Professional Documents
Culture Documents
شرح المشكل في شعر المتنبي
شرح المشكل في شعر المتنبي
نص الكتاب
بسم اهلل الرحمن الرحيم
وصلى اهلل على سيدنا محمد وسلم
قال ابو الحسن علي بن إسماعيل النحوي المعروف بابن سيده :قال ابو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي رحمه
اهلل تعالى:
هج ُر َب ْي َن ْال َج ْف ِن
َو َف َّرف ْال ْ َ
والوسن
َ أ ْبلَى ْال َه َوى أس ًفا يو َم ْالنَّوى َبد ِ
َنـى
يذهب الناس إلى أن أسف البعد هي الذي أباله على عادة ال ِبلَى وإنما قصد المبالغة ،أرد أن ال ِب َل يعمل في
الجسام فحاال على األيام .وقد عمل فيه ليوم واحد ،وهو يوم النَّوى ،عمله لسنين.
وقال:
َضيج ٍة َفوق ِخ ْل ِبها َيدُها
نِ َظ ْلت بهاَ َت َ
نط ِوي َعلَى َكب ٍد
خردُها.
مضمن باألول وهو أبعد بان عنك َّ َّ لب :غشاوة الكبد والبيت
والخ ُ
ظلت :أقمتِ ،
فالعامل في أَبْعدَ ،ظلت كأنه قال :ظلت بها َب ْع َد ما بان ُخ َّردُها ،والمعنى :بعدما بان خردها ،ظلت منطويا على
كبد قد أنضجها التوجع وأذابها التفجيع ،و(عليها يدها) :إنما توضع اليد على الكبد خشية من ضعفها.
يريد بذلك ،وكذلك يُ ْف َعل بالفؤاد ،كقول اآلخر:
نار الهوى وا ْن َطويت َفوق َيدِي كفى َعلَى ُفؤادي م ْ
ِـن وضعت ِّ
ُ
يجة) ،صفة للكبد في اللفظ والمعنى ،ال َّ
حظ لليد في النُّضج ،وإنما يريد أن اليد َض َ
وأكثر الناس على أن (ن ِ
َ
موضوعة على ِخلب الكبد فقط ،ويُقويه البيت الذي أنشدناه ،وهو (وضعت كفى على فؤادي من......ناؤ
الهوى.).....
وقد يجوز أن يكون (نضيجة) صفة للكبد في اللفظ ،ولليد في المعنى ،أي على كبد قد نضجت يدها على خلبها
من حرارتها ،وهذا أبلغ ألنه إذا أنضجت اليد وهي موضوعة على الخلب من حر الكبد ،فما الظن بالكبد؟ فإذا
كان المعنى على هذا ،جاز في (نضيجة) الجر والرفع .فالجر على الصفة للكبد في اللفظ ،والرفع على أن
يكون خبر مبتدأ ،وذلك المبتدأ هو اليد ،كأنه قال :يدها نضيجة فوق خلبها .وهذا كما تقول :مررت بامراة
ٌ
ظريفة. أمها
أمها ،أي ُّ ٌ
ظريفة ُّ ظريفة أمتها ،فالظرف في اللفظ للمرأة ،وفي الحقيفة لألمة .وإن شئت قلت:
الجر .وكن (نضيجة) صفة لليد، وأما إذا كانت النضيجة صفة للكبد في اللفظ والمعنى ،فإنه ال يكون فيها اال ُّ
أبلغ في المعنى ،ألنها حينئذ نضيجة بما ليس في ذاتها .وإذا كانت نعتًا للكبد ،فهي نضيجة بما في ذاتها.
ِّ
واحتراق الشيء بما ليس في ذاته ،أبلغ من احتراقه بما في ذاته وإنما يريد أنه إذا وضع يده على كبده متألمًا
نضجيت اليد بحر الكبد ،كقوله:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ألنه ال شيء أقرب إلى طبيعة النفي من االحتقار ،والنفي عدم فجعل االحتقار
كالعدم.
يل في لَ َهوات ِّ
الط ْفل ما اليوم لَ ْو ّ
َ
بالخ ِ ( َف َب ْع َد ُه وإلى ذا ِ
َس َع َ
ال) ْ
ـضـت َر َك
أي أن هذه القبيلة َقلَّ ْت و َذلًّت ،حتى لو ركضوا الخيل ،على قوة الركض ،في لَ َهوات الطفل ،على ضعفه ،ما
شعر بهم فيس ُعل ،بالغ بذلك كقوله:
ُ
غيرت من خط السقم ما
من ُّ ـق ولَ ْو َقلَ ٌم ْألق ُ
ِـت فـي ِش ِّ
كاتب رأسـه ِ
فأما قول رؤبة في صفة الصائد:
في الغاب لو يمضغ َش ْريًا ما الح ْرص
والنفس من ِ
ُ فباَت
صق َب َ ال َف َش ْ
ـث
ض َغ الحنظل ،لمالن َهم على صيد الوحش ،وخشية أن يسمع له ِح َّسا فينفر ،لو َم َ فإنما أراد أن هذا القانص من َّ
صيد قد شغله حتى لو مضغ الحنظل لم يشعر َّ َ
صقهُ ،وقال األصمعي :إن تهمَع هّلى الت ُّ يبصق خشية أن يُن َِّفرها َب ْ
ُ
فيبصق.
بمرارته ُ
السعال. وخص المتنبي لهوات الطفل ألنها مظنة ُّ
ُ
ركضت بها .هذا هو ضت الخيل ،يقال :ركضت الداب َة ،وال يقال وقوله :ركضت بالخيل ،إنما وجهه :لو َر َك ْ
المعروف في اللغة ،لكن قد يجوز أن يكون ركض بالدابة لغة ،فيكون من باب َط َّو ْحته َّ
وطو ْح ُت به .وقد يجوز
جر ال َي ْقرأْ َن بال ُّس َو ِر) (سو ُد َ
المح ِ أن تكون الباء زائدة كقوله ُ
المحب َق َ
ضانني بع َد ما ِّ َق ُ
لب ـب ( َك ْم َم ْه َم ٍه َقـ َذف َق ْ
ـل ُ
َم َطال) الـدلـيل
(المح ّب) فجاء به على لفظ الفاعل ،ولم يقل الحبيب وهو يريده ،ألنه َعنَى شدة إشفاقه في ال َم ْه َمه ،وذلك
ِ قال
أن المعشوق إذا أحب عاشقه ،فإنما يهجر ُه لخوف واش أو رقيب ،فاذا رآه َخ َفق قلبُه إلشفاقه .ولو كان ِ
المحب
غير ُم ِح ّب لم يتجشم الزيارة على شدتها .وهذا كقول علي بن َجبَلة:
س َف ِزعاَ
ِرا من كل ِح ٍّ
َحذ َ يأبى من زارني ُم ْكتتمِـًا
فقضاني بعد ما َم َط ال على هذا القول ،جملة في موضع الحال .ويجوز وضع الفعل الماضي موضع الحال،
ُ
الفعلت ،يريدون ألنه قد يوضع موضع المستقبل في قوله :إن َف َعل َف َعلْت .وفيما حكاه سيبويه من قولهم :واهلل
ال أفعل.
صرت) في موضع الحال ،وقد (ح ِ
َ أن إلى ) م
ْ ُ
ه ُور
ُ د ص
ُ ْ
ت ر ص
ِ ح
ْ َ َ م ُ
ك وءُ اجَ و
ْ َ
(أ تعالى: قوله في بعضهم ذهب وقد
ُورهم).
صد ُ ً
ص َرة ُ َ ْ
حصرت في موضع الحال قراة من قرأ( :أو جا ُءوكم َح ِ منوه .ويشهد عندي أن ِ فيه َّ
وأما قوله( :قلب الدليل به قلب المحب) الذي هذه صفته فمعناه :أن فؤاد الدليل َو ِجل كقلب المحب الزائر
المتوقع للفضيحة.
وقد يجوز أن يكون (قضاني بعد مامطال) خبرًا عن ال َم ْه َمه ،أي :كم من َم ْهمه قد قضاني بعد مامطال ،قلب
قلب المحب.الدليل به ُ
وأما (قضاني بعد ما ماطال) وهو يعنى المهمه ،فمعناه :أن المهمه طال عليه ،فمطله بالنجاة منه ،ثم قضاه بعد
حين ،وكالهما مستعار.
قلب ال ُم ِح ّب) فمعناه :أن قلب المحب يرجو ويخاف .وكذلك قلب الدليل يرجو الهداية ُ به (قلب الدليل
وأما قولهُ :
ويخشى الضاللة.
سليمًا من ْالجرحى بريئا من ( ُم ِحبِّي قِيامِي َما لِ َذلِ ُكم
القتل)
ِ ـل
ـص ِ الـنَّ ْ
أي :يامحبي ثورتي وقيامي بدْولتي ،وتركي لألسفار ،كيف أفعل ذلك ولم أكسر
سيفي ،وال َثلَ ْمته بضربي أعدائي به ،ف َك َى عن الكسر بالقتل ،وعن الثَّلم باُلجرح،إذ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الجرح والقتل إنما يلحقان الحيوان ،والسيف جماد ال حياة به .وأراد سليمًا من
الج ْرح .وإن شئت قلت كأنه على حذف المضاف، الج ْرحى موضع ُ الجرح ،فوضع َ
الجرحى ،وبريئًا وسليمًا منصوبان الج ْرحى ،أو من هيئة ُجرح ْ أي سليمًا من ألم َ
ُ
على الحال من قوله( :ما لِ َذلِكم) :أي استفهم عنه وهو في هاتين الحالين ،كقوله
تعالىَ ( :فما لَهم عن التّ ْذك َ
ِرة ُم ْع ِرضين).
ال أح ٌد م ِْثلي)
فما أح ٌد فوقي َو َ (أَم ْ
ِط عنك َت ْش ِييهى بما وكأننَّه
اما (كأن) فلفظة تشبيه ،فالكالم بها هنا على وجهه ،كانه يقول :التقل في :األس ُد وال كأنه السيف ،وال كأنه
ُ
السيل ،فكل ذلك إنما هو دوني،وال ينبغي أن تشبه الشيء بدونه ،إنما المعتادُعكس ذلك. ُ
الموت أو
ً
وأما (ما) فليست بلفظة تشبيه بمنزلة كأن ،إنما استجازها في التشبيه ،ألنه وضع األمر على أن قائال قال :ما
يُشبه؟ فقال له المسئولَّ :
كأنه األسدُ ،كانه السيف .فكأن هذه التي للمسئول ،إنما سببها (ما) التي للسائل .فجاء
هو السبب والمسبب جميعًا؛ وذلك الصطحابهما .ومثل هذا كثيرا.
ال يقول :ماهو وقد يجوز أن تكون (ما) هنا بمعنى الجحد ،فجعلها اسما ،وأدخل الحرف عليها ،كأنه سمع قائ ً
(إال) األسد .وفي هذا معنى التشبيه أي مثل األسد ،فأبى هو ذلك .ثم رجع إلى النوع األشرف فقال (فما أح ٌد
فوي وال أحدُمثلي) مفض ً
ال نفسه عليهم.
وله أيضاً:
إال ُ
رأيت العِبا َد في َر ُج ِل) ( َهـديَّ ٌة مـا ُ
رأيت ُمـ ْهــ ِد َيهـــا َّ
ُ
رايت مهد َيها إال رايت األنام في أي هذه هدية ،ويجوز هدية على البدل من قوله( :بما بعثت به) .وقوله :ما
رجل :أي أن فضائل األنام مجموعة في شخص واحد منه ،فال ُم ْع َتبر بالعدد ،اذاحاز معانيم أجمعين وحده،
كقوله أيضا:
وأصبح دهرى في َذرا ُه دُهور غدا الناس م ِْثلَ ْيهم له ال َع ِد ْمتُـ ُه
(رس َطا لِيس) فقال:
ض َى تلميذًا له من بعض تالميذه ،يقال إن ذلك التلميذ ْ
ونحو قول بعض الحكماء وقد َر ِ
واحد كألف ،وليس ألف كواحد ،وليس ألف كواحد وقال ابو نوأس:
أن يجمع العال َم في واحد بمستنـكـر
ٍ ليس َعلَى اهلل
وله:
سم
األر ِ
س في ْ
ُر ٍ
أر ُس ٍم د ُ
ذِى ْ ـى
ـس َ
بجسـم ُم ْ
ٍ (وال َو َق ْف ُت
س) ُر ِ
الد ُ ثـالـث ٍة
الصباح .أي لوال هه الظبية اإلنسانية ،لم أقف على رسوم ههوالصبحَّ ،
ِّ كالصبح،
ِسا ،وال َم َسا ُءُ ،
المس ْى ،والم َ
ُ
الدار ثالثا بين يوم وليلة أسألها .ولم يُرد أن ّه وقف عليها بعد ثالث من إقفارها ،ألن الدار ال تدرس بعد ثالث.
وامحائه .واستعار له
ِّ ُرس ،ذهب فيها إلى الجسم بأنه ذو أرسم د ُ
وإنما عنى أنه وقف عليها ثالثا ،وصفته ِ
أرسمًا حين شبهه بهذا الربع الدارس واألرسم ،كقوله في صفة الدار: ْ
ُ
والشوق يُنحلنى حتى َح َكت ْق ال ُّ
كل َهزيم ال َود ِ ما َز َ
َجسدي ُي ْن ِحلـهـا
وهذا البيت أبلغ في نحول جسمه ،ألنه جعل الدار يحكى جسمه في النحول ،فإذا جسمة أنحل منها.
وفي هذا البيت أعنى (وال وقفت بجسم ). . .لم يجعل لجسمه فض ً
ال على الدار في النحول.
وصبُر ،وان يكون جمع دارس َك َبازلَروس ،كصبور ُ ودُرس :يجوز أن يكون جمع دَريس وأن يكون جمع د ُ
وبُ ُزل.
ديباج َعلَى ُكنُ ِ ض َ َ ْ ٌ َ
س) اق َق ْبلك َخلخال َعلى َر َشأٍ وال َسمِعت ِب ِ (ما َ
وساق الرشأ دقيقة ،فكيف خالقت أنت الشرأ ،بأن ُ يقول أنت كالرشأ في الحسن،
ال ،جال عليها ولم يثبت. ضاق خلخالك عن ساقك .ولو ألبست ساق الرشأ خلخا ً
سمعت بديباج على ُكنس) :أي على هودَجك ُستُور ديباج .ولم نسمع ُ
قبل ُ (وال
بديباج على كِن اس .إنما الكِناس ُغصون أو أسؤق شجر أو َم َحافِر أرض .وأنت
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
قد َخ َرقت المعتاد .بكون الديباج على كناسك .ومن رواه على َكنِس ،أراد على ذى
كناس .وهذا َعلَى النسب ،إذ ال فعل له .ونظيره ما حكاه سيبويهَ :ج ِر ٌحَ ،و َس ِت ٌه،
َهره) أي :ذو نهار. بليلي ولكني ن ِ
(لست ِّ ُ َه ٌر ،وأنشد: َ
وط ِع ٌم َون ِ
ات) ،فذهب الفارسي إلى أنه من باب َفرق ِ
ونرق، َح َس ٍ
فأما قراءة من قرأ (في أيام ن ِ
َحس النهار.توهموه على الفعل وإن لم يكن له فعل ،لم يقولوا ن ِ
غير قوى عندى ،أحسن منه أن يُحمل على النسب ،ألن وها الي قاله الفارسي ُ
َحس قليل في نظيره كثير ،كما قد حكينا عن سيبويه ،وتوهم الفعل في مثل ن ِ
كالمهم.
وله أيضًا:
ْ إليك َ
ِنى َ لى هد ً ( َف َج ْ
وظر َفها التأميال) م ِّ َّية علت ما تُهدِى إِ َ
ُ
جعلت جل قدرك عما تناله يدي ولم تبلغه إال هبة يدك التي هي كفاؤه، يحتمل وجهين .أحدهما :أنه أراد :لما َّ
ُ
وجعلت ظرفها تأميلي أن تقبلها منى. ما تهديه إلى ،هدية منى إليك ،فما بعدل جاللة قدرك إال جاللة جودك،
ُ واآلخر :أن يكون استحقه فقال :ما علمت أن (ما) تتحفنى به أو َ
تز ِّو ُدنِت ِه لرحلتي ،سيبلك أن تمسكه عنى وال
تُ ْطلِقه ،وأن َت ُعدَّه هدية مني إليك ،وبإمساكك عن إهدائكه إلي.
وله أيضا:
أغ َر ُق)
إلى برحم ِة ال ْ
وانظر َّ اب ُجود َ
ِك َث َّر ًة على َس َح َ
أم ِط ْر َّ
(ْ
عطى فرحًاَ ،ف َتالف ُع َفاتك منه ،لئال يبلغ بهم الْ َح َسد المهلك ،فيكون
أي إن عطاءك جاوز المقدار ،فكاد يقتل ال ُم َ
كالماء ال ُم ْغرق ،كقول أبى تمام:
وسوس سائل ُه
َ بحسن دِفاع اهلل
ِ قلب لوال اتصالُـهـا
ستثير ْال َ
َت ُ
وقد يجوز أن يكون قوله( :انظر إلى ِب َرحمة) أي ال تكلفني من الشكر قدر الواجب فيهلكني ذلك ،فكنى عن
َرق .وقال َث َّرة وهو يعنى السحاب ألن السحاب جمع سحابة ،وكل
ضعفه عن الواجب عليه من الشكر بالغ َ
جمع ليس بينه وبين واحده إال الهاء ،فلك وتذكيره ،وجمعه وإفراده.
وله أيضاً:
َر ْت َكيف َت ْر ِج ُع) لت ِبـنـاَ ْ
وبال ِج ِّن فيه ماد َ (و َقل ُب َك في الدُّنياَ َولَو د َ
َخ ْ
يتعجب من ذلك .أي قلبك في الدنيا ،وهو من السعة بحيث لو دخلت الدنيا فيه بنا وبالجن ،أعجزنا الرجوع،
ًَّ
وهال ضاقت عن حمله ،اصغرها عن ِعظمه .يبيِّنُه ما قبله ،وهو وتُ ْهنا في سعته ،فكيف ِ
وس َع ِت الدنيا قلبك؟
قوله:
َوأَ َّن ُظنُوني في معاليك أن َوص َفك ألَ ْي َ
س َعجيبًا َّ
َتظـلَ ُ
ـع ُمعـجـزى
َ َعلَى أنه من ساحة األرض
َ ثوب وصدُرك فِي ُكـمـا ٍ َوأَنَّك في
وسع
ُ أ
وله أيضاً:
طويل ْال َقناة طويل ْال ِّس ِ
نان) (طويل النجا ِد طويل العما ِد
ُمدَح به كقوله هو: النجادِ :ح ُ
مالة السيف ،فطوله كناية عن طول القامة ،وذلك مما ي ْ
اع َت َقلُوا
أبدانُهم في تمام ما ْ ُقلُوبُ ُه ْم في مضاء ما ْ
ام َت َش ُقوا
وكقوله:
َن َق ُّد ْالقنا ِة لِـه َق ُّ
ـد َعلَى َبد ٍ فض ُ
ول الدِّرع من َجنَباَتِها َو َغ َ
ال ُ
الس ْؤدُد ،وأصل العماد :ما ُعمد به البيت ،أي أقيم .ويقالَ :ع َمدت البيت َ
وع َّمدْته، كنية عن ُّ ُ
وطول العمادٌ :
ّ
الحلة ،أطول بكثير الشائمين له،صد ،فكأن عماده ،وإن سارى ُع ُم َد أهل ِوق يُ ْق َ
وعماد سيد الحلةَ :م ْر ُم ٌ
أرماحها بالطول، َ الحذف بالطعان .ولهذا وصفت العرب ْ والسنان :كناية عن ِ
والقاصدين نحوه .وطول القناة ِّ
يريدون جودة العمل بها ،والقوة على تصريفها ،ال أنها طوال في ذاتها ،ألن طولها ُمبْع ٌد عن القِرن ،وال َي ْحم ُد
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ذلك إال الجبان .ولو كان طول القناة في ذاتها محمودًا ،لكان السيف لكونه أقصر منها . . .مذمومًا .وإنما
بالضراب ِّ
والطعان. الح ْذ َق ِّ
صفة القناة بالطول ،كصفة السيف بالطول .ال يؤريدون في كل ذلك إال ِ
الخطل قال األصمعي :طول القناة :أربع ُوؤثها َ
ومما يدلك على أن طول القناة غير محمود ،أن طول القناة قد ي ْ
وأقصرها سبع والممدوح بينهما ،وهو ما كان طوله إحدى عشرة كقول الشاعر: ً عشرة
ثوى ْال َق ْسب قد أَر َبى ذِراعا َعلَى ـر َخ ِّ
ـطـياٍّ كـأن ـم َ وأس ْ
َ
ْال ْ
عشر ُكـ ُعـو َبـه
وكذلك قال البحتري:
ِص ُر استبد به ٌ
طول وال ق َ َّ فما أذرعه َع ْشر وواحدة
كالرمح ُ
ِ
إذا ُ
كنت في َه ْبو ٍة ال أراني) ـوب
ِ ُ
ل ُ
ق ْ
ال غامضات
ِ ه ُّ
( َي َرى ُ
حد
ماض يقطع كل عضو يلقاه ،حتى ينتهي إلى القلب ،فكانه إنما قطع مادون أي أنه ٍ
الح ُجب التي دونه ،إذ لم يمكنه القلب من األعضاء حين رأى القلبَ ،ف َه َت َك اليه ُ
الوصول اليه إال باختراقها ال َه ْبوة ،وأراني هنا :من ُرؤ ْية العين ،ألنها غير متعدية،
فعل الفاعل إذا كان ِح ِّس ًّي ،لم يتعد إلىفكان يجب أن يقول :ال أرى نفسي ،ألن َ
ذاته بكناية المتكلم .اليجوز ضربتُنى ،وإنما يتعدى فعل الفاعل إذا كان ِحسيَّا إلى
(ربناَّ َظلَمنا أنفسنا) إال أنه
ذاته بلفظ النفس .ويقولون :ضربت نفسي وفي التنزيل َ
وعدْمتُني ،وهذا نادرا غي معمول به. جاؤ عنهم َف َق ْدتُني َ
لكن لما كانت ارى التي هي للعين مطابقة اللفظ آلرى التي هي للقلب ،تتعدى على
جر َى (أرى)هذه الصورة ،ألنها غير ِح َّسية ،كقولهم :أراني ذاهبًا .اسجاز أن ُي ِ
التي للعين مجراها.
