Pubdoc 12 7893 1155

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 49

‫(محاضرة األسبوع األول)‬

‫الدوافع واألهداف من توسيع الفتوحات وحروب التحرير في بالد المغرب‬


‫أن حجم الدوافع واألهداف التي حفزت المسلمين على تحرير بالد المغرب في مدة‬
‫زمنية طالت حتى بلغت سبعين عاما ً (‪90-20‬هـ) كبيرة جداً ومتنوعة ومن أهمها‪-:‬‬
‫‪ -1‬دافع الجهاد‪ -:‬أن دافع الجهاد في نشر راية اإلسالم في تلك البالد على رأس‬
‫الدوافع واألهداف التي حفزت المسلمين لالندفاع من مصر باتجاه بالد المغرب‬
‫والقضاء على البيزنطيين ووضع حداً لجبروتهم‪ ،‬ومما يؤكد نزعة الجهاد عند‬
‫المسلمين ما ذكره ابن عذارى‪ 1‬عن زهير بن قيس البلوي أنه بعد أن ألحق الهزيمة‬
‫بكسيلة زعيم قبيلة أوربة وطارد أعوانه حتى وادي ملوية في المغرب لم تغريه‬
‫إفريقية بأمالكها العظيمة فأبى أن يقيم فيها وقال "أني ما قدمت إال للجهاد وأخاف أن‬
‫تميل بي إلى الدنيا فأهلك" وعندما وضع حسان بن النعمان غنائم إفريقية من ذهب‬
‫وفضة وياقوت بين أيدي الخليفة الوليد بن عبد الملك استعظمها الوليد وقال له‬
‫"جزاك هللا خيراً يا حسان‪ ،‬فأجابه قائالً‪ ،‬يا أمير المؤمنين إنما خرجت مجاهداً في‬
‫سبيل هللا وليس مثلي يخون هللا والخليفة"‪.‬‬
‫‪ -2‬أن بقاء الروم في هذا الجزء من أفريقيا كان يضايق وجود العرب في مصر‬
‫لذا أندفع عمرو بن العاص والي مصر بدون إستئذان من الخليفة عمر بن الخطاب‬
‫نحو برقه سنة ‪21‬هـ التي صالح أهلها على جزية قدرها ثالثة عشر ألف دينار‬
‫وطرابلس التي فتحها عنوة سنة ‪22‬هـ بغية تأمين حدود مصر الغربية من خطر‬
‫الروم‪.2‬‬
‫‪ -3‬ربما كانت رغبة العرب المسلمين في تطويق القسطنطينية من جهة الغرب‬
‫بغزو ممتلكات اإلمبراطورية البيزنطية من الشمال األفريقي وغرب البحر المتوسط‬
‫وذلك باحتالل جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا ويؤكد ذلك عزم موسى بن نُصير بعد‬
‫أن استكمل فتح األندلس على أن "يأتي المشرق من ناحية القسطنطينية ويتجاوز إلى‬
‫الشام دروب األندلس ويخوض إليه ما بينهما من بالد األعاجم وأمم النصرانيةـ‬
‫‪ 1‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.39‬‬
‫‪ 2‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح مصر وإفريقية‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫مجاهداً فيهم ومستلحما ً لهم إلى أن يلحق بدار الخالفة في دمشق"‪ 3‬لكن عدم موافقة‬
‫الخليفة الوليد بن عبد الملك على خطته أثنت عن عزمه في تحقيق ذلك‪.4‬‬
‫‪ -4‬قرب دمشق عاصمة الخالفة في العصر األموي من البحر المتوسط واهتمام‬
‫األمويين ببناء األسطول العربي وال سيما بعد معركة ذات الصواري سنة ‪34‬هـ‪ 5‬التي‬
‫دارت قبالة ناحية زوارة ما بين ساحل طرابلس وتونس‪ 6‬المليئة بغابات السرو‬
‫واألرز المستخدمة أشجارها في صناعة السفن خاصة وأن األمويين كانوا أصحاب‬
‫معرفة وإطالع بأخبار تلك البالد (بالد الروم البيزنطيين)ـ وأصقاعها من خالل‬
‫صالتهم التجارية القديمة التي ورثوها من قياداتهم للرحالت القرشية السنوية إلى‬
‫جنوب وشمال إفريقية‪.7‬‬

‫‪ 3‬ابن خدلون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.255‬‬


‫‪ 4‬محمد سعيد رضا ومحمد بشير العامري‪ ،‬تاريخ المغرب واألندلس في العصر الوسيط‪( ،‬بغداد ‪ )2002‬ص‪.58‬‬
‫‪ 5‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح مصر والمغرب‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫‪ 6‬خليل إبراهيم السامرائي وآخرون‪ ،‬تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ 7‬محمد سعيد رضا ومحمد بشير حسن العامري‪ ،‬تاريخ المغرب واألندلس في العصر الوسيط‪( ،‬بغداد ‪ )2002‬ص‪.59‬‬
‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫(محاضرة األسبوع الثاني)‬
‫اإلستطالع ومحاوالت التحرير األولى (مرحلة الجيوش الغير منظمة)‪9‬‬
‫لما فرغ القائد عمر بن العاص من تحرير مصر أنعم النظر في أمر تحرير الشمال‬
‫األفريقي (برقة وطرابلس) مع أن الحالة السياسية لشمال أفريقيا كانت في غاية‬
‫اإلضطراب حين وصلت إليها الجيوش العربية اإلسالمية كنتيجة طبيعية لتصدع‬
‫أركان اإلمبراطورية البيزنطية بسبب الخالفات الداخلية ومعاركها مع روما وال‬
‫سيما؛ بسبب استيالء العرب على مصر ولسياسة اإلرهاق واالضطهاد التي سلكها‬
‫الروم ضد القبائل البربرية والتي كانت فيما بعد سببا ً رئيسيا ً في إعتناق البربر‬
‫لإلسالم‪.8‬‬
‫ثم أن برقة كانت تعد إمتداد لمصر وأن تحريرها يعد إتماما ً لتحرير مصر وأن‬
‫القائد عمر بن العاص بدأ يمهد لتحرير برقة فبعث أحد قواده وهو عقبة بن نافع‬
‫وبأمرته الخيالة العربية اإلسالمية بكامل أسلحتهم لغرض اإلستطالع وجلب‬
‫المعلومات عن األرض والعدو‪ ،‬فعاد القائد عقبة بن نافع باألخبار المشجعة إلى‬
‫عمرو بن العاص الذي بدأ يعجل بتسيير جيوشه لتحريرها‪.9‬‬
‫تحرير برقة‬
‫سلك الجيش نفس الطريق الساحلي الحالي الذي يربط مصر بليبيا‪ ،‬وكانت كتائب‬
‫الخيالة قد دفع بها إلى األمام ونشر بعضها على جناحه األيسر بينما كان الجيش كله‬
‫على الطريق الساحلي ولقد قطع المسافة من اإلسكندرية إلى برقة في عشرين يوما ً‬
‫وعندما كان الجيش يشرف على مدينة أو قرية يطبق عليها من جميع الجهات‪.10‬‬
‫وصل القائد عمرو بن العاص برقة فصالح أهلها على الجزية وهي ثالثة عشر‬
‫ألف دينار‪ ،11‬ويبدو أن مدينة برقة استسلمت دون قتال ونزلت على شروط القائد‬
‫عمرو بن العاص إذ دخل بعضهم إلى اإلسالم ومن رفض أرتضى دفع الجزية‪.12‬‬
‫تحرير طرابلس وزويلة‬
‫‪ 8‬الجنحاني‪ ،‬الحبيب‪ ،‬القيروان‪ ،‬الشركة التونسية (تونس‪،‬ـ ‪ ،)1968‬ص‪.23‬‬
‫‪ 9‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪ ،141‬حسين مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ 10‬عماش‪ ،‬صالح مهدي‪ ،‬القيادة الناجحة‪ ،‬بغدلد‪ ،1970 ،‬ص‪.144‬‬
‫‪ 11‬البالذري‪ ،‬فتوح البلوان‪ ،‬ص‪.325‬‬
‫‪ 12‬حسن علي حسن‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫بعد أن أكمل القائد عمرو بن العاص تحرير برقة بدا يستعد لتحرير ما يليها من‬
‫بالد المغرب وكان أمامه أحد سبيلين‪ ،‬أما أن يسير بجوار الساحل فيحرر طرابلس‬
‫وما يجاورها من المدن الساحلية أو يتجه إلى الداخل ليحرر كثيراً من مراكز العمران‬
‫الصحراوية الداخلية والتي تؤلف مراكز للمقاومة في قلب البالد‪.13‬‬
‫رأى القائد عمرو بن العاص أن يقوم باألمرين معا ً فيسير هو بنفسه لتحرير‬
‫طرابلس ويبعث فرقة من جنده لتحرير أهل الواحات الجنوبية لتضمن له الوالء‪،‬‬
‫وهكذا تقدم القائد عمرو بن العاص نحو طرابلس معقبا ً الطريق الساحلي متبعا ً نفس‬
‫السياسة السابقة في مصالحة المدن التي ترتضي الصلح أو يقتحم األسوار التي تأبى‬
‫إال الحرب‪ ،‬حتى وصل طرابلس فقاومت وتحصنت خلف األسوار العالية وحاول‬
‫القائد عمرو بن العاص فتحها عنوة فصمدت فقرر االستمرار بمحاصرتها‪.14‬‬
‫أما رتل القائد عقبة بن نافع فقد وصل إلى زويلة ودخلها صلحا ً‪ .15‬وأما القائد‬
‫عمرو بن العاص فقد قرر التعسكر على الرابية الكائنة في الجنوب الشرقي من‬
‫طرابلس واستمر في حصاره شهراً على أغلب الروايات‪ 16‬ثم أمر القائد عقبة بن نافع‬
‫مباغتا ً العدو المتحصن وحدث قتال عنيف فلم يكن للروم مفرغ إال سفنهم فلم تفلت إال‬
‫بما خف لهم من مراكبهم وغنم القائد عمرو بن العاص ما كان في المدينة‪.17‬‬
‫تحرير سيرت أو صبراته‬
‫وصلت أخبار أهل سيرت أو صبراته بأن الجيش العربي اإلسالمي حاصر مدينة‬
‫طرابلس وجرد خيالً كثيفة من ليلته وأمرهم بسرعة السير فصبحت خيله مدينة‬
‫سيرت‪ ،‬وقد غفلوا وفتحوا أبوابهم لتسرح مواشيهم فدخلوها فلم ينج منهم أحد وأحتوى‬
‫أصحابه على ما فيها ورجعوا إليه‪.18‬‬

‫تحرير ودان‬

‫‪ 13‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.144‬‬


‫‪ 14‬عياش‪ ،‬القيادة الناجحة‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫‪ 15‬م‪ ،‬ن‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫‪ 16‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ 17‬م‪ ،‬ن‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ 18‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪ ،36‬حسن علي‪ ،‬تاريخ المغرب‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫كان القائد عمرو بن العاص قد بعت أثناء حصاره لطرابلس القائد بسر بن أرطأة‬
‫إلى ودان ففتحها سنة ‪23‬هـ‪ .19‬وكان الهدف من هذه العملية في ودان هو تأمين ظهر‬
‫القائد عمرو بن العاص في الداخل ومنع القبائل من القيام بأي عمل من شأنه أن يعيق‬
‫عمل القسم األكبر من الجيش‪.‬‬
‫وبعد أن استقر األمر على تحرير برقة وطرابلس وزويله وسيرت وودان‪ ،‬قرر‬
‫القائد عمرو بن العاص أن يكتب للخليفة عمر بن الخطاب (رض) يستأذنه في‬
‫مواصلة التحرير "أن هللا فتح علينا طرابلس وليس بينها وبين إفريقية إال تسعة أيام‬
‫فأن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها ويفتحها هللا على يديه فعل"‪ 20‬فأجابه الخليفة بعدم‬
‫الموافقة وذلك خوفا ً من غدر أهل إفريقية لهم قائالً له "ال أنها ليست بإفريقية ولكنها‬
‫غادرة مغدور بها ال يغزوها أحد ما بقيت"‪.21‬‬
‫عاد عمرو بن العاص إلى مصر بعد أن اقام القائد عقبة بن نافع على هذه البالد‬
‫الصحراوية ببرقة يدعوهم لإلسالم‪ ،‬ونجح عقبة في كسب كثير من سكان البالد من‬
‫قبائل لواته ونفوسة ونغزاوة وهراوة وزواغة فدخلوا اإلسالم‪ 22‬ثم أصبحت برقة‬
‫القاعدة األساسية للجيش العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫أما القائد عمرو بن العاص عاد إلى الفسطاط مقر واليته في مصر وظل مقيما ً بها‬
‫حتى وفاة الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وخلفه عثمان بن عفان (رض) وأول ما‬
‫فعله عزل عمرو بن العاص من والية مصر وقلدها لعبد هللا بن سعد بن أبي سرح‬
‫سنة ‪24‬هـ‪ .23‬وكان عبد هللا قائداً في جيش عمرو بن العاص‪.‬‬
‫معركة حصن عقوبة وتحرير‪ 9‬سبيطلة‬
‫كان القائد عبد هللا بن سعد يبعث المسلمين في جرائد الخيل فأصابوا من أطراف‬
‫إفريقية وغنموا‪ 24‬وكانت السياسة العامة للخليفة عثمان بن عفان (رض) هي البدء‬
‫بسلسلة من الفتوحات على كل الجبهات خاصة تحرير شمال أفريقيا وبدأ الخليفة‬

‫‪ 19‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.152‬‬


‫‪ 20‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ 21‬م ‪ ،‬ن‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ 22‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪ 23‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪ 24‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫يستشير الصحابة وأصحاب الرأي فندب الناس لغزوها بعد المشورة فلما اجتمع‬
‫الناس أمر عليهم الحارث بن الحكم إلى أن يقدموا علي عبد هللا بن سعد فيكون إليه‬
‫األمر‪.25‬‬
‫فتقاطر الناس من مختلف القبائل لإلسراع في الغزوة وقد يكون دافعهم في ذلك‬
‫الغنائم وكان على رأس كل قوم نفر من كبرائهم وأندمج في تلك الحملة نفر غفير من‬
‫مشاهير الصحابة وأوالدهم‪ .26‬وكان هذا الجيش يُسمى جيش العبادلة ألشتراك عبد‬
‫هللا بن سعد وعبد هللا بن الزبير وعبد هللا بن أبي بكر وعبد هللا بن زيد بن عمر بن‬
‫الخطاب وعبد هللا بن عمر بن الخطاب فيه وقد خرج من بني هاشم عبد هللا بن‬
‫العباس وعبيد هللا بن العباس‪.27‬‬
‫وعندما وصلت القوات إلى مصر استقبلها القائد عبد هللا بن سعد وجمع إليها ما‬
‫كان لديه من الجند فصار له جيش عدته عشرين ألفا ً ومضى إلى إفريقية‪ .28‬وأستقبله‬
‫القائد عقبة بن نافع في برقة وسار الجيش إلى إفريقية فوصلوا إلى قابس حيث وجدوا‬
‫الروم البيزنطيين قد تحصنوا داخل أسوارهم‪ .‬وقد أختلف المؤرخون في تفصيل سير‬
‫المعركة حيث قال ابن عبد الحكم‪" 29‬كان هرقل استخلف جرجير فخلفه فلقيه جرجير‬
‫فقاتله فقتله هللا وكان الذي تولى قتله فيما يزعمون عبد هللا بن الزبير وهرب جيش‬
‫جرجير فبعث عبد هللا بن سعد السرايا وفرقها فأصابوا غنائم كثيرة فلما رأى ذلك‬
‫رؤوساء إفريقية طلبوا إلى عبد هللا بن سعد أن يأخذ منهم ماالً على أن يخرج من‬
‫بالدهم فقبل منهم ذلك ورجع إلى مصر ولم يول عليهم أحداً ولم يتخذ قيرواناً‪ ،‬وبلغت‬
‫الغنائم بغد إخراج الخمس ثالثة آالف دينار سهم الفارس"‪.‬‬
‫أما البالذري‪ 30‬فيكاد يكون أقرب إلى رواة بن أبي عبد الحكم حيث يقول "فسار‬
‫عبد هللا بن سعد ‪ ..‬حتى حل يحض عقوبة فقاتله أياما ً فقتله هللا وكنت أنا الذي قتلته‬
‫(يعني عبد هللا بن الزبير) وهرب جيشه فتمزقوا وبث ابن أبي سرح السرايا ففرقها‬

