Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

‫مسارات العالقات السياسية‬

‫بني السعودية وسورية بعد عام ‪1970‬‬

‫أبحاث سياسية‬ ‫الكاتب‪ :‬سعد الله الرشيف‬


‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫مركزحرمون للدراسات املعاصرة‪:‬‬


‫ُ‬ ‫مركز حرمون للدراسات املعاصرة‪ّ ،‬‬
‫مؤسسة بحثية مستقلة غير ربحية‪ ،‬تعنى بإنتاج الدراسات والبحوث‬
‫السياسية واالجتماعية والفكرية املتعلقة بالشأن السوري والصراع الدائر في سورية وعليها‪ ،‬وسيناريوهات‬
‫املستقبل‪ ،‬كما تهتم بالقضايا العربية واإلقليمية‪.‬‬

‫سعد هللا الشريف‪:‬‬


‫كاتب سوري‪.‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫مسارات العالقات السياسية‬


‫بين السعودية وسورية بعد عام ‪1970‬‬

‫أيار‪ /‬مايو ‪2023‬‬


‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫املحتويات‬

‫ملخص تنفيذي ‪5.....................................................................................................................‬‬

‫مقدمة‪7..................................................................................................................................‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬السياسة الخارجية السورية في ثالث مراحل متمايزة ‪8...........................................................‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬العالقات السعودية السورية في ذروة ازدهارها في املدة ‪10....................................2000-1970‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬العالقات السياسية السورية السعودية في املدة الزمنية ‪14.................................2010-2000‬‬
‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬العالقات السورية السعودية بعد عام ‪18.................................................................. 2011‬‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬ارتدادات السياسة الخارجية السورية على العالقة السورية السعودية ‪23..........................‬‬

‫خاتمة‪25..................................................................................................................................‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ملخص تنفيذي‬

‫العربي اإلسرائيلي‪ ،‬واملوقف من منظمة التحرير‬ ‫كانت العالقات السياسية التي ربطت سورية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬بين التوافق واالفتراق‪ ،‬كما تأرجحت‬ ‫باململكة العربية السعودية هي األبرز في عالقات‬
‫املواقف حيال الصراع في لبنان‪ ،‬بين التوافق وتأييد‬ ‫سورية الخارجية مع الدول العربية‪ً ،‬‬
‫نظرا إلى‬
‫الدور السوري وتدخله العسكري في لبنان خالل‬ ‫أهمية اململكة ودورها في املنطقة والعالم‪ ،‬وإلى‬
‫عهد األسد األب‪ ،‬إلى االفتراق إلى حد الصدام غير‬ ‫كمية املساعدات املالية التي قدمتها اململكة للنظام‬
‫املباشر في عهد األسد االبن‪ .‬وتوافقت املواقف‬ ‫السوري على مدى عقود‪ ،‬عدا الخدمات السياسية‬
‫تجاه حرب تحرير الكويت ‪ .1991‬وقد شهد عقد‬ ‫التي حمته في املنعطفات الخطرة التي واجهته‪.‬‬
‫ً‬
‫فاعاًل‪ّ ،‬‬ ‫التسعينيات ً‬
‫تعاونا ً‬
‫ضم سورية ومصر‬ ‫ثالثيا‬
‫إلى جانب السعودية‪ ،‬استطاع التأثير وضبط اإليقاع‬ ‫منذ االستقالل حتى ‪ ،1970‬كان التشابك‬
‫في عمل النظام العربي والتوترات املتنقلة فيه بقدر‬ ‫بالعالقات السياسية بين سورية والسعودية‬
‫محدودا‪ ،‬ربما بسبب أولويات السياسة الخارجية‬‫ً‬
‫اإلمكان‪ ،‬ذلك أن النظام العربي كان قد بدأ مسيرة‬
‫تراجعه بعد حرب الخليج الثانية‪.‬‬ ‫السعودية‪ ،‬حيث انحازت السعودية إلى مصر طوال‬
‫زمن التنافس املصري العراقي‪ ،‬بحكم عدائها مع‬
‫تتقدم العالقات السورية‬ ‫ّ‬ ‫وبمقدار ما كانت‬ ‫الهاشميين‪ .‬وشهدت املدة ‪ 1973-1970‬ذروة عالية‬
‫اإليرانية في عهد األسد االبن‪ ،‬أخذت العالقات‬ ‫ً‬
‫وتبعا لذلك‬ ‫في نشاط الدبلوماسية السعودية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبرودا؛ حيث إن‬ ‫السورية السعودية تعاني تخلخاًل‬ ‫فقد نشأت بين الدولتين عالقة تضامنية‪ ،‬يجري‬
‫النظام في هذه املرحلة حسم أموره‪ ،‬وراحت عالقاته‬ ‫فيها تبادل مصالح حيوية وخاصة‪ ،‬فالسعودية‬
‫يوما بعد يوم‪،‬‬ ‫بإيران تأخذ شكل تحالف يتعمق ً‬ ‫بحكم ثقلها الخارجي‪ ،‬وعالقتها الخاصة مع الواليات‬
‫ً‬
‫عموما‪،‬‬ ‫على حساب العالقات السورية العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬أخذت على عاتقها حماية ظهر النظام‬
‫والسعودية على وجه الخصوص‪ .‬وبدأت طهران‬ ‫السوري من ُاالستهدافات الخطرة عند كل أزمة وقع‬
‫ّ‬
‫تعزز نفوذها داخل مؤسسات النظام‪ ،‬األمر الذي‬ ‫فيها‪ ،‬أو كلما أ ْح ِك َم حوله طوق الحصار‪ ،‬في حين‬
‫ُ‬
‫لم يسمح به حافظ أسد‪.‬‬ ‫كلفت دمشق بضبط التنظيمات املتطرفة التي كان‬
‫ً‬
‫متوقعا أن تستهدف املصالح السعودية ونظامها‪.‬‬
‫ّ‬
‫شكل التباين في املوقفين‪ ،‬من الغزو األميركي‬
‫للعراق في آذار‪ /‬مارس ‪ ،2003‬أحد نقاط االفتراق‪،‬‬ ‫كانت جبهات التعاون واالحتكاك متعددة بين‬
‫وقدمت له‬ ‫ففي حين أيدت السعودية الغزو ّ‬ ‫السياسة السعودية والسياسة السورية‪ ،‬فبعد عقد‬
‫التسهيالت وانطلق من أراضيها‪ ،‬عارضت سورية‬ ‫من العالقات الجيدة والتعاون خالل سبعينيات‬
‫ذاك الغزو‪ ،‬بذريعة خوفها من استهدافها كهدف‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬افترقت املواقف بين السياستين‬
‫َ‬
‫تال بعد العراق‪ ،‬ودعمت املقاومة املسلحة‬ ‫أميركي ٍ‬ ‫تجاه حرب الخليج األولى؛ فبينما وقفت السعودية‬
‫ضد االحتالل األميركي‪ ،‬وكان ذلك بتنسيق غير معلن‬ ‫ً‬
‫عموما‬ ‫وبلدان مجلس التعاون والبلدان العربية‬
‫مع إيران‪ ،‬من أجل إقالق راحة األميركيين في العراق‬ ‫إلى جانب العراق‪ ،‬وقف حافظ أسد إلى جانب‬
‫ودفعهم إلى الخروج‪ ،‬كي يبقى العراق تحت الوصاية‬ ‫ّ‬
‫تخص الصراع‬ ‫إيران‪ ،‬وتأرجحت املواقف التي‬

‫‪5‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫اإليرانية الصرفة‪ .‬وقد كانت التشكيالت املقاومة سورية‪ ،‬وفي التحالف الدولي ملحاربة (داعش) الذي‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫جهاديا قادته الواليات املتحدة األميركية‪.‬‬ ‫ألميركا تشكيالت سن ّية بطبيعتها‪ ،‬وكان بعضها‬
‫متطرفا‪ ،‬كالقاعدة‪ ،‬أو ً‬‫ً‬
‫قريبا منها‪ .‬وأفتى السيستاني‬
‫وعلى الرغم من تراجع موقف السعودية الداعم‬ ‫بعدم جواز مقاومة االحتالل األميركي‪ ،‬وساهم ذلك‬
‫السني الشيعي في املنطقة‪ ،‬للمعارضة السورية‪ ،‬فقد بقي موقفها السيا�سي من‬ ‫عمليا في تسعير الصراع ّ‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫مقصودا لذاته‪ ،‬أم كان أحد تداعيات النظام ثابتا طوال السنوات املاضية‪ ،‬غير أنها في‬ ‫ً‬ ‫سواء كان ذلك‬
‫اآلونة األخيرة سارت في طريق التقارب مع النظام‪،‬‬ ‫املشروع التوسعي اإليراني في املنطقة‪.‬‬
‫في محاولة لخلق دور عربي في سورية وإبعادها عن‬
‫ّ‬
‫شكلت عملية اغتيال الحريري في شباط‪ /‬حضن إيران‪ ،‬وأعادت عالقاتها الدبلوماسية مع‬
‫فبراير ‪ ،2005‬وخروج القوات السورية من لبنان‪ ،‬النظام‪ ،‬وأفسحت املجال لعودة سورية إلى جامعة‬
‫أكبر املنعطفات التي راحت العالقات بين البلدين الدول العربية‪ ،‬في مسعى ُس ّمي «خطوة مقابل‬
‫تتدهور بعدها؛ إذ أدى اغتيال الحريري (الذي خطوة»‪ ،‬ويتوقع كثير من املراقبين فشل محاولتها‬
‫رأت فيه السعودية ًيدا سورية) إلى تدهور وشبه وفشل املساعي العربية في إبعاد النظام في دمشق‬
‫قطيعة في العالقات السعودية السورية‪ ،‬ودعمت عن الحضن اإليراني‪.‬‬
‫السعودية الجهد الدولي للتحقيق في مقتله‪ ،‬وقد‬
‫املالحظة الرئيسة التي يمكن استنتاجها‪ ،‬من‬ ‫كان للمملكة دور فاعل في إخراج الصيغة التي‬
‫حكمت عمل املحكمة الدولية الخاصة باغتيال مراقبة مسار العالقات السعودية السورية‪ ،‬أن هذه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صعودا وهبوطا‪ ،‬ولكنها‬ ‫الحريري وتحديدها‪ .‬ثم كان الخالف اآلخر من خالل العالقات قد تباينت وسارت‬
‫املوقف من عدوان إسرائيل على لبنان في حزيران‪ /‬أخذت بالتراجع‪ ،‬بمقدار ما أخذت عالقات سورية‬
‫يونيو ‪ ،2006‬فبينما رأت السعودية أن حزب هللا مع إيران بالتقدم‪.‬‬
‫هو السبب في دفع إسرائيل إلى العدوان‪ ،‬كان األسد‬
‫يتغنى ببطوالت حزب هللا اللبناني‪.‬‬
‫بعد انطالق االحتجاجات في سورية‪ ،‬م�ضى النظام‬
‫ّ‬
‫بحله األمني‪ ،‬واستقدم ‪-‬منذ األشهر األولى‪ -‬الحرس‬
‫الثوري اإليراني وامليليشيات الشيعية التي تتبعه‪،‬‬
‫ملواجهة الثورة السورية‪ ،‬وقد سعت السعودية إلى‬
‫إقناع النظام بسلوك طريق اإلصالح‪ ،‬ووقف الحل‬
‫األمني العسكري في مواجهة الثورة‪ّ ،‬‬
‫لكن جهدها لم‬
‫يلق ً‬
‫نجاحا‪ .‬وحين طفح الكيل‪ ،‬كانت كلمة امللك عبد‬
‫هللا‪ ،‬بتاريخ الثامن من آب‪ /‬أغسطس ‪ ،2011‬حازمة‬
‫وعالية النبرة‪ً ،‬‬
‫تعبيرا عن أن السعودية قد اصطفت‬
‫َ‬
‫إلى جانب املعارضة‪ ،‬وبعد رفض النظام مبادرتي‬
‫قدمت السعودية للفصائل‬ ‫الجامعة العربية‪ّ ،‬‬
‫املعارضة الدعم املالي والعسكري والسيا�سي‪،‬‬
‫وشاركت في غرفة املوك واملجموعة املصغرة حول‬

‫‪6‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫مقدمة‬

‫تنشر وثائقها الحكومية‪ ،‬مهما م�ضى عليها من زمن‪،‬‬ ‫اتخذت العالقات السياسية التي ربطت سورية‬
‫بحكم العقل األمني الذي يصوغ توجهات النظام‬ ‫باململكة العربية السعودية‪ ،‬بخاصة بعد عام ‪،1973‬‬
‫ً‬
‫نمطا َ‬
‫وسياساته تجاه الداخل والخارج‪ ،‬وعليه سوف‬ ‫غلبت عليه حالة التعاون‪ ،‬من دون أن يعني‬
‫ُ‬ ‫ذلك أنها لم تعان توترات أو ً‬
‫تعتمد الدراسة على ما نشر من تسريبات أو مقاالت‬ ‫برودا في بعض األحيان‪،‬‬
‫أو دراسات‪ ،‬أو مقاطع جرى التطرق إليها في بعض‬ ‫لكنها كانت األبرز في عالقات سورية الخارجية مع‬
‫الكتب التي تناولت الشأن السيا�سي السوري‪.‬‬ ‫الدول العربية األخرى‪ً ،‬‬
‫نظرا إلى أهمية اململكة ودورها‬
‫في املنطقة والعالم‪ ،‬واملساعدات املالية الهائلة التي‬
‫قدمتها للنظام السوري على مدى عقود‪.‬‬ ‫ّ‬

