Professional Documents
Culture Documents
مسارات العلاقات السياسية بين السعودية وسورية بعد عام 1970
مسارات العلاقات السياسية بين السعودية وسورية بعد عام 1970
املحتويات
مقدمة7..................................................................................................................................
ً
أواًل :السياسة الخارجية السورية في ثالث مراحل متمايزة 8...........................................................
ً
ثانيا :العالقات السعودية السورية في ذروة ازدهارها في املدة 10....................................2000-1970
ً
ثالثا :العالقات السياسية السورية السعودية في املدة الزمنية 14.................................2010-2000
ر ً
ابعا :العالقات السورية السعودية بعد عام 18.................................................................. 2011
ً
خامسا :ارتدادات السياسة الخارجية السورية على العالقة السورية السعودية 23..........................
خاتمة25..................................................................................................................................
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ملخص تنفيذي
العربي اإلسرائيلي ،واملوقف من منظمة التحرير كانت العالقات السياسية التي ربطت سورية
الفلسطينية ،بين التوافق واالفتراق ،كما تأرجحت باململكة العربية السعودية هي األبرز في عالقات
املواقف حيال الصراع في لبنان ،بين التوافق وتأييد سورية الخارجية مع الدول العربيةً ،
نظرا إلى
الدور السوري وتدخله العسكري في لبنان خالل أهمية اململكة ودورها في املنطقة والعالم ،وإلى
عهد األسد األب ،إلى االفتراق إلى حد الصدام غير كمية املساعدات املالية التي قدمتها اململكة للنظام
املباشر في عهد األسد االبن .وتوافقت املواقف السوري على مدى عقود ،عدا الخدمات السياسية
تجاه حرب تحرير الكويت .1991وقد شهد عقد التي حمته في املنعطفات الخطرة التي واجهته.
ً
فاعاًلّ ، التسعينيات ً
تعاونا ً
ضم سورية ومصر ثالثيا
إلى جانب السعودية ،استطاع التأثير وضبط اإليقاع منذ االستقالل حتى ،1970كان التشابك
في عمل النظام العربي والتوترات املتنقلة فيه بقدر بالعالقات السياسية بين سورية والسعودية
محدودا ،ربما بسبب أولويات السياسة الخارجيةً
اإلمكان ،ذلك أن النظام العربي كان قد بدأ مسيرة
تراجعه بعد حرب الخليج الثانية. السعودية ،حيث انحازت السعودية إلى مصر طوال
زمن التنافس املصري العراقي ،بحكم عدائها مع
تتقدم العالقات السورية ّ وبمقدار ما كانت الهاشميين .وشهدت املدة 1973-1970ذروة عالية
اإليرانية في عهد األسد االبن ،أخذت العالقات ً
وتبعا لذلك في نشاط الدبلوماسية السعودية،
ً ً
وبرودا؛ حيث إن السورية السعودية تعاني تخلخاًل فقد نشأت بين الدولتين عالقة تضامنية ،يجري
النظام في هذه املرحلة حسم أموره ،وراحت عالقاته فيها تبادل مصالح حيوية وخاصة ،فالسعودية
يوما بعد يوم، بإيران تأخذ شكل تحالف يتعمق ً بحكم ثقلها الخارجي ،وعالقتها الخاصة مع الواليات
ً
عموما، على حساب العالقات السورية العربية املتحدة ،أخذت على عاتقها حماية ظهر النظام
والسعودية على وجه الخصوص .وبدأت طهران السوري من ُاالستهدافات الخطرة عند كل أزمة وقع
ّ
تعزز نفوذها داخل مؤسسات النظام ،األمر الذي فيها ،أو كلما أ ْح ِك َم حوله طوق الحصار ،في حين
ُ
لم يسمح به حافظ أسد. كلفت دمشق بضبط التنظيمات املتطرفة التي كان
ً
متوقعا أن تستهدف املصالح السعودية ونظامها.
ّ
شكل التباين في املوقفين ،من الغزو األميركي
للعراق في آذار /مارس ،2003أحد نقاط االفتراق، كانت جبهات التعاون واالحتكاك متعددة بين
وقدمت له ففي حين أيدت السعودية الغزو ّ السياسة السعودية والسياسة السورية ،فبعد عقد
التسهيالت وانطلق من أراضيها ،عارضت سورية من العالقات الجيدة والتعاون خالل سبعينيات
ذاك الغزو ،بذريعة خوفها من استهدافها كهدف القرن العشرين ،افترقت املواقف بين السياستين
َ
تال بعد العراق ،ودعمت املقاومة املسلحة أميركي ٍ تجاه حرب الخليج األولى؛ فبينما وقفت السعودية
ضد االحتالل األميركي ،وكان ذلك بتنسيق غير معلن ً
عموما وبلدان مجلس التعاون والبلدان العربية
مع إيران ،من أجل إقالق راحة األميركيين في العراق إلى جانب العراق ،وقف حافظ أسد إلى جانب
ودفعهم إلى الخروج ،كي يبقى العراق تحت الوصاية ّ
تخص الصراع إيران ،وتأرجحت املواقف التي
5
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
اإليرانية الصرفة .وقد كانت التشكيالت املقاومة سورية ،وفي التحالف الدولي ملحاربة (داعش) الذي
ً ّ
جهاديا قادته الواليات املتحدة األميركية. ألميركا تشكيالت سن ّية بطبيعتها ،وكان بعضها
متطرفا ،كالقاعدة ،أو ًً
قريبا منها .وأفتى السيستاني
وعلى الرغم من تراجع موقف السعودية الداعم بعدم جواز مقاومة االحتالل األميركي ،وساهم ذلك
السني الشيعي في املنطقة ،للمعارضة السورية ،فقد بقي موقفها السيا�سي من عمليا في تسعير الصراع ّ ً
ً
مقصودا لذاته ،أم كان أحد تداعيات النظام ثابتا طوال السنوات املاضية ،غير أنها في ً سواء كان ذلك
اآلونة األخيرة سارت في طريق التقارب مع النظام، املشروع التوسعي اإليراني في املنطقة.
في محاولة لخلق دور عربي في سورية وإبعادها عن
ّ
شكلت عملية اغتيال الحريري في شباط /حضن إيران ،وأعادت عالقاتها الدبلوماسية مع
فبراير ،2005وخروج القوات السورية من لبنان ،النظام ،وأفسحت املجال لعودة سورية إلى جامعة
أكبر املنعطفات التي راحت العالقات بين البلدين الدول العربية ،في مسعى ُس ّمي «خطوة مقابل
تتدهور بعدها؛ إذ أدى اغتيال الحريري (الذي خطوة» ،ويتوقع كثير من املراقبين فشل محاولتها
رأت فيه السعودية ًيدا سورية) إلى تدهور وشبه وفشل املساعي العربية في إبعاد النظام في دمشق
قطيعة في العالقات السعودية السورية ،ودعمت عن الحضن اإليراني.
السعودية الجهد الدولي للتحقيق في مقتله ،وقد
املالحظة الرئيسة التي يمكن استنتاجها ،من كان للمملكة دور فاعل في إخراج الصيغة التي
حكمت عمل املحكمة الدولية الخاصة باغتيال مراقبة مسار العالقات السعودية السورية ،أن هذه
ً ً
صعودا وهبوطا ،ولكنها الحريري وتحديدها .ثم كان الخالف اآلخر من خالل العالقات قد تباينت وسارت
املوقف من عدوان إسرائيل على لبنان في حزيران /أخذت بالتراجع ،بمقدار ما أخذت عالقات سورية
يونيو ،2006فبينما رأت السعودية أن حزب هللا مع إيران بالتقدم.
هو السبب في دفع إسرائيل إلى العدوان ،كان األسد
يتغنى ببطوالت حزب هللا اللبناني.
بعد انطالق االحتجاجات في سورية ،م�ضى النظام
ّ
بحله األمني ،واستقدم -منذ األشهر األولى -الحرس
الثوري اإليراني وامليليشيات الشيعية التي تتبعه،
ملواجهة الثورة السورية ،وقد سعت السعودية إلى
إقناع النظام بسلوك طريق اإلصالح ،ووقف الحل
األمني العسكري في مواجهة الثورةّ ،
لكن جهدها لم
يلق ً
نجاحا .وحين طفح الكيل ،كانت كلمة امللك عبد
هللا ،بتاريخ الثامن من آب /أغسطس ،2011حازمة
وعالية النبرةً ،
تعبيرا عن أن السعودية قد اصطفت
َ
إلى جانب املعارضة ،وبعد رفض النظام مبادرتي
قدمت السعودية للفصائل الجامعة العربيةّ ،
املعارضة الدعم املالي والعسكري والسيا�سي،
وشاركت في غرفة املوك واملجموعة املصغرة حول
6
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
مقدمة
تنشر وثائقها الحكومية ،مهما م�ضى عليها من زمن، اتخذت العالقات السياسية التي ربطت سورية
بحكم العقل األمني الذي يصوغ توجهات النظام باململكة العربية السعودية ،بخاصة بعد عام ،1973
ً
نمطا َ
وسياساته تجاه الداخل والخارج ،وعليه سوف غلبت عليه حالة التعاون ،من دون أن يعني
ُ ذلك أنها لم تعان توترات أو ً
تعتمد الدراسة على ما نشر من تسريبات أو مقاالت برودا في بعض األحيان،
أو دراسات ،أو مقاطع جرى التطرق إليها في بعض لكنها كانت األبرز في عالقات سورية الخارجية مع
الكتب التي تناولت الشأن السيا�سي السوري. الدول العربية األخرىً ،
نظرا إلى أهمية اململكة ودورها
في املنطقة والعالم ،واملساعدات املالية الهائلة التي
قدمتها للنظام السوري على مدى عقود. ّ
7
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
أواًل :السياسة الخارجية السورية في ثالث مراحل متمايزة
أما بعد استيالء البعث على السلطة ،بتاريخ لكل دولة سياسة خارجية ،لها محدداتها في كل
فإن محددات السياسة 8آذار /ما س ّ ،1963 مرحلة ،وقد كان للدولة السورية ،منذ االستقالل
ر
الخارجية ،التي خطها النظام البعثي بمرحلتيه حتى الوحدة السورية املصرية« ،سياسة خارجية
حصنت سيطرة ّ 1966-1963و،1970-1966 ُبنيت على ثالث ركائز غير متينة ،بحكم أن سورية
ً
البعث بقانون الطوارئ واألحكام العرفية داخليا، تعاني حالة عدم استقرار سيا�سي مزمنة» ((( ،وكان في
وبخطاب إعالمي متشنج يتلفح بالراديكالية مقدمة هذه الركائز مقاومة املشروعات االستعمارية
وحمل القضية الفلسطينية اليسارية والقوميةَ ، التي كانت تحاول استيعاب سورية ضمنها ،كمشروع
ومعادة األنظمة «الرجعية» ،وذلك من أجل ّ
التفرغ الهالل الخصيب وحلف بغداد ،وبالقدر ذاته مواجهة
ً
داخليا ،وتصفية خصومه من القوى لتوطيد حكمه املتنافسين اإلقليميين ،وهما العراق ومصر ،على
السياسية خارج البعث ،ثم دارت صراعات داخل كسبها ،وثانيتهما مقاومة محاوالت الجيش التدخل
البعث ،بين الجناحين املدني والعسكري ،حسمت في في الحياة السياسية عبر االنقالبات املتكررة ،والتأثير
النهاية ملصلحة الجناح العسكري. حد ما ،الذي ورثه في النظام ذي الطابع الليبرالي ،إلى ٍ
السوريون عن فرنسا ،وثالثتها املحافظة على النظام
لكن بعد أن استولى حافظ األسد على السلطة الجمهوري البرملاني.
