوائم ورش العمل‪ ،‬واإلعالنات‪ ،‬والعنوان البريدي الخاص بي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأخيًر ا‪ ،‬أود أن أشارككم هذه القصيدة‪:‬‬

‫قلوب مفتوحة‬
‫تيريز بالكويل ميتوس ‪Therese Blackwell Mietus‬‬
‫اقتربوا أيها األطفال األحباء‬
‫إلى قلب األم في الداخل‬
‫استنشقوا شروق الشمس الذهبية‬
‫لتطهير هذا العالم من (الخطيئة)‬
‫ألنه في أعماق قلبك‬
‫ال يوجد خطيئة من دون شك‬
‫فقط الجوهر األبدي والنقي‬
‫المتصل بالمصدر (هللا)‬
‫يتعلق األمر بالبراءة‬
‫قلب الطفل النقي المفتوح‬
‫كلماٌت رحيمٌة‪ ،‬أفعاٌل متعاطفٌة‬

‫عالم من الثقة جميل جًّدا‬


‫لذا تعاَل معي وتذكر‬
‫ذلك العالم الذي يجب أن يكون‬
‫أال تستطيع أن تشعر بداخل قلبك‬
‫قلب طفلي؟‬
‫اآلن‪ ،‬ازفروا الغروب الذهبي‬
‫وظلمتنا من الماضي‬
‫حتى نتمكن من العودة إلى المنزل مرة أخرى‬
‫مًعا‪ ،‬إلى األبد‪ ،‬أخيًر ا!‬
‫أنت جوهر كل ما كان‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الملحق عالجات موصى بها‬

‫ال يمكنك توقع تحقيق الشفاء التام من كتاب واحد عن المساعدة الذاتية‪ ،‬وإذا وجدت أنك في حاجة‬
‫إلى المساعدة في أي جانب‪ ،‬فال تتردد في طلب المساعدة المهنية‪ ،‬وأوصي بأنواع العالج اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫عالج المرآة‬
‫لقد قدمت لك في هذا الكتاب المفاهيم األساسية للعالج بالمرآة‪ ،‬كما ُيطبق في رفع احترامك لذاتك‪،‬‬
‫وتحسين صورتك الذاتية (بما في ذلك صورة جسمك)‪ ،‬وتهدئة ناقدك الداخلي‪ ،‬والشفاء من خزيك‪/‬‬
‫عارك‪ ،‬ولكن ُطّو ر عالج المرآة لمساعدة الناجين من اإلساءة العاطفية للشفاء من جميع جوانب‬
‫حياتهم‪ ،‬بما في ذلك عالقاتهم مع اآلخرين‪ ،‬وفي المستقبل القريب‪ ،‬أخطط لكتابة كتاب آخر سيركز‬
‫أكثر على هذه الجوانب وغيرها من معالجة المرآة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬من أجل الحفاظ على عالقات‬
‫صحية‪ ،‬نحتاج إلى إضافة الحقائق اآلتية إلى نموذجنا‪:‬‬
‫• البشر مرنون بشكل ال يصدق‪ .‬إذا ما أعطوا التعاطف والتوجيه المناسبين‪ ،‬يمكن لألشخاص الذين‬
‫يعانون من طفولة فقيرة عاطفًّيا تعلم كيفية التعبير عن مشاعرهم‪ ،‬وتطوير تعاطف مع ذواتهم‬
‫واآلخرين‪ ،‬وتوسيع نطاق تعاطفهم‪.‬‬
‫• ألن المعتدى عليهم أو المهملين عاطفًّيا ال يتعلمون في كثير من األحيان كيف يعتنون بأنفسهم‪،‬‬
‫فإنهم يجدون صعوبة في العناية باآلخرين‪ ،‬عندما يتعرضون لألذى أو الحزن‪ ،‬وبداًل من ذلك‪ ،‬يبقى‬
‫تركيزهم منصًّبا على احتياجاتهم ورغباتهم غير المحققة‪.‬‬

