Professional Documents
Culture Documents
الأشباه والنظائر للإمام تاج الدين السبكى الجزء الثانى
الأشباه والنظائر للإمام تاج الدين السبكى الجزء الثانى
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
بسم اهلل الرحمن الرحيم
أصول كالمية ينبني عليها فروع فقهية :
أصول ومسائل متنوعة :
أصل :
قال الشيخ أبو الحسن 1رضي اهلل عنه :السعادة
والشقاوة ال يتبدالن .ومعنى ذلك أن االعتبار في
األعمال بالخواتيم .2فال ينفع من مات على الكفر تقدم
قناطير من إيمان وال يضر من مات على إيمان قناطير
من كفران.
وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :يتبادالن ،وتحرير
المسألة في كتب الكالم وقد ذكرناها محررة في كتاب
منع الموانع.
وألفاظ الشافعي رضي اهلل عنه وفروعه تدل على القول
،بما قاله أبو الحسن.
_________
1علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن
عبد اهلل بن موسى بن بالل بن أبي بردة بن أبي موسى
الشيخ أبو الحسن األشعري البصري إمام المتكلمين
وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن دين اهلل عز وجل
والمصحح لعقائد المسلمين مولده سنة ستين ومائتين
وقبل سنة سبعين قال أبو بكر الصيرفي وهو في نظراء
الشيخ أبي الحسن كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى
أظهر اهلل األشعري فحجرهم في اقماع السمسم توفي في
سنة أربع وعشرين وثالثمائة وقيل سنة عشرين وقيل
سنة ثالثين.
-ابن قاضي شهبة ، 113 /1تاريخ بغداد /11
، 346تبيين كذب المفتري ص ، 128شذرات الذهب
، 303 /2النجوم الزاهرة .259 /3
2فاإليمان في الخاتمة يدل على أن صاحبه قدر له
السعادة أزال والكفر في الخاتمة يدل على ما سبق في علم
اهلل من شقاوته ويدل على هذا وصف اهلل تعالى من مات
على اإليمان بالسعادة ومن مات على الكفر بالشقاوة في
{ي ْو َم َيْأ ِت اَل تَ َكلَّ ُم َن ْف ٌس ِإاَّل بِِإ ْذنِ ِه فَ ِم ْنهُ ْم َش ِق ٌّيقوله تعالى َ :
الن ِار َلهُ ْم ِفيهَا َز ِف ٌير َو َش ِه ٌ
يق ين َشقُوا فَِفي َّ يد ،فَ َّ َِّ
َأما الذ َ َو َس ِع ٌ
ات واَأْلر ُ اَّل َ ،خ ِال ِدين ِفيها ما َدام ِ
ض ِإ َما َش َ
اء َّم َو ُ َ ْ َ الس ت َ َ َ َ
ين ُس ِع ُدوا فَِفي يد ،و َّ َِّ
َأما الذ َ َ ُ رِ ي
ُ ا م
َ
رُّب َك ِإ َّن رَّب َك فَعَّا ٌل ِ
ل َ َ
ض ِإاَّل َما اْلجَّن ِة َخ ِال ِدين ِفيها ما َدام ِ
اَأْلر ُ
ات َو ْ َّم َو ُ
َ الس ت َ َ َ َ َ
وذ}. اء َغ ْي َر م ْج ُذ ٍ ط ًاء َرُّب َك َع َ َش َ
َ
ويترتب على السعادة الخلود في الجنة ونوابعه وعلى
الشقاوة الخلود في النار ونوابعه فمقصود األشاعرة
السعادة والشقاوة من حيث ترتب آثارهما في اآلخرة.
صفحة 399 | 3 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
أما ألفاظه .فقد قال رضي اهلل عنه في خطبة الرسالة ،
وأستهديه بهداه الذي ال يضل من أنعم به عليه.
وأما فروعه فقد قال في الحج1...
أصل :
العلم " :االعتقاد الجازم المطابق لموجب" فما ال مطابقة
فيه -من االعتقادات الجازمة ليس بعلم ،فال علوم
ألرباب الضالالت وذوي الجهاالت .وهو بخالف الظن
؛ إذ ال تشترط المطابقة فيه .2فلو قال آلخر :أنت تعلم
أن هذا اإلنسان -الذي في يدي -حر حكم بعتقه .بخالف
ما لو قال :أنت تظن .نقله الرافعي عن الروياني عن
بعض األئمة.
ولو قيل [أطلقت] 3امرأتك ؟ فقال :اعلم أن األمر على
ما تقوله .ففي كونه إقرار بالطالق وجهان .حكاهما
الرافعي في فروع الطالق من حكاية الروياني عن جده
أصحهما :ليس بإقرار ،ألنه أمره أن يعلم ولم يحصل
هذا العلم .قلت :ويمكن تخريج هذا الفرع على أن األمر
ال يستلزم اإلرادة ،فإنه طلب منه أن يعلم هذا األمر ولم
يرده ؛ إذ لو أراده ألنشأ إيقاع الطالق.
ثم أقول :أمره أن يعلم ولم يحصل هذا العلم .فيه نظر ،
ألنه لما أمره أن األمر على ما يقول ،ومراده بما يقول
قوله :اآلن طلقت امرأتك ،ألن يقول " :فعل مضارع
وأيضا فال قول له إال ذلك ؛ وإ نما يكون
ً حقيقة في الحال"
األمر [على] 4ما قال اآلن إذا كانت اآلن طالقًا .فظاهر
العبارة أن هذا إقرار.
وقد يقال :ليس قوله إال االستفهام عن أنه هل طلق
امرأته ؟ فكأنه قال :اعلم أن األمر على االستفهام الذي
نقوله على أنه لو قال :له على ألف -فيما أعلم [أو
أشهد] 5لزمه األلف ،بخالف ما لو قال :فيما أحسب أو
أظن .ذكره أبو سعد الهروي وشريح الروياني في "أدب
القضاء" قال أبو سعد " :ال انفصال للعلم عن الظن عند
علماء األصول".
وذكر الرافعي المسألة الولى في آخر الباب األول من
اإلقرار.
_________
1بياض في آ و ب.
2سقط في ب.
3في حاشية "أ" أطلقتك.
4سقط في "ب".
5في ب وأشهد.
صفحة 399 | 4 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وأما الثانية :وهي فيما أظن أو أحسب ؛ فلم يذكرها غير
أنه ذكر قبل ذلك بنحو ورقة فيما لو قال :لي عليك ألف
،فقال :أظن أو أحسب أنه ليس بإقرار.
وسبقه إليه البغوي في التهذيب .وهي غير هذه المسألة ،
ألنها فيمن اقتصر على قوله في الجواب :أظن ،
ومسألتنا فيمن قال :علي فيما أظن ،فالمؤاخذة في
مسألة أبي سعد وشريح أقرب منها في مسألة البغوي
والرافعي.
أصل :
اختلف في االسم -هل هو المسمى ؟ اختالفًا حررناه في
كتاب "منع الموانع" وحرره الشيخ اإلمام رحمه اهلل في
تفسيره في آخر سورة الرحمن ،وال خالف أنه غير
التسمية وهنا فروع :منها.
قال صاحب التتمة :لو قال لها :اسمك طالق لم تطلق
إال أن يريد الذات .وأعلم أن الصحيح .الذي عليه
األشعري في األصول .أن االسم المسمى على تفصيل
في أسماء اهلل تعالى مذكور في موضوعه .وقضيته أن
يطلق هنا.
فإما أن يكون صاحب التتمه فرعه على أنه غيره ،وأما
ما قاله فلذلك.1
ومنها قال الرافعي -في فتاوى أبي الليث -2إن بعضهم
قال :لو قال :بسم اهلل ال أفعل كذا فهو يمين -ولو قال :
بصفة اهلل ،فال ،ألن األول من إيمان الناس".
قال الرافعي :ولك أن تقول :إذا قلنا :االسم هو
المسمى ؛ فالحلف باهلل تعالى ،وكذا إن جعل االسم
يمينا ،وقوله :
تسمية ،وإ ن أراد باالسم التسمية لم يكن ً
يمينا إال أن يريد الوصف.
بصفة اللهز يشبه أن يكون ً
قلت :وفيه نظر .فال قائل بأن االسم التسمية ،إنما
الخالف أنه هل هو المسمى ؟
وإ ذا كان هو المسسمى فال فرق بين أن تقول :باهلل أو
يمينا ،وإ لى ذلك [اإلشارة] 3بقوله :إذا
باسم اهلل .فليكن ً
قلنا :االسم هو المسمى "فالحلف باهلل" وتلك موافقة
لمنقول أبي الليث فكيف أخرجها مخرج االعتراض عليه
فالذي [يحمل] 4من كالمه
ـــــــــــــــــــــــــ
1بياض في أ "ب".
2نصر بن حاتم بن بكير الفقيه أبو الليث الشالوسي.
كتبا عنه في
قال الحاكم :أقام بنيسابور لسماع المبسوط ً
مجسد أبي العباس األصم سنة تسع وثالثين وثالثمائة ،
قال المطوعي :هو من أوائل أصحاب أبي العباس
وأفاضلهم .ابن قاضي شهبة .119 /1
3سقط في ب.
4سقط في ب.
صفحة 399 | 5 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
موافقة منقول أبي الليث إال أن يريد باالسم التسمية ،وقد
يقال :ال يصح هذا االستعمال ،فال نسمع إرادته إياه ،
يمينا إال أن يريد وصف
وقوله "بصفة اهلل" يشبه أن يكون ً
كالم ال يتبين لي معناه ،وال أدري ما وصفه غير صفته
؛ فلينظر ذلك.
أصل :
اختلف أئمتنا في الكالم فقال قدماؤهم " :حقيقة في
نصا ،
النفساني مجاز في اللساني" .وهو عن أبي الحسن ً
وقيل مشترك بينهما .وال قائل منا بأنه مجاز في النفساني
حقيقة في اللساني ؛ إنما ذلك من أقوال القدرية.
ون ِفي َْأنفُ ِس ِه ْم َل ْواَل {وَيقُولُ َ
ومن أدلة أئمتنا قوله تعالى َ :
ف ِفي وس ُ ُ ي
ُ ا ه
َ ر َّ َأس
َ َف { : تعالى وقوله 1 } ل
ُ وُق ن
َ ا م
َ
ِ
ب ه
ُ
يع ِّذبَنا اللَّ
َُ ُ
{َأنتُ ْم َشٌّر َم َك ًانا} وقول عمر َن ْف ِس ِه َولَ ْم ُي ْب ِد َها َلهُ ْم} .2قال ْ :
كالما" وقوله األخطل
يوم السقيفة "كنت زورت في نفسي ً
:إن الكالم لفي الفؤاد ...البيت ،وقوله :
يوما
قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة حتى ألمت بنا ً
ملمات
وهذا من مستنبطاتي وهو وبعض ما قبله ؛ فلم أجدني
سبقت إليه ،ومع هذا فالكالم في عرف الناس اللساني ،
وعليه يحمل يمين الحالف .نعم ينبني على الكالم
النفساني مسائل.
منها :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :فإذا كان يوم صيام
أحدكم فال يرفث وال يجهل ،فإن امرؤ شاتمه أو قاتله
فليقل :إني صائم" 3فهل يقوله بلسانه أو بقلبه ؟ فيه
وجهان.
قال الرافعي :نقاًل عن األئمة" .4يقوله بقلبه".
وقال الشيخ اإلمام " :تيويب الشافعي يدل على أنه يقوله
بلسانه".
وقال النووي في الذكار " :ولغات التنبيه أنه األظهر".
وقال في شرح المهذب" .إن جمع بينهما فحسن".
_________
1المجادلة "."8
2سورة يوسف "."77
3متفق عليه من رواية أبي هريرة أخرجه البخاري /4
188في الصوم باب فضل الصيام "" "1151 /164
."1151 /163
4انظر تصحيح التنبيه ص ، 47نهاية المحتاج /2
، 331شرح المهذب ، 356 /69تحفة المحتاج /1
.690
صفحة 399 | 6 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
قلت :وهذه العبارة توهم أن القائل بذلك يقتصر على
مطلوبا .وال أرى
ً اللساني وال يجعل قوله " :في النفس"
بذلك قائاًل .بل الخالف عندي [مردود] 1إلى أنه هل
يقتصر على النفسي فيكون أبعد عن الرياء والسمعة .أو
يضم إليه اللساني ؟
فمن قال :يقوله بلسانه ال يمكنه أن يقول :ال يقوله بقلبه
،بخالف من عكس وحكى الروياني في البحر وجهًا ثالثًا
:إن كان في صوم رمضان فبلسانه ،أو النقل فبقلبه ،
واستحسنه ،والمسألة محذوفة من الروضة.
ومنها :الغيبة :وهي ذكر الشخص بما يكرهه.
قال الغزالي :في اإلحياء ،وتبعه النووي في األذكار :
إنها تحصل بالقلب كما تحصل باللفظ".
تنبيه :
ليس مما نحن فيه اختالف أصحابنا في صحة النذر.
مجردا عن لفظ وما 2إذا نوى بقلبه التتابع في
ً بالنية
صوم منذور.
مسألة :
اتفق أئمتنا على أن المضطر إلى فعل ينسب إليه الفعل
الذي اضطر إليه .ثم اختلفوا في تعريفه.
فقال شيخنا أبو الحسن كرم اهلل وجهه " :المضطر الملجأ
إلى مقدوره لدفع ضرر متوقع بتقدير عدم المقدور الملجأ
إليه".
وقال القاضي أبو بكر : 3المضطر هو المحمول على ما
عليه فيه ضرر من مقدوراته لدفع ما هو أشر منه.
وزعمت المعتزلة أن المضطر ال ينسب إليه الفعل .وأنه
هو الذي يفعل فيه الغير فعاًل هو من قبيل مقدوراته .ثم
اختلفوا :
_________
1سقط في "ب".
2وفي "ب" ما.
3محمد أبو بكر بن الطيب بن محمد القاضي المعروف
بالباقالني الملقب بشيخ السنة ولسان األمة المتكلم على
مذهب أهل السنة وأهل الحديث وطريقة أبي الحسن
األشعري إمام وقته من أهل البصرة وسكن بغداد وإ ليه
رياسة المالكيين في وقته توفي في يوم السبت لسبع بقين
من ذي القعدة سنة ثالث وأربعمائة.
الديباج المذهب ، 228 /2وفيات األعيان ، 269 /4
تاريخ بغداد ، 379 /5العبر ، 76 /3شذرات الذهب
، 168 /3شجرة النور ، 97 /1ترتيب المدارك /4
.603 -585
صفحة 399 | 7 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
فقال أبو علي الجبائي : 1ال يشترط أن يكون المفعول
فيه غير قادر على مدافعة الفاعل .وقال ابنه أبو هاشم
" : 2بل يشترط ذلك".
إذا عرفت هذا فقد اتفقوا على أن الملجأ قادر على ما
ألجئ إليه ،وأنه لم يفعل غيره فيه فعاًل ،ال خالف بين
األشعرية والمعتزلة في ذلك .وإ ن اختلفت عباراتهم في
تعريفه بما هو مذكور في كتب المتكلمين.
فالملجأ دون المضطر المعتزلة ،ومثله عند األشاعرة ،
ودونهما المكره المذكور في كتب الفقهاء.
وعلى هذه األصول من عدم اختياره بالكلية وصار
كاآللة المحضة فال يتعلق به إثم ،وهو المضطر عند
المعتزلة كمن شد وثاقه وألقى على شخص فقتله بثقله ،
أو كان على دابة فمات وسقط على شيء فإنه اليضمن ،
وليس كالمكره ،وال كالمضطر.
ومن مسائل القاعدة :
المضطر ألكل الميتة يجب عليه أكلها على الصحيح ،
وفي وجه ال يجب ،وقد يوجه بأصول المعتزلة فيقال :
"ال فعل للمضطر وال اختيار حتى يتعلق به إيجاب
ويكتفي بضرورة الداعية عنده.
وقد أورد بعضهم على تعريف القاضي متناول الميتة
حالة المخمصة فإنه مضطر بنص الكتاب .وال ضرر
عليه في تناولها .وهو إيراد منقدح عندي ،وإ ن كان
بعض المعنيين بالقاضي .قال :
_________
1محمد بن عبد الوهاب بن سالم الجبائي أبو علي من
أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكالم في عصره وإ ليه
نسبة الطائفة الجبائية له مقاالت وآراء انفرد بها في
المذهب نسبته إلى حبى من قرى البصرة اشتهر في
البصرة ودفن بجبى سنة ثالث وثالثمائة.
له تفسير حافل مطول رد عليه األشعري.
وفيات األعيان ، 4180 /1البداية والنهاية /11
، 125مفتاح السعادة ، 35 /2األعالم للزركلي /6
.256
2عبد السالم بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي من أبناء
أبان مولى عثمان عالم بعلم الكالم من كبار المعتزلة له
آراء انفرد به وتبعته فرقة سميت بالهاشمية نسبة إلى
كنيته أبي هاشم وله مصنفات الشامل في الفقه وتذكرة
العالم والعدة في أصول الفقه ،وتوفي سنة إحدى
وعشرين وثالثمائة.
وفيات األعيان ، 292 /1البداية والنهاية ، 176 /11
تاريخ بغداد ، 55 /11األعالم .7 /4
صفحة 399 | 8 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
إن كان المضطر نفسه تائقة للميتة فما خال أكله عن
ضرر ،وإ ال فال أسلم تسميته بالمضطر .فهذا عندي
ضعيف ،فإنه مضطر بوضع اللسان ونص الكتاب
وشهادة الحس وإ ن لم يكن [تائقًا].1
وهذه القاعدة إذا ضم إلى فروعها فروع اإلكراه تكاثرت
جداز
ً
والقول الفصل :إن اإلكراه ال ينافي التكليف .ولذلك يأثم
المكره على القتل باإلجماع ،ويجب عليه القصاص على
األصح.
وأما المضطر ،فال ريب أنه عند المعتزلة غير مكلف
النتفاء الفعل منه ،وأما عندنا فإنه مكلف ،ثم ناحية
التكليف فيه وفي المكره قررناها في كتابنا "جمع
الجوامع" وفيما علقنا عليه من شرح إشكاالته المسمى
"منع الموانع" فال نعيده .غير أني صححت في "جمع
الجوامع" امتناع تكليف المكره كالملجأ والغافل والمختار
عندي اآلن .الجريان مع الجماعة األشعرية على أنه
يجوز تكليفه .وإ ن كان غير واقع .لقوله صلى اهلل عليه
وسلم " :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه".2
_________
1في ب سقط.
2قال السخاوي في المقاصد ص ، 228حديث " :رفع
عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقع بهذا
اللفظ في كتب كثيرين من الفقهاء واألصوليين حتى إنه
وقع كذلك في ثالثة أماكن من الشرح الكبيرن وقال غير
واحد من مخرجه وغيرهم :إنه لم يظفر به ،ولكن قد
قال محمد بن نصر المروزي في باب طالق المكره من
كتاب االختالف ،يروي عن النبي صلى اهلل عليه وسلم
أنه قال :رفع اهلل عن هذه األمة الخطأ والنسيان ،وما
إسنادا ورواه أبو نعيم في
ً أكرهوا ؛ غير أنه لم يسق له
تاريخ أصبهان :وابن عدي في الكامل من حديث ابن
مرفوعا بلفظ :
ً فرقد ،عن أبيه عن الحسن عن ابي بكرة
رفع اهلل عن هذه األمة ثالثًا :الخطأ والنسيان ،واألمر
يكرهون عليهن جعفر وأبوه ضعيفان ،لكن له شاهد جيد
أخرجه أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي المعروف
بأخي عاصم في فوائده ،عن الحسن بن أحمد أو الحسين
بن محمد على ما يحرر ،وكالهما ثقة عن محمد بن
المصفى ،حدثنا الوليد بن مسلم ،حدثنا األوزاعي عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس بلفظ :رفع اهلل
والباقي كلفظ الترجمة ورواه ابن ماجه وابن أبي عاصم
ومن طريقه الضياء في المختارة كالهما عن محمد بن
المصفى به لكن بلفظ :وضع بدل رفع ورجاله ثقات ،
ولذا صححه ابن حبان ورواه البيهقي وغيره إال أنه فيه
تسوية الوليد فقد رواه بثر بن بكر عن األوزاعي فأدخل
بين عطاء وابن عباس عبيد بن عمير أخرجه الطبراني
والدارقطني والحاكم في صحيحه من طريقه بلفظ :
تجاوز بدل وضع ،قال البيهقي :جوده بشر بن بكر ،
وقال الطبراني في األوسط :لم يروه عن األوزاعي
مجودا إال بشر تفرد به الربيع بن سليمان وله طرق
ً يعني
عن ابن عباس = ،
صفحة 399 | 9 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ومن قواعد الفقهاء ما قدمناه في القواعد العامة وأحلنا
فيه على هذا المكان "واإلكراه يسقط أثر التصرف" وهذا
موضع تحقيقه.
فأقول :من صدر على يديه شيء .وال أقول :فعل ،
ألن الفعل يستدعي فاعاًل وسنذكر ما ال نسميه فعاًل
بالجملة الكافية كحركة المرتعش.
إذا عرفت هذا فذلك الشيء إما أن يصدر باختيار منه
وإ رادة له فهو المختار ؛ سواء أكان حبه واختياره -
بصدوره عنه -ناشًئا من قبل نفسه وداعية قلبه .أو دعاء
إلى ذلك داع -من سائل أو غيره ،فرب من يفعل ما
حبا ألن
يكره حياء من السائلين وإ سعافًا للطالبين .أو ً
مختارا.
ً يقال فعل .وهذه أمور ال تخرجه عن كونه
وأما أن يصدر ال باختيار ؛ فإما أن يكون بكراهة حملته
على إصدار ذلك الفعل أو ال.
إن لم يكن فإما أن يكون له شعور بما صدر أو ال ،إن لم
يكن فهو الغافل من نائم.
_________
= بل للوليد فيه إسنان آخران رواه محمد بن المصفى
عنه عن مالك عن نافع عن ابن عمرو عن ابن لهيعة عن
موسى بن وردان عن عقبة بن عامر ،وقد قال ابن أبي
حاتم في العلل :سألت أبي عنها فقال :هذه أحاديث
منكرة كأنها موضوعة ،وقال في موضع آخر :لم
يسمعه األوزاعي من عطاء ؛ إنما سمعه من رجل لم
يسمعه ،أتوهم أنه عدب اهلل بن عامر األسلمي ،أو
إسماعيل بن مسلم ،وقال :وال يصح هذا الحديث وال
يثبت إسناده ،وقال عبد اهلل بن أحمد في العلل ،سألت
جدا وقال :ليس يروي هذا إال عن
أبي عنه فأنكره ً
الحسن عن النبي صلى اهلل عليه وسلم ،ونقل الخالل عن
أحمد قال :من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع ؛ فقد
خالف كتاب اهلل ،وسنة رسول اهلل ؛ فإن اهلل أوجب في
قتل النفس الخطأ الكفارة ،يعني من زعم ارتفاعها عن
العموم في خطاب الوضع والتكليف ،وقال محمد بن
نصر -عقب إيراده له كما تقدم :إال أنه ليس له إسناد
يحتج بمثله ،ورواه العقيلي في الضعفاء في حديث الوليد
عن مالك ،ورواه البيهقي ،وقال :قال الحاكم ،هو
صحيح غريب تفرد به الوليد عن مالك ،وقال البيهقي
من موضع آخر :إنه ليس بمحفوظ عن مالك ،ورواه
الخطيب في ترجمة سوادة بن إبراهيم من كتاب الرواة
عن مالك ،وقال بعد سياقه :من جهة سوادة عنه :
سوادة مجهول والخير منكر عن مالك .انتهى ،والحديث
يروي عن ثوبان وأبي الدرداء ،وأبي ذر ،ومجموع
هذه الطرق يظهر أن للحديث أصاًل ،ال سيما وأصل
الباب حديث أبي هريرة في الصحيح من طريق زاررة
بن أوفى عنه بلفظ :إن اهلل تجاوز ألمتي ما حدثت به
أنفسها ،وزاد في آخره ،وما استكرهوا عليه ويقال إنه
مدرجة فيه وقد صحح ابن حبان والحاكم وغيرها هذا
الخبر كما أشرت إليه ،وقال النووي في الروضة وفي
األربعين إنه حسن وبسط الكالم عليه في تخريج
األربعين وكذا تكلم عليه شيخنا في تخريج المختصر
وغيره.
صفحة 399 | 10 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ونحوه .وإ ن كان له شعور .ولكن ال ينسب إليه ذلك
الشيء فذلك كالمرتعش بتحريك يده .وال يقال :إنه
حركها .وإ ن كان بكراهة وحمل حامل له على أن يفعل ؛
مخلصا منه
ً فإن كان ال يجد مندوحة عن الفعل البتة وال
فهو الملجأ.
واحدا.
ً قسما
والفرق بينه وبين المرتعش عسير .فليجعال ً
ومن صوره من ألقى من شاهق فوقع على إنسان فقتله ؛
بدا من الوقوع وال اختيار له فيه ؛ وإ نما هو
فهو ال يجد ً
آلة محضة كالسكين ،فهذا ال يقول أحد :إنه مكلف وال
ينسب إليه فعل.
نعم تردد الذهن فيمن ألقى من شاهق وعلى األرض
طريحان ،ولم يدهشه اإللقاء ،وطرح بنفسه في حالة
اإللقاء من ناحية أحدهما إلى ناحية اآلخر ،فسقط عليه
فقتله ،هل يكون قائاًل بهذا العذر ،واألقرب أن هذا إن
تصور فهذا كالمكره على أحد شيئين ففعل أحدهما
وسنتكلم فيه.
وإ ن وجد مندوحة عن الفعل ،ولكن بالصبر على إيقاع
ما أكره به ؛ فالضابط في هذا أن ينظر إلى تلك المندوحة
،فإن كانت في نظر العقالء أشد مما أكره عليه فهذا
مكره.
وذلك كمن قال له قادر على ما يتوعد به :طلق زوجتك
وإ ال قتلتك.
ففي نظر العقالء تقديم طالق الزوجات على زهوق
أألرواح وإ ن لم يكن في نظر العقالء أشد ،كمن قيل له
واحدا ،ال
ً يوما
زيدا وإ ال منعتك الطعام والشراب ً
اقتل ً
تقتل بين ما يتحقق اإلكراه فيه وما ال يتحقق .وقد بان
بهذا أن الملجأ ال فعل له وال يقبل التكليف والمكره له
فعل واختيارية قدم بها على ما أكره عليه على ما توعد
به ؛ فهو كالمختار فال يمتنع في العقول تكليفه ؛ غير أن
ونظرا إلينا وشفقة علينا رفع هذه المشقة
ً الشارع رفقًا بنا
عنا ،وقال ما حاصله " :إن كل مندوحة تكون أشد من
المكره عليه ال أكلف الصبر عليه وارفع معها آثار ذلك
الفعل ،وأصيره كال فعل البتة" وإ لى هذا اإلشارة بقوله
صلى اهلل عليه وسلم " :وما استكرهوا عليه".
فإن قلت :إذا كان المكره والمختار سواء في االختيار
فما الفرق بينهما.
فإن قلت :قال القاضي في كتاب التقريب " :والفرق
بينهما أن المختار مطلق
صفحة 399 | 11 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
الدواعي واإلرادات ،والمكره مقصور الدواعي واإلرادة
على فعل ما أكره عليه .ال يختار غيره" ؛ فإن قيل :ولم
صارت هذه حاله ؟
قلنا :لما يخافه من عظيم الضرر ،فهذا يدفع [أعظم]1
الضررين بأدونهما ،ودواعيه مقصورة عليه ألجل ذلك.
انتهى وهو صحيح وال فرق إال هذا.
وكون الشارع لم يكلفه الشطط بالصبر على ما هدد به.
ثم قال له " :ولئن فعلت المكره عليه كان فعلك كال فعل ،
لمكان اإلكراه".
فللشارع في المكره لطفان خفيان -إسقاط حكم الفعل
الناشئ عنه ،وعدم التكليف بالصبر على ما توعد
المكره عليه -وهذه من خصائص هذه األمة المشرفة
بنبيها الكريم على اهلل .محمد المصطفى صلى اهلل عليه
وسلم بأبي وأمي إنه لرؤوف رحيم .ونبي كريم .ومن ثم
قال صلى اهلل عليه وسلم " :ورفع عن أمتي الخطأ".
ولو كانت حقيقة اإلكراه تنافي التكليف لما افترق الحال
فيه بني أمه وأمه .وهنا تنبيهات :
أحدها :هذا اإلكراه الذي أسقط الشارع حكمه ال بد من
بقاء حقيقته ليتحقق في نفسه ،وقد ينضم إليه ما ال يزيل
حقيقته ؛ فال اعتبار به ،أو ما يزيل الحقيقة فال يسقط
حكمه ،إذ ليس هناك إكراه.
وهذا كمن قيل له :طلق زوجتك ،فقال :طلقت
زوجاتي كلهن [فيقع] 2عليهن ،ألنه مختار ال مكره.
إكراها
ً وقد ينضم إليه ما يتردد الذهن في أنه مزيل لكونه
أو غير مزيل ،فيقع الخالف في أنه هل يسقط أثر
التصرف به أو ال يسقط ؟ وأمثلته فيالفئقه كثيرة ،ونحن
واحدا ،وهو المكره على أحد شيئين.
ً فرعا
نذكر هنا ً
كمن قيل له :طلق إحدى زوجتيك وإ ال قتلتك ،وحمل
على تعيين إحداهما ال على إبهام الطالق ،إما هذه أو
هذه .وإ ال قتلتك ،فقال :طلقت هذه ،فهل هذا اختيار ،
قادرا على العكس ،
ألن إيثاره لهذه على تلك .وقد كان ً
يدل على أنه مختار لفراقها ،وليس باختيار ؛ ألنه ال يجد
مندوحة عن واحدة منهما ،ولو عين األخرى لجاء فيها
هذا القول بعينه.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" ليقع.
صفحة 399 | 12 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
فيه وجهان :
أولهما :هو األصح عند الرافعي والنووي.
والثاني :هو األرجح في نظري ،وال فرق عندي بينه
محيصا عمن
ً وبين المكره على قتل معينة إال أن هذا يجد
طلقها برفيقتها ،وذاك ال يجد إال بنفسه ،وليس هذا
الفرق بطائل ؛ فإن القول في المختص بها مقول في
رفيقتها ،وكل قول انعكس بنفسه بطل من أصله.
وقول من ادعى أنه مختار .إن إقدامه على هذا دليل على
اختياره لفراقها دون تلك مختل.
ولكنا نقول في جوابه :لم قلتم :إن الداعي إلى تعيينها
هجما ،وهذا
ترجيح فراقها ،وقد يكون هجم على ذكرها ً
كثيرا لمن حمل على شيء من شيئين ،وقد أعوزه
يتفق ً
الفكر والذعر عن الميز بينهما .وإ ن سلمنا أن الداعي
إيثار فرؤاقها ،فالذي آثره إنما هو ذكرها على ذكر تلك
،ال حب فراقها على حب فراق تلك .وإ ن سلمنا أن
فراقها عنده بتقدير التعارض راجح على فراق تلك ؛
ترجيحا.
ً فهذا موضع نظر ال أتذمم فيه
التنبيه الثاني :
وقد عرفت أن شرط اإلكراه مرفوع الحكم أن يكون
المتوعد فيه .في نظر العقالء أشد من المكره عليه ،
والمعنى بنظر العقالء ما شهد له الشرع باالعتبار.
فعرف من هذا أن اإلكراه ال يرفع حكم القصاص ،وال
يرفع اإلثم عن المكره.
بيانه :أن نفسه ونفس من أكره على أن يقتله مستويان
في نظر الشارع ؛ فإيثاره نفسه ناشئ عن شهوات
األنفس وحظوظها ومحبتها للبقاء في هذه الدار أزيد من
بقاء غيرها ،وهذا القدر ليس من نظر العقالء ،أعني
عقالء الشرع الذين يتقيدون به فيما يأتون ويذرون.
وبهذا خرج كثير من المسائل التي سنذكرها فيما استثنى
من قول "اإلكراه يسقط أثر التصرف".
فإذا قيل لنا :يستثنى اإلكراه على القتل ؛ فإنه ال يسقط
إجماعا والقصاص على
ً أثر التصرف بدليل اإلثم
الصحيح.
صفحة 399 | 13 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
مختارا ،
ً مكرها بل
ً قلنا :ليس هو من حيث إيثار نفسه
ومن ثم أثم وأقتص منه ،وال هذا النظر الذي نظره وآل
به إلى تقديم نفسه على غير [لمشهود] 1له من الشعر
شرعا منحصرة في
ً باالعتبار ،فإن الكفاءة في القصاص
اإلسالم والحرية والبعضية ،واهلل أعلم.
التنبيه الثالث :
مرتبا على
شرط كون اإلكراه مرفوع الحكم أن يكون ً
فعل المكلف ،فإن الشارع جعل فعله حينئذ .كال فعل.
مترتبا على أمر حسي غير فعل المكلف
ً فإن كان الحكم
ولو كان ناشًئا عن فعله ،فال يرفع حكم اإلكراه .بل
اإلكراه حينئذ ألن موضع اإلكراه الفعل ولم يترتب عليه
شيء ،وموضع الحكم االنفعال .ولم يقع 2عليه اإلكراه.
وإ ن كان هو أثر الفعل فالشارع قد يرتب الحكم على
الفعل ،وقد يرتبه على االنفعال ،وهو في األول .من
خطاب التكليف الذي رفع شفقة علينا عند اإلكراه .وفي
الثاني من خطاب الوضع واألسباب والعالمات .فكيف
يرتفع ؟
وبهذا خرج اإلكراه على الرضاع وعلى الحديث .فإذا
أكره امرأة حتى أرضعت خمس رضعات حرم ذلك
اإلرضاع ،ألن الحرمة منوطة بوصول اللبن إلى
الجوف حتى لو حلبت قبل موتها وأسقى الصبي بعد
موتها ،حرم.
التنبيه الرابع :
شرط كون اإلكراه مرفوع الحكم أن يكون بغير حق ،
فهو موضع الرخصة والتخفيف من الشارع ،أما إذا كان
بحق .فقد كان من حق هذا المكره أن يفعل ،فإذا لم يفعل
آثما -على كونه أحوج
أكره ولم يسقط أثر فعله وكان ً
[على] 3أن يكره.
وهذا كالمرتد والحربي يكرهان على اإلسالم فإسالمهما
أحوجا إلى اإلكراه عليه ،ثم
ً صحيح وهما آثمان بكونما
اإلسالم إن وقع فيهما -عند اإلكراه باطاًل كما وقع
ظاهرا ،فهو يجب ما قبله .وإ ال فحكمهما في الظاهر
ً
حكم المسلمين ،وفي الباطن هما كافران لما أضمراه من
خبث الطوية.
ووقع النظر فيمن [لم يكن كفره] 4بفساد العقيدة باالمتناع
عن التلفظ [بكلمة الشهادة مع القدرة عليها إذا تصور مثل
هذا وأكره على التلفظ] 5بكلمة الحق فهل
_________
1في "ب" مشهود.
2في "ب" ليقع.
3في "ب" إلى.
4في "ب" فمن لم يكره كفره.
5سقط في أ والمثبت من ب.
صفحة 399 | 14 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ظاهرا ألن اللفظ وافق العقيدة ،
ً باطنا كما يصح
يصح ً
وال اعتبار بما توسط من اإلكراه أواًل .ألن اإلكراه أسقط
حكم هذا التلفظ .والتلفظ إما شرط في اإليمان أو شرط
منه فكأنه غير متلفظ.
واألقرب عندي هذا الثاني ،لكن يكاد يكون فرض مثل
هذا فرض بمستحيل.
والمسألة قريبة الشبه بما إذا أراد المكره على الطالق
إيقاع الطالق ،واألصح أنه يقع لحصول اللفظ واإلرادة.
ويقرب منها ما إذا قال :طلق زوجتي وإ ال قتلتك فطلق ،
فقد صحح الشيخان وقوع الطالق .قاال ألنه أبلغ في
األذن ،وفيه وجه أنه ال يقع ،ألن اإلكراه يسقط حكم
اللفظ.
وفي الوكيل بالطالق إذا أكره عليه احتماالن للروياني
أبي العباس ؛ غير أن االنصراف عن التلفظ بكلمتي
أقطعا.
الشهادة من غير عذر ينبغي أن يكون كفر ً
التنبيه الخامس :
كذا وقع في عبارة الفقهاء .واإلكراه بحق ولم يقولوا :
اإلكراه على حق .وبينهما فرق .فإن [كل] 1مكره بحق
مكرها بحق ،
ً مكره على حق وليس كل مكره على حق
أال ترى أن الذمي الذي أكره على اإلسالم أكره على حق
،ولكن ما أكره بحق ؛ إذ ليس من الحق إكراه مثل هذا ،
ولهذا كان الصحيح أنه ال يصح إسالمه ؛ فكأن
األصحاب عدلوا عن التعبير باإلكراه على حق إلى
اإلكراه بحق ألنه أعم.
فإن قلت :لو قال ولي الدم لمن عليه القصاص :طلق
امرأتك وإ ال اقتصصت منك ،لم يحصل اإلكراه ،على
ما جزم به الرافعي في كتاب الطالق ،وهذا إكاله بحق
إكراها بحق فألن
ً إكراها على حق ،وأما كونه
ً وليس
القصاص حق المكره.
وأما كونه ليس على حق فألن الطالق ليس حق المكره
حتى يحمل عليه.
فبان بهذا الفرع أن شرط اإلكراه أن ال يكون حالاًل ؛
وإ ال فال يحصل إكراه ،وخرج منه أنه ينبغي أن يقال :
اإلكراه على حق .وال يقال :اإلكراه بحق.
واقعا بحق
قلت :ليس اإلكراه -حيث المتوعد به حاللً .
،بل هو واقع بباطل .فإن مستحق القصاص ليس له أن
يكره به على الطالق ؛ إذ ليس الطالق من حقه ،فالجار
_________
1في "ب" فكل.
صفحة 399 | 15 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
والمجرور في قولنا :اإلكراه بحق ليس معناه أن يكون
المكره به حقًا ؛ بل أن يكون اإلكراه نفسه حقًا ،وال
يكون اإلكراه حقًا إال على حق كإكراه القاضي المفلس
على بيع ماله عند من يرى ذلك وهو الرافعي والنووي ،
أما الشيخ اإلمام فعنده أن القاضي يتولى البيع بنفسه ،
فليصور في غير ذلك .واعلم أن ما جزم به الرافعي من
أن اإلكراه بالقصاص ليس بإكراه فيه نظر .والذي ينبغي
إكراها.
ً أن يكون هنا
التنبيه السادس :
قد تقدم الكالم على المستنى من قولهم " ،اإلكراه يسقط
أثر التصرف" في أوائل الكتاب ،ومن هنا يتحقق
الجواب عن سبب ما استثنى.
أصل :
اتفق أئمتنا على امتناع مقدورين قادرين خالفين أو
مكتسبين -أما بين قادرين -خالق ومكتسب فال يمتنع.
ووافقهم أبو الحسن البصري من المعتزلة ، 1وأطبقت
المعتزلة سواء على جواز ذلك وعليه أكثر الحنفية ،
وهي من آثار مسألة خلق األفعال.
وقد تخرج عليه مسألة فقهية تعاكس فيه التخريج وهي
قطع األيدي باليد الواحدة ؛ فمن منع ذلك .وهم الحنفية-
قالوا :كل واحد من الفاعلين فاعل بمقدور نفسه فيختص
كل منهم بالقطع الذي مقدوره دون مقدور صاحبه ،فكان
قطعا
قطعا على سبيل االنفراد ؛ فلم يكن ً
قطع كل جزء ً
لليد بكمالها -فكيف تقطع يده [في] 2مقابلها.
فيقال للحنفية :هذا كالم من يمنع مقدورين "بين" قادرين
وأثرا عن [مأثورين] 3وأنتم ال تمنعونه ،فلم يكن الالئق
ً
بكم القول بذلك.
وإ ذا قيل لهم هذا .قالوا هم " :معاشر الشافعية أنتم
مقدورا بين
ً تمنعون
_________
1هو الحسين بن علي بن إبراهيم أبو عبد اهلل البصري
مقدما في الفقه والكالم ،ولد سنة
الحنفي المعتزلي كان ً
ثالث وتسعين ومائتين "هـ" وقيل سنة ثمان وثمانين
وصنف التصانيف الكثيرة منها المعرفة ،والرد على ابن
الراوندي وغير ذلك وتوفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من
ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة هـ.
-تاريخ بغداد ، 73 /8شذرات الذهب ، 68 /3
الفوائد البهية ص .31
2سقط في "ب".
3في "ب" مؤثرين.
صفحة 399 | 16 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
مكتسبين ؛ فلم قطعتم األيدي باليد الواحدة وأصولكم
تأباه".
والجواب عن هذا قد قررناه في شرح المختصر في
تضاعيف الكالم على مسألة التعليل بعلتين .والحنفية
يوافقون على [قتل] 1النفوس بالنفس الواحدة ويعتقدون
بين النفوس واأليدي فرقًا وليس األمر عندنا على ما
يزعمون.
فرع :قال :من حملت منكن هذه الخشبة فهي طالق -
وهي خفيفة تستقل كل واحدة بحملها ،فحملتها [منهن
واحدة -طلقت].2
مسألة :
المأثور عن شيخنا أبي الحسن [رحمه اهلل] 3أن العقل
العلم ،وعن القاضي أنه بعض العلوم الضرورية ،وقال
قوم :العلم الضروري.
وعن الشافعي رضي اهلل عنه أنه قال :هو آلة التمييز.
وقال إمام الحرمين في البرهان :ما جزم عليه أحد من
علمائنا غير الحارث المحاسبي .4فإنه قال :العقل
غريزة يتأتى بها درك العلوم وليست [منها] ، 5وقد
اختلف كالم اإلمام في تعريف الحارث المحاسبي هذا.
فإنه ارتضاه في البرهان .وفي الشامل حكاه .ثم قال :
إنه ال يرضاه ،وإ نه يتهم النقلة عنه فيه وأطال في رده
بما لسنا له اآلن.
والمختار عندنا في تعريف العقل ،أنه ملكة يتأتى بها
درك المعلومات.
ثم اختلف أئمتنا في محله :فالمعروف عن الشافعية أن
محله القلب .وهو الصحيح الذي دلت عليه صرائح
ون بِهَا}6 الكتاب والسنة ،قال تعالى { :لَهم ُقلُ ٌ ِ
وب َي ْعقلُ َ ُْ
ون بِهَا} وقال تعالى وقال تعالى { :فَتَ ُكون َلهم ُقلُ ٌ ِ
وب َي ْعقلُ َ َ ُْ
ون
وب اَل َي ْفقَهُ َ
ُ { :قلُ ٌ
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3في "ب" كرم اهلل وجهه.
4الحارث بن أسد أبو عبد اهلل المحاسبي أحد مشايخ
الصوفية وشيخ الجنيد إمام الطريقة ،ويقال إنما سمي
المحاسبي لكثرة محاسبته لنفسه ذكره أبو منصور التيمي
وقال هو إمام المسلمين في الفقه والتصوف والحديث
والكالم وكتبه في هذه العلوم أصول من ينصف فيها
توفي ببغداد سنة ثالث وأربعين ومائتين.
ابن قاضي شهبة ، 59 /1تهذيب التهذيب ، 134 /2
مرآة الجنان ، 142 /2شذرات الذهب ، 103 /2
النجوم الزاهرة ، 316 /2تاريخ بغداد .211 /8
5سقط في "ب".
6الحج .46
صفحة 399 | 17 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ِ ِ ِ ِ
ب}.2 بِهَا}ِ{ 1إ َّن في َذل َك لَذ ْك َرى ل َم ْن َك َ
ان لَهُ َقْل ٌ
وقال صلى اهلل عليه وسلم " :أال وإ ن في الجسد مضغة"3
،الحديث.
وذكر إمام الحرمين ،في النهاية في باب أسنان إبل
الخطأ أنه لم يتعين للشافعي .رضي اهلل عنه محله.
وذهب قوم إلى أن محله الدماغ "وهو المعروف عن أبي
حنيفة رضي اهلل عنه".
وقيل " :لكل حاسة منه نصيب" قال األستاذ أبو إسحاق :
هو أحد قولي أبي الحسن األشعري رضي اهلل عنه .قلت
:وفي كالم اإلمام في باب أسنان إبل الخطأ ،ما يقطع
بأن العقل ليس محل اليدين .إذا عرفت هذا.4...
مسألة :
قال أئمتنا من طوائف أهل السنة .إن الحل والحرمة
والطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية ليست من
صفات األعيان.
فإذا قلنا :هذا حالل أو حرام ،طاهر أو نجس ؛ فليس
راجعا إلى نفس الذات وال إلى صفة نفسية قائمة بها
ً ذلك
،بل هو من صفات التعليق ،وصفة التعليق ال تعود إلى
وصف في الذات.
فليس معنى قولنا :الخمر حرام ذاتها وال تجرع الشارب
إياها ؛ وإ نما التحريم راجع إلى قول الشارع في النهي
قاعدا
زيدا ً
عن شربها ،وذاتها لم تتغير ،وهذا كمن علم ً
بين يديه ؛ فإن علمه .وإ ن تعلق بزيد ،لم يغير من
صفات زيد شيًئا ،وال أحدث لزيد صفة ذاتز وذهب من
ينتمي إلى أبي حنيفة رضي اهلل عنه -من علماء الكالم-
إلى أن األحكام الشرعية صفات للمحل ،ورأوا أن
التحريم والوجوب راجعان إلى ذات الفعل المحرم
والواجب .والمسألة مقررة في أصول الديانات وينبني
عليها فروع.
_________
1األعراف .179
2ق "."37
3متفق عليه من رواية النعمان بن بشير البخاري /1
126في اإليمان /باب فضل من استبرأ لدينه " "52وفي
"2051" 290 /4ومسلم 1219 /3في المساقاة باب
أخذ الحالل وترك الشبهات "."1599 /107
4بياض في األصل.
صفحة 399 | 18 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ت َعلَ ْي ُك ُم اْل َم ْيتَة} 1و
{ح ِّر َم ْ
منها :أن قوله تعالى ُ :
ُأمهَاتُ ُكم} 2ونحوه .هل هو مجمل. ت َعلَ ْي ُك ْم َّ
{ح ِّر َم ْ
ُ
فمن قال [ :بإضافة الحل والحرمة إلى األعيان نفي
اإلجمال ويلزمه الوقوع فيه] .3ألن الذات إذا كانت
محرمة فينبغي أن يصادف التحريف ما القاها من
األفعال ،حتى يحرم النظر إلى األم ،وغير ذلك مما لم
يقل به أحد.
ومن لم يقل بذلك أثبت اإلجمال غير أنه يدعي في اللفظ
عاما يقضي بأن المراد العفل المقصود من
عرفصا ً
الذات ال نفسها.
فانظر كيف تأدى مذهبنا -الذي مقتضاه في اآلية
اإلجمال -إلى عدم اإلجمال بما طرأ من العرف العام ؟
وكيف تأدى مذهبهم الذي مقتضاه عدم اإلجمال -إلى
اإلجمال بما أدى إليه القول بعدم اإلجمال من أمور فجمع
على أنها غير مقصودة .فصار المراد عندنا تحريم أكل
الميتة .وترحيم نكاح األمهات ،وهو معقول من العرف
وسياق الكالم يدرأ عنه اإلجمال.
وإ ذا كان المحرم أكل الميتة فقط فيجوز التزود من الميتة
لمن لم يرج الوصول إلى الحالل من المضطرين ،وكذا
لمن رجاه على األصح إذ المتزود غير آكل.
ومنها :أن المعقود عليه في النكاح عندنا منفعة البضع.
وال نقول :أنها في حكم األجزاء.
وقال أبو حنيفة :بل هو عين المرأة بوصف الحل ،وهو
وجه ضعيف عندنا ،ومعناه أنها منافع جعلت في حكم
األجزاء ،وحرف المسألة أن منافع البضع عندهم أجزاء
حسا ،
حكما كما هي منافع ً
حكما ،وعندنا بل منافع ً
ً
والمسألة مقررة في الخالفيات ،ومن ثم نقول :يقبل
النكاح الفسخ بالعيوب كما يقبله عقد اإلجارة.
ونقول :وطء المشتري الجارية المشتراه مثل استخدامها
ال يمنع الرد بالعيب.
ونقول :الخلوة ال تقرر المهر ،ألن المعقود عليه
المنفعة ولم يتسوفها ،ومجرد الخلوة ال يقتضيها والحر
ال يدخل تحت اليد.
وهم لما قالوا :المعقود عليه عينها .جعلوا تسليمها
نفسها مع التمكن بالخلوة -
_________
1المائدة .30
2النساء .23
3سقط في ب.
صفحة 399 | 19 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
كافيا .واألصل في المسائل كلها :أن قولنا " :هذه
ً
المسألة حالل" ليس معناه كون الحل صفة عين عندنا ،
معقودا عليها ؛ بل إن االنتفاع بها
ً حتى تكون عينها
حالل.
وعندهم بل معناه أن العين حالل بناء على أن الحل من
صفات األعيان.
مسألة :
الحسن والقبح بمعنى ترتب المدح أو الذم عاجاًل ،
والثواب أو العقاب آجاًل -شرعي وال عقلي ،خالفًا
للمعتزلة ومن وافقهم من فقهاء الفرق.
وفيه مسائل :منها :
النجش حرام على الناجش وإ ن لم يعرف بالخبر الوارد
فيه.
قال بعض أصحابنا :ألن تحريم الخداع يعرف بالعقل ،
واعترضه الرافعي بأن ذلك ليس معتقدنا ،وأجبنا عنه
في شرح المختصر بأنه لم يقل " :إن العقل حرم" حتى
يقال له :ليس ذلك معتقدنا ؛ بل إنه أدرك التحريم
وعرفه ،والعقل إدراك ال محالة واعلم أن ما عزاه
الرافعي إلى المختصر من أن الشافعي رضي اهلل عنه
أطلق القول فيه بتعصية الناجش ،وشرط في البيع على
البيع للتأثيم العلم بالنهي -لعله تبع فيها اإلمام فإنه عزال
إلى الشافعي ذلك لكنه لم ينص على ذكر المختصر ،
والذي في المختصر واألم اشتراط العلم بالنهي في
الموضعين.
ومنها :من لم تبلغه الدعوة مضمون بالدية والكفارة وال
يجب القصاص على قاتله على الصحيح ؛ إذ ليس هو
مسلما.
ً
ومنها :إسالم الصبي الصحيح عندنا أنه ال يصح ،ألن
صحته فرع تقدم اإللزام به ،وال إلزام مع الصبي
شرعا.
ً
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل" يصح بناء على أن العقل
يوجب على الصبي والبالغ العاقلين".
ومنها :ال ينعقد نذر صوم يوم العيد وأيام التشريق وال
يصح صومه للنهي عنه.
وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه " :يصح" ألن مطلق
حسنا ،فيستحيل أن ينهي عنه
الصوم عبادة ،فيكون ً
لعينه ،فيجب صرف النهي إلى أمر وراءه كترك إجابة
الداعي مثاًل .قال :وال يلزم على هذا الصوم في
الحيض والنفاس ،فإن ذلك من باب النفي ال من باب
النهي ،ومعنى النفي إخبار الشرع بانعدام هذه العبادة
شرعا زمان الحيض ،لقيام المنافي وهو حدث الحيض
ً
والنفاس.
صفحة 399 | 20 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وأطال الحنفية في هذا ،وال يصح لهم فرق ،وما بالهم
مانعا
مانعا ،وال يعقلون كون العيد ً
يعقلون كون الحيض ً
وال احتجاج على الشرع فله أن يجعلهما مانعين.
ومنها :شهادة بعض أهل الذمة على بعض ال تقبل ،
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل :تقبل ،ألن المانع من القبول
تهمة الكذب ،وقبح الكذب ،ثابت عقاًل فكل متمسك بدين
يجتنبه.
أصل :
ذهب اإلمام فخر الدين إلى أن الحياة "قوة النفس والحركة
واعتدال المزاج" وهذا رأي لبعض الفالسفة .والذي عليه
أئمتنا .أنها معنى زائد على ذلك به ،يستعد العضو
لقبول الحس والحركة ؛ فهي عرض على كل قول -ومن
ثم لو قال لها "حياتك طالق" ال تطلق وهو الصحيح.
أصل :
الصحيح احتياج الممكن -في حالة بقائه -إلى المؤثر.
مسألة :
اختالف الصفة هو كاختالف العين ؟ فيه نظر واحتمال
يتخرج عليه أنه هل يكفر منكرو صفات الباري سبحانه
وتعالى ؟
وقد أخذ ابن الرفعة الخالف في التكفير من اختالف قول
الشافعي رضي اهلل عنه في من نكح امرأة على أنها
مسلمة فلم تكن ؛ فإن القول بالصحة -وهو الصحيح
الجديد -مأخذه أن المعقود عليه معنى ال يتبدل بالخلف
كاختالف العين ولو اختلفت العين كما لو قالت :
زوجني من زيد ،فزوجها من عمرو ،لم يصح.
ووافقه الشيخ اإلمام على هذا التخريج إال أنه استشكله -
فإن األصح فيما إذا قال :بعتك هذا الفرس وكان بغاًل ،
عدم الصحة.
ِ َِّ
ين اَل ُيْؤ ِمُن َ
ون ولقائل أن يقول في قوله تعالى { :قَاتلُوا الذ َ
َّ ِ َّ ِ
بِالله َواَل بِاْلَي ْوِم اَآْلخ ِر َواَل ُي َح ِّر ُم َ
ون َما َح َّر َم اللهُ
َو َر ُسولُهُ} 1اآلية دالة على أن الجهل بالصفة جهل
بالموصوف ؛ وإ ال فهم يؤمنون باليوم اآلخر وإ ن كذبوا
الرسل ،وفي القرآن آيات صريحة
_________
1التوبة .29
صفحة 399 | 21 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
في أن أهل الكتاب يكذبون باليوم اآلخر مع أنهم يقولون
:إنهم يؤمنون به.
أصل :
اختلف أئمتنا في أن األفعال المحكمة هل تدل على كون
عالما بها ؟
فاعلها ً
كذا عبارتهم فاعلها ،ولو قالوا :من صدرت على يديه
خيرا ؛ فإن تسميته فاعلها -مع اختالفهم في أنه هل
كان ً
فعلها -مما ال ينبغي.
إذا عرفت هذا فقد آل بهم خالفهم إلى اختالفهم في أن
النائم هل يفعل ؟
قال إمام الحرمين في الشامل :إن من سلك مسلك األدلة
-وزعم أن اإلتقان يدل على علم المتقن .منع صدور
أفعال محكمة من النائم .إلى أن قال :ومن أبطل طريق
االستدالل وأسند العلم إلى الضرورة لم يمتنع عنده
صدور أفعال محكمة من النائم.
ثم قال :وهذا في األفعال الكثيرة المتقنة ؛ فأما القليل من
األفعال فلم يمنع أحد من أصحابنا أن يتصور من النائم
ذكره بعد ما نقل أن المعتزلة أجمعوا على النائم يفعل
القليل وأن القول فيمن استمرت به الغفلة كالقول في
المغمور في النوم.
ثم قال :وذهب القاضي -في جميع المحققين -إلى أنا
نجوز وقوع القليل ،وال نقطع بأن الصادر من النائم
مقدور له ،بل يجوز أن تكون حركاته ضرورية وأن
تكون اختيارية ،وأطال اإلمام في هذا -وعليه مسائل
منها :
لو دبت صغيرة فارتضعت من كبيرة نائمة أخيل انفساح
النكاح على الصغيرة خالفًا للداركي.
أصل :
نبحث فيه عن معنى السبب والعلة.
قد كثر تداول هاتين اللفظتين على لسان حملة الشريعة.
من المتكلمين واألصوليين والفقهاء واللغويين والنحاة ،
وربما وقع في بعض األذهان أن السبب هو العلة ،وليس
كذلك ؛ بل الفرق بينهما كامن عند أهل اللسان وأهل
الشرع ،أما أهل اللسان ،فقال اللغويون :السبب كل
سببا.
شيء يتوصل به إلى غيره ،ومن ثم سموا الحبل ً
وذكروا أن العلة المرض وحدث يشغل صاحبه عن
وجهه .واعتل عليه بعلة [إذا] 1إعاقته عن أمر ،
وكلمات يدور معناها على أمر يكون عنه أمر آخر.
_________
1في "ب" أن.
صفحة 399 | 22 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وال حرج عليك إذا قلت :أمر يؤثر في أمر آخر ألنك
هنا متكلم على المعنى اللغوي ،وألنا ال نعنى بالتأثير
االختراع بل ما عنه عادة األثر بال تخلف.
وذكر النحاة ما يؤخذ منه أنهم يفرقون بينهما حيث ذكروا
أن الالم للتعليل ،ولم يقولوا للسببية ،وقال أكثرهم :
الباء للسببية ولم يقولوا للتعليل [ ،وهذا تصريح بأنهما
غيران].1
وقال ابن مالك :الباء للسببية والتعليل ،ومثل للسببية
َأخر pج بِ ِه ِمن الثَّمر ِ
ات ِر ْزقًا لَ ُك ْم}2 َ ََ بقوله تعالى { :فَ ْ َ َ
ٍ ِ َِّ
ادوا َح َّر ْمَنا}.3 وللعلة بقوله تعالى { :فَبِظُْلم م َن الذ َ
ين َه ُ
أيضا االستعانة ،ومعنى االستعانة غير معنى وذكروا ً
السب والعلة.
فإن قلت :اكتشف لي الغطاء عن ذلك ،لينفع في فهم ما
أنت بصدده.
قلت :الباء الداخلة على االسم ،الذي لوجوده أثر في
وجود متعلقها -ثالثة أقسام .باء االستعانة ،وباء
السبب .وباء العلة.
مجازا
وذلك ألنها إن صح نسبة العامل إلى مصحوبها ً
أيضا
فهي باء االستعانة ،نحو كتبت بالقلم ،وتعرف ً
بأنها الداخلة على أسماء اآلالت.
وإ ال فإن كان المعلق إنما وجد ألجل وجود مجرورها
فهي باء العلة نحو "فبظلم" أال ترى أن وجود التحريم
غالبا.
ليس إال لوجود الظلم وتعرف بأنها الصالحة ً
لحلول الالم محلها.
غالبا ليخرج نحو غضبت له ،وغضب له .وإ ال وذكر ً
َأخ َر َج بِ ِه ِم َن
يكن المتعلق كذلك فهي باء السببية نحو {فَ ْ
ات ِر ْزقًا َل ُك ْم} أال ترى أن إخراج الثمرات مسبب الثَّمر ِ
ََ
عن وجود الماء ولم يكن ألجل الماء بل ألجل مصلحة
العباد.
وبهذا التقسيم علمت أن باء االستعانة ال تصح في األفعال
المنسوبة إلى اهلل تعالى ؛ فهذا منتهى قول الناقلين عن
العرب.
_________
1وفي "ب" قال ابن مالك :الباء للسببية والتعليل وهذا
تصريح بأنهما غيران.
2إبراهيم "."32
3النساء "."60
صفحة 399 | 23 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وأما أهل الشرع فالسبب والعلة يشتركان عندهم في
ترتيب السبب والمعلول عليهما ،ويفترقان من وجهين.
أحدهما :
أن السبب ما يصلح الشيء عنده .ال به والعلة ما يحصل
به.
وأنشد ابن السمعاني في كتاب القواطع على ذلك قول
الشاعر: 1
ألم تر أن الشيء للشيء علة يكون به كالنار تقدح بالزند
ولكنه اختار في تعريف السبب أنه ما يوصل إلى المسبب
مع جواز المفارقة بينهما.
قال :وقيل إنه مقدمة يعقبها مقصود ال يوجد إال بتقدمها
وال أثر لها فيه وال في تحصيله [ ،قال] : 1وهذا كالحبل
سبب إلى [الوصول] 2إلى الماء ثم الوصول بقوة النازح
ال بالحبل ،وكذلك الطريق سبب إلى الوصول إلى
المكان المقصود ثم الوصول بقوة الماشي ال بالطريق.
وحل القيد سبب لفرار المقيد ،والفرار بقوته ال بالحبل.
قال :ويمكن االستدالل على ذلك بقوله تعالى َ { :ك َذِل َك
ِ ِ ِ َّ َّ
ون} 3فجعل ُي ْحيِي اللهُ اْل َم ْوتَى َو ُي ِري ُك ْم َآ َياته لَ َعل ُك ْم تَ ْعقلُ َ
ضرب القتيل بلحم بعض البقرة سبب الحياة ؛ فال أثر
لذلك في الحياة ،وكذلك ضرب موسى البحر بالعصا.
فدل هذا على أن السبب هو الموصل مع جواز المفارقة.
وأطال ابن السمعاني في تعريف السبب والعلة والشرط
بابا مستقاًل .
وعقد لذلك ً
والثاني ،بأن المعلول يتأثر عن علته بال واسطة بينهما
والشرط يتوقف الحكم على وجوده ،والسبب إنما يفضي
إلى الحكم بواسطة أو وسائط.
ولذلك يتراخى الحكم عنها حتى تؤخذ الشرائط وتنتفي
الموانع.
وأما العلة فال يتراخى الحكم عنها .إذا ال شرط لها ،بل
متى وجدت أوجبت معلولها باالتفاق حكى االتفاق أمام
الحرمين واآلمدي 4وغيرهما ،ووجهوه بدالئل كثيرة.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" للوصول.
3البقرة .73
4علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي سيف
الدين اآلمدي شيخ المتكلمين في زمانه ومصنف األحكام
ولد بآمد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ،ويحكى عن
ابن عبد السالم أنه قال :ما تعلمنا قواعد البحث إال منه ،
وقال أبو المظفر بن الجوزي لم يكن في زمانه من
يجاريه في األصلين وعلم الكالم توفي رحمه اهلل في
صفر سنة إحدى وثالثين وستمائة.
قبان قاضي شهبة ، 79 /2وفيات األعيان ، 445 /2
شذرات الذهب .144 /5
صفحة 399 | 24 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
فإن قلت :هذا إنما هو في العلة العقلية.
أبدا ال يفترقان إال في أن
قلت :الشرعية تحاكي العقلية ً
تلك موجبة بنفسها ،وهذه ليست موجبة -فإن قلت :فما
معنى قولكم العلة الموجبة إذا كان اإليجاب للعلل على
أصولكم.
قلت :قال إمام الحرمين في الشامل ما نصه :ليس
المراد بقولنا العلة توجب المعلول ،أنها تثبته كما
تقتضي القدرة حدوث المقدور ؛ ولكنا أردنا باإليجاب
تالزم العلة والمعلول ،واستحالة ثبوت أحدهما دون
الثاني .انتهى.
وهذا في الحقيقة هو الفرق األول الذي أشرنا إليه بين
العلة والسبب ؛ فإن المسبب ال يلزم السبب لجواز تخلفه
لمانع أو فقد شرط ،والعلة سالمة من ذلك ،فالمالزمة
أبدا.
فيها موجودة ً
وأما الفرق الثاني :
فقد ذكره اإلمام في الشامل أيضصا قبل ذلك ،وحكى
عن المعتزلة أنهم قالوا [جميعهم]" 1يجوز وجود السبب
وانتفاء المسبب إذا تحقق مانع من وجود السبب".
وأنهم قالوا :الحكم تحب مقارنته للعلة ،وال يجب
مقارنة السبب للمسبب ؛ بل يجب استنجازه عنه .انتهى.
وهو المعنى بقولنا " :إن السبب ال يفضي إلى الحكم إال
بواسطة"
إذا عرفت هذا فقول النافذ طالقه " :أنت طالق" ؛ فإنه
يستعقب ووقع الطالق من غير توقف على شرط .وقوله
" :إن دخلت الدار فأنت طالق" سبب ؛ فإنه ال يفضي إلى
الحكم إال بواسطة دخول الدار.
مفقودا ،وال كذلك
ً منصوبا ،والمسبب
ً وترى السبب
العلة.
_________
1في "ب" بأجمعهم.
صفحة 399 | 25 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وأعلم أن األصوليين لم يعتنوا بتحقيق الفرق بين العلة
والسبب ،وربما وقع في كالمهم أنهما سواء ،ألن
مقصدهم الوصف الذي ترتب بعده الحكم وله مدخل فيه
إنكارا منهم للفرق ،بل لما لم يحتاجوا إليه
،وليس ذلك ً
لم يذكروه ،وهو واقع ال محالة.
واستعمله الغزالي رحمه اهلل في الفقيات على نحو ما
أيدناها ،فقال في الجراح.
الفعل الذي له مدخل في الزهوق إن لم يؤثر في الزهوق
وال فيما يؤثر فيه فهو الشرط وإ ن أثر فيه وحصله فهو
العلة كالقد والجزء وإ ن لم يؤثر في الزهوق ولكن أثر في
حصوله فهو السبب كاإلكراه ،وال يتعلق القصاص
بالشرط ،ويتعلق بالعلة وكذا بالسبب على تفصيل فيه.
واعترضه الرافعي بأنه لم يف بهذا االصطالح في
سببا في الغصب
الشرط والسبب لكونه سمى الحفر ً
طا في الجراح.
وشر ً
طا في
وأجاب عنه ابن الرفعة بأنه إنما جعل الحفر شر ً
وسببا في الغصب ؛ ألن الضمان ترتب على
الجراح ً
الحفر إذا انعدمت التردية ،وفي الجراح ال يجب
القصاص به إذا انعدمت ،ويؤيده أنه في باب الديات
سببا لتعلق الدية به .وهو جواب صحيح ،
جعل الحفر ً
حاصله أن الحفر صالح للسببية وللشرطية ،فإذا ترتب
طا ،والقصاص ال
سببا وإ ال كان شر ً
عليه المسبب كان ً
طا ،والضمان
سببا بل شر ً
يترتب فال يكون بالنسبة إليهً .
سببا وهذا حسن ،وعند هذا
ترتب فيكون بالنسبة إليه ً
نقول :أعلم أن الوسائط بين األسباب واألحكام تنقسم
إلى مستقلة وغير مستقلة.
فالمستقلة بضاف الحكم إليها وال يتخلف عنها وهي
العلل.
وغير المستقلة :منها ما له مدخل في التأثير ومناسبة إن
كان في قياس المناسبات وهو السبب ،ومنها ما ال مدخل
له ،ولكن إذا انعدم ينعدم الحكم وهو الشرط بهذا يتبين
لك ترقي رتبة العلة عن رتبة السبب ،ومن ثم يقولون :
إن المباشرة تقدم على السبب ،ووجهه أن المباشرة علة
،والعلة أقوى من السبب ،ومن ثم لو فتح زقًا بمحضر
من مالكه فخرج ما فيه والمالك يمكنه التدارك فلم يفعل
فوجهان.
أحدهما :يضمن كما لو رآه يقتل عبده أو يحرق ثوبه فلم
يمنعه.
والثاني :ال ،والفرق أن القتل والتحريق مباشرة ،وفتح
الزق سبب .والسبب يسقط حكمه مع القدرة على منعه.
صفحة 399 | 26 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ونظير المسألة :إذا صالت عليه البهيمة ،وأمكنه
الهرب ولم يهرب ففي الضمان وجهان ،وقد يكون
الضمان في مسألة البهيمة أرجح منه في الزق ؛ ألن
اإلنسان قد تحصل له عند الصيال -دهشة تشغله عن
الدفع.
تنبيه :
ال يسحب أن الشرط أضعف حااًل وأنزل رتبة من السبب
،بل الشرط يلزم من عدمه العدم ،وهو من هذه الجهة
أقوى من السبب ،إذا السبب ال مالزمة بينه وبين
المسبب .انتفاء وثبوتًا ،بخالف الشرط.
ومن ثم قال القفال الكبير .فيما نقله ابن السمعاني عنه :
"الطريق في التمييز بين العلة والسبب والشرط أنا ننظر
مقارنا للشيء أو غير مقارن وال
ً إلى الشيء ؛ فإن جرى
تأثير للشيء فيه دل على أنه سببه ،وأما الشرط فهو ما
يختلف الحكم بوجوده وعدمه ،هو مقارن غير مقارن
للحكم كالعلة سواء -إال أنه ال تأثير له فيه ؛ وإ نما هو
عالمة على الحكم من غير تأثير أصاًل .
وقال ابن السمعاني " :الشرط ما يتعين الحكم بوجوده".
قال :والسبب ال يوجب تغيير الحكم ،بل يوجب
مصادفته وموافقته .ثم ذكر كالم القفال الذي ذكرناه.
وليس مرادهما أنه يوجب الحكم.
مسألة :
قال علماؤنا :الشرط إذا دخل على السبب ولم يكن
مبطاًل كان تأثيره في تأخير حكم السبب إلى حين وجوده
،وال في منع السببية.
مثاله :إذا قال :إن دخلت الدار فأنت طالق ،أو أنت
طالق [إن] 1دخلت الدار فالسبب قوله :أنت طالق ،
مقدما كان
والشرط الداخل عليه .وهو قوله :إن دخلت ً ،
مؤخرا .ال يؤثر شيًئا في قوله " :أنت طالق" بل في
ً أو
حكمه.
وإ نما قلنا ِ :إنه ال يؤثر في "أنت طالق" ألن "أنت ط الق"
ثابت مع الشرط كما هو ثابت بدونه ،ولكن الشرط
أوقف حكمه ومنعه ؛ فكان أثر الشرط في منع حكم العلة
ال في نفس العلة ،بدليل أنه لو لم يقترن به الشرط ثبت
حكم العلة .وربما عبروا عن هذا بأن الشرط ال يبطل
السببية ولكن يؤخر حكمها فالسبب ينعقد ولكن الشرط
يوقفه .ويؤخر حكمه فإذا ارتفع الشرط عمل السبب
عمله .ومن ثم يقولون :الصفة وقوع ال إيقاع
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 27 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ويقول الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل :إن دخلت الدار
فأنت طالق ،إنشاء للتعليق ال تعليق لإلنشاء ،ومعنى
هذا أن السببية انعقدت في الحال ،وحكمها تأخر
بمقتضى الشرط إلى وجود الصفة.
وأقول أنا :إذا دخلت الدار طلقت ،لكونه قال :إن
دخلت الدار فأنت طالق ،ال لكونها دخلت .فأفهم هذا فلقد
أحدا منا ال يقول :إنها
ذهل عنه ذاهلون ،وأعلم أن ً
طلقت لدخولها ؛ بل إنما طلقت بالتعليق وحده لما انتفت
عنه الموانع.
فإن قلت :فقد قال الفقهاء :التعليق مع الصفة تطليق.
قلت :ليس معناه أن الصفة جزء من التطليق ،بل إنها
شرط يوقف الحكم ويؤخر من أجلها وليس كل ما توقف
عليه الحكم علة وال جزء علة.
هذا هو الحق :فالعلة فعل الزوج فقط .الذي يتصرف
تارة بالتنجيز وتارة بالتعليق وليس لفعل الزوج أثر.
وربما يقولو :الموقوف على دخول الدار ،الطالق ال
التطليق.
أيضا :المعلق الطالقية نزواًل ال الطالقية
وربما قالوا ً
سببا .وقد عرفت ما يعنون بهذه العبارات كلها. ً
والحاصل أن تعليق الطالق عندهم بمنزلة من يتخير
الوكالة ويعلق التصرف على شرط ال بمنزلة من يعلق
أصل الوكالة.
فإن قلت :حاصل هذا الكالم أن التعليق إيقاع وتطليق ،
والمجزوم به -في كالم اإلمام والغزالي والرافعي
والنووي ما نصه ومن لفظ الروضة نقلته "إن مجرد
التعليق ليس بتلطليق وال إيقاع وال وقوع".
قلت :قد أطال الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل في كتاب
التحقيق :في مسألة التعليق الذي رد به على ابن تيمية1
وهو من نفائس كتبه.
_________
1أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أبي
القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي أبو
العباس تقي الدين ابن تيمية شيخ اإلسالم ولد بحران كان
كثير البحث في فنون الحكمة داعية إصالح في الدين آية
في التفسير واألصول ،فصيح اللسان ،قلمه ولسانه
متقاربان له مصنفات عديدة انتفع بها أهل العلم على
مختلف منحاهم :
الدرر الكامنة ، 144 /1البداية والنهاية ، 135 /4
النجوم الزاهرة ، 271 /9األعالم .144 /1
صفحة 399 | 28 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
الكالم على جواب هذا بما حاصله أن ذلك ال يدفع كون
سببا وهو المدعي هنا.
التعليق ً
وصرح به األصحاب عند كالمهم على أن العزم عند
الرجوع -هل هو على شهود التعليق أو الصفة ؟ فقالوا :
التعليق موقع والصفة محل.
قال :والشافعية قد يمنعون إطالق اإليقاع على التعليق ،
العتقاد أن اإليقاع ،يستعقب الوقوع ،ال إلنكار كون
سببا.
التعليق ً
قال :وللمسألة التفات على مسألة التكوين والمكون.
وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه " :الشرط إذا دخل على
سببا في الحال" .وربما قالوا :الشرط
السبب منع انعقاده ً
داخل على نفس العلة وأصلها ،ال على حكمها.
قالوا :والشرط يحول بين العلة ومحلها ؛ فال تصير علة
معه.
فحرف المسألة بيننا وبينهم أن الشرط هل يمنع انعقاد
مستندا
ً سبب الحكم حتى يكون الحكم عند انتفاء الشرط
إلى البقاء على األصل ال إلى انتفاء الشرط أو ال يمنع
انعقاد العلة بل يمنع وجود حكمها حتى يكون الدال على
انتفاء الحكم صيغة الشرط .وهذا أصل عظيم في
الخالفيات .عظم فيه تشاجر الفريقين ،وعليه مسائل.
منها :تعليق الطالق أو العتق بالملك باطل عندنا ؛ ألن
التطليق المعلق سبب وقوع الطالق ،والتعليق أثر في
تأخير حكمه مع بقاء سببه.
وإ ذا بقيت السببية لزم أن يكون المحل مملو ًكا ،فإن
اتصال السبب بالمحل المملوك شرط النعقاده ،ليكون
مفضيا إلى الحكم عند وجود الشرط.
ً السبب
ولهذا لو قال ألجنبية :إن دخلت الدار فأنت طالق لم
يصح ،ألن السبب ال يفضي إلى حكمه وإ ن وجد
الشرط.
وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :يصح ،ألن التطليق
سببا لوقوع الطالق فال يشترط
معلق بالشرط ،فلم يكن ً
يمينا ،ألنه إن قصد
له ملك المحل ،بل ينقعد التطليق ً
بها لمنع فهو موجود بوقوع الطالق عند وجود الشرط ،
وكذا إن قصد الطالق ،ألنه أضاف الطالق إلى الملك
صحيحا .هذا حاصل كالمهم.
ً مقيدا فانعقد
وكان كالمه ً
صفحة 399 | 29 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
فإن قلت :قرر لي وجه اشتراط كون السبب ال ينعقد
حتى يتصل بالمحل المملوك ؛ فإنه مما يتوقف فيه النظر
،إذ قد يقول قائل :ينعقد السبب وإ ن لم يتصل بمملوك.
قلت :ال حاجة بك هنا إلى تقرير هذا ،بل يكفيك اتفاق
الفريقين عليه ؛ فإن اإلمامين متفقان عليه ،ولذلك اتفقا
فيما ول قال ألجنبية " :إن دخلت الدار فأنت طالق" على
أنها ال تطلق ،وإ ن دخلت وهي زوجة ؛ وإ نما اختلفا في
أنه هل وجد السبب في صورة النزاع أو لم يوجد ؟
وبهذا يعلم أن من يحتج على الخصوم ،بما رواه أبو
داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال " :ليس على رجل
طالق فيما ال يملك وال عتاق فيما ال يملك وال بيع فيما ال
يملك" 1ال تتم له الحجة حتى يثبت أن التعليق قبل الملك
كائن فيما ال يملك ،وإ ال فأبو حنيفة رضي اهلل عنه يقول
له " :أنا قائل بموجب الحديث ،وأنا ال أجعل عملية
الطالق فيما يملك ألني ال أعقد السبب في الحال .فتأمل
ذلك -فيه -تعرف مقدار معرفة مأخذ األئمة.
فلو اتفق اإلمامان على انعقاد السبب التفقا على عدم
الصحة ،أو على عدم انعقاده التفقا على الصحة ،
ولكنهما اختلفا ،فالشأن في تثبيت أحد القولين قبل
االستدالل بالحديث.
نعم :أصحابنا يروون من حديث أبي ثعلبة الخشني قال
:قال لي عمل لي :أعمل لي عماًل حتى أزوجك ابنتي
فقلت :إن تزوجها فهي طالق ثالثًا ،ثم بدا لي أن
أتزوجها ،فأتيت النبي صلى اهلل عليه وسلم ،فسألته فقال
لي " :تزوجها ؛ فإنه ال طالق إال بعد نكاح" ،فتزوجتها.
فولدت لي أسعد وسعيد..2
_________
1أخرج أحمد في المسند ، 190 /2وأبو داود في
السنن في كتاب الطالق /باب في الطالق قبل ،النكاح
حديث " ، "2190والترمذي 486 /3في الطالق باب
ما جاء ال طالق قبل النكاح " ، "1181والنسائي في
السنن 12 /7في اإليمان والنذور ،والحاكم في
المستدرك 205 -204 /2في كتاب الطالق.
2الدارقطني في السنن 36 /4في كتاب الطالق "."97
صفحة 399 | 30 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ومن حديث ابن عمر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
:أنه سئل عن رجل قال :يوم أتزوج فالنة فهي طالق ،
قال :طلق ما ال يملك.1
وهذان :ال سيما الحديث الثاني -صريحان في مذهبنا ،
وقد رواهما الدارقطني ؛ غير أن في سندهما مقال .ولقد
تأملت هذه المسألة وأعملت فيها فكري واختبرت
قريحتي وتلوت ما عندي من العلم .فلم أنته إلى ما يثلج
له الصدر من ظن غالب ؛ بل إن مذهب الشافعي رضي
رجحانا [لست]2
ً اهلل عنه ،في هذه المسألة عندي راجح
معه على ثقة من التزحزح بما يحدث من الشبهات.
أما رجحانه :فألني أظن أن حديث "ليس على الرجل
طالق فيما ال يملك" .ظاهر فيما يتبادر إلى الفهم منه من
أنه ال يعلق إال من يطلق .ومعتضد بهذين الحديثين وإ ن
كانا غير صحيحين وبما يؤيدهما من أحاديث آخر ،
وألني أظن أن الشرط ال يمنع انعقاد السببية.
غير أن ظني هذا ،دون ما ظننته من الحديث ،فلو
ترقت داللة الحديث عندي على مرامي ،إلى درجات
غلبة الظن لترقي بسببها ظني أن الشرط ال يمنع انعقاد
السببية استدالاًل بالفرع على األصل ،لكن لم يترق ،
وللبحث مجال في منع الشرط انعقاد السببية ؛ فهذه
المسألة مما استخير اهلل فيه وأسأله التوفيق لوجه
الصواب ،وأعرف رجحان مذهب الشافعي رضي اهلل
رجحانا ال أستطيع معه على الفتيا
ً عنه ،لكنه كما علمت
به .ويتلوه مذهب اإلمام أحمد رضي اهلل عنه في إحدى
الروايتين "عنه" أنه يجوز تعليق العتق قبل الملك ،وال
يجوز تعليق الطالق فهو عندي أرجح من مذهب أبي
حنيفة ،لما عرف من التشوف إلى العتق ،ومن وقوعه
في غير مملوك بالسراية.
ويتلوه مذهب أبي حنيفة فيجواز تعليق األمرين ،ولوال
األحاديث الظاهرة في خالفه لكان عندي أرجح المذاهب
،ولوال أن صحيحها غير صريح في مرامنا ،وضعيفها
ال تنهض به الحجة لكان أضعف المذاهب.
_________
1الدارقطني في السنن 16 /4في الطالق حديث "
، "47قال صاحب التنقيح :حديث باطل فيه أبو خالد
الواسطي هو عمرو بن خالد وهو وضاع ،وقال أحمد
ويحيى هو كذاب.
2سقط في ب.
صفحة 399 | 31 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وأضعفها مذهب مالك رحمه اهلل ،فإنه فرق بين التعميم
والتخصيص ،وال وجه له فيما يتبين لي.
وأضعف من مذهب مالك مذهب ابن حزم 1؛ فإنه وافق
أبا حنيفة على أن الشرط يمنع انعقاد السبب ،ثم زاد فقال
" :يمنعه مطلقًا" ،ومن قال " :ال يقع الطالق المعلق
رأسا" وعليه أبو عبد الرحمن الشافعي المعتزلي2 ً
ولعلهما خرقًا إجماع األمة.
وقد حاول الشيخ اإلمام القضاء عليهما بذلك في كتابه
التحقيق ،وذكر أن هذا الذي عليه ابن حزم ليس هو
مذهب إمامه داود ،وذكر أن مذهب شريح فيمن قال :
"أنت طالق إن دخلت الدار" أنه يلزمه الطالق دخلت أم
لم تدخل.
قلت :وتلخص من هذا أن الشرط الداخل على السبب
قاطع له عند ابن حزم وأبي عبد الرحمن أحدهما يصير
لغوا ،ويقابله قول شريح " :إنه يفسد في نفسه وال
الكالم ً
يعترض السبب فيعمل عمله".
ولكن شريح يقصر على ما إذا بدأ بالسبب قبل الشرط ،
وال بقوله فيما إذا عكس فقال " :إن دخلت فأنت طالق".
وفقهاء الفرق ال يلغون الشرط .ثم اختلفوا ،فأشدهم
إعمااًل [له] 3الشافعي رضي اهلل عنه ،حيث قال " :إنه
سببا في الحال".
منتصب ً
سببا في ثاني الحال ،وأما
وأبو حنيفة يقول " :سيصير ً
في الحال فال هو سبب وال هو منهي".
_________
1اإلمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن
غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد
الفارسي األصل ثم األندلسي القرطبي اليزيدي ولد اإلمام
أبو محمد في آخر يوم في رمضان سنة أربع وثمانين
وثالثمائة بقرطبة.
قال الذهبي :كان ينهض بعلوم جمة ويجيد النقل ويحسن
النظم والنثر وفيه دين وخير ومقاصده جميلة ومصنفاته
مفيدة.
سير أعالم النبالء ، 194 /18البداية والنهاية 98 /12
،دائرة المعارف اإلسالمية ، 254 /1وفيات األعيان
.325 /3
2أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز
البغدادي.
حدث عن الشافعي والوليد بن مسلم الثقفي ،ابن السبكي
.64 /2
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 32 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ومنها :الصحيح عندنا ،في رجوع الشهود -أن العزم
على شهود التعليق دون شهود ،الصفة في الطالق
والعتق ألن السبب.
وفي وجه ،رآه مذهب أبي حنيفة رضي اهلل عنه أنه
جميعا ،ولعل قائل هذا من مذهبنا يجعل الصفة
ً عليهم
جزء علة ،وهو احتمال للوالد رحمه اهلل ذكره في كتاب
"التحقيق" ثم صرح بأن األرجح أنه شرط فليس جزء
علة ،وهو الحق كما قدمناه.
ومنها قال ابن الحداد :إذا قال أحد الشريكين للعبد :إذا
دخلت الدار فنصيبي حر ،وقال اآلخر مثل ذلك فدخل
عنق "عليهما" ولم يحك صاحب البحر سواه ،ولو لم يكن
سببا في الحال لكان الوجه التفصيل بين أن
التعليق ينعقد ً
معا فاألمر كذلك
يقول الشريك بعد شريكه أواًل ؛ فإن قاال ً
،وإ ال فتأخر قول أحدهما يوجب سبق انعقاد قول صاحبه
سببا لنصيبه.
ً
فيشبه أن يقال :إذا دخل عتق على األول ،ألن السبب
موسرا.
ً انعقد له قبل صاحبه ،فيسري عليه إذا كان
ومنها خيار الشرط يورث خالفًا ألبي حنيفة رضي اهلل
عنه أن الخيار ال يمنع نقل الملك ؛ بل الملك حاصل
وينتقل إلى الوارث ،والثابت بالخيار ،حق الفسخ
واإلمضاء ؛ وذلك حق شرعي أمكن انتقاله إلى الوارث
كما في الرد بالعيب.
وعندهم خيار الشرط صفة حسية تقوم بالمختار والثابت
به يشبه نقل الملك واستيفائه وهي صفة من صفاته تفوت
بفواته.
ومنها :أن كاًل من المتعاقدين مستبد بالفسخ في خيار
الشرط ،وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :غير مستبد ،
بل ال بد من حضور شريكه في العقد.
وحرف المسألة أن الخيار عندنا عبارة عن ملك فسخ
سببا للملك.
العقد ،وليس بمانع من انعقاد البيع ً ،
وعندهم عبارة عن استيفاء أحد الجانبين.
سببا لنقل الملك في
ومنها :البيع بشرط الخيار ينعقد ً
الحال ؛ وإ نما يظهر تأثير الشرط في تأثير حكم السبب ،
وهو اللزوم الذي لوال دخول الشرط لثبت -وهذا على
القول المنصور في الخالف .وهو انتقال الملك إذا كان
الخيار لهما.
سببا لنقل
وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :ال ينعقد ً
الملك .بل دخول الشرط
صفحة 399 | 33 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
سببنا في مدة الخيار ؛ فإذا سقط الخيار وزال
منع كونه ً
سببا.
الشرط انعقد حينئذ ً
وحرف المسألة ما ذكرناه من أن حقيقة الخيار عندنا ملك
فسخ ما ثبت ،وعنده استيفاء ما كان.
ومنها :التكفير قبل الحنث يجوز عندنا النعقاد السبب ،
وال يجوز عندهم ال بالمال وال بالصوم ،ألن اليمين
سببا في حق
معلقة بالشرط ،وهو الحنث .فال ينعقد ً
الكفارة حتى يوجد الحنث.
سببا تخلف عنه
وإ ذا تأملت هذه المسائل عرفت أنا غفلنا ً
مسببه لقيام مانع أو تخلف شرط ؛ فلم يمنع انعقاد
األسباب ،وإ ن تأخرت المسببات.
والخصوم لم يعقلوا ذلك فمنعوه ،ولعلهم ال يفرقون بين
العلة والسبب ؛ فمن ثم يقولون " :ال يتأخر السبب عن
مسببه ،وال يتوقف على شرط [فإن المعلوم ال يتأخر
علته وال يتوقف على شرط] 1صحيح.
وقد ذكر أئمتنا أن العلة الموجبة على القول بها -ال
طا بشرط ،قال
يجوز أن يكون إيجابها لمعلولها مشرو ً
إمام الحرمين في الشامل :والخائضون في العلل متفقون
على ذلك.
وأما قولهم :إن السبب والعلة سواء .فلسنا نوافقهم عليه
؛ بل هما مفترقان ،وسنعقد لذلك مسألة على األثر ونبين
وجود السبب وانتفاء المسبب لمانع ،وال كذلك العلة.
فائدة :علمت األصل العظيم الذي عظم فيه تشاجر
الفريقين في الخالفيات وتبين لكل رأينا فيه ،وقد حاد
اإلمام عنه في الفرع الشهير -وهو تعليق الوقف بالموت
ملخصا.
ً ،ونحن نذكره
فنقول :استفتي في زمن األستاذ أبي إسحاق في رجل
قال :وقفت داري على المساكين بعد موتي ،فأفتى
األستاذ بوقوع الوقف بعد الموت وقوع العتق في المدير
وساعده أئمة الزمان .قال اإلمام :وهذا تعليق على
التحقيق ،بل هو زائد عليه ؛ فإنه إيقاع تصرف بعد
الموت[ .قال الرافعي :وهذا كأنه وصية] 2يدل عليه أن
في فتاوي
_________
1سقط في "أ" و المثبت من "ب".
2سقط في ب.
صفحة 399 | 34 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
راجعا عنه.
ً القفال أنه :لو عرض الدار على البيع صار
قال الشيخ اإلمام :وقول اإلمام :إنه تعليق على التحقيق
صحيح ؛ غير أن التعليق بالموت في التمليكات يصح
وصية [بالوقف] 1فالوقف أولى ،وقوله :إنه زائد عليه
؛ فإنه إيقاع تصرف بعد الموت ،يقال له :الوصية
والتدبير كذلك ،والحق أنه ليس واحد منهما إيقاع
تصرف بعد الموت ،وذلك أن التعليق عندنا تصرف
ناجز اآلن ،وأثره يقع عند وجود الصفة ،وعند الحفية
يقدر كالنازل عند وجود الصفة ويرد عليهم التدبير.
فالذي قاله اإلمام :من أنه إيقاع تصرف بعد الموت ،
يشبه ما يقوله الحنفية ،والذي نص عليه الشافعي رضي
اهلل عنه وذكره األصحاب صحة الوقف كما أفتى به
األستاذ .وكاد الشيخ اإلمام يدعي اإلجماع عليه ،قال :
وإ ن كان ابن الرفعة حاول إثبات خالف فيه فذلك غير
صحيح ،قال :وينبغي أن تجعل هذه المسألة أصاًل من
األصول أعني تعليق الوقف بالموت ،قال " :وال يخالف
فيها حنفي وال غيره"..
نقضا على أصلنا :
فروع :قد يتخيل أنها ترد ً
منها :لو علق الراهن [على] 2عتق المرهون بفكاك
الرهن ،نفذ عند الفكاك ،وإ ن لم ينفذ عتق الراهن
المنجز ،ألن مجرد التعليق ال يضر بالمرتهن وحين
يترك ال يبقى له حق.
وقد يقال :كيف سوغتم تعليق من ال يملك التنجيز فإن
الراهن المعسر ال ينفذ عنقه على الصحيح وكذا الموسر
على قول.
والجواب :أن عدم نفاذه ليس إال لتعلق حق المرتهن ،
ولذلك لو أذن المرتهن نفذ ،فالمقتضى قائم ،ولكن منع
منه مانع لم يوجد في صورة التعليق ؛ فليس كالتعليق بل
الملك إذ ال مقتضى هناك ،ولو علق الراهن العتق بصفة
أخرى وحدت بعد فكاك الرهن ،فاألصح النفوذ.
ومنها :إذا قال العبد لزوجته :إن فعلت كذا فأنت طالق
ثالثًا ثم عتق ثم فعلته ،فاألصح وقوع الثالثة ،والخالف
جار.
ولو علق فقال :إن عتقت فأنت طالق ثالثًا .واألصلح
أيضا وقوع الثالثة.
ً
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 35 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
وال خالف في تعليق عتق الراهن بالفكاك أنه ينفذ -
وفرق اإلمام بفرق خدش فيه الرافعي بما ال يخدشه ،وقد
أطال الشيخ اإلمام رحمه اهلل في شرح المهذب -الكالم
عليه بما ال نطيل به.
وحاصل الفرق أن التعليق في الرهن مع قيام المقتضى
وفي الطالق قبله والشيخ اإلمام وشيخه ابن الرفعة
متفقان على صحة هذا الفرق مخالفان الرافعي في قوله :
لعلك ال تنقاد إليه.
ومنها :اإليالء ال يصح إال من زوج ؛ فلو حلف على
يمينا محضة .فإن نكحها فال
ترك وطء أجنبية كان ً
إيالء -وهذا جار على القاعدة في أن التصرف قبل
الملك الغ.
موليا وعليه السؤال
غير أن لنا وجهًا أنه إذا نكحها صار ً
فمن قائل :إن منزعه جواز التعليق في النكاح قبل الملك
وهو قول حكاه صاحب التقريب يوافق الحنفية ،وهذه
طريق اإلمام الغزالي .وعلى هذا سقط السؤال.
ومن قائل :إنه جار مع القول بأن التعليق قبل الملك
باطل ،وهو قضية طريقة الرافعي ألنه احتج بأن اليمين
باقية وهي المانعة من الوطء ،وعليها صاحب التتمة
وكالم القاضي أبي الطيب في التعليقة -دال لها -فإنه
جزم بها الوجه في اإليالء مع تضعيفه للقول بالتعليق قبل
الملك.
غير أن الرافعي ذكر هذا الوجه الذي في اإليالء -نسبة
ناسبون إلى رواية صاحب التقريب ،وصاحب التقريب
إنما روى التعليق قبل الملك فيما يظهر ؛ فالجمع بين أنه
رواه صاحب التقريب وأنه مفرع على المذهب جمع بين
ما في النهاية وما في التتمة وال يجتمعان فيما يظهر.
فرع :
لقاعدة الشروط الداخلة على األسباب هو في نفسه أصل
من األصول الفقهية ،الشروط المعلق عليها كلها ،عند
اإلطالق تحمل على حياة الشخص المعلق -ولك أن
تقولك الحياة شرط للشروط المعلق عليها ؛ فإذا قال :إن
دخلت الدار فأنت حر .فال يعتق حتى يدخل الدار في
حياة السيد ،وإ ن مات انقطع حكم التعليق.
وقال مالك :ال ينقطع بل يعتق بدخوله بعد موت السيد ،
ولعل هذا منه مخالفة لهذا األصل على اإلطالق أو في
باب العتق بخصوصه.
صفحة 399 | 36 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
استطرادا في كتاب
ً وهذه القاعدة ذكرها الوالد رحمه اهلل
اعتراض الشرط على الشرط .وقد يعترض عليها بما إذا
قال :إن مت فأنت حر بعد موتي بشهر ؛ فإن حكم
التعليق ال ينقطع بالموت بل يتوقف العتق على انقضاء
الشهر ،وكذا إذا قال إن مت فأنت حر إن شئت ،
الصحيح يوقف العتق على مشيئة العبد بعد موت مواله.
أصل قاطع: 1
ال يجوز عقاًل اجتماع علتين على معلول واحد .وهذا
مهدنا له في شرح المختصر ،وناضلنا عنه
األصل ً
وادعينا قيام القاطع عليه ،وحكمنا عليه بأن مخالفه
محجوج ببراهين العقول ،ونزلنا عليه من الفروع
الفقهية ،ما يرتفع عن همم الزمان .وحظ هذا الكتاب أن
يقول " :هذه قاعدة مضطردة منعكسة ال سبيل إلى
انتقضاها بشيء من الصور سواء عرفت هذه العلة
بالمؤثر أم بالعرف أم بالباعث ،وكالم العقالء في جميع
العلوم من المتكلمين واألصوليين والنحاة والفقهاء
متطابق على هذا ،وما هي عندي إال قاعدة كامنة في
أفئدة العقالء.
أما المتكلمون فواضح تطابق آرائهم عليها.
وأما النحاة ؛ فلو عددت لك ما يدل على ذلك ألكثرت
وخرجت عن مسائل الفقه ،ويكفيك قولهم " :ال يجتمع
عامالت على معمول واحد".
وأما الفقهاء فقد أكثرت في شرح المختصر من كالمهم ،
وسأتحفك هنا بمقدار نافع.
وأما األصوليون ،فاختالفهم فيه إنما نجده عند نظرهم
بعيدا عنها وجدت
في المسألة بخصوصها ثم إذا خاضوا ً
أفئدتهم تحوم حول المنع.
فإن قلت :فقد وضح اختالفهم الشديد فيها وأكثر
المتأخرين -منهم -على الجواز.
قلت [ :علم] 2أنه رب قاعدة مستقرة في األذهان ،غائبة
عند المناظرة عليها عن العيانن بل يحاول اإلنسان -إذ
ذاك ،دلياًل عليها فال يجده ،فيجنح ،إلى إنكارها ،
وحسه وعقله يكذبانه ولو أعطي التأمل حقه ورزق من
التوفيق ما يؤيده لوجد الدليل ،على ما هو مركوز في
طباعه إذا كان حقًا ،أو لحما اهلل ذلك من قبله إذا كان
باطاًل .
_________
1هذا األصل سقط من ب.
2سقط من "ب".
صفحة 399 | 37 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
ولست بالمطيل هنا في الكالم على ذلك بعد ما أطلت في
الشرح والعرض اآلن ،إنه ال يوجد ،وصفان -
فصاعدا -يحسن أن يضاف الحكم إلى كل منهما لو
ً
انفرد إال والحال إذا ذاك على وجهين.
أحدهما :
أن يتعاقبا :وحينئذ فقد يضاف الحكم إلى الول منهما كما
في السببين إذا اجتمعا ؛ فقد قال األصحاب في الجراح :
"يعول على األول منهما" .وتكلمنا على ذلك في قاعدة
األسباب.
ونظيره في العبادات أنا نقول :من أحدث ثم أحدث حدثًا
على حدث لم يتخللهما طهارة أن الحديث الثاني لم يفعل
شيًئا.
ويظهر أثر ذلك -إذا فرعنا على القديم في أن سبق
عمدا
الحدث ال يبطل الصالة ،أنه لو أخرج باقي الحدث ً
ثانيا فإنها
عمدا حدثًا ً
لم تبطل صالته ؛ بخالف ما لو ابتدأ ً
تبطل على الصحيح فيهما في تفاريع القديم.
وقد يضاف إلى الثاني فقط كما في اجتماع السبب
والمباشرة وقد يضاف إلى أخيلهما وأنسبهما سواء كان
األول أو الثاني.
جميعا ،ولئن أضيف
ً فعلى التقارير كلها ال يضاف إليهما
جميعا فاإلضافة إلى المجموع منهما ،وكل منهما
ً إليهما
جزء غلة ال علة مستقلة ،فال اجتماع لعلتين على معلول
واحد.
ولئن أضيف إلى كل منهما على سبيل االستقالل ولن
ترى ذلك إن شاء اهلل في صورة من الصور عن إمام من
أئمة الهدى ،فالصادر حكمان ال حكم واحد ،كل مضاف
إلى علته ؛ فال اجتماع لعلتين على معلول واحد
الوجه الثاني :
معا -وهو غمرة هذا البحر وموضع
أنه يوجد الوصفان ً
التحقيق من هذه المسألة -فإما أن يبطل علمهما بالكلية ،
أو يعمل أنسبهما وأخيلهما إن كان فيهما أنسب وأخيل أو
يعمل واحد منهما ال بعينه أو يعمل مجموعهما ،أو يعمل
كل منهما ،ولكن يكون الناشئ حكمان ال حكم واحد.
فهذه خمس طرق ال سادس لها ،وليس في شيء منها
إعمال علتين مستقلتين ؛ بل إما [ال أعمال] 1فال حكم
فرارا من العمل بعلتين ،وإ ما إعمال ولكن حكمان فال
ً
يعود
_________
1في ب اإلعمال.
صفحة 399 | 38 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
على معلول واحد ،وإ ما [إعمال] 1ولكن العلة واحدة ال
لعلل ،والشريعة على هذا جارية قادرة ،وفروع الفقه
عليه دائرة داره.
وأنا أضرب لك من األمثلة ما يوضح الفرض ،ويكشف
الصدى عن القلب ،وآتيك بصور لم تتهيأ إال لمن طوف
متون الفقهيات وخاض لججها.
وها أنا أفرد الطرق طريقًا طريقًا ،وهو [صنع] 2ليس
من صنعي في شرح المختصر ،وإ ن كان ذلك أفحل.
[القول 3في أحكام تتأخر عن أسبابها .وال يمكن القول
بمقارنتها لها.
منها :بيع الخيار يتأخر فيه نقض الملك إلى انقضاء
الخيار على أحد األقوال.
ومنها :الطالق الرجعي مع البينونة.
ومنها :الوصية يتأخر نقلها في الملك في الموصي به
إلى بعد الموت.
ومنها :السلم والبيع إلى أجل تتأخر عنه المطالبة إلى
انتهاء األجل].
فصل :
فيما ازدحم عليه علتان فكان ازدحامهما سبب دمارهما
وإ همالهما ولو على وجه.
وفيه مسائل :
منها :لو اتحد الخاطب وأوجب كل واحد من الوليين
معا صح على الصحيح ،ويتقوى كل واحد من
النكاح له ً
[اإليجابين] 4باآلخر.
وحكى العبادي عن القاضي وغيره أنه ال يصح ؛ ألنه
ليس أحدهما أولى باالعتبار من اآلخر فتدافعا.
ومنها :الخنثى إذا أمنى من ذكره وحاض من فرجه ؛
فقد نص الشافعي رضي اهلل عنه على أنه اليبلغ ،وأنه
البلوغ له إال باستكمال خمس عشرة سنة.
ولكم تأول األكثرون هذا النص ،وكاد الشيخ اإلمام
[الوالد] 5يجنح إلى ظاهر
_________
1في ب اإلعمال.
2في ب صنيع.
3من قوله القول في أحكام يتأخر فيه إلى قوله انتهاء
األجل.
4في ب الجانبين.
5سقط في ب.
صفحة 399 | 39 :
األشباه والنظائر
أصول ومسائل متنوعة
النص فقال في باب الحجر " :وقفت على النص ،
وتأويله صعب ،وقال في باب اإلقرار :تأويله [مشكل]
.1
ومنها :وكل اثنين في خلع امرأته -هذا على ألف وهذا
معا .بأن صدر خطابهما لها
على ألفين فأوقعها الخلع ً
معا ؛ فقالت :قبلت منكما أو كانت وكلت وكيلين فطلق
ً
كل واحد من وكيلي الزوج [مع واحد من وكيلي الزوجة]
2قال البغوي في الفتاوي ،ال يقع شيء ألن الخلع من
جانب الرجل معارضة ،فهو كما لو وكل وكياًل ببيع عبد
معا ال يصح.
فباعا ً
بألف وآخر ببيعة بألفين ً
ومها :إذا قال لشريكه الموسر :إذا أعتقت نصيبك
فنصيبي حر في حال إعتاقك.
فسنذكر هذا الفرع في مسائل العلة هل تفارق المعلول ،
وتذكر فيه احتمال اندفاع اللفظ .ويمكن توجيه اندفاعه
بتزاحم العلتين اللتين تقتضي [كل منهما ما] 3تقتضيه
األخرى ؛ فإنا ال ندري حينئذ عمن يقع العتق وال لمن
الوالء.
ويمكن توجيه أعمال السراية بأنها أقوى لكونها قهرية
فتكون من قسم أعمال األصل ،وإ لى هذا ذهب القفال
والشيخ أبو علي ؛ ولكن علاله بعلة أخرى سنذكرها في
تفارق العلة والمعلول .ويمكن عكسه بأن اللفظ أقوى من
أيضا من أعمال [أخيل] 4العلتين ،وهو
الحكم ،وهو ً
المنقول عن القاضي أبي الطيب في هذا الفرع كما
سيأتي في موضعه ،ونقله الروياني عن عامة
األصحاب.
_________
معا.
1في ب شكل ً
2سقط في ب.
3في ب منهما مثل ما.
4في ب أحد.
صفحة 399 | 40 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها :
ولنبتدئ في ذلك بحديث "الخراج بالضمان" فأقول :قد
علل سيد األولين واآلخرين وأعلم الخلق أجمعين -محمد
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .بأنسب العلتين عند
ازدحامهما .وفي ذلك داللة على أنه ال يعلل بهما حينئذ ؛
وإ نما قلت :إنه علل باألخيل ،ألنه لما قال له الرجل
المردود عليه بعده بعيب ،بعد ما شاء اهلل أن يقيم عند
المشتري .يا رسول اهلل :قد استعمل غالمي ،قال صلى
اهلل عليه وسلم :
الخراج بالضمان ، 1يعني .ما خرج من الشيء من عين
ومنفعة وغلة ؛ فهو للمشتري عوض ما كان عليه من
ضمان الملك ؛ فإنه لو تلف المبيع كان بضمانه ؛ فالغلة
له لتكون الغنم له في مقابلة الغرم.
فإن قيل :لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت
الزوائد قبل القبض للبائع ،ثم العقد أو الفسخ ؛ إذ ال
ضمان حينئذ ،ولم يقل بذلك أحد ؛ وإ نما يكون له إذا تم
العقد.
فالجواب :أن الشيخ اإلمام رحمه اهلل ذكر في شرح
المنهاج أن الحكم قد يعلل بعلتين ،فالخراج يعلل قبل
جميعا.
ً القبض بالملك وبعده بالضمان والملك
قال :واقتصر صلى اهلل عليه وسلم على التعليل
بالضمان ألنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه واستبعاده
أن الخراج للمشتري ؛ فقيل له :إن الغنم في مقابلة
الغرم.
قلت :ويجوز أن يكون النبي صلى اهلل عليه وسلم جعل
العلة بعد القبض الضمان وإ ن كانت قبل القبض الملك ،
ألنه لما ازدحم بعد القبض علتان -وهما الملك والغرم
علل بأنسبهما وهو الغرم بخالف ما قبل القبض فإنه لم
يكن إال واحدة فاحتيج إلى أعمالها .وهذا ما أوردناه
للتنبيه عليه.
فإن قيل :لو كانت العلة الضمان لزم أن تكون الزوائد
للغاصب ،ألن ضمانه أشد من ضمان غيره ،وما كانت
العلة أنسب وأشد إال وكان الحكم فيها أولى ،وهذا بحر
إلى مذهب أبي حنيفة رحمه اهلل.
قلنا :المعنى بالضمان ها هنا ضمان الملك ال مطلق
الضمان ؛ وذلك مقرر في مكانه ،وهذا وضع المذهب
وعلى أرباب الخالف تقريره ،وكان الغرض منه
التطرف إلى أنه ال ينبغي -عند اجتماع وصفين أحدهما
أنسب -أن يقال هما علتان ؛ بل العلة األنسب فإن طلب
منا دليل شرعي p؛ فحسبنا صنيع رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم ،وعلى هذا عمل الفقهاء وإ ليه أشار الرافعي
في كتاب الطهار في الكالم على تكفير الكافر باإلعتاق
لما تكلم على قول
_________
1الشافعي في المسند 144 /2في البيوع باب فيما نهى
عنه من البيوع " "481وأحمد في المسند -80 -49 /6
عبدا
116وأبو داود في البيوع /باب فيمن اشترى ً
عيبا " "3510 /3508والترمذي /3
فاستعمله ثم وجد به ً
852 -581في البيوع باب ما جاء فيمن يشتري العبد
عيبا " "1286 /1285وقال حسن
ويستغله ثم يجد به ً
صحيح ،النسائي 254 /7في البيوت /باب الخراج
بالضمان " ، "2243الحاكم 15 /2وصححه وأقره
الذهبي.
صفحة 399 | 41 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
تغليبا
الغزالي " :يصح اإلعتاق واإلطعام من الذمي ً
تغليبا لجهة الغرامات -
لجهة الغرامات ؛ فقال :قوله ً
أشار به إلى ما ذكره اإلمام :إن الكفارة فيها معنى
العبادات لما يتعلق بها من اإلرفاق ،وفيها معنى
المؤاخذات والعقوبات ،وغرضها األظهر اإلرفاق ،وما
يناط بسببين األظهر منهما يستقل ،كالحد فإنه ممحص
ممحصا
ً زاجرا ،وإ ن لم يكن
ً وزاجر ويجب على الكافر
انتهى.
وما نقله عن اإلمام كذلك -رأيته في النهاية ،وعزاه إلى
األصحاب [فقال]: 1
قال األصحاب :العبادات المالية يتعلق بها غرض
اإلرفاق وسد الحاجات والتقرب إلى اهلل تعالى والغرض
األظهر منها اإلرفاق ،وما نيط بسببين قد يستقل
بأظهرهما ،كالحد يمحص ويزجر ثم يثبت على الكافر
ممحصا .انتهى.
ً زاجرا وإ ن لم يكن
ً
ولك أن تقول هذا -من اإلمام [يحسن] 2لكونه يمنع
شرط اجتماع علتين ؛ فإذا اجتمع وصفان أحدهما أظهر
تعلق به ال محالة.
أما الغزالي والرافعي فيما يظهر فال يمنعان ذلك ؛ فقد
جرى اإلمام على أصله ،وجرهما استباعه فاقتفيا أثره
وكثيرا ما يقع مثل ذلك للمقتفين
ً وغفال عن أصلهما ،
آثار مشايخهم يخالفونهم في أصل ثم يغلبهم األلف على
ما تلقفوه منه فيجرون معه في التفريع.
فإذا قلت :فحينئذ ال متعلق لك ،إذ هذا الصنيع صنيع
اإلمام [وحده] 3فمن أين يثبت لك أنه إذا اجتمع وصفان
تعلق بأظهرهما.
قلت :قد نقله عن األصحاب وعزوه إلى األصحاب.
فائدة :لم يذكرها الرافعي ،وأقول :إن نص الشافعي
يؤيد ذلك ؛ إذ قال رضي اهلل عنه في األم بعدما ذكر أن
الذي إذا زنى يحد ما نصه :والحدود كفارة للمسلمين ،
طا في أصول
ونحن نحده إذا زنى انتهت .وسيأتي مبسو ً
الفقه ،فانظر كيف جعل العلة في حد المسلم .التكفير ،
وال كذلك حق الكافر[ .فإن قلت إذا نقله] 4عن
األصحاب
_________
1في ب فقد قال.
2سقط في ب.
3في ب معه.
4سقط في ب.
صفحة 399 | 42 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
تبعا
فما جر الغزالي والرافعي على استتباعه بل ً
لألصحاب.
قلت :األصحاب لما ظهر من صنيعهم التعليق بأنسب
الوصفين دلنا ذلك منهم على أن العلتين ال يعمالن جملة
،وإ ن ذلك مركوز في طباعهم السليمة كما قدمناه ؛ فمن
منع اجتماع علتين نفعة ذلك ولم يحتج إلى اعتذار عنه
بخالف المجوز كالغزالي.
فصل :
ثم ما ادعيته من التعليل بأخيل الوصفين هو صنيع
أصحابنا قاطبة ،عراقيين وخراسانيين ؛ وذلك في
مسائل :
منها :القاتل المرتد ازدحم على قتله علتان :القتل فنأخذ
قصاصا ،والردة فنأخذه تطهير لألرض من المفسدين -
ً
وال يمكن إعمالهما لضيق المحل عنهما ،ولو ارتفع
أحدهما بأن يتوب عن ردته أو يعفو عنه ولي الدم-
لعملت األخرى عملها.
غير أن الغرض ازدحام العلتين ،فنعمل علة القصاص
ونسلمه إلى ولي الدم ،والسر في ذلك أن غرض الشارع
من تطهير األرض من المفسدين حاصل بإزهاق روحه
بأي طريق فرض ،وغرض ولي الدم من التشفي ال
يحصل إال بمباشرة القتل ،فيسلم إليه.
ولم يقل أحد بأعمال العلتين وأن القتل يقع عن األمرين.
ونظيره لو قطعت يمناه ووجب فيها القصاص ثم سرق
سرقة توجب القطع ،قال اإلمام في النهاية قبيل كتاب
األشربة ؛ فقد ازدحم على يمناه الحد والقصاص ،ولكن
القصاص يقدم وهذا متفق عليه .انتهى.
ومنها لو اجتمع عليه قطع السرقة وقطع المحاربة ،فقد
ازدحم عليه علتان ،وهما حقان هلل تعالى .فقد يقول
القائل فيمن قدمناه -من القاتل المرتد والسارق الذي
وجب عليه القصاص في اليد -إنما قدم القصاص لتغليب
حق اآلدمي ،فإن حق اهلل في العقوبات يتعرض للسقوط
بالشبهات.
فنقول :
أواًل :هذا ال يضرنا ،فإن غرضنا أن ال يعمل العلتان
ولنقدم أحدهما بأي طريق اتجه.
صفحة 399 | 43 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
ثانيا :قد أتيناك بصورة ألحقنا فيها من جنس واحد ،وقد
ً
قال األصحاب :تقطع يده اليمنى للسرقة .وربما قالوا :
للمحاربة.
وهذا برهان واضح لدرء العلتين وتبين أثره في قطع
الرجل مع اليد فاختلفوا فيه على وجهين.
أحدهما :يؤخر إلى أن تندمل اليد ،ألنها مقطوعة
للسرقة والرجل للمحاربة ،وال مواالة بين حدين ،قال
إمام الحرمين :وكان ال يستحق في الحد إال الرجل.
وأصحهما -و هو المنصوص -يقطع وال مباالة
بالمواالة كما لو لم يوجد إال المحاربة ،قال الرافعي :
إدارجا لقطع السرقة
ً والقطعان قد نجعلهما عن المحاربة
في قطع المحاربة.
وقد نقول :هذا عن السرقة ،وهذا عن المحاربة ،لكن
العضوين مقطوعان كما لو لم يوجد إال المحاربة ،
فزيادة الجناية ال تمنع من المواالة .انتهى.
فانظر كيف كان كالمه بين احتماالت ليس منها إعمال
العلتين ،ولم أجد ألحد من أصحابنا تشبثًا بإعمال العلتين
غير صاحب التنبيه ؛ فإن عبارته " :قطعت يده اليمنى
للسرقة والمحاربة" وهي محمولة على ما ذكره في
المهذب حيث قال :وهل تجوز المواالة ؟ فيه وجهان.
أحدهما :الجواز ،ألن قطع الرجل مع قطع اليد حد
واحد فجاز المواالة بينهما.
الثاني :ال يجوز قطع الرجل حتى تندمل اليد فإن قطع
الرجل لقطع الطريق وقطع اليد للسرقة وهما سببان
مختلفان ؛ فال توالي بين حديهما.
فانظر كالمه رحمه اهلل ما أحسنه قد بين فيه أنه لم تعمل
العلتان ،وتحصلنا منه على اختالف بين أصحابنا في أن
اليد تقطع للسرقة أو المحاربة وعليه ينبني قطع الرجل
معها -قبل االندمال ،فمن قال :تقطع للمحاربة لم
يرتب في قطع الرجل معها.
وأما من قال " :تقطع للسرقة" فيحتمل أن تؤخر لئال يقع
توالي بين حدين ،ويحتمل أن يقال :ال تؤخر ؛ ألنه لو
لم يقطع للسرقة لقطع للمحاربة وقطعت الرجل ،وزيادة
الجناية ال تمنع المواالة.
ومنها :إذا اشترط المتبايعان الخيار ثالثًا فقد يتخيل -ما
لم يفترقا -اجتماع خيار المجلس وخيار الشرط وفي
المسألة وجهان.
صفحة 399 | 44 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
أحدهما :قال اإلمام في آخر باب الشرط :الذي يفسد
البيع وإ ليه ميل النص أكثر وقال الماوردي :إنه ظاهر
المذهب أن ابتداء خيار الشرط في حين التفرق.
وعلى هذا فقد قدم خيار المجلس عند االزدحام ،وما ذلك
إال ألنه أنسب ،ألنه ثابت بالشرع ،وما يثبت بالشرع
أولى مما يثبت بالشرط وهذه قاعدة [سنذكرها إن شاء اهلل
تعالى].1
ومنها :إذا اشترى المستأجر العين المستأجرة ففي
انفساخ إجارته وجهان :قال ابن الحداد :تنفسخ -قال
الرافعي :ويعبر عن هذا بأن اإلجارة والملك ال
يجتمعان.
قلت :وليس كذلك .فإن هذا التعبير يستدعي أن يمتنع
طريان اإلجارة على الملك كما امتنع عكسه عند ابن
الحداد ،وابن الحداد ال يقول به كما بينته في كتاب [لي]
2في هذه المسألة سميته "رفع المشاجرة في بيع العين
المستأجرة" وبينت أن المحذور عند ابن الحداد أن
اجتماعهما على وجه خاص وهو أن يملك ثم يكتري ،
وال عكسه.
وفيه مباحث تتعلق بما نحن فيه ال بأس بالوقوف عليها ،
فلتقع اإلحالة عليها ،واالكتفاء باإلشارة هنا إليه.
ومنها :لو استولد مدبرته ،فالذي أورده أكطثر سلف
األصحاب وخلفهم أنه يبطل التدبير ،ألن االستيالء
أقوى ،فيرتفع به األضعف كما يرتفع النكاح بملك
اليمين.
ومنها تدبير المستولدة ،فإنهال يصح ،ألن االستيالد
أقوى من التدبير ،وقد ذكرنا هذا في أوائل الكتاب في
قاعدة "أن الثاتب بالشرع أولى من الثابت بالشرط"
وشبهناه [من نذر] 3أن يأتي بالفرائض .وقد قال
األصحاب قاطبة ال يصح.
ومنها :إذا قالت المرأة لزوجها طلقني بكذا ،وارتدت
عقب سؤالها فأجابها على االتصال بحيث تقارن زمان
الردة وزمان الجواب ،فقد وجد سببان للبينونة في زمان
واحد.
_________
1سقط في "أ" والمثبت من "ب" ،وبعد ذلك بياض في
ب.
2في كتاب لي صنفته.
3في ب شبهناه بالمرتد وأن يأتي بالفرائض.
صفحة 399 | 45 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
قال الوالد رحمه اهلل تعالى في باب الخلع " :الذي يظهر
ثبوتها باالنفساخ في زمن الردة واندفاع الطالق والمال".
كالما في ذلك ؛ وإ نما أطلقوا أنه
قال :ولم أر لألصحاب ً
إذا أجابها على االتصال وكان قبل الدخول ،تعجلت
الفرقة بالردة ،وال يقع الطالق ،وال يلزم المال.
وقيد الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل هذا بما إذا سبقت
الردة الجواب.
قال :وإ ن سبقها الجواب فال شك في وقوع الطالق
ولزوم المال ،وال أثر للردة لتأخرها ،ولو تقارنا فقد
ذكرناه.
ومنها :شرط مقتضى العقد ال ينفع وال يضر ،وذكر
المحاملي أنه صحيح ؛ فإن عنى أن ذكره ال يفسد العقد
فحق ،وإ ن عنى أنه يؤثر شيًئا فغير مسلم .وقد تكلمنا
عليه في شرح المختصر.
ومنها :عبد مشترك بين مالكين وكل أحدهما صاحبه في
عتق نصيبه ؛ فقال نصفك حر ،ولم يرد نصيبه وال
نصيب شركيه ،بل أطلق ؛ فقد ازدحم على [عتق]1
نصف مبهم علتان متى عملت إحداهما بطلت األخرى
فعلى أي النصفين يحمل ؟
فيه وجهان :قال النووي لعل أقواهما الحمل على
النصف المملوك ال الموكل فيه.
قلت :وقد يوجه بأن تصرفه فيما هو ملكه أتم ؛ فكانت
علته أنسب وأخيل ،وال يتصور في هذه المسألة ،
جعلهما جزء علة ،وال أن العلة أحدهما.
ونظير المسألة -وكل المرأة في الخلع إذا أطلق ولم
يضف إليها وال إلى نفسه وال نوى شيًئا ،قال الغزالي :
يحمل على الوكالة ،وللرافعي فيه بحث.
وأقول :الحمل على الوكالة هنا أرجح منه في مسألة
العتق ،ألن خلع األجنبي نادر بخالف الوكيل ،وال
كذلك عتق المالك ،ألن عتق المالك أسرع إلى النفوذ ،
إذ ال مدفع له ،بخالف الوكيل ،الحتمال أن يكون عزل
شرعا فيحمل على المالك.
ً ،والعتق منسوب إيه
ومنها :إذا كان للوارث دين على الميت وليفرض في
حائز ليتضح وال يتوقف معه الفهم.
_________
1في ب غير.
صفحة 399 | 46 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
فنقول :من له دين من الحائزين في ذمة موروثه قد
يتخيل ازدحام ملكه لما ورثه الميت بسببين اإلرث
والدين -والحق أنه إنما يرثه باإلرث ال بالدين ؛ ألنه
جهة اإلرث أقوى ،وال تتوقف على شيء ،وجهة الدين
تتوقف على إقباض وتعويض ،وهما متعذران ألن
التركة ملكه .وهنا واقعة :وهي أنه يسقط من دين
أبدا ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين ولو كان
الوارث ً
ألجنبي وهو نسبة إرثه من الدين إن لم تزد على التركة ،
وما يلزم الورثة أداؤه منه [إذا] 1زاد ويستقر له نظيره
من الميراث ،ويقدر أنه أخذه ثم أعيد إليه عن الدين ،
ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه منه على
قدر حصصهم ،وقد يفضي األمر إلى [التفاضل] 2إذا
حائزا وال يدين
كان الدين لوارثين ؛ فإذا كان الوارث ً
لغيره ودينه مساو للتركة أو أقل سقط ،وإ ن زاد سقط
مقداره وبقي الزائد.
هكذا حققه الشيخ اإلمام -رحمه اهلل -في تصينف له في
الواقعة سماه "منية الباحث عن دين الوارث".
قال :ويأخذ التركة في األحوال إرثًا [وقيل] 3يقدر أنه
دينا ،ألن الدين مقدم ،ويسقط لدخول التركة في
أخذها ً
ملكه ،فإن الدين ال يمنع اإلرث -ويستحيل ثبوت
الشخص على نفسه ،فأحوجنا ملكه لها -ومن جملتها
الدين ،ألنه يرث الدين كما يرث العين ،إلى تقدير
االنتقال ،وهو تقدير محض ال حقيقة له.
هكذا قرره الشيخ اإلمام وغلط فيه فقفهاء زمانه قاطبة
واستشهد عليه بقول ابن الحداد وغيره.
تنبيه :
فيما يظن فيه ازدحام علتين أعمل أضعفهما.
قال األصحاب :من ختن الصبي -من ولي أو أجنبي-
في سن ال يحتمله لزمه القصاص إال األب والجد ،قال
الرافعي :للبعضية ،ولك أن تقول :لو كان انتفاء
القصاص هنا للبعضية للزمك استثناء الحر يختن العبد
للحرية والمسلم يختن الكافر ،وإ ن كان الكافر ال يطلب
ختانه -لإلسالم فكان ينبغي إما أن يستنثي الثالث أو
يترك ذكرها اكتفاء بما علم -في أوائل الجراح -من
انتفاء القصاص عند هذه األمور.
فإن قلت :فما العلة الموجبة لتخصيص ذكر األب والجد
؟
_________
1في ب إن.
2في بب التقاص.
3سقط في ب.
صفحة 399 | 47 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
قلت :قوة الوالية أو مطلق الوالية على ما سنحرره.
فإن قلت :لم عدلتم عن التعليل بالبعضية ؟
قلت :لوجهين -أصولي وفقهي.
أما األصولي :فألن األبوة مانع من [ثبوت] 1القصاص
وال ينبغي أن يعلل بالمانع ما أمكن التعليل بالمقتضى فإن
قلت :لم قلت :أن األبوة مانع من ثبوت القصاص.
وهال قلت أنها مقتضى لعدمه.
قلت لوجهين .تحقيقي وجدلي.
مقتضيا عدم
ً أما التحقيقي :فألن األبوة لو كانت
القصاص لعارضها القتل المحض العمد العدوان
المقتضى للقصاص ولتكافأ ،أو احتيج انتفاء القصاص ،
مانعا ،فإن ال
إلى مرجح -وهذا بخالف ما إذا جعلته ً
تحتاج إلى مرجح من خارج.
فافهم هذا السر ،فهو دقيق يظهر [لك] 2به جعل
مقتضيا لالنتفاء ،
ً مانعا للثبوت ال
األصوليين األبوة ً
وربما زلت أقدم أقوام في هذا المقام لذهولهم عن هذا
السر ،وحاولوا جعل االبن مكافئ ،ليتوصلوا إلى انتفاء
القصاص.
والتحقيق وبه صرح الغزالي -أن األب مكافئ للولد-
ألنه مكافئ ألخيه الذي هو عم الولد .وكافئ المكافئ
مكافئ .فال احتياج إلى دعوى عدم المكافأة ؛ فإنه لم
يتعارض هنا علتان ،وليس إال علة قام معها مامع من
أن تعمل عمله.
ومن فوائد ذلك أن ال نحتاج في إثبات الضمان على
الوالد إلى دليل يتجدد ؛ بل نقول :وجوب الدية ثابت
ثبوت القصاص ،فإن منع مانع من ثبوت القصاص لم
يمنع من ثبوت الدية ،وتكون مستفادة ،من المقتضى
للقصاص الذي لم يعارضه فيها مانع.
وهذا بخالف ما إذا جعلنا األبوة علة النتفاء القصاص ،
فإنها ال تدل على ثبوت الدية ،وال على نفيها ،وال يمكن
أخذ ثبوتها حينئذ من علة ثبوت القصاص ،ألنه قد
عارضها معارض أبطل عملها.
ال يقال :إنما أبطل عملها في القصاص ،ألنا نقول :إن
قلنا :الدية متأصلة فيحتاج إلى دليل يخصها .وإ ن قلنا
بدل عن القصاص ،فالقصاص ها هنا لم يجب
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" ولكن.
صفحة 399 | 48 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
أصاًل ،فال يطلب له بدل .وفي الكتاب مباحث كثيرة
طلبا لالختصار.
أضربت عنها ً
وأما الجدل :فألنا لو جعلناها مقتضية للعدم ،لعللنا
الحكم العدمي بالوصف الوجودي ،ولئن جاز ذلك ،
على خالف فيه فإنما يحسن حيث ال يمكن سواه ،أما إذا
أمكن تعليل الوجودي بالوجودي فهو أولى.
فهذا إتمام الكالم على الوجه األصولي من الوجهين
المقتضيين لعدولنا عن التعليل بالبغضية .وأما الفقهي :
فألنا لو عللنا بالبعضية لما فرقنا في الضمان -إذا كان
ختان الصبي في سن [ال يحتمله] 1بين أن يكون الخاتن
قطعا ،فإن
وليا غيره ،لكنا فرقنا ً
أصاًل من أصوله أو ً
القول بأن األصل ال يضمن -في السن المحتمل -هو
الصحيح.
سلطانا ففيه وجهان ،رجح
ً وأما غير األصل :فإن كان
أيضا ،ولم يرجح الرافعي في
اإلمام منهما عدم الضمان ً
الشرح شيًئا -لكن في المحرر تبع اإلمام.
وال يخفى أن تضمين اإلمام أقرب من تضمين األب
والجد ،وبذلك صرح اإلمام في النهاية ،وإ ن كان فيه
مصرحا بها في غير
ً غير ما ذكرناه فهي مسألة لم أجدها
الحاوي للماوردي ،وهو وإ ن قال فيها بعدم الضمان فال
ينكر أن تضمينه أقرب من تضمين اإلمام.
فاختالف هذه المراتب ،مع اتفاقها في الحكم على
األصح .دليل على أن التعليل بالوالية أولى.
فإن قلت :أبو الية األبوبة تقللون أم بمطلق الوالية ؟
قلت :إن ألحقنا غير األب به فبمطلق الوالية وإ ال
فبوالية األبوة لقوتها.
وقد نظرنا إليها في باب الحجر ،حيث فرقنا بين دعوى
الصبي بعد بلوغه على األصل ودعواه على الوصي.
وقد يقال :يعلل في األب بوالية األبوة ثم يلحق به غيره
لمطلق الوالية.
ولكن يلزم على هذا أن يقال :إلحاق غير األب به قياس
أدون كإلحاق التفاح بالبر في الربا وال محظور في ذلك.
وإ ذا وضح لك ما أبديت من التقرير علمت أنه ليس لقائل
أن يقول :إذا كانت
_________
1في ب يحتمله.
صفحة 399 | 49 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
األبوة علة والوالية علة فالتعليل بالوالية عند االزدحام -
إعمال لألضعف .ألنا قد بينا أن األبوة ليست بعلة ،
فضألا عن أن تكون أولى من الوالية.
وبتقدير أن تكون علة فقد ازدحم على األب الولي ثالثة
وليا
وليا ،وأخص منه كونه ً
أوصاف ،أعمها كونه ً
باألبوة ،وأخص من هذا األخص منه كونه ًأبا ،فيلتحق
ذلك بما ازدحم عليه علتان -عامة وخاصة -وتظهر
فائدة ذلك بما إذا كان األب غير ولي -بأن كان فاسقًا-
فأقدم على الختان ،فال قصاص عليه حينئذ لكونه أبا ،ال
وليا ،إذ ال والية حينئذ ،بل لمانع األبوة ،وهنا
لكونه ً
يحتاج إلى التعليل بالبعضية وال في األب الولي.