في تشرين الثاني /نوفمبر ،1970بات للسياسة
صممهالخارجية السورية طابع خاص وثابتّ ، طوال املدة من 1946حتى ،1970كان التشابك
ً ّ
موسوما وسهر عليه بكليته حافظ األسد ،وبات في العالقات السياسية بين سورية والسعودية
بنهجه تجاه الداخل والعالم الخارجي ،ولعل أهم محدودا ،ربما بسبب أولويات السياسة الخارجية ً
ما َم ّيز هذا النهج كان البراغماتية املنفتحة على كل السعودية ،فقد انحازت إلى مصر طوال زمن التنافس
�شيء ،ما دام يخدم ثابتها الوحيد ،أال وهو ضمان املصري العراقي ،بحكم عدائها مع الهاشميين ،مع
ّ
استمرار قبض حافظ أسد على السلطة ،وتلك أنها وقعت مع سورية ومصر «مشروع اتفاقية اتحاد
البراغماتية كانت تتمتع بمرونة عالية ،بالقدر الذي فيدرالي ،بقيادة عسكرية وسياسة خارجية موحدة ،
ّ
يقتضيه كل موقف ،ومما كان يمكن األسد من مع توحيد في األمور االقتصادية والثقافية» ((( ،األمر
تلك املرونة ،استناده إلى وضع داخلي مضبوط ً ً
حد الذي اقترحته مصر بدياًل من ميثاق األمن الجماعي
ّ
الخنق ،بوساطة قبضة أمنية شديدة ،استندت إلى العربي ،بعدما وقع العراق مع تركيا حلف بغداد،
مؤسسة أمنية واسعة ،ومتعددة أشكال الوجود وهو االتفاق الذي لم يستكمل مساره ،وانتهى بتاريخ
واملهمات ،ينظمها والءان متكامالن :والء لشخص 2نيسان /أبريل ،1955أما في مرحلة الوحدة ،فلم
األسد وتوجهاته ،ووالء للمؤسسة التي يعملون فيها، متحمسين ملصر ،ألنها منافس ّ يكن السعوديون
تضاف إلى ذلك منظمات ضبط إضافية ،كحزب إقليمي لهم ،ال تريحهم زيادة قوتها.
((( باتريك سيل ،الصراع على سورية ،دراسة للسياسة العربية بعد الحرب العاملية الثانية ،1958-1945ترجمة سمير عبده -محمود فالحة،
الطبعة األولى ( ،1964دمشق ،دار طالس للدراسات والترجمة والنشر )1986 ،صفحة .80
((( املصدر نفسه ،صفحة 293.
8
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
9
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
ثانيا :العالقات السعودية السورية في ذروة ازدهارها في املدة 2000-1970
في عهد األسد األب ،على الرغم من الهزات التي قد عشية انقالب حافظ األسد ،1970كانت ّ
مرت بها في محطات مختلفة ،أن تلك العالقات تمر بمرحلة من التوترالعالقات السعودية السورية ّ
قد ُبنيت بتأن وبراغماتية خاصة وبارعة ،كادت الشديد ،بسبب رفض النظام السوري طلب شركة
بناء على شعارات ً
تحالفياً ، تأخذ بمظهرها ً
بعدا تعرض لعملية(أرامكو) إصالح خط (التابالين) الذي ّ
فضفاضة ،كالتضامن العربي وخدمة مصالح ّ
األمة، تخريب في األرا�ضي السورية ،لكن هذا الوضع ّ
تغير،
ً ً ُ
تعاونا لكن في العمق كانت لحمة تلك العالقات واسعا أمام تطور نوعي في العالقات بين وفتح الباب
اتيا ،وتبادل خدمات ومصالح حيوية، استخبار ً البلدين ،مع وصول حافظ األسد ،حيث إن موافقته
تبعا لحاجات كل طرف« ،فالسعودية بحكم ثقلها ً على القرارين 242و 338املتعلقين بالصراع العربي
الخارجي ،وعالقتها الخاصة مع الواليات املتحدة، سياسيا ّ
بحق ً اإلسرائيلي ،تعني أن سورية قد قبلت
أخذت على عاتقها حماية ظهر النظام السوري إسرائيل بالوجود ،وإفساح املجال أمام الحلول
الخطرة التي كانت تطاله عند كل
من االستهدافات ّ ُ السلمية ،وقد كتبت صحيفة (نيويورك تايمز) عن
أزمة وقع فيها ،أو كلما أحكم حوله طوق الحصار، هذا التطور« :املعجبون بالجنرال األسد ّ
يرحبون
في حين تكلفت دمشق بضبط التنظيمات املتطرفة، باستيالئه على السلطة في داخل حزب البعث،
ً
متوقعا منها أن تستهدف املصالح السعودية التي كان باعتبار ذلك يمثل انتصا ًرا غير متوقع للبراغماتية
(((
ونظامها» . على األيديولوجية» ((( ،وهناك أمر آخر وهو ضعف
تأثير دور خطاب عبد الناصر والبعث الراديكالي
ّإن استعراض محطات العالقة السياسية ،بين وتراجعه بعد هزيمة ،1967وهنا ّ
يتبين أن األسد قرأ،
اململكة وسورية في مرحلة حكم األسد األب ،في حاالت بواقعية سياسية ،التداعيات الكبيرة التي ترتبت
توافقهما أو اختالفاتهما التي لم تظهر ً
غالبا للعلن، على الهزيمة ،وكانت قناعته بأن العالم لن يسمح
ُيظهر أن حافظ األسد مارس كامل مفردات فلسفته ّ
بهزيمة إسرائيل ،وأن الواقع العربي ال يوفر ميزان
الخاصة وأساليبها ضمن السياسة الخارجية التي قوى يكافئ ما كانت تنشده الخطابات العربية حيال
خطها لسورية ،بما يضمن له استمرار نظامه، ّ
القضية الفلسطينية ،وبمقدار ما وفر التطور األول
وتعزيز الدور الوظيفي الذي سعى إليه في املحيط تقارًبا مع املواقف السعودية ،حيال الصراع العربي
ً
تحصينا لوضعه الداخلي. اإلقليمي، اإلسرائيلي ،املتوافقة بدورها مع النظرة األميركية
لحل هذا الصراع ،فإن التطورين أتاحا للسياسة ّ
أ -حرب تشرين :1973شكلت حرب تشرين
ً
واحدا من املنعطفات املهمة ،في العالقات 1973 الخارجية السعودية أن تنشط بقوة في املسرح
ً
عموما ،والسورية السعودية على البينية العربية العربي ،حيث شهدت املدة 1973-1970ذروة عالية
ّ
وجه الخصوص ،فتلك الحرب كان يمكن عدها في نشاط الدبلوماسية السعودية.
