Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 32

‫جامعة تونس المنار‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس المنار‬

‫إعداد االستاذ‪:‬‬
‫منير العش‬

‫السنة الجامعية ‪0202-0202‬‬


‫التمهيــــــــــــــــــــــــــــد‬
‫لئن كانت المؤسسة مكان لإلنتاج المادي فهي أيضا مكان إلعادة تنشئة العمال‪ ،‬باعتبارها مثل‬
‫المدرسة‪ ،‬تعمل كمنشأة للتربية والتحديث والتوجيه السلوكي‪ .‬فالمؤسسة‪ ،‬مثلها مثل باقي‬
‫مؤسسات التنشئة االجتماعية األخرى‪ ،‬مكان إلنتاج الثقافة ولها القدرة على تلقين أعضاءها‬
‫القيم والمعايير وطرق التصرف والتفكير‪.‬‬

‫تعتبر المؤسسة من وجهة نظر سوسيولوجية‪ ،‬نظام اجتماعي ثقافي مفتوح‪ ،‬يتكون من فاعلين‬
‫اجتماعيين ذوي خصائص ثقافية مختلفة عن بعضها البعض‪ ،‬مصنفة في مجموعات مهنية‬
‫ومستويات هرمية تربطهم عالقات اجتماعية وعالقات عمل متبادلة‪ ،‬كعالقة السلطة مثال‪.‬‬
‫وهذه العالقات إما أن يسودها االنسجام واالندماج والتعاون من جهة‪ ،‬أو التوتر والصراع من‬
‫جهة أخرى‪ .‬ويرجع ذلك إلى االختالفات الثقافية بين األفراد والجماعات‪ ،‬وهو ما يطلق عليه‬
‫مفهوم الثقافات الفرعية داخل التنظيم‪ .‬لذلك تحتاج المؤسسة إلى إيجاد إطار قيمي ومرجعي‬
‫واحد مشترك‪ ،‬وإلى خلق ثقافة مشتركة وقوية تجمع بين كل هذه الثقافات الفرعية المختلفة‪،‬‬
‫بحيث تجعل الفاعلين داخلها يحملون نفس المبادئ وأسلوب العمل‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه علماء‬
‫االجتماع بثقافة المؤسسة‪.‬‬

‫ترتبط ثقافة المؤسسة باألفراد من زاوية سلوكهم‪ ،‬دافعيتهم للعمل‪ ،‬رضاءهم الوظيفي‪،‬‬
‫شعورهم باالنتماء للمؤسسة‪ ،‬تحفزهم للعمل‪ ...‬فثقافة المؤسسة تؤدي دور جوهري في كفاءة‬
‫السلوك التنظيمي للفرد في المؤسسة‪ ،‬وذلك من خالل القيم والعادات والقواعد السلوكية التي‬
‫تبرز على مستوى المؤسسة‪ .‬كما تعكس العالقات االجتماعية وعالقات العمل داخل المؤسسة‬
‫طبيعة ونوع الثقافة التي تتبناها المؤسسة‪ ،‬بمعنى أنه كلما كانت العالقات االجتماعية بين‬
‫مختلف الفئات االجتماعية المهنية منسجمة‪ ،‬تكون ثقافة المؤسسة قوية ومشتركة‪ ،‬والعكس‬
‫صحيح‪.‬‬

‫إن لثقافة المؤسسة دور مهم في تحقيق كفاءة وفعالية السلوك التنظيمي لألفراد‪ ،‬وبالتالي كفاءة‬
‫المؤسسة ككل‪ .‬وهذا ما يطرح أمامنا جملة من التساؤالت حول ماهية ثقافة المؤسسة؟‬

‫يندرج التأثير في الجانب الثقافي‪-‬االجتماعي للفاعلين االجتماعيين للمؤسسة صلب أولويات‬


‫اإلدارة‪ ،‬باعتباره يرتبط ارتباطا وثيقا بجانب التسيير في المؤسسة‪ ،‬فاإلدارة هي المسؤولة‬
‫عن نوع الثقافة السائدة في المؤسسة وبالتالي عن نوع السلوكيات السائدة في المؤسسة وعن‬
‫مدى تأثيرها على الجانب االقتصادي‪ .‬وهذا ما يدفعنا للتساؤل حول دور اإلدارة تجاه ثقافة‬
‫المؤسسة وأيضا العكس‪ ،‬أي هل للثقافة دور اتجاه اإلدارة؟‬

‫يرتبط وجود المؤسسة وتحقيق أهدافها بحسن أداء وظائفها‪ ،‬وترتبط هذا األخير بمدى اندماج‬
‫الفرد في ثقافة المؤسسة وتالءم قيمه واتجاهاته مع قيم وثقافة المؤسسة‪ .‬وهو ما يعني أن‬

‫‪1‬‬
‫تحقيق أهداف المؤسسة مرتبط بتحقيق أهداف الفرد ورغباته‪ ،‬والذي يرتبط ضرورة بوظائف‬
‫المؤسسة‪ .‬وهو ما يجعلنا نتساءل عن ماهية عالقة ثقافة المؤسسة بمختلف وظائف المؤسسة؟‬

‫وبما أن الثقافة عامل لتحفيز وتحقيق نجاح وتطور المؤسسة في مختلف المجاالت‪ ،‬فماهي‬
‫أشكال الثقافات المشجعة على تطور المؤسسة؟ وكيف تتم إدارة التغيير الثقافي داخل المؤسسة؟‬

‫‪2‬‬
‫المحور األول‪ :‬ماهية ثقافة المؤسسة‬
‫يتطلب منا تحديد ماهية ثقافة المؤسسة االنطالق بتعريف المؤسسة وإبراز أنواعها ثم تعريف‬
‫ثقافة المؤسسة وإبراز خصائصها ومكوناتها واألدوار التي يمكن أن تلعبها في عالقة‬
‫بالمؤسسة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف المؤسسة‬


‫يعرف ‪ olivier Meier‬المؤسسة بأنها "بنية اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪-‬ثقافية‪ ،‬قانونيا مستقلة‪،‬‬
‫تحتوي على مجموعة من األفراد‪ ،‬الذين يعملون بطريقة منتظمة ومنسجمة‪ ،‬لتقديم سلع‬
‫وخدمات للزبائن في المحيط الخارجي‪ ،‬الذي يتميز بالمنافسة‪ .‬فيمكن اعتبارها كعون‬
‫اقتصادي‪ ،‬كيان اجتماعي‪ ،‬وواقع سياسي‪ ،‬كمكان للتبادالت والتفاوض والمواجهة‪".‬‬

‫من خالل هذا التعريف يمكن أن نستخرج أربع ماهيات أساسية للمؤسسة وهي‪ :‬المؤسسة‬
‫كنظام‪ ،‬المؤسسة كفاعل اقتصادي مفتوح‪ ،‬المؤسسة كنظام اجتماعي ثقافي‪ ،‬المؤسسة كنظام‬
‫سياسي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المؤسسة كنظام‬


‫يركز مفهوم النظام على تواجد عناصر مترابطة فيما بينها عن طريق عدة عالقات وتبادالت‪،‬‬
‫مع بقاء الكل منظم ومتساندا بغية تحقيق هدف موحد‪ .‬وعليه فإن المؤسسة ماهي إال مجموعة‬
‫من األنظمة الفرعية المترابطة فيما بينها عن طريق مجموعة من العالقات التبادلية‪ ،‬مع‬
‫وجودها في نظام كلي وهو المحيط الخارجي‪.‬‬

‫بذلك يكون للمؤسسة كنظام مجموع الخصائص التالية‪:‬‬

‫يحتوي النظام على عناصر مختلفة من وظائف وخدمات متفرقة‪ ،‬تعمل بشكل‬ ‫‪-‬‬
‫جماعي وتصب في مصلحة المؤسسة‪.‬‬
‫للنظام هدف يجب تحقيقه للبقاء والديمومة والتطور على المدى البعيد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يخضع النظام لقواعد الضبط التي يجب احترامها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لدى النظام حدود مع المحيط الخارجي وعالقة تفاعل‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانيا‪ :‬المؤسسة كفاعل اقتصادي مفتوح‬


‫تتمثل المهمة األساسية للمؤسسة في إنتاج السلع والخدمات من أجل بيعها للغير‪ ،‬وللقيام بهذه‬
‫المهمة تعمل على جمع وترتيب وسائل اإلنتاج بطريقة منسجمة ومنظمة‪ .‬وعلى هذا األساس‬
‫يمكن اعتبارها نسق تقني مفتوح على المحيط (السوق‪ ،‬المستهلك‪.)...‬‬

‫‪3‬‬
‫والمؤسسة في عالقتها مع محيطها يجب أن تكون فاعلة ومؤثرة فيه لتشكل لنفسها درجة من‬
‫االستقاللية وتتمكن من تجاوز العوائق التي ينتجها لها مثال المنافسة‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق‬
‫رسم خطط واستراتيجيات تسمح لها بالبقاء واالستمرارية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المؤسسة كنظام اجتماعي‪-‬ثقافي‬


‫تعتبر المؤسسة من وجهة نظر المقاربة السوسيولوجية كنظام اجتماعي يتكون من فاعلين‬
‫اجتماعيين‪ ،‬يتفاعلون فيما بينهم وفق القواعد والقيم والمعايير السائدة في المؤسسة لتحقيق‬
‫أهداف محددة‪ .‬فهي مكان لتجمع األفراد الذين يطورون فيما بينهم عالقات متنوعة‪ ،‬يسمح‬
‫بإنشاء ما يسمى بالرابط االجتماعي‪ .‬فالمؤسسة مجتمع مصغر له بنيته الخاصة‪.‬‬

‫كما تعتبر المؤسسة نظام ثقافي وذلك من خالل‪:‬‬

‫‪ -‬المؤسسة متكونة من أفراد وجماعات‪ ،‬أين كل فرد وجماعة لها ثقافتها الخاصة‬
‫بها‪.‬‬
‫‪ -‬المؤسسة مكان لإلنتاج الثقافي فهي تنتج قيم ومعايير تطبع بها أفرادها وتميزهم‬
‫عن اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬المؤسسة كنظام مفتوح تقوم بالتصدير الثقافي من خالل انتشار ثقافتها في المحيط‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬المؤسسة كنظام سياسي‬


‫تعتبر المؤسسة مكان يتم فيه اتخاذ القرارات‪ ،‬وتتم فيه عملية المراقبة من السلطة الهرمية‬
‫على القاعدة‪ .‬بمعنى أنه يوجد عالقات سلطة‪ ،‬فالمؤسسة إذا هي مكان للتحكم تظهر فيه سلطة‬
‫ممارسة من طرف البعض على البعض االخر‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أنواع المؤسسات‬


‫إن حصر كل أنواع المؤسسة وفروعها وبأحجامها وفروعها المختلفة‪ ،‬أمر صعب نظرا‬
‫للتطور المستمر الذي تشهده المؤسسة في طرق تنظيمها‪ ،‬وفي أشكالها القانونية منذ ظهورها‪،‬‬
‫ّ‬
‫ولتشعّب وإتّساع نشاطاتها‪ ،‬لكن هذا لم يمنع من محاولة اقتراح تصنيفات تهدف اإلحاطة‬
‫سسات منها‪:‬‬
‫بأنواع المؤ ّ‬

‫• التصنيف األول‪ :‬تصنف المؤسسات بحسب الهدف الى نوعين‪:‬‬


‫‪ -1‬المؤسسات الربحية‪ :‬وهي التي تسعى من وراء نشاطها الى تحقيق الربح كالشركات‬
‫التجارية بمختلف أنواعها سواء كانت شركات أو الشركات ذات المسؤولية المحدودة‬
‫أو شركات األسهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -2‬المؤسسات غير الربحية‪ :‬وهي التي ال تهدف الى تحقيق الربح وانما لتحقيق أهداف‬
‫اخرى قد تكون اجتماعية او سياسية أو انسانية أو اعالمية ‪...‬الخ‪.‬‬