‫‪ 25‬بن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.35‬‬


‫‪ 26‬مؤنس‪ ،‬فتح المغرب العربي‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ 27‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪ 28‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ 29‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.246‬‬
‫‪ 30‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪.282‬‬
‫في البالد فأصابوا غنائم كثيرة وأستاقوا من المواشي ما قدروا عليه فلما رأى ذلك‬
‫عظماء إفريقية اجتمعوا فطلبوا إلى عبد هللا بن سعد أن يأخذ منهم ثالثمائة قنطار من‬
‫الذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بالدهم فقبل ذلك‪...‬ورجع إلى مصر والسهول‬
‫إفريقية أحداً ولم يكن لها يومئذ قيروانا ً وال مصر جامع"‪.‬‬
‫أما ابن األثير‪ 31‬فيقول " وسار عبد هللا بن سعد نحو إفريقية وبث السرايا في كل‬
‫ناحية وكان ملكهم اسمه جرجير وملكه من طرابلس إلى طنجة وكان هرقل ملك‬
‫الروم قد واله إفريقية فهو يحمل إليه الخراج كل سنة فلما بلغه خبر المسلمين تجهز‬
‫وجمع العساكر وأهل البالد فبلغ عسكره مائة ألف وعشرين ألف فارس والتقى هو‬
‫والمسلمين بمكان بينه وبين مدينة سبيطله يوم وليلة وهذه المدينة كانت ذلك الوقت‬
‫دار الملك فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم وراسله عبد هللا بن سعد يدعوه إلى اإلسالم أو‬
‫الجزية فأمتنع منها وتكبر عن قبول أحدهما"‪.‬‬
‫وخالصة المعركة أن الجيش العربي اإلسالمي تمكن من دحر قوات جرجير على‬
‫مقربة‬
‫من حصن عقوبة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة‪ 32‬وبعد أن حقق العرب المسلمين النصر‬
‫على قوات جرجير كان البد للقائد عبد هللا بن سعد أن يواصل تقدمه لتحرير سبيطله‬
‫نفسها فأرسل فرقة من الخيالة فحاصرها حصاراً شديداً حتى سقطت في أيديهم‬
‫فأصابوا منها خلقا ً كثيراً وأكثر أموالهم الذهب والفضة‪.33‬‬
‫بقي أن نعرض األسباب التي دعت عبد هللا بن سعد إلى العودة إلى مصر وهي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن موقعة سبيطله لم تحرر سهل تونس كله وأن األرض المتبقية واسعة‬
‫األطراف مليئة بالحصون والمسالح والمحارس‪.‬‬
‫‪ -2‬أن جيش المسلمين قد قضى حتى هذه الواقعة خمسة عشر شهراً في أفريقية‬
‫وجمع خالل هذه المدة غنائم كثيرة وقد يكون هذا سببا ً يدعو للعودة إلى بالدهم وأنهم‬
‫خافوا أن تحدث معارك أخرى فتذهب غنائمهم إلى عدوهم‪.‬‬

‫‪ 31‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ص‪.81‬‬


‫‪ 32‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪96‬‬
‫‪ 33‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪ -3‬كان تعداد الجيش العربي اإلسالمي في بداية األمر عشرين ألفا ً وال بد أنه‬
‫نقص كثيراً بعد هذه المعارك وهذا يعني أن القوة القتالية قد ضعفت بعد هذه المدة‪.‬‬
‫‪ -4‬نظراً لطول غيبة القائد عن مقر واليته مصر فأنه كان يميل أيضا ً إلى الرجوع‬
‫للنظر‬
‫في أمرها‪.‬‬
‫‪ -5‬قد يكون عدم اإلنسجام بين القائد عبد هللا بن سعد وبين عبد هللا بن الزبير في‬
‫سرعة إرسال ابن الزبير بطريقة ذكية إلى الخليفة عثمان بن عفان (رض) ليبشره‬
‫بالنصر‪ .‬أضف إلى ذلك عدم ثقة عبد هللا بن سعد بمن حوله وتخوفه منهم قد يفسر‬
‫عودته إلى مصر‪.34‬‬
‫وهنا توقف النشاط العسكري في إفريقية بعد رجوع القائد عبد هللا بن سعد وذلك‬
‫نتيجة لألحداث المتالحقة في المشرق منها مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رض)‪،‬‬
‫حيث ولي أمر مصر محمد‬
‫بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة لم يوجه إليها‪ ،‬فلما ً ولي معاوية بن أبي سفيان ولي‬
‫معاوية‬
‫بن حديج السكوني‪.35‬‬
‫لما ولي الخالفة معاوية بن أبي سفيان قرر إعادة تحرير إفريقية وعهد ذلك األمر‬
‫إلى معاوية بن حديج وغزاها ثالث غزوات‪ .36‬ولكن أغلب المؤرخين المحدثين‬
‫يشكون في ذلك ويروا أن معاوية بن حديج قام بحملة واحدة فقط سنة ‪45‬هـ‪ 37‬ووصل‬
‫إلى مكان يدعى قمونية قرب منطقة القيروانـ ثم أنتقل إلى منطقة القرن التي أتخذها‬
‫مركزاً مؤقتا ً لعملياته العسكرية ويبدو أنه أقام في ذلك المكان طويالً ألنه أحتفر آباراً‬
‫تسمى آبار حديج وأبتنى دوراً‪.38‬‬

‫‪ 34‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.99‬‬


‫‪ 35‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪.229‬‬
‫‪ 36‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ 37‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪ ،116‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫‪ 38‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.121‬‬
‫بعث معاوية بن حديج عبد هللا بن الزبير بتتبع الروم حتى وصل مدينة سوسة‬
‫وأشتبك بن الزبير مع قائد الروم المسمى (نقفور) واستولى ابن الزبير على مدينة‬
‫سوسة وغنم منها غنائم كثيرة ثم عاد إلى معاوية بن حديج‪.39‬‬
‫وبعث الوالي معاوية عبد الملك بن مروان إلى مدينة جلوالء فحاصرها أياما ً ثم‬
‫قفل راجعا ً إلى معاوية بن حديج في منطقة القرن‪ ،‬ثم أن معاوية قدم مدينة بنزرت‬
‫فحررها دون جهد ثم أنه أخلى المدينة وأنسحب إلى مصر دون سبب واضح ولم‬
‫يحاول اإلستفادة من إنتصاراته العسكرية‪.40‬‬

‫(محاضرة األسبوع الثالث)‬

‫مرحلة الجيوش المنتظمة‪9‬‬

‫‪ 39‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫‪ 40‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫أتفق أغلب المؤرخين بأن خروج القائد عقبة بن نافع إلى المغرب كان في سنة‬
‫‪49‬هـ بعد رحيل القائد معاوية بن حديج‪ ،41‬ويبدو أن معاوية بن أبي سفيان قد أمد‬
‫القائد عقبة بن نافع بعشرة آالف فارس عندما كان موجوداً في مدينة برقة‪ ،‬فدخل‬
‫إفريقية ووضع السيف في أهل البالد‪.42‬‬

‫إعادة تحرير ودان‬


‫سبق وأن ذكرنا أن القائد بسر بن أبي أرطأة قد حرر ودان سنة ‪23‬هـ إال أن أهل‬
‫ودان نقضوا العهد‪ ،‬فتوجه إليهم القائد عقبة بن نافع حتى حررها فذكر ابن عبد‬
‫الحكم‪" 43‬أخذ (عقبة بن نافع) فجدع أذنه فقال لم فعلت هذا بي وقد عاهدتني فقال عقبة‬
‫فعلت هذا بك أدبا ً لك إذا مسست‬
‫أذنك ذكرته فلم تحارب العرب واستخرج منهم ما كان بسر بن أبي ارطأة قد فرضه‬
‫عليهم ثالثمائة رأس وستين رأس"‪.‬‬
‫تحرير جرمه وفزان وخاور وكاوار‬
‫كانت مدينة جرمة على بعد ثالث ليال من ودان فتوجه إليها عقبة بن نافع ودعا‬
‫أهلها إلى اإلسالم فأجابوا‪ .44‬ومضى القائد عقبة بن نافع لتحرير فزان وما جاورها‬
‫من القرى حتى أكمل تحريرها ونشر اإلسالم في ربوعها ثم سار إلى خاور في‬
‫خمسة عشر يوما ً فحاصرها شهراً فلم يقدر على قصور كاوار ففتحها‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫خاور فأستباح مدينتهم وقتل مقاتلتهم ثم أنصرف إلى زويلة‪ .45‬ثم أنصرف عنها‬
‫متوجها ً إلى منطقة مزانه وصفر وغدامس وقفصة وقسطيلية‪.‬‬

‫تحرير منطقة مزانه وصفر وغدامس وقفصة وقسطيلية‬


‫لم يذكر المؤرخون اآلوائل تفاصيالً عن المعارك التي خاضها القائد عقبة بن نافع‬
‫لتحرير‬

‫‪ 41‬حسين مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪ ،137‬سالم‪ ،‬تاريخ الدولة العربية‪ ،‬ص‪.636‬‬
‫‪ 42‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.465‬‬
‫‪ 43‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 44‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 45‬مجهول‪ ،‬اإلستبصار‪ ،‬ص‪ ،146‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪52‬‬
‫‪46‬‬
‫هذه المناطق وأكتفوا باإلشارة إليها بشكل موجز مثال ذلك ما ذكره ابن عبد الحكم‬
‫"وبعد أن وصل زويلة عاد إلى سرت فسار متوجها ً إلى المغرب وجانب الطريق‬
‫األعظم وأخذ إلى أرض مزان فأفتتح كل قصر بها ثم مضى إلى صفر فأفتتح قالعها‬
‫وقصورها ثم بعث خيالً إلى غدامس فأفتتحت غدامس فلما أنصرفت إليه خيله سار‬
‫إلى قفصة فأفتتحها وفتح قسطيلية ثم أنصرف إلى القيروان"‪.‬‬

‫بناء مدينة‪ 9‬القيروان‬


‫رأى القائد عقبة بن نافع أن يتخذ مدينة يمكث بها عسكر المسلمين وأهلهم وأموالهم‬
‫من احتمال ثورة تكون من أهل البالد فقصد موضع القيروان‪ .47‬لقد أدرك القائد عقبة‬
‫بن نافع إلى أهمية الحاجة إلى تواجد العرب الدائم في المنطقة وفكر في بناء مدينة‬
‫يتخذها كقاعدة عسكرية لفتوحات جديدة وكمركز لنشر اإلسالم بين القبائل البربرية‪،‬‬
‫وهناك أمران أكد عليهما في اختيار موقع المدينة األول‪ :‬تأسيس المدينة بعيدة عن‬
‫البحر لضمان سالمتها من أي هجوم مفاجئ قد يقوم به البيزنطيون عن طريق البحر‬
‫واألمر الثاني‪ :‬هو أن يكون موقع المدينة في منطقة خصبة ذات عشب لكي يستطيع‬
‫العرب أن يرعوا أبلهم وماشيتهم فيها‪ ،‬واستغرقت عملية البناء ما يقارب من خمس‬
‫سنوات وأنجزت سنة خمس وخمسين هجرية‪.48‬‬
‫وبذلك وضع القائد عقبة بن نافع حجر األساس في مدينة أصبحت بعد سنوات قليلة‬
‫عاصمة المغرب العربي ومركز اإلشعاع الفكري في شمال أفريقيا‪.49‬‬
‫أن انشغال القائد عقبة بن نافع خالل هذه السنين أدى إلى إنقطاع إرسال الغنائم‬
‫التي كان يحصل عليها من الغارات السريعة إلى مصر أو الشام والذي كان يعد‬
‫مقياسا ً لنجاح القائد وعامالً مهما ً في تمديد واليته‪ ،‬ومن هنا نستطيع أن نجد تفسيراً‬
‫معقوالً لماذا عزل القائد عقبة بن نافع فجأة عن والية إفريقية وتعيين مكانه القائد أبو‬
‫المهاجر دينار‪.‬‬

‫‪ 46‬فتوح المغرب واألندلس‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ 47‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.465‬‬
‫‪ 48‬عبد الواحد ذنون‪ ،‬الفتح واالستقرار العربي اإلسالمي في شمال أفريقيا‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪( ،‬بغداد‪ )1982 ،‬ص‪.120‬‬
‫‪ 49‬الجنحاني‪ ،‬القيروان‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫أعمال أبو المهاجر دينار‬
‫حال استالم القائد أبو المهاجر والية إفريقية سنة خمس وخمسين هجرية أساء‬
‫عزل‬
‫عقبة وحبسه وضيق عليه وأستخف به وأوقره حديداً حتى أتاه كتاب من الخليفة‬
‫بتخلية سبيله وأشخاصه إليه‪.50‬‬
‫نزل أبو المهاجر بين القبائل البربرية ولم يتخذ القيروانـ مركزاً له وذلك للتقرب‬
‫إلى البربر واإلقامة في قرية من قراهم حتى يوهمهم أن قيروانه ال يمثل احتالالً‬
‫أجنبيا ً لبالدهم‪ .‬وقد أطلق على الموضع الذي نزل فيه اسم تكيروان وأن هذه الكلمة‬
‫تحريف لكلمة القيروان في اللهجة البربرية لعدم وجود القاف في لغتهم‪.51‬‬
‫كان أبو المهاجر يتصف بالدهاء وحسن السياسة وبعد النظر فبدأ بمهاجمة البربر‬
‫وخاصة قبيلة أوربه وقائدهم كسيلة في نواحي تلمسان‪ 52‬فوصل إلى مدينة ميله بين‬
‫المغربين األوسط واألدنى واستعد كسيلة لهذا اللقاء فوصل أبو المهاجر إلى العيون‬
‫المعروفة بعيون أبو المهاجر ومنها تحرك إلى تلمسان فالتقى الجيشان هناك فدارت‬
‫المؤرخين‬ ‫معركة حامية بينهما فأنتصر المسلمون وأسر كسيلة‪ .53‬ولكن بعض‬
‫يشير إلى أن القائد أبو المهاجر عرض اإلسالم على كسيلة فأسلم وعقدوا صلحا ً‬
‫بينهما‪ .54‬ويعتبر القائد أبو المهاجر أول أمير عربي وطئت خيله أرض المغرب‬
‫األوسط‪ .55‬وبعدها أخذ يفكر في تحرير قرطاجنة من الروم‪ ،‬وفعالً سار بجيشه‬
‫وحاصر المدينة وذلك سنة ‪59‬هـ ودارت معركة بينهما وكثر القتل بين الفريقين ثم‬
‫طلب الروم الصلح فوافق أبو المهاجر على ذلك على أن يحتفظ العرب بجميع‬
‫األراضي التي يتواجد فيها الروم في قرطاجنة‪.56‬‬

‫‪ 50‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح المغرب واألندلس‪ ،‬ص‪.56‬‬


‫‪ 51‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫‪ 52‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫‪ 53‬محمد شيت خطاب‪ ،‬قادة فتح المغرب العربي‪ ،‬دار الفتح للطباعة‪( ،‬بيروت‪،‬ـ ‪ )1966‬ص‪.140‬‬
‫‪ 54‬طه عبد الواحد ذنون‪ ،‬الفتح واالستقرار العربي اإلسالمي‪ ،‬ص‪ ،125‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫‪ 55‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫‪ 56‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪ ،173‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫عاد أبو المهاجر بعد ذلك سنة ‪61‬هـ إلى مدينة تايكروان التي أسسها وأقام بها‬
‫عاما ً واحداً حتى عزل عن واليته‪ .57‬وتعيين القائد عقبة بن نافع مرة أخرى على‬
‫والية إفريقية بعد أن أعتذر من الخليفة معاوية بن أبي سفيان ووالي مصر مسلمة بن‬
‫مخلد األنصاري‪ ،‬بدأ القائد عقبة بن نافع باالقتصاص من أبي المهاجر فأوثقه في‬
‫وثاق شديد وأساء عزله‪ ،‬ثم قام بأعمال عديدة خالل واليته الثانية‪ ،‬فقد أتخذ القيروان‬
‫مركزاً له وعاصمة لملكه وقام بحمالت كبرى وصل فيها إلى أقصى المغرب وإلى‬
‫شواطئ المحيط األطلسي‪ ،58‬عزم القائد عقبة بن نافع على تنفيذ خطته بتحرير‬
‫المغرب األقصى وترك القيروان تحت قيادة زهير بن قيس البلوي فتوجه في جيش‬
‫عدته خمسة عشر ألفا ً من القيروان إلى مدينة باغاية‪ 59‬وفي باغاية اجتمع خلق كثير‬
‫من الروم فقاتلوه قتاالً شديداً وأنهزموا أمامه وقتل فيهم قتالً ذريعا ً وغنم منهم الغنائم‬
‫الكثيرة‪ 60‬ثم التقى مع جيش كسيلة ومن معه من قبيلة أوربه وحاصر مدينتهم ثم‬
‫غادرها إلى إقليم الزاب وواصل زحفه حتى وصل إلى وادي المسيله وهناك قاتل‬
‫الروم وحلفائهم من البربر فهزمهم‪ .61‬ثم وصل إلى منطقة أسمها لميس وفي هذه‬
‫المنطقة جرت معركة عنيفة أنتصر فيها الجيش العربي اإلسالمي ثم توجه إلى مدينة‬
‫بليش وهي من أعظم مدن الروم وهزمهم وأصاب منهم غنائم كثيرة‪ .62‬ثم سار حتى‬
‫وصل إلى مدينة تاهرت والتقى مع الروم وقاتلوا قتاالً شديداً وقتلهم قتالً ذريعا ً ثم‬
‫أرتحل حتى نزل طنجة‪ .63‬وفيها لقي القائد بطريق من الروم أسمه يليان فأهدى له‬
‫هدية حسنة ونزل على حكمه وسأله عن البربر بالسوس األدنى فقال له أنهم كفار‬
‫ولهم باس شديداً‪.64‬‬
‫وأتجه القائد عقبة بن نافع بأتجاه السوس األدنى لقتال البربر الوثنيين من قبائل‬
‫مصمودة وصنهاجة والتقى بهم وهزمهم هزيمة نكراء وطاردهم حتى مدينة درعة‪.65‬‬