َت امأ :برعلا لوق نم هيوبيس هاكخ ام انأ هّرى أي برق هاهنا؟
َ وعلى هذا أ َوج
ف ُع ِّلقت فيه أرى .ورؤية العين التُعلَّث وإنما تعلق رؤية القلب ،ورؤية القلب
صرية ال نفسانية .لكنها لما طابقت في اللفظ (ترى) التي هي للقلب ،وكانت هذه َب َ
تعلق استجازوا تعليق التي للعين .على أن الفارسي قد ذهب في هذا الذي حكاه
سيبويه إلى أنها رؤية َق ْلب.
وله أيضًا:
قطن من يديهصائِب وآخر ٌ اس النَّاس م ْ
ِن َ ( َر َماني ِخ َس ُ
ـجـنَـاد ُ
ِل) ْال َ اس ِت ِه
ْ
وج ُّم الفضائل ،وعدوه َج ُّم النقائص والرذائل ،ولذلك وقع بينهما التنافر ،ألن ِّ
الذد يذهب إلى أن عدوه ض ٌد لهُ .ه َ
ناقص لجرى العادة بمعاداة ذى النقص لذى ِشكله فهو يقول :اليعاديني إال ٌ ُمحارب لضده ،والشكل ُمسالُم ل َ
واإلجماع قد وقع على َفضلى -فهو ال محالة ناقص وقد صرح عن ذلك بقوله في ُ الفضل .فإذا عاَبنَى -
األخرى:
فهي الشهاد ُة لي بأنى َك ُ
مل نـاق
ٍ وغاذ َ
أتتك َم َذ َّمتى من
أي أنه لو كان فاضال مِثلي ،ما َذمنَّي لَِت َشا كلُنا في الفضل ،وألنه لو كان فاض ً
ال ل َن َقص و َف َ
ضلت .فأوجب ذلك
َت َ
ضادًا وتعاديًا كقول أبى تمام:
وذو النقص في الدنيا بذىُ لقد َ
آسف األعدا َء مـجـ ُد ابـن
الفضل ُمول ُع ـف
يوس ٍ
ُ
وقوله( :مِن صائب اس ِتهِ ،وآخر ُقطن) ك أراد من بين صائب يرميه وآخر هذه صفته ،أي أنه ضعيف يُعدِى
الج ْندل فيضعف ،حتى اليُؤثِّر كما ال يؤثر القطن إذا ُرم َ
ِى به. ضع ُفه َ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وصائب استه :أي ُمصيبها .يقال :صاب الشيء وأصابه.
وخص ذكر استه من بين سائر األعضاء لوجهين :أحدهما :قص ُد االستخفاف به في ذكر ذلك منه ،واآلخر أن
المتنقص لي مغلوب مهزوم .والمهزوم ال يقع سالحه إال على مايلي ظهره ،فخص هذا العضو ِّ هذا الناقص
لألمرين جميعًا.
والس َب.
َّ َّو
ب الس
َّ االست سميت ولذلك كثير. بلك ب والس
َّ م، ْ
ت ّ
والش االستخفاف، قصد إنما أنه واألجو ُد عندى
وأصل الناس :األناس ،حذفوا الهمزة لكثرة استعمالهم إياه ،وذلك مع الالم ،وقد جاء محذوفًا وال الم فيها ،كما
إن المنَايا َي َّطلِ ْعن على األناس اآلمنينا ولما
جاءت الهمزة فيه مع الالم فيما أنشده أبو عثمان من قول الشاعرَّ :
ذكر سيبويه اسم اهلل تعالى ،وكون األلف والالم فيه َخلفًا من الهمزة قال :ومثل ذلك .أناس :فإذا أدخلت األلف
والالم قلت الناس .إال أن الناس قد تفارقهُ :األلف والالم ويكون نكرة .واهلل تعالى ال يكون فيه ذلك ،وهو
فصل معروف في باب ما ينتصب على المدح والنعظيم والشيم في باب النداء.
جوهر والجواهر ال يوصف به .إال أن الجر في مثل هذا قد ٌ الرفع ،ألنه
ُ (وآخ َر ُقطن) الجدي في ُقطن وقولهَ :
توهم الصفة ،يُقدر الجوهر صفة بقدر ما يحتمله وضعه ،نحو ما حكاه سيبويه عن العرب َي ُسوغ ،وذلك على ُّ
َ
صفُتّه ،ألن الخز وإن كان جوهرًا فهو في معنى ليِّن ،صفة قال :الفارسي :كأنهم ٍّ َ
بسرج خز ُ من قولهمَ :م ُ
ررت
ٍ
يقولون( :مررت بقاع َع ْر َفج كله) .فيجعلونه كأنه وصف .قال الفارسيٍنشخ عاقب تررم :نولوقي مهنأك ّ:
طن من يديه الجنادل) ُ
والشوك َخ ِش ُن المس .فاذا َج َّر فقال( :وآخر ُق ٍ بخ ِشن ،ألن ال َعرفج شاك،كله .وإنما َقدَّره َ
فكأنه قال :وآخر لين أو ضعيف من يديه الجنادل.
اه ُ
ـل) هل ِع ْلمي أَنَّ ُه ِب َى َج ِ
هل َج ْهلَه َو َي ْج ُ
(ومن جاَ ِه ٍل ِبى َو ْه َو َي ْج ُ
َوأنِّى على ظهر ِّ
السماكين ض ( َو َي ْج َه ُل أبى مالك ْ
األر ِ
َر ُ
اجل) ـر
ُم ْع ِس ٌ
ومن جاهل :معطوف على (صائب استه) .أي أنه قد اشتمل بالجهل َو َ
ال َي َعل ُم أنه
جاهل لكاَن له ٌ جاهل ،بالغ في استجهاله ،فلم يُبق له أثرًا من العلم ،إذ لم علم أنه
ٌ
جز من العلم.
وكذلك أيضا بالغ في استجهاله بقوله:
ُ
جاهل و َيجل ُه على أنه بى
يقول :ال علم له البتة ،وكذلك يجهل قدري عند نفسي ،فال يعلم أني إذا ملكت الرضُ ،
كنت ُمعِدمًِا عند نفسي،
علوت السماكين ،كنت عند نفسي راج ً
الَّ ،
ألن ذاتي أعظم قدرًا وأكرم خظرًا. ُ لقصر ذلك عن قدري ،وأني إذا
السماكين)
(مالك األرض) :حال ،والنية فيه االنفصال ،أي مالكًا لألرض .والظرف في قوله( :على ظهر ِّ َ و
متعلق بمحذوف أي مستقرًا على ظهر السماكين ،وهو حال ،فالمجرور في موضوع الحال ،وأراد على
السماكين
وحسن ذلك أن ِّ السماكين) فوضع الواحد موضع ذلك .ومثله كثيرَّ ، (ظهور السماكين) ،أو َ
(ظ ْه َرى ِّ
يذكران كثيرًا معًا ،فصار كالواحد.
ُو
اخ ٍل َوه َ صد ْ
َرت عن َب ِ وحه وال َ
وح امرى ِء ُر ُ (فما َو َرد ْ
َت ُر َ
باخ ُل)
ِ لَ ُه
أي لم َت ِر ْد ُسيو ُفنا َ
روح امرىء إال صار لغيره ،إما بكونه إلى العنصر َف َقدر أن يبخل عليها بهما ،أو بواحدة
منهما.
َوأَنِّ َي فيها ما َت ُقول ْال َعواذ ُ
ِل) أن ْال ِبالد َم َسا ِمعِي
(يُ َخيَّ ُل لي َّ
ُت في َس ْمعي ،كما ال ْأثبُت أنا ُخيِّل له السيء وخيل إليه :أي ُشبِّه حتى حسبه كائِنًا ،ويقولُ :
قول العواذل َ
ال يْثب ُ
صرف ،كقوله:وضروب التَّ ُّ في بلدٍ .أراد :وأني فيها ما يقول لي العواذال ،من النهى لي عن َّ
التغرب ُ
وآو ً
نة َعلَى َقتد البعـير ِ ْو َر ْحلِى
بيوت البد ِ
أوانًا في ِ
ُ
ومثل هذا كثير في شعره.
وله أيضاً:
بياض لَـ ُه ألنت أَ ْسو ُد في َعينِي من اّْل ُّظلَ ِم) (ا ْب َع ْد َب ِعد َ
ْت بياضًا ال َ
اب ْعدَ :أي اهلكَ .ب ِع َد الشي ُء بعدًاَ :هلَك ،وب ُع َد بُعدًا :ضد َق ُرب .ودعاؤه عليه بال َب َعد :أبلغ من دعائه عليه بالبُعد،
لنه إذا َهلَك فقد صار إلى ال َعدَم ،وإذا ( َب ُعد) كان في الوجود وإن لم يُ ْقرب .والب َعد أ ْمحى له من البُعد .وقوله
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
بياض لَه) :أي ال بياض له في الحقيقة ،وال يحدث عنه بشر وال َف َرح. َ ( َبياضًا ال
ود وجو ٌه). ْيض وجو ٌه َو َت ْس ُّ
والسرور بالبياض .وهو معنى وله تعالىَ ( :ي ْو َم َتب ُّ َ بالسواد،
زن َّ الح َ
صف ُ ُ والعرب َت ِ
ُ
بياض) ،ألنه إنما يخاطب َّ
الش ْعر ٍ ا َ
ذ ِدت
ع ب د
َ َعبْ (ا وأراد: ودًا) س
ْ ُ
ن ُ
ه ه
ُ وج َّ
ظل ثى ْ
ن باأل ُهم
د أح ر
َ ِّ
ُش ب (وإذا قال:
األبيض ،وال ال َع َرض الذي هو البياض( .ألنت أسود في عيني من الظلم أيها الشيب.
ِعل) (أَ ْف َع ِل) هذا على أكثر من ثالثة (أس َو ُد في عيني من الظلم الُّظل َم) ،فخطأه فيه قوم .قالوا :إن (ف ْ فأما قولهْ :
صلَ بأش ّد وأ ْب َي َن وغيرهما من األفعال الثالثية ،التي تصاغ نُ َ
يو َ (اس َودَّ) فال تقع المفاضله فيه إال َأحرف ،وهو ْ
بها إلى التعجب من األفعال التي على أكثر من ثالثة.
تعلِم( قّن) بأفضل في قولك: ْ وهذا منهم غلط .ليست (أف ْعل) هنا للمفاضلة ،وال (مِن) متعلِّق بأسود ،على حد
الظ ِلم في عينيَ ( .فمِن) غير متعلقة ْ
بأسود، زيد أفضل من عمرو .وإنما هو كقولك ألنت أسود ،ومعدود من َ
كتعلُّق (مِن) بأفعل التي للمفاضلة ،وإنما هي في موضع رفع ،حالَّ ًة محل الظرف ،بمنزلتها في قول األعشى:
العز ُة ل ِْلـكـاث ِ
ِـر وإنما َّ صى
فلست باألكثر منهم َح ً
ِن وإنما هي هنا بمنزلة َّ
الظرف .وذلك جعل ِب م ْ ً
متعلقة باألكثر ،ألن الالم تُعاق ُ ُ
يجوز أن تكون (م ْ
ِن) فال
ِم( ّن) هنا بمنزلة ساعة في قول أوس بن حجر: الفارسي ْ
يمان
ريط ٍ ص ْو ِن من ٍ إلى ْال َّ أحـ َوج فإنا رأينا ْال َ
عرض ْ
ُم َس َّهم ً
سـاعة
وشيبى باَلُ َغ َهواى ِط ْف ً
ال َ والشيب
ُ بح ِّب قاَ ِتلَتى
( ُ
ْالُ ُحبـم) َتـ ْغـ ِذ َي َتـى
بت نفسي بحب هذه التي قتلني حبها بالشيب .فأما تغذيتي نفسي بالحب ففي أي َع َذ ُ
الحلُم ،أي َهويت وأنا طفلِ ،
وش ْبت حال طفولتي ،وأما في الشيب ،ففي حال بلوغي ُ
الح َّب والشيب لنفسه غذاءين وهما ُمهلكان ال فج َ
عل ُ من ذلك الحب وأنا ُمتِل ٌمَ ،
ُم َتم
ّ
نيان .والياء في تغذيتي تكون في موضع الفاعل ،فيكون المفعول حينذ محذوفًا ،أي
تغذيتي نفسي ،كما تقول :عجبت من ضرب زي ٍد عمرًا .ويجوز أن تكون في
وهواى :يجوز أن يكون مبتدا موضع المفعول الذي لم يُ َس َّم فاعلُه ،أي ُغ ِّذيتَ .
السويق ملتُويا ،والقول في يبي أك َثر ُشربي َّ وخبره الحال الذي هو ٌ
طفل كقولكْ :
الحلُم.
اى ِطفال .وكأنه قال :بالغًا ُ وبالغ الحلم ،كالقول في َه َو َ َ
وش ْيبي حينئذ في موضعبيَ ، ويجوز أن يكون َه َواى في موضع جر ال َبدَل من ُح ِّ
معطوف على َهواى .واألول أقوى. ٍ جر
ِّ
رم)
الح ِ ِلة و َيس َت ِح ُّل َد َم ُ
الح ّجاج فب َ الخمس ناف ً
َ صلوت
ِ يخ يرى الُ
( َش ٌ
السن والح ْن َكة ،كقول الرياح ّي:
المجرب إذ ال تكون التجربة لغير ذوى ِّ
يعني بالشيخ هناَ :
َج َذنِى ُمدا َو َر ُة اُْل ُّشئُ ِ
ون ون َّ أخو خمسين ُم ْج َت ِم ٌع ُ
أشدِّى
فرين ،وقد قال هو في موضع آخر:
وفي كالمهم :ابن خمسين :ليث ِع ِّ
كأنه ُم من طول ما ْال َت َث ُموا ُمر ُد) قى ْ
بالفتاَ َو َمشـاريخ (سأطلب َح ِّ
جمع مشيخة و َم ْشيُوخاء على حذف الزائد( .يرى الصلوات الخمس نافلة) :أي أنه ال يعني بمفروضات مشايخَ :
الحجاج في الحرام :أي أنه مبالغ في المضاء
الدين ،وال تمن ُهه مما يشاء إذا أمكنه ما طلبه .ويستحيل دم ُ
ال عما سواه .ويرى هاهنا :من رؤية القلب ،ألن الصالةالتحرج الذي يوجبه الدين فض ً
ُّ والنفاذ ،حتى ال يرد ّه
َحلا يفو .هيلع ةعقاو رصبلا ةّرم تتميم بديع.
َ س حا فتكون محسوس، بجوهر فعل َعرضي ليس
دم) ْ ْ ْ
ـروتـه لم يُث ِر منها كما أثرى من ال َع ِ
( َو َر َّب مال فقيرًا من ُم َّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الس ْمح إذا وجد أعطاها َّ
حظها ،فالفقر مع السماحة أجدى على الغنى يمنع نفسه َّ
خظها ،والفقير َّ َّ أي أن اللئيم
صاحبه من الغنى مع اللؤم ،كقول حسان بن حنظلة:
َو َيسو ُد ُم ْغ َت ِربًا َعلَى اإلقالل إنا لَ َع ْمر أبيك َي ْحمد ضي ُفنـا
الس ْمح من ال َعدم.
الغنى من غناه ،كما أثرى هذا الفقير َّ
ُّ وتقدير البيت :ليم يثر هذا اللئي ُم
الغنى من الفقر ،وأكثر من ثروته من الغنى ،أي أن حالة ال ُمعدِم أظهر ِّ اللئيم هذا َى أن ثرثرةوقد يجوز أن َي ْعن ِ
ِى.من حالة ال َغن ِّ
فأما قوله:
ما ليس َي ْجنى عليه ُم ال َع َد ُم) ( َي ْجنِى ْال ِغنَى لِلَِّئام لو َع َقلوا
ُذمون بظهور حال الفقر عليهم، َّرون بل ي ُّ فمعناه المبالغة .أي أنهم يمنعون أنفسهم َّ
حظها في حال الغنى ،فال يُ َقد ُ
وإن كانوا أغنياء .وأما إذا ظهرت عليهم حال ال ُعدْم وهو ُمعدمون ،فال ُذ َّم عليهم ،بل عذرهم في ذلك َبيِّن.
وله أيضاً:
َّمع فانهلَّت َبواد ُ
ِر ُه) َ
وغيَّض الد َ ضمائر ُه
ُ قيب فخا ْنته
الر َ ( َح َ
اشى َّ
الرقيب ،وأخرجه مما كان يعرف َّسه ،ألنه كان في أول أمره يبوح بسره إلى بعض إخوانه،
َ يُريد :اس َت ْث َ
نى
ويخفى ذلك عن الرقيب .فلما تمادى ذلك به أفرط عليه ،إلى أن بخل وبكى ،وذل وشكا ،فعلم الرقيب ذلك منه.
َت ل َف ْق ِد أسمِه تبكى َمنابُره)
كاد ْ (غاَب االمير َ
فغاب اُريخلّ عن َبل ٍد
كان األمير المجهول مخطوبًا له بحمص أيام واليته إياها ،فأزيل عنها فانقطع االختطاب باسمه على منابر هذه
المدينة ،فحنت المنابر وبكت لذلك.
سى ْال َمو َتىرت عن أَ َ
وخبَّ ْ َ اش َت َك ْت َو ْح َش َة َ
األ ْحياء (قد ْ
َمقاَ ِب ُر ُه) أَر ُبـ ُع ُة
وحش إليه األحياء ،وهذا الهاء في مقابره :للبلد ذاك ،كما كانت في المنابر له .أي َت َّ
إن المقابر ممكن ،واألموات ،وهذا غير ممكن ،لكنه بالغ بالموتى ،وأفرط بقولهَّ :
يتوحشون،
أسى الموتى ،فالنصف الثاني أغلى من األول ،ألن األحياء َّ ُم ْخبرة عن َ
وإن كان فيه غثلُ ٌّو أيضًا إلسناده الشكوى إلى األر ُبع فيه .وكأن األر ُبع إنما اشتكت
توحش أهلها ،وبُعدًا بذلك. رق ًة لما تراه من ُّ َّ
توحشها إلى األحياء وإن شئت قلتُ :خلِّيت األربع بعد المير من سكانها ،فتشكت ُّ
(وهذا) أولى .لتطابق إسناد األسى إلى الموتى.