‫طوال عهد األسد األب‪ ،‬ربطت السعودية بسورية‬


‫مصالح وتفاهمات عميقة‪ ،‬منها ما كان ً‬
‫معلنا‪ ،‬ومنها‬ ‫ُ‬
‫تلك التي اقتضت املصالح إبقاءها سرية‪ ،‬وهذا من‬
‫طبيعة العالقات بين الدول‪ ،‬ومع األخذ بعين االعتبار‬
‫طبيعة السياسة السعودية وميلها إلى السرية‬
‫والكتمان والغموض‪ ،‬فقد تنوعت مسارب التعاون‬
‫بين مد وجزر‪ ،‬وتوافق وتعاون‪ ،‬وخالف وصدام غير‬
‫معلن‪.‬‬
‫تتأتى أهمية الدراسة من أنها تسعى إلى تحليل‬
‫السمات العامة والعوامل املحددة لواحدة من أهم‬
‫عالقات سورية بمحيطها العربي‪ ،‬وربما تلخص‬
‫ً‬
‫خصوصا‪ ،‬وفهمه‬ ‫ً‬
‫عموما‪ ،‬واألسد‬ ‫فلسفة البعث‬
‫للعالقات بين الدول‪ ،‬ومدى تأثرها بالدور الوظيفي‬
‫الذي لعبه األسد في املنطقة‪ ،‬وارتدادات ذلك الدور‬
‫على الوضع السوري‪ ،‬وكذلك طبيعة السياسة‬
‫الخارجية السعودية ودورها في تشابكها مع السياسة‬
‫السورية‪ ،‬لذلك سوف تعتمد الدراسة على املنهج‬
‫الوصفي التحليلي‪ ،‬في تتبعها العالقة السورية‬
‫السعودية‪ ،‬بأطوارها وتقلباتها في املدة الزمنية‬
‫املحددة بعنوان الدراسة‪.‬‬
‫تنبع صعوبات الدراسة من كونها تتطرق إلى‬
‫العالقات السياسية بين دول‪ ،‬ليس من عادتها أن‬

‫‪7‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬السياسة الخارجية السورية في ثالث مراحل متمايزة‬

‫أما بعد استيالء البعث على السلطة‪ ،‬بتاريخ‬ ‫لكل دولة سياسة خارجية‪ ،‬لها محدداتها في كل‬
‫فإن محددات السياسة‬ ‫‪ 8‬آذار‪ /‬ما س ‪ّ ،1963‬‬ ‫مرحلة‪ ،‬وقد كان للدولة السورية‪ ،‬منذ االستقالل‬
‫ر‬
‫الخارجية‪ ،‬التي خطها النظام البعثي بمرحلتيه‬ ‫حتى الوحدة السورية املصرية‪« ،‬سياسة خارجية‬
‫حصنت سيطرة‬ ‫ّ‬ ‫‪1966-1963‬و‪،1970-1966‬‬ ‫ُبنيت على ثالث ركائز غير متينة‪ ،‬بحكم أن سورية‬
‫ً‬
‫البعث بقانون الطوارئ واألحكام العرفية داخليا‪،‬‬ ‫تعاني حالة عدم استقرار سيا�سي مزمنة» (((‪ ،‬وكان في‬
‫وبخطاب إعالمي متشنج يتلفح بالراديكالية‬ ‫مقدمة هذه الركائز مقاومة املشروعات االستعمارية‬
‫وحمل القضية الفلسطينية‬ ‫اليسارية والقومية‪َ ،‬‬ ‫التي كانت تحاول استيعاب سورية ضمنها‪ ،‬كمشروع‬
‫ومعادة األنظمة «الرجعية»‪ ،‬وذلك من أجل ّ‬
‫التفرغ‬ ‫الهالل الخصيب وحلف بغداد‪ ،‬وبالقدر ذاته مواجهة‬
‫ً‬
‫داخليا‪ ،‬وتصفية خصومه من القوى‬ ‫لتوطيد حكمه‬ ‫املتنافسين اإلقليميين‪ ،‬وهما العراق ومصر‪ ،‬على‬
‫السياسية خارج البعث‪ ،‬ثم دارت صراعات داخل‬ ‫كسبها‪ ،‬وثانيتهما مقاومة محاوالت الجيش التدخل‬
‫البعث‪ ،‬بين الجناحين املدني والعسكري‪ ،‬حسمت في‬ ‫في الحياة السياسية عبر االنقالبات املتكررة‪ ،‬والتأثير‬
‫النهاية ملصلحة الجناح العسكري‪.‬‬ ‫حد ما‪ ،‬الذي ورثه‬ ‫في النظام ذي الطابع الليبرالي‪ ،‬إلى ٍ‬
‫السوريون عن فرنسا‪ ،‬وثالثتها املحافظة على النظام‬
‫لكن بعد أن استولى حافظ األسد على السلطة‬ ‫الجمهوري البرملاني‪.‬‬
‫في تشرين الثاني‪ /‬نوفمبر ‪ ،1970‬بات للسياسة‬
‫صممه‬‫الخارجية السورية طابع خاص وثابت‪ّ ،‬‬ ‫طوال املدة من ‪ 1946‬حتى ‪ ،1970‬كان التشابك‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫موسوما‬ ‫وسهر عليه بكليته حافظ األسد‪ ،‬وبات‬ ‫في العالقات السياسية بين سورية والسعودية‬
‫بنهجه تجاه الداخل والعالم الخارجي‪ ،‬ولعل أهم‬ ‫محدودا‪ ،‬ربما بسبب أولويات السياسة الخارجية‬ ‫ً‬
‫ما َم ّيز هذا النهج كان البراغماتية املنفتحة على كل‬ ‫السعودية‪ ،‬فقد انحازت إلى مصر طوال زمن التنافس‬
‫�شيء‪ ،‬ما دام يخدم ثابتها الوحيد‪ ،‬أال وهو ضمان‬ ‫املصري العراقي‪ ،‬بحكم عدائها مع الهاشميين‪ ،‬مع‬
‫ّ‬
‫استمرار قبض حافظ أسد على السلطة‪ ،‬وتلك‬ ‫أنها وقعت مع سورية ومصر «مشروع اتفاقية اتحاد‬
‫البراغماتية كانت تتمتع بمرونة عالية‪ ،‬بالقدر الذي‬ ‫فيدرالي‪ ،‬بقيادة عسكرية وسياسة خارجية موحدة ‪،‬‬
‫ّ‬
‫يقتضيه كل موقف‪ ،‬ومما كان يمكن األسد من‬ ‫مع توحيد في األمور االقتصادية والثقافية» (((‪ ،‬األمر‬
‫تلك املرونة‪ ،‬استناده إلى وضع داخلي مضبوط ً‬ ‫ً‬
‫حد‬ ‫الذي اقترحته مصر بدياًل من ميثاق األمن الجماعي‬
‫ّ‬
‫الخنق‪ ،‬بوساطة قبضة أمنية شديدة‪ ،‬استندت إلى‬ ‫العربي‪ ،‬بعدما وقع العراق مع تركيا حلف بغداد‪،‬‬
‫مؤسسة أمنية واسعة‪ ،‬ومتعددة أشكال الوجود‬ ‫وهو االتفاق الذي لم يستكمل مساره‪ ،‬وانتهى بتاريخ‬
‫واملهمات‪ ،‬ينظمها والءان متكامالن‪ :‬والء لشخص‬ ‫‪ 2‬نيسان‪ /‬أبريل ‪ ،1955‬أما في مرحلة الوحدة‪ ،‬فلم‬
‫األسد وتوجهاته‪ ،‬ووالء للمؤسسة التي يعملون فيها‪،‬‬ ‫متحمسين ملصر‪ ،‬ألنها منافس‬ ‫ّ‬ ‫يكن السعوديون‬
‫تضاف إلى ذلك منظمات ضبط إضافية‪ ،‬كحزب‬ ‫إقليمي لهم‪ ،‬ال تريحهم زيادة قوتها‪.‬‬

‫ ((( باتريك سيل‪ ،‬الصراع على سورية‪ ،‬دراسة للسياسة العربية بعد الحرب العاملية الثانية ‪ ،1958-1945‬ترجمة سمير عبده ‪ -‬محمود فالحة‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪( ،1964‬دمشق‪ ،‬دار طالس للدراسات والترجمة والنشر‪ )1986 ،‬صفحة ‪.80‬‬
‫ ((( املصدر نفسه‪ ،‬صفحة ‪293.‬‬

‫‪8‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫البعث واملنظمات الشعبية والنقابات‪ ،‬وفوق ذلك‬


‫مجموعة من القوانين واملحاكم االستثنائية‪.‬‬
‫إن األسد الذي سعى إلى دور وظيفي في مستوى‬
‫حظي به من الدول‬‫َ‬ ‫اإلقليم‪ ،‬لتحصين نظامه‪ ،‬وقد‬
‫الفاعلة‪ ،‬بأكبر من مقاس نظامه والدولة التي‬
‫يديرها‪ ،‬بعد أن أثبت قدرته وفاعليته واستمراره‪،‬‬
‫كان قد بنى نهجه على مجموعة من القواعد‪ ،‬ومنها‬
‫(املراهنة على عامل الوقت‪ ،‬القدرة على التكيف‬
‫السريع مع املتغيرات‪ ،‬القدرة على املناورة وحيازة‬
‫أوراق الضغط‪ ،‬وعدم التفريط بها‪ ،‬القدرة على‬
‫قراءة التحوالت واقتناص الفرص‪ ،‬ولعل األخطر‬
‫ّ‬
‫هو االستعداد للعب في ساحات اآلخرين كلما كان له‬
‫مصلحة في ذلك)‪.‬‬
‫كان حافظ ً‬
‫ثابتا على نهجه بإصرار‪ ،‬لم يستثن‬
‫سياسيا من صرامة نهجه‪ ،‬حتى‬‫ً‬ ‫دولة تداخل معها‬
‫اململكة العربية السعودية التي مضت عالقتها املميزة‬
‫به على مدى عقود‪ ،‬وقد أورث ذلك النهج إلى ابنه‬
‫والطاقم العامل حوله‪ ،‬لكنهم لم يتقنوه بالكفاءة‬
‫التي كان يحوزها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬العالقات السعودية السورية في ذروة ازدهارها في املدة ‪2000-1970‬‬

‫في عهد األسد األب‪ ،‬على الرغم من الهزات التي قد‬ ‫عشية انقالب حافظ األسد ‪ ،1970‬كانت‬ ‫ّ‬
‫مرت بها في محطات مختلفة‪ ،‬أن تلك العالقات‬ ‫تمر بمرحلة من التوتر‬‫العالقات السعودية السورية ّ‬
‫قد ُبنيت بتأن وبراغماتية خاصة وبارعة‪ ،‬كادت‬ ‫الشديد‪ ،‬بسبب رفض النظام السوري طلب شركة‬
‫بناء على شعارات‬ ‫ً‬
‫تحالفيا‪ً ،‬‬ ‫تأخذ بمظهرها ً‬
‫بعدا‬ ‫تعرض لعملية‬‫(أرامكو) إصالح خط (التابالين) الذي ّ‬
‫فضفاضة‪ ،‬كالتضامن العربي وخدمة مصالح ّ‬
‫األمة‪،‬‬ ‫تخريب في األرا�ضي السورية‪ ،‬لكن هذا الوضع ّ‬
‫تغير‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تعاونا‬ ‫لكن في العمق كانت لحمة تلك العالقات‬ ‫واسعا أمام تطور نوعي في العالقات بين‬ ‫وفتح الباب‬
‫اتيا‪ ،‬وتبادل خدمات ومصالح حيوية‪،‬‬ ‫استخبار ً‬ ‫البلدين‪ ،‬مع وصول حافظ األسد‪ ،‬حيث إن موافقته‬
‫تبعا لحاجات كل طرف‪« ،‬فالسعودية بحكم ثقلها‬ ‫ً‬ ‫على القرارين ‪ 242‬و‪ 338‬املتعلقين بالصراع العربي‬
‫الخارجي‪ ،‬وعالقتها الخاصة مع الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫سياسيا ّ‬
‫بحق‬ ‫ً‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬تعني أن سورية قد قبلت‬
‫أخذت على عاتقها حماية ظهر النظام السوري‬ ‫إسرائيل بالوجود‪ ،‬وإفساح املجال أمام الحلول‬
‫الخطرة التي كانت تطاله عند كل‬
‫من االستهدافات ّ ُ‬ ‫السلمية‪ ،‬وقد كتبت صحيفة (نيويورك تايمز) عن‬
‫أزمة وقع فيها‪ ،‬أو كلما أحكم حوله طوق الحصار‪،‬‬ ‫هذا التطور‪« :‬املعجبون بالجنرال األسد ّ‬
‫يرحبون‬
‫في حين تكلفت دمشق بضبط التنظيمات املتطرفة‪،‬‬ ‫باستيالئه على السلطة في داخل حزب البعث‪،‬‬
‫ً‬
‫متوقعا منها أن تستهدف املصالح السعودية‬ ‫التي كان‬ ‫باعتبار ذلك يمثل انتصا ًرا غير متوقع للبراغماتية‬
‫ (((‬
‫ونظامها» ‪.‬‬ ‫على األيديولوجية» (((‪ ،‬وهناك أمر آخر وهو ضعف‬
‫تأثير دور خطاب عبد الناصر والبعث الراديكالي‬
‫ّإن استعراض محطات العالقة السياسية‪ ،‬بين‬ ‫وتراجعه بعد هزيمة ‪ ،1967‬وهنا ّ‬
‫يتبين أن األسد قرأ‪،‬‬
‫اململكة وسورية في مرحلة حكم األسد األب‪ ،‬في حاالت‬ ‫بواقعية سياسية‪ ،‬التداعيات الكبيرة التي ترتبت‬
‫توافقهما أو اختالفاتهما التي لم تظهر ً‬
‫غالبا للعلن‪،‬‬ ‫على الهزيمة‪ ،‬وكانت قناعته بأن العالم لن يسمح‬
‫ُيظهر أن حافظ األسد مارس كامل مفردات فلسفته‬ ‫ّ‬
‫بهزيمة إسرائيل‪ ،‬وأن الواقع العربي ال يوفر ميزان‬
‫الخاصة وأساليبها ضمن السياسة الخارجية التي‬ ‫قوى يكافئ ما كانت تنشده الخطابات العربية حيال‬
‫خطها لسورية‪ ،‬بما يضمن له استمرار نظامه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬وبمقدار ما وفر التطور األول‬
‫وتعزيز الدور الوظيفي الذي سعى إليه في املحيط‬ ‫تقارًبا مع املواقف السعودية‪ ،‬حيال الصراع العربي‬
‫ً‬
‫تحصينا لوضعه الداخلي‪.‬‬ ‫اإلقليمي‪،‬‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬املتوافقة بدورها مع النظرة األميركية‬
‫لحل هذا الصراع‪ ،‬فإن التطورين أتاحا للسياسة‬ ‫ّ‬
‫أ‪ -‬حرب تشرين ‪ :1973‬شكلت حرب تشرين‬
‫ً‬
‫واحدا من املنعطفات املهمة‪ ،‬في العالقات‬ ‫‪1973‬‬ ‫الخارجية السعودية أن تنشط بقوة في املسرح‬
‫ً‬
‫عموما‪ ،‬والسورية السعودية على‬ ‫البينية العربية‬ ‫العربي‪ ،‬حيث شهدت املدة ‪ 1973-1970‬ذروة عالية‬
‫ّ‬
‫وجه الخصوص‪ ،‬فتلك الحرب كان يمكن عدها‬ ‫في نشاط الدبلوماسية السعودية‪.‬‬
‫إن ما ّبينته مسيرة العالقات السورية السعودية واحدة من تداعيات هزيمة ‪ ،1967‬ومحاولة ُمتفهمة‬
‫باب‬
‫من الغرب واألنظمة العربية املعنية‪ ،‬لفتح ٍ‬
‫ ((( روبن رايت‪ ،‬سوريا في الصحافة العاملية‪ ،‬صحيفة (ذا نيويوركز) ترجمة موقع الغد األردني‪ ،‬تاريخ النشر ‪ 11‬نيسان‪ /‬أبريل ‪.2017‬‬
‫ ((( باتريك سيل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.294‬‬