‫• التصنيف الثاني‪ :‬تصنف المؤسسات بحسب النوع الى‪:‬‬


‫سسات الحكومية التنفيذية والتشريعية‬ ‫‪ -1‬المؤسسات الدستورية‪ :‬وتشمل كل المؤ ّ‬
‫والقضائية وغيرها من الجهات‪ ،‬وكذلك المؤسسات الوطنية واألهلية كاألحزاب وقوى‬
‫المجتمع المدني والدفاع عن حقوق االنسان واإلتحادات والنقابات والجمعيات والروابط‬
‫‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ -2‬المؤسسات اإلقتصادية‪ :‬هناك العديد من المعايير المتخذة لتصنيف المؤسسات‬
‫االقتصادية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬المعيار القانوني‪ :‬حيث تصنف المؤسسات وفقا لهذ المعيار إلى‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المؤسسات الفردية‪ :‬وهي المؤسسات التي يملكها شخص واحد أو عائلة واحدة‪،‬‬
‫كأغلب األنشطة التجارية الفردية وشركة الشخص الواحد التجارية ذات المسؤولية‬
‫المحدودة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المؤسسات الجماعية‪ :‬وهي المؤسسات التي يمتلكها العديد من األفراد كأغلب‬
‫الشركات التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬معيار طبيعة الملكية‪ :‬حيث تصنف المؤسسات وفقا لهذا المعيار إلى‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المؤسسات العمومية وهي التي تملك الدولة كامل رأس مالها‪ .‬وهي تصنف‬
‫بدورها الى مؤسسات عمومية ذات صبغة إدارية ومؤسسات عمومية ال تكتسي صبغة‬
‫إدارية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المؤسسات الخاصة وهي التي تعود ملكيتّها الى شخص واحد أو مجموعة من‬
‫األفراد وال تملك الدولة من رأس مالها أي شيء‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المؤسسات المختلطة وهي التي تملك الدولة نسبة من رأس مالها أيّا كانت هذه‬
‫النسبة‪.‬‬

‫‪ -‬معيار طبيعة النشاط‪ :‬حيث تصنف المؤسسات وفقا لهذ المعيار إلى‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المؤسسات الصناعية وهي ذات طابع إنتاجي حيت تختص في صناعة السلع‬
‫المختلفة سواء تلك التي تندرج في إطار الصناعات الثقيلة أو في الصناعات الخفيفة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المؤسسات الفالحية وهي التي تهتم بزيادة اإلنتاجية في المجال النباتي والحيواني‬
‫والسمكي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ثالثا‪ :‬المؤسسات التجارية وهي التي تهتم بالنشاط التجاري الذي يتم عبر عمليات‬
‫الشراء والبيع والتسويق واالستيراد والتصدير‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬المؤسسات المالية وهي التي تهتم بالنشاط المالي كمؤسسات التأمين والبنوك‬
‫التجارية والبنوك المركزية والمصارف‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬المؤسسات الخدماتية وهي التي تقوم بتقديم خدمات مختلفة مثل النقل‪،‬‬
‫المستشفيات‪ ،‬العيادات الخاصة ومكاتب المحاسبة المعتمدة‪.‬‬

‫‪ -‬معيار الحجم‪ :‬تستعمل عدة معايير لتصنيف المؤسسات حسب الحجم تبعا لحجم‬
‫وسائل اإلنتاج على أساس عدد العمال أو قيمة رأس المال أي قيمة المبلغ المستثمر‬
‫أو تبعا لحجم النشاط على أساس استعمال اإلنتاج ورقم األعمال والمشتريات على‬
‫سبيل المثال أو تبعا لحجم اإليرادات أي األرباح والقيمة المضافة‪:‬‬

‫سسات الصغيرة ويتراوح عدد عمالها ما بين ‪ 1‬إلى ‪ 10‬وتعود ملكيتها غالبا‬ ‫أوال‪ :‬المؤ ّ‬
‫لشخص واحد أو العائلة وتتمثل في المؤسسات الزراعية والتجارية واإلنتاج الحرفي‪.‬‬

‫سسات المتوسطة ويتراوح عدد عمالها ما بين ‪ 10‬إلى ‪ ،500‬وهي نشيطة‬ ‫ثانيا‪ :‬المؤ ّ‬
‫وفعالة في أغلب األحيان‪ .‬وتتميز باالبتكار واإلبداع في نشاطها اإلنتاجي‪.‬‬

‫سسات الكبرى وهي مؤسسة تشغل أعداد غفيرة من العمال أكثر من ‪.500‬‬ ‫ثالثا‪ :‬المؤ ّ‬
‫وتحقق رقم معامالت وقد تكون مجموعة شركات تشمل الشركة األم وشركات تابعة‬
‫لها‪ ،‬وهنا يكون دور الشركة األم هو تسيير الشركات ومراقبتها‪ .‬وتعود ملكيتها في‬
‫أغلب األحيان إلى عدد كبير من األشخاص‪.‬‬

‫‪ -3‬المؤسسات التعليمية‪ :‬وتشمل مؤسسات التعليم الرسمية من مدارس ومعاهد‬


‫وجامعات‪ ،‬وكذلك مؤسسات التعليم غير الرسمية‪.‬‬
‫‪ -4‬المؤسسات الدينية‪ :‬وتشمل المساجد والمعاهد الدينية والزوايا‪.‬‬
‫‪ -5‬المؤسسات اإلجتماعية‪ :‬وتشمل مختلف المؤسسات التي تمارس نشاطا لخدمة المجتمع‬
‫كالجمعيات والمنتديات والتجمعات والنقابات‪ ،‬والمؤسسات التطوعية والخيرية‪،‬‬
‫ومؤسسات الحفاظ على البيئة‪.‬‬
‫‪ -6‬المؤسسات اإلعالميّة‪ :‬وتشمل الصحف والمجالت والقنوات الفضائية واإلذاعة‬
‫والمواقع‪...‬‬

‫‪6‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تعريف ثقافة المؤسسة‬
‫إن مفهوم ثقافة المؤسسة مرتبط بمفهوم الثقافة البشرية‪ ،‬ولم يعرف هذا األخير شهرة في‬
‫حقل اإلدارة إال مع االنتشار الحالي لثقافة المؤسسة‪ ،‬وتعرف الثقافة على أنها التالؤم أو‬
‫التوافق مع العوامل المحيطة‪ ،‬وتتضمن الثقافة كذلك األفكار المشتركة بين مجموعات األفراد‬
‫وكذا اللغات التي يتم من خاللها إيصال األفكار لها‪ ،‬وهو ما يجعل من الثقافة عبارة عن نظام‬
‫لسلوكيات مكتسبة‪.‬‬

‫يعود الفضل للكتابات الخاصة باإلدارة في أمريكا لميالد مفهوم ثقافة المؤسسة وذلك سنة‬
‫‪ ،1981‬ويعتبر كل من ‪ kennedy‬و ‪ deal‬أول من تناول هذا المفهوم وذلك صلب كتابهما‬
‫‪.corporate culture‬‬

‫ثم شاع استعمال المصطلح في العديد من المقاالت المتعلقة بالمؤسسات األمريكية‪ ،‬وأرتبط‬
‫بمفهوم كفاءة المؤسسات‪.‬‬

‫وإلعطاء الداللة الحقيقية لمفهوم ثقافة المؤسسة يمكننا الرجوع إلى عدة تعاريف‪:‬‬

‫‪ -‬حسب ‪ petter‬و ‪ waterman‬تمثل ثقافة المؤسسة المفاهيم والمعاني المسيطرة‬


‫أو السائدة في المؤسسة والقيم المشتركة‪.‬‬
‫‪ -‬حسب ‪ kennedy‬و ‪ deal‬فتتعلق ثقافة المؤسسة بتماسك وانسجام القيم‬
‫واألساطير والبطوالت و الرموز التي تنتجها المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬حسب ‪ william ouchi‬ثمثل ثقافة المؤسسة التقاليد والقيم الخاصة بالمؤسسة‪.‬‬

‫يتميز مفهوم ثقافة المؤسسة بتعدد أوجهه‪ ،‬غير أنه من خالل االنسجام القوي والتوافق الذي‬
‫أفرزته مختلف الكتابات يمكننا استخالص تعريف شامل يجعل من ثقافة المؤسسة عبارة عن‬
‫نظام للقيم المشتركة والمعتقدات المتفاعلة بين أفراد المؤسسة وهياكلها وأنظمة اإلنتاج‬
‫والمراقبة‪ ،‬وتمثل الثقافة مرجعية للسلوكيات وهي بمثابة نظام فرعي للمؤسسة‪ .‬وعليه‬
‫فالمؤسسة مثلما تملك الهياكل وأنظمة المراقبة واألفراد فهي تملك أيضا ثقافة تعكس هويتها‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬خصائص ثقافة المؤسسة‬


‫تتميز ثقافة المؤسسة بجملة من الخصائص نذكر من أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬ثقافة المؤسسة هي ظاهرة جماعية تجمع االفراد داخل المؤسسة وتوحدهم حول‬
‫قيم ومبادئ مشتركة‪ .‬فثقافة المؤسسة إذا فضاء أين الفاعلين االجتماعيين‬
‫يستطيعون التواصل فيما بينهم عن طريق معايير يعتبرونها عالمات مشتركة‬
‫تميزهم عن الجماعات األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ثقافة المؤسسة هي نشاط رمزي يسمح لألفراد داخل المؤسسة تبادل المعلومات‬
‫بعيدا عن االعتماد على القواعد الرسمية من خالل إنتاج الرموز‪ ،‬ويمكن لهذه‬

‫‪7‬‬
‫الرموز أن تأخذ شكل أسماء‪ ،‬شعارات‪ ،‬إشارات لغوية‪( ...‬مثال لباس قميص‬
‫موحد)‬
‫‪ -‬ثقافة المؤسسة تتم عن طريق التعلم والنقل‪ ،‬بمعنى أن جميع القيم والمعايير التي‬
‫تتبناها المؤسسة يتم نقلها وتلقينها إلى المنتمين الجدد‪ ،‬وهو ما يسمى بعملية التثقيف‪،‬‬
‫حتى يستطيعوا االندماج بسهولة داخل المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬ثقافة المؤسسة إنتاج جماعي يتطور مع الزمن‪ ،‬وذلك عن طريق سيرورة من‬
‫القرارات وردود األفعال لألحداث التي تمر بها المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬ثقافة المؤسسة عامل للهوية واالنتماء االجتماعي عن طريق خلق فضاء داخل‬
‫المؤسسة يسمح بتوحيد الفاعلين حول نفس المبادئ والقيم والرموز‪ ،‬والتي تميزهم‬
‫عن اآلخرين في المحيط الخارجي‪ .‬فالمنتمين للمؤسسة تصبح لهم هوية وانتماء‬
‫إجتماعي يميزهم ويكسبهم مكانة اجتماعية مميزة خارج المؤسسة‪.‬‬

‫الفقرة الخامسة‪ :‬مكونات ثقافة المؤسسة‬


‫تحتوي ثقافة المؤسسة على عدة مكونات‪ ،‬لعل أهمها القيم واألساطير والرموز والطقوس‬
‫والبطوالت والشبكة الثقافية الخاصة بالمؤسسة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬القيم‬
‫يمكن أن تتخذ القيم شكلين هما‪ :‬شكل قولي‪ ،‬وهي تلك التي تبرز في خطابات المؤسسة‪.‬‬
‫وشكل غير قولي‪ ،‬وهو ما يبرز في باقي متغيرات المؤسسة أي في باقي نشاطاتها‪.‬‬

‫تتعلق القيم باألفكار والمعتقدات والفلسفة التي يتقاسمها األفراد وتقود سلوكهم لتحقيق االنسجام‬
‫الذي يعكس كفاءة المؤسسة التي من شأنها خلق قيمة أساسية تساهم في تعبئة كل الطاقات‬
‫على كافة المستويات‪ .‬ويعتبرها ‪ waterman‬و ‪ peter‬أساس النجاح الدائم والمستمر‪.‬‬

‫أما ‪ maurice thevenet‬فيعتبر القيم تلك التي تسمح لكل األفراد بتقييم األشياء أو الحكم‬
‫عليها والتأثير فيها‪ ،‬كما تنشأ أيضا من التجارب المعاشة للفرد في الجماعات التي ينتمي‬
‫إليها‪.‬و منها ما هو فردي وما هو جماعي‪ ،‬وتتجسد أهميتها في كونها دستور مرجعي يسمح‬
‫بتصور القرار والسلوك والفعل‪ ،‬كما يسمح أيضا بالتعبير عن إدراك الحسن من السيء في‬
‫السلوكات سواء على مستوى تسيير األفراد أو نظام المكافآت ومراقبة التسيير‪.‬‬