إن ما ّبينته مسيرة العالقات السورية السعودية واحدة من تداعيات هزيمة ،1967ومحاولة ُمتفهمة
باب
من الغرب واألنظمة العربية املعنية ،لفتح ٍ
((( روبن رايت ،سوريا في الصحافة العاملية ،صحيفة (ذا نيويوركز) ترجمة موقع الغد األردني ،تاريخ النشر 11نيسان /أبريل .2017
((( باتريك سيل ،مصدر سابق ،صفحة .294
10
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ارتكاز مهمة للواليات املتحدة في الشرق األوسط» (((، لحل الصراع العربي اإلسرائيلي ،وإنجاز معاهدات
كما أن تدخل سورية كان ضرورًيا للدولة السعودية، سالم ،جماعية إن أمكن ،أو فردية بالتتالي ،كما
من أجل الحفاظ على مصالحها الكبيرة في لبنان، واقعيا ،لذلك شارك فيها عدد من الدول ً حصل
وبخاصة أن بيروت كانت حتى تلك الحرب أكبر مركز ً
العربية عسكريا بقوات رمزية (السعودية –األردن-
مالي في الشرق األوسط ،فقد دعت السعودية إلى العراق -املغرب) على الجبهة السورية ،والجزائر
اجتماع قمة سداسية في الرياض بتاريخ 16تشرين على الجبهة املصرية) ،واملشاركة السعودية هنا
األول /أكتوبر ،1976لشرعنة الوجود العسكري مهمة من جانبين ،أولهما أنها املرة األولى التي تشارك ّ
السوري في لبنان ،تحت مسمى قوات الردع فيها السعودية بقوة خارج حدودها؛ وثانيهما أنها
ً ً
العربية ،وقد تبنت الجامعة العربية مخرجات القمة باتت طرفا في الخطوات الالحقة ،إن لم تكن طرفا
السداسية ،وتكفلت السعودية بتحمل نفقات 30 قر ًرا ،فقد تلعب دور املسهل .ثم جاء حظر النفط ُم َ
ألف جندي سوري» ( (( ،وهذا التوافق السوري ً
وتاليا الذي شكل بما تركه من نتائج سياسية،
السعودي ،بمشاركة أميركية ،أثمر اتفاق الطائف «فوائض نقدية هائلة أتاحت للسعودية أن تزيد في
الذي وقع في الرياض بتاريخ 22تشرين األول /أكتوبر مساعداتها الخارجية لدول الطوق ،والدول العربية
،1989وأنهى الحرب األهلية اللبنانية ،وقد أعطى غير النفطية ،وكان لسورية حصة كبيرة معتبرة منها،
ً
مفتوحا إلدارة امللف اللبناني ،سواء ً
تفويضا سورية حيث بلغت على سبيل املثال 15.1ما مقداره %من
من خالل النظام السيا�سي الذي انبثق من الطائف، قيمة املساعدات التي بلغت 6.6مليار دوالر في العام
أم حتى بشكل مباشر حتى عام ،2005وهنا حاز .((( »1977
ً ً
األسد بمساعدة السعودية فرصة وأوراقا إضافية
في رصيده ،كي يثبت مرة أخرى أنه يمكن أن يكون ب -الحرب األهلية اللبنانية :كانت الحرب
ً ً ّ
مساهما فاعاًل في ضبط إيقاع املنطقة ،والتناغم مع األهلية اللبنانية ( )1976-1975وتدخل سورية
التوجهات األميركية تجاه الشرق األوسط ،من دون عسكريا على خط تلك الحرب ،بجهد سعودي ً
أن يعلن ذلك ،وباملقابل بمرونة وبراغماتية واضحة، وأردني وبموافقة أميركية »،حيث زار امللك حسين
راعى األسد ترؤس رفيق الحريري للوزارة اللبنانية واشنطن في نيسان /أبريل ، 1976وأقنع اإلدارة
ً
سعوديا ،لكنه في الوقت ألكثر من مرة ،بصفته خيا ًرا األميركية باملوافقة على تدخل الجيش السوري،
ذاته استخدم الحريري في خدمة السياسة الخارجية ّ
الشرين ،وأن تقنع إسرائيل برفع بوصفه أهون
ً ً
اعتمادا على السورية ،كلما عانت سورية ضغوطا، ( ((
يدها عن لبنان في حال حصل التدخل» ،كانت
أن الحريري كان على عالقة خاصة ومميزة بالفرنسين فرصة ّ
مهمة لتشابك السياستين وتعاونهما ،وجاءت
وبعض دول الغرب ،وبأنه أحد تجليات السياسة كفرصة ثمينة اقتنصها األسد ،وكانت أهم مدخل
الخارجية للسعودية. إلقرار الواليات املتحدة بالدور الوظيفي الذي كان
يبحث عنه األسد « ،فبعد اجتماع األسد بجيمي
كارتر ،في أيار /مايو ،1977بات األسد بعدها نقطة
((( غسان سالمة ،السياسة الخارجية السعودية منذ عام ،1945الطبعة األولى( ،الرياض ،مركز اإلنماء العربي ،)1980 ،ص .334
((( محمد املناصير ،صفحة من تاريخ األردن حلقة ،91وكالة عمون ،تاريخ النشر 26شباط /فبراير https://2u.pw/EZsXXi ،2010
((( مقال للكاتب األميركي روبن رايت ،مصدر سابق.
((( ياسمين فاروق ،لدى السعودية الوسائل الالزمة لبذل املزيد من أجل تعزيز مصالحها ،مركز مالكوم كير كارنيغي الشرق األوسط ،تاريخ
النشرhttps://carnegie.org/diwan/77772 :2018/11/23
11
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
ولوجستيا له ،يضاف إلى ذلك اتهام النظام السوري ج -الحرب العراقية اإليرانية :نشبت الحرب
لألردن بدعم حركة اإلخوان املسلمين ،إبان أحداث العراقية اإليرانية ،1988-1980وتباعد املوقفان
الثمانينيات ،األمر الذي أدخل العالقات السورية السوري والسعودي تجاهها ،حيث انحازت سورية
األردنية في حالة توتر شديد ،وصل إلى درجة أن سورية إلى جانب إيران ودعمتها في تلك الحرب ،في حين
حشدت قوات على حدود األردن ،لكن السعودية، وقفت السعودية بقوة إلى جانب بغداد ،وهنا
الجو لنزع فتيل األزمة ،وجرىعلى طريقتها ،هيأت ّ مرة أخرى ،على الرغم من التمايز في املواقف،
اإلخراج من خالل قرار مؤتمر القمة العربية الذي تبرز البراغماتية واملرونة ومتانة العالقة السورية
عقد في املغرب 20تشرين األول /أكتوبر ،1985 السعودية التي حبكها حافظ األسد ،حيث جرى
حيث شكل املؤتمر لجنة إلنجاز مصالحة وتنقية تفهم هذا االفتراق من الطرفين كليهما ،على خلفية
األجواء بين البلدين ،مؤلفة من ولي العهد السعودي أن الطرفين كانا متفقين على أن تلك الحرب سوف
ُ
آنذاك عبد هللا بن عبد العزيز ،ومحمد مزالي رئيس تضعف العراق وإيران .فالسعودية كان يهمها أن
الوزراء التون�سي ،والشاذلي القليبي األمين العام تضعف إيران ،والنظام السوري كان يهمه إضعاف
للجامعة العربية ،وقد استطاعت اللجنة إنجاز خصمه العراقي ،وبالنظر إلى املوضوع من زاوية أخرى
املصالحة املطلوبة ،إذ ّ
قدم العاهل األردني اعتذا ًرا تبدو قدرة األسد على املناورة واضحة ،فقد استطاع
عما بدر من إساءات إلى سورية ،لم يكن على علم -بتقية مضمرة -أن يحافظ على عالقة متينة مع
بها ،وهنا استطاع األسد إثبات قدرته وطول ذراعه طرفين خصمين في حالة حرب ،بزعمه أن يريد أن
األمنية ،من خالل الضغط على األردن وعقابه يبقي نافذة مفتوحة بين األمتين العربية واإليرانية،
أمنيا في ساحته ،عبر محاولة اغتيال رئيسواللعب ً نافذة سوف تكلف العرب ً
كثيرا فيما بعد.
الوزراء األردني ،ثم في الساحة اللبنانية حيث جرى
اختطاف السفير األردني في بيروت هشام املحيسن، د -مبادرة السالم مع إسرائيل :خالف آخر
واتهمت منظمة الصاعقة الفلسطينية التي تتبع مكبوتا ،فقد رفضت سورية ً بين البلدين بقي
سورية بالعملية. والفلسطينيون مبادرة األمير فهد للسالم التي قدمها
للقمة العربية املنعقدة في فاس 25تشرين الثاني/
ه -اتفاقية كامب ديفيد :بعد توقيع مصر
نوفمبر ،1981ما اضطر األمير فهد إلى سحب
اتفاقية كامب ديفيد بتاريخ 17أيلول /سبتمبر نهائيا ،ولم يكن األسد ر ً املشروع ً
ّ ،1978 افضا للمبادرة
تصدرت سورية الجهد العربي لعزل مصر
بحد ذاتها ،إنما كان يراهن على الوقت ،بأن يحظى
ومعاقبتها ،وقد قررت قمة بغداد بتاريخ 2تشرين
بشروط سالم أفضل ،بعد أن انفرد السادات بسالم
الثاني /نوفمبر 1978قطع العالقات مع مصر،
ونقل ّ كامب ديفيد ،وتقدير األسد بأن إسرائيل لن تعطيه
مقر الجامعة إلى تونس ،وقطعت سورية
بالقدر الذي أعطته للسادات ،بما كان يقتضيه ثقل
عالقتها بمصر بتاريخ 5كانون األول /ديسمبر ،1978
مصر الجيوسيا�سي ،ومبادرة السادات للدخول في
واستمر القطع حتى عام ،1989وعلى الرغم من
مفاوضات سالم مع إسرائيل ،ونتيجة لذلك سعى
التزام السعودية بقرار قمة بغداد ،في هذه املرحلة،
األسد إلى تشكيل جبهة الصمود والتصدي ،من
فإن العالقات بين البلدين استمرت بطرائق مختلفة،
مواز لثقل مصر ،لكنه لم ُيفلح فيأجل تأمين ثقل ٍ
بخاصة استمرار املساعدات السعودية بشكل
ذلك املسعى ،بسبب االصطفافات العربية الحادة
معلن ،بدعوى أن السعودية لن تعاقب الشعب
على خلفية الحرب العراقية اإليرانية ،حيث وقف
املصري ،وهنا يمكن االستنتاج بدرجة من املعقولية، عمقا استر ً وشكل ًّ
اتيجيا األردن إلى جانب العراق،
12
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
الرغم من أن الواليات املتحدة لم تكن بحاجة إلى بناء على طبيعة عمل السياسة الخارجية السعودية
تقدم مشاركتههمها أن ّ ً
عسكريا ،بل كان ّ مشاركته وطريقتها وعالقتها مع الطرفين ،كما موقفها غير
جزءا من التغطية السياسية العربية للحرب ،فقد ً الحدي من اتفاقية السالم املصرية اإلسرائيلية،
حاز بداية على ضوء أخضر أميركي سمح له بإنهاء ّأن السعودية لعبت دورها إلعادة العالقات بين
ظاهرة عون التي شكلت له إز ً
عاجا في لبنان ،بحكم سورية ومصر ،وقد أسس هذا األمر ،على الرغم من
ً
ونظرا إلى تعاون األخير مع خصمه النظام العراقي، استمرار االلتزام املصري بكامب ديفيد ،ملرحلة من
ّ
تناغم املوقفين السوري والسعودي ،فقد وفر التعاون الثالثي الفاعل طوال عقد التسعينيات،
لسورية استمرار الدعم املالي والسيا�سي ،وذلك ضم سورية ومصر إلى جانب السعودية ،وبرزت
ً
«نتيجة لتعميق األسد عالقته الشخصية مع فاعليته باشتراك األطراف الثالثة في حرب الخليج
ولي العهد السعودي حينذاك األمير عبد هللا بن مهما الثانية (تحرير الكويت) ،كما لعبت مصر ً
دورا ً
عبد العزيز» ( (( .وعلى الرغم من أن حافظ األسد في نزع فتيل األزمة بين تركيا وسورية ،على خلفية
كان ينظر إلى دول الخليج عامة ،والسعودية على قضية عبد هللا أوجالن وتوقيع اتفاق أضنة األمني
وجه الخصوص ( (( ،بوصفها مصد ًرا الستجرار بتاريخ 20تشرين األول /أكتوبر ،1998وهنا ً
أيضا
غالبا ،أو ً
ثمنا ألدوار مطلوبة ،أو طوعا ًاملساعداتً ، برزت قدرة األسد على التكيف مع املتغيرات وتغيير
ً
أحيانا أخرى ،فإنه يمكن القول إن العالقة ابتزا ًزا االتجاه ،عندما رأى جدية التهديدات التركية ،من
السعودية السورية ،طوال حكم حافظ األسد، دون أن تقيده فكرة الثوابت التي يتغنى بها إعالمه،
قد سارت على درجة من التوافق والفاعلية ،كما واستثماره في العالقات مع اآلخرين عند املنعطفات
لم تشهده العالقة بين أي دولتين عربيتين أخريين، الخطرة التي ّ
مر بها .