‫‪10‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ارتكاز مهمة للواليات املتحدة في الشرق األوسط» (((‪،‬‬ ‫لحل الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬وإنجاز معاهدات‬
‫كما أن تدخل سورية كان ضرورًيا للدولة السعودية‪،‬‬ ‫سالم‪ ،‬جماعية إن أمكن‪ ،‬أو فردية بالتتالي‪ ،‬كما‬
‫من أجل الحفاظ على مصالحها الكبيرة في لبنان‪،‬‬ ‫واقعيا‪ ،‬لذلك شارك فيها عدد من الدول‬ ‫ً‬ ‫حصل‬
‫وبخاصة أن بيروت كانت حتى تلك الحرب أكبر مركز‬ ‫ً‬
‫العربية عسكريا بقوات رمزية (السعودية –األردن‪-‬‬
‫مالي في الشرق األوسط‪ ،‬فقد دعت السعودية إلى‬ ‫العراق ‪ -‬املغرب) على الجبهة السورية‪ ،‬والجزائر‬
‫اجتماع قمة سداسية في الرياض بتاريخ ‪ 16‬تشرين‬ ‫على الجبهة املصرية)‪ ،‬واملشاركة السعودية هنا‬
‫األول‪ /‬أكتوبر ‪ ،1976‬لشرعنة الوجود العسكري‬ ‫مهمة من جانبين‪ ،‬أولهما أنها املرة األولى التي تشارك‬ ‫ّ‬
‫السوري في لبنان‪ ،‬تحت مسمى قوات الردع‬ ‫فيها السعودية بقوة خارج حدودها؛ وثانيهما أنها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العربية‪ ،‬وقد تبنت الجامعة العربية مخرجات القمة‬ ‫باتت طرفا في الخطوات الالحقة‪ ،‬إن لم تكن طرفا‬
‫السداسية‪ ،‬وتكفلت السعودية بتحمل نفقات ‪30‬‬ ‫قر ًرا‪ ،‬فقد تلعب دور املسهل‪ .‬ثم جاء حظر النفط‬ ‫ُم َ‬
‫ألف جندي سوري» ( ((‪ ،‬وهذا التوافق السوري‬ ‫ً‬
‫وتاليا‬ ‫الذي شكل بما تركه من نتائج سياسية‪،‬‬
‫السعودي‪ ،‬بمشاركة أميركية‪ ،‬أثمر اتفاق الطائف‬ ‫«فوائض نقدية هائلة أتاحت للسعودية أن تزيد في‬
‫الذي وقع في الرياض بتاريخ ‪ 22‬تشرين األول‪ /‬أكتوبر‬ ‫مساعداتها الخارجية لدول الطوق‪ ،‬والدول العربية‬
‫‪ ،1989‬وأنهى الحرب األهلية اللبنانية‪ ،‬وقد أعطى‬ ‫غير النفطية‪ ،‬وكان لسورية حصة كبيرة معتبرة منها‪،‬‬
‫ً‬
‫مفتوحا إلدارة امللف اللبناني‪ ،‬سواء‬ ‫ً‬
‫تفويضا‬ ‫سورية‬ ‫حيث بلغت على سبيل املثال ‪ 15.1‬ما مقداره ‪ %‬من‬
‫من خالل النظام السيا�سي الذي انبثق من الطائف‪،‬‬ ‫قيمة املساعدات التي بلغت ‪ 6.6‬مليار دوالر في العام‬
‫أم حتى بشكل مباشر حتى عام ‪ ،2005‬وهنا حاز‬ ‫‪.((( »1977‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األسد بمساعدة السعودية فرصة وأوراقا إضافية‬
‫في رصيده‪ ،‬كي يثبت مرة أخرى أنه يمكن أن يكون‬ ‫ب‪ -‬الحرب األهلية اللبنانية‪ :‬كانت الحرب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫مساهما فاعاًل في ضبط إيقاع املنطقة‪ ،‬والتناغم مع‬ ‫األهلية اللبنانية (‪ )1976-1975‬وتدخل سورية‬
‫التوجهات األميركية تجاه الشرق األوسط‪ ،‬من دون‬ ‫عسكريا على خط تلك الحرب‪ ،‬بجهد سعودي‬ ‫ً‬
‫أن يعلن ذلك‪ ،‬وباملقابل بمرونة وبراغماتية واضحة‪،‬‬ ‫وأردني وبموافقة أميركية‪ »،‬حيث زار امللك حسين‬
‫راعى األسد ترؤس رفيق الحريري للوزارة اللبنانية‬ ‫واشنطن في نيسان‪ /‬أبريل ‪ ، 1976‬وأقنع اإلدارة‬
‫ً‬
‫سعوديا‪ ،‬لكنه في الوقت‬ ‫ألكثر من مرة‪ ،‬بصفته خيا ًرا‬ ‫األميركية باملوافقة على تدخل الجيش السوري‪،‬‬
‫ذاته استخدم الحريري في خدمة السياسة الخارجية‬ ‫ّ‬
‫الشرين‪ ،‬وأن تقنع إسرائيل برفع‬ ‫بوصفه أهون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتمادا على‬ ‫السورية‪ ،‬كلما عانت سورية ضغوطا‪،‬‬ ‫ ( ((‬
‫يدها عن لبنان في حال حصل التدخل» ‪ ،‬كانت‬
‫أن الحريري كان على عالقة خاصة ومميزة بالفرنسين‬ ‫فرصة ّ‬
‫مهمة لتشابك السياستين وتعاونهما‪ ،‬وجاءت‬
‫وبعض دول الغرب‪ ،‬وبأنه أحد تجليات السياسة‬ ‫كفرصة ثمينة اقتنصها األسد‪ ،‬وكانت أهم مدخل‬
‫الخارجية للسعودية‪.‬‬ ‫إلقرار الواليات املتحدة بالدور الوظيفي الذي كان‬
‫يبحث عنه األسد ‪« ،‬فبعد اجتماع األسد بجيمي‬
‫كارتر‪ ،‬في أيار‪ /‬مايو ‪ ،1977‬بات األسد بعدها نقطة‬

‫ ((( غسان سالمة‪ ،‬السياسة الخارجية السعودية منذ عام ‪ ،1945‬الطبعة األولى‪( ،‬الرياض‪ ،‬مركز اإلنماء العربي‪ ،)1980 ،‬ص ‪.334‬‬
‫ ((( محمد املناصير‪ ،‬صفحة من تاريخ األردن حلقة ‪ ،91‬وكالة عمون‪ ،‬تاريخ النشر ‪ 26‬شباط‪ /‬فبراير ‪https://2u.pw/EZsXXi ،2010‬‬
‫ ((( مقال للكاتب األميركي روبن رايت‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫ ((( ياسمين فاروق‪ ،‬لدى السعودية الوسائل الالزمة لبذل املزيد من أجل تعزيز مصالحها‪ ،‬مركز مالكوم كير كارنيغي الشرق األوسط‪ ،‬تاريخ‬
‫النشر‪https://carnegie.org/diwan/77772 :2018/11/23‬‬

‫‪11‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫ولوجستيا له‪ ،‬يضاف إلى ذلك اتهام النظام السوري‬ ‫ج‪ -‬الحرب العراقية اإليرانية‪ :‬نشبت الحرب‬
‫لألردن بدعم حركة اإلخوان املسلمين‪ ،‬إبان أحداث‬ ‫العراقية اإليرانية ‪ ،1988-1980‬وتباعد املوقفان‬
‫الثمانينيات‪ ،‬األمر الذي أدخل العالقات السورية‬ ‫السوري والسعودي تجاهها‪ ،‬حيث انحازت سورية‬
‫األردنية في حالة توتر شديد‪ ،‬وصل إلى درجة أن سورية‬ ‫إلى جانب إيران ودعمتها في تلك الحرب‪ ،‬في حين‬
‫حشدت قوات على حدود األردن‪ ،‬لكن السعودية‪،‬‬ ‫وقفت السعودية بقوة إلى جانب بغداد‪ ،‬وهنا‬
‫الجو لنزع فتيل األزمة‪ ،‬وجرى‬‫على طريقتها‪ ،‬هيأت ّ‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬على الرغم من التمايز في املواقف‪،‬‬
‫اإلخراج من خالل قرار مؤتمر القمة العربية الذي‬ ‫تبرز البراغماتية واملرونة ومتانة العالقة السورية‬
‫عقد في املغرب ‪ 20‬تشرين األول‪ /‬أكتوبر ‪،1985‬‬ ‫السعودية التي حبكها حافظ األسد‪ ،‬حيث جرى‬
‫حيث شكل املؤتمر لجنة إلنجاز مصالحة وتنقية‬ ‫تفهم هذا االفتراق من الطرفين كليهما‪ ،‬على خلفية‬
‫األجواء بين البلدين‪ ،‬مؤلفة من ولي العهد السعودي‬ ‫أن الطرفين كانا متفقين على أن تلك الحرب سوف‬
‫ُ‬
‫آنذاك عبد هللا بن عبد العزيز‪ ،‬ومحمد مزالي رئيس‬ ‫تضعف العراق وإيران‪ .‬فالسعودية كان يهمها أن‬
‫الوزراء التون�سي‪ ،‬والشاذلي القليبي األمين العام‬ ‫تضعف إيران‪ ،‬والنظام السوري كان يهمه إضعاف‬
‫للجامعة العربية‪ ،‬وقد استطاعت اللجنة إنجاز‬ ‫خصمه العراقي‪ ،‬وبالنظر إلى املوضوع من زاوية أخرى‬
‫املصالحة املطلوبة‪ ،‬إذ ّ‬
‫قدم العاهل األردني اعتذا ًرا‬ ‫تبدو قدرة األسد على املناورة واضحة‪ ،‬فقد استطاع‬
‫عما بدر من إساءات إلى سورية‪ ،‬لم يكن على علم‬ ‫‪-‬بتقية مضمرة‪ -‬أن يحافظ على عالقة متينة مع‬
‫بها‪ ،‬وهنا استطاع األسد إثبات قدرته وطول ذراعه‬ ‫طرفين خصمين في حالة حرب‪ ،‬بزعمه أن يريد أن‬
‫األمنية‪ ،‬من خالل الضغط على األردن وعقابه‬ ‫يبقي نافذة مفتوحة بين األمتين العربية واإليرانية‪،‬‬
‫أمنيا في ساحته‪ ،‬عبر محاولة اغتيال رئيس‬‫واللعب ً‬ ‫نافذة سوف تكلف العرب ً‬
‫كثيرا فيما بعد‪.‬‬
‫الوزراء األردني‪ ،‬ثم في الساحة اللبنانية حيث جرى‬
‫اختطاف السفير األردني في بيروت هشام املحيسن‪،‬‬ ‫د‪ -‬مبادرة السالم مع إسرائيل‪ :‬خالف آخر‬
‫واتهمت منظمة الصاعقة الفلسطينية التي تتبع‬ ‫مكبوتا‪ ،‬فقد رفضت سورية‬ ‫ً‬ ‫بين البلدين بقي‬
‫سورية بالعملية‪.‬‬ ‫والفلسطينيون مبادرة األمير فهد للسالم التي قدمها‬
‫للقمة العربية املنعقدة في فاس ‪ 25‬تشرين الثاني‪/‬‬
‫ه‪ -‬اتفاقية كامب ديفيد‪ :‬بعد توقيع مصر‬
‫نوفمبر ‪ ،1981‬ما اضطر األمير فهد إلى سحب‬
‫اتفاقية كامب ديفيد بتاريخ ‪ 17‬أيلول‪ /‬سبتمبر‬ ‫نهائيا‪ ،‬ولم يكن األسد ر ً‬ ‫املشروع ً‬
‫‪ّ ،1978‬‬ ‫افضا للمبادرة‬
‫تصدرت سورية الجهد العربي لعزل مصر‬
‫بحد ذاتها‪ ،‬إنما كان يراهن على الوقت‪ ،‬بأن يحظى‬
‫ومعاقبتها‪ ،‬وقد قررت قمة بغداد بتاريخ ‪ 2‬تشرين‬
‫بشروط سالم أفضل‪ ،‬بعد أن انفرد السادات بسالم‬
‫الثاني‪ /‬نوفمبر ‪ 1978‬قطع العالقات مع مصر‪،‬‬
‫ونقل ّ‬ ‫كامب ديفيد‪ ،‬وتقدير األسد بأن إسرائيل لن تعطيه‬
‫مقر الجامعة إلى تونس‪ ،‬وقطعت سورية‬
‫بالقدر الذي أعطته للسادات‪ ،‬بما كان يقتضيه ثقل‬
‫عالقتها بمصر بتاريخ ‪ 5‬كانون األول‪ /‬ديسمبر ‪،1978‬‬
‫مصر الجيوسيا�سي‪ ،‬ومبادرة السادات للدخول في‬
‫واستمر القطع حتى عام ‪ ،1989‬وعلى الرغم من‬
‫مفاوضات سالم مع إسرائيل‪ ،‬ونتيجة لذلك سعى‬
‫التزام السعودية بقرار قمة بغداد‪ ،‬في هذه املرحلة‪،‬‬
‫األسد إلى تشكيل جبهة الصمود والتصدي‪ ،‬من‬
‫فإن العالقات بين البلدين استمرت بطرائق مختلفة‪،‬‬
‫مواز لثقل مصر‪ ،‬لكنه لم ُيفلح في‬‫أجل تأمين ثقل ٍ‬
‫بخاصة استمرار املساعدات السعودية بشكل‬
‫ذلك املسعى‪ ،‬بسبب االصطفافات العربية الحادة‬
‫معلن‪ ،‬بدعوى أن السعودية لن تعاقب الشعب‬
‫على خلفية الحرب العراقية اإليرانية‪ ،‬حيث وقف‬
‫املصري‪ ،‬وهنا يمكن االستنتاج بدرجة من املعقولية‪،‬‬ ‫عمقا استر ً‬ ‫وشكل ً‬‫ّ‬
‫اتيجيا‬ ‫األردن إلى جانب العراق‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫الرغم من أن الواليات املتحدة لم تكن بحاجة إلى‬ ‫بناء على طبيعة عمل السياسة الخارجية السعودية‬
‫تقدم مشاركته‬‫همها أن ّ‬ ‫ً‬
‫عسكريا‪ ،‬بل كان ّ‬ ‫مشاركته‬ ‫وطريقتها وعالقتها مع الطرفين‪ ،‬كما موقفها غير‬
‫جزءا من التغطية السياسية العربية للحرب‪ ،‬فقد‬ ‫ً‬ ‫الحدي من اتفاقية السالم املصرية اإلسرائيلية‪،‬‬
‫حاز بداية على ضوء أخضر أميركي سمح له بإنهاء‬ ‫ّأن السعودية لعبت دورها إلعادة العالقات بين‬
‫ظاهرة عون التي شكلت له إز ً‬
‫عاجا في لبنان‪ ،‬بحكم‬ ‫سورية ومصر‪ ،‬وقد أسس هذا األمر‪ ،‬على الرغم من‬
‫ً‬
‫ونظرا إلى‬ ‫تعاون األخير مع خصمه النظام العراقي‪،‬‬ ‫استمرار االلتزام املصري بكامب ديفيد‪ ،‬ملرحلة من‬
‫ّ‬
‫تناغم املوقفين السوري والسعودي‪ ،‬فقد وفر‬ ‫التعاون الثالثي الفاعل طوال عقد التسعينيات‪،‬‬
‫لسورية استمرار الدعم املالي والسيا�سي‪ ،‬وذلك‬ ‫ضم سورية ومصر إلى جانب السعودية‪ ،‬وبرزت‬
‫ً‬
‫«نتيجة لتعميق األسد عالقته الشخصية مع‬ ‫فاعليته باشتراك األطراف الثالثة في حرب الخليج‬
‫ولي العهد السعودي حينذاك األمير عبد هللا بن‬ ‫مهما‬ ‫الثانية (تحرير الكويت)‪ ،‬كما لعبت مصر ً‬
‫دورا ً‬
‫عبد العزيز» ( ((‪ .‬وعلى الرغم من أن حافظ األسد‬ ‫في نزع فتيل األزمة بين تركيا وسورية‪ ،‬على خلفية‬
‫كان ينظر إلى دول الخليج عامة‪ ،‬والسعودية على‬ ‫قضية عبد هللا أوجالن وتوقيع اتفاق أضنة األمني‬
‫وجه الخصوص ( ((‪ ،‬بوصفها مصد ًرا الستجرار‬ ‫بتاريخ ‪ 20‬تشرين األول‪ /‬أكتوبر ‪ ،1998‬وهنا ً‬
‫أيضا‬
‫غالبا‪ ،‬أو ً‬
‫ثمنا ألدوار مطلوبة‪ ،‬أو‬ ‫طوعا ً‬‫املساعدات‪ً ،‬‬ ‫برزت قدرة األسد على التكيف مع املتغيرات وتغيير‬
‫ً‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬فإنه يمكن القول إن العالقة‬ ‫ابتزا ًزا‬ ‫االتجاه ‪،‬عندما رأى جدية التهديدات التركية‪ ،‬من‬
‫السعودية السورية‪ ،‬طوال حكم حافظ األسد‪،‬‬ ‫دون أن تقيده فكرة الثوابت التي يتغنى بها إعالمه‪،‬‬
‫قد سارت على درجة من التوافق والفاعلية‪ ،‬كما‬ ‫واستثماره في العالقات مع اآلخرين عند املنعطفات‬
‫لم تشهده العالقة بين أي دولتين عربيتين أخريين‪،‬‬ ‫الخطرة التي ّ‬
‫مر بها ‪.‬‬
‫ً‬
‫مستفيدا‬ ‫حيث أدارها حافظ األسد بمهارة عالية‪،‬‬
‫من طبيعة ومحددات السياسة الخارجية السعودية‪.‬‬ ‫لقد تمكن هذا التعاون الثالثي من التأثير وضبط‬
‫اإليقاع في عمل النظام العربي والتوترات املتنقلة‬
‫فيه بقدر اإلمكان‪ ،‬ذلك أن النظام العربي كان قد‬
‫بدأ مسيرة تراجعه بعد حرب الخليج الثانية‪.‬‬