ِر ُه)هن َبـنُـوه أَو َعـشـائ ُ يوف َعلَى أَ ْعدَائِه َم َع ُه كأَنَّ َّ
( َت ْح َمى ْال ُّس ُ
كأن السيوف من تح َمى على أعدائه معه ،تعصبًا له وحبًا ،حتى َّ أي إن السيوف َ
مظاهرتها ونصرها له ،وتبليغها إياه ما شاء من عدوهَ ،بنُون له أو عشائر قال أبو
الفتح :وهذا أبلغ من قول أبى تمام:
والـغة َوفي ْال ُكلَى تج ُد ْالغيظ الذي تج ُد ٌ كأنما هي فـي األوداج
ألن أبا الطيب قد جعل السيوف بنين له وعشائر .وإذا كانت المناسبة استحكمت العصيبة ،وازدادت األنفس
حمية ،وأبو تمام لم ينُ ْط بي َته بشيء من معنى المناسبة.
ـر ُه)
ظـاه ُ
ِ وباطنُه للعين
إال َِّ (إذا ا ْن َتضاَهاَ ل َ
ِح ْر ٍب لم َتدْع َج َسدًا
جردها .أي إن الدن الذي هو باطن الجسد َيفيض فيصير ظاهرًا .وقيل َت ْقطع األشالء و َت ُق ّد الجلد،
انتضاهاَّ :
فيظهر من الجسم ما كان باطنا.
وله أيضاً:
إال وفيها له فِـ ْع ُ
ـل) ( َومِن َج َسدى لم َي ْترك ْال ُّسق ُم َش ْعر ًة َفما َفوقها َّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أرق السم نال طائفة من طوائف َج َسدي :اللَّحم وال َعصب وال َعظم ،فأنحاَه وبراه ،حتى َّ
الش ْعر الذي هو ٌّ أي أن ُّ
ْ
السقم كذلك ولذلك قال بعض ْ ْ
والشيب ُسق ٌم ،ألنه ُمشعِر بفناء ،كما أن ُّ
ُ الطوائف جسمي ،فإنه أثر فيه بالشيب.
الشعراء في صفة الشيب:
ولَ ْم أَر مثل الشيب ُسقما بال ألَ ْم غـير مـؤلـم
ُ هو ْال ُّسقم َّ
إال أنه
عر ،بهذه النازلة العظيمة الشنيعة ،وهو الشيب وقد يجوز أن َي ْعنِى أنه َق َذف في اصغر طوائف جمسي ،هو َّ
الش ُ
فقس على سائر الجسم بمثل هذا القياس ،كما يُستدل باألصغر على األعظم ،وباألقل على األكثر ،أدى إذا كان
فعله في الشعر هذا ،فما ظنك باللحم ،وما يحمله من العصب والعظم؟
ص ُل)
أيهما النَّ ْ وعا َي ْن َته لم َتد ِ
ْر ُّ ارق ْالغم َد َس ْيف ُه
( ُهما ٌم إذا ما َف َ
أي أن مضاءه كمضاء السيف ،وبشره وبشاشته كفر نده وصقالته ،فأنت ُّ
تشك فيهما حتى ال تميز أحدهما من
صاحبه .وهذا كقول ابى تمام:
صلِتًا كالسيف عند َسلِّ ِه
ُم ْن َ
وقال رؤبة:
إصل ُ
ِيت كأنني سيف بها ْ
ونحوه عندي قوله هو أيضا:
َكفر ْندِى فِر ْن ُد سيفي الُ ْج َر ِ
از
راز :القاَ ِطع ،وذهب قوم إلى
الج ُ أي كبسرى عند القتال وبشاشيتي وفرحي بتاثيري في اقراني ،فرند سيفي هذا ُ
السهام بالفرند ،لداللته على أنه عنى بفرنده نفسهَُ :س ُهومه وتغيره من السفر والجد والتعب .فكنى عن ذلك ُّ
ً
قطعة من فر ْندِه شرف الهمة ورفعة النفس ،وإنما الصحيح الول كقوله في موضع آخر :أَرى من فِر ْندِى
ض ْر ِب الْهام في ُجود ِة ال َّ
ص ْق ِل َو ُجو َد ُة َ
وح ْلم الفتى في غير ِ
موضعه َ للحلـم
ِ إذا قيل حلمًا قال
ْجهلُ مـوضـع
طلب الرفق في موصع النزال خديعة ال يخلد إليها أريب ،كقوله:
أي ُ
فهال تال حاميم قبل التقـدم شاجر
ٌ يناشدني حاميم والرمح
وإنما يروم بذلك قرن ُه منه التماس نهز ٍة أو حذبًا إلى كشف شدة عن نفسه.
عن األرض ال نهدَّت َونَا َء (ولـوال َتـولِّـى نَـ ْفـسـه
بها ْال ِح ُ
مل) ـل ِح ْ
ـلـمـه َحـ ْم َ
اتح ُه لََت ُنو ُء بال ُع ْ
ص َبةِ) .وال يقال (ناء) إن َم َف َ ُ
والجمل :االسم .وناء بها :أثقلها ،وفي التنزيل (ما َّ الح َم ُل :المصدر،
إال في حد اإلتباع لساء ،يقال( :له عندي ما ساء وناء) ،وقد يكون مع اإلتباع صيغ ال توجد في حد اإلفراد،
كقولهم َهنأ ُء ومرأه ،فإذا أفردوه قالوا أمرأه .وقالوا :إني آلتيه بالغدايا ،والعشايا ،والغداة التجمع على غدايا،
ألن ( َفلة) ال تُكسر على فعايل .لكنهم تجوزوه لما قرنوه بالعشايا ،وال عليك أتبع الثاني األول ،أم صيغ األول
على حكم الثاني ،ألن مذهب العرب في ذلك ،أن تصوغ الكالم من جه واحد طلبًا للمشاكلة.
يتول َح ْمله نفسه بنفسه ،ووكل االرض بحمله ،أثقلها فانهدت .وإنما ومعنى البيت :أن حلمه َر ِزين فلو لم َّ
يوصف الحلم بالزراعة لما يتبعه من الوقار ،كقول اآلخر:
وتزيد جاهلنا على الجهال ً
رزانة َ
الجبال أحال ُمنا تزن
وقد قال هو أيضا:
ُ
ركانة فب الجبال س فصارت وبقيات حلمه عـافـت الـنـا
إنجاز وعد وال َم ُ
طل) ُ فليس له
َ حالت َعطاياَ ِّ
كفه دُون َوعـدِه ( َو ْ
أي أن عطايا بال عدة .واإلنجاز والمطل :عرضان أو خاصتان للوعد .فوجودهما
بوجوده ،فإذا ارتفع الوعد ارتفعت خاصتاه اللتان هما اإلنجاز والمطل ،وكذلك كل
خاص ومخوص ،إذا انتفى الخاصة ،كالضحك وقبول العلم واألدب اللذين هما
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
والسيف علة لها .والعلة أشرف من المعلول ،فوجبت المزية للسيف بذلك.
وقد يتوجه البيت على أن كل شريكين ،فمن المعتاد األغلب أن يكون أحدهما أقوم
باألمور ،فتعلو يد ُه يد صاحبه ،فاذا شاركت المنية سيفه فحكمه أمضى ،واألول
عندي أقوى.
َف َت َقطعوا حسدًا لمن ال َي ْح ُس ُد) ( َق َّطعت ُهم حسدًا أرا ُهم ما ِبهـ َم
أراهم مابهم :أي كشف لهم عن تقصريهم عنك ،ولو أن اتزن له أراهم ما هو به كان أدخل في الصناعة
يحسدُ :أي هم يحسدونك لنقصهم عنك ،وأنت ال تحسد احدًا ،لن الفضائل كلها
المنطقية ،فتقطعوا حسدًا لمن ال ُ
ٌ
متجمعة لك ،فلم يبق لك ما تحسد عليه غيرك.
وقوله :أراهم مابهم ،جملة في موضع الصفة.
قالن أَنت ُم َّ
حم ُد) وك والثِّ ِ
وأبُ َ (أنى ُ
يكون أبا الـ َبـري ِة آد ٌم
هذا محال من القول وسفه ،أي انك انت اإلنس والجن ،وأبوك محمد ،هذا يعني أبا الممدوح ،لفما لهذه البرة
العقاب في أنه لم يُحسن تأليف البيت
ُ وادعائها آدم أباها ،وهذا من قبيح الضعف ،وطريق السخف ،وقد دخل به
ولم يُوفق إلقامة إعرابه .أال تراه فصل بين المبتدأ والخبر بجملة أجنبية في قوله( :وأبوك والثقالن أنت
ضحك الناس وقالُوا محمد) .وموضع الكالم :أبوك محمد ،والثقالن أنت .وهذا ال يكاد يُسيغه لنفسه الذي يقولِ :
بخلَّ ِ
جان وقال ايضا: ضاح الْ َي ِ
مان إنما شعرى قيد ُع ِق ْد ُ ِش ْعر َو ّ
ِظام) نُ ُ
خاطر فيه بال ُم َه ِج الع ِ جسي َم ما َطلَِبى وإنَّـا ( ُ
طلبت ِ
اراد جسيم طلبي ،و (ما) :زائدة .والعظام هانا :كناية عن العز والشرف.
أي يقول :أنت إنما نُخاطر في طلب بالمهج العزيزة التي ال خلف منها إذا فقدت.
أل ْد َمى رأس م ْفر ِق ِه ُحسامِي) ُ
الزمان إلى شخصًا ( َولو َب َرز
الدهر ألثرت فيه بسيفي ،والدهر ليس بشخص لن وجود النور وعدمه ،الختالف حركة الفلك، ُ أي لو شخص
ُ ُ ُ
فتمناه هو شخصا ليوقع به ،غلوا منه غلوًا ،وعليه دائرة السوء.
َف ُ
ويل للتَّ ُّيق ِظ والـمـنـاَم) يون الُ ِ
خيل منِّي ْ
امتألت ُع ُ (إذا
أي أروعهم ببأسي متقيظين ،ويحملون بي ،وذلك بما بقى في نفوسهم من الروع ،كقوله هو:
يخ َشى أن يرا ُه في ُّ
السها ُد) َو ْ يرى في النوم ُرمحك في ُك ُ
اله ِ
ومادة كل ذلك قول الشاعر:
صدان ضوء الشمي واإلظال ُم عم مـحـمـد َر َ وعلَى ُع ًَّ
دوك بابن ِّ َ
فإذا تنـبَّـه ُرعـتـ ُه وإ َذا هـدا َسلّت عليه سيو َفـك األحـال ُم
عيون فرسان الخيل ،فخذف المضاف ،واراد ٌ
فويل لها في التيقظ والمنام ،فأسند ُ وأراد المتنبي :إذا امتآلت
الويل إليهما مجازًا ال حقيقة ،لن التيقظ والمنام عرضان ال يلحقهما ويل.
وقد يجوز أن بعض المصدر موضع االسم ،كأنه قال :فويل لل ُمتيقظ والنائم ،كقولهم :ماء َغ ْو ٌر :أي غأر؛
ومثله كثير.
وله ايضا:
ُ
البـرق أم ِّعص أَم أَنت و َذيَّا الذي َقبَّلتُه
صن أم َذا الد ُ
(أذا ال ُغ ُ
َثـ ْغ ُ
ـر) ٌ
فتنة
دعص؟ و (ذيا) ،تصغير (ذا) .وإنما صغره ،لنه اشار إلى الثغر؛ والثغر يوصف
ٌ غصن؟ أم رد ُفك
ٌ أيُ :
اقدك
بالصغر ،أال ترى إلى قول النظام يصف عجبه من امراة طرحت خاتمها في فيها فقال:
ِن َر ْميها ْالخات َم في ْال َخا َتم
مْ
فتنة) :يكون فيه (أم) العديلة أللف االستفهام ،وتكون منقطعة َك َه ْل ،وقد
شبه فاها بالخاتم لصغره و (أم أنت ٌ
اعترض السؤال عن الجملة ،أعنى قوله( :أم أنت فتنتة) بين اثناء الكالم عن األجزاء ،ألن ال َقدََّّ ،
والردف،
يجما،
والثغر ،كلها طوائف ،وأنت جملة .وإنما كان ينبغي ،لو استقام له ،أن يقرع بالسؤوال عن الطوائف ،ثم ُ
يجمل مبتدئا فيقول :أنت فتنة ،ثم يأتي بالطوائف.
أو ُ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
واما هذا الفصل عندي بين النظائر بالغريب ،فقلق غير متمكن ،وهذا إنما (يحكيه) أهل المنطقية .وكذلك قوله:
ثغر) كان أصنع أن يقولَ ( :ب ْر ٌق) ،لمكان ( َث ْغر) ،ألنهما نكرتان. (وذيا الذي قبلته ُ
البق أم ُ
الر َد ْين ُ
ِية رماح المعالي ال ُّ
ُ س ( َفتى َّ
كل يوم يحتوي َن ْف َ
مر)
الس ُ
ُّ مـالـ ِه
رماح المعالي ،يعنى المدائح .أي رماح المدائح التي تُبنى بها المعالي ،تُغير ،كقول أبى تمام:
ُ تُغير على ماله
وآمله غا ٍد عليه فسالُبه
السمر.رماح المعالي ،ولم يقل سيوف المعالي ،توطئة للردينية ُّ ُ وقال:
وقولهَ ( :ن ْفس ماله) ،ليس للمال نفس في الحقيقة ،إنما تجوز بذلك ،كما تجوز بأن
جعل للمعالي رماحا ،وليس هناك رمح وال نفس ،وعلى هذا أوجه أنا قوله:
هجة ْال ُب ِ
خل نداهم ومن قتال ُه ُم ُم ُ
ُ رماحهم
ِ ألست من القوم األلى م ْ
ِن ُ
لما استعار ما ذهب إليه أكثر مفسري هذا الشعر ،من أنه عنى بقوله( :من رماحهم نداهم) :أنهم يجودون،
وإنما يجودون بما تُفئ عليهم رماحهم من النهب .وما أدرى ما أعماهم عن هذا على وضوحه.
وله ايضا:
تشك ُو إلي وال أش ُكو إلى أح ٍد) الجبيب بها
ُ ِّيار التي كان
(وال الد ُ
شكوى الديار إنما هي باعتبار النظار من سوء آثار الزمان عليها .كقول علي رضي اهلل عنه مخاطبًا القبور:
لم تُجبك جهارًا ،أجابتك اعتبارا.
يقول الشاعر:
ألسنة ُخـ ُف ْ
ـت ٌ َو َن َعتك ص ُم ْت ٌ
أجداث ُ َ
عظتك َو
َت ْبلَى َوعن ُ
ص َو ٍر ُسبُ ْت أو ُجـ ٍه ْ
تكلمـت عـن ْ َو
فيقول :إن دمعي حال دون تأملي آثار البالد في الديار ،فيقوم مقام شكواها إلي :لوال َمن ُع الدمع إياي من
صنع الدهر بها ،لكن الدمع َك َفاني وحماني النظر ،كقول اآلخر: التأمل ،لرأيت ُسوء ُ
فأبصر
ُ فأعشى وطورًا تحسران فعيناي طورًا تغرقان من الُبكـا
ولهذا العلة سقول الشاعر منهم لرفيقه :تبصر ُ
وانظر ،كقوا امرئ القيس:
والك َن ْقبًا بين َح ْز َم ْي َش َع ْي ِ
عب َس َ بصر َخلِيلي هل ترى من َظ ٍ
عائن َت ِّ
وقال آخر:
أبصر مِنِّي
ُ بل َت َّ
بصرَ ،
فأنت
أي أن الدمع قد حال بيني أنا وبين التأمل ،بإغراقه ناظري؛ وقد بكيت حتى اكل الدم ُع بصرى( .وال أشكو إلى
أحد) ،أي أنها قفر ال أحد فيها فأشكو إليه ،أي ليس بها احد يُشكى اليه ،فأنا أدع الشكوى لذلك ،ونفيه العام هنا
كقول النابغة:
( َع ْ
يت جوابا وما بالر ْبع من أح ِد)
وقد يتوجه البيت على أنه لم يبق في الدار فضل للشكوى بما هدمها وأبادها من البلى ،وال في أنا للشكوى .أي
قد ضعفت عن ذلك ،واألول أوجه.
ْ
عادت َولم ي ُع ِد) حتى إذا افترقاَ أي األ كف تُبارى ال َغ ْي َث ما اتَّفقا
( ُّ
كف سوى كف هذا الممدوح تعارض الغيث؛ أو األ كف :جمع كف ،قال سيبويه :وال يكسر على غير ذلك أي ٍّ
تباريه؟ حتى إذا أقلع الغيث عادت الكف للندى .وهي تلك الكف بعينها ،ولم ي ُعد الغيث ،ألن ذلك الغيث بعينه
ال يعود أبدا .وفي قوله( :عادت) ،إشعار بأنها أقلعت وإنما قاله توطئة لقوله( :ولم َي ُعد) ،ومثل هذا كثير في
فاع َتدُوا َعلْيه) ،وانتصار المؤمنين من الكفار ،ليس باعتداء وال ُظلم،
اع َتدَى عليكم ْ
كالمهم ،كقوله تعالى( :فمن ْ
ولكنه ذكر االعتداء هنا لتقدم (فمن اعتدى) .ومثله قول الشاعر:
الجاهليناَ
ِ فنجهل َ
فوق َج ْه ِل أال ال َب ْجهلَ ْن اح ٌد عـلـينـا
وقوله:
حتى إذا افترقا عادت ولم يع ُد أي األكف تُباري الغيث ما اتفقا
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ُ
الغيث ودامت يسمى ترجيحا ،فقد وقعت المساواة بين الكف والغيث بال فضل ألحدهما على صاحبه .فإذا أقلع
ضلت الغيث ُ
الكف ورجعت عليه. الكف تجود ،فقد َف َ
وله ايضا:
يح) ريضنا فبدا لَ َك التَّ ْ
ص ِر ُ َت ْع ُ إليك َو َش َّفنا
سر اثرنا َ
(وفشت َ
الحب
أي لما جهدنا التعريض ،استروحنا إلى التصريح ،فانتهك الستر .وإن شئت :لما عرضنا؛ ظهرت دالئل ُ
علينا كفيض الدمع ،وتغير اللون ،فعاد التعويض تصريحًا ،بهذه األدلة التي أعربت عن الحب ،وصرحت به،
التصريح من تعريضنا .ومعنى شفنا على هذا القول :نقص
ُ وإن كنا نحن لم نُرد التصريح فتقديره .فبدا لك
تصبُّرنا ،وغير تجلدنا ،وقد يكون وشفنا :أي شف قوتنا على التكتم فبكينا ،فحصل العريض تصريحا.
الريح)
ُ مر ْت ُه
يجود وما َ
َوحرى ُ السما ُء برو َقه ( ِشمناَ وما َح َ
جب َّ
وال شيء منك يابنة عفـزرا نشيم بروق المزن أين مصابُـ ُه
وقال ابن مقبل في النار:
تشي ُمها
بنار ِ
بنبحة كلب أو ٍ ولو تُتري منه لباع ثـيابـه
أي شمنا الببروق ،ولم يُحجب السماء .أي ال غيم هنالك ،فيُحجب أديم السماء،
يبسم بالبرق بعد تعبُّسه بالغيم،
وإنما عنى مخايل يديه ،وإن شئت قلت :إن الجو ِ
وهو يبقى أبدًا ،فبرقه في صحو ،وال يلحقه عبوس ،فيكون ذلك العبوس كالغيم.
فجوده هنئ ،وليس الغيث كذلك ،ألنه وإن حلى األفق بالبرق ،فإنه يحجب حسن
السماء ،وجمال ِسمتها ،ويحجبها بالغيم وهذا قريب من قوله هو:
ً
فـضـيلة الشمس تُشرق والسحاب كنهورا َفترى الفضلة ال َت ُ
ـر ُّد
عنى بالسحاب الكنهور :نداه ،وبالشمس :بشره ،وحسن وجهه الوضئ ،وسنشبع شرح ذلك في القصيدة التي
هو فيها إن شاء اهلل تعالى.