ً
مستفيدا حيث أدارها حافظ األسد بمهارة عالية،
من طبيعة ومحددات السياسة الخارجية السعودية. لقد تمكن هذا التعاون الثالثي من التأثير وضبط
اإليقاع في عمل النظام العربي والتوترات املتنقلة
فيه بقدر اإلمكان ،ذلك أن النظام العربي كان قد
بدأ مسيرة تراجعه بعد حرب الخليج الثانية.
13
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
ثالثا :العالقات السياسية السورية السعودية في املدة الزمنية 2010-2000
القوات األجنبية من لبنان ،واملقصود هنا القوات على الرغم من تزايد القلق السعودي ،تجاه تعاظم
السورية املوجودة فيه منذ عام ،1976وحتى اتفاق النفوذ اإليراني في لبنان ،فإن اململكة كانت تريد
الطائف عام 1989بشرعية عربية ،لكنه استمر في استمرار العالقة بين البلدين على الوتيرة التي كانت
وجوده هناك ،كأمر واقع حتى نيسان /أبريل ،2005 عليها في عهد األسد األب طوال ثالثة عقود ( (( ،وربما
إذ اضطر إلى االنسحاب من األرا�ضي اللبنانية كافة، ساهمت السعودية بقدر ما -بحكم عالقتها بالواليات
كواحدة من تداعيات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني املتحدة -في تمرير عملية التوريث بشكل سلس ،مثل
ً السابق فيق الحريري الذي كان ّ ً
يعد ممثاًل لنفوذ ر ما كان مخططا له من األسد األب ،وهذا يؤكده
اململكة في لبنان. بندر بن سلطان ،في شهادة له لصحيفة إندبندت
عربيةُ ،عرضت على تلفزيون سوريا املعارض بتاريخ
هذه األحداث وغيرها دفعت العالقات السعودية سوقت 6شباط /فبراير ،2019بقوله« :السعودية ّ
السورية إلى حالة عميقة من التدهور ،لم يكن بشار األسد لدى الواليات املتحدة والدول العربية،
متوقعا أن تسير على هذا النحو ،بحيث تباينت ً ً
تنفيذا لوعد قطعه األمير عبد هللا بن عبد العزيز
الرؤى والسياسات بين البلدين ،بمقدار ما كان ولي العهد ،لبشار األسد ،عندما جاءه ً
معزيا بوفاة ّ
يتعمق التحالف السوري مع إيران التي باتت بعد أبيه» ( ((.
الغزو األميركي للعراق -بسبب استراتيجيتها التوسعية
في املنطقة وإيقاظها النعرات الطائفية كأحد مفرزاتتقدمت السعودية بمبادرة األمير عبد هللا للسالم
حركة التشيع التي أطلقتها في أكثر من دولةً -
خطرا إلى مؤتمر القمة العربية املنعقد في بيروت عام ،2002
يهدد األمن الوطني السعودي بشكل وجودي ،وهو تبنتها القمة تحت اسم مبادرة السالم العربية،وقد ّ
َ ْ
الذي يأتلف على حساسية خاصة تجاه األخطار ولم ت ُرق املبادرة للنظام السوري ،لكنه لم يشأ
يخيا ،وفي مقدمتهااإلقليمية التي يحسب لها تار ً االصطدام مع السعودية حينها ،واتخذ ً
موقفا يمكن
الخطر اإليراني .ويمكن الوقوف على ثالثة ملفات أن يسمى «التحفظ املرن» الذي يفتح الباب أمام
أساسية في املنطقة ،تضاربت حولها السياسات إمكانية إجراء تعديالت عليها ،فيما يخص حركات
التي اعتمدتها الدولتان السعودية والسورية في هذه املقاومة الفلسطينية ،والنص على االنسحاب من
ً املرحلة ،تركزت أوًاًل في لبنانً ،
وثانيا في العراق ،وثالثا الجوالن ،فراح يزيد في خطاب املمانعة واملقاومة،
حول القضية الفلسطينية. وفي مناخات التوتر الدولي التي أشاعتها أحداث
الحادي عشر من أيلول ،والحرب الدولية على
أ -في امللف اللبناني: اإلرهاب ،فثمة أحداث وغيوم راحت تتراكم في أجواء
العالقات السعودية السورية ،من الغزو األميركي
في مناخات الغزو األميركي للعراق ،والقلق الذي للعراق 15آذار /مارس ،2003إلى القرار األممي
ى
رقم 1559أيلول /سبتمبر 2004الذي ق�ضى بخروج اعتر النظام السوري في إثره ،واإلعاقة العنيدة
( (( مركز الجزيرة للدراسات( ،العالقات السعودية-السورية مرحلة مفصلية) تاريخ النشر https://2u.pw/KcklKm -2010/11/15
( (( سعد محيو ،ملاذا زار األسد بيروت ،موقع ،SWI swissinfo.chتاريخ النشر https://2u.pw/0OVXPj :2002/3/4
14
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
امتدادا للحريرية والنفوذ السعودي ،وبالقدر ذاته التي أبداها النظام وحلفاؤه في لبنان النتخاب رئيس
لفك عزلة األسد السياسية ،لكن جهد سعودي ّ دد له ثالث خلفا إلميل لحود الذي ُم َ جمهوريةً ،
الجهد السعودي لم يعط النتيجة التي كانت تسعى سنوات ،استطاعت لولبيات املعارضة اللبنانية في
لها اململكة ،ألن التحالف السوري اإليراني ،على ما الخارج أن تثمر تحركاتها باستصدار القرار األممي
اتيجيا وأعمق من أن بينته األحداث ً
الحقا ،كان استر ً « 2004/1559قانون محاسبة سورية» الذي أرجعه
تحله املبادرات السعودية. النظام إلى جهد رفيق الحريري ،وبخاصة أن الحريري
ترددا ،في ما يخص التمديد للحود ،األمر الذي أبدى ً
ب -في امللف العراقي: وضع النظام السوري في شبهة اتهام اغتياله ،أو في
الدفع إلى االغتيال من وجهة النظر السعودية التي
إن اندالع الحرب العراقية اإليرانية 1980التي ً ً
مباشرا اعتبرت أن عملية االغتيال تمثل استهدافا
انبنت على االندفاعة الخمينية بتصدير الثورة لنفوذها القلق في لبنان الذي راح يتراجع ملصلحة
ً
موقفا إلى جواره الغربي -حيث أخذ حافظ األسد
ُ ً النفوذ اإليراني ،لكن على الرغم من الجهد السعودي
علنيا إلى جانب إيران بزعم أنه يريد أن يبقي مع أطراف دولية أخرى ،بأن تحدد صيغة املحكمة
نافذة مفتوحة بين العرب واإليرانيين -شكل نقطة الدولية الخاصة باغتيال الحريري ،واالغتياالت التي
انعطاف في اطمئنان السعوديين لرسوخ عالقتهم طالت بعدها قيادات من قوى 14آذار ،بأال توجه
بالنظام السوري ،ذلك أنه ال قصة النافذة ،وال اتهامها إلى دول أو أحزاب ،وأن يقتصر االتهام على
الخالف العراقي السوري املزمن ،كانتا مقنعتين، أفراد ومحاكمتهم ،فإن ثمة محطات كانت تباعد
فالسعوديون لم يكونوا على طول تاريخهم ّ
أقل
ً بين توجهات الدولتين في الساحة اللبنانية ،ومنها
توجسا من سياسات العراق تجاههم ،لكن في هذه ً
واضحا، حرب ،2006حيث كان املوقف السعودي
الحرب لعب ترتيب السعوديين لدرجة الخطر بتحميل مسؤولية اندالعها لحزب هللا ،وما تبعه من
الناشئة ،حيث إيران الخمينية املتلبسة بالدين ّ
أشد نعت األسد لبعض حكام الخليج ،بـ «أشباه الرجال»،
خطرا عليهم ،ثم براغماتية حافظ األسد ،ومشاركته ً
ثم جاء اجتياح حزب هللا بيروت الغربية ،في ما عرف
في حرب الخليج الثانية ،والتعاون السوري السعودي بأحداث 7أيار /مايو ،2008وتبعه التدخل القطري
في لبنان وفي ملفات أخرى ،لعب ً
دورا في أنه أبقى هذا وعقده اتفاق الدوحة الذي أعطى حزب هللا الثلث
ً
مستورا. الشرخ النا�شئ في العالقة بينهما ّ
املعطل في تشكيلة الحكومات اللبنانية ،ما عنى
ّ ً
جاء الغزو األميركي للعراق عام 2003ليزيد الخرق عمليا تحكم حزب هللا في الدولة اللبنانية والقرار
في نسيج العالقات السعودية السورية ،ففي الوقت اللبناني حتى اآلن.
