Professional Documents
Culture Documents
25 06 2023
25 06 2023
ال تخلو كثير من العبادات والشرائع من أداء الحج ،وحتى أن علماء الغرب
اليوم يعترفون بالمنافع الكثيرة لرحلة لحج ،ولكن كل على طريقته
الخاصة ،حيث إن الحج عندهم هو مجرد رحلة إلى مكان محدد كل عام أو
كل عدة أعوام ،حتى أن علماء النفس والعديد من األطباء الذين يسهمون
في عالج المتعافين من المخدرات والمسكرات وينصحون هذه الفئات
بالذهاب في رحلة يطلق عليها (الحج) ،وهي زيارة إلى مناطق معينة من
األرض من أجل التأمل والهدوء والتشافي وما إلى ذلك ،اعتقادًا أن هذه
الرحلة يمكن أن تعد وسيلة للشفاء من العديد من األمراض ،وكذلك فهي
وسيلة لتعلم فنون الحياة والحفاظ على مستوى الطاقة ،باإلضافة إلى
أنها تعيد توازن الجسم ،وتزيد من النشاط العقلي والعاطفي والجنسي.
إن كان زيارة األماكن الطبيعية يمكن أن تؤدي إلى ذلك ،فكيف بزيارة
بيت اهلل رب العالمين سبحانه وتعالى ؟
1
التي يتعرض لها في حياته ،وهذه تعرف (بالطاقة أو الشحنات السلبية)،
لذلك ينصحونهم بالقيام بعملية تفريغ لهذه الشحنة حتى يتمكن
اإلنسان من العيش بصورة أفضل ،وعندما بحثوا عن أفضل وسيلة
لتفريغ تلك الشحنة أشاروا إلى االصطياف والسفر والسياحة ،فإن ذلك
يسهم بصورة كبيرة في تفريغ كل تلك الشحنات والتراكمات السلبية،
وأن يستعيدوا نشاطهم وطاقتهم.
وفي الحج إلى بيت اهلل الحرام ،وعلى الرغم من المشقة والتعب والجهد
والصعوبات ،إال أن المسلم عندما يفرغ من المناسك يرجو من اهلل
سبحانه وتعالى أن يعيده مرة أخرى ألداء كل تلك المناسك ،وأن يعيده
إلى هذا المكان مرات ومرات ،فهل سألنا أنفسنا لماذا هذا الشعور ؟
يقول بعض العلماء ألن الحج إلى بيت اهلل الحرام ،باإلضافة إلى أنها
عبادة مفروضة من اهلل تعالى ،إال أنها تعيد توازن النفس البشرية .ففي
هذه الرحلة التي ال تتجاوز أسبوعًا من عمر زمن الحياة ،إال أنها تسهم
بصورة مذهلة في تفريغ كل الشحنات والطاقات السلبية ،ليس ذلك
فحسب وإنما تعيد تعبئة النفس البشرية بالطاقة والشحنات
اإليجابية ،حتى تفيض النفس بذلك .وتعيد برمجة النفس البشرية
ويزيد من النشاط العصبي للدماغ ويزيد من إفراز بعض المواد
الكيميائية مما يسهم بصورة كبيرة في إعادة التوازن ،كل هذا بسبب
إداء رياضة التأمل ،فأنت تتأمل وأنت جالس في صحن الحرم ،تتأمل
تلك الكعبة المشرفة ،تتأمل أفواج الحجيج الذين يطوفون بالحرم ،تتأمل
البشر وهم يقفون في عرفة ،كل ذلك يحدث أمام ناظرك ،وتحدث كل
2
تلك األمور بتنظيم فائق القدرة ،تحدث كلها في وقت واحد وفي زمان
واحد ،والجميع يسير بطريقة واحدة وبمنهجية واحدة.
4
وتقوم بتكوين روابط وعالقات جديدة بينك وبين بقية البشر ،وإما
أن تعود إلى ما كنت عليه ،فالقرار لك وحدك.