‫تساهم القيم في تفسير وتوجيه السلوك التنظيمي للفرد وللجماعة‪ .‬كما يمكن القول أنها تتداخل‬
‫وتشترك مع عدة متغيرات من بينها السياسات االستراتيجية‪ ،‬التكنولوجيا‪ ،‬الزبائن‪ ،‬التسويق‪.‬‬
‫كما ترتبط أيضا بالهياكل ونمط اإلدارة‪ ،‬وأنظمة المراقبة‪ ،‬والعالقات بين الوحدات‪ ،‬وسياسات‬
‫التسيير وغيرها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ثانيا‪ :‬األساطير‬
‫تمثل كل ما يروى من قصص عن تاريخ المؤسسة وكل ما يتعلق بإنشائها‪ ،‬وهي تحافظ على‬
‫القيم وترسخها‪.‬‬

‫‪ -‬حكايات تأسيس المؤسسة‪ :‬تخص األحداث التي تتعلق بأسباب نشأة المؤسسة‬
‫وترتبط بموقف بطولي‪ ،‬كما ترمي إلى المحافظة على هدف المؤسسة في شكل‬
‫صورة حية‪.‬‬
‫‪ -‬حكايات المحافظة على القيم‪ :‬وترمي إلى إعطاء قيمة مركزية للمؤسسة وذلك‬
‫على مختلف المستويات الهرمية‪ ،‬وهي تبرز فعل مثالي لشخصية مثالية مثال‪،‬‬
‫وهي بمثابة قانون الذي من خالله يندمج األفراد في المؤسسة بسهولة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الرموز‬
‫تمثل الرموز مرجعية المؤسسة في تكيفها وتالءمها مع البيئة‪ ،‬فالرمز ذلك الذي يحمل في‬
‫طياته معنى معين‪ .‬وتبرز الرموز في عدة مجاالت‪:‬‬

‫‪ -‬تبرز من خالل الهيكل التنظيمي‪.‬‬


‫‪ -‬تميز النظام العام للمؤسسة كما تعكس المستوى الحضاري للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬تبرز في أساليب ظهور المؤسسة اتجاه البيئة الخارجية‪.‬‬
‫‪ -‬تبرز في قوانين السلوكيات الداخلية للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬تبرز في ترتيب الفضاء المكاني للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬تبرز في خطابات المؤسسة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الطقوس‬
‫تولد الرموز الطقوس بشكل يجعلها تحقق‪:‬‬

‫‪ -‬تطوير الشعور باالنتماء للمؤسسة‪.‬‬


‫‪ -‬إعطاء أهمية لألحداث التي تحمل القيم األساسية‪.‬‬
‫‪ -‬تثبيت وبقاء الثقافة وذلك لتفادي التقلبات الناتجة عن تقلب األنماط‪.‬‬

‫تخص الطقوس حجم معين من األفعال اليومية وهو ما يجعل أغلب النشاطات اليومية يمكن‬
‫أن تكون شعائرية‪.‬‬

‫كل من طريقة الكالم والكتابة وكيفية مقاطعة محادثة ومناداة األفراد وكذلك طريقة تحضير‬
‫وتسيير اإلجتماعات‪ ،‬كلها عناصر بإمكانها أن تقنن اكتساب قيمة شعائرية؛ كما تعتبر بعض‬
‫األفعال من أفضل الشعائر في المؤسسة وتعتبر كعمود ممتاز في تثبيت الثقافة‪ ،‬ومنها الوجبات‬
‫الجماعية التي تتناول في المؤسسة من طرف المسؤولين مع مرؤوسيهم‪ ،‬وكذلك الذهاب‬

‫‪9‬‬
‫الجماعي للمطاعم لإلطارات مع نواب مدراءهم‪ ،‬كما تعتبر أيضا التجمعات مواقع شعائرية‬
‫غنية بالمعاني كممارسة الرياضة الجماعية في نهاية األسبوع‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬البطوالت‬
‫نميز نوعين من األبطال‪:‬‬

‫‪ -‬الذين يصنعون ويبيعون ويضمنون خدمة المنتجات‪ ،‬فهم أبطال لوضعية وظروف‬
‫معينة ويتميزون بالكفاءة‪.‬‬
‫‪ -‬الذين يولدون أبطال‪ ،‬وهم مؤسسي المؤسسة‪.‬‬

‫يشغل األبطال عدة مهام فهم يجعلون النجاح جزء من ذاكرة المؤسسة ويحددون نمط وقاعدة‬
‫الكفاءة ويهتمون بتحفيز العمال ويمارسون تأثير مستمر في المؤسسة‪.‬‬

‫إن األبطال سواء ينتمون إلى الماضي أو الحاضر فهم يعتبرون قادة وقدوة‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الشبكة الثقافية الخاصة بالمؤسسة‬


‫تهدف الشبكة الثقافية من‪:‬‬

‫‪ -‬تعزيز القيم وترويج األساطير‪.‬‬


‫‪ -‬الحصول على معلومات حول السير الحقيقي للمؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬ربط صداقات وإيجاد مؤيدين ومساندين‪.‬‬

‫ينشط الشبكة الثقافية ستة أنواع من األشخاص‪ ،‬وهم‪:‬‬

‫المتحدثون عن التاريخ‬ ‫‪-‬‬


‫المتكهنون بمستقبل المؤسسة‬ ‫‪-‬‬
‫الموشوشون‬ ‫‪-‬‬
‫الجواسيس‬ ‫‪-‬‬
‫أصحاب الدسائس‬ ‫‪-‬‬

‫الفقرة السادسة‪ :‬أدوار ثقافة المؤسسة‬


‫تسهر أي مؤسسة على تحقيق أمرين هامين‪:‬‬

‫‪ -‬ضمان البقاء في بيئتها الخارجية والتأقلم معها (الدور الخارجي)‬


‫‪ -‬تكامل عملياتها الداخلية واالندماج فيما بينها لضمان القدرة على االستمرار في‬
‫البقاء والتأقلم وتفادي الصراعات (الدور الداخلي)‬

‫‪10‬‬
‫أوال‪ :‬األدوار الخارجية لثقافة المؤسسة‬
‫تحدد قضايا التأقلم ومشكالته بصورة أساسية دور التكيف الذي البد ألي نظام أن يكون قادرا‬
‫على الحفاظ عليه في عالقته مع بيئته المتغيرة‪ ،‬ولتحقيق هذا الدور يجب على المؤسسة أن‬
‫تشكل لنفسها مجموعة من األنماط المشتركة من التفكير واإلعتقاد والمشاعر والقيم التي تنتج‬
‫عن طريق التجربة والتعلم‪ ،‬بمعنى خلق ثقافة مشتركة حول قضايا المؤسسة الخارجية وكيفية‬
‫التعامل معها بطريقة جيدة وفعالة‪.‬‬

‫البد لكل مؤسسة من تطوير مفهوم مشترك لمسألة بقاءها‪ ،‬والذي نستقي منه في العادة شعورها‬
‫األساسي برسالتها الجوهرية أو مهمتها األولية أو مبرر وجودها‪ .‬وبالنسبة لمعظم المؤسسات‬
‫فإن التعريف المشترك للرسالة يدور حول قضية البقاء االقتصادي والنمو في محيط متغير‬
‫ومعقد‪ .‬ويجب لتحقيق ذلك‪ ،‬خلق نوع من اإلجماع حول مجموعة من المعتقدات والقيم التي‬
‫تصب في إتجاه واحد لتحقيق هذه الرسالة‪ ،‬وتتعلق هذه األخيرة باالستراتيجية‪ ،‬حيث تعمل‬
‫اإلدارة العليا على صياغة استراتيجية مناسبة لتحقيق هذا اإلجماع حول هذه الثقافة المشركة‪.‬‬

‫ال يمكن للمؤسسة أن تنجز أهدافها وتحقق رسالتها ما لم يكن هناك إجماع على وسائل تحقيق‬
‫األهداف والرسالة‪ ،‬فتحقيق األهداف يتوقف على إجماع بين أعضاء المؤسسة وإتفاق على‬
‫كيفية هيكلة المؤسسة وكيفية تصميم المنتجات أو الخدمات وتمويلها وإنتاجها وبيعها‪.‬‬

‫كما يجب على المؤسسة أن تختار لنفسها وسائل تستخدمها لقياس أنشطتها وإنجازاتها الخاصة‪،‬‬
‫وهي المعايير والقيم التي تختارها ونظام المعلومات التي تضعه لقياس وضها‪ ،‬وتصبح هذه‬
‫ا لوسائل مكونات رئيسية لثقافتها بمجرد أن يتحقق اإلجماع على هذه الوسائل‪ ،‬وإذا لم يتحقق‬
‫اإلجماع فالمؤسسة ستجد نفسها في صراع قد يقوض قدرتها على التعامل مع المحيط‬
‫الخارجي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األدوار الداخلية لثقافة المؤسسة‬


‫البد على المؤسسة ان تكون قادرة على تطوير وإقامة منظومة من العالقات الداخلية بين‬
‫أفرادها‪ ،‬تحكمها منظومة من القيم والمعايير المشتركة‪ ،‬والتي تعمل على تحقيق االندماج‬
‫والتكامل الداخلي بين األعضاء‪.‬‬

‫تعتبر ثقافة المؤسسة عامل لإلندماج الداخلي الذي يهدف توحيد وتجنيد األفراد حول أهداف‬
‫مشتركة‪ .‬فكل جماعة تحتاج إلى اإلنسجام والتالحم لتعمل بشكل فعال‪ ،‬وثقافة المؤسسة تساهم‬
‫في هذه المهمة عن طريق إعطاء األفراد أرضية مشتركة من القيم والمعايير وطرق التصرف‬
‫والتفكير‪ ،‬تسمح لهم بالعمل جماعيا بعيدا عن االختالفات‪.‬‬

‫كما تعتبر أداة فعالة إلدماج أعضاء جدد قادمون من أماكن مختلفة‪ ،‬مثل الشباب الجامعي‪ ،‬إذ‬
‫تسمح لهم إستعاب واستقبال القيم وطرق التفكير‪ ،‬وكذلك العمل بشكل جيد مع األعضاء القدماء‬
‫للمؤسسة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وعموما يمكن أن نوجز دور ثقافة المؤسسة الداخلي في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ترابط وتالحم المجموعة‬


‫‪ -‬تقاسم أعضاء المؤسسة نفس القيم والذاكرة الجماعية مما يقوي الشعور باالنتماء‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق هوية أساسية للمؤسسة واألعضاء تميزهم عن باقي المؤسسات‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬الثقافة والنجاح االقتصادي للمؤسسة‬
‫أجمع أغلب الكتاب في موضوع ثقافة المؤسسة على وجود عالقة مباشرة بين الثقافة والنجاح‬
‫االقتصادي للمؤسسة‪ ،‬غير أنهم لم يتفقوا حول تحديد هذه العالقة من حيث توضيح أنواع‬
‫وخصائص الثقافات التي تحقق هذا النجاح وكيفية تحقيقه‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الثقافات المشجعة على نجاح المؤسسة‬


‫عموما يمكن تصنيف ثالث أنواع من هذه الثقافات‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الثقافات الصارمة‬


‫ترتبط الثقافة الصارمة بتوفر الكفاءات الممتازة في المؤسسة‪ .‬وتقوم هذه الثقافة على تحديد‬
‫هدف مشترك يتحرك في إطاره كل األفراد المنتمين للمؤسسة بنفس الخطى‪ ،‬ويسهر‬
‫المسؤولون عن التسيير أو القيادة على عمومية وحسن عمل الجميع على تحقيق الهدف مع‬
‫إعتبار أي اختالف في الخطى أو المنهج أو حتى األفكار عالمة ضعف ومؤشر على سيادة‬
‫الفوضى‪.‬‬

‫تمتاز المؤسسات ذات الثقافة الصارمة باشتراك أفرادها في مجموعة من القيم والمبادئ‬
‫والسلوكيات المتماثلة‪ ،‬وبسرعة استيعاب وتطبيع المنتمين الجدد‪.‬‬

‫تمارس الثقافات الصارمة تأثيرا إيجابيا على المنتمين للمؤسسة‪ ،‬وذلك لقيامها على إحترام‬
‫نفس دستور القيم والقواعد المشتركة مما يجعل األفراد في حالة إشباع أو رضى ذهني يزيد‬
‫من حماسهم في العمل ويجعلهم يمتازون بالوفاء لعملهم وبإجماعهم حول طاعة التسيير‪.‬‬