الذي حملت فيه السعودية سبب الغزو لروح التهور كانت العالقات السعودية السورية تسير نحو
واملغامرة ،التي يتصف بها الرئيس العراقي ،كان النظام مزيدا من الضرر بمصالح األسوأ ،األمر الذي ألحق ً
السوري قد انخرط والنظام اإليراني في دعم القوى الطرفين ،وملا كان الهاجس األساس لدى السعودية
السنية التي قاومت االحتالل األميركي ،من أجل إقالق هو جبر الضرر بالعالقة بين البلدين ،ومحاولة
َ
األميركيين في العراق ودفعهم إلى الخروج ،كي يبقى سحب األسد من الحضن اإليراني ،فقد ق ِد َم امللك
العراق تحت الوصاية اإليرانية الصرفة ،وفتحت عبد هللا إلى دمشق عام ،2008ثم اصطحب األسد
سورية حدودها أمام تدفق الجهاديين اإلسالميين معه إلى بيروت عام ،2010على أمل تهدئة األجواء بينه
من كل الدول ،ومنها السعودية ،للدخول إلى العراق، وبين قوى 14آذار ،ومحاولة تسويق سعد الحريري،
15
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
نكوص حركة حماس عن اتفاق مكة الذي ُ الطين بلة من دون أن يغيب عن املشهد القدر الذي ساهمت
أبرم بين فتح وحماس شباط /فبراير 2008برعاية فيه إيران في ترتيب صفوف املعارضة العراقية
سعودية ،ورأت فيه الرياض قرا ًرا إير ً
انيا ،بغية الشيعية املرتبطة بها ،وكذلك املعارضة الكردية
تحمل حركةاإلبقاء على االنقسام الفلسطيني ،وهي ّ خلف الغزو األميركي ،ثم جاءت فتوى املرجعية
حماس مسؤولية الحروب اإلسرائيلية على القطاع الشيعية العراقية ،بتحريم مقاومة االحتالل األميركي
بعد ذلك ،نتيجة للعالقة التي تربط حماس بإيران والبريطاني للعراق ،ما حصر مقاومة الغزو األميركي
بشكل متزايد. السني .وفي الوقت الذي ال يكفي فيه ّ
تذرع باملكون ّ
ّ
النظام السوري بأنه كان يخ�شى أن تتابع القوات
في الطرف اآلخر من العالقة السعودية السورية، األميركية سيرها نحو سورية ،لتفسير موقفه ،ذلك
في ما يخص املوقف من القضية الفلسطينية، أن جوهر املطالب األميركية التي حملها كولن باول
كانت دمشق -في سياق خطابها الداعي إلى املقاومة إلى دمشق عام 2003كانت تركز على تغيير سلوك
ودعمها لعالقة حماس مع إيران ،لكن ليس ّ
النظام وليس تغييره ،فقد أكدت تطورات األحداث
على حساب عالقتها الحسنة مع رئيس السلطة في السنوات التالية أن املوقف السوري كان ً
تعبيرا
ُ
الفلسطينية -كانت تشكك في جدوى استمرار مسار عن أن التحالف السوري اإليراني اتخذ ً
منحى
أوسلو ،واملفاوضات مع الجانب اإلسرائيلي ،ولم استر ً
اتيجيا ،وأثمر خروج العراق من عمقه العربي،
تساهم في رأب الصدع الفلسطيني ،وكانت العين وأوقعه في القبضة اإليرانية بمساعدة الواليات
السعودية تالحق النفوذ اإليراني املتزايد في الساحة ّ
شيعي عراقي ،قدم خياراته املتحدة ،وواقع اجتماعي
الفلسطينية ،الذي ترى فيه ً
خطرا على أمنها ،وعلى وهواه نحو إيران على حساب بعده العربي ،األمر
املصالح الفلسطينية في آن واحد. الذي رفع منسوب القلق السعودي ،تجاه الخطر
إن االضطراب والتدهور الذي وسم العالقات اإليراني الذي اقترب من خاصرتها الشمالية.
السعودية السورية ،في العقد األول من األلفية
الثالثة ،يمكن إرجاعه إلى التبدل الذي طال أولويات ج -في امللف الفلسطيني
كل طرف وتحالفاته ،ويرى فيها إضرا ًرا بمصالحه، ً
واضحا منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد كان
في كل امللفات التي تشابكت فيها العالقات ،وإذا
كان ّ بين مصر وإسرائيل ،1979واملوقف السعودي
هم السعودية األول هو خطر التوسع اإليراني
امللتبس والغامض حيال املوقف العربي من نظام
الذي بات يحاصرها من العراق واليمن وفي لبنان، ً
فإن ّ السادات ،أن تبداًل في السياسة السعودية قد أخذ
هم النظام السوري كان ،وما يزال ،يتجسد في
طريقه إلى التبلور ،ومحاولة تعميمه بالقدر الذي
املحافظة على استمراره ،وأن تحالفه االستراتيجي
تسمح معطيات الواقع العربي الذي يقوم على أن
مع إيران يصب في هذا الهدف ،بالقدر ذاته الذي
السعودية باتت تنحاز إلى خيار السالم في الصراع
ينظر فيه إلى أن التحالف السعودي األميركي أم�سى
ً العربي اإلسرائيلي ،من هنا كانت مبادرة األمير فهد
خطرا يهدده ،وبخاصة إبان الغزو األميركي للعراق،
في قمة فاس ،1981وكذلك مبادرة السالم العربية
وبمقدار ما كان الخالف يتعمق في امللف اللبناني،
،2002لذلك نظرت السعودية بريبة إلى سيطرة
«كانت تثار شكوك حقيقية لدى أطراف سعودية
(حماس) على قطاع غزة حزيران /يونيو، 2007
نافذة حول حقيقة الدور السوري في املنطقة ،من
وأيدت موقف السلطة الفلسطينية في رام هللا ،وزاد
أن سورية تمارس الخداع السيا�سي مع اململكة ،وال
16
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
( (( محمد بن هويدن ،دالالت املوقف السعودي من سورية ،موقع البيان ،تاريخ النشر https://2u.pw/mdKne0 ،2011/8/14
( (( مذكرات هيالري كلينتون خيارات صعبة ،ترجمة ميري يونس باالشتراك مع ساندي الشامي وروزي حاكمة ،الطبعة األولى ،شركة
املطبوعات للنشر والتوزيع (ش م ل) ،عام ،2015صفحة .439
17
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ر ً
ابعا :العالقات السورية السعودية بعد عام 2011
في مرحلة انتقالية ،تف�ضي إلى انتقال سورية عبر لم تكن العالقات السورية السعودية ،عشية
مجموعة من الخطوات ،نحو نظام تعددي ،لكن انطالقة الثورة السورية في آذار /مارس ،2011على
النظام رفضها ،ما حدا بالجامعة إلى نقل امللف عهدها الذي طاملا حرصت عليه السعودية في أن يكون
إلى األمم املتحدة ،طالبة مشاركتها في وقف العنف جريا على نهج السياسة السعودية بحالة جيدة ،لكن ً
املتصاعد ،عبر إرسال قوة أممية عربية مشتركة، بتفضيلها العمل بسرية ،وخلف الكواليس ما أمكنها
وفرض حل في إطار ما جاءت به املبادرة الثانية، ذلك ،فقد التزمت الصمت خمسة أشهر ،من دون أن
وعلقت عضوية سورية بالجامعة ،وطالبت الجامعة يعني ذلك أنها كانت تؤثر عدم االكتراث ،بل قدمت
الدول األعضاء ،بقطع عالقاتها الدبلوماسية مع املساعدات العاجلة للنظام« ،من ضمن محاوالتها
ً
وماديا ،مع تقديم ً
سياسيا سورية ،ودعم املعارضة إقناعه بسلوك طريق اإلصالح ،ووقف الحل األمني
السالح للمعارضة ،وقد التزمت دول الخليج ،عدا ً
نجاحا ( ((، العسكري ،دون أن تصيب جهودها
ُعمان ،وبعض الدول العربية األخرى ،بتوصية فكانت كلمة امللك عبدهللا بتاريخ الثامن من آب/
الجامعة ،في حين حافظت بعضها على عالقتها أغسطس 2011عالية النبرة والحزمً ،
تعبيرا عن أن
بالنظام ،وبعضها ساعده في الجهد العسكري ،وفي السعودية قد طفح فيها الكيل ،وأن النظام ماض في
هذا السياق ،تقول هيالري كلينتون ،في مذكراتها حله األمني ،وتأتي أهمية املوقف السعودي املعلن
عن هذه املرحلة ،إن سعود الفيصل ،بعد مشاهد من أنه جاء على لسان امللك عبد هللا ،أكثر ملوك
ً
العنف الدموية التي مارسها النظام ،قال في تونس: السعودية عالقة بسورية على مدى عقود»(،)13
«إن تزويد الثوار باألسلحة فكرة ممتازة» ( ((. ً
حاضرا ومن املؤكد أن الدور األبرز للسعودية كان
في كل خطوات جامعة الدول العربية ،في مبادرتيها:
ثمة أكثر من دافع وراء املوقف السعودي، األولى في السادس من أيلول /سبتمبر 2011التي
ً
ففضاًل عن العامل اإليراني الذي راح ُيظهر تدخله وضعت خريطة طريق للخروج من األزمة تقوم على
املباشر عبر حزب هللا ،ومستشاري الحرس الثوري عملية إصالح سيا�سي ،يقوم بها النظام بعد وقف
ً
اإليراني ،وفضاًل عن ضرورة «أن تسجل اململكة أعمال العنف ،عبر الحوار مع املعارضة وبمساعدة
حضورها اإلقليمي ،في وقت راحت تتقدم فيه إيران الجامعة ،لكن مراوغة النظام ،وانسحاب املراقبين
وتركيا مللء الفراغ األمني في املنطقة العربية» ( ((، اقبا من بعثة الدابي، الخليجيين وعددهم 21مر ً
كان هناك هاجسان ال يقالن أهمية عن الخطر أنهيا املبادرة األولى ،ودفع الجامعة للتقدم باملبادرة
الذي يمثله تموضع إيران وتحكمها في سورية ،أولهما الثانية كانون الثاني /يناير 2012التي حاكت املبادرة
«هاجس املنظمات الجهادية العابرة للحدود التي الخليجية تجاه اليمن ،وتقوم في جوهرها على الطلب
فرختها القاعدة ،كداعش والنصرة وغيرهما ،التي من األسد تسليم األسد السلطة لنائبه ،والدخول
راحت تتدفق على سورية والتي لن تتوانى عن إيذاء
( (( محمد بن هويدن ،مصدر سابق.