(وحرى يجو ُد وما مرته الريح) .أي حرى نان يجود من غير أن َت ْم ِر به الريح.
يذهب إلى تخليص جود هذا المدوح من الكدر ،وتفضيله على المطر ،ألن ماء المطر وإن كان طهورًا نافعًا،
فإن هناك ما يُكدره ،وهو الغيم الذي يطمس نور الشمس ،فيولد ال ُك ْربة في النفس والريح التي يتوقع منها
اآلفات وأنواع الجوائح .وإن شئت قلت :إن الريح هنا مستعارة ،وإنما كنى بها عن السؤال ،ألن السؤال
يستخرج النوال ،كما أن الريح تمرى الماء .فيقولُ :جوده متبرع يُغنى عن السؤال :كقوله هو:
وإلى فأغنى أن يقولوا َوال ِه وإذا عنُوا بعطائه عن َه ِّ
ـزه
لذلك قال هو أيضا:
َس َب َق ْت َق َ
بل َن ْيل ِه بسؤال والجراحات عنده َنغ ٌ
َمات ُ
وسيأتي شرحه في موضعه :ونظيره قوله:
اليح
حرى يجود وما مرته ُ
َو َّ
وعلى هذا القول األخير قول البحتري:
يحتفر
ُ قليب ليس
إن الغمام ٌ مواهبا ما تجشمنا السؤال لها
ويجوز (وحرى يجود) بإضمار (أن) ،أي وحرى أن يجود( .ما مرته الريح) .جملة في موضع الحال.
وله ايضا:
الطعان مِن ِّ
الطعان َمال َذا) اشتجر ال َقنـا َج َعل َّ
قبلك من إذا ْ
(ل َم َيلق َ
إن شئت قٌلت معناه:أنك تلقي فسك للطعان محتقرًا لها ،لتهابك األقران .وإن شئت قلت معناه :إنك تلوذ من
الطعن بطعنك لعدوك ،علما أنك إن تهيبته ولم تطعنه طعنك فإما تدفعه باإقدام ،ال باإلحجام( ،ألنه) تمكين
للعدو.
ولهذا قالت العرب :إن الحديد بالحديد يُلف :أي إن الشر إنما يدفع بمثله .كقول قطري:
ل ِن ْفسي حياة مثل أن أ َتقدَّما أجد ُ
تأخرت أستبقى الحياة لم ِ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وقال المتنبي في نحوه أيضا:
الموت الزؤام تـد ُ
ُول َ لمن ورد
َ الدوالت قسماَ فإنـهـا
ُ فإن ت ُكن
هام الكماة صليل ٌ ْ
هون الدنيا على النفس ساعة وللِبيض في ِلمن َّ
جوشن وأخاَ َ
أبيك ُم َعـا َذا) ٍ لما َرأوك َرأوا أباك ُمحـمـدًا في ( َّ
أي (ذكروا) برؤيتهم إباك عمل وأباك .يذهب إلى قوة شبهه بهما كقولهم ابو يرسف ابو حنيفة ،أي مثله ،وقد
قال المتنبي في هذا المعنى:
َحلَ ُفوا أنك ابنُ ُه ِّ َّ
الق
بالط ِ لو تنكرت في الم َك ِّر ٍ
بقوم
وله ايضا:
المقبور)
ُ شخصه
ُ َّ
وكأن عزر ذكره
عيسى بن مري َم ُ
(وكأنما َ
المسي عازر .وترك صرف
ُ عازر هذا :أخياء عيسى ،وإقامه من قبره ،فكذلك ذكر هذا البيت يحييه ،كما أحيا
ُ
عازر ألنه أعجمي.
وله ايضا:
والمفار ُق)
ِ ض ُب من ُه َّن اللَّ َحى
َت وتُ ْخ َ (تُ َش َّقق من ُه َّن ُ
الجـيوب إذا َبـد ْ
(تشقق منهن الجيوب) .أي إن البعولة والبنين يقتلون بها ،إذا ُجردت من أغمادها ،فيشقق الثكإلى جيوبهن.
الشاب والكهل والشيخ ،فال تعرف الثكلى
ُ خضب منهن اللحى والمفارق) أي يُخضبن بالدم ،حتى يُشكل و(وتُ َ
بعلها من ابنها.
ُ
والسيف َعن فيه يُرى ساكتًا يحاجى بهَ :ما ٌ
ناطق وهو ( ُ
ُ
ناطق) ٌ
ساكـت؟
ُ
السيف الصمت والنطف :ضدان ،والضدان ال يجتمعان في محل واحد ،في وقت واحد ،لكن هذا الملك ينطق
عنه وفمه ساكت ،فاألحجية من البيت في الشطر األول وتحليلها في الثاني ،ونُطق السيف عنه؛ عمله في
وعداته ،إذ السيف جمادُ ،والجماد ال نطف له .وإنما هو كقوله:
ًعصاته ُ
الحق
األنساع للبطن ِ
ُ وقالت
ُ
يطول المثال. ولو تقصيت هذا لطال الكالم ،لن في مثله
وله ايضا:
َط ُ
لعت بموت أوال ِد ِّ
الزناء) ٌ
ـهـيل (وتُ ُ
نكر َم ْو َت ُهم وأنا ُس
أكثر الموت الواقع في البهائم ،إنما هو عند الرعاء بطلُوع ُسهيل ،فعد أضداده من
جهلهم .بهائم ي ُميتهم ُسهيل .قال:
إذا أوفى وأشأم من ُق ِ
دار هيل
وكان أضر فيه ْم من ُس ٍ
ض ٍّر وويل .فيقول هو :طلوعي ضرر على وقال المنجمونُ :طلوع ُسهيل طلوع ُ
أوالد الزنا .ولم يعن بذلك أنهم لزنية في أنسابهم ،إنما أراد أنهم يعتزون إلى
وسهيل :اسم جاء على الفضل وليسوا منه ،كما ينتسب بنُو الزنا إلى غير آبائهمُ .
بناء التصغير وله ايضا:
ِن ُس ْقم) عل بها م َ
ِثل الذي بي م ْ غاية ُّ
الظلم لَ َّ ( َمال ُم النَّوى في ُظلمِها ُ
أي أن مالمى للنوى في ظلمها لي ،واسئثارها بمحبوتي غاية الظلم ،ألن في اإلمكان ،وطبيعة تأثير الزمام أن
عاشقة لهذا المحبوب كعشقى ،فيورثها ذلك ُسقما َك ُسقمى ،فالحكم أال ألومها ،ألن من لم يُؤثر ُ تكون النوى
عليك إال نفسه فليس بمؤثر عليك أحدا.
السقم ولم يذكر العشق استغناء بذكر وبالغ بقوله :غاية الظلمُ ،مدرا أن بالنوى من الوجد مثل ما به .وذكر ُّ
إل ُ
نسان من المسبب عن السبب .واراد مالمى للنوى ،فأضاف المصدر إلى المفعول ،كقوله تعالى(:ال َي ْسأ ُم ا ْ ُ
دُعا ِء الَ ْخيْر).
يض ْال ُّسر ْي ِجيّات ُ
يقطعها و ِب ُ الردَينَّيات َي ْقص ُفهـا
( ِطوال ُّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
لحمِى)
ْ َدمِـى
السريجيات يقطعها
إن شئت قلت :إن دمه يقصف الرمح بحدته وقوته ،أي أنه أقوى من الرمح( .وبيض ُّ
احد من السيف ،فهويؤثر في السيف تأثير السيوف في غيره. لحمى) :أي أنه ُّ
وقد يكون أن الرماح والسيوف تنبو عنه ،وال تؤثر فيه البته .فكأن دمه َكسر الرمح ،وكان لحمه قطع السيف.
وقد يجوز أن يهنى أنه من نفسه وعشريته في منعة .فإذا أصابه طعن أو ضرب ،أكثر الطعن في طلب ثأره،
حتى تتقصف الرماح ،وتتقطع السيوف.
به يُت ُمهم فال ُموت ُم الجابر اليتم) االع َّزاء ال ُم ُّ
عز وإن يئن ذل ِ ( ُم ُّ
أي مذل مخالفيه المعادين له ،معز محالفيه المعاضدين له .وإن يئن :أي يقرب به يُتم ُهم ،أي يُتم أبنائهم بقتله
أباءهم ،فإنه يجبر يتمهم بعوده عليهم؛ واكتفاله إياهم بعد اآلباء.
وقد يجوز أن يوتم قوما ويجبر يتم آخرين ،لم يكن هو الذي أيتمهم.
صرير العوالي َقبل َقعقع ِة (إذا َبيَّت األعداء كان
اللجم) تماعـهـم
اس ُ ْ
أي يطوى سره؛ ويخفى حسه ،حتى يكاد يُخرس اللجام فال يخرس .وهذه مبالغة في طي الخبر.
ْ
بالحزم) أللحق ُه تضييعه الحزم (وقد الحزم حتى لو تعمد تركه
أي أن حرمه طبيعي؛ فلو تعمد تركه ال نعكس تضييعه الحزم حزمًا ،إذ ليس قوته غير ذلك.
ألخره الطب ُع الكري ُم إلى ال ُقدْم) (وفي الحرب حتى لو اراد تأخرا
أي أن طبعه إتيان الفضائل ،وتنكب الذائل ،فلو رام التأخر ممتحنًا لطبيعته تلك ،لتأبى عليه الطبع ،فرده إلى
التقدم.
وقد اطرد هذا المعنى في غير هذا الموضع من هذا الشعر ،كقوله:
صاح ِب
ِ بها فضلَ ٌة ُ
للجرم عن ٌ
رحمة تحيى العظـام (لَ ُه
رم) ْ وغـض ٌ
ْ
ال ُج ِ ٌ
ـبة
وغضبة :أي إذا إغضبه المجرم الجاني تجاوز له غضبه قدر يُحيى العظام :مبالغة في قوتها على اإلحياء.
ُجرمه ،فاما تجاوز به قدر جرمه فإهلكه ،وإما تهاون به فتركه.
يدعو َثنَائي َ
عليك َ
فظن الذي ُ (د ُ
ُعيت ِبتقريظيك في كل
اسمِي)
ْ مجـلـس
ٍ
لزمت مدحك ،وخصصت حمدك ،حتى ُعرفت بذلك ،وغلب على اسمي العلم و ُكنيتي ونسبي ،وظن ُ أي أن
الذي يدعو ثنائي عليك اسمي :أي قيل لي :با مادح ابن إسحاق ،ذهابًا إلى أن ذلك اسمي ال اسم لي غيره،
وأراد يدعوني ،فحذ المفعول .ثنائي واسمي :مفعوال ظن .وإنما أراد الصفة المشتقة من ثنائي عليك ،كقوله :يا
ض.
حامد ،ويا مادح .ولم يرد المدح وال الحمد ،ألنهما عرضان ،والمسمىجوهر ،فال يُدعي الجوهر بال َع َر ِ
قو ِة َ
أعطيت من َّ لَ ِخ ْلنَاك قد ( َوثقناَ بأن تُعطى فلو لم َت ُج ْد
الوهم)
ِ لَـنـا
يذهب إلى أنه لو عدم فضيلة في وقت ،لُظن فيه أنها موجودة أو تُيقنت وذلك لما
ِذبه صدقًا ،لما جرت يُعتاد من وجود الفضائل فيه ،وهذا كالصادق َي ْكذب فيُتوهم ك ْ
به العادة من صدقه.
وقد عظم إعياء أبى الطيب في هذه القصيدة جداُ.
الردينيات .). . . فمن ذلك أنه عكس المر بين الفاعل في بيته الذي هو (طوال ُ
ينقلب إلى ضده كقوله( :أللح َقه تضييعه الحزم بالحزم). ُ ومنه :أنه جعل ِّ
الضد
وليس من شأن تضييع الحزم أن ينتج الحزم.
وكذلك قوله
الطبع الكريم إلى ْال ُقدو
ُ وفي الحرب حتى لو أراد تأخرًا ألخره
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أي نازعنى الجود :بان يعطى هو ،وآخذ أنا ،ولم يكون للمتنبي هنالك ُجود ،لكن
اآلخذ لما كان :يجو ُد هذا الجود ،صار كأنه ُجود .وهو أحسن عندي ممن قال :إن
جود المتنبي إنما كان باألخذ.
ونظير هذا القول الذي أنا اليه قول تعالىَ ( :فمن اع ْتدَى َعلي ُكم فاعتدوا عليه) وليس
فسمي باسم
قتل هؤالء المأمورين للمعتدين عليهم اعتداء .ولكنها مكافأة اعتداءُ ،
السبب الذي هو االعتداء .وكقول عمرو بن كلثوم:
جهل الجاهليناَ
فوق ِ َفنجهل َ أال ال َي ْج َه ْل َن أح ٌد عـلـينـاَ
(فأغرق تيله أخذى سريعا) :أي ُ
مللت األخذ ولو يمل هو العطاء.
وله ايضا:
أحدث شيء عهدًا بها القِد ُم) أح ُق ٍ
عاف ِب َد ْمعك الهـمـ ُم (َ
العافي :الدارس .والهمم :جمع ِهمَه ليق دقو ةّمة بالفتح .وال يمتنع أن يكون ِهمم جمع همة أيضا ،فقد جاءت
وخي َم. يعَ ،
وخيْمة ِ وض َ
ض ْي َعة ِ
وهضب .ومن المعتلَ ،َ ْ
وهضبة فعله مكسورة على ( ِف َعل) َكبدْرة و ِبدَر
عاف بدموعكم هم ُم
ومعنى البيت؛ أنه يسفه الناس في بكائهم الديار واألطالل إذا عفت ،ويقول لهم :أولى ٍ
الرؤساء في هذا الزمان ،فقد عفت حتى صار أحدث عهد بها قديما ،فما تفضل هممهم عن مالذ بطونهم
وفروجهم ،فاياها فابكوا ال الديار ،فهن أولى بالبكاء عليها منها ،ألن الهمة المعدومة أعزفقدًا من الدار .واذا
كان أحدث عهد بها قديمًا ،فما ظنك بغير الحداث.
إن ُكنتما السائلين َي ْن َق ِس ُم)
ْ (م ِْل ُت إلى من يكا ُد بينكما
يخاطب صاحبه؛ أي آثرت بقصدي وتأمبلي من لو سألمتاه وال شيء لديه إال شخصه ال نقسم بينكما شقين،
اعتيادا للنوال وأال ير ُد ذوى السؤال.
يخلَ ُق الَّ َ
نس ُم) في َم ْجدِه ُ
كيف ْ ريك من َخ ْلقـه غـرائبـه
(يُ َ
غرائب
ُ إن شئت قلت :إن اهلل لطف خلقه للنسم كما شاء ،حتى دق على الوهم تصور كيفيته ،ولهذا الممدوح
تغرب ُ
وتلطف؛ فمن تأملها ،فكأنه قد تأمل خلق اهلل للنسم .وذلك تعظيم من خلقه تُوصله إلى اقتناء المكارمُ ،
النفوس ،فكأنه
ُ لقدر ما يأتيه ،لشبهه بخلق اهلل ،تعالى عن ذلك! وإن شئت قلت :إنه بحسن أفعاله ويُمنها تحيا
بذلك يُحيها وينشئها وليس الخلق عنده في قوله (يريك في خلقه غرائبه) الخلق الذي هو إيجاد المعدوم،
الصنع،
وإخراجه إلى التكون ،ألن ذلك ال يستطيع عليه إال بارئنا جل وعز ،وإنما الخلق ها هنا :كناية عن ُّ
وكنى عنه بلفظ الخلق ذهابًا إلى ابتداع هذه الغرائب ،وهذا من شديد المبالغة .وربما كنى بالخلق عن الصنع.
فرق ،ال يليق إيضاحه بهذا الكتاب .والنسم :جمع نشمة ،اشتقت من النسيم ،كما اشتق وبين الخالق والصانع ٌ
َّ
الروح من الريح ،والنفس من النفس.
كأنها في نُفوسهم ِشـي ُم) وأوج ُه ُهم
ُ ُ
أعراضهم (تُ ُ
شرق
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ال شيء أصغى وال أبسط من النور ،فلذلك توصف الجواهر الصافية به .وأولى شيء بذلك األمور النفسانية،
والشيمة نفسانية ،والوجه جسماني .والعِرض :يجزو أن ألنها أذهب في البقاء وعدم السراب من الجسمانيةِّ .
يكون بالجسم ،فلم يخلُص إلى النفسانية كخلوض الشيمة ،فشبه ابو الطيب األعراض واألوجه بالشيم في
الشروق والصفاء ،وتناهى البقاء .وإن شئت قلت :موضع هذا الكالم على أنه قد علم أنه ِشيمة ُمشرقة علمًا
عامًا ،وقدم ذلك لمزية الشيمة ،وهي الطبيعة ،على الوجه والعرض ،فحمل الوجه والعرض بعد ذلك عليها،
واألوجه ما قدمناه من أن الشيمة نفسانية ،فهي أملك بالصفاء ،والوجه والعرض جسمانيان،
ْ تشبهًا لهما بها.
فحملهما عليها.
حف بها من جنانها ُظل ُم) قـمـر
ٌ (كأنها في نهارها
شبه البحيرة في استدارتها بالقمر كقول ابن الرومي يصف رغيفاً:
وبين رؤيتها قوراء كالقمر ما بين رؤيتها في كف ِه ُكرة
ُّ
وبالظلم من شدة خضرتها ،وذلك ألن النبات إذا اشتدت خضرته ادهام ،كقوله وشبه الجنان علىى حافاتها،
ْهامتان) وقال الراجز يصف سائمة عدت على كأل ناجم ُمخضر:
سبحانه وتعالى في وصف الجنتين ( ُمد َّ
ومظلما ليس على الدغال أر َع َل كالَنَـبـال فص َّب ْ
حت ْ َ
تسئد
اإلسآد :سرعة السير ،وقيل :سير الليل .والنى :الشحم .وتقدير البيت :فتبيت ْ
اإلنضاء في نيها إسآدها في المهمه .واإلنضاء :الهزال .أي أن اإلنضاء الحادث
عليها من التعب ،يُسئد في نيها أي يسرى فيه ُمسرعا ،فيأخذ منه ،كما تُسئد هي
السير من جسمها كأخذها هي من ُ في هذاال المهمه الذي تقطعه .يقول :يأخذ
السير كما أفنت هي المهمه ،فلم يبق من جسمها شيء كما لم ُ المهمه ،فقد أفناها
يبق من المهمه ،فمسئدأ في اللفظ حال من الضمير الذي في تسئد ،وهو في الحقيقة
لالنضاء واإلنضاء :فاعل بقولهُ :مسئدًا.
فتبيت تسئد ،واإلنضاءُ :مسئ ٌد في نيها ،والعائد ُ وتحقيق الحال في ذلك ،أن تقول:
إلى الضمير الذي قد تُسئ ُد من هذه الحال اللفظية ،وما في نيها وإسآدها من
الضمير.
وتقدير لفظ البيت ،على ما صورته لك ُيؤديك إلى حقيقة إعرابه ،لكنى ذهبت إلى
التبين.
ار بها َو َقا َم الماء)
ضُ َس َ
ال النُّ َ ( َو َك َذا الكري ُم إذا أ َقا َم ِب َبـلَـد ٍة
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
اع ،حتى يخجل الماء من كثرته ،فيقف ُث الذهب ويصرفه في كل وجه ،فكأنه بكثرته يسيل وي ُم ُ أي أنه يب ُّ
حائراُ .يقال :قام الماء :إذا جمد فلم يسل .ومنه قوله تعالى (إال ما ُد ْم َت َعليه قائِمًا) أي ثابتا غير منصرف،
َ َّ
ار ). . .وإن شئت قلتَ :ي ْخجل القطر من سيالن الذهب ،فيعود سيالنه - (ج َمد الق َ
ِط ُ أال ترى قوله بعد هذا َ
بإضافته إلى َسَيالن الذهب ُ -جمودا ،إال أنه يجمد عن ال َّسيَالن.