‫و‪ -‬حرب الخليج الثانية‪:‬‬


‫ضم ‪ 35‬دولة قادته الواليات‬‫بتحالف دولي ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مرغما من الكويت في مطلع‬ ‫املتحدة‪ ،‬أخرج العراق‬
‫عام ‪ ،1991‬بعد احتالله الكويت في آب‪ /‬أغسطس‬
‫تحملت السعودية القسط األكبر من‬ ‫‪ ،1990‬وقد ّ‬
‫التقديمات اللوجستية والتكلفة املالية للحرب‪،‬‬
‫وجاءت الفرصة لألسد ملمارسة قدراته على قراءة‬
‫التحوالت واقتناص الفرص‪ ،‬فأرسل قوات رمزية‪،‬‬
‫ً‬
‫عسكريا بهذه الحرب‪ ،‬وعلى‬ ‫شاركت سورية عبرها‬

‫ ((( املصدر السابق‪.‬‬


‫ ( (( مقابلة مع األمير بندر بن سلطان أجرتها معه إندبندت عربية وأعاد عرضها تلفزيون سوريا ‪ Syria tv‬بتاريخ ‪2019/2/6‬‬

‫‪13‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬العالقات السياسية السورية السعودية في املدة الزمنية ‪2010-2000‬‬

‫القوات األجنبية من لبنان‪ ،‬واملقصود هنا القوات‬ ‫على الرغم من تزايد القلق السعودي‪ ،‬تجاه تعاظم‬
‫السورية املوجودة فيه منذ عام ‪ ،1976‬وحتى اتفاق‬ ‫النفوذ اإليراني في لبنان‪ ،‬فإن اململكة كانت تريد‬
‫الطائف عام ‪ 1989‬بشرعية عربية‪ ،‬لكنه استمر في‬ ‫استمرار العالقة بين البلدين على الوتيرة التي كانت‬
‫وجوده هناك‪ ،‬كأمر واقع حتى نيسان‪ /‬أبريل ‪،2005‬‬ ‫عليها في عهد األسد األب طوال ثالثة عقود ( ((‪ ،‬وربما‬
‫إذ اضطر إلى االنسحاب من األرا�ضي اللبنانية كافة‪،‬‬ ‫ساهمت السعودية بقدر ما ‪-‬بحكم عالقتها بالواليات‬
‫كواحدة من تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني‬ ‫املتحدة‪ -‬في تمرير عملية التوريث بشكل سلس‪ ،‬مثل‬
‫ً‬ ‫السابق فيق الحريري الذي كان ّ‬ ‫ً‬
‫يعد ممثاًل لنفوذ‬ ‫ر‬ ‫ما كان مخططا له من األسد األب‪ ،‬وهذا يؤكده‬
‫اململكة في لبنان‪.‬‬ ‫بندر بن سلطان‪ ،‬في شهادة له لصحيفة إندبندت‬
‫عربية‪ُ ،‬عرضت على تلفزيون سوريا املعارض بتاريخ‬
‫هذه األحداث وغيرها دفعت العالقات السعودية‬ ‫سوقت‬‫‪ 6‬شباط‪ /‬فبراير ‪ ،2019‬بقوله‪« :‬السعودية ّ‬
‫السورية إلى حالة عميقة من التدهور‪ ،‬لم يكن‬ ‫بشار األسد لدى الواليات املتحدة والدول العربية‪،‬‬
‫متوقعا أن تسير على هذا النحو‪ ،‬بحيث تباينت‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تنفيذا لوعد قطعه األمير عبد هللا بن عبد العزيز‬
‫الرؤى والسياسات بين البلدين‪ ،‬بمقدار ما كان‬ ‫ولي العهد‪ ،‬لبشار األسد‪ ،‬عندما جاءه ً‬
‫معزيا بوفاة‬ ‫ّ‬
‫يتعمق التحالف السوري مع إيران التي باتت بعد‬ ‫أبيه» ( ((‪.‬‬
‫الغزو األميركي للعراق ‪-‬بسبب استراتيجيتها التوسعية‬
‫في املنطقة وإيقاظها النعرات الطائفية كأحد مفرزات‬‫تقدمت السعودية بمبادرة األمير عبد هللا للسالم‬
‫حركة التشيع التي أطلقتها في أكثر من دولة‪ً -‬‬
‫خطرا‬ ‫إلى مؤتمر القمة العربية املنعقد في بيروت عام ‪،2002‬‬
‫يهدد األمن الوطني السعودي بشكل وجودي‪ ،‬وهو‬ ‫تبنتها القمة تحت اسم مبادرة السالم العربية‪،‬‬‫وقد ّ‬
‫َ ْ‬
‫الذي يأتلف على حساسية خاصة تجاه األخطار‬ ‫ولم ت ُرق املبادرة للنظام السوري‪ ،‬لكنه لم يشأ‬
‫يخيا‪ ،‬وفي مقدمتها‬‫اإلقليمية التي يحسب لها تار ً‬ ‫االصطدام مع السعودية حينها‪ ،‬واتخذ ً‬
‫موقفا يمكن‬
‫الخطر اإليراني‪ .‬ويمكن الوقوف على ثالثة ملفات‬ ‫أن يسمى «التحفظ املرن» الذي يفتح الباب أمام‬
‫أساسية في املنطقة‪ ،‬تضاربت حولها السياسات‬ ‫إمكانية إجراء تعديالت عليها‪ ،‬فيما يخص حركات‬
‫التي اعتمدتها الدولتان السعودية والسورية في هذه‬ ‫املقاومة الفلسطينية‪ ،‬والنص على االنسحاب من‬
‫ً‬ ‫املرحلة‪ ،‬تركزت أوًاًل في لبنان‪ً ،‬‬
‫وثانيا في العراق‪ ،‬وثالثا‬ ‫الجوالن‪ ،‬فراح يزيد في خطاب املمانعة واملقاومة‪،‬‬
‫حول القضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫وفي مناخات التوتر الدولي التي أشاعتها أحداث‬
‫الحادي عشر من أيلول‪ ،‬والحرب الدولية على‬
‫أ‪ -‬في امللف اللبناني‪:‬‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬فثمة أحداث وغيوم راحت تتراكم في أجواء‬
‫العالقات السعودية السورية‪ ،‬من الغزو األميركي‬
‫في مناخات الغزو األميركي للعراق‪ ،‬والقلق الذي‬ ‫للعراق ‪ 15‬آذار‪ /‬مارس ‪ ،2003‬إلى القرار األممي‬
‫ى‬
‫رقم ‪ 1559‬أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ 2004‬الذي ق�ضى بخروج اعتر النظام السوري في إثره‪ ،‬واإلعاقة العنيدة‬

‫ ( (( مركز الجزيرة للدراسات‪( ،‬العالقات السعودية‪-‬السورية مرحلة مفصلية) تاريخ النشر ‪https://2u.pw/KcklKm -2010/11/15‬‬
‫ ( (( سعد محيو‪ ،‬ملاذا زار األسد بيروت‪ ،‬موقع ‪ ،SWI swissinfo.ch‬تاريخ النشر ‪https://2u.pw/0OVXPj :2002/3/4‬‬

