Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫محمال بإقرار مسبق واعتراف بشرعية‬

‫ّ‬ ‫هل نُواجه على مستوى العالم تغ ّول »الجيوش البديلة«؟‪ ..‬يأتى هذا السؤال‬
‫تحل مكان الجيوش النظامية للدول أو تدعمها‪ ،‬داخل أراضيها وخارجها ـ‬‫انتشار الجيوش البديلة ـ مرتزقة أو ميليشيات ُّ‬
‫وهى بالطبع كذلك‪ ،‬خاصة حني يتعلق األمر بحروب خارجية غير معترف بها من مجلس األمن‪ ،‬وليس لها سند قانونى‪،‬‬
‫ستَثْنى من ذلك‪ ،‬بالطبع‪ ،‬تحالف بعض الدول فى حروب تهدف إلى‬ ‫وفى الغالب ال تحظى بتأييد أو إجماع دولى‪ ،‬ويُ ْ‬
‫‪.‬تحقيق مصالح مشتركة للقوى املتحالفة‬

‫هذا اإلقرار على املستوى العاملى فرضتْه طبيعة الصراع‪ ،‬لذلك ال تتم اليوم مناقشة مسألة شرعية تلك املجموعات‬
‫املسلحة املدعومة من الدول من عدمها‪ ،‬وإنما تتركز املواقف على كيفية تجنبها‪ ،‬أو منافستها بمجموعات مماثلة‪ ،‬ما‬
‫يعنى أن هناك اتفاقا ـ غير علنى ـ على إبعاد تدريجى للجيوش النظامية‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بأعمالها العسكرية‬
‫‪.‬خارج أوطانها‪ ،‬مع أنها قد تنتقدها بني الحني واآلخر فى حال تناقض وتضارب املصالح بني الدول‬

‫بنا ًء عليه‪ ،‬يصبح من الضرورى االنتباه إلى ثالث قضايا مصيرية‪ ،‬حاملة ملخاطر قد تصعب مواجهتها‪ ،‬أو يتعذر‬
‫الوصول بها إلى حلول مرضية وجامعة‪ ،‬أ ّولها‪ :‬مصير الجيوش النظامية فى املستقبل القريب‪ ،‬وثانيها‪ :‬سيادة الدول‬
‫وهيبتها ووجودها )الجغرافى والتاريخى(‪ ،‬وثالثها‪ :‬شكل العالقات الدولية على خلفية توسيع دائرة العمل العسكرى على‬
‫‪.‬حساب القوة النّاعمة‬

‫تلك اإلشكاليَّات توضحها تجارب راهنة كشفت عن خيبة اختيارات الدول لجيوش بديلة على املستويني الخارجى‬
‫واملحلى‪ ،‬وقد كانت البداية مع الواليات املتحدة‪ ،‬بعد غزوها واحتاللها للعراق فى العام ‪ 2003‬م‪ ،‬حيث اعتمدت على‬
‫ميليشيات ومرتزقة من الخارج ومن بعض العراقيني بعد سقوط الدولة العراقية ّ‬
‫وحل جيشها‪ ،‬لتحارب بديال عن الجيش‬
‫‪.‬األمريكى املعتدى واملحتل‬

‫ويبدو أن اإلدارة األمريكية ـ عن طريق رؤية واستراتيجية البنتاجون فى املنطقة ـ واصلت فعلتها تلك بعد سنوات فى‬
‫سوريا‪ ،‬حني شكلت من قوى خارجية وأخرى محلية‪ ،‬جماعات مقاتلة ضد الدولة السورية‪ ،‬ناهيك عن دعمها وإشرافها‬
‫عن مقاتلى »الجيش السورى الحر«ـ التابع للمعارضةـ وكذلك فعلت إيران فى سوريا‪ ،‬ودول أخرى عربية شاركت فى‬
‫‪.‬الحرب وأوزارها هناك‬