‫• أحياًنا من أجل أن يكون بوسعنا تقديم التعاطف والرحمة لآلخرين‪ ،‬يجب أن نتعلم أواًل أن نعطي‬
‫هذه األشياء ألنفسنا‪ ،‬وبوصفنا بالغين‪ ،‬غالًبا ما نجد أن اآلخرين يعاملوننا بطرق تعكس الطريقة التي‬
‫نشعر بها تجاه أنفسنا؛ لذلك إذا أردنا أن يعاملنا اآلخرون باحترام ولطف‪ ،‬يجب أن نبدأ أواًل بإعطاء‬
‫هذه األشياء ألنفسنا‪.‬‬

‫إذا كنت ترغب في الحصول على مزيد من المعلومات حول معالجة المرآة‪ ،‬فاتصل بي‪:‬‬

‫‪P.O. Box 6412, Los Osos, CA 93412-6412‬‬


‫‪beverly@beverlyengel.com‬‬
 
‫‪ ‬‬

‫عالج الصوت‬
‫عمل عالم النفس السريري روبرت فايرستون‪ ،‬الرائد في تحديد جذور الناقد الداخلي وقوته‬
‫التدميرية‪ ،‬على عمليته (عالج الصوت) ففي عالج الصوت‪ُ ،‬يعّلم المراجعين كيفية إخراج أفكارهم‬
‫النقدية الداخلية‪ ،‬وبالقيام بذلك يكشفون هجماتهم الذاتية‪ ،‬ويطورون في نهاية المطاف طرًقا لتغيير‬
‫موقفهم السلبي تجاه أنفسهم إلى وجهة نظر أكثر موضوعية وأقل انتقادية‪ ،‬وبإخراج صوت الناقد‬
‫الداخلي بالتلفظ‪ ،‬يتم تنفيس المشاعر الشديدة‪ ،‬ما ينتج عنه تطهير عاطفي قوي‪ ،‬مصحوب ببصائر‬
‫مهمة (ُتستخدم أساليب فايرستون أساًسا في سياق العالج الفردي والجماعي‪ ،‬فأدرج هنا بعض‬
‫التعديالت على أساليبه التي يمكنك تجربتها بنفسك)‪.‬‬
‫والعالج الصوتي هو طريقة إلثارة العمليات الفكرية السلبية المنتشرة‪ ،‬التي تمثل جزًء ا غريًبا من‬
‫الشخصية (مخرب داخلي) وتجمع الطريقة بين مكونات إدراكية‪ ،‬وعاطفية‪ ،‬وسلوكية في إستراتيجية‬
‫عالجية متكاملة‪ ،‬ويشمل العالج بالصوت الخطوات اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬حدد أنماط التفكير السلبية التي تنظم سوء التكيف‪ ،‬والسلوك المدمر للذات‪ ،‬وشجع على تنفيس‬
‫التأثير السلبي المرتبط بعملية التفكير هذه‪.‬‬
‫‪ .2‬تتبع هذه األفكار الهَّدامة إلى أصلها؛ أي أن يحدد المرضى مصدر هذه األفكار والمواقف في‬
‫تجاربهم المبكرة‪ ،‬ويناقشون رؤاهم الشخصية‪ ،‬ويحددون األنماط المدمرة للذات أو الهدامة للذات‬
‫التي تهيئها األفكار السيئة‪.‬‬
‫‪ .3‬تشكل الخطوة األخيرة غالبية العمل العالجي‪ ،‬فحاول تنفيذ تغيير سلوكي في اتجاه يتصدى‬
‫لعمليات التفكير الهدامة‪ ،‬ويؤدي إلى مزيد من الطرق البناءة لتحقيق أهداف الفرد وإمكانياته‪.‬‬