‫‪14‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫امتدادا للحريرية والنفوذ السعودي‪ ،‬وبالقدر ذاته‬ ‫التي أبداها النظام وحلفاؤه في لبنان النتخاب رئيس‬
‫لفك عزلة األسد السياسية‪ ،‬لكن‬ ‫جهد سعودي ّ‬ ‫دد له ثالث‬ ‫خلفا إلميل لحود الذي ُم َ‬ ‫جمهورية‪ً ،‬‬
‫الجهد السعودي لم يعط النتيجة التي كانت تسعى‬ ‫سنوات‪ ،‬استطاعت لولبيات املعارضة اللبنانية في‬
‫لها اململكة‪ ،‬ألن التحالف السوري اإليراني‪ ،‬على ما‬ ‫الخارج أن تثمر تحركاتها باستصدار القرار األممي‬
‫اتيجيا وأعمق من أن‬ ‫بينته األحداث ً‬
‫الحقا‪ ،‬كان استر ً‬ ‫‪« 2004/1559‬قانون محاسبة سورية» الذي أرجعه‬
‫تحله املبادرات السعودية‪.‬‬ ‫النظام إلى جهد رفيق الحريري‪ ،‬وبخاصة أن الحريري‬
‫ترددا‪ ،‬في ما يخص التمديد للحود‪ ،‬األمر الذي‬ ‫أبدى ً‬
‫ب‪ -‬في امللف العراقي‪:‬‬ ‫وضع النظام السوري في شبهة اتهام اغتياله‪ ،‬أو في‬
‫الدفع إلى االغتيال من وجهة النظر السعودية التي‬
‫إن اندالع الحرب العراقية اإليرانية ‪ 1980‬التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مباشرا‬ ‫اعتبرت أن عملية االغتيال تمثل استهدافا‬
‫انبنت على االندفاعة الخمينية بتصدير الثورة‬ ‫لنفوذها القلق في لبنان الذي راح يتراجع ملصلحة‬
‫ً‬
‫موقفا‬ ‫إلى جواره الغربي ‪-‬حيث أخذ حافظ األسد‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫النفوذ اإليراني‪ ،‬لكن على الرغم من الجهد السعودي‬
‫علنيا إلى جانب إيران بزعم أنه يريد أن يبقي‬ ‫مع أطراف دولية أخرى‪ ،‬بأن تحدد صيغة املحكمة‬
‫نافذة مفتوحة بين العرب واإليرانيين‪ -‬شكل نقطة‬ ‫الدولية الخاصة باغتيال الحريري‪ ،‬واالغتياالت التي‬
‫انعطاف في اطمئنان السعوديين لرسوخ عالقتهم‬ ‫طالت بعدها قيادات من قوى ‪ 14‬آذار‪ ،‬بأال توجه‬
‫بالنظام السوري‪ ،‬ذلك أنه ال قصة النافذة‪ ،‬وال‬ ‫اتهامها إلى دول أو أحزاب‪ ،‬وأن يقتصر االتهام على‬
‫الخالف العراقي السوري املزمن‪ ،‬كانتا مقنعتين‪،‬‬ ‫أفراد ومحاكمتهم‪ ،‬فإن ثمة محطات كانت تباعد‬
‫فالسعوديون لم يكونوا على طول تاريخهم ّ‬
‫أقل‬
‫ً‬ ‫بين توجهات الدولتين في الساحة اللبنانية‪ ،‬ومنها‬
‫توجسا من سياسات العراق تجاههم‪ ،‬لكن في هذه‬ ‫ً‬
‫واضحا‪،‬‬ ‫حرب ‪ ،2006‬حيث كان املوقف السعودي‬
‫الحرب لعب ترتيب السعوديين لدرجة الخطر‬ ‫بتحميل مسؤولية اندالعها لحزب هللا‪ ،‬وما تبعه من‬
‫الناشئة‪ ،‬حيث إيران الخمينية املتلبسة بالدين ّ‬
‫أشد‬ ‫نعت األسد لبعض حكام الخليج‪ ،‬بـ «أشباه الرجال»‪،‬‬
‫خطرا عليهم‪ ،‬ثم براغماتية حافظ األسد‪ ،‬ومشاركته‬ ‫ً‬
‫ثم جاء اجتياح حزب هللا بيروت الغربية‪ ،‬في ما عرف‬
‫في حرب الخليج الثانية‪ ،‬والتعاون السوري السعودي‬ ‫بأحداث ‪ 7‬أيار‪ /‬مايو ‪ ،2008‬وتبعه التدخل القطري‬
‫في لبنان وفي ملفات أخرى‪ ،‬لعب ً‬
‫دورا في أنه أبقى هذا‬ ‫وعقده اتفاق الدوحة الذي أعطى حزب هللا الثلث‬
‫ً‬
‫مستورا‪.‬‬ ‫الشرخ النا�شئ في العالقة بينهما‬ ‫ّ‬
‫املعطل في تشكيلة الحكومات اللبنانية‪ ،‬ما عنى‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫جاء الغزو األميركي للعراق عام ‪ 2003‬ليزيد الخرق‬ ‫عمليا تحكم حزب هللا في الدولة اللبنانية والقرار‬
‫في نسيج العالقات السعودية السورية‪ ،‬ففي الوقت‬ ‫اللبناني حتى اآلن‪.‬‬
‫الذي حملت فيه السعودية سبب الغزو لروح التهور‬ ‫كانت العالقات السعودية السورية تسير نحو‬
‫واملغامرة‪ ،‬التي يتصف بها الرئيس العراقي‪ ،‬كان النظام‬ ‫مزيدا من الضرر بمصالح‬ ‫األسوأ‪ ،‬األمر الذي ألحق ً‬
‫السوري قد انخرط والنظام اإليراني في دعم القوى‬ ‫الطرفين‪ ،‬وملا كان الهاجس األساس لدى السعودية‬
‫السنية التي قاومت االحتالل األميركي‪ ،‬من أجل إقالق‬ ‫هو جبر الضرر بالعالقة بين البلدين‪ ،‬ومحاولة‬
‫َ‬
‫األميركيين في العراق ودفعهم إلى الخروج‪ ،‬كي يبقى‬ ‫سحب األسد من الحضن اإليراني‪ ،‬فقد ق ِد َم امللك‬
‫العراق تحت الوصاية اإليرانية الصرفة‪ ،‬وفتحت‬ ‫عبد هللا إلى دمشق عام ‪ ،2008‬ثم اصطحب األسد‬
‫سورية حدودها أمام تدفق الجهاديين اإلسالميين‬ ‫معه إلى بيروت عام ‪ ،2010‬على أمل تهدئة األجواء بينه‬
‫من كل الدول‪ ،‬ومنها السعودية‪ ،‬للدخول إلى العراق‪،‬‬ ‫وبين قوى ‪ 14‬آذار‪ ،‬ومحاولة تسويق سعد الحريري‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫نكوص حركة حماس عن اتفاق مكة الذي‬ ‫ُ‬ ‫الطين بلة‬ ‫من دون أن يغيب عن املشهد القدر الذي ساهمت‬
‫أبرم بين فتح وحماس شباط‪ /‬فبراير ‪ 2008‬برعاية‬ ‫فيه إيران في ترتيب صفوف املعارضة العراقية‬
‫سعودية‪ ،‬ورأت فيه الرياض قرا ًرا إير ً‬
‫انيا‪ ،‬بغية‬ ‫الشيعية املرتبطة بها‪ ،‬وكذلك املعارضة الكردية‬
‫تحمل حركة‬‫اإلبقاء على االنقسام الفلسطيني‪ ،‬وهي ّ‬ ‫خلف الغزو األميركي‪ ،‬ثم جاءت فتوى املرجعية‬
‫حماس مسؤولية الحروب اإلسرائيلية على القطاع‬ ‫الشيعية العراقية‪ ،‬بتحريم مقاومة االحتالل األميركي‬
‫بعد ذلك‪ ،‬نتيجة للعالقة التي تربط حماس بإيران‬ ‫والبريطاني للعراق‪ ،‬ما حصر مقاومة الغزو األميركي‬
‫بشكل متزايد‪.‬‬ ‫السني‪ .‬وفي الوقت الذي ال يكفي فيه ّ‬
‫تذرع‬ ‫باملكون ّ‬
‫ّ‬
‫النظام السوري بأنه كان يخ�شى أن تتابع القوات‬
‫في الطرف اآلخر من العالقة السعودية السورية‪،‬‬ ‫األميركية سيرها نحو سورية‪ ،‬لتفسير موقفه‪ ،‬ذلك‬
‫في ما يخص املوقف من القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫أن جوهر املطالب األميركية التي حملها كولن باول‬
‫كانت دمشق ‪-‬في سياق خطابها الداعي إلى املقاومة‬ ‫إلى دمشق عام ‪ 2003‬كانت تركز على تغيير سلوك‬
‫ودعمها لعالقة حماس مع إيران‪ ،‬لكن ليس‬ ‫ّ‬
‫النظام وليس تغييره‪ ،‬فقد أكدت تطورات األحداث‬
‫على حساب عالقتها الحسنة مع رئيس السلطة‬ ‫في السنوات التالية أن املوقف السوري كان ً‬
‫تعبيرا‬
‫ُ‬
‫الفلسطينية‪ -‬كانت تشكك في جدوى استمرار مسار‬ ‫عن أن التحالف السوري اإليراني اتخذ ً‬
‫منحى‬
‫أوسلو‪ ،‬واملفاوضات مع الجانب اإلسرائيلي‪ ،‬ولم‬ ‫استر ً‬
‫اتيجيا‪ ،‬وأثمر خروج العراق من عمقه العربي‪،‬‬
‫تساهم في رأب الصدع الفلسطيني‪ ،‬وكانت العين‬ ‫وأوقعه في القبضة اإليرانية بمساعدة الواليات‬
‫السعودية تالحق النفوذ اإليراني املتزايد في الساحة‬ ‫ّ‬
‫شيعي عراقي‪ ،‬قدم خياراته‬ ‫املتحدة‪ ،‬وواقع اجتماعي‬
‫الفلسطينية‪ ،‬الذي ترى فيه ً‬
‫خطرا على أمنها‪ ،‬وعلى‬ ‫وهواه نحو إيران على حساب بعده العربي‪ ،‬األمر‬
‫املصالح الفلسطينية في آن واحد‪.‬‬ ‫الذي رفع منسوب القلق السعودي‪ ،‬تجاه الخطر‬
‫إن االضطراب والتدهور الذي وسم العالقات‬ ‫اإليراني الذي اقترب من خاصرتها الشمالية‪.‬‬
‫السعودية السورية‪ ،‬في العقد األول من األلفية‬
‫الثالثة‪ ،‬يمكن إرجاعه إلى التبدل الذي طال أولويات‬ ‫ج‪ -‬في امللف الفلسطيني‬
‫كل طرف وتحالفاته‪ ،‬ويرى فيها إضرا ًرا بمصالحه‪،‬‬ ‫ً‬
‫واضحا منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد‬ ‫كان‬
‫في كل امللفات التي تشابكت فيها العالقات‪ ،‬وإذا‬
‫كان ّ‬ ‫بين مصر وإسرائيل ‪ ،1979‬واملوقف السعودي‬
‫هم السعودية األول هو خطر التوسع اإليراني‬
‫امللتبس والغامض حيال املوقف العربي من نظام‬
‫الذي بات يحاصرها من العراق واليمن وفي لبنان‪،‬‬ ‫ً‬
‫فإن ّ‬ ‫السادات‪ ،‬أن تبداًل في السياسة السعودية قد أخذ‬
‫هم النظام السوري كان‪ ،‬وما يزال‪ ،‬يتجسد في‬
‫طريقه إلى التبلور‪ ،‬ومحاولة تعميمه بالقدر الذي‬
‫املحافظة على استمراره‪ ،‬وأن تحالفه االستراتيجي‬
‫تسمح معطيات الواقع العربي الذي يقوم على أن‬
‫مع إيران يصب في هذا الهدف‪ ،‬بالقدر ذاته الذي‬
‫السعودية باتت تنحاز إلى خيار السالم في الصراع‬
‫ينظر فيه إلى أن التحالف السعودي األميركي أم�سى‬
‫ً‬ ‫العربي اإلسرائيلي‪ ،‬من هنا كانت مبادرة األمير فهد‬
‫خطرا يهدده‪ ،‬وبخاصة إبان الغزو األميركي للعراق‪،‬‬
‫في قمة فاس ‪ ،1981‬وكذلك مبادرة السالم العربية‬
‫وبمقدار ما كان الخالف يتعمق في امللف اللبناني‪،‬‬
‫‪ ،2002‬لذلك نظرت السعودية بريبة إلى سيطرة‬
‫«كانت تثار شكوك حقيقية لدى أطراف سعودية‬
‫(حماس) على قطاع غزة حزيران‪ /‬يونيو‪، 2007‬‬
‫نافذة حول حقيقة الدور السوري في املنطقة‪ ،‬من‬
‫وأيدت موقف السلطة الفلسطينية في رام هللا‪ ،‬وزاد‬
‫أن سورية تمارس الخداع السيا�سي مع اململكة‪ ،‬وال‬

‫‪16‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫يمكن الوثوق بها» ( ((‪.‬‬


‫كثيرا البحث عن تفسير سيا�سي ملوقف‬ ‫يصعب ً‬
‫النظام‪ ،‬ومقاومته الضغوط واإلغراءات الخليجية‬
‫واألميركية‪ ،‬وبخاصة السعودية منها‪ ،‬لفك عالقته‬
‫بإيران‪ ،‬أو على األقل إرجاعها إلى املستوى الذي‬
‫أدارها به حافظ األسد على مدى عقدين من الزمن‪،‬‬
‫ً‬
‫منطقيا القول «بأن األسد لم يكن يثق‬ ‫وال يبدو‬
‫بالسعودية‪ ،‬للدفاع عن سورية ضد التهديدات‬
‫األميركية‪ ،‬بسبب تواؤم السياسات السعودية‬
‫واألميركية في الشرق األوسط» ( ((‪ ،‬ذلك أن السياسة‬
‫تعد األسد إحدى ركائزها في الشرق‬‫األميركية كانت ّ‬
‫األوسط‪ ،‬منذ أن اجتمع الرئيس األميركي جيمي كارتر‬
‫بحافظ األسد بجنيف مايو‪ /‬أيار ‪.1977‬‬

‫ ( (( محمد بن هويدن‪ ،‬دالالت املوقف السعودي من سورية‪ ،‬موقع البيان‪ ،‬تاريخ النشر ‪https://2u.pw/mdKne0 ،2011/8/14‬‬
‫ ( (( مذكرات هيالري كلينتون خيارات صعبة‪ ،‬ترجمة ميري يونس باالشتراك مع ساندي الشامي وروزي حاكمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬شركة‬
‫املطبوعات للنشر والتوزيع (ش م ل)‪ ،‬عام ‪ ،2015‬صفحة ‪.439‬‬

‫‪17‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬العالقات السورية السعودية بعد عام ‪2011‬‬