‫وفى إطار الصراع األمريكى ـ الروسى على مناطق النفوذ فى العالم عسكريا‪ ،‬فقد اختارت موسكو‪ ،‬بعد متابعتها‬
‫للتجربة األمريكية‪ ،‬أن تنشئ وتدعم »مجموعة عسكرية خاصة« حملت اسم » فاجنر« بقيادة مؤسسها »يفجينى‬
‫‪.‬بريجوجني«‪ ،‬والتى هى اليوم حديث العالم كله‪ ،‬بعد محاولة تمردها الفاشل على الجيش النظامى الروسى‬

‫لقد انتشرت قوات »فاجنر« بشكل سريع‪ ،‬منفذة لألجندة الروسية فى مناطق حيوية فى العالم‪ ،‬خاصة فى بعض الدول‬
‫اإلفريقية‪ ،‬منها‪ :‬مالى وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق وبوركينا فاسو‪ ،‬وليبيا والسودان‪ ،‬وكما ظهرت حامية ألنظمة‬
‫تلك الدول‪ ،‬وهى اليوم شريك فعلى لألعمال العسكرية لجيوشها النظامية‪ ،‬بل إنها اليوم تقاتل إلى جانب الجيش‬
‫الروسى النظامى فى أوكرانيا‪ ،‬رغم الخالف القائم بينهما فى الوقت الراهن‪ ،‬مثلما قاتلت معه والتزال ـ لسنوات ـ فى‬
‫‪.‬سوريا‬

‫ال شك أن اإلسهام األمريكى والروسى فى إنشاء قوات عسكرية غير نظامية‪ ،‬يشكل اليوم مشكلة حقيقية لدول العالم‪،‬‬
‫خاصة الضعيفة منها‪ ،‬وخطورته األساسية تكمن فى إنهاء دور الجيوش النظامية فى تلك الدول‪ ،‬ومن ثم الوصول بها‬
‫‪.‬إلى النهايات الدموية‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن تلك القوات العسكرية تعتبر بديال منتظرا عن الجيوش النظامية‪ ،‬تعول عليها أمريكا وروسيا‬
‫لتحقيق مصالحهما‪ ،‬وتعمالن بقوة على توحشها وتغولها‪ ،‬مع الفرق الواضح بني الدولتني فى التعاطى مع هذا امللف‪،‬‬
‫فأمريكا تعتمد على عناصر غير أمريكيني‪ ،‬فى حني تفضل موسكو إلى اآلن عسكريني روس‪ ،‬كما هو األمر بالنسبة‬
‫‪.‬ملجموعة فاجنر‬
‫انطالقا من التجربتني األمريكية والروسية‪ ،‬يمكن القول إن العالم يتجه نحو مزيد من »العسكرة«‪ ،‬ويخرج رويدا من‬
‫املنظومة القانونية الدولية‪ ،‬ومن التقاليد العسكرية املتعارف عليها فى الحروب‪ ،‬متخليّا عن كل املواثيق والعهود‪ ،‬وهو بذلك‬
‫‪.‬يعمم التخلف من خالل إنهاء دور الجيوش النظامية فى الدول الضعيفة‪ ،‬أو تفكيكها‪ ،‬وتحويلها إلى ميليشيات‬

‫هذا النمط من التفكير‪ ،‬هو الذى تبنته قيادات عربية أخرى بأساليب مختلفة‪ ،‬منها على سبيل املثال‪ :‬الرئيس الراحل‬
‫»على عبداهلل صالح«‪ ،‬حني تحالف مع أعدائه »الحوثيني«‪ ،‬فساعدهم بذلك على إنهاء دور الجيش النظامى‪ ،‬بل إنهاء‬
‫شرع وصول جماعات عسكرية إلى السلطة من خارج منظومة الجيش‬ ‫دوره بقتله‪ ،‬وبعدها وصولهم إلى الحكم‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫النظامى‪ ،‬وكذلك فعل الرئيس السودانى السابق »عمر حسن البشير« عند د ْعمه لـ»قوات الدعم السريع«‪ ،‬التى تقاتل‬
‫‪.‬اليوم الجيش النظامى‪ ،‬وتكاد تنهى وجود الدولة السودانية‬

You might also like