في ال َقول حتى َي ْف َعل ُّ
الشعرا ُء) ( َم ْن َيه َتدِى في الفِعل ماال َي ْه َتدى
أي هو من يهتدي في الفعل إلى ماال يهتدي إليه الشعراء في القول حتى يفعل .يقول :ذهنُه في الفعل أنفذ من
أذهان الشعالاء في القول ،فإذا أغربوا في مدحه لم يك ذلك اإغراب من غوص أذهائهم على المعاني .وإنما
نظروا إلى فعله الذي عليه هو بذهنه .فاهتدوا إلى القول بما رأوه من فعله.
ولوال ذلك لم يهتدوا ،فاذا فعل تعلموا وصفه من فعله.
في َتركِه لَو َت ْقطن األعدا ُء) هاج ُ
وض ُر ُه ( ْ
من نَف ُعه في أن يُ َ
كفه للجود .وتلك إنما جعل نفعه في أن يُهاج ،ألنه إذا هيج أوقع باألعداء ،فأغار وغنم ،وأثرى ،واتسعت ُّ
بغيته من الثروة .وضره في تركه أي إذا ُسولم ياَلم ،وهو في ذلك بجود بما عنده حتى ينفد ،فال يجد ما يجود
ضره في تركه. به .فهذا وجه ُ
وحب الحرب في طبيعته ،فإذا هيج ُمكن بما في طبعه ،واإلنسان ينفعه تحريكه إلى ُّ وإت شئت قلت :البأس
وضره في تركه :أي أنه ُمشته للقتال بطبيعته ،فاذا ُسولم اشتاق
ُّ مافي سجيته ،ألن في ذلك كل بلوغ أمنيته،
فضره شوقه إلى ذلك إذا لم يمكنه مشاهدته ،كقوله هو:
ُّ إلى مشاهدة مافي طبعه،
ِبنَوالِه ما َت ْجبُر ال َهـ ْيجـا ُء) َاح ْى َمال ِه
كس ُر من َجن َ
فالسل ُم َي ِ
( ِّ
فتجبر الهيجا ُء ما انثلم ،ثم يسالم فيعود إلى طبعه األول من الجود ،فكلما
ُ أي أنه يجود بماله في ُْثلم ،ثم يُغير
الحرب هاضته السِّلم.
ُ الحرب ،وبالعكس ،أي كلما جبرته ُ هاضت السلم ماله جبرتها
إذ لَ ْيس َيأتيه لَ َها ْ
استِجدا ُء) وحه
(يا أيُّها ال ُم ْح َيا َعليه ُر ُ
(أحياء عليه روحه) :بأنه لم يستوهبه ولو استوهبه ألعطاه فعد ُم ،فإن لم يستجده روحه أحياله .وعدى (ال ُم ْح َيا)
بعلى ،ألنه في معنى المحبوس عليه روحه.
إعطـا ُء) َفلََت ْر ُك مالم َي ْأخذوا ْ اح َم ْد ُع َفا َت َك ال ُف ِج ْع َت بف ْقدِهم
( ْ
يقول :احمدهم على أن لم يستجدُوك ُروحك ،اذ لم استجدوك إياه ،لحقك طبع الكرم
والسخاء على هبته لهم ،فقد استوجبوا أن تحمدهم على ترك هذه الروح لك ،ألنه
عطاء منهم لك ،كما ينبغي لهم أن يحمدوك على ما أعطيتهم من مالك فهم
الشكر على عطائهم ،كما تقتضيهم أنت إياه على عطائك ألن المعطى يقتضونك ُ
فأعط من نفسك أيها الممدوح ،كما تطلب من غيرك .بل ِ بطبيعته يجب أن يشكر.
أنفس من الذي أعطيتهم، أنت أولى بشكرهم ،ألن الذي تركوا لك وهو الروحُ ،
وهو المال.
وقوله :ال ُف ِجعت بفقدهم :إنما حد الصنيعة أن تُشكر ألنها إذا ُشكرت حييت واذا
ُكفرت ماتت ،لن كفرها له ٌ
ستر.
فيقول :ال مانت صنائعك عند ُعفاتك بكفرها قلة شكرها .دعا بذلك له وإن شئت
قلت :ال ُفجعت بحمدهم :أي ال فارقتك المروءة ،فيفضى بك فرارها ،إلى ذد حم ِد
ُعفاتك لك.
ِيت بك األحيا ُء)إال إذا َشق ْ األموات َك ْثر َة قل ٍة
ُ (ال َت ُ
كثر
أي أن األموات أفالء ،حتى تعود فيهم ،فيكثرون حيئنذ.
مة عن قوله :إال إذا مِت ،أي فاذا مت وقوله( :إال إذا شقيت بك األحياء)َ :ج ْم َج ٌ
وشقيت األحياء بفقدك ،قلت األحياء ،وكثرت األموات .وقال :كثرة قلةٍ :ألن
األموات وإن كثرت أعدادُهم ،فهم قليل لَ َعدمهم للفنى ،وأخذهم في الفنا.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فتكرهم بك وإن شئت قلت :كثرة قلةٍ :أي كثروا بك وأنت واحد ،والواحد قليلُّ ،
تكثُّر قلة.
وقد يتجه هذا البيت على معنى آخر ،وهو أن األحياء إنما ينالون الحياة بنداه ،فإذا
ُعدم بالموت ،مات األحياء الذين كانوا يتعيشون بذلك ،فكثرت األموات بموت
هؤالء األحياء بعده.
وقد يجوز أن يعنى باألحياء هاهنا أعداءه .يقول :التكثر االموات إال إذا ضاربتك
أعداؤكَ ،فغَل ْب َتهم وقتلتهم ،فحينئذ تكثر الموتى بهم .وشقا ُء األعداء به َق ْتلُ ُه إياهم،
قلة في الحقيقة ودل ذلك على أن أعداءه وقال :كثرة قلة :ألن ما يدخل تحت الفناء ٌ
كثير .والقوالن األوالن عندى أوجه.
أخبرني بعض أهل بغداد ،أن الممدوح بهذه القصيدة أدركته الوفاة بعد إنشاد
المتنبي إياه هذا الشعر بأيام قليلة ،فكان يتقلب على فراشه ويردد هذا البيت الذي
فسرناه.
أنكر اإلبداء)
ْت حتى َ وأعد َ
َ ْ
(أبدأ َت َشيئًا م َ
ِنك يُعرف َبد ُؤ ُه
أي أعدت أعظم مما بدأت به ،حتى ال يسمى المبدأ به باإلضافة إلى ال ُمعاد.
اس َم َك األسما ُء)
ونازعت ْ
ِ ْ
ترعت ياهارون إال بعد مـا ْ
اق ُ (لم تُسم
أي تنافست فيك االسماء ،رغبة في الشرف بذاتك ،وتقديره لم تسم هارون ياهارون فاكتفى من ذكر المفعول
ذف وأجزه.
الح ِ
الثاني بقوله :ياهارون ،ألن نداءه إياه به دليل على أنه اسمه .وهذا من أحسن َ
والناس فِي َما فـي يد َ
ْيك َسـوا ُء) ُ مشارك
ٍ غير واسمك َ
فيك ُ ( َف َغدَوت ُ
أي لم تُ سم بغير هذا االسم من األسماء التي نازعته فيك ،والناس فيما لديك سواء :أي أنه وإن لم تشترك فيك
َ
شرك تسا ٍو. األسماء فالناس مشتركون في مالك
لل ُمنتهى ومن السرور بُكا ُء) (ولجدت حتى كدت تبخل حائال
إن شئت قلت :بلغ ُجودُك الغاية .ومعروف أن الشيء إذا انتهى انعكس ضدا فكذلك جودُك ،لما انتهى فلم يك
مزيدًا ،كاد أن يستحيل بخال .وقوله:ومن السرور بكا ُء( :أي) أعلمت أن الشيء إذا انتهى عاد إلى ضده
لت ،استقباحًا منه أن يٌوجب عليه البخل.كالسرور إذا أفرط كان بكاء .وقال( :كدت تبخل) ،ولم يقل :حتى َب ِخ ْ
السرور
ُ ْت في الجود ،فبخلت أن يُشارك أح ُد في اسمه ،فحال الجو ُد بخال ،كما يحول وإن شئت قلتَ :تن َ
َاهي َ
بكاء.
ُ والقول األول عندي أوجه ،اذ لو كان على القول األخير ،لم يكن ِيكدت معنى ألنه نُقصان من مدحه ،اذ ب ْ
ُخله
غير مذموم .وأما في القول األول فالبخل المطلق مذموم .فتفهمه ،فإنه جيد لطيف. بأن يُشارك في اسمه الجود ُ
وقوله :للمتنبي :أي من أجل االنتهاء.
ضا ُء)
الر َح َ ُح َّم ْت به َف َ
ص ِبيبُها ُّ السحاب وإنمـا
ُ (لَ ْم َت ْح ِك نائلك
ض :أي ي ُعسل .أي لم يُحاكك السحاب بمطره ،وال ناوأك ،ألنه معترف أنك أندى ُرح ُ
الح َّمى ي َ
الرحضاءَ :ع َرق ُ
ُّ
ُ
فمطرها إنما هو َع َرق حُماها.
ُ فح َّم حمى ُحساده،
منه .وإنما تأمل بذلك وأيقن بالعجز عنه ،فحسدك ُ
َع ِق َم ْت بمول ِد ن ْ
َسـلِـهـا الو َرى اَّ ْلذ منك (لَو لَ ْم ت ُكن م ْ
ِن َذا َ
ـوا ُء)
َح َّ ُو
هْ
جعل الورى ُجزءًا منه ،بعد أن جعله ُجزءًا من الورى ،فاالول حقيقة ،والثاني مجاز ،ال يكون ُّ
الكل جزءًا
لجزء .هذا ُخ ٌ
لف ،لكن جعلهم منه ،إشعارًا أنه جمال هذا النوع ،به ُعرف ،وإليه نسب ،فكأنه إنما يكون منه
كقوله:
وأبوك والثقالن أنت ُمحم ُد أنى ُ
يكون أبا الـبـرايا آد ُم
وهذا قبيح داخل في َّ
الشنَع.
ُّ
نسل ،حتى كأنها عقيم ،لم تلد َقط. ُ وقولهَ :ع َق ْ
مت بمولد نسلها حوا ُء :أي لو لم تكن من ولدها كان نسلها كال ْ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وقوله :بمولد نسلها :أي ُعد ْ
َّت َعقِيمًا على أنها قد ولدت.
وله ايضا:
حول بين ْ
الكل ِب والتأ ُم ِل) ( َي ُ
إن شئت قلت إن الظبي يُجهد الكلب فيشغله عن التأمل .وإن شئت قلت :إنه يمنع الكلب أن يتأمله بسرعته،
كقول البحتري يصف فرساً:
بطير عن أوهامـه
أو َهامها َس ْبقًا وكا َد ُ
طار عن ْاري الجيا َد َف َ َج ِ
أدل على السرعة من سبق الطرف وهذا أبلغ من قول أبى الطيب ،ألن سبق الوهم ُ
ِ
مع لفظ الطيران ،والطيران أبلغ في السرعة ،ولذلك شبهت العرب خيلها بالطير
كقول لبيدَ :وكأني ُم ْل َج ُم ُسو َذا نِقا وكقول اآلخر:
حال َم ْتـنِـه على ظهر ٍ
باز في السماء نُ ِ
حلق كأن ُغالمي إذا عال َ َّ
(لَ ُه إ َذا أد َب َر لَ ْح ُظ ال ُمـ ْقـ ِب ِ
ـل)
أي أنه َت ُّ
يق ِظه يُراعى جهاتهِ ،فكأنه يرى ما وراءه كرؤيته ما أمامه.
ِى)
ضار بال َول ْ
الح َ
ِى ِ( َش ِبي ُه َو ْسم ِّ
والولى الثاني .يقول :ثاني جريه األول،
ُّ والولي هنا :مستعار ،وأصلهما في المطر ،الوس ْم ُّى األول
ُّ الوسمى
ُّ
وذلك لشدته وصالبته ،حثى إن إعياءه كجمامه.
وهذا كقوله في موضع آخر يصف فرسا:
أركب
ُ وأنز ُل عنه مِثلَه حين
ِ الوحش َقفُيّتـه بـه
ِ وأقتُ ُل أي
ْ
أي أنه من المنعة واللنشاط في آخر عدوه ،مثله في أوله ،وحسن استعاراته الوسمى والولى ألو الجرى
وبحر . . .كل ذلك س َس ْكب ،و َفيْض َ
وغ ْمرْ ، وآخره ،النهم يستعملون لفظ الغيث في هذ النحو كقولهمَ :ف َر ٌ
الد َفع منه.
شآبيب المطر ،وهي ُّ
ُ شآبيب الجرى ،كقولهم ُ جواد ،و ُهن من صفات الغيث والماء .وقالوا:
( َو ْع ْقلَ ُة الظبي َو َح َت ُ
ف التَّ ِ
تفل)
الكلب الظبي والتَّ ْت ُفل وهو ولد الثعلب ،كان ُعقلة للظبي يأخذه ويمنعه من الهرب ،ويهلك التتفل.
ُ أي إذا رأى
يكل أي إنه هذا الفرس قيد للوحش ،فكذلك هذا الكلبٌ ،عقلةه
َ ِ دِ األواب د
ِ ي َ
ق د
ٍ نجر مب
ُِ القيس: امرئ وهذا كقول
للظبي ،وحتف للتتفل .وقد قال المتنبي أيضا مثله في هذا الموضع:
الظليم َو ِر ْب َق ِة ِّ
السرحان ِ أجل الل ُكل ُم َّطـهـم
َي َت َقبَّ ْلون ِظ َ
فقول :ربقة السرحان كقول امرئ القيسَ :قيْد األوابد ،وزاد عليه اجل الظليم .فبيته هذا األخير مكافئ لبيته
األول ،ألن الحتف كاألجل والربقة كالعقلة .وصح له الشرف على امرئ القيس.
ٌ
لى)
تحريك َب ِ (لو َكان يُ ِ
بلى السوط
أي أن هذا الكلب بجدول مضمر كالسوط ،فكما أن السوط ال يُبليه التحريك ،كذلك هذا الكلب اليبليه شدة عدوه
وال ينقصه ،ولو كان السوط الذي شبيه له في الجدل ُّ
الضمر واالستعمال له يُبلى لبلى الكلب.
( َف َحال ما ْلل ِ
قفز لل َتجد ِ
ُّل)
صرع فصارت قوائمه التي كانت للقفز إلى التجدل .أي الُّزوق بالجدالة وهي االرض.
أي ُ
ِر َج ِل)
صار ما في مسكه في الم ْ
( َو َ
المرجل :قدر النحاس حاصة ،مذكر من بين أسماء القدر ،يقولُ :سلخ عنه جلده ،وأدخل في القدر ،فعاد ما
كان من لحمه في الجلد رهين المرجل ،واراد :ما كان في مسكه ،ففي مسكه من صلة الذي وال يكون خبرًا
تضمر ،و َتعمل ،ألنها فعل كوني غير مؤثر ولذلك منع سيبويه إضمارها
ُ لكان هذه المرادة ،ألن تلك ال
ُ
وإعمالها ،فقال( :واعلم أنه ،اليجوز لك أن تقول :عبد اهلل المقتول ،وأنت تريد :كن عبد اهلل المقتول) .ولذلك
حمل الفارسي قوله تعالى( :فوجد فيها رجالن يقتالن هذا من شيمته وهذا من عدوه) على الحكاية ،ال على
إضمار (كان) استدالال بما قدمت من كالم سيبويه.
وله ايضا:
در َولُودًا و َبدرًا َوليدَا)
لَِب ٍ (رأينـا بـبـدر وآبـائه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فبدر االول :اسم الممدوح .واآلخران: التعجب من خرق العدة ،وهو من ظريف المحاباةٌ . ُ معنى هذا البيت:
عنى بهما البدر المعروف.
يقول :ليس من طبيعة البدر الفلكي أن َيلِ َد وال أن يولد .فلما رأينا بدرًا هذا الممدوح وأباه وجدنا بوجودنا إياه
بدرًا مولودًا ،ووجدنا بوجود آبائه َولُو َد البدر .فقد خرق علينا المعتاد ،فوجب التعجب.
وحاصل البيت :وجدنا ببدر هذا الممدوح بدرًا وليدا .وال كبير فائدة في وجود اآلباء ،ألن المولود والوالد من
ذكره اآلباء هنا حش ٌو ،إال
وجد بدرًا مولودا ،فال محالة أن له والِدَين .فإذن ُ باب المضاف والمضاف إليه .فاذا َ
أن يُفيدنا بذلك أن أباءه بدور وليس بكبير فائدة أيضا ،ألن النوع ال يل ُد غير نوعه ،فتفه ْمه.
َرضينَا له َف َتر ْكنا ُّ
السجودا) بتـرك الـذي
ِ ( َطلَ ْبنا ِر َ
ضا ُه
أي رضينا أن نسج له إذا رأيناه إكبارا له وإيثارًا ،ال أنه ال يريد ذلك منا لن هذا
إنما ينبغي هلل غزل وجل ،فطلبنا نحن حينئذ رضاه ،بترك السجود الذي رضينا له.
فقد مدح بدرًا هنا بشيئين :أحدهما :جاللة القدر ،حتى ُرئى أهال للسجود له.
تورع بدر عن هذا الذي رضيه له ،قبحًا لكالمه ،ونهرًا في هذا الموضع واآلخرُّ :
وأشباهه لنظامه.
وقوله :فتركنا :معطوف على طلبنا ،وال يكون معطوفا على رضينا لفساد المعنى،
وأن (الذي) ال يعود عليه من المعطوف على صلته شيء.
َولست لفقد نظير وحيدا) (فأنت وحـي ُد بـنـي آدم
أي :واحدهم في الفضائل ،وكرم الشمائل ،ولم يحترم الزمان نُظراءك بل لك نظراء في حب المجد ،والسعي
إلى ابتناء الحمد ،ولكنهم لم يُؤتوا من ذلك ما أوتيته وال ُحبوا بما ُحبيته ،وليس أوانك خلوًا من السادة ،فتكون
أنت إنما ُسدت لُخلُو الوقت من ذوي السيادة ،ألن تلك السيادة ال تتبين لها مزية .وإنما الفخر أنك ذو نظراء،
وف عليهم ،بخالف قول الشاعر: وأنك ُم ٍ
بالس ْو َد ِد ومِن َّ
الشقاء َت َف ُّردى ُّ الديار َف ُسدت غير ُم َس َّو ٍد
ُ َخ ِ
لت
وله ايضا:
بن عماَّر ْبن إسماعيال)
بدر ُ
ُ ِم من القواتل غيرها ( َحد ٌ
َق يُذ ُّ
الحدَق ،فإن هذا األمر على جاللته ،ال يقوى
أي إنه يُذم كل مظلوم فيُقيده من واتره وينصفه .إال من قتلته هذه َ
مظلومها وال يُقي ُد قتيلها وهذا نحو قوله في سيف الدولة :وقوله( :بمخبرتي مجتزٌئ) :كقوله:
لثام
َو َو ْجهي والهجير بال ِ دلـيل
ٍ َذ َراني وال َفال َة بـال
مرت ٍد بمخبرتي مشتمل . . .الخ.
ورفع ذلك كله بإضمار مبتدأ ،أي أنا ُ
َج ِة ال ُيب َتـدى وال ُي َس ُ
ـل) أص َبح ما ً
ال كمال ِه لِذوي الحا ( ْ
أي نصرفه على احتكامنا واقتراحنا ،كما يصرف ماله ،فال هو يبتدئنا بالعطاء ،وال نستأذن بدرًا في أخذ ماله.
ُ
هشيمة كرم؛ أي يأخذه الوار ُد كيف العرب :ما هو إال
ُ فقد استوى هو ومال ُه في أنهما اليُستأذنان ،ولذلك قالت
شائ ،ال يعسر عليه منه شيء ،كما أن الهشيمة ،وهي العود اليابس ال تتعذر على ُمحتطبها وال تحوجه إلى
تعب في تناولها.