‫ترتكز المؤسسات ذات الثقافة الصارمة على مجموعة من المبادئ والتطبيقات الواضحة‬
‫والمحددة‪ ،‬من ذلك أن كل فرد يحترم عمل اآلخرين‪ ،‬والكل يعمل لتحقيق الهدف المشترك‬
‫باالستناد إلى قواعد مرجعية في مناخ تسوده الثقة المتبادلة‪ .‬ويعتمد استمرار هذه الثقافة على‬
‫الجهود المبذولة من طرف المسيرين والقادة وذلك بتكريس معظم وقتهم للرقابة والتوجيه‬
‫والحرص على عدم خروج الفرد على فلسفة المؤسسة‪.‬‬

‫تمتاز المؤسسة ذات الثقافة الصارمة بصورة خاصة بتقديم اإلعانات ألفرادها وهو ما تعتبره‬
‫كواجب‪ ،‬كما تمتاز بالعمل على تطوير كفاءاتها‪ ،‬وبالمتابعة الدقيقة لألهداف والبحث الدائم‬
‫عن تجاوز العراقيل مما يجعلها تسمح بتحقيق نتائج مذهلة‪.‬‬

‫رغم إيجابياتها‪ ،‬فالثقافة الصارمة ليست بالضرورة الورقة المفضلة أو الرابحة في السباق‬
‫نحو النجاح‪ ،‬إذ يمكن أن تؤثر سلبا على المؤسسة‪ ،‬فأحيانا تصبح هذه الثقافة خانقة وصلبة‬
‫ومجمدة في عالم متغير يمتاز بالمنافسة الشرسة‪ .‬فهذا النوع من الثقافة قد يضغط سلبا على‬
‫النجاح المستقبلي أكثر مما يشجعه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ولعل من أهم سلبيات الثقافات الصارمة أنها‪:‬‬

‫ثقافات بيروقراطية‬ ‫‪-‬‬


‫األفراد ال يشتركون في األحداث ويرفضون تحمل األخطار وال يملكون روح اإلبداع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سوء تنقل المعلومة‬ ‫‪-‬‬
‫اإلفراط في المراقبة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانيا‪ :‬الثقافات التوافقية‬


‫ال تتوقف العالقة بين الثقافة والنجاح االقتصادي على صرامة الثقافة بقدر ما تعتمد على‬
‫مدى مالءمتها مع المحيط‪ ،‬فيكون بذلك هدفها تحفيز وتوجيه أعمال األفراد نحو تحقيق الهدف‬
‫مع اآلخذ بعين االعتبار محيط المؤسسة‪.‬‬

‫تسعى المؤسسة ذات الثقافة التوافقية للتالؤم مع المحيط المتواجدة فيه‪ ،‬ونقصد بالمحيط هنا‬
‫المحيط العام للمؤسسة‪ ،‬الهدف الذي تسعى لتحقيقه في قطاع معين‪ ،‬االستراتيجية المتبعة‪.‬‬
‫وباحترامها لهذا المحيط تضمن نتائج ذات داللة‪ ،‬فوجود تالئم أو توافق كبير يؤدي إلى تحقيق‬
‫كفاءة مرتفعة‪ ،‬ووجود توافق ضعيف يؤدي إلى تحقيق كفاءة ضعيفة‪.‬‬

‫تعتبر هذه الثقافة مساعدة للقادة في اتخاذ القرارات المعقدة وتسهيل عملية القرار وجعله اكثر‬
‫تالئما مع المحيط‪ .‬خاصة في عهد المؤسسين األوائل للشركة الذين يمتازون باستراتيجية‬
‫واضحة لمؤسستهم‪ ،‬ويخلقون ثقافة منسجمة على المستوى الداخلي تتفق مع البيئة المتواجدة‬
‫فيها المؤسسة‪.‬‬

‫ترتكز المؤسسة ذات الثقافة التوافقية على القيادة ببعد النظر والحس المسبق‪ ،‬مما يجعلها‬
‫تحقق نتائج مذهلة إذا كانت مؤسسات الصغيرة أو متوسطة‪ .‬لكن هذه الثقافة تمثل مصدر‬
‫فشل للشركات العمالقة والشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬ألنها ثقافة ترتكز على تسلسل هرمي‬
‫معقد‪ ،‬وتتالءم فقط مع بيئة مستقرة تتطور ببطء اكثر مما تتالءم مع مؤسسة مفروض عليها‬
‫التالؤم مع تغيرات فجئية للمحافظة على موقعها التنافسي‪.‬‬

‫يمكن للمؤسسة ذات الثقافة التوافقية بإمكانها أن تعمل لعشرات السنين في حالة ما تكون هذه‬
‫البيئة مستقرة نسبيا‪ ،‬فالمؤسسة تملك قدرة على التغيير الطفيف لبعض أوجه فلسفتها وثقافتها‬
‫تتطور ببطء عندما تكون مهددة‪ .‬فالمؤسسة يجب أن تكون مهددة لكي يعيد المسيرون النظر‬
‫في ثقافتها التقليدية‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬لئن كان توافق الثقافة مع المحيط شرط ضروري لتحقيق النجاح االقتصادي على‬
‫المدى القصير‪ ،‬فإنه ال يضمن النجاح على المدى الطويل خاصة وأننا نعيش في محيط اصبح‬
‫فيه التغيير قاعدة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثالثا‪ :‬الثقافات المتطورة‬
‫تمتاز هذه الثقافات بالسعي لضمان النجاح الدائم والمستمر للمؤسسة من خالل العمل على‬
‫توقع التغييرات والتكيف معها‪ .‬وبما أننا في ثقافة متطورة‪ ،‬فإن هذا يجعلها مفتوحة على‬
‫التغيير‪ ،‬وهذا بدوره يجعلها دائما متطورة‪ ،‬وهي القاعدة التي يرتكز عليها النجاح المستمر‬
‫والدائم للمؤسسة‪.‬‬

‫ترتكز الثقافة المتطورة على فلسفة االستشراف وتوقع الخطر‪ ،‬وترتكز كذلك على الثقة وحب‬
‫العمل‪ ،‬فاألفراد في هذا النوع من الثقافات يشتركون ويوحدون جهودهم لحل المشاكل وتنفيذ‬
‫الحلول بشكل تلقائي‪.‬‬

‫كما يسود في المؤسسة ذات الثقافة المتطورة الشعور بالثقة‪ ،‬مع ضمان اإلمكانية لكل فرد‬
‫لمواجهة كل الصعوبات والتحكم في كل الوضعيات‪ ،‬فالكل يشترك في نفس الحماس ونفس‬
‫الشعور بواجب قيادة المؤسسة إلى طريق النجاح‪.‬‬

‫تثمن هذه الثقافة وتشجع روح الوحدة وحب المؤسسة‪ ،‬والتي تسمح بمساهمة كل المنتمين‬
‫للمؤسسة في استكشاف واستغالل إمكانيات التكيف الجديدة مع كل األخطار والظروف‪ .‬وبذلك‬
‫نكون في مؤسسة ذات فلسفة تسودها روح المبادرة على كل المستويات الهرمية مما يشجع‬
‫على اتخاذ القرار وعلى االبتكار وتحسين االتصاالت وإشراك األفراد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القيم النموذجية لنجاح المؤسسة‬


‫يمكن للقيم في المؤسسة أن تلعب دورين متضادين‪ ،‬فمن جهة يمكن للقيم أن تجعل األفراد‬
‫المنتمين إليها يفجرون طاقاتهم ويحققون نتائج مشجعة ويخدمون مصلحة المؤسسة‪ ،‬وبالتالي‬
‫يساهمون بالقدر األكبر في نجاح المؤسسة واستمرارها‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى يمكن للقيم أن تقف ضد المبادرة التي يريد ويمكن أن يتخذها األفراد المنتمون‬
‫للمؤسسة وبالتالي ضد التطوير‪ ،‬وهذا لكون هذه المؤسسة ذات ثقافة تعامل األفراد كمكون‬
‫يجب السيطرة عليه في كل األوقات‪ ،‬وهو ما يعرض حينئذ المؤسسة لالنهيار‪.‬‬

‫تتعدد القيم النموذجية التي تؤسس لنجاح المؤسسة‪ ،‬ونورد منها ذكرا ال حصرا‪:‬‬

‫‪ -‬القيم المتعلقة بالنمو والنجاح‬


‫• تقدير متطلبات الحرفاء وتلبيتها‬
‫• الحفاظ على المركز التنافسي باالستفادة القصوى من جميع اإلمكانات المادية‬
‫والبشرية للمؤسسة‬
‫• االلتزام الصارم بمعايير الجودة‪.‬‬
‫‪ -‬القيم المتعلقة بالرضى عن العمل‬
‫• العمل على تحقيق اإلشباع الوظيفي من خالل إعادة تصميم العمل‬

‫‪15‬‬
‫• مشاورة وإشراك العاملين في المؤسسة في التغيير الوظيفي وإدخال التكنولوجية‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫القيم المتعلقة باالتصال‬ ‫‪-‬‬
‫• التأكيد على أن المسؤولية الرئيسية للمديرين هي تعزيز االتصال أفقيا وعموديا‪.‬‬
‫• تعليم واطالع العاملين بالمؤسسة على خططها المتعلقة بالمستقبل وكيفية تحقيق‬
‫أهدافها‬
‫• التشجيع واالعتراف وتقدير األفراد الذين يعززون االتصال الفعال‬
‫• االقتناع بان هناك وجهات نظر مختلفة بالنسبة للموضوعات المطروحة‪ ،‬وهناك‬
‫اختالفات في المنظور مما ينتج عنها آراء ووجهات نظر متباينة بالنسبة للموضوع‬
‫الواحد‪.‬‬
‫• العمل بروح الفريق‪.‬‬
‫القيم المتعلقة بالمعايير األخالقية‬ ‫‪-‬‬
‫• تشجيع األمانة‬
‫• إعادة النظر والتأكيد على دراسة كل وجهات النظر عندما تتعارض مصالح الفرد‬
‫والمؤسسة‪.‬‬
‫القيم المتعلقة بتنمية الفرد‬ ‫‪-‬‬
‫• تزويد وتحسيس المسؤولين والمديرين بمسؤولية تنمية العاملين التابعين لهم‬
‫• اطالع العاملين بالمؤسسة على احدث التغييرات في تصميم العمل والتمكن من‬
‫المعرفة والمهارات الالزمة إلنجاز العمل‪.‬‬
‫• تزويد العاملين بفرص تنمية مهاراتهم من خالل إعداد برامج لتنميتها‬
‫• مكافأة العاملين الذين يأخذون على عاتقهم مسؤولية تطوير طرق جديدة ألداء‬
‫العمل‪.‬‬
‫قيم متعلقة بالجودة‬ ‫‪-‬‬
‫• التأكد من أن كل العاملين بالمنظمة قد تدربوا على إدارة الجدوى‬
‫• تعزيز فرق العمل واتخاذ التصرفات الوقائية‬
‫• تهيئة المناخ المالئم للمشاركة واالشتراك في حل المشاكل مع كل العاملين في‬
‫جميع اإلدارات‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬المؤسسة والتغيير الثقافي‬
‫يعتبر التغيير سمة عصرنا الرئيسية‪ ،‬فكل شيء وفي كل مكان يشهد تغييرات واسعة وجذرية‬
‫وعميقة ‪.‬فالتغيير أصبح يكتسح بشكل سريع جميع الجوانب التكنولوجية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وأيضا االجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫فبروز الشركات العمالقة وحصول ثورة التكنولوجيات الحديثة‪ ،‬وثورة المعلومات‪ ،‬وثورة‬
‫االتصاالت‪ ،‬زيادة عن سرعة نسق اإلبتكارات‪ ،‬أحدث تغييرات جذرية وكبيرة على المستوى‬
‫العالمي‪.‬‬

‫وتعتبر العولمة أحد أهم هذه التغيرات‪ ،‬والتي أدى بروزها بمختلف أشكالها (اقتصادية‪ ،‬مالية‪،‬‬
‫ثقافية) إلى تالشي الحدود بين الدول وإلغاء الحواجز الجمركية‪ ...‬وبروز أشكال جديدة‬
‫للمؤسسة‪...‬الخ‪.‬‬