‫في مرحلة انتقالية‪ ،‬تف�ضي إلى انتقال سورية عبر‬ ‫لم تكن العالقات السورية السعودية‪ ،‬عشية‬
‫مجموعة من الخطوات‪ ،‬نحو نظام تعددي‪ ،‬لكن‬ ‫انطالقة الثورة السورية في آذار‪ /‬مارس ‪ ،2011‬على‬
‫النظام رفضها‪ ،‬ما حدا بالجامعة إلى نقل امللف‬ ‫عهدها الذي طاملا حرصت عليه السعودية في أن يكون‬
‫إلى األمم املتحدة‪ ،‬طالبة مشاركتها في وقف العنف‬ ‫جريا على نهج السياسة السعودية‬ ‫بحالة جيدة‪ ،‬لكن ً‬
‫املتصاعد‪ ،‬عبر إرسال قوة أممية عربية مشتركة‪،‬‬ ‫بتفضيلها العمل بسرية‪ ،‬وخلف الكواليس ما أمكنها‬
‫وفرض حل في إطار ما جاءت به املبادرة الثانية‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد التزمت الصمت خمسة أشهر‪ ،‬من دون أن‬
‫وعلقت عضوية سورية بالجامعة‪ ،‬وطالبت الجامعة‬ ‫يعني ذلك أنها كانت تؤثر عدم االكتراث‪ ،‬بل قدمت‬
‫الدول األعضاء‪ ،‬بقطع عالقاتها الدبلوماسية مع‬ ‫املساعدات العاجلة للنظام‪« ،‬من ضمن محاوالتها‬
‫ً‬
‫وماديا‪ ،‬مع تقديم‬ ‫ً‬
‫سياسيا‬ ‫سورية‪ ،‬ودعم املعارضة‬ ‫إقناعه بسلوك طريق اإلصالح‪ ،‬ووقف الحل األمني‬
‫السالح للمعارضة‪ ،‬وقد التزمت دول الخليج‪ ،‬عدا‬ ‫ً‬
‫نجاحا ( ((‪،‬‬ ‫العسكري‪ ،‬دون أن تصيب جهودها‬
‫ُعمان‪ ،‬وبعض الدول العربية األخرى‪ ،‬بتوصية‬ ‫فكانت كلمة امللك عبدهللا بتاريخ الثامن من آب‪/‬‬
‫الجامعة‪ ،‬في حين حافظت بعضها على عالقتها‬ ‫أغسطس ‪ 2011‬عالية النبرة والحزم‪ً ،‬‬
‫تعبيرا عن أن‬
‫بالنظام‪ ،‬وبعضها ساعده في الجهد العسكري‪ ،‬وفي‬ ‫السعودية قد طفح فيها الكيل‪ ،‬وأن النظام ماض في‬
‫هذا السياق‪ ،‬تقول هيالري كلينتون‪ ،‬في مذكراتها‬ ‫حله األمني‪ ،‬وتأتي أهمية املوقف السعودي املعلن‬
‫عن هذه املرحلة‪ ،‬إن سعود الفيصل‪ ،‬بعد مشاهد‬ ‫من أنه جاء على لسان امللك عبد هللا‪ ،‬أكثر ملوك‬
‫ً‬
‫العنف الدموية التي مارسها النظام‪ ،‬قال في تونس‪:‬‬ ‫السعودية عالقة بسورية على مدى عقود»(‪،)13‬‬
‫«إن تزويد الثوار باألسلحة فكرة ممتازة» ( ((‪.‬‬ ‫ً‬
‫حاضرا‬ ‫ومن املؤكد أن الدور األبرز للسعودية كان‬
‫في كل خطوات جامعة الدول العربية‪ ،‬في مبادرتيها‪:‬‬
‫ثمة أكثر من دافع وراء املوقف السعودي‪،‬‬ ‫األولى في السادس من أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ 2011‬التي‬
‫ً‬
‫ففضاًل عن العامل اإليراني الذي راح ُيظهر تدخله‬ ‫وضعت خريطة طريق للخروج من األزمة تقوم على‬
‫املباشر عبر حزب هللا‪ ،‬ومستشاري الحرس الثوري‬ ‫عملية إصالح سيا�سي‪ ،‬يقوم بها النظام بعد وقف‬
‫ً‬
‫اإليراني‪ ،‬وفضاًل عن ضرورة «أن تسجل اململكة‬ ‫أعمال العنف‪ ،‬عبر الحوار مع املعارضة وبمساعدة‬
‫حضورها اإلقليمي‪ ،‬في وقت راحت تتقدم فيه إيران‬ ‫الجامعة‪ ،‬لكن مراوغة النظام‪ ،‬وانسحاب املراقبين‬
‫وتركيا مللء الفراغ األمني في املنطقة العربية» ( ((‪،‬‬ ‫اقبا من بعثة الدابي‪،‬‬ ‫الخليجيين وعددهم ‪ 21‬مر ً‬
‫كان هناك هاجسان ال يقالن أهمية عن الخطر‬ ‫أنهيا املبادرة األولى‪ ،‬ودفع الجامعة للتقدم باملبادرة‬
‫الذي يمثله تموضع إيران وتحكمها في سورية‪ ،‬أولهما‬ ‫الثانية كانون الثاني‪ /‬يناير ‪ 2012‬التي حاكت املبادرة‬
‫«هاجس املنظمات الجهادية العابرة للحدود التي‬ ‫الخليجية تجاه اليمن‪ ،‬وتقوم في جوهرها على الطلب‬
‫فرختها القاعدة‪ ،‬كداعش والنصرة وغيرهما‪ ،‬التي‬ ‫من األسد تسليم األسد السلطة لنائبه‪ ،‬والدخول‬
‫راحت تتدفق على سورية والتي لن تتوانى عن إيذاء‬
‫ ( (( محمد بن هويدن‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫ ( (( فريدريك ويري‪ ،‬الحسابات الخليجية في الصراع السوري‪ ،‬مركز مالكوم كير‪ -‬كارنيغي الشر األوسط‪ ،‬تاريخ النشر ‪ 12‬حزيران‪ /‬يونيو‬
‫ق‬
‫‪https://2u.pw/tdIzQk 2014‬‬
‫ ( (( نجمة املوسوي‪ ،‬السعودية والصراع حول سورية‪ ،‬تاريخ النشر ‪،2014 /1/25‬‬

‫‪18‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫ودوليا بترتيبات انتقال‬ ‫ً‬
‫وإقليميا‬ ‫امللك سلمان ً‬
‫محليا‬ ‫اململكة‪ ،‬إذا سنحت لها الفرصة‪ ،‬وثانيهما توسع نفوذ‬
‫السلطة إلى الجيل الثاني من آل سعود (انتقال‬ ‫حركة اإلخوان املسلمين داخل املعارضة السورية‬
‫ً‬
‫داخليا العائلة‬ ‫السلطة في السعودية تتحكم فيه‬ ‫التمثيلية» ( ((‪ ،‬وامتداداتها داخل فصائل املعارضة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫حد ما حلفاؤها الداخليون‪ ،‬ثم دول‬ ‫املالكة‪ ،‬وإلى ٍ‬ ‫وقياسا على موقف السعودية التاريخي‬ ‫املسلحة‪،‬‬
‫ً‬
‫الخليج‪ ،‬وثالثا الحليف األميركي)‪ ،‬كان من جملة تلك‬ ‫من حركة اإلخوان املسلمين وتنظيمات اإلسالم‬
‫تغيرات املوقف األميركي التي‬ ‫العوامل‪ ،‬لكن األهم هو ّ‬ ‫السيا�سي‪ ،‬يمكن االستنتاج بأنه ليس من مصلحة‬
‫سهلت اتفاقات خفض التصعيد في املناطق األربعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السعودية أن تجلس الحركة على طاولة الحل‬
‫وإلغاء غرفتي تنسيق الدعم (غرفة «املوك» ّ‬
‫مقرها‬ ‫السيا�سي عند اشتغاله‪ ،‬وبخاصة بعد فوز إخوان‬
‫األردن لدعم فصائل املعارضة في الجنوب‪ ،‬وغرفة‬ ‫مصر بالسلطة بانتخابات أيار‪ /‬مايو ‪.2012‬‬
‫«املوم» لدعم فصائل املعارضة في الشمال‪ ،‬ومقرها‬ ‫ّ‬
‫تركيا)‪ ،‬وانتقال أميركا إلى لعب دور معطل الحلول‪،‬‬ ‫قدمت السعودية الدعم السيا�سي واملالي‬
‫الظن تأجيلها‪ ،‬وفي هذا السياق ُيذكر‬ ‫حسن ُ‬ ‫أو إذا ُأ َ‬ ‫والعسكري‪ ،‬وفق خطط غرفة املوك (مقرها األردن)‬
‫ما قالته هيالري كلينتون‪ ،‬عن تردد الواليات املتحدة‬ ‫التي كانت مهمتها تنسيق دعم حلفاء املعارضة‬
‫حول تسليح املعارضة السورية‪ ،‬والتحكم في حركة‬ ‫السورية في الجنوب‪ ،‬والسعودية من بينهم‪ ،‬منذ‬
‫تسليحها من اآلخرين‪« :‬كان أوباما يرى أن مخاطر‬ ‫إحداثها حتى تاريخ إغالقها ‪ 30‬كانون األول‪ /‬ديسمبر‬
‫التحرك كما عدمه مرتفعة على السواء‪ ،‬وللخيارين‬ ‫‪ُ ،2017‬بعيد اتفاقات خفض التصعيد التي شجعت‬
‫َ‬
‫فمال الرئيس إلى املحافظة‬ ‫عواقب غير مقصودة‪،‬‬ ‫عليها الواليات املتحدة وإسرائيل‪ ،‬ونفذتها كل من‬
‫على املسار الراهن‪ ،‬من دون اتخاذ خطوة مهمة‬ ‫روسيا وتركيا‪ ،‬لكن مع هذا ثابرت السعودية‪ ،‬منذ‬
‫لتسليح الثورة»‪ ،‬ثم تتابع‪« :‬إن سورية غير ليبيا‪،‬‬ ‫البداية‪ ،‬على تأييدها الحل السيا�سي‪ ،‬وفق قرارات‬
‫واملعارضة السورية غير منظمة ومتشرذمة‪ ،‬وهي هنا‬ ‫مجلس األمن الدولي‪ ،‬وآخرها ‪ 2254‬لعام ‪ ،2015‬ففي‬
‫تصف الوضع باملعضلة الشريرة‪ ،‬فكل خيار بشأنها‬ ‫الكلمة التي ألقاها سعود الفيصل وزير الخارجية‬
‫يكون أسوأ من غيره»‪ ،‬ثم تعود لتظهر تناقض إدارتها‬ ‫السعودية آنذاك‪ ،‬عند افتتاح مؤتمر جنيف‪2‬‬
‫في املوقف من الثورة السورية الذي ما زال ً‬
‫لغزا‬ ‫حول مستقبل سورية‪ ،‬أكد موقف بالده الرامي إلى‬
‫ّ‬ ‫«التوصل إلى حل سيا�سي سلمي لألزمة السورية منذ‬
‫يصعب حله‪ ،‬وهي تدحض فكرة حتمية سيطرة‬
‫املتطرفين على الثورة‪ ،‬والقبض ً‬
‫تاليا على سورية‪،‬‬ ‫اليوم األول لنشوبها» ( ((‪.‬‬
‫األسطوانة التي ما برح يرددها كثير من السوريين‪،‬‬ ‫عوامل كثيرة دفعت املوقف السعودي إلى االنكفاء‬
‫قوى منظمة أم أفر ًادا فاعلين‪ ،‬أم بعض‬ ‫سواء أكانت ً‬
‫عن دعم املعارضة وفتور حماسها الذي شهدته‬
‫من يتناولون الوضع السوري من العرب بقولها‪« :‬وفي‬ ‫السنوات األولى‪ ،‬ومنها التدخل العسكري الرو�سي‬
‫كل األحوال‪ ،‬لو كانت الواليات املتحدة على استعداد‬ ‫في سورية في أيلول‪ /‬سبتمبر ‪ ،2015‬ثم التدخل‬
‫أخيرا للدخول في اللعبة‪ ،‬لكانت أثبتت فاعلية أكبر‬ ‫ً‬
‫العسكري التركي‪ ،‬حيث راحت تفترق وجهات النظر‬
‫في عزل املتطرفين‪ ،‬وتقوية املعتدلين في الداخل‬ ‫بين تركيا والسعودية‪ ،‬ثم سقوط حلب الشرقية في‬
‫السوري» ( ((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫نهاية عام ‪ ،2016‬ولعل تدخل السعودية في حرب‬
‫اليمن‪ ،‬عبر عاصفة الحزم ‪ ،2016‬ثم انشغال‬
‫ ( (( مذكرات هيالري كلينتون‪ :‬خيارات صعبة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صفحة ‪.445‬‬
‫ ( (( املصدر السابق‪ ،‬صفحة ‪.447‬‬
‫ ( (( املصدر السابق‪ ،‬ص ‪449‬‬

‫‪19‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ُ‬
‫السياق ذاته يرى أن «مجموعة أصدقاء الشعب‬ ‫وثمة شهادة أخرى تلقي الضوء على موقف إدارة‬
‫السوري التي ضمت ‪ 124‬دولة‪ ،‬واعترفت باملجلس‬ ‫أوباما من الثورة السورية‪ ،‬أكدت ما بات كثير من‬
‫ً‬ ‫املتابعين حتى من الشعب السوري يعرفه ّ‬
‫الوطني السوري ممثاًل لثورة الشعب السوري‪،‬‬ ‫ويقر به‪،‬‬
‫ودعمت املجلس كممثل للمعارضة‪ ،‬كانت غايتها‬ ‫حول جوهر موقف إدارة أوباما من الثورة السورية‪،‬‬
‫ترشيد الثورة‪ ،‬ومن وراء ذلك ترشيد النظام‪ ،‬وأن‬ ‫مطلوبا منها بالضرورة أن تنخرط‬‫ً‬ ‫في وقت لم يكن‬
‫املجلس الوطني السوري الذي ولد في إطار البحث‬ ‫في الصراع إلى جانب الثورة‪ ،‬ومن املشروع طرح‬
‫ً‬ ‫التساؤالت حول لجمها الثورة في لحظات ّ‬
‫عن حل سيا�سي مع املجتمع الدولي لم يكن مؤهاًل‬ ‫مدها في‬
‫لقيادة ثورة مسلحة والوفاء بشروطها» ( ((‪ ،‬وهنا‬ ‫أكثر من محطة‪ ،‬بين األعوام ‪ ،-2018 2011‬وفي هذا‬
‫يمكن التساؤل‪ :‬إذا كانت غاية املجلس كما ذكر‬ ‫السياق‪ ،‬تقول شهادة املستشار السابق للرئيس‬
‫غليون‪ ،‬وهذا ما يفترضه املنطق السيا�سي‪ ،‬وكانت‬ ‫أوباما بن رودس‪ ،‬في مذكراته املعنونة بـ «العالم كما‬
‫قوى سياسية ما برحت تعلن‬ ‫القوى التي شكلته ً‬ ‫هو»‪ ،‬عندما تراجع أوباما عن خطه األحمر‪ ،‬بعد أن‬
‫ّ‬
‫سلميتها‪ ،‬كما يذكر‪ ،‬حتى لو شذ اإلخوان باملمارسة‬ ‫قصف األسد الغوطتين الغربية والشرقية ‪ 3‬آب‪/‬‬
‫نسبيا عما هو معلن‪ ،‬وكانت هذه الثورة عفوية وغير‬ ‫ً‬ ‫أغسطس ‪« :2013‬لقد استخدم أوباما عدم تدخله‬
‫حمل املجلس مسؤولية عجزه عن‬ ‫نمطية؛ فلماذا ُي ّ‬ ‫في سورية إلرضاء إيران‪ ،‬وتعزيز حظوظه في التوصل‬
‫قيادة ثورة مسلحة؟‬ ‫إلى تسوية في امللف النووي اإليراني على حساب‬
‫الشعب السوري» ( ((‪.‬‬
‫ازدادت الدعوات والضغوط التي تقودها أكثر‬
‫من دولة عربية‪ ،‬وتتصدرها دولة اإلمارات العربية‬ ‫ويرى الدكتور برهان غليون‪ ،‬أول رئيس للمجلس‬
‫املتحدة واألردن والجزائر‪ ،‬ثم الضغوط الروسية‬ ‫الوطني السوري‪ ،‬نتيجة استخلصها من تجربته‬
‫املتواصلة إلعادة النظام لجامعة الدول العربية‬ ‫الشخصية‪ ،‬من دون أن تستغرق بالضرورة‬
‫والتطبيع معه‪ ،‬ولعل أبرزها وأكثرها داللة ما ّ‬
‫صرح به‬ ‫حقيقة املواقف العربية والدولية من ثورة الشعب‬
‫العاهل األردني في مقابله له محطة ‪ CNN‬األميركية‪،‬‬ ‫السوري‪ ،‬إذ يقول‪« :‬كانت الدول العربية تسعى‬
‫ونشرته صحيفة الدستور األردنية‪ ،‬بأنه «حمل‬ ‫إلى الضغط على النظام‪ ،‬من أجل دفعه إلى انتهاج‬
‫إلى الرئيس بايدن‪ ،‬في زيارته األخيرة إلى واشنطن‪،‬‬ ‫سياسة واقعية‪ ،‬تجنبه التورط في حرب داخلية تهدد‬
‫مقترحا للحل في سورية يرتكز على التخلي عن فكرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اهتماما بمصير‬ ‫مصالحها‪ ،‬لذلك كانت أكثر الدول‬
‫رحيل األسد‪ ،‬وإعادة سورية إلى الجامعة‪ ،‬وتجميد‬ ‫األسد أقرب أصدقائه واملستثمرين فيه‪ ،‬مثل قطر‬
‫العقوبات (قيصر)‪ ،‬والسماح بإعادة اإلعمار‪،‬‬ ‫وتركيا والسعودية‪ ،‬وقد استعداهم األسد باستهزائه‬
‫وأن إسرائيل واألردن وروسيا متفقون على العمل‬ ‫بهم وخداعهم وتماديه في مخططاته الدموية‪،‬‬
‫سويا على إنجاح هذه املبادرة‪ ،‬ويطلب من الواليات‬ ‫ً‬ ‫وحدث ال�شيء ذاته للدول األخرى التي كانت تعتقد‬
‫املتحدة املشاركة بها» ( ((‪ ،‬وبما أن النظام األردني‬ ‫بأن مصلحتها تكمن في إنقاذ النظام من جنونه‪،‬‬
‫نظام ذو دور وظيفي‪ ،‬يمكن االستدالل على البعد‬ ‫أكثر بكثير مما كانت تريد االنقالب عليه‪ ،‬أو دعم‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬في ما حمله امللك األردني‪ ،‬وبما يتناغم‬ ‫ثورة شعبية‪ ،‬ال يمكنها التحكم بدينامياتها» ( ((‪ ،‬وفي‬
‫ ( (( مذكرات بن رودس املستشار السابق للرئيس أوباما ‪Benrhodes,the word at is/newyork;randaon house,2018‬‬
‫ ( (( برهان غليون‪ ،‬عطب الذات وقائع ثورة لم تكتمل‪ ،‬سورية ‪ -2012-2011‬الطبعة الثانية‪ ،‬الشبكة العربية للبحوث والنشر‪ ،‬صفحة ‪84‬‬
‫ ( (( املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫ ( (( فيديو ملقابلة أجرتها شبكة األميركية مع العاهل األردني امللك عبد هللا الثاني‪ ،‬نشرته صحيفة الدستور األردنية بتاريخ ‪-2021/7/25‬‬
‫‪CNN-addustour.com‬‬