‫‪ 57‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.216‬‬


‫‪ 58‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪ ،174‬حسن علي حسن‪ ،‬تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ 59‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.105‬‬
‫‪ 60‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫‪ 61‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪ 62‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.188‬‬
‫‪ 63‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ 64‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.106‬‬
‫‪ 65‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.225‬‬
‫وصل القائد عقبة بن نافع إلى وادي السوس حتى بلغ مدينة أسفي على البحر‬
‫المتوسط فقال " يا رب لوال هذا البحر لمضيت في البالد مجاهداً في سبيلك"‪.66‬‬
‫وهنا أدرك القائد عقبة بن نافع أن مهمته قد أنتهت وعليه العودة إلى القيروان فعاد‬
‫بطريق غير الطريق الذي سلكه في البداية وأنضمت إليه في الطريق العديد من‬
‫القبائل البربرية‪ ،‬وصل القائد عقبة بن نافع إلى مدينة طبنه وأمر أصحابه أن يتقدموا‬
‫فوجا ً فوجا ً فأخذوا يتسابقون في إدراك القيروان‪ ،‬ثم سار بهم إلى مدينة تهوده‬
‫ليستولي عليها ويحررها ويتخذها قاعدة لقواته في منطقة األوراسـ وما كاد يقترب‬
‫منها حتى وجد نفسه مطوقا ً من حشود بربرية هائلة عدتها خمسون ألف مقاتل يقودهم‬
‫كسيله وكان مع عقبة بن نافع خمسة آالف‪ ،‬فلما رأى القائد عقبة تطويق البربر لجيش‬
‫المسلمين أيقن بقرب النهاية ودارت معركة حامية عند تهوده في نهاية سنة ‪63‬هـ‬
‫أنتهت باستشهاد القائدان الجليالن عقبة بن نافع وأبو المهاجر وبقية المقاتلين وسيوفهم‬
‫بأيديهم ولم يفلت من الموت إال من وقع أسيراً في أيدي البربر‪ .67‬وهكذا كانت خاتمة‬
‫القائد عقبة بن نافع وأصحابه استشهاداً جليالً فبقي ذكرهم في هذه البالد‪.‬‬

‫(محاضرة األسبوع الرابع)‬


‫الفتوحات في عهد القائد زهير بن قيس‬
‫أسباب خسارة العرب في معركة تهودة‪:‬‬
‫‪ 66‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.106‬‬
‫‪ 67‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.228‬‬
‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫‪ -1‬استغرقت حملة القائد عقبة بن نافع مدة عامين قطع الجيش خاللها مسافة ألفي‬
‫كيلومتر‪ ،‬فلهذه المدة والمسافة أنهكت الجيش برمته وقللت من كفاءته القتالية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم إستصحاب عوائل المقاتلين معهم أدى إلى تدني الروح المعنوية‪.‬‬
‫‪ -3‬نظراً لطول خطوط المواصالت لم يتم تعزيز الجيش بالمدد المطلوب ال عدة‬
‫وال عدد‪.‬‬
‫‪ -4‬شعور المجاهدين باإلجهاد نتيجة طول مدة الحملة وسوء القضايا اإلدارية‬
‫وشحة المياه في بعض األماكن ووجود اإلصابات التي تستدعي العناية الطبية‬
‫كان سببا ً آخر من أسباب اإلخفاق‪.‬‬
‫‪ -5‬حصول خسائر كبيرة في الجيش العربي اإلسالمي نتيجة المعارك المتتالية‬
‫والمتعاقبة أدى إلى إضعافه تدريجياً‪.‬‬
‫‪ -6‬التنسيق المعادي المستمر بين الروم والبربر أدى إلى صعوبات كبيرة للجيش‬
‫العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -7‬أكدت األحداث أن السياسة واللين والمداراة كانت تعطي نتائج طيبة عند‬
‫التعامل مع السكان المحليين من البربر وأن سياسة العنف معهم أدت إلى نتائج‬
‫وخيمة‪.‬‬
‫‪ -8‬نتيجة لسياسة الشدة المفرطةـ فقد تحول البربر بزعامة كسيله من حليف العرب إلى‬
‫أعدائهم حلفاءـ الروم‪.‬‬
‫‪ -9‬كان القائد عقبة بن نافع يهاجم القرى والمدن ويلبث على ذلك فترة ثم ينصرف‬
‫دون أن ينتهي مع أهل المدينة بشيء معلوم‪ ،‬حيث كان القادة يعرضون‬
‫اإلسالم أو دفع الجزية‪.‬‬
‫‪ -10‬تم إستدراج عقبة بن نافع وجيشه إلى منطقة القتل في منطقة تهوده دون أن‬
‫يشعر بذلك‪.‬‬
‫‪ -11‬حقق الروم والبربر المباغتة التعبوية في الزمان والمكان المناسبين لهم مما‬
‫أفقد القائد عقبه ابن نافع المرونة في مجابة الموقف‪.‬‬
‫‪ -12‬لقد كانت الحملة خالل التنفيذ تمر من محيط كله أعداء ومن كل الجهات فكان‬
‫عليه حماية أرتاله باستمرار والحصول على المعلومات في كل وقت وهذا لم‬
‫يتم‪.‬‬
‫‪ -13‬قرارات القائد عقبة بن نافع السلبية كان لها األثر السيء على الوضع بصورة‬
‫عامة وعلى نتيجة المعركة بصورة خاصة ومن هذه القرارات هي‪-:‬‬
‫أ‪ -‬ترك القوات الرومية عند محاصرته أي مدينة وهذا أدى إلى بقاء الجيش‬
‫الرومي بقوته وبالتالي أصبح يهدد طرق مواصالته‪.‬‬
‫ب‪ -‬األذن بعودة القطعات فوجا ً فوجا ً إلى القيروان دون حساب أسوء االحتماالت‬
‫خصوصا ً وأن الجيش على مسافة ليست بالكبيرة عن قاعدته‪.‬‬
‫جـ‪ -‬إنحراف القائد عقبة بن نافع عن خط سيره األمين كلفه حياته وحياة أصحابه‪.‬‬

‫معارك التحرير في مرحلته النهائية‬


‫بعد كارثة تهوده واستشهاد القائد عقبة بن نافع وأصحابه بقي زهير بن قيس‬
‫البلوي في حامية صغيرة ال يتجاوز عدد أفرادها الخمسة آالف مقاتل‪ ،‬عند ذلك رأى‬
‫قائد جيش البربر كسيله بأن الوقت قد حان للقضاء على المسلمين في القيروان‪ ،‬وفعالً‬
‫أستولى عليها سنة ‪64‬هـ وأصبح أمير عليها‪ .68‬وبذلك خرجت إفريقية من أيدي‬
‫العرب المسلمين وأنسحب الجيش إلى مدينة برقه وضاعت الجهود المضنية التي‬
‫استغرقت زهاء أربعين عاما ً قضاها المسلمون في غزو وتحرير وقتال شديد‪.‬‬

‫تكليف زهير بن قيس البلوي‬


‫لما ولي عبد الملك بن مروان الخالفة كتب إلى زهير بن قيس البلوي على والية‬
‫أفريقية‪.69‬‬
‫كان القائد زهير مرابطا ً في برقه منذ استشهاد عقبة بن نافع‪ ،‬ولما وصله أمر التكليف‬
‫من‬
‫قبل الخليفة عبد الملك قبل المهمة وحفز الناس للجهاد في دمشق ومصر فألتحق‬
‫‪ 68‬حسن علي حسن‪ ،‬تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪ ،44‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ 69‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.108‬‬
‫بزهير أعداد كبيرة من المقاتلين بلغ عددهم أكثر من ثمانية آالف مقاتل وتقدم نحو‬
‫البربر وقائدهم كسيله‪ ،‬فحدثت معركة في منطقة ممس أو ممش أختارها كسيله عندما‬
‫سمع بمقدم القائد زهير بن قيس‪ ،‬كانت خطة القائد زهير مبنية على القيام باستطالع‬
‫األرض والعدو قبل اإلشتباك معه إذا كان متحصنا ً بالقيروان بينما كانت خطة كسيله‬
‫ترتكز على عدم قبول المعركة في مدينة القيروان فأختارا منطقة ممش الحصينة‪.70‬‬
‫أتخذ القائد زهير بن قيس الطريق الساحلي الذي سلكه القادة السابقون حتى وصل‬
‫مشارف القيروان وعسكر بجوارها ولم يدخلها ومكث ثالثة أيام ليتمكن من القيام‬
‫باإلستطالع والحصول على المعلومات عن األرض وعن كل ما يتعلق بالعدو‬
‫وأماكن تحشده ثم زحف إلى كسيله فأمر الناس بالنزول ووقفت خيول القوم بعضهم‬
‫إلى بعض طول الليل فلما أصبح صلى ثم زحف عليهم وأقبل كسيله ومن معه‬
‫والتحموا في القتال ونزل الصبر وكثر القتل بين الفريقين حتى يئس الناس من الحياة‬
‫فلم ينزلوا كذلك حتى أنهزم كسيله وقتل بممش ولم يجاوزها‪ ،‬وبمقتل الزعيم البربري‬
‫انهارت المقاومة البربرية‪ 71‬ودخل العرب المسلمين القيروان وثأروا لمقتل القائد‬
‫عقبة بن نافع‪.‬‬

‫نتائج معركة ممش أو ممس‬


‫‪ -1‬تمكن القائد زهير بن البلوي من كسر شوكة البربر وقضى على مقاومتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬تفكيك الحلف المعقود بين الروم والبربر من خالل النجاح في استبعاد الروم‬
‫من المعركة‪.‬‬
‫‪ -3‬عودة القيروان إلى سابق عهدها عامرة بأهلها من العرب المسلمين ومن البربر‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪ -4‬استثمار الفوز والمطاردة للعدو المنسحب لها األثر الكبير في إيقاع الخسائر‬
‫الجسيمة به‪.‬‬
‫‪ -5‬طبق القائد زهير بن البلوي مبدأ التحشد واألمور اإلدارية على أحسن وجه من‬
‫خالل طلبه من الخليفة بإمداده بالمال والرجال‪.‬‬
‫‪ 70‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪ 71‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.105‬‬
‫‪ُ -6‬حسُن توزيع القطعات وتخصيص الخيالة لمطاردة البربر المهاجمين‪.‬‬

‫استشهاد القائد زهير بن البلوي‬


‫لم يبق القائد زهير في القيروان كثيراً حيث قرر العودة إلى مصر وذلك لزهده في‬
‫الدنيا ورغبته عن المناصب ولكن هناك سبب آخر هو وصول أخبار عن تحركات‬
‫األسطول الرومي قرب السواحل في منطقة برقة وخوفه من عزله بصورة مفاجئة‬
‫لوجود خالف بينه وبين والي مصر عبد العزيز بن مروان لذلك عاد ُمسرعا ً إلى‬
‫مصر‪.‬‬
‫نزلت السفن الرومية على ساحل برقة واشتبكت مع حاميتها ولعدم تكافؤ القوات‬
‫تمكن الروم من السيطرة على المدينة فأصابوا منها سبيا ً كثيراً وقتلوا ونهبوا‪.72‬‬
‫ورافق ذلك قدوم القائد زهير بن قيس من القيروان إلى برقه وأخذ طريق الساحل‬
‫مع جماعة قليلة من جيشه وكانوا من أشراف العابدين ورؤوساء العرب المجاهدين‬
‫أكثرهم من التابعين والتحم الفريقان وتكاثرت القوات الرومية فاستشهد القائد زهير‬
‫بن قيس ومن معه من أشراف العرب‪.73‬‬
‫ويمكن لنا التحليل الموجز لهذه المعركة بما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن الحامية المتروكة في برقه لم تكن بدرجة من القوة كي تصد هجوم الروم‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تكافؤ القوتين العربية اإلسالمية في ميدان المعركة‪.‬‬
‫‪ -3‬الجيش اإلسالمي الذي رافق زهير منذ خروجه من القيروان إلى برقه أنهكته‬
‫مسافة الطريق‪.‬‬
‫‪ -4‬عنصر المفاجأة لعب دورا مهما ً في هذه المعركة بحيث لم يتمكن القائد من‬
‫اتخاذ‬
‫القرار األصوب‪.‬‬
‫‪ -5‬عامل الوقت لم يكن في صالح القائد زهير حيث لم يتمكن من إعداد الخطة‬
‫المالئمة‬
‫لمعالجة الموقف‪.‬‬
‫‪ 72‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.109‬‬
‫‪ 73‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.229‬‬
‫‪ -6‬خاض القائد زهير وجماعته معركة غير متوقعة في وقت وزمان غير‬
‫مناسبين‪.‬‬
‫هكذا كانت خاتمة حياة القائد زهير بن قيس البلوي إذ استشهد استشهاد ال يقل‬
‫روعة وال جالالً عن استشهاد القائد عقبة بن نافع‪.74‬‬

‫(محاضرة األسبوع الخامس)‬


‫الفتوحات في عهدي القائدين حسان بن نعمان وموسى بن نصير‬

‫القائد حسان بن النعمان الغساني‬


‫بعد استشهاد القائد زهير بن قيس البلوي أمر الخليفة عبد الملك بن مروان القائد حسان‬
‫بن النعمان الغساني على والية افريقية‪ ،‬وبعد أن استطاع عبد الملك بن مروان من القضاء‬
‫على حركات المعارضةـ في دولته عمل على تجهيز جيش كبير يتولى تحرير بالد المغرب‬

‫‪ 74‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغربن ص‪.239‬‬


‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫وأعطى قيادته حسان بن النعمان الغساني سنة ‪74‬هـ‪ .75‬وقال له الخليفة عبد الملك "أني‬
‫وأعط الناس وأخرج إلى‬
‫ِ‬ ‫أطلقت يدك في أموال مصر فأعط من معك ومن ورد عليك‬
‫أفريقية على بركة هللا وعونه"‪.76‬‬
‫استغل القائد حسان مكوثه في مصر في إعداد الجيش من الناحية العددية‬
‫والتدريبية والتسليحية والتجهيز وإكمال األمور اإلدارية المختلفة وأن تعداد الجيش‬
‫بلغ أربعين ألفاً‪ .‬وقد تحرك القائد حسان من مصر إلى إفريقية سنة ‪74‬هـ‪ .77‬وسلك‬
‫الطريق الساحلي المؤدي إلى إفريقية ونشر أمامه قطاعات االستطالع من الخيالة‬
‫للحصول على المعلومات عن العدو واألرض‪.‬‬
‫وأنضم إليه في الطريق القائد البربري هالل بن ثوران اللواتي‪ .78‬وقد أمر حسان‬
‫بن النعمان على مقدمة جيشه كل من محمد بن أبي بكر وهالل بن ثوران اللواتيـ‪،79‬‬
‫وصل الجيش العربي اإلسالمي القيروان ودخلها وأقام فيها بشكل آمن ال يهدده أحد‬
‫سوى الروم في قرطاجنة خاصة بعد مقتل الزعيم كسيله‪.80‬‬
‫كانت خطة القائد حسان في اقتحام مدينة قرطاجنة تتركز على مهاجمة القوات‬
‫الرومية أمام أسوار المدينة ومن ثم مطاردتها بعد اقتحام المدينة واالستيالء عليها كما‬
‫أن خطة الروم كانت هي تقسيم قواتها على قسمين القسم األول مهمته الدفاع خارج‬
‫أسوار المدينة واالشتباك بجيش القائد حسان وإيقاع أكبر ما يمكن من الخسائر وعدم‬
‫السماح لهذا الجيش من التقرب إلى أسوار المدينة أما القسم الثاني فمهمته الدفاع‬
‫داخل المدينة‪ ،‬وعندما وصل القائد حسان إلى قرطاجنة رأى فيها من الروم ونصارى‬
‫البربر ما ال يحصى عدداً‪ .81‬فقام بمهاجمة القطعات الرومية خارج أسوار المدينة‬
‫والتحم الجيشان في معركة عنيفة وسقطت من الروم أعداد كثيرة بين قتيل وجريح‬
‫مما حدى بهم إلى التقهقر واإلنسحاب داخل المدينة‪.‬‬