أو أقبل قلت :مالها َك َف ُل) (إن أدْبرت ُق ُ
لت :ال تليل لها
ُ
التليل :ال ُعنق وما يليها من الصدر ،أي صدرهل المقبل َي ْح ُج ُز عن كفلها ،وكلفها ال ُمدبر يحجز عن صدرها،
فألنت من حيث تأملتها رأيتها ُمشرفة ،والمستحب من الفرس أن تهتز مقبلة وتنصب مدبرة ،فباهتزازها مقبلة
ُ
الكفل ،إلشراف التليل ،مابا نصبابها يخفى التليل إلشراف الكفل. يخفى
الذبُ ُل)
الهن ِد وال َقنَا ُّ
واضب ِ
ُ َق ْ
اختلفت اسم ِه إذا (أنت َنق ُ
ِيض ْ
جعل اسمه وهو بدر ،دا ً
ال على صورته وطبيعته .وذلك أن البدر إنما يسمى به القمر إذا قابل الشمس فانتأل
نورًا ،وهو مع ذلك سع ٌد ال نحس.
خالف هذا االسم ،أي خالف طبيعة المسمى بهذا االسم في الحرب ،ألنك في السلم طلق نير، ُ يقول :فأنت
وحظك السعادة ،وتلك طبيعة البدر وفي الحرب َعبُوس ُمهلك ،وتلك طبيعة ُزحل .فأنت في الحرب على غير
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ما انت به في السلم طبيعة .فقد وجب السمك في الحرب أن يكون غير اسمك في السلم .وقال( :أنت نقيض
اسمه) لم يقل؛ ضد اسمه ،ألن النقيض ُّ
أشد مباينة لنقيضه ،من الضد لضده.
الوغى ُز َح ُ
ـل) َك في َح ْوم ِة َ المنير َّ
ولكن ُ (أنت لَ ْعمري ُ
البدر
أي أنك سعد في السلم ،وشيمتك في الحرب ضد ذلك ،وليس بالبدر وال بُزحل في الحقيقة ،وإنما عنى بالبدر
إنه ُمسعدُ ،
وبزحل إنه ُمنحس ،والمنير هنا :مفيد ألن البدر قد يتلبسه الغيم فال يُنير.
ُ
األمل) َرى كيف يُ ْقط ُع
َوما د َ ( َم َدد َ
ْت في راحة الطبـيب يدًا
أي ُّكفك مجتمع اآلمال قد اتصلت بها ،كأن ُعروقها قد صارت آماال ،والطبيب ال معرفة له ببعض اآلمال ،وال
بمعاناتها ،إنما يعانى األبدان ،فال تلحقنه مالما ،ألنك كلفته ماال يُحسن ،واالنسان إنما بالم على تقصيره فيما
يُعزى إليه علمه ،فإن قصر فيما ليس من علمه فغير َملوم.
وقوله( :كيف يقطع األمل) لم يُرد القطع ال ُمفسد ،وإنما اراد كيف يقطع األمل لإلصالح.
وله ايضا:
ارض َز َواَال) ُ
أزمعت عن ٍ وال حاولت في أرض ُمقاَمـًا
ُ ( َفماَ
أي أني مالزم لظهر بعيرى ،فكأنى مقم ،وأنا مع ذلك سائر .فإمكاني يتقسم ما بين
ٌ
ظاعين وال قاطن. الحالين .ألنى ال
هر الهالال) َي ُكن في ُغ ُر ِة َّ
الش ِ بن عمار الـذي لَـ ْم
(إلى بد ِ
البدر يبدو هالال ثم يتزايد ،وال يسمى بدرًا حتى يكمل ،وبدر بن عمار لم يك قط هالال ،بل لم يزل كامال.
ُ
وهذا مقطع شعري ،ألنه لم يك قط هالال وال بدرًا .وكأنه لم يزل بدرًا ،ألن لم يزل اسمه .وهذا البيت وإن
كان المقصود به المدح ظاهرًا فقد يجوز أن يقصد به الذم باطنا .ألنه ال بدر على الحقيقة إال وقد كان في غرة
ال .وهذا لم ُ
يك هالال ،فليس إذن بدرًا. الشهر هال ً
بدر بالتسمية ،ال بالطبيعة ،فيكون ذلك مقتضيا للُ ُ
هزؤ ،فخرج ُمشبها لقوله: فالحاصل له من ذلك ،إنه ٌ
هـاشـم غـير
ُ وى َجدُّه ال وتُ ً
ربة بها َعلَ ٌّ وفارقت َش َّر االرض أه ً
ُ
ِ
ـير َوال لك في سثؤالك ال ،أال ،ال) َـظ ٌواب ُمسائلـي ألـ ُه ن ِ
( َج ُ
تقدير البيت :جواب ُمسائلي( :أله نظير) :أال ،ال ،أي ليس نظير ،فال جحدٌ ،وأال :استفتاح (وال لك في سؤالك)ُ
نظير ،ال ،أيها السائل ،فال الثانية توكيد ،وإنما حاجة الكالم :وال لك أيها السائل نظير ،إذا شككت في إنه ال
الَ ،
ال) فعكس ،بأن قدم نظير له ،حتى أحوجك ذلك إلى السؤال .فقوله( :وال لك) معطوف على قوله( :أ َ
المعطوف على المعطوف عليه.
شئت استِفا َ
ال) فقلت نعم إذا ُ
ُ ( َو َقاَلوا:هل يُ َبلِّ ُغك الـثُـرياَّ
اب أنا معه فوق الثُريا ،فإذا أردت أن يبلغني إياها ،فإنما أبلغها بأن يحظنى إليها ،فإنا ال أريد منه بلوغ الثريا،
ٌّ
التسفل ألن العالي ال يبلغ ما هو أخفض منه إال بأن يُحط إليه. إال أن أشاء
وهذا كقوله:
َـزلُـوا فإذا أرادوا ً
غاية ن َ وفوق ما َطلَُبوا
َ َف َ
وق السما ِء
أي أن ُعلُوهم اآلن فوق كل غاية ،فإذا ارادوا غاية محدودة ،نزلوا إليها ،إال أن هذا البيت اآلخر أفخم معنى.
وأصل ذلك قول البحتري لمجمد ابن علي:
ِن َعلِى ال َي ْل َحظ َ
الج ْوزاء إال م ْ ُ
الشرف الـذي علي
لمحم ِد بن ٍّ
أي إنه فوق الجوزاء ،فاذا لحظها فانما يلحظها من فوقها.
أوجالُها فيها ِو َجاال)
َت ََغد ْ ِنك َحتَّى لت ُق ٌ
لوب م َ ( َف َقد َو ِج ْ
عددت أوجال ُهم؛ فوجلت األوجال ،وهذه مبالغة كقولهمُ :ج َّن ُجنُونه .وقالوا :شر ٌ
ْ أي وجلت قلوبهم ،حتى
شاعر .مثله كثير حكاه سيبويه وسائر اهل اللغة .قال سيبويه :سألت الخليل عن ذلك ،فقال :ارادو المبالغة
وحبط
ٍ اجى
وح َب َ ووجاع ولو قالَ :و َجإلى؛ يريد جمع َو ِجل ،لكان َكحن ٍ
ِج َ كوجع ِ
واإلشادة .ورجال :جمع َوجل ِ
وحباطَى.
َ
الرجاال) فراق ال َق ِ
وس ما القى ِّ َ فار ُق َس َه ُمك َّ
الرجل ال ُمالقـى (يُ ِ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ال خرقه ونفذ منه على ما هو به من قوته األولى عند فراق القوس ،وذلك دأبُه ما أي إن سهمك كلما القى رج ً
لقى الرجال وإن كثروا .يصفه بجودة الرمى وقوة النزع .فما :منصوبة على الظرف ،والقوس :في موضع
ُعاء َ
الخيْر). يسأَ ُم اإل ْن ُ
سان م ْ
ِن د َ نصب .أي فراقه القوس .فأضاف المصدر إلى المفعول ،كقوله تعالى ( َ
ال ْ
وله ايضا:
ات ثُنَا)
َظرًا ُفرادى بين َز ْف َر ٍ
نَ (أ ْفدِى ال ُمود َ
ِّع َة التي أ ْت َب ْعتُـهـا
الرقيب فحذره ،فقلت نظراته ،وغلبت الحسر ُة ،فكثرت رفراتهُ .حتى كانت الزفرات ضعف ُ أي حضر
النظرات .فلذلك جعل النظرات فرادى .والزفرات ثُناء .واحتاج إلى قصر (ثُناء) وثناء معدُول عن (اثنين
اثنين) المقتضية (ثِنتين ثِنتين) ،وال تكون معدولة عن (اثنين اثنين) ألن المعدول بعدد المعدول عنه .وقال.
زفرات فأسكن الفاء للضرورة ،كقول ذى الرُّ َّمة:
صات الهوى في ُخفوقا َو َر ْق َ أبت ذِكرًا َع َّودْن أحـشـاء ْ
المفاصل
ِ قـلـ ِبـه
أش َف ْق ُت َت َح َت ِر ُق ال َعـواذِل
ْ فـاسـنـا َحـتَّـى
َت أ ْن ُ وقد ْ( َو َت َّ
َبـ ْينَـنَـا) لَـ َقـ ْد
أشفق من احتراق ال َع ُذول مع شنآنه له ،خشية أن يتم احتراقه بما هما عليه من توقد النفس .فقال :إن العواذل
إنما احترقن بتوقد أنفاسهما عند التقائهما ،وأراد (أن تحترق العواذل) أي (من أن) فحذفها ،وأبطال عملها
بحذقها .وإن شئت نصبت الفعل على مكان (أن) فكانت بمنزلة ُموثر غاب وبقي تأثير داال عليه.
َم ْن لَيس م َّ
ِم َّن دان ِم ّمن ُح ِّينَا) ال ُه من ُطلَ َقائِه ( َمن لَ ْيس م ْ
ِن َق ْت َ
يقول :عداه قتاله وأسراه ،ومن أفلت منهم فإنما هو طلي ُقه ،بصفحه عنه.
الرجل :أطاع .أي من لم يكن من دائنيه فهو من ُ (ومن ليس ممن دان ُحينا) دان
َان له ،فحذف للعلم بها .ومن هنا بمعنى الذي ،كأنه قال :الي ليس ُمحينيه .واراد :د َ
ُ
من قتاله معدود في طلقائه ،والذي ليس من دائنيه ُمحين .فقوله( :من طلقائه) في
موضع خبر المبتدأ ،الذي هو (من) االولى .وقوله :ممن ُحينا خبر مبتدأ ،الذي هو
(من) الثانية.
الضحى وال َم ْو ِهنَا)ال َو َركائبي فيها َو َو ْقتى ُّ ( َو َق ُ
طعت في الدُّنيا ال َف َ
الم ِوهن نح ٌو من
أي أفنيت األمكنة واألزمنة والركائب .وكان يجب أن يقول :ووقتى الضحى وال َم ْوهن ألن ْ
أول الزمن النهارى .فقابل هو ال َم ْو ِهن الذي هو نصف الزمن. الزمن الليلي ،وفصف الليل .والضحىُ :
الليليٌلئاق لاق ولو يراهنلا نمزلا لوا وه يذلا ىحضلاب :ّ،عنى بالضحى اليوم كله ،وبالموهن الليل كله،
ْن وبالليل) من
ص ِب ِحي َ وأقام الجزء مقام ال ُكل ،كما أقيم ال ُك ُّل مقام الجزء في قوله تعالىَ :
(وإنَّ ُك ْم لَ َم ُّر ْون َعلَي ِه ْم َم َ
سورة الصافات لكان جائزا ،فتفهمه فإنه لطيف.
واس َت ْقرب َ
األ ْقصى َف َثم ل ُه ُهنَا) ْ أمضى إرادت َه َف َ
سوف ل ُه قـ ٌد (ْ
إن شئت قلت:متى قال غيره :سوف أفعل هو :قد فعلت فسبق .ومتى قال غيره :ثم الجم أو السماء مستبعدا،
قال هو ُ -
(هنا) مستقربا.
وإن شئت قلت :إذا نوى أمرًا سابق نيته بفعله ،فصار المستقبل ماضيًا ،ومتى لخظ أمرًا بعيدًا أعمل عزمه،
ف ُقرب عليه قتناوله.
َما َك َّر َق ُّط َ
وه ْل َي ُك ُّر َو َما انثنَى) ـر ٍب ِيط ْت َحمائِلُه ِب َعاتق م ُ
ِـح َ (ن َ
كر ،ألنه إذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول،
علة له ،فاذا لم يكن انثناء لم يكن ُّالكر بعد النثناء فاال ٌ
إنما يكون ُّ
ماكر ألنه لم ينثن ،فيُعقب االنثناء بالكرِّ .
فيقول :هذا المحرب َّ
ُ
األفالك فيه ُّ
والدنَيا) مثل الذي اصر ّ
األ ْف َها ُم عن إدراكِـه ( َت َت َق َ
غاية ما أدركت األفهام ،الفلك وما فيه ،فأما ما هو فيه ،فلم يُدركه وهم وال فهم :فيقول :إدراك ُه ُمعوز كإدراك
ما فيه الدنيا والفلك .والدُّنا :جمع الدنيا ،كال ُعال جمع ال ُعليا ،وهذا ُمطرد.
يوما وال اإلحسان أال يُحسنا) (اليستكن الرعب بين ضلوعه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أي ال يتصور الخوف بين ضلوعه ،وال يتصور أيضًا بينهما العلم بأال يحسن .بل هو محسن ألن يُحسن،
وغيره محسن اال يحسن أي اإلحسان غلبه .واإلحسان هنا أن يكون المعرفة ،كقول فالن ُمحسن لعلم كذا،
ويجوز أن يكون اإلحسان الذي هو ضد اإلساءة ،فكانه قال في كل ذلك :وال يحسن ترك اإلحسان؛ إنما يُحسن
اإلحسان .وهذا كقول اآلخر أنشدناه ابو الفتح:
ُر ْم َت ِس َوى اإلحسان لم تُ ْح ِسن تُ ْح ِسن أن تُ ْح ِسـن حـتـى إذا
إال انةهذا البيت بعيد ،ألنه نسب إلى الممدوح مرام غير االحسان.
األعيُنا) َشوق بها فأد ْ
َرن فيك ْ الجن ْ
من ِباب ُّ ( َسلَ ْ
كت َتماثيل الق ِ
أي سلكت الجن صور القباب ،لتنظر إليك شوقًا ،وإنما قال( :تماثيل القباب) ولم يقل (القباب) ،ألنهم يزهمون
أن الجن تألف التصاوير الموضوعة على أشكال الحيوان .وقد قيل :إنما كره اتخاذها في الثياب والمستور
ُسط لهذا.
والب ُ
السنا) ورأيت َحتى ما ُ
رأيت من َّ ُ عجبت من ُّ
الظبا ُ ( َو َع َج ُ
بت حتى ما
ُ
وأخلدت اليه ،فلم أعجب بعد، ُ
أنست بالعجب، ُّ
الظبا :السيوف .والسنا :الضوء .أي عجبت من السيوف حتى
ورأيت لمعانهن حتى ُعشى بصرى فلم أرى .فصدر البيت كقول ابى تمام:
عجائب حتى ليس فيها عجائب صرن كلهـا على أنها األيام قد ِ
خافة أن َي ْفظنـا) أتيت على النَّوى ولِما َتر ْك ُت َم ً ( َف َ
طن الفؤا ُد لما ُ
صنعت ،حتى علمت ما تركته مخافة أن يفطن به. ُ أي لم تقتصر على العلم بما
وقيل معناه :قد علمت ما كان من شكرى وثنائي عليك ،وهو الذي فطن فؤادك له.
وكذلك فطن أيضا لما تركته؛ خوفًا أن يفطن له ،من َتن َُّقصك ايضا ،فلو لم يكن
ُ
خالف ذلك .والبيت تركي لذلك إال مخافة أن يفطن فؤادك له ،فكيف وطبيعتي فيك
يقتضي أنه قد كان هنالك شيء من اإلخالل بقدر بدر بن عمار .ويقويه قوله:
قاسيت َشيئًا َه ِّينـًا)
ُ ليس الذي أض َحى فرا ُقك لي علَي ِه ُعقوبة
( ْ
أي ُعوقبت على تقصيري عن واجبك ،بفراقك الشديد على ال ُكره إلي ،فليس الذي
ال قيته من ذلك بهين ،أي بيسير .وال يريد الهين الذي هو ضد العزيز.
وله ايضا:
ال َس َقـا ُم) الل ُجودا كأن ما ً
ِ ( َي َتداوى من كثرة المال ْ
باإلق
أي يتشافى بالجود ،حتى كأن المال َم ُ
رض يبغى إزالته ،واإلقالل بُرء يطلبه.
وقوله (كأن ما ً
ال َس َقا ُم) اراد كان وجود مال ،ألن المال ال يقال له سقام إذ هو جوهر والسقام َع َرض.
ضيف ِه َرأ ْت َه السوا ُم)
َب ُح من َ يون أعدائه ْ
أق ( َح َس ٌن في ُع ِ
أي هو حسن الصورة غاية إال في عيون أعدائه ،لعلهم بإهالكه إياهم أقبح من ضيفه في عيون السوام ،لعلمها
إذا رأت الضيف أنها منحور ٌة ،كقول الشاعر:
َبغِيض إلى ال َك ْو َماء والكلب حبيب إلى كلب الكريم
ُ
أيصر
ُ ُ
مـنـاخـ ُه
ومثله كثير .فقوله( :في عيون أعدائه)َ :ظرف ألقبح ،وال يتعلق بحن ،لنه في عيون أعدائه .وتقدير البيت:
حسن في عيوننا معشر أحبابه ومن ال َي ْشقى به ،لكنه بخالف ذلك في أعين عداه .وقد بالغ بال ُقبح ولم يبالغ
بالُحسن ،ألن قبْحه في عيون أعدائه ،وأمدح له من الحسن في عيون أحبابه.
ـرا ُم)
اإلح َ َو َّ
لكن ِزيها ْ الح ُّل
وار لوام ٌع َد ُمها ِ
( َو َع ٍ
اللوامع :السيوف لبريقها .ووصفها بالعرى :العتيادها مفارقة أغمادها.
وعوار :جمع عار ،ال جمع ُع ْريان ُفعالن ال يكسر على (فواعل) (د ُمها الحال) :أي أنها مستحلة للدماء ،على
ٍ
أن زيها اإلحرام :أي أنها مجردة أبدًا كالُحرم والمحرم ال يسفك الدماء .فقد اجتمع في هذه السيوف طبيعة
وزي اإلحرام.
الحل ُّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
يض في سما ِء َق َت ِ
ـام) ونُ ُّ
جوم ِب ٍ دم ناس َف َو َق ٍ
أرض من ٍ جار ٍ
أح ُ
( ْ
لما استعار للدم أرضًا ،استجاز تسنية ُجثث القتلى أحجارًا وشبه البيض للمعانها في القتام بالنجوم النيرة في
الظالم.
حالت َف َ
صاحبُها ابو األيتام) اع كل أبى ُفالن ُك ٌ
نـية ِر ُ
(وذ َ
أي وفي ذلك المعترك أذرع قطعت من قوم كانوا يُكنون أبا زيد ،وأبا عمرو ،وأبا عبد اللة ،وغير ذلك من
أنواع الكنى .فلما ُقطعت منهم ماتوا فكنى كل واحد منهم أبو األيتام.
وله ايضا:
َس َكن َجوانحي َبدَل ُ
الخدُور) ور ( َعذِيري من َع َذ َ
ارى من أ ُم ِ
عذارى :أي خطوب أبكار لم تصب أحدًا قبل .هذا معنى العذرة فيهن و (م ْ
ِن)ها هنا للتبيين .أي ليست هؤالء
العذارى من النساء ،إنما هي من أمور الدهر ،أي أعذرى ،أو من عاذرى؟ وقوله( :من أمور) خلص عذارى
الخطوب هنا :من عذارى النساء ،ال يسكن الجوانح إنما يسكن الخدور .فاقام جوانحه لعذارى الهموم مقام
الخدور لعذارى النساء بدل ظرف .أي مكان الخدور ،كما حكاه سيبويه من قول العرب :إن َبدلك زيدا ،أي إن ُ
مكانك .قال :ويُقال للرجل :اذهب معك بفالن ،فيقول :معي بدل فالن ،أي يغنى غناء ،ويكون في مكانه.