فصل :
فيما ازدحم عليه علتان ال يترجح إحداهما على األخرى
جزءا علة واحدة ،
وظهر الحكم بعدهما ،فحكمنا بأنهما ً
والعلة حينئذ المجموع ،أو أن العلة إحداهما ال بعينها ،
أو نقول :بأن كال منهما علة مستقلة ؛ غير أن الواقع
حكمان ال حكم واحد ،فال اجتماع لعلتين على معلول
واحد أبد اآلباد وغوص الغائصين ودهر الداهرين .ومن
أمثلة هذا الفصل :
من مس ذكره وأجنبية في وقت واحد ،وال أقول :من
مس وبال ؛ فإنه يختلج في الذهن تقديم علة البول.
موسرا
ً ومنها :عتق الراهن والموسر واقع ،لكونه مال ًكا
وبهذه خرج المعسر ،والذي يظهر أن العلة في هذه
الصروة مجموع المالكية مع اليسار.
فإن قلت :يعارض وصف المالكية تعلق حق المرتهن.
قلت :معارضة جزء العلة ال ينهض بدفع العلة عن
عملها ؛ فإن المالكية في األصل علة مستقلة وإ نما
جزءا بانضمام وصف اليسار إليها ،فنشأ عنه
صارت ً
أن عتق المعسر عنه ال يجوز ،فإذا عورض هذا الجزء
لم يتدفع.
وفقه المسألة :أن حق المرتهن وإ ن تعلق بالعين فغرضه
األعظم التوصل إلى ماله ،وعو عند ذي اليسار حاصله
فاضمحلت معارضته.
نظرا إلى معنى المالكية كما يقوله مالك.
وليس هذا منا ً
وإ ن كنا نختاره -ولكنه أمر وراء ذلك وهو جرار لم
أذكره في شرح المختصر بل اقتصرت أنا حينئذ بقسط
وصف المالكية.
صفحة 399 | 50 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
والمختار عندنا في الجواب اآلن ما ذكرناه في شرح
المختصر من الفقه ،وتحققنا به ما تطول إعادته هنا ،
فعلى من أراد البسط في هذه المسألة أن ينظر فيه.
ومنها :لو قال لنسائه األربع من حملت منكن هذه
الخشبة فهي طالق فحملها ثالث منهن ،وهي خفيفة
تستقل كل منهم بحملها -في فروع الطالق من الرافعي
لم تطلق واحدة منهن ،وقيل :يطلقن.
قلت :فأما القول بأنه ال تطلق واحدة منهن ففيه دمار
للعلتين عند ازدحامهما ،وهو يؤيد منع اجتماع العلتين.
جميعا فال وجه له إال أن كل
ً وأما القول بأنهن يطلقن.
واحدة [منهن] 1حملت ،وهو مكابرة في المحسوس ،
ألن [المجموع] 2حاصل بقوى كلهن ،وإ ن كانت كل
واحدة لو انفردت ألثرت ،فالوجه بعدم الطالق البتة ،
وإ ن كانت ثقيلة ال تستقل كل واحدة بحملها ،كذا في
الرافعي ،وينبغي أن يقول :وال اثنين ،قال :طلقن.
وأقول :وينبغي أن ال تطلق واحدة منهن ألن الحامل
مجموعهن ال كل واحدة منهن ،والمحلوف عليه كل
واحدة ال المجموع.
فصل :
فيما ازدحم عليه علتان -عامة وخاصة.
وقد يقال فيما هذا شأنه :إن العلة العامة لعمومها ،
وتسقط الخاصة عن درجة االعتبار مطلقًا وقد يقال :
العلة في موضع الخصوص الخاصة ،وفيما عداه
العامة .وفي هذا إجحاف وإ خراج لوصف العموم عن
صالحية العلة في موضع الخصوص بال داع .ومن
يجمع بين العلتين لم يبال بهذا ،ويقول كال الوصفين علة
،ولهذا أمثلة :
موسرا أو عند
ً منها :عتق الراهن عند من ينفذ إذا كان
معسرا ،وقد تكلمنا على هذا في شرح
ً من ال ينفذ إذا كان
المختصر ؛ فلينظر.
ومنها :منفعة الدار والعبد ونحوهما تضمن بالتفويت
والفوات تحت يد عادية ،كذا قالوا .وأنا أرى أن العلة
الفوات ال التفويت ،وأن خصوص التفويت [يلغى]3
وإ لى
_________
1سقط في "ب".
2في ب المحمول.
3في ب ملغي.
صفحة 399 | 51 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
هذا أشار الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل في باب الغضب
من "شرح المنهاج" ويدل له قول األصحاب " :لو نقص
المغضوب بغير استعمال وجب األرض مع األجرة ،
ولو نقص باالستعمال كما لو بلي الثوب باللبس ؛ فكذلك
على الصحيح ألن األجرة للفوات ،واألرض للنقص ،
وهما سببان مختلفان فيثبت موجبهما.
والثاني :ال يجب إال أكثر األمرين -من األجرة
واألرض ألن األرض بسبب االستعمال فيتداخالن فهذا
الوجه يشهد ألن العلة الفوات دون التفويت ؛ وإ ال فكيف
مضمنا ،لترددهم
ً يكون التفويت غير مضمن والفوات
في التفويت ،وجزمهم في الفوات شاهد لما قلته ،ثم علة
الفوات مضطردة سالمة من النقص بخالف التفويت ؛ أال
مرتدا فقتله لم يجب عليه ضمانه
عبدا ً
ترى أنه لو غصب ً
،لو مات في يده ضمنه ،والفرق أن يقيم في األول حد
اهلل ،وإ ن كان مفتاتًا على نائب المسلمين -بخالف
الثاني.
مرتدا بل قال مواله للغاصب أقتله فلو
ومثله لو لم يكن ً
قتله لم يضمنه ،لو تلف في يده ضمنه صرح به اإلمام
في النهاية في باب األسير يؤخذ عليه العهد أن ال يهرب
قبل باب إظهار دين اهلل.
ومنها :علة وجوب نفقة القريب على قريبه يتحصل من
كالم األصحاب فيه وجهان :
أحدهما :أنه منزل منزلة نفسه للبغضية.
والثاني :يسار القريب المنفق.
واليسار أخص من األول ،واألرجح التعليل باألعم ،
ويتخرج عليها أنه هل يجب على القادر على الكسب
االكتساب لنفقة القريب ؟ واألصح الوجوب لذلك.
واتفاق األصحاب أو أكثرهم ،على وجوب نفقة القريب
على المفلس المحجور ،يدل على أن العلة ليست اليسار
؛ بل مطلق الملك ،وبه صرح القاضي الحسين قال :
وال شك أن المفلس معسر ،وإ ن أنفق على قريبه فذلك
لعلة المالكية.
فصل :
فيما ازدحم عليه علتان بينهما عموم وخصوص من وجه
،العمل منهما لما هو األقوى في كل صورة
بخصوصها .وله نظائر منها :
صفحة 399 | 52 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
وصيا على يتيم فهو يتصرف له
ً منها :إذا كان القاضي
من حيث أنه قاض ،وتلك صفة تعم هذا اليتيم وغيره من
اليتامى ،ومن حيث أنه وصي ،وتلك صفة تبقى وإ ن
زالت صفة القضاء ؛ فهي أعم من القضاء من هذا الوجه
قاضيا ،بالنسبة إلى هذا
ً ،ألنه إذا زال خصوص كونه
وصيا ال يختص تصرفه بزمن
ً اليتيم ،بقي عموم كونه
قاضيا تصرفه بالوصية فإنه
ً القضاء ،واألقوى ما دام
تصرف بالخصوص.
فإن قلت :ماذا ينبني على هذا ؟
قلت :إذا كان لليتيم حق ورثه من أبيه فهل له الحكم به ؟
فيما ذكرناه يظهر أنه ال يحكم ؛ ألنه إنما يتصرف
بالوصاية وال قضاء فيها ،ولو تصرف بالقضاء لكان
حاكما والخصم هو الوصي "وهو الوصي" فيكون خصم
ً
نفسه وهذا ال يضر.
فمن ثم رجح قول ابن الحداد في وصي على يتيم ولي
الحكم فشهد عند بمال ألبي الطفل على منكر أنه ليس له
خصما في حكومة لم يجز
ً أن يحكم عليه ؛ ألن من كان
حاكما فيها .كما ال يحكم على غيره لنفسه ،
ً أن يكون
وألنه لو شهد للصبي ،الذي هو قيمه -بمال [لم يقبل]1
ومن ال يشهد لشخص ال يحكم له.
وصحح الرافعي أن له الحكم ،وذكر أن قول القفال ،
والقفال لم يفصح به في شرح الفروع ؛ وإ نما الشيخ أبو
سماعا ،واحتج بأن
ً علي نقله عنه في شرح الفروع
وصيا فال
ً القاضي يلي أمر األيتام كلهم وإ ن لم يكن
تهمة.
قال ابن الرفعة :والصواب قول ابن لحداد.
قلت :واألمر كذلك ،وقد بينته في الطبقات الكبرى في
ترجمة ابن الحداد.
فصل :
نختم به الكالم على التعليل بعلتين ،قد يتعقب المحل
علتان مقتضى كل واحدة منهما مقتضى أختها ،ونعلم
أنهما غير مجتمعتين ،ونعلم أن إحداهما واقعة ،
واألخرى زائلة ؛ غير أنا ال ندري عين الذاهبة ،وال
نميز بين الحاضرة والغائبة.
وهذا قد يقول من ينتهي إليه :هو من باب التعليل
بأحدهما ال بعينه .وليس
_________
1سقط في ب.
صفحة 399 | 53 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
كذلك ألن التعليل بالمبهمة فيما قدماه ،هو في مبهمة بين
شيئين .قال قائل باجتماعهما وتأثيرهما ،وقائل بتأثير
المجموع منهما ،إلى غير ذلك مما قدمناه ،وليس كالمنا
هنا فيه ،بل في وصفين أجمع على انتفاء أحدهما ولم
يعلم عينه ؛ فهل يضر ذلك ويبطل الحكم للجهل بالمأخذ.
أو ال ؛ ألن مثل هذا الجهل ال يضر ،إذ كل منهما كافية
في إقامة الحكم ؟
هذا موضع تردد ،وهذا يشهب القياس المركب ،فإن
المختلفين من األئمة من مأخذ إذا اجتمعت في صورة
أجمعوا على حكمها -وإ ن أسند كل الحكم إلى ما يعتقده ،
كما نقول :أجمع اإلمامان على أن البكر الصغيرة تجبر
؛ فالشافعي لبكارتها ،وأبو حنيفة لصغرها ،ولكن
القياس المركب ال خالف فيه بين الفقهاء ،وهذا فيه تردد
تلقفناه من مسائل.
منها :لو اشترى زوجته بشرط الخيار فهل له وطؤها
في مدة الخيار ألنها ال تخرج عن كونها منكوحة أو
مملوكة أواًل :ألنه ال يدري بأي األمرين يطأ ؟ فيه
وجهان :المنصوص منهما الثاني.
زاعما أن ذلك
ً ومنها :لو أقر بحرية بعده في يد غيره
الغير أعتقه ثم اشتراه ومات العبد ،وقد ترك مااًل
وأوالدا وال وارث له بغير الوالء والمشتري مصمم على
ً
إقراره ،فظاهر النص أن المال يوقف فإن والءه ال
يكون للمشتري العترافه بأنه لم يعتقه وال للبائع لزعمه
أنه رقيق ،وعليه جماعة من األصحاب.
واعترض المزني فقال :للمشتري أخذ قدر الثمن .مما
تركه ،فإن فضل شيء كان الموقوف هو الفاضل فقط ؛
وإ نما يأخذ قدر الثمن ألنه مستحق له بكل حال ،ألن
المشتري إما كاذب ،فالميت رقيق وما يتركه فهو ملك
مواله أو صادق فللبائع إرثًا بالوالء وهو قد ظلمه بأخذ
الثمن وتعذر استرداده فإذا ظهر بماله كان له أن يأخذ
قدر حقه.
وافترق األصحاب فرقتين :
فرقة خطأت المزني ،ومن توجيهاتها أنه ال يردي بأي
جهة يأخذ ،بجهة الملك أو بجهة الظفر ،فمن ثم يمنع
من األخذ إلى ظهور جهته ،وفرقة :منها ابن سريج
وأكثر مشايخ المذهب قالوا :األمر كما ذكره المزني.
صفحة 399 | 54 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
وقد نص عليه الشافعي في موضع آخر ،والفتيا على
هذا ،فإن اختالف الجهة ال ينبغي أن تمنع األخذ بعد
االتفاق على أصل االستحقاق.
ومنها :قال لي عليك ألف ضمنته ،فقال :ما ضمنت
شيًئا ،ولكن لك على ألف من ثمن متلف ففيه خالف ،
قال الرافعي في باب اإلقرار األصح الثبوت وقطع النظر
عن الجهة.
ومنها :قال :زوجتنيها [وقال] 1بل بعتكها ،قال
باطنا ،وفي الظاهره
الغزالي :إن كان صادقًا حلت له ً
وجهان الختالف الجهة.
قلت :قوله :إن كان صادقًا قيد لم يذكره الرافعي ،ولقد
أجاد ،فما لكونه صادقًا مدخل ،هب أنه كاذب ،فهي
ملكه فتحل.
ومنها :قطع رجل ذكر خنثى وشفريه ولم يعف عن
القصاص ،بل قال :سلموا إلي المستيقن منه ؛ ففي وجه
ال يسمل إليه شيء ،قال الغزالي في البسط :إذ ال
تعرف جهته -أهو من دية أو حكومة ،وهو ظاهر كالم
المزني .قال :وهو يلتفت على ما لو أدعى عليه.
تنبيه :ما قدمناه هو فيما إذا ما تعاقب على المحل
وصفان عرفنا أن أحدهما زائل ،وقد يتعاقب وصفان ال
يعرف زوال واحد منهما ولكن يتردد فيه -وبيانه
بصور.
منها :لو لم يكن له إال وارث واحد وأوصى له بماله ؛
[فوجهان] 2أصحهما أنه يأخذ التركة إرثًا ،والثاني
يأخذه وصية.
وذكر صاحب التتمة :إن فائدة الخالف تظهر فيما إذا
ظهر دين.
فإن قلنا ،يأخذها إرثًا فله إمساكها وقضاء الدين في
موضع آخر ،وإ ن قلنا :وصية قضاء منها ولصاحب
الدين االمتناع لو قضى من غيرها ،ووافقه الرافعي
والنووي ،وأطال ابن الرفعة والوالد رحمهما اهلل الكالم
على ذلك بما ال غرض لي اآلن في حكايته.
قال النووي "ومن فوائده لو حدث في عين التركة ،
زوائد إن قلنا :وصية لم يملكها ،وإ ن قلنا :إرث ملكها
على الصحيح.
_________
1في ب فقال.
2في ب وجهان.
صفحة 399 | 55 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
واعترضه الوالد رحمه اهلل تعالى بأنا وإ ن قلنا وصية فهو
إذا قبل يتبين أنه ملك بالموت [على الصحيح] 1األصح
فيستوي هو والوارث ،وحيث قلنا :ال يملك الموصي له
الزوائد ،فهي للوارث على األصح ،وعلى وجه تركه ،
والتركة للوارث ،فأيا ما كان فهي له .ثم قال [فلعل]2
مراد الشيخ محيي الدين رضي اهلل عنه أنه إذا قلنا :
باإلرث ،فالزوائد محكوم بملكه لها من حين الموت ،
وإ ن قلنا :وصية ،فال يحكم بملكها حتى يقبل ،فإن قبل
انبنى على الخالف في وقت الملك.
[قال] 3لكن يرد عليه ما أشرنا إليه من أنه إذا لم يملك
بالوصية ملك باإلرث.
فلعل مراده إن قلنا :وصية .لم يملكها بالوصية حتى
يقبل فيتبين قلت وجرت بيني وبين الوالد رحمه اهلل
مباحثه في هذه المسألة عند كتابته لها في باب الوصية
وقرأتها عليه في درس الغزالية ،وقلت قد تظهر فائدة
الخالف فيما لو كانت جارية وانقضت مدة االستبراء ،
قبل قبوله الوصية ،فإن قلنا تملكها "إرثًا" جاز له الوطء
-وإ ن قلنا " :وصية" فهو ما لم يقبل غير مالك بالوصية ؛
فينبغي أن ال يجوز له الوطء حتى يرد ،فيعلم أنه حينئذ
يطأ يملك اإلرث ،وإ ال فما لم يرد ال ندري بأن الملكين
يطأ فيمتنع وطؤه على الوجه القائل بنظيره فيمن اشترى
زوجته بشرط الخيار.
ثم ذكر الوالد رحمه اهلل ما إذا أوصى لكل وارث بقدر
حصته على اإلشاعة وأن الوصية تلغو وأن الرافعي قال
:يجيء فيه ،قال :وفقه الرافعي صحيح ،والحق في
المسألتين أن الوصية الغية لمخالفة أمر الشرع.
قال :ومن يقول بالصحة لعله يقول :إن ذلك موافق
لحكم الشرع في الوارث ،الواحد الجميع ،فهو بالوصية
مقرر لحكم الشرع [ال مخالف].4
[قال] 5ويجتمع على ملك الوارث سببان ،الميراث بأمر
اهلل ،والوصية بأمر الموصى الذي لم يقم دليل على منع
الشرع له في هذه الصورة لعدم اختالف األحكام ،فيستند
الحكم إليهما أو إلى أحدهما على الخالف في اجتماع
علتين .قال :وعلى هذا [ينزل] 6الوجهان.
_________
1سقط في ب.
2في ب لعل.
3سقط في أ والمثبت من ب.
4في ب مخالفًا.
5سقط في ب.
6في ب يقول.
صفحة 399 | 56 :
األشباه والنظائر
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل
فأعملناها
قلت :وهذا فقه صحيح ،وهو مقصودي بذكر هذا الفرع
،فإن هذه حينئذ صورة يتعاقب عليها وصفان ال يعلم هل
هما مجتمعان فيعمل فيهما ما يعمل في اجتماع علتين أو
إنما الموجود أحدهما ؟
ووددت لو قال قائل :يملك الوارث الثلث بالوصية
والثلثين باإلرث ،ألنه ليس للميت سلطان في الوصية إال
بالثلث ،ثم هذا الثلث إذا رده يحتمل أن يقال :إنه يرد
إلى الوارث فيعمل فيه ما تقدم.
ووددت لو قيل :إنه ال يعود إليه ألن الميت حجزه عن
أن يرثه بإيصائه به إليه ويكون كمن أوصى بالثلث ولم
يبين الجهة مع إخراجه الوارث.
فليتأمل فيها حركت من البحث ؛ فإني ال أذكر أن مثله
وقع بين يدي الشيخ اإلمام رحمه اهلل.
زمانا عند أقوام من الفقهاء ،
أصل :العلة تسبق المعلول ً
وعليه الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل ،وتقاربه عند
آخرين ،ولعلهم األكثر ،وهو المنقول عن الشيخ أبي
الحسن األشعري رضي اهلل عنه وسمعت الشيخ اإلمام
ين َم ْوتِهَا}.1 ِ يستدل له بقوله تعالى {اللَّهُ َيتََوفَّى ْ
اَأْلنفُ َس ح َ
وهو استنباط حسن.
وفصل قوم فقالوا [ :العقلية ال تسبق الوضعية والوضعية
تسبق].2
إجماعا.
ً وربما قال بعضهم :الوضعية تسبق
وإ نما الخالف في العقلية وعليه يدل كالم القفال والشيخ
أبي علي حيث قاال :فيما حكاه عنهما الرافعي في باب
العتق "المعلق ال يقارب المعلق عليه ،بل يتأخر بال شك"
،وسنحكي ذلك في مسألة ،إذا أعتقت نصيبك فنصيبي
حر معه -ولكن هذا فيه نظر ،والخالف واقع.
وقد صرح به ابن الرفعة في كتاب الطالق ،ثم ألحق
استواء العقلية والوضعية ،وإ ليه أشار الغزالي في
أبدا تحاكي العقل ،
الوسيط ،في الطالق .فإن الوضعية ً
ال فرق إال أن تلك مؤثرة بذاتها ،ولذلك ال نقول بها ،إذ
ال مؤثر عندنا إال اهلل تعالى.
وقال الغزالي في الوسيط في فصل التعليق بالتطليق
ونفيه ،وقد تكلم على مسائل 3من العلة والمعلول سيأتي
بعضها " :هذا كالم دقيق عقلي ،وربما يقصر نظر
الفقيه عنه".
قلت ورأيت في كالم بعضهم أن أزمنة األحكام المضافة
إلى األسباب أربعة أقسام :مقارن ومتقدم ومتأخر
ومختلف فيه ،وهأنا أذكر ما ذكره ثم أتكلم عليه.
_________
1الزمر "."42
2في أ العقلية ال تسبق الوضعية وقيل تسبق والمثبت
من "ب".
3ما بين القوسين سقط من "آ" والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 57 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها :
منها :األسباب الفعلية بأسرها كاالحتطاب واالختشاش
واالصطياد لحياة المباح وكالشرب والزنا والسرقة
للحدود ،كذا قال بعض المتأخرين.
قال :وكذلك التعاليق اللغوية ؛ فإنها أسباب وهذا في
التعاليق يقابل دعوى القفال ،والشيخ أبي علي أن المعلق
قطعا ،والذي يظهر التوسط بين هذين المتقابلين
يتأخر ً
والقول بأن التعاليق من محل الخالف -أتقارن أو تسبق
العلة فيه المعلول ،وكذلك الذي يظهر في األسباب
الفعلية.
غير أن هذا شيًئا وجدته في كالم الذي كان يقال :إنه
شافعي زماننا ،الشيخ شمس الدين بن عدالن ،رحمه اهلل
،ولعله من كالم [القرافي] 1أخذه ،وأنا ال أسلم ذلك ،
ووجدت في كتاب "البحر" للروياني قبل باب الرجعة
بنحو ورقة ما نصه.
فرع :اختلف أصحابنا في الطالق الواقع بالقول ،هل
هو واقع معه أو عقيبه ؛ فقال بعضهم :يقع مع القول ،
وقال بعضهم :يقع عقيبه ،ألن تعلق الطالق به [كتعلق]
2الملك بالبيع ،فكما يقع الملك عقيب 3كذلك الطالق
"انتهى".
وفي هذا داللة على أن الملك يقع عقيب البيع ال معه
وفاقًا ،وكذلك [يقاس] 4عليه ،وال يظهر عند التحقيق
فرق بين البيع والطالق.
وقد يقال :لما تركب البيع من إيجاب وقبول توقف
تحققه على تمام الصيغتين بخالف الطالق .وال تحقيق
في هذا ؛ فإن حقيقة البيع متى تحققت كان الخالف فيها ،
أقاربها الملك أم تعقبها.
_________
1في "ب" العراق.
2في ب لتعليق.
3في "ب" عقيب البيع.
4في "ب" قاس.
صفحة 399 | 58 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
ثم قال صاحب البحر عقيب هذا :وعلى هذا فلو قال :
أنت طالق في حال لفظي بهذه اللفظة هل يقع الطالق ؟
على الوجه األول يقع :وال تأثير لهذا القيد لثبوت
مقتضاه دونه ،وعلى الثاني :ال يقع حال اللفظ ،وهل
اعتبارا بقوله المرأته :أنت طالق
ً يقع عقيبه ؟ يحتمل
في الشهر الماضي ،وفيه خالف.
-القول في أحكام يضطر الفقيه إلى الحكم بتقدمها على
-مستنكرا في بادئ
ً أسبابها وإ ن كان ذلك ،عند اللمتكلم
الرأي.
منها :إتالف البيع قبل القبض ؛ فإنك تقدر االنفساخ قبل
تلفه ليقبل المحل الفسخ ،إذ [المعدوم] 1ال يقبل انقالبه
لملك البائع.
ومنها :قتل الخطأ فإن له حكمين :
أحدهما :يتقدم عليه وهو وجوب الدية ؛ فإنها موروثة ،
واإلرث ال يعقل إال ما تقدم فيه ملك الميت ،وقدر ملكه
لها قبل الزهوق -وعلى هذا قول من ال يقول بأن الدية
تجب للورثة ابتداء ،وهو الصحيح الظاهر.
وثانيهما :يقترن به ،وهو وجوب الكفارة إذ ال ضرورة
لتقدمها على القتل ،بخالف تقدم الدية.
ومنها :إذ قال لغيره أعتق عبدك عني.
القول في المختلف [ففيه] 2أيقارن العلة أم يتعقبها ؟
وهو األسباب القولية :كالبيع والعتق واإلبراء والطالق
واألمر والنهي ،وأمثلته تكثر .وإ ذا نظرت ما قلناه
عرفت أن محل الخالف إما مقصور على هذا أو مستتبع
قلياًل من غيره.
ومن الفوائد هنا -شيء قيمه ابن الرفعة وفيه نظر ؛
وذلك أن األصحاب قالوا :إذا قال طلقي نفسك إن
ضمنت لي ألفًا ،فقالت :طلقت وضمنت ،أو ضمنت
وطلقت ،بانت باأللف ،وتكون البينونة ولزوم األلف
مقترنين في زمان واحد سواء قدمت لفظ الطالق على
الضمان أو عكست ،وال يضر تعاقب اللفظين.
_________
1في "ب" المعدم.
2في "ب" فيه.
صفحة 399 | 59 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
قال ابن الرفعة :وال فرق بين أن يقول :المشروط
ترتب على الشرط ،والمعلول على العلة أو ال.
ِ
فكأنه فهم أن الخالف في تقارن المعلول ال يطرق هذه
الصورة من مجرد قولهم "زمان البينونية والضمان
واحد".
قال الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل -وفيما قاله نظر :
وإ نما أراد األصحاب أنه ال يتأخر أحدهما ،ثم زمانهما
مبني على الخالف في العلة مع المعلول والشرط مع
المشروط ؛ فعلى قول الترتيب يكون عقب الثاني منهما ،
وعلى قول العية يكون مع آخر الثاني ،قال :ولعل هذا
مراد ابن الرفعة.
قلت :وهذا هو الصواب ،وقد ذهب الماوردي إلى أنها
طا
ال بد أن تقدم الضمان على الطالق لكونه جعله شر ً
فيه ،والشرط متقدم على المشروط ،وفي هذا وفاء
بالقاعدة.
وزمانا ال يقتضي ما
ً غير أنا نقول :تقدم الشرط رتبة
ذكر من تقديمها إياه في اللفظ لما عرفت.
فرع :نكح الكافر ،البنه الصغير ،بالغة وأسلم أبو
معا ،قال البغوي :يبطل النكاح ألن
الطفل والمرأة ً
إسالم الولد حصل عقب إسالم األب ؛ فتقدم إسالمها
إسالم الزوج.
قال الرافعي :لكن ترتب إسالم الولد على األب ،ال
تأخرا بالزمان ؛ فال يظهر تقدم
تقدما وال ً
يقتضي ً
إسالمها على إسالم الزوج.
قال الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل :وينبغي بناؤه على أن
العلة الشرعية متقدمة أو مقارنة.
قال :والصحيح عندهم المقارنة ،وعليه يتجه قول
البغوي .انتهى.
فرع :قال كلما وقع عليك طالقي فأنت طالق ،ثم قال
لها أنت طالق ،وهي مدخول بها وقع الثالث ،قاله
األصحاب وقال الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل كل هذا إن
قلنا :العلة تتأخر عن المعلول ،وإ ن قلنا معه فإن جعلنا
"ما" مصدرية غير ظرفية ،فكذلك .وإ ن جعلناها ظرفية
لم يقع إال طلقتان ؛ ألنها إذا كانت ظرفية فالمعنى كل
صفحة 399 | 60 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
وقت ؛ فإذا قال :أنت طالق ،وقع الطالق المنجز ،
وواحدة من المعلق كالهما في وقت واحد ثم ال يقع في
ذلك الوقت ثالثة ،ألنه لم يجعل في كل وقت غير طلقة
واحدة ،وبعد انقضاء الوقت األول لم يقع الطالق ؛ إذ ال
تكرار في كل ،وإ نما لها عموم فقط ،فافهمه ؛ فلقد
اختلفت فيه نسخ "أحكام كل" وقد أوضحته.
هذا إن قلنا " :المعلول مع العلة" وإ ن قلنا "متأخر" لم يقع
إال طلقتان إذ جعلنا "ما" في "كلما" ظرفية -وسيعود
للمسألة ذكر في قسم أصول الفقه في باب العموم
والخصوص.
غانما
غانما فسالم حر ،ثم أعتق ً
فرع :قال :إن أعتقت ً
في مرض موته ،ولم يخرج من الثلث إال أحدهما
فالمذهب المجزوم به في المحرر والمنهاج في باب
الوصية تعين [غانم] 1للعتق وال فرعه ؛ ألنها لو
خرجت على سالم ورق غانم لم يحصل شرط [عتق
سالم].2
وبعضهم يقول في التوجيه :عتق سالم مرتب على عتق
غانم واألسبق أولى بالنفود.
قال الرافعي في [باب] 3الوصية :ولكن سيأتي في
زمانيا 4؛
ً الطالق أن مثل هذا الترتيب ال يقتضي سبقًا
وإ نما ثبتت األولوية لما هو األسبق في الزمان.
فالتوجيه األول أصح ،وذكر أن الحكم فيما [قال] 5فسالم
حر في حال إعتاق غانم كالحكم في المسألة ،قال ابن
الرفعة وسنعرف في الطالق وفي العتق في الفرع
المذكور ،خالفه ،قال :وعجيب ذلك منه ،وفي الشامل
أن القاضي أبا الطيب قال في تعليقه :إذا قال :إذا
سالما ،أن هذا ال
سالما فغانم حر في حال إعتاقي ً
أعتقت ً
طا والمشروط ال يصح
يصح ألن إعتاق سالم جعله شر ً
وجوده مع الشرط وال قبله.
وعن الشيخ أبي حامد نحوه إذا قال :ليس هذا بصحيح ؛
ألن اإلعتاق هو اإليقاع ،وال بد من ترتيب الوقوع عليه
،فيؤادي ذلك إلى أن يسبق عتق غانم عتق سالم.
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" بزماننا.
5في "ب" فيما لو قال.
صفحة 399 | 61 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
وقال الشيخ اإلمام رحمه اهلل في باب الوصية من شرح
المنهاج :اعتراض الرافعي إنما هو على لفظ األسبق ؛
ولكن تأويله [يرجع] 1إلى معنى التعليل األول ،قال
فكثيرا وأكثر األصحاب على الترتيب الزماني
وأيضا ً
ً
على خالف ما قال.
غانما فسالم حر -
قلت الذي يظهر في مسألة إذا أعتقت ً
التخريج على أن العلة مع المعلول أو سابقة ؟ فإن قلنا
سابقة فقد يقال :يتعين عتق غانم ،وقد يقال -وهو
األظهر :ال يتعين ألن علة عتق سالم ليس عتق غانم ؛
بل إعتاقه ،وفرق بين اإلعتاق والعتق ،فإن اإلعتاق
إيقاع والعتق وقوع ،واإلعتاق سابق ،وزمن عتق سالم
وغانم واحد ،وإ ن قلنا بالمعية فال يخفي أنها سابقة
بالتربة ،وقد يقال :إنه كاف في تعيين غانم ،وأما
مسألة التقييد بحال إعتاق غانم فيظهر أن يقال :إن قلنا :
يسبق العلة المعلول ؛ فهذا اللفظ متدافع إذ شرط عتق هذا
هو سبق عتق هذا ،فكيف يكون مع ؟ [فيفسد] 2اللفظ
ويخرج عن كونه علة ،أو يخرج على ما إذا قال "أنت
طالق أمس" كما قدمناه عن صاحب البحر.
أيضا ،ألنه عتق
وإ ن قلنا :بالمعية ؛ فقد يقال بالتدافع ً
جميعا ال
ً سالم معلل بعتق غانم ال بعتق بعضه ،وعتقه
دفعا لعتق غانم ،والتبعيض يؤدي إلى
يمكن ؛ ألن فيه ً
أن ال توجد الصفة في سالم.
وإ ذا لم توجد لم يسبق لعتق غانم معارض ؛ فيؤدي عتقه
إلى عتقه ،وهو دور كما ترى ،ولعل القاضي والشيخ
إلى هذا التقرير أشارا.
وقد يقال :بتعيين عتق غانم لكونه علة وهي وإ ن لم
زمانا سبقته رتبة فكانت أجدر ،وقد توجد
تسبق المعلول ً
العلة بدون المعلول لمانع ،أما معلول بال علة فمحال.
وبهذا يتبين لك أن المسألتين ليسا سواء ؛ إذ ال يحتمل في
األول بطالن اللفظ البتة .وهذا االحتمال ،في المسألة
الثانية ،يعضده أن القاضي أبا الطيب نفسه قال هو
وغيره كما نقل الرافعي في كتاب العتق :إذا قال أحد
الشريكين لشريكه الموسر :إذا أعتقت نصيبك فنصيبي
حر حال إعتاق نصيبك ،وقلنا :السراية تحصل
معا.
باإلعتاق .أنه يعتق على الشريكين ً
قلت :وال تدافع هنا ،ألن هذا النصف يعتق بكل تقدير.
_________
1في "ب" فيرجع.
2في "ب" فليغسل.
صفحة 399 | 62 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
وذهب القفال والشيخ أبو علي إلى أنه يعتق على المقول
له .قاال :ألن المعلق ال يقارن المعلق عليه ؛ بل يتأخر
بال شك.
وهذا غير مسلم لهما ،وال فرق بين المعلول وغيره ،
ولو قال :إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر ،فأعتق ،
سرى ،ألن السراية قهرية وال مدفع لها وموجب التعليق
قابل للدفع بالبيع ونحوه ،وقد بان لك بهذا أن المسألتين
ليسا سواء ،وإ ن تعجب ان الرفعة من الرافعي ،ألجل
ثانيا
تعجبا منه ألجل المنقول ً
المنقول عن القاضي يوجب ً
عن القاضي.
فرع :
قال لعبده :إن تزوجت فأنت حر ثم تزوج في مرض
الموت بأكثر من مهر المثل ،ولم يمكن أن [ينفذ] 1من
الثلث كل من الزيادة على المهر وقيمة العبد -بل
أحدهما -فيقدم المهر ؛ كذا قاله األصحاب وحاول
الرافعي تخريجه على ترتيب المعلول على العلة ،فإن
قلنا "بالمعية" وزع على الزيادة وقيمة العبد ،وذكر أن
األصحاب صرحوا بالتوزيع فيما لو قال :فأنت حر في
حال تزويجي.
قلت :فأما تصريح بالفرق عن األصحاب فهو شاهد
للفرق في المسألة قبلها على خالف ما ادعاه هو ،وأما
ما حول تخريجه ففيه نظر ؛ ألن المعلق على التزويج ال
المهر ،والمهر معلول [التزويج] 2كما أن العتق معلوله
،فزمانهما واحد ،فإن كان المعلول مع علته فهما مع
[التزويج] 3وإ ال فهما بعده إال أن نجعل نسبة المهر إلى
التزويج نسبة السراية إلى العتق ألنه قهري فيسبق العتق
؛ ألن معلق قابل للدفع كما تقدم في الفرع قبله.
[فرع: 4
قال للمدخول بها ؛ كلما وقع عليك طالقي فأنت طالق ثم
قال :أنت طالق ،وقع الثالث .كذا قالوه وقال الشيخ
اإلمام :هذا على قول الترتيب وكذا على المعية إن
جعلنا ما مصدرية غير ظرفية وإ ن جعلناها ظرفية لم يقع
إال طلقتان ألنل المعنى "كل وقت" فإذا قال :أنت طالق
وقع المنجز وواحدة من المعلق كالهما في وقت واحد ،
به ال يقع في ذلك الوقت بالبينة ألنه لم يجعل في كل وقت
غير طلقة واحدة ،وبعد انقضاء الوقت األول لم يقع
طالق إذا ال تكرار في كل وإ نما لها عموم فقط].
_________
1في "أ" يتقدر والمثبت من "ب".
2في ب التزوج.
3في ب التزوج.
4هذا الفرع سقط في "أ".
صفحة 399 | 63 :
األشباه والنظائر
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها
تنبيه :
إنما اختلفوا في تقدم الشرط مشروطه أو مقارنته أما تقدم
المشروط فمحال -ال يقوله عاقل -وظن التأدية إليه
أحدنا فحصلت به المسألة السريحية وهي " :إن طلقتك
فأنت طالق قبله ثالثًا" .وقد كثرت التصانيف فيها -
واشتهر إشكالها -قبل من زمن زيد بن ثابت رضي اهلل
عنه ،وقيل :بل من زمن الشافعي رضي اهلل عنه ،
وقيل المزني ،وقيل ابن سريج.
وأخطأ من ظنها من مولدات ابن الحداد -وإ ن كانت في
فروعه ؛ فليس كل ما في فروعه من مولداته ،ومن
العجيب قول ابن عبد السالم .فيما نقله القرافي في أوائل
الفروق.
صفحة 399 | 64 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
أصول خمسة :
الدور ،والجمع بين النقيضين ،وتحصيل الحاصل
محال ،ونفي النفي إثبات ،والزم النقيضين واقع .من
نازع في شيء من هذه القواطع فهو مصاب في عقله ،
واقعا
ولكن الحال قد يضطر الفقيه إلى تقدير غير الواقع ً
وعكسه.
الدور :أفرده من أصحابنا بالتصنيف ،األستاذ أبو
إسحاق وأبو علي الزجاجي ،وافتتح كتابه بقوله تعالى
ت َغ ْزلَهَا ِم ْن َب ْع ِد قُ َّو ٍة َْأن َكاثًا}1
ضْ َّ ِ
ونوا َكالتي َنقَ َ
{واَل تَ ُك ُ
َ
قال :واآلية أصل دفع الدور .ولألصحاب أعماله في
قطعة يرجع حاصلها إلى قطعه من أوله ،كمن زوج
عبده بحرة بصداق ضمنه في ذمته ،ثم باعه منها بذلك
الصداق قبل الدخول ،فال يصح البيع.
ومن وسطه :كمن زوج أمته بعبد في مرض موته
وقبض صداقها ثم أعتقها والصداق باق في ملكه ،وهو
ثلث ماله ،عتقت وال تنجيز.
ومن آخره :كمن أعتق أمته في مرض موته -وهي
ثلث ماله .ونكاحها ،لم يكن لها طلب المهر ،وال
ميراث لها سواء أخرجت من الثلث أم لم تخرج ؛ ألن
عتقها حينئذ وصية ،واإلرث والوصية ال يجتمعان.
أصل :الصحيح -عند أئمتنا وعليه أكثر المسلمين
وجمهور المتكلمين -أن المشار إليه بإنسان الهيكل
المخصوص ،ونعني به :هذا البدن المتقوم بالروح.
_________
1النحل "."92
صفحة 399 | 64 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
وعبارة الشيخ أبي الحسن رضي اهلل عنه في كتاب
"اإليجاز" اإلنسان هو هذه الجملة المصورة ذات
األبعاض والصور ،وحكى عليه إجماع المسلمين وأهل
اللغة.
كذا في "شرح اإليجاز" للقاضي أبي بكر ،وعزاه األستاذ
أبو منصور البغدادي ،في كتاب معيار الجدل -إلى أهل
الحق وبدع من خالفه.
قال :وهؤالء إذا سئلوا عن تعريف اإلنسان قالوا :هو
الجسد المخصوص بهذه الصورة المخصوصة فإن سئلوا
عن جبريل عليه السالم -حين جاء في صورة دحية
الكلبي -أجابوا بأن الظاهر منه كان على صورة ظاهر
اإلنسان ،ولم يكن باطنة حينئذ كباطن اإلنسان -فلم يكن
إنسانا.
ً
قلت :ويمكن الجواب بأن نقول لم نعن باإلنسان -البدن
بمجرده -بل البدن المقوم بهذه الروح البشرية ،وبهذا
خرج جبريل في صورة دحية الكلبي ؛ فإن الصورة
لدحية ،ومقومها جبريل [حالة] 1تشكله بها ،وهذا شيء
يقع ،ولم أجد في كالم األئمة ما يؤيده ،بل كلهم ال
يزيدون على أن اإلنسان "الهيكل فقط" ويحكون القول -
بأنه مجموع الهيكل مع الروح ،عن حسين النجار
وهشام بن الحكم -وأنهما قاال :ليس أحدهما إذا [انفرد]
2عن صاحبه بإنسان.
كذا في شرح اإليجاز وغيره من كتب قدماء أصحابنا
وهذا ظاهره أن أصحابنا ال يجعلون للروح مدخاًل في
مسمى اإلنسان البتة ال تفاقهم على رد هذه المقالة.
وذهب أبو حامد الغزالي إلى تضعيف القول بأن المشار
إليه [بإنسان] 3الهيكل المخصوص ،وتبعه اإلمام فخر
الدين ومتابعوه ،ثم اختلفت آراؤهم -بما ال غرض لنا
في شرحه ،مع اتفاقهم على أن المشار إليه "اإلنسانية
المقولة لهذا الهيكل ،وحلولها في الهيكل كحلول الهيكل
في الدار ،ال يوجب دخوله في مسماها.
وهذا المذهب معزو إلى الحنفية ،ولهذا أكثر أئمتنا في
التغليظ على من قال به.
واعلم أن هذا ليس هو مسألة الروح ،وإ ن ظن كثير من
الناس ذلك ،ولنا في تحقيق ذلك شرح لسنا له اآلن ،
وقد اختلف الفقهاء في مسائل تخرج على هذا األصل.
_________
1في "ب" حين.
2في "ب" أراد.
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 65 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
منها :قال علماؤنا -بناء على أصل أئمتهم :الحل في
النكاح يتناول هذا الهيكل بأجزائه المتصلة اتصال خلقه ،
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى { :فَ ْان ِك ُح ُ
وه َّن بِِإ ْذ ِن
َأهِل ِه َّن} أضاف النكاح إلى ذواتهن والمعنى بالذات جميع
ْ
األعضاء الموجودة لدى العقد.
فإن قلت :قدمتم أن الحل والحرمة ليسا من صفات
األعيان.
قلت :المعنى ذلك أن المحل ليس صفة قائمة بها ؛ وإ نما
المراد به االنتفاع ،والمعنى هنا أن االنتفاع مضاف إلى
البدن ال إلى مقومه.
وقالت الحنفية على أصولهم :مورد الحل في النكاح ،
إنسانية المرأة دون األجزاء واألعضاء واحتجوا بأن
األجزاء الموجودة عند العقد تتحلل وتتجدد ،قالوا :ومن
البعيد أن يقال :ورد النكاح على شعورها ،ثم كل شعره
نبتت بعد النكاح يتعلق بها نكاح جديد حتى يتجدد كل يوم
منكوحة لم تكن حالة العقد ،وهذا من منزهات الكلم ،
ولو اعتبرنا في قضايا الشرع هذه الحاالت ،لقلنا :كل
يوم يتجدد نكاح جديد -وإ ن كان المعقود عليه اإلنسانية ،
ألن النكاح عرض وهو ال يبقى زمانين.
فإن قلت :سيأتي في مسائل الفقه ،أن أبا حنيفة رضي
اهلل عنه -يرى أن المعقود عليه في النكاح -البضع فما
باله ال يضيف الحل إليه ،بل إلى اإلنسانية ؟
قلت :المعنى هناك أن الموضع موضع البدل العوض
مع عدم قطع النظر عن اإلنسانية ،والمعنى هنا أن
اإلنسانية مورد الحل ،وإ ن ورد العقد على جسم متقوم
بها ،ومنها :للزوج غسل زوجته إذا ماتت ،ألنه عقد
على بدنها ،وبدنها باق فيمكن من غسله.
وقالت الحنفية :ليس له ذلك ؛ ألن مورد العقد المعنى
الزائل بالموت المفارق للبدن ،وإ ذا تجرد البدن عن
قائما به
مورد العقد فال يعطي حكمه إذا كان مورده ً
وحااًل فيه.
ووافقوا على أن لها غسله إذا مات -مع قولهم أن الزوج
غير معقود عليه البتة ،فما أكثر مناقضتهم ألصولهم.
ومنها :إضافة الطالق إلى جزء من المرأة صحيح من
حيث إنه محل الطالق كما أنه محل النكاح ،ثم األصح
أنه يقع عليه ويسري إلى سائر البدن -ال أنه من باب
التعبير بالبعض عن الكل.
صفحة 399 | 66 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
وقالت الحنفية :فيما نقل عنهم بعض الخالفيين ،ال
يصح إضافة الطالق إلى جزء المرأة ألنا لمعقود عليه
إنسانيتها ،والخالف جار في العتق.
ومنها :أن مستحق القصاص في النفس إذا قطع اليد
وعفا عن النفس ،لم يلزمه أرش اليد سواء أوقف القطع
أم سرى ؛ ألنه استحق جملة البدن فصارت األطراف
مهدرة بالنسبة إليه.
وال يقال على هذا فامنحوا له قطع أطرافه ألن القصاص
لما كان مقابلة لم يجز له أن يفعل إال ما فعل به ،أو أن
يزهق الروح بطريق سهل ،وليس له التعذيب من غير
سبب.
وقال أبو حنيفة " :مورد استحقاق القصاص الروح ال
الهيكل المخصوص" ؛ غير أنه يقع في بعض البدن
توصاًل إلى إزهاقها ؛ إذ ال يمكن إزهاقها إال كذلك ،فإن
ظالما بقطع
وقف هذا الجرح ضمن ،ألنه لما عفا كان ً
اليد ،وإ ن سرى -ألنه تبين أن العفو وقع بعد االستيفاء-
فال أثر له.
حيا أو
زيدا فأنت طالق ،فرأته ً
ومنها إذا قال :إن رأيت ً
زيدا ألنه هذا
ميتًا طلقت ألن موته لم يخرجه عن كونه ً
الهيكل.
ومنها :لو قال روحك طالق ،طلقت على المذهب ،
مبنيا على أن الروح
وحكى أبو الفرج الزاز ،فيه خالفًا ً
جسم أو عرض.
ومنها :إذا وجد بعض الميت صلى عليه ،وهل ينوي
الصالة على جملة الميت أو على ما وجد منه ؟ فيه
وجهان حكاهما الماوردي واألول هو المجزوم به في
الروضة ،والثاني :قضية كالم أبي الطيب وجوز
الجيلي -شارح التنبيه -بناء الخالف على أصل آخر
حكى فيه [خالفًا] 1بين المتكلمين ،وهو أن العضو
البائن هل يحشر معه ويدخل الجنة إن كان من أهلها.
تنبيه :قد يقول قائل :كالم أصحابنا في الفقه يدل على
ما ذهب إليه الغزالي والحنفية من أن اإلنسان المعنى
القائم بهذا البدن ،وال مدخل للبدن في مسماه ؛ ألنهم
ذكروا أن نقصان اليد ونحوها نقصان وصف ال جزء
كما ذكروه في حكم البيع قبل
_________
1في "ب" حكى هو فيه اختالفًا.
صفحة 399 | 67 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
القبض ،صرح بذلك الوالد رحمه اهلل في "شرح المنهاج"
أعني بأنه ليس نقصان جزء ،وكل األصحاب
مصرحون بأنه نقصان وصف.
فالجواب :أن المعنى بالوصف في كالمهم ما ال يتقسط
الثمن عليهن ال ما نحن فيه.
على أني لم أجد في كالم الرافعي التصريح بأن نقصان
اليد ليس نقصان جزء ،بل ظاهر كالمهم أنه نقصان
جزء ذلك الجزء وصف ،ألنه قسم الجزء إلى وصف ،
وهو ما ال يفرد بالقيمة ،والمالية كيد العبد .قال :وهو
في معنى أن ال تباع األوصاف ،وإ لى ما يفرد كأحد
العبدين وأحد الصاعين
أصل :
الزم النقيضين واقع ال محالة ،وهذا أمر عقلي ال يقبل
المكابرة ؛ غير أن الحال قد يضطر الفقيه إلى اإلعراض
عن هذا الواقع ،فيجعله كأنه غير واقع ،لما يترتب على
الحكم بوقوعه من الخلل.
فروعا من هذا النوع يتهذب بها النظر.
ً ونحن نذكر
فنقول :إذا قال أحد الشريكين في عبد :إن لم تدخل
غدا فنصيبي حر ،ومضى الغد ولم يعلم حالة
الدار ً
واتفق الشريكان على الجهل به ،فيعتق النصف بتقدير
واقع على التقديرين ،وكذلك عتق الكل إن كانا موسرين
،وقلنا السراية ال تتوقف على أداء القيمة.
وهذه مسألة كبيرة ،ومع ذلك ليست في شرح الرافعي ؛
وإ نما الذي في الرافعي في مسألة الغراب ما قد يقالك إنه
نظيرها ،وليس بنظير ،والمنقول في مسألتنا هذه فيما
إذا كانا موسرين عن أبي العباس ابن سريج أن العبد
يعتق والوالء موقوف وال قيمة في الحال.
وعن أبي علي الثقفي أنه يعتق على الذي علق العتق
بالعدم ،وله الوالء ،ويغرم الثاني من نصيبه ؛ ألن
األصل عدم الدخول.
وإ ن كانا معسرين فثالثة أقوال :
أحدها :يعتق نصيب من علق بالعدم.
والثاني :يعتق نصيب العبد على الشيوع ؛ ألنه معلوم
يقينا ،والنصف الثاني يبقى
ً
صفحة 399 | 68 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
بينهما على الرق ،وهو يشبه قول القسمة في تعارض
البيتين.
الثالث :ال يعتق نصيب واحد منهما بناء على األصل ،
غرابا فنصيبي
كما لو طار طائر فقال أحدهما إن كان ً
غرابا فنصيبي حر-
حر ،وقال اآلخر :إن لم يكن ً
وهما معسران فال يحكم بعتق نصيب واحد منهما كما
جزم به الرافعي ومن بعده.
قلت :وما أحسب قوله :ال يحكم بالعتق ،ولم يقل ال
يعتق ألن العتق واقع ال محالة إذ هو الزم النقيضين ،
وبذلك صرح اإلمام في النهاية ؛ فقال :ال يحكم بالعتق
باطنا أنه قد عتق نصيب
في ظاهر الحكم ،ولكن يعلم ً
أحدهما انتهى.
وفائدته :فيما لو اجتمعا في ملك أحدهما بعد ذلك كما
صرح به األصحاب.
ومن عين العتق في نصيب المعلق بالعدم أو قال يعتق
نصف نصيب كل منهما فقد قرر المحال ؛ ولكن القائل
بقسمة المعتق عليهما فقد وقع في محال آخر ،فإنه أعتق
قطعا .ودعواه أنه يشبه القول بالقسمة ،في
من لم يعتق ً
تعارض البيتين ،ممنوعة فإن القسمة هناك قد توافق
الحكم في نفس األمر ،وهنا ال يمكن ؛ إذ نحن على قطع
بأن نصيب أحدهما غير مشمول بالعتق ،وليس فرضنا
اآلن في ذلك ؛ وإ نما الكالم على القول بأنه ال يحكم
بنصيب واحد منهما ،فإنه قد يتخيل أن هذا مناقض
للقاعدة الكالمية في أن الزم النقيضين واجب الوقوع ،
باطنا غير أن الضرورة الجأت إلى
فنقول :هو واقع ً
قائما ،أال ترى أنه إذا
الحكم بعدم وقوعه ما دام الشك ً
زال واجتمعا في مسلك واحد يحكم عليه بعتق النصف.
إذا عرفت هذا فالكالم بعده في فائدته حسنة ،وهي :أن
هذه المسألة التي حكينا فيها التفصيل والخالف هل هي
غرابا
مسألة ما إذا قال أحدا لشريكين إن كان هذا الطائر ً
غرابا فنصيبي
فنصيبي حر ،وقال اآلخر ،إن لم يكن ً
حر ،أو غيرها.
فإن لم تكن هي ،فتلك في شرح الرافعي في باب العتق
وفي كتاب الطالق ،وحاصل ما ذكره فيها من
المعسرين أنه ال يحكم بعتق نصيب واحد منهما ؛ فلو
اشترى نصيب صاحبه حكم بعتق النصفين ،ألنه
جمعهما مسلك واحد ،ولو باعا النصفين من ثالث فكذلك
،وال رجوع له على واحد منهما ،ألن كال منهما يزعم
أن نصيبه مملوك.
وحكى الشيخ أبو علي أن بعض األصحاب [قالوا] 1إن
عالما
أقدم على الشراء ً
_________
1في "ب" قال.
صفحة 399 | 69 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
بالتعليقين فال رجوع له ،وإ ال فله الرد بالعيب كما لو
عبدا ثم بان أن نصفه حر ،وعلى هذا فيرد العبد
اشترى ً
كله.
وأطال الرافعي في تفريع هذا ،وقال في الموسرين :إن
قلنا بتعجيل السراية عتق العبد ،لتحقيق حنث أحدهما ،
والسراية عليه ،والوالء موقوف ،وإ ن قلنا :بتوقف
السراية على أداء القيمة لم يحكم بعتق شيء منه والحكم
ملخصا.
ً كما في المعسرين .انتهى
وعلى تقدير كونها هي بكون الرافعي قد فاته فيها ما
حكيناه من الخالف ،وإ ن تكن غيرها فتكون قد فاتت
الرافعي بالكلية.
والجواب :أن من األصحاب من زعم أنها هي كما ذكر
القاضي ٍأبو سعد الهروي في اإلشراف ومنهم من فرق
بينهما ،وهو الصواب.
طائرا
غرابا وكونه ً
ووجه الفرق أن احتمال كون الطائر ً
آخر غير غراب سواء ليس ألحدهما على اآلخر رجحان
؛ فال يصح التمسك فيه باألصل ،إذ ما من نوع من
الطائر إال ويقال فيه .األصل أنه ليس هذا ،فيكون
منعكسا في نفسه ؛ ألنك
ً استعمال األصل في هذا األصل
إن قلت :األصل أنه غير غراب ؛ فكذلك األصل أنه
غير حمام وأنه غير باز وأنه غير هدهد ،وهكذا إلى أن
ينتهي عدد كل طائر ،وكل شيء انعكس بنفسه لم يصح
التمسك به.
فوضح أنه ال اعتماد على األصل في مسألة الغراب ،
بخالف عدم دخول الدار ،فإن التمسك فيها باألصل
مستقيم ،ومن ثم عينه بعض األصحاب ،وذهب إلى
حذرا من نفي النقيضين أو إثباتهما.
إلغاء العتق عليه ًَ
ووضح بهذا أن مسألة الدخول ليست في الرافعي ؛ بل لم
أقف عليها في شيء من تصنيف الرافعي والنووي ،
وابن الرفعة في المطلب ،لم يذكر مسألة الدخول وال
مسألة الغراب هذه .ومن فوائد هذا الرفع أن اإلمام لما
حكى الوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي -أنه يرد بالعيب-
قال :
هذا هو بين ال ينبغي أن يعد مثله من المذهب ؛ ألنه لو
جوزنا له الرد لعاد كل واحد من الشريكين إلى نصيبه
وزال العتق المحكوم به.
قلت :وقد يستضعف عدم الرد ويقال :كيف يلزم بتوفير
الثمن على ما لم يسلم بسبب سابق موجود في يد البائع.
صفحة 399 | 70 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
وعند هذا أقول :الحكم بالعتق إذا اشتراه ثالث يحتمل أن
يقال :إنه مستند إلى الزمان السابق ،لكونه كان الواقع
باطنا ؛ غير أن معرفة [من يعتق 2عليه] أوجبت
[فيه]ً 1
أن ال يحكم به ،وهذا يشبه القول بأن الوقوع فيما إذا قال
:إحداكما طالق [عند التعيين من حين قوله ،إحداكما
طالق] 3ال من حين التعيين ،وعلى هذا قالوا :ال
موقوف بين الشريكين ،لتردد العتق بينهما ،وعلى هذا
يتجه القول بالرد ؛ ألنه تبين وجود الحرية في يد البائعين
سببا للحكم بها ،فالشراء وقع منه بعد
،وإ ن كان الشراء ً
إيجابهما ،ويحتمل أن يقال :إنه يستند إلى زمان
المشتري ،ويكون العتق عليه والوالء له كما قيل في
الطالق المبهم ،إنه من حين التعيين ،وهذا يؤيده أنه لو
مستندا إلى الزمان السابق لعاد اإلشكال الذي بسببه
ً كان
لم يحكم بالعتق فيما مضى ؛ فإنه يؤدي كما عرفت إلى
وقت الوالء وغيره ويضعفه أنه ال مقتضى للعتق اآلن
فإنه لم يصدر من المشرتي ما يوجبه وإ نما صدر من
البائعين ،فإن وقع عتق فليستند إلى سببه.
وبالجملة إذا استند إلى زمان المشتري اتجه أن ال يرد
بالعيب ألنه المعتق -في ظاهر الحكم -بهذا الشراء ،
وقد عادت إليه فائدة الوالء.
فإن قلت :هل هذا كما إذا ارتد العبد في يد البائع وقتل
عند المشتري فيتخرج على الخالف فيه.
قلت :الردة سبب وجد عند البائع مقتضية للقتل وإ ن لم
يصدر بيع ،بخالف ما نحن فيه ؛ فإنه لو لم يصدر بيع
لم يحكم بالعتق .فالقول بالرد في الردة أوضح من هذا.
فرع :
قال شيخ اإلسالم أبو الفتح بن دقيق العيد في كتاب
"اقتناص السوانح" ،ذكر بعضهم أن المسألة السريجية
إذا عكست انجلت ،وطريقه أن يقول " :متى طلقت فلم
يقع عليك طالقي فأنت طالق قبله ثالثًا" ؛ فإنه حينئذ متى
طلقها وجب أن يقع الثالث القبلية ؛ ألن الطالق القبلي
ثابت -حينئذ على النقيضين وقوع المنجز وعدم وقوعه
قطعا ؛
،وما ثبت على النقيضين فهو ثابت في الواقع ً
قطعا ،وهذه
قطعا ،فالمعلق به واقع ً
ألن أحدهما واقع ً
مقدمة ضرورية عقلية ال تقبل المنع بوجه من الوجوه ،
أصل المسألة في الوكالة "انتهى".
وكتبت أنا -هذا في وقت في ورقة -وتركت بعض
كثيرا ،وألقيت
بياضا ً
ً األسطر
_________
1في "ب" به.
2في "ب" عين من يعتق.
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 71 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
الورقة على فراش الشيخ اإلمام -تغمده اهلل برحمته
ورضوانه -ثم عدت ثاني يوم فوجدته قد كتب بخطه
عقيب خطي ما نصه .ومنه نقلته "وهذا فيه نظر" وإ نما
يلزم وقوع الطالق المعلق ،بالنقيضين المذكورين .لو
قال :إن طلقتك فوقع عليك طالقي أو لم يقع فأنت طالق
قبله ثالثًا ثم يقول لها :أنت طالق ؛ فحينئذ يحكم بأنها
طلقت قبل ذلك التطليق عماًل بالشرط الثاني ،وهو عدم
الوقوع ،ألن الطالق المعلق مشروط بأحد أمرين :إما
الوقوع ،وإ ما عدمه في زمن واحد مستند إلى زمن واحد
استنادا إلى الشرط
ً قبلي -وال يمكن الحكم بالوقوع القبلي
األول ،وهو الوقوع ،للزم الدور.
مستندا إلى عدم
ً وأما الوقوع في ذلك الزمان القبلي
الوقوع ؛ فال محال فيه ؛ إذ ال يمكن أن يقال :لو وقع
فيه لوقع قبله ،ألن إنما يحمل القبيلة على القبلية المتسعة
،التي أولها عقب التعليق ،أو على القبلية التي تستعقب
الطالق ؟
فإن كان األول :لم يمكن وقوع الطالق قبله ؛ ألنه يكون
سابقًا على التعليق ،وحكم التعليق ال يسبقه وهذه فائدة
فرضنا التعليق على التطليق ونفيه بكلمة واحدة.
استنادا
ً أيضا القول بالوقوع قبله
وإ ن كان الثاني :لم يكن ً
إلى الشرط األول ؛ ألنه كما تتقيد القبلية القريبة بالنسبة
إلى الشرط الثاني كذلك تتقيد بالنسبة إلى الشرط األول ،
فال يكون على تقدم الوقوع ،على ذلك الزمان دليل ،وال
له موجب ،هذا كله إذا كان التعليق بالنقيضين ،وأن ما
تعلق بالنقيضين واقع كما توهمه القائل ؛ بل ألن التعليق
بالعدم وأنه ال مانع منه وال استحالة فيه حتى لو انفرد
التعليق بالعدم كان كذلك فال أثر للتعليق معه على
الموجود ،وإ ن وقع في فرض المسألة ،فافهم ذلك
"انتهى".
كالما طوياًل إال أنه لم يتمه ،فتركت كتابته ،
وذكر بعده ً
واقتصرت على هذا لحصول الغرض منه ،وكتبته في
الطبقات الوسطى في ترجمة ابن دقيق العيد.
والشيخ اإلمام وقف على هذه الطبقات ،وعلى ترجمة
ابن دقيق العيد نفسها ،وقرأ ما كتبته من خطه هنا ،
وسكت عليه ،ثم رأيته بعد موته رحمه اهلل ذكر المسألة
في باب الوكالة من "شرح المنهاج" ،وقال هو جعله
الزما [للنقيضين]1
الزما للنقيضين وليس كل ما جعله ً
ً
الزما ؛ ألن المانع من وقوعه يمنع اللزوم.
يصير ً
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 72 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
وإ ذا صححنا الدور فهو مانع من وقوع الطالق معلقًا
ومنجزا ؛ ألنه يؤدي إثباته إلى نفيه .ثم اندفع في نحو ما
ً
ذكره ،هنا -من الفرق بين اتحاد الزمان وتعدده
وتراخي أحد التعليقين عن اآلخر ،واتساع القبيلة.
أيضا -في كتاب النكاح ونسبها إلى ابن دقيق
وذكرها ً
العيد نفسه ،ولم يزد في تعقبه على أن قال " :وفيما قاله
نظر ألنا نمنع صحة التعليق الثاني إذا صححنا األول ؛
الزما للنقيضين إذا علقه على كل
وإ نما يكون الطالق ً
منهما بكلمة واحدة "انتهى".
وحاصله :أن ما قاله الشيخ تقي الدين ال يندفع به الدور
؛ ألنه لو وقع الطالق بما أخذ به من التعليق لزم وقوع
الثالث قبله بالتعليق األول ،ومتى وقعت لم يقع بالثاني
شيء ،فالدور باق بحاله ،بخالف ما لو جمع بكلمة
واحدة فقال :إن طلقتك فوقع عليك طالقي أو لم يقع ؛
فأنت طالق فإنه يقع ،وال يمكن أن يقال فيه :إنه لو وقع
لوقع قبله" .لما قرره ،ثم قال :إن الحكم بالوقوع فيما
فرضه هو ،ليس لكون الطالق معلقًا بالنقيضين ؛ بل
ألجل التعليق بالعدم ،حتى لو تجرد التعليق بالعدم فقال :
إن طلقتك فلم يقع فأنت طالق ثالثًا وقع الثالث.
هذا وجه كالمه ذكرته لتعقده على بعض الناس وليس
بعده في النفاسة شيء.
وقد وقفت على كالم لبعض الناس حسبته هو األمر
المستسهل عند الشيخ اإلمام ،وما وراءه ال يستحق أن
يذكر ؛ فلم أحب أن أذكره ،ففي كالم الوالد كفاية ،ثم
قلت :ال بأس بذكره ليستفاد .قال الشيخ [اإلمام]1
برهان الدين بن الفركاح -في الجواب عما ذكره ابن
دقيق العيد بعد االعتراف بأنه دار بين الفقهاء ولم يذكر
فيه شيء مفيد ،ال نسلم أن التعليق األول مقتضاه وقوع
القبلي ،وكيف يكون ذلك مقتضاه وهو مستحيل ؛ فإنه لو
وقع القبلي لم يقع المنجز ،وحينئذ يكون قد وقع المعلق
بدون وجود المعلق عليه ،فوقوع المنجز يستلزم عدم
وقوع القبلي ال وقوعه.
فإن قلت :لفظ التعليق اقتضى ما ذكرناه من استدعاء
[وقوع المنجز لعدم] 2وقوع القبلي.
قلت ال وذلك ألن "هذا" العكس إنما هو كالم تقدير
تصحيح الدور ،ومتى قلنا
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 73 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
بصحته فمعناه أن لو وقع هذا المنجز للزم منه المحال
وما لزم منه المحال محال.
فحينئذ التعليق األول -على تقدير تصحيح الدور -يلزم
جميعا ،ال أنه يستلزم
ً منه امتناع وقوع المنجز والمعلق
وقوع القبلي على تقدير وقوع المنجز.
وأما التعليق الثاني :فمقتضاه وقوع القبلي على تقدير
وقوع المنجز ،وهذا ليس بمستحيل بمجرده ولكن وقوع
القبلي على تقدير عدم وقوع مستحيل للدور الصحيح
المتقدم ؛ فإن الكالم إنما هو على تقدير تصحيح الدور
المتقدم ،وحينئذ يستحيل وقوع القبلي على تقدير عدم
وقوع المنجز ألنه لو وقع قبله الثالث ،ولو وقع الثالث
لم يقع.
فرع :قال :أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم فعند ابن
سريج [أنه] 1ال يقع الطالق ؛ ألنه إنما يتحقق ما جعله
طا للطالق بمضي اليوم ،وإ ذا مضى اليوم لم يبق
شر ً
وقت الوقوع ؛ فال يقع وقال الشيخ أبو حامد :يقع في
آخر لحظة من اليوم ،ألن الشرط عدم التطليق في اليوم
،والتطليق لفظ يقع في زمان يحتمله ،فإذا لم يبق من
الزمان ما يتسع للتطليق فقد تحقق الشرط حينئذ فيقع
زمانا
الطالق ،والوقوع حكم الشرع وال يستدعي ً
يستدعيه التطليق [ ،والشرط والجزاء] 2ال يتصور
اجتماعهما.
قلت :لفظ اليوم اسم زمان ممتد من الفجر إلى الغروب ،
وهو صادق على كل جزء من أجزاءه ؛ ففي اإلثبات إذا
قال :أنت طالق اليوم ،ولنفرض ذلك فيمن قال :أنت
طالق اليوم ،كذا يقع في أول جزء منه.
وفي النفي إذا قال :إن لم أطلقك يوم كذا ال يصدق -
لكونه نكرة في سياق النفي ،حتى تغرب شمس ذات
موقعا
ً اليوم ،فلما جعل عدم الطالق في ذلك اليوم
للطالق فيه آل ذلك إلى التناقض ؛ فإما أن يقال :هذا منه
3
متدافع فال يقع شيء [وهو] 4رأي ابن سريج أو يقال
أمكن أن يحمل قوله قوله إن لم أطلقك على العموم الذي
ال يتم إال بتمام اليوم وقوله فأنت طالق على الوقوع في
جزء منه لكون اطالق ،في اإلثبات -يصدق بجزء منه
كما قلنا ،بخالفه في النفي ،فالمعلق الطالق في جزء
من أجزاء هذا اليوم إذا انقرض جميع اليوم بغير طالق
[وانقراض جميع اليوم
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" تقديم وتأخير.
3سقط في "ب".
4في "ب" وهذا.
صفحة 399 | 74 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
بغير طالق] 1يوجب أن ال يقع طالق ،وعدم وقوع
الطالق يوجب أن يقع لوجود الصفة.
فجمع بينهما الشيخ أبو حامد وما فعله نظير ما يقال في
تارك الصالة أنه يقتل إذا خرج وقتها عن صالحية األداء
،وقيل :دخوله في القضاء ؛ ألنه في ذلك الوقت محقق
أنه أخرجها عن وقتها " ،إذا" لم يبق منه ما يسعها أداء
كما لم يبق من هذا اليوم ما يسعها تطليقًا ،فوسعها طالقًا
،فأمكن أن يحمل قوله " :إن لم أطلقك في هذا الزمان
فأنت طالق فيه ،ويعني بزمان الطالق غير زمن عدمه
،فال تناقض ،ويتجه الوقوع كما قال الشيخ أبو حامد.
إال أني أقول [لكن] 2أن يقال :يقع بعد مضي لحظة من
أول اليوم فإن اللحظة األولى صدق فيه أنه لم يطلقها
اليوم.
فإن قلت :عدم الطالق اليوم يستدعي جميعه.
قلت :ال نسلم ،أال ترى أنه لو علق الطالق على اليوم
الكتفى بأوله.
واقعا في
فإن قلت :ذلك ألنه إذا وقع في أوله كان ً
جميعه.
قلت :لعل الضرورة تلجئ -هنا إلى حمل اليوم على
بعضه خشية على الكالم من التهافت ؛ فال يكون وقوع
الطالق ،في هذا الفرع ،الزم النقيضين.
ولو قال :إن تركت طالقك [فأنت طالق] 3ومضى
زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق -طلقت.
ومثله :لو قال :إن سكت عن طالقك ذكرهما الرافعي
وال إشكال فيهما -وإ ن تخيل أن كيف يقع الطالق مع
تركه والسكوت عنه.
فالجواب :أن زمن السكوت والترك ال طالق فيه ؛ وإ نما
هو صفة لطالق يقع عقيبه فهو كما لو قال [إن] 4لم
أطلقك فأنت طالق ،ومضى زمان يمكنه أن يطلق فلم
يطلق "فإنا تطلق" ويكون زمان الطالق عقب زمان
عدمه.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" يمكن.
3سقط في "ب".
4في "ب" إذا.
صفحة 399 | 75 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
فإن قلت :أي فرق بين هذه الصور الثالث.
قلت :يظهر لي أن المعلق عليه -في إن لم أطلقك -عدم
الطالق ،وفي -إن سكت أخص منه وهو استحضار
الطالق ،مسكوتًا عنه فكأنه أحضره في ذهنه وأعرض
عنه.
وفي -إن تركت -أخص من السكوت ،وهو استحضاره
ثم فعل الكف عنه كذا يتبادر إلى فهمي.
ولك أن تقول :المعلق عليه ،في إذا لم أطلقك وصف
عدمي ،وفي إن تركت وإ ن سكت ،وصف وجودي ،
ويوضحه أنه إذا مضت لحظة وهو تارك أو ساكت
تطلق ،وإ ن كان قد علق بصيغة "إن".
وجوديا مطلقًا ،يصدق
ً وجاء هذا من كون الوصف
بصوره ،بدليل أنه لو قال " ،إن لم أطلقك" امتد مدة
عديما لكان
العمر ؛ فلو قال :تركت أو سكت -وصفًا ً
"إن لم أطلقك" وإ ن تركت طالقك سواء ؛ فلما افترقا
حكما دل على الفرق معنى.
ً
وكذلك في "إذا لم أطلقك" [تقول] 1إن الفور مستفاد من
صيغة إذا ،وإ ذا ظهر هذا الفرق فأقول :ومما يوضح
لك الفرق بين "إذا لم أطلقك وإ ن تكرت طالقك" أنه لو
يكن تركت ،ينبغي أن يقع في األول إذا لم يطلق .كما
قالوه [فال] 2نظر.
وأما في السكوت والترك فينبغي أن [يتوجه] 3منه في
زمن عدم التطليق ما ذكرناه من اإلعراض عن الطالق
وفعل الكف عنه لتوجد الصفة .وكأنهم إنما لم يذكروا
ذلك ألنه لما نصب [تسبب] الطالق لم يسمع منه إرادة
دفعه المخالفة للظاهر ألن الظاهر أنه لو أعرض أو كف
سببا للطالق.
تطلق ألن اإلعراض عن الطالق قد صار ً
واقعا على
ولكن في هذا نظر ؛ ألن الطالق إذا كان ً
التقديرين فال فائدة في الطالق عند اإلعراض وإ نما
يظهر هذا لو قال :إن تركت أو سكت عن طالقك فأنت
طالق ثالثًا أو ثنتين ؛ فإنه يكون اإلعراض عن أصل
موقوعا ألكثر من طلقة ،فيقال :هال .طلقت لما
ً الطالق
عرضت لتدفع عنك الزائد عن الواحدة ؟
ولكن في هذا نظر ؛ أال ترى أنه لو قال عقب هذا التعليق
أنت طالق طلقت المنجز ال ذاك المعلق فدل أن المعلق
عليه ما ذكرناه فليتأمل ما حررته من البحث وبه ظهر
أنه ليس
_________
1في "ب" لقول.
2في "ب" بال.
3في "ب" يوجد.
صفحة 399 | 76 :
األشباه والنظائر
أصول خمسة
الطالق في شيء مما ذكرناه الزم النقيضين ؛ إنما
األشكال ويسببه سيقت هذه المسائل إذا قال :إن لم يقع
عليك طالقي اآلن فأنت طالق اآلن بهذا أقول :ينبغي أن
ال يقع ،وإ ن كان طالقها الزم النقيضين.
وقد يعارضني معارض بما نقله الرافعي عن إسماعيل
اليوشنجي أنه لو قال :أنت طالق حين ال أطلقك ولم
يطلقها عقيبه .يقع الطالق في الحال.
بسم اهلل الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين قال
مصنفه ،سقى اهلل عهده صوب الرحمة والرضوان.
صفحة 399 | 77 :
األشباه والنظائر
مدخل
مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية :
أعلم أنا لنا في أصول الفقه مصنفات اشتملت على قدر
كبير من الفروع المخرجة على األصول ،من نظره
عرف أنا لم نسبق إليه ،ومن أحاط بما في كتبنا األربعة
وهي :
"شرح مختصر ابن الحاجب" و"شرح منهاج البيضاوي"
و"المختصر المسمى" و"جمع الجوامع" واألجوبة على
األسئلة التي أوردت عليه المسمى "منع الموانع" من
الفروع المخرجة على األصول أحاط بسفر كامل "من
مشيرا بما ينبغي أن يدخل في
ذلك" ونحن نذكر هنا ً
األشباه والنظائر ومما بعضه غير مذكور في كتبنا
المشار إليها ونورده على ترتيب جمع الجوامع مستعينين
باهلل متوكلين مصلين على نبيه محمد صلى اهلل عليه
وسلم
أصل :
التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة ومن ثم يختض
بالواجب والمحرم ،وقيل :طلبه ،فيشمل معهما
المندوب والمكروه وهذان القوالن ألئمتنا وسكلت الحنفية
طريق سبيل آخر فقالوا :
التكليف ينقسم إلى وجوب أداء وهو المطالبة بالفعل
إعداما سواء خصصنا تلك المطالبة بالحكمين
ً إيجادا أو
ً
أم قلنا بدخول األربعة ،وإ لى وجوب في الذمة سابق
عليه ،وعنوا بهذا القسم من الوجوب اشتغال الذمة
بالواجب وإ ن لم يصلح صاحب الذمة لإللزام كالصبي إذا
أتلف مال إنسان فإن ذمته تشتغل بالعوض ثم إنما يجب
األداء على الولي ،وزعموا أن استدعاء التكليف األول
وفهما للخطاب األول ،بخالف الثاني.
ً عقاًل
قالوا :واألول يتلقى من الخطاب والثاني من األسباب.
صفحة 399 | 77 :
األشباه والنظائر
مدخل
قالوا :فمستغرق الوقت بالنوم يقضي الصالة مع ارتفاع
فلم التكليف عن النيام.
قالوا :ولكن لما كان الوجوب مضافًا إلى أسباب شرعية
طردا
دون الخطاب وجب القضاء ،كذلك فطردوا ذلك ً
عاما في العبادات والعقوبات وزعموا أن سبب وجوب
ً
جرا.
الصالة الوقت والصوم الشهر ،وهلم ً
فليت شعري من هذه سبيله لم يمنع وجوب زكاة مال
الصبي وأما علماؤنا فقالوا :ال يجب على المجنون إذا
أفاق القضاء ألن الوجوب بالخطاب ال باألسباب.
فإن قالوا لنا ؛ فأنتم حينئذ أحق منا بعدم وجوب زكاة مال
الصبي قلنا :لم نوجب على الصبي شيًئا وإ نما أوجبنا
في ماله والشارع نظر في الزكاة إلى األموال ال إلى
أصحابها ،ومن أمعن نظرة في السنة وجد األحاديث
مشحونة بذلك كقوله عليه السالم في أربعين شاة شاة
وقوله عليه الصالة والسالم إن في المال حقًا سوى
الزكاة.1
وللمسألة مآخذ غير ما ذكرناه.
فائدة :
الصحيح عندي أن األحكام سنة الواجب والمندوب
والحرام والمكروه [والمباح] 2وخالف األولى.
وافترق خالف األولى مع المكروه اختالف الخاصين ،
فالمكروه ما ورد فيه نهي مخصوص مثل " :إذا دخل
أحدكم المسجد فال يجلس حتى يصلي ركعتين".3
وخالف األولى ما ال نهي فيه مخصوص كترك سنة
الظهر ،فالنهي عنه ليس بمخصوص ورد فيه ؛ بل من
عموم أن األمر بالشيء نهى عن ضده أو مستلزم للنهي
نهيا عن الضد وال
عن ضده ،وعند من يقول :ليسا ً
مستلزما ،لعموم النهي عن ترك الطاعات .وقد فرق
ً
_________
1أخرجه الترمذي 49 -48 /3كتاب الزكاة حديث "
، "660 -659وقال هذا حديث إسناده ليس بذاك وأبو
حمزة ميمون األعور يضعف وروى بيان وإ سماعيل بن
سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله ،وهذا أصح وأخرجه
البيهقي في السنن 84 /4وابن ماجه ، 570 /1كتاب
الزكاة حديث "."1789
2سقط في "ب".
3متفق عليه من رواية أبي قتادة السملي .البخاري /1
537الصالة /باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين "
"444ومسلم 495 /1في صالة المسافرين /باب
استحباب تحية المسجد بركعتين " ، "714 /69وابن
ماجة في السنن 323 /1واللفظ له.
صفحة 399 | 78 :
األشباه والنظائر
مدخل
األصحاب بين خالف األولى والمكروه [في مسائل].1
منها [ :صوم يوم عرفة للحجاج خالف األولى] 2وقيل
مكروه.
ومنها :الخروج من صوم التطوع أو صالته بعد التلبس
"بغير عذر" .مكروه ،وقيل خالف األولى ومنها :نفض
اليد في الوضوء مباح وقيل مكروه وقيل خالف األولى.
ومنها :حجامة الصائم إن لم نقل تفطر خالف األولى ،
وقيل مكروه.3
ومنها :تفصيل أعضاء العقيقة خالف األولى ،وقيل :
مكروه.4
ومها :عمارة [الدور] 5ونحوها خالف األولى ،وربما
قيل :تكره.
ومنها :غسل المعتكف يده في المسجد [من] 6غير
طست قال في البحر :
مكروه وقيل خالف األحسن.
ومنها :يكره أن يقال لواحد غير األنبياء :صلوات اهلل
عليه ،وقيل خالف األولى.
ومنها :إذا كان موضع اإلمام أعلى من موضع
المأمومين ولم يرد تعليمهم أفعال الصالة فخالف األولى
،وقيل مكروه.
ومنها :ال ينظر غاسل الميت من بدن الميت إال قدر
الحاجة من غير العورة ،أما العورة فحرام ،وأما غيرها
بال حاجة فمكروه وقيل خالف األولى.
ومنها :األصح يستحب ترت التنشيف في الوضوء ،
وقيل التنشيف مستحب وقيل مباح ،وقيل مكروه ،وقيل
مطلقًا وقيل في [زمن] 7الصيف.
ومنها :النثر األصح خالف األولى ،وقيل يكره ،وقيل
يستحب.
قائما بال عذر ،قال الشيخ اإلمام :
ومها :الشرب ً
مكروه ،وقال النووي خالف األولى ،وأتقضى كالم
الرافعي أنه مباح.
مسألة " :المعنى بصحة العقود ترتب آثارها عليها" وال
أقول :إن الصحة هي نفس
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3في "ب" مكروهة.
4في "ب" مكروهة.
5في "ب" الندور.
6في "ب" في.
7سقط في "ب".
صفحة 399 | 79 :
األشباه والنظائر
مدخل
ترتب األثر كما قال غيري :لما قررته في منع الموانع
وتكلمنا هناك على المبيع في زمن الخيار وبحثنا مع
الشيخ اإلمام بما ال نطيل بإعادته فرحمه اهلل وجزاه عنا
خيرا ،فهو الذي فتح لنا باب مجادلته بفتح مغلق أذهاننا.
ً
ونتكلم هنا على فرع عجيب :لو أقر بحرية امرأة في يد
الغير ثم قبل نكاحها ممن هم في يده ،وهي تدعي رقها
قال الرافعي :لم يحل له وطؤها ولصاحبها المطالبة
بالمهر .قلت :فهذا عقد صحيح لم يترتب عليه أثره ،
وهو على من جعل الصحة ترتب اآلثار [أشكل منه علي
ألني أنا أجلعه علة ترتب األثر] 1وقد يختلف المعلول
عن علته لمانع ،وأما من يجعله نفس الترتيب فقد لزمه
صحيحا
ً إن وافق على هذا الفرع -أن يكون هذا العقد
غير صحيح ،وهو محال غير أن في الفرع [نفسه]2
إشكااًل ،ومن ثم ذهب الشيخ اإلمام رحمه اهلل إلى أهه ال
يصح ،قال [ :ألنه] 3الحل ،وليس فيه افتداء ،والمهر
غير مقصود في النكاح ؛ بخالف األجرة في اإلجارة ،
وفصل النووي بين أن يقر بأن التي هي في يده أعتقها
ولم يكن لها عصبة فيصح تزويجه ؛ ألنه إما مالك وإ ما
مولى حرة أو ال فال يصح.
أيضا إال أن يكون
وقال الشيخ اإلمام ينبغي أن ال يصح ً
ممن يحل له نكاح األمة ألن أوالدها يسترقون كأمهم ،
وأقول قد يقال ال يصح وإ ن حل له نكاح األمة ألنه ال
تخريجا من
ً يدري أيطؤها بعقد نكاح الحرائر أو اإلماء
نظيره في األمة إذا اشتراها زوجها هل تحتاج إلى
استبراء ؟ وقال الماوردي :في هذا الفرع :يحل له
نكاح هذه األمة وإ ن كان غير خائف العنت وواجد طول
حرة.
فرع آخر :لو اتفق الغاصب والمغصوب منه على أن
المالك يأخذ عن قيمة الحيلولة جارية وعضوها الغاصب
له ،جاز ،وهل يجوز وطؤها ؟
قال ابن أبي الدم "تفقهًا من عند نفسه" إن قلنا :ال يملك
تاما
القيمة لم يجز ،وإ ال ؛ ففيه تردد هل يكون مل ًكا ً
طا على الوطء ؟
مسل ً
وحكى الشيخ اإلمام هذا التفقه في شرح المنهاج وسكت
عليه ،وهذا الفرع ليس كالذي قبله ؛ ألنه 4من الزم
الملك حل الوطء ،بخالف عقد النكاح ،فإن مقصوده
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" ألنه ليس من ....
صفحة 399 | 80 :
األشباه والنظائر
مدخل
الوطء ،ثم ما ادعاه ابن أبي الدم من أنه لم يصادف هذا
الفرع منقواًل لعله كالم من لم يقف على كالم الماوردي
معلوما أن المالك يملك
ً فيما إذا كان موضع المغصوب
مستقرا ،وحكى في استقرار الملك إذا كان
ً القيمة مل ًكا
الموضع مجهواًل وجهين.
وقضية استقرار الملك حل الوطء ؛ غير أن في قول
القاضي الحسين أن المالك يملك القيمة ملك فرض ،ألنه
ينتفع [به] 1على حكم رد العين ما قد ينبي على أنه ال
يجوز الوطء كما في الفرض.
مسألة: 2
اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وسائر األسماء
والمشتقة "كفعيل ونحوه" حقيقة في الحال.
ونعنى بالحال حال تلبس الفاعل ونحوه واتصاله بالمعنى
المشتق منه ،فإذا قلت :زيد ضارب أو مضروب ،فهو
حقيقة في حال اتصاف زيد بالضاربية أو المضروبية
سواء كان متصفًا به في وقت إطالقك اللفظ أم لم يكن بل
موجودا وقت إطالقك أم لم يكن أال ترى ً سواء كان يزيد
اح ٍد}3
اجِل ُدوا ُك َّل و ِ
َ ْ َف يالزانِ
{الزانَِيةُ و َّ
َ
أن قوله تعالى َّ :
حقيقة في كل متصف بالزنا وإ ن كانت اآلية قديمة
موجودة من قبل أن يخلق اهلل الزناة ،ونزولها سابق على
الزناة المحكوم عليهم بحكمها.
وهذا فصل معروف باإلشكال أطال الشيخ اإلمام في
تقديره وتحريره في تفسيره في الكالم على قوله تعالى :
{ِإ َّن اْلمتَِّقين ِفي جَّن ٍ
ات َو ُعُي ٍ
ون} 4وذكر ما شذ به أبو َ ُ َ
العباس القرافي وذهب إليه من أن المؤمن إنما هو
بحسب إطالق اللفظ وما أورده على نفسه من لزوم أن
مجازا فيمن اتصف بالصفة قبل
تكون اآلية ونظائرها ً
رأسا ؛ فمن
نزولها ،وما أجاب به ،ولم نرفض كالمه ً
أراد من أهل الفهم والتحقيق أن يهذب نفسه ويروضها
حتى تصغر عنده ،فلينظر هذا الفصل من كالم ذلك
الحبر ليرى النجم كيف يسير في سماء التحقيق ،
وحاصل اختباره ما ذكرته من أن االعتبار بحال
االتصال ،وأنه ال يعرض له الزمان البتة ؛ وإ نما يقع
تبعا ،فال يدل ضارب على غير شخص متصف
الزمان ً
بالمصدر
_________
1في "ب" بها.
2من قوله :مسألة اسم الفاعل إلى قوله :وجزم به
الماوردي في الحاوي .سقط من "ب".
3النور "."2
4الطور "."17
صفحة 399 | 81 :
األشباه والنظائر
مدخل
المشتق منه ؛ وذلك هو مدلول األسماء كلها ،فإذا لم يدل
على الزمان األعم لم يدل على األخص بطريق األولى.
فإن قلت :فمن يفهم من قولنا " :زيد ضارب" أنه
ضارب في الحال" ؟ ،ولوال الداللة على الزمان لما فهم
هذا.
قلت :ليس ذلك لداللته على الزمن ؛ أال ترى أنك تقول
أيضا مع كون الحجر ال
:هذا حجر ،ففهم منه الحال ً
يدل على الزمن ،بل لما سنذكره.
فإن قلت :اسم الفاعل يدل على الفعل ،والفعل يدل على
الزمان ،والدال على الدال دال.
قلت :يكفيك أواًل قول النحاة :إن اسم الفاعل يسلب
الداللة على الزمان ،ونقول :المعتبر في داللة االلتزام
اللزوم الذهني ،وهو ممنوع هنا ،وبتقدير تسليمه ال
يضر ،ألن المعنى مطلق الزمان ال خصوص زمان
معين من ماض أو حال أو استقبال ،والفعل يدل على
خصوص الزمان ؛ فليس كاالسم.
فإن قلت :أخبرتم أنه حقيقة في الحال ،والحال [زمن
ماض].1
حاضرا كان
ً قلت :إنما مدلوله متصف بالفعل كما قدمناه
ماضيا أو مستقباًل بالنسبة إلى زمن الخطاب وهذا
ً أو
المدلول مركب يفيد االتصاف بالفعل ؛ فمتى لم يكن لذلك
الفعل وجود فال يصح إطالق اللفظ عليه لعدم مدلوله ،
ومتى اتصف بالفعل في زمان بقي ذلك الزمن المدلول
حاصاًل ،وإ طالق اسم الفاعل عليه حقيقة ،ألنه استعمال
اللفظ في مدلوله وإ طالقه قبل حصوله باعتبار توقع
حصوله مجاز ،ألنه في غير موضوعه ،ألنه لما وضع
المركب من جزأين موجودين أحدهما الفعل ،وليس هنا
ذكر إطالقه بعد حصوله على المختار.
وهذا التقسمي ليس بالنسبة إلى وقت الخطاب ،بل إلى
وقت المعنى المقتضي لالشتقاق ؛ وإ نما تطرقت للحقيقة
والمجاز البتة من جهة اإلطالق على الموضوع وعلى
غير الموضوع ،فموضعه هو المركب وقت التركيب ؛
فإن أريد كان حقيقة وإ ن لم نتكلم به في ذلك الوقت وإ ال
فمجاز فإن تكلم به في ذلك الوقت قال الشيخ اإلمام :
"والخالف
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 82 :
األشباه والنظائر
مدخل
راجع إلى أن حالة اقتران الفعل بالشخص هل هي شرط
من المدلول ؟ وال صحيح اشتراطها بضرورة التركيب ،
معتبرا ،لكون الزمان
ً فلذلك اعتبر الحال ،وليس ذلك
مأخو ًذا في موضعه ،ولكن ألن اللفظ موضوع للمركب
،وحقيقة المركب عقاًل تستدعي وقت التركيب ؛ فكان
طا لوجود المدلول المصحح لالستعمال
ذلك الزمان شر ً
الحقيقين فهذا معنى قولنا :إطالق اسم الفاعل باعتار
الحال حقيقة أي أنه مقصود به الحال التي وجد مدلوله
فيها وهي حال قيام المعنى به إذا عرفت هذا فعلى
الخالف في أن اسم الفاعل حقيقة في الحال مجاز في
الماضي أو مجاز فيهما مسائل منها :إذا قال القاضي
المعزول امرأة القاضي طالق ففي وقوع الطالق عليه
وجهان في فروع الطالق عن أبي العباس الورياني
إقرارا بخالف أنا
ومنها :لو قال أنا مقر بما يدعيه كان ً
أقر لصاحبه أقر لالستقبال.
ومنها :قال العبادي " :لو وقف على سكان هراة نغاب
واحد سنة ولم يبع داره وال استبدل بها لم يسقط حقه"
وسكت عليه الرافعي والنووي.
فإن قلت سكان جمع ساكنن وهو اسم فاعل وحقيقيته
الحال ،والغائب غير ساكن ،بدليل قول األصحاب " :لو
حلف ال يسكنها فخرج في الحال لم يحنث ولو بغير نية
التحول" قلت :بل هو عنده ساكن وإ ن غاب والمسكن
يستند إليه ؛ فيقال مسكن فالن ،ولذلك قال :وال باع وال
استبدل وحلف ال يسكن فخرج في الحال.
ومنها :إذا حلف ال يدخل مسكن فالن فدخل مل ًكا له ال
يسكنه ،فأوجه ؛ ثالثها .إن كان سكن في المضاي ساعة
حنيث ،وإ ال فال.
ومنها :في فتاوى القاضي الحسين أنا أبا عاصم العبادي
سئل عن رجل له ثالثة عبيد ،وال عبيد له وساهم -فقال
:أحد عبيدي حر ،ثم قال :أحد عبيدي حر ثم قال أحد
عبيدي حر ؛ فأفتى بعتق الكل ،ولو قال أحد هؤالء ،لم
يعتق إال واحد.
فرق بأن لفظ العبيد يختص بالمملوك ،بخالف "بهؤالء".
وأن القاضي الحسين قال في المسألتين " :ال يعتق إال
ثانيا " :أحد عبيدي حر" يقتضي أن
واحد ،ألن قوله ً
يكون له عبيد وليس له إال عبدان.
قلت :ونظر القاضي دقيق ؛ غير أن العبادي لعله نظر
إلى إطالق فعيل ،وهو لفظ "عبيد" بمعنى الماضي ،
مجازا ،ألن أقل الجمع ثالثة ،وال بد أن
فيكون استعماله ً
تكون
صفحة 399 | 83 :
األشباه والنظائر
مدخل
صورة المسألة أن يتراخى الزمان بين الكالمين كل جملة
للتأسيس ،وعلى ذلك دل لفظ "ثم" فإن تعاقبت الجمل
لفظصا وقد التأكيد تعين أن ال يعتق إال واحد.
ولو كان له أكثر من ثالثة أعبد ،فإن أطلق فيتخرج
الكالم فيه فيما إذا قال " :ثالث مرات" :أنت طالق.
مسألة :
ظهر لك بما حققناه في المسألة قبلها أن الفاعل ال بد أن
يكون بحيث يقوم به الفعل ثم إطالقه حالة القيام حقيقة
قبلها مجاز ،وكذا بعدها على الصحيح ،فال بد في كل
حال أن يكون بحيث يتصل بالفعل ،ومن ثم "ال يشتق
اسم الفاعل من شيء وافعل قائم بغيره" .وخالفت
المعتزلة في ذلك فراغمت اللسان وخالفت صريح القرآن
،وأتت في مسألة الكالم بعظيمة في األديان ،والمسألة
تذكر في أصول الدين وأصول الفقه ،وعليها مسائل :
منها :حلف ال يبيع أو ال يحلق رأسه فأمر غيره ،
فاألصح ال يحنث ؛ إذ ليس ببائع وال بحالق ،وقيل :
يحنث فيهما ،وقيل في الحالق فقط للعادة.
تنبيه :
إذ ثبت أن اسم الفاعل حقيقي في الحال وتعذر الحمل
على الحقيقية ؛ فقد يدور األمر بين الماضي والمستقبل
"فيكون الحمل على الماضي أرجح ما لم يتعين المستقبل
بدليل ،ألن استعماله بمعنى الماضي أقوى منه بمعنى
المستقبل".
فصل :وقد يدور بين ماضيين ،فعلى أيهما يحمل ؟
زمانا ؟ أم على أبعدهما ؟ أم يستويان ،
أعلى أقربهما ً
ألن كال منهما ماض ؟
كالما ،والذي يترجح عندي الحمل
لم أر ألحد "في هذا" ً
زمانا.
على أقربهما إلى حال الحقيقية ً
ويظهر أثر هذا في مسألة حسنة إذا قررتها لك نظرات
هنا إلى أمثالها.
فأقول :قال صلى اهلل عليه وسلم " :أيما رجل مات أو
أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعة إذا وجد بعينه" هذا
اللفظ رواية الشافعي ، 1والحديث عمل به في رجوع
حيا كان أو ميتًا
البائع إلى عين ماله عند إفالس المشتري ً
،ومن بينة الحنفية عليه قولهم " :صاحب المتاع
_________
1متفق عليه البخاري 62 /5في االستقراض /باب إذا
وجد ماله عند مفلس " "2405ومسلم 1194 /3في
المساقاة /باب من أدرك ما باعه عند المشتري /24
.1559
صفحة 399 | 84 :
األشباه والنظائر
مدخل
حقيقة في الحال" فليحمل على المفلس عنده عارية أو
وديعة أو غصب ،فصاحبه أحق به.
قالوا " :وإ ال فصاحب المتاع حقيقة هو المفلس ،ألنه
المالك اآلن ،فال يرد إلى بائعه إال بدليل".
وهذه شبهة ضعيفة من وجوه.
منها :في لفظ النبي صلى اهلل عليه وسلم قوله " :إذا
وجده" هذه قرينة أن مراده بصاحب المتاع البائع ال
المشتري ،وقد شهد لهذا لفظ صحيح مسلم في الرجل
يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يعرفه أنه لصاحبه الذي
باعه ،ووردت ألفاظ أخرى صريحة في أن المراد
بصاحب المتاع الذي كان صاحبه ال المفلس.
وقد رد الشيخ أبو حامد في "التعليقة" عليهم في حملهم
صاحب المتاع على المعير والمودع وصاحب العين
المغصوبة بثالثة أوجه.
طا
أحدها :أنه صلى اهلل عليه وسلم جعل اإلفالس شر ً
في كونه أحق ،قال " :واإلفالس فيما حمل الخبر عليه
طا في االستحقاق ،ألن "في األحوال كلها"
ليس شر ً
المغصوب منه والمودع والمعير أحق بعين ماله أفلس
من في يده أو لم يفلس.
والثاني :أنه قال " :إذا وجده بعينه" وفيما ذكروه من
متعيرا بنقصان أو
ً الصور هو أحق به وجده بعينه أو
زيادة.
والثالث :لفظ "أحق" أفعل تفضيل يقتضي االشتراك في
األصل ،وليس للمفلس فيما ذكروه في الصول حق
بالجملة الكافية.
ولسنا اآلن للمسألة الخالفية ،إنما غرضنا أنه إذا ثبت
من أصولنا أن صاحب المتاع المعنى به هنا البائع ،فلو
واحدا من
ً أن المشتري باع العين ثم اشتراها ولم يوف
البائعين ثمنه وأفلس فأي البائعين أحق ؟
األول لسبق حقه ،أم الثاني لقربه ،أم يشتركان نصفين
؟
فيه وجوه ألصحابنا أرجحها عندي الثاني وهو ما ذكره
اإلمام في النهاية أنه القياس ،وجزم به الماوردي في
"الحاوي"].
مسألة :
الفرض والواجب مترادفان خالفًا ألبي حنيفة "حيث"
أنزل رتبة الواجب عن الفرض.
صفحة 399 | 85 :
األشباه والنظائر
مدخل
وهنا كلمتان :
إحداهما :لوال دعوى أبي حنيفة التغاير لمالت نفسي إلى
وجوب صالة الكسوف ،ألن األحاديث آمرة بها ؛ حيث
يقول صلى اهلل عليه وسلم " :إذا رأيتم ذلك فصلوا"1
وظاهر األمر الوجوب ،وعليه دل قول الشافعي رضي
اهلل عنه في "األم" :وال يجوز ترك صالة الكسوف
عندي لمسافر وال لمقيم وال ألحد جاز له أن يصلي
بحال.
وفي مختصر المزني " :وال يجوز تركها لمسافر وال
لمقيم" والعبارتان صريحتان في الوجوب ،وإ ليه ذهب
بعض الحنفية ،وحكاه القاضي السروجي- 2منهم -عن
صاحب األسرار ؛ غير أن تفرقتهم بين الوجوب
والفرض منعت من موافقتهم ،ألنا على قطع بأن
الشافعي رضي اهلل عنه إن أراد حقيقة الوجوب فال يعني
به الوجوب الذي تعنيه الحنفية ؛ إنما يعني به الفرض ،
أحدا قال به ،فلم يمكن اإلقدام عليه ،
ثم الفرض ال نعلم ً
واحتج إلى ركوب الشطط في تأويل عبارة الشافعي-
فمن قائل " :أراد يكره تركها لتأكدها" واعتصم هذا
القائل بقوله :وال أحد جاز له أن يصلي بحال -قال ألن
هذه العبارة يدخل فيها العبد والمرأة والمسافر ،وهم ال
تلزمهم الجمعة فكيف نوجب عليهم الكسوف ؟ قلت :
ولو ذهب ذاهب إلى وجوب الكسوف عليهم دون الجمعة
مفرقًا بتكررها والحرج في وجوبها عليهم بخالف
مبعدا ،ومن ثم ال يتجه هذا التأويل.
الكسوف لم يكن ً
ومن قائل :قد أوضح الشافعي في "البويطي" مراده فقال
في الكسوفين ما نصه " :ألنهما ليسا نافلتين ولكنهما
واجبان وجوب سنة .انتهى.
قال هذا القائل :فأراد تأكد األمر بهما ،وقوله "وجوب
سنة" كقوله " :غسل الجمعة واجب على كل محتلم".
_________
1البخاري 569 /1في الكسوف /باب الصدقة في
الكسوف " "1044ومسلم 618 /2في الكسوف /باب
الصالة الكسوف "."901 /1
2أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي أبو العباس
حنبليا ثم تحول إلى المذهب الحنفي
شمس الدين كان ً
وأشخص من دمشق إلى مصر فولي الحكم الشرعي فيها
ونعت بقاضي القضاة ،وسروج نسبته إلى سروج
بنواحي حران من بالد الجزيرة ،توفي في ربيع اآلخر
سنة عشر وسبعمائة.
الطبقات الكبرى ، 300 /1الدرر الكامنة .91 /1
رفع األصر ، 50 /1األعالم .86 /1
صفحة 399 | 86 :
األشباه والنظائر
مدخل
قلت :وهذا أبعد من األول .وظاهر وجوب السنة أن
الوجوب ثابت بالسنة ،وفي قوله "ليسا نافلتين" ما [يؤيده]
1؛ إال أن يقال :إن [أمر] 2اهلل للوجوب وأمر النبي
صلى اهلل عليه وسلم للندب ،وهو مذهب في األصول
ضعيف ،فال أعلم في كالم الشافعي أشكل من هذه
العبارة ،وفي كالمه في األم غير موضع يشبه الكسوف
بالمكتوبات وذلك مما يؤيد الوجوب ،ويؤيد الوجوب
أيضا القاعدة التي قدمناها في أوائل هذا الكتاب أن ما
ً
ممنوعا لو لم يشرع دلت مشروعيته على وجوبه.
ً كان
وركوعان في كرعة ممنوعان لو لم يشرعا فليدل ذلك
آمنا من
على وجوبه ،فلو ذهب إليه ذاهب بحيث أكون ً
خرق اإلجماع لقلت به ولكني ال أعرف قائاًل به غير ما
حكيته عن الحنفية ،وليس "فيهم" 3معتصم ؛ ألنهم
يفسرون الوجوب بغير ما نفسره ،ثم ال يوافقون على
تغيير هيئة صالة الكسوف عن بقية الصلوات الثابتة.
[تنبيه] : 4فرض العين ال يؤخذ عليه أجرة
ومن ثم مسائل :
منها :لو قال :صل الظهر لنفسك [ولك] 5دينار فصلى
أجزأته صالته قاله الرافعي في كتاب الظهار وكالمه
كالصريح في أنه ال يستحق الدينار ،وهو الحق.
ومنها :األصح وجوب بذل فضل الماء للماشية ،وأنه ال
يجوز أخذ عوض عنه ،وتردد الشيخ اإلمام الوالد في
اآلدمي ،وقال " :ينغبي أن يجب العوض ،ألن المعنى
في الماشية تتبع الكأل ،وهو مفقود فيه" قال " :وفيه
نظر".
ومنها :ال يجوز استئجار مسلم للجهاد ،ألنه بحضور
الصف يتعين ،وعن الصيدالني أنه يجوز ويعطي
األجرة من سهم المصالح.
ومنها :على قول [اإلجبار] 6في وضع الجذوع لو
صالح على مال لم يجز ،قالوا :ألن من ثبت له حق ال
يجوز أخذ عوض منه عليه.
ومنها :من تعين عليه قبول الوديعة ،كمن لم يكن هناك
غيره وخاف إن لم يقبل
_________
1في "ب" يريده.
2سقط في "ب".
3في "ب" فيه.
4في "ب" قلت.
5في "ب" ولك علي.
6في "أ" االحتمال ،والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 87 :
األشباه والنظائر
مدخل
هالكها ،قال صاحب المرشد :ال يجوز له أخذ أجرة
الحفظ ،لتعينه عليه ،ويجوز أخذ أجرة مكانها".
قلت :ويشهد له ما نقله الرافعي عن أبي الفرج أن
الواجب أصل القبول دون إتالف منفعة نفسه ،وجوزه
في الحفظ [من] 1غير عوض ؛ غير أن صاحب المرشد
يصرح بأن نفس الحفظ ال تؤخذ عليه أجرة وأبو الفرج
يقول :تؤخذ ،وإ لهي يميل بحث الرافعي.
وخرج ابن الرفعة في المسألة في أن من تعين عليه تعليم
امرأة الفاتحة هل يجوز أن يجعل [ذلك] 2صداقها ؟ ومن
أنقذ غريقًا مع اتساع الزمان لطلب األجرة ،هل يستحقها
؟ ونظائرهما.
قلت :أما أصل القبول فليس عماًل يقابل حتى يقال :هل
تؤخذ عليه أجرة ؟ وإ نما العمل الحفظ .واألشبه جواز
األخذ فيه ،وإ ن تغير كما مال إليه الرافعي.
تنبيه :يستثنى من هذه القاعدة مسائل منها :األصح
جواز أخذ العوض عن تعليم الفاتحة وإ ن تعين.
ومنها :األصح جاز أخذ عوض الطعام الذي يأكله
المضطر.
ومنها :قال القاضي الحسين :إذا دعت الضرورة إلى
إعارة الدلو والرشاء وجب بالعوض.
[قاعدة]: 4
"ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب".
ومن [ثم] 5مسائل :
منها :إذا خفي عليه موضع النجاسة من الثوب أو البدن
غسله كله ،ولو خفي عليه
_________
1في "ب" في.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4سقط في "ب".
5سقط في "ب".
صفحة 399 | 88 :
األشباه والنظائر
مدخل
موضع النجاسة من الدار فوجهان "في الروضة"1
أصحهما أنه كذلك يغسلها كلها ،والثاني :أنه يتحرى
ويصلي فيما يظن طهارته وال يلزمه غسلها كما لو تيقن
موضعا من الصحراء نجس ؛ فإنه يصلي إلى [أي]2
ً أن
موضع شاء.
ومنها :إذا نسي صالة من الخمس لزمه أن يصليها.
ومنها :إذا اختلطت زوجته بأجنبيات محظورات وجب
الكف عن الجميع.
ومنها :إذا اكترى 3دابة للركوب فقال األكثر :على
المكري 4اإلكاف والبردعة والحزام وما ناسب ذلك ؛
ألنه ال يتمكن من الركوب دونها.
ومنها :مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع
كمؤنة إحضار المبيع الغائب ،ومؤنة وزن الثمن على
المشتري ،وفي أجرة نقد الثمن وجهان.
ومنها :إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل أن
يختار وجب على جميعهن العدة ،وتعتد الحامل منهن
بالوضع والصغيرة واآليسة أربعة أشهر وعشرات ،
وذات األقراء بأقصى األجلين.
مسألة :
فرض الكفاية مهم من مهمات الوجود سواء كانت دينية
أو دنيوية قصد الشارع وقوعه ولم يقصد بالذات عين من
يتواله .ولكن بالفرض إذ ال بد للفعل من فاعل.
وهذا المهم منه ما ال يمكن تكرره لحصول تمام المقصود
منه بالفعل األول كإنقاذ الغريق فال يمكن إنقاذ من أنقذ ،
ومنه ما يمكن تكرره ويتجدد بتكرره مصلحة كصالة
الجنازة واالشتغال بالعلم ،وهو ضربان.
أحدهما :مجدد منضبط ال ينفصل بعضه عن بعض وال
يحصل الغرض منه إال بجملته ،فتكرر هذا معناه اإلتيان
بالشيء مرة بعد أخرى وذلك كصالة الجنازة ،فإن
بعضها ال ينفصل عن بعض ،ولو انفصل بطل ولم تكن
صالة.
والثاني :منتشر ال يمكن انفصال بعضه عن بعض
ويحصل بكل بعض منه مقصود من مقاصد الشرع.
_________
1في "ب" في الروضة وغيرها.
2سقط في "ب".
3في "ب" أكرى.
4في "ب" واإلكاف.
صفحة 399 | 89 :
األشباه والنظائر
مدخل
فما ال يمكن تكرره ال نتكلم على الثاني منه إذ ال ثاني له
ثانيا إن كان
،وما يمكن تكرره وهو منضبط فمريد فعله ً
غير الذي فعله أواًل 1يمنع ؛ بل يستحب له ذلك ،ثم
نصف فعله بالفرضية وهذا كمن قصد الصالة على
الجنازة بعدما صلى عليه غيره ،فإن الفرض منها وإ ن
كان هو ففيه تردد وخالف شهير واألصح عندنا أن من
صلى ال يعيد وسنذكر سره.
وأما القسم الثالث :فيطلب من كل واحد ،وقد يقول
المحقق :إنه ال تكرر فيه البتة ؛ ألن الذي يحصله [هذا]
2غير الذي يحصله هذا ،والذي يحصله أواًل غير الذي
مهمات .أحدهما :تعين هذا الفرض على من شرع فيه ،
وذلك في القسم األول ظاهر ،وأما القسمان اآلخران :
فمنهم من أطلق القول بتعينه ،ومنهم من أطلق القول
بعدم تعينه ،والصحيح أنه ال يلزم بالشروع إال الجهاد
وصالة الجنازة ،وإ ذا تأملت األقسام التي ذكرتها عرفت
الفرق.
وادعى ابن الرفعة في باب الوديعة من المطلب أن
المشهور أنه يلزم بالشروع ،واستدرك بذلك على
الرافعي قوله :متى أراد المودع أن يمتنع من القبول ؛
ألنه متبرع بالحفظ فقال :هذا إذا لم يكن في وقت يخاف
عليها الهالك فيه فإن كان فيظهر أن ال يجاب إلى ذلك إن
كان يجب عليه القبول في تلك الحالة ابتداء ،النفراده
بالصيانة قال :بل ينبغي أن يكون كذلك وإ ن كان لو
أخذها غيره لحفظت عن الهالك ،ألن األخذ في هذه
الحالة فرض كفاية ،وهو قد أخذها فكان كما لو شرع
في فرض الكفاية ال يجوز له الخروج منه على
المشهور .انتهى.
وأقول :هذا صحيح إذا تعين عليه أخذها ،أما إذا كان
هناك غيره فهو فرض كفاية ،ال يلزم بالشروع نعم قد
يقال بجريان الخالف فيه.
ومن مسائل الفصل قطع المأموم القدوة .أطلقوا فيه
أقوااًل ثالثة أصحها أن له ذلك بعذر وبغير عذر كذا
أطلق األكثرون الخالف منهم الرافعي وهو على طريقهم
واضح ،ألن الجماعة سنة ،ولذلك علل الرافعي الجواز
بأن الجماعة سنة ،والتطوعات ال تلزم
_________
1في "ب" ال يمنع.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 90 :
األشباه والنظائر
مدخل
بالشروع ،وتابعهم النووي في إطالق الخالف ؛ فهو
يرى أنها فرض كفاية فكان من حقه أن يخرج فيها
الخالف في لزوم فرض الكفاية بالشروع ،ومن أجل
ذلك قال الوالد رحمه اهلل " :إن قلنا فرض كفاية فقد يقال
:إنها تلزم بالشروع" قلت :ال بد أن يطرقها الخالف في
لزوم هذا الفرض بالشروع ولعل األرجح هنا اللزوم
لفحش المفارقة ،وقد يعتذر عن النووي بأنه لعله رأي
عدم لزومه بالشروع فأطلق على األصح.
الثاني :إذا طلب فرض الكفاية من واحد فهل يتعين عليه
؟ فيه خالف ال على اإلطالق بل في صور.
منها :إذا طلب أداء الشهادة من بعض المتحملين وفي
القوم أكثر من اثنين.
ومنها :إذا دعي للقضاء من هناك غيره.
ومنها :إذا طلبت المرأة من أحد اإلخوة تزويجها.
ومنها :إذا طلبت الفتيا ممن هناك غيره.
سؤال :القادر على حفظ الوديعة الواثق بأمانة نفسه.
قال األصحاب :يستحب له قبولها "وقد قدمنا عن ابن
الرفعة أن قبولها والحالة هذه من فروض الكفايات فقد
يقال :هال جرى في تعيينه الخالف في الصوف التي
عددناها ؟
والجواب :أنا ال نعرف عد هذا فرض كفاية لغير ابن
الرفعة ،والفرق بينه وبين ما عددناه من الصور ظاهر ،
أما طلب األداء من بعض المتحملين فإنما يتعين ألنه
بالتحمل ربط نفسه وعلق بها حقًا للغير ؛ وإ نما نظير
مسألتنا أصل التحمل وال يجب على من طلب منه التحمل
وهناك غيره أن يتحمل .فإن قلت :حكى األصحاب
وجهين فيما إذا كان هناك غير المفتي هل يأثم بالرد ؟
قلت :أصحهما عدم اإلثم ،والفرق بينه وبين الواقعة
فيها شهود ما ذكرناه من توريطه نفسه [بالتحمل.1
فإن قلت فهال جرى الوجهان وإ ن كان أصحهما عدم
اإلثم فيمن طلب منه التحمل وهناك غيره وإ ن جوزتم
جريانهما فالمسألة نظير الوديعة وإ ن أبيتم فهل من
فارق.
_________
1سقط في "أ" من قوله :بالتحمل ...إلى قوله :في
تعيين الفتيا على من.
صفحة 399 | 91 :
األشباه والنظائر
مدخل
قلت :وذكرت في باب االجتهاد من شرح المختصر أن
عموما وأنا أبين الفرق اآلن.
ً في الفرق
فأقول :إنما لم يجز ألن أمر الفتيا أهم في نظر الشارع
من تحمل الشهادة ،لتعلق الفتيا بأمر الدين وبعموم الخلق
،وأما الشهادة فغالب متعلقها أمور الدنيا ،وهي خاصة
مهما من مهمات
باآلحاد ،وشأن فرض الكفاية أن يكون ً
الشارع ؛ وذلك في الفتيا ،ألن في عدم التعيين جر إلى
التواكل المفضي إلى ضياع الدين وجهل المكلفين بأحكام
رب العالمين ،وال كذلك أداء الشهادة ،فإن غايته ضياع
حق دنيوي لبعض اآلحاد ،فأنى يستويان.
ونظير الشهادة قبول الوديعة ؛ فليس يؤول عدم قبولها
ألكثر من ضياعها ،وليس ضياع مال حقير أو جليل
لواحد من اآلحاد في نظر الشارع بمنزلة ضياع الدين.
فإن قلت :هذا يجر إلى أن تحمل الشهادة ليس فرض
كفاية ،وال قائل به.
قلت :الفروض على الكفاية أصل التحمل ،وهذا ال
يقدح فيه ،ثم فروض الكفاية متفاوتة المراتب فال يلزم
من تعين أعالها بالطلب تعين أدناها.
ونظير الفتيا إذا دعي للقضاء من هناك غيره فإن واليات
القضاء ضرورية في نظر الشارع ،ومن حيث إنها أهم
من الفتيا بل هي فتيا وزيادة كان الخالف في تعينه على
من طلب منه أقوى من الخالف في تعين الفتيا على من]
طلبت منه فيما يظهر وإ ن اشتركا في أن الصحيح فيها
عدم التعيين ويدل على أن أقوى أن األصح إجبار واحد
جميعا.
ً على القضاء إذا أبى الصالحون
وأما أحد األولياء يطلب منه تزويج المرأة [فواضح].1
مسألة :
السنة والنافلة والتطوع والمستحب والمندوب والمرغب
فيه والمرشد إليه والحسن واألدب ألفاظ مترادفة عند
فقهائنا.
ومنهم من قال :السنة ما واظب عليه رسول اهلل صلى
أحيانا ،والتطوع ما
اهلل عليه وسلم .والمستحب ما فعله ً
ينشئه اإلنسان ابتداء مما فعله أرجح من تركه مثل
[الشروع] 2في ألفاظ المعامالت ،وهنا أقاويل مختلفة
والحاصل :أن ما رجح جانب فعله على جانب تركه
ترجحا
ً
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" التبرع.
صفحة 399 | 92 :
األشباه والنظائر
مدخل
ليس معه المنع من النقيض فهذه األسامي تطلق عليه ،ثم
إن بعض الترجحات أكد من بعض فخص اآلكد ببعض
اصطالحا وأنزل الدرجات
ً األلفاظ .وما دونه بلفظ آخر
يسيرا ومصلحته دنيوية
ترجحا ً
ً األدب فإنه ما ترجح
وأعالها السنة .وقد صرح الشافعي رضي اهلل عنه
بالتفرقة بين األدب والسنة ؛ حيث قال :فيما رواه الربيع
" :في األكل أربعة أشياء فرض [وأربعة سنة] 1وأربعة
أدب.
فالفرض :غسل اليدين والقصعة والسكين والمغرفة.
والسنة :الجلوس على الرجل اليسرى ،وتصغير اللقم ،
والمضغ الشديد ،ولعق األصابع.
واألدب :أن ال تمد يدك حتى ال يمد من هو أكبر منك ،
وتأكل مما يليك ،وتقل النظر في وجوه الناس ،وتقل
الكالم.
وقد يختلف [األصحاب] 2في الشيء أسنة أم أدب ؛
وذلك في مسائل.
منها [ :مسح الرقبة في الوضوء ،وفي الشيء أسنة هو
أم مستحب وذلك في مسائل] 3منها :غسل العينين في
الوضوء سنةن وقبل مستحب واألصح ال يفعل.
مسألة :
األمر بواحد من أمور معينة كأهل الشورى الذين جعل
عمر الفاروق رضي اهلل عنه األمر فيهم مستقيم ،
ومتعلق الوجوب ال تخيير فيه ،ومتعلق التخيير ال
وجوب فيه.
أيضا بخصال الكفارة ،
هذا هو التحقيق ،ومثل له ً ،
وادعى المعتزلة وجوب الجميع ،وخرج الماوردي على
الخالف من مات وعليه كفارة مخيرة لم يوص بإخراجها
فعدل الوارث إلى أعلى الخصال وهو العتق فأعتق فهل
يجزئ ؟ وزعم أنه ال يجزئ إال على قول تعلق الوجوب
بالجميع ،أما إن علق بالبعض قال فال يجزئ ؛ ألنه لم
يتعين في الوجوب ،وهذا فيه نظر ،ألنا نقول مثله
أيضا ،فإن كان وجه
[عند] 4فعلى أدناها إذا لم يتعين ً
عدم األجزاء عدم التعيين لم يختص بالعتق ،وإ ن كان
العدول إلى األعلى مع
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3من قوله :مسح الرقبة .إلى وذلك في مسائل .سقط
في "ب".
4في "ب" قد.
صفحة 399 | 93 :
األشباه والنظائر
مدخل
إمكان براءة الذمة باألدنى فهذا مأخذ سوى ما نحن فيه ثم
[إنه] 1ال يتجه إذا كان المخرج هو الوارث.
وسلك الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل في رجوع المعير
للبناء على القول بأنه يخير بين الخصال الثالث مسلك
وجوب واحد ال بعينه [فقال] 2في باب الصلح :الثابت
للمعير حق الرجوع في العارية على وجه ال يضر ،
وهو حاصل في كل خصلة منها ؛ فال تتعين واحدة ،
كالقول في خصال الكفارة ،وهل يقال :كل منها واجب
أن الواجب أحدهما ،فيه ما في خصال الكفارة.
قلت وإ ذا تم هذا فقد يقال :إن قلنا :الواجب كل واحدة
أجبر المستعير على ما يعينه المعير من الخصال ؛ فإن
عين البيع أجر على البيع أو التبقية بأجرة فكذلك عند من
يقول بهما.
وإ ن قلنا :الواجب أحدها لم يجبر المستعير ،وله أن
يقول للمعير :أنت متمكن من القلع باألرض فال ترهقني
بيعا وال إجارة وهي قضية كالم البغوي وغيره ممن ذكر
ً
أن كال من البيع واإلجارة يستدعي إسعاف المستعير به ،
وإ ذا تم هذا نتجت لنا فائدة الخالف األصولي ؛ فإن
الواجب أحدها أو كلها.
مسألة :
يجوز أن يحرم واحد مبهم من أشياء معينة خالفًا
وحجاجا ؛ غير أن
ً للمعتزلة وهي كالواجب المخير خالفًا
األمر المخير يتعلق بمفهوم أحدها ،والخصوصيات
بمتعلق التخيير وال يلزم من إيجاب القدر المشترك
إيجاب الخصوصيات ،والنهي المشترك يلزم منه تحريم
الخصوصيات ،إذ بحل واحد يلزم وقوع المحذور.
وهذا شيء ذكره القرافي ،وقد حكيته عنه في شرح
المختصر ،وقد أخذه من قولهم :إن النهي عن نوع
يستلزم النهي عن كل أفراده ؛ إذ في كل فرد المنهي ،
مثل :ال تزن فال شيء من الزنا بحالل [ ،وإ ال] 3لصدق
أنه زنا ،واألمر على هذا الوجه.
قوما يتلقفون ذلك من كون أن النكرة في سياق
غير أن ً
النفي للعموم وآخرون يتلقفون من أن النهي عن الكلي
يستلزم تتبع أفراده ،وهي مسألة الخال ف بيننا وبين
الحنفية هل عموم النكرة في سياق النفي لذاتها أو لنفي
المشترك بينهما.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" قال.
3في "ب" وال.
صفحة 399 | 94 :
األشباه والنظائر
مدخل
وهذا بخالف األمر مثل :صل فإنه صادق بصورة ؛
فمن ثم افترقا ومنه ذكر القرافي [في] 1هذا الكالم.
مبهما من أمور
وأقول :هذا كالم واضح إذا كان المنهي ً
معينة ال واجب فيها ،فإذا كان أمران [حرم] 2أحدهما
مبهما ويفرض ذلك في مضطر
مبهما وأوجب اآلخر ً
ً
ولبنا فقال له قائل :كل السمك أو أشرب اللبن
وجد سم ًكا ً
مبهما فإن
مبهما وأمرتك باآلخر ً
فقد منعتك عن أحدهما ً
آثما.
أنت جمعت بينهما تر ًكا أو فعاًل كنت ً
فها [هنا] 3كيف يقال :النهي عن أحدهما نهي عن كل
منهما فالصواب أن ما ذكره القرافي إنما هو في نحو :
ال تزن ،وما أشبه من نهي على قدر مشترك بين
[األشياء] 4ال تعلق للخصوصيات به ذاتًا ،وكالمنا في
المبهم الذي يقصد شخصه من حيث إنه مبهم.
معينا وهو
واحدا ً
وتحرير هذا أن مورد النهي قد يكون ً
مبهما أي مقصود الشخص يفيد اإلبهام [وهو]
وضاح أو ً
واحدا من آحاد قصد إلى القدر
ً 5الذي نتكلم عليه أو
المشترك بينهما من غير غرض في خصوص الفرد
مبهما ؛ وذلك هو الذي ذكره القرافي ،وال ريب
المسمى ً
في عمومه ،والفرق بينه وبين المبهم أن تحريمه يوجب
تحريم كل فرد ال محالة وأما المبهم فال يوجب تحريمه
تحريم كل فرد بل قد يكون معه إيجاب فرد آخر وقد
رأيت له في الفقه مثااًل :وهو جماعة لهم ثوب يصلون
فيه وال يكفي الثوب غير واجد والباقون عراة وإ ن صلوا
واحدا بعد واحد خرج الوقت ،فالمذهب أنهم يصلون
فيه ً
كذلك .والمسألة من صور مسألة النصوص في البئر
ونحوه المذكورة في باب التيمم .وذهب ابن خيران فيما
حكاه وصاحب االستذكار في باب صفة الصالة إلى أنه
إن خشوا فوات الوقت صلوا كلهم عراة قال وكذلك في
واحدا بعد
الوضوء إذا لم يصل جميعهم إلى الماء إال ً
واحد" انتهى.
و[هذا] 6نقل غريب لم أجده في غير االستذكار والذي
يظهر أنه إذ كان اثنان وليس هناك إال ثوب 7وقد خشي
قطعا ويصلي اآلخر
خروج الوقت يصلي أحدهما فيه ً
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" حر.
3سقط في "ب".
4في "ب" أشياء.
5في "ب" وهي.
6في "ب" وهو.
7في "ب" إال ثوب واحد.
صفحة 399 | 95 :
األشباه والنظائر
مدخل
عاريا ثم ذلك الذي يصلي فيه إما بقرعة أو بغيرها.
ً
ويمكن أن يقال يشق بينهما كما هو احتمال لإلمام فيما إذا
كافيا لعورة أحدهما ؛ فإن اإلمام قال :يحتمل
لم يجد إال ً
أن يشق بينهما .وأن أراد اإلنصاف أقرع.
وأما قول ابن خيران فإنه في مبدئه آيل إلى صالة
العاري مع القدرة على السترة وفي منتهاه ظاهر المأخذ
من جهة أن ترجيح أحدهما على اآلخر ال وجه له وقد ال
يسع الوقت القرعة.
ومحل غرضنا من هذا كله أن الصالة بالسترة على
[أحدهما] 1واجبة وعلى أحدهما حرام حينئذ إذ يجب
عليه تمكين صاحبه من السترة الواجبة عليه.
فروع يتعلق التحريم فيما بمبهم :
أحدهما :كالم أربعين من الحضارين لسماع الخطبة
على طريقة الغزالي وهي اختيار الشيخ اإلمام.
الثاني :وطء واحدة من األختين المملوكتين على احتمال
للشيخ اإلمام أن التحريم مبهم ،واألرجح أن الحرام
الجمع.
الثالث :إذا عتق إحدى أمتيه وقلنا :الوطء تعين توضيح
[ما] 2يوضح لك الفرق بين أحدها من حيث هو أحدها ،
وأحدها من حيث [هو] 3مبهم ،وإ ن شئت قلت :بين
المبهم والمطلق قول األصحاب في باب العتق إذا قال :
إذا جاء الغد فأحدكما حر فجاء [الغد][ 4عتق أحدهما]5
وعليه التعيين ؛ فلو باع أحدهما أو مات قبل مجيء الغد
واآلخر في ملكه لم يتعين للعتق ؛ ألنه ال يملك حينئذ
إعتاقهما فال يملك إعتاق أحدهما.
وتحرير هذا أن السبب انعقد لمبهم وقد زال اإلبهام
بزوال أحدهما ولم يصر بين مملوكين بل صار كأنه بين
مملوك وأجنبي ،فهو لو قال لمملوكه وأجنبي :أحد كما
حر لم يعتق عبده.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب"مما.
3في "ب" أنه.
4في "ب" العتق".
5سقط في "ب".
صفحة 399 | 96 :
األشباه والنظائر
مدخل
مسألة :
الرخصة حكم شرعي اقتطع لعذر تسهياًل عن أصل قائم
السبب :أن المقتضى بخالف حكمها موجود ولكن لم
يعمل عمله فكأنها مانع خاص.
وإ ذا تأملت هذا التعريف عرفت أنه ال يمتنع كون
الواجب رخصة ،وفي كالم اإلمام في النهاية وغيره
تردد في أن الواجبات هل يوصف شيء منها بالرخصة.
وأنا أقول :الرخصة ما ذكرناه ؛ فإن كان هناك وجوب
فالقدر الزائد على الحل ليس هو مسمى الرخصة ولكنه
شيء جائز مجامعته لها ،وقد ذكرت هذا في شرح
رادا
جامعا به بين كالم الفقهاء واألصوليين ً
ً المختصر ،
واجبا بل
به على من يعتقد أن شيًئا من الرخص ال يكون ً
اعتقد بعضهم أن الرخصة ال تكون سنة ،ومن ثم قال
أبو الطيب بن سلمة :الصلح مندوب إليه وليس رخصة"
وخالفه ابن أبي هريرة.
وأنا أقول في السنة ما أقول في الواجب من أنها قدر زائد
على الرخصة تجوز تجوز مجامعته له ،وقد صرح
األصحاب ومنهم الرافعي في آخر باب صالة المسافر
أن جميع الرخص يستحب ارتكابها ويكره تركها لمن
وجد من نفسه كراهتها حتى تزول الكراهة.
تنبيه :علمت ما ذكرناه في الرخصة وتبين لك به أن
الوجوب أو االستحباب قد يجامعها وال يكون داخاًل في
مسماها ،ولو قيل :الرخصة هي ما ال تغير شيًئا من
حسنا ،فإذا قلنا :
ثواب األصل ؛ إن كان ذا ثواب لكان ً
اإلبراد رخصة فمعناه أن فضيلة التقديم تحصل به وإ ن
أخر الصالة عن أول الوقت ثم إذا حصلت [منه] 1كان
سنة وال يلزم من ذلك أن يكون أفضل الصالة في أول
الوقت بل غايته المساواة وعلى هذا دلت عبارة الرافعي
،ومن تبعه فإن حاصلها أن اإلبراد وأن فيه [وجها] 2أنه
رخصة فلو تحمل المشقة وصلى في أول الوقت كان
أفضل .وصرح القاضي الحسين بحكاية وجهين في أنه
هل األفضل اإلبراد أو التعجيل ؟ بعد حكايته االتفاق
على أن اإلبراد سنة.
قلت :والحاصل أن التعجيل سنة واإلبراد رخصة ال
تنقض ثواب السنة .هذا غاية ما يؤخذ من كونه رخصة
وهل انضم إليها أنه أفضل من اإلبراد فيكون مع كونه
مطلوبا لنفسه أو ال ؟
ً رخصة
_________
1في "ب" به.
2في "ب" وجه.
صفحة 399 | 97 :
األشباه والنظائر
مدخل
فيه تردد فإن قلنا :ال فهل األفضل فعله أو تحمل المشقة
أو التعجيل ؟ فيه تردد.
