الحرب و الدبلوماسية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 2

‫دخلت الحرب الروسية األوكرانية جولة جديدة من القتال‪ ،‬بعد الجولة األولى التى قامت فيها روسيا بهجوم

شامل فى ‪٢٤‬‬
‫فبراير ‪ ،٢٠٢٢‬اخترقت فيه الحدود األوكرانية من الشمال فى اتجاه »كييف« العاصمة‪ ،‬وفى اتجاه الشرق؛ حيث تم‬
‫االستيالء على كامل إقليم »الدونباس«‪ ،‬وفى الجنوب حيث استولت على إقليم »خيرسون« مهددة فى ذلك ميناء أوديسا‬
‫‪.‬الهام‪ ،‬وبالتالى عزل أوكرانيا كاملة عن البحر األسود‬

‫الجولة الثانية تداخلت مع الجولة األولى حينما نجحت الدفاعات األوكرانية فى منع روسيا من احتالل العاصمة؛ وكبدت‬
‫فى نفس الوقت القوات الروسية خسائر كبيرة منعتها من عزل أوكرانيا أو الوصول إلى مينائها الهام‪ .‬وهنا واعتبارا من‬
‫شهر سبتمبر ‪ ٢٠٢٢‬بدأت أوكرانيا فى شن هجوم مضاد نجح فى تحرير عدد من املدن وفى املقدمة منها مدينة‬
‫»خاركيف« فى شمال إقليم الدونباس‪ ،‬مع الضغط على مدن أخرى‪ ،‬حتى نجحت فى تحرير مدينة »خيرسون« الهامة‪،‬‬
‫وأصبحت القوات الروسية ماثلة فى إقليم الدونباس مع أطراف منطقة خيرسون‪ .‬ساد الهدوء طوال شهور الشتاء فى‬
‫انتظار »هجوم الربيع« سواء جاء من أوكرانيا أو روسيا؛ األولى حصلت على قدرات عسكرية كبيرة من الدول الغربية؛‬
‫والثانية ظهر أنها تتعلم من أخطاء الجولة األولى‪ ،‬وبدأت فى إجراءات للتعبئة العسكرية‪ .‬وبينما استمرت روسيا فى‬
‫توجيه الصواريخ الروسية على أهداف حيوية‪ ،‬وبعد تضحيات كبيرة‪ ،‬تمكنت من السيطرة على مدينة »بيخموت«؛ فإن‬
‫‪.‬أوكرانيا بدأت مع قرب الصيف بالقيام بالهجوم املنتظر‬

‫بدأ الهجوم األوكرانى مجموعة متوالية من الهجمات املوجعة فى الداخل الروسى‪ ،‬واحدة منها جرت على مبنى الكرملني‪،‬‬
‫وعلى حى يقيم فيه أسرات رجال املخابرات الروس‪ .‬وعلى الحدود الروسية األوكرانية ظهر متطوعون روس قرروا الحرب‬
‫إلى جانب أوكرانيا إما لرفض الحرب أو رفض بوتني‪ ،‬وظهر صيتهم عندما دخلت قوات عسكرية إلى مدينة »بيلغورود«‬
‫الروسية الواقعة على الحدود مع أوكرانيا‪ .‬وحتى وقت كتابة هذا املقال فى ‪ ٢١‬يونيو ‪ ٢٠٢٣‬فإن الهجمات األوكرانية‬
‫‪.‬املباشرة ركزت على جبهة الدونباس ولم تحقق نجاحا كبيرا‪ ،‬وفيما عدا تحرير عدد من القرى فإن نصرا كبيرا لم يتحقق‬

‫وعلى العكس فإن تقارير الحرب أشارت إلى أن القوات الروسية صمدت فى دفاعاتها من خالل االستخدام الكثيف‬
‫لأللغام‪ ،‬مع استخدام القوات الروسية الجوية املسيرة وغير املسيرة والصواريخ بغزارة شديدة على العاصمة كييف‪،‬‬
‫مضافا لها ضربات للبنية األساسية ممثلة فى سد »كاخوفكا« وخط أنابيب لألمونيا فى »خاركيف«‪ ،‬ثم بعد ذلك اتهام‬
‫أوكرانيا بالقيام بهذه الهجمات‪ .‬العكس يمكن أن يكون صحيحا أيضا‪ ،‬فجزء كبير من االحتياطيات االستراتيجية‬
‫‪.‬األوكرانية هى استمرار تعاطف العالم مع كييف‬
‫هذا النوع من التوازن الدقيق الذى يخسر فيها الطرفان شجع أطرافا دولية أصيبت جميعا بالضرر‪ -‬ليس نتيجة القتال‬
‫وإنما نتيجة تكلفته العالية من ناحية‪ ،‬واآلالم التى سببها لالقتصاد العاملى من ناحية أخرى‪ -‬على محاولة اختراق‬
‫املستحيل‪ .‬تصدرت إندونيسيا الدول اآلسيوية ملحاولة اإللحاح على وقف القتال مع بدء مفاوضات بني الطرفني الروسى‬
‫واألوكرانى‪ ،‬وهو ما وافقت عليه موسكو‪ ،‬أما كييف فرفضت العرض على أساس أنها ال يمكنها بدء املفاوضات بينما‬
‫األراضى األوكرانية محتلة‪ .‬املبادرة عانت كثيرا من سوء التوقيت حيث جاءت بينما الهجوم األوكرانى فى بداياته األولى؛‬
‫ولم يكن ممكنا القبول بالتفاوض دونما تحسني موقفها التفاوضى بتحرير املزيد من األراضى األوكرانية‪ .‬املبادرة‬
‫اإلفريقية لم تكن نهايتها أفضل حاال؛ وإن كانت قد حققت تقدما فى جانب تبادل األسرى وتحقيق تفاهمات إنسانية‬
‫‪.‬فيما يتعلق باملناطق الخطرة والتى تهدد البيئة‬

‫املبادرة التى ربما تكون أكثر معقولية هى تلك التى تبدأ من الدول العظمى املهمة تماما لطرفى النزاع؛ وهما الصني‬
‫والواليات املتحدة‪ .‬هذه املبادرة ليست جديدة فقد أعلنتها الصني فى العام املاضى‪ ،‬وتجاوبت معها أطراف من الدول‬
‫األوروبية والعالم الثالث‪ ،‬لكن التوتر الذى نشأ حول تايوان‪ ،‬جعل من موافقة واشنطن على املبادرة أمرا مستحيال‪ .‬لكن‬
‫يبدو أن الواليات املتحدة وجدت أن الهجوم األوكرانى املضاد سوف يكون ثمنه عاليا للغاية‪ ،‬كما أن نتائجه غير مؤكدة؛‬
‫ومن هنا فإن تخفيف التوتر مع الصني سوف يتيح فرصا جديدة للتعامل الدبلوماسى مع األزمة‪ ،‬خاصة أن الصني تبدو‬
‫وحدها قادرة على »إقناع« موسكو بأهمية وضع األزمة على طريق الحل‪ .‬زيارة »أنتونى بلينكن« وزير الخارجية‬
‫األمريكى لبكني فى األسبوع الثالث من يونيو ‪ ٢٠٢٣‬ربما تكون فاتحة لتخفيف التوتر وبدء مباحثات‪ ،‬لكنها لن تبدأ‬
‫‪.‬مفاوضات جادة نظرا ألن كال الجانبني سوف يعطى فرصة ملعرفة نتائج الجولة الثالثة من الحرب‬

You might also like