( (( فريدريك ويري ،الحسابات الخليجية في الصراع السوري ،مركز مالكوم كير -كارنيغي الشر األوسط ،تاريخ النشر 12حزيران /يونيو
ق
https://2u.pw/tdIzQk 2014
( (( نجمة املوسوي ،السعودية والصراع حول سورية ،تاريخ النشر ،2014 /1/25
18
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
ودوليا بترتيبات انتقال ً
وإقليميا امللك سلمان ً
محليا اململكة ،إذا سنحت لها الفرصة ،وثانيهما توسع نفوذ
السلطة إلى الجيل الثاني من آل سعود (انتقال حركة اإلخوان املسلمين داخل املعارضة السورية
ً
داخليا العائلة السلطة في السعودية تتحكم فيه التمثيلية» ( (( ،وامتداداتها داخل فصائل املعارضة
ً ّ
حد ما حلفاؤها الداخليون ،ثم دول املالكة ،وإلى ٍ وقياسا على موقف السعودية التاريخي املسلحة،
ً
الخليج ،وثالثا الحليف األميركي) ،كان من جملة تلك من حركة اإلخوان املسلمين وتنظيمات اإلسالم
تغيرات املوقف األميركي التي العوامل ،لكن األهم هو ّ السيا�سي ،يمكن االستنتاج بأنه ليس من مصلحة
سهلت اتفاقات خفض التصعيد في املناطق األربعة، ّ السعودية أن تجلس الحركة على طاولة الحل
وإلغاء غرفتي تنسيق الدعم (غرفة «املوك» ّ
مقرها السيا�سي عند اشتغاله ،وبخاصة بعد فوز إخوان
األردن لدعم فصائل املعارضة في الجنوب ،وغرفة مصر بالسلطة بانتخابات أيار /مايو .2012
«املوم» لدعم فصائل املعارضة في الشمال ،ومقرها ّ
تركيا) ،وانتقال أميركا إلى لعب دور معطل الحلول، قدمت السعودية الدعم السيا�سي واملالي
الظن تأجيلها ،وفي هذا السياق ُيذكر حسن ُ أو إذا ُأ َ والعسكري ،وفق خطط غرفة املوك (مقرها األردن)
ما قالته هيالري كلينتون ،عن تردد الواليات املتحدة التي كانت مهمتها تنسيق دعم حلفاء املعارضة
حول تسليح املعارضة السورية ،والتحكم في حركة السورية في الجنوب ،والسعودية من بينهم ،منذ
تسليحها من اآلخرين« :كان أوباما يرى أن مخاطر إحداثها حتى تاريخ إغالقها 30كانون األول /ديسمبر
التحرك كما عدمه مرتفعة على السواء ،وللخيارين ُ ،2017بعيد اتفاقات خفض التصعيد التي شجعت
َ
فمال الرئيس إلى املحافظة عواقب غير مقصودة، عليها الواليات املتحدة وإسرائيل ،ونفذتها كل من
على املسار الراهن ،من دون اتخاذ خطوة مهمة روسيا وتركيا ،لكن مع هذا ثابرت السعودية ،منذ
لتسليح الثورة» ،ثم تتابع« :إن سورية غير ليبيا، البداية ،على تأييدها الحل السيا�سي ،وفق قرارات
واملعارضة السورية غير منظمة ومتشرذمة ،وهي هنا مجلس األمن الدولي ،وآخرها 2254لعام ،2015ففي
تصف الوضع باملعضلة الشريرة ،فكل خيار بشأنها الكلمة التي ألقاها سعود الفيصل وزير الخارجية
يكون أسوأ من غيره» ،ثم تعود لتظهر تناقض إدارتها السعودية آنذاك ،عند افتتاح مؤتمر جنيف2
في املوقف من الثورة السورية الذي ما زال ً
لغزا حول مستقبل سورية ،أكد موقف بالده الرامي إلى
ّ «التوصل إلى حل سيا�سي سلمي لألزمة السورية منذ
يصعب حله ،وهي تدحض فكرة حتمية سيطرة
املتطرفين على الثورة ،والقبض ً
تاليا على سورية، اليوم األول لنشوبها» ( ((.
األسطوانة التي ما برح يرددها كثير من السوريين، عوامل كثيرة دفعت املوقف السعودي إلى االنكفاء
قوى منظمة أم أفر ًادا فاعلين ،أم بعض سواء أكانت ً
عن دعم املعارضة وفتور حماسها الذي شهدته
من يتناولون الوضع السوري من العرب بقولها« :وفي السنوات األولى ،ومنها التدخل العسكري الرو�سي
كل األحوال ،لو كانت الواليات املتحدة على استعداد في سورية في أيلول /سبتمبر ،2015ثم التدخل
أخيرا للدخول في اللعبة ،لكانت أثبتت فاعلية أكبر ً
العسكري التركي ،حيث راحت تفترق وجهات النظر
في عزل املتطرفين ،وتقوية املعتدلين في الداخل بين تركيا والسعودية ،ثم سقوط حلب الشرقية في
السوري» ( ((. ّ
نهاية عام ،2016ولعل تدخل السعودية في حرب
اليمن ،عبر عاصفة الحزم ،2016ثم انشغال
( (( مذكرات هيالري كلينتون :خيارات صعبة ،مصدر سابق ،صفحة .445
( (( املصدر السابق ،صفحة .447
( (( املصدر السابق ،ص 449
19
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ُ
السياق ذاته يرى أن «مجموعة أصدقاء الشعب وثمة شهادة أخرى تلقي الضوء على موقف إدارة
السوري التي ضمت 124دولة ،واعترفت باملجلس أوباما من الثورة السورية ،أكدت ما بات كثير من
ً املتابعين حتى من الشعب السوري يعرفه ّ
الوطني السوري ممثاًل لثورة الشعب السوري، ويقر به،
ودعمت املجلس كممثل للمعارضة ،كانت غايتها حول جوهر موقف إدارة أوباما من الثورة السورية،
ترشيد الثورة ،ومن وراء ذلك ترشيد النظام ،وأن مطلوبا منها بالضرورة أن تنخرطً في وقت لم يكن
املجلس الوطني السوري الذي ولد في إطار البحث في الصراع إلى جانب الثورة ،ومن املشروع طرح
ً التساؤالت حول لجمها الثورة في لحظات ّ
عن حل سيا�سي مع املجتمع الدولي لم يكن مؤهاًل مدها في
لقيادة ثورة مسلحة والوفاء بشروطها» ( (( ،وهنا أكثر من محطة ،بين األعوام ،-2018 2011وفي هذا
يمكن التساؤل :إذا كانت غاية املجلس كما ذكر السياق ،تقول شهادة املستشار السابق للرئيس
غليون ،وهذا ما يفترضه املنطق السيا�سي ،وكانت أوباما بن رودس ،في مذكراته املعنونة بـ «العالم كما
قوى سياسية ما برحت تعلن القوى التي شكلته ً هو» ،عندما تراجع أوباما عن خطه األحمر ،بعد أن
ّ
سلميتها ،كما يذكر ،حتى لو شذ اإلخوان باملمارسة قصف األسد الغوطتين الغربية والشرقية 3آب/
نسبيا عما هو معلن ،وكانت هذه الثورة عفوية وغير ً أغسطس « :2013لقد استخدم أوباما عدم تدخله
حمل املجلس مسؤولية عجزه عن نمطية؛ فلماذا ُي ّ في سورية إلرضاء إيران ،وتعزيز حظوظه في التوصل
قيادة ثورة مسلحة؟ إلى تسوية في امللف النووي اإليراني على حساب
الشعب السوري» ( ((.