‫فرضت كل هذه التغييرات وغيرها أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية تتسم بخطورة‬
‫كبيرة‪ ،‬وذلك لصعوبة التحكم فيها‪ .‬وهو ما يجعل المؤسسة في مواجهة بيئة تنافسية شرسة‬
‫تقتضي منها البحث عن سبل وأساليب وسياسات خاصة لتتمكن من البقاء واالستمرار‬
‫والمنافسة في بيئتها‪ .‬ومن هنا أصبح التغيير ضروري‪.‬‬

‫الفقرة االولى‪ :‬حتمية التغيير‬


‫يعتبر التغيير حتمية مفروضة على المؤسسة شاءت ذلك أم أبت‪.‬‬

‫وال نتحدث هنا عن التغيير في الجانب المادي للمؤسسة فقط‪ ،‬وذلك رغم أهميته‪ ،‬باعتبار أنه‬
‫لوحده غير قادر على تحقيق النتائج المرجوة من التغيير‪ ،‬بل نتحدث أيضا على التغيير في‬
‫السلوكيات والقيم التنظيمية للمؤسسة‪ ،‬وهو ما يعني التغيير في ثقافة المؤسسة لتحقيق نجاح‬
‫عملية التغيير المنشودة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم التغيير‬


‫يشمل التغيير مفاهيم اإلبداع والتحول والتعديل والتحويل والتطور والتكيف‪ .‬وفي عالقة‬
‫بالمؤسسة يرتبط التغيير بالجوانب االجتماعية والتقنية والتنظيمية‪.‬‬

‫يتخذ التغيير عدة اوجه" تغيير اجتماعي"‪ "،‬تغيير تنظيمي"‪ "،‬تغيير تقني"‪ ،‬وهي أوجه متكاملة‬
‫فيما بينها‪ .‬فالتغيير يتميز بشموليته داخل المؤسسة مما يجعله يرتبط باالستراتيجية الداخلية‬
‫للمؤسسة والتي تعتبر أساسا قويا لوقوع التغيير‪.‬‬

‫تتكون المؤسسة كنظام من مجموعة أنظمة فرعية تتفاعل فيما بينها‪ ،‬وهي متواجدة في نظام‬
‫خارجي يتكون بدوره من أنظمة فرعية أخرى اشمل (اقتصادية‪ ،‬سياسية‪ ،‬إجتماعية)‪ ،‬مما‬

‫‪17‬‬
‫يعني أن كل تغيير في هذه األنظمة األخيرة ينعكس في تغيير المؤسسة بالضرورة‪ .‬كما أن‬
‫أي تغيير في نظام فرعي لديه انعكاسات على باقي األنظمة الفرعية األخرى للمؤسسة‪.‬‬

‫يترجم التغيير في المؤسسة اختالفا بين وضعيتها في اللحظة أ‪ ،‬ووضعيتها في اللحظة ب‪.‬‬
‫كما يتخذ التغيير أبعادا متعددة باعتباره غالبا ما يمس عدة جوانب تكون متداخلة فيما بينها‬
‫(الجوانب التنظيمية‪ ،‬التقنية‪ ،‬االقتصادية)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أسباب التغيير‬


‫تتعدد أسباب التطور‪ ،‬ويتمثل أهمها في التطورات التي اشهدها بيئة المؤسسة‪.‬‬

‫تمتاز التطورات البيئية بشدة تعقيدها وبديناميكية ذات درجات متفاوتة‪ ،‬ونجد من أهمها‪:‬‬

‫التطورات السيكولوجية‪ :‬تخص االهتمامات الجديدة لإلنسان كنوعية المعيشة‪ ،‬مستوى‬ ‫‪-‬‬
‫المعيشة‪ ،‬تطور الكفاءات‪ ،‬تطور المستويات التعليمي‪...‬‬
‫التطورات الثقافية‪ :‬ترتبط بتطور المعارف والمبادالت ووسائل االتصاالت‪ ،‬وتترجم‬ ‫‪-‬‬
‫بالتحول أو التغيير في القيم والذهنيات التقليدية‪.‬‬
‫التطورات االجتماعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التطورات التكنولوجية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التطورات االقتصادية‪ :‬ترتبط باالقتصاد العالمي والعولمة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثالثا‪ :‬خصائص التغيير‬


‫إلبراز خصائص التغيير علينا إبراز مختلف أنواعه المتواجدة والتي يمكن تصنيفها في‬
‫ثالث فئات‪:‬‬
‫‪ -‬التغيرات الظرفية الصغرى بمفهوم الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪ -‬التغيرات الظرفية الكبرى وهي ذات تأثير دائم على المدى المتوسط‪.‬‬
‫‪ -‬التغيرات الدائمة والمستمرة وهي في الحقيقة عملية التغيير الحقيقية‪.‬‬

‫أ‪ -‬التغييرات الظرفية الصغرى‬

‫نجد في هذه الفئة إما أفعاال على المدى القصير بدون اثر مستمر‪ ،‬أو ذات تأثير ضعيف‬
‫األهمية‪ ،‬أو ذات مدى قصير وجد محدود‪ ،‬كما يمكن أن تتعلق بعدد قليل من األفراد‪.‬‬

‫رغم ظرفية هذه التغيرات إال أنها يمكن أن تكون ذات أثار مهمة على السير اليومي للمنظمة‬
‫بتراكمها‪ ،‬كما يمكن أن تكون بناءة مقارنة باألصناف األخرى حتى وإن اختلفت مستويات‬
‫التدخل‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ب‪-‬التغييرات الظرفية الكبرى‬
‫يتعلق هذا الصنف باألفعال الجديدة كما يتعلق بتحويل األنظمة والقوانين في المؤسسة إضافة‬
‫إلى عمليات التسيير اليومي‪ ،‬ويعتبر هذا النوع من التغيير فعال وجيد وذلك لكونه يكشف لنا‬
‫عن اآلثار اإليجابية الدائمة في الجانب االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬كما يعتبر القاعدة التي يقوم‬
‫عليها التغيير الديناميكي‪.‬‬

‫ت‪-‬التغييرات المستمرة‬
‫يتعلق هذا النوع بعملية مبرمجة ومقيدة بأفعال التغيير الظرفي الكبير فكالهما يسير في نفس‬
‫االتجاه‪ ،‬وتعتبر العمليات الخاصة بهذا الصنف من التغيير محور االستراتيجية الداخلية‬
‫للمؤسسة‪.‬‬

‫يتميز هذا الصنف بعدة خصائص أساسية تتلخص في سعة التغيرات وفي انسجامها الكلي‬
‫وتالئمها مع خصوصيات المحيط‪ .‬ويرتبط هذا النوع من التغييرات بالفلسفة العامة للمؤسسة‬
‫التي ترمي إلى تحقيق ديناميكية مجمل مكوناتها وهياكلها وسلوكيات أعضاءها‪.‬‬

‫تؤسس التغييرات المستمرة على نظامي الجودة الشاملة ومشروع المؤسسة‪ ،‬واللذان يهدفان‬
‫إلى تحقيق الكفاءة العالية للمؤسسة‪.‬‬

‫يعتبر مشروع المؤسسة أكبر إسهام وأقوى دليل ألهمية التغييرات المستمرة‪ ،‬حيث يعرف‬
‫مشروع المؤسسة بكونه يؤلف بشكل واضح بين القيم واألهداف االستراتيجية المشتركة‪،‬‬
‫ليكون لغة مشتركة في المؤسسة‪ ،‬كما يسمح بتعبئة الموارد الداخلية وتظافرها معا لتحقيق‬
‫هدف مشترك مما يسمح لكل فرد في المؤسسة بالحصول على نقطة مرجعية واضحة ودائمة‬

‫رابعا‪ :‬سيرورة التغيير‬


‫يخص عامل الزمن مختلف مكونات التغيير‪ ،‬وذلك بكشفه عن مختلف مراحل التفاعل في‬
‫التغيير‪ ،‬والمتمثلة في مرحلة ما قبل التغيير والمرحلة اآلنية ومرحلة ما بعد التغيير‪ ،‬حيث‬
‫تتطلب كل حالة قيادة مالئمة وهو ما يعكس أهميتها‪.‬‬

‫إن صعوبة تحديد هذه المراحل الزمنية في حالة التغييرات الظرفية الكبرى تنعكس بشكل‬
‫مهم في تحديد ما هو معروف بالمرحلة االنتقالية أو مرحلة التحول‪ ،‬بالرغم من أن هذا‬
‫المصطلح بدا يفقد صالحيته وذلك الن الثقافة الديناميكية التي تقود التغيير هي دائما في تغيير‬
‫مستمر وهذا ما يصنع قوتها‪.‬‬

‫يعرف التغيير مسارا تكنولوجية وتنظيمية واجتماعية واقتصاديا‪ ،‬وتعتبر نقطة الدخول للتغيير‬
‫هي فعل التغيير االبتدائي والذي له عدة مؤشرات على كل المستويات‪ ،‬ولديه أثار متتالية‬
‫على كل جوانب المؤسسة‪ .‬فالتغيير في ميدان معين يحدث آثار حساسة غالبا ما تقاس على‬

‫‪19‬‬
‫باقي الميادين األخرى للمؤسسة‪ .‬كذلك التغيير في ميدان معين بإمكانه أن يحقق التحسيس‬
‫بضرورة إدخال تغييرات أخرى مكملة لباقي الميادين‪.‬‬

‫تعتمد مسيرة التغيير في المؤسسة على إرادة وتعبئة الموارد الداخلية‪ ،‬لتسهيل تحقيق األهداف‬
‫االستراتيجية‪ .‬لكن يجب التأكيد على أن تنشيط اإلبداع الداخلي على المستويات التقنية‬
‫واالجتماعية والتنظيمية ال يكفي لتحقيق التغيير الشامل بفعالية‪ ،‬بل يجب أن يكون هذا التغيير‬
‫مسير بمعنى أن تكون عملية إدخال التغيير منظمة‪ ،‬وألجل ذلك يعتبر المدخل االستراتيجي‬
‫للتغيير ضرورة ملحة تترجم بطبيعة الحال انطالقة متناسقة‪.‬‬

‫إن التغيير الحقيقي والفعال ال يتحقق إال بمشاركة كل المستويات التنظيمية لألفراد المعنية‬
‫ولو بصورة جزئية في الفعل وذلك لتقليص مخاطر اختالف وجهات النظر المرتبطة بكل‬
‫فعل في عملية التغيير‪.‬‬

‫تعتبر الهياكل والترتيبات التمهيدية إحدى استراتيجيات التغيير‪ ،‬التي يعتمد عليها لتفادي أي‬
‫غموض حول أدوار العناصر الفاعلة‪ .‬كما أن فعالية واستمرارية أثار التغيير تتوقف على‬
‫مرونة الترتيبات وتطورها ومالءمتها للظروف الخاصة‪ .‬كما يتطلب التغيير كذلك استعمال‬
‫منهجية للتسيير والترتيبات الخاصة بالعمل الجماعي ومنسق صارم وبرمجة زمنية‪ ،‬كل هذا‬
‫لتحقيق الفعالية االجتماعية واالقتصادية للتغيير‪.‬‬

‫تتمحور عملية التغيير زمنيا حول ثالث فترات أساسية هي التجريب واالمتداد والتعميم‪ ،‬وهي‬
‫فترات تتعلق أساسا بالتغييرات الظرفية الكبرى أو التغييرات المستمرة التي تتطلب‬
‫استثمارات كبيرة نسبيا في العملية‪.‬‬

‫ولتسهيل عملية انسجام كل هذه المراحل وقابلية الفعل‪ ،‬فانه من الضروري رسم االتجاهات‬
‫العامة للعملية وذلك بفضل تحديد مشروع شامل يأتي في قمة هذه المراحل المختلفة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬ضرورة التغيير الثقافي‬


‫يعتبر التغيير الثقافي للمؤسسة استجابة حتمية لضغط عدة عوامل‪ ،‬فهو استجابة ضرورية‬
‫للتكيف االستراتيجي للمؤسسة‪ .‬وهو تكيف يولد بعض النتائج على مستوى هياكل وإجراءات‬
‫التسيير‪ ،‬أي على مستوى النظام الداخلي الذي بدوره يعتبر مكون لخصوصيات فاعلة تشكل‬
‫الثقافة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التغيير الثقافي والضغط الخارجي‬