‫‪20‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫قانون قيصر التي تتعلق بغايات إنسانية وإغاثية‪،‬‬ ‫مع الضغوط اإلماراتية أو املصرية والروسية على‬
‫فإن زيارة األسد العلنية لدولة ُعمان فتحت الباب‬ ‫اململكة‪ .‬وفي وقت ما زالت فيه أميركا تعارضه بشدة‪،‬‬
‫تكهنات متنوعة‪ ،‬بما أن دولة ُعمان صندوق‬ ‫على ّ‬ ‫يبرز التساؤل حول املوقف السعودي من هذه‬
‫بريد وظيفي احترافي‪ ،‬بأن ً‬
‫شيئا ما ُي َع ّد أو يجري‬ ‫ُ‬
‫الدعوات‪ :‬هل يمكن أن تعيد السعودية عالقاتها مع‬
‫بحثه‪ ،‬ثم جاء اإلعالن أن وزير الخارجية السعودي‬ ‫النظام؟ وعلى الرغم من أن بعض اللقاءات األمنية‬
‫فيصل بن فرحان ينوي زيارة دمشق‪ ،‬ثم جاء اإلعالن‬ ‫عالية املستوى قد حصلت بين الجانبين السوري‬
‫بتاريخ العاشر من آذار‪ /‬مارس ‪ 2023‬عن االتفاق‬ ‫ً‬
‫انفتاحا‬ ‫والسعودي‪ ،‬فإن املؤشرات ما تزال ّ‬
‫ترجح أن‬
‫ً‬
‫اإليراني السعودي برعاية صينية‪ ،‬إلعادة العالقات‬ ‫كاماًل على النظام‪ ،‬وعودة العالقات بين الدولتين إلى‬
‫الدبلوماسية بين البلدين التي قطعت عام ‪،2016‬‬ ‫بعيدا‪ ،‬وأن السعودية ستبقى‬ ‫سابق عهدها ما زال ً‬
‫ثم تاله اإلعالن عن تفعيل الخدمات القنصلية بين‬ ‫تناور في مواقفها الحقيقية‪ ،‬ما دام ّ‬
‫الحل السيا�سي‬
‫ًّ‬
‫السعودية وسورية‪ ،‬وهذا ذو معنى ال يقف عند ما‬ ‫مؤجاًل‪ ،‬وستبقي الباب موارًبا‪ ،‬ما دام النظام يستدفئ‬
‫ّ‬
‫يتعلق بمؤتمر القمة العربية القادم الذي سوف‬ ‫بالحضن اإليراني‪ ،‬وكل ما يشيعه املتحمسون‬
‫تحتضنه الرياض في األسابيع املقبلة‪ ،‬وقرار وزراء‬ ‫للتطبيع مع النظام‪ ،‬من ّأن الغاية من التطبيع معه‬
‫الخارجية العرب بعودة سورية إلى الجامعة العربية‪،‬‬ ‫هي إبعاده عن إيران‪ ،‬وإعادته إلى الحاضنة العربية‪،‬‬
‫شيئا ما في مستوى املنطقة يجري‬ ‫بل يدل على أن ً‬ ‫اغبا في ّ‬
‫فك‬ ‫هو محض تضليل‪ ،‬إذ ليس النظام ر ً‬
‫البحث فيه‪ ،‬وهنا يمكن ترجيح أن إيران التي ضاق‬ ‫عالقته بإيران‪ ،‬بل إنه لم يعد قاد ًرا على مثل هذا‬
‫ً‬
‫استنادا إلى خبراتها‬ ‫داخليا وخار ً‬
‫جيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عليها الخناق‪،‬‬ ‫القرار‪ ،‬لكن اململكة تواصل التزامها تجاه امللف‬
‫ً‬
‫الواسعة في سياسات حافة الهاوية حينا‪ ،‬أو املناورة‬ ‫السوري عبر املساعدات اإلنسانية األممية لالجئين‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬ربما تكون‬‫ً‬ ‫ورمي بالونات اختبارات‬ ‫السوريين‪ ،‬وهي باقية كجزء من التحالف الدولي‬
‫جزئيا‪ ،‬في بعض امللفات‪ ،‬فتقلب‬ ‫ً‬ ‫أوحت بتراجعها‬ ‫ملحاربة (داعش)‪ ،‬وهي عضو رئيس في مجموعة‬
‫مسقط هنا املبادرات مع املعنيين‪ ،‬لكن االتفاق‬ ‫االتصال وتحقيق االستقرار التابعة للتحالف‪ ،‬وقد‬
‫السعودي اإليراني أمامه مرحلة اختبارات صعبة‬ ‫ساهمت بمبلغ ‪ 100‬مليون دوالر إلعادة االستقرار‬
‫بالقدر الذي يمكن معه التكهن بمآالت االتفاق‪ً ،‬‬
‫نظرا‬ ‫أيضا عضو في املجموعة‬ ‫في مناطق (قسد)‪ ،‬وهي ً‬
‫ملا يختزنه تاريخ العالقة بين البلدين من الهواجس‬ ‫املصغرة حول سورية التي أكد امللك التزام بالده‬
‫والصراع وانعدام الثقة‪ ،‬إال أنه قد يشير إلى إدراك‬ ‫بأهدافها‪.‬‬
‫األطراف املشتبكة في صراعات بالوكالة‪ ،‬في أكثر‬
‫من ملف في املنطقة ‪-‬وقد أنهكها التعب‪ -‬بأن العالم‬ ‫ثمة تطورات فرضتها تداعيات زلزال السادس‬
‫منشغل في الحرب الروسية اإليرانية‪ ،‬وليس لديه من‬ ‫من شباط‪ /‬فبراير ‪ 2023‬الذي ضرب مناطق واسعة‬
‫وقت وخطط للتفرغ مللفات املنطقة‪ ،‬وعليه فال بأس‬ ‫في جنوب تركيا‪ ،‬ومناطق في شمال غرب سورية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫من الركون إلى تهدئة مؤقتة‪ ،‬تتيح لكل طرف إعادة‬ ‫وخلف دما ًرا هائاًل وضحايا بعشرات اآلالف‪ ،‬أتراكا‬
‫ً‬
‫تفاعاًل ً‬
‫ترتيب أولوياته‪ .‬وفي السياق ذاته‪ ،‬فإن زيارة األسد‬ ‫دوليا ملساعدة‬ ‫وسوريين‪ ،‬إذ استدعى ذلك‬
‫ليست فقط لإليحاء بأن طوق العزلة املضروب حوله‬ ‫الدولتين على مجابهة تداعيات الزلزال‪ ،‬أقله في‬
‫ً‬
‫جديدا لالستثمار‬ ‫املستوى اإلنساني‪ ،‬وهذا فتح ً‬
‫بابا‬
‫ينكسر‪ ،‬وهنا يبرز بعض من محددات السياسة‬
‫الخارجية السورية‪ ،‬أال وهو اقتناص الفرص ثم‬ ‫في مأساة الزلزال‪ ،‬كما في مأساة الشعب السوري‬
‫املراهنة على عامل الوقت‪ ،‬لكن بالقدر ذاته‪ ،‬فإن‬ ‫من قبل‪ .‬وإذا ما تم تجاوز قصة املساعدات الهائلة‬
‫ّ‬ ‫واألموال التي وصلته وتعليق العمل ببعض بنود‬
‫األمور أعقد من أن تحلها عالقات عامة‪ ،‬فإذا لم‬

‫‪21‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫يكن هناك ّ‬
‫تغير حقيقي وواسع في التوجهات اإليرانية‬
‫تجاه املنطقة‪ ،‬فإن األمور في أرجح الحاالت ستقتصر‬
‫على البحث بخطوات قصيرة مللء الوقت املستقطع‪،‬‬
‫تسرب عن الشروط السعودية التي‬ ‫وبخاصة ّأن ما ّ‬
‫سيحملها الفرحان لألسد‪ ،‬كي ّ‬
‫تطبع اململكة عالقاتها‬
‫مع سورية‪ ،‬بغض النظر عن مدى املوثوقية بتلك‬
‫التسريبات‪ ،‬ال ُيرجح حدوث تطورات دراماتيكية في‬
‫عالقة بعض الدول العربية‪ ،‬وفي مقدمتها السعودية‬
‫ً‬
‫تجاه النظام السوري‪ ،‬فضاًل عن انتظار املوقف‬
‫تسرب عن مفاوضات‬ ‫األميركي‪ ،‬ويضاف إلى ذلك ما ّ‬
‫سالم بين سورية وإسرائيل‪ ،‬تجري برعاية ُعمانية‪،‬‬
‫ومع صعوبة التأكد منها‪ ،‬فإنه باب ال يستبعد أن‬
‫مستعد لفتحه كطوق نجاة‪ ،‬لكن العقدة‬ ‫ّ‬ ‫األسد‬
‫اإليرانية مرة أخرى لن تسعفه ‪.‬‬
‫ ( ((‬

‫ ( (( ياسمين فاروق‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬ارتدادات السياسة الخارجية السورية على العالقة السورية السعودية‬