‫تخرج أساليب عالج الصوت العمليات الفكرية السلبية الداخلية إلى السطح‪ ،‬مع تأثير مصاحب على‬
‫شكل حوار؛ حتى يتمكن المريض من مواجهة عناصر شخصية تتعارض مع الذات‪ ،‬ويشار إليها‬
‫باسم عالج الصوت؛ ألنها عملية إعطاء لغة أو كلمات منطوقة ألنماط تفكير نقدية تشكل جوهر‬
‫أسلوب الفرد الدفاعي وأسلوب حياته‪ ،‬ويمكن استخدام هذه الطريقة في تنوع من مجموعات‬
‫سريرية‪ ،‬وهي ذات قيمة خاصة في الفهم والعمل مع مرضى االكتئاب‪ ،‬واألنواع المختلفة‪ ،‬من‬
‫تعاطي المخدرات‪.‬‬

‫فايرستون هو مؤلف ستة كتب‪ ،‬وأكثر من عشرين مقالة منشورة‪ ،‬والمنتج في جمعية غليندون التي‬
‫أصدرت خمسة وثالثين فيديو وثائقًّيا تستخدم في تدريب المتخصصين في الصحة العقلية‪ ،‬ولمعرفة‬
‫المزيد عن عالج الصوت يمكنك قراءة كتابه‪:‬‬
‫‪Voice Therapy: A Psychological Approach to Self-Destructive Behavior,‬‬
‫العالج الصوتي‪ :‬مقاربة نفسية للسلوك المدمر للذات‪ ،‬أو يمكنك االتصال به في جمعية ‪Glendon‬‬
‫من خالل موقع الويب الخاص بهم‪:‬‬

‫‪www.glendon.org.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫برنامج الحلول‬
‫يمكن أن يساعدك برنامج الحلول إذا كنت ترغب في المزيد من المساعدة حول تعلم كيفية رعاية‬
‫الذات‪ ،‬ووضع حدود أكثر فعالية (غاية في األهمية لمن يعانون من اضطرابات األكل) وإذا لم نتقن‬
‫مهارتين ‪ -‬الرعاية الذاتية‪ ،‬ووضع حد فعال ‪ -‬ال يمكننا تهدئة أنفسنا من الداخل وإراحتها‪ ،‬ومن ثم‬
‫من الطبيعي جًّدا أن نميل إلى تهدئة أنفسنا وإراحتها باإلفراط في األكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬واإلنفاق‪،‬‬
‫واإلرهاق‪ ،‬والتدخين‪ ،‬أو إرضاء الناس؛ إنقاذ اآلخرين‪ ،‬أو بناء الجدران‪ ،‬أو التفكير كثيًر ا‪.‬‬

‫وقد ُطّو ر برنامج الحلول على مدار العشرين عاًم ا الماضية في واحدة من أعرق كليات الطب في‬
‫البالد في جامعة كاليفورنيا‪ ،‬سان فرانسيسكو‪ ،‬كلية الطب‪ ،‬ويقترح الفهم المنبثق حديًثا عن علم‬
‫األعصاب أن استخدام المهارات على المدى الطويل قد يعيد تدريب الدماغ الحساس المراوغ إلى أن‬
‫يفضل تلقائًّيا حياة تتسم بالتوازن العاطفي‪ ،‬والعالقة الحميمة‪ ،‬واالتصال الروحي‪ ،‬و التحرر من‬
‫الشهية المفرطة‪.‬‬

‫وباستخدام مهارات الرعاية الذاتية‪ ،‬ومهارات وضع الحدود الفعالة‪ ،‬تصبح تلقائية بمرور الوقت؛‬
‫وعندما تصبح كذلك‪ ،‬فتلقائًّيا نهدئ أنفسنا‪ ،‬ونريحها داخلًّيا حتى لن نعود في حاجة إلى الحلول‬
‫الخارجية الشائعة لمعالجة الحزن‪ /‬المحنة‪.‬‬
‫أوصي بأن تقرأ كتاب‪The Pathway: Follow the Road to Health and Happiness :‬‬

‫الطريق إلى الصحة والسعادة‪ ،‬تأليف لوريل ميلين؛ لتتعلم حول ما تسميه (الدورات) (دورة الرعاية‬
‫ودورة الحدود) وإذا كنت تريد المزيد من الدعم‪ ،‬فهناك المئات من مجموعات الحلول على الصعيد‬
‫الوطني بقيادة المتخصصين في مجال الصحة‪ ،‬فضاًل على دوائر حلول المساعدة الذاتية‪ ،‬ومجتمع‬
‫اإلنترنت النشط‪.‬‬