‫لقد أصبحت الضغوطات الخارجية اليوم معروفة جيدا ومحددة‪ ،‬وتتمثل حسب الفكر األمريكي‬
‫في الغالب فيما يلي‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬تغيير قواعد المنافسة‪ :‬فانفتاح السوق يفرض تغييرا استراتيجيا وهيكليا وثقافيا كبيرا‪.‬‬
‫وعموما فإن القدرة التنافسية للمؤسسات تكمن أساسا في نمط ونوعية تسييرها وفي‬
‫درجة إدماج ومشاركة األفراد‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير المنظومة التقنية‪ :‬فتطور بعض المؤسسات (البنكية) مرتبط بصورة أساسية‬
‫بتطور أنظمة المعلومات وظهور منتجات جديدة محفزة لهذا التطور‪.‬‬
‫‪ -‬عولمة االقتصاد‪ :‬لقد ساهمت هذه األخيرة في تغيير فكرة السوق المناسبة‪ ،‬كما ساهمت‬
‫في زيادة تعقد الصفقات واالندفاع نحو التحالفات‪ ،‬مما يعني بروز شكال جديدا للعمل‬
‫أو النشاط‪.‬‬

‫إضافة إلى هذه الضغوطات نجد أيضا الضغوطات السياسية‪ ،‬وتوجد كذلك ضغوطات ثقافية‬
‫واجتماعية تتمثل باألخص في الفكر الذي يحمله األفراد عن عالقة السلطة والعمل‪ ،‬فمثال‬
‫اليوم الرقابة التامة والسيطرة الصارمة أصبحت أقل مقبولية مما كانت عليه في الستينات‬
‫مثال‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التغيير الثقافي ومرحلة التطور‬


‫يرتكز التغيير الثقافي على نوع مرحلة التطور التي تعيشها المؤسسة في دورة حياتها‪،‬‬
‫فالمشاكل التي تواجهها المؤسسة تختلف باختالف مراحل حياتها (النمو‪ ،‬النضج‪ ،‬الزوال)‪،‬‬
‫مما يجعل معالجتها تختلف حسب اختالف هذه المراحل‪ ،‬فالمؤسسة ذات بعد تاريخي يبرز‬
‫خصوصا في أنواع متميزة من االستراتيجيات والهياكل (كالهياكل وأنظمة التقييم‪ ،‬المراقبة)‬
‫التي تتميز في مجملها ببعد انسجامي‪ ،‬فكل جملة من هذه الخصائص التنظيمية ما هي في‬
‫الحقيقة إال" طريقة في الحياة "متميزة‪.‬‬

‫يعكس انسجام هذه الخصائص كفاءة المنظمة‪ ،‬فلقد أثبتت بعض الدراسات أن العديد من‬
‫االستراتيجيات لعدة مؤسسات بإمكانها أن تحقق النجاح في مرحلة التطور بشرط أن تتضمن‬
‫كل استراتيجية هيكل وأنظمة وإجراءات منسجمة فيما بينها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التغيير الثقافي والقيادة والتسيير‬


‫يطرح التغيير بصورة مباشرة مشكل أو جانب القيادة من ناحية طبيعة األدوار القيادية وكيفية‬
‫ممارستها لتوجيه السلوك التنظيمي‪.‬‬

‫لقد برزت اهتمامات الباحثين في سنوات الثمانينات بالتغيير بشكل جوهري‪ ،‬مما جعل البعض‬
‫يعود إلى األعمال المهمة ل ‪ MC gregor‬في القيادة (‪ ،)1978‬فتغيير المؤسسة يتطلب‬
‫ساللة جديدة من الرجال أو القادة التي ال تقتنع بتسيير األنظمة بل تملك القوانين أو الصفات‬
‫الضرورية لتغييرها‪ ،‬ويمكن تلخيص خصائص القادة في‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫يعتبرون القادة في حد ذاتهم عناصر تغيير‪ ،‬أي ليسوا فقط عناصر لديهم فكرة عما‬ ‫‪-‬‬
‫يجب أن تكون عليه المؤسسة ولكن هم أيضا مخططين اجتماعيا قادرين على بث‬
‫التغيير في مجموعة ما‪.‬‬
‫يتميزون بالشجاعة الفكرية وفي نفس الوقت التأثيرية‪ ،‬قادرين على قول الحقيقة‬ ‫‪-‬‬
‫ومقاومة الجماعات الداخلية‪.‬‬
‫يثقون في قدرة األفراد على تحمل المسؤوليات‪ ،‬ويعرفون كيفية تشجيع وحث المؤسسة‬ ‫‪-‬‬
‫للتعود على ذلك‪.‬‬
‫يفكرون من منطلق القيم‪ ،‬وقادرون على جعلها تطبق في إطار نظامي ومن ثم جعلها‬ ‫‪-‬‬
‫مشتركة بين كل المنتمين للمؤسسة‪.‬‬
‫يفهمون أخطاءهم ويتعلمون منها الدروس‪ ،‬ويعلمون انه ال يوجد شيء يؤخذ بسرعة‬ ‫‪-‬‬
‫وكل شيء يتحقق بالتكرار في مجال الثقافة أي في جانب الجماعة‪.‬‬
‫يحسنون قيادة األوضاع المعقدة والغامضة وغير األكيدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذووا بصيرة‪ ،‬قادرين على الكالم عن المستقبل وجعله قابال للتصور‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إن التغيير الثقافي يرتبط كذلك بتغيير الرموز‪ ،‬حيث تعتبر هذه األخيرة إحدى مكونات الثقافة‬
‫أو إحدى المالمح الثقافية للمؤسسة‪ ،‬ويتمثل التغيير للرموز في‪:‬‬

‫تغيير ‪ logo‬التي تعكس السياسة الجديدة والمفهوم الجديد للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫تغيير قانون أو دستور المؤسسة لما تقترح اإلدارة العامة قانونا جديدا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وضع طقوس جديدة لمكافئة العمال ومراسيم للنجاحات التجارية أو طرح منتج جديد‬ ‫‪-‬‬
‫في السوق‪.‬‬
‫إقامة وبروز نشاطات غنية بالمعاني كاستعمال الدعاية مثال كوسيلة لتحقيق الديناميكية‬ ‫‪-‬‬
‫الداخلية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التدخل الثقافي‬


‫يتميز التدخل الثقافي ألجل تحقيق التغيير في مجال الثقافة ببعض الخصائص‪ ،‬وتتمثل أهمها‬
‫في‪:‬‬

‫تعتبر تدخالت طويلة‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫تتميز هذه التدخالت ببرمجة صارمة وشديدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫النتائج المنتظرة ال تعبر بالضرورة عن التغيير الثقافي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تثير هذه التدخالت للمؤسسة نتائج في شكل وصف لثقافتها من منظور التطور‪ ،‬أو‬ ‫‪-‬‬
‫وسائل التغيير‪ ،‬أو على مستوى العمل أو الفعل‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫يشترط في برنامج التدخل أن يرتكز على تحقيق حول الثقافة الموجودة‪ ،‬وأن ال يقوم مسبقا‬
‫على ضرورة تغيير الثقافة‪ ،‬بل من الضروري العمل على نقاط القوة للثقافة الموجودة‪ .‬فالتغيير‬
‫يجب أن ينطلق من معرفة هذه الثقافة وتكوين خطة للعمل انطالقا من المالمح الثقافية‬
‫للمؤسسة‪ .‬وترتبط هذه الخطة بإبرازها الشديد للمالمح الثقافية الحالية وكذلك ارتباطها بتطور‬
‫المخططات أو الخطط التصريحية لقيم هذه الثقافة‪ ،‬فهي ببساطة مخططا تحسيسي باالقتراب‬
‫الثقافي‪ .‬ليس بالضرورة وجوب تغيير جذري للثقافة‪ ،‬فتحسيس األفراد بهذا االقتراب في حد‬
‫ذاته عامل تغيير‪ ،‬كالتصريح بالقيم الحقيقية أو ترك الممارسات التي ال تتفق مع نفس هذه‬
‫القيم‪.‬‬

‫يجب على كل تدخل فيما يخص الثقافة أن يؤدى إلى تصور إيجابي‪ ،‬فالمؤسسة لديها ثقافة‬
‫يجب أن نجعلها تسمح لها بالتطور من خالل إيجاد طرق للعمل حسب مفاهيم وتصورات‬
‫عملية‪ ،‬وهذا في حد ذاته راس مال يجب البحث عن تنميته أكثر من البحث عن تغييره‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬إدارة التغيير الثقافي‬


‫تؤدي معرفة نوع الثقافة المطلوبة إلى توليد القيم الرئيسية التي تنعكس على السلوك اإلداري‬
‫المستمر‪ ،‬ولكن هذا ال يحقق التغيير المطلوب وهو ما يبرز الحاجة إلى إدارة خاصة بالتحول‬
‫من الوضع الحالي إلى الوضع المرغوب فيه‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إدارة التحول‬


‫يحتاج التغيير إلى وقت‪ ،‬ويمكن أن يواجه بمقاومة شديدة من األفراد‪ ،‬لذلك من الضروري‬
‫تفهم التغييرات التي يجب أن ينفذها العاملون‪ ،‬وتفهم سلوكهم المحتمل تجاه هذه التغييرات‪،‬‬
‫ومدى إدراكهم للمواقف والتأييد الذي يحتاجونه‪.‬‬

‫عموما يلعب كل من عاملي الوقت والتأييد دورا هاما في تقبل التغيير‪ .‬كما أن التغيير قد‬
‫يطرأ على بيئة مستقرة‪ ،‬حيث معظم المشاكل يمكن رؤيتها ويمكن السيطرة على الضغوط‪.‬‬
‫كما يمكن لألفراد أن يتقبلوا التغيير بدون أي مقاومة‪.‬‬

‫يحدث التغيير صدمة‪ ،‬وتحدث الصدمة صدى يدوي في كل أنحاء الهيكل التنظيمي‪ ،‬غير أن‬
‫منطق التفكير اإلنساني يتجه إلى زيادة الكفاءة والرفض وزيادة التعامل مع الغموض مما‬
‫يعني لدى العمال في اعتقادهم انه ال يحدث شيء أبدا‪ ،‬ويتعزز هذا االعتقاد باجتماع العمال‬
‫معا حول هذا االعتقاد‪.‬‬

‫إن وصول األفراد إلى حقيقة التغيير وفهمه ال يعني أنهم متأكدين من الدور الذي يؤدونه‬
‫ومعرفتهم كيفية استمرار هذا األداء في المستقبل‪ ،‬وكيف سيتغير عملهم‪ ،‬وماهية المهارات‬
‫الجديدة المطلوبة وماهي القيم السائدة التي ستعرض… الخ‪ .‬إنهم يحتاجون إلى ترك الطرق‬
‫‪23‬‬
‫القديمة واالتجاه نحو استخدام الطرق الجديدة التي تتميز بحالة عدم التأكد‪ ،‬وهو ما قد يسبب‬
‫إحباطا نتيجة ألداء األشياء بشكل مختلف‪ .‬لكن مع التأييد والمساعدة والرؤى الواقعية للمستقبل‬
‫يدخل األفراد مرحلة القبول وعندها تبدأ مرحلة الصعود وتتوقف مرحلة التدهور‪.‬‬

‫إن األفراد ال يمكنهم أن يتعلموا ما يحتاجونه ويطبقوا السلوك الصحيح لوحدهم‪ ،‬ومن هنا‬
‫يمكن القول إن أهمية ودور المديرين يكمن في التخطيط واالتصال والمشاركة واالستماع‬
‫للمرؤوسين قبل التطبيق الرسمي للتحول‪ ،‬حيث آن غياب ذلك أو فشله قد يخلق مشاكل من‬
‫طرف فريق اإلدارة لكل أعضائه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬آليات التثقيف‬

‫أ‪ -‬اللغة‬
‫تميز اللغة مجموعة ما عن غيرها ممن يستعملون لغات أجنبية أخرى‪ ،‬كما تعتبر أداة لتحديد‬
‫الهوية‪ ،‬وكذلك تسمح أيضا أو تعطي القوة باعتبارها حاجزا سميكا اتجاه باقي الثقافات‪ ،‬وتمثل‬
‫كل لغة إحدى الركائز الطبيعية للثقافة‪.‬‬