مسألة :
يصح التكليف مع علم اآلمر وكذا المأمور في األظهر
انتفاء شرط وقوعه عند وقته ؛ خالفًا لإلمام والمعتزلة.
مسألة :
قال علماؤنا :الباطل والفاسد مترادفان وهما نقيضا
الصحة ،وفرقت الحنفية بينهما بما عرف في األصول
وفرق أصحابنا بين الباطل والفاسد فرقًا ليس على
أصول الحنفية ومع ذلك قد حرر الشيخ اإلمام رحمه اهلل
في باب القراض من شرح المنهاج أنه ال فرق أصاًل ت
وحكيت كالمه في شرح المختصر ،وحظ هذا الكتاب أن
يعد تلك المسائل التي تخيل فيها الفرق.
فمنها :الخلع والكتابة [الباطل] 1فيهما ما كان على غير
عوض مقصود كالميتة ،أو رجع إلى خلل كالصغير
والسفيه والفاسد خالفه .وحكم الباطل أن ال يترتب عليه
شيء والفساد يترتب عليه العتق والطالق ،ويرجع
الزوج بالمهر والسيد بالقيمة.
ومنها :الحج يبطل بالردة ويفسد بالجماع.
ومنها :إعارة النقود إن أبطلناها فقيل مضمونة ألنها
إعارة فاسدة وقيل غير مضمونة ألنها غير قابلة لإلعارة
،ولك أن تقول :ألنها باطلة.
ومنها :اإلجارة الفاسدة فيها أجرة المثل.
بالغا فهل لم يستحق شيًئا ؛ ألنه
ولو استأجر [صبي]ً 2
الذي فوت على نفسه ،فاإلجارة باطلة.
ثمنا وسلم وتلفت العين
ومنها :لو قال :بعتك ولم يذكر ً
في يد المشتري هل عليه قيمتها ؟ فيه وجهان.
أحدهما :نعم ألنه بيع فاسد ،والثاني :ال ؛ ألنه ليس
بيعا أصاًل .
ً
ومنها :لو قاال للمديون :اعزل قدر حقي فعزله ثم
قارضه عليه فإذا تصرفه المأمور ؛ ولكنه اشترى في
الذمة و[نفذ] 3ذلك القدر ،فيه [وجهان] 4أحدهما :
الشراء للقراض والقراض فاسد ،وله األجرة والربح
لبيت المال.
_________
1في "ب" الباطلة.
صبيا.
2في "ب" ً
3في "ب" بعد.
4في "ب" فوجهان.
صفحة 399 | 98 :
األشباه والنظائر
مدخل
صحيحا بل هو
ً فاسدا وال
[قراضا]ً 1
ً والثاني :ال يكون
باطل ورجحه الشيخ اإلمام رحمه اهلل وهو قول ابن
سريج.
ومنها :إذا فسد القراض بالنسبة إلى العوض بقي أصل
اإلذن ونفذ تصرف العامل ؛ كذا أطلقه الرافعي والنووي
واألكثرون.
وقيده الشيخ اإلمام بما إذا كان الفساد األمر خارج مع
محكوما عليها بالفساد أما إذا
ً وجود حقيقة القراض
انعدمت حقيقة القراض بالكلية كالقراض على المغصوب
-قال :فيتجه عندنا أنه يبطل كله وال يصح التصرف.
ومنها :إذا قالت المرأة :وقع العقد بال ولي وال شهود ،
وقال الزوج :بل بهما -قال القاضي مجلى :فالقول
قولها ؛ ألن ذلك إنكار ألصل العقد وصوبه الشيخ اإلمام
بعدما جوز تحريجه على االختالف في الصحة والفساد ،
ووجه تصويبه بأن إنكارها للولي إنكار للعقد بالكلية.
قلت :فأشبه طريقة في مسألة الفراض ،وتقدم ذكر
الفرع في قواعد البيع.
ثوبا وقال :بع بكذا وما زدت فهو
ومنها :إذا دفع إليه ً
لك فهو جائز على سبيل المراضاة ،ال على سبل
المعاقدة.
نقله الشيخ اإلمام في كتاب اإلجارة عن البيهقي :ثم قال
الشيخ اإلمام :فهل نقول إذا باع بأزيد وامتنع المالك من
دفع الثوب [فهل] 2يجب له أجرة المثل أو ال يجب شيء
؛ ألنه ليس بعقد فاسد وال صحيح فيه نظر قال :
واألقرب الثاني.
ومنها :قال الشيخ اإلمام رحمه اهلل في جواب فتيا
وردت عليه [من] 3مدينة صفد :لو كان على المسلمين
ضرر في األمان كان األمان باطاًل وال يثبت به حق
التبليغ إلى المأمن ؛ بل يجوز االغتيال في هذه الحالة
وإ ن حصل التأمين ألنه تأمين باطل بخالف التأمين
الفاسد حيث يثبت له حكم التأمين الصحيح كأمان الصبي
والتأمين الباطل مثل تأمين الجاسوس ونحوه .انتهى.
ونقلته من خطه ،وقد جرى في [هذه المسألة] 4كلها
على مأخذ واحد ،وهو أن
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3في "ب" في.
4هذه سقط من "ب" وفي ب المسائل.
صفحة 399 | 99 :
األشباه والنظائر
مدخل
ما جرى هل هو عقد فاسد أو غير عقد البتة ؟ -وهو ما
قد يعبر عنه بالباطل.
ومنها :إذا عقد اإلمام الجزية على وجه الفساد أخذنا في
مجانا.
دينارا ولم نسامح بالتقرير ً
كل سنة ً
ولو عقد الجزية بعض اآلحاد وأقام بها سنة ؛ ففي أخذ
الجزوية وجهان :أحدهما :تؤخذ لعقد اإلمام إذا فسد.
والثاني [ :ال] 1ألن قبوله ال يؤثر إذا لم يكن هو من أهل
اإليجاب.
قلت :وقد يعبر عن الوجهين بأن األول فسادها والثاني
بطالنها.
مسألة :
اختلف في وجوب القضاء هل هو بأمر جديد أو باألمر
األول ؟ وأنا أميل إلى هذا الثاني وعليه فروع.
منها :قضاء الفوائت قيل :ال يجب على الفور ألن
القضاء بأمر جديد وال دليل على الفور ،وقيل يجب ألنه
باألمر األول ،والصحيح الفرق بين المتروكة بعذر فال
تجب على الفور ؛ ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم لما
ناموا [عن] 2صالة الصبح واستيقظوا بعد طلوع الشمس
لم يصلها حتى خرج من الوادي ،ومن اعتذر بأنه كان
في ذلك الوادي شيطان فقد أجابه الشافعي رضي اهلل عنه
بأن ذلك ال يمنع الصالة ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم
صلى وهو يدعت الشيطان .والمتروكة بال عذر تجب3
على الفور أما عند القائل بأن القضاء باألمر األول
فواضح وأما عند القائل بأمر جديد فقد أشكل على كثير
من الناس وقالوا التعدي وقع في األداء ال في القضاء.
وجوابه أن مطلق الصالة مأمور بها وخصوص الوقت
ليس بشرط بدليل األمر بالقضاء وال ينافي هذا قولنا :
أنه بأمر جديد ألنا نعني به [أنا] 4نتبين قصد الشارع إلى
العبادة ،وإ ن فات الوقت ،فإذا ضاق الوقت صارت
على الفور ،فيستصحب هذا الحكم في القضاء.
ومنها :إذا تعذر على الغاصب المثل إال باألكثر من ثمن
بالغا ما بلغ
المثل فهل يعدل إلى القيمة أو يتعين تحصيله ً
؟ فيه وجهان :
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" بعد.
3في "ب" على الفور.
4في "ب" أنه.
صفحة 399 | 100 :
األشباه والنظائر
مدخل
قياسيا على العين ؛ فإنه
ً أحدهما :أن يكلف تحصيله
يجب ردها ولو غرم بسبب الرد أضعاف ثمنها وأنفاس
الشيخ اإلمام رحمه اهلل تدل على ترجيح هذا الوجه.
والثاني :وبه جزم صاحب التنبيه يعدل إلى القيمة
وصححه النووي ،قال الشيخ اإلمام :وفي تصحيحه
نظر.
وهذا الوجه يرد القياس بالفرق بأن التعدي في العين ال
في المثل فال يلزم أن يثبت له حكمها .قال الشيخ اإلمام :
ولك أن تقول :قد أوجبنا الفور في قضاء تارك الصالة
بغير عذر بمثل الطريقة التي تمسك بها القائل األول
والتعدي في األداء ال في القضاء.
مسألة :الكافر مكلف بالفروع
وسيأتي من نصوص الشافعي رضي اهلل عنه ما يثلج به
الصدر ،وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :غير مكلف
بها [ودق حررنا موضع النزاع في أصول الفقه].1
وعلى األصل فروع :منها :أن قبض ثمن الخمر ال
يصح ومن ثم ليس لنا أن نقبض منه ما علمنا أنه من ثمن
خمر عن دين لنا أو جزية عليه .وقد ذكرنا المسألة في
نصا ؛
قواعد النكاح ووجدنا للشافعي رضي اهلل عنه فيها ً
فقال رضي اهلل عنه في باب الضحايا قبيل باب ذبائح بني
إسرائيل [في] 2كتاب األم :إذا كان على نصراني حق
من أي وجه كان ثم قضى له من ثمن خمر أو خنزير
يعلمه لم يحر له أن يأخذه وكذلك لو وهبه لك أو أطعمك
إياه ثم قال :فإن قال قائل :فلم ال تقول في الخمر
والخنزير إنهما حالل ألهل الكتاب وأنت ال تمنعهم من
اتخاذه والتبايع به قيل :قد أعلمنا اهلل تعالى أنهم ال
يؤمنون باهلل وال باليوم اآلخر وال يحرمون ما حرم اهلل
ورسوله.
قال الشافعي رضي اهلل عنه :كيف يجوز ألحد عقل عن
اهلل عز وجل أن يزعم أنه حالل لهم وقد أخبر اهلل أنهم ال
يحرمون ما حرم اهلل ورسوله ؛ فإن قال قائل :أنت
تقرهم عليه ،قلت :نعم ،وعلى الشرك باهلل -انتهى.
وإ نما حكيته لما فيه من النص على تكليف الكافر
بالفروع ،وكذلك قال في باب ذبائح بني إسرائيل :لم
يزل ما حرم اهلل على بني إسرائيل اليهود خاصة
-محرما من حين حرمه حتى بعث اهلل
ً وغيرهم عامة
محمدا صلى اهلل عليه وسلم ،ففرض اإليمان به وأتباعه
ً
وطاعة أمره ،
_________
1سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2في "ب" من.
صفحة 399 | 101 :
األشباه والنظائر
مدخل
وأعلم خلقه أن طاعته [طاعته] ، 1وأن دينه اإلسالم
الذي نسخ به كل دين وجعل من أدركه وعلم دينه ؛ فلم
كافرا إلى أن قال :فلم يبق [خلق] 2يعقل منذ بعث
يتبعه ً
اهلل النبي صلى اهلل عليه وسلم كتابي وال وثنى وال حي
ذو روح من جن وال إنس بلغته دعوة محمد صلى اهلل
عليه وسلم إال قامت [عليه] 3حجة اهلل بأتباع دينه وكان
وكافرا بترك أتباعه ولزم كل منهم آمن به
ً مؤمنا بأتباعه
ً
أو كفر تحريم ما حرم اهلل على لسان نبيه صلى اهلل عليه
وسلم "انتهى".
كثيرا منه الشيخ اإلمام الوالد في [كتاب]4
وقد حكى ً
كشف الغمة وقال [ :يحسن] 5بناء الخالف في أنا هل
نقبض منه ما علمنا أنه ثمن خمر على أنه هل هو
[مكلف] 6بالفروع ؟ قلت :وفي هذا النص داللة على أن
خمرا من ذمي لم يجب ردها عليه ؛ بل يكون
من غصب ً
الواجب التخلية بينه وبينها ،وهو األرجح وإ ياه صحح
الشيخ اإلمام رحمه اهلل خالفًا للرافعي والنووي.
خمرا من ذمي ؛ فعلى القول
ومنها هذا الفرع إذا غصب ً
بتكليفهم ال يرد عليهم ألنها حرام عليهم ؛ وإ نما نخلي
بينهم وبينها كما نقرهم على ما نقرهم عليه من
المحرمات وعلى القول بعدم تكليفهم يتجه ما [قاله]7
الشيخان من وجوب الرد إال أنه ليس من أصولنا أعني
عدم تكليفهم فال يتجه ما رجحاه.8
خمرا على ذمي لم يضمنها خالفًا
ومنها [ :إذا] 9أتلف ً
ألبي حنيفة رحمه اهلل وقد جمع المتولي مسائل الخمر
وخرجها على األصل فقال التصرف في الخمر حرام
عليهم عندنا لتكليفهم بالفروع وعند أبي حنيفة رضي اهلل
عنه ال يحرم لعدم تكليفهم.
ومنها :إيالؤه صحيح :قال الشافعي -رضي اهلل عنه-
في األم بعد أن نص على صحة إيالئه وعلى أن عتقه
صحيح وإ ن لم يؤجر عليه فرض اهلل على العباد واحد ؛
فإن قيل :وهو إن تصدق على المساكين لم يكفر عنه ،
قيل :وهكذا إن حد في زنا لم يكفر بالحد عنه والحدود
راضيا
ً للمسلمين كفارة للذنوب ونحن نجده إذا زنا وأتانا
بحكمنا ،إذ
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4سقط في "ب".
5سقط في "ب".
6في "ب" مفرع.
7في "ب" صححه.
8في "ب" زيادة إذا.
9سقط في "أ" والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 102 :
األشباه والنظائر
مدخل
حكم اهلل على العباد واحد ؛ وإ نما حددناه ألن رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم رجم يهوديين 1زنيا بما أمره اهلل أن
يحكم بينهم بما أنزل اهلل" .انتهى".
وفيه فائدتان :النص على تكليف الكافر بالفروع وعلى
أن الذمي إذا زنى يحد ومنها :ظهاره صحيح ؛ نص
عليه الشافعي "رضي اهلل عنهط ويكفر بالعتق وإ ن لم
يؤجر عليه.
قال الرافعي :ويتصور منه إعتاق المسلم و[ال]2
يتصور ملكه له.
ومنها :إذا زنى حد خالفًا لمالك وأبي حنيفة "رضي اهلل
عنهما".
ومنها :التعامل على وجه الربا ،قاعدة مذهبنا أنه حرام
عليهم كالمسلمين وينبغي على أصل أبي حنيفة إن يحلله
لهم لكنه قال أن الربا حرام عليهم وأنهم يمنعون منه كما
َأخ ِذ ِه ُم ِّ
الرَبا َوقَ ْد ُنهُوا {و ْيمنع منه المسلم لقوله تعالى َ :
َع ْنهُ} فخص الربا من بين سائر الفروع ووافقه الوالد
رحمه اهلل على ذلك فذهب إلى أن نمنعهم من عقود الربا
وال نقرهم عليها.
ومذهب الشافعي "رضي اهلل عنه أنا ال نتعرض لهم وإ ن
كنا نحرمه عليهم وأنه كسائر المحرمات التي نقرهم
عليها.
مسألة :
معروفة باإلشكال موصوفة بمغالبة الرجال ،مشهورة
بالفرسان مذكورة بتصحيح األذهان اسم الجنس موضوع
للماهية من حيث هي باعتبار وقوعها على األفراد ،
وعلم الجنس الموضوع لها مقصود به تمييز الجنس من
غيره من غير نظر إلى األفراد.
هذا هو الذي كان الشيخ اإلمام يختاره في الفرق بين اسم
طا في منع
الجنس وعلم الجنس وقد ذكرت ذلك مبسو ً
الموانع وأنا قائل بما قاله الوالد رحمه اهلل غير أن لي فيه
ونقصا ومعه مباحثة .أما الزيادة :فإني ال أشترط
ً زيادة
في اسم الجنس اعتبار وقوعه على األفراد ؛ وإ نما أكتفى
بمالحظ الواضع عند الوضع لألفراد
_________
1البخاري 516 /13في كتاب التوحيد /باب ما يجوز
من تفسير التوراة .حديث "."7543
2في "ب" وألنه.
صفحة 399 | 103 :
األشباه والنظائر
مدخل
فأقول :اسم الجنس موضوع للقدر المشترك بين
ظا فيه [الصورة]1
الصورة الذهنية والخارجية مالح ً
الخارجية ؛
فلك أن تجعل معنى قول الشيخ اإلمام :باعتبار وقوعها
على األفراد ما ذكرناه فال يكون فيما ذكرناه زيادة
طا فيه الصور
ولك أن تجعل معنى اسم الجنس مشرو ً
موضوعا له ،وهو
ً الخارجية ؛ فال يكون ما في الذهن
الظاهر من كالمه غير أنا ال نراه.
وأما النقص [ :فقوله] 2في علم الجنس :إنه الموضوع
مقصودا به التمييز إن عنى بقصد التمييز مطلق
ً للماهية
التميز فكل موضوع هكذا قصد تميزه عن غيره وإ ن
أمرا آخر فال بد من بيانه.
عنى ً
فأنا أنقض هذا القيد وأقول :علم الجنس الموضوع
للماهية غير معتبر فيه األفراد .ثم قال الشيخ اإلمام
تفريعا على الفرق الذي أبداه :إذا أدخلت [أل] 3الجنسية
ً
[على] 4اسم الجنس ساوى علم الجنس.
وأقول ينبغي على هذا أن ال يدخل على اسم الجنس
األلف والالم الجنسية إال إذا صحبها [العموم] ، 5أما إذا
اقتصرت على [أصل] 6الحقيقة فالمعنى مستفاد قبل7
دخول "أل" فال فائدة لها.
ونظير ذلك قول الشيخ اإلمام في "كل" :أنها ال تدخل
على [الفرد] 8المعرف بالالم إذا أريد بكل منهما العموم
لعدم الفائدة.
ثم قال :ويستنتج من هذا أن علم الجنس ال يثنى وال
يجمع ألن التثنية والجمع إنما يكونان لألفراد.
قلت :وهذا صحيح ،فال ينبغي تثنيته وجمعه إلى على
تأويل.
وتحصل من هذا أن الواضع يستحضر الماهية ثم قد
يضع لها من حيث هي ،وقد
_________
1في "ب" الصور.
2في "ب" يقوله.
3في "ب" إلى.
4في "ب" علم.
5سقط في "ب".
6في "ب" أهل.
7في "ب" قبل من.
8في "ب" المفرد.
صفحة 399 | 104 :
األشباه والنظائر
مدخل
يضع لها بقيد يعينها في الخارج ،وقد يضع منها
الصورة الحاضرة في ذهنه ،وقد يضع لها صورة في
الذهن غير مخصص لها بالوضع وقد يضع لها
ظا] 1األفراد الخارجية غير مخصص لها بالوضع
[مالح ً
؛ فهذه خمسة أقسام :اسم الجنس عندي منها الخامس
وعلما لجنس الرابع .وكان الخسر وشاهي 2يقول :علم
الجنس الموضوع لها بدون ذلك القيد فجعل علم الجنس
الصورة الثالثة مما ذكرناه واسم الجنس الصورة األولى
،وكان يتحجج بهذا الفرق.
واعترض عليه الشيخ اإلمام بأنه ينبغي أن يشترط أن
يكون الوضع لصورة ذهنية واحدة ؛ ألن العلم إنما يكون
كذلك وحينئذ ال يصدق على غيرها من الصور.
قال :وبهذا يفسد فرقه ألن أسامة ونحوه من أعالم
األجناس ال يختص بواحد .قال :فإن أخذ في وضعه
للصورة الذهنية ما يشبهها من الصور أو المنتزع من
بينها ساوي الوضع الخارجي فكيف يجعل أحدهما
[معرفة] 3واآلخر نكرة .قال :فالحق أن العلم إنما يكون
موضوعا لشخص واحد ال تعدد فيها وإ نما العرب أجرت
ً
على أسامة ونحوه حكم األعالم ولعلهم شبهوا الصورة
الذهنية وإ ن اختلفت بالصورة الواحدة فيتم ويصح ما قاله
الخسر وشاهي.
قلت :إن تم بهذا الوجه فال يتم من جهة [قوله] : 4بقيد
الشخص الذهبي فإنه صريح في أن الوضع لصورة
مشخصة في الذهن أخص من سائر الصور ،وقول
الشيخ اإلمام :العام إنما يكون لواحد ال تعدد فيه.
أقول :ذلك العلم التحقيقي ،وهو علم الشخص وهو
الموضوع للماهية يفيد تعيينها وتشخصها في الخارج
بالنسبة إلى واحد معين وليس الكالم فيه إنما الكالم في
علم الجنس ؛ فلم قال :إنما يكون لواحد ؟.
_________
1سقط في "ب".
2شمس الدين الخسر وشاهي عبد الحميد بن عيسى بن
عمرية بن يوسف بن خليل أبو محمد التبريزي الشافعي
،ولد سنة ثمانين وخمسمائة وتوفي في ثاني عشر شوال
سنة اثنتين وخمسين وستمائة النجوم الزاهرة ، 32 /7
شذرات الذهب .225 /5
علما.
3في "ب" ً
4في "ب" قبوله.
صفحة 399 | 105 :
األشباه والنظائر
مدخل
فإن قلبت [ :وهل] 1يكون العلم المتعدد ؟
قلت :قال النحاة في باب غير المنصرف :العدل
تحقيقي وتقديري ،وفسروا التقديري بأنه الذي
اضطررنا إليه حين وجدناهم يعاملونه معاملة المعدول
بأن منعوه من الصرف.
وأقول على مساق هذا شيًئا رأيت معناه لنحوي عصرنا
عبد اهلل بن هشام رحمه اهلل قد يقال على ذلك :العلم
علمان :علم تحقيقي كزيد وعلم تقديري كأسامة فإنا إنما
علما حين وجدناهم عاملوه معاملة األعالم
حكمنا بكونه ً
فمنعوه من الصرف أو من دخول أل واإلضافة
وصححوا االبتداء في قولهم :أسامة أجرأ من ثعالة
وجوزوا مجيء الحال منه في قولهم :هذا أسامة مقباًل
ونعته بالمعرفة دون النكرة ولوال ذلك لقضينا بأنه نكرة
في أفراد جنس األسد فهذا من باب االستدالل باألثر على
المؤثر.
وكذلك مسألة العدل سوى مسألة :يقوم كل من
المترادفين 2مقام صاحبه .وثالثها :إن كان من لغته
وهذا في شيء لم يتعبد بلفظه فإن وقع التعبد بلفظ شيء
لم يقم آخر مقامه.
وجعل اإلمام رحمه اهلل في النهاية األلفاظ مراتب.
[األولى] 3قراءة القرآن فلفظه متعين.
الثاني :ما يتعبد بلفظه وإ ن كان العوض األكثر معناه
كالتشهد والتكبر .قلت [ :فهذا] 4ال يضر فيه أدنى تغيير
مثل قول المصلي :اهلل أكبر ؛ فإنه يجزئ على المشهور
في المذهب وكذا اهلل العزيز أكبر على الصحيح عندهم.
وإ ن كنت أنا أختار [أنه] 5ال يجزئ شيء غير "اهلل أكبر"
لقوله صلى اهلل عليه وسلم "$صلوا كما رأيتموني أصلي"
6ولقوله صلى اهلل عليه وسلم :
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" الردفين.
3في "قب" األول.
4في "ب" فهذا قد.
5في "ب" أن.
6البخاري 111 /2في األذان /باب األذان للمسافر
حديث " "631في 438 /10حديث "."6008
صفحة 399 | 106 :
األشباه والنظائر
مدخل
ال يقبل اهلل صالة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه1
ويستقبل القبلة فيقول "اهلل أكبر".
وأما قوله صلى اهلل عليه وسلم :مفتاحها التكبير: 2
فالالم فيه للعهد والمعهود صيغته اهلل أكبر ال األكبر ،ثم
أنا أعتقد أن األكبر أبعد عن اإلجزاء من اهلل العزيز
أكبر.
واألصحاب مطبقون على العكس من هذا ؛ وإ نما خالفتهم
ألن اهلل العزيز أكبر ليس فيها شيء من التغيير ،وإ نما
هو فصل يسير قد يغتفر بخالف األكبر :ثم أعتقد أن
األكبر ال يؤدي معنى أكبر وإ ن أدى معنى آخر فهو أتم
وإ ذا لم يؤد ذلك المعنى سواء أدى أتم منه أم ال كيف
يجزئه ؟
الثالثة :لفظ النكاح ،وقد ترددوا في أن المرعى فيه
التعبد أو إنما تعينت األلفاظ ألجل اإلشهاد وعلى الخالف
ينبين تواطؤ أهل قرية على لفظ في تأدية معنى النكاح.
الرابعة :الطالق .الخامسة :العقود سوى النكاح.
السادسة :ما ال يحتاج إلى قبول كاإلبراء والفسخ.
قلت :وقد جمع الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل في باب
كثيرا من مسائل الترجمة
صفة الصالة من شرح المنهاج ً
لغير العربية ونحن نوردها مع زيادات فمنها :ترجمة
التكبير وال تجوز إال للعاجز ثم اللغات سواء وقيل أوالها
الفارسية وقيل :السريانية والعبرانية.
منها :التشهد والصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم
وعلى األول إذا أوجبناها تجوز الترجمة بغير العربية
فيها للعاجز دون القادر.
ومنها :القرآن ال يجوز ترجمته لقادر وال لعاجز.
ومنها [الدعاء] 3الذي ليس بمأثور ال يجوز أن يدعو به
بغير العربية في الصالة بال خالف ،وتبطل به.
_________
1قال الحافظ في التلخيص 70 /1لم أجده بهذا اللفظ
وذكره ابن السمعاني في االصطالم وقال النووي إنه
ضعيف غير معروف ،وقال الدرامي في جمع الجوامع
:ليس بمعروف وال يصح.
2لم أجده بهذا اللفظ وإ نما قالت عائشة رضي اهلل عنها
كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يستفتح الصالة بالتكبير
والقراءة .مسلم 358 -357 /1باب ما يجمع صفة
الصالة ، 498 /240وأخرجه الشافعي والدارمي وأبو
داود والترمذي وابن ماجة عن علي ،مفتاح الصالة
الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 107 :
األشباه والنظائر
مدخل
ومنها :األدعية المأثورة األصح جواز ترجمتها للعاجز
دون القادر.
وقيل :يجوز لهما ،وقيل :ال يجوز لهما فحيث قلنا ال
يجوز فترجم بطلت صالته.
ومنها :سائر األذكار كالتشهد األول ،وغيرهما مما
ليس بواجب الصحيح جوازه للعاجز ،وقيل كالدعاء
المأثور ،وقيل :يترجم العاجز لما يجبر بالسجود.
قطعا
ومنها :كلمة اإلسالمن يصح إسالم العاجز بها ً
وكذا القادر في األصح.
ومنها :لفظ التزويج واإلنكاح ،األصح االنعقاد
بالترجمة لكل من العاجز والقادر والثالث التفصيل.
ومنها :األذان ،قال الشيخ أبو حامد :ال يجوز بغير
العربية وقال الماوردي :إن أذن لنفسه جاز للعاجز ،أو
للجماعة فال ؛ قال البغوي 1أي جماعة فيهم عربي ،
وقال الشيخ اإلمام :إن قلنا األذان سنة فهو كأذكار
الصالة فليجر فيه الخالف الذي فيها أو فرض كفاية وقام
قطعا
به غيره فكذلك وإ ال فينبغي أن يجوز للعاجز ً
كالتكبير.
قلت أي يتعين حينئذ على القادر فإن امتنع جاز للعاجز.
ومنها :البيع وسائر العقود تجوز بالترجمة للعاجز
والقادر.
قادرا على
ومنها :السالم فيه أوجه .ثالثها :إن كان ً
العربية لم يجز.
قال النووي :والصواب صحته بالعجمية إن فهم
المخاطب ولو قدر على العربية.
قلت :وهذا متعين ولعل مراد المانع أن السنة ال تتم
بالسالم بالعجمية حتى ال يجب الجواب وهذا محتمل وإ ن
كان األرجح خالفه.
ومنها :خطبة الجمعة األصح اشتراط كونها بالعربية
ومحل الخالف فيما عدا القرآن المشترط فيها ،أما
القرآن فقد عرف أنه ال يجوز ترجمته مطلقًا.
ومنها :الصحيح صراحة الطالق بالترجمة قال الرافعي
ولم [يتعرضوا] 2للفرق بين القادر وغيره كما في
النكاح.
_________
1في "ب" النووي.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 108 :
األشباه والنظائر
مدخل
قلت :ألن التعبد في النكاح أظهر [منه] 1في الطالق
ومن ثم كان القول بامتناع ترجمة الطالق في غاية
الضعف.
ومنها :الخلع لم أره مسطورصا وقد يلحق بالبيع لما فيه
من معنى المعاوضة أو بالطالق فيجري فيه الخالف.
ومنها :الرجعة ،والصحيح صحتها بالترجمة ،وثالثها
:الفرق بين العاجز والقادر.
ومنها :اللعان جائز للعاجز بالعجمية وفي القادر
وجهان.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 109 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
كتاب الكتاب :
مسألة :
اللغات توفيقية وقيل اصطالحية.1
والصحيح عندي أنه ال فائدة لهذه المسألة في الفروع ،
وقيل فائدتها النظر في
_________
1واحتج القائلون باالصطالح بوجهين :
أحدهما -لو كانت اللغات توقيفية لتقدمت بواسطة البعثة
على التوقيف والتقدم باطل وبيان المالزمة أنها إذ كانت
توقيفية فال بد من واسطة بين اهلل والبشر وهوالنبي
الستحالة خطاب اهلل تعالى مع كل أحد وبيان بطالن
ول ِإاَّل بِِل َس ِ
ان التقدم قوله تعالى { :وما َأرسْلَنا ِم ْن رس ٍ
َ ُ ََ ْ َ
قَ ْو ِم ِه} وهذا يقتضي تقدم اللغة على البعثة.
والثاني - :لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلقه
علما ضروريصا فيا لعاقل أنه وضع األلفاظ
اهلل تعالى ً
ضروريا أصاًل
ً علما
لكذا أو في غير العاقل أو باأل يخلقه ً
عالما باهلل بالضرورة يكون
،واألول باطل ،وإ ال لكان ً
اهلل وضع كذا لكذا كان غير العاقل ال يمكنه إنهاء تمام
هذه األلفاظ والثالث باطل ألن العلم بها إذ لم يكن
ضروريا احتيج إلى توقيف آخر ولزمه التسلسل.
ً
والجواب عن األولى من حجج أصحاب التوقيف لم ال
يجوز أن يكون المراد منه تعلم األسماء اإللهام إلى
وضعها وال يقال التعليم إيجاد العلم فإنا ال نسلم ذلك بل
التعليم فعل يترتب عليه العلم وألجله يقال علمته فلم
يتعلم .سلمنا أن التعليم إيجاد العلم لكن قد تقرر في الكالم
أن أفعال العباد مخلوقة هلل تعالى فعلى هذا العلم الحاصل
بها فوجد هلل سلمناه لكن األسماء هي سمات األشياء
وعالماتها مثل أن يعلم آدم صالح الخيل للعدو والجمال
للحمل والثيران للحرث فلم قلتم أن المراد ليس ذلك
وتخصيص األسماء باأللفاظ عرف جديد سلمنا أن المراد
هو األلفاظ ولكن لم يجوز أن هذه األلفاظ وضمها قوم
آخرون قبل آدم وعلمها اهلل آدم.
وعن الثانية :إنه تعالى ذمهم ألنهم سموا األصنام آلهة
واعتقدوها كذلك.
وعن الثالثة :أن اللسان هو الجارحة المخصوصة وهي
غير مرادة باالتفاق والمجاز الذي ذكر نحوه يعارضه
مجازات آخر نحو مخارج الحروف أو القدرة عليها .فلم
يثبت التريجيح.
صفحة 399 | 110 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
جواز قلب اللغة والتواضع على خالف مقتضاها ،وعلى
الخالف بنى بعضهم مسألة صداق السر والعالنية ،
وألحقنا نحن بها في شرح المختصر ما إذا استعمل لفظ
شركة المفاوضة وأراد شركة العنان وقد نص الشافعي
رضي اهلل عنه فيها على الجواز وفي النهاية في باب من
يعتق بالملك فيمن قال :أنا أريد أن أسمي أمتي هذه حرة
تلقيبا أن حصول العتق ينشأ من أن الرجل إذا غير
ً
موجب اللغة بمواطنه ومواضعه فهل يؤاخذ بموجب
اللغة ؟ قال :فيه كالم استقصيته في مسألة السر
والعالنية ،وذكرت طرفًا منه في [مسائل] 1الطالق.
قلت :وحاصل ما ذكره فيما أشار إليه الخالف في أنه
هل يعتبر التواضع أو مقتضى
_________
= وعن الرابعة :أن االصطالح ال يستدعي تقدم
اصطالح آخر بدليل تعلم الوالدين الطفل دون سابقه ثمة
ثمة ثمة .والجواب عن األولى من حجتي أصحاب
االصطالح ال نسلم توقف التوقيف على البعثة اصطالح
الجواز أن يخلق اهلل منهم العلم الضروري بأن األلفاظ
وضعت لكذا وكذا ،وعن الثانية ال يجوز أن يخلق اهلل
واضعا وضع تلك
ً يخلق العلم الضروري في العقالء أن
األلفاظ لتلك المعاني وعلى هذا ال يكون العلم باهلل
ضروريا سلمناه لكن لم ال يجوز أن يكون إال له معلوم
ً
الوجود بالضرورة لبعض العقالء قوله " "...قلنا
بالمعرفة أما بسائر التكاليف فال .انتهى .وقال أبو الفتح
بن برهان في كتاب الوصول إلى األصول اختلف
واصطالحا فذهبت
ً العلماء في اللغة هل تثبت توقيفًا
اصطالحا وذهبت
ً المعتزلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت
طائفة إنها تثبت توفيقًا ،وزعم األستاذ أبو إسحاق
اإلسفراييني أن القدر الذي يدعو به اإلنسان غيره إلى
التواضع يثبت توفيقًا ،وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل
واحد من الطرفين .وقال إمام الحرمين في البرهان :
اختلف أرباب األصول في مأخذ اللغات مذهب ذهبوه
أيضا توفيقية من اهلل تعالى وصار صائرون إلى أنها
ً
طا وذهب األستاذ أبو إسحاق في
اصطالحا وطو ً
ً تثبت
طائفة من األصحاب إلى أن القدر الذي يفهم منه مصدر
التواطؤ ال بد أن يفرض فيه التوقيف.
والمختار عندنا أن العقل يفوق ذلك كله فأما تجوز
التوقيف ؛ فال حاجة إلى تكليف دليل فيه ومعناه أن يثبت
علوما بديهية بصيغ مخصوصة
ً اهلل تعالى في الصدور
بمعاني فتتبين العقالء الصيغ ومعانيها ومعنى التوقيف
فيها أن يلقواى وضع الصيغ على حكم اإلرادة واالختيار
اصطالحا ؛ فهو إنه بعد
ً وأما الدليل على تجويز وقوعها
أن يحرك اهلل تعالى .نفوس العقالء لذلك ويعلم بعضهم
صيغا وتقترن بما
ً مراد بعض ثم ينشئون على اختيارهم
يريدون أحوال لهم وإ شارات إلى مسميات وهذا غير
مستنكر وبهذا المسلك ينطق الطفل على طوال ترديد
المسمع عليه ما يريد تلقينه وإ فهامه ؛ فإذا ثبت الجواز
في الوجهين لم يبق لما تخيله األستاذ وجه والتعويل في
التوقيف وفرض االصطالح على علوم تثبت في النفوس
فإذا لم يمنع ثبوتها لم يبق لمنع التوقيف واالصطالح
بعدها معنى وال أحد يمنع جواز ثبوت العلوم الضرورية
على النحو المبين.
1في "ب" مسألة.
صفحة 399 | 111 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
اللغة ،وذكر في مسألة الصداق ما إذا قال الزوج :إذا
قلت :أنت طالق ثالثًا لم أرد به الطالق ؛ وإ نما غرضي
أن تقومي أو تقعدي أو غرضي بالثالث الواحدة .قال :
وظاهر المذهب أن ذلك ،ال يقبل منه ،وفي المسألة
الوجه البعيد الذي ذكرناه في مسألة الصداق .وسنبسط
القول في هذا في مسائل الصريح والكناية في الطالق
وحكى الرافعي هذا عنه في الصداق.
وأقول في تسمية األمة حرة آخر ؛ فإن األسامي ليس
فيها تغيير لوضع اللسان ،بخالف تسمية األلف ألفين ؛
فالمتجه فيها أنه ال يعتق وال يجري فيه خالف كما لو
قاصدا 1النداء
ً كان اسمها من األصل حرة فناداها به
فإنها ال تعتق ،وكذا [لو] 2أطلق على األصح ،وينبغي
علما
حمل كالم اإلمام على ما إذا لم يجعل لفظ حرة ً
تلقيبا ويكون مراده
عليها ،ولعله أشار إلى ذلك بقوله ً
باللقب غير العلم فيصير كما لو قال :إذا قلت فأنت
طالق فإنما أعني به قومي أو اقعدي .ونظير المسألة
التي نقلها الرافعي مسألة :المفاهيم -إال اللقب -حجة
خالفًا ألبي حنيفة رضي اهلل عنه.
وعليه مسائل :منها :إذا باع نخلة قبل أن تؤبر فثمرتها
للمشتري مندرجة تحت البيع ؛ بخالف ما إذا كانت
مؤبرة لمكا ثبت في الصحيحين 3من قوله صلى اهلل
عليه وسلم "من باع نخاًل مؤبرة فالثمرة للبائع إال أن
يشترط المبتاع" ؛ فإن مفهومه أن غير المؤبر للمشتري ،
وهو مفهوم صفة- .وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :ال
يكون للمشتري فيا لحالتين إذ ال اعتبار بالمفهوم عنده.
ومنها :الواجد لطول حرة ال يجوز له نكاح األمة ،
َأن َي ْن ِك َح
ط ْواًل ْ{و َم ْن َل ْم َي ْستَ ِط ْع ِم ْن ُك ْم َ
لمفهوم قوله تعالى َ :
ات}.4 ات اْلم ِمَن ِ
اْلم ْحصَن ِ
ُ ْؤ ُ َ
{م ْن فَتََياتِ ُك ُم
ومنها :ال يجوز نكاح األمة الكتابية لمفهوم ِ
اْلم ِمَن ِ
ات}. ُ ْؤ
ومنها :ال نفقة للمبتوتة الحابل ،ألن اهلل خص الحامل
{وِإ ْن ُك َّن
بالذكر بقوله َ :
_________
1في "أ" فناداها يا حرة.
2سقط في "ب".
3أخرجه البخاري 49 /5في المساقاة /باب الرجل
يكون له ممر أو مشرب .حديث " "2379ومسلم /3
1173في البيوع باب من باع نخاًل عليها ثمر .حديث
."1543 /80
4النساء "."25
صفحة 399 | 112 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
ِ ِ
ض ْع َن َح ْملَهُ َّن}، 1 ُأوالت َح ْم ٍل فَ َْأنفقُوا َعلَ ْي ِه َّن َحتَّى َي َ
ومنها :ال يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب
ون بِاللَّ ِه َواَل بِاْلَي ْوِم اَآْل ِخ ِر
ين اَل ُيْؤ ِم ُن َ
ِ َِّ
لمفهوم { :قَاتلُوا الذ َ
ين اْل َح ِّ
ق واَل يح ِّرمون ما ح َّرم اللَّه ورسولُه واَل ي ِد ُين ِ
ون د َ َ َُ ُ َ َ َ َ ُ ََ ُ ُ َ َ َ
اب َحتَّى ُي ْعطُوا اْل ِج ْزَيةَ}.2 ِ ِ َِّ
ين ُأوتُوا اْلكتَ َ
م َن الذ َ
ومنها :ال يجوز إزالة النجاسة بمائع سوى الماء ؛
لحديث األعرابي الذي بال في المسجد فقال رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم لرجل من القوم "قم فأتنا بدلو من
الماء فصبه عليه" 3وحديث المرأة التي قالت لرسول
اهلل .يا رسول اهلل :المرأة يصيبها من دم حيضها ؟ فقال
لتحته ثم لتقرصه بماء.4
والحديثان في الصحيحين ،ومفهومهما أن غير الماء
منهي عنه ،فال يزيل النجاسة.
زوجا ،أو قالت :
ومنها لو قالت :رضيت بفالن ً
رضيت أن أزوج ،فأظهر الوجهين أن هذا يسوغ لكل
من األولياء تزويجها ؛ ألنهم معينون للتصرف ،
والمشروط الرضا من جهتها وقد وجد ،فلو عينت بعد
واحدا ففي انعزال اآلخرين وجهان .قال الرافعي :
ً ذلك
رأي بعض المتأخرين بناءها على أن المفهوم حجة .قلت
:وهو مفهوم لقب فال يعتبر.
ومنهاك نقل الرافعي عن فتاوي القاضي الحسين أنه إذا
ادعى على إنسان عشرة فقال :ال يلزمني تسليم هذا
مقرا ؛ ألن اإلقرار ال يثبت بالمفهوم.
المال ،ال يجعل ً
قلت :وهذا يقوله من يقصر المفاهيم على أقوال الشارع
،وما ذكره من التفرقة وأشار إليه من القاعدة صحيح.
وأنا أوضحه فأقول :إذا قال :واهلل ال آكل إال هذا فلذلك
على مذهبنا قضيتان :الحلف على أن ال يأكل غيره أو
معناه االمتناع عن أكل غير هذا وعلى مقابله ،ومقابل
االمتناع عدم االمتناع ؛ فكأنه قال :أمنع نفس غير
وأخرج من هذا من المنع ،أو كأنه
_________
1الطالق .6
2التوبة .29
3الخباري 321 /1في الضوء /باب ترك النبي صلى
اهلل عليه وسلم والناس األعرابي حتى فرغ حديث ""219
ومسلم 237 /1في الصالة /باب وجوب غسل البول
وغيره من النجاسات "."285 /100
4البخاري 410 /1في الحيض /باب غسل دم الحيض
" ، "307ومسلم 240 /1في الطهارة /باب نجاسة الدم
وكيفية غسله " "291 /110والنسائي 195 /1في
الحيض.
صفحة 399 | 113 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
قال :أمنع نفس غيري وأحملها عليه فيه هذا الخالف ،
وكل منهما مقابل لمنعها من الغير ؛ فمقابل االمتناع من
غير عدم االمتناع من هذا ،وعدم االمتناع من هذا أعم
من اإلقدام عليه ،وهذا ال يتأتى في ليس له إال مائة ؛ فال
مقابل لنفي المائة إال ثبوتها .إذ ال وساطة ،وبهذا تتعين
المائة ،ويتوقف في تعين أكل هذا ،وفي مجامعتها تلك
السنة وهذا كله حسن ؛ لكنه أخذه من قاعدة عامة في كل
حالف على مستقبل ،وفيه نظر ،بل قد ال يعم
غدا أحد إال زيد
المستقبالت كلها ؛ فلو قال :ال يقوم ً
قائما .هذا إذا كانت الجملة خبرية ،
فزيد ال بد أن يكون ً
أما [إذا] 1كانت إنشائية أو قسمية فال يتعين قيام زيد ؛ بل
يبقى التخيير كما [أشار] 2إليه فإذا ما ذكره ليس من
عموم االستقبال بل من خصوص 3الحث والمنع.
وقولنا :االستنثاء من النفي إثبات [صحيح] 4باق بحاله
؛ غير أنه هل هو إثبات لنقيض الملفوظ أو النقيض ما
دل عليه اللفظ ؟ هذه عبارة الوالد رحمه اهلل ،وأوضح
منها أن يقال هو إثبات [لنقيض] 5المنفي بإثبات.
مسألة :
النيابة تدخل المأمور إال لمانع "وعكست الحنفية فقالوا :
ال تدخل إال لمقتض".
ويظهر أثر ذلك في مسائل ال ينهض دليل دخول النيابة
فيها ؛ فنحن [نقول] : 6تجوز النيابة ألنه األصل ،وهم
يقفون على ورود دليل هناك بخصوصه ألن األصل أن
ال نيابة.
وفيه مسائل :منها :المستطيع للحج إذا زمن وصار
معضوبا [يلزمه أن يستنيب] 7من يحج عنه ويقع عن
ً
المستنيب خالفًا لهم.
ومنها :من عجز عن الحج بعدما وجب عليه ؛ إذ بدل
االبن الطاعة ليحج عنه.
معضوبا يلزمه أن يستنيب من يحج عنه
ً ومنها :من بلغ
خالفًا لهم.
_________
1في "ب" إن.
2في "ب" سقط.
3في "ب" خصوص األمر.
4سقط في "ب".
5في "ب" باق.
6سقط في "ب".
7سقط في "ب".
صفحة 399 | 114 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
ومنها :المستطيع إذا مات أخرج [من] 1تركته مال يحج
به عنه .وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه ال يفعل ذلك إال
إذا أوصي به.
مسألة :
قال علماؤنا :األمر ال يقتضي الفور وخالفت الحنفية.
ومن ثم مسائل منها :ال يجب الحج على الفور.
ومنها :لو قال :بع ونحوه لم يشترط 2القبول.
مسألة :
األمر بعد الحظر.3
مسألة :
األمر ال يقتضي التكرار.
ومن فروعها :إجابة المؤذن هل تختص بالمؤذن األول
؟
وفيه خالف للعلماء ،وذكر الرافعي في كتابه "أخطار
الحجاز" أنه ال يجيبه.
ومنها :لو وكله بيع شيء فرد عليه بالعيب فهل له البيع
ثانيا ؟ فيه وجهان ؛ حكاهما الرافعي قبيل باب حكم
ً
المبيع قبل القبض أصحهما أنه ليس له وبه جزم في
الوكالة [ ،ويحسن] 4بناء الوجهين إذا كانت الصيغة بع
على مسألة األمر هل يقتضي التكرار .مسألة األمر
بالشيء نهي عن ضده ؛ مسألة النهي إذا رجع إلى الزم
اقتضى الفساد عند علمائنا قاطبة وهي من أمهات مسائل
الخالف وقد اعتاضت على قوم من المحققين منهم
الغزوالي فذهبوا إلى [آراء] 5مفصلة تداني مذهب أبي
حنيفة والذي استقر عليه
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" تعجيل القبول.
إذا علمت أن األمر بعد الحظر للوجوب فمن فروعها ما
إذا عزم على نكاح امرأة ؛ فإنه ينظر إليها لقوله عليه
الصالة والسالم فانظر إليها -لكن هل يستحب أو يباح.
على وجهين أصحهما األول وهما مبنيان على ذلك ،كما
أشار إليه اإلمام في النهاية وخرج به غيره ؛ فإن قيل فلم
وأيضا
ً ال حملناه على الوجوب قلت القرينة صرفته ،
فلقاعدة أخرى وهي الداعية الحاملة على الفعل .وفيها
اإلمام بالكتابة في قوله تعالى { :فَ َكاتُِب ُ
وهم} [النور ]33؛
فإنه وأراد بعد التحريم كما قاله القاضي الحسين في باب
الكتابة ووجه ما قاله :إن الكتابة بيع مال الشخص بماله
كما قاله األصحاب وهو ممتنع بال شك.
4سقط في "ب".
5في "ب" سقط.
صفحة 399 | 115 :
األشباه والنظائر
كتاب الكتاب
[الرأي] 1أن النهي عن الشيء يقتضي [عدم] 2صحته
وعدم االعتداد به في نظر الشارع فإن كان في العبادات
اقتضى صحته وعدم إجزائه وإ ن كان في المعامالت
اقتضى صحته وعدم استقراره وسلط الفسخ عليه هذا ما
مذهبا ،وإ ن كنا قصدنا في شرح المختصر وغيره
رأيناه ً
من مصنفاتنا األصولية خالفه ؛ وإ نما نبهنا عليه هنا ألنا
حائدا
لم نذكره فيها [بل] 3نحن هنا ال نفرع عليه لكونه ً
عن مذهب اإلمام المطلبي ؛ بل تجري 4قاعدة المذهب
فنقول ومن ثم مسائل منها :ال يصح بيع السالح
للحربي.
_________
1في "ب" رأيي.
2سقط في "ب".
3في "ب" ثم.
4في "ب" بل تجري على.
صفحة 399 | 116 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
كتاب العموم والخصوص :
القول في الصيغ للشيخ اإلمام 1كتاب أحكام "كل" كاد
يستوعب فيها الكالم على صيغ العموم بها [ال نزيد]2
على نفاسة وحظ هذا الكتاب مسائل نوردها واحدة
واحدة.
مسألة :
اسما موصواًل بمعنى الذي وهي
األلف والالم تكون ً
الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين وهذه عامة
عموم الموصوالت بأسرها وليست هي المعقودة لها
المسألة.
وتكون هي حرف تعريف -وإ ياه نعني -وللنحاة3
اختالف في أن التعريف بالالم أو مجموع األلف والالم
واختالف في أن "أل" حرف ثنائي همزته وصل ؛ وذلك
مذهب سيبويه أو همزته قطع وهو رأي ابن مالك ،ومن
أجل هذا الخالف يقال :األلف والالم ويقال :أل وهو
ثنائيا همزته أصلية ؛ [فإنه] 4يقول :أل
قول من جعله ً
وال يقول :األلف والالم ،كما ال نقول في قد :الدال
والقاف :ويقال الالم وهو قول من جعل التعريف بها.
والشأن في هذا سهل.
والحاصل أن أل تكون عهدية وتكون جنسية.
القسم األول :العهدية
وهي أنواع :األول :العهدي الذكري.
_________
1نفي "ب" الوالد رحمه اهلل.
2في طب" مزيد.
3في "أب" في النحاة.
4في "ب" فإن.
صفحة 399 | 117 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وهي التي يعهد مصحوبها بتقدم ذكر نحو { َك َما َْأر َسْلَنا
ول} ومن ثم صى ِف ْر َع ْو ُن َّ
الر ُس َ ِ
ِإلَى ف ْر َع ْو َن َر ُسواًل ،فَ َع َ
إذا قالت :طلقني على ألف درهم فقال :أنت طالق على
األلف وقع بالدراهم.
والثاني :الذهني ؛ نحو {ِإ ْذ ُه َما ِفي اْل َغ ِار} ِ{ ،إ ْذ
ت َّ
الش َج َر ِة}. ُيَبايِ ُع َ
ون َك تَ ْح َ
سهما لغزال :
والثالث :الحضوري كقولك لمن سدد ً
الغزال حاضر.1
القسم الثاني :الجنسية
وهي نوعان :أحدهما :ما جاء لتعريف الحقيقة :
وهي التي تقصد [الحقيقة] 2من حيث هي [هي] 3نحو :
الرجل خير من المرأة وقولك :واهلل ال آكل الخبز ،ومن
ثم يحنث بالقليل وكذلك لو حلف ال يكلم الناس ذكر ابن
الصباغ وغيره فيما نقله الرافعي في كتاب اإليمان أنه
أناسا فإنه
واحدا قال بخالف ما إذا قال ً :
ً يحنث إذا كلم
يحمل على نيته.4
قلت :وما ذكره في الناس المعرف يخالف ما نقله
الرافعي في فروع الطالق فيما إذا قال :إن تزوجت
النساء فأنت طالق أنه ال يحنث إال إذا تزوج ثالث نسوة
وكذا [إذا] 5قال :ال أشتري العبيد ال يحنث إال بشراء
ثالثة أبعد.
والذي يظهر لي أن الجنسية إن دخلت على جميع فأفراده
ثالث مثل ال أشتري العبيد ؛ فال يحنث إال بثالث كما
ذكر ،ألنه الجنس.
[فإن] 6دخلت على مفرد مثل :الرجل خير من المرأة
فأفراده كل حقيقة من حيث هي ؛ بل أفراد له عند
التحقيق ؛ إنما هي الحقيقة فحسب تشخص في جزئياتها ،
وإ ن دخلت على اسم الجمع كالناس والنساء فهل أفراده
آحاد أو جموع ؟ فيه نظر واحتمال ،ثم النحوي ال يسمى
جنسا مستقاًل .والثاني :
هذا النوع جنسية ؛ بل يجعله ً
االستغراقية .وهي التي يقصر عليها النحاة اسم الجنسية
وهي ضربان :أحدهما حقيقي ،وهي التي
_________
1في أ من الغزال :الغزال حاضر.
2في "ب" الماهية.
3سقط في "ب".
4في "ب" ثالثة.
5في "ب" لو.
6في "ب" وإ ن.
صفحة 399 | 118 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
اَّل َِّ تشمل األفراد نحو ِ{ :إ َّن اِإل ْنس ِ
ان لَفي ُخ ْس ٍر ِ ،إ الذ َ
ين َ َ
َآ َم ُنوا}.1
والثاني :مجازي وهي التي تشمل خصائص الجنس
علما ،أي الكامل في هذه
مبالغة ،نحو :أنت الرجل ً
الصفة.
مسألة :
ام ِرٍئ بِ َما ُّ
ظا إلى نكرة نحو { ُكل ْ
كل للعموم وقد يضاف لف ً
ين} ومعناها كل فرد ال المجموع وقد يثبت ب َر ِه ٌ
َك َس َ
المجموع معه مثل كل مسكر حرام لكن [ليس] 2لك من
وصفها بل من خارج وقد ال يثبت مثل كل رجل يشبعه
رغيف ومن ثم منع الشيخ اإلمام رحمه اهلل "كل رجل
يحمل الصخرة العظيمة" القتضائه أن كل فرد يشيلها
وأوجب اعتبار فيما لها من ضميره وغيره إلى أن يكون
على حسب المضاف إليه إن مفرد فمفرد وإ ن مثنى
فمثنى ؛ وهكذا فال يجوز عنده كل رجل قائمون وادعى
إطباق النحاة عليه وأنكر على شيخنا أبي حيان تجويزه
ذلك.
فردا
وقد يضاف إلى معرفة نحو :وكلهم آتيه يوم القيامة ً
.3وحينئذ فهل معناها كل فرد -كالمضافة إلى نكرة أو
المجموع ؟ فيه تردد ،والراجح عند الشيخ اإلمام رضي
أيضا ؛
اهلل عنه ،أنها على بابها من الداللة على كل فرد ً
مفردا لزم من استغراق أجزائه المجموع
غير أنه إن كان ً
،ولذلك يصدق كل رمان مأكول ،وال يصدق [كل]4
الرمان مأكول ،لدخول قشره.
جمعا احتمل أن يراد المجموع كما في قول
وإ ن كان ً
القائل :كلكم بينكم درهم ،وقول بعض المتكلمين :كل
أعضاء البدن حيوان .وأن يراد كل فرد لقوله صلى اهلل
عليه وسلم " :كلكم راع" 5؛ ولذلك فصله بعد ذلك فقال
"السلطان راع ،والرجل راع ،والمرأة راعية"
واالحتمال [الثاني] 6أكثر.
_________
1العصر "."3 -2
2سقط في "أ" والمثبت من "ب".
3مريم .95
4سقط في "ب".
5البخاري 111 /13في األحكام /باب قول اهلل تعالى
يعوا اللَّهَ} " "7138ومسلم 1459 /3في اإلمارة ِ
َ{ :أط ُ
باب فضيلة اإلمام .1829 /20
6سقط في "ب".
صفحة 399 | 119 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وهنا بحث وهو أن "كال" إذا دخلت على ما فيه اإللف
والالم وأريد الحكم على كل فرد فهل الالم ،للعموم و
"كل" تأكيد لها أو لبيان الجنس وكل تأسيس ؟ فيه نظر
وجوز الوالد رحمه اهلل تعالى أن تفيد الالم العموم في
مراتب ما دخلت عليه .وكل للعموم في أجزاء كل من
المراتب ،فإذا قلت :كل الرجال ،أفادت الالم استغراق
كل مرتبة من مراتب جمع الرجال ،وأفادت كل
استغراق اآلحاد .قال :ومن هنا يظهر أنها ال تدخل
المفرد المعرف إذا أريد بكل منهما العموم واهلل تعالى
أعلم.
مسألة :
متى للعموم في األوقات
فإذا قال :متى دخلت الدار فأنت طالق طلقت بأي دخول
وقع.
فإذا قلت :لو قالت :متى طلقتني فلك ألف فالشروط
وقوع التطليق في المجلس.
قلت :ذكروا أن الفور هنا مأخوذ من قرينة العوضية.
وكذلك إذا صرح بخالف القرينة عملت الصيغة عملها ؛
فلو قالت :طلقني في هذا الشهر متى شئت وال تؤخر
تطليقي عنه على ألف لم يشترط الفور ،بل كل جزء من
أجزاء الشهر كاف ،عماًل بعموم متى .قال األصحاب :
والفرق بينها وبين الصورة قبلها أن الصورة قبلها لم
تعارض قرينة العوضية شيء ،وهنا عارضها صريح
التخيير فتقاعدت القرينة عن مقاومة الصريح .ومن
األصحاب من خرج خالفًا في كل صورة من األخرى.
مسألة :
واستفهاما وموصواًل فتفيد عموم كل
ً طا
"أي" تكون شر ً
فرد ،لكن على سبيل اإلحاطة .ومن هنا خالفت "كلما".
ولم يكن فيها تكرار ؛ فإذا قال :أي وقت دخلت الدار
فأنت طالق فدخلت مرة بعد أخرى لم يتكرر الطالق.
وفي كلما "يتكرر".
وللشيخ اإلمام رحمه اهلل في كتاب أحكام "كل" كالم نفيس
على أكثر صيغ العموم فعليك به.
وحظنا من "أي" هنا أن نقول قد قرر ذلك الحبر رضي
اهلل عنه أن عموم "أي" معناه إناطة الحكم باألفراد
[لخصوصها] 1من حيث دخولها في المسمى ال من حيث
هي ،وهو العموم البدلي ،ثم هو ال ينافي الشمول ،وقد
يصحبه الشمول باعتبار عود الضمير على
_________
1في "ب" بخصوصها.
صفحة 399 | 120 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
"أي" نحو :أيما إهاب دبغ فقد طهر 1؛ ألن طهارة هذا
اإلهاب غير طهارة اإلهاب اآلخر.
والحاصل أن ثبوت الحكم لألفراد قد يكون في حالتي
اجتماع كل فرد مع اآلخر وحالة انفراده ؛ وذلك لعموم
الشمول ،وهو عموم كلي.
وقد يكون حالة االنفراد من غير تعرض لحالة الجمع ؛
وذلك عموم "أي" وما في معناها ،وهو العموم البدلي.
وقد يثبت للماهية من غير تعرض لألفراد ،وهو المطلق
بدليا .ومما يدل على الفرق
عموما ً
ً أيضا
،وقد يسمى ً
بين "كل" و"أي" أنك تقول :كل الثالثة ضربك
وضربوك .وال تقول "أي" الثالثة ضربوك ،بل ضربك
؛ فدل على أن معناها :أحد األشياء ال جميعها ومن ثم
إذا قال :أي عبيدي حج فهو حر فحجوا كلهم يعتقون
واحدا".
خالفًا للغزالي حيث قال ال يعتق إال ً
ومن مسائل "أي" المشهورة مسألة محمد بن الحسن
رضي اهلل عنه قال إذا قال أي عبيد ضربك فهو حر
جميعا وإ ن قال أي عبيدي ضربته فهو
ً [فضربوه عتقوا
واحدا وفي تعليق القاضي
ً حر] 2فضربهم ال يعتق إال
الحسين ما يقتضيه ونازع فيه الوالد رحمه اهلل ،وأطال
في المسألة في كتابه [المشهور] 3فلينظر فيه .وقد أجاب
فخر اإلسالم الشاشي بالتعميم في المسألة حتى يعتق
جميع الضاربين في المثال األول .وجميع المضروبين
في الثاني.
وقد يستدل بقول األصحاب :لو قال لنسائه :أيتكن
حاضت فصواحباتها طوالق وقع بحيض كل واحدة منهن
على البواقي طلقة -كذا ذكره الشيخ في التنبيه وغيره
والرافعي لم يذكر المسألة إال بصيغة "كلما".
وحاصل ما فرق به محمد بن الحسين رضي اهلل عنه أن
فاعل الفعل في الكالم األول وهو الضمير في ضربك
عام ألنه ضمير أي ،وحينئذ فيكون الفعل الصادر عنه
عاما.
ً
_________
1مسلم 277 /1في الحيض /باب طهارة جلود الميتة
بالدباغ "."366 -105
2سقط في "ب".
3في "ب" المذكور.
صفحة 399 | 121 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ألنه يستحيل تعدد الفاعل مع انفراد الفعل ؛ ألن الفعل
يختلف باختالف فاعليه ،فإن فعل زيد غير فعل عمرو
فمن ثم قال :يعتق الجميع .وأما الصيغة الثانية :وهي
"أي عبيدي ضربته فالفاعل فيه وهو تاء المخاطب خاص
والعام فيه إنما هو ضمير المفعول أعني الهاء" واتحاد
الفعل مع تعدد المفعول غير محال ؛ فإن الفاعل الواحد
واحدا لمفعولين أو أكثر.
ً قد يوقع في وقت واحد فعاًل
مسألة :
أقل الجمع ثالثة ،وقيل :اثنان وفيه مسائل :
منها :قيل يكتفي بالصالة على الميت باثنين حكاه
الرافعي عن صاحب التهذيبو قيل إنه بناء على أن أقل
الجمع اثنان.
ومنها :لو أوصى ألقاربه ولم يوجد إال قريب واحد ،
وستأتي المسألة وحظنا منها هنا أن الرافعي حكى فيها
وجهًا عن األستاذ أبي منصور أن له التصرف ولم يعلله.
قال ابن الرفعة : 1ولم أفهم له معنى ،وإ ن تخيل أنه بناه
على أن أقل الجمع اثنان لزمه جواز االقتصار على اثنين
في الوصية للفقراء ،ولم نر من قال به.
ومنها :إذا اقر بدراهم لزمه ثالثة دراهم ،وفي وجه
اثنان لعل توجيهه البناء على أقل الجمع ؛ غير أن الشيخ
اإلمام الوالد رحمه اهلل نازع في ذلك في كتاب الحلبيات.
ومنها [إذا] 2أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد جزم
األصحاب بأنه ال بد من الصرف إلى ثالثة ؛ حتى لو
كانوا دون ثالثة ؛ حتى لو كانوا دون ثالثة تممنا الثالثة
ممن يليهم.
ومنها :لو حلف ال يكلم بني آدم قال الرافعي في فروع
الطالق المنقولة عن إسماعيل البوشنجي القياس أنه ال
يحنث بكالم الواحد واالثنين إال أعطيناهما حكم الجمع.
تجوزا خالف.
قد ثبت في إطالق اسم الجمع على الواحد ً
إجماعا ومن ثم لو قال من ليس له إال عبد
ً أما حقيقة فال
واحد :عبيدي أحرار "ال يعتق" ذكره القاضي الحسين
في فتاويه في أثناء مسألة.
فإن قلت :الصحيح فيمن أوصى ألقاربه ولم يوجد له إال
قريب واحد أنه يتناول
_________
1في "ب" في المطلب.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 122 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
جميع الموصفي به وقيل :نصفه ،وقيل :ثلثه ،وال
قائل :بأنه يحرم مع أن األقارب جمع.
قلت :المرعي في الوصية الجهة ؛ فصار كما لو وقف
على أوالده يستحق الواحد منهم والجمع ،ثم مدلول
منحصرا في واحد الحتمال أن يكونوا
ً األقارب ليس
جمعا -ولذلك قالوا [ولم] 1يوجد إال واحد
وقت اإليصاء ً
والحتمال حدوثهم بعد اإليصاء ؛ فليس [مما] 2نحن فيه.
مسألة :
في دخول المخاطب بكسر الطاء -تحت عموم خطابه
خالف عليه مسائل :منها :لو قال :نساء العالمين
طوالق ؛ ففي وقوع الطالق على امرأته خالف أشار
الرافعي إلى أن بعضهم بناء على هذا ،وقد تكلمنا على
المسألة في "شرح المختصر".
ومنها :لو وقف على الفقراء وهو فقير .قال الوالد
رحمه اهلل :ينبغي أن يكون فيه وجهان -أصحهما
الجواز -قال :والمسألة التفات على هذا األصل" ونقل
من كالم الخوارزمي 3صاحب الكافي ما يدل للجواز.
ولو لم يكن هناك فقير غيره ؛ فأشار إلى ترجيح الجواز
أيضا ؛ لكونه قصد الجهة بخالف مسألة ابن يونس في
ً
حيلة اإلنسان في الوقف على نفسه ،حيث صورها فيما
إذا وقف على أوالد أبيه الذين صفتهم كذا وذكر صفات
نفسه قال الوالد رحمه اهلل :
ألن قصد الجهة العامة فيها بعيد.
قلت :وإ ن روعي اللفظ وقطع النظر عن القصد فله
التفات على دخول المخاطب في الخطاب.
ومنها إذا قال :أوصيت لعبدي بثلث مالي فاألصح وبه
قال ابن الحداد أن رقبته تدخل ،والثاني :ال ،إلشعاره
بغيره.
_________
1في "ب" ولو لم.
2في "ب" ما.
3محمود بن محمد بن العباس بن رسالن ظهير الدين
أبو محمد الخوارزمي العباسي تفقه على البغوي ،قال
ابن السمعاني :كان فقيهًا فاضاًل عارفًا بالمتفق
جامعا بين الفقه
ً والمختلف حسن الظاهر والباطن
والتصوف ولد بخوارزم في رمضان سنة اثنتين وتسعين
وأربعمائة وتوفي في رمضان سنة ثمان وستين
وخمسمائة ابن قاضي شهبة 419 /2هداية العارفين
.403 /20
صفحة 399 | 123 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
قال القاضي أبو الطيب في شرح الفروع [ :وبهذا نقول]
: 1إن األمر ال يدخل في األمر ؛ ألن الظاهر أن
المأمور غير اآلمر.
قلت :والرافعي حكى الوجهين وصحح قول ابن الحداد
،لكن لم يذكر هذا المأخذ وهو تردد في دخول المخاطب
-بفتح الطاء.
ومنها :نقل الرافعي في فروع الطالق عن إسماعيل
حراما
ً البوشنجي أنه لو قال لزوجته :إن فعلت مع أحد
فأنت طالق فطلقها طلقة رجعية وجامعها في عدتها
فيحتمل أن يبنى وقوع الطالق على أن المخاطب هي
يندرج تحت الخطاب ويحتمل أن يقال :ال يقع ألن
الغرض منعها عن الغير لما يلحقه بذلك من الغضاضة
والمعرة .كذا :في الرافعي ؛ لكنه فيه بالعجمية وأنا
عربته .فإن عبارته لو قال لزوجته أكذبوا وليس حرام
كنى وهذا معناه.
مسألة :
خطاب الشارع بالمسلمين والمؤمنين يتناول العبيد [عند]
2األكثر ،وقال به الرازي من الحنفية كان لحق اهلل
دخل وإ ن كان لحق العباد فال وفي المسألة ثالثة أوجه
ألصحابنا حكاها الماوردي في كتاب القضاء من
الحاوي .أحدها :الدخول إال أن يخرجها الدليل.
والثاني :عدمه إال أن يدخله الدليل.
عقدا أو
بعيدا أدخل وإ ن تضمن مل ًكا أو ً
والثالث :إن كان ً
والية فال .وهذا الثالث هو مذهب الرازي فيما أحسب ،
وهو ما أشار إليه الشافعي رضي اهلل عنه بقوله :إن
العبد يدخل في الضرورات دون غيرها .كما أشرت إليه
في شرح المختصر.
ويتخرج على األصل مسائل :
منها :أمان العبد صحيح [عندنا] 3خالفًا ألبي حنيفة
رضي اهلل عنه -لقوله صلى اهلل عليه وسلم " :المسلمون
تتكافأ ويسعى بذمتهم أدناهم".4
_________
1في "ب" ولهذا نقول.
2سقط في "أ" والمثبت من "ب".
3سقط في "ب".
4أخرجه أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن ابن
حبرة 192 /2وكذا أبو داود 80 /3في الجهاد باب في
السرية " ، "2751ابن ماجه 895 /2في الديات باب
المسلمون تتكافأ دماؤهم " "2685ومن رواية ابن عباس
ابن ماجه في المصدر السابق حديث 2683ومن طريق
معقل بن يسار ابن ماجه في المصدر السابق حديث "
"2684ومن طريق علي بن أبي طالب أحمد في المسند
119 /1وأبو داود 180 /4الديات باب إيقاد المسلم
بالكافر " "4530والنسائي 19 /8في القسامة.
صفحة 399 | 124 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها :إذا انتفت الموانع بأن يأذن السيد له فيما لم
يوجب عليه من أجله فهل يجب ؟ فيه تردد في مسائل :
منها :لو أذن له السيد في حضور الجمعة ،والصحيح
ال يجب عليه.
ومنها :في وجوب إحرامه بحج أو عمرة إذا أذن له
السيد في دخول الحرم خالف ؛ أصله قول ابن عباس
محرما.
ً رضي اهلل عنه :ال يدخل أحد مكة
مسألة :
الصحيح دخول الصورة النادرة تحت العموم وكحذا
الصورة غير المقصودة.
وفرق بين النادرة وغير المقصودة ؛ فالنادرة هي التي
تندر بالنسبة إلى القضية التي اشتمل عليها لفظ العموم ،
وغير المقصودة هيا لتي تدخل في مدلول اللفظ ؛ إال أنا
نعلم أن األلفاظ لم يقصدها .وقد تكون نادرة وقد ال تكون
،كما أن النادرة قد تكون مقصودة وقد ال تكون.
مثال النادرة :المسابقة على الفيل وغيرها.
ومثال غير المقصودة :ما وقع في "المحاكمات" واقف
وقف على زوجاته ما دمن باقيات في عصية نكاحه ؛
[فمن] 1تزوجت منهن سقط نصيبها وعاد على ضراتها
بائنا ثم عادت إليه بعقد جديد
فطلق واحدة منهن طالقًا ً
فقال ضارتها :إنه ال عود لك إلى النصيب الذي خرج
عنك عند انقطاع العصمة ؛ فقد صدق انقطاع العصمة
والتزوج ،وقالت هي :لم يكن قصد الواقف إال أن
أتزوج بغيره والقرائن تشهد لها وتفضي إلى القطع بما
تدعيه ؛ ولكن قد ينازع منازع في التصوير بهذه
الصورة لقوله :ما دمن في عصمة نكاحه تعلقًا بأن
الدوام انقطع ببينونتها [أال] 2ترى إلى ما نقله الرافعي
من فروع الطالق عن إسماعيل البوشنجي فيمن حلف إن
دخلت دار فالن ما دام فيها فأنت طالق فتحول ثم عاد ال
يقع ألن اإلدامة انقطعت.
_________
1في "ب" فيمن.
2في "ب" إلى.
صفحة 399 | 125 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
أيضا فيمن حلف ال
ثم ذكره في أواخر كتاب اإليمان ً
يصطاد ما دام األمير في البلد ال سيما وقد قال الواقف
باقيات فليتصور بخلو اللفظ عن قوله :ما دمن باقيات
أيضا واقف وقف
وقد وقع وكذلك وقع في "المحاكمات" ً
على الفقراء والمساكين وقال قدموا اعتقائي على غيرهم
فافتقر أقرابه وطلبوا أن يقدموا على العتقاء ألن اإلحسان
إليهم أولى .والقرائن [تقتضي] 1بأن الواقف لو
استحضر افتقارهم لرجحهم على عتقائه ،وقال العتقاء :
إيانا ،والمعروف في
اللفظ ال يدل إال على تقديمنا ولستم ً
مذهبنا عدم اعتبار المقاصد واالقتصار على مدلول
األلفاظ .وللغزالي كالم أخذ منه ابن الرفعة ميله إلى أن
المقصود يعتبر .وأقول المقصود بالنسبة إلى اللفظ ثالثة
أقسام :
قسم ينافي اللفظ ويعارضه :فال وجه العتباره.
وقسم يعاضد اللفظ ويساعده :فال يقول [أحد] 2بإهداره
؛ ولكنه معتبر غير أن اللفظ هو الموجب العتباره دون
القصد.
وقد يقول من يعتبر المقاصد [أنهما]" 3هنا" علتان على
معلول واحد.
قسم ال ينبو عنه اللفظ وال يدل له ؛ فهذا يشبه الزيادة
على اللفظ ،فإن توفرت عليه القرائن وأفضت إلى القطع
أو ظن غالب فال بأس باعتباره ،إذا [عرفت] 4هذا فلنعد
إلى الكالم في النادرة فنقول :فما دار في عبارات
األصحاب النادر ال حكم له.
ومن ثم مسائل :
قيل :خروج المني من النساء ليس ببلوغ ألنه نادر فال
حكم له ولكن الصحيح خالفه ،ومنها :العدد النادر الذي
ال يدوم يوجب القضاء وإ ن كان مع الخلل الحاصل يدل
على الصحيح.
وقد يستشهد لقولهم :النادر ال حكم له ؛ مما نقله الكيا
الهراسي في أحكام القرآن عن الشافعي رضي اهلل عنه
في نكاح األمة لمن تحته حرة -أنه رضي اهلل عنه كان
يقول :الظاهر من وجود النكاح الطول واألمن من
العنت ،وال مباالة بنكاح نادر ال يفضي إلى ذلك ؛ بل
حسما.
نحسم الباب ً
_________
1في "ب" تقضي.
2في "ب" أحدنا.
3في "ب" أنها.
4في "ب" عرف.
صفحة 399 | 126 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
جميعا وذكره الرافعي في أوائل الطالق
ً ويقول أصحابنا
-أن الفسوخ ال تنقسم إلى سنة وبدعة ؛ ألنها أسباب
نادرة -بخالف العقود .وربما قيل "النادر يحفظ وال
يقاس عليه .وهذا قولهم :الشاذ الخارج عن المنهاج
يحمل على شذوذه وال يقضي به على غيره.
وليس كالمنا في هذا إذا ذاك هو مسألة "أن الخارج عن
القياس هل يقاس عليه ؟ وسيأتي إن شاء اهلل تعالى الكالم
عليه في مسائل القياس ؛ إنما الكالم في الصورة النادرة
هل تدخل تحت العموم ؟ المشهور أنها تدخل وهو
المختار.
وفي كالم اإلمام والغزالي والرافعي رحمهم اهلل ما
يقتضي عدم دخولها .أشار إليه الغزالي في كتب
الخالفيات وتوصل به إلى إخراج الكلب من عموم أيما
إهاب دبغ فقد طهر فقال :الكلب ال يعتاد في العرف
دباغ جلده ؛ فتنفك األذهان عن ذكره إذا جرى ذكر
الدباغ واللفظ ينزل على االعتياد فيما يدبغ ذكره في
مآخذ الخالف وفي شفاء العليل وذكر [في] 1المآخذ أن
هذا الفرق ينتهي إلى القطع.
ومثل كالم الغزالي قول الرافعي في الحج في صوم
المتمتع ثالثة أيام بعد التشريق ال يكون أداء ألن تأخره
مرادا من قوله
عن أيام التشريق مما يبعد ويندر ؛ فال يقع ً
تعالى {ثَالثَ ِة ََّأي ٍام ِفي اْل َح ِّج} 2بل هو محمول على الغالب
المعتاد .قال الرافعي :هكذا حكاه اإلمام وغيره.
قلت :وعبارة اإلمام في النهاية المفهوم من القرآن تفييد
صوم الثالثة بأيام الحج ،وهو مضبوطة ،وأيام التشريق
ملحقة بأيام الحج على بعد ؛ فأما النظر إلى البقاء في
اإلحرام المتداد زمان طواف الزيارة فليس مراد الكتاب.
فإن تأخر الطواف عن أيام التشريق يبعد وقوعه.
طا
رأيا واستنبا ً
فليفهم النظر حقيقة ذلك ؛ فإني لم [أقله]ً 3
وإ نما نقلته من فحوى كالمه األئمة .انتهى.
ونظير كالم الرافعي هنا قوله -فيما إذا مات المكفول
ببدنه :أنه يبرأ الكفيل حماًل لإلحضار الملتزم على
غالبا .قلت :لكن هذا في
الحياة ؛ فإنه الذي يخطر بالبال ً
تقييد
_________
1سقط في "ب".
2البقرة "."196
3في "أ" لم أقلد والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 127 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
المطلق ،وكالمنا في تخصيص العام ؛ فال يلزم من
األول والثاني .وقد شكك الشيخ صدر الدين بن المرحل
رحمه اهلل على قولهم النادر ال يخطر بالبال ؛ فال يدخل
تحت العموم بأن هذا ال تبين له في كالم اهلل تعالى ؛ فإنه
ال يخفى عليه خافية.
وبلغني أن تلميذه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن
جملة 1رحمه اهلل -من أجل ذلك يقول :إن كان العموم
في الكتاب فال شك في دخول النادرة ،وإ ن كان بالسنة
وقلنا :إنها بالوحي فكذلك ،وإ ن كانت باالجتهاد فهو
موضع الخالف.
قلت :وكل هذا بمعزل عن مراد األصوليين إذا مرادهم
أن الصورة النادرة التي ال تخطر ببال العربي عند
اإلطالق ال يردها الشارع الذي جاء بالقرآن المتلو
بلسانهم وما يتخاطبون به في محاوراتهم .هذا موضع
النظر ،وما ذكره ابن جملة من التفصيل في النبي صلى
اهلل عليه وسلم فيه نظر.
والصواب عندنا أنه صلى اهلل عليه وسلم ال تذهب عن
خاطره النادرة كيف وهو يقول :واهلل لقد رأيت ما أنتم
القون في دنياكم وآخرتكم .ويقول :ما من شيء
توعدونه إال وقد رأيته في صالتي هذه حتى الجنة والنار
.2
ظا إال وقد أتى على مدلوله
وال يمكن أن يعمم لف ً
استحضارا ؛ غير أنه يستحضر النادرة ويعلم أن قومه ال
ً
يعنونها بهذا اللفظ فينطق على لسان قومه ،فال تقع
مرادة بحكمه وال مشمولة بلفظه.
إذا عرفت هذا ففي القاعدة مسائل من آيات وأحاديث.
ام ثَاَل ثَ ِة ِ ِ
منها :قوله تعالى في المتمتع { :فَ َم ْن َل ْم َيج ْد فَصَي ُ
ََّأي ٍام} .3اآلية كما عرفت -ومنها حديث :أيما إهاب دبغ
فقد طهر فال يخفي ندرة دباغ جلد الكلب وجلد اآلدمي.
_________
1أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن
تمام بن حسين بن يوسف المحجي الشافعي الحوراني ثم
الصالحي توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثالثين
وسبعمائة.
الدرر الكامنة .219 /5
2مسلم 623 /2في الكسوف باب ما عرض على النبي
صلى اهلل عليه وسلم في صالة الكسوف حديث "/10
."904
3البقرة ."196" :
صفحة 399 | 128 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وقد قال األصحاب :ال يطهر جلد الكلب بالدباغ اتفاقًا ،
وفي اآلدمي وجهان بناء على أنه ينجس بالموت
أصحهما أنه يظهر.
قال ابن دقيق العيد :ويدخل في العموم بعض جلود
الحيوانات التي لم تطرق األسماع أسماؤها وال رأت
العيون أشخاصها فتظهر بالدباغ مع أنها ليست مما يمكن
أن تدخل تحت القصد.
قلت :إن كانت نادرة فتكون في هذا الحديث غريبة وهي
قطعا [وهو]
قطعا وهي هذه ونادرة لم تدخل ً
نادرة دخلت ً
1إهاب الكلب ونادرة فيها وجهان وهي إهاب اآلدمي
ولكن [ليس هذا] 2مراد الشيخ تقي الدين فيما أعتقد فإن
ما لم تره األشخاص ال يندر بالنسبة إلى العام ؛ ألنه لم
يعهد دباغه وال عدم دباغه وإ نما عدم دباغه لعدم العهد
به وكالمنا فيما عرف ولم يعهد دباغه كالكلب وجلد
اآلدمي ال فيما يعد بنفسه.
وقوله :إنما ذكره لم يدخل تحت القصد يعني مفصاًل
وأما دخوله وحضوره في الذهن مجماًل فهو الواقع ،
ولذلك كان محكومصا فيه وإ ال فكيف يحكم على ما لم
يقصد.
ومنها :إخراج الخنثى من عموم الجمعة حق واجب
على كل مسلم في جما عة إال أربعة :عند مملوك ،أو
امرأة ،أو صبي ،أو مريض -إذا قلنا إنه ال جمعة على
الخنثى وهو ما ادعى النووي االتفاق عليه ،وحكى
صاحب الذخائر فيه وجهًا.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :ال سبق إال في خف
أو نصل أو حافر" .3منع بعض أصحابنا المسابقة على
الفيل لمثل ذلك.
ومنها :حديث 4البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ،فيدخل فيه
جدا.
بال خالف التولية واإلشراك مع ندرتها ً
واختلف فيمن طال مكثهما في المجلس ،والصحيح
ثبوت الخيار.
_________
1وفي "ب" وهي.
2في "ب" هذا ليس.
3أحمد في المسند 474 /2وأبو داود والنسائي /6
226في الخيل /باب السبق وابن ماجه 960 /2في
الجهاد /باب السبق والرهان "."2878
4البخاري 309 /4في البيوع /باب إذا بين البيعان ولم
يكتما وفضحا " ، "2079ومسلم 1164 /3في البيوع/
باب الصدق في البيع والبيان حديث "."1532 /47
صفحة 399 | 129 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
{َأو اَل َم ْستُُم ِّ
الن َساء} 1فلمس العضو ومنها قوله تعالى ْ :
األشل والزائد كالصحيح واألصلي على الصحيح مع
ندرتهما.
اغ ِسلُوا ومنها قوله تعالى ِ{ :إ َذا قُمتُم ِإلَى الص ِ
َّالة فَ ْ ْ ْ
وه ُك ْم} 2فلو خلق له وجهان وجب غسلهما ولو خلق
ُو ُج َ
له رأسان كفى مسح أحدهما ولينظر هنا اليدين
المتساويتين ،والمتميز منهما الزائد ،والشعور الخارجة
عن العادة وغير ذلك.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم في التشهد "وليتخير
من المسألة ما شاء" 3؛ فهل يجوز الدعاء في الصالة
مدعيا عدم دخول
ً بجارية حسناء ؟ منعه الشيخ أبو محمد
هذه الصورة في العموم لندرتها.
ومنها :حديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ...فلو
كثيرا ففيه وجهان أصحهما
ناسيا ً
تكلم في الصالة ً
كثيرا ،وكثير من
ناسيا ً
البطالن ،ونظائره أكل الصائم ً
مسائل اإلكراه التي ال عذر فيها معه.
ومنها حديث "من مس ذكره فليتوضأ" 4منع بعض
أصحابنا انتقاض الوضوء بمس الذكر المقطوع بمثل
ذلك.
ومنها :حديث "في كل موضحة خمس من اإلبل" 5قال
بعض أصحابنا " :إذا زادت الموضحات على دية النفس
فال يجب أكثر من دية النفس وال تدخل هذه الصورة في
الحديث لندرتهان وقاسه على قول الشافعي رضي اهلل
عنه في األسنان أنه ال يجب في قلع جميعها إال دية
النفس.
_________
1النساء "."43
2المائدة "."6
3البخاري 320 /2في كتاب األذان /باب ما يتجد من
الدعاء " "835ومسلم 302 -301 /1في الصالة /باب
التشهد في الصالة حديث "."402 /55
4مالك في الموطأ 1/42في الطهارة /باب الوضوء
من مس الفرج ،حديث " "58والشافعي في األم 19 /1
في الطهارة /باب الوضوء من مس الذكر وأحمد في
المسند 406 /6من مسند يسرة بنت صفوان والدارمي
184 /1في باب الوضوء باب الوضوء من مس الذكر
" "181والترمذي 126 /1في الطهارة باب الوضوء
من مس الذكر " "82وقال حسن صحيح والنسائي وابن
ماجه 161 /1في الطهارة باب الوضوء من مس الذكر
"."479
5أحمد في المسند 215 /2وأبو داود 190 /4في
الديات باب ديات األعضاء " "4566والترمذي 13 /4
في الديات باب ما جاء في الموضحة " "1390والنسائي
57 /8في القسامة وابن ماجه 886 /2في الديات "
."2655
صفحة 399 | 130 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وفرق ابن كج بضبط األسنان بخالف الموضحات ،
وعكس اإلمام في النهاية صنيع ابن كج وادعى أن
مشيرا إلى تعميم إطالق الشارع
األسنان بالزيادة أولى ً
مع العلم بعدد األسنان ،وال كذلك الموضحات.
ومنها :ثبت في الحديث النهي عن التصوير 1؛ فلو
دعت إلى ذلك ضرورة المسلمين كما روى الواقدي في
فتوح الشام "أن النصارى صوروا صورة هرقل على
متعجبا منها ،فانقلبت قناة
ً حائط فوقف بعض المسلمين
طويلة من أحدهم فأصابت عين الصورة فقلعتها ،فعلم
به الحرس من قبل لوقا عظيم الروم فجهز رسوله في
مائة فارس إلى أبي عبيدة إنكم غدرتم األمان بقلع عين
هذه الصورة وهو عندنا عظيم ،فسأل أبو عبيدة من فعل
هذا فقيل فالن خاطًئا ،فقال أبو عبيدة :إن صاحبنا إنما
فعل ما فعل غير متعمد ،فقالوا ال نرضى حتى نفقأ عين
صاحبكم -يعنون عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه وكان
القوم يمتحنون بهذا أمان المسلمين وأنهم هل هم موفون
بعهودهم فقال أبو عبيدة أنا أمير هذه الطائفة فافعلوا بي
ما فعلوه بتمثالكم ؛ فقالوا :ال نرضى إال بفقء عين
ملككم األكبر ،فقال أبو عبيدة ملكنا أمنع من ذلك ،
وغضب المسلمون وكادت تقوم ملحمة عظيمة فنهاهم
أبو عبيدة وقال على رسلكم ،فقال منهم قائل :ال عين
أميركم وال عين خليفتكم ؛ ولكن نصنع تمثااًل فيه صورة
أبي عبيدة ثم نفقأ إحدى عيني ذلك التمثال .فقال
المسلمون إن صاحبنا فقأ عين ذلك التمثال غير قاصد
وأنتم تتعمدون ،فقال أبو عبيدة :يا معشر المسلمين إن
هؤالء ليس لهم عقول -فإنهم رضوا أن يصوروا
صورتي ويفعوا بها ما أرادوا ،فدعوهم وقلة عقولهم ،
فرضوا وسكنت الفتنة.
فلو [كانت] 2المسألة بحالها وأبوا إال أن يصور
المسلمون تلك الصورة وعلمنا أن ذلك إن [لم] 3يفعل
كانت فتنة هائلة تؤدي إلى ضرر عظيم بالمسلمين فالذي
يظهر جواز ذلك حينئذ.
_________
1فعن عائشة رضي اهلل عنها عن رسول اهلل صلى اهلل
عذابا يوم القيامة الذين
عليه وسلم قال " :أشد الناس ً
يضاهون بخلق اهلل" .البخاري 386 /10في اللباس/
باب من التصاوير ، "4954" /ومسلم 1668 /3في
اللباس "."2107 /92
وعن عبد اهلل بن مسعود قال النبي صلى اهلل عليه وسلم
عذابا عند اهلل المصورون" البخاري
يقول " :أشد الناس ً
، "5950" 382 /10ومسلم /98" 1670 /3
."2109
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 131 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها :قد علم أن لبس زي الكفار وذكر كلمة الكفر من
غير إكراه كفر ؛ فلو مصلحة المسلمين إلى ذلك واشتدت
حاجتهم إلى من يفعله فالذي يظهر أنه يصير كاإلكراه.
وقد اتفق مثل ذلك للسلطان صالح الدين ؛ فإنه لما
صعب عليه أمر ملك صيدا وحصل للمسلمين به من
الضرر الزائد ما ذكره المؤرخون ألبس السلطان صالح
الدين اثنين من المسلمين لبس النصارى وأذن لهما في
التوجه إلى صيدا على أنهما راهبان وكانا في الباطن
مجهزان لقتل ذلك اللعين غيلة ؛ ففعال ذلك وتوجها إليه
وأقاما عنده على أنهما راهبان ،وال بد أن يتلفظا عنده
بكلمة الكفر وما برحا حتى اغتااله وأراحا المسلمين منه
طا ولم يكونوا
تعبا مفر ً
ولو لم يفعال ذلك لتعب المسلمون ً
على يقين من النصرة عليه.
ومما يدل على هذا قصة محمد بن مسلمة في كعب بن
األشرف فإن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال :من لكعب
بن األشراف فقال محمد بن مسلمة :أتحب أن أقتله ؟
قال [ :نعم .قال] : 1فأذن لي -فأذن له :فأقول :قال :
قد فعلت.2
ومنها :حديث 3ال يخرج في الصدقة هرمة يقتضي أن
ال تؤخذ مريضة من المراض ،وإ ليه ذهب مالك ،
واعتذر أصحابنا عنه بأنه خرج مخرج الغالب فإن
مرض الماشية كلها نادر ،واتفقوا على جواز أخذ
المريضة من المراض.
ومنها :ال يجب االستنجاء من خروج حصاة ال رطوبة
معها على األصح.
ومنها :لو ندر الخارج كالدم والقيح فاألظهر جكزاء
الحجر ،والثاني :يتعين الماء ؛ ألن االقتصار على
الحجر وقع فيما نعم به البلوى.
وقال القفال :إن تمحض النادر تعين الماء .وإ ن خالط
المعتاد جاز الحجر.
ومنها :الراجح دخول األكساب النادرة في المهايأة في
العبد المشترك.
_________
1سقط في "ب".
2أخرجه مسلم 1425 /3في الجهاد والسير /باب قتل
كعب بن األشرف طاغوت اليهود "."180 /119
3أخرجه البخاري 321 /3في الزكاة /باب ال تؤخذ
في الصدقة هرمة "."1455
صفحة 399 | 132 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها [ :أنه] 1يجب غسل ما يندر كثافته وإ ن [كثرت]2
كالحاجب والعذار والشارب.
ومنها [ :يجب] 3على المرأة غسل باطن اللحية الكثيفة
لندرتها فيح قها.
ومنها :أنه يجب قضاء الصالة على المقيم المتيمم لفقد
الماء وللبرد على األظهر فيهما ،وفي نحوهما من ذوي
األعذار النادرة .كالمربوط على خشبة ومن شد وثاقه
باألرض وصلى باإليماء .والغريق يصلي على خشبة
باإليماء.
ومنها :إشراع الجناح في الطريق النافذ ال يجوز إال إذا
لم يضر .قالوا :وإ ن كان ضيقًا بحيث ال تمر فيه القوافل
والفوارس ؛ فينبغي أن يرتفع ؛ بحيث يمر تحته المار
منتصبا وإ ن كانوا يمرون فيه فليكن ارتفاعه إلى حد يمر
ً
المحمل مع الكنيسة فوقه على البعير ،قالوا ألنه وإ ن
نادرا فقد يتفق.
كان ً
ومنها :األصح أنه ال يدخل في لفظ قام على [في]4
البيع [فداء] 5العبد إذا جنى ففداه بخالف مكس السلطان
فإنه يدخل لعمومه.
ومنها :لو جلس من الغزاة رقيب يرقب العدو فأدركته
الصالة ولو قام لرآه العدو أو جلس الغزاة في مكمن ولو
قعودا وتلزمهم اإلعادة
قاموا أبصرهم العدو فلهم الصالة ً
،لندور ذلك.
ومنها :أصح األوجه أنه يباح للغانمين الفانيد والسكر
واألدوية التي تندر الحاجة إليها قبل قسمة الغنيمة ،فإن
احتاج مريض أخذ قدر حاجته :
ومنها :يجوز ترك القبلة في النوافل مما يكثر ويتكرر
كالوتر وركعتي الفجر وال يجوز فيما يندر كالعيدين
واالستسقاء.
يسيرا ال يتمول
قدرا ً
ومنها :لو علفت السائمة في الحول ً
قطعا.
في نقد الحول فال أثر له في قطع السوم ً
ومنها :حلف ال يطأ فالنة فوطئها بعد الموت فأصح
األوجه ال يحنث ألن اسم
ـــــــــــــــــــــــــ
1في "ب" أنها.
2في "ب" كثفت.
3سقط في "ب".
4سقط في "ب".
5سقط في "ب".
صفحة 399 | 133 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
الوطء يطلق على ما يقع في الحياة .وثالثها :الفرق بين
ما قبل الدفن وبعده .والمسألة في الرافعي في باب
اإليالء وكان من حقها أن تذكر في باب اإليمان.
ومنها :قال اإلمام :لو تصور شخص ال يضره أكل
السموم الطاهرة لم تحرم عليه.
فائدة :تذكر إذا انتهيت لما ذكرناه في النادر ،وكالم
األصحاب في التيمم في النادر الذي ال يسقط القضاء ؛
فهو محط قولهم :النادر ال حكم له .وفي دخول
األكساب النادرة في المهايأة والسلم فيما يندر وجوده ،
ويتحرز ذلك بما ذكرناه ،أنها قواعد ثالث :
"دخول النادرة في اللفظ العام وكون النادر ال حكم له" أي
ال يعطي حكم الغالب ؛ بل يسقط االعتبار به ويصير
وجوده كعدمه.
والثالثة أن النادر إذا حكم فيه بشيء لم يلحق به غيره
ويدل على شذوذ ،وهذه الثالثة هي مسألة الخارج عن
القياس اآلتية إن شاء اهلل تعالى في باب القياس.
خاتمة :نحن وإ ن قلنا بدخول النادرة في العموم فلسنا
نقصر العموم عليها .ومن ثم يتميز عن غير النادرة ؛
فإن النادرة تحتمل أن تكون هي تمام المراد بالعموم.
أما النادرة :فالحمل عليها بمفردها بعيد وألجل ذلك
الحنفية قولهم :أيما امرأة نكحت نفسها 1على األمة
والمكاتبة.
قاعدة :العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب ،وذكر
اإلمام أن الذي صح عنده من مذهب الشافعي رضي اهلل
عنه أن العبرة بخصوص السبب ،واستدل بكالم له على
َأج ُد ِفي ما ِ
ُأوح َي ِإلَ َّي ُم َح َّر ًما} اآلية قوله تعالى ُ { :ق ْل اَل ِ
َ
وحجاجا.
ً .2واإلمام منازع نقاًل
أما النقل.3
تنبيه :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :الخالة بمنزلة األم"
في حديث البراء بن عازب :خرج رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم من مكة فاتبعته ابنة حمزة تنادي :يا عم ،
فتناولها علي كرم اهلل وجهه فأخذ بيدها
_________
1أبو داود 229 /2في النكاح /باب في الولي ""2083
،الترمذي 407 /3في النكاح /باب ما جاء ال نكاح إال
بولي " "1102ابن ماجه 605 /1النكاح باب ال نكاح
إال بولي " ، "1879الحاكم 168 /2وقال صحيح على
شرط الشيخين.
2األنعام "."145
3بياض في األصل.
صفحة 399 | 134 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وقال لفاطمة :دونك ابنة عمك ،فاختصم فيها على
وزيد وجعفر فقال علي :أنا أحق بها وهي ابنة عمي ،
وقال جعفر :ابنة عمي وخالتها تحتي ،وقال زيد :بنت
أخي فقضى بها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لخالتها
وقال " :الخالة بمنزلة األم" 1الحديث.
وهو عمدة باب الحضانة ،وقد استدل بإطالقه أصحاب
التنزيل على تنزيلها منزلة األم في الميراث.
وقال شيخ اإلسالم تقي الدين بن دقيق العيد :إنما هي
بمنزلتها في الحضانة ،ألن السياق طريق إلى بيان
المجمالت وتعيين المحتمالت وتنزيل الكالم على
المقصود منه.
قال :وفهم ذلك قاعدة كبيرة من 2أصول الفقه لم أر من
تعرض لها في األصول إال بعض المتأخرين ممن أدركنا
أصحابهم ،وهي قاعدة متعينة على النار وإ ن كانت ذات
تشعب على المناظر .ولذلك ذكر في حديث أنس :ليس
من البر الصيام في السفر .3فذكر أن الظارهية تنزله
اعتبارا بعموم اللفظ -وإ ن ورد في رجل
ً على العموم
كان يجهده الصوم فقال :يجب أن يتنبه للفرق بين داللة
السياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم
وبين ورود العام على سبب ،وال تجري مجرى واحد
فإن مجرد ورود العام على سبب ال يخصصه ،وأما
السياق والقرائن [فإنها] 4الدالة على المراد ،وهي
المرشدة إلى بيان المجمالت وتعين المحتمالت.
قال :فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع ال
تحصي وانظر قوله صلى اهلل عليه وسلم "$ :ليس من
البر الصيام في السفر من أي [من] 5القبيلين هو منزله
عليه".
قلت :ومن [نظر إلي] 6السياق ما في فروع الطالق من
الرافعي أنه لو قال
_________
1البخاري مجزأ 304 /5الصلح /باب الصلح مع
المشركين " "2700في ، "4251" 499 /7ومسلم /30
1409في كتاب الجهاد /باب صلح الحديبية حديث "
."1783 /90
2في "ب" من قواعد أصول الفقه.
3أخرجه البخاري 183 /4في الصوم " "1946ومسلم
786 /2في الصيام ."1115 /92/
4في "ب" فإنه.
5سقط في "ب".
6في "ب" النظر في.
صفحة 399 | 135 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
لزوجته :إن علمت من أختي شيًئا ولم تقوليه فأنت طالق
فتنصرف إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة دون ما ال
يقصد العلم به كاألكل والشراب.
فائدة :إذا عرفت أن األرجح عندنا اعتبار عموم اللفظ
دون خصوص السبب فال نعتقد أن يسنحب العموم في
كل ما ورد وصدر ؛ بل إنما نعمم حيث ال معارض وفي
المعارض أمثلة :
منها :حديث النهي عن قتل النساء والصبيان 1أخذ أبو
حنيفة بعمومه وقال :المرأة المرتدة ال تقتل ،
وخصصناه نحن بسببه ؛ فإنه ورد في امرأة مقتولة مر
عليها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في بعض غزواته
،فنهى إذا ذاك عن قتل النساء والصبيان لحديث " :من
بدل دينه فاقتلوه" 2وغيره من األدلة.
ومنها :حديث أنس "ليس من البر الصيام في السفر"
ورد في رجل قد ظلل عليه من جهد ما وجد ،وقد تقدم
الكالم فيه.
تنبيه :قدمنا أن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب
والخالف في ذلك إذا لم تكن هناك قرينة تعميم فإن كانت
فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور بل ال ينبغي أن يكون
في التعميم خالف.
وهذا كان الشيخ الوالد ينبه عليه ويقول :من القرائن
العدول عن صيغة اإلفراد إلى الجمع ويمثل بقوله تعالى
َأهِلهَا} 3نزلت َأن تُ ُّدوا اَأْلم َان ِ
ات ِإلَى ْ َ َؤ ْ م ك
ُ
ُُ ْرم ْأيَ ه
َ
ِ{ :إ َّن اللَّ
في أمانة واحدة وهي مفتاح الكعبة فعدل عن اإلفراد إلى
الجمع ليعم كل أمانة ،وأمثلة هذا تكثر وإ ليه اإلشارة
بقوله في جمع الجوامع ؛ فإن كانت قرينة تعميم فاحذر
فمتى عدل عن لفظ اإلفراد إلى الجمع أو عن لفظ ال
حصر فيه إلى ما فيه حصر مثل هو الطهور ماؤه 4أو
ضم إلى المسؤول عنه في الجواب عنه غيره مثل
ق َوالس ِ
َّارقَةُ} pفذكر {والس ِ
َّار ُ َ
_________
1البخاري 148 /6في الجهاد /باب الصبيان ""3015
،ومسلم 1364 /3في الجهاد والسير /باب تحريم قتل
النساء "."1744 /25
2البخاري 267 /12في كتاب استتابة المرتدين /باب
حكم المرتد "."6922
3النساء "."58
4أخرجه مالك في الموطأ 22 /1في الطهارة /باب
الظهور للوضوء حديث " ، "12الشافعي في األم 3 /1
في الطهارة وأحمد في المسند 361 /2في مسند أبي
هريرة رضي اهلل عنه وأبو داود 21 /1في الطهارة/
بابا لوضوء بماء حديث " "83والترمذي 100 /1في
الطهارة /باب في ماء البحر أنه طهور حديث ""69
وقال حسن صحيح والنسائي 50 /1وابن ماجه /1
."386" 136
صفحة 399 | 136 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
السارقة قرينة في أنه ليس المراد بالسارق خصوص
سارق رداء 1صفوان بل عموم كل سارق أو غير ذلك
[مما] 2دل على إرادة العموم ،ومن فروع هذا ما ذكره
الرافعي في فروع الطالق "أنه لو اتهمته امرأته بالغلمان
غالما أو لمسه يحنث ،
حراما ثم قبل ً
ً فحلف أنه ال يأتي
حراما فقال
ً لعموم اللفظ ،بخالف ما لو قالت فعلت كذا
حراما.
ً إن فعلت
قال ألن هناك قرينة ترتب كالمه على كالمها وها هنا
اختلف اللفظ فحمل كالمه على االبتداء ؛ فانظر كيف
جعل عدوله عن لفظ المسؤول قرينة إرادة التعميم ؛ لكن
في قوله :أو لمسه" نظر ،فما اللثم بحرام إال أن يكون
بشهوة.
مسألة :اشتهر عن الشافعي رضي اهلل عنه أن ترك
االستفصال في حكاية األحوال مع قيام االحتمال ينزل
مسطورا في
ً منزلة العموم في المقال وهذا وإ ن لم أجده
نصوصه فقد نقله [عنه] 3لسان مذهبه .بل لسان
الشريعة على الحقيقة أبو المعالي رضي اهلل عنه ومعناه
صحيح ؛ فقد كانت من عادته صلى اهلل عليه وسلم أن
يستفصل ويستقصي بحيث ال يدع غاية في البيان وال
إشكااًل في اإليضاح ؛ ففي قصة ماعز قوله صلى اهلل
عليه وسلم " :أبك جنون ؟" قال :ال ،قال " :فهل
أحصنت ؟" فقال نعم كذا في الصحيحين .4وفي صحيح
البخاري "لعلك قبلت أو غمزت ؟" قال :ال ،قال :
"أنكتها ؟" قال :نعم.5
وفي صحيح ابن حبان :قال " :أنكتها ؟" قال :نعم ،قال
" :حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟" قال :نعم ،قال :
"كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر ؟" قال :
نعم ،قال " :فهل تدري ما الزنا ؟" قال :نعم -أتيت منها
حراما ما يأتي الرجل من [أهله].6
ً
وفي صحيح مسلم من حديث علقمة بن وائل حدثه قال :
إني لقاعد عند رسول
_________
1مالك في الموطأ 834 /2في الحدود /باب ترك
الشفاعة للسارق " "28والشافعي في المسند "" 84 /2
، "278ومن طريق آخر ابن ماجه في السنن 865 /2
" "2595ومن طريق ابن عباس النسائي في ، 69 /8
والحاكم في المستدرك 380 /4وقال صحيح اإلسناد
ووافقه الذهبي.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4البخاري 136 /12في الحدود /باب سؤال اإلمام
المقر " "2825ومسلم 1318 /3في الحدود /باب من
اعترف على نفسه بالزنى "."1692 /16
5البخاري 135 /12في كتاب الحدود /باب هل يقول
اإلمام للمقر "."6824
6في "ب" امرأته.
صفحة 399 | 137 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا جاءه رجل يقود آخر بنسعة1
فقال :يا رسول اهلل :هذا قتل أخي ،فقال رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم " :أقتلته ؟" فقال :إنه إن لم يعترف
أقمت عليه البينة ،قال :نعم قتلته ،قال " :كيف قتلته ؟"
قال :كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني وأغضبني
فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي صلى اهلل
عليه وسلم " :هل لك من شيء تؤديه عن نفسك ؟" قال :
ما لي إال كسائي وفأسي ،قال :فترى قومك يشترونك ؟
قال :أنا أهون على قومي من ذلك ،فرمى إليه بنسعته
وقال " :دونك صاحبك" الحديث.2
فانظر كيف كان يستفصل صلى اهلل عليه وسلم ليتوضح
الحال ويحق الحق وما ذلك منه مختًا بأبواب االحيتاط
عاما في األبواب أال ترى إلى
من الحد والقصاص ؛ بل ً
قصة المجامع 3وقوله صلى اهلل عليه وسلم هل تجد هل
تجد ومثل حديث "أينقص الرطب إذا جف" 4وغير ذلك
من االستفصال الواقع في كثير من أحاديث األحكام دل
ذلك على أن ترك االستفصال إشارة إلى التعميم فكان
منزاًل منزلة العموم وإ ن لم يكن حقيقة العموم ما أنبأت
عنه الصيغة.
وهذا كما قال في المشترك :يحمل على معانيه كالعام
وإ ن 5لم يقل إنه عام ونظير تعميم المطلق من الجواب
ينزل االستفصال تخصيص العام في الجواب بخصوص
األسباب .فإن قلت :فمساق هذا أن يكون حق من عمم
ترك االستفصال أن يقول العبرة بخصوص السبب ال
بعموم اللفظ قلت :أجل ،ومن ثم نقل [ذلك] 6عن
_________
1هي جل من جلود مضفورة جعلها كالزمام له يقوده
بها.
2مسلم 1307 /3في القسامة /باب حجة اإلقرار
بالقتل وتمكين ولي القتل من القصاص "."1680 /34
3البخاري 163 /4في كتاب الصوم /باب إذا جامع
في رمضان " "6087" 503 /10 "1936وفي /11
"6711" "6710" "6709" 595ومسلم 781 /2في
الصيام /باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان "
."1111 /81
4أبو داود 251 /3في البيوع :باب في التمر بالتمر "
، "3359والترمذي 528 /3في البيوع " "1225وقال
حسن صحيح والنسائي 268 /7في البيوع باب اشتراء
التمر بالرطب وابن ماجه 761 /2في التجارات "
"2264والحاكم ، 39 -38 /2ومالك في الموطأ /2
624في البيوع " ، "22والشافعي في المسند " 159 /2
."551
5في "ب" وإ ن ذلك.
6سقط في "ب".
صفحة 399 | 138 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
الشافعي ناقل هذه عنه وهو إمام الحرمين ؛ فإن قلت :
ألستم على أن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب
؟ فهل أنتم على أن العبرة بمطلق الجواب دون التعميم ؟
فلت :أعلم أن تخصيص العام أصعب من تعميم الخاص
اقتطاعا من اللفظ وليتنبه من ذلك إلى أنه ال يلزم
ً ألن فيه
من القول بأن االعتبار بعموم اللفظ القول بأن ترك
االستفصال ال ينزل منزلة العموم ؛ فمن هنا أنا أقول
العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب ،وينزل
االستفصال بمنزلة العموم.
فإن قلت :هذا عود بالنقض على قولكم :حق من عمم
ترك االستفصال أن يخصص بالسبب.
قلت :نعم .ولم يكن القصد فيما تقدم إال أن الناقل عن
الشافعي رضي اهلل عنه أن العبرة بتخصيص السبب هو
الناقل عنه أن ترك االستفصال للعلموم وإ ن كانا غير
متالزمين ولذلك ال يثبت المتأخرون من أصحابنا أن
العبرة بخصوص السبب وإ ن أثبتوا التعميم بترك
االستفصال[ .إذا عرفت هذه فليترك االستفصال] 1أمثلة
:
منها :وإ ياه ذكر إمام الحرمين :قصة غيالن لما أسلم
على عشر نسوة ،فقال له النبي صلى اهلل عليه وسلم :
أربعا وفارق سائرهن" .2ولم يسأله عن كيفية
"أمسك ً
مرتبا ؛ فكان إطالق الجواب
معا أو ً
وقوع العقد عليهن ً
معا.
دلياًل على أنه ال فرق بين أن تترتب العقود أو تقع ً
وقد أشبعنا الكالم على هذا في شرح المختصر والمخالف
فيه أبو حنيفة رضي اهلل عنه.
ومنها :حديث المجامع في رمضان لم يسأله النبي صلى
ناسيا .قال ابن دقيق العيد
عامدا أو ً
اهلل عليه وسلم له كان ً
:فيدل على العموم في الحالتين .قلت :قوله :هلكت
عامدا ،وفي أنه لم يكن
وأهكلت "صريح في أنه كان ً
مسافرا ترخص ومن ثم ال يجب على الناسي كفارة وال
ً
على المسافر الترخص ولكن لم يسأله [النبي] 3صلى اهلل
عليه وسلم :هل أنزل أو لم ينزل ؛ فدل على شمول
الحكم للحالتين وهو كذلك.
ومنها :طالق ابن عمر امرأته في الحيض.4
_________
1سقط في "ب".
2الترمذي 435 /3في النكاح " "1128وابن ماجه /1
628في النكاح " "1953الشافعي في المسند 16 /2
والحاكم 193 -192 /2والبيهقي .181 /7
3سقط في "ب".
4البخاري 367 /9في الطالق " "5262ومسلم /2
1103في الطالق "."1477 /24
صفحة 399 | 139 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها :في حديث فيروز الديلمي في نكاح األختين
"اختر أيهما شئت" ، 1ولم يسأل عن كيفية النكاحين ،
فدل على قطع النظر عن حالة الشرك وجعلهما اآلن
كأنهما أختان يريد العقد على إحداهما.
وهذا المثال ذكره جماعة من المحققين منهم الوالد رحمه
اهلل ،وقد يقال :إنه غير مطابق ألن فيه لفظة أي وهي
من ألفاظ العموم الصريحة ؛ فال يحتاج معها إلى تنزيل
اللفظ منزلة العموم إال أن يكون بالنسبة إلى أحوال
الناكحين فليتأمل فيه.
ومنها :إطالقه صلى اهلل عليه وسلم اإلذن لثابت بن قيس
بن شماس 2في الخلع من غير استفصال عن [حالة]3
طهرا جامعها فيه أو لم
الزوجة هل هي حائض أو طاهر ً
يجامعها مع أن الحيض ليس بنادر في النساء وال في
الطهر الذي جامعها فيه.
ومن ثم استدل األصحاب على جواز خلع الحائض
طهرا جامعها فيه وهو الصحيح في المسألتين ؛
والطاهر ً
لهذا الحديث.
ومنها :حديث عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت
النبي صلى اهلل عليه وسلم :إني استحاض فال أطهر
أفادع الصالة ؟.4
قال شيخ اإلسالم ابن دقيق العيد :المستحاضة إما مبتدأة
أو معتادة وكل منهما إما مميزة أو غير مميزة والحديث
فيه داللة على أن هذه المرأة كانت معتادة لقوله صلى اهلل
عليه وسلم "دعي الصالة قدر األيام التي كانت [تحيضين]
5فيها" وليس في هذا دليل على أنها مميزة أو غير
مميزة فإن ثبتت رواية أخرى تدل على التمييز ال
معارض لها ؛ وإ ال فقد يستدل بهذه الرواية من يرى الرد
إلى أيام العادة وإ ن كانت غير مميزة وهو قول أبي حنيفة
وأحد قولي الشافعي رضي اهلل عنه والتمسك به ينبني
على أن ترك االستفاصل ينزل منزلة العموم ،
_________
1أحمد في المسند ، 447 /2البيهقي في السنن ، 3 /8
شكل اآلثار ص.178 -176
2البخاري 395 /9في الطالق /باب الخلع "."5273
3في "ب" حال.
4البخاري 331 /1في الوضوء /باب غسل الدم "
، "228و " "306ومسلم 262 /1في الحيض باب
المستحاضة "."333 /12
5سقط في "ب" والحديث أبو داود في السنن 80 /1في
الطهارة " "297والترمذي 220 /1في الطهارة ""126
" "127وابن ماجه 204 /1في الطهارة ""625
والدارمي .202 /1
صفحة 399 | 140 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وما يقال 1إنه صلى اهلل عليه وسلم يجوز أن يكون علم
الواقعة فيه نظر ظاهر في إنه صلى اهلل عليه وسلم أول
خاصا ؛
ً حكما
علم حالها بحكمها قبل أن يسأل فإن لها ً
فلما لم يأمرها قبل سؤالها دل على أن علمه صلى اهلل
عليه وسلم بها إنما كان بعد سؤالها.
قلت :إنما يأمرها بحكمها قبل السؤال عند الحاجة إلى
البيان ؛ ولعل علمه سابق [قيل] 2سؤالها بزمن ال امتداد
له بحيث ال يحاج إلى البيان فالدليل على عدم العلم بحالها
ليس ما ذكر ؛ إنها قالت " :إني أستحاض فال أطهر"
أخبرته بشأنها ،ولو كان يعلمه لقالت " :إني كما علمت
أفأدع الصالة" وهذا ظاهر وليس بقاطع.
فوائد :
أحدها شكك اإلمام رحمه اهلل في البرهان على تنزيل
ترك االستفصال منزلة العموم [فإنه] 3ال يمتنع أن يكون
صلى اهلل عليه وسلم علم الواقعة فترك جوابه على ما
علم وألجل كالم اإلمام هذا قال بعض المتأخرين :حكم
الشارع في واقعة سئل عنها ولم يقع بعد عام في أحوالها
ولذلك إن وقعت ولم يعلم كيف وقعت وإ ن علم فال
عموم .وإ ن جهلنا نحن هل علمت [بالوقف] 4والظاهر
العموم.
قال ابن دقيق العيد :ولقائل أن يدفع االعتراض المذكور
الموجب للتوقف بأن األصل عدم العلم بالحالة
المخصوصة فيعود إلى الحالة التي لم يعلم كيفية وقوعها
إال أن يكون المراد القطع.
نادرا ؛ فهل يجعل
الثانية :إذا كان بعض صور الواقعة ً
عاما فيه على القول بالعموم ؟ وبأن
ترك االستفصال ً
الصورة النادرة [هل] 5تدخل في العموم ؟ أو يقال :
قطعا الحتمال أن تكون هي
تدخل [الصورة] 6النادرة ً
قطعا ألن دخولها أضعف من دخول
الواقعة أو ال تدخل ً
غيرها وهذا عموم حكمي فال يقوى على االستدخال قوة
صرائح األلفاظ فيه نظر واحتمال واألرجح األول وإ ن
كان للرافعي [قول] 7في اختالع الحائض لما استدل
بقضية امرأة ثابت أن الحيض ليس بأمر نادر ومن أمثلة
ذلك ما في الصحيحين عن سبيعة األسلمية أن زوجها
سعد بن خولة توفي عنها وهي حامل فلم تلبث أن
وضعت
_________
1في "ب" وما يقال من أنه.
2في "ب" علي.
3في "ب" بأنه.
4سقط في "ب".
5سقط في "ب".
6سقط في "ب".
7سقط من "أ" والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 141 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
حملها بعد وفاته ؛ فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب
فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال :ما أنت بناكح
وعشرا ،قالت سبعة :فلما
ً حتى تمر عليك أربعة أشهر
قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد
حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي.1
قال ابن دقيق العيد :استدل به بعضهم على انقضاء العدة
بوضع الحمل على أي وجه كان مضغة أو علقة استبان
فيه الخلق أم ال من حيث أنه رتب حل النكاح على وضع
الحمل من غير استفصال.
قال :وهذا ضعيف [ألن] 2الغالب هو الحمل التام
المتخلق ووضع المضغة والعلة نادر وحمل الجواب
على الغالب ظاهر ؛ وإ نما يقوي تلك القاعدة حيث ال
يترجح بعض االحتماالت على بعض.
قلت :وفيه نظر فإن الظاهر دخول النادرة وقوله " :إنما
يقوي تلك القاعدة حيث ال يترجح بعض االحتماالت"
جوابه أنه ال تعارض بين االحتماالت حتى يطلب
[مرجح].3
الثالثة :إذا سئل صلى اهلل عليه وسلم عن واقعة
باقيا
فاستفصل عن حاله كان [عموم] 4فيما لم يستفصل ً
؛ بل هو أبلغ من العموم فيها إذا لم يستفصل مطلقًا ألن
استفصاله عن حالة وسكوته أدل على التعميم في
السكوت ويدل استفصاله في موضع االستفصال على أن
ما استفصل به قيد في الحكم ومن ثم قال بعض العلماء
في قوله صلى اهلل عليه وسلم للنعمان بن بشير لما طلب
منه أن يشهد على هبته لبعض أوداله أكل ولدك نحلته
مثل هذا ؟ فقال :ال فقال " :إني ال أشهد على جور" 5أنه
يشترط في هبة األوالد المساواة.
مسألة :
من حقها أن تذكر في مسائل المجمل والمبين غير أن
شدة ارتباطها بالمسألة قبلها يوجب أن تذكر عقبها.
_________
1البخاري 470 /9في الطالق "."5318
2في "ب" ال.
3في "ب" ترجيح.
4في "ب" عمومه.
5أخرجه البخاري 258 /5في الهبة /باب ال يشهد
على شهادة جور " "2650ومسلم 1243 /3في
الهبات /باب كراهة تفضيل بعض األوالد "/16
."1623
صفحة 399 | 142 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وقائع األعيان إذا تطرق إليها االحتمال كساها ثوب
اإلجمال فقط بها االستدالل.
وربما عزبت هذه العبارة إلى الشافعي رضي اهلل عنه
وهي الئقة بفصاحته فما أحسن قوله :كساها ثوب
اإلجمال ؛ إذ الثوب من شأنه أن يغطي ويستر فال يكشف
ما هو ضمنه .وهذا هو شأن اإلجمال يستر المراد فال
يهتدي إليه طالبه.
وقد زعم بعضهم أن هذا يعارض قوله :ترك
االستفصال في حكاية األحوال ينزل منزلة العموم من
قبل أنه قضي بالعموم هناك على ذي محتمالت
واإلجمال هنا على ذي محتمالت.
والصواب أن الكالمين لم يتواردا على محل واحد ؛ فذلك
في صغية مطلقة ترد على ذي أحوال فيعلم أنه لوال
عمومها لما أطلقها إطالقًا فإن شأنه أجل من أن يطلق في
موضع التقييد.
وهذه في واقعة حكم فيها بحكم ولم نعلم نحن على أي
الوجهين وقعت ؛ فكيف يقضي بأنها وقعت على كال
الوجهين ،والقضاء بذلك خطأ قطعي [ألنها] 1وإ ن
احتملت الوجهين إال أنا على قطع بأنها لم تقع إال على
وجه واحد والحكم صادف ذلك الوجه فإذا لم نعلمه نقف
ونقضي باإلجمال.
[كما] 2أن ذلك عموم حكمي غير مكتسب من صيغة
[وهذا] 3إجمال حكمي غير مكتسب من صيغة.
فالصيغة لم تقع إال مبينة ؛ ألنها صادفت إحدى الحالتين
المعروفة عند ورود الصيغة عليها فلم يقع فيها إشكال إال
في ثاني الحال بالنسبة إليها حيث لم يطلع عليها فصار
اإلجمال فيها ال في صيغتها.
وسمعت الوالد رحمه اهلل يذكر في الجمع بين العبارتين
بعدما عزاها إلى الشافعي أن القاعدة األولى [االستدالل]
4فيها بقول الشارع وعمومه ومثل لها بقوله صلى اهلل
عليه وسلم لفيروز وقد قال :إني أسلمت وتحتي أختان :
اختر أيتهما شئت.
قال :والثانية :سقوط االستدالل بالواقعة نفسها ال بكالم
الشارع والواقعة نفسها
_________
1في "ب" إليها.
2سقط في "أ" والمثبت من "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" لالستدالل.
صفحة 399 | 143 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ليست بحجة وكالم الشارع حجة وكالم الشارع ال إجمال
فيه .والواقعة فيها إجمال عند تطرق االحتمال ؛ انتهى.
وذكره [في] 1باب ما يحرم من النكاح في شرح المنهاج
وهو حق إال أنه وقف على فهمي منه قوله :إن القاعدة
األولى االستدالل فيها بعموم لفظ الشارع مع أن شرطها
أن ال يكون هناك لفظ عام لكن يؤيده [استدالله] 2بحديث
فيروز وفيه لفظ أي وكذلك استشهد به غيره ولذلك أمثلة.
منها :أنه صلى اهلل عليه وسلم صلى [العشاء] 3بعد
غيبوبة الشفق ، 4وأنه صلى اهلل عليه وسلم صلى داخل
الكعبة 5فال يعم الشفقين وال الفرض والنقل وهي مسألة
أن الفعل ال عموم له خالفًا لقوم.
ومنها أنه صلى اهلل عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض
أزواجه رضي اهلل عنهن [في] 6إناء واحد تختلف أيديهما
فيه 7؛ فيحتمل حصول رشاش ويكون حينئذ دلياًل على
أن مثل هذا ال يضر وال يقدر مخالفًا للماء وال يستدل به
على الطهارة بفضل المرأة لجواز أنها استعملت بعده.
وقوله :تختلف أيديهما فيه ال عموم له إذ ال يصدق مع
تأخره عنه ولهذا جاء في الحديث أنها قالت :أبق لي أبق
لي 8ولم يقل هو صلى اهلل عليه وسلم لها " :أبقي لي".
معا
قال :ابن دقيق العيد :لما احتمل اللفظ اغترافهما ً
واغترافها بعده لم يكن فيه عموم فكفى العمل به من
وجه.
_________
1في "ب" عند.
2في "ب" استشهاده.
3سقط في "ب".
4الشافعي في األم ، 71 /1وأحمد في المسند 333 /1
،وأبو داود 107 /1في الصالة " "393والترمذي /1
"149" 278وابن خزيمة ."325" 168 /1
البخاري 578 /1في الصالة " "505ومسلم 966 /2
في الحج /باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره "
."1329 /388
6في "ب" من.
7أخرجه مسلم 256 /1في الحيض /باب القدر
المستحب من الماء في غسل الجنابة "."321 /45
8في رواية مسلم دع لي دع لي "."321 /46
صفحة 399 | 144 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها :ذهبت الحنفية إلى أن القلتين ينجسان بمالقاة
النجاسة ،لقلتها عندهم إذا الكثير عندهم هو المستبحر ،
زنجيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن
ً واحتجوا بأن
عباس رضي اهلل عنها بمائها أن ينزح األثر .قالوا :
وزمزم ماؤها أكثر من قلتين ولم ينقل تغييرها ؛ فدل
على تنجسها بمجرد المالقاة.
وأجاب الشافعي رضي اهلل عنه بأجوبة.
منها :أن الدم قد يكون ظهر [فيها] 1فنزحها ربما كان
وجوبا.
ً تنظيفًا ال
أشار رضي اهلل عنه بهذا إلى أنها واقعة عين احتمل أن
طا الحتمال التغيير
يكون نزحها تنظيفًا ،وأن يكون احتيا ً
،وأن يكون [الحتمال] 2النجاسة فيما إذا لم تتعين
النجاسة.
مسألة خالفية بيننا وبين الحنفية :
ففي المساواة بين الشيئين أو األشياء يقتضي العموم لكن
بالطريقة التي قررناها في األصول.
وقد مثل له الفريقان بما دعاهم إلى ذكره في مسألة قتل
اب المسلم بالكافر وهو قوله تعالى { :اَل َي ْستَِوي ْ
َأص َح ُ
اب اْل َجَّن ِة} 3؛ فمن حيث تعميمه لكونه نكرة الن ِار َو ْ
َأص َح ُ َّ
في سياق النفي.
قالت الشافعية :انتفت المساواة بين المسلم والكافر فال
يقتل به .وعندي أن التمسك بهذه اآلية غير متوجه ؛ فإن
فيها إشارة إلى تخصيص المساواة [بالقول] 4حيث قال :
اب اْل َجَّن ِة ُه ُم اْلفَاِئ ُزون} أشار إلى أن المعنى نفي
{َأص َح ُ
ْ
المساواة من هذه الحيثية ال مطلقًا فالصواب التمثيل بغير
هذه اآلية.
ورأيت الماوردي لما نقل عن عبد اهلل بن عمر وعبد اهلل
بن عمرو رضي اهلل عنهما منع الوضوء بماء البحر
{و َما َي ْستَِوي اْلَب ْح َر ِ
ان}.5 استدل لهما بقوله تعالى َ :
قال :وهذا يدل على أن البحر المالح ال يجوز الوضوء
به ؛ إذ لو جاز ال يستويان ولك أن تقول :هذا كاألول
وأزيد ؛ وإ نما قلت إنه كاألول لقوله عقيبه وما يستوي
البحران هذا
_________
1سقط في ب.
2سقط في ب.
3الحشر .20
4في "ب" القود.
5فاطر .12
صفحة 399 | 145 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ؛ وإ نما قلت :
ط ِرًّيا} {و ِم ْن ُك ٍّل تَْأ ُكلُ َ
ون لَ ْح ًما َ إنه أزيد لقوله تعالى َ :
اآلية ؛ فقد سوى بينهما في أكل اللحم واستخراج الحلية
بعدما نفي المساواة فدل على أن المراد ليس نفيها مطلقًا
خاصا وهو ما سيقت له من االمتنان بما أنعم اهلل
ً بل نفيها
عليهم من البحرين كما قلنا في اآلية قبلها.
إذا عرفت هذا فأقول :أوضح من اآليتين في التمثيل
قوله تعالى َ{ :أفَم ْن َكان م ِمًنا َكم ْن َكان فَ ِ
اسقًا اَل َ َ َ ُ ْؤ َ
ين يستَوون} 1؛ فإنه تعالى وإ ن قال عقب ذلك َِّ َّ :
{َأما الذ َ َُْ َ
َآ َم ُنوا} اآليتين ؛ فليس قوي الداللة في أنه إنما أراد هذه
الحيثية لوقوعه في آيتين ،ومن ثم لم أمثل في جمع
الجوامع إال بهذه اآلية حيث قلت :وتعميم نحو { :اَل
ون} وإ ن كان فيها هذا االحتمال إال أنه ليس بظاهر
َي ْستَ ُو َ
فيها ألنها في قوة قولك " :ال يستوي المؤمن والكافر
ومن ثم للمؤمن كذا وللكافر كذا" فتدل اآلية على أن
الفاسق ال يلي النكاح.
ولست أدعي الصراحة وال الظهور الذي تطهر به
القلوب ؛ بل إنه في اآلية أوضح منه في اآليتين
السابقتين.
{و َما َي ْستَِوي ْ
اَأْلع َمى وكذلك في قوله تعالى في غافرَ 2
يء} ؛ ِ ِ ِ ِ َِّ ِ
ين َآ َمُنوا َو َعملُوا الصَّال َحات َواَل اْل ُمس ُ
َواْلَبص ُير َوالذ َ
ففيه داللة على أن البصير أولى في إمامة الصالة من
األعمى وهو رأي الشيخ أبي إسحاق ،ورجحه الوالد
رحمهما اهلل.
وكذلك قوله تعالى في سورة النحل{ : 3وضر َّ
ب اللهُ َ ََ َ
َأح ُد ُه َما َْأب َك ُم اَل َي ْق ِد ُر َعلَى َش ْي ٍء اَل َي ْق ِد ُر َعلَى
َمثَاًل َر ُجلَ ْي ِن َ
َش ْي ٍء َو ُه َو َك ٌّل َعلَى َم ْواَل هُ َْأيَن َما ُي َو ِّج ْههُ اَل َيْأ ِت بِ َخ ْي ٍر َه ْل
اط ُم ْستَِق ٍيم}.صر ٍ ِ ِ
َي ْستَِوي ُه َو َو َم ْن َيْأ ُم ُر بِاْل َع ْدل َو ُه َو َعلَى َ
ين وقوله تعالى في سورة الجاثيةَ{ : 4أم ح ِس َِّ
ب الذ َ ْ َ َ
ين َآ َمُنوا َو َع ِملُوا َِّ
َأن َن ْج َعلَهُ ْم َكالذ َ ات ْاجتَرحوا السَِّّيَئ ِ
ْ َ ُ
اء} على قراءة النصب وبها قرأ حمزة ِ ِ
الصَّال َحات َس َو ً
والكسائي وحفص.