‫ولمزيد من المعلومات‪ ،‬اقرأ‪The Pathway: Follow the Road to Health and :‬‬
‫‪ happiness‬أو اتصل بمعهد الحلول الصحية على‪(415) 457-3331 :‬‬
‫‪www.thepathway.org‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫عالج اضطراب ما بعد الصدمة‬


‫يمكن أن تتسبب اإلساءة العاطفية في معاناة الشخص من اضطراب ما بعد الصدمة‪ ،‬وإضافة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬فإن كثيًر ا من الذين تعرضوا لإليذاء العاطفي‪ ،‬عندما كانوا أطفااًل ‪ ،‬تعرضوا لإليذاء الجسدي أو‬
‫الجنسي أيًض ا‪ ،‬وهناك كثير من خيارات العالج‪.‬‬
‫العالج السلوكي المعرفي (‪)CBT‬‬

‫ُيستخدم بازدياد في عالج اضطرابات االنفصام (‪ ،)DID‬واضطراب الشخصية الحدية (‪،)BPD‬‬


‫وأشكال السلوك مختلة الوظيفية وغير القادرة على التكيف‪ ،‬واألفكار‪ ،‬حيث ُتستبدل بها أخرى أكثر‬
‫تكيًفا‪ ،‬وعالج التعرض هو أحد أشكال العالج المعرفي السلوكي المختص في معالجة الصدمة‪ ،‬حيث‬
‫يستخدم أشكال تخيل دقيقة‪ ،‬ومكررة‪ ،‬ومفصلة للصدمة (التعرض) في سياق آمن مسيطٌر عليه؛‬
‫لمساعدة الناجي على مواجهة الخوف والضيق اللذين كانا مرعبين في الصدمة‪ ،‬والسيطرة عليهما‪،‬‬
‫وإلى جانب التعرض‪ ،‬يشمل العالج المعرفي السلوكي للصدمات تعلم مهارات للتعامل مع القلق‬
‫(مثل إعادة التدريب على التنفس أو االرتجاع البيولوجي) واألفكار السلبية (إعادة الهيكلة المعرفية)‪،‬‬
‫وإدارة الغضب واالستعداد لردود فعل اإلجهاد (تلقيح اإلجهاد)‪ ،‬والتعامل مع أعراض الصدمة‬
‫المستقبلية‪ ،‬وكذلك معالجة الحوافز الستخدام الكحول أو المخدرات عند حدوثها (منع االنتكاس)‪،‬‬
‫والتواصل الفعال مع الناس (المهارات االجتماعية والعالج الزوجي)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إزالة حساسية حركة العين وإعادة معالجتها



‫(‪)EMDR‬‬
‫هذه طريقة تفاعلية تسّر ع عالج مجموعة واسعة من األمراض‪ ،‬وتتعلق قضايا احترام الذات بأحداث‬
‫ماضية وظروف حالية‪ ،‬تظهر كثير من الدراسات أنها فعالة في اإلزالة السريعة للتحسس الناتج عن‬
‫أحداث مؤلمة‪ ،‬بما في ذلك إعادة بناء إدراكية‪ ،‬وتقليل من األعراض التي يعاني منها المراجع‪.‬‬
‫ويصدر اإلجراء حركات سريعة للعين عند المراجع في أثناء استدعاء الذاكرة المؤلمة ومعالجتها‪،‬‬
‫ويبدو أن هذه التقنية تقلل من مقدار الوقت العالجي الالزم لمعالجة الذكريات المؤلمة وحلها‪،‬‬
‫وتتطلب هذه التقنية التي طورتها فرانسين شابيرو التدريب على بروتوكوالت محددة واتباعها‬
‫لالستخدام المناسب‪ ،‬ولمزيد من المعلومات الرجاء االتصال على‪:‬‬
‫مراكز الـ ‪EMDR‬‬
‫ص‪ .‬ب ‪141743‬‬