‫إن إدخال أي تغيير في ثقافة المؤسسة يصحبه إدخال مصطلحات جديدة‪ ،‬تحمل قيما جديدة‪،‬‬
‫وبالتالي فان إدخال كلمات أو عبارات جديدة في لغة المؤسسة يعني تغيير الثقافة لهذه‬
‫المجموعة البشرية‪.‬‬

‫تقتضي الحاجة إلى التغيير في المصطلحات أو قاموس المفردات‪ ،‬وذلك الن هذه األخيرة‬
‫ترتبط بالظواهر والتطبيقات والعادات القديمة‪ ،‬لذا فينصح إلحداث تغيير فعال إدخال مفردات‬
‫جديدة‪.‬‬

‫ب‪-‬التربية والتكوين‬
‫تمثل التربية العملية الجوهرية والطبيعية في الجانب االجتماعي للفرد‪ ،‬وذلك الن هذا األخير‬
‫ال يولد اجتماعيا بل يكتسب هذه الصفة في حياته‪.‬‬

‫من الخطأ االعتقاد بان التنمية هي مسالة استشارات وموارد‪ ،‬أي مشروعات صناعية‪ ،‬في‬
‫حين أن المشكل يكمن في الثقافة‪ ،‬فمفتاح التنمية يكمن في ثقافة المؤسسة‪ .‬فالثقافة التنظيمية‬
‫مثال تتكون من كتلة المعارف والقيم المتراكمة لدى المنظمات اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ت‪ -‬ترويج االتصال‬

‫يعتبر الترويج طريقة للتكيف االجتماعي وذلك لممارسة ضغط بسيكولوجي بشكل نظامي‬
‫على مجموعة من األفراد بغية توجيه آرائهم وسلوكهم نحو اتجاه محدد‪.‬‬

‫إن أي تغيير أو فهم ألي حدث أو فعل جديد في المنظمة ال يتم إال من خالل نظام القيم‪.‬‬

‫يعتبر الترويج وسيلة مباشرة للحفاظ على السلطة في حالة ما إذا كان العنف أو القوة تساند‬
‫الترويج وتؤيده وبالتالي فان كل مقاومة لهذا الجو أو المناخ الذي يشوبه القلق تعتبر باطلة‪.‬‬

‫عموما فان الحجة التأثيرية أو الحسية أكثر تأثيرا وفعالية من الحجة العقالنية‪ ،‬ويعتبر الترويج‬
‫فن لنشر االتصال‪.‬‬

‫ث‪-‬التنبؤ المنشط والمهدم‬


‫يعتبر هذا األخير من الظواهر االجتماعية وهذا بمجرد اعتقاد مجموعة من األشخاص بشيء‬
‫ما لتجسيد فكرة ما‪ ،‬ويصبح التنبؤ مبدعا عندما تكون الظاهرة غير موجودة في الواقع وتنتشر‬
‫بالتنبؤ أو التكهن‪ .‬أما في حالة ما تكون هذه الظاهرة واقعية أو حقيقية فيعتبر التنبؤ محرك‬
‫أو معجل وذلك بفضل نشر التنبؤ‪ .‬أما التنبؤ الهدام فهو على العكس يمنع الظاهرة من التحقيق‬
‫تماما لما تتلقى مجموعة ما ضربة مفاجئة وال يحسنون التعامل معها بالرغم من تنبؤهم‬
‫المسبق بها‪.‬‬

‫يعتبر هذا التنبؤ أحد قواعد الجدلية السياسية والحمالت االنتخابية في الوقت الحالي‪ ،‬غير أن‬
‫أهميته تمتد كذلك إلى المؤسسات‪ ،‬فاألفراد اصبحوا يترقبون لقادة ومسيرين ذوو دور تنبئي‬
‫مما جعل الحنكة وبعد النظر أحد أهم جناحي اإلدارة الحديثة‪ ،‬ونكشف عن الحنكة بالتشخيص‪،‬‬
‫أما بعد النظر فهي تشكيلة وتركيبة من الطموح واآلمال‪.‬‬

‫ج‪ -‬الضغط االجتماعي‬


‫الضغط االجتماعي هو تعبير يتعلق بوعي الفرد بتوقعات اآلخرين اتجاه سلوكه في وضعية‬
‫معينة‪ ،‬كما يمثل أيضا التوقع لفعل مشابه أو مطابق لبعض المعايير التي تدفع الفرد إلى تنفيذ‬
‫الفعل المتوقع‪.‬‬

‫انطالقا من االعتراف بظاهرة الضغط االجتماعي المتكون من طرف جماعة اتجاه الفرد‪،‬‬
‫ينشئ مبدأ التثقيف‪ ،‬وهو ما يقوم عليه إدماج أفراد في جماعات مماثلة لتربيتهم وذلك باتباع‬
‫نفس المبدأ أي لتثقيف مجموعات صغيرة ندمجها في مجموعات أكبر‪ ،‬وهو ما يفسر‬
‫امتصاص فريق صغير من طرف شركة كبيرة‪ ،‬وانطالقا من هذا المبدأ ال يمكننا توقع التغيير‬

‫‪25‬‬
‫الثقافي للمؤسسة من فرد إذا لم يكن هذا الفرد هو القائد أو المدير أو الرئيس ‪.‬كل من نظام‬
‫المعلومات ومراقبة التسيير ونظام تقييم األفراد وكذا أنظمة التقدير والمكافآت تعتبر أدوات‬
‫للتعبير عن هذه التوقعات المعيارية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬القادة والتغيير الثقافي‬


‫لقد قام كل من بوس نير وكوزس بدراسة سلوك المديرين الذين حققوا نجاحات كبيرة‬
‫وإنجازات هائلة‪ ،‬وتوصلوا إلى أن هؤالء القادة يشتركون في خمس سمات رئيسية ترتبط‬
‫بأداء األشياء مع األفراد‪.‬‬

‫أ‪ -‬التحدي‬
‫إن اعتبار القادة روادا يجعلهم يبحثون دائما عن فرص جديدة ولديهم استعداد دائم لتغيير‬
‫الوضع القائم‪ ،‬فهم يبتكرون ويجربون ويكتشفون طرقا لتحسين التنظيم‪ ،‬واألمر األكثر أهمية‬
‫هنا هو إدراكهم الجيد بان كل األفكار الجيدة ال تأتي بالضرورة من أنفسهم‪ ،‬كما يدركون أن‬
‫اآلخرين القريبين من المشاكل قد يكونون أكثر قدرة للتوصل إلى حلول لها معنى‪ ،‬ويعترفون‬
‫بأن اإلنصات لآلخرين قد يكون أكثر أهمية من التحدث إليهم‪.‬‬

‫يعترف القادة كذلك بان طريقتهم في إدارة األفراد تعتبر بمثابة أساس تدريب واختيار للقادة‬
‫المحتملين‪ ،‬كما يشجعون على المخاطرة‪ ،‬ويقيمون األخطاء لالستفادة منها بالتعلم‪.‬‬

‫ب‪-‬االلهام والرؤية الجماعية‬


‫يتطلع القادة إلى ما وراء األفق‪ ،‬ويتطلعون أيضا إلى المستقبل مع الحلم بما سيكون عليه‬
‫المستقبل بنظرة تفاؤلية وإيجابية‪.‬‬

‫ت‪-‬تمكين اآلخرين من التصرف‬

‫يعرف القادة بتكافئهم في تحقيق النتائج من خالل اآلخرين‪ ،‬فهم ال يستطيعون تحقيق النتائج‬
‫وحدهم بل يحتاجون إلى غرس الحماس وااللتزام في مرؤوسيهم‪ ،‬كما أنهم ينمون العالقات‬
‫بناءا على الثقة المتبادلة ويشجعون األفراد على العمل معا لتحقيق األهداف المشتركة ويركز‬
‫القادة على المشاركة في اتخاذ القرارات وحل المشاكل‪ ،‬ويشاركون اآلخرين في التخطيط‬
‫والسماح لهم بحرية التصرف التخاذ القرارات‪ ،‬حتى وإن كان ذلك يعني ارتكاب األخطاء‪،‬‬
‫ويشجعون األفراد على تحمل المخاطرة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ث‪-‬نمذجة األقوال واألفعال‬
‫عادة ما يكون القادة واضحين فيما يتعلق باعتقادات وقيم العمل‪ ،‬كما أن معاييرهم مفهومة‬
‫للجميع‪ ،‬إنهم يؤدون ما يعتقدون بصحته ويوصلون ذلك لمرؤوسيهم‪ ،‬إنهم يعملون على الحفاظ‬
‫على المشروعات واألفراد في الطريق السليم‪ ،‬وذلك من خالل السلوك المتناسق مع هذه القيم‬
‫وصياغة ما يتوقعونه من المرؤوسين‪ ،‬وهو ما يبرز تناسقا بين األفعال واألقوال‪.‬‬

‫ج‪ -‬التشجيع‬
‫يشجع القادة المرؤوسين على تحقيق االهداف فلصعبة‪ ،‬كما أنهم يبذلون جهودا من اجل‬
‫االعتراف باإلنجازات نحو تحقيق الهدف الكلي والقيام بالتغذية العكسية بشكل مستمر‪ ،‬إن‬
‫القادة يتركون مرؤوسيهم يعرفون أن مجهوداتهم تم تقديرها‪ ،‬إنهم يبلغون نجاح الفريق‬
‫لآلخرين ويحتفلون باإلنجازات البسيطة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬المؤسسة في محيطها االقتصادي واالجتماعي والقانوني‬
‫سسة على فهم المحيط‬ ‫الرجوع الى تقييم مدى قدرة المؤ ّ‬‫سسة ما‪ ،‬يمكن ّ‬ ‫لقياس نجاح مؤ ّ‬
‫سسة عموما هو مجموع القوى والفاعلين الذين لهم تأثير‬ ‫الخارجي والتّأقلم معه‪ ،‬ومحيط المؤ ّ‬
‫سسة ا ّما بصفة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬وهو ما يفرض تقسيم ذلك المحيط الى‬ ‫على عمل المؤ ّ‬
‫س ع‪.‬‬
‫محيط مباشر أو ضيّق‪ ،‬ومحيط غير مباشر أو مو ّ‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المحيط الضيق أو المباشر‬


‫المزودين والوسطاء‬
‫ّ‬ ‫سسة مثل‬
‫يتكون من مجموع الفاعلين الذين لهم تأثير مباشر في عمل المؤ ّ‬
‫ّ‬
‫والحرفاء والمنافسين‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المزودون‬
‫سسة من العمل واإلنتاج ال ب ّد من توفير جملة من الموارد كالتّجهيزات‪ ،‬المواد‬ ‫حتّى تتم ّكن المؤ ّ‬
‫سسة يرتبط ارتباطا وثيقا بمن يوفّر تلك الموارد‬‫ي نشاط للمؤ ّ‬ ‫فان أ ّ‬ ‫ّ‬
‫والطاقة‪ ...‬لذلك ّ‬ ‫األوليّة‬
‫المزود‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهو ما يعرف باسم‬

‫ثانيا‪ :‬الوسطاء‬
‫يروج لمنتوجاتها أو خدماتها‪ ،‬لذلك فهي تستعين بالوسطاء‪،‬‬ ‫سسة الى من ّ‬‫تحتاج كل مؤ ّ‬
‫الربح‪.‬‬ ‫والوسيط هو أي شخص أو جهة تساهم في التّرويج أو البيع لمنتوجات المؤ ّ‬
‫سسة لغاية ّ‬

‫ثالثا‪ :‬الحرفاء‬
‫سسة من‬
‫سسة‪ ،‬حيث يمكن تقييم نجاح مؤ ّ‬
‫يعتبر الحرفاء أحد أه ّم عناصر المحيط الضيق للمؤ ّ‬
‫عدمه من خالل تقييم مدى وصولها للحرفاء واقناعهم‪.‬‬

‫سوق االستهالكيّة وهي‬ ‫سوق المستهدفة‪ ،‬لذلك يت ّم التّفريق بين ال ّ‬‫ويختلف الحرفاء باختالف ال ّ‬
‫سسة الى التّصدير‪ ،‬كما يمكن للحرفاء أن‬ ‫سوق العالميّة عندما تهدف المؤ ّ‬‫السوق المحليّة‪ ،‬أو ال ّ‬
‫سسة الى البيع بالجملة‪.‬‬
‫سسات أو نقاط بيع عندما تهدف المؤ ّ‬ ‫يكونوا على شكل مؤ ّ‬