ازدادت الدعوات والضغوط التي تقودها أكثر
من دولة عربية ،وتتصدرها دولة اإلمارات العربية ويرى الدكتور برهان غليون ،أول رئيس للمجلس
املتحدة واألردن والجزائر ،ثم الضغوط الروسية الوطني السوري ،نتيجة استخلصها من تجربته
املتواصلة إلعادة النظام لجامعة الدول العربية الشخصية ،من دون أن تستغرق بالضرورة
والتطبيع معه ،ولعل أبرزها وأكثرها داللة ما ّ
صرح به حقيقة املواقف العربية والدولية من ثورة الشعب
العاهل األردني في مقابله له محطة CNNاألميركية، السوري ،إذ يقول« :كانت الدول العربية تسعى
ونشرته صحيفة الدستور األردنية ،بأنه «حمل إلى الضغط على النظام ،من أجل دفعه إلى انتهاج
إلى الرئيس بايدن ،في زيارته األخيرة إلى واشنطن، سياسة واقعية ،تجنبه التورط في حرب داخلية تهدد
مقترحا للحل في سورية يرتكز على التخلي عن فكرة ً ً
اهتماما بمصير مصالحها ،لذلك كانت أكثر الدول
رحيل األسد ،وإعادة سورية إلى الجامعة ،وتجميد األسد أقرب أصدقائه واملستثمرين فيه ،مثل قطر
العقوبات (قيصر) ،والسماح بإعادة اإلعمار، وتركيا والسعودية ،وقد استعداهم األسد باستهزائه
وأن إسرائيل واألردن وروسيا متفقون على العمل بهم وخداعهم وتماديه في مخططاته الدموية،
سويا على إنجاح هذه املبادرة ،ويطلب من الواليات ً وحدث ال�شيء ذاته للدول األخرى التي كانت تعتقد
املتحدة املشاركة بها» ( (( ،وبما أن النظام األردني بأن مصلحتها تكمن في إنقاذ النظام من جنونه،
نظام ذو دور وظيفي ،يمكن االستدالل على البعد أكثر بكثير مما كانت تريد االنقالب عليه ،أو دعم
اإلسرائيلي ،في ما حمله امللك األردني ،وبما يتناغم ثورة شعبية ،ال يمكنها التحكم بدينامياتها» ( (( ،وفي
( (( مذكرات بن رودس املستشار السابق للرئيس أوباما Benrhodes,the word at is/newyork;randaon house,2018
( (( برهان غليون ،عطب الذات وقائع ثورة لم تكتمل ،سورية -2012-2011الطبعة الثانية ،الشبكة العربية للبحوث والنشر ،صفحة 84
( (( املصدر السابق ،ص .86
( (( فيديو ملقابلة أجرتها شبكة األميركية مع العاهل األردني امللك عبد هللا الثاني ،نشرته صحيفة الدستور األردنية بتاريخ -2021/7/25
CNN-addustour.com
20
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
قانون قيصر التي تتعلق بغايات إنسانية وإغاثية، مع الضغوط اإلماراتية أو املصرية والروسية على
فإن زيارة األسد العلنية لدولة ُعمان فتحت الباب اململكة .وفي وقت ما زالت فيه أميركا تعارضه بشدة،
تكهنات متنوعة ،بما أن دولة ُعمان صندوق على ّ يبرز التساؤل حول املوقف السعودي من هذه
بريد وظيفي احترافي ،بأن ً
شيئا ما ُي َع ّد أو يجري ُ
الدعوات :هل يمكن أن تعيد السعودية عالقاتها مع
بحثه ،ثم جاء اإلعالن أن وزير الخارجية السعودي النظام؟ وعلى الرغم من أن بعض اللقاءات األمنية
فيصل بن فرحان ينوي زيارة دمشق ،ثم جاء اإلعالن عالية املستوى قد حصلت بين الجانبين السوري
بتاريخ العاشر من آذار /مارس 2023عن االتفاق ً
انفتاحا والسعودي ،فإن املؤشرات ما تزال ّ
ترجح أن
ً
اإليراني السعودي برعاية صينية ،إلعادة العالقات كاماًل على النظام ،وعودة العالقات بين الدولتين إلى
الدبلوماسية بين البلدين التي قطعت عام ،2016 بعيدا ،وأن السعودية ستبقى سابق عهدها ما زال ً
ثم تاله اإلعالن عن تفعيل الخدمات القنصلية بين تناور في مواقفها الحقيقية ،ما دام ّ
الحل السيا�سي
ًّ
السعودية وسورية ،وهذا ذو معنى ال يقف عند ما مؤجاًل ،وستبقي الباب موارًبا ،ما دام النظام يستدفئ
ّ
يتعلق بمؤتمر القمة العربية القادم الذي سوف بالحضن اإليراني ،وكل ما يشيعه املتحمسون
تحتضنه الرياض في األسابيع املقبلة ،وقرار وزراء للتطبيع مع النظام ،من ّأن الغاية من التطبيع معه
الخارجية العرب بعودة سورية إلى الجامعة العربية، هي إبعاده عن إيران ،وإعادته إلى الحاضنة العربية،
شيئا ما في مستوى املنطقة يجري بل يدل على أن ً اغبا في ّ
فك هو محض تضليل ،إذ ليس النظام ر ً
البحث فيه ،وهنا يمكن ترجيح أن إيران التي ضاق عالقته بإيران ،بل إنه لم يعد قاد ًرا على مثل هذا
ً
استنادا إلى خبراتها داخليا وخار ً
جيا، ً عليها الخناق، القرار ،لكن اململكة تواصل التزامها تجاه امللف
ً
الواسعة في سياسات حافة الهاوية حينا ،أو املناورة السوري عبر املساعدات اإلنسانية األممية لالجئين
أحيانا أخرى ،ربما تكونً ورمي بالونات اختبارات السوريين ،وهي باقية كجزء من التحالف الدولي
جزئيا ،في بعض امللفات ،فتقلب ً أوحت بتراجعها ملحاربة (داعش) ،وهي عضو رئيس في مجموعة
مسقط هنا املبادرات مع املعنيين ،لكن االتفاق االتصال وتحقيق االستقرار التابعة للتحالف ،وقد
السعودي اإليراني أمامه مرحلة اختبارات صعبة ساهمت بمبلغ 100مليون دوالر إلعادة االستقرار
بالقدر الذي يمكن معه التكهن بمآالت االتفاقً ،
نظرا أيضا عضو في املجموعة في مناطق (قسد) ،وهي ً
ملا يختزنه تاريخ العالقة بين البلدين من الهواجس املصغرة حول سورية التي أكد امللك التزام بالده
والصراع وانعدام الثقة ،إال أنه قد يشير إلى إدراك بأهدافها.
األطراف املشتبكة في صراعات بالوكالة ،في أكثر
من ملف في املنطقة -وقد أنهكها التعب -بأن العالم ثمة تطورات فرضتها تداعيات زلزال السادس
منشغل في الحرب الروسية اإليرانية ،وليس لديه من من شباط /فبراير 2023الذي ضرب مناطق واسعة
وقت وخطط للتفرغ مللفات املنطقة ،وعليه فال بأس في جنوب تركيا ،ومناطق في شمال غرب سورية،
ً ً ّ
من الركون إلى تهدئة مؤقتة ،تتيح لكل طرف إعادة وخلف دما ًرا هائاًل وضحايا بعشرات اآلالف ،أتراكا
ً
تفاعاًل ً
ترتيب أولوياته .وفي السياق ذاته ،فإن زيارة األسد دوليا ملساعدة وسوريين ،إذ استدعى ذلك
ليست فقط لإليحاء بأن طوق العزلة املضروب حوله الدولتين على مجابهة تداعيات الزلزال ،أقله في
ً
جديدا لالستثمار املستوى اإلنساني ،وهذا فتح ً
بابا
ينكسر ،وهنا يبرز بعض من محددات السياسة
الخارجية السورية ،أال وهو اقتناص الفرص ثم في مأساة الزلزال ،كما في مأساة الشعب السوري
املراهنة على عامل الوقت ،لكن بالقدر ذاته ،فإن من قبل .وإذا ما تم تجاوز قصة املساعدات الهائلة
ّ واألموال التي وصلته وتعليق العمل ببعض بنود
األمور أعقد من أن تحلها عالقات عامة ،فإذا لم
21
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
يكن هناك ّ
تغير حقيقي وواسع في التوجهات اإليرانية
تجاه املنطقة ،فإن األمور في أرجح الحاالت ستقتصر
على البحث بخطوات قصيرة مللء الوقت املستقطع،
تسرب عن الشروط السعودية التي وبخاصة ّأن ما ّ
سيحملها الفرحان لألسد ،كي ّ
تطبع اململكة عالقاتها
مع سورية ،بغض النظر عن مدى املوثوقية بتلك
التسريبات ،ال ُيرجح حدوث تطورات دراماتيكية في
عالقة بعض الدول العربية ،وفي مقدمتها السعودية
ً
تجاه النظام السوري ،فضاًل عن انتظار املوقف
تسرب عن مفاوضات األميركي ،ويضاف إلى ذلك ما ّ
سالم بين سورية وإسرائيل ،تجري برعاية ُعمانية،
ومع صعوبة التأكد منها ،فإنه باب ال يستبعد أن
مستعد لفتحه كطوق نجاة ،لكن العقدة ّ األسد
اإليرانية مرة أخرى لن تسعفه .
( ((
22
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
ً
خامسا :ارتدادات السياسة الخارجية السورية على العالقة السورية السعودية
تنصت ايرانية داخل للتأكد من عدم وجود أجهزة ّ بعد التراجع واالضطراب الكبير الذي أصاب
قصر اإلقامة .ورفض حافظ األسد أن تكون حراسة السياسة الخارجية السورية في عهد بشار األسد،
مكان إقامته من قبل الحرس الثوري اإليراني ..بل كثر الحديث في أوساط املوالين للنظام السوري،
ً جيا ،عن «أن األسد األب لو كان ما داخليا وخار ً
ً
أحضر معه 250ضابطا من كبار ضباط الحرس
موجودا ،ملا تعرضت سورية ملا تعرضت له»، ً يزال
الجمهوري ،بأسلحتهم الفردية .وأحضر معه طعامه
وطباخته وطاقم املطبخ الخاص به .وتم الخاص ّ في إشارة إلى براغماتية األسد األب ومرونته وخبرته،
استئجار ّ ظاهريا صحيح؛ فحافظ األسد بنى تجربته ً وهذا
عدة أبنية محيطة بمكان إقامته ،من
الضباط املرافقين له .واشترط األسد ملقابلة ّ أجل الصعبة واملوسومة باملغامرة باستقطاب حلفاء في
الخامنئي وجود العلم السوري ،وأن يكون كرسيهّ دولة غير مستقرة ،وهذا ما كان يفتقر إليه االبن.
بنفس مستوى كر�سي الخامنئي ..ألنه ال يريد ً
دروسا أما في العمق ،فيمكن التحفظ على هذا االستنتاج،
الهم األساس في املرحلتين كان الحفاظ على ذلك أن ّ
من أحد ..ففهم الخامنئي أن حافظ األسد -رغم
مرضه ورغم الدعم االيراني لتعيين ابنه ً النظام ،من دون األخذ بأي روادع سياسة أو قانونية
خلفا له-
ً أو وطنية ،والواقع اإلقليمي بات أكثر اضطر ًابا في
حذار من اللعبِ ولكن صدقاء، أ يقول لهم( :أنتم
معي!) ،وعندما َ عهد الخلف ،عنه في عهد السلف ،وهنا يبرز دور
طلبنا حافظ األسد أنا والسفير
ً األفراد والتمايز في القدرة على قراءة التحوالت،
شخصيا ،بعد منتصف الليل ،دخلنا أحمد الحسن واتخاذ املوقف املالئم منها.