‫أوستن‪ ،‬تكساس ‪78714-1743‬‬


‫(‪( 512) 451-6944‬للحصول على إحالة من منطقتك)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫عالج اضطراب الشخصية الحدي‪ :‬العالج السلوكي الجدلي



‫(‪)DBT‬‬
‫على الرغم من أن مصطلح اضطراب الشخصية الحدي ُيعّد أحياًنا ازدراًء ‪ ،‬إال أنه ليس هناك أدنى‬
‫شك في أن الناس (معظمهم من النساء) الذين يحملون هذه التسمية محزنون للغاية‪ ،‬وهن في قدر‬
‫كبير من األلم العاطفي‪ ،‬وحتى األلم الجسدي‪ ،‬وبغض النظر عما تعتقد بتسمية الحدي‪ ،‬فإن المهارات‬
‫التي طورتها مارشا لينهان لعالج هذا االضطراب فعالة للغاية‪ ،‬وإن األفراد الذين يلتزمون بالقيام‬
‫بالتدرب على المهارات المقدمة في مجموعات العالج السلوكي الجدلي (‪ )DBT‬تتحسن أحوالهم‪،‬‬
‫وتقدم معظم مراكز الصحة النفسية هذه المجموعات اآلن‪ ،‬فارجع إلى‪:‬‬
‫‪Skills Training Manual for Treating Borderline Personality Disorder (New‬‬
‫‪York: Guilford Press, 1993).‬‬
‫دليل تدريب المهارات لعالج اضطراب الشخصية الحدي‬

‫(نيويورك‪ :‬مطبعة جيلفورد‪1993 ،‬م) لمزيد من المعلومات عن هذا الشكل من العالج‪.‬‬


‫‪ ‬‬
 

‫المراجع‬

.‫ آباؤنا بوصفهم مرايا‬.1

Loring, Marti Tamm, Emotional Abuse: The Trauma and the Treatment
(San Francisco: Jossey-Bass, 1998).

Napier, Nancy, Recreating Your Self: Help for Adult Children of


Dysfunctional Families (New York: W.W. Norton and Co., 1990).
Wisechild, Louise, The Mother I Carry: A Memoir of Healing from
Emotional Abuse (Seattle, Wash.: Seal Press, 1993).
 

.‫ األنواع السبعة للمرايا األبوية السلبية‬.2


Golumb, Elan, Ph.D., Trapped in the Mirror: Adult Children of Narcissists
in Their Struggle for Self (New York: William Morrow, 1992).
Kaufman, Gershen, Shame: The Power of Caring (Cambridge, Mass.:
Schenkman Publishing Co., 1980).
 

.‫ كيف يعمل العالج بالمرآة‬.3

Middleton-Moz, Jane, Shame and Guilt: Masters of Disguise (Deerfield


Beach, Fla.: Health Communications, Inc., 1990).
 

.‫ رفض انعكاس والديك السلبي‬.4

Brown, Byron, Soul Without Shame: A Guide to Liberating Yourself from


the Judge Within (Boston: Shambhala, 1999).
 

.‫ االنفصال العاطفي عن والديك‬.5

Brown, Byron, Soul without Shame. Engel, Beverly, Breaking the Cycle of
Abuse (Hoboken, N.J.: John Wiley & Sons, 2005).

Goleman, Daniel, Emotional Intelligence: Why It Can Matter More than IQ


(New York: Bantam Books, 1995).
 

.‫ تهدئة ناقدك الداخلي ومواجهته‬.6

Golumb, Trapped in the Mirror.

Mellin, Laurel, The Pathway: Follow the Road to Health and Happiness
(New York: Regan Books, 2003).
 

.)‫ مداواة مرآة (أنا ال حول لي وال قوة‬:‫ إذا كنت تعاني من فرط السيطرة أو التحكم‬.7

Love, Patricia, The Emotional Incest Syndrome: What to Do When a


Parent’s Love Rules Your Life (New York: Bantam Books, 1990).
Golumb, Trapped in the Mirror.
 