وقوله في سورة آل عمران{ : 5لَ ْي ُسوا َس َواء} اي ليس
أهل الكتاب مستويين أي سواء أوقفنا على سواء وقلنا :
الواو ضمير ألهل الكتاب ،و"ليس" اسم خبرها سواء
و"من أهل الكتاب" خبر مقدم وأنه رفع باالبتداء ،
و"قائمة" نعت لها ،والجملة مستأنفة
_________
1السجدة .18
.58 2
.76 3
.21 4
.113 5
صفحة 399 | 146 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
لبيان انتفاء التسوية أو قلنا " :أمة" مرتفعة بسواء أي
ليس أهل الكتاب مستويان من أهل الكتاب أمة قائمة
موصوفة بما ذكر واخمة كافرة وحذفا لعامل لداللة
المذكورعليها كقوله :
دعاني إليها القلب إني ألمرها سميع فما أدري أرشد
طالبها
أي " :أم غي".
وقوله تعالى في سورة الحديد{ : 1اَل َي ْستَِوي ِم ْن ُك ْم َم ْن
ق ِم ْن قَْب ِل اْلفَتْ ِح َوقَاتَ َل}...
َْأنفَ َ
فرع :دفع المكاتب من الزكاة فهل له صرفه إلى غير
النجوم ؟ نقل اإلمام أن له ذلك ،وأن يؤدي النجوم من
كسبه ،وقطع صاحب الشامل بأنه ليس له ذلك ،قال
النووي " ،وهو أقيس" قال الرافعي :ويجب أن يكون
الغارم كالمكاتب.
قلت :ويمكن رد الخالف إلى الخالف فيما لو استغنى
المكاتب أو الغارم بما أعطيه ويفي مال الزكاة في يده
هل يسترد منه ؟ واألصح أنه ال يسترد ؛ فإن قلت :قد
رجح تعين الصرف في جهة الكتابة والدين مع كون
واجبا ،وقد قلتم :إن مع الوجوب ال تتعين
المدفوع ً
الجهة المدفوع بسببها .قلت :ال يجب في الزكاة الدفع
لهذا الغارم وهذا المكاتب بعينه [وبتقدير تعينه] 2؛
فالفرق أن مال الزكاة موزع بقسمة اهلل تعالى بين
أصناف ال بد من استيعابها لمقصد الشارع.
ومنها :الطعام والكسوة في الكفارات ال خالف أنه ال
يتعين ويجوز صرفه في غير جهة الكسوة والطعام.
الفصل الثاني :
في سرد شيء من فروع حمل المطلق على المقيد.
فمنها :ما لو قال لزوجته وأجنبية :إحداكما طالق لم
تتعين الزوجة على الصحيح ؛ بل له أن يقول :إني
أردت األجنبية ،وال يلزمه طالق.
فلو قال :ما عينت واحدة بقلبي حكم بقووع الطالق ؛
وإ نما ينصرف الطالق عن الزوجة عند إرادة األجنبية ال
عند اإلطالق .ذكره الرافعي قبل الباب السادس من
التعليقات.
_________
.10 1
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 147 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
مسألة :
المقيد بمتنافيين يستغنى عنهما ويرجع إلى أصل اإلطالق
،وفيه صور.
فمنها :لو قال :أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو نحوه
فيما يجمع فيه بين صفتي المدح والذم والمخاطبة من
ذوات األقراء وقع الطالق في الحال ،كما لو قال للسنة
والبدعة وفي توجيهه خالف األظهر عند الرافعي أن
وجهه أنه وصف الطالق بمتضادين فيلغوان ويبقى أصل
الطالق.
فإن قلت :لو شهد اثنان أنه زنا بها مكرهة وآخر أنه زنا
قطعا ،وال عليه على
بها طائعة لم يجب عليها حد الزنا ً
الصحيح مع أن الطواعية والكراهية متقابالن فهل ال
يثبت أصل الزنا.
قلت :ألن تقييده بالكراهية ال يقدح في أصله ،وعلى
شاهدي الطواعية حد القذف للمرأة فامتنع قبول قولهما
لنفسهما.
تنبيه :
قال صلى اهلل عليه وسلم " :إذا ولغ كلب في إناء أحدكم
فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب" 1وفي رواية :
أوالهن بالتراب ، 2وفي رواية " :فعفروه الثامنة
بالتراب".3
فسال سائل :لم ال تتعين الولى حملصا للمطلق في
إحداهن على المقيد فيها فأجبت :إن رواية "إحداهن"
تعارضها "فعفروه الثامنة".
وضعف هذا الجواب بأنه ال معارضة بينهما ويمكن
العمل بهما أوالتخيير بين األولى واألخيرة ،وقيل :إن
الشافعي نص على هذا في مختصر البويطي.
كحل ذلك ذكرته في شرحي "المختصر" ...و"المنهاج"
والذي أفنده هنا أن سماعي من الوالد رحمه اهلل في درس
الغزالية مرة وخارج الدرس غير مرة أن الشافعي
رضي اهلل عنه روى "أوالهن أو أخراهن" قال الوالد
رحمه اهلل :فإن ثبت هذا في الحديث فهو للتخيير فينبغي
أن يجب في إحداهما ال بعينها وال يجزئ في غيرهما وال
أعرف قائاًل به وإ ن لم يكن في الحديث بل كان ش ًكا من
الراوي فيحتمل أمرين :
_________
1الدارقطني في السنن .65 /1
2مسلم 34 /1في الطهارة "."279 /91
3مسلم في المصدر السابق "."280 /93
صفحة 399 | 148 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
أيضا ؛ ألنه إذا حصل التراب في
أن يكون الحكم كذلك ً
غيرهما يقطع بعدم حصول المرتين.
وإ ذا استعمله في إحداهما احتمل حصول المقصود ،
ويبقى غيرها محتماًل واألصل عدمه ،وهذا كما يقول :
فيمن شك "هل" الخارج من ذكره مني أو مذي [أنه
جميعا وال يجزئ
ً يتحرى ويحتمل أن يقال :يجيئان
غيرهما "وهذا مأخذه مأخذ القول بوجوب االحتياط في
مسألة إذا شك هل الخارج من ذكره مذي أو مني] 1وال
أعرف من قال بهذا الوجه.
ويحتمل احتمااًل ثالثًا :وهو أن الشك لما وقع من الراوي
واحدا منهما وال يجب واحد منهما وهذا يشبه لم يثبت ً
تساقط البيتين ؛ بل هو أولى ألن كال من البيتين جازمة
بما قالت ،والشاك لم يجزم بشيء ؛ فلم تثبت األولى وال
األخيرة وعلى هذا ال يثبت من هذه الرواية وجوب
التراب أصاًل لكنا نأخذه من الرواية األخرى وهي مطلقة
فنقيها على إطالقها لعدم ثبوت المقيد أعني بالنسبة إلى
هذه الرواية.
نعم وردت رواية أخرى جازمة فيها "أوالهن" ؛ فإن
يرجح على رواية الشك كان التساقط ألجل شك الراوي
حينئذ ال يبقى بها وإ ن ترجحت يبقى النظر بينهما وبين
المطلقة.
فإن كان اختالفًا من الرواة "فينبغي النظر والترجيح فإن
ترجحت المطلقة عمل بها وإ ن ترجحت المقيدة تعين في
األولى.
وإ ن لم يكن اختالفًا من الرواة ؛ بل يكون النبي صلى اهلل
عليه وسلم نطق بهما في مرتين كان من حمل المطلق
على المقيد فيتعين في األولى إال أن يعارض بقوله :
الثامنة بالتراب "إذا لم نجعل الثامنة ثامنة العدد ويحنئذ
مقيدا بقيدين فيبقى على إطالقه" انتهى كالم الوالد
يكون ً
رحمه اهلل.
وأقول :سلمنا أنه مقيد بقيدين ،ولكن لم قلتم :يبقى على
إطالقه وال تنافي بين القيدين ؟
فائدة :أعرب القاضي الماوردي في كتاب "الحاوي"
وفي كتاب "أدب القضاء"
_________
1من قول إنه يتخير إلى أو مني سقط من "أ" والمثبت
من "ب".
صفحة 399 | 149 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
أولى المذاهب عندي في المطلق والمقيد أن يعتبر
أغلظهما ؛ فإن كان المطلق حمل المقيد عليه وإ ن كان
تيقنا
المقيد حمل المطلق عليه ؛ لئال يؤدي إلى إسقاط ما ً
وجوبه باالحتمال ،وحكاه عنه صاحب البحر ساكتًا
أبدا أغلظ من المطلق
عليه .وهو كالم عجيب فإن المقيد ً
الشتماله عليه ،فأي شيء هو غير مذهب الشافعي
"رضي اهلل عنه" ،فإن قال في "أعتق رقبة" مثاًل إنه
مطلق و"أعتق معينة" أنه مقيد ،وإ ن قال :أجوز غير
المعينة حماًل للفظ على إطالقه ؛ فيقال له إن كان ذلك
لقياس فإن إجزاء المعينة يقتضي إجزاء غيرها بطريق
األولى .فنحن ال ننكره وليس مما نحن فيه .وإ ن كان ال
قياس فهو إسقاط للفظ الشارع بال موجب ؛ بل متى أمكن
جميعا
ً تعين المعينة تعينت وكنا قد علمنا بالمطلق والمقيد
،ألن المطلق ال ينافيها.
مسألة :
"المختار إذا نسخ حكم األصل ال يبقى معه حكم الفرع".
ومعنى ذلك أنه إذا ثبت حكم من األحكام في مسألة مثاًل
بنص ثم استنبطنا منه علة ،أو كانت منصوصة وألحقنا
قياسا ثم نسخ األ
بالحكم المنصوص ما ليس بمنصوص ً
صل الذي استنبطنا منه القياس تداعي ذلك إلى ارتفاع
القياس المستنبط عنه وخالفت الحنفية في ذلك.
وعليه مسائل :منها :قالوا :ال يجوز التوضؤ بالنبيذ
المسكر النيء ويجوز بالمطبوخ وقالوا :قد توضأ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالنيء 1وألحق به
قياسا ثم نسخ الوضوء بالنيء وبقي التوضؤ
المطبوخ ً
بالمطبوخ.
واجبا ويجوز
ومنها :ادعوا أن صوم يوم عاشورا كان ً
نهارا باإلجماع .قالوا :وألحق به
إيقاع النية فيه ً
قياسا.
رمضان ً
قلنا لهم :قد نسخ صوم [يوم] 2عاشوراء إن اتفق إيجابه
،قالوا :قد ينسخ األصل ويبقى حكم القياس في الفرع.
ومنها :قال علماؤنا :يكره شرب المنصف والخليط
وسببه أن الشدة واإلسكار
_________
1روى من حديث ابن مسعود وابن عباس فحديث ابن
مسعود رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحديث ابن
عباس رواه ابن ماجه في السنن.
وانظر الكالم على هذين الطريقتين مفصاًل في نصب
الراية للزيلعي .148 -137
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 150 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
يتسارع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير الطعم فيظن
الشارب أنه ليس بمسكر وهو مسكر.
قال الرافعي :وهذا كالنهي عن الظروف التي كانوا
ينبذون فيها واعترضه ابن الرفعة بأنه لو صح هذا
التشبيه ال نتفت الكراهة ألن النهي عن اتخاذ الظروف
نسخ.
قلت :وفيه نظر ألنه -أعني -ابن الرفعة -حاول أن
يكون الرافعي قد قاس على أصل منسوخ كما فعلت
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
أيضا عن أبي هريرة قال
ويعارضه حديث رواه أبو داود ً
:قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :إذا سجد أحدكم
فال يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه"1
وإ سناده جيد وبه أخذ مالك رحمه اهلل.
قال الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل :ويترجح بأنه قول
وأمر وهو أقوى من الفعل وكاد يقدم على ترجيح مذهب
مالك.
وتوقف النووي في شرح المهذب بين المذهبين [قال]2
ولم يرجح أحدهما من حيث السنة.
قلت :وفي صحيح ابن خزيمة من حديث سعد بن أبي
وقاص " :كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين
في اليدين "...وهذا عمدة في النسخ غير أن الشيخ اإلمام
ذاكرا أن في إسناده ضعفًا.
توقف فيه ً
ومنها :سجود السهو .وروي عن الزهري :سجد
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قبل السالم وبعد السالم3
،وأخر األمرين قبل السالم وهذا من تعارض الفعلين "ال
القول والفعل" 4وقد بين فيه األخير من األمرين فأمره
واضح.
ومنها القيام للجنازة .قال علي كرم اهلل وجهه " :قام
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقمنا معه ثم قعد فقعدنا"
رواه مسلم 5وهو كالذي قبله.
_________
1أبو داود 222 /1في الصالة " "840والترمذي /2
57أبواب الصالة " "269والنسائي ، 207 /2وأحمد
في المسند 381 /2الدارقطني في السنن " 344 /1
، "3والبيهقي في السنن الكبرى .99 /2
2سقط في "ب".
319 /1 3باب ذكر الدليل على أن األمر بوضع اليدين
قبل الركبتين عند السجود "منسوخ "."628
4قال الزيلعي :اختلف الناس في هذه المسألة على
أربعة أقوال فطائفة رأت السجدة بعد السالم عماًل بحديث
ذي اليدين وهو مذهب الحنفية ،وقال به من الصحابة
علي وسعد وعبد اهلل بن الزبير ومن التابعين الحسن
وإ براهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن بن
صالح وأهل الكوفة ،وذهبت طائفة إلى أن السجود قبل
السالم أخ ًذا بحديث ابن بحينة رواه البخاري وأخذ
بحديث الخدري رواه مسلم.
وانظر مزيد تفصيل في نصب الراية .170 /2
262 /2 5في الجنائز /باب نسخ القيام للجنازة "/84
."962
صفحة 399 | 152 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها :نهيه صلى اهلل عليه وسلم عن الصالة بعد
العصر 1ثم صالته 2الركعتين بعدها قضاء لسنة الظهر
عاما.
،وهو فعل خاص عارض [قواًل وفعاًل ]ً 3
ومنها :النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء
الحاجة .4ورواه ابن عمر مستدبر الكعبة ومستقبل بيت
المقدس بين البيوت 5بالمدينة فخصص الشافعي
وجمهور العلماء "رضي اهلل عنهم" القول بهذا الفعل ،
وقالوا :النهي عن الصالة بعد العصر مخصوص بما له
سبب كقضاء الفائتة ،وعن االستقبال واالستدبار
مخصوص بالبنيان.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة :
"كل مما يليك" 6وروى أنس أنه صلى اهلل عليه وسلم
كان يتتبع الدباء من جوانب الصفحة.7
قائما
ومنها :نهيه صلى اهلل عليه وسلم عن الشربً 9
وثبت أنه صلى اهلل عليه وسلم فعل ذلك 10فحمل النهي
على كراهة التنزيع ،وشربه صلى اهلل عليه وسلم على
مكروها في
ً بيان الجواز ،وإ ذا فعل لهذا الغرض لم يكن
حقه وقت فعله إياه.
_________
1البخاري 61 /2في كتاب مواقيت الصالة "، "586
ومسلم 567 /4في صالة المسافرين "."827 /288
2انظر البخاري 105 /3حديث " "1233ومسلم /1
."834 -297" 571
3سقط في "ب".
4انظر البخاري "394" 498 /1ومسلم 224 /1في
الطهارة باب االستطابة "."264 /59
5انظر البخاري "148" 250 /1ومسلم " 225 /1
."266 /62
6البخاري 521 /9في األطعمة /باب التسمية على
الطعام " "5376ومسلم 1599 /3في األشربة /باب
آداب الطعام "."2022 /108
7البخاري 318 /4في البيوع :باب الخياط ""2092
وفي األشربة "."2041 /144
8مسلم من حديث جابر رضي اهلل عنه في اللباس /باب
في منع االستلقاء على الظهر "."2099 /72
9انظر صحيح مسلم في األشربة /باب كراهية الشرب
قائما 1600 /3في المصدر نفسه حديث "/116
ً
."2026
10انظر البخاري "1637" 492 /3وحديث ""5617
ومسلم ."2027 /120" 162 /3
صفحة 399 | 153 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
ومنها :قال صلى اهلل عليه وسلم " :توضؤوا مما مست
النار" ، 1وثبت أنه صلى اهلل عليه وسلم أكل من كتف
شاة وصل ولم يتوضأ 2وقال جابر :كان آخر األمرين
من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ترك الوضوء مما
مست النار ومن ثم ذهب الجمهور إلى أن القول منسوخ
،ومنها قوله صلى اهلل عليه وسلم " :أفطر الحاجم
والمحجوم" .3وقال ابن عباس :احتجم النبي صلى اهلل
عليه وسلم وهو محرم صائم ...4قال الشافعي
شدادا قال في حديث :كنت
والجمهور الفعل ناسخ ؛ ألن ً
مع رسول اهلل زمان الفتح لثمان عشرة خلت من رمضان
فرأى رجاًل يحتجم فقال :أفطر الحاجم والمحجوم.5
قال الشافعي رضي اهلل عنه :ولم يصحب ابن عباس
محرما قبل حجة الوداع فكان
ً النبي صلى اهلل عليه وسلم
فعله سنة عشر وقوله :عام الفتح سنة ثمان ؛ فالفعل
ناسخ ،وقيل :الفعل من خصائصه وقيل :القول مقدم.
ومنها [ :حديث] 6يعلى بن أمية 7أن رجاًل سأل النبي
صلى اهلل عليه وسلم بالجعرانة -كيف ترى في رجل
أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب فقال النبي
صلى اهلل عليه وسلم " :أما الطيب الذي بك فاغسله ثالث
مرات وأما الجبة فانزعها واصنع في عمرتك كما تصنع
في حجتك" وقالت عائشة رضي اهلل عنها :طيبت
محرما
ً رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بيدي ثم أصبح
طيبا .وفي رواية عنها :لقد رأيت وبيص
يتضمخ ً
المسك في مفرق رسول اهلل بعد ثالث وهو محرم7
فرأى الشافعي وأحمد رحمهما اهلل وطوائف أن هذا الفعل
في حجة الوداع كما جاء
_________
1مسلم 273 /1في الحيض :باب الوضوء مما مست
النار "."352 /90
2البخاري 310 /1في الوضوء " "207ومسلم /1
273الحيض "."354 /91
3أخرجه أبو داود 308 /2في الصوم باب في الصائم
يحتجم " "2369وابن ماجه 537 /1في الصيام "
"1681والشافعي في المسند "685" 255 /1وأحمد
في المسند 123 /4والدارمي في السنن 14 /2والبيع
في 265 /4والحام .428 /1
4البخاري 50 /3في جزاء الصيد " "1835ومسلم /2
862في الحج باب جواز الحجامة للمحرم "/87
"1202وابن ماجه 537 /1في الصام /باب ما جاء في
الحجامة للصائم "."1682
5ابن ماجه المصدر السابق "."1681
6سقط في "ب".
7البخاري 393 /4في الحج " "1536وفي 9 /9في
فضائل القرآن " "4985ومسلم 836 /2حديث "/6
."847" "1180
صفحة 399 | 154 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
مصرحا في روايات كثيرة ؛ فهو ناسخ لحديث الجعرانة
ً
،ورأى مالك وأبو حنيفة تخصيص الخطاب باألمة.
ومنها :قال صلى اهلل عليه وسلم في شارب الخمر :
"فإن شرب الرابعة فاقتلوه" 1مع رواية ابن شهاب عن
قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى اهلل عليه وسلم أتى
بسكران في الرابعة فجلده ولم يقتله وكذلك روى ابن
المنذر عنه صلى اهلل عليه وسلم ،فاعتضد كل من
اإلرسالين باآلخر ،وحكم بنسخ األمر بالقتل.
ومنها :حديث بريدة كان النبي صلى اهلل عليه وسلم إذا
أميرا على جيش أوصاه بالدعاء إلى اإلسالم قبل
أمر ً
القتال.2
ذهب جمهور العلماء إلى أنه منسوخ بإقدامه صلى اهلل
عليه وسلم على القتال قبل الدعوة غير مرة.
نافعا ذكر أن الدعاء إنما كان في أول
وذكر ابن عون أن ً
اإلسالم .وقيل الدعاء قبل القتل ندب.
وقيل :يختص بمن لم تبلغه الدعوة.
ومنها :قطعه صلى اهلل عليه وسلم أيدي العرنيين
وأرجلهم وسمل أعينهم ...3الحديث ،ثم نهى عن المثلة
ناسخا.
؛ فكان النهي ً
وهذه الصور كلها عرف فيها المتقدم .ومنها :حديث
جنبا فال صوم له".4
"$من أصبح ً
_________
1أخرجه الترمذي معلقًا 49 /4في الحدود /باب 15
عقب حديث " "1444؛ فقال روى محمد بن إسحاق ،
عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اهلل .وعزاه
المزي في التحفة للنسائي "3073" 373 /2والحاكم في
المستدرك 373 /4في الحدود باب إن رسول اهلل صلى
حدا.
اهلل عليه وسلم لم يوقت في الخمر ً
2مسلم 1357 /3في الجهاد والسير حديث "/3
."1731
3انظر البخاري 109 /12في الحدود /باب في
المحاربين من أهل الكفر " "6803ومسلم 1296 /3في
القسامة /باب حكم المحاربين "."1671 /9
4ابن ماجه 543 /1في باب ما جاء في الرجل يصبح
جنبا وفي البوصيري في الزوائد إسناده صحيح رواه من
ً
هذا الوجه وذكره البخاري تعليقًا في الصحيحين أن أبا
هريرة سمعه في الفضل وزاد مسلم ولم أسمعه من النبي
صلى اهلل عليه وسلم.
صفحة 399 | 155 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
جنبا من
مع حديث أنه صلى اهلل عليه وسلم كان يصبح ً
جماع غير احتالم.1
جنبا
فالذين ذهبوا إلى العمل بالقول ،وقالوا :من أصبح ً
فال صوم له .شذوذ من الناس والجماهير عملوا بالحديث
اآلخر مفنهم من ادعى النسخ في األول كالخطابي ولعله
قامت عنده الداللة على تقدم تاريخه ،ومنهم من ترجح
عنده حديث الفعل لموافقة داللة اآلية وبمرجحات أخرى.
ونحن إذا قلنا بعدم القول فذلك من حيث أنه قول وقد
يعضد الفعل أمور تصيره أرجح.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :الثيب بالثيب جلد
مائة والرجم" 2؛ قول عارضه أنه صلى اهلل عليه وسلم
ماعزا ولم يجلده ، 3وقد ذهب أحمد رضي اهلل عنه
رجم ً
وإ سحاق وداود وابن المنذر إلى العمل بالقول فجمعوا
على الثيبت بين الجلد والرجم.
وذهب الجمهور إلى العمل بالفعل وذكروا أن الجمع
بينهما منسوخ ،ويمكن أن يقال :إن هذا الفعل عضده
قول آخر ،وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم " :واغد يا
أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها".4
الحديث ليس فيه ذكر جلد .ولو كان لبينة فيتساقط
مرجوحا بالنسبة
ً القوالن وال يخفي أن الفعل إنما يكون
إلى القول إذا لم يعضده قول ،أما إذا عضده فالفعل
أرجح .وهذا واضح وبه صرح أبو الحسن السهيلي في
كتاب أدب الحديث.
تنبيه :التقرير فعل غير أنه مرجوح بالنسبة إلى الفعل
المستقبل .فالمراتب ثالث قول ثم فعل غير تقرير ثم
تقرير ؛ وإ نما لم يذكر األصوليون التقرير في مسألة
تعارض األقوال واألفعال لدخوله في الفعل وفي باب
التراجيح عند التمييز بينهما .قالوا :الفعل أرجح من
التقرير ومن أمثلة تعارض التقرير مع القول قوله صلى
اهلل عليه وسلم في اإلمام " :إذا صلى
_________
1البخاري 153 /4في الصوم حديث " "1930ومسلم
780 /2في الصيام حديث "."1109 /76
2مسلم 1316 /3في الحدود "."1690 /12
3مسلم 13231 /3في الحدود حديث "."1695 /23
4انظر البخاري 523 /11في اإليمان والنذور "
، "6633ومسلم 13247 /3في الحدود "/25
."1698 -1697
صفحة 399 | 156 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
جلوسا أجمعون" 1مع كونه صلى اهلل عليه
ً جالسا فصلوا
ً
جالسا في آخر مرض موته والناس خلفه قيام2
وسلم ً
وأقرهم على ذلك.
جريا على األصل وزعموا أن
فذهب قوم إلى تقديم القول ً
فرض القيام قد يسقط بالصالة خلف الجالس وإ ن عذره
كالعذر لهم وعلى هذا من أصحابنا ابن خزيمة وابن
حبان ،وقال الجمهور منهم الشافعي رضي اهلل عنه هذا
التقرير آخر األمرين منه صلى اهلل عليه وسلم وهو ناسخ
حكما سابقًا عليه
للقول المتقدم ؛ فهذا مثال لتقرير رفع ً
حكما ثابتًا بالتقرير ،وهذا
ثابتًا بالقول ،وقد يرفع القول ً
أولى من القسم فإنه إذا ارتفع القول [بالتقرير] 3فإن
يرتفع التقرير بالقول أولى وأحرى.
ومثاله :ما في صحيح مسلم 4عن ابن عمر رضي اهلل
خاتما
عنهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم اصطنع ً
من ذهب فصنع الناس خواتيم الذهب ثم جلس على
أبدا" فنبذ
المنبر فنزعه فرمى به ثم قال " :واهلل ال ألبسه ً
الناس خواتيمهم .وثبت عنه صلى اهلل عليه وسلم النهي
عن التختم بالذهب.5
وقضى العلماء بأن هذا التحريم ناسخ لإلباحة التي
استفيدت من تقريره الناس على متابعته في اتخاذ خواتيم
الذهب .وهذا عندي موقوف على أن يكونوا لبسوه ،وأن
يكون جواز لبسهم كان مأخو ًذا من التقرير ال من فعله
صلى اهلل عليه وسلم المجرد ؛ وإ ال فهو قول نسخ فعاًل
تقريرا.
ً غير تقرير ال
ومن مشكل هذا الباب أمر تحريم الخمر فسماعي من
نسخا ألن شربهم إياها قبل
الوالد رحمه اهلل أنه لم يكن ً
التحريم ما كان بحكم شرعي بل بالبراءة األصلية.
وقصة حمزة تدل على وجود تقرير ،وفي هذا بحث
بيني وبين الشيخ اإلمام ذكرته في "شرح المختصر" في
مسألة التقرير وليس هو قصدي باإلشكال هنا ؛ وإ نما
قصدي حديث رواه مسلم عن أبي سعيد :سمعت رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول " :يا أيها الناس إن اهلل
_________
1البخاري 173 /2في األذان " "389ومسلم 308 /1
في الصالة "."411 /77
2البخاري 173 -172 /2في األذان " "687ومسلم
312 -311 /1في الصالة "."418 /90
3في "بط بالتقرير بالقول.
4أخرجه البخاري 325 /10في اللباس "، "5876
ومسلم 1655 /3في اللباس "."2091 /53
5انظر صحيح مسلم 1648 /3في كتاب اللباس حديث
"."3366
صفحة 399 | 157 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
أمرا ،فمن كان
يعرض بالخمر ولعل اهلل سينزل فيها ً
عنده منها شيء فليبعه أو لينتفع به".
يسيرا حتى قال :صلى اهلل عليه وسلم
قال :فما لبثنا إال ً
" :إن اهلل حرم الخمر فمن أدركته هذه اآلية وعنده منها
شيء فال يشرب وال يبيع".1
ظاهره يدل على أنها أبيح بيعها واالنتفاع بها قبل
التحريم بإذن شرعي من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
،وهو يرد على من يدعي أنها لم تحل قط ،ثم هذا البيع
المأذون فيه لعله من كافر ال ينتهي بالنهي حال نزول
التحريم وإ ال فالبائع والمشتري واحد وإ ذا كان من كافر
ففيه دليل على أن الكافر يبيع الخمر وهو حرام عليه ال
سيما عند من نكلفه بالفروع [ ،وقد قدمنا في مسألة تكليفه
بالفروع] 2من نص الشافعي رضي اهلل عنه ما ينازع
في ذلك ؛ ففي الحديث إشكال لعل اهلل ييسر حله ،فما
إشكاله من وجه واحد ،بل من وجوه متعددة.
تنبيه ثان :
"الكف فعل على المختار" ،وأقول على هذا أنها مرتبة
بين التقرير والسكوت ،فالمراتب إ ًذا أربع :قول ،ففعل
مستقبل ،فتقرير ،فكف -وإ ليه اإلشارة "بقولي" في
كتاب التراجيح من جمع الجوامع والقول ،فالفعل غير
التقرير ،فالتقرير ،فالكف ،فالسكوت ،ولنمثل
لتعارض الكف والتقرير بكفه صلى اهلل عليه وسلم عن
أكل لحم الضب وتقريره إياهم على أكله لما أكلوه بين
يديه وإ ن كان صلى اهلل عليه وسلم نبه على سبب امتناعه
وهو العيافة لما لم يكن بأرضه قومه.3
وكذلك ما كان الناس يزيدون في تلبيتهم عام حجة الوداع
على تلبية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيقولون :
"لبيك ذا المعارج" ونحوه من الكالم فيسمعه النبي صلى
اهلل عليه وسلم وال يقول لهم شيًئا ؛ كذا رواه أبو داود، 4
وروى مسلم 5معناه فقد كف عن قول أقرهم عليه وما
ذلك فيما يعتقد إال بجوازه ومرجوحيته بالنسبة إلى ما
كان هو صلى اهلل عليه وسلم يقول :أو ألن كاًل من
األلفاظ شائع ،ثم األفضل لنا التأسي أو ال حجر أصاًل ؟
كل ذلك محتمل :
تنبيه ثالث :
"قد علم أن أفعاله عليه الصالة السالم حجة وأن التقرير
فعل وكذلك
_________
1مسلم 1205 /3في المساقاة "."1578 /67
2سقط من "ب".
3البخاري 662 /9حديث " "5537ومسلم 1542 /3
"."1946 /44
162 /2 4في كتاب المناسك /باب كيفية التلبية "
."1813
5انظر صحيح مسلم .843 -842 /2
صفحة 399 | 158 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
السكوت" وأقول ينبغي أن يكون الفعل مراتب أعالها ما
هو مستقل في نفسه كإقدامه علي.1
"والثانية :ما هو تقرير".
والثالثة :ما هو كف .والكف دون التقرير ؛ فإن المفهوم
من الكف اإلحجام عن الفعل ،وفي التقرير زيادة أفهمها
على األحجام.2
والرابعة :مجرد السكوت ،وهو فيما أفهم من مدلوله
دون الكف ؛ فإن الكف منع النفس أن تقدم على قول أو
فعل ،والسكوت كأنه دون هذا القدر ؛ غير أن السكوت
قسمان :سكوت معه استبشار بفعل الفاعل ،وسكوت ال
استبشار معه وكالهما دليل الجواز ؛ فإنه ال يسكت على
أبدا بأبي هو وأمي صلى اهلل عليه وسلم.
باطل ً
ثم االستبشار فوق التبسم فيما يظهر ؛ فإني أفهم من
االستبشار محبة ما أبصر من الفعل وال أفهم من التبسم
هذا المبلغ .فإذا المراتب ست :
أولها :الفعل المستقل.
الثانية :التقرير.
الثالثة :الكف.
الرابعة :السكوت مع االستبشار.
[الخامسة :السكوت مع ما أدعي من االستبشار]3
كالتبسم ،ولنمثل له بتحريم الغلول وإ يجاب [تخميس]4
مال الكفار مع أن عبد اهلل بن معقل قال :أصبت جراب
أحدا من
شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت :ال أعطي اليوم ً
هذا شيًئا فالتفت فإذا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
مبتسما رواه مسلم 5وبه احتج أصحابنا على جواز أكل
ً
الغانمين قدر الحاجة من الطعام وإ ن لم يأذن اإلمام.
السادسة :السكوت المجرد.
_________
1بياض في النسختين.
2في "ب" األحكام.
3سقط في "ب".
4في "ب" تخليس.
5متفق عليه 255 /6في فرض الخمس ""3153
ومسلم 1393 /30في الجهاد " "1772 /72واللفظ له.
صفحة 399 | 159 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
تنبيه رابع :
"ما ذكرناه من داللة السكوت [عليه] 1مخصوص
بسكوت يلزم منه مفسدة لو لم يكن [السكوت] 2عليه
مخصوص بسكوت يلزم منه مفسدة لو حالاًل ،أو عام
في ذلك.
وفي ما ال يلزم من السكوت عليه وقوع مفسدته فيه نظر
للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد.
ومثاله :طالق المالعن زوجته ثالثًا بعد فراغ اللعان ،
وسكت عليه النبي صلى اهلل عليه وسلم ؛ فهل يكون
سكوته دلياًل على جواز إرسال الثالث حيث يعتبر ذلك
في المنكوحة -أواًل دليل فيه هنا ألن المطلق [إرسال]3
ظانا بقاء النكاح والنبي صلى اهلل عليه وسلم يعلم
الثالث ً
أنها بانت منه باللعان وأن هذا الكالم لغو.
تنبيه خامس :
"ال فرق بين السكوت على فعل وعلى قول" فإذا قيل
بحضرته صلى اهلل عليه وسلم هذا حالل أو هذا حرام
وسكت دل على أنه كذلك.
وليقع النظر هنا في واقعة ابن صياد وأن عمر 4كان
يحلف "بحضرة" صلى اهلل عليه وسلم أنه الدجال.5
وقد روى مسلم في صحيحه أن محمد بن "المنكدر" قال :
جابرا يحلف أن ابن صياد هو الدجال ؛ فقلت :
رأيت ً
تحلف باهلل تعالى فقال :إني سمعت عمر يحلف على
ذلك عند رسول اهلل فلم ينكره.6
لكن هذا محمول على أنه لم ينكره إنكار من نفي كونه
أيضا لم يسكت على ذلك ؛ بل أشار
الدجال ؛ بدليل أنه ً
[إليه] 7أنه متردد ؛ ففي الصحيحين أنه صلى اهلل عليه
وسلم قال لعمر " :إن يكن هو فلن تسلط عليه ،وإ ن لم
يكن هو فال خير لك في قلته" ؛ فردده في أمره ؛ فلما
صار ابن عمر يحلف على ذلك صار حالفًا على غلبة
ظنه ،والبيان قد تقدم من النبي صلى اهلل عليه وسلم ،ثم
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" المسكوت.
3في "ب" أرسل.
4في سنن أبو داود وابن عمر.
5أبو داود 506 /4في المالحم /باب في خبر ابن
صائد "."4330
6البخاري 323 /13في االعتصام حديث ""7355
ومسلم 2243 /4في الفتن "."2929 /94
7في "ب" إلى.
صفحة 399 | 160 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
هذا سكوت عن حلف على أمر غيب ال على حكم شرعيp
،ولعل مسألة السكوت والتقرير مختصة باألحكام
الشرعية ال األمور الغيبة التي قد يكون طلب الجهل بها
واقعا ؛ فليتأمل ذلك واهلل أعلم.
ً
تنبيه [سادس]: 1
قدمنا لك ما يعرفك أن قولنا " :القول مقدم على الفعل"
معناه عند التعارض في حكم ما دل على حكمه قول
وفعل متعارضان مطلقًا[ .وال] 2ينقض بقوة الفعل على
القول في أمور آخر لمأخذ آخر ؛ أال ترى إلى قولنا "نقل
الركن الفعلي في الصالة مبطل ،وفي القول خالف" وما
ذاك إال ألن الفعل أفحش ؛ فليس ذلك من قبيل ما نحن
فيه بل الفعل هناك أشد ؛ فلذلك يجعل أصاًل للقول.
ويقول األصحاب في نظائره مسألة نقل الركن الفعلي
والقولي " :هل يلحق القولي بالفعلي أو ال ؟ فيه خالف
يظهر في مسائل .منها مسألة نقل الركن هذه.
ومنها :إذا قال :هذه الدار لزيد بل لعمرو أو غصبتها
من زيد بل من عمرو [و] 3سلمت لزيد ،وأظهر القولين
أن المقر يغرم قيمتها لعمرو ؛ ألنه حال بينه وبين داره
بإقراره األول والحيلولة سبب الضمان كاإلتالف إلحاقًا
للحيلولة التقولية بالحيلولة الفعلية.
ويعبر بعضهم عن القولين بأن الحيلولة القولية هي
كالحيلولة الفعلية.
سببا للحيولة ؛
ولقائل أن يقول :القول ما حال وإ نما كان ً
بل قد يقال :لم يكن شيء في يد عمرو حتى تصدق
الحيلولة ؛ فإن المقر به في يد المقر ولم يصدر منه غير
إقرار ثان لعمرو يقتضي أنه كان يستحق قبض ما أقر به
لغيره ؛ فينزل اعترافه بهذا االستحقاق منزلة تسمليه
العين له ثم انتزاعه إياها من يده .وقد نبه على نحو هذا
الوالد في "شرح المنهاج" في باب اإلقرار.
ومنها :الخالف فيما إذا رفعت صوتها في الصالة ؛
بحيث يسمعها الرجال هل تبطل صالتها ألن صوتها
عورة قولية على رأي ؛ ففي إلحاقها بالعورة الفعلية
الخالف.
ومنها :شهود المال إذا رجعوا ؛ فاألصح يغرمون ،
تنزياًل لحالتهم القولية منزلة الغصب الذي هو حالة
فعلية.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" فال.
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 161 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وهذا مثال صحيح فإن شهود المال إنما أحالوا بالقول ال
بالفعل بخالف هذا الدار لزيد بل لعمو ،واهلل تعالى أعلم
بالصواب.
فصل :
قدمنا أن القول أدل على الحكم والفعل أدل على الصفة ،
وبه علمت أنه ال ينبغي إطالق القول بأن القول أقوى
أيضا أن تأثير الفعل في مفعوله أقوى
ويوضح لك هذا ً
من تأثير.
القول في مقبولة بدليل مسائل :
منها :سراية استيالد أحد الشريكين قيل [ :إنه] 1أولى
بأن يتعجل من سراية عتق الشريك .قال الغزالي في
الوسيط :ألنه فعل ،وهو أقوى من القول".
ومنها :إذا زوج الغاصب المغصوب من المالك فأولد
قطعا.
نفذ االستيالد ً
ولو قال للمالك :أعتق فأعتق نفذ على الصحيح ،وفي
وجه ال ينفذ وإ ن كان االستيالد يثبت ألن االستيالد فعل
وهو أقوى.
ومنها :إحبال المجنون نافذ دون إعتاقه.
سهوا مبطل عند الرافعي
ومنها :كثير الفعل في الصالة ً
والنووي كعمده ،وفرق بينه وبين الكالم ؛ حيث فرقنا
في قليله بين العمد والسهو بأن الفعل أقوى من القول.
ناسيا -وإ ن كان
ورجع المتولي أن الفعل في الصالة ً
كثيرا ال يبطل بخالف الكالم الكثير ،وفي هذا تقوية
ً
للقول على الفعل .وعليه كالم ذكرته في التوشيخ.
مسألة :
اإلخبار عن أمر عام قال أبو عبيد اهلل المازري :إنه
الرواية وأن اإلخبار عن أمر خاص هو الشهادة.
قلت :والذي يظهر أن يقال :الخبر إن تضمن إثبات
حق على المخبر فهو اإلقرار ،أو للمخبر على غيره فهو
الدعوى ،أو لغيره على غيره فهو الشهادة.
عاما
شرعا ً
ً خاصا ؛ فإن اقتضى
ً [و] 2هذا كله إذا كان
فإن كان من حكم شرعي p؛ فهو الفتيا وإ ن كان عن 3أمر
محسوس ،فإن كان مما ال يتخاصم فيه الناس ويترافعون
_________
1في "ب" بأنه.
2سقط في "ب".
3في "ب" غير.
صفحة 399 | 162 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
إلى الحكام فهو الرواية ،نحو " :الشفعة فيما لم يقسم1
وركعتان قبل الصبح خير من الدنيا وما فيها" 2؛ فإن
الناس ال يترافعون إلى الحكام في أن الشفعة هل هي فيما
لم يقسم ،وال في أن ركعتي الصبح سنة بل يستفتون في
ذلك وإ ن كان ترافع فيما هذا شأنه فإنما هو حسبة فيمن
تخيلنا كذبه على اهلل وعلى رسوله صلى اهلل عليه وسلم
فما رواه .وليس الترافع حينئذ في المروي بل في
الراوي.
وإ ن كان مما يرتافع الناس فيه ففيه تردد واألرجح أنه
شهادة.
وبهذا يتبين لك أن العام ذا الترافع فيه شائبتان ؛ شائبة
الشهادة وشائبة الرواية ،ويظهر أثره في صور :
منها :هالل رمضان ومن ثم كان شهادة واكتفى فيه
بواحد على الصحيح لشائبة الرواية.
ومنها :عيب المبيع ،قال صاحب التهذيب :إن قال
واحد من أهل العلم " :إنه عيب" ثبت الرد به واعتبر
المتولي شهادة اثنين.
ومنها :نجاسة الماء يكفي فيه إخبار مقبول الرواية ولو
عبد أو امرأة.
ومنها :المرض المرخص للتيمم يكفي طبيب ،وقيل ال
بد من اثنين.
ومنها :دخول وقت الصالة بكفي فيه خبر الثقة عن
مشهادة ال عن اجتهاد.
ومنها الخارص يكفي واحد ،وثالثها :إن خرص على
محجوز فال بد من اثنين.
منها :كون المرض مخوفًا ال بد من اثنين ،وقيل :
يكفي واحد.
ومنها :لو أخبر الصائم بغروب الشمس عدل واحد .قال
الوالد لم أر من تعرض للمسألة إال الروياني فقال في
"البحر" إنه ال بد في الشهادة على غروب الشمس من
اثنين كالشهادة على هالل شوال ثم استشكله الوالد رحمه
اهلل في شرح المنهاج.
ومنها :إذا شهد عدل واحد بطلوع الفجر في رمضان
هل يلزم اإلمساك أم ال بد من اثنين ؟ قال الروياني :
يحتمل وجهين.
_________
1البخاري 407 /4في البيوع " "2213و " 408 /4
"2214و 436 /4في الشفعة "."2257
2مسلم 5014 /1في صالة المسافرين "."725 /96
صفحة 399 | 163 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
قلت :ومال الوالد رحمه اهلل إلى ترجيح قبول الواحد كما
في المسألة قبلها وهو الغروب.
مسألة :
خبر الواحد وإ ن خالف قياس األصول مقدم على القياس
:
وعليه مسائل :
منها :ذكاة الجنين ذكاة أمه :لحديث أبي سعيد الخدري
:سألنا رسول اهلل عن الجنين يكون في بطن الناقة أو
البقرة أو الشاة فقال :كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.1
وفي لفظ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :ذكاة
الجنين ذكاة أمه" أخرجه ابن حبان.
وروي الدراقطني من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما
:أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال في الجنين :
"ذكاته ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" 2قال الدارقطني :
الصواب أنه من قول ابن عمر رضي اهلل عنهما.
قلت :وخرجه الطبراني من حديث عبد اهلل بن نصر
األنطاكي عن أسامة عن عبد اهلل بن عمر عن نافع عن
مرفوعا عن عبد
ً مرفوعا ،ثم قال :لم يروه
ً ابن عمر
اهلل إال أبو أسامة تفرد به عبد اهلل بن نصر األنطاكي.
وقال أبو حنيفة :ال يذكي الجنين بذكاة أمه.
وأصل المسألة أن الجنين يجري مجرى جزء من أجزاء
األم ،ومن ثم يمنعهم كون الخبر مخالفًا لقياس األصول
وعندهم هو شخص مستقل ومن ثم يدعونه مخالفًا لقياس
األصول فال يقبلونه.
عبيدا ال مال له سواهم
ومنها :إذا أعتق في مرض موته ً
ولم يجز [الورثة].3
جميعهم [بالعتق] 4فالعتق في الثلث بالقرعة.
_________
1أحمد في المسند 53 - 31 /3وأبو داود 103 /3
في األضاحي " "2827وابن ماجه 1067 /2في الذبائح
حديث " "3199ومن حديث جابر عند الدارمي 84 /2
وأبو داود 103 /3في األضاحي حديث ""2826
والحاكم 114 /4في األطعمة وقال صحيح على شرط
مسلم وأقره الذهب.
."24" 271 /4 2
3سقط في "ب".
4سقط في "ب".
صفحة 399 | 164 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
وقال أبو حنيفة :يعتق من كل واحد بالحصة ويستبقي
في الباقي.
ومعتمدنا ما في صحيح مسلم 1من حديث عمران بن
حصين أن رجاًل أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم
يكنله مال غيرهم فدعاهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
فجزأهم أثالثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
سديدا.
ً وقال له قواًل
مسألة :خبر الكافر مردود
ويستثنى مسائل :
منها :إذا أم بقوم ثم أعلمهم أنه غير مسلم يجب عليهم
اإلعادة كما إذا تبين من غير إعالمه ،نص عليه
الشافعي رضي اهلل عنه في باب صالة الرجل بأقوام ال
يعرفونه فقال :وإ ذا صلوا مع رجل صالة كثيرة ثم
أعلمهم أنه غير مسلم أو علموه من غيره أعادوا كل
صالة صلوها خلفه.
قال الوالد رحمه اهلل :ولوال هذا النص لكان يظهر أن.
يقال :ال يقبل قوله إال أن يسلم بعد ذلك ويخبر بإحالة
التي تقدمت.
فالنا فهو
ومنها :لو شهد جماعة ذميون بأن هذا قتل ً
لوث على األصح.
ومنها :قال الماوردي :إذا أخبر كافر الشفيع بالبيع
ووقع في قلبه صدقه لم يغدر في تأخير الطلب وكان
طا للشفعة.
تأخيره مسق ً
واألصحاب أطلقوا أنه يعذر إذا أخبره كافر ؛ فإما أن
يكونوا مخالفين لهذا وإ ما أن يحمل إطالقهم على ما إذا لم
يقع في نفسه صدقه.
قال الولد وعلى هذا ينبغي أن يكون القول قوله في أنه لم
يقع في نفسه صدقه.
ومنها :وجه حكاه الرافعي في باب الوصية عن أبي
سلميان الخطابي أنه يجوز العتدول من الوضوء إلى
التيمم بقول الطبيب الكافر كما يجوز شرب الدواء من
يده وال يدري أهو دواء أم داء ،ولم يستبعد الرافعي
طرده فيما أخبر بأن المرض مخوف.
مسألة :
خبر الصبي وإ ن لم يجرب عليه الكذب مردود في
األصح إال مع القرينة كاإلذن في دخول الدار وحمل
الهداية على األصح.
_________
1288 /3 1في اإليمان /باب من أعتق شر ًكا له "/56
."1668
صفحة 399 | 165 :
األشباه والنظائر
كتاب العموم والخصوص
هذا هو األصل ويستثنى صور فيقبل فيها خبره وفي غير
ما ذكر وهي فيما طريقه المشاهدة كما دل أعمى على
القبلة ،نقله النووي عن الجمهور في شرح المهذب في
باب األذان عند الكالم على أذن الصبي.
مسألة :خبر الفاسق مردود
وقد يستثنى من هذا من أخرج القذف مخرج الشهادة
ولكن لم يتم العدد ؛ فإنه فاسق [إن] 1أوجبنا عليه الحد
كما صرح به الماوردي والروياني في باب شهادة
القاذف والرافعي في باب حد الزنا.
وصريح كالم الشيخ أبي حامد في التعليقة أنه فاسق
مطلقًا أوجبنا عليه الحد أو لم نوجبه مع اتفاقهم على قبول
خبره دون شهادته ،وفرقهم بغلظ أمر الشهادة.
وهو مشكل كيف يحكمون بفسق من يقبلون روايته وقد
صرح بقبول روايته الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب
والقاضي الحسين والمارودي والروياني.
مسألة :
الصحيح عندي أن تكذيب الشيخ للراوي عنه ال يسقط
المروي.
فما ظنك بما إذا لم يكذبه ولكن تردد وشك ،وفيه مسائل
:منها :حديث ال نكاح إال بولي .الذي رواه سليمان بن
موسى عن الزهري.2
زعم الخصوم أن الزهري ذكر له سليمان بن موسى فقال
:ال أعرفه وتسلطوا بهذا على رد الحديث.
_________
1سقط في "ب".
2أحمد في المسند ، 394 /4الدارمي في السنن /2
، 137وأبو داود /2في النكاح " "2085والترمذي /3
، "1101" 407وابن ماجة "1881" 605 /1وابن
حبان ذكره الهيثمي ص ، 304الحاكم .169 /2
صفحة 399 | 166 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
كتاب اإلجماع :
مسألة :
اإلجماع السكوتي حجة وليس بإجماع خالفًا للخصوم
ولسنا نورث المبتوتة في المرضى على الجديد وإ ن
ورث عثمان تماضر بنت األصبغ من زوجها عبد
الرحمن بن عوف وقد طلقها آخر تطليقاتها الثالث
وتوفي وهي في العدة ألنه لم يحصل إجماع سكوتي بل
صرح ابن الزبير وغيره بمخالفته.
وال يستوفي القصاص الثابت للصغير والكبير حتى يبلغ
الصغير وإ ن قتل ابن ملجم قاتل علي كرم اهلل وجهه ولم
ينتظر بلوغ صغار الورثة وال أنكر ذلك صحابي ألنا ال
كفرا الستحالله قتل
قصاصا بل ً
ً نسلم أن ابن ملجم قتل
حدا لكونه قتل اإلمام األعظم ،
علي كرم اهلل وجهه أو ً
وقد قال بعض أصحابنا :إن القتل حد قاتل اإلمام
األعظم.
فإن قلت :إن [استثبت] 1لكم الجواب عن هاتين
المسألتين فلم يثبت عن قول اإلمام الشافعي رضي اهلل
عنه [المشهور عنه] : 2ال ينسب لساكت قول فإنه
صريح في مخالفتكم في قولكم أن السكوتي ليس بحجة.
قلنا :قد تكلمنا عن هذه العبارة في شرح المختصر بما
ال نطيل بإعادته وحظ الفقيه منها أن نقول هنا :في
كثيرا منها أبو سعد الهروي في أواخر
القاعدة مسائل عد ً
األشراف وأنا أذكر ما ذكره مع زيادات.
فمما ذكره :سكوت النبي صلى اهلل عليه وسلم وسكوت
المجتمعين وهذا من مسائل األصول.
وسكوت البكر مع األب والجد استثناه من قولنا :
السكوت ال يكون رضي.
_________
1في "ب" اشقيت.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 167 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
وهو صحيح لكنه ال يستثنى من قولنا :ال ينسب إلى
ساكت قول ألنا لم ننسب إلى البكر بالصمات قواًل وإ نما
نسب إليها رضي دل عليه الصمات وال يلزم من عدم
نسبه القول عدم نسبة الرضا بل يقول ال ينسب الرضا
أيضا بال الشارع اكتفى بالصمات لداللته على الرضى ؛
ً
حيث قال [في البكر] : 1إذنا صماتها 2كما أكتفي بلفظ
البيع لداللته على الرضا.
وإ ذا حفظت هذا الجواب اعتبرت به أكثر ما سنعده من
نقضا.
مسائل قد يتخيل ورودها ً
ومنها :سكوت الولي بين يدي الحاكم وقد طلبت منه
التزويج فإنه عضل والكالم فيه كالكالم في صمات البكر
،ومنها سكوت المضمون له وقد شرطنا رضاه ؛ حيث
يكتفي به على خالف فيه.
مدعيا أنه عبد
ً ومنها :سكوت المجهول الذي قذفه قاذف
؛ فإذا سكت بعد القذف ولم يدع الحرية وطالب بالحد ال
يجب ،وال يجري فيه القوالن فيما إذا قال القاذف :هو
عبد ،وقال المقذوف :بل أنا حر كما صرح به
الماوردي.
ومنها :إذا بلغ اللقيط وسكت ولم يصف اإلسالم وال
الكفر ففي وجوب القصاص على قائله خالف.
ومنها :الخطبة حرام إن صرح باإلجابة دون من إذا
سكت على ما قال الرافعي في المحرر ولكن في الشرح
خالفه كالهما في كتاب البيع.
ومنها ؛ إذا أراد األب تزويجها بغير كفء ؛ ففي االكتفاء
بالسكوت وجهان.
ومنها :إذا استأذن الولي البكر في تزويجها بغير نقد
البلد أو بأقل من مهر المثل ففي آخر النكاح عن القاضي
الحسين تنزيل سكوتها منزلة إذنها وفي الفصل الثامن في
اجتماع األولياء عن البغوي فيه طريقان.
ومنها :نص الشافعي "رضي اهلل عنه" في اإليالء على
أن الرجل إذا .قال :هذه زوجتي فسكتت ومات ورثته ،
وإ ن ماتت هي لم يرثها.
ومنها :إذا علم البائع أن المشتري يطأ الجارية مدة
الخيار وسكتـ فاألصح ال
_________
1سقط في "أ" والمثبت من "ب".
2مسلم 1037 /2في النكاح "."1421 /66
صفحة 399 | 168 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
يكون سكوته إجازة ،وكذا لو سكت على وطء أمته ال
يثبت المهر أو على إتالف ماله ال يسقط الضمان.
ومنها :لو حلق الحالل رأس المحرم وهو ساكت
فاألصح أنه كما لو حلق بأمره ،فلتلزمه الفدية.
ومنها :لو حمل أحد المتعاقدين من مجلس الخيار
وأخرج وهوساكت فاألصح ال يبطل خياره.
ومنها :لو طعن الصائم بغير أمره طعنة وصلت إلى
جوفه ولم يدفع عن نفسه فأقيس الوجهين عند النووي أنه
ال يفطر.
ومنها :إذا سمع رجل يقول عن مراهق أو بالغ :هذا
ابني جاز أن يشهد له بالنسب وإ ن لم يتكرر على
األصح.
ومنها :إذا التقط العبد وسكت عليه السيد فاألظهر أن
الضمان برقبته وسائر أموال سيده.
ومنها :لو حلف ال يدخل الدار فأدخل ساكتًا.
قال الرافعي :الظاهر ال يحنث ومنهم من جعل دخوله
بمثابة اإلذن في الدخول.
ومنها :إذا اشترطنا قبول الوكيل ففي نطقه خالف.
ومنها :السوم على السوم إذا حصل الرضا حرام وهل
السكوت من أدلة الرضا ؟ قال األكثرون :نعم ،وقيل :
على الخالف في الخطبة.
ومنها :ال يحرم البيع على البيع إذا أذن البائع أن يباع
على بيعه ولو استأذنه البائع الثاني فسكت ففيه نظر.
ومنها :قال أبو سعد الهروي :إذا نقض واحد الهدنة
فسكت الباقون انتقض أن عقد السيد الهدنة وسكت
الباقون انعقدت.
قال أبو سعد :وكل حق على الفور إذا سكت عنه مع
اإلمكان بطل كالشفعة ورد المعيب والقبول واالستثناء.
ومنها :رأيت فيما علقه شبيب الرحبي من مسائل
ومشكالت سئل عنها أبو نصر بن
صفحة 399 | 169 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
الصباغ رحمه اهلل أن أبا نصر سئل عن من رأى رجاًل
يكلم امرأة هل له أن ينكر عليه ؟ فقال بمجرد الكالم ليس
له اإلنكار إال أن تكون مكشوفة الوجه وهي ممن يخاف
بها االفتتان ورآه ينظر إليها.
قيل له :فإن أدعي أنها زوجته ؟ قال :إن صدقته فال
ينكر ،وإ ن سكتت فلم تصدفه ولم تكذبه -قال ينبغي أن
يسقط اإلنكار .انتهى.
والذي نقله الرافعي عن المارودي وسكت عليه فيمن
رأى رجاًل واقفًا مع امرأة في شارع مطروق أنه ال ينكر
عليه وإ ن كان في طريق خال ؛ فهو موضع ريبة فينكر
ويقول :هب أنها محرم لك فصنها عن مواقف الريب.
ومنها :حلف ال يدخل الدار فحمل بإذنه فدخل حنث وإ ن
قهرا فال.
حمل ساكتًا فوجهان أو ً
ظلما فسكت المقصود
ومنها :من قصد قطع يد الغير ً
حتى قطع فاألصح عند الرافعي في باب استيفاء القود أن
إهدارا والوجهان مأخوذان من تردد
سكوته ال يكون ً
األصحاب في أن الزانية ال تستحق المهر ؛ فقيل :ألن
الوطء غير محترم ،وقيل :ألن التمكين رضا في
العرف وعليه فالتمكين من القطع إباجة.
ومنها :السكوت في جواب الدعوى كاإلنكار.
بالغا وهو ساكت جاز اإلقدام على شرائه
ومنها :باع ً
ألنه لو كان حر التكلم فسكوته كالتصديق خالفًا للشيخ
أبي محمد فيما حكاه الرافعي عنه في أوائل باب
الدعوى.
ومنها :األمان يرتد برد الكافر ؛ فلو سكت ففي كونه
قبواًل تردد لإلمام.
قال :والظاهر أنه ال بد من القبول وهو المذكور في
الوجيز واكتفى في التهذيب بالسكوت.
قلت :وهو األرجح.
ومنها :المودع والمستعير إذا سكتا عن إتالفهما مع
ضمنا.
ً القدرة على الدفع
تنبيه :
إذا تأملت هذه الفروع عرفت أنا لم ننسب إلى ساكت
غرما أو علقنا به
قواًل في شيء منها وإ ن ألمزمناه ً
ضمانا أو نسبنا إليه رضنا أو نزلنا سكوته منزلة منكر
ً
فكل ذلك
صفحة 399 | 170 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
غير وارد على عبارة الصاحب المطلي رضي اهلل عنه
ورب سكوت يوقع في اإلثم كسكوت القادر على إنكار
المنكر ؛ حيث يجب الكالم ورب سكوت هو طاعة وهو
عما ال خير في النطق به ،وينقسم إلى واجب ومندوب.
مسألة :
إذا اختلفت األمة على قولين ثم ماتت إحدى الطائفتين ؛
إجماعا خالف جزم اإلمام
ً ففي صيرورة قول الباقين
فخر الدين بأنه يصير ،وعزا ابن الحاجب إلى األكثر أنه
ال يصير ،والمختار األول لكن هو دون االتفاق المجرد
على أحد قولي األولين.
إذا عرفت هذا فقد ذكر المتولي أن في المسألة قولين
وخرج عليهما ما إذا قال أحد االثنين الحائزين :هذا
أخونا وأنكر اآلخر فمات المنكر فهل يثبت نسه عند موته
؟
وهذه عبارته قال في "التتمة" في باب اإلقرار :الثامن لو
مات عن ابنين فأقر أحدهما بابن ألبيه وأنكر اآلخر ثم
مات المنكر وال وارث له غير األخ المقر فهل يحكم
بثبوت النسب ؟ فعلى وجهين.
أحدهما :يحكم ألن الحق صار له على الخصوص.
والثاني :ال يثبت ،ألن النسب ما كان ثابتًا في حياته ؛
سببا في ثبوت النسب.
فموته ال يجوز أن يكون ً
وعلى هذا لو مات االبن المنكر عن ابن ثم إن ابن المنكر
وافق عمه في اإلقرار بالنسب فهل يحكم بثبوته أن ال ؟
فعلى هذين الوجهين .وأصل هذه المسألة مسألة في
األصول وهي إذا وقع بين أهل العصر خلف في مسألة
وصاروا فرقتين ثم مات فريق منهم فهل تصير المسألة
مسألة إجماع ،والمسألة مشهورة بالقولين ،فإذا قلنا :
ينقطع خالفهم بموتهم فهاهنا يسقط حكم اإلنكار بالموت
إجماعا ويبقى حكم خالفهم
ً وإ ن قلنا :ال تصير المسألة
بعد موتهم فال يثبت النسب هاهنا العتبار إنكار الميت.
انتهى.
والذي صححه المشايخ الرافعي والنووي والوالد أنه
يثبت النسب.
مسألة :
كثر من الصحابة رضي اهلل عنهم نحو قوله :فعل
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كذا.
واضطرب أرباب األصول في أنه هل يعم الفعول إذا
نظرا إلى الصيغة أو ال تعم
كانت صيغته صيغة عموم ً
نظرا إلى أن صيغة فعل تقتضي تقدم معهود خاص
ً
مقدما على العموم ؟
فيكون ً
صفحة 399 | 171 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
وهذا الثاني هو المختار عندنا في األصول وعليه من
أئمتنا الشيخ أبو حامد وابن السمعاني والغزالي واإلمام
فخر الدين.
وقد وقعت هذه الصيغة التي نبحث عنها في أحاديث
كثيرة.
منها :نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن بيع
الغرر ؛ رواه مسلم.1
"ونهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن "ثمن الكلب
ومهر البغي وحلوان الكاهن" .رواه الشيخان.2
"نهى ر سول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وثمن الدم وكسب
األمة "...رواه البخاري 3نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم عن بيع الحصاة رواه مسلم.4
نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن شراء ما في
بطون األنعام وعما في ضروعها إال بكيل ،وعن شراء
العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شرءا
الصدقات حتى تقبض وعن ضربة [الغامض] 1رواه ابن
ماجة 5والدارقطني.
"نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن المحاقلة
والمزابنة والمعاومة والمخابرة وعن الثنيا رواه مسلم.6
أيضا " :نهى عن بيع الثمر بالتمر".7
وروى ً
"نهى عن بيع الصبرة من التمر ال يعرف مكيلها بالكيل
المسمى من التمر".8
"نهى عن بيع حبل الحبلة".9
_________
1153 /3 1في البيوع باب بطالن بيع الحصاة "/4
."1513
2البخاري في البيوع باب ثمن الكلب حديث "" "2237
"5761" "5346" "2282ومسلم 1198 /3في
المساقاة باب تحريم ثمن الكلب رقم .1567 /39
497 /4 3في البيوع باب ثمن الكلب "."2238
4تقرر ضمن حديث بيع الغرر.
5ابن ماجه "2196" 740 /2والدارقطني في السنن
.15 /3
1175 /3 6في البيوع "."1536 /85
7البخاري 387 /4في البيوع " "2191ومسلم /3
."1540 /67" 1170
8مسلم 1162 /3في البيوع حديث "."1530 /42
9البخاري 356 /4في البيوع " "2143ومسلم /3
1153كتاب البيوع حديث "."1514 /6 /1514 /5
صفحة 399 | 172 :
األشباه والنظائر
كتاب اإلجماع
"نهى عن بيعتين في بيعة".1
"نهى عن بيع ضراب "الجمل" وعن بيع الماء واألرض"
.2
وفي البخاري "نهى عن عسب الفحل".3
وفيهما "نهى عن المالمسة والمنابذة".4
ومن مشهور األحاديث " :نهى عن بيع العربان.5
"نهى عن بيع المضطر".6
"نهى عن بيع الثمرة قبل أن تدرك".7
"نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان -صاع
البائع وصاع المشتري".8
"نهى عن بيع الكالي بالكالي" 9أي الدين بالدين.
ثمنا.
"نهى عن بيع المجر" 10أي بيع الحمل أو جعله ً
"نهى عن بيع وشرط".11
"نهى عن بيع فضل الماء".12
_________
1الترمذي 533 /3في البيوع " "1231وقال حسن
صحيح والنسائي 295 /7في البيوع وعن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة الحاكم 17 /2
والبيهقي .343 /5
2مسلم 1197 /3في المساقاة "."1565 /35
3البخاري 461 /4حديث "."2284
4البخاري 278 /10في اللباس " "5820ومسلم /3
1152في البيوع "."1512 /3
5مالك في الموطأ "1" 609 /2وأبو داود /3في
البيوع حديث 3502وابن ماجه " "2192" 738 /2
."2193
6أبو داود /3في البيوع حديث " "3382وأحمد في
المسند .116 /1
7أخرجه أحمد في المسند المصدر السابق.
8الدارقطني في السنن ."24" 8 /3
9الدارقطني 72 -71 /3في البيوع حديث "-"269
"270والحاكم 57 /2وقال صحيح على شرط مسلم
والبيهقي .290 /5
10البيهقي عن ابن عمرو الفتح الكبير .276 /3
11أخرجه الطبراني في األوسط نصب الراية .17 /4
12مسلم 1197 /3في المساقاة حديث "."1565 /34
صفحة 399 | 173 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
كتاب القياس :
مسألة :
استعمل علماؤنا قياس العكس في مسائل شتى ولنفتتح بما
يحضرنا من منصوصاتها :
منها :قال الشيخ اإلمام "رحمه اهلل" في كتاب نور الربيع
من كتاب الربيع [وهذا] 1المصنف الذي وضعه على
كتاب األم قاس الشافعي رضي اهلل عنه المدبر في جواز
مديونا كان سيده أو ال على المكاتب والمستولدة في
ً بيعه
مديونا كان سيدها أواًل .
ً امتناع بيعها
ومنها :إذا كان في بلد الكفار أو قلعتهم مسلم ففي جواز
قصدها بالمنجنيق والنار مع إمكان أنه يصيب ذلك
المسلم .قوالن .أصحهما الجواز ؛ علله الشافعي رضي
اهلل عنه بأن الدار دار إباحة فال يحرم القتال بكون المسلم
فيها كما أ ،دارنا ال تحل بكون المشترك فيها.
مسألة :
في إثبات اللغة بالقياس خالف مشهور .والقول به هو ما
عليه كثير من الشافعية أو أكثرهم وكان أبو العباس بن
سريج يناظر عليه ويكثر استعماله ،وكان إذا سئل عن
حد اللوطي يقول :أنا أدل على أنه زان فإذا ثبت لي ذلك
ثبت أنه محدود بنص الكتاب .وإ ذا سئل عن مسألة النبيذ
قال :أنا أدل على أنه خمر وإ ذا ثبت فحذ الخمر
منصوص.
وكذلك يقال في النباش فإنه يقطع عندنا بسرقة الكفن من
قبر ليس في مفازة فيثبت أنه سارق ،ثم يقول :قطع
السارق منصوص .وقد كنت ال أرى استعمال هذه
_________
1وفي "ب" وهو.
صفحة 399 | 174 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
زمنا وقلت في شرح المختصر :لو كان قطع
الطريقة ً
النباش بالقياس اللغوي وهو تسميته نبا ًشا لقطع سارق ما
عدا الكفن من القبر واألصح خالفه .واآلن يرتجح عندي
استعمالها.
وأقول في جواب ما ذكرته في الشرح :أن سارق ما عدا
الكفن ال يسمى في العرف نبا ًشا وال في اللغة ؛ فإنهم لم
يضعوا اسم النباش إال لما يتبادر إلى الذهن مما يفعله
النباش وهو سرقة الكفن ألنه الغالب وسرقة ما عداه نادر
حرزا
لندرة وضع ما عدا الكفن في القبر ،وألنه ليس ً
حرزا لكفن في
بالنسبة إلى غير الكفن كما أنه ليس ً
المفازة ،فافهم هذا الجواب فهو حسن.
مسألة :
القياس يجري في الكفارات خالفًا ألبي حنيفة.
وعليه مسائل :
منها :إذا جامع في يومين من رمضان واحد يلزمه
كفارتان لتماثل السببين.
وقال أبو حنيفة :كفارة واحدة لتعذر اإللحاق عنده
هاهنا.
ومنها :تجب الكفارة على صائم أفسد صومه باللواط أو
إتيان البهيمة وإ ن كان النص إنا ورد في مجامع امرأته
كما يجب على الزاني ومن جامع امرأته إن لم يرد النص
فيهما ،وفي البهيمة واإلتيان في الدبر وجه.
ومنها :إذا تعمد الجماع حتى طلع الفجر ولم ينزع فعليه
قياسا لدفع االنعقاد على قطع المنعقد ،وهو في
الكفارة ً
الحقيقة قياس لدافع على دافع ،فهو قياس األدون ،وعند
أبي حنيفة ال يجب.
قياسا على الخطأ وهو
ومنها :قتل العمد يوجب الكفارة ً
قياس أولى ألنه إذا وجب في الخطأ فالعمد أولى.
وقال أبو حنيفة :ال يجب إذ ال قياس في الكفارات.
ومنها :اليمين الغموس كذلك.
ومنها :إذا قال المرأته :أنت علي حرام فأصح القولين
وجوب الكفارة إذا لم ينو شيًئا ،كما إذا قال ذلك ألمته ،
أيضا.
إذ فيه الكفارة على األصح ً
قال الشافعي رضي اهلل عنه :ألنه تحريم فرجين حلين
بما لم يحرمانه.
صفحة 399 | 175 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
مسألة :
جهد أصحاب الرأي من حيث ال يشعرون فعمموا القول
بأن صور األسباب الشرعية هي المعتبرة في األحكام
دون معانيها وإ ن وضحت وضوح الشمس.
وخصص اإلمام المطلبي رضي اهلل عنه ذلك بالصور
التي تضطرب معانيها أو تخفي أو تدق عن األفهام
رفعا للتشاجر كيال يتسع الخرق
وتوجب مزيد الخبط ً
بزوال الضبط ،وحماًل للحنفية السمحة فيما هذا شأنه
ظهارا للحكم فيما يلوح وجهه.
واسنحابا على المعاني وإ ً
ً
وجودا
ً ومن ثم تقول :ترخص المسافر دائر مع السفر
وعدما ال مع المشقة لعدم انضباطها وهذا فيما ال ينضبط
ً
أو يتعسر االطالع على مضمونه.
وأما المنضبط الذي يمكن ظهور معناه ؛ فال سبيل إلى
طرحه بالوراء وربما يعبر عن هذا بأنه يجوز التعليل
بالحكمة إذا انضبطت كما يجوز بالمظنة.
وعلى األصل مسائل :
منها :أن المشرقي إذا تزوج بمغربية ثم أتت بولد لمدة
فصاعدا قال الشافعي "رضي اهلل
ً ممكنة وهي ستة أشهر
عنه" 1ال يلحق به الطالعنا على مضمون السبب ،إذا
من بالمشرق ال يحبل من بالمغرب ،فلتلغ صورة السبب
ويتعلق بمضمونه.
وهذا بخالف من يراه يدخل على زوجته ويخرج فإنا
نلحق به ولدها حيث يمكن كونه منه وإ ن لم نعلم أنه
وطئها إحالة على صورة الفراش لتعذر االطالع على
المضمون.
أما المشرقي مع المغربية فقد أمكننا الوقوف على
قطعا أن الولد ليس منه ؛ فلم
مضمون السبب وعلمنا ً
تعتبر صورة للسبب.
وقال أبو حنيفة "رحمه اهلل" :يلحق لوجود صورة السبب
شرعيا غير منظور فيه
ً أمرا
وهو الفراش وجعل اإللحاق ً
إلى اإلمكان العقلي.
وقال بعض المتأخرين :إن مأخذه احتمال قرب المسافة
بينهما على وجه الكرامة ؛ فإنه ال يمتنع في مقدور اهلل
أن يطوي األرض لولي من أوليائه فيخطو خطوة تعم ما
بين المشرقين.
وهذا زلل وحيد عن صورة المسألة فلسنا نعني بصورة
المشرقي مع المغربية إال
صفحة 399 | 176 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
صورة نعلم فيها انتفاء الوطء ،فلو قدر وجوده "استحالت
صورة المسألة".
ونظير المسألة أن يتزوج امرأة حاضرة ثم يطلقها من
ساعته في مجلس العقد وقد شاهده الحاضرون غير
مختل بها ثم تجيء بولد فإنه ال يثبت نسبه منه خالفًا لهم.
محرما من محارمه أو
ً ومنها :لو نكح أمه أو أخته أو
المطلقة ثالثة أو المعتدة أو المجوسية ثم وطأها بمقتضى
هذا العقد ؛ فإنه يحد وال مباالة بصورة العقد الخالية عن
مضمونه ،وال يصلح شبهة دارئة للحد.
خالفًا ألبي حنيفة حيث اعتقد أن صورة العقد هي السبب
المبيح في موضع الوفاق ثم تطرق بذلك إلى جعله شبهة
هنا في ردء الحد وإ ن لم يبح.
ومنها :إذا استأجر امرأة للزنا فزنا بها حد خالفًا لهم
أيضا والمأخذ ما ذكرناه.
ً
مسألة :
قال علماؤنا :حكم األصل مضاف إلى العلة وعليه
المالكية ،وقالت الحنفية :مضاف إلى النص ،واتفق
الكل على أن حكم الفرع مضاف إلى العلة.
ومن ثم مسائل :
منها :التعليل بالقاصرة جائز عندنا لكونها تعرف الحكم
المنصوص ،ولغير ذلك.
وقالوا :ال يجوز ،ألن المنصوص معروف بالنص ،
وال فرع فال فائدة.
متأخرا عن
ً ومنها :من شرط العلة أن ال يكون ثبوتها
ثبوت حكم األصل ؛ فإنه لو تأخر كان الحكم في األصل
تعبدا ثم
ثابتًا بال مثبت ألن مثبته العلة أو يلزم أن يكون ً
انقلب معقول المعنى ،وذلك ال يضر كما قررت في
شرح المختصر.
والخصوم ال يشترطون ذلك ؛ إلضافتهم الحكم إلى
النص وهو موجود وإ ن لم توجد العلة ،ومن ثم يلزمهم
إيجاب النية في الوضوء بالقياس على التيمم وإ ن كان
بعد الوضوء.
ومنها :يحرم قليل النبيذ وكثيره كالخمر.
وقالوا :ال يحرم بخالف الخمر فإن حرمة الخمر ثابتة
بالنص وهو نص عام فشمل قليله وكثيرة بعلة اإلسكار
وحرمة النبيذ وهو الفرع ثابتة بعلة األصل وهو اإلسكار
صفحة 399 | 177 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
فال بد من وجودها فال يحرم مه قدر ال يسكر.
وقد ذكر ابن االنباري في أول كتاب القياس من شرح
البرهان هذه الفائدة لهذا الخالف مع أن تلميذه ابن
الحاجب ذكر في المختصر أن الخالف لفظي وتعقبناه
في شرح المختصر.
مسألة :
العلة القاصرة صحيحة عند الشافعي ومالك وأحمد باطلة
عند أبي حنيفة "رحمه اهلل".
وقد ذكرنا أنها من فروع أن الحكم في األصل يضاف
إلى العلة أو إلى النص ؟ ومن فروعها مسائل :
منها :تعليل الربا في النقدين بجوهريتهما أو بتثمينهما.
ومنها :تعيين الماء لرفع الحدث وإ زالة الخبث
الختصاصه بنوع ال يشاكره سائر المائعات.
ومنها :أن الخارج من غير السبيلين ال نيقض الوضوء
؛ ألن العلة قاصرة على محل النص وهو الخروج من
المسلك المعتاد.
واعتقد أبو حنيفة أن العلة في األصل خروج النجاسة من
بدن اآلدمي فقال :ينقض بالقصد والحجامة ونحوهما.
ومنها :ال يوجب فطر في نهار رمضان كفارة إال الفطر
بالجماع الوارد في الحديث والعلة مقصورة على الوقاع.
وأعتقد أبو حنيفة عموم اإلفساد فعدى الحكم إلى اإلفطار
باألكل والشرب.
ومنها :علة وجوب نفقة األقارب البعضية.
وقال أبو حنيفة :عموم الرحم.
واحدا من فروعه أو أصوله عتق عليه
ً ومنها :من ملك
،وقال مالك :يعتق الوالدان والمولودون واإلخوة
واألخوات ،وقال أبو حنيفة وأحمد :يعتق كل ذي رحم
محرم.
فالعلة عندنا البعضية كما في النفقات ،والخصوم
يحتجون بحديث :من ملك
صفحة 399 | 178 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
ذا رحم فهو عتيق وفي لفظ :من ملك ذا رحم فهو حر1
ولوصح الحديث لما كان عنه مخلص ،ولوجب الرجوع
إليه ولكنه وإ ن رواه أصحاب السنن األربعة متكلم في
إسناده من قبل أن راويه حماد بن سلمة عن قتادة عن
الحسن عن سمرة بن جندب والكالم في سماع الحسن
عن سمرة شهير ومن قبل أن حماد انفرد به وشك فيه
عن الحسن عن سمرة فيما يحسب حماد ثم إن غير حماد
خالفه فيه وروي موقوفًا بإسناد آخر ،وقال البيهقي :
الحديث إذا انفرد به حماد ثم شك فيه ثم خالفه من هو
أحفظ منه وجب التوقف فيه.
مسألة :
التماثل في العلة قد يمنع تأثيرها في عليتها .وهذا أصل
كالما ولكن تلقفته من كالم
لم أجد لألصوليين فيه ً
الفقهاء.
ويتضح بأمثلة :
لحنا يغير
منها :يجوز اقتداء األمي بمثله والالحن ً
المعنى بمثله.
ومنها :لو جلل الكلب والخنزير بجلد كلب أو خنزير
جاز في األصح الستوائهما في غلظة النجاسة.
ومنها :في العيوب المثبتة للخيار إذا كان بكل واحد من
الزوجين مثل ما بصاحبه ثبت لكل منهما الخيار على
األصح.
ومنها :لو تحاكم إليه أبوه وابنه فاألصح ال يحكم بينهما.
ترابا بمثله
ومنها :ال يجوز اقتداء من لم يجد ماء وال ً
على األصح.
مسألة :
في القياس على الخارج من القياس لمعنى خالف ذكرته
في شرح المختصر.
والذي أراه اآلن جزم القول بالقياس عليه بشرط أن يكون
عليه أشبه به من غيره ؛ فإنه في الحقيقة فرع اجتذبه
أصالن فيلحق بأشبههما .ورأى إمام الحرمين عدم
القياس عليه وصمم على ذلك في كتبه الفقهية
واألصولية.
مضطجعا مع
ً ثم قال :وقد حكى الوجهين فيمن تنفئل
العجز عن القعود ومن يجوز
_________
1أخرجه أحمد في المسند 20 /5وأبو داود 26 /4في
العتق " "3949والترمذي 646 /3في األحكام ""1365
وابن ماجة 843 /2في العتق " "2524والحاكم /2
214وصححه وأقره الذهبي.
صفحة 399 | 179 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
االضطجاع يجوز االقتصار في األركان الذكرية
كالتشهد والتحكبير وغيرهما على ذكر القلب.
قال اإلمام :وهذا يضعف الوجه الثاني من أصله وإ ن
طاردا للقياس ؛ لكنه يكون
ً ارتكبه من صار إليه كان
مقتحما.
ً خارجا عن الضبط
ً
قلت :ووجه خروجه واقتحامه قياسه على صورة
خارجة عن القواعد وهي تجويز صالة القادر على
مضطجعا لكن ذلك هو الصحيح لقوله صلى اهلل
ً القعود
نائما فله نصف أجر القاعد".1
عليه وسلم " :ومن صل ً
فإن قلت :فيلزمك ما التزم به اإلمام من تجويز ذكر
القلب.
قلت :ال يلزمني ذلك ال على رأي وال على رأيه أما
على رأيه فألنه قياس على صورة مستثناة ،وأما على
رأيي فلما قاله الرافعي من أنه ال يلزم من جواز
االقتصار على اإليماء في األفعال جواز االقتصار على
ذكر القلب فإن األفعال أشق من األذكار فهي بالمسامحة
أولى.
فإن قلت :اإلمام قد بين أن العكس أولى فإن ذكر القلب
إلى قراءة اللسان أقرب من إجراء إرسال األفعال في
ذكر مجرى صورتها فعاًل ألن من الناس من يقول إن
حقيقة الكالم الفكر القائم في النفس.
قلت :كذا اعترض به ابن الرفعة على الرافعي ،ولكن
عندي [فيه] 2نظر فإن ذكر اللسان مطلوب في الصالة
كاألفعال ،ومن لم يذكر لسانه لم يأت بذلك المطلوب
كمن لم يفعل بجوارحه ففواتهما واحد وذكر اللسان
أخص فكان الفعل بالتسامح أولى ،وإ ن كان ذكر القلب
أقرب إليه.
كثيرا من الحنفية على هذا الرأي
إذا عرفت هذا فاعلم أن ً
وهو عدم القياس على معقول المعنى الخارج عن
القياس.
ومنشأ [الخالف] 3بيننا وبينهم من أجل ذلك في مسائل :
_________
1البخاري 586 /2في تقصير الصالة حديث "
."1116
2سقط في "ب".
3في "ب" النزاع.
صفحة 399 | 180 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
قياسا
منها :تخالف المتبايعين والسعلة هالكة فجوزناه ً
على القائمة مع أن فيه حديثًا.
ومنعوه زاعمين أن الحديث إنما ورد في القائمة وأن
التخالف من أصله على خالف القياس ،فيقتصر على
مورد النص.
ومنها :تتحمل العاقلة ما دون أرش الموضحة ؛ ألن
المقادير متساوية بالنسبة إلى الجناية والنسبة إلى العاقلة
بالتحكم بالتخصيص محال.
وعندهم ال يضرب على العاقلة ألن الضرب على العاقلة
خارج عن القياس فال يقاس عليه.
وقد ذكرنا في شرح المختصر مسألة العرايا فال نعيدها.
ومن المسائل المختلف فيها بين أصحابنا المبنية على هذا
األصل أن من أفطر إلنقاذ مشرف على الهالك بالغرق
ونحوه ولم يمكنه تخليصه إال بالفطر فاألصح أنه يلحق
بالمرضع ؛ ألنه قطر ارتفق به اثنان فكان كالحامل
والمرضع.
والثاني :ال ،ألن الفدية مع القضاء خالف القياس
فيقتصر على ما ورد.
ومنها :للمالك في الجيران في الزكاة صعود درجتين
وأخذ جبرانين ونزول درجتين ودفع جبرانين بشرط
تعذر درجة.
وقال ابن المنذر :ال تجوز الزيادة على جبران واحد كما
ثبت في الحديث ؛ فال يتعداه فإنه خارج عن القياس.
ورد عليه األصحاب بأن هذا في معنى الخارج مع
اتفاقهم على أنه ال مدخل للجبران في البقر والغنم ؛ ألنه
إنما ورد في اإلبل [وهو] 1على خالف القياس.
قالوا :فيقتصر فيه على مورد النص.
ومنها :قطع نبات الحرم إال األذخر ال يجوز والعلة في
تجويز األذخر حاجتهم لتسقيف بيوتهم وقبورهم ؛ فلو
احتيج إلى قطع غير األذخر للدواء قال الرافعي :
فوجهان ورجح الجواز.
_________
1سقط في "أ" والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 181 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
واعلم أن الرافعي جعل محل الوجهين في جواز القطع
وحكاهما عن الشيخ أبي علي في شرح التلخيص.
وقد أتبع في ذلك اإلمام الغزالي والذي في شرح
التلخيص للشيخ أبي علي الجزم بجواز القطع ؛ وإ نما
حكى الوجهين في وجوب الجزاء.
مسألة :اعتبر الشافعي رضي اهلل عنه قياس علية
األشباه وهو أن يجتذب الفرع أصالن ويتنازعه مأخذان
فينظر إلى أوالهما به وأكثرهما شبهًا فيلحق به وعليه
نص في األم ،وقد حكيت نصه في شرح المنهاج وعليه
فروع.
منها :لفظ الظهار دار بين أصلين القذف والطالق فلو
قال :عينك طالق طلقت كيدك وجسمك ،فلو قال :زنت
عينك فالمذهب أنه كناية وقيل صريح.
ولو قال :أنت على كعين أمي ولم يرد الكرامة وال
تغليبا.
الظهار بل أطلق فاألصح يحمل على اإلكرام ً
ومنها :الخلع من جانب الزوج معاوضة فيه شوب
التعليق وقد يغلب التعليق .قال القاضي الحسين :وذلك
في ثالث مسائل ومن جانب الزوجة معاوضة فيها شوب
الجمعالة.
ومنها :زكاة الفطر تتردد بين المؤنة والقرابة والكفارة
تتردد بين العبادة والعقوبة والحوالة بين االستيفاء
واالعتياض ،واللعان بين اليمين والشهادة والجنين بين
أعضاء األم وإ نسان منفرد ،وقطع الطريق بين حق اهلل
تعالى وحق اآلدمي والمسابقة بين اإلجارة والجعالة ،
واإلقالة بين الفسخ والبيع و [الرجعية] 1بين الزوجة
والبائن وغير ذلك.
وعليه ينبني مسائل خالفية ومذهبية.
ومن المذهبية غير ما ذكرناه عنفقة الرجل الكثيفة تتردد
بين نادر الكثافة كالشارب وغالبه كلحية الرجل ،
واألصح إلحاقها بالنادر.
ومها :قيام الصابون واألشنان في الغسل من الولوغ
مقام التراب متردد بين
_________
1في "أ" الرجعة والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 182 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
إلحاقه بالتيمم فاليقوم وهو األظهر أو بالدباغ واالستنجاء
فيقوم.
ومنها :الخالف في استيعاب الجبيرة بالماء ووجوب
التيمم وتأقيت مسحها فإن منشأه أن المسح أخذ شبهًا من
أصلين.
أحدهما :المسح على الخفين ؛ ألن ما تحت الجبيرة
صحيح يمكن غسله.
والثاني :الجرح إذا خاف من غسله التلف لوجود
الخوف عند نزع الجبيرة فمنهم من غلب شبه المسح
على الخفين ومنهم من غلب شبه الجرح.
ومنها :المكاتب من حيث استحقاقه للعتاقة أشبه
المستولدة فيمتنع بيعه وهو الجديد ومن حيث توقف عتقه
على صفة أقامها السيد المعلق عتقه فيجوز بيعه وهو
القديم.
ومنها :لحوم الحيوانات من حيث االشتراك في االسم
جنس واالختالف يشبه اختالف أنواع الرطب والعنب.
ومن جهة أنها فروع أصول مختلفة أجناس كما في
األدقة وهو األظهر والفروع في هذا الباب كثيرة ،ولو
مبعدا.
قال :إن غالب المسائل المقيسة منه لما كان ً
تنبيه :
هذا الذي ذكرناه في فرع تنازعه أصالن هو بأحدهما
أشبه فإن لم يترجح أحدهما على اآلخر فال طريق إال
التخيير إذ ال يمكن الجمع بينهما ،وليس أحدهما بأولى
من صاحبه.
وهذا مثل نذر اللجاج والغصب فإنه أخذ شبهًا من أصلين
منعا
من نذر المجازاة ألنه التزم طاعة ومن اليمن لكونه ً
للنفس من فعل أو ترك -فخير بين موجبهما وهو الوفاء
بما نذر أو كفارة يمين وهذا هو األصح.
تنبيه آخر :
هذا الذي ذكرناه في فرع يتجاذبه أصالن يتنازعانه
ورب فرع سالب يصنعه أصالن يتعاضدانه ،وهذا هو
القياس المركب وهو أن تجتمع العلتان المتنازع فيهما في
األصل على فرع فيتفق الخصمان على القول به هذا لعلة
وهذا لعلة.
كما يتفق [اإلمامان] 1على أن البكر الصغيرة ال تجبر
لكن الشافعي "رضي اهلل
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 183 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
بكرا وأبو حنيفة يقول :
عنه" 2يقول :ال تجبر لكونها ً
لكونها صغيرة "وهو من أعقد أبواب القياس وأحسن
أقسام الجدل".
تنبيه ثالث :
قدمنا الخلع وهو من جانب الزوجة معاوضة فيها شوب
الجعالة بأي صيغة أوردته.
فسخا فمعاوضة محضة
وأما من جانب الزوج إن جعل ً
وإ ن جعل طالقًا فقال :خالعتك بألف أو كانت الصيغة
"طلقتك بألف" فمعاوضة فيها شائبة التعليق ؛ فله الرجوع
قبل قبولها ،خالفًا ألبي عاصم العبادي ،وتقبل باللفظ
على الفور بكل العوض.
فهذه أربع مسائل غلب فيها جانب المعاوضة.
قال القاضي الحسين :ولم يغلب جانب المعاوضة إال
فيها.
فلو قبلت به بعض العوض كواحدة من ثالث فيقع كله به
على األصح ،وقيل :ال يقع شيء ،وقيل :يقع المقبول
بمهر المثل.
وإ ن كانت متى أو أي وقت أعطيتني ألفًا فأنت طالق ،
فتعليق فيه شوب العوض فال رجوع وال قبول وال فور.
وهذه هي الثالث مسائل التي غلب فيها جانب التعليق
وإ ن زاد مثل متى وأي.
غير أن صاحب التتمة قال :تعجل الحرة العوض وكذا
األمة إذا كان التعليق في التعجيل بنحو زق خمر ،وأما
إذا كان بنحو ألف فاألمة ال تملك فال تعجيل.
وحكاه الرافعي ساكتًا عليه ونازع فيه ابن الرفعة
وصوب الشيخ اإلمام كالم صاحب التتمة.
إذا علمت هذا فقد ظهر لك أن للزوج الرجوع ؛ حيث
كان معاوضة ال حيث يكون تعليقًا وهو واضح.
وقضيته أن للزوجة الرجوع قبل قبول الزوج بكل صيغة
يأتي بها ألنه من جهتها معاوضة بكل حال ،وبذلك
تبعا للغزالي.
صرح الرافعي ً
قال ابن الرفعة :وقد رأيت في األم ما ينازع في جواز
الرجوع إذ قال الشافعي رضي اهلل عنه :وإ ذا كانت
لرجل فقالتا له :طلقنا بألف لك علينا فطلقهما في
صفحة 399 | 184 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
ذلك المجلس لزمهما الطالق وهو بائن وساق الكالم إلى
أن قال :وإ ن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت
الخيار لم يكن لهما.
وكذلك لو قال لهما :إن أعطيتماني ألفًا فأنتما طالقتان ثم
أراد أن يجرع لم يكن له ذلك في وقت الخيار.
قال الشيخ اإلمام :وقد رأيت ذلك في األم والرافعي
جزما بالرجوع ،فلينظر ما يقتضيه كالم بقية
والغزالي ً
األصحاب ،وال أجسر أقول :الفقه ما قااله ..لعظمة
كالم الشافعي رضي اهلل عنه.
قلت لم يستوف الشيخ اإلمام رحمه اهلل النظر في هذا
النص ؛ ألنا كنا نستحثه في آخر الوقت على تكملة شرح
المنهاج خشية اخترام المنية ،وكان يقتصر على ما يراد
منه مما ال يوجد إال عنده من المباحث التي تثيرها فكرته
الظاهرة.
وأقول :هذا مكان مبهم ونص مشكل ،والذي ذكره
الغزالي والرافعي هو الذي ذكره الروياني في البحر
والمتولي في التتمة وغيرهما وصرح به الشيخ عز الدين
بن عبد السالم في مختصر النهاية وقال :هذا أسوأ.
غدا فلك ألف ،ولعله
غدا بألف ،أو إن طلقتني ً
طلقني ً
أوضح من أن ينبه عليه.
وهذا النص وإ ن كان كما نقله ابن الرفعة والوالد فيجب
تأويله غير أني لست على ثقة منه ؛ فإني وقفت عليه في
كتاب المبسوط للبيهقي رحمه اهلل فوجدته قد حكاه فقال :
مسألة في خلع امرأتين :قال الشافعي في كتاب الخلع
والنشوز :وإ ذا كانت لرجل امرأتان إلى أن قال بعد أن
ذكر أن له أن يطلق الواحدة في وقت الخيار دون
األخرى ،قال :وله أن ال يطلقها في وقت الخيار وال
بعد إن أراد الرجوع فيما جعلنا له وقت الخاير ولم يكن
لهما قال البيهقي وفي نسخة أخرى ولم يجعل لهما
انتهى.
قلت فاختالف النسخ مع عدم انتظام الكالم مما يوجب
الحيد عن هذا النص ولم أره في عيون المسائل ألبي بكر
قصدا لالضطراب فيه وإ ال فهو
الفارسي ؛ فلعله تركه ً
يستوعب روايات الربيع ،وهذا منها ألنه من األم ،
وهي رواية الربيع.
ومن العجب أني رأيت المرعشي فيترتيب األقسام قد أتى
بكالم يشابه هذا النص ظاهره أنه ليس لها الرجوع ما
هو ظاهر النص.
صفحة 399 | 185 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
فصل :
آدميا
مما دار بين أصلين الحمل أشبه بعض األم وأشبه ً
مستقاًل ".
ولك أن تقول :أشبه المعدوم وأشبه الموجود ومن ثم
اختلف في أنه هل يعلم أواًل ؟ ومما قيل :هل له حكم أم
ال ؟
إجماعا فكيف
ً تحريرا ؛ فإنه يرث
ً والعبارة األولى أكثر
ال يكون له حكم!
ومن ثم قال أبو علي فيما نقل صاحب العدة فيما إذا
أوصى للحمل بشيء هل يقبله األب "جرت هذه المسألة
بيني وبين القفال :فقال :ال يصح ويجب قبوله بعد
خروجه من البطن ألنه ال حكم له ما لم يخرج فقبوله في
وقت ال ندري أله حكم ال يقع كما لو أوصى لرجل بشيء
والموصي له غائب فقبل الوصية ولم يعلم هل مات
الموصي لم يصح ،وإ ن كان مات فقبلت فيها قوالن ،
كما لو باع مال أبيه ولم يعلم أنه ميت فكان ميتًا ولو
جعلت المسألة على وجهين بناء على أن الحمل هل
يعرف [أم ال] 1لم يبعد.
حيا صح
ولو ثبتت الشفعة في شيء فأخذه األب ثم خرج ً
األخذ على أحد الوجهين ؛ فإن صحت الشفعة فالوصية
أولى.
وحكي عن ابن سريج أنه ال يجوز أخذ الشفعة للحمل
حتى يولد.
قلت :إن تم ما قاله أبو علي وكان طريقه قاطعة بأن
قبول األب ال يصح وال يخرج على العلم لزم أن يقال :
قد يعلم ولحكن ال حكم له ؛ فتكون مسألة هل له حكم غير
أيضا أنه هل
مسألة هل يعلم .ومن المباحث في الحمل ً
يقابله قسط من الثمن إذا باع حاماًل مثاًل .
وفيها خالف معروف ذكره الرافعي في مسائل بيع
وشرط فيما إذا شرط أن تكون حاماًل وخرج على أنه هل
يعلم وهل هو عيب ونقص.
وقد قالوا في الزكاة ليس بعييب ،وفي األضحية عيب ؛
ألنه يهزل اللحم وقال الرافعي في البيع :إنه عيب يرد
به المبيع .وفي هذه المواضع إشكاالت في المنقول لسنا
لها اآلن وهل يتبع أمه فيما يتجدد لها من األحكام فيتبع
قطعا في البيع والعتق ،ثم هو في العتق تابع وال يعتق
ً
بالسراية.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 186 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
قال الرافعي :ألن السراية في األشقاص ال في
قطعا فيما إذا كان الحمل لواحد واألم
األشخاص وال يتبع ً
آلخر.
ومن ثم مسائل اختلف فيها هل يتبع ؟
منها [ :لو اشترى] 1المعيبة ثم اطلع المشتري على
عيبها ولم ينقص بالحمل أو كان الحمل في يد البائع
طا
فردها المشتري ؛ فإن قلنا :الحمل يعرف ويأخذ قس ً
بقي للمشتري فيأخذه إذا انفصل وإ ال فهو للبائع ويكون
تبعا لألم عند الفسخ كما يكون عند الرد.
ً
ومنها :لو وقف للحامل مملوك .قال ابن الصباغ إن قلنا
:للحمل حكم كان الولد وقفًا ؛ وإ ال فوجهان.
ومسائل كثيرة :هل النفقة للحمل أو للحامل ؟ فيه قوالن.
وهل يتصور للجنين ملك ؟ الظاهر ذلك ،ويدل عليه
قولهم في باب الغرة أنها لورثة الجنين.
وهل يتصرف الحاكم في مال األجنة ؟ نقل الغزالي عن
القفال أنه ليس له ذلك ،قال :والصحيح أن له ذلك ذكره
في ميراث الحمل.
وجزم ابن الرفعة في كتاب الزكاة بأن القضاة ال
ينصبون القوام للتصرف في أموال األجنة بل هو
موقوف ،وال مخالقة بين الكالمين.
وهل على الجنين نفقة أمه ؟ قال الرافعي في النفقات في
الفروع المبنية على أن النفقة للحمل أو للحامل :قال ابن
موسرا وقلنا :النفقة له فيؤخر إلى
ً كج :إذا كان الحمل
أن تضع ،فإذا وضعت سلمت من ماله إلى األم كما ينفق
عليه .قال :ويحتمل عندي أنها على األب ،وإ ن قلنا :
يجب التعجيل فال يؤخذ من مال الحمل المسألة فلينظر.
وكل هذه األصول راجعة إلى أن الحمل هل يعلم ويعطي
حكما ؟
ً
فصل :
في مسائل من الشبه الصوري والحكمي ؛ منها في جزاء
العبيد ،ومنها في األطعمة إذا لم يعلم من العرب
استطابة شيء وال استخباثه اعتبر بأقرب األشياء شبهًا
به قال األصحاب والشبه تارة في الصورة وأخرى في
طبع الحيوان وأخرى في طعم اللحم
_________
1في "ب" إذا حملت.
صفحة 399 | 187 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
قلت :واعتبار طعم اللحم موقوف على ذوقه الموقوف
على حله إال أن يراد ذوقه وإ ن عرف ال بطريق حالل
ومنها :وجوب رد المثل الصوري في الفرض على
ووزنا
ً وجه صححه ومنها :في باب الربا المماثلة كياًل
موزونا يعتبر فيه عادة الحجاز ؛
ً فما لم تكن مكياًل وال
فإن لم يكن فيه عادة ففي وجه يعتبر أشبه األشياء به في
الحجاز ومنها :اعتبار دواب البحر بالبر ففي وجه ما
حراما ومنها أعطاء العصير أو الخل
ً أشبه حرام البركان
عن الخمر في الصداق والخلع ونكاح المشركات ومها
على وجه فيمن قتل بخمر أو لواط أنه يسقي ماء ويخسر
خشبة رعاية المماثلة ومنها إلحاق الحر بالعبد في
الحكومات ،ومنها أبعاض العبد التي ال تتقدر أرشها من
الحر بما نقص من قيمته كنحول الجسد وكذا في الغصب
إن أتلفت فكذا في القديم إلحاقًا له بالبهيمة ؛ ألنه يضمن
باليد وال يحمله العاقلة وعلى الجديد يتقدر من الرقيق
والقيمة فيه كالدية في الحر من حيث أنه يضمن
بالقصاص وتجب فيه الكفارة ويحلف وتقام عليه الحدود
وإ ذا دار فرع بين أصلين أجرى عليه حكم أكثرهما شبهًا
به وهو الحر فيما نحن فيه فلم نقدم هنا الشبه الصوري
لمجرده بل العتضاده بأكثر األحكام.
قال الشافعي رضي اهلل عنه :يقول سعيد بن المسيب :
جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من دينه.
مسألة :
طا لحكمة وقيل :
الصحيح أنه يشترط كون العلة ضاب ً
يجوز كونها نفس الحكمة ،وقيل إن انضبطت كانت هي
العلة أو علة العلة ؛ فهذا القول خارج عن محل النزاع ،
إذا عرفت هذا فمن محاسن الشرع ضبط األحكام
وجودا
ً باألسباب الظاهرة وإ قامتها علاًل يدور الحكم معها
وعدما ،والعدول عن األسباب الخفية وإ ن كانت هي
ً
الحكم ولها مناط الحكم باألصالة لعسر انضباطها وما
تؤدي إليه محاولته إليه من المنازعة.
وقد تكلم الرافعي على هذه القاعدة في أول باب العدد ؛
فقال :قال األئمة لما كانت عدة الطالق لطلب البراءة لم
يجب بالفراق عن مطلق النكاح ؛ بل اعتبر جريان سبب
شغل الرحم ليحتاج إلى معرفة براءته ،ثم ال يعتبر تحقق
الشغل وال توهمه ؛ فإن اإلنزال خفي يختلف في حق
األشخاص ،وفي الشخص الواحد باعتبار ما يعرف له
من األحوال فيعسر تتبعه ويقبح ،فأعرض الشرع عنه
واكتفى بسبب الشغل وهو الوطء ومن الوطء بتغيب قدر
الحشفة وهذا صيغة في تعليق األسباب بالمعاني الخفية
أال ترى أن
صفحة 399 | 188 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
االعتقاد الصحيح الذي هو مطلوب وبه تحصل النجاة لما
خفيا لكونه في الضمير علقت األحكام بالكلمة
أمرا ً
كان ً
الظاهرة حتى لو توفرت القرائن الدالة على أن الباطن
مخالف للظاهر كما إذا أكره على اإلسالم بالسيف ال ينال
بها وندير الحكم على الكلمة وإ ن مناط التكليف وهو
خفيا يحصل على التدريج
العقل والتمييز لما كان ً
ويختلف باختالف األشخاص واألحوال أعرضنا عن
تتبعه وعلقنا البلوغ بالسن واالحتالم .انتهى.
ومراده بالذي يصح إسالمه وإ ن أكره بالسيف الحربي
مكرها.
ً أما الذمي فالصحيح عنده أنه ال يصح إسالمه
وإ ذا ظهر لك أن التعليق بالظاهر المنضبط دأب الشرع
دون الخفي المضطرب.
ولك أن تقول :التعليق بالظاهر النضباطه أولى من
الخفي الضطرابه.
ثم يختلف الظهور والخفاء ؛ فقد يطلب من الظهور في
حق شخصين ما ال يطلب في حق شخص واحد لكونه
أخبر بنفسه ،وفي حق أشخاص ما ال يطلب في حق
شخصين.
أال ترى إلى منع انعقاد النكاح بالكنايات لجريانه بين
موجب وقابل وشاهدين ،وثبوت الطالق والعتاق
واإلبراء بالكناية الستقاالل المرء بها والتردد في البيع
على وجهين الحتياجه إلى شخصين موجب وقابل.
ومن ثم ظهر لك أن األب إذا اشترى مال ابنه من نفسه
أو بالعكس انعقد بالكناية وال يطرقه الخالف فيما يظهر ،
وألجله قيل :تكفي فيه النية وال يحتاج إلى لفظ مطلقًا
وهو وجه حكاه الماوردي.
ومن األمور المتعلقة بالظواهر المنضبطة كلمة اإلسالم
والبلوغ ومطلق تغيب الحشفة حيث يطلب الوطء كما
ذكر الرافعي فكل حكم تعلق بالوطء كفى فيه تغييب
الحشفة من الغسل والزنا والتحليل والعنة واستقرار
المهر ؛ وهكذا إلى نحو من مائة حكم ومنها :البيع
باطنا ال يطلع عليه نيط
أمرا ً
مناطه الرضا ،ولما كان ً
باإليجاب والقبول.
ومن ثم تبين لك ضعف القول بانعقاد البيع بالمعاطاة على
أنه بيع ،والقائل به يعتذر بتوفر القرائن فيه ؛ وإ نما بيع ،
ألني أميل إلى أنه مسامحة.
صفحة 399 | 189 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
ومنها :رخص السفر حكمتها المشقة وهي مضطربة
تختلف باختالف األشخاص واألحوال فنيطت بالسفر
وضبطت به إما بطويلة وقصيرة على الخالف فيه ،
وأمثلته تكثر.
وإ ذا تقرر هذا األصل ظهرت قوة الوجه الذي حكاه
صاحب التتمة في أن استدخال المرأة ماء من تظنه
إعراضا عن النظر في العدة1
ً زوجها ال يوجب العدة
إلى شغل الرحم وإ دارة الحكم على اإليالج ،غير أنا
نجيب عنه بأن استدخال الماء ظاهر في شغل الرحم
فيحتاط فيه لإلبضاع.
فإن قلت :فيلزمكم إقامة الخلوة مقام الدخول في تقرير
الصداق كما هو القديم.
قلت :أين الخلوة من استدخال الماء!
فائدة :
ما ذكرناه من التعليق بالمنضبط هو فيما إذا أمكن ؛ فإن
المصالح والمفاسد التي هي حكم األحكام -ضربان :
محدد منضبط كالقتل والقطع وغير منضبط وفي هذا
القسم ال يمكن أن يتعلق بمنضبط.
وذلك كالتعزيرات ،والمشاق المبيحة للتيمم واالنتقال من
قيام الصالة إلى قعودها إلى االضطجاع إلى اإليماء
واألعذار المبيحة لمحظورات اإلحرام.
وقدر الغضب المانع من اإلقدام على األحكام ،والمرض
المبيح لإلفطار في الصيام.
فهذه ومثلها أمور يشرق فيها نور اهلل على المجتهدين
قدرا من التعريف.
وال يمكنهن ضبطها وإ نما يحاولون ً
وعندها تتبين مقادير الرجال ودرجات المتورعين
وأحوال المحتاطين لدينهم.
والظاهرية في هذا الباب يتعلقون بمجرد االسم ويكتفون
بأقل ما ينطبق عليه.
قال شيخ اإلسالم عز الدين بن عبد السالم في قواعده
الصغرى :خلصت الظاهرية من هذا اإلشكال.
_________
1في هامش "أ" ما لم يطلب في حق شخص واحد لكونه
أخبر بنفسه في حق أشخاص ما لم يطلب في حق
شخصين.
صفحة 399 | 190 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
قلت :وفاتهم به من دقائق الفقه 4وفهم مقاصد الشريعة
أمر عظيم.
مسألة :إذا قطع بانتفاء الحكمة في صورة من الصور
ففي ثبوت الحكم خالف.
قال الغزالي وتليمذه محمد بن يحيى :يثبت الحكم
للمنضبطة فإن الحكم قد صار معلقًا بها وال نظر بعدها
إلى الحكمة.
وقال الجدليون :ال يثبت النتفاء الحكمة فإنها أصل العلة
وعلى هذا مسائل.
منها :قول الرجل المرأته :أنت طالق مع آخر جزء
نظرا إلى الحكمة
من أجزاء حيضك فاألصح أنه سني ً
في تحريم طالق الحائض وهي تطويل العدة فقد قطعنا
بانتفائها في هذه الصورة إذ ال طول.
بدعيا ،لوقوعه
ومن نظر إلى العلة وهي الحيض جعلها ً
في الحيض والناظرون إلى أن العلة في هذا المحل
ظاهرية أهل القياس.
وقد أشار إلى هذا البناء ظاهرية أهل القياس.
ونظير المسألة :عكسها وهي ما إذا قال :أنت طالق مع
آخر طهر لم أطأك فيه.
فإن قلنا :االنتقال من الطهر إلى الحيض قرء ؛ فهي
سني لمصادقة الطهر والشروع في العدة.
قرءا فعلى الوجهين السابقين من نظر
وإ ن قلنا :ليس ً
سنيا جعله هنا
إلى الحكمة وجعله في الصورة السابقة ً
بدعيا لتطويل العدة ومن عكس فهو يعكس هنا.
ً
وحكم ابن سريج بأنه يدعي في الصورتين عماًل باألغلظ
دائرا مع أي األمرين وجد من حكمة
وكأنه يجعل الحكم ً
ومظنة.
حائضا جائز كما لو لم
ً ومنها :طالق الحامل إذا كانت
حائضا ألن تطويل العدة منتف ؛ فإن عدتها
ً تكن
بالوضع.
حيضا فقال
ً قال أبو إسحاق :لو كانت ترى الدم وجعلناه
لها :أنت طالق للسنة ال يقع عليها طالق حتى تطهر.
قال الرافعي :وعلى هذا فللحامل حال بدعة كما للحائل.
ومنها :منع الراهن من وطء الجارية المرهونة خشية
الحبل وإ ن كات ممن ال
صفحة 399 | 191 :
األشباه والنظائر
كتاب القياس
تحبل على الصحيح ؛ فلو قطع بعدم الحبل كما لو كان
سنها أقل من تسع سنين -قال ابن أبي عصرون تفقهًا :
ال يمنع وجوزه الولد.
قلت :وفيه نظر ذكرته في ترشيح التوشيح.
مسألة :
اختلف في تعليل الحكم العديم بالوصف الوجودي .ويعبر
عن ذلك بأن العلة النتفاء الحكم هل يكون وجود مانع أو
انتفاء شرط من غير نظر إلى وجود المقتضى.
وهذا هو الراجح عند اإلمام الرازي وأبي عمرو بن
الحاجب .واختياري في جمع الجوامع أواًل يجوز التعليل
بها عند انتفاء المقتضى ؛ ألن اإلحالة عليه أولى وهذا
هو الراجح عند اآلمدي واختياري في شرح المختصر
والذي أراه اآلن جواز التعليل بالمانع لمن لم يدر بانتفاء
المقتضى سواء أظن وجوده أو علل بالمانع على تقدير
وجود المقتضي.
وعدم جوازه إن علم بانتفاء المقتضى فإن إسناد الحكم
إليه أولى فإذا قتل األب ولده قتاًل شككنا في أنه صدر
عن خطأ أو عمد قلنا :ال قصاص عليه ألبوته المانعة
من وجوب القصاص ؛ سواء أقام المقتضى وهو قتل
العمد أو لم يقم.
غير أن المانع عند قيام المقتضى قاطع لعلمه وعند
انتفائه ال وقع له الستبداد المقتضى بإثارة انتفاء الحكم.
ومن ثم نقول :األب عند القتل العمدآت بما يقتضي
قصاصا ؛ غير أن الشارع درأه عنه لحكمة رآها :
ً
وبه يصح قول الغزالي :األب مكافئ لالبن ألنه مكافئ
للعم والعم مكافئ لالبن ،ومكافئ المكافئ مكافئ.
وتردد األصحاب في الشيخ الهرم هل يتوجه عليه
الخطاب بالصوم ثم ينتقل إلى الفدية للعجز أم يخاطب
بالفدية ابتداء ؟ وبنوا عليه خالفًا في أنه لو نذر في حال
صوما هل ينعقد نذره ؟
ً العجز
صفحة 399 | 192 :
األشباه والنظائر
كتاب االستدالل
كتاب االستدالل :
تقدم الكالم في االستصحاب أول الكتاب
مسألة :
قول الصحابي غير حجة على القول المنصور ،وقال
أبو حنيفة :حجة وعليه مالك وأحمد على أصح
الروايتين.
وفيه مسائل :
منها :مسألة العينة وهي السلف وصورتها :أن يشتري
ما باعه بأقل مما باعه قبل نقد الثمن قال الشافعي رضي
طردا للقياس.
اهلل عنه :يصح ً
وقالوا :ال يصح تمس ًكا بإنكار عائشة رضي اهلل عنها
وذلك في قضية زيد بن أرقم وقولها :إنه أبطل جهاده
مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إال أن يتوب رواه
أحمد والدارقطني.
واعلم أن القوم ال تنتهض لهم حجة بهذا الحديث ،ولم
يسلم لهم االحتجاج بقول الصحابي فإن الشافعي رضي
اهلل عنه ذكر أنه ال يثبت مثله عن عائشة رضي اهلل
عنها.
قلت :وفيه ما ينبه على عدم ثبوته وهو قولها :إنه أبطل
جهاده ولم يقل أحد إن من يعمل بالعينة يحبط عمله فلم
يقولوا بمقتضى ما رووا.
مسألة :داللة االقتران غير حجة خالفًا ألبي يوسف
والمزني وفيه فروع
وه ْم ِإ ْن َعِل ْمتُ ْم ِفي ِه ْم َخ ْي ًرا
منها :قوله تعالى { :فَ َكاتُِب ُ
ال اللَّ ِه الَِّذي َآ تَا ُك ْم} فمن جمع بين إيجاب وهم ِم ْن م ِ
َ َوَآ تُ ُ ْ
الكتابة واإليتاء إثباتًا .كما هو قول مجلي عن صاحب
ونفيا كما هو مذهب التقريب فيما إذا طلب العبد الكتابة ً
بعضهم ،لم يرد عليه داللة االقتران.
صفحة 399 | 193 :
األشباه والنظائر
كتاب االستدالل
ومن قال :ال تجب الكتابة ويجب اإليتاء وهو جادة
مذهب الشافعي رضي اهلل عنه لم يبال بداللة االقتران
وقال :ال حجة فيها.
وقال إمام الحرمين :لم أر على مذهب الشافعي رضي
اهلل عنه مسألة أصعب مسل ًكا من مسألة اإليتاء.
ط ِع ُموا اْلَباِئ َس
ومنها :قوله تعالى { :فَ ُكلُوا ِم ْنهَا َوَأ ْ
اْلفَِقير} مشهور المذهب أنه ال يجب اإلطعام وال يجب
األكل.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم [ :حتيه] 1ثم اقرصيه
ثم اغسليه بالماء.
قال الشافعي رضي اهلل عنه :الماء متعين إلزالة
النجاسة ولم يبال باقترانه بما ليس بواجب -وهو الحث
والقرص.
مسألة :
االستحسان قال به أبو حنيفة رضي اهلل عنه ،واشتد
النكير عليه سلفًا وخلفًا حتى قال الشافعي [رضي اهلل
عنه] فيما نقل عنه الثقات :من استحسن فقد شرع.
نصا ولكن وجد في
وأنا لم أجد إلى اآلن هذا في كالمه ً
األم في اإلقرار واالجتهاد ما يدل على أنه يطلق على
القائل به أبلغ من االستحسان فلقد قال في هذا الباب :إن
عظيما ووضع نفسه في
ً من قال باالستحسان فقد قال قواًل
رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب وال سنة
موضعها في أن يتبع رأيه كما ابتغاه ،وفي أن رأيه
أصل ثالث أمر الناس باتباعه.
وهذا خالف كتاب اهلل عز وجل ألن اهلل تعالى إنما أمر
بطاعته وطاعة رسوله صلى اهلل عليه وسلم.
ثم قال رضي اهلل عنه ما حاصله :أن المستحن ال
يتمسك بخالف القايس ،وإ ن القايس كان ال يأمن الخطأ
إال أنه برجوعه إلى أصل من كتاب وسنة مؤد لفرضه
بخالف المستحسن .وأطال في ذلك بحق من القول.
ثم قال :فإن قال قائل :هذا ممن يعقل ما تكلم فتكلم به
غبيا
بعد معرفة هذا ،فأرى لإلمام أن يمنعه ،وإ ن كان ً
علم حتى يرجع .واعلم أن القوم لما اشتد عليهم النكير
في االستحسان أخذوا في تفسيره بأمور ال خالف فيها ،
وقد عرفت في كتب األصول.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 194 :
األشباه والنظائر
كتاب االستدالل
والذي اعتقده في تفسيره أن المعنى به .ما تشتهيه نفس
العالم وتميل إليه من غير تعلق بأصل موجود يجده.
وهو قريب من تفسير من فسره بأنه دليل ينقدح في نفسه
المجتهد تقصر عنه عبارته.
غير أن صواب العبارة عن هذا أن يقال :مظنون ألنه ال
يتحقق كونه دلياًل إال بعد المعرفة بعينه ،فهذا هو الذي
اعتقد أن القائل باالستحسان من القدماء عناه ،وإ ياه أنكر
الشافعي رضي اهلل عنه وألزمه أن يستحسن كل أحد
بعقله وأن يستوي العالم والجاهل إلى غير ذلك من
إلزامات ذكرها في األم في مواضع عديدة.
وما تفسيره بخالف هذا الذي أنكره الشافعي رضي اهلل
عنه فعادتهم التفسير كما قال إمام الحرمين في باب أدب
القضاء.
إن التعبير حينئذ عما قامت داللته باالستحسان على نهاية
السخافة والعباثة ؛ فإن قبول الدليل حتم وال محيد عنه.
قال :واالستحسان يشعر بتردد وميل خفي إلى جانب.
قال :ومعظم قواعد االستحسان استصالح جلي أو خفي
ال أصل له في الشريعة ،ومعنى قول صاحب مقالة
"االستحسان مقدم على القياس" أن القياس الجاري على
وفق قواعد الشريعة يؤخر عن استصالح ال أصل له في
الشريعة.
قال :وقد عبر الشافعي عن غور هذا الفصل بكلمات
وجيزة إذا قال :من استحسن فئقد شرع .انتهى.
صفحة 399 | 195 :
األشباه والنظائر
كتاب الترجيح
كتاب الترجيح :
مسألة :إذا تعادلت األمارتان فالتخيير والتساقط والوقف
أقوال يتخرج مسائل
منها :إذا اتفق فرضان في نصاب كالمائين فيها أربع
حقاق أو خمس بنات لبون اختيار الشافعي أنفعهما
تخريجا :يتخير ،لتعادل
ً للمساكين ،وقال ابن سريج
اإلمارتين.
واألولى أصح كما إذا دل دليل على إيجاب شيء ،ودليل
على إيجاب شيئين أخذ بالزائد ،ثم على رأي ابن سريج
يستحب للمالك إخراج األغبط إال أن يكون ولي يتيم
أيضا ،تعادل شيئين لكنه رجح النظر
فيراعي حظه وهنا ً
معينا.
إلى اليتيم لكونه ً
مسألة :
"الخاص" يقضي على العام ويقدم عليه عند التعارض"
ومن ثم مسائل فقهية :
صيدا وميتة يقدم الصيد في
منها :إذا لم يجد المحرم إال ً
االجتناب [على] 1الميتة ويأكلها على [االضطرار] 2ألن
تحريم الصيد [خاص بالمحرم وتحريم الميتة عام في
الحاج وغيره فكان] 3تحريم الصيد [أولى] 4باالجتناب
ال دالئه بالخصوصية.
ومنها :السفينة إذا وثبت فيها سمكة في حجر إنسان فهي
له دون صاحب السفينة ،ألن حوزه إياها أخص من
حوز صاحب السفينة ألن حوز صاحب السفينة يشمل
هذا الرجل وغيره ،وحوز هذا الرجل [ال يتعداه] 5؛
فهو أخص بالسمكة من صاحب السفينة.
_________
1في "ب" عن.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4سقط في "أ" والمثبت من "ب".
5في "ب" يتعد له.
صفحة 399 | 196 :
األشباه والنظائر
كتاب الترجيح
حريرا
ً وثوبا
نجسا ً
ثوبا ً
ومنها :إذا لم يجد المصلي إال ً
يصلي [في] 1الحرير على الصحيح فيهما.
مسألة :التخصيص أولى من المجاز
ومن ثم مسائل :
منها :لو وقف في موات وإ مامه في مسجد وحال بينهما
جدار ال باب فيه أو فيه باب مغلق أو مفتوح ولكن لم
يقف قبالته منع لعموم قوله صلى اهلل عليه وسلم " :ال
صالة لجار المسجد إال في المسجد" خرج منه ما عدا
هذه الصورة بدليل يبقى فيها على مقتضى الحديث ،
ويترجح على حمله على نفي الكمال ؛ ألن التخصيص
أولى من المجاز.
قاعدة :ما ثبت بالنص أولى مما ثبت باإلخبار والثابت
بالخبر أرجح من الثابت باالجتهاد.
وهذه قاعدة تكرر ذكرها في كالم المتقدمين من فقهائنا ،
وحاصلها أن القطع مقدم على الظن وأن أقوى الظنين
مقدم ومسألة الخبر واالجتهاد هي مسألة تعارض القياس
وخبر الواحد وفيها الخالف [األصولي المشهور].2
وفي القاعدة مسائل :
شقصا ثم "لقها قبل
ً منها :قطع بعضهم فيما إذا أصدقها
الدخول وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة بأن الزوج أولى.
شقصا وأفلس ثم
ً ومنها :قطع بعضهم بأنه لو اشترى
طلقها قبل الدخول وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة بأن
الزوج أولى.
شقصا وأفلس
ً ومنها :قطع بعضهم بأنه لو اشترى
بالثمن فإن البائع أولى من الشفيع.
وسر ذلك على ما ذكر القاضي الحسين أن الحق ثبت
نصا فهو أقوى من حق البائع ؛ إذ لم يثبت إال
للزوج ً
باإلخبار ،فكان أضعف.
أربعا وقلنا :
أربعا في مرض موته وتزوج ً
ومنها :أبان ً
ترث المبتوتة.
قيل :ترث الزوجات خاصة ؛ إذ هو بالنص والمبتوتة
باالجتهاد وقيل يرثن كلهن ،وقيل :يرث المطلقات فقط
لسبق حقهن وهو الزوجية .قال الروياني في الفروق :
وهو أضعفها.
_________
1في "ب" على.
2في "ب" األصول المشهورة.
صفحة 399 | 197 :
األشباه والنظائر
كتاب الترجيح
ومنها :القاذف إذا تاب بالقول فإن كان القذف على
صورة الشهادة لم يشترط االستبراء على المذهب ،وإ ن
كان قذف سب وإ يذاء اشترط على المذهب.
قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب 1والماوردي
والروياني في البحر وفي الفروق :واألول يقبل خبره
دون الثاني فإن فسق األول ثبت باالستدالل فأثر في
شهادته فقط ،بخالف القاذف في حال السب فإن فسقه
ثبت بالنص فردت شهادته وخبره.
ومنها :إذا قال الزوج لوكيله :خالع بمائة "فنقص عنها
فالنص أنه يلغو".
ولو أطلق التوكيل بالخلع ولم يقدر المال فنقص عن مهر
المثل فالنص أنه يقع الطالق.
فمن األصحاب من قرر النصين وفرق بأنه في األول
مخالف للنص وفي صورة اإلطالق مخالف لالجتهاد ؛
ألن إيجاب مهر المثل باالجتهاد ال بنص [الالفظ] 2فلم
يستويا.
ومنهم من نقل وخرج وهو األصح.
ومنها :إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغائب .صحيح
الرافعي أنه يأكل الميتة ؛ ألن إباحتها للمضطر
منصوص وأكل مال الغائب متلقي من االجتهاد.
ولك أن تقول :ال أسلم وجود النص مع وجود طعام
الغائب إنما النص في المضطر ،والمعنى به من ال يجد
طعاما ولو لغائب.
ً
صيدا أو ميتة.
ومنها :إذا اضطر المحرم ولم يجد إال ً
أيضا أنه يأكل الميتة ألنها منصوصة .قال
رجع الرافعي ً
:والصيد مستثني في حال االضطرار باالجتهاد.
ومنها :إذا وجد المحرم لحم صيد ذبحه وهو في حالة
اإلحرام أو ذبحه محرم آخر ولم يجعل ما ذبحه المحرم
ميتة -فلحم الصيد أولى منه وقيل الميتة أولى.
قال الرافعي :وقد يوجه بما سبق من أن استثناء الميتة
عند االضطرار منصوص.
فإن قلت :هال رجحه لكونه رجح في المسألتين
السابقتين أكل الميتة ؟
_________
1في "ب" القاضي أبو الطيب والقاضي حسين.
2في "ب" اللفظ.
صفحة 399 | 198 :
األشباه والنظائر
كتاب الترجيح
قلت :ألنه لم يقتصر فيهما على االحتخجاج بتقديم النص
على االستنباط ،بل به [وبلزوم] 1الضمان.
وفيه مسائل :
األولى :تترجح [لكثرة] 2الرواة خالفًا للكرخي ومن ثم
قال الشافعي رضي اهلل عنه :األخذ بحديث عبادة 3في
الربا أولى من حديث أسامة ألن مع عبادة عمر وعثمان
وأبو سعيد وأبو هريرة والخمسة أولى من الواحد ،
وحديث رفع اليدين أرجح من مقابله لكثرة رواته.
الثانية :ترجح بزيادة العلم والثقة ،ومن ثم رجح
علماؤنا ورواية مالك وسفيان في حديث .زوجتكها بما
معك من القرآن 4على رواية عبد العزيز بن أبي حازم
وزيادة ملكتكها ألن مال ًكا وسفيان أرجح من عبد العزيز
وزائدة.
الثالثة :ما عمل به رواية أرجح من مقابله ،ومن ثم
رجحنا حديث "ليس على المسلم في عبده وال فرسه
صدقة" 5لعمل رواية على حديث غورك السعدي في كل
فرس مائة دينار 6ألن أبا يوسف رواه عن غورك وترك
العمل به.
الرابعة :رواية من كان له في الواقعة مدخل [من]7
مباشرة أو نحوها أرجح من األجنبي عنها ،ومن ثم
رجحنا رواية أبي رافع نكح رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ميمونة وهو حالل على رواية ابن عباس أنه نكحها
وهو حرام لكن أبا رافع كان السفير.
الخامسة :كونه أقرب إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ومن ثم رجحنا رواية ابن عمر أنه صلى اهلل عليه
وسلم أفرد الحج على رواية أنس أنه قرن ألن ابن عمر
كان يجر خطام ناقته.
_________
1وفي "ب" لزوم.
2في "ب" يكثره.
3وحديث عبادة الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر
بالبر والشعير بالشعير .إلخ الحديث انظر مسلم /3
1211في المساقاة "."1587 /81
4البخاري 190 /9في النكاح " "5135ومسلم /2
140في النكاح "."1425 /76
5البخاري "1464" 327 /3ومسلم 675 /2حديث "
."982 /8
6انظر السنن الكبرى للبيهقي .119 /4
7في "ب" في.
صفحة 399 | 199 :
األشباه والنظائر
كتاب الترجيح
بالغا أرجح ممن تحمل في الصبا
السادسة :من يتحمل ً
ومن ثم رجحت رواية ابن عمر المذكورة على رواية
أنس.
السابعة :غير المبتدع أولة إال أن تكون بدعته بذهابه
إلى تغليظ معصية الكذب فلي فيه نظر واحتمال.
ومن أمثلته رواية إبراهيم بن أبي يحيى من صام الدهر
كله فقد وهب نفسه هلل تعالى "مع رواية غيره" النهي عن
جهميا.
ً صيام الدهر .وكان إبراهيم
الثامنة :الشهرة بالعدالة 1صفة مرجحة.
ومن ثم ترجحت رواية شعبة "$ال وضوء إال من صوت
أو ريح" على رواية محمد الخزاعي في الوضوء من
الضحك.
ذكرا فهو أولى من المرأة .قال أبو
التاسعة :أن يكون ً
الحسن علي بن أحمد اإلسفراييني السهيلي :
"إال أن يكون في حكم يختص بالنساء فتكون المرأة أولى
،ألن همتها وقصدها إلى حفظه أكثر" ذكره في كتاب
أدب الجدل وذهب األستاذ أبو إسحاق إلى أنه ال أولوية
للرجل في الرواية مطلقًا.
_________
1في "ب" من العدالة.
صفحة 399 | 200 :
األشباه والنظائر
كتاب االجتهاد
كتاب االجتهاد: 1
مسألة :
الصواب عندنا أن اجتهاده صلى اهلل عليه وسلم ال يقبل
الخطأ بوجه من الوجوه ،وأنه عليه أفضل الصالة
والسالم على الصواب في حركاته وسكناته ونومه
ويقظته مبرأ عن خطأ الباطل وعمده.
مجمعا عليه قبل محدثات البدع وتشتت
ً أمرا
وأعتقد ذلك ً
منصوصا للشافعي رضي اهلل
ً األهواء واآلراء ،ووجدته
عنه في كتاب األم ؛ "فقال في كتاب اإلقرار :واالجتهاد
في الحكم بالظاهر ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إال كتاب
اهلل تعالى أوسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم الذي قد
{وِإ َّن َك لَتَ ْه ِدي ِإلَى
عصمه اهلل من الخطأ وبرأه منه فقال َ :
اط ُم ْستَِق ٍيم} 2فأما من إنما رأيه خطأ أو صواب فلم صر ٍ
َ
ِ
يؤمر أحد بإتباعه".
ثم قال رضي اهلل عنه بعد ذلك بنحو عشرة أسطر " :وال
يبرأ أحد من اآلدميين من الخطأ إال األنبياء عليهم
الصالة والسالم وقال بين هذين النصين " :فمن أمر
باتباع غير رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ممن يمكن
منه الخطا إن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به
غبيا
بعد معرفة هذا فأرى لإلمام أن يمنعه ،وإ ن كان ً
علم حتى يرجع".
انتهت هذه النصوص الثالثة ،وهي دالة من هذا اإلمام
المطلب 3رضي اهلل عنه -على أن انتفاء الخطأ عن
منصب النبوة أمر مفروغ منه وهو الحق والدين
والمعتقد.
فصل :
هذا آخر ما ذكرناه من مسائل األصول ذوات الفروع ،
كثيرا ذكرناه في كتبنا األصولية ،فإن فيها -
وقد تركنا ً
وراء ما ذكرنا هنا من الفروع المخرجة على األصول
أضعاف ذلك ،فليقع االكتفاء في هذا الكتاب بما سطرناه
ونذكر بعده مسائل الخالف.