‫‪ 75‬الجنابي‪ ،‬تنظيماتـ الجيش في العصر العربي اإلسالمي‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪ 76‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫‪ 77‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.369‬‬
‫‪ 78‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫‪ 79‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪.269‬‬
‫‪ 80‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغربن ص‪.238‬‬
‫‪ 81‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.369‬‬
‫عندما رأى حسان بن النعمان تقهقر القوات الرومية قام بتعقيب العدو المنسحب‬
‫وطوق المدينة المحصنة بعد أن كبدهم خسائر جسيمة‪ ،‬ولما رأى الروم ما حل بهم‬
‫اجتمع رأيهم على الهرب فركبوا مراكبهم وسار بعضهم إلى صقلية وبعضهم إلى‬
‫إسبانيا وبعضهم إلى الحصون القريبة‪ ،‬أما حسان بن النعمان فقد دخل المدينة بالسيف‬
‫وقتل مقاتلة الروم الذين كانوا ال يزالون يقاتلون المسلمين فيها بعد هروب أعداد‬
‫كبيرة منهم وبذلك سقطت قرطاجنة بيد العرب المسلمين‪ .82‬ولم يمكث القائد حسان‬
‫طويالً في المدينة فقرر الرجوع إلى القيروان ولما علم أهل المدينة ذلك عادوا‬
‫ُمسرعين إليها لالعتصام بها وهم في خوف عظيم فاضطر القائد حسان من العودة‬
‫إليها ودخلها عنوة وعمل السيف في رقاب أهلها وقتلهم قتالً ذريعا ً‪ .83‬ثم سار القائد‬
‫حسان إلى المناطق المجاورة التي هرب لها الروم مثل بنزرت وسطفورة وقضى‬
‫على مقاومتهم فيها ثم عاد القائد حسان إلى القيروان إلعادة تنظيم الجيش العربي‬
‫اإلسالمي‪.84‬‬
‫وبعد أن أكمل القائد حسان مرحلة التنظيم لجيشه أصبح مستعداً لجولة ثانية من‬
‫المعارك وخاصة مع البربر الذين كانت تقودهم امرأة تعرف بالكاهنة ألنها كانت‬
‫تخبرهم بأشياء من الغيب وقد اجتمع حولها البربر بعد مقتل زعيمهم كسيله‪.85‬‬
‫كانت الكاهنة تتبع أخبار العرب وتراقب تحركاتهم وهي في مكانها الحصين في‬
‫جبال أوراس ولما سمعت بزحف القائد حسان بن النعمان إليها من القيروان انتقلت‬
‫في جموع ضخمة من منطقة أوراس إلى منطقة باغاية‪ .86‬وقررت االشتباك بجيش‬
‫القائد حسان في هذه المنطقة إال أن القائد حسان لم يتوجه إليها مباشرة وفتح قطعاته‬
‫بمكان آخر مما أجبرها على ترك المنطقة والتوجه للقائه‪ ،‬فسار إليها القائد حسان‬
‫ونزل بوادي العذارى‪ ،87‬ثم توجه إلى منطقة نيني وتقابل الفريقان ودنا بعضهم من‬
‫بعض وتوافقت الخيل فأقتتلوا قتاالً شديداً فعظم البالء بينهم وظن المسلمون أنه الفناء‬

‫‪ 82‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪ .239‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.243‬‬


‫‪ 83‬خطاب‪ ،‬قادة الفتح العرب‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫‪ 84‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.241‬‬
‫‪ 85‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.370‬‬
‫‪ 86‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.244‬‬
‫‪ 87‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.244‬‬
‫وقتل منهم الكثير ولما رأى حسان بن النعمان أن جيشه أصيب بخسائر جسيمة قرر‬
‫اإلنسحاب مجبراً ولكن الكاهنة قررت مالحقته وتمكنت من أسر جماعة كثيرة‬
‫أطلقتهم سوى خالد بن يزيد القيسي‪88‬ويبدوا أن الجيش العربي استهان بالبربر‬
‫وقيادتهم المتمثلة بالمرأة الكاهنة فخسروا المعركة‪.‬‬
‫لما أنسحب القائد حسان بن النعمان من المعركة مع الكاهنة وصل إلى برقه وظل‬
‫فيها‬
‫خمس سنوات يترقب ويتهيأ للمهمة المقبلة وأمده الخليفة عبد الملك بن مروان بجيش‬
‫في أواخر سنة ‪81‬هـ‪.89‬‬
‫تحرك القائد حسان بن النعمان بجيشه فمر بمدينة قابس ففتحها وعين عليها واليا ً‬
‫مسلما ً وعرج بعدها على مدينة قفصة وقسطيلية وتغزواة وفتحها جميعا ً م ألتقى‬
‫الكاهنة بمعركة حاسمة في مكان يُعرف ببثر الكاهنة وانهزم جيش البربر وقتلت‬
‫الكاهنة في المعركة فيذكر بن األثير‪" 90‬وسار حسان نحوها فالتقوا وأقتتلوا واشتد‬
‫القتال وكثر القتلى ثم نصر هللا المسلمين وانهزم البربر وقتلوا قتالً ذريعا ً وقتلت‬
‫الكاهنة"‪.‬‬
‫وبعد انتهاء المعركة أتت جموع البربر إلى القائد حسان بن النعمان وطلبوا األمان‬
‫فأمنهم وشرطوا عليهم أن يكون منهم عسكر مع المسلمين عدتهم أثنا عشر ألفا ً‬
‫يجاهدون العدو فأجابوه إلى ذلك‪ ،‬فأخرجهم من العرب يجولون في إفريقية يقاتلون‬
‫الروم ومن كفر من البربر وحسن إسالم البربر وطاعتهم‪.91‬‬
‫وبعد القضاء على الكاهنة قرر القائد حسان بن النعمان مهاجمة الروم في‬
‫قرطاجنة فهاجمهم فتحصنوا بها فحاصرهم وشدد عليهم الحصار فنشبت معركة‬
‫طاحنة بين الطرفين وأنتصرـ القائد حسان ودخل قرطاجنة‪.92‬‬

‫إصالحات القائد حسان بن النعمان‬

‫‪ 88‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.270‬‬


‫‪ 89‬مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ 90‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.372‬‬
‫‪ 91‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.372‬‬
‫‪ 92‬خطاب‪ ،‬قادة الفتح‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫أصبحت إفريقية يسودها الهدوء فوضع القائد حسان السيف جانبا ً وحصر اهتمامــه‬
‫باألمور اإلدارية والعسكرية من أهمها‪-:‬‬
‫‪ -1‬يعد القائد حسان بن النعمان أول من دون الدواوين في إفريقية واقام لكل وظيفة‬
‫من وظائف الدولة المهمة ديوانا ً فيه الكتبة والرؤوساء والمسؤولين وأقام العمل‬
‫على النواحي اإلدارية من خراج وزكاة وجند‪.‬‬
‫‪ -2‬فرض الجزية والخراج على من أقام على دينه من النصارى‪.‬‬
‫‪ -3‬عين القضاة على النواحي للفصل في المنازعات والخصومات‪.‬‬
‫‪ -4‬أرسل القضاة في أنحاء المغــرب لتعليم الــبربر قواعــد الــدين اإلســالمي واللغــة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ -5‬إنشاء المساجد في المدن والقرى وأقام فيها الوعــاظ لغــرض الفتــوى واإلرشــاد‬
‫في مسائل الدين وإلقامة الصالة فيها‪.‬‬
‫‪ -6‬عمــل على تعليم اللغــة العربيــة للــبربر من خالل إنشــاء المــدارسـ بجــانب كــل‬
‫مسجد‪.‬‬
‫‪ -7‬توزيع األراضي الرومية على الفالحين من أهل البالد‪.‬‬
‫‪ -8‬إعادة بناء القيروان الذي بناها القائد عقبة بن نافع وزاد فيه وحسنها‪.‬‬
‫‪ -9‬توسيع مدينة القيروان وكثر عدد سكانها‪.‬‬
‫‪ -10‬فرض العطاء للمقاتلين من البربر‪.‬‬
‫‪-11‬أقام الحراس في الطرقات واألماكن المهمة لحفظ األمن‪.‬‬
‫‪ -12‬بناء مدينة تونس‪.‬‬
‫‪ -13‬إنشاء قاعدة بحرية متقدمة‪.‬‬
‫‪ -14‬بناء دار لصناعة السفن‪.‬‬
‫‪ -15‬ضرب العملة العربية ألهل إفريقية‪.93‬‬
‫‪ -16‬تجنيد البربر حتى أصبح منهم جيش كبير‪.‬‬

‫عزل القائد حسان بن النعمان‬

‫مؤنس‪ ،‬فتح العرب للمغرب‪ ،‬ص‪ .362‬خطاب‪ ،‬قادة الفتح‪ ،‬ص‪ .212‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.251‬‬ ‫‪93‬‬
‫في سنة ‪85‬هـ ُعزل القائد حسان بن النعمــان من قبــل والي مصــر عبــد العزيــز بن‬
‫مروان على أثر خالفات بينهما فقد كان الوالي عبــد العزيــز يــرغب أن تــدار من قبــل‬
‫أحد رجاله من أجل أن ينفـذ سياسـته الخاصـة بوصـفه أخـا ً للخليفـة وقـد نجح في هـذا‬
‫وأضطر الخليفة أن يوافق على تعيين والي جديد إلفريقية هو موسى بن نصير‪.94‬‬

‫موسى بن نصير‪9‬‬
‫وصل موسى بن نصير إفريقية ودخل القيروان وفيها الوالي الذي عينــه حســان بن‬
‫النعمــان اســمه أب ـا ً صــالحا ً فعزله‪ .95‬ثم بــدأ إلى تنظيم جيشــه للقتــال بالتعبئــة العربيــة‬
‫المعروفة بالميمنة والميسرة وقلب وساقه وعين عياض بن عقبة بن نافع والمغــيرة بن‬
‫أبي بــردة وزرعــة بن أبي شــريك ونجــده بن مفتم وبســر بن أرطــأه ومحمــد بن اوس‬
‫األنصاري وطارق بن زياد وسليمان بن أبي المهاجر وعياش بن أخيل وعبد الرحمن‬
‫بن سلمة وعبد الرحمن بن عوف إضــافة إلى أبنائــه عبــد هللا ومــروان وعبــد العزيــز‬
‫وعبــد الملــك وأبنــاء الشــهيد عقبــة بن نــافع عيــاض وعثمــان وأبــو عبيــدة وموسى‪.96‬‬
‫وتتلخص خطة هـذه التعبئــة بتحريــر المنــاطق الــتي لم تحــرر من قبــل أو الــتي يطلب‬
‫إعادة تحريرها مجدداً وبدأ بالهجوم على البربر في قلعــة زغــوان وزعيمهم ورقطــان‬
‫وكانوا يشكلون خطراً على العرب في القيروان القريبة منها فوجه موســى القائــد عبــد‬
‫الملك الخشيني بخمسمائة فارس فهزمهم وقتل أميرهم وافتتح قلعتهم وأرسل ابنه عبــد‬
‫الرحمن إلى بعض نواحي القيروان فسبي منها الكثير ثم وجه ابنه مــروان إلى منطقــة‬
‫أخرى من إفريقية فسبي مثلها الكثــير‪ ،‬وبــذلك اســتطاع أن يجعــل القــيروان وســاحلها‬
‫آمنة وقاعدة أمينة ينطلق منها وهو مطمئن على خطوط مواصالته‪.97‬‬
‫ثم قرر القائد موسى بن نُصير من إستعادة المغرب األوسط فوجه عيــاش بن أخيــل‬
‫إلى قبيلتي هواره وزناته فقتل منهم جماعة كثيرة وأرغمهم على الصلح وسار موسى‬
‫بنفسه إلى مضارب قبيلة صنهاجة وقتل رجالهــا ثم تحــرك إلى مــا وراء نهــر الملويــة‬
‫منازل قبيلة أوربه وقبيلة كسيله الذي قتلت عقبة بن نافع فتمكن أبناء عقبة بن نافع من‬
‫عبد الواحد ذنون‪ ،‬الفتح واالستقرار العربي اإلسالمي‪ ،‬ص‪.137‬‬ ‫‪94‬‬

‫ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.529‬‬ ‫‪95‬‬

‫سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.255‬‬ ‫‪96‬‬

‫خطاب‪ ،‬قادة الفتح‪ ،‬ص‪.232‬‬ ‫‪97‬‬


‫قتل الكثير من رجالهم ثـأراً لوالـدهم‪ .98‬ثم عـاد القائـد موسـى بن نُصـير إلى القـيروان‬
‫إلعادة تنظيم جيشه وإراحة القطاعـات العسـكرية‪ .‬وأخـذ يتعسـكر بـالمغرب األقصـى‬
‫فوجه ابنه مروان على رأس قـوة من خمسـة آالف مقاتـل إلى السـوس األقصـى‪ ،‬كمـا‬
‫وجه القائد زرعـة بن أبي مـدرك إلى قبيلـة بربـر مصـمودة في أطلس العليـا ونجحت‬
‫الحملتان وحررت تلك المنـاطق وأعتنـق أهلهــا اإلسـالم‪ .99‬ثم تطلــع القائــد موسـى بن‬
‫نُصيرنحو طنجة التي كانت تخضع لألمير يوليان الرومي فلما دنى القائــد موســى من‬
‫مدينــة طنجــة حاصــرها حــتى أفتتحهــا ونزلهــا واستســلم أهلهــا ووضــع فيهــا حاميــة‬
‫للمسلمين أمر عليهم ابنه مروان وطارق بن زياد ولكن مروان أنصرف وخلفه طارق‬
‫بن زياد على الجيش‪.100‬‬
‫وفي سنة ‪86‬هـ عقد القائد موسى بن نُصير عياش بن أخيل على المراكب فأصــاب‬
‫سرقسطة كما أصاب عبد هللا بن مرة سردانية وفتح مدنها في السنة نفسها‪.101‬‬
‫وفي سنة ‪89‬هـ جهز القائد موسى بن نُصير ولــده عبــد هللا فــأفتتح جزيــرة ميروقــة‬
‫ومنروقه وهما جزيرتان في البحر بين صقلية وشبه جزيرة األندلس‪.102‬‬

‫ويمكن إجمال إنجازات القائد موسى بن نُصير باآلتي‪-:‬‬


‫‪ -1‬أنه القائد الوحيد الذي تمكن من تحرير الشمال األفريقي كله‪.‬‬
‫‪ -2‬هو الذي تمكن من األستيالء على طنجة وفتحها وتحويلها إلى رباط عسكري‪.‬‬
‫‪ -3‬تمكن من إسالم بقية البربر من مختلف القبائل‪.‬‬
‫‪ -4‬أشرك مسلمي البربر مع العرب في كل المعارك الالحقة بعد إسالمهم‪.‬‬
‫‪ -5‬أول قائد تطأ قدمه أرض المصامدة بعد القائد عقبة بن نافع‪.‬‬
‫عزل موسى بن نصير‪9‬‬

‫‪ 98‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.256‬‬


‫‪ 99‬سالم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫‪ 100‬خطاب‪ ،‬قادة الفتح‪ ،‬ص‪.236‬‬
‫‪ 101‬سالم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫‪ 102‬خطاب‪ ،‬قادة الفتح‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫صدرت األوامر من مقر الخالفة باستدعاء القائد موسى بن نُصير فترك ابنــه عبــد‬
‫الرحمن في القيروان خلفا ً له وأنطلق صوب المشرق سنة ‪96‬هـ وبــذلك تنتهي أعمــال‬
‫الفتح في المغرب‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص األسباب الرئيسية لتأخر فتح المغرب بالنقاط التالية‪-:‬‬
‫‪ -1‬االضطراب واالختالف الذي يسود التكوين في الشــمال األفــريقي في النــواحي‬
‫السياسية واالجتماعية والطبيعية‪.‬‬
‫‪ -2‬األحداث والفتن التي حصلت في المشرق اإلسالمي شــغلت الخالفــة بمعالجتهــا‬
‫لعمليات الفتح في بالد المغرب‪.‬‬
‫‪ -3‬بُُعد الشمال األفريقي جعل إرســال الحمالت والجيــوش إليــه أمــراً يتطلب العــدة‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫‪ -4‬الخصــومات بين القــادة أنفســهم كــان لــه األثــر في ســير العمليــات العســكرية‬
‫والتأخير‪.‬‬
‫‪ -5‬النزاع بين والة مصر وقادة جيوش التحرير‪.‬‬
‫‪ -6‬تركيز بعض القادة على الناحية المادية وجمع أكبر وأكـثر مـا يمكن من الغنــائم‬
‫والسبي‬
‫‪ -7‬إسـاءة معاملـة بعض القـادة إلى الـبربر أدى إلى تمـردهم ورفـع السـالح بوجـه‬
‫العرب‪.‬‬
‫‪ -8‬عدم وجود األمصار في إفريقية عدا برقه والقيروان فيمــا بعــد أدى إلى ســرعة‬
‫عودة القادة إلى الخلف وترك ما حرروه دون اإلستفادة من هذه المدن‪.‬‬
‫‪ -9‬الوجود الرومي في الشمال األفريقي كان له األثر في تعثر عمليات التحرير‪.‬‬
‫‪ -10‬الطبيعة الجغرافية للمنطقة عموما ً وتنوع التضاريسـ وكثرة السالســل الجبليــة‬
‫والصحارى وقلة المياه عرقلت العمليات الحربية‪.‬‬
‫‪ -11‬الطبيعة البربريــة وشــدة شــجاعتهم في القتــال فأصــبحت المقاومــة ســببا ً آخــر‬
‫التأخير‪.‬‬
‫‪ -12‬الغارات البحريــة الروميــة على الجيش العــربي اإلســالمي إليقــاف تقدمــه في‬
‫الشمال األفريقي أدى إلى تأخير عمليات الفتح‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬

‫(محاضرة األسبوع السادس)‬


‫عصر الوالة في بالد المغرب‬
‫تــولى الــوالة على المغــرب بعــد موســى بن نُصــير ولم يكن الخلفــاء يعينــون والة‬
‫محليين في كل أنحاء البالد حتى يسهل على الوالي العام ضبط األمور بل تــارة كــانوا‬
‫يعينون على المغرب واألندلس واليا ً واحداً‪ ،‬وكــان من أحســن والة بــني أميــة في بالد‬
‫المغرب محمد بن يزيــد القرشــي (‪100-97‬هـــ) الــذي عينــه الخليفــة ســليمان بن عبــد‬
‫الملــك‪ ،‬وأنعمت البالد في عهــده باالســتقرار واألمن‪ ،‬وإســماعيل بن عبيــد هللا بن أبي‬
‫المهاجر الذي عينه الخليفة عمر بن عبد العزيز سنة (‪-100‬ـ ‪102‬هـ) وكانت سياسته‬
‫تهدف إلى نشر اإلسالم باإلقناع والدعوة السلمية‪ .103‬ثم تولى والية المغــرب يزيــد بن‬
‫أبي ُمسلم وكانت توليته على يد الخليفة يزيد بن عبد الملك سنة ‪102‬هــ وأتبــع سياســة‬
‫الشــدة مــع الــبربر فقتلــوه ســنة ‪102‬هــ‪ 104‬ثم اســتعمل بعــده بشــر بن صــفوان (‪-103‬‬
‫‪105‬‬
‫‪109‬هـ) وقد استشهد بحمالته العســكرية على جــزر ســردانية وصــقلية وكورســيكا‬
‫وبعد وفاة بشر سنة ‪109‬هـ عين عبيدة بن عبــد الــرحمن الســلمي واليـا ً على المغــرب‬
‫سنة ‪110‬هـ وكان كفوءاً في إدارته شديداً في سياسته وجهز عــدة حمالت بحريــة إلى‬
‫جزيرة صقلية حققت معظمهـا أهـدافها ثم ُعفي من منصـبه سـنة ‪115‬هــ‪ 106‬وفي سـنة‬
‫‪116‬هـ ُعين عبد هللا بن الحبحاب على المغرب وكان معروفا ً بمؤهالته اإلدارية حيث‬
‫كان واليا ً على مصر وثار عليه في عهده ميســرة المرغــري الــذي قُتــل في عهــد هــذا‬
‫الوالي‪ .‬أستشهد في معركة األشراف ضد قوات البربر القائد خالد بن حــبيب الفهــري‪،‬‬
‫وبعــد أن تفــاقمت األحــداث في بالد المغــرب أعفي عبــد هللا بن الحبحــاب من واليــة‬
‫المغرب و ُعين مكانه كلثوم ابن عياض القريشــي وقــد شــن الــبربر في عهــده غــارات‬
‫كثيرة على السلطة المركزية حتى ُعين الخليفة هشام بن عبد الملك حنظلة بن صفوان‬
‫الذي قضى على ثورات البربر وقام بإصالحات إدارية عديدة وفي عهد واليتــه تمكن‬
‫عبد الرحمن بن حبيب من السيطرة على القــيروان وأصــبح أمــيراً عليهــا مســتقالً عن‬
‫السلطة المركزية التي كانت تقترب من نهايتها‪.107‬‬
‫واستمرت الفوضى في بالد المغــرب من الخــوارج الصــفرية واإلباضــية والــبربر‬
‫إلى عهد الخليفة أبو جعفر المنصورـ الذي أرسل محمد بن األشعث إلخضاعها لكنه لم‬
‫يســتطع ذلــك حيث أعلنت بعض األســر قيــام إمــارات في بالد المغــرب منهــا إمــارة‬
‫الرستميين في تاهرت وهي على المذهب الخارجي واإلمارة المدراريــة الصــفرية في‬
‫سجلماسة‪ ،‬وهذا ما شجع بعض المعارضين للخالفة العباسية من قيــام دويالت عديــدة‬
‫‪ 103‬ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .47‬محمد سعيد ومحمد بشير العامري‪ ،‬تاريخ المغرب واألندلس‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫‪ 104‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪ .288‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.23‬‬
‫‪ 105‬ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.48‬‬
‫‪ ? 106‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح إفريقية واألندلس‪ ،‬ص‪293‬ز‬
‫‪ 107‬محمد سعيد‪ ،‬تاريخ المغرب‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫في البالد مثــل األدارســة في المغــرب األقصــى ومن ثم الفــاطميين في بالد إفريقيــة‬
‫وتونس وسنقتصر الحديث عن أهم هذه الدويالت التي قامت في بالد المغرب‪.‬‬

‫أهم عوامل ظهور اإلمارات والدول المستقلة في المغرب اإلسالمي‬


‫‪ -1‬البعد الجغرافي للمغرب اإلسالمي في شمال أفريقيا عن مقر الخالفة اإلسالمية‬
‫في دمشق ثم في بغداد الحقا ً مما شجع على استقالل الثــوار والمتمــردين عن الخالفــة‬
‫العباسية‪.‬‬
‫‪ -2‬نزعة االستقالل التي تمثلت بالثورات وحركات الخوارج والشيعة في المغــرب‬
‫هي السبب األساسي في ظهور اإلمارات والدول المستقلة‪.‬‬
‫‪ -3‬كثرة وتعدد وتنوع الوالة في المغرب اإلسالمي وقصر فترة واليتهم‪.‬‬
‫‪ -4‬ضعف الخالفة األموية في أواخــر عهــدها ثم ســقوطها ســنة ‪132‬هــ ثم ظهــور‬
‫الدولة العباسية ووصلوا خلفاء حسب مبــدأ الوراثــة في العصــر العباســي الثــاني غــير‬
‫قادرين على إدارة اإلمبراطورية اإلسالمية المترامية األطراف‪.‬‬
‫‪ -5‬نظــراً إلتســاع اإلمبراطوريــة العربيــة اإلســالمية من حــدود الصــين شــرقا ً إلى‬
‫المحيط األطلسي غربا ً حيث تم منح االستقالل الذاتي لألغالبة بضمانات ماليــة ولمنــع‬
‫توسع األدارسة إألى بقية المغرب اإلسالمي لتكون سداً أمام بقيــة اإلمــارات المســتقلة‬
‫مثل الرستمية والمدرارية الخوارج‪.‬‬
‫‪ -6‬الطبيعة الجغرافية للمغرب اإلسالمي من كثرة الجبال الوعرة شجع الثوار على‬
‫التمرد واإللتجاء إليها‪.‬‬
‫اإلمارات والدول المستقلة في المغرب اإلسالمي‬
‫العالقة مع األندلس‬ ‫العاصمة‬ ‫اإلقليم (البلد)‬ ‫الفترة الزمنية‬ ‫اإلمارة أو الدولة‬
‫مد وجزرـ‬ ‫فاس‬ ‫المغرب األقصى (المغرب)‬ ‫‪172-375‬هـ‬ ‫األدارسة‬ ‫‪1‬‬
‫مد وجزرـ‬ ‫القيروان‬ ‫المغرب األدنى (تونس)‬ ‫‪184-296‬هـ‬ ‫األغالبة‬ ‫‪2‬‬
‫عداء مستمرـ‬ ‫المهدية‬ ‫المغرب األدنى (تونس)‬ ‫‪296-362‬هـ‬ ‫الفاطمية‬ ‫‪3‬‬
‫األندلسة والية مرابطية‬ ‫مراكش‬ ‫المغرب األقصى (المغرب)‬ ‫‪448-541‬هـ‬ ‫المرابطية‬ ‫‪4‬‬
‫األندلس والية موحدية‬ ‫مراكش‬ ‫المغرب األقصى (المغرب)‬ ‫‪541-668‬هـ‬ ‫الموحدية‬ ‫‪5‬‬
‫المهدية وتونس عالقات جيدة‬ ‫المغرب األدنى (تونس)‬ ‫‪625-982‬هـ‬ ‫الحفصية‬ ‫‪6‬‬
‫تلمسان‬ ‫المغرب األوسط (الجزائر)‬ ‫‪633-962‬هـ‬ ‫بنو عبد الدار‬ ‫‪7‬‬
‫تاهرت‬ ‫المغرب األوسط (الجزائر)‬ ‫‪160-296‬هـ‬ ‫الرستمية‬ ‫‪8‬‬
‫عالقات جيدة‬ ‫فاس‬ ‫المغرب األقصى (المغرب)‬ ‫‪592-869‬هـ‬ ‫المرينية‬ ‫‪9‬‬
‫اشير‬ ‫المغرب األوسط (الجزائر)‬ ‫‪361-547‬هـ‬ ‫الصنهاجية‬ ‫‪10‬‬

‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬

‫االسبوع السابع‪ :‬امتحان الشهر االول‬


‫(محاضرة األسبوع الثامن)‬
‫دولة األدارسة (‪375 -172‬هـ)‬
‫ينتسب األدارسة إلى إدريس بن عبد هللا المحض بن الحســن المثــنى بن الحســن بن‬
‫علي بن أبي طــالب (عليهم الســالم)‪ ،‬الــذي فــر من واقعــة فخ بــالقرب من مكــة ســنة‬
‫‪169‬هـ بصحبة مواله راشد باتجاه بالد المغــرب بمســاعدة من واضــح صــاحب بريــد‬
‫مصر‪ ،‬حيث استقر به المقام في مدينة ولبلي بالمغرب األقصى عند إسحاق بن محمــد‬
‫بن عبــد الحميــد رئيس قبيلــة أوربــة المغربية‪ .108‬وقــد نــال مســاعدة هــذه القبيلــة ســنة‬
‫ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .76‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.528‬‬ ‫‪108‬‬
‫‪172‬هـ ـ في زحفــه إلى منطقــة تامســنا لمحاربــة البرغواطــيينـ وزعيمهم صــالح ابن‬
‫طريف وهي قبيلة مشهورة في بالد المغرب من قبائــل المصــامدة‪ ،109‬ونشــر اإلســالم‬
‫بين بعض القبائل التي كانت تدين بالنصرانية واليهودية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪172‬هـ انتهى إلى تلمسان حيث بايعه أميرها محمد بن حـرز وأســس بهــا‬
‫مسجداً كان قائما ً إلى أيام ابن خلدون (ت‪808‬هـ)‪ ،‬لكن يد الخليفة هارون الرشــيد بعــد‬
‫أن فشل قائده روح بن حاتم في غزوه لمناطق النفوذ اإلدريسي نال من إدريس األول‬
‫بواسطة سليمان بن جرير الشماخ الذي اســتطاع التســلل إلى حاشــيته ودس الســم إليــه‬
‫في غياب مواله راشد وذلك سنة ‪177‬هـ ونال بذلك مكافأة الرشيد له بأن عينــه عــامالً‬
‫على بريد مصر‪.110‬‬
‫ترك إدريس األول خلفه جنينا ً في بطن زوجته كنزه الذي ســمته بعــد والدتــه بأســم‬
‫إدريس بن إدريس وتربى تحت رعاية راشد مواله حتى بويع سنة ‪188‬هـ السنة الــتي‬
‫قتل فيها راشد من قبل مؤامرة دبرها إبراهيم بن األغلب‪.111‬‬
‫وأقبلت عليــه القبائــل المغربيــة للمبايعــة ومنهــا قبيلــة زناتــه وأوربــه وصــنهاجة‬
‫وغمارة‪ ،‬وكــان أوفــر حظـا ً عنــدهم من الخــوارج اإلباضــية أو الصــفرية ألنــه من آل‬
‫البيت الرسول (ص) من ابنتــه فاطمــة الزهــراء(ع)‪ ،‬وقــد ورثــوا علم النبــوة فأســتمالهم‬
‫وكسبوا عطفهم‪ 112‬فساعده كل ذلك على إستكمال قوته العسكرية بتعبئة جيشه وإعداده‬
‫وعلى توطيد حكمه وإستتباب األمن في بالده لذلك تميز عهده بالخصائص التالية‪-:‬‬
‫‪ -1‬أنه أتخذ العرب الوافدين عليه بطانه له فعين عمير بن مصعب األردي الملقب‬
‫بـــالملجوم وزيــراً لــه وعبيــد هللا بن مالــك المخــزومي كاتب ـا ً وعــامراً القيســي‬
‫قاضيا ً‪.113‬‬
‫‪ -2‬صــالح األمــير إبــراهيم بن األغلب وطلب منــه أن يخلي بينــه وبين المغــرب‪،‬‬
‫فأستجاب أبن األغلب لطلبه وتركه وشأنه بعد أن أدرك أن األدارسة قد أسهموا‬
‫إســهاما ً فعــاالً في خدمــة العــالم اإلســالمي من حيث أنهم ثبتــوا أفــراد القبائــل‬
‫المغربية المحلية على اإلسالم‪.114‬‬

‫ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.60‬‬ ‫‪109‬‬

‫ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.10‬‬ ‫‪110‬‬

‫الناصري‪ ،‬االستقصار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.11‬‬ ‫‪111‬‬

‫سوادي عبد محمد‪ ،‬دراسات في تاريخ المغرب‪( ،‬بغداد‪ ،)1988 ،‬ص‪.192‬‬ ‫‪112‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.9‬‬ ‫‪113‬‬

‫سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.552‬‬ ‫‪114‬‬


‫‪ -3‬ظلت قبيلة أوربه مخلصة ووفية لألدارسة على الرغم من ميل زعيمها إســحاق‬
‫بن محمد األوربي إلى األغالبة وتآمره معهم ضد إدريس الثاني‪ ،‬لذلك نــرى أن‬
‫محمد بن إدريس صاحب منطقة الريف قد التجأ هو إلى هــذه القبيلــة بعــد ثــورة‬
‫عبد الرزاق الخارجي الصفري بناحية فاس‪.115‬‬
‫‪ -4‬حارب الصفرية الخوارج بالمغرب وقضى عليهم‪.116‬‬
‫‪ -5‬بناء مدينة فاس بعد أن ضـاقت مدينــة وليلي بالسـكان عــزم إدريس الثــاني على‬
‫اإلنتقال إلى مدينة جديدة يؤسسها ويسكنها هو وخاصته من قوتــه‪ ،‬وفي ســنة ‪ 192‬هـ‬
‫شرع ببناء مدينة فاس التي اشتقت أسمها من مصـادر مختلفـة فقيـل أن إدريس الثـاني‬
‫أبتدأ بحفر األساس بفاس ذهبية فسُميت المدينة وقيل أنه وجــد في الحفــيره فاسـا ً أثريـا ً‬
‫كبيراً من الذهب‪ ،‬وقيل أن مدينة قديمة كانت تقوم في هذا الموضع أندثرت قبل مئــات‬
‫فسـميت المدينـة على هـذا األسـم مقلوبـا ً‪ ،117‬ولمـا أتم بناءهـا أمـر‬
‫السنين أسمها ساف ُ‬
‫الناس باألنتقال إليها وأنزل الوافدين عليه من األندلس بالعدوة الشــرقية والــتي ُس ـميت‬
‫وس ـميت بعــدوة القــرويين‬
‫بعدوة األندلس والوافدين عليه من القيروان بالعدوة الغربية ُ‬
‫ويفصل بينهما نهر عظيم‪.118‬‬
‫توفي إدريس في سنة ‪213‬هـ مخلفا ً بعد أثني عشر ولداً ذكراً وقد عهــد بــأمر البالد‬
‫إلى ابنه األكبر محمد‪ ،‬وهم أحمد وعبيد هللا وعيسى وإدريس وجعفــر وحمــزة ويحــيى‬
‫وعبد هللا والقاسم وداود وعمر‪ 119‬وقــد قســم محمــد إدارة الدولــة بين أخوتــه ولم تشــهد‬
‫البالد في عهد محمد وأخوته االستقرر قد توفي سنة ‪221‬هــ وخلفـه ابنـه يحـيى الـذي‬
‫شهدت البالد في عهده االستقرار واإلزدهار االقتصــادي‪ ،‬غــير أن أعلى بــني إدريس‬
‫ملكا ً وأعظمهم سلطانا ً هو يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس الذي كان فقيها ً عالمــا ً‬
‫والتي تعرضت الدولة في عهده إلى خطر الفاطميين سنة ‪296‬هـ‪ ،‬وأنهزم جيشه أمــام‬
‫جيش الفاطميين ولكن بعد ثالثــة أشــهر تمكن الحســن بن محمــد بن القاســم بن إدريس‬
‫المعـــروف بالحجـــام من الســـيطرة على فـــاس وحكمهـــا لمـــدة ثالث ســـنوات‪ ،‬ولكن‬