‫تنصت ايرانية داخل‬ ‫للتأكد من عدم وجود أجهزة ّ‬ ‫بعد التراجع واالضطراب الكبير الذي أصاب‬
‫قصر اإلقامة‪ .‬ورفض حافظ األسد أن تكون حراسة‬ ‫السياسة الخارجية السورية في عهد بشار األسد‪،‬‬
‫مكان إقامته من قبل الحرس الثوري اإليراني‪ ..‬بل‬ ‫كثر الحديث في أوساط املوالين للنظام السوري‪،‬‬
‫ً‬ ‫جيا‪ ،‬عن «أن األسد األب لو كان ما‬ ‫داخليا وخار ً‬
‫ً‬
‫أحضر معه ‪ 250‬ضابطا من كبار ضباط الحرس‬
‫موجودا‪ ،‬ملا تعرضت سورية ملا تعرضت له»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يزال‬
‫الجمهوري‪ ،‬بأسلحتهم الفردية‪ .‬وأحضر معه طعامه‬
‫وطباخته وطاقم املطبخ الخاص به‪ .‬وتم‬ ‫الخاص ّ‬ ‫في إشارة إلى براغماتية األسد األب ومرونته وخبرته‪،‬‬
‫استئجار ّ‬ ‫ظاهريا صحيح؛ فحافظ األسد بنى تجربته‬ ‫ً‬ ‫وهذا‬
‫عدة أبنية محيطة بمكان إقامته‪ ،‬من‬
‫الضباط املرافقين له‪ .‬واشترط األسد ملقابلة‬ ‫ّ‬ ‫أجل‬ ‫الصعبة واملوسومة باملغامرة باستقطاب حلفاء في‬
‫الخامنئي وجود العلم السوري‪ ،‬وأن يكون كرسيهّ‬ ‫دولة غير مستقرة‪ ،‬وهذا ما كان يفتقر إليه االبن‪.‬‬
‫بنفس مستوى كر�سي الخامنئي‪ ..‬ألنه ال يريد ً‬
‫دروسا‬ ‫أما في العمق‪ ،‬فيمكن التحفظ على هذا االستنتاج‪،‬‬
‫الهم األساس في املرحلتين كان الحفاظ على‬ ‫ذلك أن ّ‬
‫من أحد‪ ..‬ففهم الخامنئي أن حافظ األسد ‪-‬رغم‬
‫مرضه ورغم الدعم االيراني لتعيين ابنه ً‬ ‫النظام‪ ،‬من دون األخذ بأي روادع سياسة أو قانونية‬
‫خلفا له‪-‬‬
‫ً‬ ‫أو وطنية‪ ،‬والواقع اإلقليمي بات أكثر اضطر ًابا في‬
‫حذار من اللعب‬‫ِ‬ ‫ولكن‬ ‫صدقاء‪،‬‬ ‫أ‬ ‫يقول لهم‪( :‬أنتم‬
‫معي!)‪ ،‬وعندما َ‬ ‫عهد الخلف‪ ،‬عنه في عهد السلف‪ ،‬وهنا يبرز دور‬
‫طلبنا حافظ األسد أنا والسفير‬
‫ً‬ ‫األفراد والتمايز في القدرة على قراءة التحوالت‪،‬‬
‫شخصيا‪ ،‬بعد منتصف الليل‪ ،‬دخلنا‬ ‫أحمد الحسن‬ ‫واتخاذ املوقف املالئم منها‪.‬‬
‫إلى القصر الذي يقيم فيه‪ ،‬وتفاجأنا بأنه‪ ،‬إضافة‬
‫إلى عشرات الضباط الذين يحرسون مكان اإلقامة‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يمكن أن ُيذكر ما كتبه‬
‫تعج بعشرات‬ ‫في الخارج‪ ،‬كانت صالة االستقبال ّ‬ ‫املنشق صقر امللحم‪ ،‬على صفحته في‬ ‫ّ‬ ‫الدبلوما�سي‬
‫الضباط الذين ُيشرفون على حراسته‪ ،‬وكانت‬ ‫فيسبوك‪ ،‬في مادته املعنونة «أعرفهم عن قرب»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫املسافة بينه وبين أقربهم ً‬
‫واحدا‪ .‬وأتذكر أنه‬ ‫مترا‬ ‫عن زيارة حافظ أسد لطهران سنة ‪ ،1990‬حيث‬
‫ً‬
‫قال في ختام لقائه معنا جملة ال أنساها‪( :‬صادقوا‬ ‫كان امللحم أحد الدبلوماسيين العاملين في السفارة‬
‫تصدقوهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يوما أن‬ ‫اإليرانيين‪ ،‬ولكن حذار ً‬ ‫السورية بطهران‪ ،‬إذ قال‪« :‬قبل زيارة حافظ األسد‬
‫جدا» ( ((‪.‬‬‫فأطماعهم في بالدنا كبيرة ً‬ ‫ً‬
‫قاطعا أن يتم نقله من‬ ‫إلى طهران‪ ،‬رفض ر ً‬
‫فضا‬
‫مطار طهران إلى مكان إقامته بسيارة تابعة للرئاسة‬
‫وعلى الرغم من القبول الدولي الواسع الذي حظي‬ ‫حضر معه‬ ‫ُ‬ ‫االيرانية‪ ..‬بل َّ‬
‫أصر حافظ األسد على أن ي ِ‬
‫بشار األسد به عند استالمه الحكم‪ ،‬حتى من الواليات‬ ‫ّ‬
‫املصفحة‪ .‬وكاد أن ُيلغي زيارته‪،‬‬ ‫سيارته الخاصة‬
‫املتحدة التي أرادت قلب صفحة التوتر الذي اعترى‬ ‫َّ‬
‫فاضطر اإليرانيون إلى املوافقة على كل طلباته‪ .‬وقد‬
‫عالقتها بسورية على خلفية فشل جوالت مفاوضات‬ ‫شخصيا) مع عدد من كبار ضباط القصر‬ ‫ً‬ ‫قمنا (أنا‬
‫السالم في عهد األسد األب؛ فإن بشار األسد «منذ‬ ‫الجمهوري بفحص مكان اإلقامة عشرات املرات‪،‬‬
‫تورط بسياسات أكثر عدائية تجاه‬‫بدايات حكمه‪ّ ،‬‬
‫‪( 26) Saker Elmelhem : https://www.facebook.com/saker.elmelhem‬‬

‫‪23‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫الواليات املتحدة وفرنسا‪ ،‬وبدرجة أقل مع بعض ومرجعيته اإليرانية‪ ،‬ليصبح هو املتحكم في النظام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدول األوربية األخرى» ( ((‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬ومن‬
‫بقدر ما كان التحالف اإليراني السوري يتعمق؛‬
‫جانب آخر‪ ،‬راح النظام يتعرض لضغوط شديدة‪،‬‬
‫كانت حرارة العالقات السعودية السورية‪ ،‬التي كانت‬
‫سياسيا ً‬
‫وماليا للنظام‬ ‫ً‬ ‫كما لم يتعرض لها بلد آخر‪ ،‬ضغوط داخلية مطالبة تشكل فيها السعودية ً‬
‫سندا‬
‫باإلصالح وتغيير النهج‪ ،‬وضغوط خارجية مارستها‬
‫طوال عقود‪ ،‬تتراجع‪ ،‬وعلى الرغم من حرص اململكة‬
‫بالدرجة األولى الواليات املتحدة التي «تهدف إلى تغيير على عدم خسارتها سورية ملصلحة إيران‪ ،‬فإن زاوية‬
‫السياسة السورية تجاه املنطقة‪ ،‬والحد من التدخل نظر الطرفين إلى األمور كانت قد اختلفت وتباعدت‪،‬‬
‫في الشؤون اللبنانية‪ ،‬وخفض دعمها للمجموعات بمقدار ما اختلفت أولوياتهما وتحالفاتهما‪ ،‬ما بين‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ومنع تسلل اإلسالميين الراديكاليين واشنطن بالنسية إلى السعودية‪ ،‬أو طهران بالنسبة‬
‫إلى العراق» ‪ ،‬ومن ذلك صدور «قانون محاسبة إلى النظام السوري‪ ،‬ذلك أن تحالف النظام مع‬
‫ ( ((‬

‫سورية واحترام سيادة لبنان» عام ‪ ،2003‬ثم القرار إيران‪ ،‬وتسهيله مشروعها التوسعي في العراق وفي‬
‫‪ 1559‬عام ‪ 2004‬الذي دعا إلى انسحاب القوات لبنان‪ ،‬جاء على حساب الحضور العربي والنفوذ‬
‫السورية من لبنان‪ ،‬والتوقف عن دعم حزب هللا‪ .‬السعودي في البلدين كليهما‪.‬‬
‫وبالتشابك مع ذلك‪ ،‬ونتيجة لهذه السياسة‪ ،‬راحت‬
‫مع اندالع الثورة السورية‪ ،‬اتجه النظام إلى حليفه‬ ‫العالقات السعودية السورية‪ ،‬على وجه الخصوص‪،‬‬
‫تتدهور من أكثر من جانب‪ ،‬ذلك أن انسحاب اإليراني وميليشياته‪ ،‬وأدار ظهره للمبادرات العربية‪،‬‬
‫سواء أكانت فردية أم من خالل الجامعة العربية‪،‬‬
‫أخيرا ‪-‬من حيث النتيجة‪ -‬في توزع‬ ‫الجيش السوري من لبنان‪ ،‬كـأحد تداعيات اغتيال ما أوقع سورية ً‬
‫رفيق الحريري‪ ،‬أتاح لحزب هللا ملء الفراغ األمني‬
‫السيطرة على أرضها إلى أربع مناطق سيطرة‪ ،‬ستبقي‬
‫ً‬ ‫الذي خلفه انسحاب الجيش السوري‪ ،‬ومكن حزب‬
‫مفتوحا‪ ،‬إلى أمد يصعب تقديره‪،‬‬ ‫الصراع السوري‬
‫ملصلحة ما دامت املعادالت الحاكمة للصراع واقفة عند هذا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫هللا بالتدريج من إحكام قبضته على لبنان‪،‬‬
‫النفوذ اإليراني وإزاحة النفوذ السعودي‪ ،‬وعبر ّ عن الحد‪.‬‬
‫ذلك بحرب ‪ 2006‬وموقف السعودية منها‪ ،‬إذ حملت‬
‫أورثت سياسات النظام التي رسمها وسهر عليها‬ ‫حزب هللا املسؤولية عن اندالعها‪ ،‬ما دفع بشار‬
‫قاصدا حافظ األسد بشكل أسا�سي‪ ،‬واستمرت بعده في‬ ‫ً‬ ‫األسد إلى الحديث عن «أشباه الرجال»‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعض الزعماء العرب‪ ،‬ثم جاءت محطة ‪ 7‬أيار‪ /‬مايو بيئة إقليمية ودولية مختلفة‪ ،‬ضررا جسيما بمصالح‬
‫ودوليا‪ ،‬وسوف تحتاج إلى جهد كبير‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سورية‪ً ،‬‬
‫عربيا‬ ‫‪ 2008‬واجتياح حزب هللا بيروت والجبل‪ ،‬ودخول‬
‫قطر على خط الوجود في لبنان‪ ،‬نتيجة تراجع النفوذ إلعادة ترميم عالقاتها بمحيطيها العربي والدولي‪.‬‬
‫السعودي‪ ،‬فخرج اتفاق الدوحة الذي ّأمن ر ً‬
‫سميا‪،‬‬
‫لحزب هللا‪ ،‬وسيلة التحكم في الدولة اللبنانية‬
‫وقراراتها السيادية‪ ،‬بابتداع مفهوم الثلث املعطل‪،‬‬
‫ثم جاءت الثورة السورية واستنجاد األسد بحزب‬
‫هللا وإيران وميليشياتها‪ ،‬لتعطي الفرصة لحزب هللا‬
‫ ( (( اإلصالح في سوريا‪ :‬التأرجح بين النموذج الصيني و تغيير النظام‪ ،‬مركز مالكوم كير كارنيغي الشرق األوسط‪ ،‬تاريخ النشر ‪ 17‬تموز‪/‬يوليو‬
‫‪ ،2006‬الرابط‪https://2u.pw/LhBxRm :‬‬
‫ ( (( املصدر السابق‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مركز حرمون للدراسات المعاصرة‬

‫خاتمة‬

‫للمعارضة السورية في السنوات األخيرة‪ ،‬حيث‬ ‫عد تتبع العالقات السياسية بين اململكة العربية‬‫ُي ّ‬
‫يرجح أن تراجعها كان نتيجة ضغوط أميركية‪ ،‬وبعد‬ ‫ّ‬ ‫السعودية وسورية‪ ،‬خالل العقود الخمسة األخيرة‪،‬‬
‫ً‬
‫عسكريا على خط الصراع‬ ‫التدخلين الرو�سي والتركي‬ ‫ذا أهمية خاصة‪ ،‬ألنه يقدم تجربة نوعية لسياسة‬
‫ّ‬
‫الدائر في سورية وعليها‪ ،‬وشنها عاصفة الحزم ملواجهة‬ ‫دولتين مهمتين‪ ،‬في منطقة استراتيجية وغير‬
‫الحوثيين في اليمن؛ فقد بقي موقفها السيا�سي من‬ ‫مستقرة‪ ،‬وتشكو من فراغ أمني كبير‪ ،‬يثير شهية‬
‫ثابتا طوال السنوات املاضية‪ ،‬غير أنها في‬ ‫النظام ً‬ ‫الباحثين عن النفوذ والقادرين عليه‪ ،‬من املنافسين‬
‫اآلونة األخيرة سارت في طريق التقارب مع النظام‪،‬‬ ‫اإلقليميين أو الدوليين؛ حيث إن طبيعة السعودية‬
‫في محاولة منها لخلق دور عربي في سورية وإبعادها‬ ‫عبرت‬‫الجغرافية وتاريخ نشأتها أورثتها هواجس أمنية ّ‬
‫عن حضن إيران‪ ،‬وأعادت عالقاتها الدبلوماسية‬ ‫عن نفسها بالغموض وامليل إلى السرية‪ ،‬ودفعتها إلى‬
‫مع النظام‪ ،‬وأفسحت املجال لعودة سورية إلى‬ ‫البحث الدائم عن حلفاء أقوياء‪ ،‬في حين ّإن سورية‬
‫جامعة الدول العربية في مسعى ُس ّمي «خطوة مقابل‬ ‫كانت وليدة فرصة سانحة‪ ،‬يتطلب الحفاظ عليها‬
‫خطوة»‪ ،‬ويتوقع كثير من املراقبين فشل محاولتها‪،‬‬ ‫تبني البراغماتية‪ ،‬وركن األيديولوجيا ً‬
‫جانبا‪ ،‬واملغامرة‬
‫وفشل املساعي العربية في إبعاد النظام في دمشق‬ ‫وتدعيم الضبط الداخلي بدور إقليمي‪ ،‬سعى إليه‬
‫عن الحضن اإليراني‪.‬‬ ‫وأداره األسد األب بمهارة‪ .‬وبينما استندت السعودية‬
‫إلى ثراء مادي طاملا ساعدها في كسب حلفاء‪،‬‬
‫اعتمدت سورية على ذراع أمني طويل خبير وجاهز‬
‫ألداء األدوار التي تخدم استمراره وتفيده‪ً ،‬‬
‫ماديا أو‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫سياسيا‪ ،‬كلما طلب‪ ،‬وملن طلب هذا الدور‪ ،‬لكن‬
‫السياستين تشتركان في هدف أسمى‪ ،‬هو املحافظة‬
‫على نظاميهما املوسومين بأنهما أنظمة عائلية‪،‬‬
‫وكالهما يدعيان رفض التغيير من الخارج‪ ،‬في الوقت‬
‫الذي يستميتان فيه للعمل ضد أي تغيير‪.‬‬
‫طاملا كانت إيران عقدة النجار في العالقة‬
‫بين الدولتين‪ ،‬وفي كل ّ‬
‫امللفات التي تشابكت بها‬
‫السياستان‪ ،‬من لبنان إلى العراق إلى فلسطين وحتى‬
‫اليمن‪ ،‬وبمقدار ما تمتعت به العالقات بين البلدين‬
‫من تعاون‪ ،‬واستيعاب لفترات الخالف والتوتر‪ ،‬على‬
‫ّ‬
‫قلتها في عهد األسد األب‪ ،‬فإنها في عهد األسد االبن‬
‫سارت على منزلق التدهور والتوتر حد القطيعة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تراجع موقف السعودية الداعم‬

‫‪25‬‬
 ‫أث‬

‫أث ا‬

‫أث اد‬

  ‫أث‬


ت‬
‫    ن رات ا ة‬
Harmoon Center for Contemporary Studies
Harmoon ArŞtırmalar Merkezi

Doha, Qatar: Tel. (+974) 44 885 996

Istanbul, Turkey: Tel. +90 (212) 813 32 17 PO.Box: 34055


Tel. +90 (212) 542 04 05

www.harmoon.org

You might also like