_________
1سقط في "ب".
2سورة الشورى آية .52
3وهو اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه.
صفحة 399 | 201 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
"كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية" :
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال :
أعلم أن األصوليين ذكروا حروفًا تتداول بين الفقهاء
تمس حاجتهم إلى معرفتها -كالواو ،والفاء ،وفي زدنا
عليهم في "جمع الجوامع فذكرنا من الكلمات المفردة من
قدرا يكثر تداوله في
األسماء والظروف والحروف ً
الفقهيات.
ونحن نأتي بنحو من ذلك هنا ،ونرتب ما نوده من فن
النحو فصواًل فصل في المفردات وهو كلمات نحوية ،
وآخر في المركبات والتصرفات العربية وثالث في
إعراب آيات يترتب على تخريجها أحكام شرعية.
"القول في المفردات من األسماء والحروف -ونذكر فيه
بعض األفعال".
مسألة :
"إن" المكسورة الخفيفة ترد للشرط فيوقف الحكم على
وجوده مثل إن دخلت الدار فأنت طالق ؛ غير أن شرط
طا في اللفظ
ما يتوقئف الحكم على وجوده أن يكون شر ً
والمعنى.
أما في اللفظ :فأردنا به أن يكون الحكم موقوفًا على لفظ
المعلق عليه مثل :إن شئت فأنت طالق ،فال بد من لفظ
المشيئة ثم ال يشترط معه مشيئة القلب ،فلو قال " :شئت
باطنا".
كارها" وقع ،وقيل :ال يقع ً
ً
ممكنا
وأما في المعنى :فأردنا به أن يكون المعلق عليه ً
،وإ ال فالموجود صورة تعليق ال نفسه ،مثل :إن طرت
أو صعدت السماء فأنت طالق ،وإ ال فال تطلق على
المذهب ،وفي قول :تطلق في الحال.
وال قائل بتوقف الطالق على ما ذكر الستحالته ؛ بل إما
أن يلغي ذلك المستحيل ويبقي قوله " :أنت طالق" بمفرده
فيعمل عمله ،وإ ما أن يهمل الكالم بالكلية فال تطلق.
فرع :إذا قال :إن أعطيتني ألفًا فأنت طالق اشترط
اإلعطاء على الفوز ال لداللة إن عليه ؛ فإنه داللة لها
على الزمان وما هي إال حرف تربط الشرط بالجزاء فقط
ولكن لقرينة العوضية.
صفحة 399 | 202 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
تنبيه " :ال داللة إلن على الفور وال تراخ ؛ سواء أدخلت
على إثبات أو على نفي".
فإذا قال " :إن دخلت" طلقت أي وقت دخلت ،وإ ن قال
"إن لم تدخلي" فالمذهب أنها ال تطلق حتى يقع اليأس من
الدخول.
بخالف التعليق بغيرها من الصيغ -كإذا ومتى ،فإن
المذهب فيهما اعتبار الفور ،وهذه قاعدة عند
األصحاب -متى علق بأن نفي فعل لم يلزم الفوز وإ ن
علق بغيرها لزم على المنصوص فيهما وهو الصحيح.
والفرق أن كلمة "إن" شرط يتعلق بمطلق الفعل ال داللة
على الزمان فيعتبر في طرف النفي انتفاؤه لكونه نكرة
في سياقه وال يمكن معرفة انتفائه إال بانتفاء جميع
األزمنة ،والتوقف على مضي األزمنة لتحقق انتفائه ال
جزءا من مدلوله ،ومن ثم لو حلف ليكلمنه بر
لكونها ً
بمرة وإ ن حلف ال يكلمه لم يبر إال بترك الكالم إلى
اليأس.
وأما إذا وما أشبهها فمعناه أي وقت ففي طرف اإلثبات
أي وقت فعلت ؟ صدقت الصفة ،وهنا تساوي إن .وفي
النفس معناه أي وقت فعلت فإذا مضى زمن يمكن الفعل
فيه فلم تعل صدقت الصفة وهنا تفارق إن.
ناصبا
ً مصدريا
ً مسألة " :أن" -بفتح الهمزة -ترد حرفًا
للمضارع فتفيد معنى التعليل
ومن ثم قيل " :قد تكون بمعنى لئال" في قوله تعالى :
ضلُّوا} والصواب أنها مصدرية ،َأن تَ ِ
{يَبِّي ُن اللَّهُ لَ ُك ْم ْ
ُ
واألصل كراهة أن تضلوا.
وفيه معنى التعليل " ،وقضية" 1التعليل فيها أنه إذا قال :
أنت طالق إن دخلت الدار تطلق في الحال إذا كان يعرف
معينا وإ ن بعد
النحو ،وهو الصحيح [إال أن يريد وقتًا ً
على ما نقله الرافعي عن البوشنجي على توقف فيه.
ذكره المصنف في ترشيح التوشيح عن محمد بن يوسف]
.2
وينبغي أن يجري [ -على] 3هذا -الفرق بين عارف
النحو وجاهله فيما إذا قال :أنت طالق إن أعطيتني ألفًا
غير أن الماوردي أطلق أنها تطلق في الحال .قال :وإ ن
طالبته باأللف عند إنكارها الخلع لزمه ردها وسنحكي
عنه في إذ مثل ذلك.
_________
1في "ب" أو قضية.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 203 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
مسألة " :إلى" حرف جر النتهاء الغاية ولمعان آخر
ومن مباحث الغاية أنها إن كانت من الجنس دخل ،
جزءا من المغيا تدخل.
ومعنى هذا أنها إذا كانت ً
بيانا لما قبلها دخل
وقد يعبر عن هذا بأنها إذا كانت ً
طرفاها كما تقول :قرأت القرآن من فاتحته إلى خاتمته
،ومن ثم يفرق بين بعتك من هذه النخلة إلى هذه فندخلها
في البيع ،ومن درهم إلى عشرة ففيه الخالف اآلتي.
وإ ذا لم يكن قرينة تدل على دخول ما بعدها وال على
خروجه فقيل تدخل مطلقًا ،وقيل :ال مطلقًا ،وقيل :إن
اقترنت بمن لم تدخل ؛ وإ ال فيحتمل.
وفيها مسائل :منها .لو قال :ضمنت مالك على فالن
من درهم إلى عشرة فالصحيح عند الشيخ اإلمام الوالد
أنه ضامن للعشرة ،ورجحه الرافعي في المحرر وعند
النووي [لتسعة] ، 1وفي وجه ثالث لثمانية ،وإ ليه ميل
الرافعي في الشرح.
ومنها إذا قال أبرأتك من درهم إلى ألف فوجهان
المنصوص في البويطي الصحة وصححه الشيخ اإلمام
في باب الضمان من شرح المنهاج ،وحكى من نصه في
أيضا ما يقتضي البراءة من األلف بتمامها ،إذا
البويطي ً
حكى في نصه في البويطي.
ولو أن رجاًل حلل رجاًل من كل شيء [وجب عليه] 2فإن
لم يعرف قدره حلله من كذا إلى كذا.
أيضا فيمن قال الرجل ما
وحكي عن النص في البويطي ً
عاملت غالمي من دينار إلى مائة فهو جائز أنه إن زاد
على ذلك لم يجز وقضية هذا صحة ما لم يزد.
ومنها لو قال أنت طالق إلى شهر .قال في التنبيه لم
تطلق إالبعد شهر وهو منقول الرافعي من التتمة وغيرها
،وعزي إلى النص في البويطي ،وروي عن ابن عباس
قيل وال مخالف له في الصحابة ووجه بأن اللفظة كما
تحتمل تأجيل الواقع تحتمل تأجيل اإليقاع ،أال ترى أن
القائل إني مسافر إلى شهر يريد ،بعد شهر وإ ذا ثبت
االحتماالن وجب األخذ باليقين.
قلت وفي هذا التوجيه نظر ،وليس من معاني إلى أن
تكون بمعنى بعد ،وما
_________
1في "ب" تسعة.
2سقط في "أ" والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 204 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
استشهد به في المسافر غير مسلم له لغة وال عرفًا ال
جرم نقل الرافعي عن البوشنجي أنه ذكر وجهًا آخر
احتمااًل أنه يقع في الحال.
مخرجا إال أن يحمل [على] 1معنى
ً قلت :ولم أجد لألول
عند كما قيل به في قول الشاعر :
أم ال سبيل إلى الشباب وذكره أحلى إلي من الرحيق
السلسل2
لكن أين الدليل على هذا النادر في قولك أنت طالق [إلى]
3شهر ،وقد يقال لما أقت ،بالشهر كان قضيته أنها
طالق في هذا الشهر غير طالق بعده ،وهذا ال يضر ؛
دائما ،فاحتمل أن
ألنها إذا طلقت في هذا الشهر طلقت ً
يحذف هذا الجار والمجرور جملة ويعمل قوله أنت طالق
عمله وهو وجه البوشنجي.
واحتمل أن ال يقع ،ويقال لما تعذر طالق اآلن دون غد
لم يتعذر عكسه فحملناه عليه ولعل هذا مراد من قاله إنه
تأجيل اإليقاع إال أن القول على العكس يحتاج إلى دليل.
ويشهد لوجه البوشنجي قول األصحاب في الخلع لو قالت
طلقني بألف طالقًا يمتد تحريمه إلى شهر ثم أكون في
نكاحك حالاًل لك فطلقها لذلك ،أنه يقع الطالق في الحال
مؤبدا ،والصحيح وجوب مهر المثل.
ً
فإن صح ما نقل عن ابن عباس وأنه ال مخالف فهو
إجماع سكوتي ،فاألولى االقصتار في االحتجاج عليه ،
وإ ال فللنزاع في المسألة مجال.
فالنا إلى بيت فالن وعلم أن
ومنها حلف أنه بعث ً
المبعوث لم يمض إليه لم يقع ؛ ألن المحلوف عليه البعث
ال االمتثال وقد وجد وقيل يقع ،ألنه يقتضي حصوله
هناك.
_________
1في "ب" إلى.
2والبيت من الكامل وهو المرئ القيس انظر ديوانه
309شرح المفصل 25 /3خزانة األدب ، 236 /2
همع الهوامع ، 51 /2الدر اللوامع ، 64 /2شرح
األشموني ، 272 /2مغني اللبيب .57 /1
والشاهد فيه قوله :أحلى إلي ؛ حيث جاءت إلى بمعنى
عند.
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 205 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
والمسألة في آخر تعليق [الطالق] 1من الرافعي عن
الروياني أبي العباس.
ومنها حلف ال تخرج امرأته إلى العرس فخرجت من
أجله ولم تصل فال [حنث] 2ألن الغاية لم توجد ،وكذا لو
انعكس الحال فخرجت لغير العرس ثم دخلت إليه بخالف
ما إذا أتى بالالم ؛ فقال للعرس فإنه ال يشترط وصولها
متى خرجت له إما وحده وإ ما مع غيره طلقت ؛ ألن
حرف الغاية وهوإ لى لم يوجد ،قال القاضي أبو الطيب
في كتاب اإليمان من تعليقته في فرعين متصلين.
ووجه التفرقة أن أصل إلى الغاية ،وأصل الالم للملك ؛
فإن تعذر حمل ما يقتضيه السياق من التعليق واالنتهاء.
مسألة :
"أو" موضوعة ألحد الشيئين أو األشياء هذا موضوعها
وتأتي للشك واإلبهام والتخيير واإلباحة والتقسيم ومطلق
الجمع وغيرها وهذه المعاني ليست في الحقيقة معانيها ؛
وإ نما هي معاني الكالم .وفيها فروع.
منها لو قال بع هذا أو هذا لم يصح عزاه في الروضة
إلى أصحابنا.
قال الشيخ اإلمام وهو ظاهر إن حمل على التردد في
التوكيل كأنه قال وكلتك إما في هذا وإ ما هذا إذا أراد بع
أحدهما فينبغي أن يصح على األصح ،كبع من شئت
منهما.
قلت وهذا حق ،والحمل على الترديد فيه بعد ،فإن الشك
والترديد إنما يظهر في شيء وقع.
تنبيه :
نقل الرافعي في آخر اإليمان عن كتب الحنفية أن دخول
{واَل
أو بين يقينين يقتضي انتفاءهما كما في قوله تعالى َ :
ورا} ،وبين إثباتين فيقتضي ثبوت ِ ِ ِ
تُط ْع م ْنهُ ْم َآ ث ًما َْأو َكفُ ً
أحدهما فإذا قال ال أدخل هذا الدار أو ال أدخل هذه
فأيتهما دخل بها حنث.
ولو قال ألدخلن هذا الدار أو هذه الدار األخرى يبر
بدخول واحدة.
ثم قال الرافعي ويشبه أن يقال إذا دخلت بين نفيين كفى
للبر أن ال يدخل واحدة وال يضر دخول األخرى كما
تكفي الواحدة في طرف اإلثبات.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" يحنث.
صفحة 399 | 206 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
قلت :وإ لى مقالة الحنفية أشار المازري في شرح
البرهان في مسألة تحريم واحد ال بعينه [قيل] 1إنه قيل
إنه لم ترد به اللغة وقد حكيناه في جمع الجوامع ،وإ ليه
اإلشارة بقول شيخنا أبي حيان في االرتشاف وإ ذا نهيت
مباحا باتفاق من النحاة ،
عن المباح استوعب ما كان ً
ورا} 2وإ ذا نهيت عن ف
ُ ك
َ َأو ا مومنه {واَل تُ ِطع ِم ْنهم َآثِ
ً ْ ُْ ً ْ َ
المخير فيه فذهب السرافي 3إلى أنه يستوعب الجميع
كالنهي ،وذهب ابن كيسان 4إلى جواز أن يكون النهي
عن واحد وعن الجميع.
تنبيه :
مثال الشك قام زيد أو عمرو ،واإلبهام قوله تعالى :
ضاَل ٍل ُمبِ ٍ ِ
ين} 5والتخيير {وِإ َّنا َْأو ِإَّيا ُك ْم َل َعلَى ُه ًدى َْأو في َ
َ
درهما ،واإلباحة جالس الحسن ً دينارا أو
خذ من مالي ً
أو ابن سيرين.
والفرق بين الشك واإلبهام أن الشك يكون المتكلم به
مترددا في الذي أخبر به ومن ثم يمتنع ورودها للشك في
ً
كالم اهلل تعالى إال أن يصرف إلى تردد المخاطب كما
ون} 6أنه باعتبار قيل في {وَأرسْلَناه ِإلَى ِمَئ ِة َأْل ٍ
ف َْأو َي ِز ُ
يد َ َ ْ َ ُ
المخاطب.
قاصدا
ً عالما بما أخبر به
وأما اإلبهام فإن المخبر يكون ً
اإلبهام على السامع.
_________
1سقط في "ب".
2سورة اإلنسان آية "."24
3هو الحسن بن عبد اهلل بن المرزبان القاضي أبو سعيد
السيرافي النحوي كان يدرس ببغداد علوم القرآن والنحو
واللغة والفقه والفرائض قرأ القرآن على أبي بكر بن
مجاهد واللغة على ابن دريد وقرآ هما عليه النحو.
قال أبو حيان التوحيدي :أبو سعيد السيرافي شيخ
الشيوخ وإ مام األئمة معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر
والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث
والكالم والحساب والهندسة وله تصانيف منها شرح
كتاب سيبويه شرح الدريدية اإلقناع في النحو لم يتم
فأتمه ولده يوسف وغير ذلك.
بغية الوعاة ، 507 /1البداية والنهاية .294 /11
4محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان أبو الحسن
النحوي قال الخطيب :يحفظ المذهب البصري والكوفي
في النحو ألنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر عن
مجاهد يقول :إنه أنحى منهما ،من تصانيفه المهذب في
النحو ،البرهان ،غريب الحديث ،معاني القرآن وغير
ذلك ،مات لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وتسعين
ومائتين بغية الوعاة .19 -18 /1
5سورة سبأ آية ."24" :
6سورة الصافات آية ."147" :
صفحة 399 | 207 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
والفرق بين التخيير واإلباحة أن التخيير ال يكون إال بين
ممنوعين في األصل كالدينار والدرهم في المثال وقيل
غالبا إال خيرهما ومن ثم
فيه تخيير ؛ ألن المخير ال يأخذ ً
ال يجوز الجمع بين الشيئين المخير بينهما.
والتي لإلباحة ال تكون إال بين مباحين في األصل ،ومن
ثم يجوز الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه.
فائدة :قدمنا أن موضوع "أو" أحد الشيئين أو األشياء ،
وأن المعاني المذكورة مستفادة من مورد الكالم ال من
موضع أو فال يزيد [مدلولها] 1على ما ذكرناه ؛ فعلى
هذا إنما جاز قولك جالس الحسن أو ابن سيرين وأنت
تريد جالسهما باعتبار الوقت الذي يجالس فيه أحدهما
غير اآلخر وتقع الواو مكانها باعتبار أنك أمرته
جميعا أهل للمجالسة ،فإن أردت
ً بمجالستهما ،أو أنهما
عاصيا.
ً هذا وجالس أحدهما لم يكن
وعلى هذا المعنى األخير أخذ مالك رضي اهلل عنه قوله
ين} 2وأخذها اء واْلمس ِ
اك ِ ِ َّدقَ ُ ِ
تعالى ِ{ :إَّن َما الص َ
ات لْلفُقَ َر َ َ َ
الشافعي على معنى التشريك وهو األصح أو الصواب ،
وتقول اشتر هذا بعشرة أو تسعة باعتبار أن الواقع
الشراء بأحدهما ،ويجوز وضع الواو مكانها باعتبارها
ثمنا ،وكذا تقول خذه بما عز أو بما
معا ً
أنك جعلتهما ً
هان أو بما عز وهان باالعتبارين ،وإ يقاع "أو" إنما
يكون حيث يمكن فيه تلك المالحظة كما ذكرنا فال يجوز
استعمالها في نحو جلست بين يدي زيد وعمرو ،وال في
اختصم زيد وعمرو واشترك زيد وعمرو ؛ ألن هذا كله
ال يمكن فيه تلك المالحظة.
قال شيخنا أبو حيان فيما إذا لم تأت "بأو" في نحو جالس
الحسن أو ابن سيرين ؛ بل أثبت بالواو المعاقبة لها قال
أصحابنا إنه بالواو ال يجوز له مجالسة أحدهما دون
اآلخر وبأو يجوز.
قلت :وعليه إذا قال :مع هذا.
مسألة :
"إذا" ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه ؛
فإذا قال :إذا أعطيتني ألفًا فأنت طالق بإعطائها لكن
يشترط اإلعطاء على الفور كما قلنا في إن لقرينة
العوضية [وال داللة له] 3على مطلق الزمان ،فالفور في
إذا أوضح منه في إن
_________
1في "ب" مدلولنا.
2سورة التوبة "."60
3في "ب" وال ذا داللة.
صفحة 399 | 208 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
قال الشيخ اإلمام رحمه اهلل وقد يخطر للفطن أن إذا
مضافة لما بعدها ؛ فقوله إذا أعطيتني في قوة قوله :
"وقت إعطائك إياي" ولو صرح بذلك القتضى العموم ؛
ألنه مضاف إلى معرفة فكذلك صفة إذا.
قال :وهذا يلتفت لي خط من النحو وهو أن العامل في
إذا جوابها أو فعل الشرط وعلى كل من التقديرين لنا أن
منكرا في
منونا ً
نمنع تقدير اإلضافة فيها ونقدره وقتًا ً
قوله وقتًا تعطيني فيه فال يلزم العموم ،وعلى تقدير
اإلضافة فتعميم اإلضافة مختلف فيه وبتقدير ثبوته فليس
في مرتبة العموم الصريح الذي هو موضوع متى.
قلت الحق هو الجواب األول ؛ فإذا دلت على مطلق
الزمان كان أخص األزمنة بها الفور لقرينة العوضية ،
على أن أصحابنا حملوها على الفور وإ ذا لم يكن قرينة
عوض بدليل أن الصحيح فيمن قال إذا لم أطلقك فأنت
طالق أنه إذا مضى زمان يمكنه أن يطلقها فيه فلم يطلقها
مع عدم العوض ،وكان يمكن أن يقال إذا لم يكن قرينة
عوض فال يتعين الفور ،كما لو قال إن لم أطلقك
واقتضى كالم الغزالي في الوسيط في هذه المسألة أن إذا
مثل أي إذا قال.1...
فرع :إذا الشرطية ال تدل على التكرار خالفًا البن
عصفور ؛ فإذا قال " :إذا قمت فأنت طالق" طلقت بالقيام
األول ،ثم ال تطلق بالثاني كما جزم به الرافعي في أوائل
تعليق الطالق.
أيضا خالفًا لبعضهم كما حكاه
وال تدل على العموم ً
شيخنا في باب الجوازم في االرتشاف ؛ فإذا قال إذا
طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر فطلق أكثر من واحدة لم
يعتق إال واحد وينحل اليمين ؛ قاله الرافعي في الكالم
على التعليق بالتطليق.
فرع :وال يلزم اتفاق شرطها وجزائها في الزمان.
قال أبو حيان بخالف متى فإن ذلك شرط فيها ؛ تقول إذا
غدا ،وال يصح ذلك في متى.
زرتني اليوم زرتك ً
وما قاله ظاهر ،وبه صرح األصحاب في إذا جاء اليوم
غدا أو عكسه ولم يذكروا متى.
فأنت طالق ً
_________
1بياض في "ب".
صفحة 399 | 209 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
مسألة :
"إذا" أغلب معانيها أن تكون ظرفًا للزمن الماضي نحو :
َِّ ص َرهُ اللَّهُ ِإ ْذ ْ اَّل
ين َكفَ ُروا}.1َأخ َر َجهُ الذ َ {ِإ تَْن ُ
ص ُروهُ فَقَ ْد َن َ
اسما للمستقبل فتقع موقع إذا ؟ فمن واختلف هل يكون ً
َأخَب َار َها}2
ث ْ {ي ْو َمِئٍذ تُ َح ِّد ُ
قائل به استشهد بقوله تعالى َ :
يسى ْاب َن َم ْرَي َم} 3وفي حديث ورقة ِ {وِإ ْذ قَ َ َّ
ال اللهُ َيا ع َ َ
حيا إذ يخرجك قومك".4
"ليتني أكون ً
ومن منكر ،وهم الجمهور ،وجعلوا ما ذكر من باب ما
واقعا ال محالة ،
نزل فيه المستقبل منزلة الحاضر إذ كان ً
ومن ثم إذا قال لها :أنت طالق إن أعطتني ألفًا تطلق في
بائنا ،العترافه بصدور خلع مقبوض فيه
الحال طالقًا ً
العوض ،ولها مطالبته باأللف إذا أنكرت ذلك صرح
بالمسألة الماوردي.
ولك أن تقول إن استفاد الماضي من إذ فينبغي أن تجريه
فيما إذا كانت الصيغة [وقت إعطائك] 4لي ألف فإن
التزمه فقد وفي بمقتضى الصيغة وإ ال فما الماضي
مستفاد إال من فعل الماضي ،وهو [قول] 5أعطيت.
واعلم أن إذ ترد حرف تعليل على ما قال ابن مالك
{وِإ ْذ َل ْم
ونسبه بعضهم لسيبويه وجعل منه قوله تعالى َ :
يم} فلو حمل هنا على ذلك يهتَ ُدوا بِ ِه فَسيقُولُون َه َذا ِإ ْف ٌ ِ
ك قَد ٌ َ ََ َْ
جرعيا ،
ً أو ادعى إرادته لم يقع الطالق فيما يظهر إال
والمعنى أنت طالق لكونك أعطيتني ألفًا ،وليس بالزم
بائنا ،وقد
أن يكون هذا في مقابلة الطالق حى يكون ً
حملها األصحاب على التعليل في نحو أنت طالق إذ قام
زيد أو إذا فعلت كذا فقالوا يقع ألجل القيام والفعل.
قال الرافعي ويمكن أن يكون الحكم فيه على التفصيل
بين أن المفتوحة بين العارف بالنحو وغيره.
ونقل ابن الرفعة عن صاحب الذخائر أن الشيخ أبا
إسحاق الشيرازي قال بهذا الذي حاوله الرافعي.
فائدة " :أول" الصحيح أن وزنه [أو أل] 6على وزن
واوا ثم أدغمت ،ومن ثم يقال
أفعل فقلبت الهمزة الثانية ً
هذا أولى منك وتجمع على أوائل وأوالي ،وقال قوم :
أصله وول فقلبت الواو األولى همزة ووزنه فوعل وله
استعماالن.
_________
1سورة التوبة آية ."40" :
2سورة الزلزلة آية ."4" :
3سورة المائدة آية ."116" :
4في "ب" البيت عطاؤك.
5في "ب" قوله.
6في "ب" أو أن.
صفحة 399 | 210 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
اسما فينصرف ،ومنه قولهم " :ماله
أحدهما :أن يكون ً
أول وال آخر" قال شيخنا أبو حيان :وفي محفوظي أن
هذا يؤنث بالتاء ويصرف ؛ فتقول أوله وآخره بالتنوين.
والثاني :أن يكون صفة أي أفعل تفضيل بمعنى األسبق
،فيعطى حكم غيره من صيغ أفعل التفضيل من دخول
من عليه ومنع الصرف وعدم تأنيثه بالتاء فتقول هذا أول
من هذين ،وما رأيته منذ أول من أمس.
-مبنيا [على] 1الضم اتفاقًا.
ً وقالوا ابدأ بهذا أول
وهذا حظ النحاة ،وفيه كالمان هل من شرط األول أن
فردا ؟
يكون ً
والثاني هل من شرطه أن يكون له ثان ؟
فيه وجهان أرجحهما عند الوالد رحمه اهلل وبه قال :نعم
،وأرجحهما عند الرافعي والنووي ال.
ذكرا فأنت طالق فإن
فإذا قال :إن كان أول ولد تلدينه ً
ذكرا ولم تلد غيره لم تطلق على األول ،وطلقت
ولدت ً
على الثاني.
تنبيه :ليس من شرط "األول" الفردية ،وحكى الوالد
رحمه اهلل في تفسيره في سورة الحشر فيه خالفًا ؛ فإن
فسمعا له وطاعة ومن ثقة ثبت
ً كان نقل ذلك عن تحرير
،وإ ال فلعله أخذه من قول المزني في أول من حج عني
فله مائة فحج اثنان ،ثم ثالث إنه ال يستحق واحد منهم
قال العبادي ألن األول اسم لمفرد ،
والثاني ليس بأول أو من قول األصحاب في باب العتق
إذا قال أول من دخل من عبيدي دخل أواًل فهو حر فدخل
معا ثم ثالث لم يعتق واحد أو من قول الرافعي في
اثنان ً
درهما
ً كتاب الطالق قبيل التعليق بالحيض لو أخرج
معا
للمتسابقين وقال :من جاء منكما أواًل فله كذا فجاءا ً
،لم يستحقا شيًئا وليسلهم معصم في شيء من هذا.
أما مسألة المزني فلعله إنما قال ال يستحق األوالن ،
المتناع حج اثنين عن واحد في عام واحد وهو وجه
حكاه الماوردي في باب جزاء الصيد ،أو ألن لفظ من
منفرد
_________
1في "ب" علم.
صفحة 399 | 211 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
فروعي ،ومن ثم يتطرق إلى منازعة العبادي في فهمه
عن المزني أن ذلك [ألجل] 1اشتراط الفردية.
وأما العتق فلما ذكرناه.
وأما مسألة المسابقة فألنه ليس أحدهما بالنسبة إلى اآلخر
[أول].2
ثم يستدل على عدم اشتراط الفردية بقوله تعالى :
{والسابقون األولون} 3ولو كان األول الفرد لم يكن
أولون ،وقال صلى اهلل عليه وسلم "أول شيء خلق اهلل
القلم" 4مع قوله عليه السالم "أول ما خلق اهلل العقل"، 5
وقال صلى اهلل عليه وسلم " :أول ما يرفع من هذه األمة
الحياء واألمانة".6
وفي مسند أحمد "أول ما يرفع من هذه األمة األمانة
والخشوع".
مسألة :
"إال" ترد لالستثناء ،وبمعنى غير فيوصف بها ويناد بها
جمع منكر أو شبهه وعاطفة ،وزائدة.
أما التي لالستثناء [فقد يستثني ما هو من الجنس نحو
زيدا ،فهو االستثناء] 7المتصل ،وهو
جاء القوم إال ً
حقيقة.
وفيه مسائل :
منها ...8 :
فصل :
وقد يستثنى بإال ما ليس من الجنس وهو االستثناء
المنقطع والصحيح أنه مجاز ،
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" بأول.
3سورة التوبة آية ."100" :
4أخرجه البيهقي 3 /9كتاب السير /باب مبتدأ الخلق.
5قال العراقي في تخريجه لإلحياء أخرجه الطبراني في
األوسط من حديث أبي أمامة وأبو نعيم من حديث عائشة
بإسناد من ضعيفين .وانظر إتحاف السادة .479 /1
6عزاه السيوطي للقضاعي في مسند الشهاب ،قال
المناوي :وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار وهو
متروك فقول العامزي حسن غير حسن ،فيض القدير
.90 -89 /3
7سقط في "ب".
8بياض.
صفحة 399 | 212 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
ومذهبنا أنه صحيح ،ومنعه أحمد مطلقًا ،وأبو حنيفة في
غير المكيل والموزون.
وفيه مسائل :
منها قد كثر وروده في الكتاب والسنة نحو { :فَس َج ُدوا ِإاَّل
َ
اَّل َِّ ون ِل َّلن ِ ِ اَّل ِ
ظلَ ُموا} ين َ اس َعلَ ْي ُك ْم ُح َّجةٌ ِإ الذ َ ِإْبليس}{ 1لَئ َي ُك َ
.2
اء ِإاَّل َما قَ ْد َسلَ َ النس ِ ِ ِ
ف}.3 {واَل تَْنك ُحوا َما َن َك َح َآ َباُؤ ُك ْم م َن ِّ َ َ
ت ِإاَّل اْل َم ْوتَةَ اُأْلولَى}.4 ون ِفيهَا اْل َم ْو َ{اَل َي ُذوقُ َ
ون تِ َج َارةً}.5 َأن تَ ُك َ
{ال تَْأ ُكلُوا َأموالَ ُكم ب ْيَن ُكم ِباْلب ِ
اط ِل ِإاَّل ْ َْ ْ َ ْ َ
طًأ}.6 ان ِل ُمْؤ ِم ٍن ْ
َأن َي ْقتُ َل ُمْؤ ِمًنا ِإاَّل َخ َ {و َما َك ََ
اع الظَّ ِّن}.7 {ما َلهُ ْم بِ ِه ِم ْن ِعْلٍم ِإاَّل اتَِّب َ
َ
اء َرِّبي َش ْيًئا}.8 ون بِ ِه ِإاَّل ْ
َأن َي َش َ اف َما تُ ْش ِر ُك َ َأخ ُ {واَل َ َ
ون ِ ،إاَّل َم ْن َأتَى اللَّهَ بِ َقْل ٍب َسِل ٍيم} {ي ْو َم اَل َي ْنفَعُ َما ٌل َواَل َبُن َ َ
.9
ظلَ َم}.10 ون ِ ،إاَّل َم ْن َ ي اْل ُم ْر َسلُ َ {ِإِّني اَل َي َخ ُ
اف َل َد َّ
ب ِإالّ اللَّهُ} ض اْل َغ ْي َاَألر ِ ِ
َّم َاوات َو ْ
ِ
{ ُق ْل ال َي ْعلَ ُم َم ْن في الس َ
.11
ساجةً ِفي َن ْف ِ ٍ ِ َّ ِ ِ ِ
ان ُي ْغني َع ْنهُ ْم م َن الله م ْن َش ْيء ِإاَّل َح َ {ما َك َ
َ
اها}.12 ض َوب قَ َ
َي ْعقُ َ
يما ِ ،إاَّل ِقياًل َساَل ًما َساَل ًما}
ً
{اَل يسمعون ِفيها لَ ْغوا واَل تَْأثِ
َ َُْ َ َ ً َ
.13
اء َو ْج ِه َرِّب ِه اَّل ِ {وما ٍ ِ ِ ِ ٍ
َأِلحد ع ْن َدهُ م ْن ن ْع َمة تُ ْج َزى ِ ،إ ْابت َغ َ
ََ َ
اَأْلعلَى}.14
ْ
وآيات كثيرة على خالف في كثير مما أوردناه ومما لم
نورده هل هو فيه متصل أو منقطع أو عاطف أو زائد
وكذلك في السنة ،ومنها إذا قال له علي ألف درهم إال
لغا
ثوبا صح االستثناء ؛ فإن بين بما يستغرق قيمة األلف ً
ً
البيان ،والصحيح بطالن واالستثناء حينئذ فيلزمه األلف
،وقيل يطالب بيان صحيح.
_________
1سورة البقرة آية .34
2سورة البقرة آية .150
3سورة النساء آية .22 :
4سورة الدخان آية .56 :
5سورة النساء آية .29 :
6سورة النساء آية .92 :
7سورة النساء آية .157 :
8سورة األنعام آية .80 :
9سورة الشعراء آية .89 :
10سورة النمل آية .10 :
11سورة النمل آية .65 :
12سورة يوسف آية .68 :
13سورة الواقعة آية .26 /25 :
14سورة الليل آية .20 /19 :
صفحة 399 | 213 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
فائدة :ذكرها ابن سراقة
وهي :أنه قد يكون عليه ألف درهم لمن له عنده عبد أو
ثوب مثاًل ويخاف أن أقر له باأللف جحده المقر له الثوب
أو العبد فطريقه أن يستثنى العبد أو الثوب من األلف ،
وإ ن الغاصب استهلك العبد 1فللمقر أن يسقط قيمته من
األلف ويقر بما بقي ويحلف صادقًا.
واالستثناء من غير الجنس في اإلقرار ،قال الماوردي :
ال يختلف أصحابنا في حصته.
قال واختلفوا في غير اإلقرار على وجهين.
فائدة :قد يجيء لفظ يدل على معنى االستثناء وليس هو
مساويا له نظر في مسائل.
ً إياه ،ففي جعله
منها لو قال هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي قيل.
قال الرافعي ألنه إخراج بعض ما تناوله اللفظ فكان
كاالستثناء.
قلت قد يخرج فيه وجه من الوجهين في المسألة بعده ،
وقد ألحق الرافعي بهذه الصورة ما إذا قال :الخاتم له
وفصه لي .وفيه نظر .فقد يقال ليس الفص داخاًل في
مسمى الخاتم وإ ن دخل معه حالة اإلطالق بخالف بيت
من دار.
ومنها لو قال :له علي ألف أحط منها مائة أو استثنى
مائة ،ففيه وجهان حكاهما الماوردي.
مسألة :
الباء ترد لمعان أعمها اإللصاق فقد قي إنه معنى ال
أبدا ،ومن ثم اقتصر عليه سيبويه.
يفارقها ً
وتأتي للمقابلة وهي الداخلة على األعواض كاشتريته
بألف ،وأحسن مثال له قوله صلى اهلل عليه وسلم
"الخراج بالضمان" ؛ غير أن الفقهاء لم يجعوا ما دخلت
ثمنا إال إذا كان العوضان نقدين أو دخلت على
عليه الباء ً
النقد ،فإن دخلت على غير النقد ،ومقابلة نقد قالثمن
النقد ،هذا ما صححه الرافعي والنووي والوالد رحمهم
اهلل وقيل الثمن مدخول ،الباء مطلقًا وقيل النقد مطلقًا.
_________
1في "ب" زيادة أو الثوب من األلف.
صفحة 399 | 214 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
واختلف في مجيئها للتبعيض ،فأثبته ابن مالك ،ونفاه
غيره .وعلى اإلثبات يتوجه قول من أخذ االجتزاء بأقل
ما ينطق عليه االسم من مسح الرأس من قوله تعالى :
{برؤوسكم} 1ومن ثم قيل إنه قول الشافعي رضي اهلل
عنه ،والصواب أن الشافعي لم يأخذ من حرف الباء
ولكن من غيره كما قرر في مكانه.
ظلَ ْمتُ ْم َْأنفُ َس ُك ْم بِاتِّ َخ ِاذ ُك ُم
وترد الباء للسببية ومنه {ِإَّن ُك ْم َ
اْل ِع ْج َل} 2ومثل به ابن مالك لباء التعليل ،وجعل باء
العلة غير باء السببية .وقدمنا الكالم عليه في مباحث
العلل من أصول الديانات وال يخفي أنه أنه إذا اختلفت
محاملها حملت عند القرينة على ما دلت عليه القرينة ،
فإن لم تدل على شيء فليس إال اإللصاق ؛ فإنه القدر
المشترك ومن ثم يضرب النظر إذا تعاوضت القرائن ؛
وذلك فيما إذا قال طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة
،فقوله بدينار قرينة أنه خلع ،وأن الباء [للعوضية]3
لكن يدرأ هذه القرينة اشتراطه الرجعة وال رجعة في
دافعا ألوله
البينونة ؛ فاحتمل أن يجعل آخر الكالم ً
ويتساقطان ،ويبقى قوله طلقتك فيقع الطالق وتثبت
الرجعة ال لكونه اشترطها ؛ بل ألن الواقع طالق غير
بائن ،وهو الصحيح في المسألة ومنقول المزني والربيع
رجعيا وال مال ،ويمكن أن
ً عن النص .أعني وقوعه
يقال حذف قوله بدينار عن درجة االعتبار ،أو حذفت
الباء عن معنى العوضية وحملت على السببية.
واعلم أن معنى السببية أعم من معنى العوضية ،فبعتك
بدرهم معناه بسبب درهم أخذته مقابله ،ومن ثم قال
بعض النحويين باء العوض هي باء السبب وهو الصحيح
؛ فإذا انتفى خصوص العوض لم يبعد بقاء عموم السبب
فيحمل على عموم السببقية أو غيرها .والحاصل انتفاء
باء العوض هنا لما دلت القرينة اللفظية عليه وهي
اشتراط الرجعة واحتمل أن ال تحذف الباء عن درجة
االعتبار ،وال اشتراط الرجعة ،وال يخفي أن المصير
إلى هذا لو تم أوجه ؛ ألن األعمال خير من اإلهمال.
وكيف السبيل إلى ذلك.
مجانا ،
ويحتمل أن يقال دلت الباء على أن الطالق ليس ً
ولكنه بعوض.
غير أن خصوص الدينار منفي ،لكونه أوقفه على شرط
ال يحصل معه ،ودل الشرط على أنه اليكون إال عند
طا ،وبقي
حصول الدينار فإذا انتفى الدينار ولم يكن شر ً
أصل العوض ،فيرجع إلى مهر المثل ويقع بيانه ،وكان
هذا خلع بشرط فاسد ،فألغي
_________
1سورة المائدة آية .6 :
2سورة البقرة آية .54 :
3في "ب" للعوض.
صفحة 399 | 215 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
الشرط ،كما إذا خالعها بشرط أن ال عدة عليها وألغي
تعيين العوض إذا لم يسلم له الشرط وحصلت البينونة
بالعوض الشرعي وهنا دقيقة وهي أن ما ثبت بالشرع
أولى مما يثبت بالشرط ومهر المثل ثبت في الخلع
بالشرع فهو أولى من العوض الذي يعينه المختلع ،
وكذلك الرجعة تثبت في الطالق الرجعي بالشرع ؛ فهي
أولى من إثباتها بالشرط.
فمن ثم قال بعض األصحاب االحتمال األول يثبت في
الرجعة ال بقوله ،بل بالشرع ،ويسقط العوض مطلقًا
وقال األصحاب هذا االحتمال يثبت مطلق لعوض ال
عوضا ويسقط
ً بقوله بل الشرع الذي أثبت في كل خلع
شرط الرجعة ،وهذا هو اختيار المزني وطائفة من
األصحاب منهم اإلمام والغزالي.
ويحتمل أن يصح الخلع ويثبت المسمى وتثبت الرجعة ،
عوضا عما نقص من عدد الطالق ،وهذا
ً ويكون المال
مروي عن مالك رحمه اهلل ،وال يمكن القول به عندنا.
ويحتمل أن يسقط شرطه للرجعة ويثبت المال المعين ،
وهو منقول عن أبي حنيفة رحمه اهلل وأحمد رضي اهلل
عنه ورواية عن مالك رضي اهلل عنه ؛ فانظر تصرف
األئمة رحمهم اهلل في مدلوالت األلفاظ وحرصهم على
أعمال الكالم ما وجدوا إليه سبياًل .
فرع :إذا قال أنت طالق برضا فالن أو بقدومه فهو
تعليق ؛ كقوله إذا رضي أو قدم .قاله صاحب التهذيب
وحكاه عند الرافعي في فصل التعليق والسنة والبدعة.
ورأيت أنا في التهذيب مع جزمه مع أكثر األصحاب بأنه
لو كان موضع الباء الالم كان للتعليل ،واقتضى الوقوع
راضيا ،وليس لنا باء للتعليق.
ً وإ ن لم يكن فالن
ولعل مراده بالعوض ونفي عنها السبب كما قدمناه.
مسألة :
بعد ظرف [زمان] 1دل على تأخر سابقه عن الحقه
عكس قبل ؛ فإذا قال وقفت على أوالدي وأوالد أوالدي
بطنا بعد بطن ترتب ،وهو الصحيح ،وفاقًا للشيخ اإلمام
ً
،وخالفًا للرافعي والنووي.
مسألة :
بل حرف إضراب يتلوه جملة ومفرد ؛ فإن تاله جملة
كان اإلضراب بمعنى االنتقال من غرض إلى آخر وإ ما
بمعنى اإلبطال ومن ثم لم يسمع قوله هذا الدار لزيد بل
لعمرو في إبطال إقراره لزيد ؛ إذ ليس له أن يبطل ما
أقر به فليسلم لزيد ويلزمه غرم قيمتها لعمرو على
الصحيح وإ ن تالها مفرد فهي عاطفة ،ثم إن تقدمها
إثبات نحو
_________
1في "ب" الزمان.
صفحة 399 | 216 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
عمرا ،وقام زيد بل عمرو فقال النحاة
زيدا بل ً
أضرب ً
هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فال يحكم عليه بشيء
ويثبت ما بعدها.
وأقول هذا في الخبر واضح ،أما في األمر نحو اضرب
عمرا لو فرض وروده في كالم الشارع فالظاهر
زيدا بل ً
ً
أنه نسخ قبل الفعل.
نهيا فهي لتقدير ما قبلها على حاله
وإ ن تقدمها نفي ولو ً
وجعل ضده لما بعدها ،نحو ما قام زيد بل عمرو ،
ووافق المبرد على ما ذكرناه ،غير أنه أجاز مع ذلك أن
تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها.
دينارا بل
ويتخرج على الخالف ما الذي لك عندي ً
درهما [ ،أو] 1بل درهم ويختلف المعنى فإن نصبت
ً
الدراهم اتجه أن ال يجب شيء ،وجاز النصيب بعد بل
موجبا فلم يتعين رفعه
ً ألن المعطوف على خير ما ليس
بل وجب النصب ؛ ألن التقدير " :بل ما الذي لك عندي
درهما" وحينئذ ال يجب الدرهم لكونه نفاه ولم يتقدم منه ً
إثباته وال الدينار لنفيه إياه أواًل .
فإن قلت :لكن مفهوم "بل" إثباته.
قلت :إن سلم أن مفهوم فاألقارير ال تثبت بالمفاهيم.
مقرا به ؛ إذ التقرير "بل الذي
وإ ن رفعت الدرهم كنت ً
عندي درهم".
مسألة :بلى :حرف جواب مختص بالنفي مفيد إلبطاله
جوابا السفتهام أو لخبر منفي
سواء كان ً
فاألول :مثل أليس لي عليك ألف ؟ فيقول :بلى.
والثاني :مثل أليس لي عليك ألف ؟ فيقول :بلى ؛ غير
مقرا لمنكر ؛ وإ نما كانت 2كذلك
أنه في هذه الثانية يكون ً
ردا للنفي الذي في كالم المستفهم أو المخبر ونفي
لكونها ً
النفي إثبات ،وعلى ذلك ورد في االستفهام التقريري
ت بِ َرِّب ُك ْم قَالُوا َبلَى} 3معناه أنت ربنا
قوله تعالى َ{ :ألَ ْس ُ
ولذلك قال ابن عباس لو قالوا نعم لكفروا ووجه ذلك بأن
نعم تصديق لما وقع اإلخبار عنه بنفي أو إثبات هذا
مقتضى اللغة ولذلك يلزم من قال "بلى" في جواب من
قال :أليس لي عليك كذا.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" زيادة بلى.
3سورة األعراف آية .172 :
صفحة 399 | 217 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
فإن قلت :وهو الصحيح فيما لو قال " :نعم" مع أن "نعم"
نفيا فمقتضاها النفي ،
تقرير للمسؤول عنه فإن كان ً
ولذلك قال ابن عباس رضي اهلل عنهما لو قالوا نعم
لكفروا.
وحينئذ فيكون الجواب بنعم معناه نفي أن له عنده فكيف
حكمتم بأنه إقرار.
قلت :إنما حكمنا بذلك للعرف .وإ ال فموضوعه اللغوي
ما ذكرت.
فإن قلت :ما تقولون فيما إذا أجاب في اإلثبات ببلى فإنه
على خالف وضع اللغة إذا وضعها تحقيق ما سأل عن
نفيه ال ما سأل عن ثبوته.
قلت :قال أصحابنا إنه إقرار لما اشتهر في العرف من
استعمالها في تحقيق الجواب وإ ن كان إثباتًا ،وهو نظير
ما قلناه في "نعم" وخالفهم الشيخ اإلمام وقال :ال يكون
إقرارا ومنع اطراد العرف ،وبتقديره قال :ينبغي أن
ً
يطرقه الخالف فيما تقدم.
مسألة :
تاء التأنيث :تدخل على اسم العدد من ثالثة إلى عشرة
مذكرا وتخرج إذا كان مؤنثًا ؛ فعلى هذا
إذا كان المعدود ً
عشرا كان
إذا قال عشرة من اإلبل كان للذكور وإ ن قال ً
لإلناث.
وهو الصحيح عند الوالد رحمه اهلل في باب الوصية إال
أن يكون القائل جاهاًل ،ورجح الرافعي والنووي أنه ال
فرق.
[قلت] 1تجيء التاء المذكورة للمبالغة كراوية لكثير
الرواية [ ،ولتأكد] 2المبالغة كعالمة ،فإنا استفدنا
المبالغة من صيغة فعال المشدد العين.
ووقع كالم اإلمام في النهاية في باب القذف في المسألة
التي سنذكرها عن بعضهم أن عالمة ونسابة كراوية ،
وليس كذلك إذا علمت هذا فإذا قال الرجل :يا زانية
فمذهبنا أنه قاذف خالفًا ألبي حنيفة رحمه اهلل ؛ غير أن
مأخذ مذهبنا في ذلك قيل فيه إن اللحن فيما نحن فيه ال
يمنع وهذا هو الذي ارتضاه اإلمام وغيره وقيل ألن التاء
للمبالغة ؛ فقد قذف وزاد.
وقال الرافعي :ولم يرتض اإلمام وآخرون هذا النبأ ،
وقالوا :ليس هذا مما يجري فيه القياس ،وال يصح أن
يقال لمن يكثر القتل قاتلة وقتالة ،كذا قال اإلمام في
النهاية وعبارته
_________
1في "ب" مسألة.
2في "ب" لتأكيد.
صفحة 399 | 218 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
مطردا ،فال يقال
ً قياسا
أن هذا باطل قال " :ألنه لم يتمهد ً
لمن كثر منه القتل "فالن قاتله".
ولسان العرب ينقسم إلى ما ال قياس فيه أصاًل ؛ وإ نما
المتبع فيه السماع المحض وإ لى ما يطرد فيه القياس ،
وإ لى ما يجري فيه قياس مقرون بالسماع ،وال حاجة
إلى [التعليل 1بمثل هذه انتهى.
قلت :الحاصل أنه موقوف على السماع ،ويؤيد هذا أن
شيخنا أبا حيان جزم في باب الحال في كالمه على
صيغة "كأنه" أن -رواية شاذ وأن مثل هذا موقوف على
السماع لكن في كالم أبي علي الفارسي ما نصه.
[وإ لحاق هذه التاء بعد ما تزيد فيه المبالغة جائز].2
مسألة " :ثم" حرف عطف للتشريك والترتيب والمهلة
خالف قوم في اقتضائها الترتيب ،وآخرون في اقتضائها
المهلة وذهب إليه من الفقهاء القاضي أبو عاصم ؛ فقال :
إذا قال وقفت على أوالدي ثم أوالد أوالدي ال يقتضي
الترتيب مع قوله إن الواو للترتيب.
ولعل الجمع بين هاتين المقالتين خرق لإلجماع ،ولكن
مأخذ أبي عاصم أن الوقف إنشاء فال يعقل فيه ترتيب ،
وليس ذلك من ثم ؛ كذا نبه عليه الوالد رحمه اهلل تعالى
في كتاب الطوالع المشرقة.
ونظيره ما قاله الرافعي في آخر باب القسم والنشوز لو
قال :طلقها ثم خذ مالي منها جاز تقديم أخذ المال على
الطالق فإنه زيادة خبر انتهى.
فذلك ألنه زيادة خبر كما تقدم ،ال لعدم اقتضاء ثم
أيضا ترتيب في اإلنشاء ،ألن خذ إنشاء
الترتيب وألنه ً
فاجتمع في هذه الصورة شيئان اإلنشاء وزيادة الخبر
وكان الترتيب منهما ال من ثم.
مسألة :
"حتى" البحث فيها كما في إلى ،وقد تقدم3
_________
1في "ب" التعلق.
2سقط من "أ" والمثبت من "ب".
3في "ب" زيادة دون ،زها ،سلخ ،سنة ،شطر.
صفحة 399 | 219 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
مسألة :
"على" ذكرا لنحاة مجيئها حرفًا بمعنى االستعالء
والمصاحبة والمجاوزة والتعليل والظرفية واالستدراك
وموافقة من والباء وقد كثر استعمال الفقهاء لها في
{لتُ َكِّب ُروا اللَّهَ َعلَى َما َه َدا ُكم}1
التعليل وشاهده في التنزيل ِ
ات َعلَى َما َر َزقَهُ ْم ِم ْنوقوله { :اسم اللَّ ِه ِفي ََّأي ٍام معلُوم ٍ
َْ َ َْ
يم ِة ْ
اَأْلن َع ِام}.2 ِ
َبه َ
وفي االستدراك واإلضراب :كقولهم فالن ال يدخل
الجنة على أنه ال ييأس من روح اهلل ،ومنه :
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من
البعد3
عوضا ،مثل أنت طالق على
ً أيضا
وكثر استعمالهم لها ً
ألف ،ونحو بعتك على أن تعطيني عشرة جزم الرافعي
في الصداق بأنه يصح ،وحكاه الشيخ اإلمام عنه في
أوائل كتاب البيع وسكت عليه فليحمل على معنى الباء
التي بمعنى العوض ال الباء من حيث هي ولم أجد له
شاهدا.
ً
طا] ، 4ولم أجد من ذكره
أيضا شر ً
[وكثر استعمالهم لها ً
من النحاة في معانيها ،وأذكر أن الوالد رحمه اهلل بحث
عن ذلك وأطال كالمه "فيه معنا لما" 5انتهى في شرح
المنهاج إلى نكاح الشغار ،وال أعرف ما الذي تحصل
عليه من ذلك.
وقد قال الغزالي صورة الشغار [أن يقول] 5زوجتك
بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يضع كل واحد
منهما صداق األخرى ،ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد
نكاح ابنتك.
وقال القفال :إنه يبطل للتعليق.
فانظر كيف فهم التعليق من على ؟
_________
1سورة الحج آية .37 :
2سورة الحج آية .28 :
3البيت من الطويل البن الدمينة انظر ديوانه ، 82
مغني اللبيب ، 145 /1شرح األشموني ، 223 /2
والشاهد في البيت استعمال
....................على أن قرب الدار خير من البعد
فأبطل بعلى عموم قوله "لم يشف ما بنا".
أيضا شرط والمثبت من "ب".
4في "أ" وكثر استعماله ً
5سقط في "ب".
صفحة 399 | 220 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
وقال بعض األصحاب أظنه القاضي الحسين إنما يبطل
إذا قصد توقيف االنعقاد فليبحث عن ذلك.
َأن تَْأ ُج َرنِي
{علَى ْ
طا قوله تعالى َ : ويشهد لمجيئها شر ً
ثَ َمانِ َي ِح َجج} 1وقول بعض الصحابة لعثمان أبايعك على
طا في نكاح الشغار كتاب اهلل ،وقد استعملها الفقهاء شر ً
كما [عرفت] 2وفي الخلع ،وفي خالعتك على هذا الثوب
على أنه هروي ،وفيما لو نكحها على أن ال يطأها [إال
نهارا ،وفي باب الصداق
مرة ،أو أن ال يطأها] 3إال ً
فيما لو نكحها على أن ألبيها ألفًا.
تنبيه :تستعمل "على" بمعنى الوجوب وهو راجع إلى
االستعالء نحو قوله صلى اهلل عليه وسلم " :يا أيها الناس
على كل "...ونحو قول الشافعي رضي اهلل عنه على
اآلباء [واألوالد] 4أن يؤدبوا أوالدهم ويعلموهم الطهارة
والصالة وبمعنى االستحباب.
فائدة :صح قوله صلى اهلل عليه وسلم لو يعلم المار بين
خيرا له من
يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين ً
أن يمر بين يديه 5الحديث ،وليس فيه من اإلثم.
وفي المسألة وجهان رجح القاضي واإلمام والغزالي أن
كراهة المرور كراهة تنزيه ،والصحيح أنه للتحريم ،
وعلى كافية في الداللة عليه وإ ن لم يصرح بلفظ اإلثم
ووقع في الرافعي التصريح بلفظ اإلثم ،ولكن ليس هو
أيضا بلب التحريم يحصل
في لفظ الحديث وال يحتاج إليه ً
بلفظ على.
مسألة :
"عند" اسم للحضور.
"غير" أصل وضعه الصفة ،واالستثناء به عارض ،
عكس إال.
وشرط غير أن يكون ما قبلها [يصدق] 6على ما بعدها
نقول مررت برجل غير
_________
1سورة القصص آية .27 :
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" األبناء.
5أخرجه البخاري 584 /1كتاب الصالة حديث "
"510ومسلم 364 -363 /1كتاب الصالة حديث "
."507 -261
6في "ب" يكون.
صفحة 399 | 221 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
فقيه وال يجوز غير امرأة ،بخالف ال النافية ؛ فإنها
بالعكس وهذا في غير العلمين ،أما العلمان فيجوز
العطف بـ "ال" وبـ "غير" وفي غير مسائل.
منها كل امرأة لي غيرك طالق ،وال امرأة [له] 1سواها
،قال القفال والقاضي الحسين :إن قصد االستثناء وقع
لكونه مستغرقًا وقال الشيخ اإلمام ال يقع مطلقًا ،وهو
قضية كالم الخوارزمي في الكافي إذ قاله في سوى ،وال
فرق بينها وبين غير هنا ،وقد ذكرت المسألة فيترشيح
التوشيح في باب العجائب والغرائب.
علي درهم غير دانق
فرع :قال الرافعي :لو قال له ّ
فقضية النحو وبه قال بعض األصحاب أنه إن نصب
غير ؛ فعليه خمسة دوانق ألنه استثناء وإ ال فعليه درهم
تام ؛ إذ المعنى فعلي درهم ال دانق.
وقال األكثرون السابق إلى فهم أهل العرف منه االستثناء
فيحمل عليه وإ ن أخطأ في اإلعراب انتهى وأقره الوالد.
فأما قوله قضية النحو في النصب خمسة دوانق فليس
على إطالقه .بل لهم حال النصب إعرابان.
قال أبو علي الفارسي هو منصوب على الحال واختاره
ابن مالك ،وعزي إلى ظاهر كالم سيبويه ؛ فعلى هذا
يلزم درهم تام ،وقال آخرون وهو المشهور أنه نصب
على االستثناء وعلى هذا يخرج كالم الرافعي.
غيرا ،وهو
وأما قوله " :وإ ال فعليه درهم" يعني إذا رفع ً
واضح ؛ فإنها حينئذ صفة ،والمعنى "درهم موصوف
"غيرا" وال يخفى
بأنه غير دانق" ؛ ولكن يبقى ما إذا جر ً
أنه لحن ؛ غير أنه هل هو عدول عن النصب فيعطى
حكمه أو عن الرفع ؟ فيه نظر واحتمال.
مسألة " :الفاء" للتعقيب في كل بحسبه
[ومن ثم إذا مت فشئت فأنت حر اشترط لحصول العتق
إيصال المشيئة بالموت ،وهو الصحيح.
مسألة :إذا دخلت الفاء على الخبر نحو الذي يأتيني فله
درهم أو كل رجل يأتيني
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 222 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
أو من يأتيني سواء كانت من شرطية أو موصولة كان
الدرهم في مقابلة اإلتيان ،وإ ن كان لم تدخل فالكالم
إخبار محض ،والقضية ال معارضة فيها ،ومن ثم كل
من عبارة األصحاب في الجعالة].1
مسألة " :في" للظرفية الزمانية والمكانية
فلو قال أنت طالق في مكة يوقف طالقها على الحلول
بمكة كذا نقله العبادي عن البويطي ،ونقل الرافعي عنه
أنها تطلق في الحال ؛ ألن المطلقة في بلد مطلقة في باقي
البالد ولك أن تقول حتى يصدق قبل الحلول بمكة أنها
مطلقة في بلد.
مسألة :
قد [حرف تحقيق تدخل على الماضي المنصرف لتقريب
زمانه في الحال ،وعلى المضارع وال يفيد تعلياًل فيه ؛
بل التوقع فإذا قال لعبد غيره قد اعتقتك].2
مسألة :
قبل [الذي هو ضد بعد مدلوله التقديم وال يستدعي وجود
مسبوقيه المقطوع بأن سيوجد.
وفي المحتمل تردد أال ترى قول إسماعيل البوشنجي
فيمن قال أنت طالق قبل أن تدخلي الدار أنه يحتمل
وجهين أحدهما كقوله قبل موتي وأصحهما ال يقع حتى
مستندا إلى ذلك الشيء ؛ ألنه الصفة
ً يوجد ؛ فحينئذ يقع
تقتضي وجوده ذكره الرافعي في تعليق الطالق].3
مسألة :
كاد من أفعال المقاربة ،وأمرها في اإلثبات واضح ،
وأما إذا نفيت فذهب الزجاجي 4أنها نفت المقاربة ،قالوا
ويلزم منها نفي الفعل ،ومن ثم جعلوا مذهبه أنها تبقي
إذا بقيت كغيرها من األفعال ،وقالوا في قوله تعالى :
اها} 5معناه :لم
{لَ ْم َي َك ْد َي َر َ
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4هو الحسن بن محمد بن العباس القاضي أبو علي
الطبري الزجاجي أخذ عن ابن القاص.
له كتاب زيادات المفتاح وله كتاب في الدور.
طبقات الشافعية البن قاضي شهبة ، 140 -139 /1
معجم المؤلفين .284 /3
5سورة النور آية .40 :
صفحة 399 | 223 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
اد ُي ِس ُ
يغهُ}1 {واَل َي َك ُ
يرها وال قارب رؤيتها ،وفي قوله َ :
[أنه ال يسيغه] وال يقارب إساغته وهذا رأي شيخنا أبي
حيان.
ومذهب أبي الفتح أن نفيها يدل على وقوع الفعل بعد بطء
ون} 3ومن ثم قيل إذا دخل
ادوا َي ْف َعلُ َ
وها َو َما َك ُ
بدليل {فَ َذَب ُح َ
عليها نفي أثبتت ،وأنشد عليه.
أنجوي هذا العصر ما هي لفظة جرت بلساني جرهم
وثمود4
وجرى على هذا الشيخ الفراء فقال في فتاويه :إذا قال
إقرارا بالطالق
المرأته :ما كدت أطلقك يكون هذا ً
فيحكم عليه بالوقوع .وهذا فيه نظر ؛ إذ لم يصدر
لعارف مدلول هذه اللفظة معتقد فيها هذا االعتقاد.
وجمع ابن مالك بين المذهبين فقال في التسهيل وتبقى كاد
غدا ولعدمه وعدم مقارنته ولقد أجاد
إعالما بوقوع الفعل ً
ً
؛ فإن لهما هذين االستعمالين.
غدا .وهو مذهب أبي الفتح
أما إعالمها بوقوع الفعل ً
فبدليل اآلية وإلمكان ذلك رجع ذو الرمة في قوله :
إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية
يبرح5
أما إعالمها بعدم الفعل وعدم مقارنته وهو االستعمال
الثاني ؛ فهو مذهب الزجاجي ،وقد ذكرنا من شواهده
وإ ذا ثبتت االستعماالن في لغة العرب تعين مذهب ابن
مالك ؛ غير أن األول منهما فيما [أحسب] 6أكثر.
والحاصل أن كاد معناها قارب ؛ فإذا قلت ما كاد فقد
نفيت المقاربة وال يلزم من نفيها نفي الفعل ؛ فإنك تقول
خلص فالن وما كاد يخلص وتقول نجا وما قارب النجاة
_________
1سورة إبراهيم آية .17 :
2سقط في "ب".
3سورة البقرة آية .71 :
4البيت من الطويل ألبي العالء المعري انظر جمع
الهوامع ، 132 /1األشموني ، 132 /1األشموني /1
، 268والشاهد كما ذكر المصنف رحمه اهلل.
5والبيت من الطويل لذو الرمة والبيت في شرح
المفصل .124 /7
إذا غير الهجر المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب
مية يبرح
6في "ب" يحسب.
صفحة 399 | 224 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
كما تقول :ما نجا وال قارب النجاة فنفيها نفي أخص ،
فتحته ضربان.
هذا الذي أفهمه منها ،وبه يظهر سداد مذاهب ابن مالك
،وحمله اختالف الزجاجي وأبي الفتح على أن لها
استعمالين ،وال أرى لخالف ذلك وجهًا ،وقولهم يلزم
من نفي المقاربة نفي الفعل فيه نظر ؛ فقد تبقى مقاربته
مع وقوعهن لكن ذلك قليل ،وال يقال كل من فعل قد
سبق فعله مقاربته للفعل ؛ ألنه قد يفعل وال يكون عند
هجما فيقال فعل ،وما كان
فعله بحيث يفعل ،بل يهجم ً
يفعل.
مسألة :
"كم" خبرية بمعنى كثير ،واستفهامية بمعنى أي عدد.
وليست االستفهامية أصاًل لها ؛ خالفًا للزمخشري حيث
ادعى ذلك من سورة يس عند الكالم على {َألَ ْم َي َر ْوا َك ْم
َأهلَ ْكَنا} 1وهو مقتضى كالم ابن مالك في التسهيل. ْ
وهما مشتركان في االفتقار إلى التمييز ؛ إال أن تمييز
الخبرية واجب الخفض وتمييز االستفهامية منصوب ،
وفي جره مذاهب ؛ ثالثها الصواب جوازه بشرط أن تجر
كم بحرف جر وحينئذ فالجر أقل من النصب.
وفيه مسائل :منها إذا قال بع بكم شئت قال األصحاب له
البيع بالغبن الفاحش ،وال يجوز بالنسيئة وال بغير نقد
البلد ،ولك أن تقول إن كان هذا العرف فيه هذا اللفظ
فجيد ؛ غير أنا ال نجد فيه عرفًا ؛ وإ ال فهذا اللفظ أواًل
غير عربي ،ألن كم لها الصدر فال يتقدم عليها قوله
"بعه".
ومن ثم غلط شيخنا أبو حيان بن عطية 2؛ إذ قال في
َأهلَ ْكَنا قَْبلَهُ ْم ِم َن اْلقُُر ِ
ون ََّأنهُ ْم قوله تعالى َ{ :ألَ ْم َي َر ْوا َك ْم ْ
ون} 3أبدلت "أن" وصلتها من "أل". ِإلَ ْي ِه ْم اَل َي ْر ِج ُع َ
وقال عامل البدل هو عامل المبدل منه يروا فكم لها
الصدر ؛ فال يعمل فيها ما قبلها ،وإ ن قدره أهلكنا فال
تسلط له في المعنى على البدل.
_________
1سورة يس آية .31 :
2عبد الحق بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد
اهلل بن تمام بن عطية الغرناطي ،قال ابن الزبير :كان
نحويا
فقيهًا جلياًل عارفًا باألحكام والحديث والتفسير ً
شاعرا توفي سنة اثنتين وأربعين
ً بارعا
أدبيا ً
لغويا ً
ً
وخمسمائة ،بغية الوعاة "."73 /2
3سورة يس آية .31 :
صفحة 399 | 225 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
وثانيا :كم فيه ال يصلح أن تكون خبرية ؛ ألن هذا
ً
الكالم إلنشاء التوكيل بالبيع بما يراه ،ولو جعلت خبرية
أمكن أن يتحمل لها أن ال تكون للصدر على لغة حكاها
األخفش 1وذكر أنهم يقولون ملكت كم غالم أي ملكت
كثيرا ولكن ال يمكن ؛ إذ ال تصح الخبرية هنا وال
ً
االستفهامية ،إذ المتكلم لم يقصد االستفهام ،بل عقد
التوكيل على هذه الصورة.
وبلغني أن أبا علي ذكر أن كم قد تشرب معنى أي .فإن
أراد معنى أي مطلقًا فيتجه أن يقال هنا معنى قوله بكم
شئت بأي شيء شئت.
وإ ن أراد معنى أي في العموم مع بقاء االستفهام كما ذلك
في أي االستفهامية فال يتخرج هنا ؛ إذ ال استفهام في
التوكيل وما يتنبه له أن مدلول كم تقتضي أن ال يبيع إال
بعدد أي عدد شاء فلو باع بواحد فال يصح ؛ إذ الواحد
ليس بعدد كما هو الحق الصواب.
هذا موضوع كم وإ طالق األصحاب يأباه ،ونظير
المسألة إذا قال الولي للوكيل زوجها بكم شئت فله
تزويجها بأقل من مهر المثل برضاها ذكر الرافعي في
الصداق.
مسألة :
"كيف" اسم يستعمل على وجهين للشرطية ،وكيف
وخبرا للحال.
استفهاما ً
ً
فإذا قال أنت طالق كيف شئت قال أبو زيد والقفال تطلق
شاءت أو لم تشأ ،وقال الشيخ أبو علي يتوقف طالقها
على صدر مشيئة منها في المجلس إما مشيئة أن تطلق
أو مشيئة أن ال تطلق.
مسألة :
كان فعل يدل على إتصاف اسمه بخبره في الماضي.
واختلف األصوليون في داللتها على التكرار ،وهي
مسألة لم يذكرها النحاة ،والنحاة قالوا في داللتها على
االنقطاع ،وهي مسألة لم يذكرها األصوليون.
قال بعض النحاة ال تدل على االنقطاع ؛ بل هي ساكنة
عنه.
وقال أكثرهم كما ذكر شيخنا أبو حيان تدل عليه ويتجه
على هذا عدم قبول شهادة
_________
1سعيد بن مسعدة أبو الحسن المعروف باألخفش
معتزليا دخل بغداد
ً األوسط قرأ النحو على سيبويه وكان
وأقام بها مدة درس وصنف فيها من تصانيفه معاني
القرآن ،المقياس في النحو ،إنباه الرواة ، 36 /2
شذرات الذهب .36 /2
صفحة 399 | 226 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
[شاهد] 1بأن هذه العين كانت ملك زيد ،وهو األصح.
وأما قول المدعي عليه "كان ملكك أمس" ؛ فإنه وإ ن كان
إقرارا يؤاخذ به على األصح فألن اإلقرار ال يكون ؛ إال
ً
عن تحقيق حتى لو استندت الشهادة إلى اليقين قبلت ؛
وذلك بأن يقول "هو ملكه اشتراه" ؛ كذا قال الرافعي.
ولك أن تفرق بين الشهادة واإلقرار بأوضح من هذا
فتقول :اإلقرار لو قال كان له على الف فإقرار عند
الشيخ اإلمام ،خالفًا للنووي.
مسألة :
كذا ترد على أنها كلمتان باقيتان على أصلهما كاف
التشبيه ،وذا اسم اإلشارة وال كالم فيهما ،وعلى أنها
أخرج جزءاها عن أصلهما واستعمال كناية.
بوهي ضربان :أحدهما أن تكون كناية] 2من غير عدد
،ومنه ما في الحديث عن يوم الحساب "أتذكر يوم كذا
أيضا.
فعلت فيه كذا وكذا" والك كالم في هذه ً
والثاني وهو المراد ،وهو غالب مواردها أن يكنى بها
عن عدد مجهول الجنس والمقدار.
واختلف في كذا في هذين الضربين فقيل هي حرف
التشبيه ركب مع اسم اإلشارة ،وأزال التركيب معنى
المفردين ،وأحدث للمجموع معنى لم يكن.
وقيل :ال تركيب ،وهي كلمتان على أصلهما ،والكاف
للتشبيه ومعناه باق وهذا يعزي إلى سيبويه والخليل3
وقيل :الكاف اسم بمنزلة مثل.
وقيل :اسم وال تشبيه فيه.
ثم قال النحاة في كيفية اللفظ بها ويميزها المكني بها عن
غير عدد لفظها اإلفراد والعطف ؛ نحو مررت بمكان
كذا ،وبمكان كذا وكذا.
_________
1سقط من "ب" والمثبت من "أ".
2سقط في "ب".
3الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي البصري أبو عبد
الرحمن صاحب العربية والعروض ،أستاد سيبويه.
توفي سنة خمس وسبعين ومائة.
بغية الوعاة .560 /1
صفحة 399 | 227 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
وأما في المكنى بها عن عدد ؛ فليس إال العطف ونصيب
أبدا ؛ هذا قول سيبويه ،وشذ سواه ،ثم قال
التمييز ً
كثيرا ،وقال ابن
سيبويه هي للعدد مطلقًا قلياًل كان أو ً
مالك للتكثير مثل كم الخبرية.
وال أدي هل يقول ال يكنى بها عما نقص عن أحد عشر
ألنه عدد قليل أو ال يلزم ذلك.
درهما
ً إذا عرفت هذا ؛ فلو قال له علي كذا وكذا
بالنصب وجب درهمان على المذاهب ،وهو جار على
مذهب سيبويه ،وقال المزني 1والوالد رحمهما اهلل
تعالى يلزمه درهم واحد.
مسألة :
الالم ترد لمعان كثيرة من أشهرها الملك واالختصاص
والتعليل ويكثر في كالم الفقهاء ورودها للتوقيت ؛ حتى
قالوا في كتاب الطالق الالم فيما ينتظر للتوقيت فإذا قال
لها أنت طالق للسنة إذا لم يكن الحال حال سنة أو للبدعة
إذا لم يكن الحال حال بدعة ،يحمل على التأقيت ؛ ألنهما
حالتان منتظرتان يتعاقبان على المرأة تعاقب األيام
والليالي ،ويتكرران تكرار األسابيع والشهور ،فأشبه ما
إذا قال لرمضان معناه إذا جاء رمضان.
قالوا والالم فيما ال ينتظر مجيئه وذهابه للتعليل ؛ وذلك
مثل أن يقول أنت طالق لفالن أو لرضا فالن فيقع فيا
حالل رضي أو سخط والمعنى أفعل هذا ليرضى.
فعن ابن خيران أنه إنما يقع في الحال إذا نوع التعليل ،
أما إذا أطلق فإنما يقع إذا رضى كقوله أنت طالق للسنة
والمشهور المنصوص األول ؛ حتى لو قال أردت
التعليق والتأقيت لم يقبل على األصح ؛ ولكن يدين هذا
كالم األصحاب ،وفرقوا بين أن يأتي باالم كما ذكرنا ،
أو بالباء فيقول برضاء فالن كما قدمنا في حرف الباء
عن صاحب التهذيب.
وأقول لم يتضح لي هذا كل الوضوح ،وما قاله ابن
خيران عندي قوي بل أقول ولو
_________
1إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق
أبو إبراهيم المزني المصري الفقيه ومن تصانيفه الجامع
الكبير والمختصر.
-طبقات الشافعية البن قاضي شهبة ، 58 /1وفيات
األعيان .196 /1
صفحة 399 | 228 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
نووا التعليل ؛ فكيف يقع في الحال إذا لم يكن قصده
ليرضى ،وما معنى التعليل إال لوقوع رضاه ،وليس
معناه ليقع رضاه ،وكأنهم أهملوا جانب الرضا
واستعملوا أنت طالق معرضين عن سبب الطالق ،وهذا
[مكان] 1مشكل.
مسألة :
لو قال في التهذيب ما نصه ولو قال لوال لطلقتك ال يقع
الطالق ؛ ألنه لم يرد اإليقاع بل أخبر أنه لوال حرمة
األب لطلقها ،كما لو قال لوال أبوك لطلقتك انتهى ذكره
في باب طالق المريض.
[مسألة :
لعل أشهر معانيها التوقع ،ومن ثم ]2لو قال لي عليك
إقرارا.
ألف فقال لعل لم يكن ً
مسألة :
غالبا ،ولبيان الجنس وللتبعيض ،
ن البتداء الغاية ً
وللتعليل ،والبدل وغيرها.
وفيها فروع :
منها :لو قال :بع ما شئت من [مالي] 3أو ما تراه من
عبيدي أو طلق من نسائي من شئت ؛ ففيها أربعة أوجه
جمعها الوالد رحمه اهلل في "شرح المنهاج".
أحدها :بطالن الوكالة.
والثاني :الصحة في العبيد والنساء دون األموال ؛
لكونها أعم وأقرب إلى الجهالة.
والثالث :الصحة في الكل ولكن ال يستوعب بل يبقى
بعضا.
ً
والرابع :الصحة ،وله استيعاب الكل ،وهو األقرب
عند الشيخ اإلمام الوالد رحمه اهلل .قال :ولم أجد من
صرح به إال القاضي الحسين فإنه حكاه وجهًا في صورة
الطالق.
والنووي قال :في صورة بع ما شئت من [مالي]: 4
"الصحيح المعروف أنه يجوز وهو ما ذكره صاحب
المهذب والتهذيب".
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3في "ب" مال.
4في "ب" مال.
صفحة 399 | 229 :
األشباه والنظائر
في المفردات من األسماء والحروف وبعض األفعال
فاحتمل أن يريد جواز الوكالة في الجملة -فال يكون هو
ما رجحه الوالد وأن يريد الجواز مع استيعاب الكل ،
فكون هو إياه.
ومأخذ من أوجب إبقاء بعض أن من للتبعيض -كذا
ذكره اإلمام والروياني وغيرهما وفيه نظر ؛ فإنه ال
يصح أن يحل مكانها -هنا -بعض والذي يظهر أنها
لبيان الجنس ،وفيه يظهر أن له استيعاب الكل كما
رجحه الوالد [ولو] 1كانت للتبعيض للزم بطالن الوكالة
كما ذكروه في "بع طائفة من مالي" ؛ إذ ال فارق إال
التفويض إلى المشيئة ،وال يظهر له أثر ظاهر.
_________
1في "ب" ولمن.
صفحة 399 | 230 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية :
جدا
ونحن نوردها على أبواب النحو نختصر ً
باب [شرح] 1الكلمة والكالم وما يتعلق به :
الكالم في اللغة :يطلق على الكلمة الواحدة -مستعملة أو
مهملة -وأقل ما تكون الكلمة على حرفين.
مفيدا
إسنادا ً
ً وأما عند النحاة :فالكالم ما تضمن من الكلم
مقصودا لذاته .جعلوا الكلم أعم من الكالم ،وخصصوا
ً
الكالم بالمستعمل ،واحترزوا باإلسناد عن النسبة
التقييدية ،كنسبة اإلضافة نحو :غالم زيد ،ونسبة
النعت نحو :جاء الرجل الفقيه ،واحترزوا بالمقصود
لذاته عن الجمل التي تقع صلة ،نحو :جاء الذي خرج
أبوه ،وعرف من هذا أن الجملة قد ال تكون مفيدة ،
بخالف الكالم.
إذا عرفت هذا فالمراد بالكالم -في قوله صلى اهلل عليه
وسلم " :إن صالتنا ال يصح فيها شيء من كالم
اآلدميين"- 2هو ما يعنيه اللغوي ال النحوي ؛ فإن
المصلي لو نطق بحروف مهملة بطلت صالته.
وعلم من اختالف الطريقتين أن حديث الساهي والنائم
زيدا -
كالم عند اللغوي ال النحوي ؛ فلو حلف ال يكلم ً
قال الرافعي في آخر تعليق الطالق...
مسألة: 3
المضارع "حقيقة" في الحال مجاز في االستقبال أن علته
أو مشترك أقوال.
_________
1سقط في "ب".
2أخرجه مسلم بلفز "إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء
من كالم الناس "...الحديث 382 - 381 /1كتاب
المساجد حديث "."537 -33
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 231 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
ومن فروعه :لو قالت " :أطلق" عقيب قوله " :طلقي
نفسك" وأرادت اإلنشاء -وقع فيا لحال وإ ن لم ترد
شيئصا لم يقع شيء ألن مطلقه لالستقبال .نقله الرافعي
عن البوشنجي.
ولو قال :أقسم باهلل ألفعلن فاألصح أنه يمين.
ولو أوصى بما تحمله هذه الشجرة أعطي الحمل الحادث
دون الموجود -قاله في الجعالة نقاًل عن الماوردي.
مسألة :
يطلق الكالم على الكتابة واإلشارة وما يفهم من حال
الشيء وهو إطالق مجازي.
باب النكرة والمعرفة :
قدم ابن مالك في التسهيل تعريف المعرفة على النكرة ثم
عرف النكرة بما سوى المعرفة وعكس في األلفية فقدم
تعريف النكرة وعرفها بقابل "أل" المؤثرة كرجل أو
الواقع موقع قابلها 1نحو :ذي ،ومن ،وما في قولك :
مررت برجل ذي مال ،وبمن معجب لك وبما معجب
لك ؛ فإنها واقعة موقع صاحب وإ نسان وشيء.
ووجه المتكلمون عليه تقديمه النكرة على المعرفة بأنها
األصل .والتحقيق عندي أن النكرة إن عرفت بدال على
الوحدة فهي قسيمة المعرفة وينبغي تقديم المعرفة حينئذ ؛
إذ ليست النكرة أصاًل ،وإ ن عرفت بالمطلق -أعني
الدال على الماهية من حيث هي -فهي األصل وتقديمها
متعين.
ثم الصواب عندنا أنها الدال على الوحدة فإذا صنيع
التسهيل أحسن.
وقد فرق الفقهاء بين النكرة والمطلق بدليل.
فرع :قال علي ألف في هذا الكيس فلم يكن فيه شيء
لزمه األلف ألنه أقر باأللف ثم وصفها بصفة مستحيلة
فيلغو المستحيل وال يجري فيه خالف بعقيب اإلقرار
برافع ألن ذلك عند انتظام الكالم وإ ن كان فيه أقل
فالصحيح لزوم اإلتمام.
_________
1قال ابن مالك :
مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا
ونكرة قابل أل ً
صفحة 399 | 232 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
ولو قال على [األلف] 1التي في هذا الكيس فلم يكن فيه
شيء لم يلزمه [اإلتمام] 2على األصح عند النووي
والوالد وإ ن كان فيه دون األلف لم يلزمه اإلتمام على
الصحيح والفرق بين التنكير والتعريف أن اإلخبار عن
المنكر الموصوف في قوة خبرين فأمكن قبول أحدهما
وإ لغاء اآلخر [واإلخبار] 3عن المعرفة الموصوفة تعتمد
الصفة ؛ فإذا كانت مستحيلة بطل الخبر كله.
ذكرا فإن
تحقيق :اشتهر بين الناس أن االسم إذا كرر ً
كانا معرفتين ؛ فالثاني هو األول 4كما [قلنا] 5في القسم
األول ،وإ ن كان األول معرفة والثاني نكرة فخالف
فاألول والثاني كالعسر واليسر في قوله تعالى { :فَِإ َّن َم َع
اْل ُع ْس ِر ُي ْس ًرا ِ ،إ َّن َم َع اْل ُع ْس ِر ُي ْس ًرا} واستدل على ذلك بما
مرفوعا عن عمر وابن مسعود وابن عباس رضي
ً روي
اهلل عنهم "لن يغلب عسر يسرين" .وخرج الحاكم هذا
اللفظ في مستدركه في تفسير سورة آل عمران.6
وأما الثالث :فكقوله تعالى َ { :ك َما َْأر َسْلَنا ِإلَى ِف ْر َع ْو َن
ول} 7وحاصل هذا جعل الر ُس َصى ِف ْر َع ْو ُن َّ
َر ُسواًل ،فَ َع َ
الالم للعهد.
اس ِفي َه َذا ض َر ْبَنا ِل َّلن ِ
{ولَقَ ْد َ والرابع :كقوله تعالى َ :
َّ ِ
ون ،قُ ْرَآ ًنا َع َربًِّيا َغ ْي َر اْلقُ ْرَآ ِن م ْن ُك ِّل َمثَ ٍل َل َعلهُ ْم َيتَ َذ َّك ُر َ
فقرآنا نكرة بعد القرآن المعرف وهو هو ، ً ِذي ِع َو ٍج}.8
َأن تَُن ِّز َل َعلَ ْي ِه ْم ِكتَ ًابا}9
اب ْ َأه ُل اْل ِكتَ ِ{ي ْسَألُ َك ْوقوله َ :
فالثاني غير األول .هذا حاصل كالمهم في هذه القاعدة ،
ولم يتحرر لي فيها قول [بت] 10فإن قولهم في
المعرفتين :أن
_________
1في "ب" ألف.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" زيادة :وإ ن كانا نكرتين فالثاني غيره وإ ن
كان األول نكرة والثاني معرفة فالثاني هو األول.
5في "ب" قلناه.
132 /2 6كتاب التفسير.
7سورة المزمل آية .16 -15 :
8سورة الزمر آية ."28 -27" :
9سورة النساء آية .153 :
10سقط في "ب".
صفحة 399 | 233 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
الثاني هو األول يرد عليه قوله تعالى في سورة المائدة :
ص ِّدقًا ِل َما َب ْي َن َي َد ْي ِه ِم َن اب بِاْل َح ِّ
ق ُم َ
ِ
{و َْأن َزْلَنا ِإلَ ْي َك اْلكتَ َ
َ
اب َو ُمهَْي ِمًنا َعلَ ْي ِه} 1وكذلك في سورة العنكبوت : اْل ِكتَ ِ
اب} اآلية2 {و َك َذِل َك َْأن َزْلَنا ِإلَ ْي َك اْل ِكتَاب فَالَِّذين َآ تَْيَن ُ ِ
اه ُم اْلكتَ َ َ َ َ
ثانيا غيره أواًل -وهما
وال يخفي أن الكتاب في اآليتين ً
معرفتان -وقولهم في النكرتين :أنهما غيران قد يورد
ف ثَُّمعليه نحو :قوله تعالى { :اللَّه الَِّذي َخلَقَ ُكم ِم ْن ضع ٍ
َْ ْ ُ
ثانيا ٍ ِ ِ
ض ْعف قُ َّوةً} 3وال يخفى أن الضعف ً َج َع َل م ْن َب ْعد َ
هو األول -وهما نكرتان.
الشه ِر اْل َحر ِام ِقتَ ٍ
َّ
ال َ ون َك َع ِن ْ
{ي ْسَألُ َ
وكذلك قوله تعالى َ :
{و ُه َو الَِّذي ِفي ِِ ِ ِِ ِ
فيه ُق ْل قتَا ٌل فيه َكب ٌير} ، 4وقوله تعالى َ :
ض ِإلَهٌ} .5فإن قلت :قد عرف الس ِ
َّماء ِإلَهٌ َو ِفي ْ
اَأْلر ِ َ
االتحاد فيما يكون من خارج.
قلت :فقيد إطالقك أن النكرتين غيران بما يندفع عنه
تحريرا لتقييده.
ً مثل هذا ،وال يتبين لي اآلن
أيضا قول أصحابنا قاطبة -في أنت طالق
ومما يرد ً
نصف طلقة وربع سدس طلقة -إن الواقع واحدة بخالف
ما إذا عطف بالواو فقال :نصف طلقة وربع طلقة
وسدس طلقة وكان قضية القاعدة أن يكون ثالث طلقات
في الصورتين ،وال أثر للعاطف.
وقالوا -في عبتك نصف وثلث وسدي دينار :إنه له دفع
شق من دينار ،وال يجب دفع دينار صحيح.
وفيه للوالد رحمه اهلل منازعة لسنا لها اآلن ،وقد حاول
األخ سيدنا وشيخنا وبركتنا شيخ اإلسالم ومحقق العلماء
وبركتهم أبو حامد أحمد -أحمد اهلل عواقبه -في كتاب
شرح التلخيص تحرير القاعدة فقال ما ملخصه :التحقيق
عاما في الموضعين فالثاني هو
أن يقال :إن كان االسم ً
األول ؛ ألن ذلك من ضوررة العموم ،وسواء كانا
معرفتين [عامتين] 6أو نكرتين حصل لهما العموم
بالموقع في سياق النفي.
أما إذا كانا عامين -وهما معرفة ونكرة -فسنذكره.
_________
1المائدة آية .48 :
2العنكبوت آية .47 :
3سورة الروم آية .54 :
4سورة البقرة آية .217
5سورة الزخرف آية .84 :
6في "ب" عامين.
صفحة 399 | 234 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
عاما فقط فاألول داخل فيه ؛ ألنه بعض
وإ ن كان الثاني ً
أفراده -سواء المعرف والمنكر -ويلتحق بهذا القسم في
دخول األول في الثاني إن كانا عامين واألول نكرة كقوله
تعالى :
ق} [ ،أي ال ون لَ ُك ْم ِر ْزقًا فَ ْابتَ ُغوا ِع ْن َد اللَّ ِه ِّ
الر ْز َ ِ
{اَل َي ْمل ُك َ
يملكون شيًئا من الرزق فابتغوا عند اهلل كل رزق] ، 1أو
جنس الرزق.
وإ ن كانا خاصين -بأن يكونا معرفتين بأداة عهدية-
فكذلك بحسب القرينة الصارفة إلى المعهود.
باب المضمر :
مسألة :
من المضمرات أنت -بفتح التاء للمذكر ،وكسرها
للمؤنث ،وقد تعكس -بتقدير الذات أو نحوها -ويحتاج
إلى ذلك عند الصالة على ميت مجهول أذكر هو أم أنثى
بقوله :اللهم اغفر له وارحمه ؛ ينبغي عود الضمير على
شخص الميت -رجاًل كان أو امرأة.
ولو قال لرجل :زنيت -بكسر التاء -أو للمرأة بفتحها
كان قذفًا -على ما قاله الرافعي -أو اللعان قال :وكذا
زان للمرأة ،وزانية للرجل وفيه قول قديم.
مسألة :
الضمير المسمى عند البصريين فصاًل وعند الكوفيين
عمادا صيغة ضمير مرفوع منفصل يتوسط بين المبتدأ
ً
والخبر نحو :هو من قولك :زيد هو القائم أو ما أصله
زيدا هو
المبتدأ أو الخبر نحو :كان زيد هو القائم وإ ن ً
القائم.
مسألة :
إذا سبق الضمير مضاف ومضاف إليه ،وتعذر عوده إال
إلى واحد منهما تعين عوده إلى المضاف ألنه المتحدث
استطرادا بطريق
ً عنه ،دون المضاف إليه ،ألنه جاء
[التبع]-
وهو تعريف المضاف أو تخصيصه ،وكذا قاله شيخنا
أبو حيان وجماعات ،وهو معتمد أئمتنا في ردهم على
{َأو لَ ْح َم ِخ ْن ِز ٍ
ير الظاهرية حيث زعموا -في قوله تعالى ْ :
فَِإ َّنهُ ِر ْج ٌس} 2إن الضمير للخنزير ال للحمه محتجين بأنه
أقرب مذكور ،وجوابهم أن
_________
1سقط في "ب".
2سورة األنعام آية .140 :
صفحة 399 | 235 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
األقربية شرطها أن يكون متحدثًا عنه ،وقد استدل باآلية
-على نحو استداللهم -ومن أصحابنا المارودي في
تفسيره.
فائدة :ذهب ابن حزم إلى أن من نسي صالة وجب عليه
-إذا تذكرها -قضاؤها في مكان غير الذي غفل فيه
عنها -وهي مسألة التحول.
قالت الظاهرية " :يجب التحول عن مكان الغفلة" ووافق
على أن ال يتعين قضاؤها في وقتها ،وعلى أنه ال يتعين
أن يقضي معها مثلها ،ثم ذكر حديث النسائي " :من
أدرك منكم صالة الغداة فليقض معها مثلها" ، 1وقال :
"إنه مشكل".
ثم أجاب عنه بأن الضمير في "معها" للغداة ال للصالة -
أي فليقض مع الغداة مثل الصالة -على حد صنعهم في
فرارا من أن يوجب ثنتين ،ولكن
"فإنه رجس" .قاله ً
يلزمه أن يتعين القضاء في وقت الغداة وهو ال يقول به.
مسألة :إذا اشتكرت الجملتان -المعطوفة إحداهما على
ظاهرا ،
ً األخرى -في اسم جاز أن يؤتي به في الثانية
محمدا رسول ً فيجوز أشهد أن ال إله إال اهلل ،وأشهد أن
ِ َّ
{و َم ْن ُيط ِع اللهَ
محمدا رسوله نحو َ :
ً اهلل ،كما يجوز وأن
ظاهرا في صيغة الشهادة ً َو َر ُسولَه} 2؛ بل اإلتيان به
خير ؛ أال ترى إلى اختالف األصحاب في أجزاء قول
محمدا رسوله" هل
ً القائل في التشهد في الصالة "وأن
يقوم قمام "رسول اهلل" لكن المأخذ الفقهي في ذلك التعبد
باالسم المعظم ال ما يتعلق بصناعة اللسان.
باب الموصول :
مسألة :
"من" :للعقل ،وقد يقع على غيره -قيل :مطلقًا-
والصحيح إذا اختلط بالعاقل.
"وخما" لغير العاقل ،وقد يطلق على العاقل قيل :مطلقًا
أيضا على العاقل إذا جهل
،وقيل :إذا اختلط ويطلق ً
أذكر هو أم أنثى.
وقد يصنع هذا في "من" أال ترى إلى "مسألة" في حجر
وقع من سطح ؛ فقال الزوج :إن لم تخبريني من رماه
فأنت طالق المسألة المنقولة عن القاضي الحسين وقد
_________
1أخرجه أبو داود 120 /1كتاب الصالة حديث "
."838
2األحزاب "."71
صفحة 399 | 236 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
تكلمنا عليها في ترشيح التوشيح ؛ فالظاهر أنه إنما أتى
"بمن" للجهل بالرامي [ ] 1ومراده إن لم تخبرني
براميه.
مسألة :
الموصول الحرفي :ما أول ما يليه بمصدر ولم يحتج
إلى عائد ،واحترزنا بقولنا :مع ما يليه عن اسم الفعل ،
نحو صه ؛ فإنه يؤول بمصدر إن لم ينونن وينكره إن
نون ،والفعل المضاف إليه اسم زمان نحو :قمت حين
قاموا ،والضمير العائد على المصدر المفهوم من فعل
قبله نحو :اعدلوا هو أقرب فإن هذه كلها مؤولة
بمصادر لكن المع ما يليها ،بخالف الموصول الحرفي
،فإن تأويله بمصدر يكون مع ما يليه.
ويقيد عدم احتياجه إلى عائد ،الذي إذا وصف به مصدر
ثم حذف المصدر وأقيم هو مقامه ؛ فإنه إذا ذاك يؤول مع
ما يليه بمصدر إير أنه يحتاج إلى عائد ؛ فليس بموصول
حرفي ،ومثاله :
اضوا} 2أي كالخوض َِّ
ضتُ ْم َكالذي َخ ُ
{و ُخ ْ
قوله تعالى َ :
الذي خاضوا .إذا عرف هذا فاعلم أن النحاة لم يزيدوا
على أن الموصول الحرفي مؤول بمصدر ،فيقدرون أن
ٍ
بالقيام ،أما أن والفعل في نحو :يعجبني أن تقوم
داللتهما على القيام يكون سواء فلم يتعرضوا لذلك ،
وللشيخ اإلمام رحمه اهلل كالم نفيس [فيه تقدم].3
"باب المبتدأ" :
مسألة :
ال بد أن يطابق الخبر المبتدأ فيتحد به معنى وإ ن غايره
ظا .ومن هنا نتطرق إلى جواب عن إشكال أذكره قائاًل
لف ً
:اختلف أصحابنا فيما إذا قال :هذه الدار بعضها لزيد
وبعضها لعمرو هل تجعل بينهما نصفين أو يكون
مجماًل .
يرجع فيه إلى إقراره ويقبل تفسيره بأن لزيد منها أكثر
مما لعمرو -؟ على وجهين ،نظيرهما إذا قال :أنت
طالق ثالثًا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة.
وفي مسألة الطالق هذه ثالثة أوجه .الصحيح
المنصوص :أنه يقع طلقتان في الحال األول ،وطلقة
في الحال الثانية ،ألن اللفظ محمول على [التشطير]4
فتكون
_________
1في "أ" " ،ب" أو إلى من غيرها من خلل في العبارة
والصواب حذفها ليستقيم الكالم.
2سورة التوبة آية "."69
3سقط في "ب".
4في "ب" الشطر.
صفحة 399 | 237 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
[حصة] 1الحال طلقة ونصف طلقة ،وبعض الطالق
يكمل فيقع طلقتان وتتأخر الثالثة إلى الحالة األخرى.
قال الرافعي :ووجه بأن الشيء إذا أضيف إلى حهتين
بلفظ البعض لزمت التسوية ؛ أال ترى أنه لو قال :هذه
الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو يحمل على التشطير.
والثاني :وعليه المزني يقع [واحدة] 2في الحال وتتأخر
اثنتان إلى االستقبال ،ألن لفظ البعض يقع على القليل
والكثير ،والمتيقن واحدة.
قال الرافعي :ومن صار إليه ال يكاد يسلم مسألة اإلقرار
ويقول :بأنه محل يرجع إليه فيه .والثالث :أنه يقع
الثالث في الحال حماًل على إيقاع بعض من كل طلقة.
قلت :وقد عرفت أن في مسألة اإلقرار أو وجهين ،
والرافعي حكاهما في موضعهما .وإ ذا عرفت هذا فقد
رأيت في تكلمة شرح المنهاج -ألخي شيخ اإلسالم بهاء
الدين أبي حامد أحمد أطال اهلل بقاءه وجمع شملي به في
خير وعافية وصلى اهلل عليه سيدنا محمد -أن كون
بعضها لزيد وبعضها لعمرو ال ينافي أن يكون بعضها
لثالث ؛ إذ ليس فيه ما يدل على اإلخبار عن جملة الداعر
،بخالف هذا الدار لزيد وعمرو ،فإن ضرورة مطابقة
الخبر للمبتدأ تفضي بالحكم على جميعها ،وبتقدير الحكم
على الجميع فمن أين المساواة ؟ .هذا كالمه في كتاب
الطالق.
وأقول :هذا السؤال يجيء في "أنت طالق ثالثًا بعضهن
للسنة وبضعن للبدعة".
فيقال :لم ال يقبل قوله :أردت واحدة للسنة وواحدة
للبدعة وواحدة تتأخر إلى أن تصير هذه المرأة ال سنة لها
وال بدعة وال يجيء في هذه الدار بعضها لزيد وبعضها
لعمرو ؛ ألن مطابقة الخبر للمبتدأ يجب أن يكون زيد
وعمرو مشركين في جملة الدار وهذا ألبي أعرب "هذه
الدار" مبتدأ و "بعضها" بداًل ،وقوله "لزيد" ظرف في
موضع الخبر ،والخبر مفرد.
وإ ذا كان كذلك تعين أن يكون البعضان مستوعبين لجملة
الدار ،وإ ال لزم عدم المطابقة وحمل العام على الخاص.
_________
1في "ب" رخصته.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 238 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
مسألة :
"ال يخبر عن المعنى بالحياة وال بالعكس إال على تأويل".
"فإذا قال " :حياتك طالق" لم تطلق ،ألن الحياة عرض ،
وهو الصحيح.
وإ ذا قال " :أنت الطالق" لم تطلق وبه جزم في "البحر"
ولنا فيه بحث نحوي ذكرناه في كتاب "منع الموانع".
"باب المفعول المطلق والمفعول له وفيه" :
المصدر :مدلوله الحدث ،واسم المصدر مدلوله لفظ
دال على الحدث كذا فرق بينهما ابن يعيش ،والفرق آت
في الفعل "كاسكت" مع اسم الفعل "كصه" .وشذ من ذهب
إلى أن اسم الفع واسم المصدر كالفعل والمصدر في
الداللة.
المصدر المنسبك :نحو :يعجبني صنعك إن كان
المعنى الماضي أو الحال أنحل إلى ما والفعل نحو ما
صنعت أو ما تصنع وإ ن كان بمعنى االستقبال انحل إلى
أن والفعل.
غير أن هنا وقفة محتومة على طالب الغايات وهي أن
المنحل هل هو في منزلة ما ينحل إليه أو أرفع منزلة
فيكون" .يعجبني صنعك" -يريد االستقبال -أبلغ من
"يعجبني أن تصنع" .كان الشيخ اإلمام يقطع بذلك ،
ويخرج عليه إذا قال " :وكلتك أن تبيع" ليس له أن يوكل
في بيعه بل يباشر [المبيع] 1بنفسه ،أما إذا قال " :وكلتك
في بيعه" قال :فله التوكيل".
قلت :ونظيره "أوصيت بأن تسكن هذه الدار" تكون
إباحة ال تملي ًكا ؛ بخالف "أوصيت بسكانها -نقله
الرافعي في الباب الثاني من الوصية -عن القفال ساكتًا
عليه وكذا لو باع بشرط العتق وبشرط أن تعتق ينظر
الفرق بينهما.
باب االستثناء :
ال يجوز وضع المستثنى أول الكالم ؛ ألن أداة االستثناء
بمثابة العطف "بال" النافية وتقديم المعطوف ممتنع ،
وعقد بعضهم اإلجماع على ذلك.
قال شيخنا أبو العباس األندرشي- 2وقد وهم عفا اهلل عنا
وعنه :فإن
_________
1في "البيع".
2أحمد بن سعد بن محمد أبو العباس العسكري
األندرشي الصوفي من تصانيفه شرح واختصر تهذيب
الكمال ،توفي في ذي القعدة سنة خمسين وسبعمائة ،
شذرات الذهب .116 /6
صفحة 399 | 239 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
الكسائي 1والزجاج 2يجيزان ذلك وعليه جاء قول
الشاعر :
خال اهلل ال أرجو سواك وإ نما أعد عيالي شعبة من عيالك
وإ ليه أشار ابن مالك بالشذوذ ؛ حيث قال :ال يقدم دون
شذوذ المستثنى على المستثنى منه والمنسوب إليه مقابل
على أحدهما.
زيدا
وأشار بقوله " :بل على أحدهما" إلى جواز قام إال ً
زيدا ذاهبون وفيه مسائل :
القوم والقوم إال ً
منها :إذا قال :له علي إال عشرة مائة فوجهان في
أوائل كتاب اإليمان من الرافعي.
أحدهما :الصحة فالالزم تسعون.
والثاني :البطالن فيلزم المائة.
باب الحال :الحال وصف من جهة المعنى
وفيه مسائل :
منها :إذا قال :أنت طالق مرضية -بالنصب -ال يقع
الطالق إال إذا مرضت ؛ قاله الرافعي في فروع الطالق.
قال ألن الحال كالظرف للفعل ولو رفع مريضة :
قال الرافعي فقد قيل :يقع الطالق في الحال ،وقوله :
"مريضة" وصف لها واختيار ابن الصباغ الحمل على
-أيضا -إال أنه لحن في اإلعراب .انتهى.
ً الحال
_________
1علي بن حمزة بن عبد اهلل بن عثمان إمام الكوفيين في
النحو وأحد القراء السبعة اختار لنفسه قراءة ومن
تصانفه معاني القرآن والنوادر وغير ذلك .بغية الوعاة
.164 /2
2إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج لزم
المبرد ومن تصانيفه معاني القرآن واالشتقاق وغير
ذلك .بغية الوعاة .441 /1
صفحة 399 | 240 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
رأيا له-
وقوله :في مذهبه إشارة إلى أن البندنيجي قاله ً
ال أنه جادة المذهب -فانعكس على الرافعي وتوهم أن
المراد بمذهبه مذهب الشافعي فجعله المذهب ،وجعل ما
هو المذهب اختيار البن الصباغ.
وقد رد ابن الصباغ على البندنيجي فإن "مريضة" نكرة ،
فال تكون صفة للمعرفة -وهي أنت -قلت :واألمر كما
قال " ،ومريضة" إنما هو خبر ثان ألنت.
ومنها :إذا قال " :أنت طالق طالقًا" قال الرافعي قبل
فصل التعليق بالحمل والوالدة -عن الشيخ أبي عاصم :
"أنه ال يقع في الحال شيء لكن إذا طلقها يقع طلقتان ؛
فيصير التقدير إذا صرت مطلقة فأنت طالق ،وليكن هذا
في المدخول بها انتهى.
قلت :أما الفرع فحكى صاحب التتمة فيه عن القاضي
وجهين آخرين.
أحدهما :ال يقع الطالق أصاًل ألن "طالقًا" نصب على
الحال ؛ فالتقدير حالة تكونين طالقًا والمرأة ال تكون
طالقًا إنما تكون مطلقة ،والرجل هو الطالق ،والصفة لم
توجد فال يقع.
قلت :هذا ضعيف بمرة ،ولو تم لما وقع الطالق بقوله
أنت طالق.
والثاني :يقع طلقة ،وهو ما حكاه اإلمام في "النهاية"
قال :ويسأل عن قوله :طالقًا ونقله مجلي عن النص في
"األم" ،وأما تقييد الرافعي المسألة بالمدخول بها ففيه
نظر.
ثم قال الرافعي :ولو قال :أنت طالق إن دخلت الدار
طالقًا ؛ فإن طلقها قبل الدخول فدخلت طالقًا وقعت الطلقة
المعلقة إذا لم تحصل البينونة بذلك الطالق ،وإ ن دخلت
غير طالق تقع تلك الطلقة.
قلت :وفيه بحث سبق في مسائل أصول الفقه قال
الرافعي :ولو قال :أنت طالق إن دخلت الدار طالقًا
واقتصر عليه قال في التهذيب :أن قال :نصبت على
الحال ولم أتم الكالم قبل ولم يقع شيء ،وإ ن أراد ما يراد
عند الرفع ولحن ،وقع الطالق إذا دخلت الدار.
قلت بقي ما إذا أطلق ولم يرد شيًئا ،والظاهر أن ال يقع
شيء ،ألن الكالم غير منتظم.
صفحة 399 | 241 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
مسألة :
زيدا
األصل كون الحال لألقرب فإذا قلت :ضربت ً
فراكبا حال من المضروب ال من الضارب.
ً راكبا ،
ً
وراعى األصحاب في ذلك -القرينة فقالوا -واللفظ
فالنا في المسجد
للبغوي في التهذيب :لو قال :إن قذفت ً
فأنت طالق ،يشترط أن يكون القاذف في المسجد .ولو
فسالنا في المسجد يشترط أن يكون
ً قال :إن قتلت
المقتول في المسجد ؛ ألن مقصوده االمتناع عن هتك
حرمة المسجد من القتل يكون المقتول فيه وبالقذف يكون
القاذف فيه وجرى عليه الرافعي.
فرع :قال شيخنا أبو حيان " :فإن تعدد ذو الحال وتفرق
الحاالن فيجوز أن يلي كل حال صاحبه نحو لقيت
منحدرا ويجوز أن يتأخر عن صاحبهما.
ً زيدا
مصعدا ً
ً
منحدرا ،وحينئذ فالصحيح
ً مصعدا
ً زيدا
نحو :لقيت ً
كون األول للثاني والثاني لألول وقال ابن السراج
عكسه.
مسألة :
{اهبِطُوا
يقع الحال جملة خبرية بغير واو -نحو ْ :
نبيا وآدم ض ُك ْم ِلَب ْع ٍ
ض َع ُدو} -أو بواو نحو " :كنت ً َب ْع ُ
بين الماء والطين" وقد يتغير المعنى عند وضع الجملة
يوما
موضع الحال ؛ أال ترى أن من نذر أن يعتكف ً
صائما لزمه الجمع بين الصوم واالعتكاف المنذورين
ً
على الصحيح وال يغنيه االعتكاف في نهار رمضان
بخالف ما لو قال :وأنا صائم ألنه لم يلتزم الصوم وإ نما
نذر االعتكاف صفة ،فإذا وجدت صح إيقاع المنذور -
وهو االعتكاف فيها.
باب العدد :
إذا ميزت العدد المركب بمختلط -نحو :ستة عشرة
ودرهما ،فالمجموع ستة عشر من كل صنف فإن
ً دينارا
ً
لم يقتض العدد التمييز -كخمسة عشر كان تمييزه مجماًل
نص على المسألة شيخنا في كتاب االرتشاف ويتخرج
عليها -مسألة صاحب التتمة -إذا قال :علي اثنى عشر
درهما ودانقًا ،وسنذكرها في باب األلغاز في آخر
ً
الكتاب.
باب حروف الجر [ :باب اإلضافة]: 1
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 242 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
باب التوابع :
األشياء التي تتبع ما قبلها في اإلعراب خمسة -النعت
والتوكيد وعطف البيان والنسق والبدل .وفي الباب
مسائل.
مسألة :
النعت :هو التابع الذي يكمل متبوعه بداللته على معنى
فيه أو فيما يتعلق به.
وخرج بقيد "التكميل" "النسق والبدل" وبالقيد الثاني البيان
والتوكيد والتكميل هو اإليضاح أو التخصيص أو مجرد
المدح أو الذم أو الترحم أو التوكيد واألكثر مجيء النعت
لألولين ويكثر مجيئه للتوضيح في المعرفة وللتخصيص
في النكرة.
مسألة :
عطف البيان :تابع يشبه الصفه في توضيح متبوعه إن
كان معرفة وتخصيصه إن كان نكرة.
ص ِديد} ٍ ِ
والثاني أثبته الكوفيون وجماعة ،نحو { :م ْن َماء َ
والباقون يوجبون فيه البدلية.
فرع :إذا قال من ال بنت له إال واحدة :زوجتك بنتي
فالنة وسماها بغير اسمها فاألصح الصحة .وعن شرح
الهادي للريحاني أنه إن أراد عطف البيان صح لوقوع
الغلط فيما ليس بمعتمد الكالم أو البدل فال للغلط في
العمدة ،وال بد في هذا من صالحيته لإلرادة بأن يكون
عارفًا بالعربية.
باب النداء والترخيم :
يجوز ترخيم المنادي -أي حذف آخره تخفيفًا -بشرط
كونه معرفة غير مستغاث وال مندوب وال ذي إضافة
مختوما بتاء التأنيث جاز
ً وال ذي إسناد ،ثم إن كان
زائدا على ثالثة ،
علما ً
ترخيمه مطلقًا وإ ال فيشترط كونه ً
وال يجوز ترخيم غير المنادي إال في الضرورة بشرط
صالحية االسم للنداء ؛ فال يجوز في نحو الغالم ،
زائدا على الثالثة أو بتاء التأنيث ؛
ويشترط كونه إما ً
فمن ثم ينبغي أنه إذا رخم طالقًا ولم ِ
يناد بل قال :أنت
طالق لم تطلق إذ ال ترخيم في غير النداء وال لغير
األعالم وبه صرح البوشنجي لكن قال الرافعي والنووي
خالفه فإن أريد جعل ذلك كناية فغير بعيد ،وإ ال فالوجه
ما ذكره
صفحة 399 | 243 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
البوشنجي ؛ فإن قال " :يا طال" فقد توافق البوشنجي
والرافعي والنووي ،على الوقوع ،لوقوع ذلك في
النداء.
أيضا ،لكونه غير علم.
وأقول :ينبغي أن ال يقع ً
مسألة :
معربا ؛
ً يجب بناء العلم المفرد على ما رفع به لو كان
فلو كانت زوجته تسمى طالقًا فقال :يا طالق "قال
األصحاب" إن قصد النداء ال تطلق وكذا إن أطلق -في
األصح -وضبط النووي في المنهاج بخطه "طالق"
بسكون القاف.
قال األخ شيخنا شيخ اإلسالم أبو حامد -أطال اهلل بقاءه :
وكأنه يشير إلى أنه إن قال :يا طالق -بالضمة -فال يقع
جزما ،وإ ن أطلق ؛ ألن بناءه على الضم يرشد
شيء ً
إلى إرادة العلمية وإ ن قال :يا طالقًا -بالنصب -تعين
صرفه إلى التطليق.
قال :وينبغي في الحالتين أن ال ترجع إلى خالف ذلك.
قلت :وإ ن لم يكن اسمها طالقًا طلقت -كذا أطلقوه ولم
يقيدوه بما إذا سكن -وينبغي أن ال يتقيد ؛ بل سواء أسكن
الحنا وال قرينة
أم ضم ألنه وإ ن ضم فغايته أن يكون ً
تشهد بصرف الطالق عن معناه ،ألن العلمية منتفية.
مسألة :مع :أصله "معي" حذفوا ياءه للتخفيف ،وهو
اسم لمكان االصطحاب أو وقته على حسب ما يليق
باالسم المضاف إليه.
معا بتمام
فإذا قال :طلقة معها طلقة أو مع طلقة كانا ً
الكالم وهو الصحيح ،وقيل :يتعاقبان ،فال تقع
الثانيةعلى غير المدخول بها.
تنبيه :
حركة "مع" حركة إعراب ويجوز بناؤه على السكون
على لغة لم يحفظها سيبويه وجعل ذلك من ضرورات
الشعر قال :وقد جعلها الشاعر "كهل" حين اضطر فقال
:
منكم وهواي معكم وإ ن كانت زيارتكم لماما
فرع :فانقطعت عن اإلضافة نونت ،نحو :قام زيد
معا للجماعة كما تقع لالثنين ،
معا وقام الرجال ً
وعمرو ً
وغلط من خصها باالثنين وكأنه توهم أن "ألفها" لالثنين
-وذلك وهم.
صفحة 399 | 244 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
قال طفيل الغنوي :
معا منهن مر وبعض المر
إن النساء كأشجار نبتن ً
مأكول
خبرا
وإ ذا نونت فاألكثر -حينئذ أن تكون حااًل وجاءت ً
في قول الشاعر :
معا .......................
وأهوانا ً
ً أفيقوا بني حرب
معا" :إنه حال والخبر محذوف وقال بعضهم في "أهوانا ً
معا" ورد عليه هذا القول .ثم قال ابن مالك
تقديره "كائنة ً
جميعا في
ً معا تساوي
في باب المفعول فيه " :إن ً
المعنى".
قال شيخنا أبو حيان " :يعني أنها ال تدل على اتحاد
الوقت" .ورد عليه شيخنا بقول ثعلب " :إذا قلت قام زيد
جميعا احتمل أن يكون القيام في وقتين .وأن
ً وعمرو
"معا" فال يكون إال في وقت
يكون في وقت ،وإ ذا قلت ً
واحد وقد تضمن كالم شيخنا أمرين :
أحدهما الحكم على ابن مالك بأنه أراد بقوله " :تساوي
جميعا في المعنى" عدم االتحاد في الوقت ؛ وإ نما يتم هذا
ً
"جميعا" ال تدل على اتحاد الوقت ،
ً لو سلم ابن مالك أن
ومن أين لنا ذلك ؟ فإن أخذ أبو حيان هذا من وقوع هذه
المادة في التوكيد -كقولهم -جاء القوم أجمعون-
فالصحيح كما ذكره هناك أنها ال تقتضيه ،وإ ن لم يكن له
مستند -فيأخذه إال كالم فقد يرد ابن مالك ؛ فإن اهلل تعالى
يعا َْأو َأ ْشتَاتًا} أي َأن تَْأ ُكلُوا ج ِ
م
َ ً اح ْيقول { :لَ ْي َس َعلَ ْي ُك ْم ُجَن ٌ
مجتمعين أو متفرقين وبالجملة ليس في كالم ابن مالك ما
"معا" ليس
"جميعا" للمعية فال يلزم أن تكون ً
ً يدل على أن
جميعا".
ً للمعية حتى يوجد في كالمه ذلك "في
"معا" بقول امرئ القيس في
نعم قد يستدل على المعية في ً
وصف الفرس.
معا كجلمود صخر حطه السيل من
مكر مفرمقبل مدبر ً
عل
فإنه لم يرد إال اتحاد الوقت لكن مبالغة
وإ لى ذلك أشار ابن خالويه بقوله في "شرح الدريدية" :
إن هذا الوصف بالمعية من الوصف بالمستحيل .ومثه
قول متمم بن نويرة يرثي أخاه مال ًكا :
معا
فلما تفرقنا كأني ومال ًكا لطول اجتماع لم نبت ليلة ً
صفحة 399 | 245 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
باب أبنية الفعل ومعانيها :
مبنيا للفاعل ثالثة
ثالثيا ً
منها لماضيها المجرد من الزيادة ً
أبينة أحدها ["فعل" بفتح أوله وضم ثانيه نحو رف
وشرف وثانيها "فعل" بفتح أوله وكسر ثانيه نحو علم
وسلم وثالثها]" 1فعل" بفتح أوله وثانيه نحو ضرب
رباعيا فله بناء واحد -وهو فعلل -بفتح
ً وذهب وإ ن كان
أوله وثالثه نحو :دحرج.
فصل :
عرفت أن الفعل المجرد من الزيادة ثالثي ورباعي ،
مزيدا.
وكل منهما قد يستعمل ً
فمن المزيد " :أفعل" ،ويستعمل لمعان.
زيدا.
األول " :التعدية" نحو أدنيت ً
والثاني " :الكثرة" نحو أظبي المكان :كثر ظباؤه.
والثالث " :الصيرورة" أغدي البعير -صار له غدة.
فالنا -أعنته على الحلب.
والرابع " :اإلغانة" أحلبت ً
فالنا -أي عرضته للقتل.
والخامس " :التعريض" أقتلت ً
فالنا -أي أزلت شكايته.
والسادس " :السلب" أشكيت ً
السابع " :إلفاء الشيء -بمعنى ما صنع -منه :أحمدت
فالنا بمعنى ألفيته منصفًا بما يوجب حمده.
ً
الثامن " :لجعله صاحبه بوجه ما" نحو أقبرت الرجل :
قبرا.
أي جعلت له ً
التاسع " :ذكره ابن عصفور كجعل الشيء افاعاًل نحو
خارجا وداخاًل .
ً أخرجته وأدخلته -أي جعلته
العاشر :لجعل الشيء على صفة نحو :أطردته -أي
طريدا.
ً جعلته
الحادي عشر " :بلوغ عدد" نحو :أعشرت الدراهم إذا
بلغت عشرين.
الثاني عشر " :بلوغ زمان" أصبحنا -بلغنا الصباح.
الثالث عشر " :بلوغ مكان" أشام القوم :بلغوا الشام.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 246 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
"ومنها :فعل يفعل".
ظا ،
ومنها " :فاعل" ألقسام الفاعلية والمفعولية لف ً
واالشتراك فيهما معنى ولموافقة أفعل المجرد ،ولإلغناء
عنهما.
ومنها :تفاعل.
ومنها :افتعل.
ومنها :انفعل.
ومنها :استفعل "الثنى عشر معنى".
للطلب ،نحو استغفر.
حجرا.
وللتحويل :نحو استحجر الطين أي صار ً
عبدا.
ولالتخاذ :نحو استعبد أي اتخذ ً
وإللغاء الشيء :بمعنى ما صنع منه ،نحو استعظمت
عظيما وعبر أو الحسن عن هذه
ً الشيء أي وجدته
باإلصابة.
أيضا -أي عددته مع
ولعده كذلك :نحو استعظمته ً
العظماء.
ولموافقة نحو :أكانه فاستاكن.
ولموافقة نحو :أبل من المرض واستبل.
ولموافقة يفعل نحو استكبر وتكبر.
ولموافقة يفعل نحو استكبر وتكبر.
ولموافقة افتعل نحو :استعظم واعتصم.
والمجرد :نحو :استغنى وغنى واإلغناء عنه نحو :
استحيا ولإلغناء عن فعل نحو :استرجع.
فرع :استوفي المال أي توفاه وأخذه كاماًل .
قال في الصحاح استوفيت وتوفيت بمعنى...
قلت :ومنه قوله تعالى ِ{ :إ َذا ا ْكتَالُوا َعلَى َّ
الن ِ
اس
ون} ومن ثم قال األصحاب :لو قال الدائن للمدين
َي ْستَ ْوفُ َ
إقرارا بالوفاء نقله الرافعي -عن
:استوفيت منك كان ً
صاحب التهذيب ساكتًا عليه -في الباب الثاني من الكتابة
،وهو واضح وال يقال :لم ال يحمل "استوفيت" على
طلب الوفاء ؛ ألن لهذه اللفظة بمعنى األخذ -اشتهار
صيرها حقيقة عرفية ،ثم هو موضوع اللغة فيها بدليل
{ي ْستَ ْوفُون}
االستعمال وما ذكرناه من قوله تعالى َ
ونظيرها :استولدت هذه الجارية أو هي 1مستولدتي.
_________
1في "ب" وهي.
صفحة 399 | 247 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
فإنه صريح في أنها أم ولد ،ال أنه طلب منها الولد ،وبه
أيضا.
صرح الرافعي ً
فرع :أما االستخدام :فمعناه طلب الخدمة ،ومن ثم إذا
فالنا فخدمه والحالف غير مطالب
حلف ال يستخدم ً
بالخدمة .لم يحنث قاله األصحاب وهو ظاهر.
باب أفعل التفضيل :
ال يكون أفعل التفضيل -إذا قيدت إضافته بتضمين معنى
من إال بعض ما يضاف إليه.
ومن ثم مسائل :
منها :إذا قال :أعطوه أكثر [مالي]" 1زيد على النصف
شيًئا" ؛ صرح به األصحاب في باب الوصية.
فإن قلت :قد صرحوا في الطالق بأنه إذا قال :أنت
طالق أكثر الطالق "تطلق ثالثًا" هذا مع قولهم فيما إذا
أوصى بعامة ماله أنه باألكثر مع أن العامة للجميع
واألكثر للبعض فقد خالفوا مدلول اللفظ في الموضعين.
قلت وجدوا أن الطالق لسبب.2
باب إعمال المصدر واسمه: 3
باب إعمال اسم الفاعل والصفة المشبهة
إذا أريد باسم الفاعل الحال واالستقبال عمل النصب ،
وإ ن أريد المضي تعينت إضافته إال أن يكون معه "أل"
فيجوز النصب.
وقال الكسائي :يجوز أن ينصب مطلقًا ؛ وحيث يجوز
أيضا ثم هما سواء عند سيبويه.
النصب يجوز الجر ً
وقال هشام :النصب أولى.
وقال شيخنا أبو حيان ؛ الجر أولى.
زيدا" فإن نون لفظ قاتل
ومن فروع المسألة " :أنا قاتل ً
زيدا لم يكن
ونصب ً
_________
1في "ب" مال.
2بياض في األصل.
3هكذا باألصل.
صفحة 399 | 248 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
[ويحنث] 1لعدم اقتضاء اللفظ للوقوع ،وإ ن جر فهو
موضع النظر ،والمنقول عن محمد بن الحسن أنه قرار
،وفيه نظر " ،لجواز" أن يكون المضاف بمعنى الحال
أو االستقبال.
باب عوامل الجزم :
مسألة :
ألداة الشرط صدر الكالم ،فإن تقدم عليها شبه بالجواب
معنى فهو دليل عليه وليس إياه خالفًا للكوفيين والمبرد
وأبي زيد.
ماضيا فال يجوز
ً وفصل المازني -فمنع إن كان الجزاء
مضارعا
ً "قمت إن قام زيد أو إن لم يقم" وجوز إن كان
فيجوز أقوم إن قام زيد وإ ن لم يقم" وحمل على هذا
الشيخ تاج الدين أبا اليمن -زيد بن الحسن الكندي
النحوي -على أن قال بعد أن ذكر أن قول المازني هو
قول كل من يوثق بعمله في قول الرجل المرأته طلقتك
إن دخلت الدار بوقوع المازني هو قول كل من يوثق
بعمله في قول الرجل المرأته طلقتك إن دخلت الدار
بوقوع الطالق في الحال في األولى ،قال :ألن الفعل
الماضي إذا وقع قبل حرف الشرط كان ثابتًا وما ثبت ال
يجوز أن يوقع في جواب الشرط يعني فال يكون للشرط
جواب وال دليل جواب فيطرح ويعمل الفعل الماضي
عمله.
وأطال في منع هذا التركيب في كالم له على هذه المسألة
وعلى عكسها وهو قول القائل :إن دخلت الدار طلقتك ؛
فإنه قال فيها إن الطالق تعليق بدخول الدار .قرأته
بجملته على والدي الشيخ اإلمام في ليلة الثالثاء ثالث
عشرين جمادي اآلخرة سنة أربع وأربعين وسبعمائة
كالما على قوله تعالى
[عندما] 2أملي علي في تلك الليلة ً
:
ُّوه َّن} .وكانت
اء َما َل ْم تَ َمس ُ طلَّ ْقتُُم ِّ
الن َس َ اح َعلَ ْي ُك ْم ِإ ْن َ
{اَل ُجَن َ
قراءتي لكالم الكندي تكررت على الشيخ اإلمام والدي
رحمه اهلل في الشهر المذكور من ليلة الثالثاء خامس
عشر جمادي اآلخرة إلى ليلة الثالثاء ثالث عشرة منه ،
نهارا ،وإ ذا جاء الليل طلبني
وهو يكرر البحث فيها ً
قرأت عليه كالم الكندي وأنا ألخص ما سمعته من والدي
أيضا بخطه على
شفاها ،وما كتبته عنه وما كتبه هو ً
ً
كالم الكندي .قال رحمه اهلل -ومن لفظه سمعت "لم
يصب الكندي في شيء من المسألتين والحق خالف ما
قاله فيهما ،وأن الطالق في األول يقع عند دخول الدار
ال قبله ،وفي الثانية ال يقع أصاًل إال أن ينوي
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" على ما.
صفحة 399 | 249 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
بقوله :طلقتك معنى قوله :فأنت طالق فحينئذ يقع عند
وجود الشرط.
قال " :وال يساعد الكندي نحو وال فقه ،وقد قال تعالى
حكاية عن شعيب 1وقومه :
{قَِد ا ْفتََر ْيَنا َعلَى اللَّ ِه َك ِذًبا ِإ ْن ُع ْدَنا ِفي ِملَّتِ ُك ْم َب ْع َد ِإ ْذ َن َّج َانا
اللَّهُ ِم ْنهَا}.
ِ وقال تعالى { :بِْئ َسما َيْأم ُر ُك ْم بِ ِه ِإ
يم ُان ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمن َ
ين} َ َ ُ
ب ام َسةَ َّ وبئيس فعل ماض ،وقال تعالى { :واْل َخ ِ
ضَ َأن َغ َ َ
ين} في قراءة من كسر ِِ اللَّ ِه علَ ْيها ِإ ْن َك ِ
ان م َن الصَّادق َ َ َ َ
الضاد ،وقال تعالى { :قَ ْد بَّيَّنا لَ ُكم اَآْلي ِ
ات ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُ َ َ
ون} والظاهر أن الشرط مرتبط في المعنى بما قبله ، ِ
تَ ْعقلُ َ
وقال صلى اهلل عليه وسلم " :خبت وخسرت إن لم
أعدل".
وقال حسان بن ثابت :
عدمت بنتي إن لم يزورها[ ...بني] 2البقع [موعدها
غدا]3
ً
وقال المالعن :كذبت عليها إن أمسكتها.
قلت أنا :وقالت أم الفضل في ولدها عبد اهلل بن عباس
رضي اهلل عنهم.
قهرا وغير قهر
ثكلت نفسي وثكلت بكري إن لم يسد ً
[بالحسب] 4الجم وبذل الوفر حتى يوارى في ضريح
القبر
وقال األشتر 5النخعي :
لعنت وفري وانحرفت عن العال ولقيت أضيافي بوجه
عبوس
يوما من يهاب
إن لم أشن على ابن هند غارة لم يحل ً
نفوس
سريا تعد وتبيض في الكريهة
خياًل كأمثال السعالي ً
سوس
حمي الحديد عليهم [كأنهم] 6لمعان برق أو شعاع
شموس
_________
1في "ب" زيادة عليه السالم.
2في "ب" بنيتي.
"غدا" "كذا" "في ب".
3تكرير "موعدها" ويدل كلمة ً
4في "ب" الحسب.
5في "ب" األشير.
6في "ب" كأنه.
صفحة 399 | 250 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
وقال الحماسي :
شربت وما إن لم أرعك بدرة بغندة يهوى القرط طيبة
النشر
"انتهى"
قال الشيخ اإلمام رضي اهلل عنه :وقال الفقهاء في بعتك
إن شئت إن قبل المشتري ؛ ففي انعقاد البيع خالف ،وإ ن
إقرارا ،ومقتضى
لم يقبل لم ينعقد بال خالف ولم يجعلوه ً
إقرارا .ثم قال الشيخ اإلمام :
كالم الكندي أن يكون ً
أيضا يرده ألن
وهذه الشواهد كلها وكالم الكندي والنظر ً
كل ما أمكن تعليقه ال فرق من [بين] 1أن يعبر عنه
بالماضي أو بالمضارع ؛ فإذا أريد بالماضي ذلك صح
تعليقه ،وكيف يحكم الكندي بمؤاخذته بطلقتك وإ ن أراد
أنه إقرارؤ فليفرض في رجل لم يتقدم منه طالق ،فإنه
ال يمكن حمله على اإلقرار ،وإ ن أراد إنشاء ولكن لم
يصححه من جهة النحو -أعني تعليقه فيبقى إنشاء -بلى
تعليق فيه اآلن.
والظاهر أن هذا مراده ،فال يصح تعليله بما قاله من أنه
ماض وجب وثبت فإن هذا التعليل يرجع إلى المعنى
األول ال إلى الصناعة وكيف يوقع الطالق على شخص
لم يقصده .وال دل عليه لفظه ،لكونه أخطأ 2من جهة
النحو على زعمه .وهو [قوله] : 3لو قال :إن دخلت
الدار أنت 4طالق [فكان] 5خطأ من جهة صناعة النحو
اعتبارا
ً وال ينجر عليه الطالق اآلن ؛ بل إذا دخلت :
بقصده لما بيناه من أنه ليس خطأ من جهة العربية ،بل
هو صواب.
ثم ذكر الشيخ اإلمام [ما] 6حاصله :أنه إذا وقع االلتباس
على الكندي من جهة أن الفعل الماضي تارة ال يصح
خبرا ال محالة ؛
[أن] 7يراد به اإلنشاء بوجه بل يكون ً
فهذا ال شك أنه اليعلق نحو :قمت أن قمت إن قصد
[باألولى] 8اإلخبار عن القيام ،وتارة يصح أن يراد به
اإلنشاء "كطلقتك" فإنه وإ ن كان موضوعه الخبر فقد يراد
به اإلنشاء بل ذكره الفقهاء في صرائح الطالق كقوله :
"أنت طالق".
ومقتضى ذلك إطالق صريح في اإلنشاء ويكون قد نقل
من الخبر إلى اإلنشاء فإذا
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" خطأ.
3سقط في "ب".
4في "ب" فأنت.
5في "ب" بغير ما كان.
6في "ب" لما حاصله.
7في "ب" لن.
8في "ب" األول.
صفحة 399 | 251 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
كان كذلك فال مانع من تعليقه وكذلك "قمت" إذا قصد بها
الدعاء ونحوه ثم قال :الفعل الماضي ثالثة أقسام :قسم
يراد به الخير الماضي المحقق فال تعليق أصاًل ،وال
يقال " :ال يصح تعليق" ألن ما وقع ال يعلق .وقسم يظهر
فيه اإلنشاء "كطلقتك" فهذا [األظهر] 1فيه قبول التعليق
حتى يصرفه صارف.