وله ايضا:
َذى و َت ْر َوى أن ْت ُجوع وأن
َتغ َ اض َّر في نفـع( َمناَ ِف ُعها َم َ
َتظما)ذ غـيرهـا
ِ
ضرها لنفسها منفعة لها ،إذا جر ذلك نفعا لغيرها تغوثًا بالمجد ،واحتساب أي أن ُ
اص ٌة) .أي طلبًا ِرون على أ ْن ُف ِسهم َولَو َك َ
ان ِبه ُم َخ َ
ص َ األجر ،كقوله تعالى(:ويُؤث ُ
لألجر .ثم فسر قوله( :منا ُفعها ما ضر في نفع غيرها) .بالنصف الثاني ،فقال
غذى و َت ْر َوى أن تجوع وأن تظما) .أي أنها تجوع لتخص غيرها بطعامها ،فهي ( َت َّ
لتخخص غيرها الجوع وال يُثر فيها ،بل هو نماء لجسمها .وتعطش ُ َتغَذى بذلك ُ
بشرابها ،فذلك العطش رى لها ،إذا هو في سبيل المجد.
فتلخيص القضية .أنها تغذى بالجوع ،وتروى بالعطش .وكان وجه الصنعة -لو
بالشبع ،كما قابل العطش الجع ِّ استقام له الوزن -أن يقولَ .ت ْشبع وتروي ،ليُقابل ُ
بالري .ولكن لما كان في التغذي ما يُشعر بأنه ربما كان معه ِّ
الشبعَ ،ت َّ
سم َح به،
ال صحيحًا ،حتى ألحقها بحروف العلة ،وذلك وأراد (أن َت ْط َمأ) فأبدل الهمزة إبدا ً
لحاجته إلى الوصل ،ألن الهمزة ال يُصل بها الروي ،وال يطرد هذا في كل شيء.
وليس لك أن تقول :إنه خف الهمزة تخفيفًا قياسيًا ،ألن الهمزة إذا خففت تخفيفًا
قياسيًا ،لم توصل به ،ألنه في نية الهمزة .فمن حيث ال يوصل بالهمزرة ُمخففة ،ال
يوصل بها مخففة تخفيفًا قياسيًا ،فتفهمه فإنه لطيف.
يجد ٌ
ممكن لم ِ َفأ ْب َعده شيء (إذا َف َّل عزمِي عن َمدى َخ ُ
وف
َع ْز َما) بُ ْعدِه
أي أن الممكن من المطالب ،إذا لم يعزم عليه طالبه ،كان بمنزلة الممتنع .والفرق بين الممكن الذي ال بجد
عزمًا وبين الممتنع ،أن الممكن إذا ُعزم عليه نيل ،والممتنع ال يُنال البتة ولو عزم .وقوله( :فأ ْب َع ُد شيء
ممكن) :يريد فأبعد الممكنات ممكن ال ي ُعزم عليه .وبجوز أن يكون شيء هاهنا يجمع الممكن والممتنع ،ألن ٌ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
العقل ال يشك في أن الممتنع أبعد األشياء.
مطلب ممكن ،لم يجد لدى عزما.
ٌ وتخليصه :إذا فل عزمي بعد مطلبي فأبع ُد منه
وله ايضا:
موصوفاتها)
الصفات َبعِيد ُ
دانى ِّ حاسن ُه ُح ِر ْم ُت ذواتهـا
( ِس ْر ٌب َم ِ
ُ
والمحاسن: السرب :القطيع من الظباء والشاء والبقر .وعنى (بالسرب) هنا النساء ،تشبيهًا ل ُهن بالظباء.
ُ
رب ُحرمت ذوات محاسنه ،وذوات المحاسن ُ واى ِس ٌواحدها ُحسن على غير قياس .وذواتها :صواحبُها .أي َه َ
هن ذلك السرب .فكأنه قالُ :حرمته ،بأن حيل بيني وبينه .وقد يجوز أن يكون سرب مبتدأ ،ومحاسنه مبتدأ
وحرمت ذواتها :خبر عن المحاسن ،والميتدأ الثاني وخبره؛ خبر عن سرب .فال آخر ،أو بدال من سربُ .
سرب خبر مبتدأ مضمر :أولى كما قدمنا ،لقبح االبتداء ٌ (هواى) .وأن يكونيحتج على هذا القول إلى إضمار َ
الصفات بعي ُد موصوفاتها) :إنما دنت صفاته عليه ،ألنه يقدر على وصفهن بما أوتيه ِ بالنكرة .ثم قال( :دانى
من السن ،والمنطق الحسن .وبعدت موصوفات السرب ،النهن مقصورات محجوبات ،أو ممنعات ،والضمير
في (موصوفاتها) :راج ٌع إلى السرب وإن كان مذكرًا .لكن جاز ذلك ،ألنه في معنى الجماعة .وال يجوز أن
يكون راجعًا إلى الصفات ،ألنه نوع من إضافة الشيء إلى نفسه.
جر َج َن ْي ُت ال ُم َّر من َث َمراتها)
َش ٌ (وكأنَّها َش َج ٌر َبدا لـكـنَّـهـا
شجر من ُعلُوهن .والعرب تشبه الحمول كثيرًا بالنخل ،وذلك لما يضعون على الهوادج من ٌ أي كأن العيس
الرقم وال ُع هون الملونة ،فيشبهون ذلك بالزهور والبسر الملون .ولم يشبه المتنبي الهوادج وما عليها بذكر
المر من ثمراتها) ،يعنى بذلك:
َيت ُ النخل ،وإنما عنى ُعلُو اإلبل ،فشبهها بالشجر عامة ،ثم قال( :لكنها شجر َجن ُ
إبعاد اإلبل َحَباِ َئبه عنه ،وقد بين ذلك بقوله:
تها) لَ َم َح ْت َحرار ُة َم ْد َم َّ
عي ِسماَ ِ إبل لَ َو ِّ
انى َفو َقها سرت من ٍ
ِ (ال
َعا عليهن أال َي ْس ِرن ،إشفاقًا من بعد حبائبه عنه إذا سارت
دَ
ض َّراتِها) َة في ُّ
كل مليحة َ ( َوترى ال ُمروة وال ُفتَّو َة واال ُب َّو
يعنى أن المالئح يعشقنه ،وهو يوثر عليهن المروة واألبوة والفتوة ،وذلك أن هذه الثالثة َي ْن َه ْينَه عن عشق
يضررن بهن عنده ،كما تضر المرأة عند ُ النساء ويأ ُمرن بُحبهن أنفسهن .فعلم المالئح أن هذه الخصال الثالث
يعلها ضراتُها ،إذ لوالهن لواصلهن.
وحش ُكن من أقواتها)
ٍ أقوات َرتُـهـا
ِب بمقانِب َغـاد ْ
( َو َمقان ٍ
ُ
صرفت مفنب غيري بمقنبي .فهذا معنى قولهَ ( :و َمقانب بمقانب غادرتها) ِنب :القطعة من الخيل .أي
المق ُ
عت هذه لمقانب ،فتركتها أقواتا للوحوش ،التي كانت من أقوى ص َر ُ ُ
حش كن من أقواتها) أي َوقوله( :أقوات َو ٍ
هذه لمقانب ،فعاد األمر بالعكس ،وجعل الوحش اآلكله لهم مما كانوا يقتاتون به ،ألن العرب ُ
تأكل الذئب،
والضبع والهلياع والفهد ونحو ذلك من آكلة اإلنسان .وقد شبه بعضهم هذا البيت بقول البحتري:ُ
والج ُّد يتب ُعه الج ّد
بصاحبه ِ ِئب يحدِّث نفسه
كالنا بها ذ ٌ
وليس مثله ،ألن البحتري لم ُ
يأمل أكل الذئب كما أمل الذئب أكله وإنما قال:كالنا قاتل لصاحبه ،الذئب يري
أكلى ،وأنا أريد قتله.
ِى بني عمران في َج َبهاتِهاَ)
أ ْيد َ ( ْأق َب ْلتها ُغرر ِ
الجياد َكـأنَّـمـا
الكريم يوصف ببياض اليد ،وهي الخيل التي أقبلتها هذه الوجوهُ .هن ُغرُغ ناكف ّ،روها أيدي هؤالء موضوعة
في جبهاتها .يعني أقبلتها خي ً
ال سابقة ،يُقبلون جباهها كما تقبل أيدي بني عمران .فهذا معنى التشبيه.
لَ ْي َس ْت َقوائِم ُه َّن من آالتهـا) اءك يا ا ْب َن أحمد ُق َّر ٌح
(ت ْكب ُو َو َر َ
ال ُقرح هنا :كناية عن الرجال الكهول ال ُمذكين .وأصله في الخيل ،واحدها قارح،
بفرس جواد ،وشبه
ٍ خمس سنين من نتاجه .فشبه الممدوح ُ وهو الذي أتى عليه
مبارزيه بخيل ُقرح ،كقوله:
ـم خيل َيه َت َ ُ
ْه ِ
دين بأد َ سوابق ٍ ِس ِك الكرا ُم فإنها فدى ألبى الم ْ
بفرس أدهم .وخصه بالدُّهمة ،ألنه عنى به كافورًا وقوله( :ليست قوائمهن من آالتها) :أي ليست قوائهما
ٍ أي
آالت لها النها تعثر وتكبو وتضعف عن مجاراتها ،فكأن هذه القوائم ليست من آالتها اذ لو كانت آال لها
لنصرتها ولم تخنها وال أظهرت فضلك أيها الممدوح على هذه ال ُقرح .وإنما قوائمها من آالتك أنت ،لداللتها
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
التك المبينة لفضلك ال آالتها ،ألن من نصرك وخذل ماوئك، على سبقك ،إذا كبت هذه القرح وراءك ،فهن آ ُ
أهلِك) أي ليس من ْس م ْ
ِن ْ َ
إنه لي َ َ
فإنما هو آلة ال لمناوئك ،وإن كان أهال له ،وجزءًا منه ،كقوله تعالى (يانُ ُوح َّ
أنصارك وال ُمعاضديك ،إنما هو من أعدائك .ولم ينف أنه اينه حقيقة ،ألن نساء األنبياء لم َي ْف ُج ْرن.
وذكر القوائم هنا ،لذكره الخيل ،ذهابا إلى الصنعة .وإنما القوائم هنا كناية عن الحصال والفضائل النفسانية.
خيل قوائمها أثبت من قوائم هذه ال ُقرح .وأما قوائم وقيل :إن الضمير في آالتها ل (وراءك) ،أي ال يتبعك إال ٌ
هذه فمقصرة عن متابعتك ،والصبر على مجاراتك.
َدى أبى أيوب َخ ِير َن َبـاتِـا)
ِبن َ ِيت َمنا ِبتُها التي َس َق ِت الورى
( ُسق ْ
الصنعة سارية في هذا البيت ،وذلك أنه جعل للنفوس منابت ،وليست النفوس نباتية فتنبت ،واذا لم تنبت فال
منبت لها ،ومعناه :سقى اهلل اهل هذا الممدوح بنداه ألنهم أجدواد ،فإذا أفاض عليهم جوده ،أفاضوه على من
سواهم وقله( :وخير نباتها) الهاء للمنابت .ودعا للمنابت بُسقيا النبات لها ،وتغذيتهل إياها ،قلبا للعادة .ألن
نام ،ولكنه أغرب بذلك ،وجعل الممدوح خير ِّ
المنبت يغذي النبات ،والنبات ال يُغذي المنبت ،اذ المنبت غير ٍ
نبات المنابت التي هو منها ،النه أشرفها وأوسطها ،فالباء التي في قوله( :بندى أبى أيوب) على هذا التفسير
متعلقة بُسقيت .وقد يجوز أن يكون متعلقة َب َسقت .ويكون سقي المنابت غير ُم َبينُس :لاق هنأكف ّ.قيت منابتها،
وأمسك ولم يذكر ما تُسقى به.
هر ِه ميماتهـا)
ِفر ُم ِ
أحصى بحا ِ
ْ (لَو َم َّر ير ُك ُ
ض في ُسطور كِتاَ َب ٍة
يصفه بالحذق في الفروسية .وخص ال ُمهر لتكون أغرب ،إذا فعل ذلك بالمهر وهو غير ماهر وال ُمرتاض،
كان أقدر أن يفعل ذلك بالقادح ،ال رتياضه وانقياده.
اآلذان في ْ
أخ َراتِها) ِ َحتَّى من بحيث َشا َء ُمجاو ً
ال ُ السنَان
ض ُع ِّ
( َي َ
يصفه أنه حاذق بالطعن ،حتى إنه يضع السنان في خرت األذن .وقوله ُمجاوال :حال ُمفيدة .وال ُمجاول:
المج اري في ميدان الطعن ،وذلك أنه إذا فعل وهو جائل في الحرب ،كان أقدر عليه وهو في الميدان وادع.ُ
بك راء نفسك لم يقل لك هاتها) ٌ
عـارف (ال خلق أسمع منك إال
أي المعروف عنك الجود بكل ما ُسئلته ،فال أحد أسمح منك إال االنسان عرف هذه الشيمة منك ،فلم يسألك
نفسك .وجعله أسمح منه ،النه ترك له أنفس األشياء ،فكأنه قد جاد عليه بما لم يجد بمثله على أحد ،ألن الجود
بالنفس أقصى غاية الجود وهذا كقوله هو:
ِجدَا ُء
إذ ليس َيأتِيه لها است ْ وح ُه
يأيها ال ُمجدَي َعليه ُر ُ
ُّ
وقد أنعم شرح ُه فيما تقدم .وراء :مقلوبة عن رأى ،قال الشاعر:
بالركائب
ِ و َم ْن َجر إذ َي ْحدو َن ُه ْم َفلَ ْيت ُسويدًا راء َم ْن فر من ُهـ ُم
ويدلك على أن (راء) مقلوبة عن رأي ،أنه لم يأت لها مصدر ،إذ االفعال المقلوبة ال مصادر لها عند سيبويه،
أصول التريف،وال أعرف أحدًا خالفه .ولو كانت (راء) لغة في رأيته ،لكان لها مصدر .وهذا أصل من ُ
فتفهمه.
يجز إبدال
والخلق في هذا البيت :بمعنى المخلوق .ولذلك أبدل (عارف) منه .إذ لو كان الخلق مصدرًا لم ُ
نصبُه على االستثناء المنقطع ،مع أن المصدرعارف منه ،ألن الجواهر ال تبدل من األعراض .وإنما كان َي ِ
المعنى له في هذا البيت .ولذا حذرنا منه إغرابًا (باإلعراب).
تر تيلُك ُّ
السورات من آياتِهاَ) ْ ( َغلِت الذي َح َس َب ال ُعشور ً
بآية
غلت في الحساب ،وغلط في القول .هذا فرق .وقيل :هما سواء .يمدح إمام
حسن لفظه وترتيله
وحسن التأدبة ،حتى جعل ُ أنظاكية ،فيصفه بتجويد التالوةُ ،
للقراءة في اإلعجاز ،منزلة اآلية ،فيقول :يجب أن تكون قراءتك هذه مضافة إلى
اآليات ،تعد بصورة في النفس آية ،فقد غلط ُحساب ال ُعشور إذا لم يعدوا قراءتك
منها .وكان يجب أن يقول :ترتيلُك للعشور من آياتها ،أو األعشار من أياتها ،فكان
أذهب في الصنعة.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وهذا البيت كله (خلف) من وجهين .أحدهما :طريق ال ُغلُو الذي ال مساغ له في
عرض في اللفظ وليس بذات لفظ ،واآلية ٌ الذات اللقنة المتيقنة .واآلخر :أن الترتيل
ُ
الترتيل في ذات اللفظ كالعرض في الجوهر ،فال ينبغي أن يُعد ما هو لفظ .وإنما
عرض في الجوهر جزءا من ذات الشيء ،فتفهمه ،فإنه لطيف المعنى.
وشائ ٌ
ِق ِعالتِهـا) ِق أنت الرجالَ ، (ال َن ْع ُذل المرض الذي بكَ ،شائ ٌ
ُ
والحال بك ،ألنك محبب إلى النفوس وإلى أحوال كان هذا الممدوح عليال ،فيقول :ال تلم المرض المعتمد لك،
تشوق النفوس فتذهب نحوك ،وتحل بك ،كذلك األحوال ،والعلة نوع من الحال ،فال عتاب النفوس ،فكما أنك ُ
عليها في حبها لك.
خبر مبتدأ مقدم ،وأنت مبتدأ .أي
فتلخيص البيت :ال تعذل مرضك ،ألنك تشوق الرجال ،وتشوق عللها فشائقُ :
انت شائق الرجال وعللها وال يجوز أن يكون شائق مبتدأ ،وأنت فاعل بشائق ،ألن اسم الفاعل إنما يعمل عمل
الفعل إذا كان (معتمدًا) على شيء قد عمل في االسم قبله ،أغنى كأنه يكون خبرًا لمبتدأ ،أو فاعال لفعل ،أو
صفة لموصوف ،أو حاال الذي حال ،ونحو ذلك ،فأما أن يكون يعمل عمل الفعل وهو مبتدأ ،فال يجوز فلو
ضارب زيدًا تُريد :اضرب زيدًا كان خطأ.
ٌ قلت:
أض ْف َت قبل ُم َ
ضافِها َحا َ
التها) َف َ َوت سفرًا إليك َس َب ْق َتهـا
(فإذا ن ْ
هذا البيت متعلق بهذا البيت الذي قبله :أي أن الرجال إذا نوت سفرًا إليك سبقتها بإضافتك أحوالها ،قبل
إضافتك إياها .وإضافته لحاالتها قبوله لها بجسمه ،النه في ذكر المرضَ ،ع َرض ،والعرض يطلب مح ً
ال
ومحله الجسم .ويشبه ذلك قوله بعد هذا:
ما عذرها في تركها خيراتها) الجسو ُم فقثل لنا
الحمى ُ
(ومنازل ُ
أي إذا كانت األمراض أعراضًا ،ولم يكن للعرض بد من جسم وأمكن العرض جس ُمك الذي هو خير الجسوم،
فكيف يعذر على تركه.
َملَ َك البرية ال ْس َت َقل هباتها) ص ُ
رت إلى الذي لو أنه (فاليو َم ِ
هذه الهاء في موضع المفعول به ،أي الستقل أن يهبها لعالم آخر .فكان يجب على هذا أن يقول :الستقل
هبتها .ألن الهبة هنا المصدر ،ال الموهوب ولكنه جمع المصدر ،النه عنى به الموهوبين ،وألنه مصدر
متنوع ،النه كان يهبها ُفرادى ومثنى ،ومازاد على ذلك من الكم ،فقد تنوع المصدر باختالف األعداد،
فاستجاز الجمع لذلك.
نَ
َظ َر ْت َوع َثر ُة ِرجل ِه بدياَتها) ص نظر إلـيه بـه ( ُم ْس َت َ
رخ ُ
(مابه نظرت) :يعني أعين البريه .أي أن النظر إلية رخيص بأعينها يعني بفقدها األعين .وكذلك عثرة رجله
لو اشتُريت بديات البرية لكانت رخصية.
وله ايضا:
العشر)
ُ ( َوتر ُك َك في الدُّنيا دَويا كـأنـمـا َت َ
داول َس ْم َع المرء أ ْم ُمل ُه
يعني ال يسمع شيئا ،كقول النابغة( :وتلك التس تستك منا المسام ُع) والدوي:الصوت .وهذا البيت مضمن بما
قبله .أي إنما الم ُد السيوف ،والفتكة البكر ،وأيام حرب يُسمع لها من اجتماع األصوات المختلطة الواصلة إلى
اآلذان ،مثل صوت البحار الذي يسمعه االنسان إذا اطبق أذنيه بأنمله.
واألنمل هنا :االصايع ،واحدتها أنملة ،من باب َت ْمرة وتمر ،وليس بتكسير أنملة ألن هذين البناءين انمايكسران
على (أفاعل) .وقوله (تداول سمع المرء) :يجوز أن بكون السمع اسما لألذن ،فال يحتاج في هذا القول إلى
حذف .ويجوز أن يكون السمع هنا :الحس ال الجوهر الذي يُحسن به ،فإذا كان ذلك ،فالبد من حذف ،كأنه
(خ َتم اهللُ على فلو ِبهم َ
وعلَى َس ْمعِهم) قال :تداول موضع سمع المرء وإلى هذا ذهب أبو علي في قوله تعالىَ :
وجهة على الوجهين جميعاً.