‫‪ 115‬إبراهيم حركات‪ ،‬المغرب عبر التاريخ‪( ،‬فاس‪ ،)1985 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.103‬‬


‫‪ ? 116‬ابن االبار‪ ،‬الحلة السيراء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬
‫‪ 117‬سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.553‬‬
‫‪ 118‬سالم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ . 553‬ومزيد من المعلومات عن دولة األدارسة وتاريخ بناء مدينة فاس‪ ،‬الكبيسي‪ ،‬جمال نواف‪ ،‬دولة‬
‫األدارسة في المغرب األقصى‪ ،‬رسالة ماجستير‪ /‬كلية اآلداب‪ /‬جامعة بغداد ‪.1993‬‬
‫‪ 119‬ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.211‬‬
‫الفاطميين بقيادة موسى بن أبي العاقبــة قضــى عليــه ونفى األدارســة إلى حجــر النســر‬
‫وهي مدينة صغيرة في المغرب األقصى‪.120‬‬

‫(محاضرة األسبوع التاسع)‬


‫دولة األغالبة (‪296-184‬هـ)‬
‫ينتسب األغالبة إلى األغلب بن سالم بن عقال بن خفاجــة التميمي‪ 121‬ومؤســس هــذه‬
‫الدولــة إبــراهيم ابن األغلب الــذي واله هــارون الرشــيد واليــة القــيروان ســنة ‪184‬هـ‬
‫فضال عن والية الـزاب الـتي نالهـا من هرثمـه ابن أعين سـنة ‪179‬هــ وبـذلك أصـبح‬
‫إبراهيم بن األغلب والي أفريقيا كلها‪ 122‬وربما يعزو الباحثين إلى قيام هــذه الدولــة في‬
‫إفريقية إلى إقتناع الخليفة هارون الرشيد بأن إنفصال المغرب بات وشـيكا ً عن مركـز‬
‫الخالفة فليس أمامه إال ما يترتب عليه اســتمرار النفــوذ واالســتمرار أو اســترداده من‬

‫ابن عذاري‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.214‬‬ ‫‪120‬‬

‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬

‫ابن حزم‪ ،‬جهرة أنساب العرب‪( ،‬القاهرة‪ ،)1962 ،‬ص‪.221‬‬ ‫‪121‬‬

‫ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.155‬‬ ‫‪122‬‬


‫األجزاء التي أنسلخت عنه‪ .123‬ويبدو هناك أغراض أخرى من نشــوء هــذه الدولــة من‬
‫قبل الخالفة العباسية وهي‪-:‬‬
‫‪ -1‬الضمانات المالية واستمرار تدفق اإليرادات على بيت المال‪.‬‬
‫‪ -2‬منع األدارسة من سياسة التوسع أو الحد منها على األقل والحيلولة دون تسرب‬
‫نفوذ األدارسة ودعواتهم سواء إلى فصل بالد المغرب عن العالم اإلسالمي وهــو مــا‬
‫يراه الخليفة أو إلى سعي األدارسة إلى توحيد المغرب والمشرق تحت قيادتهم‪.124‬‬
‫وقد اتخذ من القــيروان عاصــمة لدولتــه ثم قــام إبــراهيم بن األغلب بتأســيس مدينــة‬
‫جديد سماها المدينة العباسية‪ ،‬وقد اتخذ منها مقــراً حصــينا ً لــه ولحاشــيته فأســكن فيهــا‬
‫خمسة آالف من حرسه الخاص وقد اشتهر أبن األغلب بمحاربتـه الخــوارج الصـفرية‬
‫والمدرارية وخاصة الذين كانوا يقيمون بالقيروان‪.‬‬
‫ومن أبرز األمــراء األغالبــة بعــد إبــراهيم بن األغلب هــو أبــو العبــاس عبــد هللا بن‬
‫إبراهيم الذي حكم (‪201-196‬هـ) الذي أتسم عهده بالهدوء واالســتقرار وكــان شــديداً‬
‫مع رعيته جامعا ً للمال من الناس بالتعسف والجور‪ .125‬وزيادة هللا األول بن إبراهيم (‪2‬‬
‫‪223-01‬هـ) وكان من أفضــل األمــراء األغالبــة فــأبتنى القصــور ومراكــز ثقافيــة في‬
‫القيروان والعباسية وتونس وسوسة وأسس نواة األسطول العــربي اإلســالمي المــزود‬
‫بالسفن الحربية والقوات العسكرية ألن سياســته كــانت تهــدف إلى توســيع نفــوذهم في‬
‫حوض البحر المتوسط‪ ،‬فقد قام بسلسلة من الحمالت العسكرية البحرية‪.126‬‬
‫وحكم بعد زيادة هللا األول عدد من األمراء تمــيزت عهــودهم باالســتقرار والهــدوء‬
‫ومن دالئل القوة والنفوذ التي تمتع بهـا هـؤالء األمـراء هيمنتهم البحريــة على صـقلية‬
‫وجزر البحر المتوسط وبناؤهم المدن منها مدينة العباسية سنة ‪227‬هـــ‪ ،‬وقيــام األمــير‬
‫إبراهيم بن أحمد (‪289-261‬هـ) بإنشاء مدينة رقادة سنة ‪262‬هـ‪ 127‬ومن أشهر هؤالء‬
‫األمراء بعــد زيــادة هللا األول‪ ،‬هم أبــو عقـال األغلب بن إبــراهيم وأبـو العبـاس محمـد‬
‫األول وأبو إبراهيم أحمد بن محمد وأبو الغرانيق زيادة هللا الثاني وإبــراهيم الثــاني بن‬

‫سالم‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ص‪.553‬‬ ‫‪123‬‬

‫سوادي عبد محمد‪ ،‬دراسات في تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪124‬‬

‫ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.95‬‬ ‫‪125‬‬

‫ابن األبار‪ ،‬الحلة السيراء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .81‬ابن عذاري‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.103‬‬ ‫‪126‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.431‬‬ ‫‪127‬‬


‫محمد وأبو العباس عبــد هللا الثــاني وأبــو مضــر زيــادة هللا الثــالث الــذي ســقطت دولــة‬
‫األغالبة في عهده على يد الفاطميين سنة ‪296‬هـ‪.‬‬

‫جهود األغالبة في فتح صقلية‬


‫قام زيادة هللا األول بسلسلة من الحمالت البحريــة على جــزر البحــر المتوســط فقــد‬
‫جهز حملة على جزيرة سردانية سنة ‪201‬هـ وعلى جزيــرة صــقلية ســنة ‪204‬هـــ‪ ،‬ثم‬
‫أعقبتها حمالت عديدة وفي سنة ‪212‬هـ جهز حملة بحرية ضخمة لفتح جزيرة صقلية‬
‫وذلك لتكون معبراً لهم إلى أوروبا لمواصلة عمليات نشر اإلسالم واختــار على قيــادة‬
‫الحملة أسد بن الفرات ودارت بين الجانبين اإلسالمي والرومي معركــة ُعــرفت باســم‬
‫معركة مرج بالط نسبة إلى القائد الرومي بالطه ونتيجة الستبســال الجيش اإلســالمي‬
‫وقائدهم أسد بن الفرات أنهزم الروم وقتل قائدهم بالطه وذلك في ‪ 17‬ربيع الثاني سنة‬
‫‪212‬هـ‪ .128‬أما ميناء سرقوصة فقد فتح عنوة من قبــل القائــد العــربي جعفــر بن محمــد‬
‫سنة ‪264‬هـ‪.129‬‬

‫نهاية األغالبة‬
‫دب الصراع بين األمراء األغالبة المتــأخرين فضـالً عن قــدوم الفــاطميين إلى بالد‬
‫المغرب وفي السنة التي وضــع فيهــا الفــاطميون نهايــة الحكم األغالبــة حيث لم يقــوى‬
‫زيـادة هللا الثـالث على الصـمود في وجـه جيش الـداعي أبـو عبـد هللا الشـيعي فأخـذت‬
‫المدن تسقط واحدة بعد األخرى وأمام هذا التقدم للجيش الفاطمي قرر زيادة هللا الثالث‬
‫الهروب إلى مصر تاركا ً دولته للزحف الفاطمي إذ أسدل عليها الستار سنة ‪296‬هـ‪.‬‬
‫كما قامت إمارات صغيرة في المغرب األوسط كإمارة بني رســتم الخارجيــة نســبة‬
‫إلى عبد الرحمن بن رستم وهي دولة على المذهب الخارجي األباضي نســبة إلى عبــد‬
‫هللا بن أبــاض وكــانت دولــة مدينــة‪ .‬واإلمــارة األخــرى اإلمــارة الصــفرية في مدينــة‬
‫سلجماسة أسسها اليسع بن مدرار وسقطت هذه اإلمارات على يد الدولة الفاطمية ســنة‬
‫‪296‬هـ‪.‬‬
‫خليل السامرائي وآخرون‪ ،‬تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪.229‬‬ ‫‪128‬‬

‫م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.235‬‬ ‫‪129‬‬


‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬

‫(محاضرة األسبوع العاشر)‬


‫الدولة الفاطمية في بالد المغرب (‪362-296‬هـ)‬
‫ترجع أصول هــذه الدولــة إلى عبيــد هللا المهــدي بن ســعيد بن محمــد الحــبيب الــذي‬
‫يرجــع نســبه إلى إســماعيل بن جعفــر الصــادق (عليــه الســالم) وهــو آخــر األئمــة‬
‫المستورين لدى اإلسماعيلية‪ .130‬أما مراحل نشوء هــذه الدولــة فتبــدأ بإرســال داعيــتين‬
‫من مقرهم في سلميه في بالد الشام بين حمص وحماه إلى بالد المغرب وهما عبــد هللا‬
‫بن علي بن أحمد المعروف بالحلواني وأبو سفيان الحسن بن القاســم إلســتمالة الــبربر‬
‫لدعوتهم بستر وحذر فأستطاع هذان الداعيتان أن يكســبا أنصــاراً في مــدن عديــدة من‬

‫‪ 130‬النعمان‪ ،‬القاضي‪ ،‬المجالس والمسايرات‪ ،‬المطبعة األميرية‪( ،‬القاهرة‪ )1974 ،‬ص‪ .11‬المقريزي‪ ،‬إتعاظ الحنفاء في أخبار األئمة‬
‫الفاطميين الخلفاء‪( ،،‬بيروت ‪ ،)1982‬ص‪ .39‬فرات محمد ميران‪ ،‬قياد الدولة الفاطمية في بالد المغرب‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪،‬‬
‫كلية التربية‪ ،‬الجامعة المستنصرية‪ ،2008 ،‬ص‪.65‬‬
‫المغرب األدنى كتامة ونفطه ومجانه وسبيبة وباغاية‪ ،‬كما ســاعدهم في نشــر دعــوتهم‬
‫أبناء عمومتهم األدارسة في المغرب األقصــى‪ ،‬وبعــد وفــاة الــداعيتين أرســل عبــد هللا‬
‫المهــدي الداعيــة الحســين بن أحمــد ابن محمــد ابن زكريــا الــذي يكــنى بــأبي عبيــد هللا‬
‫الشــيعي وكــانت لــه ألقــاب عــدة منهــا الصــنعاني والمحتســب والمعلم والصــوفي‬
‫واألحوازي‪ 131‬إلى بالد المغرب ليقود دعوتهم هناك ويقول ابن عذاري‪ 132‬أن أبا عبــد‬
‫هللا التقى بعشرة من زعماء قبيلــة كتامــة في الحجــاز وأســتمالهم لدعوتــه وأتفــق معهم‬
‫على الرحيــل إلى بالد المغــرب ليعــبئ كتامــة وبقيــة القبائــل البربريــة األخــرى مثــل‬
‫عجيسة وزوارة وتكون قوة تسـتطيع أن تثبت أقـدامها في هـذه البالد النائيـة عن نفـوذ‬
‫العباسيين‪.‬‬
‫وأستطاع أبو عبد هللا الشيعي أن يوحد صفوف قبيلــة كتامــة وكــان يقــول لهم أنــا ال‬
‫أدعوكم لنفسي وإنما أدعوكم لطاعــة اإلمــام المعصــوم من أهــل الــبيت‪ ،‬وجمــع حولــه‬
‫أعوان كثــيرة ليجابــه بهــا قــوة األغالبــة في إفريقيــة وهــزمهم في موقعــة كينونــة ســنة‬
‫‪289‬هـ مما سهل عليـه إجتيـاح مـدن األغالبـة كالسـطيف وباغايـة وقرطاجنـة وتبسـه‬
‫والقصرين وقسنطينة وقفصه واألربس ومدينة رقادة ثم زحف نحو القيروان‪.133‬‬
‫وبعد أن مهــد أبــو عبــد هللا الشــيعي األمــور في المغــرب األدنى كتب إلى عبيــد هللا‬
‫المهــدي يحثــه على القــدوم إلى هــذه البالد وقــد رحــل عبيــد هللا المهــدي إلى مدينــة‬
‫سجلماسة عاصـمة المـدراريين في المغـرب األقصـى حيث أكرمـه أميرهـا اليسـع بن‬
‫مدرار‪ 134‬ثم ضيق عليه وسجنه بإشارة من الخليفة المعتضــد العباســي‪ ،‬لكن أبــو عبــد‬
‫هللا الشيعي إستطاع أن يحرره من سجنه بعد أن ألحق هزيمة بأمير سجلماسة‪ ،‬وبعدها‬
‫توجه أبو عبيد هللا المهدي سنة ‪296‬هـ إلى مدينـة رقـادة في تــونس وأعلن هنــاك قيـام‬
‫الدولة الفاطمية في بالد المغرب وقد أتخذ عدة إجراءات مهمة هي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أتخذ لقب المهدي (أمير المؤمنين)‪.‬‬

‫‪ 131‬القاضي‪ ،‬النعمان‪ ،‬المجالس والمسايرات‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫‪ 132‬ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.110‬‬
‫‪ 133‬سوادي عبد محمد‪ ،‬دراسات في تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ 134‬ابن خلدون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ .70‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.14‬‬
‫‪ -2‬أعتمد على وجوه جديــدة بإسـناد مناصـب جديـدة لهم في الدولـة مثالً اإلشــراف‬
‫على بيت المال وقضاء رقادة وديوان الكتابة وديوان الخراج والحجابة‪.‬‬
‫‪ -3‬إثبات الموالي وأبناء الفاطميين في ديوان العطاء‪.‬‬
‫‪ -4‬ضرب السكة بأسمه‪.135‬‬
‫إال أن أهم إجــراء أتخــذه عبيــد هللا المهــدي هــو تصــفية أبي عبــد هللا الشــيعي قائــده‬
‫ومؤسس دولته فقد عمل على تجريده من سلطاته وإبعــاد رجالــه عنــه بالقضــاء عليهم‬
‫تدريجيا ً ثم اإلجهاز عليه وإغتياله‪ .136‬ويبدو أن األسباب الــتي دعت عبيــد هللا المهــدي‬
‫التخلص من قائده وأخلص رجاله هي ما يشير إليها ابن خلدون‪ 137‬هي بإتفاق عبــد هللا‬
‫الشيعي وأخيه أحمد أبي العباس على تحريض قبيلة كتامه وقبائل البربر ضد عبيد هللا‬
‫المهــدي والطعن في خالفتــه ســراً ودعــوة النــاس إلى خلعــه والقــول أنــه ليس اإلمــام‬
‫المعصوم فقال فيه المهدي أنه مفسد للهيبة‪.‬‬
‫وقد أثار مقتل عبد هللا الشيعي وأخيه مشكالت بوجه الفــاطميين وحــدثت مــؤامرات‬
‫إلغتيال عبيد هللا المهدي وثارت بعض المدن على هذا اإلجراء‪.138‬‬
‫وبعد أن استقرت األمور لعبيـد هللا المهــدي فكــر في بنـاء عاصــمة جديــدة لـه وهي‬
‫مدينة المهدية فقد أبتدأ ببنائها سنة ‪300‬هـ وأستكمل بناءها سنة ‪305‬هـ ثم أنتقل إليهــا‬
‫سنة ‪308‬هـ وقـال عندئــذ "اليــوم أمنت على الفـواطم"‪ 139‬كمـا أقـام بهـا دار الصــناعة‬
‫للسفن‪ .140‬وخلف عبيد هللا المهدي أبنه القائم ابو القاسم محمد ثم المنصــور أبــو طــاهر‬
‫إسماعيل وأخيراً المعز أبو تميم معد الذي أنتقلت الدولة الفاطمية في زمانه إلى مصر‬
‫سنة ‪362‬هـ تاركين المغرب بيد أحد وكالئهم بلكين بن زيري الصنهاجي‪.‬‬