وقسم بعكسه :كما في قوله تعالى :
اء}. طلَّ ْقتُُم ِّ
الن َس َ اح َعلَ ْي ُك ْم ِإ ْن َ
{اَل ُجَن َ
قال " :وقول من منع قمت أن قمت" محمول على القسم
األول ،أو على هذا القسم إذا أريد أصل وضعه -وهو
الحال الغالبة عليه .قلت :ويدل لهذا أن النحاة نقلوا أن
ماضيا كره مخالفة
ً المازني وجه تفرقته بأن تقديم الجزاء
األصل فيخرج الماضي عن ظاهره إلى االستقبال.
ويخرج الجزاء عن أصله بالتقديم ؛ فدل أن مراده بما
منعه "قمت" غير المقصود بها حينئذ الماضي .ثم قال
فتسوية الكندي بينه وبين القسم الثاني -الذي يظهر فيه
اإلنشاء -غير متجه ،ثم إنه يلزم ذلك في اسم الفاعل إذا
قال :أنت طالق إن دخلت الدار ألن أنت طالق جملة
اسمية تدل على الثبوت في الحال وما كان ثابتًا ال يعلق.
كما ال يصح "أنا قائم في الحال إن قمت" إال أن يقول :
إن اسم الفاعل صالح لالستقبال فبالتعليق يحمل عليه ؛
فنقول :وقوله "طلقتك" كذلك ألن الماضي قد يراد به
المستقبل.
ذكر الشيخ اإلمام تحقيقًا تكرر منه ذكره وتقريره فقال
رضي اهلل عنه :على أنا ال نقول :إن هذا الماضي أريد
به المستقبل بل أريد به اإلنشاء الناجز الواقع فيا حالل
والمعق هو أثره -وهو وقوع الطالق المنشأ بحسب ما
أنشأه [وهو الواقع في الحال والمعلق هو أثره -وهو
وقوع الطالق المنشأ بحسب ما أنشأه] 2وهو حكم
شرعي يقع عند دخول الدار -فالماضي هو التطبيق
واإليقاع والمعلق هو الطالق ،والوقوع [ال شك] 3أن
في "طلقتك" أمرين أحدهما التصرف الناجز من الزوج
-وهو تطليق وإ يقاع ال يمكن تأخره -والثاني :أثره -
وهو طالق ووقوع -وهذا يؤخر ويعلق قال :وهذا مثل
زيدا يوم الجمعة" ؛ ففي "أضرب" شيئان
قولك " :أضرب ً
-أحدهما إنشاء ألنه فعل أمر ،ومن ثم ال يعلق وال
يتأخر .وليس يوم الجمعة طرفًا له ،إذ لو كان طرفًا له
لزم تأخره.
_________
1في "ب" إال يظهر.
2سقط في "ب".
3في "ب" وال شك.
صفحة 399 | 252 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
والثاني :المصدر الذي يضمنه -وهو المأمور به-
وهذا هو المعلق المظروف في يوم الجمعة .قال :وقول
النحاة -إن يوم الجمعمة معمول ال ضرب فيه تسمح ،
ومرادهم ما ذكرناه وإ ن لم تفصح عبارتهم به.
مسألة :
اعتراض الشرط على الشرط سائغ في كالمهم وال
احتفال [بمن] 1منعه من النحاة ألن القرآن العزيز ناطق
َأما
به في آيات .قال الشيخ اإلمام رحمه اهلل :أوضحها {فَ َّ
ان َو َجَّنةُ َن ِع ٍيم}. ِإ ْن َك ِ
ان م َن اْل ُمقَ َّربِ َ
ين ،فَ َر ْو ٌح َو َر ْي َح ٌ َ
وغلط من تعقب كالم الوالد من أهل هذا العصر في قوله
:إن هذه اآلية ليست من اعتراض الشرط على الشرط
زاعما أن الفاء يجب تقديرها في لفظ الشرط الثاني وهو
ً
"أن" ،وأنها -حينئذ تكون للشرط الثاني ،وجوابه
كالهما جواب عن الشرط األول.
ووجه غلطه أنه لما اعتقد تحتم تقدير الفاء زعم أن
الشرط وجوابه جواب الشرط األول ودخول الفاء غير
جوابا ؛
مسلم له إال أن يكون الشرط الثاني مع جوابه ً
وذلك هو محل النزاع بل الصواب أن الجواب جواب
عن األول وقد استشهد سيبويه رحمه اهلل على
االعتراض بهذه اآلية نفسها ،أفتراه خفي عليه هذا ؟
وللوالد رحمه اهلل مصنف في اعتراض الشرط -حافل
يترفع عن همم الزمان سماه بيان حكم الربط [واعتراض
الشرط على الشرط].2
وحظنا منه هنا :إذا اعترض شرط على آخر -نحو :
إن أكلت إن شربت فأنت طالق -فالجواب المذكور
للسابق منهما وجواب الثاني محذوف -هذا مذهب
سيبويه وعليه [مذهب] 3شيخنا أبي حيان والشيخ اإلمام
الوالد رحمه اهلل.
وكالم ابن مالك يقتضي أنه مستغ عنه وأنه ال يقدر
جواب أصاًل .ومذهب األخفش أن الجواب هما "ثم
سيبويه -على ما فهمه الوالد عنه واختاره -يجعل
الشرط كالظرف".
وعلى مذهب سيبويه هل يقدر مثل جواب السابق فقط أو
مضمون الجملة التي توسط الشرط بين جزأيها ؟ فيه
احتماالن [للوالد ذكر] 4أن األول منهما قضية كالم من
نقل
_________
1في "ب" لمن.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" "للوالد رحمه اهلل وذكر".
صفحة 399 | 253 :
األشباه والنظائر
الكالم في المركبات وما ينبني على العربية من الفروع
الفقهية
عن سيوبيه ،والثاني قول أبي حيان .إذا عرفت هذا ؛
فمن ثم كان الصحيح -في المثال المذكور -أنها ال تطلق
حتى يقدم المؤخر ويؤخر المقدم ، 1ووجه هذا أن
الشرط الثاني قيد في األول -كما نقلناه عن سيبويه فال بد
من تقدمه عليه ؛ إذ لو تأخر لم يشبه الظرف.
فائدة حسنة :
قال القاضي أبو الطيب -بعد ذكر مسألة اعتراض
الشرط على الشرط [وتقدم] 2المؤخر" .قال أصحابنا :
عاميا فعل ما جرت
هذا في حق العالم العارف ؛ فإن كان ً
به عادتهم" هذا كالم القاضي -وهو الصحيح -ولم أجده
في كالم غيره ،لكن قواعدهم تقتضيه[ .واهلل الموفق].3
_________
1في "ب" زيادة والمقارنة كالتقدم.
2في "ب" وتقديم.
3سقط من "ب".
صفحة 399 | 254 :
األشباه والنظائر
مدخل
المآخذ المختلف فيها بين األئمة التي يبني عليها فروع
[فقهية]: 1
وهذا في الحقيقة -كتاب في الخالفيات على نمط غريب
وأسلوب عجيب ،وقسم أخذ من جملة التحقيق بأوفر
نصيب ،ما هو إال تحصين المآخذ وتحسين القواعد التي
يعض عليها بالنواجذ ،وعائد بالنفع على من هو باهلل من
الضر عائذ.
وقد رأينا أن نقدم -قبل افتتاح مسائله -مقدمة نافعة يعم
نفعها على ما تقدم وما تأخر ،وتشمل فائدتها من تبصر
وتذكر وتعود عائدتها على من تأمل وتفكر ،فنقول :
القول في سبب اختالف العلماء :
الخالف إما في مسائل مستقلة ،أو في فروع مبنية على
أصول ،واألول ينشأ من أحد أمور .األول :كون اللفظ
مشتر ًكا وذلك في مسائل :
منها القرء عند الشافعي رضي اهلل عنه أنه الطهر على
"حد" قول الشاعر :
أفي كل عام أنت حاسر عروة تشد ألقصاها عريم
عرابكا
مورثة لما ال وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء
نسائ ًكا
_________
1في "ب" خالفية.
صفحة 399 | 254 :
األشباه والنظائر
مدخل
وعند أبي حنيفة [رضي اهلل عنه] 1أنه الحيض لقول
الشاعر :
يا رب ذي طعن على قارض له قرء كقرء الحائض
وهي مسألة واسعة النظر.
ومنها [أول] في قوله تعالى ِ{ :إَّنما ج َز َِّ
ين ُي َح ِار ُب َ
ون اء الذ َ
َ َ ُ
َأن ُيقَتَّلُوا َْأو اَأْلر ِ اللَّه ورسولَه ويسعون ِ
ادا ْ
ض فَ َس ً ْ يف َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َْ َ
يصلَّبوا َأو تُقَطَّع َْأي ِدي ِهم وَأرجلُهم ِم ْن ِخاَل ٍ
ف َْأو ُي ْنفَ ْوا ِم َن ْ َ ْ ُ ُْ َ ُ َُ ْ
ض}. اَأْلر ِ
ْ
قال مالك رضي اهلل عنه " :أو للتخيير فيفعل السلطان
بقاطع الطريق -ما يراه من هذه األمور وقال الشافعي
وأبو حنيفة [رضي اهلل عنهما] : 2للتفصيل والتقسيم ؛
فمن حارب وقتل وأخذ المال صلب وقتل ومن قتل ولم
يأخذ قتل ومن أخذ ولم يقتل ،قطع.
ومنها :الخالف في عود الضمير نحو :الخالف في
وهن} هل يقدر "عن" أو َأن تَْن ِك ُح ُ
ون ْ{وتَْر َغ ُب َ
قوله تعالى َ :
{َأو َي ْعفُ َو الَِّذي بَِي ِد ِه
"في" ،نحو الخالف في قوله تعالى ْ :
{َأو لَ ْح َم ِخ ْن ِز ٍ
ير فَِإ َّنهُ اح} .وفي قوله تعالى ْ : ُع ْق َدةُ ِّ
الن َك ِ
[َأو ِف ْسقًا]} 3؛ فإن داود أعاد الضمير -في ِر ْج ٌس ْ
فتاويه -على الخنزير ال على لحمه المتحدث عنه ،
وخالف الجماعير والحق عود الضمير إلى المضاف إليه
لكونه أقرب .وترك المتحدث عنه سبياًل سلكها أصحابه
في مواضع شتى فقال ابن حزم في "المحلي" في قوله
صلى اهلل عليه وسلم " :من أدرك منكم صالة الغداة
فليقض معها مثلها" إن الضمير في "معها"راجع إلى
الغداة -أي فليقض مع الغداة مثل هذه الصالة التي
تصلي بال زيادة وأطال في ذلك ذكره في المسألة التي
انفرد بها ؛ حيث يوجبون التحول من المكان الذي نسيت
فيه الصالة إلى مكان آخر.
ومن الخالف في عود الضمير الخالف في قوله صلى
اهلل عليه وسلم "ال يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في
جداره".
الثاني :الحقيقة كحديث " :ال صيام لمن لم يبيت الصيام
من الليل".
قال علماؤنا :ال صيام صحيح الصيام المفترض تنتفي
بانتفاء نية الليل.
_________
1سقط من "ب".
2سقط من "ب".
3سقط من "ب".
صفحة 399 | 255 :
األشباه والنظائر
مدخل
وقالت الحنفية " :ال صيام كامل فعدلوا إلى المجاز".
ونحوه قوله صلى اهلل عليه وسلم " :ال نكاح إال بولي".
وأمثله كثرة :
الثالث " :الخالف الناشئ عن دعوى ارتباط إحدى
{والالَّتِي اآليتين باألخرى ال الحديثين باآلخر .نحو َ :
استَ ْش ِه ُدوا َعلَ ْي ِه َّن َْأرَب َعةً ِم ْن ُك ْم ِ ِ ِ ِئ
ين اْلفَاح َشةَ م ْن ن َسا ُك ْم فَ ْ
ِ
َيْأت َ
وه َّن ِفي اْلبي ِ
تاه َّن اْل َم ْو ُوت َحتَّى َيتََوفَّ ُ ُُ َأم ِس ُك ُ
فَِإ ْن َش ِه ُدوا فَ ْ
َْأو َي ْج َع َل اللَّهُ َلهُ َّن َسبِيال} مع قوله صلى اهلل عليه وسلم :
"قد جعل لهن سبياًل -البكر بالبكر -جلد مائة وتغريب
عام "...الحديث.
ون َش ْه ًرا} مع قوله {و َح ْملُهُ َو ِف َ
صالُهُ ثَاَل ثُ َ وذلك نحو َ :
املَ ْي ِن ِل َم ْن
الد ُه َّن حولَ ْي ِن َك ِ
ْ َ َ َأو ن
ْ ْ َْ ع ضات ير ِ
ُ ُ د
َ تعالى { :واْلو ِ
ال َ َ
اعةَ}.ض َالر َ َأن ُيتِ َّم َّ
ََأر َاد ْ
ث اَآْل ِخ َر ِة َن ِز ْد َلهُ ِفييد َح ْر َ ان ُي ِر ُ
{م ْن َك َ ونظيرهما َ :
الد ْنَيا ُنْؤ تِ ِه ِم ْنهَا َو َما َلهُ ِفي
ث ُّ يد َح ْر َ ان ُي ِر ُ ِ
َح ْرثِه َو َم ْن َك َ
يب} ظاهرها أن مريد حرث اآلخرة ص ٍ اَآْل ِخر ِة ِم ْن َن ِ
َ
يؤتي منها ؛ وإ نما يؤتي منها من يشاء اهلل أتاه ال كل من
أرادها ،لقوله في اآلية األخرى :
اء ِل َم ْن ُن ِر ُ
يد}. ِ يد اْل َع ِ
اجلَةَ َع َّجْلَنا لَهُ فيهَا َما َن َش ُ ان ُي ِر ُ
{م ْن َك َ
َ
الرابع :وقد يدعي دخوله في الثالث" ...الغفلة عن أحد
الدليلين المتقابلين -ولو بالعموم والخصوص -فينسحب
على العموم من لم يبلغه دليل الخصوص".
ويمثل لهذا القسم بما روى عبد الوارث بن سعيد قال :
قدمت مكة فلقيت أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة
طا فقال :
بيعا وشرط شر ً
فسألت أبا حنيفة عن رجل باع ً
البيع باطل والشرط باطل ،فأتيت ابن أبي ليلى فقال :
البيع جائز والشرط باطل ،فأتيت ابن شبرمة فقال :
جائزان ،فقلت سبحان اهلل ؟ فقهاء القرآن ال يتفقهون
على مسألة واحدة.
فعدت إلى أبي حنيفة [رضي اهلل عنه] 1فأخبرته بقولهما
فقال :ما أدري ما قاال حدثني عمرو بن سعيد عن أبيه
عن جده قال :نهى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن
بيع وشرط.
_________
1سقط من "ب".
صفحة 399 | 256 :
األشباه والنظائر
مدخل
فعدت إلى ابن أبي ليلى فأخبرته فقال :ما أدري ما قاال
حدثني هشام بن عروة ،عن أبيه عن عائشة رضي اهلل
عنها قالت " :أمرني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن
أشتري بريرة فأعتقها" البيع جائز والشرط باطل.
فعدت [إلى ابن أبي] 1شبرمة فأخبرته فقال :حدثني معد
بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال :
بعث النبي صلى اهلل عليه وسلم جماًل وشرطت حمالته
إلى المدينة .البيع جائز والشرط جائز.
ولهذا يترجح المتقدم على المتأخر ويكون أولى باإلتباع ،
الجتماع المتقابالت عنده وهو أحد أسباب تقدم الشافعي
على [السابقين] ، 2ألنه تأخر عنهم وحصل على ما
حصلوا -واجتمع عنده ما تفرق بينهم فتصرف فيه ،
فكان مذهبه أقرب إلى الصواب.
الخامس :الناشئ عن دعوى العموم والخصوص وهو
قريب من الرابع.
اس ْب ُك ْم بِ ِه
نحو { :وِإ ْن تُْب ُدوا ما ِفي َْأنفُ ِس ُكم َأو تُ ْخفُوه يح ِ
َُُ ْ ْ َ َ
اللَّهُ} قيل عامة وقيل مخصوصة فقيل لحديث " :إن اهلل
تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو
تعمل".
وقالت عائشة رضي اهلل عنها " :بل الكافر يؤاخذ
بإسراره وإ عالنه".
وقد يطرأ الخالف من منكره ولكن ينكره في ذلك المقام
لتخصيص الكتاب السنة عند من ينكره إما مطلقًا أو إذا
آحادا ،أو ال ينكر جوازه ولكنه يدعي أنه ارتفع
كانت ً
فيه ،وهذا المسلك يسلك بعينه في النسخ.
السادس :الناشئ من جهة الراوي ضعفًا ،أو إرسااًل
ونحوه ،أو نقله بما يظنه المعنى ،أو جهله باإلعراب ،
أو بسبب الحديث ،أو تصحيفه أو إسقاطه شيًئا به تمام
المعنى -إما لعدم سماعه القدر الزائد ،أو لظنه عدم
ارتباطه بما اقتصر عليه ،أو لنقله من الصحف.
وقد كثرت أمثلة هذه األقسام ،وربما أدى الحال فيها إلى
إخالل عظيم ،كما روي أن النبي صلى اهلل عليه وسلم
متعمما
ً وهب لعلي عمامة تسمى السحاب ،فاجتاز علي
بها ،فقال النبي
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" التابعين.
صفحة 399 | 257 :
األشباه والنظائر
مدخل
عليا في
صلى اهلل عليه وسلم لمن معه " :أما رأيتم ً
السحاب" أو نحو هذا اللفظ ؛ فبلغ ذلك بعض المتشيعين
فاعتقدوا أنه يريد سحاب السماء ،وفيه يقول القائل :
برأت من الخوارج لست منهم من الغزال منهم والرباب
عليا يردون السالم على السحاب
ومن قوم إذا ذكروا ً
والغزال -بالغين المعجمة -واصل بن عطاء كان
يتصدق بالغزل على النساء ،والرباب هو عمرو بن عبد
والرباب بباءين موحدتين.
ومن ذلك حديث "إن اهلل خلق آدم على صورته" ورد في
رجل لطم رجاًل فزجره النبي صلى اهلل عليه وسلم وقال
ذلك ،فالضمير في صورته عائد على الملطوم ال على
اهلل عز وجل تعالى عن قول المشبهة.
السابع :الناشئ من قبل االجتهاد وذلك يختلف باختالف
الفرائح واألذهان وما لها من استعداد ،وفيه يتنافس
المتنافسون ويتبين مقدار األفهام في الفهم عن اهلل.
وهو باب القياس ،وهو مديان الفحول وميزان األصول
ومناط اآلراء ورياضة العلماء ؛ وإ نما يفزع إليه عند
فقدان النصوص كما قيل :
إذا أعيى الفقيه وجود نص تعلق ال محالة بالقياس
وقد ينشأ الخالف من اشتباه العلة بالمحل .ونحن نتحفك
بضابط في ذلك نأمن معه الخطأ إن شاء اهلل تعالى.
فنقول :المحل ما تعين لعمل العلة ولم يؤثر في الحكم
شيًئا ،والعلة وصف يحسن أن ينسب الحكم إليه ويترتب
عليه.
وإ ن شئت فقل ما أثر في الحكم ونعني بالتأثير ما يعنيه
الفقيه ال أنه موجب فقد عرف من أصلنا اندفاع ذلك ،
والشرط ما ال يفهم منه تأثير ولكن وضع لينتفي الحكم
عند انتفائه من غير معنى فيه.
مثاله :
علة ربوية األشياء األربعة المنصوصة عندنا الطعم
وحده ،والجنسية محل التحريم ،وعدم التساوي في
معيار الشرع شرط والمعلول فساد العقد قال القاضي
الحسين " :فكأن الشارع يقول :الطعم في الجنس الواحد
مع انعدام التساوي -يوجب فساد العقد وزعم األودني أن
الجنس هو العلة والطعم شرط.
هذا تحرير النقل عنه -صريح بها لقاضي الحسين
وغيره -وكان األودني جليل
صفحة 399 | 258 :
األشباه والنظائر
مدخل
القدر فعجيب منه جعل المحل علة والشرط محاًل وال
يتبين في الجنسية أثر بخالف الطعم ؛ فكيف يعلل بغير
الوصف المؤثر ويعرض عن التعليل به ؟ ومن ثم رد
عليه القاضي الحسين بأن اهلل 1لم يخلق هذه األشياء
للجنسية وإ نما [خلقها] 2للطعم وأخذه صاحب التمة
فبسطه وأوضحه كما قررناه ؛ فقال " :فإن قال قائل :
لماذا جعل الطعم علة ؟ وهال قلت :الجنسية علة والطعم
شرط .قلنا :الفرق بين العلة والشرط يظهر بأن يكون
صالحا -بأن يجعل أمارة دالة على الحكم-
ً أحدهما
والثاني -غير صالح كما وقع في الزنا مع اإلحصان ؛
فإن الزنا جناية ومعصية ،واإلحصان صفة كما تجتمع
سببا للعقوبة ،
في الشخص ،والجناية تصلح أن تكون ً
وأما وجود صفة الكمال فال تصلح ،فجعل اإلحصان
طا هنا وكذلك األموال ما خلقت للتجانس
علة والزنا شر ً
؛ وإ نما خلق كل جنس ليكون منفعة "انتهى".
وهو صحيح فإن اإلحصان خصال محمودة ،ومعظمها
ال يحصل باختيار المحصن كالبلوغ والحرية والعقل
والكمال ال يناسب العقوبة وال يشعر ،ولذلك قال علماؤنا
تعليق العتق عليه ووجود صفة محل لنفوذه فإذا قال
السيد لعبده :إن دخلت الدار فأنت حر فدخلها عتق ،
[وعلة] 3العتق التعليق ومحل نفوذه الصفة.
ومن ثم األصح عندنا -وبه قال أبو حنيفة -أنه إذا شهد
بالزنا قوم وباإلحصان آخرون أو بالتعليق قوم وبالصفة
آخرون وحكم بمقتضى شهادتهم ثم رجع [بالشهود]4
كان الغرم على شهود الزنا والتعليق ،دون شهود
اإلحصان والصفة.
وزعم بعض أصحابنا أن الجنسية شرط ،واختاره
الشريف المراغي والقطب النيسابوري زعيرهما من
النظار المتأخرين من أصحابنا.
وأعرب صاحب التتمة فقال " :الجنسية شرط ومحل"
وزعم الرافعي في باب الزنا أنه ليس تحت 5الخالف
أمر طائل وسبقه صاحب التتمة [فقال] 6في باب الغسل
عند ذلك الخالف في موجب الطهارة ما هو ليس يظهر
لهذا الخالف تأثير في األحكام.
وأقول :ليس األمر كذلك ،وقد بنى الخالفيون من
الفريقين على قولنا " :الطعم
_________
1في "ب" زيادة تعالى.
2في "ب" أحدثها.
3في "ب" وعليه.
4في "ب" والشهود.
5في "ب" زيادة هذا.
6سقط في "ب".
صفحة 399 | 259 :
األشباه والنظائر
مدخل
علة والجنس محل" ،وقول أبي حنيفة جزء من العلة ،
والكيل جزؤها اآلخر.
مسألة :
وهي أن الجنس بانفراده ال يحرم النساء عند الشافعي ؛
حيث يجوز إسالم الثوب في جنسه من حيث إنه ال يحرم
إال العلة وال علة لألحكام الثالثة إال الطعم نعم كانت
الجنسية معتبرة محاًل للعلة في ربا الفضل ،والمحل
بانفراده ال يؤثر.
وقال أبو حنيفة " :الجنسية تحرم ربا النساء ؛ ألنها إحدى
وصفي العلة كما أن الكيل أحدهما" ثم الكيل يقتضي عنده
تحريم النساء ؛ فكذلك الجنسية .ونحن وإ ن ضايقناه في
هذا المقام وقلنا :كيف يعمل الجزء بمفرده والتأثير إنما
هو للمجموع -فلسنا ننكر تفريع الرجل على أصله.
مثال آخر :
اإلحصان شرط للرجم ،والزنا علة ،والمحصن محل
كما عرفت.
مثال ثالث :
ذكره اإلمام في باب صالة العيدين -في التكبير
المقتضي له الوقت ،ولذلك إذا فاتت فريضة فقضاها في
جزما ،ومحل العلة هو
غير أيام التشريق ال يكبر ً
الصالة واختلفوا فيها -فقيل :مطلق الصالة ،وقيل :
بل الراتبة ،وقيل :بل الفريضة.
مثال رابع :
خروج الحدث هو الموجب للطهارة بشرط القيام للصالة
؛ فليس القيام علة [وال جزء علة] .1وفي المسألة خالف
شهير.
قال بعضهم :الموجب دخول الوقت ،وصحح الوالد في
تفسيره في صورة المجادلة في آية النجوى وذكر أن
الشيخ أبا حامد قال :إنه ظاهر المذهب.
وقال آخرون :الموجب أحد األمرين من الحدث ودخول
الوقت.
قال صاحب التتمة :ليس يظهر لهذا االختالف تأثير في
األحكام ؛ ولكن المقصود نفس علة الحكم "انتهى".
وفيه نظر :بل للخالف فوائد ؛ منها إذا نوى بدخوله قبل
دخول الوقت فريضة الوقت فاألصح الصحة .وبناء
الخالف على هذا األصل متجه ،إن قلنا .وجب بالحدث.
صح بنية الفريضة ،وإ ن قلنا :بالوقت فال.
ومنها :إذا مات بعد وجوب الصالة وقبل فعلها في
الوقت وقلنا " :إنه يعصي" فهل يحكم بعصيانه -ألجل
ترك الوضوء من حين الحدث أو من أول الوقت ؟
_________
1سقط من "ب".
صفحة 399 | 260 :
األشباه والنظائر
مدخل
[وهاتان الفائدتان] 1نبه عليهما بعض الشارحين -كما
ذكره ابن الرفعة.
ومنها :ما نبه عليه ابن الرفعة -إذا قلنا يجب بدخول
الوقت "يصح وصفه باألداء والقضاء كالصالة فيقع عبد
خروج الوقت قضاء.
ومنها :الخالف في ثمن ماء االغتسال من الجنابة هل
يجب على الزوج ؟ يمكن أن يقال :إن أوجبنا الطهارة
بالحديث وجبت عليه ،لكونه سببه ،أو بدخول الوقت
فال.
ومنها :إذا صب الماء بعد دخول الوقت وصلى بالتيمم
فهل يجب عليه القضاء ؟
إن قلنا :يجب بدخول الوقت وجب أو بالقيام إلى الصالة
فال ؛ وإ نما ذكرت هاتين الصورتين لمساواتهما لما
قبلهما.
وفي بناء كل من الصور نظر ،إذا من أوجبه بالحدث
طا وكذا من أوجبه بالقيام جعل
جعل دخول الوقت شر ً
طا وغذا اشترط أحدهما في اآلخر لم يتجه
الحدث شر ً
البناء.
ويوضح هذا أنه في الصورة الخامسة لو صح البناء
القتضى أنه إذا صبه قبل دخول الوقت -وقلنا :يجب
بالحدث يجب القضاء وال قائل به فيما أحسب.
وهذا الخالف في الطهارة يجب بما إذا جاز في غسل
الحائض ؟ أيجب بخروج الدم ؟ وعليه العراقيون من
أصحابنا ،أم بإنقطاعه ؟ وعليه الخرسانيون ،أم
طا ؟ وهو
بالخروج عند االنقطاع فيكون االنقطاع شر ً
التحقيق.
وفي الثاني الذي قال به الخراسانيون نظر ؛ فإن
االنقطاع ال يناسب وجوب الغسل ،فلعل شرط العلة
اشتبه بها.
قال الوالد رحمه اهلل في كتاب الجنائز :لهذا الخالف
فائدة حسنة ،هي إذا استشهدت الحائض في قتال الكفار
فإن قلنا باالنقطاع لم تغسل ،أو بالخروج ففيه الوجهان
فيغسل الجنب الشهيد.
وذكر صاحب العدة فائدة أخرى :إذا أجنبت الحائض
وقلنا بالقول الضعيف :إن الحائض تقرأ القرآن .فلها أن
تغتسل من الجنابة الستباحة قراءة القرآن وإ ن قلنا
بالخروج فال يمكن ارتفاع الجنابة وبقاء الحيض ،كمن
أحدث بنوم ثم شرع في البول وتوضأ في حال بوله عند
النوم ال يصح.
_________
1في "ب" وهذان الفائدان.
صفحة 399 | 261 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها :
األول :مثاله في األصول
رفع حكم المجمع عليه باطل ،ومن يجوز إحداث ثالث
يدعي أنه غير رافع ،ومن يمنعه يدعي أنه رافع.
فلو اتفقوا على أنه رافع التفقوا على بطالنه أو على أنه
غير رافع التفقوا على جوازه.
وفي الفقه :الغرر مجتنب في البيع ،لحديث "نهي عن
بيع الغرر" واإلجماع والخالف في بيع الغائب ناشئ عن
أنه غرر أو اليعود ذلك إلى الخالف في معنى الغرر.
وقد قال صاحب الحاوي :إنه ما [تردد] 1بين جائزين
"متضادين األغلب منهما أخوفهما" وقال صاحب البحر :
الغرر ما [تردد] 2بين جائزين "ال يرجح أحدهما صاحبه
غررا".
،أما إذا رجحت السالمة لم يكن ً
ومن الغريب وجه حكاه الفوراني في "اإلبانة" أن المبيع
[إن] 3كان [منضبط] 4األوصاف -بخبر [التواتر]- 5
فهو كالمرئي ،وال يخرج على قول [الغائب].6
وفي [البحر] 7أنه ال يخبر بصري أن يرفع اسم "إن" بعد
العاطف قبل مجيء ذا
_________
1في "ب" يردد.
2في "ب" يردد.
3في "ب" "لو".
4في "ب" مضبوط.
5سقط في "ب".
6في "ب" للغائب.
7في "ب" النحو.
صفحة 399 | 262 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وعمرا قائمان لئال يتوارد عامالن
ً زيدا
الخبر نحو :أن ً
-وهما "أن" و"االبتداء" على معمول واحد ،وهو الخبر.
مرفوعا ،بما كان
ً وال يمنعه كوفي ؛ ألنهم يرون الخبر
مرفوعا به قبل دخول "إن" وأخواتها ،ولم تعمل فيه "إن"
ً
شيًئا.
فلو اتفقوا على أنه مرفوع بأن التفقوا على منع المسألة ،
أو على أنه غير مرفوع بها ال تفقوا على تجويزها .وما
من علم من العلوم إال وفيه [نظائر] 1هذه [األمثلة] 2ما
ال ينحصر لكثرته.
الثاني :أن يكون قبل االتفاق على عين العلة وهو
ضربان.
رأسا ،
أحدهما :أن يحصل التردد قبل البحث عن العلة ً
ويكون منشأ التردد في قرب الفرع من األصل [أما]3
في أمر كلي أو شبه معنوي أو صوري كنظرنا في أن
الخنزير هل يلتحق سؤره بالكلب قبل البحث عن العلة ؟
وهذا الضرب صنفان.
[جلبا] 4فيندره [الذهن] 5ويتسارع
أحدهما :ما يكون ً
إليه الفهم من غير تأمل كإلحاق األمة بالعبد في السراية.
خفيا .وهنا يضيق مجال النظر ،
وثانيهما :أن يكون ً
وربما قامت في بعض الصور إشارات ال تنهض بها
العبارات.
[الضرب الثاني]: 6
أن يثور الخالف [بين] 7تعيين العلة وضبط الوصف ،
كالنظر في الماء المستعمل في الحدث هل يمنع التوضؤ
به ؛ ألنه أديت به عبادة فيحلق به المستعمل في تجديد
الوضوء ،أو ألنه أدي به فرض ،أو انتقل المنع إليه فال
يلتحق به المستعمل في التجديد.
وقس على هذا ؛ فإنه كثير "تقدم" 8منه الكثير ،وسنذكر
عقيبه من مسائل الخالف ونظيره.
_________
1في "ب" من نظائر.
2سقط من "ب".
3في "ب" إال.
كليا.
4في "ب" ً
5سقط من "ب".
6سقط من "ب".
7في "ب" من.
8يعدم في "ب".
صفحة 399 | 263 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
مأخذ :
قال علماؤنا :ال رابطة بين اإلمام والمأموم ،وكل منهما
يصلي لنفسه ؛ فال يلزم من فساد صالته فساد صالة
صاحبه ،وال من صحة صحتها وإ نما صحة كل منهما
وفساده بفعله ال بفعل غيره.1
واستدلوا على ذلك بقوله صلى اهلل عليه وسلم "$يصلون
لكم فإن أصابوا فلكم ولهم ،وإ ن أخطئوا فلكم وعليهم"
أخرجه البخاري وفي ابن ماجه والبيهقي " :من أم الناس
فأصاب الوقت وأتم الصالة فله ولهم من [انتقض] 2من
ذلك شيًئا فعليه وال عليهم.
وقال أبو 3حنيفة " :بينهما رابطة ؛ فكل خلل حصل في
صالة اإلمام يسري غلى صالة المأموم ألنه فرع عليه.
[واحتج] 4بقوله صلى اهلل عليه وسلم " :اإلمام ضامن" ،
ضامنا أن تفسد
ً وال حجة لهم فيه إذا ال يلزم من كونه
صالة المأموم بفساد [صالته] ، 5ال سيما وقد فسر
الضامن بخالف هذا ؛ فإن في ابن ماجه "اإلمام ضامن ،
فإن أحسن فله ولهم وإ ن أساء يعني فعليه وال عليهم"6
وقال [مالك] 7وأحمد :يسري النقص إلي المأموم عند
عدم العذر ال مع العذر [فإذا] 8اعتقد اإلمتام طهارته كان
وزعما أن هذا توسط بين
ً معذورا في االقتداء
ً [اإلمام]9
المذهبين.
ال بد من تحرير المذهب ؛ فإنه غير منصوص وال
رأسا ؛ فإن
[نعني] 10بانتفاء الرابطة انتفاء العالقة ً
بينهما عالقة بال شك وإ نخما نعني بالرابطة أنه ال يلزم
من فساد واحدة أو كونها مؤداة فساد األخرى وال كونها
مؤداة ؛ بل قد تكون صحيحة أو مقضية ،وسر الجماعة
[عندنا ليس] 11تعليق المأموم صالة بصالة اإلمام
وربطها به بل إبعاد الصالة عن [السهر] ، 12باإلجماع
وشيوع أمر الدين ،وبعث الهمم على إقامة هذا الفرض
،فإن الهمم تنبعث بالمشاركة وتحصيل أجر الجماعة ،
[وما] 13يدعو إليه اإلجماع من
_________
1في "ب" وال من.
2في "ب" نقص.
3في "ب" زيادة أبو.
4في "ب" واحتج.
5في "ب" صالة.
6في "ب" زيادة وال عليهم.
7في "ب" ملك.
8في "ب" فإذا.
9في "ب" اإلمام.
10في "ب" يعني.
11في "ب" عندنا ليس.
12في "ب" الرتق.
13سقط في "ب".
صفحة 399 | 264 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
حضور القلب ،الرتباط فعل المأموم بفعل اإلمام.
خالفًا ألبي حنيفة فإنه قال :
وفسادا ال
ً مأخذ صالة المأموم تابعة لصالة اإلمام .صحة
[أداء] 1وعماًل ،وهي كالمندرجة في ضمن صالة
اإلمام.
وقد أنشأ اختالفًا في هذا المأخذ "الخالف" في مسائل :
ومنها :أن القدوة ال تسقط قراءة الفاتحة عن المأموم.
ومنها :أن اختالف نية اإلمام والمأموم ال تمنع القدورة
مع التساوي في األفعال حتى يجوز اقتداء المفترض
بالمتنفل ،والقاضي بالمؤدي والمتم بالقاصر ،
[وبالعكس].2
ومنها :وقوف المرأة بجنب اإلمام ال يفسد صالتها ،
وعند أبي حنيفة تنعقد ثم تفسد صالة اإلمام ثم تفسد
صالتها وصالة المقتدين.
ومنها :إذا أرتج على اإلمام في القراءة ورد عليه
قاصدا الرد فقط بطلت صالة المأموم دون اإلمام
ً المأموم
جميعا" وقال أحمد "ال
ً :وقال أبو حنيفة "تبطل صالتهما
تبطل صالة واحد منهما".
ومنها :إذا اقتدى قارئ بأمي بطلت صالة القارئس
جميعا" ألنه
ً وحده ،وقال أبو حنيفة " :تبطل صالتهما
ركنا ،وبالغ
ألزمه تحمل القراءة وليس أهاًل فكأنه ترك ً
بعضهم فقال لو وجد األمي قارًئا يقتدي به لم تجز
منفردا ؛ ألنه وجد من يتحمل عنه.
ً صالته
جنبا أو ذا
ومنها :إذا بان بعد فراغ الصالة كون اإلمام ً
نجاسة خفية لم تجب اإلعادة .والحنفية أوجبوها بناء
على قاعدة االندراج وتنزيل حدث اإلمام تنزيل حدث
المأموم ،ثم ادعوا أنا نقضنا قاعدتنا ؛ حيث قلنا :إذا بان
كافرا أو امرأة وجبت اإلعادة.
كونه ً
فقالوا :إن دعواكم إن كل مصلى يصلي لنفسه وال
ارتباط بين اإلمام 3وبينهم في غير.
_________
1في "ب" األداء.
2في "ب" وبالعارس.
3في "ب" زيادة والمأموم.
صفحة 399 | 265 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
الجمعة وأجاب علماؤنا :بأن الكفر واألنوثة كالنجاسة
الظاهرة -ال يخفى حالها -فإنما بطلت صالة القوم
لتقصيرهم وتفريطهم ،إذا الغالب 1يكون للكافر والمرأة
عالمة يتميزان بها ؛ فإن فرض انتفاء العالمة فهو نادر
ال حكم له ؛ [فكان] 2من حق المأموم [أن] 3يعرف حال
إمامه مما يغلب ظهوره ؛ فإذا لم يتعرف وصلى كان
التفريط من قبله ؛ فكان كمن اقتدى بمن يعمله محدثًا أو
امرأة.
وهذا جواب من [يلتزم] 4أن يتبين حال الكفر إذا كان
مستترا لم تبطل ،إذا ال تفريط -
ً معلنا فإن كان
الكافر ً
وهو ما صححه الرافعي.
وصحح النووي والوالد رحمهما اهلل أن مخفي الكفر
كمعلنه ويجب اإلعادة فيهما وهو المعزو إلى النص.
وعلى هذا فالجواب :أن الكافر ليس من أهل الصالة
بخالف المؤمن المحدث فإنه من أهلها على الجملة.
معلنا بكفره ،
وقال المزني :ال تجب اإلعادة وإ ن بان ً
وهذا فيه وفاء بالقاعدة فال سؤال عليه.
أيضا بما إذا علم حدث اإلمام قبل
واعترض الخصوم ً
االقتداء به وهذا [تناقض] 5فبطالن الصالة -هنا إنما هو
لبطالن النية ؛ فإنه علم أن اإلمام العب وإ تباع الالعب
لعب حقيقة ،فبطلت نية الصالة.
بخالف ما إذا ظنه يصلي حقيقة .فإن نيته ال تبطل ،
وهو مصل لنفسه كما بيناه.
وال ننكر أن بينه وبين اإلمام عالقة لكنها ال تنتهي إلى
الحد الذي قالوه ومن ثم ال يلحق المأموم سهو اإلمام إذا
ثانيا فللعالقة
كان محدثًا ويلحقه إذا كان غير محدث .أما ً
،وأما أواًل فلعدم 6الرابطة.
مقيما عد ما
مسافرا فبان ً
ً ومنها :لو ظن المسافر إمامه
لزمه اإلتمام مطلقًا -على ما
_________
1في "ب" زيادة أن.
2في "ب" زيادة من حق.
3سقط من "ب".
4في "ب" يلزم.
5في "ب" ساقط.
6في "ب" فانعدم.
صفحة 399 | 266 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
رجحه [اإلمام] 1الوالد [رحمه اهلل]- 2لكونه صلى خلف
مقيم وال مباالة بكونه -في نفس األمر محدثًا وبناء على
أصلنا في صحة القدوة [بمحدث] 3ال نعلم حدثه.
ورجح النووي أنه 4لم يسبق تبين اإلقامة ؛ بل سبق تبين
معا لم يلزمه اإلتمام ،ألنه في الظاهر
الحدث أو بانا ً
مسافر وفي الباطن غير إمام ،لعدم صحة القدوة [لحدثه]
.5
كذا علل به وال يخفي منعه ؛ ألن المحدث الذي ليس
بإمام هو المعروف حدثه فمن ثم جنح الوالد إلى مخالفة
النووي في هذا الترجيح.
مسألة :
"المغلب عند الشافعي رضي اهلل عنه -في الزكاة معنى
المواساة ومعنى العبادة تبع له".
ومعنى هذا أنها مؤنة مالية وجبت للفقراء على األغنياء
سدا
فجانب الفقراء وهم المعطون هم المقصود بالذات ً
لخلتهم ،وجانب األغنياء مغلوب.
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل :المغلب فيها معنى العبادة
والمواساة تبع ،وجانب األغنياء غالب ،وهو المقصود
بالذات رياضة للنفس ،لئال تطغى بالمال وتجرها كثرته
إلى ما ال ينبغي.
فإن قلت :قضية أصل الشافعي [رضي اهلل عنه]6
إجزاء القيمة في الزكاة ؛ ألنه إذا غلب جانب الفقير فسد
خلته واقع بالقيمة.
قلت :ال يلزم من تغليب جانب الفقير إهمال جانب
أيضا لتطهير ماله ؛ وذلك
المالك ،بل هو منظور إليه ً
إنما يكون بإخراج العين.
واعلم أن ما ذكرناه من خالف بين اإلمامين -في هذا
األصل تبعنا فيه الخالفين.
وقد حكى الوالد رحمه اهلل :في المسألة أوجهًا وقال :
إنها تخرج من كالم أصحابنا في أن الزكاة عبادة محضة
أو مواساة أو فيها شائبة من هذا وشائبة من هذا تركبت
منهما.
_________
1في "ب" زيادة اإلمام.
2سقط في "ب".
3في "ب" محدث.
4في "ب" زيادة أن.
5في "ب" لحدثه.
6سقط من "ب".
صفحة 399 | 267 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
قال :والمشهور عن مذهبنا أنها إما مواساة وإ ما مركبة
وعن الحنفية أنها عبادة محضة ،وبنوا عليه الزكاة في
مال الصبي.
ثم نص الوالد -رحمه اهلل [على] 1كونها عبادة وأطنب
في ذلك مع تضعيفه قول من نفي زكاة الصبي وقطعه
بأن الحق وجوب الزكاة .ونحن نجري مع الخالفيين
على ما قرروه ،ثم [نلخص] 2كالم الوالد.
[فنقول] 3وهذا أصل بين اإلمامين يتخرج عليه مسائل.
منها :يجب عندنا الزكاة في مال الصبي والمجنون
كنفقة القريب وسائر المؤن.
وعندهم :ال يجب ألنه ليس من أهل إيجاب العبادة وال
يخشى وقوعه في محذور لعدم التكليف.
ونحن ننازعه في مقامات ثالثة :
تفال نسلم "له" أنها عبادة وألن الصبي ليس أهاًل لها ؛ بل
هو أهل وينبغي أن يمرن عليها ،لئال يدمن على خالفها
فيجره -عند التكليف إلى ما ال ينبغي ومن ثم أمرناه
بالصالة والصوم.
ثم بتقدير تسليم المقامين ال نقول :وجبت عليه بل إنما
تجب في ماله -والمسألة تحرر في الخالفيات.
ومنها :ال تجب الزكاة في الحلي المباح في أصح
القولين -ألنه متعلق حاجة المالك ،وال مواساة مع
الحاجة.
وعندهم تجب ؛ ألن حاجة التحلي ال تمنع من الوقوع في
الطغيان والقول الموافق له ليس مأخذه ومأخذهم بل
مأخذه أن الحاجة إلى التحلي ال ينظر إلى مثلها الشارع.
ومنها :تجب الزكاة في المال المغصوب والضال
والدين على مماطل على أصح القولين بعد عود المال.
سببا للطغيان ؛
وقالوا :ال تجب ألن هذا المال ال يصلح ً
ألنه ليس في يده.
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" يلخص.
3في "ب" يقول.
صفحة 399 | 268 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ومنها :تجب الزكاة على المديون على األصح ،
الستغنائه بما في يده وتعلق الدين بذمته.
ممتنعا عن
ً مقهورا بالدين
ً وقالوا :ال تجب ؛ لكونه
الطغيان.
ومنها :ال تسقط الزكاة بالموت ؛ بل تخرج من التركة.
وقالوا :ال تؤخذ ،المتناع حصول االبتالء في حقه
بوقوع العقاب.
ومنها :أن الخلطة مؤثرة في الزكاة فتجعل [المسالكين
كمالك واحد والمالين كمال واحد] 1حتى لو [خلط]2
عشرين من الغنم بعشرين وجبت عليهما شاة ،ألن هذا
نصاب ،والنظر إلى المال دون المالك.
وعندهم :ال تجب ألنها عبادة والركن فيها الشخص
غنيا بنصاب تام.
المتعبؤد فال بد أن يكون ً
ومنها :أكثر مسائل الخالف في باب الزكاة.
تنبيه :قدمنا أ ،الوالد رحمه اهلل نازع في كون الزكاة
غير عبادة وقد أطنب في ذلك ،وأبى أن يسلم للخالفيين
ما نقلوه عن الشافعية وقال :لقد ألجأتهم المبالغة في
البحث في زكاة الصبي إلى أن أخرجوا الزكاة عن
العبادة وفسروا العبادة بما يتعبد اهلل به [عادة] 3من حيث
عبيدا مملوكين له وهورب لهم ،ال ألمر آخر ،
كونهم ً
وال [بسبب] 4منهم خرج من ذلك سائر الواجبات التي
بالتزامهم فكالثمن واألجرة والمهر وغير ذلك ،والتي
بسبب منهم كالحدود والتعاذير وغير ذلك والتي لوصله
بينهم وبين العباد كنفقة األقارب ،وجعلوا الزكاة من هذا
القبيل ألنها وجبت للفقراء على األغنياء ألخوة الدين ،
وهي قرابة عامة ،كما وجبت نفقة الوالدين الفقيرين
العاجزين على الولد الغني باإلجماع ،للقرابة الخاصة.
وإ ن افترقت القرابتان في أن األول ال يثبت محرمية وال
عتقًا وأن الثانية ال توجب استقرار النفقة في الذمة ،
يوما بيوم وال تتقرر بنصاب وال
لتجدها بحسب الحاجة ً
حول بخالف [األولى] 5؛ ألنها لغير معين أو على غير
معين ،فدعت الحاجة إلى استقرارها وتقديرها.
_________
1في "ب" المالكين كمال واحد والمالكين كمال واحد.
2في "ب" خلطا.
3في "ب" عبادة.
4في "ب" سبب.
5في "ب" األول.
صفحة 399 | 269 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
قال الوالد رحمه اهلل :وهذا كله صحيح لكنه ال يخرج
الزكاة عن حيز العبادات واهلل تعالى يتعبد عباده بما يشاء
-في قلوبهم وأبدانهم وأموالهم -كما [تعبدهم] 1في
قلوبهم باإليمان ،وفي أبدانهم باألقوال واألعمال كذلك
تعبدهم في أموالهم بالزكاة -وأطال في ذلك.
وتقرير حديث " :بني اإلسالم على خمس" وغيره مما
يدل على أنها عبادة ،وأنها -مع ذلك حق المال وأن
معناها القدر المفروض في المال ال إخراج ذلك القدر ،
وأن حقيقة األمر اإليجابي موجود في حق الصبي وأن
تخلفه حقيقة الوجوب لعدم قبول المحل وأن الصبي ٍ
مساو
للبالغ في المقصود "في" 2إيجاب الزكاة.
وتوصل بذلك كله إلى تقرير الوجوب في مال الصبي
كبيرا جمع فيه األدلة على ذلك من الكتاب
بابا ً
وعقد ً
والسنة والقياس وأطاب ذكره في كتاب "النظر الجلي في
زكاة الصبي" وهو تصنيفه الكبير في زكاة أموال
الصبي.
مأخذ :
علة ربوية األشياء األربعة المنصوصة عندنا الطعم
وحده ،والجنسية محل لتحريم الربا ،وعدم التساوي في
معيار الشرع شرط ،والمعمول فساد العقد.
قال القاضي الحسين :وكان الشارع يقول " :الطعم في
الجنس الواحد -مع انعدام التساوي -بوجوب فساد
العقد".
وزعم األودني -من أصحابنا :أن الجنس هو العلة
والطعم شرط.
هذا تحرير النقل عنه -صرح به القاضي الحسين وغيره
فأحفظه.
مأخذ :
األصل عندنا أن كال من الثمن والمثمن مقصود بنفسه
ومتعلق قصد البائع بالثمن كمتعلق قصد المشتري بالثمن
،وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه
وعلى المأخذ تتخرج مسألة النقود.
فعندنا أنها تتعين بالتعيين.
وقالوا " :ال تتعين".
[ووافقوا] 3على التعيين في الوديعة والغصب والوصية
حليا تعين.
واإلرث والصداق والوكاة وأن النقد إذا كان ً
_________
1في "ب" ينعقد.
2في "ب" من.
3في "ب" وزعم.
صفحة 399 | 270 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وفائدة التعيين :أنه ليس له 1أن يعطي غير ما عين في
العقد ،ومتى تلف قبل القبض انفسخ العقد ،وإ ذا خرج
مستحقًا بأن بطالن العقد.
وحيث استحق الرجوع بمقابلة أو رد بعيب وغيرهما
يجب رد تلك العين إن كانت قائمة ،ولم يكن له أن يرد
بدلها ؛ سواء كان العيب بكل المبيع أو بعضه وسواء كان
قبل التفرق أو بعده .صرح به الشيخ أبو حامد وغيره.
وفيه وجه عن صاحب التقريب وأنه يجوز قبل التفرق
أخذ البدل ،ويرجع في عينه عند الفلس [ويعمل] 2به
النصاب من حين ملكه ،ويترتب عليها أحكام الملك.
وإ ذا كانت الدراهم المبذولة للحيلولة في الغضب باقية
بعد وجود المغصوب تردد الشيخ أبو محمد في أنه هل
يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها ؟ قال النووي وتبعه
الوالد :واألقوى أن ال يجوز.
قلت :وال وجه للجواز إال أن النقود ال تتعين وليس هو
مذهبنا.
وإ ذا كاتب عبده على نقد للغير فسدت الكتابة ،كما إذا
كاتبه على مال الغير غير نقد.
وفرق أبو حنيفة بناء على أصله في أن النقد ال يتعين
بالتعيين -ذكره عنه الرافعي في باب الكتابة.
مأخذ :هو أم باب الربا
األصل في بيع الربوبات -بجنسها أو بما يشاركها في
علة الربا" -التحريم".
وحيث ثبت جوازه :فمستثنى من قاعدة التحريم مقتطع
من أصله مقيد بشرط المساواة والحلول والتقابض عند
[اتحاد الجنس وبشرط الحلول والتقابض] 3عند
اختالفها.
"فكل ربويين على التحريم إال ما قام الدليل على إباحته"
وهذا األصل مستفاد من قوله صلى اهلل عليه وسلم " :ال
وزنا
تبيعوا الذهب بالذهب" الحديث إلى قوله " :إال ً
بوزن مثاًل بمثل سواء بسواء" هذا حديث أبي سعيد عند
مسلم رحمه اهلل ،وفي حديث عبادة سمعت رسول اهلل
_________
1زيادة له في "ب".
2في "ب" يتكمل.
3سقط من "ب".
صفحة 399 | 271 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
صلى اهلل عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب
عينا بعين فمن زاد
الحديث إلى قوله " :إال سواء بسواء ً
أيضا.
فقد أربى" لفظ مسلم ً
ووجه االستدالل أنه صلى اهلل عليه وسلم صدر بالنهي
فانسحب على جميع [المبايعات] 1ثم استثنى بالنهي ،نعم
ما ال يتحقق خروجه بالمستثنى 2فتمسك بالمستثنى منه
أبدا.
ً
في كل مشكوك في خروجه.
وقال أبو حنيفة األصل الحل الندراجه في جملة البيع
وزعم أن المقصود من الحديث آخره وإ ن صدر أوله
بالنهي.
فهو يتمسك بالحل -أخذ بأصل البياعات وبآخر الكالم-
ما لم يتحقق التحريم ،عكس ما نعمله نحن.
وال يخفي أنا تمسكنا باألصل القريب -وهو تحريم
الربا -وهو األصل البعيد -وهو تحليل البيع.
وفائدة الخالف تظهر في مسائل القول الجامع فيها ما
عرفناك في أنا نحكم في مظان االشتباه ويعارض المأخذ
بالتحريم وهو يحكم بالحل ؛ منها مسألة :هي قاعدة من
قواعد الربا أن نقول الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة
فال يجوز بيع حفنة بحفنتين وال جوزة "بجوزتين وال
بطيخة ببطيختين" 3ونحو ذلك.
ومنها :أنا نشترط التقايض في بيع الطعام بالطعام
وسواء اتخذ الجنس أو اختلف ؛ ألن الجواز إنما يثبت
بشروط.
منها :التقابض المدلول عليه بقوله صلى اهلل عليه وسلم
يدا بيد وهو صريح فيه ،والعرف يقضي بأن ذلك إنما
ً
يدا بيد
يكون في المجلس وحمل أبو حنيفة "رحمه اهلل" ً
على الحلول المنافي للتساوي.
زاعما أن القياس
ً عينا بعين على التأكيد والتكرير
وقوله ً
الجلي يؤيده وهو أن أصل البيع الجواز.
_________
1في "ب" البياعات.
2في "ب" زيادة فتمسك بالمستثنى.
3في "ب" سقط.
صفحة 399 | 272 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ومنها :بيع الرطب بالتمر باطل ألن التحريم الثابت
بالحديث ال يرتفع إال عند تحقق شرط اإلباحة ؛ فمتى لم
نعلم وجود الشرط حكمنا بالبطالن وهو غير متحقق
الوجود هنا ،وقال أبو حنيفة :تصح المساواة في الكيل
وهو باطل بيع الحنطة بالدقيق والسويق وبيع الحنطة
المقلية بالنية أو المقلية.
ومنها :إذا باع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة ونظائرها
ال تصح خالفًا لهم.
ومنها :بيع اللحم بالحيوان باطل للجهالة بالمماثلة وهي
كبيع السمسم بالدهن وقالوا صحيح.
مأخذ :
ال معنى النعقاد العقود إال بثبوت أحكامها التي وضعت
لها ؛ فإذا انعقد البيع باإليجاب والقبول لم يكن معناه إال
حصول الملك ألنه سبب منصوب للملك وال سبيل إلى
قطع المسبب عن السبب ما أمكن وال ضرورة إليه ،
وذهب أبو حنيفة رضي اهلل عنه إلى أن اإليجاب والقبول
له حكمان :
أحدهما :االنعقاد ،وهو مقترن بهما ومعناه الرتباط
الحاصل بين الخطاب والجواب.
والثاني :زوال الملك وهو حكم منفصل عن االنعقاد
محتجا بأن االنعقاد في نفسه معقول على تجرده كالهبة
ً
قبل القبض فإنها منعقدة ولم يتأثر المحل بها وال معنى
النعقادها إال تعلق اإليجاب بالقبول على نهج الخطاب
سببا للملك إذا وجد شرطه ،قال
والجواب وانتهاض ذلك ً
:وإ ذا ثبت أنهما حكمان منفصالن فال يعتبر في االنعقاد
إال أهلية الخطاب والجواب ؛ فمتى صدر اإليجاب
والقبول من أصلهما وصادفًا محاًل قاباًل لحكمهما ثبت
االنعقاد ،وأما زوال الملك فينبغي على الوالية على
المحل ،والضابط عندهم أن كل عقد له مجيز حالة
وقوعه ينعقد موقوفًا على إجازته ويخرج على هذا إذا
طلق الولي امرأة الصبي موقوفًا على إجارته بعد بلوغه
أو طلق الصبي موقوفًا على إجارته بعد البلوغ ؛ فإنه ال
ينعقد لعدم المجبر حالة العقد ؛ إذا عرفت هذا يتبين لك
أن البيع سبب إفادة الملك باإلجماع ،أما عندنا فواضح
وأما عندهم فألنهم ال ينكرون سببيته بل يقولون هو سبب
لملك متراخ ال لملك ناجز والناجز االنعقاد فقط ومن ثم
قال الغزالي في الوسيط أجمعت األمة على كونه يعني
البيع إلفادة الملك وهو من عقد الوسيط التي ذهل عنها
مفيدا
سببا إلفادة الملك ولم يقل ً
كثيرون وقالوا كيف قال ً
للملك ثم أجاب منهم مجيبون بأنه احترز عن البيع في
مدة الخيار ؛ فإن الملك ال ينتقل إال بانقضاء الخيار
صفحة 399 | 273 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
سببا لإلفادة وهذا
مفيدا لملك بل ً
على قول فلم يكن البيع ً
ما جرى عليه ابن الرفعة وجهان على وجه آخر فقال
سببا إلفادة الملك ال يرد
قوله أجمعت األمة على كونه ً
عليه أحد قولي الشافعي رضي اهلل عنه أن الملك ال ينتقل
إال بانقضاء الخيار ألنا على هذا القول نقول االنتقال
سببان البيع وانقضاء الخيار ،وعلى خالفه نقول ليس إال
على سبب واحد وهو البيع ،انتهى.
وأقول إنما ادعى الغزالي إجماع األمة ولم يدع وفاق
المذهب حتى يحاول رد هذا القول إليه وإ نما قال أجمعوا
مفيدا ليخرج من خالف أبي
سببا ولم يقل ً
على كونه ً
حنيفة رضي اهلل عنه الذي حكاه هو وغيره في
الخالفيات من أن البيع في مدة الخيار ال ينقل الملك وإ ن
سببا فأراد أن ينبه على أن شبيه البيع مجمع
كان البيع ً
عليها كما عرفناك ثم عندنا المسبب متصل بالسبب
وعندهم ال يلزم كونه متصاًل وهو قول لنا في البيع في
مدة الخيار ؛ لكن ليس على منهج أصلهم بل على منهج
آخر وإ ذا تبين لك هذا األصل المنازع فيه بين اإلمامين ،
فعليه مسائل :
منها :تصرفات الصبي باطلة عندنا وعندهم تصح ،
ويتوقف نفوذها على إجازة الولي.
ومنها :بيع الفضولي فإنه باطل على الجديد وعندهم أنه
منعقد موقوفًا على إجارة المالك وهو قول قديم عندنا.
ومنها :البيع في مدة الخيار صحيح ناقل للملك على
القول المنصوص في الخالف وهو الصحيح إذا انفرد
المشتري بالخيار وعندهم منعقد غير ناقل للملك كما
عرفت ؛ فإن قلت نزل لي مراتب هذا في الخالف على
جادة مذهبك فإنك قطعت القول ببطالن تصرفات الصبي
إال في بيع االختيار على وجه ساقط وحكيت قواًل
قديما في بيع الفضولي.
مرجوحا ً
ً
وأما القول بأن الملك ال ينتقل في زمن الخيار فقوي وهو
الصحيح إذا انفرد البائع بالخيار ،قلت أما القطع ببطالن
تصرف الصبي فألنا ننازع الحنفية فيه في مقامين فال
يسلم لهم أن أهلية الخطاب معه ،والجواب موجودة ال
بالجملة وال بالتفضيل وال أن االنعقاد معنى غير حصول
الملك ،وأما الفضولي فإنا نسلم أن أهلية الخطاب
موجودة ولكن على الجملة ولكن دون هذا المحل المنع إذ
ال والية له عليه ،وأما البيع المقيد.
صفحة 399 | 274 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
بالخيار فاألهلية موجودة جملة وتفصياًل فال نزاع لنا
معهم إال في أنه هل االنعقاد معنى غير حصول الملك
فإذا المنفرد بالترتيب والتفريع على هذا األصل إنما هو
هذه المسألة وحدها.
أما المسألتان األولتان فلهما أصل آخر وعند هذا أقول إن
هذا األصل عندي في موضع النظر النتفاضه بالهبة
وبالقرض فإن المفترض ال يملك المال من القرض بعقد
القرض بل إما بالقبض وهو األصح أو بالتصرف
والمتهب ال يملك بعقد الهبة بل بالقبض وهذا هو األصح
،وفي قول بالقعد وهو جار على وفق هذا األصل.
مأخذ :
األصل عندنا أن الفعل إذا طابق بظاهره الشرع حكم
بصحته وال ينظر إلى التهمة في األحكام لعدم انضباطها
واألحكام ببيع األسباب الجلية وال يوكل إلى المعاني
الخفية فاألصل إ ًذا الصحة حتى يثبت مقابلها ،وقال أبو
حنيفة كل فعل تطرقت التهمة إليه حكم بفساده لتعارض
دليل الصحة والفساد ؛ فإذا األصل الفساد حتى يثبت
مقابله ،وعلى هذا األصل مسائل :
منها :إذا أقر مدين في حال الصحة وبآخر في حال
المرض تساوي الغريمان وتخاصما في التركة ألن
اإلقرار مشروع في الحالتين ،وأبطل أبو حنيفة رحمه
محتجبا بتعلق غرماء الصحة
ً اهلل تارة إقرار المريض
محتجا بأنه أقوى
ً بعين المال وقدم تارة غرماء الصحة
من حيث إنه صادق حال اإلطالق.
متهما من حيث
والثاني :صادق حال الحجر فيكون فيه ً
أن الشرع سلبه قدرة التبرع فال يؤمن عدوله عن التبرع
إلى اإلقرار.
ومنها :إقرار المريض لوارثه صحيح عندنا على
الصحيح خالفًا لهم.
ومنها :إقرار المريض لوارثه صحيح عندنا على
الصحيح خالفًا لهم.
ومنها :أمان العبد المحجور عليه صحيح في دار
الحرب فيؤثرهم على المسلمين فإن نقض بما إذا أعتق ثم
أسلم ،قالوا لما زالت يد المولى عنه بالعتق واختار
المقام في دار اإلسالم مع قدرته على العود إلى دار
الحرب زالت التهمة فيه ؛ فإن نقض عليهم ما إذا أذن له
مواله في األماه قالوا لم يأذن له مواله إال بعد أن يتبين
منه أن العبد ال يؤثر الكفار على المسلمين.
ومنها :لو ادعت البكارة أو الثيوبة ،قطع الصميري
والماوردي بأن القول قولها وال يكشف حالها ألنها أعلم
وال مباالة بتهمة إظهار شرف البكارة في األول وال
بتهمة دفع
صفحة 399 | 275 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
اإلجبار ،وفي الثاني قال الماوردي وال يسأل عن الوطء
،وال يشرط أن يكون لها زوج ،وقال الشاشي في هذا
انظر ألن بكارتها ربما ذهبت بأصبعها فله إن يسألها
وإ ن اتهمها حلفها.
ومنها :وهو ما يغلب في بادئ الرأي على أصلنا عن
الشافعي رضي اهلل عنه أن من ادعت غيبة وليها ال
يزوجها السلطان حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي
حاضر وأنها خالية عن الموانع ولم ال يصح أن هذا على
سبيل االستحباب ال الوجوب.
مأخذ :
حكم الرهن تعلق الدين بالعين بمعنى ضرورة المرتهن
أحق بيعها واستيفاء دينه منها البمعنى انحصار حقوقها
ويعبر عن هذا بأن لحقه تعلقًا بالعين.
وقالت الحنفية حكمه إثبات يد المرتهن فتبقى العين
يدا ثم هي من حيث عينها
عينا وللمرتهن ً
مملوكة للراهن ً
خالصة للراهن غير مثبوتة بحق الغير ويعبرون عن هذا
حسا ؛ ألن
بأن موجبه ملك السيد على سبيل الدوام ً
الرهن الحبس فهم يحملونه على الحبس الحسي وهو
دوام اليد ونحن نحمله على الحبس الشرعي وهو منع
المالك من التصرف وذهب مالك رحمه اهلل إلى مذهب
أنا أراه وأناظر عليه ذلك عندهم ،كالهالك حتى يتمكن
الغاصب أن يعطيه قدر حقه من غير [المخلوط] 1ال
جرم قال الوالد رحه اهلل :القول بالهالك باطل بعيد من
الشريعة وقواعد الشافعي [رضي اهلل عنه].2
قلت :ونظيره جعل جارية االبن إذا أحبلها األب أم ولد
له ولكن ذلك لقوة اإليالد وشبهة اإلعفاف واهلل تعالى
أعلم.
مسألة :
عدوانا.
ً قال علماؤنا :الغصب إثبات اليد على حق الغير
وقال الحنفية :تفويت اليد المستحقة بإثبات يده عليه
بعدوان أو تفويت مال الغير بتحصيله لنفسه.
وأعلم أن [ال مشاقة] 3في التسمية غير أنا نقول لهم
غاصبا بتفويت يد [المالك].4
ً شرطتم في كون الغاصب
_________
1في "ب" المحفوظ.
2ساقط من "ب".
3في "ب" األمشاقة.
4في "ب" المالك.
صفحة 399 | 276 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
فإن قالوا :ألن الضمان ضمان جبر لما فات فال بد من
غاصبا ،ألنه
ً التفويق "قلنا" يلزمكم [أن] 1يكون الغاصب
لم يفوت يد المالك وغن أثبت يده على [مالك] 2وال قائل
به ويلزمكم أن من سلب المالك قلنسوته واحتوت يده
عليها ال يضمنها لعدم استيالئه ويلزمكم أن المودع إذا
جحد الوديعة ال يضمنها ؛ ألنه لم يفوت يد المالك ولم
يقولوا به.
إذا عرفت هذا فمنهم من يعبر عن هذا األصل بأن اليد
الناقلة غير معتبرة في وجوب الضمان العدواني عندنا ،
بل يكفي إثبات اليد بصفة التعدي خالفًا لهم فإنهم قالوا :
"الزائد من النقل لتحقق صورة التعدي".
وعلى األصل مسائل :
منها [ :زوائد] 3المغصوب مضمونة لوجود حقيقة
الغصب وهو إثبات اليد فإن الولد كان بصدد أن يحدث
في [يد] 4المالك فحدث في يد الغاصب بسبب غصبه
السابق ،فكان منع الحصول في يده كالقطع ولذلك وجب
الضمان على المغرور بزوجته إذا امتنع حصول الرق
في الولد كما إذا قطعه ومن ثم ضمن الولد.
قال علماؤنا :وما كان ذلك إال ألنه تسبب إلى حصول
الولد في يده حيث أثبت يده على األم.
وقال أبو حنيفة :ال يضمن الزيادة إال عند منع الملك
منها ،وهو [عند] 5ذلك أمانة ،وينقض عليه بولد صيد
الحرم.
ومنها [ :أن] 6غصب العقار مقصور فإن قصر يد
عدوانا يوجد فيه فيوجب
ً المالك عنه مع إثبات اليد عليه
الضمان ومن رشيق عبارات الغزالي :المغصوب
مضمونا.
ً مضمون ،والعقار مغصوب فكان
وقال أبو حنيفة :ال يتصور ألنه ال نتقل عن مكان وال
يتحول وال بد من النقل لتمام الغصب "واحتج بأن من
غاصبا مع
ً جلس على [بساط 7غيره بغير إذنه ال يعد
مستوليا.
ً كونه
_________
1في "ب" إال.
2في "ب" مال.
3سقط من "ب".
4سقط من "ب".
5في "ب" قبل.
6في "ب" إذا.
7في "ب" فراش.
صفحة 399 | 277 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
قال :وإ نما ذلك ألنه لم ينتقل ولم يحول.
قال :وكذلك الداخل إلى دار غيره لينظر هل تصلح
لسكناه.
قال أسعد المهيني :ومن أصحابنا من وافقهم على أن
غصب العقار ال يتصور ،وقال :يجب الضمان بطريق
آخر قلت :وهذا ضعيف ومصادم لقوله صلى اهلل عليه
ظلما فإنه يطوقه يوم
شبرا من األرض ً
وسلم " :من أخذ ً
القيامة من سبع أرضين" متفق على صحته واألصح
عندنا أن الجالس على [بساط] 1غيره ضامن.
وعلى الوجه اآلخر فالجواب أن المنقول بنقله بخالف ما
ليس بمنقول ؛ فإن غصب مثله [فإنما] 2هو بقصد
"االستيالء" 3وبهذا خرج [الداخل] 4إلى دار لينظر هل
غاصبا لكن لو انهدمت في تلك
ً تصلح له فإنه ال يكون
الحال ففي الضمان وجهان -حكاهما الرافعي عن
"صاحب التتمة" أصحهما :ال.
مسألة :
قال علماؤنا :المالية قائمة بمنافع األعيان كقيامها
باألعيان وليس من قيام العرض بالعرض في شيء يعني
بهذا أن منافع األعيان أموال كاألعيان.
قالوا :بل المنافع أحق باسم األموال من األعيان ،إذ
األعيان ال تسمى أموااًل إال الشتمالها على المنافع ،أال
ترى أنها ال يصح بيعها بدونها.
وربما قال علماؤنا :المنافع منزلة منزلة األعيان
واستدلوا بقول الشافعي رضي اهلل عنه "اإلجارة صنف
من البيع" فأشار إلى إعطائها حكم األعيان [بكونها]5
عينا بنفسها بقوله :
تباع ،وإ لى أنها بمنزلة العين وليست ً
"صنف من البيع" ولم يقل أنها نفس البيع.
وقالت الحنفية :ال مالية للمنافع.
وعلى األصل مسائل :
منها :منافع المغصوب تضمن بالفوات تحت اليد العادية
خالفًا لهم.
ومنها :يجوز أن تكون منفعة الحر أو الدار صداقًا ،
وقالوا ال يجوز محتجين بقوله
_________
1في "ب" فراش.
2في "بط" إنما.
3في "ب" االستيالء.
4في "ب" بالداخل.
5في "ب" كونها.
صفحة 399 | 278 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
َأم َو ِال ُك ْم}1 اء َذِل ُك ْم ْ
َأن تَْبتَ ُغوا بِ ْ
تعالى َّ ِ :
{وُأحل َل ُك ْم َما َو َر َ
َ
قالوا :شرط في اإلباحة االنتفاع باألموال ،والمنافع
غير المال.
ومنها :يؤخذ الشقص الشقص بالشفعة بقيمة البضع ،
[وكذلك] 2إذا جعل بدل الخلع خالفًا لهم ،قالوا :ألن
منافع العضو ليست بمال.
ومنها :أن المعقود عليه في اإلجارة المنفعة دون العين
ثم المنافع المعقود عليها تملك مقترنة بالعقد وإ ن ترتب
شيًئا فشيًئا [هذا هو الصحيح].4
وقالت الحنفية والشيخ أبو حامد منا -تملك شيًئا فشيًئا.
وقاال أبو إسحاق المعقود عليه العين نفسها.
ومنها :أن األجرة تملك بنفس العقد في األجرة المطلقة
كالثمن في بيع األعيان وعندهم تملك ساعة فساعة
بحسب وجود المنافع.
ومنها :أن إجارة المبتاع جائزة تنزياًل لبيع المنافع
منزلة بيع األعيان.
وعندهم :ال يجوز قالوا :ألن قبض المنافع إنما تملك
بالفعل وهو استيفاؤها -قالوا واستيفاء منفعة سابقة ممتنع
؛ فإن السكنى فعل ال يتبعض وكذلك اللبس بخالف بيع
المنافع.
ومنها :أن اإلجارة ال تنفسخ بموت المستأجر ألنه ملك
المنافع بالعقد دفعة فتورث عنه.
وعندهم تنفسخ ألن ملك المنافع مرتب على الوجود وقد
فات قبل الملك.
ونقض عليهم علماؤنا بمن نصب شبكة فوقع فيها صيد
بعد موته فإن وارثه يملك بالوراثة بجريان السبب من
حال الحياة والسبب هنا هو العقد وقد جرى في الحياة
وموت المؤجر كموت المستأجر.
_________
1سورة النساء "."24
2في "ب" كذا.
3سقط من "ب".
4سقط من "ب".
صفحة 399 | 279 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ومنها :إيجار 1المدة المستقبلة باطل عندنا من غير
المستأجر للمدة الحاضرة المتصلة بها.
عقودا متجددة
ً وعندهم [صحيحة] 2ألنهم لما قدروا
بحسب تجدد المنافع.
قالوا :فإيجار المدة المستقبلة ال تضر ،ألنه مقتضى
اإلجارة.
ومنها :أن [الموصى له] 3بالسكنى إذا مات ورث عنه
-خالفًا لهم بناء على األصل المذكور واهلل أعلم.
فائدة نختم بها مسائل الغصب :
"إذا تعذر مثال ملغصوب المثلي وجبت القيمة".
وهي عند صاحب التنبيه والوالد ،وعليها حمل كالم
النووي :قيمة المثل ال قيمة المغصوب ألنه الواجب عند
التلف وفي وجه قيمة المغصوب ألنه الذي تلف على
المالك وأجدني أميل إليه وهو الذي رجحه ابن الرفعة.
مثليا ففيه ثالثة أشياء
أصل :وهو أن المغصوب إذا كان ً
باقيا ،وال
أحدها :شخصه والوجوب متعلق به ما دام ً
صاعا
ً يضر اختالف القيم بالنسبة إليه [كمن] 4غصب
من البر وقيمته درهمان يوم الغصب ال تلزم [زيادة]5
معه إذا رده بعينه وقيمته درهم ؛ ألن اختالف السعر
ليس إليه.
والثاني :نوعه وهو أهم من الشخص ،والوجوب يتعلق
به عند التلف ألنه بعض الواجب فلذلك وجب المثل عند
إمكانه.
والثالث :جنسه وهو "أعم من المالية" وهو "أعم" من
النوع ،ولذلك وجبت القيمة عند أعواز المثل وهي
عبارة عن المالية المحفوظة في العين -أو في مثل
العين -ذكره الوالد رحمه اهلل وقال :من ها هنا تنبيه
ألن الصحيح قيمة المثل ،وألن الصحيح اعتبار أقصى
القيم من الغصب إلى اإلعواز والتأدية ،ولوجوب قيمة
الحيلولة عند بقاء
_________
1في "ب" زيادة أن.
2سقط من "ب".
3سقط من "ب".
4في "ب" فمن.
5في "ب" بزيادة.
صفحة 399 | 280 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
المغصوب وتعذره إلى غير ذلك من المسائل المتفرعة
عن هذا األصل.
فإن قلت :قيمة المغصوب هي قيمة مثله ؛ أال ترانا نقول
" :قيمة المثل" ونعني بها قيمة الشيء.
قلت :ال وصواب العبارة إذا قومنا شيًئا أن نقول "قيمته
ال قيمة مثله" ؛ وإ نما اختلفنا ها هنا في الغصب وفائدة
تظهر فيما بعد "هذا كالم الوالد رحمه اهلل" ثم ذكر بعد
ذلك بأوراق فيما إذا فقد المثل وظفر بالغاصب في غير
بلد التلف فيأخذ القيمة ،أما ألن المثلى لتلفه مؤنة على ما
صححه الرافعي والنووي أو ألن قيمة تلك البلد تزيد
على قيمة بلد التلف على ما ذهب إليه ابن الصباغ
والوالد رحمهما اهلل -أنهما إذا اجتمعا في بلد التلف ففي
ردها وساتردادها الوجهان فيما لو غرم القيمة إلعواز
المثل.
وجزم الغزالي :في الوجيز -بأن عليه المثل وأخذ
القيمة مع أنه جعل األظهر في مسألة اإلعواز والمنع
وأن الرافعي رحمه اهلل قال :هذا ال وجه له" بل الخالف
في المسألتين واحد باتفاق الناقلين فإما أن تختار فيهما
النفي أو اإلثبات وأن ابن الرفعة وافقه نقاًل وخالفه فيها
فقال :لعل الغزالي الحظ في إثبات الخالف -في حال
تعذر المثل بناؤه على الواجب قيمة المغصوب أو قيمة
المثل ،ورجع أن الواجب قيمة المغصوب فال يكون
لوجود المثل -بعد أخذها -معنى وما نحن فيه القيمة
مأخوذة بداًل عن المثل اتفاقًا فلذلك قال :إن له
استرجاعها وبذل المثل.
قال ابن الرفعة " :وهذا بحث دقيق فليتأمل ،فإن به يندفع
اعتراضي عنه".
قال الوالد :وما يتبين لك ذلك أن الغزالي في "الوسيط"
هنا قال :إن القيمة في الحيلولة ،وفي األعوازلم يذكر
أنها للحيلولة.
قال [ :وهي] 1إشارة إلى ما قاله ابن الرفعة.
قلت :قوله للوجوب متعلق عند التلف بالمثل ،ألن في
ضمنه النوع الذي هو بعض الواجب.
مسألة :
قوله :فيلزم عند تعذره أن يكون الواجب قيمته ال قيمة
المغصوب "هذا لم يظهر لي ويمكن أن يقال الواجب
حينئذ قيمة المغصوب ألن الغرض األصلي كان متعلقًا
_________
1في "ب" وهو.
صفحة 399 | 281 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
به ؛ فلما أدت الضرورة بتعذره -إلى مثله وقفنا عنده
فلما تعذر المثل ينبغي أن يعود إلى [عوض] 1ما وردت
الجنابة عليه ال لى عوض مثله من هذا األصل الذي
أصله هذا الفرع الذي [فرعه] 2واستدل ابن الرفعة -ألن
الوجوب قيمة المغضوب ال قيمة مثله -يقول الجمهور
فيما إذا جامع في الحج :إنه يجب عليه بدنة فإن لم يجد
فبقرة -فإن لم يجد فسبعة من الغنم فإن لم يجد قوم البدنة
دون ما عداها".
وما ذلك إال ألنها الواجب المتأصل.
وكانت أولى باالعتبار دون ما عداها ؛ فكذا نقول هنا :
الواجب المتأصل رد العين المغصوبة فاتفاق فإذا تعذر
وجب الرجوع إلى قيمة األصل دون المجعول بداًل عنها.
وابن سريج يقول :تقوم البقرة ألن الحال استقر على
إيجابها ،وهذا نظير من اعتبر قيمة المثل فيما نحن فيه
وهذا استدالل جيد إال أن الولد رحمه اهلل يدعي أن المثل
حينئذ نفس الواجب الشتماله عليه -وهو تعسف وقد يقال
:لو نظر ابن سريج إلى ما استقر الحال عليه لقوم
السبعة من الغنم ال البقرة على أني لم أجد ما ذكره عن
ابن سريج إنما طريقه المذكورة في كتاب الحج التخيير
بين البدنة والبقرة والشاة والطعام والصيام.
فإن قلت :هل يناظر هذا في األضحية -إذا عين عن
الضالة واحدة ثم وجدها قبل ذبح البدل فأربعة أوجه.
معا.
أحدها :يلزم ذبحهما ً
والثاني :ذبح البدل فقط.
والثالث :ذبح األول.
والرابع :يتخير.
وصحح النووي الثالث وهو يشهد لما قلته من قيمة الم
غصوب ال قيمة مثله.
قلت :ال فإن للوالد رحمه اهلل أن يفرق [بأن الموجود هنا
بعد الضالل نفس العين ،فنظيره وجود نفس المغصوب
ال مثله .لكنا] 3عند هذا نقول :إذا كنا نرجع إلى نفس
المغصوب فليكن عند مثله -إلى قيمته -لكونه أقرب إليه
ومن فوائد الخالف في أن الواجب قيمة المثل أو قيمة
المغصوب "أنه عند تعذر المثل إن قلنا "قيمة
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" فرفعه.
3سقط من "ب".
صفحة 399 | 282 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
المثل" [اعتبرنا] 1أقصى القيم من وقت تلف
المغصوب".
وإ ن قلنا " :قيمة المغصوب" فمن وقت الغصب إلى وقت
التلف وتصحيح الرافعي والنووي أن المعتبر األقصى
من الغصب إلى تعذر المثل -معتلين بأن وجود المثل
كبقاء عين المغصوب ؛ ألنه واجب وجوب العين ،فإذا
لم يفعل غرم أقصى قيمة [المدتين] 2يعرفك أن الصحيح
عندهما قيمة المثل.
مسألة :
الصحيح أن علة ثبوت الشفعة دفع الضرر الذي ينشأ من
القسمة من بدل مؤنتها والحاجة إلى أفراد الحصة
الصائرة له بالمرافق الواقعة في حصة صاحبه
[كالمصعد] 3والبالوعة ونحوها.
وقال [أبو حنيفة] 4رحمه اهلل " :بل دفع ضرر الشركة
فيما يدوم من تضييق المداخل والتأذي [بحريم] 5الشركة
أو [خالؤه] 6أو كثرة الداخلين عليه وما أشبه ذلك.
وبه قال :من أصحابنا ابن سريج [وجماعة] -7فتعلقوا
بالمعنى األعم وتعلقنا بالمعنى األخص فنحن على ثقة من
ثبوت الشفعة فيما يصير إليه [لوقوع] 8االتفاق عليه
وليسوا [كذلك] 9فيما ينفردون فيه ،وهذا شأن كل علتين
أبدا المتمسك باألخص أجدر
إحداهما أعم من األخرى ً
بالسالمة.
وعلى العلتين مسائل :
منها :ال شفعة للجار عندنا ؛ إلمكان دفع الضرر
بالسلطان ،وخالف أبو حنيفة رحمه اهلل 10فقال " :تثبت
الشفعة للشريك والجار المالصق دون المقابل".
ومنها :الشفعة تثبت بين الشفعاء على قدر األنصباء
على أصح القولين -ألن مناط االستحقاق الملك المتصل
بجميع األجزاء فاتصال كل جزء من أجزاء ملكه سبب
ألخذ ما يتصل به ؛ فمن ازدادت أجزاء ملكه اداد ما
يتصل به من الشقص .والحاصل :أن
_________
1في "ب" أقضي.
2في "ب" المبتدين.
3في "ب" كالمصفر.
4سقط في "ب".
5في "ب" بحركة.
6في "ب" إخالفه.
7سقط في "ب".
8زويادة في "ب" من.
9في "ب" ذلك.
10سقط من "ب".
صفحة 399 | 283 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
االستحقاق بقدر الملك فيختلف باختالفه قلة وكثرة
والقول اآلخر التوزيع على عدد الرؤوس بالتسوية .وبه
قال أبو حنيفة [رضي اهلل عنه] 1؛ ألن مناط االستحقاق
عموم الملك ال خصوصه ،فليس للقدر قلة وال كثرة فيه
مدخل وهكذا القوالن في أجر القسام.
مسألة :
"العبد محجور عليه بحق السيد ال لنقص في ذاته" ؛ فإذا
مقيدا تصرفه
أذن له تصرف بحكم اإلذن نيابة عن مواله ً
بما أذن له فيه ،والتصرف لمواله لال له كالوكيل فإن
أذن له في نوع من التجارة لم يستفد غيره.
وقال أبو حنيفة [رضي اهلل عنه]" : 2اإلذن له في نوع
يستلزم فك الحجر عنه كالمكاتب ،ويكون تصرفه لنفسه
بمقضتى إنسانيته ثم ينتقل إلى السيد فال يتقيد بالمأذون
فيه" .وحرف المسألة :أن العبد يتصرف لغيره ،
فالتصرف مقيد بما أذن فيه غيره وعندهم بتصرف لنفسه
بأهليته ؛ وإ نما احتيج إلى إذن السيد ليعرف رضاه.
وعلى هذا األصل مسائل :
مأذونا له فيما
ً منها :المأذون له في التجارة ال يصير
عداه خالفًا له.
ومنها :إذا استغرقت ديون التجارة أكسابه لم يتعلق
بقيتها برقبته -وال يباع -بل بذمته يتبع به إذا عتق ؛ ألن
تصرفه نيابة عن سيده فيتقيد بمحل إذن وهو االكتساب
دون الرقبة.
وقال أبو حنيفة [رضي اهلل عنه] 3تباع رقبته فيه ألن
التصرف حق العبد واإلذن يقتضي تعلق الديون بحقه ،
والرقبة حقه فيتعلق بها.
ومنها :إذا رأى السيد يبيع ويشتري فسكت لم يكن
إذنا له في التجارة خالفًا ألبي حنيفة.
سكوته ً
وحرف المسألة أن السكوت عندهم دليل على الرضا ،
بنوع يرفع الحجر بجملته.
ومنها :المأذون في التجارة له ال يؤجر نفسه خالفًا لهم
،وربما عبروا عن هذا األصل بأن اإلذن والية والوالية
ال تتجزأ وما ال يتجزأ فإثبات بعضه إثبات لكله.
_________
1سقط من "ب".
2سقط من "ب".
3سقط من "ب".
صفحة 399 | 284 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وتطرقوا بهذا إلى قولهم :إن الموصى إليه بنوع من
وصيا مطلقًا.
ً التصرف ال يصير
ونحن ال نسلم هذا وننازعهم في المقدمات الثالث ،فما
اإلذن والية ،وال الوالية يمتنع عليها التجزؤ ،وال إثبات
بعض ما يتجزأ إثبات كله ؛ بل قد يكون باطاًل .
ومنها :ال يعامل المأذون سيده وال يبيع منه وال يشتري
ألن تصرفه لسيده بخالف المكاتب.
وقال أبو حنيفة [رحمه اهلل] 1له أن يعامله ،ألن تصرفه
لنفسه ،وأغرب أبو حامد فحكى فيما إذا كان عليه دين
يستغرق ذمته وجهًا أن له أن يشتري منه ؛ ألن ما في
يده حق الغرماء.
قال الوالد رحمه اهلل :ويحتمل أن يريد هذا القائل أن
السيد يأخذه بقيمته كما يدفع قيمة العبد الجاني وال يكون
طا.
تبعا قال :ويجب تأويله على هذا فال يكون غل ً
ً
تنبيه :لما أثبت الحنفية للمأذون استقاًل كالمكاتب [وبني]
2عليه ما ذكر من مسائل ألزموا أصحابنا أن سيده ال
يطالب بثمن ما اشتراه بخالف الوكيل ،وأن العبد إذا باع
سلعة خرجت مستحقة وتلف الثمن في يده رجع عليه.
مسلما لهم ثم أخذ يمانعهم وفي
ً قال اإلمام :وأعتقد ذلك
المسألة كالم طويل ووقع فيها للرافعي بسبب جمعه من
كالم اإلمام واألصحاب ما فيه مناقشة وقد بين الشيخ
اإلمام ذلك في شرح المنهاج فال أطيل به.
وحاصله :أن األرجح أن السيد ال يطالب بثمن ما
اشتراه العبد وال بالبدل إذا خرج المبيع مستحقًا ،وأن
الديون ال تلزم السيد.
وعلى هذا يجيء سؤال الحنفية فيقولون :إذا كان ال
استقالل له وما هو إال واسطة والتصرف في الحقيقة من
السيد -فهال طولب ؟ والجواب أنه لما أذن له صار العبد
هو المقصود بالمعاملة -فعلى من يعامله أن يحتاط لنفسه
ويقصر األمر عليه من غير نظر إلى سيده واهلل أعلم.
مسألة :
النبي صلى اهلل عليه وسلم يتصرف بالفتيا والسلطنة ،
وكل من األمرين ناشئ عن اهلل تعالى ،فإنه عليه الصالة
والسالم ال ينطق عن الهوى.
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" وبنوا.
صفحة 399 | 285 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ويظهر أثر الفرق في التصرفين من العموم والخصوص
فالتصرفات بالفتيا شرع عام أبد اآلبدين ودهر الداهرين
،وبالسلطنة قد يختص في كل زمان بحسب المصالح 1؛
فإذا قال صلى اهلل عليه وسلم قواًل أو فعل فعاًل ظهر من
أي التصرفين هو فال إشكال وإ ن لم يظهر فاألغلب عند
علمائنا ال يحمل على التصرف بالفتيا ،وعند الحنفية
بالعكس.
وفيه مسائل :منها قوله صلى اهلل عليه وسلم " :من أحيا
أرضا ميتًا فهي له" قال الشافعي رضي اهلل عنه "هذا
ً
تصرف بالفتيا فال يتوقف اإلحياء على إذن اإلمام.
وقال أبو حنيفة " :بالسلطنة فال يحيى أحد بدون إذن إمام
الوقت" فنحن نجري الموات مجرى سائر المباحات بإذن
إمام األئمة عليه أفضل الصالة والسالم ،وهم يجرونها
مجرى مال بيت المال والغنيمة والفيء ؛ ففي كل زمان
يجتهد إمام الوقت فيما يراه أصلح ومنها :قوله صلى اهلل
عليه وسلم لهند بنت أبي عتبة :خذي لك ولودك ما
يكفيك بالمعروف.
قال الشافعي [رضي اهلل عنه] 2هذا تصرف بالفتيا فمن
تعذر عليه أخذ حقه من غريمه فظفر بجنس حقه أو بغير
جنسه إذا لم يظفر بالجنس ،وقيل مطلقًا جاز له استيفاء
حقه منه.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :من قتل قتياًل له
عليه بينة فله سلبه".
قال الشافعي رضي اهلل عنه " :السلب للقاتل مطلقًا" وقال
أبو حنيفة [رضي اهلل عنه] : 3ال يكون له حتى يشترط
له بأن يقول اإلمام في الغزاة :من قتل قتياًل فله سلبه.
ومنها :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :عادي األرض هلل
ولرسوله ثم هي لكم" يحتمل قوله " :هي لكم" أن يكون
ذلك تصرفًا منه صلى اهلل عليه وسلم بالملك ،فملك
الموات بمشارق األرض ومغاربها ثم ملكها ألمته هذا ما
أشار إليه الجوري من أصحابنا.
ويحتمل أن يكون تصرفًا منه صلى اهلل عليه وسلم
[بالفتيا] 4فشرع لنا الموات ويكون مالك الموات ملكه
مل ًكا ابتداء ،وبدل لذلك قول من قال من أصحابنا :إن
الموات ما لم يجر عليه ملك :
_________
1في "ب" [آخر زيادة].
2سقط من "ب".
3سقط من "ب".
4ساقط من "أ".
صفحة 399 | 286 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
مسألة :
واحدا ونسبته
ً النكاح يتناول كل واحد من الزوجين تناواًل
إليهما واحدة والحل الثابت من الجهتين بالسوية.
وال يلزم من اختالفهما في األحكام اختالفهما في مؤترية
واحدا ويختلف
ً األحكام ؛ فقد يكون المؤثر في الشيئين
تأثيره بحسب محاله ويعبر علماؤنا من هذا بأن الرجل
محل النكاح كالمرأة مستدلين على ذلك بأن اهلل أضاف
النكاح إلى كل من الزوجين إضافة الفعل إلى الفاعل
{حتَّى تَْن ِك َح َز ْو ًجا َغ ْي َرهُ} 1وقوله
بدليل قوله تعالى َ :
اجهُن} ، 3وقال تعالى : [تعالى]ِ 2
{ي ْنك ْح َن َْأز َو َ
َ
اب َل ُك ْم َأهِل ِهن} 4وقال {فَ ْان ِك ُحوا َما َ
ط َ {فَ ْان ِك ُح ُ
وه َّن بِِإ ْذ ِن ْ
النس ِ ِ
اء} ؛ وبهذا سميا متناكحين .ووجهه أن النكاح م َن ِّ َ
عقد ازدواج وانضمام فإن التزويج من االزدواج ،
والنكاح من االنضمام ،وحظ كل واحد من الزوجين مما
يقع به االزدواج كحظ اآلخر ،وكذلك في االنضمام ،
وهما كمصراعي باب وزوجي خف ،ولهذا المعنى
تساويا في الحل ؛ فكان الحل في جانبها كالحل في جانبه
ً
وإ ذا تبين أنهما منزالن من العقد منزلة واحدة صار كل
منهما محاًل للنكاح ثم اختلف علماؤنا على وجهين
حكاهما الرافعي قبيل كتاب الصداق عن صاحب التتمة.
أحدهما :أنه معقود عليه في حقها كما أنها معقود عليها
في حقه وعلى هذا أكثر الخالفين ،ووجهه أن بقاء كل
منهما شرط لبقاء العقد فينزالن منزلة العوضين [في
البيع] 5وفي هذا الوجه وفاء عظيم بكون الزوج محاًل
للنكاح.
معقودا عليها في حقه وعلى هذا أكثر
ً والثاني :أنه ليس
الخالفيين ووجه أن بقاء كل منهما شرط لبقاء العقد
فينزالن منزلة العوضين [في البيع] 5وفي هذا الوجه
وفاء عظيم بكون الزوج محاًل للنكاح.
معقودا عليه ألن العوض المهر ال
ً والثاني :أنه ليس
نفسه ،ولهذا لو كان تحته ثالث نسوة جاز له نكاح رابعة
زوجا
منكوحا لما جاز كما ان المنكوحة ال تنكح ً
ً ولو كان
آخر قلت :وهذا توجيه ضعيف ؛ فليس معنى كونه
معقودا عليه بهذا االعتبار ولو كان كذلك لكان الرد
ً
"نكاح ثانية أولى من الرد" بأن له نكاح رابعة غير أن
معقودا عليه إذا ال ريب
ً هذا ليس المعنى المقصود بكونه
أحكاما تخصه وقد قدمنا أنها
ً في أن لكل من الزوجين
يلزم من االشتراك في العلة االشتراك في الحكم.
واقتصر الرافعي على عزو هذين الوجهين إلى نقل
المتولي وهما مشهوران ولم يبين األرجح منهما في هذا
الموضع ،ولكنه في كتاب الطالق في مسألة "أنا منك
_________
1سورة البقرة "."230
2سقط من "ب".
3سورة البقرة "."232
4سورة النساء "."25
5سقط من "أ".
صفحة 399 | 287 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
طالق" أن القول بأن معقود عليه غير مرض عند
األكثرين ؛ ألنه لو كان كذلك لما احتاج إلى إضافة
الطالق إليه وألنها ال تستحق من بدن زوجها ومنافعه
شيًئا "انتهى".
وال أدري من أين له أن األكثرين لم يرتضوا كونه
معقودا عليه ،والذي لم يرتض ذلك فيما علمت إمام
ً
الحرمين ومن تبعه.
ووجه اإلمام في "األساليب" و"النهاية" كونه غير معقود
عليه لعدم استحقاقها لمنافعه ،ولم يذكر سؤااًل البتة ،
وهو سؤال قوي 1للخصوم سنذكره ونذكر وجه
االنفصال عنه في التفريع فنقول :إذا عرف من أصلنا
أن الزوج محل النكاح ؛ فقد خالفنا أبو حنيفة رحمه اهلل
وأثر هذا الخالف في التنازع في مسائل.
منها " :إذا قال أنا منك طالق" ونوى به طالقها وقع ألنه
أضاف الطالق إلى محله "وهو الزوج -فإنه محل
الطالق ،وبدليل أنه محل للنكاح ومتى أضيف إلى محله
وقع" وقالت الحنفية :ال يقع ألن الزوج غير محله
وساعدونا على ما إذا قال لها أنا منك بائن فقالوا :إذا
نوى به الطالق صح ووقع.
وهذا إلزام عظيم يلزمهم ؛ فمتى كان الرجل محل إضافة
الكنابة إليه كان محل إضافة الصريح.
ولهم علينا سؤال تلقوه من تفاريعنا حيث قلنا ال بد من
النية في أنا منك طالق .ثم اختلفنا -هل تكفي نية أصل
الطالق أو يشترط مع ذلك إيقاعه عليها ؟ وإ ضافته إليها
على وجهين.
أحدهما :وهو رأي أبي إسحاق والقاضي الحسين ال
يشترك مع نية أصل الطالق نية أخرى.
وأظهرها :عند الرافعي والنووي أنه ال بد من إضافته
تبعا لإلمام -إلى الجمهور -ووجهه
إليها وعزاه الرافعي ً
بأن محل الطالق المرأة دون الرجل -فال بد من نية
صادقة تجعل اإلضافة إليه إضافة إليها.
تبعا إلمامه ،فإن اإلمام
وهذا مأخوذ من كالم الغزالي ً
كاد يصرح بأن الرجل ليس
_________
1في "ب" زيادة شذ.
صفحة 399 | 288 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
محاًل للطالق ،وتبعه الغزالي ولكنهما مع ذلك لم
يصرحا به ،وكالمهما في الخالفيات وغيرها من كتبهما
صريح في أنهما ال يحتجان إلى مسألة "أنا منك طالق"
معقودا عليه ؛ بل يصلح الغرض
ً إلى تقرير كون الزوج
بدون ذلك بأسلوبين قررهما اإلمام وأسلوب ثالث اقتصر
عليه الغزالي في التحصين.
معقودا عليه
ً وأنا أقول :ال يخفي أن من يجعل الزوج
ينكر كونه محاًل للطالق وأما من ال يجعله ففيه نظر
احتمال إذ ال يلزم من كونه غير معقود عليه أن ال يكون
محاًل للطالق فمن أين يصح للرافعي إنكار كون الزوج
محاًل للنكاح وهي مسألة شهيرة معروفة بالخالف بيننا
وبين الحنفية إذا عرفت ذلك فتقرير سؤالهم أنكم
اشترطتم النية على األصح بنيتين -نية أصل الطالق
ونية وقوع الطالق عليها -ولو كان الرجل محاًل للطالق
لوقوع االستغناء عن النيتين.
ويزيد من يحيط بفروع المذهب على هذا أن يقول :بل
كان ينبغي أن يقع الطالق وإ ن جرد القصد إلى تطليق
نفسه ولم يقتصر على أصل الطالق ،وقد قال اإلمام :
"الوجه عندي أنه ال يقع".
وهذا السؤال أخذه الرافعي ورضيه ورد به على من
معقودا عليه كما رأيت -وقد أجابهم اإلمام
ً يجعل الزوج
أبو المظفر السمعاني في "االصطالم" ؛ فقال " :إنما
احتيج إلى أصل النية ألن لفظ الطالق محتمل أن يراد به
الطالق عن نكاح أو وثاق ،بخالف أنت طالق فإن هذا
االحتمال وإ ن تطرق إليه إال أن العرف يدرؤه ويعين
احتمال الفراق عن النكاح وال اعرف فيه "أنا منك طالق"
فرجعنا إلى أصل حقيقة المعنى فوجدناه محتماًل ،
فاعتبرنا فيه النية كما اعتبروها في "أنا منك بائن".
وهذا جواب صحيح ،وفي كالم اإلمام إشارة إليه فإنه
قال في النهاية :شبه مشبهون هذا بما إذا قال ألمراته أنا
منك طالق من حيث أن اللفظ جرى على صيغة مستبشعة
حائدة عن جهة العرف في االستعمال "انتهى".
إيضاحا :فأقول :لفظ طالق وإ ن
ً وأنا أزيد هذا الجواب
صريحا إال أن الصريح إذا انضم إلى ما يخرجه عن
ً كان
صراحته بطل حكمه أال ترى أنه لو ضم إلى قوله "أنت
صريحا وقوله :أنا منك
ً طالق طالقًا من وثاق" لم يكن
طالق لفظ ضم إليه ما يستشنع فأخرجه عن الصراحة ،
فإن الرجل ال يخرج عن المرأة إال على تأويل ؛ وإ نما
صفحة 399 | 289 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
المرأة تطلق منه فالطالق يقع منه عليها وهذا معنى كونه
محاًل للطالق وعليها منه ،وهذا معنى كونها محاًل
للنكاح ؛ فلما خرج عن الصراحة لهذه الضميمة افتقر
إلى نية.
وهذا الجواب بهذا اإليضاح الذي أوضحته يحق له أن
يقال عنده :ما قاله ابن السمعاني ما ذهب إليه أبو
إسحاق والقاضي الحسين من عدم اشتراطها عليه يدل
نص الشافعي رضي اهلل عنه بل أقول :لو جرد القصد
إلى تطليق نفسه فاألوجه خالف ما قاله اإلمام ،وأنه يقع
إذا نوى الطالق عن نكاحها وبه صرح القاضي الحسين
،وفي النص رمز إليه.
بل نقل اإلمام في النهاية عن بعض الخالفيين -أن اللفظ
صريح وإ ن قصد تطليق نفسه.
وهذا عندي قوي وإ ن كان اإلمام ال احتفال له به وأقول :
معقودا عليه
ً إنه ظاهر كل الظهور عند من يجعل الزوج
،وقد وضح بما قررته اندفاع ما اعترض به الرافعي
من النية.
وأما قوله :وألنها ال تستحق من بدن الزوج شيًئا فقد
يرد عليه الوجه المقابل بأنها تستحق عليه وطأة واحدة ؛
سواء علل بتقرير طلب المهر أم بطلب التحقيق.
وأما من ال يقول بهذا الوجه أن يقول :نحن ال نعني
معقودا عليه أو محاًل للنكاح أنها ال تستحق
ً بكون الزوج
أمرا وراء ذلك.
شيًئا من بدنه وال من منافعه بل نعني ً
قطعا ،ومن
وعجيب ذكر البدن هنا والمرأة معقود عليها ً
ذلك ال يقول أحد :إن الزوج ال يستحق شيًئا من بدنها ؛
سواء قلنا :المعقود عليه في النكاح المنفعة وهو
المقصود في الخالف أو حل الزم ،أو عين المرأة
بوصف الحل ،وهي وجوه حكاها ابن السمعاني.
ومنها :لو قال لها" "طلقي نفسك" فقالت :طلقت قاصدة
تطليق نفسها فإنه يقع ،وكذا لو قصدت أصل الطالق
خالفًا ألبي عبيد بن حربويه وبمسألة أبي عبيد صرح
الرافعي.
أما إذا قصدت تطليق نفسها فمصرح بها في النهاية.
ومنها :بني المتولي كما نقله عنه الرافعي في كتاب
الطالق وابن الرفعة في مسألة
صفحة 399 | 290 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
معقودا عليه
ً أنا منك طالق على الخالف في كون الزوج
ما لو قال الرجل لولي المرأة " :زوجت نفسي من ابنتك"
فقال الولي :قبلت النكاح هل ينعقد وفيه وجهان.
ومنها :ال ينعقد النكاح إال بلفظ التزويج أو اإلنكاح ،
وقالت الحنفية :ينعقد بلفظ الهبة والبيع والتمليك ألنهم
لما جعلوا "الحل" فقط والرجل كمشتر تملك البيع جوزوه
بهذه األلفاظ الناقلة لألمالك.
ومنها :الزوج يغسل زوجته إذا ماتت كما يجوز لها
غسله إذا مات وكما اشتركا في حل اللمس والنظر ،
وقال الحنفية :ال يجوز لها غسله ويجوز له تغسيلها
النقطاع المالكية بفوات مالك المحل.
ومنها :اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية ،ونسبته
إليهما واحدة خالفًا لهم وستأتي المسألة في مسائل الزنا
إن شاء اهلل تعالى.
خاتمة :
إذا تأملت هذه الفروع ورأيت اختالف األصحاب فيمن
بناها على أن الزوج معقود عليه أو ال واتفاقهم على ما
لم يبن على ذلك بل على أنه محل النكاح ؛ بحيث ال
يخالفهم حينئذ إال الحنفية عرفت ما قدمناه لك من أنه
يلزم من كونه غير معقود عليه -وهو ما ارتضاه اإلمام
الغزالي ال يكون محاًل للنكاح.
وحاصل كالم اإلمام الغزوالي أنه ال يحتاج في إيقاع
معقودا
ً الطالق في قوله :أنا منك طالق إال أن يكون
عليه بل وال أن يكون محاًل للنكاح بل الطالق واقع بهذه
معقودا عليه وال محاًل
ً اللفظة إذا نوى -وإ ن لم يكن
للنكاح.
وهذا صحيح نوافقهما عليه فإن في مسألة "أنا منك طالق"
غنية عن هذا األصل ،وإ نما ذكرها الخالفيون ألنه يلزم
من إثبات هذا األصل تصحيح المسألة وإ ن لم يلزم من
إبتطاله إبطالها -فقرروا صحته ليثبت مرادهم فيها.
وقرر اإلمام والغزالي صحتها غير متعلقين باألصل إما
لضعفه عندهما أو ألن التشكيك عليه أظهر منه -على
األسلوب الذي ذكرناه ،وال شك في ذلك.
مسألة :معتقد الشافعي رضي اهلل عنه أن أثر الشيء ال
يتنزل منزلته في وجوده وعدمه وأن من فعل ذلك فقد
تابعا وخالف
متبوعا والمتبوع ً
ً قلب الحقائق وجعل التابع
حسا وحقيقة
الحس فإن األحكام واآلثار تبع الحقائق ً
وخالف في ذلك الحنفية فذهبوا
صفحة 399 | 291 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وعدما فينزل
ً وجودا
ً إلى أن حكم الشيء يدور مع أثره
وجود أثر الشيء منزلة وجوده وعدمه منزلة عدمه كما
يستدل بوجود األثر على وجود المؤثر وبانتفائه على
انتفائه.
وعلى هذا األصل مسائل :
المصابة بالفجور والمعنى بها من زالت بكارتها بالزنا
تستنطق على القول الجديد عندنا لوجود الثيوبة ويكتفي
عندهم بسكوتها -قالوا :ألنه وطء لم يتعلق به حكم من
أحكام الملك وال خاصة من خواصه فأشبه من زالت
بكارتها بسقطة أو أصبع أو حدة الطمث أو طول التعنيس
أو بالوطء في الدير ؛ فإنها بكر -قلنا ألصحابنا وجه أن
التي زالت بكارتها بالسقطة ونحوها أو من وطئت في
ثيبا وعلى هذا يسقط السؤال وعلى الصحيح
دبرها تكون ً
وهو بقاء حكم البكارة في هذه الصور فالجواب أن
المناط بالوطء يترتب عليه التقرير وليس ذلك فيما ذكرتم
وسره أن الشارع علق االستيدان بالثيوية والمتبادر إلى
الذهن عند إطالق الثيوبة -ثيوبة حاصلة بوطء ال يصور
نادرة من ثم قال الصيمري " :لو خلقت بال بكارة فهي
بكر".
فليفهم الفاهم ذلك ؛ فإنا لم نر من الخالفيين من رمز إليه
،ومنه سقط أسئلة للخصوم كثيرة.
ومنها :لو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فهي ثيب
على الصحيح عندنا ،وسره ما أبديناه من حصول
الثيوبة من وطء.
فإن قلت :بين لي أوجه الفقه في اشتراط ثيوبة عن وطء
؛ فإنك لم تتعلق بمطلق الثيوبة ،بدليل الثيب عن وثبة
ونحوها ،وال بخصوص الثيوبة عن وطء حالل.
قلت :وجه اشتراط زوال المجامعة بخالف الوثبة
ونحوها ووجه تعميم الحالل والحرام ،أن زواله مع
الحرام أبين وأوضح من زواله في الحالل وال حقًا بذلك.
ومنها :يجوز لمن طلق األربع أن ينكح في عدتهن
خالفًا لهم.
بائنا لمن طلقها
ومنها :يجوز نكاح أخت المطلقة طالقًا ً
ألن المحرم هو الجمع في السبب المتعين في الوطء وقد
انعدم ذلك حقيقة ،فال مباالة ببقاء أثره وهو العدة خالفًا
لهم حيث قالوا :بقاء ال عدة بمنزلة بقاء أصلها.
صفحة 399 | 292 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ومنها :المختلعة ال يلحقها صريح الطالق لزوال حقيقة
النكاح وقالوا يلحقها ما دامت العدة لبقاء األثر.
ومنها :المبتوتة في مرض الموت ال ترث ،وقالوا :
إنها ترث ما دامت العدة باقية كل هذا يفعلونه تنزياًل
لألثر منزلة المؤثر واستدالاًل به عليه.
مسألة :
قال علماؤنا :الصداق محض حق المرأة ثبوتًا واستيفاء
تستقل بإسقاطه وتعود فوائده إليها.
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل :الصداق حق اهلل ابتداء ،
محتجا بأن اتفاق
ً وربما قال :الوجوب هلل والواجب لها
الزوجين على استقاطه ال يوجب سقوطه ؛ بل يجب
بالعقد عند أبي حنيفة وبالدخول عند الشافعي رضي اهلل
عنهما.
وعلى األصل مسائل :
ثمنا
منها :ال يتقدر الصداق عندنا بل ما جاز أن يكون ً
جائز أن يكون صداقًا قل أم كثير.
وقدره أبو حنيفة بعشرة دراهم فال ينقص عنها حتى لو
محتجا بأنه حق اهلل فال يؤدي
ً ذكر أقل منها وجبت هي
إال بمال مقدر ،ثم إنه ورد على البضع وهو محل
إظهارا لخطره
ً محرتم ذو خطر وشرف شرع المال فيه
وشرفه ألنه لو توصيل إليه بغير شيء لهان عند الناس
وما ال يتوصل إليه إال بالمال يعز عند النفوس وإ ذا كان
مشروعا لهذا المعنى فاليظهر المحل إال بمال له
ً المال
خطر وشرف وأقله عشرة دراهم ؛ ألنه الذي تقطع به يد
السارق.
والجواب أن هذه المقدمات كلها عندنا ممنوعة فال نسلم
أنه حق اهلل تعالى ومستند المنع أنه لو كان لكان يصرف
في مصارف حقوق اهلل تعالى.
وما يذكرون في الفرق بين الوجوب والواجب ال طائل
فيه ؛ فإن الوجوب نسبة بين المنتسبين.
وإ ن سلمنا أنه حق اهلل تعالى فلم قلتم أنه ال يؤدي إال بمال
،ولم قلتم :إنه اليكون إال بمال له خطر ،ولم قلتم :إن
الناقص عن العشرة ليس كذلك ،ولم قلتم :إن يد السارق
ال تقطع في أقل منها.
صفحة 399 | 293 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ومنها :المفوضة ال تستحق المهر بنفس العقد بل بالوطء
أو الموت على الجديد الصحيح ،وعندهم تستحق.
ومنها :إذا خطبها كفء بدون مهر المثل ورضيت به
وجل على الولي تزويجها.
وقالوا :ال يجب كما لو دعت إلى غير كفء.
وهذه من مسائل الخالف المشهورة وليست في الرافعي
ولكن في زيادة الروضة لو زوجها بعض األولياء بكفء
قطعا
بدون مهر المثل برضاها دون رضاء بقية األولياء ً
؛ إذ ال حق لهم في المهر وال عار انتهى -وظاهر
وجوب اإلجابة على الولي إذ ال حق وال عار واهلل أعلم.
مسألة :
قال علماؤنا :اختالف الدارين -دار اإلسالم ودار
الحرب ال يقتضي اختالف سائر األحكام ،ودعوة الحق
على الكفار سواء كانوا في أمالكهم أو في غيرها.
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل :اختالف الدارين يوجب تباين
األحكام وينزل منزلة الموت القاطع لألمالك ألنه ال
استيالء للمالك -وهو في دار الحرب على المملوك وهو
في دار اإلسالم وبالعكس.
وعلى األصل مسائل :
مسلما
ً منها :ال ينقطع النكاح بهجرة أحد الزوجين إلينا
ذميا خالفًا لهم.
أو ً
ومنها :إذا أسلم الحربي وجاءنا وترك ماله في دار
الحرب ثم ظهر المسلمون على دارهم لم يملك ماله بل
هو له ،وقالوا :يملك ويكون من جملة الغنائم.
ومنها :من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر معصوم الدم
والمال على قاتله القصاص وعلى متلف ماله الضمان
كما في دار اإلسالم.
وقال أبو حنيفة " :يحرم قتله وأخذ ماله ولكن ال يجب
الضمان" وزعم أن العصمة المقومة تثبت بالدار
والمؤتمنة تثبت باإلسالم.
مسألة :
معتقد الشافعي رضي اهلل عنه أن الحل الثاتب بالنكاح في
حق األمة كالحل الثابت في حق الحرة والحقوق واحدة
غير أن حق الزوج لألمة مزاحم لحق
صفحة 399 | 294 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
السيد ،وإ ذا ترك السيد حقه من الخدمة تسلط الزوج
بحكم النكاح على زوجته األمة تسلطه على زوجته
الحرة ؛ فهي بمثابة الحرة المحبوسة في حق إذا كانت
تحت زوج ومعتقد أبي حنيفة أن حل األمة دون حل
الحرة .واختالف اإلمامين في هذا األصل منشأ للخالف
في مسائل.
منها :قال علماؤنا :طالق األمة كطالق الحرة إذا كان
حرا من حيث أن النكاح اقتضى لزوج األمة ما
الزوج ً
اقتضاه لزوج الحرة.
وقالت الحنفية :تطليق األمة طلقتين سواء كان الزوج
عبدا ،لنقصان حق الزوج منها.
حرا أو ً
ً
مسألة :
قال أبو حنيفة رحمه اهلل :الطالق الرجعي ال يزيل ملك
النكاح بوجه والرجعة باقية على الزوجة لم يؤثر طالقها
إال في نقص العدد وتحريم الخلوة والمسافر.
قال الشافعي :يزيله من وجه دون وجه ،وإ ن شئت قلت
:يضعفه ويزلزله .ومن رشيق العبارات يقول :يزلزله
وال يزيله ويحله وال يحيله.
وعلى األصل مسائل :
منها :يحرم وطء الرجعية عندا لزوال الملك -ولو من
وجه أو يزلزله ،والوطء يحتاط له فال يكون في ملك
مزلزل.
وقال الحنفية " :ال يحرم لبقاء الملك عندهم".
ومنها :ال تحصل الرجعة إال بالقول خالفًا لهم حيث
قالوا تحصل بالوطء ،ولو نزول المرأة على ذكر الزوج
بل وكل فعل يوجب حرمة المصاهرة كاللمس.
ومنها :وطء الرجعية يوجب المهر خالفًا لهم .مسألة :
قال علماؤنا :سبيل نفقات الزوجات سبيل معاوضات ،
وقالت الحنفية :سبيل الصالت كنفقة [القريب].1
وعلى األصلين مسائل :
منها :أنها معلومة وأن اإلعسار بها يثبت حق الفسخ
وأنها مقدرة ،وال تسقط بمضي الزمان خالفًا للحنفية في
الكل.
_________
1في "ب" القرب.
صفحة 399 | 295 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وقد وافق اإلمام أحمد بن حنبل رضي اهلل عنه أبا حنيفة
على أنها كنفقة القريب ،وخالفه في أن اإلعسار ال يثبت
محتجا بحديث أبو هريرة عن النبي صلى اهلل عليه
ً الفسخ
وسلم في الرجل ما يجد ما ينفق على زوجته قال :
"يفرق بينهما" وهو حديث منكر لم يروه أحد من أصحاب
الكتب الستة ولم يثبت إال أن سعيد بن المسيب قاله وقيل
له :سنة ؟ قال :سنة.
فإن قلت :ما دليلك على الفسخ باإلعسار ؟
قلت :ما مهدناه من األصل ،وهو أن سبيلها سبيل
المعاوضات التي تقتضي تراد العوضين.
ثم للشافعي رضي اهلل عنه -على الخصوم إلزام عظيم ،
قال رضي اهلل عنه :توافقنا على أن لها طلب الخالص
بعنة الزوج إذا انقضى أجله ،وال نص فيه ؛ وإ نما
الوارد فيه قضاء عمر رضي اهلل عنه ثم إنكم زعمتم أن
عليا كرم اهلل وجه خالفهم فإن كان قول عمر حجة
ً
فالرواية عنه في النفقة أثبت ،ثم روى الشافعي رضي
اهلل عنه الفسخ باإلعسار عن عمر رضي اهلل عنه من
طرق.
مسألة :
قال علماؤنا :معنى القصاص مقابلة محل الجنابة
ودفعا لآلفات. جبرا لما فات ً بالمحل الفائت ً
الن ْف َس {و َكتَْبَنا َعلَ ْي ِه ْم ِفيهَا َّ
َأن َّ واحتجوا بقوله تعالى َ :
س} 1اآلية دلت على أن النفس تقابل النفس ولذلك بِ َّ
الن ْف ِ
يسلم إلى ولي الدم وما ذاك إال لمعنى استحقاقه.
وقالت الحنفية " :معنى القصاص مقابلة الفعل بالفعل
[وزاجرا].2
ً جزاء
ص ِ
اص َحَياة} 3قالوا ِ ِ
{ولَ ُك ْم في اْلق َ
واحتجوا بقوله تعالى َ :
:أشار به إلى أن الزجر يحصل به.
وعلى األصل مسائل :
منها :إذا قتل الواحد جماعة قتل بواحد وللباقين الدية
حتى ال تضيع حقوقهم فإن االتسحقاق تعدد بتعدد
المحال.
وقالت الحنفية :يقتل بهم اكتفاء بمقابلة الفعل "بالفعل".
_________
1سورة المائدة "."45
زجرا.
2في "ب" ً
3سورة البقرة "."179
صفحة 399 | 296 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ومنها :إذا قطع رجلي رجلين قطع باألول ولآلخر الدية
بداًل من المحل الفائت ،وعندهم يقطع بهما اكتفاء.
ومنها :شريك األب يلزمه القصاص تحقيقًا لمقابلة
المحل بالمحل كشريك األجنبي ،وقالوا ال قصاص عليه
ألن القصاص مقابلة الفعل بالفعل ،وفعل شريك األب
قاصر من حيث أنه شارك من ال قود عليه فصار
كشريك الخاطئ.
ومها :إذا مات من وجب عليه القصاص أخذت الدية من
تركته بداًل عن المحل وعندهم ال تؤخذ ؛ ألن المستحق
له فعل القتل وقد فات.
ومنها :إذا كان في الورثة صغير ينتظر بلوغه ليقتص
من الجاني ألن الورثة يستحقون المحل والصبي ال ينال
هذا االستحقاق بدليل ما لو كان الصبي هو الوارث
وحده.
وعند أبي حنفية رضي اهلل عنه يستبد الكبير باستيفائه في
المحل ألن القصاص استحقاق فعل القتل جزاء والصغير
ليس أهاًل الستحقاقه ؛ فال ينتظر.
مأخذ :
قال علماؤنا :المأذون في فعله من قبل اهلل فيما تمحض
حقًا هلل كالمأذون في فعله من قبل العبد فيما هو من
حقوق العباد.
وقالت الحنفية :المفعول بإذن الشرع إما واجب الفعل أو
مخبر فيه بين الفعل والترك.
فاألول :ينزل منزلة المستوفي بإذن المستحق حتى ال
يشترط فيه سالمة العاقبة كاإلمام إذا قطع يد السارق
فسرت إلى نفسه.
والثاني :وهو ما خير المستوفي له بين فعله وتركه ال
ينزل منزلة المأذون ،من جهة المستحق.
قالوا :والفرق أن التكليف بالشيء ينفي اشتراط السالمة
فيما يتولد منه ألن االحتراز عنه غير ممكن ،أما
التخيير بين فعله وتركه فال ينفي اشتراط السالمة إلمكان
االحتراز عنه.
وهذا األصل خرج عليه مسألة سراية القصاص ،
وصورتها أنه يجب القصاص على رجل في عضو من
قصاصا فيموت المقتص منه بالسراية.
ً أعضائه فيقطع
صفحة 399 | 297 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
قال الشافعي رضي اهلل عنه :ال يضمن ألن الشرع أذن
له في القطع فصار كأن الجاني أذن له بنفسه ولو أذن له
بنفسه في القطع ثم سرى إلى النفس لم تضمن وفاقًا.
وقال أبو حنيفة رضي اهلل عنه :تضمن ألن الشرع أذن
له بشرط سالمة العاقبة وهو مخير فيه بخالف اإلمام إذا
قطع يد السارق فسرت pإلى نفسه ؛ فإنه ال يضمن لكونه
مكلفًا بفعله.
واعلم أن هذا األصل الذي بنيت هذه المسألة عليه
مخصص بالعقوبات المقدرة ليخرج التعزير ؛ فإنه
مشروط بسالمة العاقبة.
شرعا من العقوبات إما واجب
ً وينبغي أن يقال :المأذون
الفعل أو جائره واألول إما لحق اآلدمي أو لمحض حق
اهلل تعالى واألول ،إما لمصلحة المعاقب بكسر القاف أو
المعاقب بفتحها أو ألعم من ذلك وهو ما كان للمصالح
العامة.
مأخذ :
متحدا
اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية ،ويسمى اللفظ ً
والتعدد إنما هو في محاله ،وتناول الزنا لكل واحد منهما
الزانِي
{الزانَِيةُ و َّ
َ
على حد سواء بدليل قوله تعالى َّ :
اجِل ُدوا} 1ولذلك استويا في العقوبة ؛ بل نسبة الوطء
فَ ْ
إلى النساء أنسب من نسبته إلى الرجال فلقد عهدنا من
فصاحة العرب العرباء إضافته إلى النساء -ألنه أبلغ
المعاني المقصودة منهن -أكثر من إضافته إلى الرجال
ومن ثم قدم اهلل لفظة الزانية على الزاني.
وكان تعبير الغزالي وغيره من أصحابنا -باب نكاح
المشركات أحسن من أن يعبر بنكاح المشركين على
خالف ما قال الرافعي حيث زعم أن أحد اللفظين ليس
أولى من اآلخر.
ونظير المسألة ما قدمناه من تناول النكاح لكل من الرجل
واحدا.
ً والمرأة تناواًل
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل " :االسم يطلق على الرجل
مجازا ؛ ألن الزنا عبارة عن الفعل
حقيقة وعلى المرأة ً
وال فعل لها ،بل هي محل الفعل وممكنة فيه".
صبيا أن
ومن ثم اختلف اإلمامان في البالغة العاقلة تمكن ً
ينزل على رجل مكره مضبوط فيستدخل ذكره فقال
الشافعي رحمه اهلل " :يلزمها الحد ألنها زانية".
_________
1سورة النور "."2
صفحة 399 | 298 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وقال أبو حنيفة رحمه اهلل :ال يلزمها ؛ ألنها ال فعل لها
وربما قال بعض مشايخهم :المرأة تابعة للرجل في فعل
الزنا فإذا لم يكن فعل الرجل زنا لم يكن للتبعية فيه حكم.
واألولى :وهي نفي الفعل عنها طريقة أبي زيد ،
والثانية عندي أقوى منها فإن نفي الفعل عنها وقد فعلت
مكابرة ،واهلل تعالى أعلم.
مأخذ :
قال علماؤنا " :الغنائم تملك بمجرد اإلصابة واالستيالء".
وقالت الحنفية :ال تملك بمجرد ذلك ،بل ال بد معه من
اإلحراز في دار اإلسالم.
وذلك من آثار جعلهم اختالف الدارين يوجب اختالف
األحكام .فجعلوا اإلحراز في دار اإلسالم شرط العلة أو
أحد وصفيها.
وعلى األصل مسائل :
منها :أن المرتد إذا لحق بالغزاة بعدما استولى
المسلمون على األموال ال يشاركهم عندنا خالفًا لهم.
ومنها :إذا مات أحد الغانمين بعد االستيالء وقبل
اإلحراز في دار اإلسالم انتقل حقه إلى وارثه خالفًا لهم.
ومنها :أن الغنائم تقسم عندنا في دار الحرب وهل تحب
القسمة أو تستحب أو تجوز فقط ؟ وكيف الحال ؟
اقتصر الرافعي على أنها تجوز من غير كراهة ،وقال
النووي :الصواب أنها تستحب ،وقال صاحب المهذب
:يكره تأخيرها إلى بالد اإلسالم [من] 1غير عذر ،
وقال الوالد رحمه اهلل :المستحب التعجيل بقدر اإلمكان
ويؤخر عند العذر -قال -وعليه نص الشافعي رضي اهلل
عنه وقال الماوردي والبغوي "تجب القسمة عند
اإلمكان".
وأقول :أنه ال يظهر السيما على القول بأن الدين الحال
يجب وفاؤه على الفور وإ ن لم يطلب صاحبه.
وقال أبو حنيفة :يجوز ما لم تحرزو بدارنا.
ومنها :أن اإلمام إذا فتح مدينة لم يجز له أن يمن علهيم
ألن الغانمين ملكوا بنفس األخذ فكيف يبطل [عليهم]1
ملكهم.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 299 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وقال أبو حنيفة :له ذلك ؛ إذ لم يملكوا بعد.
مسألة :
قال علماؤنا :حقيقة القضاء إظهار لحكم اهلل [وإ خبار]1
إلثبات حق على سبيل االبتداء.
وربما عبروا عن هذا بأن قضاء القاضي ال يغير األحكام
الشرعية عن حقائقها الموضوعة عند اهلل ،وبأن القضاء
وباطنا
ً ظاهرا
ً يتبنى على الحجة ؛ فإن كانت حجة حقيقة
وباطنا ،وإ ن كانت حجة في الظاهر فقط لم
ً ظاهرا
ً ،نفذ
ينفذ إال في الظاهر فقط.
وذهب أبو حنيفة رحمه اهلل إلى أن حكم القضاء إثبات
الحكم المدعي وإ نشاء له.
وربما عبروا عن هذا بأن قضاء القاضي يغير الحكم عند
اهلل وقصروا ذلك على األحكام التي للقاضي فيها مدخل
كالمعقود والفسوخ والنكاح والطالق.
وعلى األصل مسائل :
منها :إذا ادعى زوجية امرأة ،وليست في نفس األمر
زوجته وأقام شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية لم
تحل له في الباطن عندنا ،ويحرم عليها تمكينه من
نفسها.
وقال الحنفية :قضاء القاضي بشهادة الزور تبيح
المحذور ،وتحلل هذه المرأة.
ومنها :إذا رد الحاكم شهادة المنفرد برؤية هالل
رمضان ؛ إما لكونه ال يرى قبول الواحد أو لغير ذلك
فجامع في ذلك النهار لزمته الكفارة كما إذا قيل شهادته
وقال أبو حنيفة :ال يلزمه.
مسألة :
[قال علماؤنا] 2المعقود عليه في عقد الكتابة رقبة
المكاتب وقالت الحنفية :بل اكتساب العبد ،وفك الحجر
عنه.
وعلى األصل مسائل :
منها :إذا مات المكاتب عن وفاء انفسخت الكتابة عند
الشافعي رضي اهلل عنه :ومات رقيقًا ألن المعقود عليه
الرقبة وقد فاتت بالموت فينزل منزلة فوات المبيع قبل
حرا في آخر جزء من
القبض وقال أبو حنيفة :يموت ً
حياته.
ومنها :الكتابة الحالة الباطلة ؛ ألن المعقود عليه الرقبة
وعتقها غير مستحق في
_________
1في "ب" واختيار.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 300 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
الحال ،بل عند أداء النجوم ،وعندهم يصح ؛ ألن
العوض مقابله فك الحجر والقدرة على االكتساب وقد
تحقق في الحال.
ومنها :إذا زوج ابنته من مكاتب ثم مات انفسخ النكاح
النتقال الملك في الرقبة إليها ،وعندهم ال ينفسخ بل
يؤدي نجومه فيعتق واهلل أعلم.
وهذه الطريقة لم يذكرها الرافعي في فصل اختالف
الجاني ومستحق الدم ،بل قبل كتاب البغاة.
ونقل النووي :في زيادة الروضة عن البغوي تعريفًا
على تصديق الولي -أن الواجب الدية دون القصاص
وأن المتولي قال :هو على الخالف في استحقاق الوقد
بالقسامة.
قلت :وقد حكى الرافعي في القصاص وجهين ذكرهما
قبيل كتاب اإلمامة.
وإ ذا [اطلعنا] 1على كافر في دارنا فقال :دخلت بأمان
مسلم ؛ ففي مطالبته بالبينة وجهان ألن األصل عدم
األمان ،ويعضده أن الغالب على من يستأمن أن
[يستوثق] 2بإشهاد واألصل حقن الدماء ،ويعضده أن
الظاهر أن الحربي ال يقدم على هذا إال بأمان.
مسطورا -إذا ضربها الزوج
ً ومنها :مما لم أجده
وادعى نشوزها وادعت هي أن الضرب ظلم.
قال ابن الرفعة :لم أر فيها نقاًل ؛ قال :والذي يقوي في
وليا في ذلك.
ظني أن القول قوله ألن الشارع تجعله ً
قلت :قد يعارض في المسألة أصالن -عدم ظلمة وعدن
نشوزها.