 

‫قراءات ُينصح بها‬

.‫التعافي من إساءة معاملة األطفال‬

Farmer, Steven. Adult Children of Abusive Parents: A Healing Program for


Those Who Have Been Physically, Sexually or Emotionally Abused. Los
Angeles: Lowell House, 1989.

Forward, Susan. Toxic Parents: Overcoming Their Hurtful Legacy and


Reclaiming Your Life. New York: Bantam, 1989.
Miller, Alice. The Drama of the Gifted Child, rev. ed. New York: Basic
Books, 1994.

For Your Own Good, 3rd. ed. New York: Noonday Press, 1990.
Napier, Nancy, Recreating Your Self: Help for Adult Children of
Dysfunctional Families. New York: W.W. Norton and Co., 1990.
 

.‫ المستبدون‬/‫اآلباء المتحكمون‬
Neuharth, Dan. If You Had Controlling Parents: How to Make Peace with
Your Past and Take Your Place in the World. New York: HarperCollins,
1998.
 

‫النرجسية‬

Brown, Nina. Children of the Self-Absorbed: A Grownup’s Guide to


Getting Over Narcissistic Parents. Oakland, Calif.: New Harbinger, 2001.
Golumb, Elan. Trapped in the Mirror: Adult Children of Narcissists in Their
Struggle for Self. New York: William Morrow, 1992.
 

.‫السفاح العاطفي‬

Love, Patricia. The Emotional Incest Syndrome: What to Do When a


Parent’s Love Rules Your Life. New York: Bantam, 1990.
 

.‫مذكرات عن الشفاء من اإلساءة العاطفية‬

Wisechild, Louise. The Mother I Carry: A Memoir of Healing from


Emotional Abuse. Seattle, Wash.: Seal Press, 1993.
 

.‫احترام النفس‬
McKay, Matthew, and Patrick Fanning. Self-Esteem: A Proven Program of
Cognitive Techniques for Assessing, Improving, and Maintaining Self-
Esteem. Oakland, Calif.: New Harbinger, 2000.
 

.‫ الجسم‬/‫صورة الجسد‬

McFarland, Barbara, and Tyeis Baker-Baumann. Shame and Body Image:


Culture and the Compulsive Eater. Deerfield Beach, Fla.: Health
Communications, 1990.
 

.‫ أو اإلهمال العاطفيين‬/ ‫المساعدة الذاتية لمعالجة العجز العاطفي الناجم عن اإلساءة و‬

Ciaramicoli, Arthur, and Katherine Ketchum. The Power of Empathy: A


Practical Guide to Creating Intimacy, Self-Understanding and Lasting Love.
New York: Dutton, 2000.
Goleman, Daniel. Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than
IQ New York: Bantam, 1995.

Loring, Marti Tamm. Emotional Abuse: The Trauma and the Treatment.
San Francisco: Jossey-Bass, 1998.
Mellin, Laurel. The Pathway: Follow the Road to Health and Happiness.
New York: Regan Books, 2003.
 

.‫اإلساءة العاطفية في عالقات الكبار‬

Engel, Beverly. The Emotionally Abused Woman. New York: Ballantine,


1990.

The Emotionally Abusive Relationship. New York: John Wiley & Sons,
2002.
 

.‫ الخجل‬/‫ الخزي‬/‫العار‬

Bradshaw, John. Healing the Shame That Binds You. Deerfield Beach,
Fla.:Health Communications, Inc., 1988.

Brown, Byron. Soul without Shame: A Guide to Liberating Yourself From


the Judge Within. Boston: Shambhala, 1999.

Kaufman, Gershen. Shame: The Power of Caring, Cambridge, Mass.:


Schenkman Publishing Co., 1980.

Lewis, Michael. Shame: The Exposed Self. New York: Free Press, 1995.

Middleton-Moz, Jane. Shame and Guilt. Deerfield Beach, Fla.: Health


Communications, Inc., 1990.

Smedes, Lewis B. Shame and Grace: Healing the Shame We Don’t


Deserve. San Francisco: Harper San Francisco, 1993.
 