إلى القصر الذي يقيم فيه ،وتفاجأنا بأنه ،إضافة
إلى عشرات الضباط الذين يحرسون مكان اإلقامة وفي هذا السياق ،يمكن أن ُيذكر ما كتبه
تعج بعشرات في الخارج ،كانت صالة االستقبال ّ املنشق صقر امللحم ،على صفحته في ّ الدبلوما�سي
الضباط الذين ُيشرفون على حراسته ،وكانت فيسبوك ،في مادته املعنونة «أعرفهم عن قرب»،
ّ ً املسافة بينه وبين أقربهم ً
واحدا .وأتذكر أنه مترا عن زيارة حافظ أسد لطهران سنة ،1990حيث
ً
قال في ختام لقائه معنا جملة ال أنساها( :صادقوا كان امللحم أحد الدبلوماسيين العاملين في السفارة
تصدقوهم، ّ يوما أن اإليرانيين ،ولكن حذار ً السورية بطهران ،إذ قال« :قبل زيارة حافظ األسد
جدا» ( ((.فأطماعهم في بالدنا كبيرة ً ً
قاطعا أن يتم نقله من إلى طهران ،رفض ر ً
فضا
مطار طهران إلى مكان إقامته بسيارة تابعة للرئاسة
وعلى الرغم من القبول الدولي الواسع الذي حظي حضر معه ُ االيرانية ..بل َّ
أصر حافظ األسد على أن ي ِ
بشار األسد به عند استالمه الحكم ،حتى من الواليات ّ
املصفحة .وكاد أن ُيلغي زيارته، سيارته الخاصة
املتحدة التي أرادت قلب صفحة التوتر الذي اعترى َّ
فاضطر اإليرانيون إلى املوافقة على كل طلباته .وقد
عالقتها بسورية على خلفية فشل جوالت مفاوضات شخصيا) مع عدد من كبار ضباط القصر ً قمنا (أنا
السالم في عهد األسد األب؛ فإن بشار األسد «منذ الجمهوري بفحص مكان اإلقامة عشرات املرات،
تورط بسياسات أكثر عدائية تجاهبدايات حكمهّ ،
( 26) Saker Elmelhem : https://www.facebook.com/saker.elmelhem
23
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
الواليات املتحدة وفرنسا ،وبدرجة أقل مع بعض ومرجعيته اإليرانية ،ليصبح هو املتحكم في النظام.
ّ الدول األوربية األخرى» ( (( ،هذا من جانب ،ومن
بقدر ما كان التحالف اإليراني السوري يتعمق؛
جانب آخر ،راح النظام يتعرض لضغوط شديدة،
كانت حرارة العالقات السعودية السورية ،التي كانت
سياسيا ً
وماليا للنظام ً كما لم يتعرض لها بلد آخر ،ضغوط داخلية مطالبة تشكل فيها السعودية ً
سندا
باإلصالح وتغيير النهج ،وضغوط خارجية مارستها
طوال عقود ،تتراجع ،وعلى الرغم من حرص اململكة
بالدرجة األولى الواليات املتحدة التي «تهدف إلى تغيير على عدم خسارتها سورية ملصلحة إيران ،فإن زاوية
السياسة السورية تجاه املنطقة ،والحد من التدخل نظر الطرفين إلى األمور كانت قد اختلفت وتباعدت،
في الشؤون اللبنانية ،وخفض دعمها للمجموعات بمقدار ما اختلفت أولوياتهما وتحالفاتهما ،ما بين
الفلسطينية ،ومنع تسلل اإلسالميين الراديكاليين واشنطن بالنسية إلى السعودية ،أو طهران بالنسبة
إلى العراق» ،ومن ذلك صدور «قانون محاسبة إلى النظام السوري ،ذلك أن تحالف النظام مع
( ((
سورية واحترام سيادة لبنان» عام ،2003ثم القرار إيران ،وتسهيله مشروعها التوسعي في العراق وفي
1559عام 2004الذي دعا إلى انسحاب القوات لبنان ،جاء على حساب الحضور العربي والنفوذ
السورية من لبنان ،والتوقف عن دعم حزب هللا .السعودي في البلدين كليهما.
وبالتشابك مع ذلك ،ونتيجة لهذه السياسة ،راحت
مع اندالع الثورة السورية ،اتجه النظام إلى حليفه العالقات السعودية السورية ،على وجه الخصوص،
تتدهور من أكثر من جانب ،ذلك أن انسحاب اإليراني وميليشياته ،وأدار ظهره للمبادرات العربية،
سواء أكانت فردية أم من خالل الجامعة العربية،
أخيرا -من حيث النتيجة -في توزع الجيش السوري من لبنان ،كـأحد تداعيات اغتيال ما أوقع سورية ً
رفيق الحريري ،أتاح لحزب هللا ملء الفراغ األمني
السيطرة على أرضها إلى أربع مناطق سيطرة ،ستبقي
ً الذي خلفه انسحاب الجيش السوري ،ومكن حزب
مفتوحا ،إلى أمد يصعب تقديره، الصراع السوري
ملصلحة ما دامت املعادالت الحاكمة للصراع واقفة عند هذا َ ّ ُ
هللا بالتدريج من إحكام قبضته على لبنان،
النفوذ اإليراني وإزاحة النفوذ السعودي ،وعبر ّ عن الحد.
ذلك بحرب 2006وموقف السعودية منها ،إذ حملت
أورثت سياسات النظام التي رسمها وسهر عليها حزب هللا املسؤولية عن اندالعها ،ما دفع بشار
قاصدا حافظ األسد بشكل أسا�سي ،واستمرت بعده في ً األسد إلى الحديث عن «أشباه الرجال»،
ً ً
بعض الزعماء العرب ،ثم جاءت محطة 7أيار /مايو بيئة إقليمية ودولية مختلفة ،ضررا جسيما بمصالح
ودوليا ،وسوف تحتاج إلى جهد كبير، ً سوريةً ،
عربيا 2008واجتياح حزب هللا بيروت والجبل ،ودخول
قطر على خط الوجود في لبنان ،نتيجة تراجع النفوذ إلعادة ترميم عالقاتها بمحيطيها العربي والدولي.
السعودي ،فخرج اتفاق الدوحة الذي ّأمن ر ً
سميا،
لحزب هللا ،وسيلة التحكم في الدولة اللبنانية
وقراراتها السيادية ،بابتداع مفهوم الثلث املعطل،
ثم جاءت الثورة السورية واستنجاد األسد بحزب
هللا وإيران وميليشياتها ،لتعطي الفرصة لحزب هللا
( (( اإلصالح في سوريا :التأرجح بين النموذج الصيني و تغيير النظام ،مركز مالكوم كير كارنيغي الشرق األوسط ،تاريخ النشر 17تموز/يوليو
،2006الرابطhttps://2u.pw/LhBxRm :
( (( املصدر السابق.
24
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
خاتمة
للمعارضة السورية في السنوات األخيرة ،حيث عد تتبع العالقات السياسية بين اململكة العربيةُي ّ
يرجح أن تراجعها كان نتيجة ضغوط أميركية ،وبعد ّ السعودية وسورية ،خالل العقود الخمسة األخيرة،
ً
عسكريا على خط الصراع التدخلين الرو�سي والتركي ذا أهمية خاصة ،ألنه يقدم تجربة نوعية لسياسة
ّ
الدائر في سورية وعليها ،وشنها عاصفة الحزم ملواجهة دولتين مهمتين ،في منطقة استراتيجية وغير
الحوثيين في اليمن؛ فقد بقي موقفها السيا�سي من مستقرة ،وتشكو من فراغ أمني كبير ،يثير شهية
ثابتا طوال السنوات املاضية ،غير أنها في النظام ً الباحثين عن النفوذ والقادرين عليه ،من املنافسين
اآلونة األخيرة سارت في طريق التقارب مع النظام، اإلقليميين أو الدوليين؛ حيث إن طبيعة السعودية
في محاولة منها لخلق دور عربي في سورية وإبعادها عبرتالجغرافية وتاريخ نشأتها أورثتها هواجس أمنية ّ
عن حضن إيران ،وأعادت عالقاتها الدبلوماسية عن نفسها بالغموض وامليل إلى السرية ،ودفعتها إلى
مع النظام ،وأفسحت املجال لعودة سورية إلى البحث الدائم عن حلفاء أقوياء ،في حين ّإن سورية
جامعة الدول العربية في مسعى ُس ّمي «خطوة مقابل كانت وليدة فرصة سانحة ،يتطلب الحفاظ عليها
خطوة» ،ويتوقع كثير من املراقبين فشل محاولتها، تبني البراغماتية ،وركن األيديولوجيا ً
جانبا ،واملغامرة
وفشل املساعي العربية في إبعاد النظام في دمشق وتدعيم الضبط الداخلي بدور إقليمي ،سعى إليه
عن الحضن اإليراني. وأداره األسد األب بمهارة .وبينما استندت السعودية
إلى ثراء مادي طاملا ساعدها في كسب حلفاء،
اعتمدت سورية على ذراع أمني طويل خبير وجاهز
ألداء األدوار التي تخدم استمراره وتفيدهً ،
ماديا أو
َ ُ ً
سياسيا ،كلما طلب ،وملن طلب هذا الدور ،لكن
السياستين تشتركان في هدف أسمى ،هو املحافظة
على نظاميهما املوسومين بأنهما أنظمة عائلية،
وكالهما يدعيان رفض التغيير من الخارج ،في الوقت
الذي يستميتان فيه للعمل ضد أي تغيير.
طاملا كانت إيران عقدة النجار في العالقة
بين الدولتين ،وفي كل ّ
امللفات التي تشابكت بها
السياستان ،من لبنان إلى العراق إلى فلسطين وحتى
اليمن ،وبمقدار ما تمتعت به العالقات بين البلدين
من تعاون ،واستيعاب لفترات الخالف والتوتر ،على
ّ
قلتها في عهد األسد األب ،فإنها في عهد األسد االبن
سارت على منزلق التدهور والتوتر حد القطيعة.
وعلى الرغم من تراجع موقف السعودية الداعم
25
أث
أث ا
أث اد
ت
ن رات اة
Harmoon Center for Contemporary Studies
Harmoon ArŞtırmalar Merkezi
www.harmoon.org