الحادية والعشرون بعد المائة من قواعد الربا :
أن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة.
أخرى :قال الغزالي :في الوسيط في كتاب الصداق في
الباب الثاني في أحكام الصداق الفاسد :قاعدة الباب أن
النكاح ال يفسد بفساد الصداق.
_________
1في "ب" أطلقنا.
2في "أ" يسترق.
صفحة 399 | 301 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
أخرى :األصل في الربويات عندنا التحريم خالفًا ألبي
حنيفة.
الثانية والعشرون بعد المائة :
"أصح القولين أن حجر المفلس حجر مرض ال سفه وال
رهن".
وال نعني بقولنا " :إنه حجر مرض" أنه يثبت لألحكام
حجر المرض كلها كذلك إذا غلبنا أحد الجانبين على
اآلخر في مثل الظهار [طالق] 1أو يمين.
يوضح هذا بأن المريض يسوغ له األقدام على التصرف
ظاهرا وال خالف أن المفلس ممنوع من
ً ويحكم بصحتها
التصرف وإ ن قبل بتنفيذه فيما بعد.
فإن قلت :فإذا كان كذلك فال فائدة في هذه القاعدة
وأمثالها ،إذ ال فائدة غير إجراء األحكام على قضية
قاعدتها.
قلت :قال الوالد رحمه اهلل في "شرح المهذب" :بل فائدة
معرفة حقيقة ذلك الشيء وسره المقصود به قال :
والفقيه يعلم أن الشيئين المتساويين في الحقيقة وأصل
المعنى قد يعرف لكل منهما عوارض تفارقه عن صاحبه
وإ ن لم تغير حقيقته األصلية فالفقيه الحاذق يحتاج إلى
خاصا في كل
ً تيقن القاعدة الكلية في كل باب ثم ينظر
مسألة ،وال يقطع شوقه عن تلك القاعدة حتى يعلم هل
تلك المسألة يجب سحب القاعدة عليها أو تمتاز بما ثبت
له تخصيص حكم من زيادة أو نقص ؟
ومن هذا يتفاوت رتب الفقهاء فكم من واحد متمسك
بالقواعد قليل الممارسة للفروع ومأخذها يزل في أدنى
المسائل وكم من آخر مستكثر من الفروع ومداركها قد
أفرغ صمام ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية فتخبطت عليه
تلك المدارك صار حيران ،ومن وفقه اهلل لمزيد العناية
جمع بين األمرين فيرى األمر رأي عين انتهى كالمه في
باب التفليس من تكملة شرح المهذب.
فهذه القواعد التي سردناها هي التي تكثر فروعها
وتتشعب مواقع األنظار إذا كان إليها نزوعها ،ومن
حققها صار بعلوم الشريعة حقيقًا ،وبالفتيا في مصاردها
ومواردها خليقًا.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 302 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
والمستثني منها :
إما بعيد فال يقاس عليه ،وهو خارج عن المنهاج يجري
مجرى الشذوذ ،والخطب فيه يسير وهو كوجوب الثمن
في المصراة المستثني من قولنا "المثلى مضمون بمثله".
وإ ما معقول المعنى فال بد من لحاقه بأصل آخر ويكون
قد اجتذبه في الحقيقة أصالن تعلق بأقربهما شبهًا
واستمسك بأقواهما وأوفقهما بالنسبة إليه ؛ [لكن] 1عزوه
وفهم هذا من كل فرع [مبتدر][ 2والتكيف به] 3في كل
ورد وصدر يدفع عن همم من ركن إلى الهوينا واجب
الدعوة وال يحيط به إال من حوم على مخيم االجتهاد
بدأب دائم في العلم وخطى متسعة ؛ فإن ترد الفروع إلى
أصولها وعرضها على معانيها [وأجالسها] 4على
منصة الجالء لالعتبار إنما ينهض به أهل البصائر
الشافية ،وهو لعمري واهلل خالصة الاجتهاد ،وثمرة
األكباد.
والكافل به وحصر المستثنيات وعدها كتابنا الكبير في
األشباه والنظائر.
والقول الجملي [عندنا] 5أن الضابط إما أن يطرد
طردا
صورا ً
ً وينعكس وذلك الغاية وإ ما أن يخرج عنه
وعكسا والخارج إما معقول المعنى وإ ما تعبد.
ً
وقد تجمع شيئان :
أحدهما :لمعنى.
والثاني :تعبد.
ونحن نضرب لذلك مثااًل :وهو العاقلة عند من يرى
تعبدا ،وتضمن الولي جزاء صيد أتلفه
تحملها للدية ً
الصبي فإنه لمعنى وهما خارجان عن قاعدة من لم يجن
ال يطالب بجناية من جنى.
تعبدا يهون األمر فيه ،وأما الخارج لمعنى
ثم الخارج ً
فذاك المعنى هو أصله اآلخر الذي اجتذبه.
فالح بهذا أنه ال يخرج لمعنى إال وقد حق بأصل آخر
ضائعا
ً خرج من هذا فدخل في هذا ولم يكن
_________
1سقط في "أ".
2سقط في "أ".
3سقط في "أ" والتكليف به.
4في "ب" وأجالئها.
5سقط في "ب".
صفحة 399 | 303 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
فالفقيه من يرده إلى أصله ويعيده إلى وكره ال من يحفظه
حفظ ضائع ال يدري مالكه ،ومجهول ال يعرف صاحبه.
ثم قد يتقاوم األصالن ؛ فيتجاذب الفحالن ،ويتناجز
الخصمان ،ويقع التردد ويقف األمر في اإللحاق.
راجحا ويراه اآلخر
ً وقد يرى أحد المجتهدين أصاًل
مساويا ،وفي مثل هذه المداخل نزل األقدام
ً مرجوحا أو
ً
وتتبين فرسان pالكالم ،ويتنافس المتنافسون ويتراد
المخلصون ثم وراء ذلك بحر عميق ،ومنظر دقيق وهو
أن الخارج لمعنى هل يقاس عليه وقد بينا ذلك.
فصل :
وراء هذه القواعد ضوابط يذكرها الفقهاء.
منها :المطرد والمنعكس وغيره أحاط بها تلخيص ابن
القاص ،و"خصال" أبي بكر الخفاف و"أعداد" أبي
الحسن بن سراقة 1و"رونق" الشيخ أبي حامد و"لباب"
المحاملي و"مناقضات" أبي الحسن العناني الداركي
و"حيل" أبي حاتم القزويني و"مطارحات" ابن القطان
وليست عندنا من القواعد الكلية بل من الضوابط الجزئية
الموضوعة لتدريب المتبدئين ال لخوض المنتهين ،
ولتمرين الطالبين ال لتحقيق الراسخين.
والذي يكثر من التشاجر فيه ويعظم الخطب ما أوردناه
وأما هذه الضوابط فالخطب فيها يسير.
وهي مثل قولنا :
العصبة :كل ذكر ليس بينه وين الميت أنثى .الولد يتبع
أباه في النسب وأمه في
_________
1محمد بن يحيى بن سراقة بضم السين المهملة
وتخفيف الراء أبو الحسن العامري البصري الفقيه
الفرضي المحدث صاحب التصانيف في الفقه والفرائض
وأسماء الضعفاء والمتروكين رحل في الحديث وأقام
بآمد مدة وله مصنف حسن في الشهادات وأخذ الضعفاء
عن أبي الفتح األزدي ثم نقحه وراجع فيه الدارقطني
ذكره ابن الصالح ،وذكر أنه كانت له رحلة في الحديث
وعنايةبه ومعرفة بعلم الفرائض والضعفاء من الرجال ،
حيا سنة أربعمائة وذكره الذهبي في المتوفين
وقال :كان ً
في حدود سنة عشر وأربعمائة .انظر ترجمته في
األعالم ، 5 /8وطبقات الشافعية البن هداية ص -43
طبقات الشافعية البن قاضي شهبة .196 /1
صفحة 399 | 304 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
الرق والحرية وأشرفهما في الدين وأحسبهما في الريح
والنكاح وأشرفهما في الحرية.
الحجر على الصبي لنقصه وعلى العبد لحق سيده وعلى
السفيه يتردد.
ومن ثم يصح نكاح العبد باإلذن بخالف الصبي وفي
السفيه تردد.
وتفاريع القولين في الجمعة أظهرهما مقصورة أم صالة
على حيالها والوضوء أواجبه الترتيب أو عدم [التنكيس]
، 1والمغلب في قتل قاطع الطريق حق اهلل أو حق
اآلدمي وإ ذا باع مال أبيه على ظن أنه حي ؛ فإذا هو
ميت وسبيل االستعارة للرهن سبيل العارية أو الضمان ،
والخالف في حقيقة الثمن ما هو ؟ وحجر الفلس هل هو
حجر مرض أو رهن أو سفه إجازة الورثة تنفي ًذا أو
ابتداء عطية ،تزويج السيد أمته بالملك أو بالوالية ،
الوديعة عقد أو إذن ،المغلب في المسابقة شائبة اإلجازة
أو الجعالة ،حرمة استعمال آنية الذهب والفضة لعينهما
أو لمعنى فيهما ،فطرة من يؤدي فطرة غيره ثم تجب
عليه ثم يتحملها أو تجب على المؤدي ابتداء ؛ القسمة بيع
أو إفراز ،اإلقالة بيع أو فسخ ،الحوالة استيفاء أو
اعتياض ،النذر محمول على واجب الشرع أو جائزه ،
موجب القتل العمد القصاص أو أحد األمرين منه ،ومن
الدية الصداق مضمون ضمان عقد أو يد ،الظهار طالق
أو يمين ،اإلبراء إسقاط أو تمليك ،عمد المميز عمد أو
خطأ ،اليمين المردودة كاإلقرار أو كالبينة ،ارتفاع
العقد من أصله أو من حينه ،النفقة للحمل أو للحامل ،
مجلس العقد لهل له حكم ابتداء العقد ؟ تعارض حق
الخالق والمخلوق ،ومسائل اإلشارة والعبارة باللفظ أو
بالمعنى ومسائل المسكن والخادم -هل يباعان في الفلس
والكفارة والفطرة والحج ونظائرها ؟ وفي كم تعطي
الرجعية حكم الزوجية ،ومفارقة األب للجد في األحكام
وما يتعدى حكمه إلى الولد الحادث ،وتعليق اإلنسان
فعل نفسه على فعل غيره -مثل بعت بما باع به فالن
فرسه ،وزوجت بما زوج به ،وطلقت كما طلق ،
وقارضتك ولك مثل ما شترطه فالن لفالن ،وأحرمت
بما أحرم به فالن -ما فضل لبيت المال هل هو على
سبيل اإلرث أو المصلحة وفيه خالف يظهر أثره في
مسائل منها :قاتل أبيه إذا لم يخلف األب سواه فما له
لبيت المال ثم إن قلنا ميراثًا لم يدفع للقاتل منها :قاتل
أبيه إذا لم يخلف األب سواه فما له البيت المال ،ثم إن
قلنا ميراثًا لم يدفع للقاتل منه شيء أو مصلحة جاز الدفع
ومنها :المكاتب إذا مات أبوه لم يرثه وماله لبيت المال ؛
فإذا أدى النجوم وعتق فإن قلنا :ميراثًا لم يأخذ شيًئا ،
وإ ن قلنا :مصلحة أخذ.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 305 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
كافرا فأسلم انبنى
قريبا له ً
ومنها :إذا مات مسلم وخلف ً
على الخالف.
[وأنحاء] 1ذلك.
وعندي أن إدخالها في القواعد خروج عن التحقيق ،ولو
فتح الكاتب بابها الستوعب الفقه وكرره وردده وجاء به
على غير الغالب المعهود والترتيب المقصود فحير
األذهان ،وخبط األفكار ،وإ ذا استحسن ضم الشيء إلى
نظيره فبعض مسائل الباب أشبه ببعضها من غير ذلك ،
والترتيب على األبواب هو الصواب.
فصل :
ومن الناس من يدخل في القواعد تقاسيم تقع في الفروع
يذكرها أصحابنا ؛ حيث يتردد الذهن فهي ذات أقسام
رأسا فقد أكثر منه الشيخ أبو
كثيرة وال تعلق لهذ بالقواعد ً
حامد في الرونق ومتابعوهن ولكن أولئك لم يكن قصدهم
ذكر القواعد ؛ بل هذا النوع بخصوصه ،فال لوم عليهم
وإ نما اللوم على من يدخل ذلك في القواعد.
يسيرا من ذلك لتعرف ما أشير إليه.
وأنا أذكر لك ً
فأقول :تقسيم آخر.
قال اإلمام في كتاب الصلح :العقود بالنسبة إلى قبول
التأييد أو التوقيت مراتب.
أحدها :البيع والتأبيد فيه غير مستحق ،فإنه يتضمن
التمليك واستئصال حق المتقدم بالكلية ؛ فال يعود إال
بإعادة طريق آخر.
الثاني :اإلجارة :وضعها على بقاء الملك للمكري
واألصل أن يضبط بالنهاية إذ ال حاجة إلى إثباتها دون
الضبط.
ويظهر في هذا [القسم] 2ما يظهر فيه قصد التأبيد كبيع
أيضا.
حق البناء والممر وسبيل الماء -وال يمتنع تأقيته ً
الثالث :ما يقصد منه المنفعة ولكن ال ينتظم إثباته على
نعت التأقيت ؛ فإن الغرض منه التواصل ،والتوصل
إلى النسك وهو النكاح وكان يؤقت في ابتداء اإلسالم
إشارة إلى اكتفاء بعض الناس بقضاء األوطار ،ثم استقر
الشرع على استحقاق التأييد
_________
1في "أ" وإ نما.
2في "ب" التقسيم.
صفحة 399 | 306 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
ليقع النكاح على وضعه ،وقدره الزوج على الطالق
يفيده ،التمكن من الخالص.
تقسيم آخر :
[مغيرا] 1فال
ً إذا وقع في الماء شيء طاهر فإن لم يكن
أثر له وإ ن كان ،فإن كان التغيير لقلته فكذلك وإ ن كان
لموافقته في صفاته فوجهان ،وإ ن لم يفت بل غير فإن
قل التغيير ؛ حيث لم يزل اسم الماء المطلق ففيه خالف ،
وإ ن فحش فإن لم يمكن الصون عنه لم يسلب ،وإ ن أمكن
ترابا لم يؤثر على األصح وإ ن كان غيره فإن
؛ فإن كان ً
طا لجميعه سلب أو لبعضه فوجهان وإ ن كان
كان مخال ً
مجاورا متصاًل به فقوالن ،أو غير متصل لم يؤثر.
ً
تقسيم آخر :
قال القاضي أبو الطيب الطبري :ومن تعليقه نقلت :
الطالق واجب ومحرم ومكروه ومستحب.
فالواجب :طالق المولي إذا انقضت المدة وطولب
واجبا كما في
بالفيئة أو الطالق وطلق فإنه يكون قد فعل ً
واجبا ،وإ يقاع طالق
خصال الكفارة أنها فعل وقع ً
الحكمين في الشقاق واجب إذا قلنا :هما حكمان ورأيي
الطالق.
والمحرم :طالق الحائض والموطوءة في طهرها.
والمكروه :طالق زوجة حسنة الخلق والخلق يأمنها
فيغيبته ويسر بها في حضوره.
والمستحب :طالق زوجه قبيحة الخلق سيئة الخلق ال
واحدا منهما
ً حاضرا أو ال يقوم
ً غائبا وال تسره
يأمنها ً
بحق صاحبه انتهى مختصر.
تقسيم آخر :
قطعا :كطهارة األعضاء
المقدرات الشرعية إما تحديد ً
سبعا ،
ومسح المقيم والمسافر ،وغسل ولوغ الكلب ً
واشتراط أربعين النعقاد الجمعة وتكبيرات العيدين ،
جدا.
ونصب الزكوات وهو كثير ً
قطعا :كسن الرقيق المسلم فيه والموكل في
وإ ما تقريب ً
شرائه.
_________
متغيرا.
ً 1في "ب"
صفحة 399 | 307 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
وإ ما مختلف فيه :كالقلتين وسن الحيض والمسافة بين
الصفين بثالثمائة ذراع ومسافة القصر بثمانية وأربعين
مياًل وهو كثير.
فهذه أمثلة التقاسيم كل مثال منها لنوع وال مدخل لها من
القواعد ويقرب منها تعديد فرق النكاح وأقسام البياعات.
فصل :
ومنهم من يدخل المآخذ والعلل التي يشترك فيها أحكام
أيضا
طلبا لجمع المشتركات في قدر مشترك وليس ذلك ً
ً
من القواعد في شيء.
وقد رأيت للشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب "التنبيه"
مختصرا سماه "مسائل االرتباط".
ً مصنفًا في ذلك
وهذا النوع كثير الفائدة للخالفيين الناظرين في المسائل
التي اختلف فيها اإلمامان -الشافعي وأبو حنيفة رحمهما
اهلل تعالى.
وأنا أذكر مسألة لتعرف ماذا أعني بكالمي [واهلل تعالى
أعلم].1
حكما.
علة يتعلق بها إحدى وعشرون ً
مسألة :
يجب القطع بسرقة الثمار الرطبة والطعام الرطب وسائر
ما يتمول وإ ن كان أصله على اإلباحة وكذا إذا اشتركا
في النقب فدخل أحدهما [فأخذ] 2وناول اآلخر فالقطع
على الداخل.
إذا سرق ما [فيه] 3نصاب ثم نقصت قيمته قبل القطع لم
يسقط القطع.
إذا رمي المسروق إلى خارج فالقطع على الرامي.
إذا ترك المتاع بقرب النقب وأدخل اآلخر يده فالقطع
على الثاني ،والضمان عليهما في المسائل الثالث.
نصابا ثم ملكه بحكم اإلرث أو الهبة لم يسقط
ً إذا سرق
القطع.
نصابا قطع.
ً إذا سرق مصحفًا يساوي
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" فأخذ إحداهما.
3في "ب" قيمته.
صفحة 399 | 308 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
إذا سرق اآلبق قطع ،وكذا الضيف والنباش وسارق
ثياب الكعبة.
ثانيا فتقطع يمناه وإ ذا
إذا سرق العين مرة بعد مرة قطع ً
ثانيا قطعت يسراه.
سرق ً
إذا سرق ناقص اليمين أو مفقودها قطعت يسراه.
إذا تلف في يده المسروق فعليه الغرم والقطع.
يقطع أحد الزوجين بسرقة مال صاحبه.
يقطع المعير والمكري إذا سرق من المستعير والمكتري.
يقطع سارق العبد الصغير وكذا إذا سرق المستأمن في
أحد القولين.
نصابا كاماًل من حرز مثله ال
ً والعلة فيها كلها أنه أخرج
شبهة له فيه وهو من أهل القطع -أصل موضع الوفاق.
علة يتعلق "بها سبع مسائل".
في عبد التجارة الزكاة والفطرة.
وعلى الجد عن ولد ولده الصغير المعسر الفطرة.
وعلى الولد فطرة األب والجد والزوج وعبد الشريكين
عليهما فطرته.
والسيد عليه فطرة عبده ،خالفًا "لداود بن علي" 1والعلة
في الجميع شخص من أهل الطهرة يلزمه فطرته مع
القدرة أصل موضع الوفاق.
فصل :
ومنهم :من يعقد فصاًل ألحكام األعمى ،وآخر ألحكام
األخرس ،وآخر ألحكام المبعض ،وهكذا وفصاًل
لألحكام التي اختص بها حرم مكة شرفها اهلل تعالى ،
أيضا ليس من القواعد في شيء.
وهذا ً
فصل :
ومنهم من ذكر الفقه المختص ببعض الناس أو بعض
األماكن وسبيله سبيل من
_________
1داود بن علي بن خلف أبو سليمان البغدادي
األصبهاني إمام أهل الظاهر ،هو أول من نفى القياس
في األحكام الشرعية وتمسك وبظواهر النصوص ،
ورعا .أخذ العلم عن إسحاق بن راهية وأبي
زاهدا ً
وكان ً
ثور وغيرهما ،وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع
كثير يعرفون بالظاهرية .نشأ بأصبهان ثم رحل إلى
بغداد فأقام بها وتوفي سنة سبعين ومائتين.
انظر طبقات الشافعية الكبرى ، 284 /2شذرات الذهب
.258 /2
صفحة 399 | 309 :
األشباه والنظائر
الخالف في فروع بعد االتفاق على أصولها ذلك أما بعد
تعيين العلة أو قبلها
بابا من أبواب الفقه بالتصنيف فال فرق بين إفراد
يفرد ً
باب وإ فراد مكلف من المكلفين.
وذكر اإلمام في آخر "النهاية" أنه عزم على جمع أحكام
المبعض ثم اجتزأ بسبقها في األبواب.
فصل :
ومنهم من يشتغل بتقرير كونه مذهب الصحابي
واالستحسان مثاًل غير حجة وهذا رجل عمد إلى باب من
أبواب أصول الفقه فأحب النظر فيه.
فصل :
ومنهم من يعقد فصاًل للمسائل التي يفتي فيها على التقديم
أيضا رجل أحب أن يجمع مسائل ال ارتباط لها في
وهذا ً
أنفسها.
وأغراض الناس تختلف ولكل مقصد ،ولسنا ننكر على
أحد مقصده ؛ وإ نما ننكر إدخال شيء في شيء ال يليق
به [ويكبر] 1حجم الكتب بما ال حاجة إليه.
فصل :
ومنهم من يدخل مسائل األحاجي واأللغاز ،وهذا باب
مليح أفرده بعضهم بالتصنيف.
كالجرجاني صاحب المعاياة وأبي حاتم القزويني قبله
وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين.
"وللقاضي تقي الدين ابن رزين 2فيه مصنف حسن
رأيت بعضهم ينسبه البن الرفعة وهو خطأ وابن الرفعة
قدما من أن يشتغل بهذا النوع ،ولكل
مقاما وأرسخ ً
أعلى ً
فن رجال وإ ذا اشتغل الناس في الفقه عشواء سار ابن
الرفعة في بياض المحجة وإ ذا مشى الناس في رقراق
علم كان هو خائض اللجة وإ ذا قنع الناس بالصدف لم
يرض هو إال بنفيس الجواهر وإ ذا وقفوا عند غاية لم
يتطلب هو غاية يحاط لها بأول وال آخر.
هذا وقد عرفناك أن فن األلغاز -في نفسه حسن ؛ إال أنه
مجموعا ها
ً ال مدخل له في القواعد وقد كنت وضعت فيه
أنا أتحفك منه بباب مفيد فأقول.
_________
1في "ب" ويكثر.
2هو شيخ اإلسالم أبو عبد اهلل محمد بن رزين بن
موسى العامري الحموي الشافعي ،ولد سنة ثالث
وستمائة في شعبان بحماة وبرع في الفقه واألصول
وشارك في المنطق والكالم والحديث وأفتى وله ثمان
عشرة سنة .توفي في ثالث من رجب سنة ثمانين
وستمائة.
الطبقات الكبرى ، 46 /8الشذرات ، 368 /5النجوم
الزاهرة .123 /7
صفحة 399 | 310 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
باب في األلغاز :
واألصل في هذا الباب حديث ابن عمر الثابت في
الصحيح أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال " :إن من
الشجر شجرة ال يسقط ورقها وإ نها مثل المسلم حدثوني
ما هي ؟".
قال :فوقع الناس في شجر البوادي ،قال عبد اهلل :فوقع
في نفسي أنها النخلة فاستحييت.
ثم قالوا :حدثنا يا رسول اهلل ما هي ؟ قال :هي النخلة
قال عبد اهلل فحدثت أبي بما وقع ،قال ألن تكون قلتها
أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا.
وقد خرجه البخاري في موضعين -بوب على أحدهما
باب طرح اإلمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم
من العلم وبوب على اآلخر "الحياء في العلم".
وأقول :ومن ثم واهلل أعلم بحث العلماء في هذا الباب ،
ومن أقدم ما سمعت فيه ما رواه الحافظ أبو القاسم ابن
عساكر رضي اهلل عنه في التاريخ الشامي إلى حماد بن
حميد قال " :كتب رجل من أهل العلم إلى ابن عباس
يسأله عن هذه المسائل -أخبرني عن رجل دخل الجنة
محمدا صلى اهلل عليه وسلم أن يعمل بعمله ،
ً ونهى اهلل
وعن شيء تكلم ليس له لحم وال دم ،وعن شيء له لحم
ولم تلده أنثى وال ذكر وال من المالئكة ،وعن نفس
أوحى اهلل إليها ليست من األنبياء ،وعن منذر ليس من
الجن وال من اإلنس ،وعن شيء حرم بعضه وحل
بعضه ،وعن شيء تنفس ليس له لحم وال دم ،وعن
نفس ماتت وأحييت بنفس غيرها ،وعن نفس خرجت
من جوف ليس بينهما نسب وال رحم ،وعن اثنين تكلما
ليس لهما لحم وال دم ،وعن الرجل الذي [مر] 1في
قرية وهي خاوية على عروشها ،وعن شيء إن فعلته
حراما وعن موسى عليه
ً حراما وإ ن تركته كان
ً كان
السالم كم أرضعته أمه قبل أن تلقيه في البحر وفي أي
بحر قذفته ،وعن االثنين اللذين كانا في بيت فرعون
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 311 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
حين لطم موسى فرعون ،وعن موسى حين كلمه اهلل من
حمل التوراة إليه ،وكم كانت المالئكة الذين حملوا
التوراة إلى موسى ،وأخبرني عن آدم كم كان طوله وكم
عاش ومن كان وصيه ،وأخبرني من كان بعد آدم من
الرسل ،ومن كان بعد نوح ،ومن كان قبل نبينا صلى
اهلل عليه وسلم ،وعن األنبياء عليهم السالم كم كانوا ،
وكم كان فيهم من الرسل ،وكم في القرآن منهم ،وعن
رجل ولد من غير ذكر وال أنثى ولم يمت ،وعن أرض
واحدا ،وعن الطير الذي ال
يوما ً
لم تصبها الشمس إال ً
يبيض وال يحضن عليه طير.
فلما قدمت هذه المسائل إلى ابن عباس رضي اهلل عنهما
كتب.
أما الرجل الذي دخل الجنة ونهى محمد صلى اهلل عليه
وسلم أن يعمل بعمله فهو يونس النبي عليه السالم الذي
اح ِب اْلح ِ
وت ِإ ْذ َن َ
ادى َو ُه َو يقول اهلل فيه { :واَل تَ ُك ْن َكص ِ
ُ َ َ
وم}.1َم ْكظُ ٌ
وأما الشيء الذي تكلم ليس له لحم وال دم فهي النار إذا
{ه ْل ِم ْن َم ِز ٍيد}.
تقول َ
وأما الرسول الذي بعثه اهلل ليس من الجنة وال من اإلنس
وال من المالئكة فهو الغراب الذي بعثه اهلل إلى ابن آدم
ليريه كيف يواري سوأة أخيه.
وأما الشيء الذي له لحم ودم ولم تلده أنثى فهو كبش
إبراهيم الذي فدى به ولده.
وأما الشيء الذي تنفس ليس له لحم ودم فهو الصبح ؛ إذ
ُّب ِح ِإ َذا تََنفَّ َس}.2
{والص ْ
يقول عز وجل َ :
وأما النفس التي ماتت وأحييت بنفس غيرها فهي البقرة
{اض ِر ُبوهُ
التي ذكرها اهلل تعالى في القرآن في قوله ْ :
ضهَا َك َذِل َك ُي ْحيِي اللَّهُ اْل َم ْوتَى}.3
بِبع ِ
َْ
وأما الطير لم يبض ولم يحضن عليه فهو الطير الذي
طائرا بإذن
نفخ فيه عيسى ابن مريم عليه السالم فكان ً
اهلل.
وأما الشيء الذي قليله حالل وكثيره حرام فنهر طالوت
الذي ابتالهم اهلل به.
وأما النفس التي أوحى اهلل إليها ليست من األنبياء فأم
موسى.
وأما النفس التي خرجت من جوف نفس ليس بينهما نسب
وال رحم فهو يونس النبي صلى اهلل عليه وسلم خرج من
بطن الحوت.
_________
1سورة ق .30
2سورة التكوير .18
3سورة البقرة 73
صفحة 399 | 312 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وأما االثنان اللذان تكلمتا ليس لهما لحم وال دم فهما
السماء واألرض قال تعالى {ِ :اْئ تَِيا َ
ط ْو ًعا َْأو َك ْر ًها قَالَتَا
ين}.1 َأتَْيَنا َ ِئ ِ
طا ع َ
وأما الشيء الذي مشى ليس له لحم وال دم فعصا موسى
التي تلقف ما يأكفون[ .وأما الرجل الذي مر على قرية
وهي خاوية على عروشها فهو أرميا].2
حراما وإ ن تركته كان
ً وأما الشيء الذي إن فعلته كان
حراما فهي صالة السكران ،إن صليت وأنت سكران
ً
فحرام وإ ن تركت فحرام.
وأما أم موسى فأرضعته ثالثة أشهر 3قبل أن تقذفه في
البحر ثم ألقته في بحر القلزم.
وأما االثنان اللذان كانا [في بيت] 4فرعون فالرجل الذي
كانت يكتم إيمانه.
وسألت عن موسى يوم كلمه اهلل وحملت التوراة إليه فإن
اهلل كلمه يوم الجمعة وأعطي التوراة ونزلت بها المالئكة
إلى موسى يوم الجمعة وأمر اهلل بكل حرف 5فحمله ملك
من السماء ال 6يعلم عدد ذلك إال اهلل.
يوما فهي
وأما األرض التي لم تنظر إليها الشمس إال ً
أرض البحر الذي فلقه اهلل لموسى.
وأما المنذر الذي ليس [من اإلنس 7وال من الجن] فالنملة
النم ُل ْاد ُخلُوا مس ِ
اكَن ُك ْم}. ََ {يا َُّأيهَا َّ ْ
القائلة َ
وسألت عن آدم فهو أول األنبياء خلقه اهلل من طين
وسواه ونفخ فيه من روحه ،وكان طوله -فيما بلغنا واهلل
نبيا وخليفة وعاش ألف سنة
ذراعا ،وكان ً
ً أعلم -ستين
عاما ،وكان وصيه شيث وإ ن بعد شيث من
إال خمسين ً
األنبياء إدريس وهو أول الرسل
_________
1سورة فصلت "."11
2سقط من "أ" والمثبت من "ب".
3في "ب" زيادة ونصف.
4في "ب" زيادة حين لطمه موسى فهي آسيا امرأة
فرعون.
5في "ب" زيادة من التوراة.
6في "ب" فال.
7في "ب" من الجن أواًل .
صفحة 399 | 313 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وبعد إدريس نوح وبعد نوح هود ثم صالح ثم إبراهيم ثم
لوط -ابن أخي إبراهيم -ثم إسماعيل ثم إسحاق ثم
يعقوب ثم يوسف ثم موسى ثم عيسى فأنزل اهلل اإلنجيل
ثم كان بعده نبي الرحمة صلى اهلل عليه وسلم.
وكان عدد األنبياء -فيما بلغنا -ألف نبي ومائتي نبي
نبيا ،وكان منهم ثالثة وخمسة عشر
وخمسة وسبعين ً
نبيا يقول اهلل رسواًل نجد في القرآن منهم ثالثة وثالثين ً
اه ْم َعلَ ْي َك ِم ْن قَْب ُل َو ُر ُساًل
صَن ُ
ص ْ{و ُر ُساًل قَ ْد قَ َ عز وجل َ :
يما} 1انتهى ِ َّ َّ
وسى تَ ْكل ً صهُ ْم َعلَ ْي َك َو َكل َم اللهُ ُم َ
ص ْ
َل ْم َن ْق ُ
مختصرا.
ً
قلت وأنا أستفتح السؤال األول من مسائله فإن إطالق
القول بأن نبينا صلى اهلل عليه وسلم نهى بأن يعمل بعمل
يونس ال ينبغي لما فيه من اإلساءة على يونس.
وكذا[ 2أقول] 3في الرسول ليس من الجن وال من
اإلنس وال من المالئكة [-روى] 4الحافظ أبو القاسم
أيضا بسنده إلى ابن أبي مليكة قال :كتب ابن هرقل إلى
ً
معاوية يسأله عن ثالث خالل ما مكان إذا كنت [فيه] 5لم
تدر أين قبلتك ؟ وما مكان طلعت فيه الشمس ولم [تطلع]
6فيه قبل وال بعد ؟ وعن المحو الذي في القمر ؟ -فقال
معاوية من لهذه ؟ 7فقيل ابن عباس ،فكتب إليه.
فأجاب ابن عباس [رضي اهلل عنهما].8
أما المكان الذي إذا كنت فيه لم تدر أين قبلتك فإذا كنت
على ظهر الكعبة
وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس ولم تطلع [فيه] 9قبل
وال بعد فالبحر الذي انفلق لموسى.
{و َج َعْلَنا اللَّْي َل
وأما محو القمر فهو آية الليل قال تعالى َ :
النهَ َار َآ َيتَْي ِن}.10
َو َّ
فكتب معاوية إلى ابن هرقل ،فكتب إليه ما هذا من
كنزك وال كنز أبيك [ ،وما].11
خرج هذا إال من [أهل] 12بيت نبوة.
_________
1سورة النساء "."164
2في "ب" كذلك.
3سقط في "ب".
4في "ب" وروى.
5سقط من "ب".
6في "ب" تظله.
7في "ب" زيادة المسائل.
8سقط في "ب".
9سقط من "ب".
10اإلسراء "."12
11في "ب" وال.
12سقط من "ب".
صفحة 399 | 314 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
أيضا بأسانيد مختلفة هذا األثر بزيادات
وروى الحافظ ً
أخر اجتمعت على بعضها واختلفت [في] 1بعضها وأنا
ألحق تلك الطرق وأجمع ما اجتمعت وما افترقت فيه ؛
مذكورا في بعضها دون بعض فأقول :
ً فكان
روي أن قيصر ملك الروم كتب إلى معاوية بن أبي
سفيان :أما بعد فأي كلمة أحب إلى اهلل ؟ وما الثانية
والثالثة والرابعة والخامسة ؟ ومن أكرم عباد اهلل وإ مائه
عليه ؟ وما خمسة فيها الروح لم تركض في رحم ؟ وقبر
سار بصاحبه ؟ ومكان لم تصبه الشمس إال مرة واحدة لم
تطلع فيه قبل ذلك وال تطلع بعده ؟ ومجرة السماء ما هي
؟ وقوس قزح وما بدأ مرة ؟ وقبله من ال قبلة له ،ومن
ال أب له ،ومن ال عشيرة له ؟ وعن شيء نصف شيء
وال شيء ؟ وابعث إلي في هذه القارورة.2
فلما قرأ معاوية كتابه قال :ما له أخزاه اهلل ؟! وما علمي
بها ها هنا ؟ فقيل له :اكتب إلى ابن عباس ،فكتب يسأله
عن ذلك.
فكتب إليه ابن عباس " :إن أفضل الكالم ال إله إال اهلل -
كلمة اإلخالص ،وما يقبل عمل إال بها ،والتي تليها
سبحان اهلل وبحمده والثالثة كلمة الشكر اهلل أكبر وفاتحة
الكتاب والركوع والسجود ،والخامسة ال حول وال قوة
إال باهلل ،وأكرم الخلق آدم ،وأكرم اإلماء مريم ،
والخمسة الذين لم يركضوا في رحم :آدم وحواء الكبش
الذي فدي به إسماعيل وعصا موسى حين ألقاها فصارت
ثعبانا وناقة صالح ،والقبر الذي سار بصاحبه [فالحوت]
ً
3الذي التقم يونس ،والمكان الذي انفرج لموسى من
البحر لما ضربه بعصاه فانفلق والمجرة باب السماء ،
وقوس قزح أمان ألهل األرض من الغرض بعد قوم نوح
،ومن ال قبله له الكعبة ،ومن ال أب له عيسى ،ومن ال
عشيرة له آدم ،وأما شيء فالرجل له عقل يعمل بعقله ،
وأما نصف شيء فالرجل ال عقل له يعمل بعقل ذوي
العقل ،وأما ال شيء فالذي ليس له عقل يعمل برأي
نفسه.
ثم مأل القارورة ماء وقال :هذا أبرز كل شيء :قال
اء ُك َّل َش ْي ٍء َح ٍّي}.5
[اهلل] : 4تعالى { :وجعْلَنا ِمن اْلم ِ
َ َ َ ََ
فلما وصل الكتاب إلى ملك الروم قال :لقد علمت أن
معاوية لم يكن له بهذا علم ،وما خرج هذا إال من أهل
بيت نبوة.
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" زيادة ببدر كل شيء.
3في "ب" الحوت.
4سقط من "ب".
5سورة األنبياء "."30
صفحة 399 | 315 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قلت :في األثر مواضع ال بأس بالتنبيه عليها.
قوله " :أكرم الخلق آدم" ليس على ظاهره ،وإ ن 1أكرم
الخلق عند أهل الحق سيدنا 2محمد صلى اهلل عليه وسلم.
وقد خطر [لي] 3فيما وقع في هذا األثر أحد أمرين :إما
أن يكون زيادة [لم] 4يثبت عن ابن عباس وهو األقرب ،
وإ ما أن يكون عني بأكرمية الخلق أصل الخلقة واألرومة
5والطينة التي آدم وذريته فيها سواء ،والمراد أن خلق
البشرية أفضل من بقية الخالئق ويؤخذ منها أن البشر
أفصل من الملك -وهو مذهب أهل السنة.
وال يقال [ :إن] 6ابن عباس ذكر ذلك على معتقد
المكتوب إليه ألنا -أواًل -ال نعرف ما يعتقدون في ذلك ،
وثانيا ال نعتقد أن ابن عباس يجيب إال بما هو الحق -في
ً
نفس األمر ولذلك قال " :أفضل الكالم ال إله إال اهلل" وهم
يعتقدون التثليث.
وقوله " :من ال قبلة له الكعبة" لعله يعني به منصلى على
ظهرها -كما أشير إليه في األثر قبله -إال أنه لو استقبل
سترة متصلة جاز فلم تخرج عن كونها قبلة.
وقوله " :من ال أب له عيسى" يعني من ال أب له ممن
يركض في رحم ؛ وإ ال فكذلك آدم عليه السالم.
وقوله " :من ال عشيرة له آدم" لعله قبل أن يولد له
ويكون في ذلك من ابن عباس داللة على ما قال المتولي
صاحب "التتمة" " :إنه إذا وقف على عشيرة لم يدخل فيه
إال قرابة األب" .ووجه االستنباط أن آدم لم يكن له أب
فلم يكن له قرابة أب ؛ فمن ثم لم يجعل ابن عباس له
عشيرة فدل أن من ال أب له ال عشيرة له ،ودل أن
العشيرة من قبل األب .وهذا قول المتولي رحمه اهلل.
ومما يلتحق بهذه المسائل مسائل [دارت] 7بين الشافعي
رضي اهلل عنه ومحمد ابن الحسن رحمه اهلل نقلها النقلة
لمحنة الشافعي [رحمه اهلل] ، 8وكثير من الناس يذكر
_________
1في "ب" فإن.
2في "ب" زيادة المصطفى.
3سقط من "ب".
4في "ب" ال.
5سقط من "ب".
6سقط من "ب".
7في "ب" وارت.
8سقط من "ب".
صفحة 399 | 316 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
أن أبا يوسف القاضي كان مع محمد ،ولكن لم يثبت
عندنا ذلك ،والصحيح أن محنة الشافعي [رحمه اهلل]1
ودخوله بسببها بغداد إنما كان بعد وفاة أبي يوسف ،ولم
تكن هذه المسائل إال بينه وبين محمد بن الحسن ،غير
أن نوردها كما أوردها الناقلون لها إذا كان القصد
معانيها ال عزوها إلى قائلها.
فنقول :ذكر اإلمام إسماعيل البوشنجي أحد الجلة من
علمائنا وغيره :أن الشافعي [رحمه اهلل] 2دخل بعض
األيام على هارون الرشثيد فامتحنه أبو يوسف ومحمد
ودفعا الدرج إليه في ذلك
بمسائل أثبتناها في درج ً
المجلس ،فأجاب عنها بأسرها في الحال ،وسألهما عن
مسألتين فعجزا عن الجواب ،وها هي :
سأاله عن رجل ذبح شاة ثم خرج [لحاجته] 3وعاد ،فقال
ألهله كلوها فقد حرمت علي ،فقال له أهله [ :ونحن]4
قد حرمت علينا.
فأجاب أنه مشرك ذبح الشاة على اسم األنصاب ،ثم أسلم
بعد خروجه ،وعاد فقال لهم هذه المقالة ،فأسلموا
فحرمت عليهم الذبيحة.
وسأاله عن رجل أبق له غالم فقال :هو حر إن طعمت
طعاما حتى آخذه ،كيف المخرج ؟
ً
فأجاب -يهب الغالم لبعض أوالده -ويأكل ثم يرجع
مرحبا بابنينا
ً وسأاله عن امرأتين لقيا غالمين فقلنا :
وابني زوجينا وهما زوجانا.
فأجاب :بأن الرجلين كانا ابني [المرأتين] ، 5فتزوجت
كل واحدة منهما بابن صاحبتها ،وكان الغالمان ابنيهما
وابني زوجيهما وهما زوجان لهما.6
_________
1سقط من "ب".
2سقط من "ب".
3في "ب" لحاجة.
4سقط من "ب".
5في المرأتين.
6في "ب" زيادة ومسأاله عن مخلوقين سجدوا لغير اهلل
عز وجل وهما غير عاصين بذلك فأجاب المالئكة
سجدوا آلدم عليه السالم.
صفحة 399 | 317 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وسأاله عن رجل قال لولد :إن ست فلك ألف درهم ولو
كنت ابن ابني كان لك عشرة آالف درهم.1
فأجاب :كان الرجل يملك ثالثين ألف درهم ،وكان له
ثمانية وعشرون بنتًا فخص كل بنت ألف درهم وخص
االبن ألفين لو كان له ابن ابن كان للبنات [الثلثين]2
والباقي له -وهو عشرة آالف درهم.
وسأاله عن رجل أخذ قدح ماء [يشربه] 3فشرب pبعضه
محرما عليه.
ً حالاًل وصار باقي ماء القدح
فأجاب :بأنه شرب نصفه ورعف في بقيته فحرم الماء
المتزاجه بالدم.
وسأاله عن امراة ادعت أن زوجها ما قاربها منذ
تزويجها وأنها بكر كما خلقت.
فأجاب :يدعي بقابلة وتؤمر أن تحمل بيضة فإن غابت
فقد كذبت ؛ وإ ال فقد صدقت.
وسأاله عن خمسة زنوا بامرأة وجب على أحدهم القتل
والثاني الرجم والثالث الحد ،والرابع نصف الحد ،
والخامس ال شيء.
فأجاب :األول استحل الزنا فكفر ،والثاني زان محصن
والثالث غير محصن وهو حر ،والرابع عبد ،والخامس
مجنون ال شيء عليه.
قلت :أو واطى بشبهة وتسمية وطء الشبهة زنا أقرب
من تسمية وطء المجنون.
وسأاله عن امرأة قهرت مملوكها على وطئها.
فأجاب :إن خاف على نفسه القتل أو الضرب الوجيع إن
لم يفعل فال شيء عليه ،وإ ال نصف الحد ،وعلى
[المرأة]- 4إن كانت محصنة -الرجم ،وإ ال فالحد.
قلت :فالمكره ال شيء عليه يعني ال حد عليه ؛ وإ ال قال
فاإلثم عليه باإلجماع.
وسأاله عن رجل صلى بقوم فسلم عن يمينه فطلقت
امرأته ،وعن يساره فبطلت
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" الثلثان.
3في "ب" ليشربه.
4في "ب" االمرأة.
صفحة 399 | 318 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
صالته ونظر إلى السماء فوجب عليه ألفًا درهم [يزنها]1
في الغد.
ٍ
أجاب :إنه لما سلم نظر إلى رجل قد تزوج بامرأته عند
دما
ثانيا رأى عليه ً
غيبته فلما حضر طلقت ،ولما سلم ً
فوجبت اإلعادة " ،ولما أبصر السماء" أبصر الهالل فكان
عليه دين فوجب عليه أداؤه.
نكاحا حتى
فإن قيل :النكاح في غيبة الزوج ال يكون ً
يقال :وقع الطالق برؤية الزوج ،وكذلك الصالة مع
النجاسة ال تكون صالة حتى يقال بطلت.
قلنا :هذا الجواب محمول على الظاهر ،فإن تلك المرأة
حيا زال ذلك
كانت محللة له في الظاهر فلما رأى الزوج ً
الظن وتبعه زوال الحل.
وسأاله عن إمام كان يصلي بأربعة نفر فدخل المسجد
رجل آخر فصلى معهم عن يمين اإلمام وأبصره وجب
على اإلمام القتل ووجب تسليم امرأته إلى ذلك الرجل
ووجب على األربعة الجلد ،ووجب هدم المسجد بالكلية
إلى أساسه.
فأجاب :أن الرجل [الداخل كان سافر] ، 2وخلف امرأته
عند أخ له واتفق أن اإلمام قتله وأخذ امرأة أخيه وادعى
أنها كانت امرأة له وشهد له األربعة الذين صلوا معه
مسجدا ؛ فوجب القتل
ً وأخذ دار ذلك المقتول وجعلها
قصاصا ،ووجب أن ترد [المرأة] 3إلى زوجها ،
ً عليه
ووجب جلد األربعة بشهادة الزور ،ووجب تخريب
دارا.
المسجد وإ عادته ً
طا
كيسا ممتلًئا مربو ً
وسأالته عن رجل دفع إلى امرأته ً
وقال أنت طالق إن فتحتيه أو فتقتيه أو كسرت ختمي أو
[أحرقتيه] 4أو لم 5تفرغيه وتعطيني الكيس.
فقال :إن كان ما فيه ما يذوب كالسكر تضعه في الماء
حتى يذوب.
وسأاله :عن رجل وامرأة لقيا غالمين فقال الرجل :أنا
ابن جدهما وأخي عمهما وقالت المرأة :أنا بنت جدتهما
وأختي خالتهما وخالة أبيهما.
فقال :الرجل أبوهما [والمرأة] 6جدتهما.
_________
1في "ب" مكررة.
2في "ب" قد سافر.
3في "ب" االمرأة.
4في "ب" حرقيته.
5في "ب" ولم.
6في "ب" االمرأة.
صفحة 399 | 319 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وسأاله :عن امرأة ولدت ثالثة أوالد -األول مملوك
والثاني ولد زنا ،والثالث خليفة يدعي له على المنابر ،
واألب واألم واحد.
فقال :هذه المرأة كانت مملوكة لقوم فوطئها رجل
هاشمي بنكاح فخرج ولده مملو ًكا لقوم ثم إنه طلقها وزنا
بها بعد الطالق فكان ولد الزنا ،ثم إنه اشتراها ،فجاء له
منها ولد فصار خليفة يدعي له على المنابر.
فسأاله عن رجل ضرب رأس رجل بعصا ؛ فادعى
المضروب أن ضاربه قد أذهب بضربته إحدى عينيه
وأذهب بضربته خيشومه وأخرس لسانه.
فقال :يقام هذا الرجل في الشمس فإن فتح عينيه التي
تقابل 1عين الشمس ولم تطرف فهو صادق ،ويشم
رائحة دخال الحريق فإن لم ينزل من أنفه شيء من
الرطوبات فهو صادق ويغرز في لسانه بإبرة فإن خرج
منها دم أسود فهو صادق.
وسأاله عن رجلين فوق سطح سقط أحدهما فمات
فحرمت على اآلخر امرأته.
فقال :هو رجل زوج ابنته من غالمه فمات فورثته
فملكته فحرمت عليه لملكها إياه.
قال الراوي :فعجب الرشيد من علم الشافعي وقال :هلل
در بني عبد مناف.
فقال [ :الشافعي رضي اهلل عنه] 2إني سائلهما مسألتين
موجزتين.
ما تقول يا أبا يوسف في رجل مات وخلف ستمائة درهم
وفي الورثة أخت لم يصبها إال درهم ،وما تقول يا أبا
محمد في رجل تزوج بامرأة وتزوج ابنه بأمها فجاءت
كل واحدة بابن ما يكون هذا من ذلك ؛ وذلك من هذا
فاطرقا وطال فكرهما ولم يجيبا بشيء.
فقال الرشيد :أجب أنت يا شافعي فقال الشافعي رحمه
اهلل :
أما المسألة األولى فقد بلغني أن امرأة جاءت إلى علي بن
أبي طالب كرم اهلل وجهه فسألته عن ذلك فقال رضي اهلل
عنه :مات أخوك وخلف بنتين فلهما الثلثان -أربعمائة ،
وخلف أما فلها السدس مائة -وزوجة فلها الثمن -خمسة
وسبعون -بقي
_________
1في "ب" زيادة بها.
2في "ب" قال اإلمام الشافعي.
صفحة 399 | 320 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
واحدا
ً خمسة وعشرون وخلف من اإلخوة اثني عشر
درهمين درهمين ولم يبق من الستمائة غير درهم فهو
لك.
وأما الثانية :
فإن ابن األم خال ابن البنت ،وابن البنت عم ابن األم.
فتبسم هارون الرشيد وأعظم قدره رضي اهلل عنه وحيث
نجزت هذه المسائل فلنورد من المجموع الذي أشرنا إليه
ما بقي اختيارنا -ها هنا عليه وهو مجموع أودعته من
جانبا من الفقه وال أقول :
عددا [وهبته]ً 1
هذا النوع ً
أعرته ،ووضعت فيه نحو مائة من مطارحات المسائل
ومستطرفاتها منها ما نقلته ومنها ما ولدته ،ولقد
جاوزت في مولداتي حد األربعين وأخرجتها وال أثر بعد
عين ،وال ظن بعد اليقين ،وعرضتها وهي أمانة ال
يشفق اإلنسان [منها] ، 2وليس لمن خان األمانة دين.
وما ولدته ما شرحته فتبلج وجه صبحه ،ومنها ما تركته
ليستعمل الفطن ذهنه في شرحه ويفرد له النظر وينشد.
فالقلب منزلك القديم فإن تجد فيه سواك من األنام فنحه
قلبا
وإ ن هو لم يحتط لقفله غاية االحتياط ولم يفرد له ً
حاضرا غلط [غلطة] 3ال كاألغالط ولم يفتح مغلقه حتى
ً
يلج الجمل في سم الخياط ،وحتى يؤوب 4الفارطان
كالهما وينشر في الموتى كليب وائل فلعسرها فني
الكهول بلسان سؤول وقلب [عقول].5
مسألة :
رجل قال المرأته :إن كان ما في كمي دراهم أكثر من
ثالثة فأنت طالق فكان في كمه أربعة.
الجواب :هذه المسألة سئل عنها الشافعي رضي اهلل عنه
-فيما نقله أبو عبد اهلل محمد بن إبراهيم البوشنجي عن
الربيع بن سليمان -فقال :ال يقع عليه طالق ألنه ليس
في كمه دراهم هو أكثر من ثالثة ؛ إذ ليس في كمه زائد
على الثالثة إال درهم واحد والمعلق عليه دراهم
موصوفة بأنها أكثر من ثالثة ولم يوجد.
_________
1في "ب" وفيه.
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
4في "ب" ثوب.
5في "ب" عقول.
صفحة 399 | 321 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قال البوشنجي :قال الربيع :فقال السائل :آمنت بمن
فوهك هذا العلم ؛ فأنشأ الشافعي: 1
إذا المشكالت تصدين لي كشفت حقائقها بالنظر
وإ ن ترقت في محل السحاب عميا ال تحتلها الفكر
مقنعة [بغيوب] 2الغيوم وضعت عليها جسام البصر
لساني كشقشقة األرحبي أو كالحسام اليماني الذكر
ولست بإمعة في الرجال أسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنني بذي األصغرين أقيس بما قد مضى ما عبر
وسباق قومي إلى المكرمات وجالب خير ودفاع شر
قلت :وصورة المسألة كما ترى -فيمن قال إن كان في
كمي دراهم أكثر من ثالثة.
أما لو لم يقل :دراهم بل اقتصر على قوله إن كان في
كمي أكثر من ثالثة المسألة التي أشار إليها األصحاب
بقولهم فيمن قالت له زوجته :إنه يملك أكثر من مائة.
فقال :إن كنت أملك أكثر من مائة فأنت طالق ؛ فكان
يملك خمسين أنه إن كان مراده ال يملك زيادة عن المائة
ال تطلق وإ ن إراد أنه يملك مائة بال زيادة طلقت ،وإ ن
أطلق فاألصح ال تطلق.
وقالوا في باب اإلقرار :لو قال لزيد علي أكثر من مال
فالن يقبل تفسيره بأقل متمول وإ ن كثر مال فالن ؛ ألنه
يحتمل أنه أكثر لكونه حالل وهذا حرام أو نحوه ،
وسواء علم مال فالن أو لم يعلم.
وهذا المأخذ الذي انتزعه الشافعي رضي اهلل عنه أخذه
ابن سريج وغلط محمد ابن الحسن في قوله فيمن أوصى
بمثل نصيب أحد ابنية الحائزين إال ثلث جميع المال :أن
الوصية باطلة ألنها الخارج علن الثلث.
_________
1في "ب" رضي اهلل عنه يقول.
2في "ب" بعيون.
صفحة 399 | 322 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وقال أبو العباس :بل هي صحيحة ،وهي بالقدر الزائد
من نصيب أحدهما عن ثلث األصل".
وهذا يشبه مأخذ الشافعي رضي اهلل عنه ألنه جعل قوله
قيدا في مثل النصيب يعني مثل
- :إال ثلث جميع المال ً
خارجا [منه] 1مثل ثلث األصل كما جعل
ً النصيب
قيدا في الزائد عن ثالثة.
الشافعي رضي اهلل عنه دراهم ً
قال ابن سريج :والمسألة تصح من تسعة -لكل ابن
أربعة وللموصي له سهم واحد.
قلت :ويمكن أن يقال :هو استثناء مستغرق وكأنه
استثنى ثلثًا من ثلث فيصبح من ثالثة لكل واحد سهم
[واهلل سبحانه] 2وتعالى أعلم.
مسألة :
روي عن الشافعي رضي اهلل عنه أنه سئل عن امرأة في
فمها لقمة قال زوجها :إن بلعتها فأنت طالق وإ ن
أخرجتها فأنت طالق ما حيلته.
فقال :تبلغ نصفها وتخرج نصفها.
ذكره الرافعي في "الشرح" وهو منصوص نقله الحاكم
نصا عن أبي الوليد النيسابوري عن الحسن بن سفيان
ً
عن حرملة عن الشافعي رضي اهلل عنه.
مسألة :
رجل قال لصاحبه :إن بدأتك [بالكالم] 3فامرأتي طالق
،فقال له صاحبه وإ ن بدأتك بالكالم فأمرأتي طالق كيف
يصنع ؟
الجواب :قيل إن أبا حنيفة رحمه اهلل سئل عن ذلك فقال
فعاشرا زوجتيكما وال حنث عليكما -أنه لما قال
ً :اذهبا
لك "إن بدأتك بالكالم" 4فامرأتي طالق ،شافهك بالكالم
وانحلت اليمين.
أيضا وزادوا -فيما نقله
قلت :وهذا ذكره أصحابنا ً
الرافعي عن اإلمام أنه لو قال :إن بدأتك بالسالم فعبدي
حر وقال اآلخر نظريه وسلم كل واحد منهما على اآلخر
دفعة لم يعتق عبد واحد منهما وتنحل اليمين ،فإذا سلم
أحدهما على اآلخر بعد ذلك لم يعتق واحد من عبديهما.
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3في "ب" السالم.
4في "ب" بالسالم.
صفحة 399 | 323 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
مسألة :
عن أبي يوسف القاضي قال :طلبني هارون الرشيد لياًل
فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جفر فقال :إن عند
عيسى جارية وسألته أن يهبها لي فامتنع وسألته أن
محتجا بيمين حلفها -أن ال يبيعها وال يهبها
ً يبيعها فامتنع
[ويتعذر] 1عليه الحنث فيها فهل في ذلك من مخرج ؟
فقلت نعم :يهب [لك] 2نصفها و [يبيعك] 3نصفها ففعل
،فقال الرشيد أيها القاضي :بقيت واحدة إنها أمة وال بد
من استبرائها وال بد لي أن أطأها في هذه الليلة فقلت له :
اعتقها وتزوجها فإن الحرة ال تستبرأ ففعل ذلك.
مسألة :حكى أبو عبد اللهالبوشنجي عن ابن جابر قال :
صنما من نحاس إذا عطش نزل
"رأيت في دمشق ً
فشرب".
وقد ذكرنا ذلك في كتابنا "طبقات الفقهاء" وقلنا أن
البوشنجي كان يستمحن الطلبة ثم يحله لهم بأن الصنم ال
يعطش ولو عطش لنزل فشرب.
قلت :لكن لفظ "إذا" ينازع في هذا ،ألنه ال يدخل إال
على المحقق ،ولعل العبارة "إن".
جائزا ترتب عليه
والحاصل :أن الممتنع إذا فرض ً
جواز ممتنع آخر ألن ذلك قد يرى وقد ظرف القائل.
ولو أن ما بي من ضنا وصبابة على جمل لم يدخل النار
كافر
ولو أن ما بي من صبابة بالجمل لضعف ورق بحيث
صار يلج في سم الخياط ولو ولج في سم الخياط لدخل
ون اْل َجَّنةَ
{واَل َي ْد ُخلُ َ
الكافر الجنة -على ما قال تعالى َ :
اط} ، 4ولو دخل الجنة لم حتَّى يِلج اْلجم ُل ِفي س ِّم اْل ِخي ِ
َ َ َ َ َ ََ
يدخل النار فظهر أن ما بي من الحب لو كان بالجمل لم
يدخل النار كافر.
مسألة :
رجل قال :أنا ال أرجو الجنة ،وال أخاف من النار وآكل
الميتة والدم ،وأصدق اليهود والنصارى ،وأبغض الحق
وأهرب من رحمة اهلل ،وأشرب الخمر ،وأشهد
_________
1في "ب" ينعقد.
2سقط من "ب".
3في "ب" ويبيع.
4سورة األعراف "."40
صفحة 399 | 324 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
بما لم أر وأحب الفتنة وأصلي بغير وضوء وال تيمم ،
وأترك الغسل من الجنابة ،وأقتل الناس ،هل يكفر ؟
الجواب :قيل أن أبا حنيفة سئل عن هذا فقال :ال يكفر.
أما قوله " :ال أرجو الجنة وال أخاف النار" فيعني إنما
أرجو وأخاف خالقهما.
وأراد "بالميتة والدم" الكبد والطحال والسمك والجراد.
وبقوله :أصدق اليهود والنصارى في قول كل منهم :
إن أصحابه ليسوا على شيء كما قال تعالى حكاية عنهم
:
ص َارى َعلَى َش ْي ٍء َوقَالَ ِت ود لَ ْي َس ِت َّ
الن َ {وقَالَ ِت اْلَيهُ ُ
َ
ود َعلَى َش ْي ٍء}.1ص َارى لَ ْي َس ِت اْلَيهُ ُ َّ
الن َ
والهروب من رحمة اهلل فرار من المطر ،والحق الذي
يبغضه الموت ألنه حق ولكنا يكره الموت ،ويشرب
الخمر شربها في حال االضطرار كما إذا غص بلقمة
ولم يجد إال الخمر.
ويحب الفتنة األموال واألوالد على ما قال تعالى َّ :
{َأن َما
َأم َوالُ ُك ْم َو َْأواَل ُد ُك ْم ِفتَْنةٌ}.2
ْ
وبالشهادة بما لم ير الشهادة باهلل ومالئكته وأنبيائه ورسله
وهو اإليمان بالغيب وبالصالة بغير وضوء وال يتمم
الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم.
وبالناس الذين يقتلهم الكفار.
انتهى.
قلت :وكان في السؤال والجواب ما ينبغي تركه
وتركته .وأقول :في إطالق هذا القائل وجمعه بين هذه
األقوال المهمة ما ينبغي أن يعزر عليه وال شك في
تحريم إطالق مثل هذا الكالم السيما بحضرة من ال يفهم
هذه الدقائق.
[و] 3قد أفتى شيخ اإلسالم عز الدين بن عبد السالم بأنه
ال يجوز إيراد اإلشكاالت القوية بحضرة العوام ،ألنه
سبب إلى إضاللهم وتشكيكهم.
_________
1سورة البقرة "."113
2سورة األنفال "."28
3سقط من "ب".
صفحة 399 | 325 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قال :وكذلك ال يتفوه بهذه العلوم الدقيقية عند من يقصر
فهمه عنها فيؤدي ذلك إلى [ضاللته].1
مسألة :
رجل قال المرأته :حالفًا بالطالق :كل ما تقولين لي في
هذا المجلس أقول لك فيه مثله فقالت له أنت طالق فما
حيلته ؟
الجواب :هذه المسألة اتفقت في زمان اإلمام الكبير
محمد بن جرير الطبري في حدود الثالثمائة فأفتى بأنه
يقول لها :أنت طالق ثالثًا إن طلقتك ،أي يعلق طالقها
إيتاء بمثل صيغتها على شرط -والمسألة تدور في
الوجود نيف وأربعمائة سنة.
وذكر أبو حاتم القزويني في كتاب "الحيل" أنه يقول لها :
أنت تقولين لي أنت طالق وتبعه الرافعي في "الشرح "
وذكر الجرجاني في "المعاياة" أنه يقول لها :أنت طالق
إن شاء اهلل.
وكل واحد من هذه الطرق سائغ ،وقد رأيت في بعض
المجاميع أن المسألة اتفقت بمصر في زمان القاضي
شرف الدين بن عين الدولة فقال للزوج :خذ بعقيصتها
وقل لها :أنت طالق إن وكلتك إلى نيتك وقد خلصت من
ذلك.
فإن قلت لم ال يقول لها أنت طالق :بفتح التاء كما قالت
له ثم ال يقع طالق ألنه خاطب المؤنث بخطاب المذكر.
قلت كذا قال ابن عقيل [من] 2الحنابلة وقد يقال :إن
أصول أصحابنا تأباه ،ألنهم ذكروا في العتق والقذف أن
العدول عن التأنيث إلى التذكير ال يمنع الوقوع.
وصرح الغزالي في "الفتاوي" بنظيره في النكاح لكني
أقول :لعل هذا فيما [إذا أطلق اللفظ] 3إطالقًا ،أما إذا
قاصدا حكاية قول
ً ذكر في موضع التأنيث أو عكس
غيره فهو قصد مخرج للفظ عن صراحته معتضد
بالقرينة السابقة القاضية بأن مراده حاية القول فقط وكان
هذا لم يقصد لفظ الطالق بل قصده لمعنى حكاية قول
غيره.
_________
1في "ب" ضاللة.
2في "ب" في.
3من أول "إذا أطلق اللفظ إطالقًا ....إلى إذا قال
لزوجته التي خرجت" سقط من "ب".
صفحة 399 | 326 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
مسألة :
حرزا وسرق منه
سئل القفال عن بالغ عاقل مسلم هتك ً
نصابا ال شبهة له فيه وال قطع عليه.
ً
فأجاب أنه دخل فلم يجد في الدار شيًئا ؛ فقعد في دن
فجاء صاحب الدار بمال ووضعه ،فخرج السارق وأخذ
وخرج ؛ فال قطع ،ألن المال حصل بعد هتك الحرز.
مسألة :
سئل القاضي أبو الطيب رحمه اهلل وروي عنه.
أني عجبت المرأة ما طلقت في طول ما عاشت من
األعوام
بائنا من واحد وحوت من الصدقات واألقسام
إال طالقًا ً
مهرا كل ذا حازته في يوم من األيام
مهرا ونصفًا ثم ً
يوما عدة فأعجب لهذا الحكم في األحكام
من غير أن تعتد ً
فأجاب :
ال تعجبوا منه فإن بيانه سهل على الفقهاء باألحكام
رجل تزوج ثم طلق بعده قبل الدخول بما صدر حسام
وأصابها من بعد ذاك بشبهة دخلت عليه وظن غير حرام
عقدا على اإلتمام
فأعاد خطبتها وطيب نفسها فاستأنفا ً
وجبت عليه عدة فأزالها عقد يصح له بغير أثام
في بعض يوم كان هذا كله والمال أقبضها بغير خصام
عفوا بال إبرام
مهرا كلهاد سلمت لها ً
ومهرا ثم ً
ً نصفًا
فازت كما قال الفقيه بسعده في يومها لشريعة اإلسالم
وبه أقول واستحق ثوابه أجرين منصوصين للحكام
مسألة :رجل قال المرأته إن لم يكن الشافعي أفضل من
أبي حنيفة فأنت طالق.
فقال آخر :إن لم يكن أبو حنيفة أفضل فامرأتي طالق
فمن الذي تطلق امرأته.
الجواب :قيل :ال تطلق امرأة واحد منهما ،ألن األمر
في ذلك ظني واألصل بقاء النكاح.
وقال القفال :ال نجيب في هذه المسألة -كذا نقله الرافعي
ونجيب بالنون والجيم.
صفحة 399 | 327 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وهذا من محاسن القفال ؛ فإن الدخول بين أئمة الدين
والتفضيل بينهم لمن لم يبلغ رتبتهم ال يحسن ،ويخشى
من غائلته في الدنيا واآلخرة ،وقل استعمله فأفلح.
وال يخفى أن القفال يعتقد رجحان الشافعي ؛ ولكنه ليس
أمرا ينبغي له ذكره وإ شاعته ،وأنه آيل إلى التعصب
ً
سببا إلى الوقيعة في العلماء
المذموم ،وربما كان ً
الموجبة لخراب الديار.
شافعيا بمثل مقالته فانتهى إلى
ً وربما عارض حنفي
الوقيعة في الشافعي وأهل مذهبه ،وكان ذلك سبب
هالكه ؛ فإن أهل العلم بالتجارب ذكروا أن من خواص
الشافعي رحمه اهلل من بين األئمة أن من تعرض إليه أو
قريبا ،وأخذوا ذلك
إلى أهل مذهبه بسوء أو تنقيص هلك ً
في قوله صلى اهلل عليه وسلم " :من أهان قري ًشا أهانه
اهلل" قالوا :وليس في األئمة المتبوعين في الفروع
قرشي غيره.
وذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم " :هذا األمر في قريش
ال يعاديهم أحد إال كبه اهلل على وجهه".
وغير ذلك من األحاديث وغيرها.
فلعل القفال رحمه اهلل أراد بهذا الباب خشية الوقوع في
المحذور ؛ وإ ال فقد ذكر البغوي في الفتاوي التي جمعها
عن شيخه القاضي الحسين :سئل عن شافعي حلف
بالطالق أن من صلى ولم يقرأ الفاتحة لم يسقط فرض
وحنفيا حلف أنه يسقط.
ً الصالة عنه ،
فأجاب :نقول في هذه المسألة ما يقولون في شافعي
اقتصد ولم يتوضأ وصلى ثم حلف بطالق زوجته أن
الفرض سقط عنه -كل ما يقولون هناك فنحن به هنا
قائلون -وإ ال فاالعتقاد أن يحكم بوقوع الطالق على
زوجة الحنفي "انتهى".
وقوله :يقولون في هذه المسألة ما يقولون في كذا "هو
نظير قول القفال ثم أفصح آخر بالمعتقد".
مسألة :
مسلم قال :إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق.
الجواب :وقعت هذه لهارون الرشيد.
فاحتجبت عنه زوجته فاستفتت علماء عصره ؛ فقالوا :
ال يقع الطالق عليك فأبت
صفحة 399 | 328 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
زوجته أن تسمع إال فتيا الليث بن سعد ؛ فاستحضره من
مصر إلى العراق ،فقال :يا أمير المؤمنين :هل هممت
بمعصة فذكرت اهلل وختفه وتركتها ؟ قال :نعم فقال يا
أمير المؤمنين :ليس لك جنة واحدة ؛ بل جنتان قال اهلل
ان}.1اف َمقَ َام َرِّب ِه َجَّنتَ ِ
{وِل َم ْن َخ َ
تعالى َ :
والمسألة مشار إليها في شرح الرافعي ؛ إذ في فروع
الطالق أنها لو قالت لزوجها أنت من أهل النار فقال :
إن كنت من أهل النار فأنت طالق لم يحكم بوقوع الطالق
ظاهرا.
ً مسلما ؛ ألنه من أهل الجنة
ً إن كان الزوج
مسألة :
وقع حجر من سطح فقال الزوج :إن لم تخبريني الساعة
من رماه فأنت طالق وهي ال تدري من رماه ،كيف
الخالص ؟
الجواب :قال القاضي الحسين :تقول :رماه مخلوق
وال تطلق قال :فإن قالت :رماه آدمي طلقت لجواز أن
يكون رماه كلب أو ريح كذا نقله في الرافعي.
قلت :وقد ال يكون رماه مخلوق بل وقع بنفسه .بإرادة
اهلل تعالى :فينبغي أن يقال :ال يتخلص إال إذا قالت
رماه اهلل ،وال يمنتنع إطالق هذا اللفظ قال اهلل تعالى :
{ولَ ِك َّن اللَّهَ َر َمى} ولعل وقوعه بمجرد اإلرادة القديمة
َ
بإذنه ؛ فلم تحمل عليه األحكام.
ثم أقول :ينبغي أن ال يخلص بكل تقدير إال إذا لم يقصد
التعيين والتعريف ؛ فقد قال األصحاب فيما إذا قال :إن
لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة فأنت طالق :أنها
تتخلص بأن تبتدئ من عدد مستيقن أن الحبات ال تنقص
عنه ،وتذكر األعداد بعدة متوالية بأن تقول :وواحدة
هكذا إلى أن تنتهي إلى عدد تستيقن أن الحال ال يزيد
عليه -فتكون مخبرة عن ذلك العدد.
ثم قالوا :وهذا إذا لم يقصد التعيين والتعريف ؛ وإ ال فال
يحصل.
ثم أقول :كل هذا بناء على الخبر شرطه الصدق ،
وليس كذلك فالخبر ينقسم إلى صدق وكذب ؛ فلم ال
يكتفي بقولها :رماه فالن -وإ ن كانت كاذبة كما قال
األصحاب في "من أخبرني بقدوم فالن فهي طالق
وأخبرته وهي كاذبة تطلق" ذكره في التنبيه وغيره.
فإن قيل :المقصود التعيين والتعريف ومع الكذب ال
يتأتى.
_________
1سورة األنفال "."18
صفحة 399 | 329 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قلنا :ينبغي أن ال يلتقي بمثل " :رماه مخولق" كما
ذكرناه.
إيفاء جميع ما ذكرنا "يجري فيما إذا قال إن لم تخبريني
هل سرقت p؟ فأنت طالق.
فإن أصحابنا قالوا :نقول سرقت ما سرقت ،وهذا إذا لم
يقصد التعيين والتعريف.
وحكى الصيمري في كتاب "أدب الفتيا" أن المنصور
حلف على خادمه ليصدقنه عن حال جوهرة فقدها وإ ال
ضرب عنقه فاستفتى أبا حنيفة ،فقال يخبره الخادم بأنه
أخذها وبأنه ما أخذها فيكون قد صدق ال محالة.
قلت :قد يقال في هذا أنه صدق وال يقال :أخبره ثم
يستشكل ويقال الصدق أخص من الخبر فكيف يثبت
األخص وال يثبت األعم.
أيضا ان امرأة بدوية لقيها بعض فقهاء
وحكى الصيمري ً
الشافعية فقالت :إن زوجي أسر إلى رجل من أهل الحي
سرا فأبداه إلي فأخبرته ،فحلف أن أخبره بالذي أخبرني
ً
،فعلمت أني إن أخبرته بذلك قلته ،فجمعت أهل الحي
عن آخرهم -والذي أخبرني في جملتهم -فقلت :
أخبرني هذا أخبرني هذا حتى أتين على جميعهم ،
أيخرج من يمينه ؟ فقال :لها نعم.
ومثله حكي عن أبي حنيفة رضي اهلل عنه في رجل
رطبا وألقيا النوى في طست بحضرتهما ،
وزوجته أكال ً
ثم حلف بالطالق لتخبرنه بعدد ما أكل من الرطب ،قال
:فالمخرج من ذلك أن تقول :أكلت رطبة ،أكلت
رطبتين ،وهكذا إلى أن تنتهي إلى القطع بالعدد
المأكول.
قلت :وكل هذا ذكره أصحابنا ،واألمر فيه على ما
وصفت ،وبه يتضح تقييد كالم الجدليين ؛ حيث قالوا -
ومنهم الرقاني في تهذيب اسم الجدل في باب المغالطات
:
"إن الرجل إذا قال لزوجته التي خرجت] لغرض فاسد :
إن لم تصدقيني في الخبر عما خرجت إليه فأنت طالق ،
فتقول الزوجة :ما هذا التشديد وسوء الظن! ومن أين
لك التحكم علي مع تقصيرك في حقي! خرجت للزنا
وفرارا
ً وزيارة الشباب ومعاشرة المفسدين سآمة 1منك
عنك ؟! ما هذه التهمة وعلى ماذا خرجت! إن خرجت
إال لزيارة أخت لي.
_________
1في "ب" متضايقة.
صفحة 399 | 330 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قالوا :فال يقع طالق ،ألنها أخبرته بما خرجت إليه من
الزنا ،وصدقته وإ ن أوهمته بداللة اللسان وكثرة
التشعيث أنها إنما خرجت لزيارة أخت لها ؛ فهذه من
حيل النساء.
لكن إذا كان القصد التعيين والتعريف فأقول :ال ينجيها
هذا .واهلل أعلم.
مسألة :
درهما ودانقًا -بالنصب في
ً إذا قال :له علي اثنا عشر
دانق -ما يلزمه ؟ وما الذي يلزمه عند الرفع والخفض ؟
الجواب " :قال صاحب التتتمة :يلزمه بالرفع والخفض
درهما وزيادة دانق واحد ،ويكون الدانق
ً اثنا عشر
معروفًا على االثني عشر".
قلت :والعطف في الخفض غير متضح إال أنه يغتفر
اللحن.
قال " :وفي النصب إذا فسر كالمه بثمانية إال دانقًا يقبل
تفسيره وال يلزمه الزيادة.
قال :وإ نما قلنا ذلك ؛ ألن قوله :ودانقًا يجوز أن يكون
تفسيرا ؛ فإذا كان عطفًا اقتضى وجوب
ً عطفًا وأن يكون
زيادة على االنثي عشر من الدراهم والدوانيق ،وغاية
ما ينطلق عليه اسم الدوانيق خمسة ؛ ألن ما زاد عليه
درهمان فيجعل خمسة من العدد دوانيق ويبقى
ً يسمى
سبعة دراهم ،فيكون المبلغ ثمانية إال دانقًا ،فهذا التقرير
يقين ،وما زاد مشكوك فال يلزمه بالشك شيء" انتهى.
درهما"
ً وقوله " :إن ما زاد على خمسة دوانيق يسمى
يعني في العرف ستة دوانيق بكل درهم هذا شأن لغة
درهما أخصر من قولك :ستة دوانيق ،
ً العرب ألن
واالختصار مع البيان شأن العرب.
قلت :ويؤيد هذا قول أصحابنا :لو باع بنصف وثلث
وسدس دينار لم يلزمه دينار صحيح ،بل له دفع شق من
مؤيدا
كل وزن ؛ فهذا ما وجدته -من كالم األصحابً -
لصاحب التتمة وإ ن كان الوالد رحمه اهلل ذكر في "شرح
المنهاج" في مسألة البيع :إن هذا إذا صرح بالدينار
المضاف في الجميع أما إذا حذفه كما في الصورة
المذكورة فيلزمه دينار.
قلت :وهذا وإ ن خالف إطالق األصحاب يشهد له نظيره
من الطالق إذا قال :أنت طالق نصف وثلث طلقة ال يقع
إال طلقة واحدة ،ولو كرر لفظ طلقة تكرر لفظ الطالق
على األصح.
صفحة 399 | 331 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
مسألة :
إذا قال :قارضتك على أن لك سدس تسع عشر الريح
هل يصح ؟
حيسويا يفهم معناه في الحال [صح].1
ً الجواب :إن كان
وكذا إن لم يكن في األصح ؛ ألنه معلوم من الصيغة
يسهل االطالع عليه وهو جزء من خمسمائة وأربعين
جزوءا قال الماوردي في "الحاوي" " :غير أنا نستحب
ً
لهما أن ال يعدال عن هذه العبارة الغامضة إلى ما يعرف
عن البديهة من أول وهلة ،ألن هذه العبارة قد توضع2
لإلخفاء واإلغماض.
قال الشاعر :
لك الثلثان من قلبي وثلثا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث ما يبقى وثلث الثلث للساقي
ويبقى أسهم ستة فتقسم بين عشاقيp
فانظر إلى هذا الشاعر وبالغته وتحسين عبارته ،كيف
أغمض كالمه ،وقسم قلبه ،وجعله مجزأ على أحد
جزءا -هي مضروب ثالثة في ثالثة ليصح منها
وثمانين ً
مخرج ثلث الثلث ،فجعل لمن خاطبه أربعة وسبعين
جزءا ،وبقي ستة أجزاء
جزءا من قلبه ،وجعل للساقي ً
ً
ففرقها فيمن يجب.
وليس لإلغماض فيعقود المعاوضات [وجه] 3يرضي
وال حال يستحب ؛ غير أن العقد ال يخرج عنه به عن
حكم الصحة إلى الفساد ،وال عن حال الجواز إلى المنع
،ألنه قد يؤول منهما إلى العلم ،وال يجهل عند الحكم".
انتهى كالم الماوردي وقوله " :جزأ قلبه على أحد
جزءا" وجهه ظاهر ،وقد أعطاه في األول ستة وثمانين ً
وخمسين -وهي ثلثا القدر المذكور ثم ثلثي الثلث الثالث
الباقي للساقي ،وستة مقسومة.
وقوله :ليس [في األغماض] 4في المعاوضات حال
يرضي -فممنوع ؛ فقد يقصد المتعاقدان إخفاء ما
يتعاقدان عليه عن سامعه لغرض ما .ونظير هذه األبيات
ما كان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ينشده فيقول :
أنت خالف بخالف الذي فيه خالف بخالف الجميل
_________
1في "ب" يصح.
2في "ب" توضح.
3سقط من "ب".
4في "ب" لإلغماض.
صفحة 399 | 332 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وغير ما أنت سوى غيره غيـ ـر سوى غيرك غير البخيل
مسألة :
رجل فاتته صالة يومين وليلتين فصلى عشر صلوات -
واحدة بعد أخرى -على ترتيب الخمس ؛ فلما فرغ من
جميعها قال :أعلم أني تركت سجدة من إحدى هذه
الصلوات [ ،فال] 2أدري من أبيها ،وقد وقع بين كال
صالتين [منهما] 3فصل طويل ؟
الجواب :قيل يلزمه إعادة يوم وليلة.
قال أبو عبد اهلل القطان في "المطارحات" " :والصحيح
أنه يلزمه إعادة صالة واحدة من هذه العشر -أيها شاء-
فإذا أعادها سقطت البواقي ،وهذا ؛ ألن الصحيح أن من
شك -بعد الفراغ من الصالة -في ترك شيء منها ال
يلزمه إعادته ما لم يتيقن وجوب اإلعادة ؛ فإذا أعاد
صالة واحدة صار شا ًكا في وجوب إعادة البواقي إذا
السجدة المتروكة [سجدة] 4واحدة ويستحيل أن يكون
تركها من صالتين أو ثالث صلوات فوجب إعادة واحدة
بيقين فإذا أعادها دخل الشك في وجوب البواقي فلم يجب
ويفارق هذا تارك واحدة من الخمس ،فال يكفي
االقتصار على واحدة ،بل يلزمه الخمس ؛ ألنه إذا صلى
واحدة احتمل أن يكون المتروك غيرها ؛ فال بد له من
الخمس صلوات حتى يستيقن استدراك المتروكة منها ؛
ألنه يشك في الفعل ،واألصل أنه لم يفعل ،فعليه فعلها ،
وهذا الشك واقع في كل صالة فاحتاج إلى إزالة الشك
باليقين ،وذلك ال يكون إال بفعلها ،وليس كذلك في
مسألتنا ؛ ألن الشك في وجوب إعادة ما قد فعل ال في
ابتداء الفعل.
وقد فرق 5الشافعي رضي اهلل عنه بين الشك في الفعل
والشك بعده ،فلم يوجب إعادة المفعول بعد الشك.
ووجه الفرق أن أحدهما يؤدي إلى المشقة -وهو الشك
ذاكرا لما
بعد الفعل -فإن المصلي لو كلف أن يكون ً
صلى تعذر ذلك عليه ولم يطقه أحد من الناس ،وإ ن لم
يقع بين الصلوات إال فعل يسير ،فعلى الوجه األول
يلزمه إعادة صلوات يوم وليلة ،وعلى الثاني يلزمه
إعادة صالتين متواليتين -فإما أن يعيد الفجر والظهر أو
الظهر والعصر أو العصر والمغرب أو المغرب والعشاء
-
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" وال.
3في "ب" منها.
4زيادة في "ب".
5زيادة في "ب" اإلمام.
صفحة 399 | 333 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ألنه إذا لم يفصل بين الصالتين المتواليتين فصاًل طوياًل
فإحرامه [بالثانية] 1ال يصح صرفه إلى األولى ؛ ألنه قد
غير النية إلى صالة أخرى ،وما يفعله بنية الظهر ال
ينوب عن الفجر ؛ فلهذا أوجبنا عليه إعادة صالتين
متواليتين ،ثم ال [نوجب] 2عليه إعادة البواقي من هذه
الصلوات ؛ ألنه على غير يقين من وجوب اإلعادة.
قلت :وهذا الذي ذكره ابن القطان حسن ،وحاصله :
الفرق بين الشك بعد الفعل والشك فيالفعل.
مسألة :
سئل بعض المتقدمين بهذين البيتين :
أتعرف من قد باع في مهر أمه أباه فوفاها بحق صداقها
قديما أشهدت كل من رأت بأن أباها قد أبت
وكانت ً
طالقها
فأجاب :
ملغزا أتتك جوابات [تحل]3
إذا أنت عقدت المسائل ً
وثاقها
تزوج عبد حرة أنجبت هل فتى وأبوه قد أبان فراقها
فأنكحها مواله من بعد رغبة لما قد رأى فيها وأساء
صداقها
فوكلت ابن العبد في قبض مهرها وفلس مواله وأبدى
اعتياقها
فباع الغالم العبد بالحكم إذا رأى هوى أمه فيبيعه
واعتياقها
وشرحه :
ابنا ثم طلقها ،
عبدا أولدها ً
أن امرأة "حرة" تزوجت ً
فنكحها مواله بصداق مسمى ؛ فوكلت ابنها من العبد في
قبض مهرها من المولى ،وفلس المولى ،وبيع العبد في
الواجب لها من مهر المثل ،فوكلت ابنها في بيعه
الستيفاء صداقها .كذا صور هذا الناظم ،وال يحتاج إلى
توسط الفلس ؛ بل لو عوض الزوج الزوجة العبد الذي
زوجا لها -جاز ؛ ثم إن لها أن توكل ابنه هو ابنها
كان ً
منه ببيعه.
مسألة :
رجل مات عن زوجة فلم ترثه بغير مانع من الموانع
المذكورة في اإلرث.
الجواب :صور بعض المتقدمين هذا فيمن أعتق أمته
في مرض موته ثم تزوجها
_________
1في "ب" بالثالثة.
2في "ب" يجب.
3في "ب" على.
صفحة 399 | 334 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وكانت ثلث ماله عند موته ؛ فليس لها طلب المهر ؛ ألنه
يوجب رد عتقها ،فإن عتقها وصية لها ،فال ميراث لها
وال صداق ،فطلب المهر يؤدي إلى إبطال المهر.
قلت :وال يحتاج إلى التقييد بكونها ثلث ماله ،فإنها ال
ترث وإ ن خرجت من الثلث -كما صرح به األصحاب
في كتاب النكاح في مسائل الدور -وقالوا :ألن عتقها
وصية ،والوصية واإلرث ال يجتمعان ،وإ نما نحتاج
إلى التقييد بالثلث بالنسبة إلى نفوذ العتق وثبوت المهر.
مسألة :
روى الخطيب في ترجمة الكسائي من تاريخ بغداد أنه
كتب إلى محمد بن الحسن.
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإ ن تحرقي يا هند
فالحرق أشأم
وأنت طالق والطالق عزيمة ثالث ومن يحرق أحق
وأظلم
وبعض الناس يحكي أن هارون [الرشيد] 1كتب إلى
القاضي أبي يوسف بهذين البيتين وسأله -ماذا يلزمه إذا
رفع ثالثًا ،وما يلزمه إذا نصب -وأن أبا يوسف سأل
الكسائي فقال :يلزمه بالرفع واحدة ،ألنه قال :أنت
طالق ،ثم أخبر أن الطالق التام [ثالث] ، 2وبالنصب
ثالث ؛ ألن معناه :أنت طالق ثالثًا .وما بينهما جملة
معترضة" وقد اعترض على الكسائي بأنه ال يتعين على
النصب وقوع الثالث ؛ لجواز أن يكون "ثالثًا" حااًل من
الضمير المستتر في عزيمة إذا كان ثالثًا.
وال على الرفع االقتصار على واحدة ؛ بل يحتمل وقوع
الثالث وجعل "ألـ" في قوله " :والطالق للعهد" -أي وهذا
الطالق المذكور عزيمة.
قلت :قال شيخنا أخي اإلمام شيخ اإلسالم الشيخ بهاء
الدين أبو حامد أحمد السبكي أطال اهلل عمره في شرحه
لعى التلخيص " :بل هذا هو الظاهر ؛ لكون النكرة
أعيدت معرفة فتكون هي األولى كما قرره علماء البيان
،ويؤيده أن الشاعر إنما أراد الثالث ؛ لقوله -بعد.
فبيني بها إن كنت غير رقيقة وما الم بعد الثالث مقدم
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" ثلث.
صفحة 399 | 335 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قلت :الصحيح أن قوله " :أنت طالق" كناية ؛ فال يقع
واحدة وال أكثر -سواء رفع ثالثًا أم نصب -إال بالنية ،
ومع النية ال يحتاج البحث عن النصب والرفع.
مسألة :
رجل خرج إلى السوق وترك امرأته في البيت ثم رجع
فوجد عندها رجاًل فقال :من هذا ؟
قالت :هذا زوجي ،وأنت عبدي ،وقد بعتك له.
الجواب :هذا عبد زوجه سيده بابنته ودخل العبد بها ثم
مات السيد ووقعت الفرقة ألنها ملكت زوجها باإلرث ،
وإ ذا ملكت المرأة زوجها انفسخ النكاح ،ثم أنها كانت
حاماًل فولدت فانقضت العدة ،فتزوجت وباعت ذلك
الزوج ؛ ألنه صار عبدها.
مسألة :
ثالثة تداعوا وتساووا في الحجة ،فقبلت حجة أحدهم
وأسقطت الحجتان ،وحصل ألحد اللذين سقطت حجتهما
مقصوده الذي كان يدعي به ،ولما حصل من قبلت
حجته على مقصوده بل على ضده.
الجواب :هؤالء رجالن وامرأة ادعى أحد الرجلين أن
المرأة مملوكته ،وادعى اآلخر أنها زوجته ،وادعت
هي أنهما عبداها ،وأقام كل ببينته.
[فمدعي] 1الزوجية يكون مملو ًكا لها وتسقط البينتان ؛
ألن بينة المرأة مع بينة مدعي الملك .متنافيان فسقطا.
والذي ادعى التزويج بينته ال تنافي بينة المرأة إال أن
النكاح يبطل ؛ ألن الملك يبطل التزويج إذا تقدمه
التزويج وبعد الملك ال يصح التزويج.
فإن قلت :كيف صورة المسألة ؟
حرا تزوج بأمة فيولدها بنتًا تكون
قلت :صورتها أن ً
مملوكة لمالك أمها ،ثم يشتري الرجل عبدين ويأذن لهما
في التجارة والتزوج ،ويقول من يشتري منكما ابنتي
فهو [حر] 2فجاء أحد العبدين ببنت مواله ولم يعلم أنها
ابنته ،وجاء اآلخر فاشتراها ولم يعلم أنها ابنته ،ومات
أبوها وعلمت بموته ،وبأن زوجها وسيدها [عبدان
ألبيها] 3وقد ورثتهما ،ولم يعلم العبدان بذلك ،فقد
أيضا
عتقت البنت بنفس الشراء ،وعتق مشتريها ً
_________
1في "ب" لمدعي.
2سقط في "ب".
3في "ب" ألبيها عبدان.
صفحة 399 | 336 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وبقي زوجها مملو ًكا لها ،فادعت المرأة ملكها وشهد لها
بذلك شاهدان وأتى أحد العبدين بشاهدين أن اشتراها ،
والعبد اآلخر بشاهدين أنه تزوجها ،فالشهود كلهم
صادقون في شهادتهم وتلخيص ما ذكرناه
1....................
مسألة :
امرأة لها زوجان ويجوز أن تتزوج بثالث ؟
الجواب :هذه امرأة لها عبد وجارية زوجت أحدهما
باآلخر ،ويجوز أن تتزوج هي ويكون زواجها ثالثًا.
وقريب من هذه المسألة :أخوان ألب وأم حران مسلمان
ورث أحدهما مال المتوفي [من] 2دون اآلخر.
الجواب :هذا رجل مات عن أب وعم ،فالمال لألب وال
شيء للعم واألب والعم أخوان.
مسألة :
رجل مات بالمغرب فوجب على آخر بالمشرق صالة
غير سنين.
الجواب :هذه أم ولد كانت تصلي مكشوفة الرأس فتوفي
مستولدها ولم تعلم بموته عشر حجج ،وكذا لو كانت أمة
وعلق عتقها ولم يبلغها إال بعد صلوات كثيرة صلتها
وهي مكشوفة الرأس.
مسألة :
ثانيا فضمنه ،
واحدا فضمنه ،فجرح ً
ً جرحا
رجل جرح ً
فجرح ثالثًا فسقط أحد الضمانين ولم يجب في الثالثة إال
ضمان واحد.
الجواب :هذا رجل أوضح رأس رجل فوجب عليه
ثانيا فصار الواجب عشرة ثم
خمس من اإلبل وأوضحه ً
رفع الحاجز بينهما قبل االندمال [فيعود الوجوب] 3إلى
خمسة وال يجب أكثر منها.
مسألة :
رجل نظر إلى امرأة أول النهار حرمت عليه ثم حلت له
ضحوة ،وحرمت الظهر ،وحلت العصر ،وحرمت
المغرب ،وحلت العشاء ،وحرمت الفجر وحلت ضحوة
،وحرمت الظهر ثم حلت العصر ،ثم حرمت المغرب
ثم حرمت مؤبدة.
الجواب :هذا رجل نظر إلى أمة غيره وقلنا بتحريم
النظر ،واشتراها ضحوة
_________
1بياض.
2سقط من "ب".
3في "ب" يعود الوجد.
صفحة 399 | 337 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
فأسقط االستبراء لحيلة حلت له ،وأعتقها الظهر ،
وتزوجها العصر وظاهر منها المغرب ،وكفر العشاء ،
وطلقها عند الفجر ،وراجعها ضحوة وارتدت الظهر ،
وأسلمت العصر ،والعنها المغرب.
مسألة :
مأموما.
ً ومنفردا ال
ً إماما
رجل يجوز أي يصلي ً
الجواب :هذا رجل أعمى أصم ال يدرك انتقاالت اإلمام.
مسألة :
معا.
في أي صورة يضمن الشيء بالمثل والقيمة ً
الجواب :هذا في الصيد إذا اشتراه المحرم فهلك في يده
؛ فإنه يلزمه الجزاء [هلل] ، 1والقيمة للبائع ،لكن المعنى
بالمثل الصوري ال مقابل القيمة فلمنازع أن يشاحح فيه.
وقد يضمن الشيء بقيمته ونصف قيمته في مسألة جناية
العبد المغصوب والجناية عليه في فرع ابن الحداد
المشهور.
مسألة :
امرأة طلقها زوجها فوجبت عليها أربع عدد.
الجواب :هذه أمة صغيرة تحت حر طلقها فعليها
االعتداد بشهر ونصف ؛ فلما دنت مدة انقضاء العدة
بلغت بالحيض فانتقلت [في] 2الحيض ،فلما قرب
فراغها مات عنها فانتقلت إلى عدة الوفاة.
مسألة :
رجل إذا احتوى على المسروق لم يقطع وإ ن لم يحتو
عليه قطع.
دارا محرزة فابتلع جوهرة أو
الجواب :هذا سارق دخل ً
دينارا وخرج ،فاألصح أنها إن خرجت منه بعد ذلك
ً
قطع وإ ال فال.
مسألة :
ذكورا ورثوا مال ميت بالنسب [خمسة منهم
خمسة عشر ً
ورثوا نصفه ،وخمسة ورثوا ثلثه وخمسة سدسه].3
الجواب :هذه المسألة سئل عنها الشيخ محي الدين
النووي رحمه اهلل فقال " :هؤالء خمسة منهم أوالد عم
الميت ليسوا بإخوة ألم ،وخمسة إخوة ألم ليسوا أوالد
عم
_________
1سقط لفظ الجاللة .من "ب".
2في "ب" إلى.
3في "ب" "خمسة منهم ورثوا ثلثه وخمسة ورثوا
سدسه".
صفحة 399 | 338 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وخمسة أوالد عم وإ خوة ألم هم أوالد عم فعشرة من
الجملة إخوة ألم لهم الثلث -لكل خمسة سدس -فهو
للخمسة اإلخوة الذين ليسوا بأوالد عم ليس لهم غيره ،
[وبقي] 1سدس الخوة األم الذين هم أوالد عم ،والثلثان
ألوالد العم وهم عشرة لكل خمسة ثلث ،فإلخوة األم
الذين هم أوالد عم ثلث ،ولهم سدس بكونهم إخوة ألم
صار المجموع نصفًا" ،وألوالد العم الخلص الثلث.
مسألة :
أي نجس يتنجس ؟
الجواب :إذا وقعت في الخمر نجاسة -عظم ميتة
ونحوها ؛ فإنها تنجسه ويظهر أثره ذلك فيما إذا خرجت
منها ثم انقلبت خاًل ،فال تطهر بانقالبها -ذكره صاحب
التتمة في باب االستطابة -ونقل عنه النووي موافقًا له
في رؤوس المسائل.
ونظيره إذا ولغ الكلب في إناء متنجس بالبول فال يطهر
-وإ ن زالت نجاسة البول حتى [يعفر] 2ألجل الولوغ ،
وكذلك إذا استنجى بروث فيتعين استعمال الماء.
ولك بعد اللغز أن تقول :أي طاهر [يتطهر] 3وذلك في
طهورا
ً المستعمل إذا ضم إلى مثله فبلغ قلتين فإنه يعود
قطعا ؛
طهورا ً
ً في األصح ،وإ ن كوثر بالطهور صار
فقد يقال هذا طاهر يطهر بهذا المعنى.
مسألة :
شيئان في الصالة أحدهما يشترط ستره من أعلى ال من
أسفل والثاني يشترط استره من أسفل ال من [أعلى].4
الجواب :قال أصحابنا يشترط في ستر العورة في
الصالة الستر من [أعلى] .5ومن الجوانب وال يشترط
الستر من أسفل ،فتصبح صالة من ال سراويل عليه
وثوبه قصير".
وقالوا في الخف "يشترط ستر أسفل القدم وجوانبه وال
يشترط من أعلى حتى إذا ستر كل الفرض وكان يرى
ظهر القدم من أعلى الخف فيصح المسح عليه خالفًا
لنصر المقدسي حيث شرط في تهذيبه ستره من [أعلى]6
أيضا.
ً
_________
1في "ب" بقي.
2في "ب" بغيره.
3في "ب" يطهر.
4في "ب" األعلى.
5في "ب" أعاله.
6في "ب" أعاله.
صفحة 399 | 339 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
مسألة :
ما هو ألف قلة وهو نجس من غير أن يتغير بنجاسة.
الجواب :صور الرافعي هذا في ماء األنهار المعتدلة إذا
بلغ قلتين في الطول ووقعت فيه نجاسة فاألصح -وبه
قال ابن سريج -أنه نجس وإ ن امتدت الجداول فراسخ ،
ألن أجزاء الماء الجاري متفاضلة ،فكل جرية هاربة
عما قبلها طالبة [لما بعدها] ، 1فال يتقوى البعض منها
بالبعض ،وهذا هو القول الجديد.
ولو كان جري الماء أقوى من جري النجاسة فهو
أيضا قاله الغزالي في كتاب عقود
كالنجاسة الواقعة ً
المختصر.
مسألة :
شيء إن وقع كله على شخص ضمن بعضه ،وإ ن وقع
بعضه ضمن كله.
الجواب :هذا في الميزاب فإن الخارج منه إذا وقع على
شخص فقتله وجبت الدية بتمامها وإ ن وقع الجميع لم
يجب إال النصف على الصحيح.
مسألة :
في أي موضع [يزيد] 2البعض عن الكل ؟
الجواب :قال الشيخ صدر الدين بن [المرحل]" : 3ال
يكون ذلك إال في مسألة واحدة ،وهي إذا قال :أنت علي
صريحا ولم يدين ،ولو قال :كأمي لم
ً كظهر أمي كان
صريحا ويدين.
ً يكن
قلت :بل يكون في مسائل آخر كثيرة.
منها مسألة الميزاب -هذه التي قدماها.
ومنها :من له جدار في درب غير نافذ -له رفعه بالكلية
وليس له فتح باب فيه.
ومنها :على القديم -المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته
ثم إن زادت صارت على النصف ؛ ففي أصبعين
عشرون ،وفي ثالثة ثالثون ،وفي أربعة عشرون.
وقد يقال في هذا وفي مسألة الظهار أنهما ليستا من باب
زيادة البعض على الكل بل من باب زيادة القليل على
أيضا [لغز] ، 4ونظير قول القديم في العقل
الكثير ،وهو ً
_________
1في "ب" إلى بعد.
2في "ب" يرد.
3في "ب" الرحال.
4في "ب" لغو.
صفحة 399 | 340 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قول البغوي من أصحابنا :أنه ال يجزئ تبيعان في
الزكاة عن أربعين مع أنهما يحزئان عن ستين وخالفه
األصحاب.
مسألة :
رجل ترك صالة واحدة من الخمس ونسي عينها فأعاد
الخمس ثم قال :أني أتيقن أني تركت سجدة واحدة من
هذه الخمس وال أدري من أيها الجواب :ال شيء عليه
ألن الواجب عليه باألصالة صالة واحدة غير أنه لم
يصل إليها إال بالخمس فألزم بها ؛ فإذا صالها واحتمل
أن تكون السجدة المتروكة من إحدى الصلوات التي لم
تكن واجبة عليه في األصل فقد دخل الشك في وجوب
إعادة ما قد فعله مرة ؛ فال [تلزمه] 1اإلعادة بالشك.
مسألة :
رجالن ثبتت عدالتهما ثم شهدا ألجنبي بدين من غير أن
ضررا ،وردت شهادتهما ،
ً نفعا أو يدفعا
يجرأ ألنفسهما ً
كيف يتصور ذلك ؟.
الجواب :هذان عبدان أعتقهما سيدهما في مرض موته
دينا
فأخرجها من الثلث ،ثم ادعى رجل على الميت ً
يستغرق جميع التركة ،فشهدا له فال تقبل [شهادتهما]2
للدور ،فإ ًذا لو قبلناها ثبت الدين ،ولو ثبت لم يثبت
عتقهما ،ولو لم يثبت لم تصح شهادتهما.
مسألة :
رجل قتل آخر [ظماًل ] ، 3ولم يجب عليه قصاص وال
دية ،بل يستحق جميع ما في يد المقتول.
الجواب :هذا سيد قتل مكاتبه فبطلت الكتابة ،ويستحق
جميع ما في يده مل ًكا ال إرثًا ،وال يقاد به ،وال دية
عليه.
مسألة :
صحيحا -مع
ً نكاحا
عبد تزوج أمة غيره بإذن سيدها ً
أحرارا.
ً أولدا
علمه بأنها أمة -فولدت ً
الجواب :هذا رجل ابنه مملوك آلخر ،فزوج أمته ألبنه
حرا ،ألنه [يعتق]4
بإذن سيده ؛ فإذا ولدت كان ولدها ً
على جده بالملك وإ ن شئت ألغزتها على آخر فتقول :
ولدا منه في حياة سيدها إال
عبد تزوج أمه غيره وال تلد ً
ولدا تحبل به بعد موت سيدها إال وهو
وهو حر ،وال تلد ً
عبد.
_________
1في "ب" يلزم.
2في "ب :شهادتها.
3سقط من "ب".
4غير واضحة في "ب".
صفحة 399 | 341 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ونجيب :بأنه رجل زوج أمته بابنه وهو عبد لغيره ؛
فإذا مات السيد يرث ابن عمه ففي حياته يعتق ولدها ،
ألنه ولد ابنه ،وبعد موته يصير مل ًكا البن عمه فال يعتق
عليه ولدها.
مسألة :
منفردا ،وال يصح
ً ماء إن يصح الوضوء بكل منهما
بهما مختلطين.
الجواب :هذا يتصور في المتغير المخالط الذي ال
يستغني الماء عنه -كالطحلب المتفتت والنورة وغيرهما
مما في مقر الماء و [ممره]- 1فإنه يجوز استعماله لعدم
إمكان االحتراز منه فإذا صب على ما ال تغير فيه بالكلية
فتغير فيعترض ألنه تغير بما يمكن االحتراز منه [وهو]
2الخليط ذكره ابن أبي الصيف اليمني من أصحابنا وهو
واضح.
مسألة :
جماد يملك ما هو ؟ وهذا سؤال كان الشيخ زين الدين بن
الكناني يمتحن [الطلبة].3
الجواب :هو النطفة ؛ أال ترى أن الكافر إذا مات عن
زوجة حامل ووقفنا الميراث للحمل فأسلمت ثم ولدت
محكوما
ً محكوما بإسالمه ألنه كان
ً يرث الولد وإ ن كان
بكفره يوم الموت وملك إذا ذاك ،ولوال ذلك لما ورث ،
إذا كان يلزم أن يرث مسلم من كافر ،وال يرث مسلم
مسلما.
ً كافرا ،كما ال يرث كافر
ً
مسألة :
صالة [مفروضة] 4وقعت في السفر بالتيمم لغلبة عدم
الماء ثم تجب إعادتها عند القدرة.
الجواب :هذا يتصور في سفر الميت ،إذا يمم وصلي
عليه ثم وجد الماء ؛ فقد قال البغوي في الفتاوي " :أنه
يجب غسله والصالة عليه".
قال " :ويحتمل أن ال يجب".
قلت :وبهذا االحتمال جزم ابن سراقة في [التلقين].5
قلت :محل الجواب عند القول به ما قبل إدراج الميت إذ
ال يتجه بعده ولعل هذا موضع قول من أوجب ومحل من
لم يوجب ما بعد اإلدراج.
مسألة :
امرأة لها ولد من ماء زوجها ،وهي فراشه [ثم] 6ال
يثبت نسبه.
_________
1في "ب" ممرها.
2في "ب" فهو.
3في "ب" الطلبة به.
4في "ب" المفروضة.
5في "ب" القلتين.
6سقط من "ب".
صفحة 399 | 342 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
الجواب :هذه امرأة استدخلت ماء زوجها من الزنا ؛ فال
يثبت به نسب وال مصاهرة وال عدة على ما حكاه
الرافعي في كتاب النكاح عن البغوي -ورأيته في فتاوي
ابن الصباغ فيمن وطئ اخمرأته ثم اجتمعت المرأة مع
أخرى فخرج الماء إلى رحم الثانية فحملت إنه ال يلحق
الولد بصاحب الماء ،ألنه ال حرمة له وهو كماء
الزاني.
وفي هذا تأييد لذلك ؛ ولكن ذكر الرافعي أن البغوي قال
:من عند نفسه "وجب أن تثبت هذه األحكام" "يعني"1
النسب والمصاهرة والعدة.
مسألة :
امرأة ال مانع فيها من حضانة ولدها ثم ال تثبت لها
الحضانة ؛ بل يثبت المرأة ذات زوج.
الجواب :هذا صغير له زوجة كبيرة ،وله بها استمتاع
أو لها به استمتاع فالزوجة أولى [بكفالته] 2من جميع
األقارب.
قاله الروياني :وسكت عليه الرافعي والنووي ،وأفتى
ابن الفركاح بخالفه.
مسألة :
رجالن أديا ما أمرا به ؛ إال أن أحدهما أداه [علي] 3وجه
أكمل من الوجه الذي أداه عليه صاحبه ،فيقبل من
صاحبه [ولم يقبل] منه.4
الجواب :هذان جنبان مسافران نسيا جنايتهما ؛ [فكان]5
أحدهما يتيمم لعدم الماء واآلخر توضأ ،ثم تذكرا الجنابة
؛ فعلى من صلى الوضوء اإلعادة وليس على من صلى
بالتيمم إعادة ؛ ألنه لو ذكر الجنابة لم يكن عليه أكثر من
التيمم [وهكذا] 6ول كان واحد [فتيمم] 7لعدم الماء
وتوضأ عند وجوده ،فيعيد صالة الوضوء دون صالة
التيمم .فإن قلت :لم قلتم إن الصالة بالوضوء أكمل من
الصالة بالتيمم ؟
قلت :ال شك في هذا ،بل قال الرافعي في آخر صالة
المسافر " :إن الغسل أفضل من المسح فما ظنك بالتيمم".
_________
1في "ب" بين.
2في "ب" بالكفالة.
3سقط من "ب".
4في "ب" زيادة "من اآلخر".
5في "ب" وكان.
6في "ب" وهذا.
7في "ب" تميم.
صفحة 399 | 343 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
فإن قلت [ :فقد] 1اختلف األصحاب في أن التيمم
ٍ
عزيمة ؛ فالذي ذكره اإلمام أنه رخصة ، رخصة أو
والذي أورده البندنيجي أنه عزيمة ،وعلى هذا فال فضل
للوضوء على التيمم.
قلت :ال نسلم وإ ن قلنا :إنه عزيمة فعزيمة الوضوء
أفضل من عزيمة التيمم.
فإن قلت [ :اختلفوا] 2فيمن يرجو الماء آخر الوقت هل
األفضل له تعجيل الصالة بالتيمم أو تأخيرها.
قلت :ال يلزم من هذا مساواة التيمم للوضوء ؛ بل القائل
بالتعجيل رأى أن فضيلة التعجيل يغتفر في جانبها التيمم
بالنسبة إلى الوضوء .واهلل أعلم.
كثيرا وأنت إذا تأملت النظم علمت ما تقدم
وقد تقدم منها ً
وما لم يتقدم.
سل لي أخا العلم والتثبيت والسهر ما اسم هو الفعل حرفًا
غير معتبر
وأي شكل به البرهان منتهض وال يعد من األشكال
والصور
وأي بيت على بحرين منتظم بيت من الشعر ال بيت من
الشعر
وال يضاف إلى البحرين واختلفوا فيه وجاؤوا بقول غير
مختصر
وأي ميت من األموات ما طلعت بموته روحه في ثابت
الخبر
من عد في أمراء المؤمنين ولم يحكم على اثنين في بدو
وال حضر
قرشيا حين عد وال يجوز أن يتولى إمرة البشر
ً ولم يكن
من باتفاق جميع الخلق أفضل من شيخ الصحاب أبي بكر
ومن عمر
ومن علي ومن عثمان وهو فتى من أمة المصطفى
المبعوث في مضر
مصيبا ال ينفذه مع كونه رب حكم
ً حكما
من سئل ً
بالقضاء حر
ابنا في البنين لها وذاك غير عجيب عند
من كان والدها ً
ذي النظر
من قال :إن الزنا والشرب مصلحة ولم يقل هو ذنب
غير مغتفر
من قال :إن نكاح األم يقرب من تقوى اإلله مقااًل غير
مبتكر
من قال :إن سفك دماء المسلمين على الصالة أوجبه
الرحمن في الزمر
من لم ترث غير دينار وستماء قضا أخوها وخالها على
األصر
_________
1في "ب" قد.
2سقط من "أ" والمثبت من "ب".
صفحة 399 | 344 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
من الفتاة لها زوجان ما برحا تزوجت ثالثًا حال بال نكر
صنما مصورصا وهو
من أبصرت في دمشق عينه ً
منحوت من الحجر
إن جاع يأكل وإ ن [يعطش] 1تضلع من ماء غير زالل ثم
منهمر
عددا على الوجوب بدار غير
أربعا ً
من طلقت فتلقت ً
مبتدر
من إن يزد جرمه تنقص آخذه ويغتدي بعض ما يجنيه
كالهدر
من إن يزد جرمه تنقص مآخذه ويغتدي بعض ما يجنيه
كالهدر
من إن تالفي صالة آية فيبؤ 2باإلثم والصمت منه ليس
عن حصر
[من] 3قال وسط جمادي الصوم مفترض وقد يصلي لنا
العيدان في صفر
من قال تشييع موتى المسلمين إلى قبورهم خطا كره من
البشر
ذاهبا يتيه للعجب بن الكأس
غدا ًبلورا ً
من لو يكون ً
والوتر
مضمونا وقيمته والشيء بالطول
ً ما الشيء بالمثل
مضمونا مع القصر
ً
وما ضمان صحيح ليس مشتماًل على األصيل وإ براء
مستبرئ بري
وهات قل لي إبراهيم أربعة بعض عن البعض من هم
يحظ بالظفر
وهكذا خلف بين الرواة كذا محمد في المغازي جاء
والسير
عمدا نهارصا ولم يفطر
معتمدا ً
ً وأكل وسط شهر الصوم
ولم [يزر]4
وأكل فيه لياًل لم يقل أحد بصومه من سراة الرأي واألثر
وقالئل ال قصاص في السيوف بلى إن القصاص لفي
شعر وفي ظفر
وواحد قد يصلي وهو منفرد وقد يؤم وال يأتم للعذر
وآخر راح بشري طعم زوجته وعاد وهو على حال من
الغرر
قالت له :أنت عبدي قد وهبتك من زوج تزوجته فأخدمه
واعتبر
وسارق هتك الحرز الحريز ولم يقطع بال شبهة والمال
ذو خطر
وسارق ما حوى المسروق يقطعه وسارق قد حوى
المسروق لم يضر
وخمسة من زناة الناس خامسهم ما ناله من الزنا شيء
من الضرر
والقتل فالرجم والجلد األليم مع التعذيب وزع في الباقين
فافتكر
وكلمة إلله العرش حادثة بال خالف [لدى] 5السني
والقدر
_________
1سقط من "ب".
2زيادة بها في "ب".
3في "ب" ومن.
4غير واضحة في "أ" ،وفي "ب" يزر.
5في "ب" كذا.
صفحة 399 | 345 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وأحبب العلم واستعمل قريحة ذي بحث على القطع مثل
الصارم الذكر
أعوانا على السهر
ً ونبه القوم أرسااًل ونادهم لعل بالجزع
واعمد لكل ذكي واستزده إذا لم يستردك وشاركه وال
تذر
وإ ن تعذر فاقصده وزره كذا إن المحب إذا لم يستزر يزر
مبني هذه المسائل على المغالطة في [العبارة] 1وتنبيه
على فائدة باإلشارة ؛ فاألول يكفي فيه جودة القريحة ،
والثاني يحتاج مع ذلك إلى حافظة صحيحة مثال األول :
قولنا من قال " :إن الزنا" إلى آخره ،فالذكي إذا تأمله
عرف أن "من" فيه ليس لالستفهام ،بل هو اسم موصول
،وهو وهو مبتدا خبره "غير مغتفر".
والمعنى :الذي قال :إن الزنا والشرب مصلحة ولم يقل
:هو ذنب غير مغتفر له ذلك ؛ بل ذلك منه كفر ،ألن
من استحل هذين كفر فال يعتقد أن قولنا "غير مغتفر"
صفة "لذنب" بل خبر المبتدأ الذي هو الموصول.
وقد جالسني فطن في حل هذه األبيات ؛ فلما جاء إلى هذا
البيت وأخذ يتعسف ويحمل "من" على أنها لالستفهام
كأخواتها في هذه [الصورة] ، 2فقلت له من أوجب عليك
أن تجعل "من" لالسفتهام بمجرد ما قلت له ذلك تيقظ
وفهم المقصد.
وكدت أترك هذه األبيات غفاًل بغير شرح ولكني خشيت
أن يظن [بما] 3ظنه بعض الناس في ابن الخشاب ،وقد
الغازا ،أنها ال شيء تحتها ،وأنه إنما
نظم قصيدة المية ً
قصد التالعب بالناس وأتعابهم .فأردت أن أفتح باب
حل.
ومثال الثاني :قولنا وما ضمان صحيح ليس مشتماًل
على األصيل وإ براء مستبري برئ .فالمعنى بالضمان
الصحيح الذي ليس مشتماًل على أصيل مسألة السفيه إذا
قال :ألق متاعك في البحر وأنا ضامن ،وكذلك قول
المرأة :ضمنت في جواب قول زوجها :إن ضمنت لي
ألفًا فأنت طالق .وهو مشهورة في باب الخلع ومذكورة
في باب الكتاب في أوائل البيع.
ومثال إبراء المبرئ :فرجل برئ ليس في ذمته شيء
قولهم في باب الغصب في الغاصب إذا حفر في األرض
المغصوبة :إن أبرئ المالك عن ضمان التردي ورضي
_________
1في "ب" ألغازه.
2في "ب" القصيدة.
3في "ب" بي ما.
صفحة 399 | 346 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
باستدامة الحفر برئ الغاصب على الصحيح قال الرافعي
:استعمل لفظ اإلبراء كثير من األصحاب.
قال اإلمام :ليس المراد منه حقيقة اإلبراء ؛ بل الرضا
بإبقاء البئر ونظير مسألة الضمان في الفقه قولنا :وكلمة
إلله العرش حادثة ،وهي من مسائل أصول الدين ،
والمراد بالكلمة عيسى روح اهلل عليه السالم ،فإنه كلمته
ألقاها إلى مريم ،وهو حادث باإلجماع وقد قرر أئمتنا
ذلك في أصول الدين.
مضمونا وقيمته ؟ وقد
ً ومثال الثالث " :ما لشيء بالمثل
كثيرا وسكتنا عن غيره ،ليعتبر 1الذهن السليم
تقدم ً
والفكر المستقيم ،واعلم أن حملة العلم وإ ن اختلفت
أذهانهم فهم بين رجلين غالب حفظه على [فهمه]، 2
وغالب [فهمه] 3على حفظه [أما]ٍ 4من ازدوج فيه
األمران وتساوي عنده الشيئان ووصل فيهما إلى الغاية ؛
فهو أعز من الكبريت األحمر ،والذي يظهر أنه ال
وجود له ،فلذلك قصرنا الكالم على من [أحد] 5األمرين
فيه [غالب] 6على اآلخر.
فنقول :من غلب حفظه على فهمه فهو مرجوح بالنسبة
إلى مقابلة ،ونسبته إلى الفهم نسبة الكتاب إلى الحافظ ،
فكما أن الحافظ يتصفح األوراق إما لتثبيت ما عنده أو
الستحداث العلم بما ليس عنده كذلك الفهم بالنسبة للحافظ
،وبمقدار ما نقص فهمه نقص قدره إلى أن ينتهي إلى
كونه حامل فقه وليس بفقيه ولو حفظ [وقر بعير].7
وأما من غلب فهمه فإن مرتبته تعلو بمقدار ما ينضم إلى
جدا
ما عنده من الحفظ وال يخفى أن اإلفهام متفاوتة ً
تفاوتًا يخرج عن حد اإلحصاء.
وربما اختلفت بالنسبة إلى المفهومات فرب بالغ في فهم
بعض الفنون أقصى الغايات قاصر عن فهم غيره نازل
إلى حضيض الدرجات ،وبالنسبة إلى األوقات فرب
وقت يصفو الذهن فيه وآخر يتكدر ،وبالنسبة إلى
األشخاص فرب من يفهم عنه ورب من ال يفهم عه أو
يفهم عنه بسرعة ومن يتباطأ في الفهم عنه.
_________
1في "ب" لتفسير.
2في "ب" تقلبه.
3في "ب" تقلبه.
4سقط من "ب".
5في "ب" أخذ.
غالبا.
6في "ب" ً
7في "ب" بيقين.
صفحة 399 | 347 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
جدا ؛ غير أني مسهل جامعه فأقول :
وهذا باب واسع ً
لقد اعتبرت مجامع األفهام فألقيت أنواعها منحصرة في
ثالثة أنواع.
النوع األول :وهو أنزلها من إذا ذكرت له المسألة انتقل
ظا -وهي مسطروة-
ذهنه إلى نظيرها فإن كان حاف ً
فذكرها اكتسب باستحضار النقل فيها كيفية أخرى وقوى
متجددة تولدت من اجتماع النظرين وما قبل فيهما لم يكن
قبل ذلك .وهذا عمدة باب األشباه والنظائر ؛ فإن الفقيه
الفطن الذكي إذا أخذ المدرس يذكر القاعدة وبعد فروعها
انفتح ذهنه ألنظار ما يذكره المدرس ويكذر ما كان
ظا ووصل بالقاعدة لما وصل لم يسمع المدرس يقول
حاف ً
ما قال لما كات قواه تفي به.
فرب حافظ لقاعدة لم ينزل عليها فروعها ،وحافظ
لفروع متبددة لم يصلها بأصولها.
فلما سمع األستاذ يذكر القاعدة ويعدد بعض ما عنده من
الفروع تذكر الباقي وتنبه لما لم يكن عنده من [اشتباك]1
هذه الفروع بتلك األصول.
جميعا األصل والفروع ولكن لم
ً هذا إذا كان يحفظهما
قاصرا على حفظ
ً ينتقل ذهنه إلى اشتباكهما ،وإ ن كان
األصل اكتسب الفروع منتسبة إليه أو على الفروع
منسوبا إليه هذه الفروع وتسلط بما
ً اكتسب األصل
اكتسب على أنظار آخر لعلها لم تكن على ذكر األستاذ ،
وال ينبغي له أن ينسب [األستاذ] 2إلى قصور إذا أطلع
على ما لعله أغفله ؛ بل يعلم أنه هو الذي طرقه إلى ذلك
،وال أن ينسبه إلى إغفال ما لم يحقق أن ما ذكره من
جنس ما أشار إليه األستاذ.
وإ ن هو حقق ذلك وعلم أن األستاذ أغفل هذا الفرع ولم
ذاكرا له لنظره فلتقم معذرة
ذاكرا له ،وأنه لو كان ً
يكن ً
األستاذ من قبل أن قواه لما اشتغلت بإقعاد القاعدة وتمهيد
األصيل كانت جديرة بالغفلة عن تعداد الفروع ؛ إذ قال
معا.
ما تفي القوى باألمرين ً
فروعا لعلنا
ً وهذا جواب لنا عمن يزيد على ما ذكرناه
أغفلناها وجواب لمن سبقنا إلى ما ذكرناه من القواعد
عما زدنا عليه من الفروع ،فقد اشتمل كتابنا هذا على
الكثير من هذا النوع.
_________
1في "ب" إمساك.
2في "ب" األشياء.
صفحة 399 | 348 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
مقدرا من له فكرة
النوع الثاني :وهو أرفع األنواع ً
[مضيئة] 1يستخرج القواعد من الشريعة ويضم إليها
طا
الفروع المتبدد ويحصل من جريان الفروع ضاب ً
طا بمقصد الشارع فما
انتهى إليه بالفكرة المستقيمة محي ً
ارتد إليه كان المقبول عنده وما صدر عنه كان المردود
،وقد اشتمل كتابنا هذا على ما فتح اهلل به من هذا النوع
؛ فإن فيه قواعد لم نسبق إلى استخراجها ومآخذ لم نجدها
مجموعة لغيرنا وإ ن تفرقت في تضاعيف كالم األئمة.
النوع الثالث :منزلة بين المنزلتين وهو أن يعمد الفهم
إلى آية أو حديث أو نص من نصوص إمامه في مسألة
فيستنبط من ذلك بمقدار ما آتاه اهلل من الفهم ما شاء اهلل
من الفروع.
وأستاذ األستاذين في هذا النوع وسيد المتأخرين شيخ
اإلسالم تقي الدين أبو الفتح ابن دقيق العيد رحمه اهلل ؛
طا لم يتهيأ لغيره ،واستخرج
فإنه فتح األحاديث استنبا ً
كثيرا من األحكام استنبطها من
عددا ً
بقريحته الوقادة ً
األحاديث ،وهذا النوع لعلك ال تجد في كتابنا منه إال
اليسير وتضاعيف الكالم.
وقد أحببت أن أذكر 2هنا آية كانت ابتداء درسي
بالمدرسة األمينية في يوم األحد ثالث شهر ربيع األول
سنة ثالث وستين وسبعمائة وكان من شأن هذا الدرس
أني لما وليت هذه المدرسة في الشهر المذكور عزمت
جمعا ،ألنه سبق لي
أجالسا وال أجمع ً
ً [أن] 3ال أعمل
تداريس كثيرة فما في دمشق مدرسة [مرقومة بعين
التعظيم] 4إال وقد [وليت] 5تدريسها بحمد اهلل إال اليسير
من المدارس ،فلما وليت هذه المدرسة رأيت أن ترك
درسا أرجو أن
ذلك أجمل ،فحملني حامل على أن أذكر ً
يكون لي فيه نية ،وذلك أن بعض من ال أهلية له سعى
في هذه المدرسة وكاد أن يقدم علي لقربه من الدولة ،
فأحببت أن [أريه] 6كيف يكون التدريس ،وكيف ينبغي
لمن يطلب مناصب العلماء أن يكون ،فعمدت إلى آية
من الكتاب العزيز واستنبطت منها ما وصلت إليه قوتي.
_________
1في "ب" مصيبة.
2في "ب" لك.
3سقط من "ب".
4سقط من "ب".
5في "ب" وليت.
6في "ب" أرويه.
صفحة 399 | 349 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وها أنا أحكي الدرس فأقول قلت بعد الخطبة ما نصه :
اه ُم اللَّهُ ِم ْن
اس َعلَى َما َآ تَ ُ ون َّ
الن َ {َأم َي ْح ُس ُد َ
قوله تعالى ْ :
اب َواْل ِح ْك َمةَ َوَآتَْيَن ُ
اه ْم ُمْل ًكا اه ِ ِإ ِ فَ ْ ِ ِ
يم اْلكتَ َ
ضله فَقَ ْد َآ تَْيَنا َآ َل ْب َر َ
ِ ِ ِ
يما ،فَم ْنهُ ْم َم ْن َآ َم َن بِه َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َ
ص َّد َع ْنهُ َو َكفَى َعظ ً
بِ َجهََّن َم َس ِع ًيرا}.
اعلم أن المدرسين وإ ن تباينت مراتبهم في العلم وتفاوتت
منازلهم في الفهم أصناف ثالثة ال رابع لهم.
األول :من إذا درس آية اقتصر على ما فيها من
المنقول فحكى أقوال المفسرين بسبب النزول والمناسبة
ووجوه اإلعراب ومعاني الحروف ونحو ذلك ،وهذا
الحظ له عند المحققين ،وال نصيب له بين فرسانp
[الكالم].1
والثاني :من يأخذ من وجوه االستنباط منها ،ويستعمل
فكره بمقدار ما آتاه اهلل من الفهم ،وال يشتغل بأقوال
علما منه أن ذلك [أمر]2
السابقين وتصرفات الماضيين ً
موجود في بطون األوراق وال معنى إلعادته.
والثالث :من يرى الجمع بين األمرين ،والتحلي
بالوصفين وال يخفى أنه أرفع األوصاف.
ونحن وإ ن سلكنا في هذه اآلية سبيل األولين كنا عن
مرتبة العالين عليهم قاصرين ،وإ ن [سلكنا] 3طريق
األرفعين ضاق الوقت عنه وحصل السأم لنا وللحاضرين
،وحيث دار األمر بين أمرين فأرفعهما أحق بالتقديم.
وإ نا إن شاء اهلل [تعالى] 4استخرج من هذه اآلية :دون
ما قبلها وما بعدها من فنون الفوائد في أنواع العلوم ما
يزيد على مائة وعشرين فائدة في أصول الدين ،
وأصول الفقه ،والحديث والتفسير ،واللغة والنحو ،
والتصريف ،والمعاني ،والبيان والبديع ،والمنطق ،
والجدل ،والتصوف ،والمغازي ،والسير ،والفراسة
والطب.
وشرطي في ذلك على نفسي -أن ال أذكر شيًئا أعلم أني
سبقت إليه ،وال [أتعدى] 5اآلية إلى غيرها ،وال أشتغل
بتقرير ما استنبطه منها إال بتقرير وجه االستنباط
_________
1في "ب" الفهم.
2سقط من "ب".
3في "ب" سكنا.
4سقط من "ب".
5في "ب" أعدى.
صفحة 399 | 350 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
منها :فإذا قلت مثاًل " :دلت على كيت وكيت" لم أنتقل
إلى الكالم في كيت وكيت ؛ ألن ذلك خروج إلى فن آخر
وعدول عن البحث ،وعلى غيري أن ال يعترضني في
فائدة حتى يتسم تقريرها ثم يعترض بما شاء.
فأقول وباهلل المستعان " :أم" في اآلية دالة على جواز
عطف الجملة الفعلية على االسمية ؛ ألن "أم يحسدون"
جملة فعلية معطوفة بأم علي "أم لهم نصيب من الملك"
وهي اسمية وفيها داللة على أن "أم" المنقطعة ال يتعين
تقديرها ببل والهمزة -كما نقله أبو حيان عن جميع
البصريين بل يجوز تقديرها ببلل فقط وتخلو عن
طلبيا وهو رأي ابن مالك حيث قال
إنكاريا أم ً
ً االستفهام
استفهاما مع اضطراب ودونه ؛
ً في "التسهيل" :يقتضي
وذلك ألن المراد هنا إثبات الحسد لهم ال االستفهام عنه ال
[باإلنكار و] 1ال بغيره .وإ ذا كان هذا المراد تعيين أ ،
يكون التقدير "بل يحسدون" ال "بل أيحسدون كما زعم
الواحدي والزمخشري ومن تبعهما".
وعينا أن يكون التقدير "ببل" فقط
وإ نما خالفناهما في ذلك ً
لما ذكرناه من أن المراد إثبات الحسد.
وإ نما أدعينا أن ذلك هو المراد ؛ ألنه تعالى قد أثبته لهم
َأه ِل اْل ِكتَ ِ
اب {و َّد َكثِ ٌير ِم ْن ْفي سورة البقرة ؛ حيث قال َ :
يمانِ ُك ْم ُكفَّ ًارا َح َس ًدا ِم ْن ِع ْن ِد َْأنفُ ِس ِه ْم} ِ ِإ َلو ير ُّد َ ِ
ون ُك ْم م ْن َب ْعد َ ْ َُ
واإلتيان في أهل الكتاب وكذلك في سورة الفتح ال يقال :
االستفهام باإلنكار يتضمن اإلثبات وزيادة ألنا نقول :
تلك الزيادة ال دليل عليها ،بل وال يقتضيها المقام.
فظهر أن األظهر في "أم" هنا أن معناها "بل" فقط كما في
ور َْأم َج َعلُوا ُّ
الن و ات مُلقوله تعالى َ{ :أم ه ْل تَستَِوي الظُّ
َ َ ُ ُ ْ َ ْ
اء} ؛ فإنها في "أم" لمجرد اإلضراب ،إذ َِّ ِ
لله ُش َر َك َ
االستفهام ال يدخل على االستفهام وما ذكره غيرنا من
أيضا ،ولكن ما ذكرناه
تقديرها "ببل والهمزة" يحتمل ً
أظهر.
وإ ذا عرفت احتمال ما ذكره غيرنا فنقول :وفيها داللة
على أن "أم" المنقطعة ال يتعين تقديرها ببل فقط كما
ذهب إليها الكسائي [وهشام].2
_________
1في "ب" باإليمان.
2سقط من "ب".