‫رابعا‪ :‬المنافسون‬
‫سوق‪،‬‬
‫سيطرة على ال ّ‬ ‫سسة ما بميدان من ميادين اإلنتاج ال يعني احتكارها له أو ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ان اهتمام مؤ ّ‬
‫سسات على التطوير‬ ‫سسة على اإلنتاج والتّرويج لمنتجاتها‪ ،‬تعمل باقي المؤ ّ‬ ‫فكما تعمل تلك المؤ ّ‬
‫سوق محكومة بمبدأ المنافسة‪،‬‬ ‫والزيادة من حجم مبيعاتها‪ ،‬وبالتّالي يمكن استنتاج ّ‬
‫أن طبيعة ال ّ‬ ‫ّ‬

‫‪28‬‬
‫سسة األولى‬
‫تروج له المؤ ّ‬
‫تروج لنفس المنتوج الذي ّ‬
‫سسة أخرى ّ‬ ‫والمنافس عموما هو أي مؤ ّ‬
‫أو أي منتج قد يح ّل محلّه في الحاجة واالستعمال‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الممولون‬
‫سسة عند انشائها أو حتّى أثناء مباشرة عملها الى دعم مالي هام قد يعجز صاحب‬ ‫تحتاج المؤ ّ‬
‫سسة أو شركائه عن توفيره‪ ،‬لذلك تلجأ الى البحث عن الدّعم من الهيئات المؤ ّهلة لذلك‪،‬‬ ‫المؤ ّ‬
‫سسة مثل البنوك والجمعيّات والمستثمرين‬ ‫وهي الهيئات التي توفّر الموارد الماليّة للمؤ ّ‬
‫باختالف أشكالهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المحيط الموسع أو غير المباشر‬


‫سسة يتجاوز محيطها الضيق الى محيط أكثر اتّساعا حيث تلعب عدّة عوامل أخرى‬ ‫نشاط المؤ ّ‬
‫سسة وعملها‪ ،‬ويمكن حصر هذا المحيط في أبعاد ستّة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫دورا مه ّما في التّأثير على المؤ ّ‬

‫النمو الديمغرافي وتفاوت األعمار داخل مجتمع ما يؤثّر‬ ‫ّ‬ ‫العوامل الديمغرافيّة‪ :‬حجم‬ ‫‪-‬‬
‫سسة وأهدافها‪.‬‬ ‫على مبيعات المؤ ّ‬
‫شرات تحكم‬ ‫صرف والعولمة كلّها مؤ ّ‬ ‫النمو االقتصادي وسعر ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫العوامل االقتصاديّة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫سوق وتؤثّر على نسب ّ‬
‫الطلب‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫العوامل االجتماعيّة‪ :‬مخرجات نظام التّعليم ونسب البطالة لها تأثير مباشر على عمل‬ ‫‪-‬‬
‫سسة‪.‬‬‫سسة ومالئمتها الحتياجات المؤ ّ‬ ‫المؤ ّ‬
‫التطور التقني والتكنولوجي له عالقة‬ ‫ّ‬ ‫العوامل التقنيّة أو التّكنولوجيّة‪ :‬األخذ بأسباب‬ ‫‪-‬‬
‫سسة من عدمه‪ ،‬كما بيّنت التّجربة انقراض عديد المشاريع‬ ‫مباشرة بنجاح المؤ ّ‬
‫التطور مثل الهواتف العموميّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكالسيكيّة التي لم تعد قادرة على مواكبة‬
‫العوامل السياسيّة والقانونيّة‪ :‬لها ارتباط بسياسة الدّولة في عمومها وتشجيعها على‬ ‫‪-‬‬
‫االستثمار وبعث المشاريع وابرام اتّفاقيّات التّبادل الحر مع دول الجوار‪ ،‬وتنظيمها‬
‫ّ‬
‫المنظمة التي تس ّنها‪.‬‬ ‫للمنافسة‪ ،‬كما ترتبط بالسياسة الجبائيّة التي تعتمدها والقوانين‬
‫سياسة البيئيّة التي تنتهجها الدّولة‬‫سسة في عملها الى ال ّ‬ ‫العوامل البيئيّة‪ :‬تخضع المؤ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫الطاقة وعدم استعمال المواد التي تش ّكل خطرا على البيئة‪ ،‬فتتّجه‬ ‫مثل ترشيد استهالك ّ‬
‫سسات الى طرق بديلة في اإلنتاج وتبتكر منتجات جديدة ولع ّل أبرز مثال على‬ ‫المؤ ّ‬
‫ذلك ازدهار صناعة المصابيح االقتصاديّة واألكياس الكرتونيّة التي أصبحت البديل‬
‫األمثل لألكياس البالستيكيّة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬المبادرة ببعث مشروع‬
‫وتطور معناه منذ ذلك‬
‫ّ‬ ‫ظهر مفهوم المبادرة في القرن الثّامن عشر‪ ،‬في األعمال التجاريّة‪،‬‬
‫الحين حتّى أصبح يمثّل قيام الفرد بإنشاء مشروعه الخاص‪ ،‬لكن الكثير من علماء االقتصاد‬
‫بأن المبادرة في األعمال التجاريّة تعني قدرة الفرد على تح ّمل المخاطر المترتّبة عن‬
‫يعتقدون ّ‬
‫بعث مشروع جديد في حال توفّرت له فرص كبيرة لل ّنجاح‪ ،‬ويؤ ّكد آخرون على دور المبادر‬
‫كمبتكر يقوم بتسويق ابتكاره‪.‬‬

‫يطورون سلعا أو‬ ‫الرؤية األخيرة للمبادرة فتتمثّل في ّ‬


‫أن المبادرين في األعمال التجاريّة ّ‬ ‫أ ّما ّ‬
‫سوق ليست متوفّرة في تلك الفترة‪.‬‬‫عمليّات جديدة في ال ّ‬

‫التعرض‬
‫ّ‬ ‫التطرق في مرحلة أولى الى عالقة المبادرة باالقتصاد‪ ،‬ليت ّم‬
‫ّ‬ ‫لتبسيط الفكرة‪ ،‬يجب‬
‫في مرحلة ثانية الى مسألة ريادة األعمال‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المبادرة واالقتصاد‬


‫أن مشاريع األعمال تمثّل أهميّة كبرى‬ ‫أشارت عديد التقارير والدّراسات االقتصاديّة الى ّ‬
‫بال ّنسبة لالقتصاد العالمي بشكل عام‪ ،‬باعتبارها استراتيجيّة حاسمة للتّنمية االقتصاديّة‪ ،‬فهي‬
‫تستوعب ما بين ‪ 50‬الى ‪ 60‬بالمائة من القوى العاملة حول العالم‪ ،‬كما تمثّل الدّعائم األساسيّة‬
‫لخلق فرص العمل وتنمية الدّخل‪ ،‬إضافة الى مساهمتها في رفع مستوى المعيشة‪ ،‬اذ تساهم‬
‫المشروعات ال ّناشئة بنسبة كبيرة في ال ّناتج المحلّي اإلجمالي لالقتصاديّات الكبرى‪ ،‬ما يحتّم‬
‫النمو االقتصادي وتأمين فرص‬ ‫ّ‬ ‫ضرورة العمل على نشر روح المبادرة بالمجتمعات لتحفيز‬
‫العمل للقوى العاملة الوطنيّة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المبادرة وريادة األعمال‬


‫ُبن على االبتداع واالبتكار‪ ،‬ويتّصف تنفيذه‬
‫حر ي ّ‬ ‫تعرف ريادة األعمال على أ ّنها مشروع ّ‬ ‫ّ‬
‫عرف ريادة األعمال بأ ّنها عمل ّ‬
‫حر حقيقي يعتمد على فكرة ابداعيّة‬ ‫بالمخاطرة‪ ،‬كما يمكن أن ت ُ ّ‬
‫قابلة للتّنفيذ وتلقى قبوال فوريّا‪.‬‬

‫حر‪ ،‬مبدع‬ ‫شخص لذاته من خالل قيامه بإنشاء مشروع ّ‬ ‫كذلك تمثّل ريادة األعمال بناء ال ّ‬
‫وطموح مع تح ّمله لعنصر المخاطرة‪ ،‬ولمزيد التّوضيح وابراز أهميّة دور المبادرة في ريادة‬
‫شروط‬ ‫شروط األساسيّة للمبادرة في مرحلة أولى‪ ،‬والى ال ّ‬ ‫التعرض الى ال ّ‬
‫ّ‬ ‫األعمال‪ ،‬سيت ّم‬
‫المطلوبة في المبادر في مرحلة ثانية‪ ،‬ث ّم في مرحلة ثالثة وأخيرة الى اآلليّات القانونيّة لتحفيز‬
‫المبادرة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫أوال‪ :‬الشروط األساسية للمبادرة‬
‫يمكن أن تكون المبادرة أو الفكرة في شكل اقتراح بضائع أو خدمات وذلك وفق فرضيّتين‪:‬‬

‫‪ -‬الفرضية األولى‪ :‬انتاج مواد أو تقديم خدمات موجودة في األصل لكن قد يضيف‬
‫المبادر اليها مقدارا أعلى من الجودة أو يتم ّكن من تسويقها بطرق اشهار حديثة‬
‫ومبتكرة‪ ،‬مع نجاعة في التّخطيط واالستشراف‪ ،‬ويُعتبر هذا ال ّنوع من المبادرات األق ّل‬
‫مخاطرة‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضية الثانية‪ :‬ابتكار منتوجات أو خدمات جديدة وطرحها في األسواق‪ ،‬والتّعويل‬
‫أن هذا ال ّنوع من‬‫على االبتكار وضرورة التحلّي بدرجة عالية من المخاطرة حيث ّ‬
‫المبادرات تحكمه المخاطرة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشروط المطلوبة في المبادر (باعث المشروع(‬


‫االبداع والقدرة على االبتكار والتّجديد‪ ،‬إضافة الى التّفكير خارج األطر المعهودة‪ ،‬م ّما‬ ‫‪-‬‬
‫يسمح بالقدرة على خلق وتطوير منتوجات أو ابتكار خدمات ومواد جديدة‪.‬‬
‫التّفاني والقدرة على العمل واإلنتاج والتّخطيط‪ ،‬وهي شروط ضروريّة لتحويل األفكار‬ ‫‪-‬‬
‫الى واقع عملي والتميّز‪.‬‬
‫تهيئة األرضيّة المالئمة إلنجاح روح االبتكار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫البحث عن اآلليّات والدّعم لتنفيذ الفكرة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫صة في عالم االقتصاد ولضعف القدرة‬ ‫القدرة على التح ّمل ومواجهة العقبات خا ّ‬ ‫‪-‬‬
‫التنافسيّة للباعث المبتدأ‪.‬‬
‫الظروف والمتغيّرات التي لم يتم أخذها‬ ‫المرونة وضرورة التكيّف والتّأقلم مع جميع ّ‬ ‫‪-‬‬
‫سوق‬ ‫بعين االعتبار من طرف الباعث الجديد‪ ،‬ما يعني سرعة التّعامل مع حاجيّات ال ّ‬
‫وتقلّباته‪.‬‬
‫القيادة أي أن يأخذ المبادر على عاتقه مه ّمة التسيير والتّوجيه‪ ،‬وما يتطلّبه ذلك من‬ ‫‪-‬‬
‫صفات كااللتزام وتح ّمل المسؤوليّة والقدرة على التّأثير على المجموعة التي تحت‬
‫قيادته‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اآلليات القانونية لتحفيز المبادرة‬


‫شروط الواجب توفّرها في المبادرة وفي المبادر‪ ،‬وزيادة على توفير المناخ‬ ‫إضافة الى ال ّ‬
‫سياسي إلنجاح المبادرة‪ ،‬يُفترض أن يكون هناك مناخ تشريعي‬ ‫االقتصادي واالجتماعي وال ّ‬
‫مناسب لتحفيز المبادرات واألعمال الرياديّة‪ ،‬جماعيّة كانت أو فرديّة‪ ،‬حيث تلعب المبادرة‬
‫دورا مه ّما في دفع عجلة االقتصاد والتّنمية تباعا‪.‬‬

‫‪31‬‬

You might also like