‫‪ 135‬ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.158‬‬


‫‪ 136‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪ 137‬العبر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.76‬‬
‫‪ 138‬ابن عذاري‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.167‬‬
‫‪ 139‬ابن خلدون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.80‬‬
‫‪ 140‬ابن عذاري‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪4‬ن ص‪.207‬‬
‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫(محاضرة األسبوع الحادي عشر)‬
‫دولة المرابطين (‪448‬هـ ‪541 -‬هـ)‬
‫ينتسب المرابطون إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون صنهاجة التي تضم نحــو الســبعين‬
‫قبيلة‪141‬ويكاد يتفق المؤرخون على أن صــنهاجة قبيلــة عربيــة من حمــير كــانت اليمن‬
‫موطنها األصلي‪ ،‬ومن ثم استقر بها الحال قبل الفتح العربي اإلســالمي في الصــحراء‬
‫ما بين جنوبي المغرب والسودان‪.142‬‬
‫وقد أمتازت حياتهم بالخشونة‪ ،‬فهم ال يعرفون الحراثة والثمار ويعتمدون في قوتهم‬
‫على لحم اإلبل ولبنها‪ ،‬وفي ذلك يقول صاحب اإلستبصار‪" 143‬وإنمــا األغنــام الكثــيرة‬
‫فيعيشــون من لبنهــا ولحمهــا منهم يجففــون اللحم ويطحنونــه ويصــبون عليــه الشــحم‬
‫المذاب والسمن ويأكلونه ويشربون اللبن وقد غنوا به عن المــاء فيبقى الرجــل منهم ال‬
‫يشرب الماء وال يأكل الخبز وال يعرفونه وصحتهم من ذلك متمكنة"‪.‬‬
‫وقد عرفوا في بادئ األم بالملثمين إلرتدائهم اللثام‪ ،144‬وقــد أختلــف المؤرخــون في‬
‫سبب إرتدائهم اللثام‪ ،‬فمنهم من يرى أن سبب تلثمهم يرجع إلى كونهم آمنوا بالرســول‬
‫(ص) وكان عددهم قليل فتعرضوا إلى المضـايقة من قبــل أهـل الكفــر فتلثمــوا وفـروا‬
‫بأنفسهم من اليمن إلى المغرب وصار اللثام زيا ً لهم‪.145‬‬
‫ويرى البعض أن سبب إرتدائهم اللثام يرجع إلى معتقدات آمنوا بها وفي ذلك يقــول‬
‫أبن حوقل‪" 146‬وهم يتلثمـــون وهم أطفـــال يزعمـــون أن الفم ســـواءة تســـتحق الســـتر‬
‫كالعورة"‪.‬‬
‫ومنهم من يــرى أنهم أخــذوا اللثــام عن زنــوج إفريقيــة المجــاورين لهم والــذين‬
‫استخدموا األقنعة لدفع العين الشريرة عنهم‪.147‬‬

‫‪ 141‬ابن أبي زرع‪ ،‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪.120‬‬


‫‪ 142‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.618‬‬
‫‪ 143‬مجهول‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫‪ 144‬محمد األمين‪ ،‬ومحمد علي‪ ،‬المفيد في تاريخ المغرب‪ ،‬دار الكتاب‪( ،‬المغرب‪ ،‬د‪-‬ت)‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ 145‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن عبد هللا‪ ،‬تاريخ السودان‪ ،‬مطبعة بريدن‪( ،‬باريس‪ ،)1981 ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ 146‬ابن حوقل‪ ،‬أبو القاسم النصيبي‪ ،‬صورة األرض‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪( ،‬بيروت‪ ،)1992 ،‬ص‪.102‬‬
‫‪ 147‬البكري‪ ،‬أبو عبيد هللا بن عبد العزيز‪ ،‬المغرب في ذكر بالد إفريقية والمغرب‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬د‪-‬ت)‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫وهناك رواية تذكر أن اللمتونين أغاروا على عدو لهم فخالفهم إلى ديارهم ولم يكن‬
‫فيها سوى الشيوخ والنساء واألطفال فأمر الشيوخ النساء بأن يرتدون مالبس الرجــال‬
‫ويتلثمن‪ ،‬ففر العدو وهكذا أتخذ اللثام زيا ً لهم‪.148‬‬

‫أما سبب تسميتهم بالمرابطين فيرجع كونهم لزموا رابطة الشيخ عبــد هللا بن ياسـين‬
‫الجزولي‪ ،149‬الذي أخذ يفقههم فيها ويحثهم على الجهاد وسماهم المرابطين‪.150‬‬
‫وعلى ما يبدو أن كلمة مرابط أصبحت فيما بعد لقب عســكري يمنحــه كــل ســلطان‬
‫مرابطي ألتباعه‪ ،‬فعندما ملك األمير يوسف بن تاشفين األندلس تسمى هــو وأصــحابه‬
‫بالمرابطين ومن بعد أبنه األمير علي بن يوســف الــذي تلقب بــأمير المؤمــنين وســمى‬
‫أصحابه بالمرابطين‪.151‬‬
‫وتعد أولية المرابطين إلى يحيى بن إبراهيم الجدالي أمير جدالــة الــذي توجــه ألداء‬
‫فريضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫الحج سنة ‪427‬هـ وفي طريــق العــودة مــر بــالقيروان وحضــر بهــا مجلس الفقيــه أبــو‬
‫عمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــران‬
‫الفاسي شيخ المذهب المـالكي فسـأله عن قومـه‪ ،‬فأجابـه بـأنهم قـوم جهالء ال يعرفـون‬
‫أمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــور‬
‫الدين منقطعون في الصحراء ال يصل إلى بالدهم ســوى التجــار وطلب منــه أن يبعث‬
‫معه أحد تالميذ يفقههم في أمور الدين‪.152‬‬
‫أراد الشيخ أبو عمران إرسال أحد تالميذه مع يحيى بن إبراهيم إال أنه لم يقــدم أحـد‬
‫من تالميذه للقيام بهذه المهمة والســبب يرجــع إلى بُعــد المســافة وصــعوبة المهمــة لــذا‬
‫وجه الفقيه أبو عمـران الفاسـي األمــير يحــيى بن إبــراهيم إلى أحـد تالميــذه في مدينــة‬

‫‪ 148‬مجهول‪ ،‬الحلل الموشية في ذكر األخبار المراكشية‪ ،‬تحقيق‪ ،‬سهيل زكار وعبد القادر زمامة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1979 ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ 149‬الناصري‪ ،‬االستقصا‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.8‬‬
‫‪ 150‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.620‬‬
‫‪ 151‬المراكشي‪ ،‬المعجب‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫‪ 152‬ابن ابي زرع‪ ،‬روض القرطاس‪ ،‬ص‪-121‬ص‪.122‬‬
‫نفيس يدعى وجاج بن زلوا اللمطي وطلب منه أن يبعث أحد تالميذه مع األمير يحــيى‬
‫بن إبراهيم‪ ،‬فأرسل معه عبد هللا بن ياسين الجزولي‪.153‬‬
‫سار عبد هللا بن ياسين مع األمير يحيى بن إبراهيم الجدالي إلى قبيلــة جدالــة الــذين‬
‫فرحوا في مقدمه وأجتمع حوله سبعون شيخا ً من أهل الخير منهم ليعلمهم ويفقههم في‬
‫أمور دينهم وبعدها أتجه إلى قبيلة لمتونة وحارب المعارضين لدعوته وتمكن من ضم‬
‫عدد كبير منهم إلى جانبه‪.154‬‬
‫واجه الفقيه عبد هللا بن ياسين صعوبة كبيرة في مهمته حيث وجد أكثر رجــال هــذه‬
‫القبائل ال يصلون وقد غلب عليهم الجهل وكان يمارسون عادات منافيـة لتعــاليم الــدين‬
‫اإلسالمي فقد كان يتزوجون أكثر من أربع ويرتكبون الزنى فأخــذ عبــد هللا بن ياســين‬
‫أمــرهم بــالمعرف وينهــاهم عن المنكــر وقــد تشــدد عليهم في تــرك مــا هم عليــه من‬
‫المنكرات فأخذ الناس ينفرون من حوله‪.155‬‬
‫وما أن رأى عبد هللا بن ياسين نفور الناس من حوله حتى قــرر العــودة إلى ديــاره‪،‬‬
‫غير أن األمير يحيى بن إبراهيم أشار عليه بالبقاء معــه والمرابطــة في إحــدى الجــزر‬
‫الموجودة في بالده وجعلها رباطا ً للعبادة‪ ،‬ولقــد لقيت فكــرة األمــير يحــيى بن إبــراهيم‬
‫قبوالً من قبل الفقيه عبد هللا بن ياسين الذي بدأ الربــاط في هــذه الجزيــرة ســنة ‪433‬هـ‬
‫وكان عدد المرابطين فيه سبع أشخاص‪ ،‬ولم تمضي ســوى ثالثــة أشــهر حــتى أصــبح‬
‫عدد المرابطين نحو األلف‪.156‬‬
‫وبعد تزايد عدد أنصار الفقيه عبــد هللا بن ياســين وبلــغ عــددهم ثالثــة آالف مرابــط‬
‫أمره بمقاتلة قبيلة جداله وبعد قتال شديد تمكن الفقيه عبد هللا بن ياســين من إخضــاعهم‬
‫سنة ‪434‬هـ ومن ثم أتجه إلى قبيلة لمتونه فبايعوه أهلها على الكتاب والسنة‪.157‬‬
‫وقد شهدت سنة ‪440‬هـ وفــاة األمــير يحــيى بن إبــراهيم فأختــار الفقيــه عبــد هللا بن‬
‫ياسين إلمارة الملثمين يحيى بن عمر اللمتوني‪.158‬‬

‫‪ 153‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪ .123‬مجهول‪ ،‬الحلل الموشية‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪ 154‬ابن أبي زرع‪ ،‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪ .144‬مجهول‪ ،‬الحلل الموشية‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ 155‬البكري‪ ،‬المغرب‪ /‬ص‪ .165‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.619‬‬
‫‪ 156‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪ 157‬ابن أبي زرع‪ ،‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪.125‬‬
‫‪ 158‬البكري‪ ،‬المغرب‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫وبعد استشهاد األمير يحيى بن عمر سنة ‪447‬هــ أثنــاء قتالــه قبيلــة برغواطــه عين‬
‫الفقيه عبد هللا ابن ياسين األمير أبو بكر بن عمــر اللمتــوني ســنة ‪448‬هـ ـ خلف ـا ً ألخيــه‬
‫وأمــره بمتابعــة الفتح بإتجــاه الشــمال وكــان على مقدمــة جيشــه ابن عمــه يوســف بن‬
‫تاشفين‪.159‬‬
‫واصل الفقيه عبد هللا بن ياسين جهـاده ضـد قبائـل الصـحراء حـتى استشـهاده سـنة‬
‫‪ 451‬هـ أثناء قتاله قبائل برغواطــه وأختــار المرابطــون لرئاســتهم أبــو بكــر بن عمــر‬
‫اللمتوني الذي توجه سنة ‪453‬هـ إلى صحراء الجنوب من أجل نشر اإلســالم في بالد‬
‫السودان وخلف على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين‪.160‬‬
‫وما أن تسلم األمــير يوســف بن تاشــفين زمــام األمــور حــتى شــرع بتأســيس مدينــة‬
‫مراكش وعمل على حفر اآلبار فيها وذلك سنة ‪454‬هـ كمــا عمــل على تأســيس جيش‬
‫قوي بلغ تعــداده مئــة ألـف فـارس واســتطاع بواســطته إخضــاع جميـع مــدن المغـرب‬
‫الواحدة تلو األخرى حتى تم سيطرته على البالد سنة ‪477‬هـ‪.161‬‬
‫لم يلقب يوسف بن تاشــفين بلقب الخليفــة وال حــتى بلقب أمــير المؤمــنين ألنــه كــان‬
‫يعترف ويقر بخالفة بني العباس في المشرق وكان يــدعو لهم على المنــابر وهــو أول‬
‫من تلقب بــأمير المســلمين ناصــر الــدين ونقش أســمه على الســكة إلى جــانب الخليفــة‬
‫العباسي‪.162‬‬
‫أما ابرز األمراء الذين خلفوا يوسف بن تاشــفين هم ابنــه علي بن يوســف وتاشــفين‬
‫بن علي وإبراهيم بن تاشفين وإسحق بن علي بن تاشفين وكانت على عهده نهاية حكم‬
‫المرابطين وقيام دولة الموحدين‪.163‬‬

‫‪ 159‬ابن أبي زرع‪ ،‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪.125‬‬