.4ممارسة الرياضة الخفيفة :في دراسة لجامعة هارفارد األمريكية
أثبت الباحثون أن المشي بسرعة معتدلة ،بحدود 5 – 4كيلو متر في
الساعة ،يؤدي إلى تخفيض اإلصابة بأمراض القلب بنسبة %40عند
النساء والرجال على حد سواء .وأكدت الدراسة أن المشي يحسن
التنفس عند اإلنسان ،ويعزز نظام المناعة ،ويقضي على الكآبة،
ويساعد على الوقاية من نخر العظام ،ويساعد على التخفيف من
مرض السكر ،كما يساعد على السيطرة على الوزن الزائد .حتى إن
العلماء بأمريكا بدأوا ينصحون الناس بالمشي بدالً من استخدام
السيارات ألن نسبة الناس ذوي الوزن الزائد تجاوزت ،%40ويؤكدون
أن الوزن الزائد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمراض القلب ومرض السكر،
ويؤكد التقرير الصادر عن مركز السيطرة على األمراض بأن أفضل
أسلوب لحياة األمريكيين هو المشي.
ويمكن أن نالحظ أن المشي أمر أساسي في موسم الحج ،فنحن
نطوف حول الكعبة ونسعى بين الصفا والمروة مشيًا على األقدام،
علمًا أن طول الشوط الواحد للطائف المحاذي للكعبة تمامًا 70مترًا،
وذلك يعني أن أطوال األشواط السبعة مجتمعة تبلغ نحو نصف
كيلو متر أي 490مترًا ،وإن كانت دورة الطائف حول الكعبة أكثر بُعدًا
عنها بسبب الزحام فإن طول الشوط يزداد شيئًا فشيئًا ،حتى
يصل إذا ما حاذى الطائف الرواق إلى نحو 200متر للشوط الواحد.
5
أما المسافة بين الصفا والمروة فإن يبلغ حوالي 400متر للشوط
والواحد ،لذلك فإن المسافة التي يقطعها الحاج بين الصفا والمروة
تبلغ كلها حوالي 3كيلو متر.
.5التطلع لبناء إنسان جديد :من يرغب في بناء نفسه وترك كل
العادات السلبية التي يستشعر أنها سلبية يمكنه ذلك من خالل
هذا التوجه اإليجابي لدورة حج بيت اهلل الحرام ،فأنت إنسان حر،
يمكنك التوجه إلى اإليجابية بكل ما ترغب ويمكنك أن تركن
وتبقى في السلبية ،فال يجبرك أحد على شيء ،فالحج وما يجري في
هذا الموسم عالقة خفية بينك وبين خالقك ال يعرف أحد ماذا
تفعل في الخفاء ،فيمكن أن تدعي أنك تعبد وتدعو اهلل ولكنك في
الخفاء ال شيء ،إنها عالقة بينك وبين اهلل ،وهنا نرتقي باإلنسان
إلى مرتبة اإلحسان "أعبد اهلل كأنك تراه" ،فإن لم تبلغ مرتبة
الحساسية والشفافية والشعور إلى هذه المرتبة فأعلم "فإن لم
تكن تراه فإنه يراك".
فعندما يبلغ اإلنسان مرتبة اإلحسان ،فإن كل أعماله تتغير،
فيصبح إنسانًا جديدًا ،يتعامل مع كل المعطيات وكل العالقات
البشرية واألخالقية بهذه الشفافية ،عندئذ تتغير حياته طوال
السنة وبطريقة مستدامة.
.6توافق مع نظام الكون :كل شيء في هذا الكون يدور ويطوف حول
مركز محدد ،فاإللكترونات في الذرة تدور حول النواة ،والكواكب
تدور حول الشمس ،والنجوم في المجرة تدور حول مركز المجرة،
والمجرة تدور حول مركز لتجمع المجرات وهكذا ،فلو تأملنا هذه
الدورات نالحظ أنها – غالبًا – تتم من اليسار إلى اليمين ،وسبحان
6
اهلل لو تأملنا حركة الحجاج حول الكعبة نالحظ أنها تتم بنفس
االتجاه أي من اليسار إلى اليمين ،وكأننا عندما نطوف حول بيت اهلل
إنما نتناغم مع حركة الكون كله ،فكل شيء يسبح بحمد اهلل
ويمتثل أمره ونحن في طوافنا نسبح بحمد اهلل ونمتثل أوامره،
وهذا يعلمنا الصبر والخضوع هلل تعالى ويعلمنا التواضع أيضًا.
7