.‫الغضب‬

Engel, Beverly. Honor Your Anger: How Transforming Your Anger Style
Can Change Your Life. Hoboken, N.J.: John Wiley & Sons, 2003.
Harbin, Thomas J. Beyond Anger: A Guide for Men. New York: Marlowe
and Company, 2000.
Lerner, Harriet Goldhor. The Dance of Anger: A Woman’s Guide to
Changing the Patterns of Intimate Relationships. New York: Harper and
Row, 1985.
Williams, Redford, and Virginia Williams. Anger Kills: 17 Strategies for
Controlling the Hostility That Can Harm Your Health. New York: Harper
Paperbacks, 1993.
 

.‫التسامح‬
Klein, Charles. How to Forgive When You Can’t Forget: Healing Our
Personal Relationships. New York: Berkley Publishing Group, 1997.

Safer, Jeanne. Forgiving and Not Forgiving: A New Approach to Resolving


Intimate Betrayal. New York: Avon, 1999.

Smedes, Lewis B. Forgive and Forget: Healing the Hurts We Don’t


Deserve. San Francisco: Harper and Row, 1984.
 

.‫المصالحة‬

Davis, Laura. I Thought We’d Never Speak Again. New York:


HarperCollins, 2002.
 

.‫التعامل مع والديك المسيئين اليوم‬


Bloomfield, Harold. Making Peace with Your Parents. New York:
Ballantine Books, 1983.
Engel, Beverly. Divorcing a Parent. New York: Ballantine Books, 1991.
Secunda, Victoria. When You and Your Mother Can’t Be Friends. New
York: Dell Publishing, 1990.
 
‫‪ ‬‬

‫الغالف الخلفي‬
‫المترجم‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬محيي الدين حميدي )‪ :(Moheiddin A. Homeidi‬حائز على جائزة خادم‬
‫الحرمين الشريفين العالمية للترجمة في دورتها الخامسة لترجمته كتاب (اللسانيات السريرية) عن‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬وقد ترجم ما يزيد على ‪ 30‬كتاًبا في اللسانيات‪ ،‬ونظرية الترجمة‪ ،‬وطب العين‪ ،‬والتربية‬
‫الخاصة من بين مواضيع أخرى أهمها‪ :‬الموسوعة اللغوية (ثالثة أجزاء‪ ،‬منشورات جامعة الملك‬
‫سعود (‪2001‬م)‪ ،‬وأساسيات علم الكالم‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق (‪1998‬م)‪ ،‬وتحليل النص في الترجمة‪،‬‬
‫جامعة الملك سعود (‪2009‬م)‪ ،‬وأطلس طب العين السريري (‪2004‬م) جامعة الملك سعود‪،‬‬
‫واللسانيات السريرية‪ ،‬جامعة الملك سعود (‪2011‬م)‪ ،‬والشبكات الدماغية‪ ،‬وزارة الثقافة السورية‪،‬‬
‫الهيئة العامة للكتاب (‪2009‬م)‪ ،‬والقراءة المتأنية في عصر السرعة‪ ،‬العبيكان‪2015( ،‬م)‪ ،‬واإلبادة‬
‫الجماعية‪ :‬مفهومها‪ ،‬وجذورها‪ ،‬وتطورها‪ ،‬وأين حدثت‪...‬؟‪ ،‬العبيكان‪ ،‬الرياض‪2017 ،‬م‪ ،‬والتدفق‬
‫سبيلك للوصول إلى أقصى درجات السعادة‪ ،‬وزارة اإلعالم السعودية‪ ،‬الرياض‪2019 ،‬م‪.‬‬
‫وأساسيات العالقات الدولية‪ ،‬دار الفرقد‪ ،‬دمشق (‪2016‬م)‪ ،‬وأساسيات علم السياسة‪ ،‬دار الفرقد‪،‬‬
‫دمشق (‪2016‬م) ويعمل حالًّيا أستاًذا باحًثا في جامعة لوند ‪ - Lund‬السويد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

You might also like