‫‪ 160‬ابن عذاري‪ ،‬البيان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.16‬‬
‫‪ 161‬ابن أبي زرع‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪139‬‬
‫‪ 162‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.631‬‬
‫‪ 163‬سيتم دراسة جهاد المرابطين والموحدين في األندلس في الباب الثاني من هذا الكتاب‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫(محاضرة األسبوع الثاني عشر)‬
‫دولة الموحدين (‪668 – 541‬هـ)‬
‫هم طائفــة دينيــة إصــالحية قــامت دولتهم بعــد انهيــار دولــة المــرابطين ويســتمد‬
‫الموحدون تسميتهم توحيد هللا سبحانه وتعــالى والعــودة إلى جــوهر العقيــدة اإلســالمية‬
‫ومؤسس دولتهم الفقيه أبــو عبــد هللا محمــد بن تــومرت ويكــاد يتفــق أغلب المؤرخــون‬
‫على سلسلة نسب بن تومرت إلى عطاء بن رباح إال أنهم يختلفون بعد عطاء بن رباح‬
‫فمنهم من يقول هو محمـد بن عبـد هللا بن عبـد الـرحمن بن هـود بن خالـد بن تمـام بن‬
‫عدنان بن سفيان بن صفوان بن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد بن الحسن بن علي‬
‫بن أبي طالب (عليهم السالم)‪.164‬‬
‫في حين نسب البعض عطاء بن رباح إلى محمد بن سليمان بن عبــد هللا بن الحســن‬
‫بن علي بن أبي طالب‪ 165‬ومنهم من نسبه إلى يســار بن العبــاس بن محمــد بن الحســن‬
‫بن علي بن أبي طالب‪ .166‬وقد ذكر البعض سلسلة نسب مختلفة فقيل أنه محمد بن عبد‬
‫هللا بن وجلبــه بن يامصــل بن حمــزة بن عيســى بن إدريس بن عبــد هللا بن الحســن بن‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،167‬ولكن ابن خلكان وابن أبي زرع يشككون في هذا النســب فــأبن‬
‫خلكــان‪ 168‬بعــد أن نســبه إلى اإلمــام علي عليــه الســالم يقــول وهللا أعلم‪ .‬أمــا ابن أبي‬
‫زرع‪ 169‬فيقول وقيل هو دعي هذا النسب الشريف‪.‬‬
‫ولد بن تومرت بموقع يسمى نومكران وكان أهل بيته أهل نسك ورباط األمر الذي‬
‫ترك في نفسه أثر كبير في اتجاهه الديني اإلصالحي‪.170‬‬
‫وقد أختلفت الروايات في تحديد ســنة والدتــه فمنهم مــا يــرى أنــه ولــد ســنة ‪471‬هـ‬
‫وقيل أنه ولد سنة ‪473‬هـ وقيل أنه ولد سنة ‪475‬هـ وقيل أنه ولد سنة ‪485‬هـ ـ أو ســنة‬
‫‪171490‬هـ‪.‬‬
‫‪ 164‬ابن القبطان‪ ،‬أبو محمد حسن بن علي‪ ،‬نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان‪ ،‬تحقيق محمود علي مكي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪( ،‬بيروت‬
‫‪ ،)1990‬ص‪.87‬‬
‫‪ 165‬الزركشي‪ ،‬أبو عبيد هللا محمد بن إبراهيم‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد ماضور‪ ،‬المكتبة العتيقة‪( ،‬تونس‬
‫‪ ،)1966‬ص‪.3‬‬
‫‪ 166‬ابن أبي زرع‪ ،‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪ .172‬ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.46‬‬
‫‪ 167‬ابن القبطان‪ ،‬نظم الجمان‪ ،‬ص‪ .88‬ابن خلدون‪ ،‬العبر‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.225‬‬
‫‪ 168‬وفيات األعيان‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.46‬‬
‫‪ 169‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪ 170‬ابن القبطان‪ ،‬نظم الجمان‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ 171‬عز الدين موسى‪ ،‬الموحدون في المغرب اإلسالمي تنظيماتهم ونظامهم‪،‬ـ دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروتـ ‪ ،1991‬ص‪.4‬‬
‫وكونه رجالً ُمحبا ً للعلم رحل إلى األندلس ودرس في قرطبة على يــد القاضــي ابن‬
‫جــزين ثم أتجــه إلى المهديــة وأخــذ العلم من الفقيــه عبــد هللا المــازري ثم أنتقــل إلى‬
‫اإلســكندرية وأخــذ العلم عن الفقيــه أبــو بكــر الطرطوشــي‪ ،‬ثم أنتقــل إلى بغــداد وتلقى‬
‫علومه على يد الفقيه أبي حامد الغــزالي ودامت رحلتــه في المشــرق أكــثر من خمســة‬
‫عشر عاما ً‪.172‬‬
‫وعند عودته من المشرق كان أبن تــومرت يــدرس في كــل مدينــة يمــر بهــا ويــأمر‬
‫بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمعروف وينهى‬
‫عن المنكر وبالقرب من مدينة بجاية تعرف على عبد المؤمن بن علي الــذي آلت إليــه‬
‫أمور الموحدين فيما بعد‪.173‬‬
‫بدأ ابن تومرت دعوته بمحاربة شتى أنواع الفجور والفسوق‪ ،‬حيث أخذ يمشــي في‬
‫أســواق المــدن ويــأمر بــالمعروف وينهى عن المنكــر ويكســر المزامــير وآالت اللهــو‬
‫والطرب ويريق الخمر في أي مدينة يحل فيها كما أخذ ينتقص من المرابطين ويطعن‬
‫فيهم وبنســبهم إلى الكفــر وأدعى أن قتــالهم واجب على كــل من يــؤمن بوحدانيــة هللا‬
‫أوجب من قتال الروم والمجوس‪.174‬‬
‫وما أن سمع األمــير علي بن يوســف المــرابطي بــأمر بن تــومرت حــتى دعــاه إلى‬
‫مراكش وأجرى بينه وبين فقهاء المرابطينـ مناظرات فقهيــة عجــز من خاللهــا فقهــاء‬
‫المرابطين في محاججته لذا حذروا األمير علي بن يوسف من خطورته وأشاروا عليه‬
‫بقتله إال أنــه أكتفى بإخراجــه من مــراكش فتوجــه ابن تــومرت إلى مدينــة تينمــل وبــدأ‬
‫بإعالن دعوته سنة ‪515‬هـ حيث خطب بالناس وتمت بيعته‪.175‬‬
‫توافد األنصار على ابن تومرت في مدينــة تينمــل حــتى بلــغ عــددهم عشــرين ألــف‬
‫جهز ابن تومرت عشرة آالف منهم لقتال المرابطين وقد تمكن هــذا الجيش من إلحــاق‬
‫هزيمة كبــيرة في جيش المــرابطين ســنة ‪516‬هــ‪ ،‬كمــا توجـه ابن تـومرت على رأس‬
‫جيش بلغ تعداده ثالثين ألف لقتال المرابطين في مدينة أغمات وكان النصر حليفه‪.176‬‬
‫‪ 172‬ابن القبطان‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .92‬الزركشي‪ ،‬تاريخ الدولتين‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ 173‬ابن أبي زرع‪ ،‬الروض القرطاس‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪ 174‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪ .174‬ابن القبطان‪ ،‬نظم الجمان‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 175‬البيدق‪ ،‬أخبار المهدي‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ 176‬ابن أبي زرع‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .178‬الزركشي‪ ،‬تاريخ الدولتين‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫وتوجه ابن تومرت سنة ‪524‬هـ على رأس جيش كبــير تعــداده أربعين ألــف مقاتــل‬
‫إلى مدينة مراكش لقتال علي بن يوسـف بن تاشـفين وحاصـرها لمـدة أربعين يومـا ً ثم‬
‫اصــطدم مــع جيش المــرابطين وكــانت الغلبــة لهم في هــذه المعركــة‪ ،‬وبعــد هزيمــة‬
‫الموحدين بأربعة أشهر توفي ابن تومرت سنة ‪524‬هـ‪ ،177‬وخلفه عبد المؤمن بن علي‬
‫فنظم شؤون الموحدين وحشد قواتــه ضــد المــرابطين‪،‬ـ فقــد جــرت خالل الســنوات من‬
‫‪-536‬ـ ‪543‬هـ معارك عديــدة بين المــرابطين والموحــدين وكــان النصــر فيهــا حليــف‬
‫الموحدين‪ ،‬حيث بسطوا سلطانهم على مدينتي وهران وتلمســان وعلى مدينــة فــاس ثم‬
‫زحفت قواتهم نحو مدينة مراكش وهزمـوا المـرابطين ودخلوهـا سـنة ‪541‬هــ وقتلـوا‬
‫فيها أمير المرابطين إسحق بن علي بن تاشفين وأعوانه وبدا الموحــدون عهــداً جديــداً‬
‫في مدينــة مــراكش حيث أتخــذوها حاضــرة لهم بعــد أن أدخلــوا عليهــا إصــالحات‬
‫كثيرة‪.178‬‬
‫كما بسط الموحدون نفــوذهم على المغــرب األوســط ســنة ‪546‬هــ باســتيالئهم على‬
‫قلعة بني حماد ودخلوا مدينة الجزائر وبجاية وقســنطينة‪ ،‬أمــا في المغــرب األدنى فقــد‬
‫شن الموحدون عليها حرب اقتصادية حتى ال تــدخل عليهــا المــواد األساســية من إقليم‬
‫المغرب األوسط‪ ،‬وفي سنة ‪554‬هـ توجه عبد المؤمن بن علي بنفســه إلى إفريقيــة في‬
‫حيث قوامه مائة ألف مقاتل فاستسـلمت لـه تــونس ثم صـفاقس وقـابس وجبــال نفوسـة‬
‫وطرابلس وقفصــة وحاصــر المهدية‪ .179‬واستســلمت ســنة ‪555‬هــ وبــذلك تم اســتيالء‬
‫الموحدين على كافة البالد المغربية وأصبحت البالد ألول مرة بعد الفــاطميين موحــدة‬
‫تحت حكم مركــزي واحــد من المحيــط األطلســي إلى طــرابلس وبرقــه تحت رايــة‬
‫الموحدين‪.180‬‬
‫عرفت دولة الموحدين فضالً عن عبد المؤمن بن علي عدة خلفــاء خلفــوه في الحكم‬
‫هم أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وكان أحسن الناس فقها ً طيب المجالسة‪ ،‬أعرف‬
‫النــاس بكالم العــرب‪ ،‬يتقن علــوم اللغــة ويعــني بدراســة الفلســفة والطب‪ .181‬ويعقــوب‬
‫‪ 177‬ابن أبي زرع‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫‪ 178‬إبراهيم حركات‪ ،‬المغرب عبر التاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.262‬‬
‫‪ 179‬حسين مؤنس‪ ،‬معالم تاريخ المغرب واألندلس‪( ،‬القاهرة‪ ،)1980 ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ 180‬إبراهيم‪ ،‬حركات‪ ،‬المغرب عبر التاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.263‬‬
‫‪ 181‬م‪.‬ن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.263‬‬
‫المنصور الذي قام بأعمال جبــارة في ميــدان العمــران واإلحســان كبنــاء المارســتانات‬
‫والقناطر واآلبار العامة وكان يجلس للحكم والمظالم‪ ،‬ومحمــد الناصــر‪ ،‬والــتي انتهت‬
‫تقريبا ً في عهد دولة الموحدين بعد هزيمة في معركة العقاب سنة ‪609‬هــ الــتي كــانت‬
‫بداية لنهاية الدولة الموحدين وأبو يعقــوب يوســف والعــادل بن يعقــوب يوســف وعبــد‬
‫الواحد المخلوع وعبد هللا العادل بن يعقوب بن يوسف‪ ،‬وإدريس المأمون وعبد الواحد‬
‫الرشــيد وعلي بن المــأمون وعمــر المرتضـىـ وإدريس أبــو يــونس الــذي أنتهت دولــة‬
‫الموحدين في عهده‪.‬‬
‫كان الموحدون يــرون أحقيتهم بالخالفــة دون غــيرهم من المسـلمين ألنهم على حـد‬
‫زعمهم أكثر المسلمين إيمانا ً وأصحهم مذهباً‪ ،‬وبذلك تلقب عبــد المــؤمن بن علي بلقب‬
‫أمير المؤمنين وسك العملة باسمه وكتب على أحد أوجهها (ال إله إال هللا وال حول وال‬
‫قوة إال باهلل) وعلى الوجه اآلخر (هللا موالنا ومحمد رسولنا والمهدي إمامنا)‪.182‬‬
‫وهذا يدل على االستقالل التام بل أعتبر الموحدون هم خلفاء المســلمين في األرض‬
‫واكتسابهم النفوذ الروحي والمعنــوي في العــالم اإلســالمي عن العباســيين‪ ،‬ولقب عبــد‬
‫المــؤمن ومن بعــده بلقب الخليفــة وهــذا يــدل على العالقــات الســيئة بين الموحــدين‬
‫والعباسيين وظلت هكذا دولة الموحدين لحين نهايتها على يد بني مــرين‪ ،‬وبعــد نهايــة‬
‫دولة الموحدين في بالد المغـرب سـنة ‪668‬هــ أنقسـم بالد المغـرب على ثالثـة أقسـام‬
‫ودويالت وهي دولة بني مرين في المغــرب األقصـى ودولــة بــني زيــان في المغــرب‬
‫األوسط ودولة بني حفص في المغرب األدنى‪ ،‬وبقيت هذه الدويالت تحكم البالد حــتى‬
‫سقوط الدولة الحفصية في تونس سنة ‪982‬هــ وانتهى بــذلك آخــر خالفــة إســالمية في‬
‫العالم العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫(محاضرة األسبوع الثالث عشر)‬
‫الدولة الحفصية في بالد المغرب ( ‪628‬هـ ‪641 -‬هـ )‬

‫‪ 182‬سوادي عبد محمد‪ ،‬دراسات في تاريخ المغرب العربي‪ ،‬ص‪.274‬‬


‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬
‫الحفصيون فرع من الموحدون وينتسبون إلى الشيخ أبي حفص عمر بن يحيى‬
‫الهنتامي‪ ،‬وترجع أصول الحفصيين بالمغرب األدنى إلى أيام ابنه ابو محمد عبد‬
‫الواحد بن أبي حفص الذي كان صهراً للخليفة المنصور الموحدي ‪ .‬ثم بعد ذلك واله‬
‫الخليفة الناصر بن المنصور الموحدي على البالد التونسية سنة ‪603‬هـ حيث استطاع‬
‫أن يقضي على الكثير من عوامل االضطراب في تونس وحين تولى زكريا بن يحيى‬
‫بن عبد الواحد الحفصي كانت دولة الموحدين قد وصلت إلى درجة كبيرة من‬
‫الضعف ‪ ،‬فانتهز أبو زكريا هذه الفرصة وأعلن استقالله بأعمال تونس والقيروانـ‬
‫عن دولة الموحدين ‪.‬‬
‫وتمكن أبو زكريا من تأسيس دولة في تونس وقضى على جميع االضطرابات‬
‫فاستولى على قسنطينة وبجاية وتلمسان وجميع هذه المدن في إقليم المغرب األوسط ‪.‬‬
‫وبعد وفاة أبو زكريا بويع البنه أبو عبد هللا محمد ولقب نفسه بلقب المستنصر باهلل‬
‫الحفصي وأعلن الدولة الحفصية خالفة إسالمية سنة ‪650‬هـ واعترف العالم‬
‫اإلسالمي بهذه الخالفة ‪ ،‬إال أن الدولة الحفصية انتابتها الفوضى في أعقاب وفاة‬
‫المستنصر باهلل وذلك لكثرة الخالفات على العرش وأخذت الدول المجاورة تتدخل في‬
‫شؤونهم الداخلية وخاصة دولة بني مرين ‪.‬‬
‫ثم تمكن الحفصيون من جمع قوتهم وتوحيد صفوفهم على يد أبي العباس احمد بن‬
‫محمد سنة ‪772‬هـ الذي تمكن من أن يعيد نفوذ الدولة ‪ ،‬ولكن الضعف لم يلبث أن عاد‬
‫إلى الدولة الحفصية ‪ ،‬وظل األمر هكذا متدهورا في خالفة أبو عبد هللا محمد بن‬
‫الحسن ‪ ،‬حيث سيطر األعراب على معظم البالد ثم تمكن خير الدين بربر وأعلن‬
‫والءه للسلطان العثماني سليمان القانوني أن يدخلها ويضمها للدولة العثمانية ‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬

‫(محاضرة األسبوع الرابع عشر)‬


‫‪ -1‬دولة بني عبد الواد (بنو زيان) في بالد المغرب ( ‪633‬هـ ‪962 -‬هـ )‬
‫كان بنو عبد الواد والة للمغرب األوسط من قبل الموحدين ثم انفصلواـ عنهم‬
‫وجعلوا مدينة تلمسان عاصمة لهم ‪ ،‬ويعد يغمراسن بن زيان المؤسس الحقيقي‬
‫للدولة ‪ ،‬ولكن هذه الدولة لم تدعي الخالفة ‪ ،‬وكانوا يتعرضون بين الحين واآلخر‬
‫لخطر الحفصيين في تونس وبني مرين في مدينة فاس ‪ ،‬لذلك كانوا في صراع مرير‬
‫مع هذه الدول وخاصة في زمن السلطان عثمان بن يغمراسن ‪ ،‬ولكن دولة بني مرين‬
‫استطاعت من اجتياح الدولة هذه سنة ‪749‬هـ ‪ ،‬وفي زمن السلطان أبو حمو موسى‬
‫تمكن هذا السلطان من بعث هذه الدولة من جديد وجددها باسم دولة بني زيان ‪ ،‬حيث‬
‫جعل من الدولة الزيانية منارا للعلم والعلماء واألدب في المغرب األوسط ‪ ،‬غير إنها‬
‫سرعان ما تعرضت للحروب واالضطرابات وكثر النزاع على الرئاسة بينهم‬
‫فانتشرت الفوضى بين الناس ‪ ،‬وانتهت هذه الدولة باستيالء األتراك عليها سنة‬
‫‪962‬هـ ‪.‬‬

‫‪ -2‬دولة بني مرين في بالد المغرب (‪668‬هـ ‪869 -‬هـ )‬


‫المرينيون فرع من قبيلة زناته ‪ ،‬وقد انتهزوا الضعف في صفوف الموحدين في‬
‫اقليم المغرب األقصى ‪ ،‬واستمر القتال بينهم حتى سنة ‪668‬هـ حيث تمكنوا بني مرين‬
‫من دخول مراكش عاصمة الموحدين ‪.‬‬
‫ويعد أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المؤسس الحقيقي لهذه الدولة ‪ ،‬وقد حاولت‬
‫هذه الدولة من السيطرة على أقاليم المغرب المختلفة وخاضت حروب كثيرة مع بني‬
‫عبد الواد وبني حفص وسيطروا في بعض األحيان على هذه المناطق ‪ .‬ومن أشهر‬
‫سالطين هذه الدولة أبو عنان الذي اتخذ من مدينة فاس عاصمة لدولته ‪ ،‬وبعد وفاة‬
‫أبو عنان تسلم أمر الدولة سالطين ضعاف ثم ما لبث البرتغاليون أن استولوا على‬
‫مدينة سبته سنة ‪818‬هـ وكان ذلك بداية النهاية لدولتهم ‪ ،‬فضال عن كثرة الثورات‬
‫الداخلية ‪ ،‬وفي عهد آخر سالطين بني مرين عبد الحق بن أبي سعيد عمت الفوضى‬
‫وانفجرت الثورات في عديد من المدن التابعة للدولة فاضطرت الناس إلى مبايعة‬
‫الشريف أبو عبد هللا محمد بن علي اإلدريسي الذي لقب بنقيب اإلشراف سنة‬
‫‪869‬هـ ‪ ،‬وبذلك انتهت دولة بني مرين ‪ ،‬وحكم بعدهم بنو وطاس فترة وجيزة مليئة‬
‫بالثورات واالضطرابات الداخلية حتى تمكن السعديون من السيطرة على المغرب‬
‫األقصى وفي عهدهم دخل األتراك إلى ذلك اإلقليم وانتهى الحكم المغاربي فيه ‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬محاضرات في تاريخ المغرب واألندلس‪ .‬تأليف د‪ .‬رضا هادي عباس‪ ،‬د‪ .‬كريم عاتي الخزاعي‬

‫(محاضرة األسبوع الخامس عشر)‬


‫أمتحان الشهر الثاني‬

You might also like