صفحة 399 | 351 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ات َولَ ُك ُم اْلَب ُنون}
{َأم َلهُ اْلَبَن ُ
ونظيرها :قوله تعالى ْ :
{َأم اتَّ َخ َذ ِم َّما
تقديره بل هلل البنات ولكن البنون ،وكذلك ِ
ِ ي ْخلُ ُ ٍ
َأصفَا ُك ْم بِاْلَبن َ
ين} ؛ إذ لو قدر اإلضمار ق َبَنات َو ْ َ
المحض لزم المحال.
"يحسدون" :فيها داللة على أن المضارع حقيقة في
الحال ،ألنه أطلق في "يحسدون" وأريد الحال ؛ ألنهم
كانوا حاسدين وقت وقوع اللفظ عليهم ولم يرد أنهم
يحسدون في المستقبل ،وإ ذا طلق وأريد الحال كان
حقيقة فيه ؛ ألن األصل في اإلطالق الحقيقة ،وهذا عند
التحقيق خالف [قول] 1من يدعي صالحيته للحال
موضوعا للقدر
ً واالستقبال كابن مالك ؛ ألنه يجعله
المشترك إال أن يقال :المتواطئ يقع على أفراده للحقيقة
وأنا أقول بالفصل في ذلك بين المشكل ومتساوي األفراد
،ولي فيه تحقيق طويل.
وفيها داللة على أن مضارع حسد يحسد بضم السين ألن
القرآن كذلك نزل ،وزعم األخفش أن بعضهم بكسر
سين مضارعه.
وفيها داللة على أن مفهوم العموم من باب الكلية ال من
باب 2الكلي وال الكل ألنه [تعالى] 3قد ذمهم على الحسد
؛ فإما أن يكون [هذا] 4الحسد [المذم] 5عليه الحسد من
حيث هو ،أو الحسد على العموم بمعنى أن كل واحد
مذموم على الحسد القائم به أو بغيره أو على الخصوص
بالغير والمعنى أن كاًل مذموم على خصوص الحسد
القائم بغيره أو على الخصوص بالنفس والمعنى أن كاًل
مذموم على خصوص الحسد القائم به من غير نظر إلى
القائم بغيره وال خامس لهذه األقسام عقاًل وال سبيل إلى
األول ألن الحسد من حيث هو ليس من فعل المكلف فال
يالم عليه وال إلى الثاني ؛ ألن حسد غيره ليس من فعله
أيضا لذلك ،
فكيف يالم على فعل غير وال إلى الثالث ً
فتعين الرابع وهو أن يكون "المذموم عليه الحسد
المختص به من غير نظر إلى غيره ؛ وذلك هو معنى
وسلبا
الكلية وهي أن يكون" 6الحكم ثابتًا لكل فرد إثباتًا ً
غير منظر فيه إلى غيره بنفي وال إثبات .وفيها داللة
على جواز التكليف بما ال يطاق ،ألنه تعالى المهم على
الحسد.
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" زيادة باب العمل.
3في "ب" يقال.
4سقط من "ب".
5في "ب" المذموم.
6سقط من "ب".
صفحة 399 | 352 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وهو أمر يقوم بالحاسد ال يقدر على دفعه ،ونظيره :
{َأ ْقبِ ْل َواَل تَ َخ ْ
ف} وال يقال " :إنما ذم على تعاطي أسبابه"
لإلجماع على أن الحسد في نفسه مذموم :وألن البخل
والحسد سببان في كونهما مما ال يطاق ،وقد ذمهم على
يب ِم َن اْل ُمْل ِك
ص ٌ البخل قبل ذلك في قوله تعالى َ{ :أم لَهم َن ِ
ْ ُْ
اس َن ِق ًيرا} وكذلك على البخل قبل ذلك فَِإ ًذا اَل ُيْؤ تُ َ
ون َّ
الن َ
اس بِاْلُب ْخ ِل} ون َّ َِّ
الن َ ون َوَيْأ ُم ُر َ
ين َي ْب َخلُ َ
في قوله تعالى { :الذ َ
والبخل والحسد مشتركان في أنصاحبهما يريد منع
النعمة من الغير ،ثم يتميز البخل بعدم دفع ذي النعمة
شيًئا ،والحسد ينهي أن يعطي أحد سواه شيًئا.
وفيها داللة على أن الحسد حرام ،ثم يختلف باختالف
[أيضا كفر] ، 1وإ ال فال
نبيا فهو ً
المحسود ؛ فإن كان ً
ينتهي إلى الكفر.
فإن قلت :ما وجه داللته على التحريم ؟
{و َكفَى بِ َجهََّن َم
قلت :التوعد عليه في قوله تعالى َ :
َس ِع ًيرا} .مع السياق [المؤذن] 2بذلك 3والتوعد كفاية
فإنه [كالنص في] 4التحريم.
وقد أشار ابن عقيل من الحنابلة فيما وجدته منقواًل عنه
مستشهدا بنحو
ً أن التوعد على الشيء ال يقتضي وجوبه
طمن سمع النداء فخرج من المسجد قبل أن يصلي فقد
اعون}" 5ليس
ون اْل َم ُ
{وَي ْمَن ُع َ
عصى أبا القاسم ،ونحوه َ
منها من لم يوقر بيرنا ويرحم صغيرنا.
قلت :وهذا شيء ضعيف ،وليت شعري أين التوعد في
"ليس منا من لم يوقر" إلى آخره ،وأما حديث سامع
النداء فصريح في التحريم ال من جهة التوعد فال تدعو
فيه ؛ بل من جهة لفظ عصى والخارجون عن ظاهره لهم
تأويل لسنا له اآلن ،فلنعد إلى ما نحن بصدده.
فإن قلت :وما وجه داللته على مطلق الحسد والكالم
على الحسد إنما هو في حسدهم النبي صلى اهلل عليه
وسلم بناء على ما سيأتي من أنه المراد بالناس عليه
أفضل الصالة والسالم.
اه ُم اللَّهُ ِم ْن
اس َعلَى َما َآتَ ُ ون َّ
الن َ {ي ْح ُس ُد َ
قلت :قوله َ :
ضِل ِه} فإنه دال على أنفَ ْ
_________
1في "ب" يضر.
2في "ب" المؤذن.
3في "ب" زيادة في.
4في "ب" كالنص.
5في "ب" زيادة نحو.
صفحة 399 | 353 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
العلة في الذم للحسد على اإلتيان من الفضل ،وهذا
شامل لكل محسود على نعم أوتيها من فضل اهلل.
فإن قلت :ما وجه داللته على 1الكفر ؟
قلت :تقسمة الناس إلى أن منهم من آمن به ومنهم من
عائدا على
صدر عن سواء جعلنا الضمير في "عنه" ً
النبي صلى اهلل عليه وسلم أو الكتاب ؛ ألن الصدود عن
كل منهما كفر ،والحسد صدود أو حامل على الصدود ،
قسيما للمؤمن فدل أنه كافر.
وقد جعل الصاد ً
"الناس" :فيما داللة على صحة إطالق "اسم" [الجمع]2
وإ رادة الواحد ؛ ألن المراد بالناس النبي صلى اهلل عليه
وسلم على ما روي عن ابن عباس والشافي رضي اهلل
اس َّ
الن َّ
ن ِإ اس َّ
الن م هَل ال
َ َق ين عنما واألكثرين ونظيرها {الَِّ
ذ
َ ُُ ُ َ
قَ ْد َج َم ُعوا لَ ُك ْم} قيل :المراد نعيم بن مسعود األشجعي
واعلم أنه ال يلزم من صحة إطالق اسم الجنس وإ ن كان
محلى باأللف والالم وإ رادة الواحد إطالق [الجمع]3
وإ رادة الواحد بطريق أولى.
وفيها داللة على أن المعرفة إذا كررت ال يتعين أن يكون
الثاني األول ؛ خالفًا لمن زعم أن المعرفة إذا كررت
اتحدت 4وأن النكرة إذا كررت تعددت وقال في قوله
تعالى { :فَِإ َّن َم َع اْل ُع ْس ِر ُي ْس ًرا ِ ،إ َّن َم َع اْل ُع ْس ِر ُي ْس ًرا}5
[لن] 6يضيع عسر يسرين ووجه الداللة أنه أراد بالناس
هنا النبي صلى اهلل عليه وسلم ،وبالناس قبله في قوله
ِ ص ٌ ِ تعالى َ{ :أم لَهم َن ِ
اس ون َّ
الن َ يب م َن اْل ُمْلك فَِإ ًذا اَل ُيْؤ تُ َ ْ ُْ
َنِق ًيرا} الجنس أو العموم.
ِ ص ٌ ِ ونظير اآلية {َأم َلهم َن ِ
يب م َن اْل ُمْلك فَِإ ًذا اَل ُيْؤ تُ َ
ون ْ ُْ
ان ِإاَّل اِإْل ْح َسان} ، اء اِإْل ْح َس ِ اس َنِق ًيرا} َ ،
{ه ْل َج َز ُ َّ
الن َ
س} [اآلية].7 الن ْف َس بِ َّ
الن ْف ِ {و َكتَْبَنا َعلَ ْي ِه ْم ِفيهَا َّ
َأن َّ َ
وفيها داللة على ما يقول أهل السنة والجماعة من ثبوت
الواسطة بين [الجبر] 8والقدر وهي التي يسميها الشيخ
أبو الحسن رحمه اهلل بالكسب وأبو حنيفة رحمه اهلل
باالختيار.
_________
1في "ب" زيادة إن حسد النبي صلى اهلل عليه وسلم
كفر.
2في "ب" الجميع.
3في "ب" الجميع.
4في "ب" أحدث.
"يسرا" سقط من "ب".
ً 5
6في "ب" أن.
7سقط من "ب".
8في "ب" القبر.
صفحة 399 | 354 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وذلك ألنه تعالى أسند الحسد إليهم فدل أنه من فعلهم وقد
ثبت أنهم غير خالقي أفعالهم بدليل قوله [تعالى] َّ :
{واللهُ
َ
ون} فثبتت الواسطة ،وفيها داللة على أنَخلَقَ ُك ْم َو َما تَ ْع َملُ َ
أفعال القلوب يؤخذ بها كأعمال الجوارح ؛ ألنه تعالى
المهم على الحسد وهو من أفعال القلوب وأفعال القلوب
غير عقائدها .العقائد يؤاخذ بها باإلجماع واألفعال
وراءها ،ولهذا تحقيق ليس هذا موضعه.
وفيها داللة على المذاهب الذي حكيناه عن ابن عباس
والشافي رضي اهلل عنهما أن المراد بالناس النبي صلى
اهلل عليه وسلم.
وتقرير ذلك أنه لو لم يرد بالناس بعض المؤمنين وأراد
كلهم لناقض قوله :أنهم لم يحسدوا آل إبراهيم ؛ لكنه ال
يناقضه الستحالة الناقض على كالم اهلل [تعالى] 2؛ فدل
أنه أراد البعض ،وما هو إال محمد صلى اهلل عليه وسلم
ألن القائل قائالن قائل بأن المراد [جمع] 3المؤمنين ،
وقائل بأن المراد النبي صلى اهلل عليه وسلم ،واألول
مندفع بأن مدعيه يدعي زيادة األصل 5....4عدمها ؛
ألن هذا اللفظ قد ثبت أنه استعمل في النصوص ،فليحمل
على اليقين ،وعلى من ادعى ما رواه الدليل [فثبت]6
الثاني.
ممكنا أن يقال :المراد بالناس آل النبي صلى
وقد كان ً
اهلل عليه وسلم ،كما في آل إبراهيم ،والمعنى أنهم
يحسدون آل النبي كونه بعث من أنفسهم ،ويكون النبي
صلى اهلل عليه وسلم هو الفضل الذي أوتيه أهله وحسدوا
عليه ؛ ولكن هذا القول لم نر من قال به فال تفريع عليه.
وفيها داللة على أن سيدنا وموالنا ونبينا محمد
المصطفى البشير صلى اهلل عليه وسلم خير الخالئق
أجمعين ألنها دالة على تفضيله على آل إبراهيم وآل
إبراهيم أفضل العالمين ،واألفضل من األفضل أفضل
فالنبي صلى اهلل عليه وسلم أفضل.
بيان الصغري :أنه وقع االهتمام بشأنه والتفخيم ألمره
في هذه اآلية بستة أمور لم يقع في آل إبراهيم واحد
منها.
ومظمرا
ً مظهرا
ً [أحدها][ : 7تكرر] 8اسم اهلل في حقه
وذلك في قوله تعالى :
_________
1سقط من "ب".
2سقط من "ب".
3في "ب" جميع.
4في "ب" زيادة :األصل.
5بياض في األصل.
6في "ب" نفت.
7في "ب" أخذها.
8في "ب" تكرير.
صفحة 399 | 355 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ضِله} ولم يأت في آل إبراهيم إال
اه ُم اللَّهُ ِم ْن فَ ْ
{َآتَ ُ
مضمرا.ً
والثاني :تعبيره عنه بالناس ؛ ألنه زعيم وعظيم، 1
فكأنه كلهم.
والثالث :تنكيره الفضل الذي أوتيه مع تعريف الذي
أوتيه آل إبراهيم بصيغة آل في الكتاب والحكمة ،
والتنكير يرد للتعظيم ،ال يقال :فقد نكر الملك العظيم
يما} ألنا نقول [إنه لم] 2يقتصر على ظفي قوله { :مْل ًكا ع ِ
ُ َ ً
تنكيره ،بل وصفه ،والنكرة الموصوفة تضاهي
المعرفة.
والرابع :إضافته إلى اهلل تعالى ،والمضاف إلى عظيم
عظيما.
ً ال يكون إال
والخامس :وضع الظاهر موضع المضمر بلفظ اهلل
لزيادة التقرير وتقوية داعية المأمور.
والسادس :اشتماله على العلة المقتضية لدفع شبهتهم -
وهي أن السبب فضل اهلل الذي ال حجر ألحد عليه [ففيم]
َّ
3الحسد ،وبيان الكبرى :قوله تعالى ِ{ :إ َّن اللهَ
ان َعلَى ِ طفَى َآ َدم و ُنوحا وَآ َل ِإ ْبر ِ
يم َوَآ َل ع ْم َر َ
َ َاه ََ ً َ اص َ
ْ
ين}. ِ
اْل َعالَم َ
وفيها داللة على أن من ال يتبع النبي صلى اهلل عليه وسلم
ال يستحق اسم الناس ؛ ألنه تعالى غاير بين الحاسدين
والناس ،والحاسد غير المحسود ؛ فدل على أن الحاسد
من غير الناس ،وهذا واضح على قول من يقول :
المراد بالحاسدين الحاسدون للنبي صلى اهلل عليه وسلم
والذين اتبعوه من المؤمنين أجمعين.
وأما من يقول :المراد هو صلى اهلل عليه وسلم فقط
فكذلك ألن اسم الناس إذا وقع عليه وحده لم يقع على
غيره إال بالمجاز .وغيره -من تابعيه -العالمة موجودة
فيه.
وأما من لم يتبعه فال عالقة توجب أن يطلق عليه لفظ
الناس فكيف يطلق عليه.
وفيها داللة 4أن لفظ الناس في الشرع ال يطلق على
الكافرين بل يختص بالمؤمنين وهذا غير قول :من يقول
في أصول الفقه أنه ال يدخل تحته العبد ولم نر من قال
بهذا ؛ وإ نما اختلفوا من أنه هل يختص باإلنس على ما
عرف ؛ ولكن ذلك اختالف في موضعه لغة ،وهذا نظر
شرعا.
ً في استعماله
_________
1في "ب" زعيمهم وعظيمهم.
2في "ب" :ألنه ال.
3في "ب" فيه.
4في "ب" زيادة على.
صفحة 399 | 356 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وإ ذا [عرف 1هذا] 2فنقول :وفيها داللة على أن صحة
النفي ليست دلياًل على المجاز ؛ أال ترى أن لفظ الناس
صح نفيه هنا عن الكفار وإ ن كان يطلق عليهم بالحقيقة.
وقد يقال :صحة نفيه إنما هي باعتبار الحقيقية الشرعية
،وصحة إطالقه إنما هي باللغوية ،فلم يتواردا على
محل واحد لكن إذا تم يعود تخصيص على دعوة أن
صحة النفي عالقة.
وفيها داللة على عود الضمير باعتبار اللفظ دون المعنى
وذلك في قوله " :آتاهم" فإنه ضمير جمع عائد على لفظ
الناس المعنى به واحد وهو النبي صلى اهلل عليه وسلم.
"على" :وفيها داللة على مجيء "علي" حرفًا للتعليل ؛
اه ْم} معناه يحسدونهم للفضل الذي {علَى َما َآ تَ ُ
ألن قوله َ
{وِلتُ َكِّب ُروا اللَّهَ َعلَى َما
أوتوه على حد قوله تعالى َ :
َه َدا ُك ْم} لهدايته إياكم ،وقول الشاعر :
عالم تقول الرمح يثقل عاتقي إذا أنا لم أطعن إذا الخيل
[كرت]3
"ما" وفيها داللة على أن "حسد" ال يتعدى إلى مفعول ثان
إال بحرف الجر ؛ وذلك من قوله " :على ما آتاهم [اهلل]
.4
وبعضهم يعديه إلى المفعولين بنفسه ،وعليه قول الشاعر
يصف الجن :
[ظالما]
ً أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا
5
فقلت إلى الطعام فقال منهم زعيم يحسد اإلنسي الطعاما
"آتاهم" وفيها داللة على ما اختاره ابن مالك من اتصال
ما كان من الضمائر ثاني منصوبين وناصبه فعل
غيرقلبي نحو " :ما أعطيتكه" ألنه حذف العائد فيه ،وال
يجوز أن يقدر منفصاًل ،وال يلزم حذف العائد المنفصل
المنصوب ،وال قائل بذلك ،ومن ثم [ال] 6يصح [تقرير]
ون} 7أبي البقاء في قوله تعالى { :و ِم َّما ر َز ْقَن ُ ِ
اه ْم ُي ْنفقُ َ َ َ
العائد منفصاًل 8؛ وإ نما هو متصل والتقدير :على ما
آتاهم اهلل ،ال على ما آتاهم اهلل إياه ،وهو
_________
1في "ب" عرفت.
2سقط من "ب".
3سقط من "ب.
4سقط من "ب".
5في "ب" مالما.
6في "ب" لم.
7في "ب" تقدير.
8في "ب" زيادة وأال يلزم حذف العائد.
صفحة 399 | 357 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
المدعي ،وهذا الوجه بناء على جعل "ما" في قوله :ما
آتاهم مصولة.
"اهلل" وفيها داللة على أن الظاهر يؤتي به بداًل عن
الضمير لزيادة التقرير والتمكين وذلك في قوله "اهلل" ،
ولم يقل ما آتيناهم.
وفيها داللة على أنه قد يؤتى به ليدل على أن ما أسند إليه
الئق به كما في قوله " :أولم" اآلية ،وكما في قوله تعالى
يدهُ ِإ َّن َذِل َك َعلَى
ق ثَُّم ُي ِع ُ
ف ُي ْب ِدُئ اللَّهُ اْل َخْل َ
{َأولَ ْم َي َر ْوا َك ْي َ
َ :
اللَّ ِه َي ِس ٌير}
وفيها داللة على أنه قد يؤتى به ليدل على أن ما أسند إليه
الئق به كما في قوله " :أولم" اآلية ،وكما في قوله تعالى
َّ {ولَ ْو ََّأنهُ ْم ِإ ْذ َ
استَ ْغفَ ُروا اللهَ
وك فَ ْ
اء َ
ظلَ ُموا َْأنفُ َسهُ ْم َج ُ َ :
الر ُسو ُل} ولم [يقل] واستغفرت لهم ؛ ألن استَ ْغفَ َر لَهُ ُم َّ َو ْ
لفظ الرسول ينبئ أن شفاعته مقبولة ،فكذلك قوله " :اهلل"
ينبئ على أنه يفعل ما يشاء ويضع عطاءه وفضله أين
يشاء ال يعترض عليه.
"من" وفيها داللة على مجيء "من" البتداء الغاية ؛ فإنه
كذلك في قوله :
"من فضله" وفيها داللة على الرد على أبي البقاء حيث
جوز في "من" أن تكونوا زئادة عند األخفش في قوله
[تعالى] 3في البقرة {بِْئ َس َما ا ْشتََر ْوا بِ ِه َْأنفُ َسهُ ْم ْ
َأن َي ْكفُُروا
ضِل ِه} وجعلها َأن ُيَن ِّز َل اللَّهُ ِم ْن فَ ْ
بِ َما َْأن َز َل اللَّهُ َب ْغًيا ْ
مفعول ينزل أي : 4ينزل اهلل فضله ؛ وذلك [ألن]5
المعنى على إنزال شيء 6من فضله ال 7إنزال كل
فضله ،وكذلك في [اإليتاء] 8هنا ؛ إذ لو تم ما ذكره
ثانيا ال يثبت أو بداًل ،
لكان من فضله هنا مفعواًل ً
وكالهما ال [يصير] 9هنا فليتأمل.
"فضلة" وفيها داللة على [أن][ 10القيد] 11قد يأتي 12
للتعميم ال للتخصيص ؛ وذلك في قوله تعالى :
ضِل ِه} فإن كل آت فهو من فضله تعالى فلم يكن ِ
{م ْن فَ ْ
ضِل ِه} لتخصيص ما قوله ِ
{م ْن فَ ْ
_________
1في "ب" زيادة على.
2سقط من "ب".
3سقط من "ب".
4في "ب" زيادة إن.
5في "ب" أن.
6في "ب" زيادة مبتدأة
7في "ب" زيادة على.
8في "ب" األقبل.
9في "ب" يضر.
10سقط من "ب".
11في "ب" العبد.
12في "ب" زيادة على الكالم.
صفحة 399 | 358 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
حسدوا عليه بل لتعميمه وهو أبلغ في التشنيع عليهم ،
وفيه من التشنيع شيئان.
أحدهما :التعميم كما أشرنا إليه ،ومن ثم كان تعميم
الحسد -في كل نعمة أوتيها النبي صلى اهلل عليه وسلم
من النبوة والرسالة والنصرة [والتزوج] 1بتسع وغيرها
-أصح من القول بتخصيصه ببعضها لما يدل عليه المقام
من التشنيع الذي يتأتى مع التعميم وال يتأتى مع
التخصيص.
والثاني :تسفيه رأيهم بحسدهم المرء على ما ليس من
صنعه بل من عطاء اهلل وفضله الذي ال معترض ألحد
عليه.
[وبفهم] 2هذين الوجهين [نقول] : 3وفيها داللة على انه
قوله " :من فضله" يعم جميع النعم وال يختص بواحد مما
ذكره بعض من خصصه 4من المفسرين من التزوج
بتسع ونحو ذلك.
وفيها داللة بهذا الوجه على ما يقوله الحنفية من أن
الوصف [يعمم] 5اللفظ ،ومثلوا [لذلك] 6بقول القائل ال
أكلم إال رجاًل ،إذا كلم رجلين يحنث ،ولو قال :إال
كوفيا ،فكلم كوفيين أو أكثر لم يحنث ،وخرجوا
ً رجاًل
يوما" يكون
عليه لو قال " :ال واهلل ال أقربكما 7إال ً
واحدا وقد صرح القاضي الحسين ً يوما
المستثنى ً
بموافقتهم وخالفه الشاسي وهو الحق كما ذلك مقرر في
موضعه.
وفيها داللة أن 10من يلوم المرء على ما ليس من فعله
فهو مخطئ ؛ فدلت 11على
_________
1في "ب" الفرج.
2في "بط فيفهم.
3في "ب" بقوله.
4في "ب" زيادة.
5في "بط يعم.
6في "ب" ذلك.
7في "ب" أقربها.
8سقط من "ب".
9في "ب" أي عبيد.
10في "ب" زيادة :على.
11في "ب" قلت.
صفحة 399 | 359 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
أن من لم يجن ال يعاقب ،ومن لم يعقل ال يؤاخذ ،وتحت
ذلك [فروع] 1تخرج عن حد اإلحصاء.
وفيها داللة على ما تعدى إلى مفعولين من باب أعطيت
-وكل منهما مقصود في نفسه لم يحذف ؛ ألنه تعالى
ذكر لفظ اإليتاء المتعدي إلى مفعولين ،ومفعوليه في هذه
اآلية ثالث مراتب ؛ ألن الحال يقتضي ذكر المؤتى وهو
اهلل ،والموتى [وهو] 2الفضل العظيم الذي آتاه نبيه
محمد صلى اهلل عليه وسلم والكتاب والحكمة ،والذي
آتاه آل إبراهيم عليه السالم والملك العظيم الذي آتاهموه.
وفيها داللة على أن النبوة من فضل اهلل [وعطائه ألن
المراد يحسدون على النعم التي هي من فضل اهلل] 3ومن
أعظمها النبوة ،وفيها إشارة غلى أن المحسود ينبغي أن
يستحضر أنه لم يميز عن الحاسد إال بفضل اهلل والذي
أوتيه من فضل اهلل ال بحيله [وقوته] 4وإ ذا ضممت هذه
الفائدة -التي هي اإلشارة إلى مالحظة أن الفضل من
اهلل[ -إلى] الفائدتين السابقتين وهما التعميم وتسفيه رأيهم
صارت الفوائد [ثالثًا].5
وفيها داللة على أن ما يتلقى العبد من [النعيم] 6فهو من
فضل اهلل بال وجوب على اهلل [وال يستحق] 7العبد على
ربه شيًئا ؛ بل اهلل متفضل بعطائه فإن وهب فبفضله وإ ن
دامغا للمعتزلة.
برهانا ً
ً سلب فبعدله -فيصلح
وفيها داللة على أنه قد يحذف في الكالم أكثر من جملة
لن التقدير بل يحسدون الناس على ما آتاهم اهلل من فضله
؛ فلذلك ال يؤمنون وحسدهم سفه فقد آتينا آل إبراهيم إلى
آخره.
َّ ِ ِ
اض ِر ُبوهُ بَِب ْعضهَا َك َذل َك ُي ْحيِي اللهُ ونظيره{ : 8فَ ُقْلَنا ْ
اْل َم ْوتَى} قيل :تقديره -فضربوه فحيى فقلنا كذلك [-و]9
ين َك َّذُبوا بَِآَياتَِنا َِّ
قوله تعالى { :فَ ُقْلَنا ا ْذ َهَبا ِإلَى اْلقَ ْوِم الذ َ
اه ْم تَ ْد ِم ًيرا} قيل :تقديره فأتياهم [فأبلغا]10 فَ َد َّم ْرَن ُ
الرسالة فكذبوهما فدمرناهم.
ويمكن على رأي من يجعل التقدير أيحسدون -فيقدر بل
والهمزة أن يقدر صيغة
_________
1في "ب" فرع.
2في "ب" فهو.
3سقط من "ب" من أول :وعطائه من فضل اهلل.
4في "ب" قوة.
5في "ب" ثالثة.
6في "ب" النعم.
7في "ب" يستحق.
8في "ب" زيادة قوله .في "ب" سقط "الواو".
10في "ب" فأتاهم فبلغ.
صفحة 399 | 360 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
شرط ،والتقدير [بل ]1أيحسدون ،أن يحسدوا -فقد آتينا
،وتكون إلغاء جواب شرط محذوف.
وفيها 2على هذا التقدير -داللة على حذف جملة الشرط
ضي واإلتيان بالجواب على حد قوله تعالى ِ{ :إ َّن َأر ِ
ْ
ِ
ون} أي فإن لم يتأت إخالص العبادة اع ُب ُد ِ َواس َعةٌ فَِإ َّي َ
اي فَ ْ
لي في هذه البلدة فاعبدون في غيرها ،وله نظائر كثيرة
،وكذلك يدل على هذا قوله تعالى في هذه اآلية {فَ ِم ْنهُ ْم
َم ْن َآ َم َن بِ ِه} على ما سيأتي .وفيه -على ذلك التقدير-
داللة على مجيء "الفاء" للسببية على حد قوله تعالى :
ضى َعلَ ْيه} "ألن الوكز متقدم على
وسى فَقَ َ
{فَ َو َك َزهُ ُم َ
القضاء فقدم السبب على المسبب وإ يتاء آل إبراهيم -مع
عدم حسدهم لهم -متقدم على حسدهم النبي صلى اهلل
عليه وسلم والمؤمنين "قد" فيها داللة على هذا الوجه على
جواز التعليل بالوصف المركب ألنه تعالى جعل العلة
في سفههم مركبة من إتياء آل إبراهيم وعدم حسدهم.
وفيها داللة على مجيء "قد" لتقريب الماضي من الحال ،
تقول "قام زيد" فيحتمل الماضي البعيد والقريب ؛ فإذا
قلت " :قد قام" اختص بالقريب وكذلك قوله "فقد آتينا"
ألن المعنى عليه تقريب زمان إبراهيم ليستدل بهم فإن
االستدالل بالقريب أوضح من االستدالل بالبعيد.
وفيها داللة على مجيء "قد" للتحقيق نحو "قد يعلم ما أنتم
عليه" وأنكر قوم وزعموا أن "قد" في قوله تعالى { :قَ ْد
َي ْعلَ ُم} لتقليل متعلق الفعل أي " :ما أنتم عليه أقل
معلوماته".
وفيها داللة على االلتفات من الغيبة إلى الحضور ؛ ألنه
ضِل ِه فَقَ ْد َآتَْيَنا} ولم
اه ُم اللَّهُ ِم ْن فَ ْ
{علَى َما َآ تَ ُ
تعالى قال َ :
يقل :فقد آتى فقط.
وفيها داللة على جواز كون الوصف العدمي وهو عدم
حسدهم جزء من العلة المركبة.
"آتينا".
وفيها داللة على أن القياس حجة ؛ وذلك من قوله {فَقَ ْد
َآتَْيَنا} إلى آخره ؛ ألنه تعالى سفه نظرهم وقبح صنعهم
بالنظر إلى أن ال بدع فيما آتى نبيه من فضله ،ألنه
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" زيادة داللة.
صفحة 399 | 361 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
فرعا على
"تعالى قد" أتى آل إبراهيم عليه السالم ؛ فقاس ً
أصل بعلة جامعة وهي فضله سبحانه وتعالى.
وفيها داللة على أن تنقيح المناط حجة ألنه تعالى :لما
جعل العلة فضله وكرمه الذي له أن يضعه كيف شاء أيا
شاء لم يكن للمعترض أن يقول :فلم اختص هذا دوني.
وفيها داللة على أن قياس األولى حجة ؛ ألن النبي صلى
اهلل عليه وسلم أولى من آل إبراهيم والمعنى :إذا كنتم لم
تحسدوا أولئك فأولى وأجرى وأحرى أن ال تحسدوا من
هو أفضل منهم ؛ ألن الحسد يبغي أن ال يالقي من هو
أقرب إلى المرء ،وال شك أن النبي صلى اهلل عليه وسلم
أفضل ،فهو عنهم أبعد.
وفيها داللة على علم الجدل ؛ فإنه تعالى ناظرهم على ما
زعمته عقولهم الفاسدة وكأنه تعالى يقول " :إنهم
يحسدون امرًأ على فضل آتيناه ،ولم يكن بالبدع أن
نؤتي بعض خلقنا من فضلنا كما فعلنا بآل إبراهيم ،
فكيف بسيد خلقنا" صلى اهلل عليه وسلم.
وفيها داللة على أن المعارضة مقبولة ؛ ألنه تعالى
عارضهم بآل إبراهيم ورد عليهم بهم.
وفيها داللة على أن الكافر إذا ذكر شبهة وسأل إزاحتها
أجيب إلى ذلك وقد اختلف األصحاب في المرتد يذكر
شبهة هل تزاح أو نبادر بقتله على خالف معروف.
وفيها داللة على أنا نزيح شبهة الكافر المتعنت مع علمنا
بأن ذلك ال يفيده ؛ ألن هؤالء ليس الحامل لهم على الكفر
إال الحسد وهو أمر ال يزال بإماطة الشبهة ؛ وإ نما
يذكرون ونحن ندفع الشبهة وال نعبأ بعدم نفعها لم أوردها
قمعا له وألنها قد تنفع غيره ممن يطلب
؛ ألن فيها ً
الهداية.
"آل"
وفيها داللة على أن اآلل ال يضاف إال إلى مظهر كما
ادعاه الكسائي والنحاس والزبيدي ؛ وذلك ألنه كذلك وقع
،وألنه لم يقع في القرآن والسنة إال كذلك ؛ فمن ادعى
غيره فعليه الدليل ،وإ ن أتى به كما إذا ذكر قول الشاعر
:
[وانظر على آل الصليـ ـب وعابديه اليوم آلك]1
_________
1ما بين القوسين سقط من "أ" " ،ج".
صفحة 399 | 362 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
[وقوله 1] :
أنا الفارس الحامي حقيقة والدي وآلي كما تحمي حقيقة
آلكا
نقول :ما ذكرت ال يدل على أن الضيافة شيء بعاين
فلنقتصر على السماع ،وفيها داللة على أن ألف "آل"
بدل من هاء ،يكون بمعنى اآلل وتصغيره أهيل أو
األلف بدل من همزة ساكنة والهمزة ؛ بدل من هاء
فيكون اآلل واألهل سواء وهو ما ذكره الوالد رحمه اهلل
في شرح المنهاج أن في كالم 2الشافعي رضي اهلل عنه
ما يرشد إليه خالفًا لمن زعم أنه من آل يؤول إذا رجع
إليك في قراءة رأي أو مذهب ،وجعل أصله أول فانقلبت
واوه ألفًا ،وقال يصغر على أويل.
ووجه داللته على اآلل أنه لو كان من آل إذا رجع في
قراءة أو رأي أو مذهب ،ليعم كل من هو على ملة
إبراهيم ،وليس القصد إال أقارب إبراهيم الذين هم
أسالف المخاطبين الذين لم يسحدوهم ؛ وإ ال فلو أريد كل
من دان بدينه لدحل فيهم المحسودون ،فلم يتم الرد
عليهم.
وفيها داللة على أن آل المرء ال يطلق على من لم يدن
بدينه ؛ وإ نما يطلق على من دان بدينه ويدل على ذلك
ب ِإ َّن
{ر ِّ
قوله تعالى في جواب قول نوح عليه السالم َ :
َأهِلي} ...قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عملْابنِي ِم ْن ْ
غير صالح".
وهذا بعد تقدير أن األهل مرادف لآلل كما قدمنا أن الولد
ذكر أن لفظ 3الشافعي رضي اهلل عنه يرشد إليه.
لكن هنا سؤال عظيم وإ شكال جسيم وهو أن داللة قوله
َأهِل َك} ؛ على أن من لم يدن بدين
تعالى ِ{ :إَّنهُ َل ْي َس ِم ْن ْ
امرئ ال يكون من أهله معارضة بداللة قوله تعالى في
ام َرَأتَ َك} ؛ َأهلَ َك ِإاَّل امرأة لوط عليه السالم {ِإَّنا ُمَن ُّج َ
وك َو ْ
ْ
على أن امرأة الكافر أهل الستثنائها من األهل وليس
منقطعا ؛ فليقع البحث في حل هذه اإلشكال.
ً االستثناء
وعندي فيه جواب دقيق ،ولكن في ذكره خروج عن
[آية] 4الدرس فلنرجع إلى ما نحن بصدده ،فنقول :وإ ذا
كان لفظ "اآلل" ال يطلق على من يدين بدين المرء سواء
_________
1سقط من "أ" " ،ب".
2في "ب" زيادة :اإلمام.
3في "ب" زيادة :اإلمام.
4في "ب" لغة.
صفحة 399 | 363 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
اشترط مع ذلك أن يكون قرابته أو لم يشترط فال يطلق
آل النبي صلى اهلل عليه وسلم إال على المؤمنين من بني
هاشم وبني المطلب أو من األمة على اختالف القولين
من آله منهم ،واألصح عند أصحابنا أنهم بنو هاشم وبنو
المطلب ؛ فعلى هذا يؤخذ من اآلية أنهم مؤمنوا القبيلتين
ال كل القبيلتين ،ولم نر من خصهم بالمؤمنين ممن قال
أن اآلل القبيلتان.
اب اه ِ ووجه الداللة أنه تعالى ذكر {َآ تَْيَنا َآ َل ِإ ْبر ِ
يم اْلكتَ َ
َ َ
َواْل ِح ْك َمةَ} والمؤتون ذينك مؤمنون ؛ فدل على اختصاص
"اآلل" بالمؤمنين وال يلزم إطالق العام -وهو على العام
بإضافته إلى إبراهيم وإ رادة الخاص ويدل على
َّ
آد َم
طفَى َ أيضا قوله تعالى ِ{ :إ َّن اللهَ ْ
اص َ االختصاص ً
ين} وقوله ِ اهيم و َ ِ
آل ِإ ْبر ِ
ان َعلَى اْل َعالَم َ
آل ع ْم َر َ َ َ وحا َو َ َ
َوُن ً
صلى اهلل عليه وسلم " :اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد" ؛ وإ نما دعا للمؤمنين وقول الشاعر.
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
فلو عم آله غير المؤمنين لدخلوا فيمن ينصر عليهم.
ثم هم داخلون فيمن [ينصر][ 1عليهم] 2؛ فكان يلزم أن
يؤمن بأن ينصرهم وبأن ال ينصرهم وهو محال.
وإ ذا ثبت االختصاص بنينا عليه مسألة أخرى فنقول :
وفيها داللة على أن المرء إذا أوصى آلله اختص
بمؤمنيهم وهو وجه حكاه ابن الرفعة في "الكفاية" ،وقد
صحح األصحاب صحة وصية المرء آلله ؛ ألن له
أصاًل في الشرع.
ثم قال األستاذ أبو منصور البغدادي :يحتمل أن يكون
كالوصية للقرابة ،ويحتمل تفويضه إلى اجتهاد الحاكم.
فإن كان هناك وصي ؛ فهل يعتبر رأيه أو رأي الحاكم
وجهان حكاهما اإلمام.
ورأى الرافعي والنووي :يجري مراد الوصي فإن لم
يعثر عليه نظر إلى الوضع واالستعمال.
قال ابن الرفعة " :وذلك ال ينافيه الرجوع إلى اجتهاد
الحاكم أو الوصي".
وهل لفظ اآلل واألهل سواء ؟
أما من حيث اللغة ففيه ما قدمناه ،والفقهاء حكوا فيمن
أولى ألهل زيد وجهين.
أحدهما :الحمل على الزوجة خاصة.
_________
1في "ب" ينصرهم.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 364 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
والثاني :على كل من تلزمه نفقته قاله الرافعي ،وقال
الماوردي " :أهل الزوجة قرابة" في دخول الزوجة
والزوجة معهم وجهان.
فإذا ثبت ترادف األهل واآلل -كما قدمناه عن الوالد عن
إرشاد لفظ الشافعي رحمه اهلل -حصل في الوصية لآلل
وجوه قرابة " ،والقرابة غير الزوجين -والزوجة
خاصة" ،ومن يلزمه نفقته ،ومن دان بدينه والرد إلى
اجتهاد الحاكم أو الوصي.
"إبراهيم" :
وفيها داللة أن العلم ال يمنع وقوعه في القرآن كونه
أعجميا ؛ فإن لفظ إبراهيم أعجمي ،التفاق [النحاة]1
ً
على [أن] 2صرفه ممتنع للعلمية والعجمة :وقد ورد.
وفيها داللة على أن ما يطلقه المنطقيون -من قولهم :
القضيتان المطللقتات ال يتناقضان ألن شرط التناقض
اتحاد [المحمول] ، 3والموضوع والزمان والمكان
والقوة والفعل واإلضافة والكلية والجزئية ليس على
إطالقه ؛ بل [المعنى] 4به "ال يتناقضان من حيث أنهما
مطلقتان "وقد يتناقضان" يعارض تقرير ذلك أن قوله :
يحسدون النبي صلى اهلل عليه وسلم قضية مطلقة وال
يحسدون آل إبراهيم قضية مطلقة ولم يتحد المحمول
فيهما ؛ ألنه في األول النبي صلى اهلل عليه وسلم ،وفي
الثانية إلى إبراهيم عليهم السالم ؛ فلو كانا ال يتناقضان
مطلقًا لما توجه الرد عليهم بعدم حسد آل إبراهيم ؛ وإ نما
توجه لن المقتضى للحسد قائم في آل إبراهيم كقيامه
فيمن حسدوه ؛ بل أن يحسدوا آل إبراهيم أقرب من أن
يحسدوا آل النبي صلى اهلل عليه وسلم ؛ ألن النبي صلى
مقاما ؛ فهو عنهم أبعد من آل
اهلل عليه وسلم أعلى ً
إبراهيم وإ ن اشتركوا في البعد وحسد المؤمن هو أفحش
من حسده وليس بأبعد ؛ فلذلك نقضت السالبة الجزئية
الموجبة للجزئية في اللفظ ،وليس ذلك من نفس اللفظ بل
بضميمة قياس األولى أو المساواة فليتأمل.
وفيها داللة على أن الحكم باألولى قياس ال مفهوم ،إذ لو
مفهوما لكانت داللته لفظزية عند من يجعل داللة
ً كان
المفاهيم لفظية ،ولو كانت لفظية لزم أن تنقض إحدى
ظا وال سبيل إلى ذلك ،
القضيتين المطلقتين األخرى لف ً
أيضا إلى
وأن ال يحصل نقض دعواهم بقياس وال سبيل ً
ذلك ؛ فتعين أن يقال :نقضت دعواهم بقياس المحسود
.5
_________
1سقط في "ب".
2سقط من "ب".
3في "ب" المجموع.
4في "أ" المعين ،والمثبت من "ب".
5في "ب" المحمود.
صفحة 399 | 365 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
على من لم يحسد لالشتراك في العلة الجامعة ؛ وذلك هو
القياس.
وفيها داللة على أن السبر [والتقسيم] 1حجة ؛ ألن
المعنى هؤالء ناؤون عن الحق ،والنائي عن الحق نائ
نصيبا من الملك أو أنه حاسد ؛ لكن األول
ً إما عن أن له
منتف ؛ إذ لم يكونوا ملو ًكا ،فتعين الثاني ،وهذا معنى
بديع يحسن أن يستدل به على أن المعنى تام ،بل دون
استفهام ؛ فالمعنى بل يحسدون ال بل أيحسدون.
وفيها داللة على الطب والتداوي ؛ ألنه تعالى أرشدهم
حيث حسدوا النبي صلى اهلل عليه وسلم أو جميع
المؤمنين -إلى اعتبار حالهم بحال النبي إبراهيم وإ نهم لم
يحسدوا أولئك فكيف يحسدون هؤالء ليزول عنهم مرض
القلب الذي هو الحسد [ ،فدل] 2أنه إذا اعترى وجوب
التداوي منه ،وبدني والتداوي فيه مشروع ؟ وهل يجب
؟ فيه خالف معروف.
"الكتاب" :
وفيها داللة على أن العهد ال يقدم على الجنس ،وقد حكي
اإلجماع على خالفه ،واألرجح عندي أنه من أماكن
الخالف ،وقد رأيت من صرح باالخالف فيه وهذه اآلية
تدل عليه.
وتقريره :أن األلف والالم في الكتاب ليس للعهد ؛ ألن
الذي يعهدونه التوارة ،والذي أوتيه آل إبراهيم [صحف
إبراهيم] 4؛ فدل على أن األلف والالم -في الكتاب-
للجنس دون العهد ،وإ ذا أطلقت وأريد الجنس كان حقيقة
دفعا لالشتراك ؛ فال يقدم عليه غيره.
فيه دون غيره ً
وفيها :داللة على أن الواو تقتضي الترتيب ؛ ألن [إيتاء]
متراخيا عن إتياء الكتاب وقد عطفه
ً 5الحكمة لم يكن
عليه بحرف الواو.
"والحكمة" :
وفيها داللة على أن الخير يطلق على غير المال ،وليس
{وِإ َّنهُ
كما في قوله تعالى َ :
_________
1في "ب" التعميم.
2في "ب" زيادة :على.
3في "ب" يشرع.
4سقط من "ب".
5في "ب" أتينا.
صفحة 399 | 366 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ب اْل َخ ْي ِر لَ َش ِديد} وقوله تعالى ِ{ :إ ْن تََر َك َخ ْي ًرا}.
ِل ُح ِّ
فإن المراد فيهما بالخير المال ،وهذه اآلية دالة على أنه
يطلق على غيره كما دل على ذلك قوله تعالى :
يم ُانهَا لَ ْم تَ ُك ْن {يوم يْأتِي بعض َآي ِ
ات َرِّب َك اَل َي ْنفَع َن ْف ًسا ِإ
َ ُ َْ َ َ َ ْ ُ َ
يمانِهَا َخ ْي ًرا} ؛ فإن المراد َ
ت ِفي ِإ ْ ب
َ سكَ
ْ َ َأو ل
ُ ب
ْ ق
َ ن
ْ تِ
م َآ َمَن ْ
قطعا غير المال ؛ وإ نما أخذنا بالداللة بالخير المكتسب ً
في هذه اآلية على ما ذكرناه من قوله "والحكمة".
وتقريره أنه تعالى ذكر أنه آتى آل إبراهيم الكتاب
أحدا لم
والحكمة وأراد بالحكمة شيًئا غير المال ؛ فإن ً
يذكر في تفسير الحكمة أنها المال ؛ بل "إما" أنها علم
الباطن أو غيره مما ذكر في تفسيرها.
فنقول :بعض الخير حكمة ،والحكمة ليست بمال ؛ إذ ال
شيء من الحكمة بمال ،ينتج "بعض الخير ليس بمال".
ِ
{يْؤ تِي اْلح ْك َمةَ َم ْن َي َش ُ
اء بيان الصغرى :قوله تعالى ُ :
ت اْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد ُأوتِ َي َخ ْي ًرا َكثِ ًيرا} دل على أن
َو َم ْن ُيْؤ َ
كثيرا.
خيرا ًالحكمة خير كثير وأن من أوتيها فقد أوتي ً
يم ِإ ِ
وبيان الكبرى :قوله تعالى { :فَقَ ْد َآتَْيَنا َآ َل ْب َراه َ
اب َواْل ِح ْك َمةَ}. ِ
اْلكتَ َ
وقد اعتبر بعضهم لفظ الخير في القرآن ؛ فذكر أنه ورد
{َأن ُيَن َّز َل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن َخ ْي ٍر ِم ْن فيه بمعنى القرآن نفسه ْ
{نْأ ِت بِ َخ ْي ٍر ِم ْنهَا} ،وبمعنى المال َرِّب ُك ْم} وبمعنى األنفع َ :
{ِإ ْن تََر َك َخ ْي ًرا} وضد الشـ {بَِي ِد َك اْل َخ ْير} واإلصالح :
ت ِم َن اْل َخ ْي ِر} ،واإليمان ون ِإلَى اْل َخ ْير} { ،اَل ْستَ ْكثَْر ُ {ي ْد ُع َ
َ
{ولَ ْو َعِل َم اللَّهُ ِفي ِه ْم َخ ْي ًرا} ،ورخص األسعار ِ{ :إِّني َ :
{و َْأو َح ْيَنا ِإلَ ْي ِه ْم ِف ْع َل ِ
ََأرا ُك ْم ب َخ ْي ٍر} ،والنوافل َ :
ت
{و َْأن َ : واألفضل ر} ي
ْ خ
َ ا يه ات} ،واألجر {لَ ُكم ِ
ف اْل َخ ْير ِ
َ ْ َ َ
ات ون َواْل ُمْؤ ِمَن ُ ظ َّن اْل ُمْؤ ِم ُن َ اح ِمين} ،والعفة { َ الر ِ
َخ ْي ُر َّ
بِ َْأنفُ ِس ِه ْم َخ ْي ًرا} والصالح ِ{ :إ ْن َعِل ْمتُ ْم ِفي ِه ْم َخ ْي ًرا}
ت ِإلَ َّي ِم ْن َخ ْي ٍر فَِق ٌير} ،والظفر : والطعام ِ{ :إِّني ِل َما َْأن َزْل َ
ب اْل َخ ْي ِر} ، ت ُح َّ {لَ ْم َيَنالُوا َخ ْي ًرا} والخيل {ِإِّني ْ
َأحَب ْب ُ
{حتَّى تَ ْخ ُر َج ِإلَ ْي ِه ْم {َأه ْم َخ ْير} وحسن األدب َ والقوة ُ :
يد}. ب اْل َخ ْي ِر لَ َش ِد ٌ
ان َخ ْي ًرا لَهُ ْم} ،والدنيا {ِإَّنهُ ِل ُح ِّ
َل َك َ
صفحة 399 | 367 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وآتينا"
وفيها داللة على أن العامل إذا أعيد لفظه مع حرف
العطف دل على كمال االنقطاع بينه وبين المعطوف
عليه ،وإ ذا لم يعد على كمال [االتصال] 1؛ ألنه عطف
ظا ثم عطف
الحكمة على الكتاب ولم يكرر العامل لف ً
ثانيا ؛ وذلك
الملك العظيم على الحكمة وأتى بلفظ آتينا ً
ألن الحكمة شديدة االرتباط بالكتاب -فإنه إما أعم منه أو
بمعنى قريب منه إذا قيل أنها العلم.
وقيل :إنها علم الباطن والكتاب علم الظاهر فكأنه قال :
مباينا لذينك
ثانيا ً
آتيناهم الحقيقة والشريعة وآتيناهم شيًئا ً
األمرين وهو الملك العظيم وهذا سواء جعلنا العامل في
المعطول هو العامل في المعطوف عليه -انصب عليهما
واحدا -أو غيره.
ً انصبابا
ً
واألصل في هذه القاعدة قول أستاذ الصناعة سيبويه
رحمه اهلل في مررت يزيد وعمرو إنه مرور واحد -
وفي مررت بزيد وبعمرو إنه مروران .وهذا معنى
لطيف تظهر به الحكمة والسر البديع في اآلية.
"هم" :
وفيها داللة على أن عود الضمير خاص ال يقتضي
اه ْم ُمْل ًكا} عائد على
التخصيص ؛ ألن الضمير في {َآ تَْيَن ُ
بعضهم ؛ وإ نما صح إطالقه على كلهم بالتقدير الذيء
أحدا لم يقل إنه
ذكرناه آنفًا ومع ذلك لم تخصص ؛ ألن ً
أراد بعض آل إبراهيم وإ نما أراد الكل ودل عليه أن الكل
أوتوا الكتاب والحكمة.
"مل ًكا" :
وفيها داللة على أن التنكير قد يأتي للتعظيم إذ ذكر مل ًكا
في سياق التعظيم ووصفه بالعظمة ،وفيها داللة على أن
الجمع إذا قوبل بمفرد صح مع كونه المفرد لبعض أفراد
ذلك الجمع إذا كانت آحاد الجمع من جنس واحد ؛ فإن
قلت أعطيت بني تميم دراهم صدق ،وإ ن كنت إنما
أعطيت بعضهم لكونهم من قبيلة واحدة وذلك من قوله :
مل ًكا فإنه تعالى ذكر أنه آتى آل إبراهيم مل ًكا ؛ وإ نما
أوتي الملك بعض آل إبراهيم ال كلهم عن ابن عباس
رضي اهلل عنهما أنه ملك يوسف وداود وسليمان عليهم
من اهلل صالة ورحمة ؛ بخالف الكتاب
_________
1في "ب" االنقطاع.
صفحة 399 | 368 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
والحكمة فإن كاًل منهم أوتيها وإ ن تفاوتت مقاديرهم على
كل منهم سالم من اهلل وتحية مباركة وفي مقابلة الجمع
بالفرد بحث لسنا له اآلن.
وفيها على هذا التقدير داللة على أن صبغة العموم تطلق
ويراد به العموم وإ رادته مع إرادة ظاهرة وإ طالقه
وإ رادة الخصوص مجاز معروف أما إطالقه وإ رادته مع
إرادة بعضه وقطع النظر عنه ؛ فقد يظن تنافيهما وليس
كذلك ؛ بل إنما يتنافيان إذا اتحدت جهتهما فإن قلت قام
الرجل وأكرمتهم صح ،وإ ن كنت إنما أكرمت البعض
وهذا من قوله مل ًكا بعد الكتاب والحكمة كلهم الختصاص
الملك العظيم ببعضهم وشمول الكتاب والحكمة كلهم فقد
اجتمع العموم والخصوص بصيغة اآلل ولكن بجهتين.
وفيها داللة على وجوب لفظ عام لم يتطرق إليه
التخصيص ؛ وذلك آل إبراهيم آتينا الكتاب والحكمة ،
وقد زعم بعضهم أنه لم يوجد إال في صفات اهلل تعالى لما
يريد اهلل على كل شيء قدير ونحوها.
وفيها داللة على أن العام بمعنى المدح عام ؛ إذ اآلية
مسوقة لذلك ولم يبطل العموم بل لم يتطرق إليه
التخصيص كما عرفت.
"عظيما" :
ً
وفيها داللة على أن لفظ "عظيم" يطلق على غير اهلل وهو
يما} وقد حكي الخالف فيه ِ
{مْل ًكا َعظ ً
واضح من قوله ُ :
عن القاضي [أبي بكر].1
"فمنهم" :وفيها داللة على مجيء "من" للتبعيض ؛ إذا
هي في قوله " ،فمنهم" وهي كذلك.
"من أمن" .وفيها داللة على أنه ال وساطة بين اإليمان
والكفر ؛ ألنه [تعالى] 2قسم الناس إلى قسمين -مؤمن
وصاد -فأوقع 3العموم على خصوصين ؛ فدل أن ال
ثالث واإللزم إما [إطالق] 4العموم وإ رادة الخصوص
وهو مجاز وإ ما عدم استيعاب األفراد مع إرادة
اإلستيعاب وهو محال.
_________
1في "ب" أبا بكر.
2في "ب" يقال.
3في "ب" وصادق فيما وقع.
4في "ب" لمطلق.
صفحة 399 | 369 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وفيها داللة على أن اإليمان التصديق كما يقول اإلمام أبو
حنيفة واألشعري [رحمهما اهلل] 1؛ ألن اهلل تعالى قابل
المؤمنين به ،وهو المقيد بالصاد عنه ؛ فدل على أنه
بتصديقه يحصل له كونه مقاباًل للصاد وهو ايمان.
وفيها داللة على أنه إذا تعارض في علم البديع مراعاة
أمر لفظي وأمر معنوي فالمعنوي أولى ،وذلك من قوله
" :آمن به" فإن عدوله عن لفظ "صدق" وإ ن كان "آمن"
في اللغة بمعناه -إلى "آمن" مع ما في صدق من مجانسة
"صد" إنما كان مراعاة لمعنى "آمن" ؛ فإن المراد اإليمان
الشرعي وذلك يستفاد من لفظ "آمن" وال يستفاد من لفظ
"صدق".
َأح َس َن
ون ْون َب ْعاًل َوتَ َذ ُر َ
ونظير اآلية قوله تعالى َ{ :أتَ ْد ُع َ
ين} ولم يقل وتدعون أحسن الخالقين -وإ ن حصل ِِ
اْل َخالق َ
متطلعا
ً الجناس اللفظي -ألن معناه "ودع" تكر الشيء
إليه ،بخالف "يذر" فإن معناه يترك غير ملتفت ،ومعنى
َأح َس َن اْل َخ ِال ِقين} تتركون "أحسن الخالقين" ربكم
ون ْ{تَ َذ ُر َ
غير ملتفتين إليه وال متعلقي القلب به البتة.
"به" :وفيها داللة على مجيء القرآن بلغة تميم ؛ وذلك
ألن الهاء في "ب" هاء وليست كسرة وغير الحجازيين
يكسرونها ويشبعون حركتها -والحالة هذه -وبذلك
جاءت القراءة وأما الحجازيون ؛ فإنهم يضمون هاء
الغائب مطلقًا ويقولون :ضربته وبه وإ ليه.
وفيها داللة على أن الواو تأتي للتقسيم ؛ ألنها في قوله
"ومنهم من صد عنه" كذلك كما في قولك الكلمة اسم
وفعل وحرف وقد أثبت ورودها للتقسيم ابن مالك في
التحفة وأنكروه عليه.
"من" :وفيها داللة على أن الصاد منهم -وأنه مسخه اهلل
ونقله من البشرية إلى [الفردية]- 2يطلق لفظ من عليه ،
وهذا استنباط حسن "فإن" "من" لمن يعقل -هكذا أطلق
أهل اللسان -فهل نقول :إذا خرج عن العقل بخروجه
استصحابا لذلك الحال
ً عن اإلنسانية يطلق عليه لفظ "من"
ألنه اآلن ال يعقل.
هذا موضع نظر واحتمال -واآلية تدل على األول -ألن
الصاد عنه مسخ لكنه ليس كل من صد مسخ ،فال
صراحة فيها على المطلوب فليس يلزم من جواز
استعمال "من".
_________
1سقط من "ب".
2في "ب" القرودية.
صفحة 399 | 370 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
في من لم يمسخ ومن مسخ جوازه في من مسخ فقط ،
فإن الجواز في األول قد يكون للتغليب.
"صد" :وفيه داللة على أن الكفر والدعاء إلى الكفر
{و ِم ْنهُ ْم َم ْن
سواء في أن كاًل منهما كفر .وهذا من قوله َ :
الزما بمعنى االنصراف ص َّد َع ْنهُ} "فإن صد" يستعمل ً
َ
واالمتناع بقوله :صد فالن عن كذا أي انصرف عنه ،
ين َكفَروا وص ُّدوا َع ْن سبِ ِ
يل َِّ
َ ومنه "ويصدون عنك" {الذ َ ُ َ َ
ومتعديا بمنع الصرف والمنع الذي يطاوعه
ً اللَّه}
ص ُّدَّن َك
{واَل َي ُ
االنصراف واالمتناع ومنه قوله تعالى َ :
ات اللَّ ِه} الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام ع ْن َآ ي ِ
َ َ
فذكر تعالى أن من صد مقابل لمن آمن.
الزما بمعنى أعرض
ونظير "صد صدف" يستعمل ً
ظلَ ُم
ومتعديا بمعنى صدف غيره قال 1تعالى { :فَ َم ْن َأ ْ ً
ِ َّ ِ َّ ِ
ف َع ْنهَا} اآلية ،واآلية ب بَِآَيات الله َو َ
ص َد َ م َّم ْن َكذ َ
محتملة لهما كما أن هذه اآلية محتملة لهما فقد يقال :إنه
-أعني صد وصدف -أطلق على اآليتين ليدل على
األمرين.
متعديا حذف
ً أو يقال :المراد الالزم ؛ إذ يلزم من جعله
المفعول واألصل عدمه ،وبدليل قراءة من بناه للمفعول
ص َّد" لوكنا نقول ال تنافي بينهما ؛ فأمكن الحمل
فقرأ َ"و ُ
جميعا ،وهل يكون المراد القدر المشترك بينهما
ً عليهما
أو كل واحد منهما ؟ هذا فيه بحث.
وفيها داللة -بتقدير أن المراد كل منهما على استعمال
اللفظ في معنيين فإن "صد" -على هذا التقدير -مشترك
معا وهل هما متضادان أو
بين الالزم والمتعدي وأريدا ً
ال ؟ واألظهر عدم التضاد ،وبتقدير أن يكونا متضادين
فنقول :
وفيها داللة على أنه ال يشترط في استعمال اللفظ في
معنيين عند من يستعمله أن ال يتضادا بل يجوز كونهما
متضادين وهو المشهور من إطالق المتقدمين ولكن ذكر
اإلمام الرازي خالفه.
وفيها داللة على أن القائل إذا قال :هذا الدار بعضها
لزيد وبعضها لعمرو ال تقسم بينهما نصفين بل يكون
مجماًل ويرجع إلى تفسيره ،وهو أحد الوجهين.
_________
1في "ب" :قال اهلل تعالى.
صفحة 399 | 371 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ووجهه أن معنى الكالم :أهل الكتاب منهم من آمن به
ومنهم من صد عنه ،أو بنو إسرائيل منهم من آمن
بالكتاب ومنهم من صد عنه .ومعنى "منهم" بعضهم ألن
من فيه للتبعيض ،ثم الصاد منهم عن أكثر من المؤمن
تصَ الن ِ
اس َولَ ْو َح َر ْ {و َما َأ ْكثَُر َّ
بدليل قوله تعالى َ :
ِ
ين} ؛ فإن مؤمني أهل الكتاب أقل من غيرهم ،فدل بِ ُمْؤ ِمن َ
على أنه قد يقال هذه الجملة بعضها لزيد وبعضها لعمرو
ثم يكون أحد البعضين أكثر من اآلخر فال بد من البيان.
وبهذا يتطرق إلى منازعة من قال :أنت طالق ثالثًا
بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وهي من ذوات اإلقراء
-أن يحمل على التشطير [فيكون] 1حصة الحال طلقة
ونصف طلقة ثم يكمل النصف فيقع في الحال طلقتان فإذا
صارت إلى الحال األخرى وقعت الثالثة وهذا هو
المنصوص الذي صححه الرافعي والنووي.
قال الرافعي :ووجهه بأن لفظ البعض إذا أضيف إلى
جهتين بلفظ البعض لزمت التسوية ؛ أال ترى أنه إذا قال
:هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو يحمل على
التشطير.
ثم لما حكى الوجه اآلخر القائل بأنه ال يقع في الحال إال
واحدة قال :إن قائله ال يكاد يسلم مسألة اإلقرار ويقول
بأنه مجمل يرجع إليه فيه قلت :مسألة الدار فيها وجهان
في باب اإلقرار "فإن قلنا باإلجمال فكذلك وإ ن قلنا
بالتسوية فيحتمل أنيقال بها هاهنا وهو ما دل عليه كالم
الرافعي ؛ حيث قال :إن قائل التسوية -هنا -ال يكاد
يسلم مسألة اإلقرار" 2ويحتمل وهو األقرب عندي وقد
تقدم الكالم عليه عند البحث في 3فيقال قوله :أنت طالق
ثالثًا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة" .جملتان مستقلتان
وقعت الجملة الثانية -وهي قوله :بعضهن للسنة
وبعضهن للبدعة" 4موقع التفسير للجملة األولى.
والحكم فيها أن بعض بدل الطلقات للسنة وبعضها للبدعة
،وال يتعين أن ال يكون بعض ثالث ال للسنة وال للبدعة ؛
واحدا ال للسنة وال للبدعة ،لكن لما
بل يجوزأن يكون ً
كان هذا الكالم إنما يقال لمن لها سنة و[ال] 5بدعة علم
أن المراد أن جميع الثالث بعضها للسنة وبعضها
للبدعة.
_________
1في "ب" يكون.
2سقط في "أ" والمثبت في "ب".
3بياض في األصل.
4سقط في "أ" والمثبت في "ب".
5سقط في "ب".
صفحة 399 | 372 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
"واهلل [تعالى] 1أعلم".
وفيه داللة على أنه إذا قال :هذا الدار بعضها لزيد
وبعضها لعمرو تعين انقسامها بينهما وال يعدوهما ،
وهذا بعد ثبوت أنها وساطة بين اإليمان والكفر وقد
قررناه من اآلية فيما مضى ؛ فإذا ثبت بنينا عليه أن ال
ثالث في مسألة اإلقرار إذا ال ثالث في قوله :فمنهم من
آمن ومنهم من صد عنه.
وفيها داللة على صحة إطالق بعض الشيء على أكثره
ألن من صد أكثر ممن آمن وقد أطلق عليه لفظ "من"
التي للتبعيض.
وفيها داللة على صحة عود الضمير على غير المتحدث
عنه ؛ ألن المتحدث عنه آل إبراهيم وقد عاد إلى
{َأو
المضاف إليه دون المضاف كما في قوله تعالى ْ :
َل ْح َم ِخ ْن ِز ٍ
ير فَِإ َّنهُ ِر ْج ٌس} على قول من يجعل الضمير
عائدا على الخنزير ال على لحم الخنزير.
ً
قاصرا مرة
ً "عنه" :وفيها داللة على الفعل قد يأتي
ومتعديا بنفسه إلى واحد مرة ،وإ لى اثنين أخرى ،وهو
ً
نوع غريب يقل نظيره وذلك ألن "كفى"فعل ال اسم فعل
على الصحيح ،وقد تعدى هنا إلى واحد محذوف تقديره
سعيرا أو مذكور وهو "بجهنم" عند من
وكافئهم بجهنم ً
مضمرا وهو "هو" والماء غير زائدة ،
ً يجعل فاعل "كفى"
وبجهنم في موضع نصب على المفعولية ؛ ولكن األصح
األول ،وإ ن فاعله اسم اهلل ،والباء زائدة -ال تتعلق
بشيء.
والحاصل أن "كفى" لم تتعد هنا إال إلى واحد محذوف
مقدر أو ملفوظ.
ويمكن أن يقال :أنه قاصر ،وهو األظهر عندي ؛ إذ
"كفى" هنا بمعنى حسب وال تكون كذلك إال قاصرة.
ويتعدى في آية أخرى إلى المفعولين صريحين وهو قوله
يم}. َّميع اْلعِ
ل تعالى { :فَسي ْك ِفي َكهم اللَّه و ُهو الس ِ
ُ َ ُ ُُ ُ َ َ ََ
{و َكفَى
قال شيخنا أبو حيان رحمه اهلل في قوله تعالى َ :
بِاللَّ ِه َح ِس ًيبا} أن كفى هنا متعدية لواحد محذوف " ،وفي"
فسيكفيكهم إلى اثنين.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 373 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
{و َكفَى بِاللَّ ِه َح ِس ًيبا} متعدية لواحد ؛ فقد
فأما دعواه في َ
ذكرنا أن األظهر عندنا قصورها.
ثم رأيت في كالم نحوي هذا العصر -الشيخ جمال الدين
بن هشام رحمه اهلل تعالى -ما نصه " :كفى في العربية
على ثالثة أقسام :قاصرة ،ومتعدية لواحد ،ومتعدية
الثنين.
فالقاصرة :هي التي بمعنى حسب ،والغالب على فاعلها
{و َكفَى بِاللَّ ِه َوِلًّيا َو َكفَى بِاللَّ ِه
أن يقترن بالباء ،ونحوه َ :
َن ِ
ص ًيرا} وقد تتجرد منه كقوله :
ويخبرني عن غائب المرء هديه كفى الهدى عما غيب
مخبرا
المرء ً
وال تختص هذه بصيغة الماضي فتكون جامدة جمود
تبارك ونحوه -كما كان خطر لي -ثم رأيت في التنزيل
ف بِ َرِّب َك ََّأنهُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِه ٌ
يد}. {َأولَم ي ْك ِ
َ َْ
والمتعدية لواحد :هي التي بمعنى قنع يقنع كقوله تعالى
َأن ي ِم َّد ُكم رُّب ُكم بِثَاَل ثَ ِة َآ اَل ٍ
ف} وقوله الشاعر م ك
ُ ي َ{ :ألَ ْن ي ْك ِ
ف
َْ ْ ُ ْ َ ْ َ
:
قليل منك يكفيني ولكن قليلك ال يقال له قليل
{و َكفَى
والمتعدية الثنين :هي التي بمعنى وفي نحو َ :
ال} ،ونحو {فَ َسَي ْك ِفي َكهُ ُم اللَّهُ} وهاتان ال
ين اْل ِقتَ َِ َّ
اللهُ اْل ُمْؤ ِمن َ
تدخل الباء على فاعلهما.
انتهى.
وهو كالم متين ال غبار عليه ،وهو شاهد لما اخترته.
قياسا
وفيها داللة على أن الفضلة ال تحذف ما لم تصر ً
أبدا كما يقول النحاة بل قد يصير حذفها صناعة.
ً
ثم يتعين ذكرها إما الهتمام أو نحوه ،أو حذفها إما
الستحقار أو غيره ،وقد يستوي األمران.
{َأم
ووجه الداللة أنه تعالى صرح بالناس في قوله ْ :
يم} ِإ ِ ون َّ
الناس} وبآل إبراهيم في {فَقَ ْد َآ تَْيَنا َآ َل ْب َراه َ َي ْح ُس ُد َ
فصرح بالمفعول.
{و َكفَى بِ َجهََّن َم َس ِع ًيرا} استخفافًا
وحذفه في قوله تعالى َ :
واستحقارا لهم
ً بالكفار
صفحة 399 | 374 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
وهذا سر لطيف يتبين به الحكم في التصريح بالمفعول
وحذفه ،وهو سر خفي الحمد هلل على التوفيق لفهمه ،
وعليه تنبي مسألة أخرى.
فنقول :وفيها داللة على ترجيح المذهب المختار الذي
قدمناه من أن اهلل فاعل "كفى" والباء زائدة ألن فيه حذفًا
للمفعول ،وحذفه هنا كما قررناه -متعين لالستخفاف
بالكفار.
[مضمنا] 1وبجهنم مفعوله يلزمه
ً ومن جعل فاعل "كفى"
أن يكون المفعول هنا قد صرح به ،وقد قلنا :إن ذلك ال
يقتضيه هذا المقام فكان الوجه األول أرجح.
وهذا استنباط لطيف لوال انضمام فهم علم [المعاني]2
إلى دقيق العربية -مع إرشاد اهلل وتوفيقه -لما أطلعنا
عليه.
وفيها داللة على جواز المقدمة الكبرى من مقدمتي
القياس عند العلم بها ؛ ألن المعنى هكذا "هؤالء" يصدون
سعيرا له تصاله "ينتج" هؤالء
،كل صاد كفى بجهنم ً
سعيرا لهم.
كفى بجهنم ً
وفيها داللة على أن العكس شرط في صحة العلل ألن
سعيرا لمن صد دون من لم يصد
المعنى "كفى" بجهنم ً
سعيرا وحيث انتفى انتفى
وحيث كان صد كفى بجهنم ً
هذا.
وهذا هو العكس الذي اشترط 3الشافعي ومتقدموا
أصحابه في العلة ،وبخالفهم أبو حنيفة وطائفة.
وفيها داللة على أن ما ثبت ألحد المتقابلين ثبت ضده
لمقابله ألنه تعالى لم يذكر ثواب المؤمن به بل اقتصر
على جزاء الصاد عنه ؛ فدل على أن ما للصاد عنه ثبت
مقابله لضده وهو المؤمن به.
وهذا أخص من العكس من العلل ،وإ ليه اإلشارة بقولي
في جمع الجوامع في العكس ؛ فإن ثبت مقابله فأبلغ ،فإذا
قلت :العاصي في النار كان قضية المطيع في الجنة ؛
ألنالمعنى العاصي بعصيانه في النهار ،فإذا كان
العصيان وصفًا يقتضي النار كان
_________
مضمرا.
ً 1في "ب" :
2في "ب" :البيان.
3في "ب" :زيادة :اإلمام.
صفحة 399 | 375 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
ال محالة ضده الوجودي -وهو الطاعة -وصفًا يقتضي
ضدها الوجودي وهو الجنة.
وقد نظرت لذلك في جمع الجوامع بقوله صلى اهلل عليه
وسلم :أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال " :أرأيتم لو
وضعها في الحرام أكان عليه وزر "..الحديث وإ ذا ثبت
هذا فنقول :
وفيها داللة على أن النهي عن الشيء ،يقتضي األمر
بضده الوجودي ؛ فإن اآلية مسوقة للنهي والتهديد عليه ،
مأمورا به.
ً فيكون مقابله هو االنقصاد
وإ ذا ثبت بها أن النهي عن الشيء أمر بضده فنقول :
وفيها داللة من باب أولى 1أن األمر بالشيء نهى عن
ضده الوجودي ؛ ألن من أقر بذلك أقر بهذا ،وال كذلك
من أنكر.
مبنيا للمفعول
وفيها داللة على قراءة "صد" بضم الصاد ً
وهي شاذة على أن الكافر يصده اهلل عن اإليمان ،وليس
هو الذي يصد نفسه كما يقول المعتزلة.
وفيها داللة على أنه ينبغي أن يوكل أمر الحاسدين إلى
اهلل تعالى ،وال يلتفت إليه ،وال يشتغل به ،ويترك وغيه
سعيرا ،وهذا من علم التصوف.
،فكفاه بجهنم ً
وفيها داللة على أن الكافر مكلف بالفروع ؛ ألنه ال مهم
على الحسد على ما آتى اهلل الناس من فضله -أو
الصدود الناشئ "عن الحسد" ،ومن ذلك حسدهم على
النعم الجزئية ،وهذا بناء على أن لفظ الناس يعم جميع
المؤمنين ؛ فإنه يقتضي أن حسد كل مؤمن على أي نعمة
معاقبا عليه بدليل
ً كانت يحرم -وهوكذلك ويكون الكافر
معنويا
ً {و َكفَى بِ َجهََّن َم َس ِع ًيرا} وإ ن جعلناها متعلقة تعلقًا
َ
بالحسد كتعلقها بالصد فدل أن الكافر يخاطب بالفروع.
وفيها داللة على أن الحسد كبيرة عند من يقول :الكبيرة
ما هدد عليه أو توعد عليه.
وفيها داللة على أنه إذا لم يظهره اللسان بل أضمره
الجنان ال يعاقب صاحبه إلى يوم القيامة فال يعزر في
الدنيا وال يؤاخذ ؛ ألنه من أعمال القلوب التي ال اطالع
عليها ،فال يؤاخذ بها ما لم يظهر بقول أو فعل.
ولعل الفقيه يجبن عن هذا ويقول " :متى ثبت الحسد
وكونه معصية كان التعزير
_________
1في "ب" زيادة :على.
صفحة 399 | 376 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
واجبا" ،وإ ن هو قال بذلك قلنا :أنت مصادم بهذه اآلية
ً
فائت بجوابها.
إذا عرفت هذا فنقول :وفيها داللة على أنه ال ترد به
الشهادة وهذا إن جعلناه صغيرة ولم يتكرر واضح ،أما
إن جعلناه كبيرة أو تكرر فالفقيه ال يسمح بقبول شهادته
ولكن يحكم عليه ما قدمناه من أن قضية اللفظ االكتفاء
{و َكفَى بِ َجهََّن َم
بعقاب اآلخرة ؛ وذلك بقوله تعالى َ :
َس ِع ًيرا} والمعنى "سعير جهنم كاف فال يكون معه أمر
آخر".
ويقرب من هذا قول الحناطي في الغيبة :إذا لم تبلغ
المغتاب يكفيه في التوبة الندم واالستغفار ؛ ألن الغيبة
أيضا
صغيرة والحسد على ما عليه نتكلم كبيرة ،وهي ً
مما نص الكتاب على تحريمه.
أيضا مما
لكن حكى الماوردي أن الغيبة كبيرة -وهي ً
نص الكتاب على تحريمه.
أيضا قول الشيخ أبي حامد :أن من
ونظير المسألة ً
يبغض بقلبه -وال يظهر ذلك بقول وال فعل ال بقدح في
شهادته ؛ ألن ما في القلب ال يمكن االحتراز منه.
واعلم أن طائفة من الفقهاء استشكلوا رد شهادة الحاسد
مع قبولها من العدو على غير عدوه .ويقوي اإلشكال
تفسير الرافعي العداوة التي ترد بها الشهادة بأنها التي
حدا يتمنى هذا زوال [نعمة] 1ذلك ويفرح بمصائبه
تبلغ ً
ويحزن بمسراته.
ثم قال في الحسد نقاًل عن العبادي " :وهو أن يهوى
زوال نعمة الغير ويسر ببليته" ؛ ففسر الحسد بما فسر به
العداوة أو بأخف ؛ ألن تمني زوال النعمة أشد من أن
يهودي زوالها ؛ [إذ] 2التمني تفعل ،ويهوي فعل ،
والتفعل أشد.
ولكن أقول في الفرق الذي يتضح به الفرق -بعد تسليم
أن الحسد ترد به الشهادة -أن الحسد كما قال الراغب
تمني زوال نعمة عن مستحق لها ،وربما كان معه سعي
في إزالتها.
وفي الصحاح أن تمني زوال نعمة المسحود إليك وعليه
جرى ابن األثير في النهاية ؛ حيث قال " :إن الحسد أن
يرى ألخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه".
فاتفقوا على أن الحسد تمني زوال نعمة الغير ،وشرط
الراغب كون الغير
_________
1في "ب" :نعم.
2في "ب" :إذا.
صفحة 399 | 377 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
مستحقًا ،والصحاح كون الحاسد يتمنى انقالب النعمة
إليه.
فأقول :إن الحسد تمني زوال نعمة من يستحق تلك
النعمة ،فالحاسد يعاند المقادير اإللهية ويطلب وضع
الحق في غير موضعه أو زواله عن موضعه فهو عاص
بهذا االعتبار ؛ وذلك إما كبيرة أو يصير كبيرة بالتكرار
بالنسبة إلى شخص واحد أو أشخاص ؛ ال سيما إذا انضم
السعي إليه في اإلزالة.
وأما العداوة فناشئة عن كراهة شخص لسبب من
مقتضيا
ً األسباب أعم أن يكون السبب الذي كرهه ألجله
للكراهة أم ال وال يكون الحامل عليه تلبس عدوه بالنعمة
بل مجرد تقربه منه ؛ وذلك مما جبلت عليه بعض
مراغما حقًا ،وإ ن
ً عاصيا وال
ً السريرة ؛ فليس العدو
كان العدو ذا نعمة يستحقها فليس الجامل له على عداوته
كونه مستحقًا بل إنه عدو ،فإن انضم إلى العداو ة سعى
في زوال النعمة عن المستحق أو أمر آخر فهي مفسقة -
صرح به األصحاب.
وبهذا ظهر لك أن تعريف الحسد في الرافعي ناقص وأن
الصواب ما قاله أهل اللغة.
وإ ذا عرفت هذا علمت أن الحسد مذموم مطلقًا ،وأما ما
[أخبرنا] 1به أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن
داود الجزري وفاطمة بنت إبراهيم بن عبد اهلل بن أبي
سماعا عليهما قاال :
ً عمر
حضورا أخبرنا أبو
ً أخبرنا إبراهيم بن خليل اآلدمي
محمد بن عبد الرحمن بن علي الموازيني ،أخبرنا أبو
الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي العرابي ،أخبرنا
الشيخ بأن محمد عبد اهلل بن يوسف بن أحمد بن محمد بن
أحمد األصفهاني ،حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين
القطان ،أخبرنا علي بن الحسين بن أبي عيسى الهاللي
،أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي وراد ،
أخبرنا معمر بن راشدح ،وأخبرتنا فاطمة بنت إبراهيم
بقراءتني عليها عن محمد بن عبد الهادي بن يوسف
المقدسي عن شهدة بنت أحمد بن أبي الفرج األمري قالت
:أخبرنا النقيب أبو الفوارس طراد بن محمد الزيني
سماعا ،أخبرنا محمد بن أحمد بن زرقويه ،أخبرنا
ً
محمد بن يحيى بن عمر ،أخبرنا علي بن حرب ،حدثنا
سفيان بن عيينة كالهما عن الزهري عن سالم عن أبيه
رضي اهلل عنه قال :
_________
1في "ب" :أخبر.
صفحة 399 | 378 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :ال حسد إال في
اثنتين رجل آتاه اهلل القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء
النهار ،ورجل آتاه اهلل مااًل فهو ينفقه آناء الليل وآناء
النهار" .أخرجه األئمة الستة سوى أبي داود من حديث
عاليا وليس هو في شيء
ً سفيان بن عيينة ؛ فوقع لنا بداًل
مخرجا من حديث معمر بن راشد ،بل
ً من الكتب الستة
من حديث سفيان فقط وهلل الحمد.
وفيها بتقدير شهادة الحاسد ،وإ ن جعلنا الحسد مفسقًا -
داللة على أنه ليس كل فاسق مردود الشهادة فيحتاج
جوابا عن رد شهادة الفاسق على اإلطالق فإن
الفقهاء ً
قالوا :قوله تعالى :
ق بَِنَبٍأ فَتََبَّي ُنوا} قلنا ال يلزم من التبيين الرد {ِإ ْن جاء ُكم فَ ِ
اس ٌ َ َ ْ
؛ وإ نما يحصل منه التوقف لحصول البيان.
ونحن ال ندعي قبول شهادة الفاسق ؛ وإ نما نشكك بهذا
الدليل على من يقبله وينفع ذلك الحنفية في قولهم شهادة
الذمي فإنهم "إذا رد" 1عليهم بأنه فاسق والفاسق مردود
يمنعون كلية الكبرى.
"بجهنم" :وفيها داللة على جواز زيادة الباء في الفاعل
إذا جعلنا جهنم فاعل كفى والجار والمجرور في محل
رفع وهذا األظهر عندنا كما قدمناه وقلنا إن كفى فعل
قاصر وأعلم أن زيادة الباء في الفاعل الزمة ؛ وذلك في
تعجبا وغالبة ؛ وذلك في كفى بمعنى حسب كما في
أفعل ً
هذه اآلية وكثيرة وذلك في فاعل فعل يجري مجرى
أفعال المبالغة.
وفيها داللة على أن جهنم ال تنصرف ألن القراءة كذلك ،
علما أو
وعلة منع صرفها العلمية والتأنيث إن جعلناها ً
التأنيث والعجمة إن قلنا :إنها لفظ أعجمي.
وفيها داللة على أنها ال تختص بعصاة المؤمنين ؛ ألن
الكافر هنا قد توعد بها.
وقد ذكر جماعة من العلماء أن النار درجات سبعة ،
أعالها جهنم وهي مختصة بالعصاة من أمة محمد صلى
اهلل عليه وسلم -ونقلوه عن الضحاك وفي اآلية رد عليهم
،فعليهم الجواب [عنها].2
وفيها داللة على أنها ال تشتمل إال على الحر فقط وال
شك في اشتمال النار على
_________
1في "ب" :أورد.
2سقط في "ب".
صفحة 399 | 379 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
الحر والزمهرير فيحتاج إلى جواب ؛ ألن السعير
{و َكفَى بِ َجهََّن َم َس ِع ًيرا}
مختص بالحر ،وقد قال تعالى َ :
والمعنى وكفى سعير جهنم ؛ فدل أن عذابهم منحصر فيه
كاف لهم ،فال بد من جواب فليتأمل.
أعجميا -داللة على وقوع
ً وفيها إن جعلنا لفظ جهنم
المعرب في القرآن ،وهو في األعالم بال خالف وإ ن
أوهم كالم بعضهم -كابن الحاجب وقوع الخالف فيه.
"سعيرا" :وفيها داللة على أن فعياًل يأتي بمعنى مفعول
ً
سعيرا على ما قال الراغب -المعنى به الجحيم ،
،ألن ً
قال فهو فعيل بمعنى مفعول ،وفي التسهيل في آخر باب
التذكير والتأنيث :وصوغ فعيل بمعنى مفعول مع كثرته
غير مقيس ،ولكنه في آخر باب اسم الفاعل نقل عن
بعضهم أنه مقيس.
وفيها داللة على مجيء التمييز منقول عن المفعول ،
وهو رأي أكثر المتأخرين ،واختاره ابن عصفور وابن
مالك مع اعترافهما بأن كونه منقواًل عن الفاعل أكثر ؛
"سعيرا" منصوب على التمييز ،
ً وإ نما دل على ذلك ألن
ومعناه مفعول -ال فاعل -كما نقلناه عن الراغب
{وفَ َّج ْرَنا
وصرح به ابن مالك في "شرح التسهيل" في َ :
ونا} .وزعم أبو الحسن اآلمدي أنه ال يكون
ض ُع ُي ً
اَأْلر َ
ْ
منقواًل عن المفعول ؛ وإ نما يكون عن الفاعل ،ووافقه
شيخنا أبو حيان وادعى أنه مذهب أهل البصرة.
وفيها ما يمكن أن يقرر منه نكتة جدلية ؛ وإ نما أقرها
على وجه التالزم بين المتباعدات ،وشأن سامعها بعد
تدبرها "حلها".1
فأقول :أدعي أن القول بصحة الوضوء بال نية مع القول
بعدم وجوب القصاص في [المثقل] 2مما ال [يجامع]3
القول بأن الحسد حرام لكن القول بأن الحسد حرام بدليل
اآلية فدل على عدم اجتماعهما فافتراقهما حينئذ إما بأن
يقال :ال وضوء إال بنية ويجب القصاص بالمثقل 4أو ال
يشترط في الوضوء النية ويجب في القصاص المحدد -
لكن هذان االفتراقان مما لم يقل به أحد فكان باطلين.
_________
1في "ب" :كلها.
2في "ب" :القتل.
3في "ب" يحتاج مع.
4في "ب" بالقتل.
صفحة 399 | 380 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
إنما قلنا :لم يقل [بهما] 1أحد ألن من شرط النية أوجب
قصاص المثقل .ومن نفاه نفاه إذ ال قائل بالفصل ؛
وإ نما قلنا :فكان باطلين] 2ألن الفصل خرق لإلجماع
وخرق اإلجماع خرق باطل ،فصح أنهما ال يجتمعان مع
القول بأن الحسد حرام إال على قول 3الشافعي 4ألن
الفصل خارق لإلجماع.
ورأي أبي حنيفة :رحمه اهلل ال يجامع تحريم الحسد
الواقع ال محالة وهذا موضع النكتة.
فنقول الحسد المنهي عنه إما أن يراد منه حقيقته ،أو
الزم حقيتقه أو ملزوم حقيقته ،أو شيء بينه وبين حقيقته
عالقة "أو شيء بينه وبين ملزوم حقيقته عالقة" [أو شيء
بينه وبين الزم حقيقته عالقة].5
وبكل تقدير إما أن يدخل الصورتان فيه ،أو ال يدخالن
أو تدخل مسألة الوضوء دون المثقل -أو مسألة المثقل
دون الوضوء.
وبتقدير دخول إحداهما ؛ فإما أن تكون األخرى مسكوتًا
محكوما بخروجها.
ً عنها أو
فهذه احتماالت إرادة الحقيقة مع دخول صورتي النزاع
مع السكوت عنهما خمع خروجهما مع دخول مسألة
الوضوء والسكوت عن المثقل ،أو خروج المثقل مع
دخول المثقل والسكوت عن الوضوء ،أو خروج
الوضوء إرادة الزم الحقيقة ؛ كذلك إرادة ملزوم الحقيقة
،كذلك إرادة ما بينه وبين الحقيقة عالقة ،كذلك إرادة ما
بينه وبين ملزومها عالقة ؛ كذلك إرادة ما بينه وبين
الزمها عالقة.
فهذه اثنتان وأربعون احتمااًل ،منها ما هو باطل
باإلجماع ثالثون وهي :إرادة الحقيقة أو الزمها ،أو
ملزومها ،أو ما بينه وبينها ،أو ما بين الزمها
وملزومها عالقة ،مع خروج صورتي النزاع ،أو مع
خروج األولى دون الثانية ،أو مع السكوت عن الثانية
دون األولى.
أحدا لم يقل بخروج
فهذه الثالثون الباطلة باإلجماع ،ألن ً
صورتي النزاع
_________
1في "ب" به.
2سقط في "ب".
3في "ب" زيادة :اإلمام.
4في "ب" زيادة :رضي اهلل عنه.
5سقط من "أ" " ،جـ".
صفحة 399 | 381 :
األشباه والنظائر
باب في األلغاز
جملة ،وال بخروج إحداهما دون األخرى -إما مع
السكوت أو ال.
فيبقى اثنا عشر ،وهي :إرادة الحقيقة أو الزمها ،أو
ملزومها ،أو ما بينه وبينها أو بين الزمها وملزومها من
عالقة مع دخول صورتي النزاع.
فهذه ست [تثبت المدعي بتقدير ثبوت واحد منهما ،
وبقيت ست][ 1وهي] 2إرادة الحقيقة أو الزمها ،أو
ملزومها ،أو ما بينه وبينها أو بين الزمها ولمزومها
عالقة مع السكوت عن صروتي النزاع.
والقول بأن الحسد حرام باآلية محال ؛ ألن حرمته ال
تثبت بإرادة ما بينه وبين عالقته ،إذا ال يلزم من ثبوت
شيء بينه وبين آخر عالقة أن يثبت لذلك الشيء اآلخر
ما ثبت له ،وهذا ال يتأتى نظيره عند إرادة الدخول ؛
ألن اإلرادة وصف قائم بالالظ ال يمتنع منه ذكر غير
موضوع للمراد ؛ بخالف إرادة الدخول ،فإن وضع
شيء يمنع من استعماله في غيره إال أن يكون بطريق
التجوز ؛ وذلك غير موجود هنا ،فثبت أن القول بأن
الوضوء ال يشترط فيه النية والمثقل ال يجب فيه
القصاص ال يجتمعان مع القول بأن الحسد حرام باآلية
على كل واحد من ستة أغلب من وقوع واحد من ثالثة ؛
فكان القول بعدم اجتماعهما [مع القول بأن الحسد حرام ،
راجح على القول باجتماعهما] 3مع ذلك ،فكان األخذ به
أولى ،وهو المدعي ،وباهلل التوفيق.
_________
1سقط في "ب".
2في "ب" :وبين.
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 382 :
األشباه والنظائر
خاتمة
خاتمة :
تشتمل على ثالث مسائل :
المسألة األولى :
في رجل قال المرأته :إن لم يكن ما في هذا الدرس
متضمنا حقًا فأنت طالق ،فقالت :إن كان ما هو
ً
متضمنا حقًا فعبدي حر فهل تطلق امرأته أو يعتق عبدها
ً
؟
الجواب :ال تطلق امرأته .وال يعتق عبدها ،وكان -في
لفظهما لألمر والشأن " ،وما" نافية حجازية نصب
"فمتضمنا" منصوب بما ال بأنه خبر كان ،
ً "متضمنا" ،
ً
والجملة في موضع نصب على أنها خبر كان ،و"حقًا
"متضمنا".
ً معمول
وتقدير كالم الزوج :إن لم يكن األمر والشأن ليس
متضمنا حقًا هذا المجموع فالمعنى :إن لم يكن فيه حق
ً
فأنت طالق ،وال شك أن فيه حقًا فال تطلق ألن طالقها
معلق على أنه ال يكون فيه حق ألن حرف السلب وهو لم
إذا سلط على سلب وهو ال فيه حق كأنه لإلثبات ؛ ألن
نفي النفي إثبات ؛ فكأنه قال :إن انتفى عنه الحق فأنت
طالق ،والحق [لم] 1ينتف عنه فال تطلق ،وهي قالت :
إن كان [الشأن] 2ليس فيه حق فعبدي حر ،وهو لم يكن
كذلك الشتماله على حق فال يعتق ألن المعلق عليه -
وهو أن [موجد] 3هذا المجموع ال حق فيه غير موجود.
المسألة الثانية :
فلو قال :إن لم يكن ما هو مضمون هذا الدرس الحق
فأنت طالق ؛ فقالت :إن كان ما هو مضمون هذا الدرس
الحق فعبدي حر كيف الحال ؟
_________
1في "ب" أمر.
2في "ب" :الثاني.
3في "ب" هو حق.
صفحة 399 | 383 :
األشباه والنظائر
خاتمة
الجواب :تطلق امرأته وال يعتق عبدها ،وهذا ألن
"كان" ناقصة ،و"ما" موصولة ،و"الحق" معرف باأللف
والسالم المقتضية لالستغراق منصوب على أنه خبر كان
،والمعنى :إن لم يكن الذي في هذا المجموع هو الحق
بل بعض الحق وبعض الشيء غيره ؛ فتطلق لوجود
الصفة ،وهي أنه ليس كل الحق -فهو كما قال الشافعي
رضي اهلل عنه في رجل قال لزوجته -وفي فمها لقمة إن
بلعتيها فأنت طالق وإ ن أخرجتيها فأنت طالق ،قال :
تبلغ بعضها وال [تكون] 1بلعتها.
وأما عبدها فال يعتق ؛ ألن الذي في الدرس ليس الحق
بتمامه بل بعضه ؛ إذ من الحق كثير ليس فيه فلم توجد
الصفة فال يعتق.
وهذا في القسمين إن جعلنا األلف والالم في "الحق"
لالستغراق والحظنا قاعدة حصر المبتدأ في الخبر ؛ فإن
جعلناها جنسية أو أراد الزوجان الجنس انعكس الحال -
فيعتق عبدها وال تطلق امرأته.
المسألة الثالثة :
جميع ما قلته في هذا الدرس صواب ،وال أقول جميع
الصواب فيما قلته ،وإ نما قلنا :جميع [ما قلناه] 2في هذا
صوابا [فإما] 4أن
ً الدرس صواب ؛ ألنه [إن] 3لم يكن
يكون كله خطأ أو بعضه خطأ [أو بعضه] 5صواب.
فالبعض الذي هو خطأ إما أن يتميز عن البعض الذي هو
متميزا في
ً صواب أو ال يتميز ،والمتميز إما أن يكون
متميزا
ً نفسه غير منظور فيه إلى الغير ،وإ ما أن يكون
في نفسه منبه فيه على أن غيره على الضد منه.
صوابا ،كله خطأ بعض
ً فهذه أقسام سبعة 6أن يكون كله
منه يتميز عن البعض اآلخر ،صواب [منبه فيه على أن
البعض اآلخر خطأ بعض منه متميز عن البعض اآلخر]
، 7صواب مسكوت فيه عن البعض اآلخر ،بعض منه
مجهول صواب واآلخر خطأ ،بعض منه مجهول
صواب واآلخر مسكوت ،بعض مجهول خطأ واآلخر
مسكوت لكن إثبات الخطأ في كله خطأ للقطع باستعمال
بعضه على الحق وإ ثبات الخطأ في
_________
1في "ب" يكون.
2في "ب" :ما قلنا.
3سقط في "ب".
4في "ب" :أما.
5في "ب" وبعضه.
6في "ب" زيادة :إما.
7سقط في "ب".
صفحة 399 | 384 :
األشباه والنظائر
خاتمة
بعض مجهول خطأ ؛ ألن الحكم على الشيء فرع
تصوره والمجهول غير متصور وإ ثبات الخطأ في بعض
معين يستدعي معرفته ،وال بد من ذكره ليبحث عنه ،
"فما" 1لم يذكر ال يثبت وال يسمع فلم [يبق] 2إال إثبات
الصواب إما لكله أو لبعضه مع السكوت عن اآلخر ؛
فإن كان األول حصل المدعي ،وإ ن كان الثاني فنقول
صوابا أو خطأ ؛
ً ذلك البعض المسكوت عن الحكم بكونه
صوابا
ً إما أن يكون [أقل] 3من البعض المحكوم بكونه
مساويا له أو أكثر ،فإن كان أقل فإلحاق القليل بالكثير
ً أو
والفرد النادر باألعم األغلب طريق من طرق الصواب ،
فليحكم على الكل بأنه صواب إلحاقًا للمفرد النادر باألعم
مساويا أو أكثر فنقول :لما احتمل هذا
ً الغالب ،وإ ن كان
الخطأ والصواب مع ثبوت الصواب لما وراه فالحكم بأنه
صواب أرجح من الحكم بأنه خطأ بوجوه [ثالثة].4
أحدها :أن الحكم بأنه خطأ [ال مستند] 5له ظاهر
[والحكم بأنه صواب مستنده ظاهر وهو اشتراك
األبعاض فيما لكل منهما -والحكم الذي له مستند أقرب
إلى الصواب من الحكم الذي] 6ال مستند له يظهر.
والثاني :إن عدم ظهور الخطأ يوجب عدم الحكم به
وعدم ظهور الصواب ال يوجب عدم الحكم بالصواب
ألن الحكم به [يستند] 7إلى أصل البراءة ولو ثبت الخطأ
فتحا لباب المالم ،لكن استصحاب البراءة األصلية
لكانه ً
يسد باب المالم ما لم يثبت بوجه شرعي فكان الحكم
مرتفعا.
ً بالخطأ
والثالث :قوله صلى اهلل عليه وسلم " :رفع عن أمتي
الخطأ" فإن المراد إما نفسه أو إثمه أو حكمه ،لكن حكمه
وإ ثمه ينتفيان في [موضع] 8ال يمكن أن يحمل عليه نفسه
أما موضع يمكن حمله فيه على ظاهر فال ينتفيان ،بل
يتعين إبقاؤه على ظاهره إذ ال صارف له وهنا لم يتعين
الخطأ ،واألصل عدمه ،فيثبت الصواب لثبوت
ارتفاعه.
فتأمل هذه النكتة البديعة ،وما قبلها من المسألتين ونكتة
اآلية وخرج بعد ذلك عليه ما تشاء ؛ فقد فتح الباب ورفع
الحجاب وإ لى اهلل المرجع والمآب ،وصلى اهلل على
محمد وآله واألصحاب.
_________
1في "ب" ما.
2سقط في "ب".
3في "ب" فأقل.
4في "ب" ثالث.
5في "ب" المستند.
6سقط في "ب".
7في "ب" يستدل.
8في "ب" مواضع.
صفحة 399 | 385 :
األشباه والنظائر
خاتمة
ولنختم هذا الكتاب بأدعية مأثورة وأذكار من السنة
الشريفة مجموعة أنا جمعت كاًل من األدعية واآلثار
وجهدت في استخراجها من كتب األخبار حتى جمعت
متفرقاتها على هذا الوجه الذي أبديه [فينبغي] 1المحافظة
عليه لمن خال له وقت واجتمع عليه قلب وصفًا له سر.
حمدا يوافي نعمه ويكافئ
فأقول :الحمد هلل رب العالمين ً
مزيده ،سبحان ربي األعلى الوهاب ،ال إله إال اهلل
الحليم الكريم ،سبحان اهلل ،وتبارك اهلل رب العرش
العظيم ،والحمد هلل رب العالمين ،اهلل اهلل ربي ال أشرك
به شيًئا ،اهلل اهلل ربي ال أشرك به شيًئا ،حسبنا اهلل ونعم
الوكيل حسبنا اهلل ونعم الوكيل على اهلل توكلت على الحي
ولدا ،ولم يكن له
الذي ال يموت والحمد هلل الذي لم يتخذ ً
شريك في الملك ولم يكن ولي من الذل ،اهلل أكبر ،اهلل
أكبر ،اهلل أكبر ،مما أخاف وأحذر ،سبحان اهلل والحمد
هلل وال إله إال اهلل واهلل أكبر ،سبحان اهلل العظيم وبحمده
سبحان اهلل العظيم.
اللهم لك الحمد وإ ليك المشتكى وأنت المستعان ،وال
حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ،ال إله إال اهلل وحده
ال شريك له العلي العظيم ،ال إله إال اهلل وحده ال شريك
له الحليم الكريم.
بسم اهلل الذي ال إليه إال هو الحي الحليم ،سبحان اهلل رب
العرش العظيم الحمد هلل رب العالمين ،اللهم إني عبدك
وابن عبدك وابن أمتك ،في قبضتك ،ناصيتي بيدك -
ماض في حكمك ،عدل في قضاؤك ،أسألك بكل اسم
عظيم هو لك ،أسألك بكل اسم عظيم هو لك سميت به
أحدا من خلقك أو
نفسك ،أو أنزلته في كتابك أو علمته ً
استأثرت به في علم الغيب عندك ،اللهم إني أسألت بأني
أشهد أنك اهلل ال إله إال أنت الواحد األحد الفرد الصمد
أحد ،اللهم إني
كفوا ً
الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له ً
صمدا لم تلد ولم
ً أحدا
أسألك بأني أشهد أن ال إله إال أنت ً
كفوا أحد .اللهم إن أسألك بأن لك الحمد
تولد ولم يكن لك ً
ال إله إال أنت الحنان المنان بديع السموات واألرض ذو
الجالل واإلكرام يا حي يا قيوم ال إله إال أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين ،اللهم إني أسألك بأسمائك
الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم وباسمك العظيم
األعظم ،وباسمك الكبير األكبر ،وباسمك األعلى األعز
األجل األكرم ،يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث يا حي يا
قيوم.
_________
1سقط في "ب".
صفحة 399 | 386 :
األشباه والنظائر
خاتمة
يا حي يا قيوم يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإ ياك نستعين
اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة
صلى اهلل عليه وسلم.
يا محمد أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ،اللهم إني أسألك
{وِإ لَهُ ُك ْم ِإلَهٌ
باسمك األعظم الذي تضمنته هاتان اآليتان َ
الر ِحيم} {الم ،اللَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل
َّ ن م ح
ْ الر
َّ و ه
ُ و ِ
اح ٌد اَل ِإلَهَ ِإاَّل
ُ ُ َ َ َ
وم} ياذا الجالل واإلكرام ياذا الجالل ُه َو اْل َح ُّي اْلقَُّي ُ
واإلكرام ياذا الجالل واإلكرام ،يا أرحم الراحمين ،يا
أرحم الراحمين ،يا أرحم الراحمين رب المستضعفين يا
غياث المستغيثين يا إليه العالمين يا نور السماوات
واألرض وياذا الجالل واإلكرام ،يا غوث المستغيثين
ومنتهى رغبة الراغبين ومتنفس المكروبين ومفرح
المغمومين وصريخ المستصرخين ومجيب دعوة
المضطرين كاشف كل سوء ،ياذا المعروف الذي ال
شاهدا غير غائب ،ويا
ً أبدا وال يحصيه غيرك يا
ينقطع ً
غالبا غير مغلوب يا من ال يعلم كيف
قريبا غير بعيد ويا ً
ً
هو إال هو ويا من ال يبلغ كنه قدرته غيره ،يا كثير
الخير ،يا دائم المعروف ،يا من أظهر الجميل وستر
القبيح يا من ال يؤاخذ بالجريرة ،وال يهتك الستر يا
عظيم العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط
اليدين بالرحمة ويا صاحب كل نجوى ومنتهى كل
شكوى يا كريم الصفح ،يا عظيم المن يا مبتدئ النعم قبل
استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا موالنا ويا غاية رغبتتنا ،
أسألك يا اهلل اللهم رب جبريل ورب ميكائيل ورب
إسرافيل اللهم رب السماوات واألرض عالم الغيب
والشهادة ،ال إله إال أنت رب كل شيء ومليكه اللهم رب
كل شيء وخالق كل شيء ناصية كل شيء بيدك ،أسألك
بجميع محامدك على جميع نعمك ،أسألك يا اهلل القريب
الرقيب الحافظ الرؤوف الرحيم يا اهلل الحي القيوم القائم
على كل نفس بما كسبت أن تصلي على نبيك وحبيبك
وصفيك ورسولك خاتم أنبيائك ومقدم أصفيائك وأشرف
خلقك سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه وسائر
األنبياء والمرسلين والمالئكة أجمعين وأهل طاعتك
المقربين من سائر المخلوقين وأسألك الرضى بالقدر
وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وشوقًا
إلى لقائك من غير ضراء مضرة وال فتنة مضلة.
اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين
والدنيا واآلخرة.
اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك
والغنيمة من كل بر والسالة من كل إثم والفوز بالجنة
والنجاة من النار.
صفحة 399 | 387 :
األشباه والنظائر
خاتمة
اللهم إني أسألك رضاك والجنة وما قرب إليهما ،وأعوذ
بك من سخطك والنار وما قرب إليهما.
اللهم إني أعوذ بك من جهد البالء ودرك الشقاء وسوء
القضاء وشماتة األعداء.
وصدرا
ً راضيا
ً وقلبا
مطمئنا ً
ً نفسا
اللهم إني أسألك ً
منشرحا.
ً
اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك
،ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به
علينا مصائب الدنيا.
أبدا ما أحييتنا ،
ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ً
واجعل ذلك الوارث منا ،واجعل ثأرنا على من ظلمنا ،
وانصرنا على من عادنا ،وال تجعل اللهم مصيبتنا في
ديننا ،وال تجعل الدنيا أكبر همنا ،وال مبلغ علمنا ،وال
تسلط علينا بذنوبنا من ال يرحمنا يا ارحم الراحمين.
اللهم إني أسألك الخير كله عاجله وآجله ،ما علمت به
وما لم أعلم 1اللهم اكفنا شر خلقك بما شئت.
اهلل اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وأرزقني.
اللهم اغفر لي خطئي وجهلي وإ سرافي في أمري وما
أنت أعلم به مني.
اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك
عندي.
اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وبرضاك من
سخطك وبك منك ال أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت
على نفسك.
اللهم إني أعوذ بك من صاحب يرديني.
اللهم إني أعوذ بك من أمل يلهيني.
اللهم إني أعوذ بك من فقر ينسيني اللهم إني أعوذ بك من
الهم والحزن والعجز والكسل والذل والصغائر
والفواحش ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك
وفجأة نقمتك وجميع سخطك.
_________
1في "ب" زيادة :أعوذ بك من الشرك عاجله وآجله ما
علمت منه وما لم أعلم.
صفحة 399 | 388 :
األشباه والنظائر
خاتمة
اهلل أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ،وأصلح لي
ديناي التي فيها معاشي ،وأصلح لي آخرتي التي فيها
معادي ،واجعل الحياة لي زيادة في كل خير ،واجعل
الموت راحة لي من كل شر ،يا مقلب القلوب ثبت قلبي
على دينك.
اللهم إني أسألك من كل خير سالكه عبدك ونبيك محمد
صلى اهلل عليه وسلم.
رب أعني وال تعن علي ،وانصرني وال تنصر علي ،
وامكر لي وال تمكر علي ،واهدني ويسر الهدى لي ،
وانصرني على من بغى علي.
شاكرا ،لك خائفًا ،لك
ذاكرا ،لك ً
رب اجعلني لك ً
ومنيبا].1
ً مطاوعا ،إليك [مخبتًا
ً
رب تقبل توبتي ،واغسل حوبتي ،وأجب دعوتي ،
وثبت حجتي ،واهد قلبي ،وسدد لساني ،واسلل سخيمة
قلبي.
اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ،ورحمتك أرجى عندي
من عملي اللهم إني أسالك الهدى والتقى ،والعفاف
والغنى.
اللهم أسألك أن تستجيب دعوتي ،وأن تغفر زلتي ،وأن
تمحو خطيئتي ،وأن تستر عورتي ،وأن تؤمن روعتي
،وأن تسكن لوعتي ،وأن تبرد حرقتي ،وأن تكثر
بكائي على زلتي ،وأن تقلل اقترافي لمعصيتي ،وأن
تصلي على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون ،وكلما
غفل عن ذكره الغافلون صالة تصل مني إليك وتفد مني
عليك يسر بها قلبه الطاهر المسرور وينشرح لها صدره
الذي صدر الصدور وتكون من أسباب محبته في.
اللهم صلى على سيدنا محمد و[على] 2آل محمد كما
صليت على إبراهيم وبارك على محمد [وعلى آل محمد]
، 3كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد.
عودا على بدء ،وارض عن أصحابه
اللهم صل عليه ً
أجمعين واخصص اللهم
_________
1سقط في "ب".
2سقط في "ب".
3سقط في "ب".
صفحة 399 | 389 :
األشباه والنظائر
خاتمة
الصديق والفارق وذا النورين والمرتضى برضاء تام ال
يختلف عن بقية الصحابة مع تخصيصه ،وال يتوقف في
إطالق مع تقييده وسالم على المرسلين والحمد هلل رب
العالمين.
قال مؤلفه رحمه اهلل :نجز الفراغ من هذا الكتاب -نفع
اهلل به في السابع من شهر ربيع األول سنة ثمان وستين
وسبعمائة على يد مؤلفه عبد الوهاب بن السبكي غفر اهلل
له وكان نجازه بدار الخطابة بالجامع األموي 1بدمشق
تسليما
ً [وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كثيرا].2
ً
[انتهى]
_________
1في "ب" زيادة :الكبير.
2زيادة في "ب" " :واهلل الموفق في الصواب وله
المرجع والمآب والحمد هلل على كل حال".
صفحة 399 | 390 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
فهرس موضوعات الجزء الثاني :
3أصول كالمية ينبني عليها فروع فقهية
3أصول :السعادة والشقاوة ال يتبدالن ،أصل :العلم
االعتقاد الجازم المطابق.
4الموجب
5أصل :في الفرق بين االسم والمسمى
6اصل :في حقيقة الكالم
7مسألة :في الفرق بين الملجأ والمضطر وما يتعلق
بهما
12تنبيهات :تتعلق بشروط تحقق اإلكراه
16أصل :اتفق أئمتنا على اجتماع مقودورين خالفين
أو مكتسبين
18مسألة :في حقيقة العقل ،مسألة :الحل والحرية
والطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية ليست من
صفات األعيان
20مسألة :الحسن والقبح شرعي pال عقلي خالفًا
للمعتزلة
20أصل :في حقيقة الحياة
21أصل :الصحيح احتياج الممكن في حال بقائه إلى
المؤثر ،مسائلة اختالف الصفة هل هو كاالختالف العين
؟
22أصل :في داللة األفعال المحكمة على علم فاعلها
بها ،أصل :يبحث فيه عن معنى السبب والصلة والفرق
بينهما
27تنبيه :في الفرق بين السبب والشرط
27مسألة :في حكم الشرط إذا دخل على السبب ،فرع
:الشروط المعلق عليها ضد اإلطالق
36تحمل على حياة الشخص المعلق ،أصل قاطع :ال
يجوز عقد اجتماع
37علتين على معلول واحد
39فصل :فيما ازدحم عليه علتان فكان ازدحامهما
سهبب دمارهما وإ همالهما
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما
40أنسب وأخيل فأعملتاها
43فصل :مسائل فيما سبق
أفصل :مسائل فيما سبق ،تنبيه :فيما يظن فيه ازدحام
علتين
47اعمل أضعفهما
صفحة 399 | 391 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
50فصل :فيما ازدحم عليه علتان ال يترجح إحداهما
على األخرى وظهر الحكم بعدهما
51فصل :فيما ازدحم عليه علتان عامة وخاصة
52فصل :فيما ازدحم عليه علتان بينهما عموم
وخصوص من وجه.
53فصل :قد يتعب المحل علتان مقتضى كل منهما
مقتضى أختها مع كونها غير مجتمعين
55تنبيه :فيما لو تعاقب على المحل وصفان ال يعرف
زوال واحد منهما
زمانا عند أقوام من
57أصل :الصلة تسبق المعلول ً
الفقهاء
58القول في أحكام تقارن في الزمان لسببها
59القول في أحكام يضطر الفقيه إلى الحكم بتقدمها
على أسبابها
64تنبيه :في منع تقدم المشروط على الشرط
64أصول خمسة :الدور والجمع بين النقيضين
وتحصيل الحاصل محال ونفي النفي إلثبات والزم
النقيضين واقع
64أصل :في بيان حقيقة اإلنسان
68أصل :الزم النقيضين واقع ال محالة
71فرع :في المسألة السريحة وطريقة حلها
77مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية
77أصل :التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة
78فائدة :في أنواع األحكام
79مسألة :المعنى بصحة العقود ترتب أحكامها عليها
81مسألة :السم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة
وسائر األسماء المشتقة
84مسألة :ال يشتق اسم الفاعل من شيء والفعل قائم
بغيره
84تنبيه :في بيان متى يحمل اسم الفاعل على الماضي
85مسألة :الغرض والواجب مترادفان
87تنبيه :فرض العين ال يؤخذ عليه أجرة
88قاعدة :ما ال يتم الوجب إال به فهو واجب
89مسألة :فرض الكفاية مهم من مهمات الوجود
92مسألة :السنة والنافلة والتطوع والمستحب
والمندوب والمرغب فيه والمرشد إليه والحسن واألدب
ألفاظ مترادفة عند فقهائنا
93مسألة :في األمر بواحد من أمور معينة
94مسألة :يجوز أن يحرم شيء واحد مبهم من أشياء
معينة خالفًا للمعتزلة
96فروع يتعلق التحريم فيها بمبهم
97مسألة :في حقيقة الرخصة
98مسالة :يصح التكليف مع علم األمر والمأمور
انتفاء شرط وقوعه عند وقته
98مسألة :التبادل والفاسد مترادفان
100مسألة :في حكم وجوب القضاء
101مسألة :الكافر مكلف بالفروع
103مسألة :في اسم الجنس وعلم الجنس
110كتاب الكتاب
صفحة 399 | 392 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
110مسألة :في اللغات
114مسألة :النيابة تدخل المأمور إال لمانع
115مسألة :األمر ال يقضتي الفور
115مسألة :في األمر بعد الحظر
115مسألة :األمر ال يقتضي التكرار
115مسألة :األمر بالشيء نهي عن ضده
115مسألة :النهي إذا رجع إلى الزم اقتضى الفساد
117كتاب العموم والخصوص
117مسألة :في معاني األلف والالم
119مسألة " :كل" للعموم
120مسألة " :متى" للعموم في األوقات
استفهاما وموصواًل
ً طا أو
120مسألة :أي تكون شر ً
122مسألة :أقل الجمع ثالثة وقيل :اثنان
123مسألة :في دخول المخاطب تحت عموم خطابه
124مسألة :خطاب الشارع -بالمسلمين والمؤمنين-
بتناول الصيد
134مساعدة :العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب
134
تنبيه :الخالة بمنزلة األم 134
137مسألة :اشتهر عن الشافعي رضي اهلل عنه أن
ترك االستفصال في حكاية األحوال مع قيام االحتمال
ينزل منزلة العموم في المقال
141فوائد :في ترك االستفصال
142مسألة :وقائع األعيان إذا تطوى إليها االحتمال
كساها ثوب اإلجمال فسقط بها االستدالل
145مسألة خالفية :في المساواة بين الشيئين واألشياء
يقتضي العموم
148مسألة :المقيد بمتنافين يستغني عنهما ويرجع إلى
أصل اإلطالق
148تنبيه :إذا ولغ كلب في إناء أحدكم
150مسألة :المختار إذا نسي حكم األصل ال يبقى معه
حكم الفرع
151فالقول أقوى
156تنبيه :التقرير فعل غير أنه مرجوح بالنسبة إلى
الفعل في المستقبل
158تنبيه ثان :الكف فعل على المختار
158تنبيه ثالث :في مراتب الفعل
160تنبيه رابع :في بيان المراد من السكوت
160فعل وعلى قول
161تنبيه سادس :في حكم إلحاق القولي بالفعلي
162فصل :في الفرق بين تأثير كل من القول والفعل
في مفعوله
162مسألة :لفي الفرق بين الرواية والشهادة
164مسألة :خبر الواحد وإ ن خالف قياس األصول
مقدم على القياس 164
165مسألة :خير الكافر مردود
165مسألة :في خبر الصبي
صفحة 399 | 393 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
166مسألة :في خبر الفاسق
166مسألة :في حكم تكذيب الشيخ للراوي عنه
167كتاب اإلجماع
167مسألة :في اإلجماع السكوتي
171مسألة :إذا اختلفت األمة على قولين ثم ماتت
إجماعا خالف
ً إحدى الطائفتين ففي صيرورة قول الباقين
174كتاب القياس
174مسألة :في اشتعمال قياس العكس
174مسألة :في إثبات اللغة بالقياس خالف مشهور
175مسألة :القياس يجري في الكفارات خالفًا ألبي
حنيفة
176مسألة :في صلة األسباب الشرعية باألحكام
177وحكم األصل
178مسألة :في حكم العلة القاصرة
179مسألة :التماثل في العلة قد يمنع تأثيرها في
علتيها
179مسألة :في القياس الخارج عن القياس
182مسألة :في قياس علية األشياء
183تنبيه :فيما إذا تنازع الفرع أصالن ولم يترجح
أحدهما على اآلخر
183تنبيه آخر :في حكم القياس المركب
184تنبيه ثالث :في أحكام تتعلق بالخلع
186فصل :ما دار بين أصلين أكمل
187فصل :في مسألة من الشبه الصوري
188مسألة :في ضبط األحكام باألسباب الظاهرة
190فائدة :في تعلق األحكام بغير المنضبط
192مسألة :اختلف في تعليل الحكم العدمي بالوصف
الوجودي
193كتاب االستدالل
193مسألة :في حجية قول الصحابي وعدم حجيته
193مسألة :في داللة االقتران
194مسألة :في االستحسان
196كتاب الترجيح
196مسألة :فيما إذا تعادلت األمارتان
196مسألة :في تقدم الخاص على العام عند التعارض
197مسألة :في كون التخصيص أولى من المجاز
197قاعدة :ما ثبت بالنص أولى بما ثبت باألخبار
201كتاب االجتهاد
201مسألة :في كون اجتهاد الرسول صلى اهلل عليه
وسلم غير قابل للخطأ
202كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية
202مسألة " :إن" الخفيفة المكسورة ترد للشرط
مصدريا
ً 203مسألة " :إن" -بفتح الهمزة -ترد حرفًا
ناصبا للمضارع
ً
204مسألة " :إلى" حرف جر النتهاء الغاية
206مسألة " :أو" موضوعة ألحد الشيئين أو األشياء
صفحة 399 | 394 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
206تنبيه :في حكم ما إذا دخلت "أو" بين يقينين أو بين
إثباتين
207تنبيه :في الفرق بين الشك واإلبهام ،وبين
التخيير واإلباحة
208مسألة :في معنى "إذا" وما يترتب عليه
210مسألة " :إذا" أغلب معانيها أن تكون ظرفًا للزمان
الماضي
210فائدة " :أول" أصلها واستعماالتها
212مسألة " :إال" ترد لالستثناء وبمعنى غير
212فصل :قد يستثنى باإل ما ليس من الجنس
214مسألة :في معاني "الباء"
216مسألة :بعد ظرف زمان دال على تقدم سابقه على
الحقه
216مسألة " :بل" حرف إضراب يتلوه جملة ومفرد
217مسألة " :بلى" حرف جواب مختص بالنفي
218مسألة :في معاني تاء التأنيث
219مسألة " :ثم" حرف عطف للتشريك والترتيب
والمهلة
219مسألة "حتى"
221مسألة " :غير" أصل وضعه الصفة
222مسألة " :الفاء" للتعقيب في كل شيء بحسبه
223مسألة " :في" للظرفية الزمانية والمكانية
223مسألة :في مدلول "قبل"
223مسألة :في مدلول "كاد"
225مسألة :في "مدلول "كم"
226مسألة :في مدلول "كيف"
226مسألة :في مدلول "كان"
227مسألة :في مدلول "كذا"
228مسألة " :الالم" ترد لمعان كثيرة
229مسألة :في مدلول "لوال"
229مسألة :في مدلول "لعل"
229مسألة :في معاني "من"
231مسألة :في إطالق الكالم على الكناية واإلشارة
232باب النكرة والمعرفة
235باب المضمر
235مسألة :من المضمرات "أنت"
235مسألة :في ضمير الفصل
236مسألة :فيما إذا اشتركت الجملتان المعطوفة
إحداهما على األخرى في اسم
236باب الموصول
236مسألة :في مدلول "من"
237مسألة :في الموصول الحرفي
237باب المبتدأ
237مسألة :في مطابقة الخبر للمبتدأ
239مسألة :في حكم اإلخبار بالحياة
239باب المفعول المطلق
239ما يدل عليه المصدر
239باب االستثناء
239مسألة :في حكم وضع المستثنى أول الكالم
240باب الحال
240الحال وصف من جهة المعنى ،بيان ما يترتب
على ذلك من أحكام
صفحة 399 | 395 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
242مسألة :األصل كون الحال لألقرب
242مسألة :في مجيء الحال جملة
242باب العدد
243باب التوابع
243مسألة :في معنى النعت
243مسألة :في عطف البيان
243باب النداء والترخيم
243مسألة :في المنادي المفرد
244مسألة " :مع" أصله معي ،حذفت ياؤه للتخفيف
244تنبيه :حركة مع حركة إعراب
244فرع :في حكم "مع" إذا قطعت عن اإلضافة
246باب أبنية الفعل ومعانيها
246فعل :في المجرد والمزيد من األفعال
248باب أفعل التفضيل
248باب إعمال اسم الفاعل والصفة المشبهة
249باب عوامل الجزم
249مسألة :ألداة الشرط صدر الكالم
253مسألة :في حكم اعتراض الشرط على الشرط
254المآخذ المختلف فيها بين األئمة التي ينبني عليها
فروع فقهية
254القول في "سبب الختالف الفقهاء"
262القسم الثاني :الخالف في فروع بعد االتفاق على
أصولها
264مأخذ :في العالقة بين اإلمام والمأموم
267مسألة :في بيان المغلب في الزكاة من كونه
العبادة أو المواساة
270مأخذ :في علة ربوية األشياء المنصوصة
270مأخذ :األصل عندنا أن كاًل من الثمن والمثمن
مقصود بنفسه
271مأخذ :األصل في بيع الربويات التحريم
273مأخذ :ال معنى النعقاد العقود إال ثبوت أحكامها
276مأخذ :في حكم الفعل إذا طابق بظاهره الشرع
276مأخذ :في حكم الرهن
276مسألة :في ضمان العين المغصوبة
277مسألة :في معنى الغصب
278مسألة :في بيان ما إذا كانت المالية قائمة باألعيان
أو بالمنافع
مثليا
280أصل :فيما إذا كان المغصوب ً
281مسألة :في حكم ما إذا تعذر المثل
283مسألة :في علة ثبوت الشفعة
284مسألة :العبد محجور عليه بحق سيده
285مسألة :في بيان ماذا كان تصرف النبي صلى اهلل
عليه وسلم بالفتيا أو السلطنة وبيان ما يترتب عليه
الخالفات في ذلك
287مسألة :فيما إذا كان النكاح يتناول كل واحد من
واحدا أم ال ،وبيان ما يترتب على
ً الزوجين تناواًل
الخالف في ذلك
291مسألة :يفيما إذا كان أثر الشيء يتنزل منزلته أم
ال وبيان ما يترتب على كال الحالين
صفحة 399 | 396 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
293مسألة :في كون الصداق حق المرأة أو حق اهلل
294مسألة :اختالف الدارين هل يؤثر في اختالف
األحكام أم ال ؟
295مسألة :في بيان الخالف في كون حل األمة
بالنكاح كحل الحرة أو دونه ؟
295مسألة :في بيان ما إذا كانت نفقات الزوجات على
سبيل المعاوضات أو على سبيل الصالت
296مسألة :في بيان الخالف في معنى القصاص
297مأخذ :في بيان الخالف في المأذون في فعله من
قبل اهلل
298مأخذ :في بيان الخالف في كون اسم الزنا يطلق
على الرجل والمرأة حقيقة أو هو حقيقة في الرجل مجاز
في المرأة
299مأخذ :في بيان متى تملك الغنائم والخالف في
ذلك وبيان ما يترتب على ذاك الخالف
300مسألة :في بيان ما إذا كان القضاء إظهار لحكم
اهلل أو هو إثبات لحكم المدعي به وإ نشاء له ؟
300مسألة :في بيان ما إذا كان المعقود عليه في
الكتابة رقبة المكاتب أو اكتساب العبد
304يذكرها الفقهاء
306فصل :في تقاسيم أدرجها بعض الفقهاء في
القواعد خطأ وليست من القواعد في شيء
308فصل :في عدم اعتبار المأخذ والعلل التي يشترك
فيها من القواعد
309فصل :ومنهم من يعقد فضاًل ألحكام األعمى
309فصل :ومنهم من يذكر الفقه المختص ببعض
األماكن أو بعض الناس
310فصل :ومنهم من يشتغل بتقرير كون مذهب
الصحابي غير حجة
310فصل :ومنهم من يعقد فصاًل للمسائل التي يفتي
فيها على القديم
310فصل :ومنهم من يدخل مسائل األحاجي واأللغاز
311باب في األلغاز :
321مسألة :رجل قال المرأته :إن كان ما في كمي
من دراهم
323مسألة :امرأة في فمها لقمة
323مسألة :رجل قال لصاحبه :إن بدأتك في الكالم
فامرأتك طالق
324مسألة :رجل قال :أنا ألرجو الجنة
326مسألة رجل قال المرأته -حالفًا بالطالق :كلما
تقولين في هذا المجلس أقول لك فيه مثله ،فقالت له :
أنت طالق
337مسألة :سئل القفال عن بالغ عاقل مسلم هتك
نصابا ال شبهة له فيه وال قطع عليه
ً حرزا وسرق
ً
327مسألة :األلغاز التي وجهت إلى القاضي أبي
الطيب ،وإ جابته عنها
صفحة 399 | 397 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
327مسألة :رجل قال المرأته :إن لم يكن الشافعي
أفضل من أبي حنيفة فأنت طالق ،فقال آخر :إن لم يكن
أبو حنيفة أفضل فامراتي طالق ،فمن الذي تطلق امرأته
؟
328مسألة :مسلم قال :إن لم أكن من أهل الجنة فأنت
طالق
329مسألة :وقع حجر من سطح فقال الزوج :إن لم
تخبريني الساعة من رماه فأنت طالق ،وهي ال تدري
من رماه
درهما ودانقًا
ً 331مسألة :إذا قال له :علي اثنا عشر
-بالنصب في دانق -ما يلزمه ،وما الذي يلزمه عند
الرفع والخفض
332مسألة :إذا قال :قارضتك على أن لك سدس تسع
عشر الربع ،هل يصح ؟
333مسألة :رجل فاتته صالة يومين وليلتين فصلى
عشر صلوات واحدة بعد أخرى على ترتيب الخمس ،
فلما فرغ من جميعها قال
334مسألة :سئل بعض المتقدمين بهذين البيتين
334أتعرف من قد باع في مهر أمه
قديما أشهدت كل من
أباه فوفاها بحق صداقها وكانت ً
رأت بأن أباها قد أبت طالقها
334مسألة :رجل مات عن زوجة ،فلم ترثه بغير
مانع من الموانع المذكورة في اإلرث
335مسألة :تتعلق بما رواه الخطيب
336مسألة :رجل خرج إلى السوق وترك امرأته في
البيت ،ثم رجع فوجد عندها رجاًل ،فقال من هذا ؟ قالت
:هذا زوجي ،وأنت عبدي ،وقد بعتك له
336مسألة :ثالثة تداعوا وتساووا في الحجة فغلبت
حجة أحدهم وأسقطت الحجتان ،وحصل ألحد الذين
سقطت حجتهما مقصوده الذي كان يدعي به ،ولم
يحصل من قبلت
336حجته على مقصوده بل على ضده
337مسألة :امرأة لها زوجان ويجوز أن تتزوج بثالث
؟
337مسألة :شخص مات بالمغرب فوجب على آخر
بالمشرق صالة عشرين سنة
واحدا فضمنه ،فجرح
ً جرحا
337مسألة :رجل جرح ً
ثانيا فضمنه فجرح ثالثًا فسقط أحد الضمانين ،ولم يجب
ً
في الثالثة إال ضمان واحد
337مسألة :رجل نظر إلى امرأة أول النهار حرمت
عليه ،ثم حلت له ضحوة وحرمت الظهر ،وحلت
العصر ،وحرمت المغرب ،وحلت العشاء ،وحرمت
الفجر ،وحلت ضحوة ،وحرمت الظهر ثم حلت العصر
،ثم حرمت المغرب ثم حرمت مؤبدة ؟
صفحة 399 | 398 :
األشباه والنظائر
فهرس الموضوعات الجزء الثاني
ومنفردا ،ال
ً 338مسألة :رجل يجوز أن يصلي إماما
مأموما
ً
338مسألة :امرأة طلقها زوجها فوجبت عليها أربع
عدد
338مسألة :رجل إذا احتوى على المسروق لم يقطع ،
وإ ن لم يحتو عليه قطع
ذكورا ورثوا مال ميت
338مسألة :خمسة عشر ً
بالنسب ،خمسة منهم ورثوا نصف وخمسة ثلثه ،
وخمسة سدسه
339مسألة :أي نجس يتنجس مسألة :شيئان من في
الصالة أحدهما يشترك ستره من أعلى ال من أسفل
والثاني ستره من أسفل ال من أعلى
340مسألة :ما هو ألف قلة وهو نجس من غير أن
يتغير بنجاسة
340مسألة :شيء إن وقع كله كان على شخص ضمن
بعضه ،وإ ن وقع بعضه ضمن كله
340مسألة :في أي موضع يزيد البعض عن الكل
341مسألة :رجل ترك صالة واحدة من الخمس
341مسألة :رجالن ثبتت عدالتهما
ظلما
341مسألة :رجل قتل آخر ً
341مسألة :عبد تزوج أمة غيره بإذن سيدها
منفردا
ً 342مسألة :ماءان يصح الوضوء بكل منهما
342مسألة :جماد يملك ما هو مسألة :امرأة ال مانع
فيها من حضانة ولدها
243مسألة :رجالن أديا ما أمرا به
383خاتمة
383المسألة األولى
383المسألة الثانية
384المسألة الثالثة
صفحة 399 | 399 :