من لَه ُ
فالفضل ف َي ْ َعلَى هب ٍة ير َف ْعك عن ُشكر (إذا ال َف ُ
ضل لم ْ
الش ْك ُ
ـر) ُّ ناقص
ٍ
أي إذا اضظرات إلى ناقص فتفضل عليك فشكرته فقد حصل الفضل لذلك الناقص
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فمن الحق أن تتحامى رجاء الناقص ،لئاليتيح لك فضال منه عليك ،فيكون الفضل
له .وقال( :الفضل فيمن له الشكر) أي :الفضل للشاكر ال للمشكور ،النه يُشرف
هذا الناقص بشكره ،أو بنفعه به.
السحاب له
ِ ال لَم ُيمت أو في
َع َ غث َظنَنا َت ْ
ـحـ َتـ ُه أن ( َو ٍ
قبر)
ُ عـامِـرًا
عامر :جد هذا الممدوح .يصف سحابا بكثرة الماء ،حتى كأن عامرًا عال إلى الفلك فأمطر الناس جوده ،أو
دفن في السحاب ،فهو يجود بالماء وإن كان فيها ميتًا.
ت.
ٍ مي غير أي عال في الذي الضمير من ً
الحا يكون ال) .وقد يجوز أن (ع َ
وقوله( :لم يمت) بدل من قولهَ :
ص ْف ُر) ابن ابن ِه الباقي على بن أحم ًد يجو ُد به لو لَ ْم ُ
أجز ويدي ِ (أو َ
صفر :جملة في موضع حال.
ُ أي لوال أني ُجزت به خالي اليد منه ،لما شككت أن أحدهما هناك ويدي
بـحـر)
ُ بكل واة ُك ُّل ما لَق ْ
ِيت ِّ ف
صٍ (إليك َط َعنا في َمدَى كل َ
ص ْف َ
أي قطعنا غليك األراضي البعيدة بكل ناقة خفيفة ُموثقة ،تفعل في االرض البعيدة ما تقعل الطعنة في النحر.
ومعناه أنها تتوغل الطعنة في الصدر ،وتبلغ الغاية ،كما تبلغ الطعنه إذا وصلت إلى القلب.
كأن نواال صر في ِج ْلدِها النِّ ُ
بر) (إذا َو ِر َمت من لسع ٍة َم ِر َحت لها
تألمه ،ال عتيادها إياه ،وطيب
مواضع لسعها وترم ،يقول :إذا لسعها النبر لم ْ
ُ ُ
فتحبط النبر :دُويبة تلسع اإلبل،
ً
نفسها ،وفرحت له ،حتى كأن تلك اللسعة التي أورمت جلدها ،صرت فيها نواال لها،فهي تفرح لذلك كما يفرح
ال ُمعطى بالعطية.
ً
وقوله( :كأن نواال) :يجوز أن يكون نواال منصوبًا بكأن ،والجملة التي هي (صر في جلدها النبر) :خبر كأن.
وفيه ضعف ألن اسم (إن) نكرة غير مؤيدة بالصفة .وخير منه عندي أن يكون في (كأن) األمر أو الحديث،
ال صر في جلدها النبر) :تفسير للمضمر الذي في (كأن).ال :مفعول لصر .فقوله( :نوا ً ونوا ً
الشمس
ُ و ُد َونك في ْ
أحوالِك والبدر في
ِ الشمس
ِ ( َف ِجئناك دُون
والبدر)
ُ النوى
قوله( :دون الشمس والبدر في النوى) حال أي جئناك وأنت أقرب إلينا من الشمس والبدر ،وهما دونك في
المجد وشرف القدر.
اس ُمها منك ُّ
أود اللواتي ذا ْ (لِساني َوعينِي وال ُفؤا ُد
والشطر)
ُ ِوهـمـتـي
االود :االحباء ،واحدهم َُود .فيقول :هذه األعضاء مني تُ ُّ
حب ما قابلها من أعضائك التي أسماؤها هذه.
وقوله( :والشطر) :أي كأن هذه االعضاء مني شقيقة سيمتها منك ،حتى كأنهما اقتسمنا جزءًا من العنصر الذي
منه كونها .وإذا كان هذا في االعضاء ،فكان لساني موافقًا للسانك ،يقول ما تقول ،وعيني مطابقة لعينك
تستحسن ما تستحسن ،وفؤادي مالئم لفؤادك ،يهوى ما يهواه ،وهذه ُعمدة أعضاء االنسان فالجملتان شقيقتان.
فنحن إذن شقيقان.
وأما قوله :وهمي ،فزيادة ،ألن الفؤاد محل الهمة ،فهو يغنى عنها.
وله ايضا:
الجد فيه ْنل ُت أم لم ْ
أنل َج ُّد) وذا ُّ (أ َق ُّل َف َعإلى َبل َه أكثـر ُه َم ْ
ـجـ ُد
كرويد .والجر على أنه مصدر ،وإن لم يكن له فعل ،فقد ُنصب بها ويجر ،النصب على أنه اسم للفعل ُ بله :ي ُ
شرف .دع أكثره ،كقول القائل فكيف أكثره .وهنا ٌ وجدنا مصدرًا دون فعل ،كويل وأخواتها .أي أقل فعإلى
إفراط في القول ،النه ليس فوق الشرف منزلة ،فيكون أكثر فعله أعلى من الشرف .إال أن الشرف يتفاضل في
ٌ
شرف أعلى من ذلك. ذاته .فإذا كان أقل فعاله شرفًا ،فأكثره
الجد في طلبه جدٌّ. نلت أم لم أنل َجدُّ) .الهاء عائدة إلى الجد ،أي ود ُّ الج ُّد فيه ُ
وقوله( :وذا ِ
الجد معدود ِ ألن بختا، به أنل لم وإن بخت. االمور في دي جِ ويقول: خت. ب
َ ال ُّ:
د والج
َ والتشمير. الجدُّ :االجتهاد
ِ
في السعاة ،لكونه من الفضائل النفسانية ،التي يبعث عليها األنفه والشهامة ،كما أن التواني يُعد في الشقاوة
لكونه من الرذائل التي يبعث عليها العجز والسآمة ،يقول :فأنا إن لم أنل بسعي حظًا نلت به عند نفسي
ُ وغيري عذرًا أحصل به على راحة نفسي ،ال يلحقني كالم من أحد :كقوله( :و ُم ْبلِ ُغ َن ْف ٍ
ذر َها مثل ُم ْن ِج ِ
ح)؟ س ُع َ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
مشايخ :جمع مشيخة ،حكيناه عن أبى زيد ،وقد يجوز أن يكون جمع مشيوخاء،
الذي هو اسم لجمع شيخ فكان ينبغي على هذا (مشايخ) لكنه اضطر فحذف ،كقوله:
والبكرات ال ُفسج العطامسا فشبههم بالمرد ،ألنهم التثموا حتى لم تظهر لحاهم ،كما
لم يظهر للمرد لحى .ولو اتزن له لكان أحسن أن يقول :كأنهم من شدة ما التثموا،
ألن كيفية االلتثام حجبت لحاهم ،بإحامهم إياها .والشدة كيفية ،والطول كمية
فالكيفية أولى بما ذهب إليه.
وإن قلت انهم أطالوا االلتثام حتى ُحسيُوا ُم ْرًا كان له وجه.
ُ
ِي لِ َع ْيني ُك ِّل باكي ٍة خ َذ) ُ ( َتلَ ُّج ُد ُموعي ُ
ُجفون ِ فون كأنمـا
بالج ِ
مسارب للدمع ال يخلو منها ،حتى كأنها ٌ
خذ لكل باكية. ُ أي أن جفوني
فالدمع يالزمها كما يالزم خد الباكية.
وإن شئت قلت :ذهب في ذلك إلى غزر الدمع .أي أن جفون دموعي ُمجتمع الدموع ،حتى كأنها خد لعيني كل
باكية.
السيف مشما َي ْط َب ُع اهللُ ال
ِ الس ُ
يف مما َتطبع الهن ُد ( َس َرى ِّ
الهـنـد)
ِ بي
اح ِ
ص ِ َ
صاحبي :نعت للسيف .وال يكون على حد قولك (ضاربي) المنقولة من قولك :زيد ضارب عمرًا؛ النه ال
صاحب عمرا ،وذلك أن هذه الصفة ُجردت من معنى الفعل ،فلم يعدوها من المصادر ،وقولهم( :هلل ٌ يقال :زيد
درك) فدرك :مصدر وقد أجمده حتى قال سيبويه :هو بمنزلة قولهم( :له بالدك) وقوله( :مما تطبع الهند)، ُّ
يعني السيف الذي عنصر الحديد ،وهو الذي يطب ُع الهند .والسيف الثاني :هو الممدوح ،وهو الذي يطب ُعه اهلل ال
الهند ،ألن الهند ال تخلُق وإنما الخالق اهلل وحده:
سل ُّ
الرد) صيب الشي َء من َق ْب ِل ر ْميه َويُمكنُه في َس ْهمِه ال ُم ْر ِ
( َيكا ُد يُ ُ
يصفه بالقوة في الرماية ،والعلم بها ،فيقول :يصرف سهمه كيف شاء ،حتى لو اراد رده بعد إرساله مث ً
ال،
(يصيب) .فيكونان جميعا داخلين تحت (يكاد)ز ويجوز أنأمكنه ذلك .و(يمكنه) :يجوز أن يكونمعطوفا على ُ
يكون من الفعل الذي هو خبر (يكاد) فيكون ذلك أبلغ .وكلتا القضيتين داخلة في االمتناع ،ال يجوز أن يصيب
شيئًا قبل رميه له .وال أن يقارب ذلك وكذلك القول في القضية الثانية .والهاء في (رميه) يجوز أن تكون
ضميرًا لشيء فيكون مجرورًا في موضع نصب .كأنه قال :من رميه هو .ويجوز أن يكون ضمير لفاعل،
والمفعول على هذا محذوف ،أي من قبل رميه إياه.
وله ايضا:
اس ِت ْفهامها
تُخطى إذا ِج ْئ َت في ْ لى ب ُك ِّل َمك ٍ
ِان مِنـ ُهـ ُم ( َح ْو ِ
ِب َم ِن) ٌ
ـلـق ِخ
أي انهم ال يعقلون و( َم ْن) إنما يستفهم بها عمن يعقل ،فإذا استفهمت عن هؤالء بمن فأنت مخطئ ،اذ الحظ
صور الناس ،فهم صورهم ُ حظهم (ما) التي هي لما ال يعقل ،وأن شئت قلت :إنهم وإن كانت ُ لهم فيها وإنما ُّ
بهائم ،لجهلهم ،وأنما تُعامل األنواع بطبائعها ال بأشكالها ،وذلك أخذت الحكماء في حدودها طبائعها دون
صورها ،حتى إن بعضهم قال استضعافا للحد المأخوذ من الصورة( :فإنه ال يُستنكر أن يكون إنسان على
شكل سمكة ،كما ال يستنكر أن تكون سمكة على شكل إنسان) .واراد (تُخطئ) ،فأبدل إبداال صحيحًا للضروة،
كما أنشد سيبويه( :فارعى فزار ُة ال هناك المرت ُع) ولو خفف تخطى قياسيا بين بين ،الن َك َسر البيت ،ألن الهمزة
المخففة َبيْن بين عند سيبويه بُرمتها مخففَّة.
روت
ْقعين ُب ْس ُب ٍ
(و ُمد َ
َرن)
ين من د َ لل َك ِ
اس َ عارين من ُح ٍ ص ِح ْبـتُـهـ ُم
َ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أي ورب فقراء بأرض قفر صحبتهم وبُليت بهم (عارين من حلل) :أي هم اللصوص ال يتسربلون( ،كاسين
َرن) :يصف شعثهم وقشفهم .وإنما يُعدد ما ُمنى به وبلى ،من مكاره األيام ،وصحبة من لم يكن أهال
من د َ
للصحبة.
َو َق ْتل ٍة ُقرنت بالذم في مخلص وعال في خوض
ٍ (كم
الـجـبُـن)
ُ مهلك ٍة
أي :كم إنسان أقدم ،فسلم وعال مع إقدامه ،ولم يضره اقتحامه الهلكه ،وآخر ُجبن ،ف ُقتل مع ُجبنه ،ومات مع
الجبن ُقرنت بالدم ،كما أن
الجبُن) متعلق بقتلةٍ ،كأنه قال :وقتلة في ُ
ذلك ،مذمومًا على نكوله ملومًا .قوله( :في ُ
قوله (في خوض مهلكة) ُمتعلقة بمخلص وعُال.
قصائدا من جياد الخيل ُ
مدحت قومًا وإن عشنا نظمت (
صن)
والح ِ
ُ له ُم
عنى بالقصائد :الجيوش ،وإنما كنى عنها بذلك ،لقوله( :مدحت قومًا) واستعمل
صن ،النه عنى والح ُ
النظم مكان الحشد ،لماكن القاصائد ،وجعلها من جياد الخيل ُ
بالقصائد العساكر ،والعساكر إنما تأتلف من الخيل و ُفرسانها ،ولو قال( :من إناث
صن :الفحول من الخيل ،فكان الح ُ
الخيل والحصن) لكان أذهب في الصنعة ،ألن ُ
ِسا َء) .وأما (من جياد الخيل ال كثِيرًا ون َ(و َب َّث منهما ِر َجا ًيطابق اإلناث لقوله تعالىَ :
والحصن) ،فقسمة غير سالمه ،ألن الحصن قد تدخل في جياد الخيل ،وكذلك جياد
الخيل قد تدخل في الحصن ،إذ بعض الجياد حصان ،وبعض الحصن جواد .ومن
عنى بالحصن الجياد ،ما ذهب في باب ال ُق ْبح ،النه ال يوجب قسمها ،إذ الجياد هي
الحصن.
يدخ ْل َن في ُ
أذ ِن) دن لم ُ وش َإذا تُنُ ِ اج َقوافِيها ُم َ
ض َّمر ٌة ( َت َ
حت ال َع َج ِ
والصلة
عنى بالقوافي الخيل ،وخصها بالذكر ألنها أشرف ما في الشعر ،الشتمالها على اللوازم ،كالروى ِّ
والردف والتأسيس ،وغير ذلك من طوائف القافية ،وإذا جادت القافي؛ َس َرت جودتُها في الشعر. والخروج ِّ
ُ
واستجاز أن يجعل القوافي (مضمرة) ،لكنايته بها عن الخيل.
(إذا تُنُوشدن لم يدخلن في أذن) :فرق مليح صحيح ،ألنهن لسن في الحقيقة قوافي ،فتلج في المسامع ،وإنما هن
َخيْل ،وليس هناك تناشد .إنما استجازه للفظ القصائد والقوافي.
الج ْف ِن لل َفحشاء وال َو َس ِن) الشباب بعي ٌد َف ُجر لَيلـتـ ِه ُم ُ
جانب َ ِ ( َغ ُّ
ض
يستغرب العبادة مع الشباب .و(بعيد فجر ليلته) :أي ال ينام ،فآخر ليلته بعيد من أولهاُ ( .مجانب الطرف
للفحشاء والوسن) :هذا اختصار مليح .وما أحسن مقابلته الشباب بالفحشاء ،والسهر بالوسن .وكأنه قال :غض
الشباب ،مجانب الطرف للفحشاء ،طويل الليل ،مجانب الطرف للوسن.
على الخصيى عند ال َف ْرض (ألقى الكرا ُم األى بادُوا
َن)
والسن ِ
ُّ مكارمـهـ ُم
(اإللى) :بمعنى الذين بادوا من صلة (ألى) .أي باد هؤالء الكرام وألقوا مكارمهم على هذا الممدوح ،كأنهم
كفلُوه إياها ،كما يكفل الوصي اليتيم.
بالمج ِد
ْ لَ ُه ال َي َتا َمى بدا
(فهن في الحجر منه كلما عرضت
َـن)
ِ نِـ م وال
ُفهن :يعني هذه المكارم الملقاة عليه التي ُكلها .يقول :هذه المكارم التي مات اهلها ،وبقيت يتامى في حجر هذا
القاضي الممدوج ،فهو يفرق أمواله فيهم ،ويبدأ منهم بالمجد والمنة .فهما من جملة األيتام ،يظهرهما
الراب ال ُمشبل .وقوله :اراد (بدأ) فأبدل إبداال صحيحًا للضرورة .كما تقدم في تخطي
ُ ويؤثرهما .كما يفعل
ونحوها.
وله ايضا:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
صلَْل َت الرتجازي)
وصليلي إذا َ (إن َبرقى إذا َب َر ْق َت فـعـإلـى
يذهب بذلك إلى التقريب بين نفسه وسيفه ،لما أن مثل نفسه به في جوهره أراد أن يكمل تشبييهها به في
أعراضه ،فيقول :ايها السيف ،ال تظني ُمقصرًا عنك ،بأن اللَ ْم َع لي َكل ْمعِك ،وال صليلي ني كصليلك ،فإنك إن
قدرت ذلك ،فأنت مخطى ،ألن ما يُوازي لمعك وصليلك منى ،أشرف من لَ ْمعك وصليلك .أنا أفعل بك يوم
استبشار به وفرحًا .فذلك البشر هو برقى ال ُموازي لبرقك،
ً الروع ما يكسو جبيني وسائر وجهي ضياء،
صلت فيقوم ذلك مقام الصليل لك فإذن اليُقصر حإلى عن حالك. وأرتجز بشعري إذا ُ
لجنِسه اليوم غاز)
فكالنا ِ ( َول َق ْطعِى بك الحدي َد َعلَي ْها
وهذا أيضا زيادة في تقريبه بين نفسه وسيفه .يقول :أنا أقتل أقراني وهم جنسي ،وأننت تقطع عليهم الدروع
والمغافر والترك ،وكل ذلك جنسك ،فقد حكيت فعلك في نوعك ،بفعلي في نوعي .أنا انسان أقتل إنسانًا ،وأنت
حديد تقطع حديدا .وهذا من أبدع الصنعة ،مثل نفسه بذاته ،في سيفه بذاته ،ثم عرض ُه المتصل به الذي ال
يتعداه ،كالبرق والصليل ،ثم في عرضه الذي يُوقعه بغيره ،عن حركة واستعمال ،وهو قط ُع ُه الحديد ،فقدم ما
هو من الذات ال يتعداها ،وأخر ما يتعدى الذات .فتفهمه فإنه غريب.
ازى) وب ِه ال ِب َم ْن َش َكاها َ
المر ِ ـوا ( َك ْيف ال َيشتكى وكيف َت َّ
شك ْ
أي كيف ال يشتكى هذا الممدوح وهو الذي يتحمل المغارم ،ويتكلف ال ُمؤن بذاته ،وماله فيه المرازي .وكيف
تشكاها هؤالء وقد احتملها هو عنهم فالعجب من شكواهم وال ُزرء بهم ،ومن يحتمل الرزية عنهم ال يشتكى.
فتقدير القضية :وبه المرازي ال بمن شكاها.
ً
والمرازي :جمع مرزأة ،وكان حكمه المرازي ،فأبدل إبداال صحيحا قياسيا ،النه ال يوصل بالهمزة المخففة إال
ال محضًا ،حتى تلحق بحروف العلة ،ولذلك استشهد سيبويه على أن الهمزة تبدل هكذا ،أعنى أن نبذل ابدا ً
ال صحيحًا في حال االضطرار ،كبيت عبد الرحمن بن حسان بن ثابت: إبدا ً
بالفهر واجبى
ِ شجج رأسه
يُ ُ بـقـاع
ٍ وكنت أذل من وت ٍد
اعتقد البدل في واج صحيحًا ،ألن القطعة جيمية ،فالوصل ياء محضة.
َ
وسبق ال ُمجارى. وهذا االستشهاد من دقائق سيبويه ،ولطائفه التي بز فيها الممارى،
وله ايضا:
ِل) فيك ُعلُ ُّو َقد َ
ْر القائ ِ والقو ُل َ
ْ ( َف َم َتى أ ُقو ُم ِب ُش ْك ِر ما ْ
أولَ ْي َتنـى
الشكر
ُ أي أن مدحك يُسرف مادحك ،فكما شكرتك على نوالك بالشعر ،رفع شعري فيك من قدري ،فاقتضاني
داخر في
ً على ذلك ُشكرًا آخر ،إلى غير نهاية( .فمتى أقوم بشكرك) ي ُ
ُوئس نفسه من القيام بشكره ،ويجعله
االمتناع.
فهذا استفهام فيه معنى النفي ،أي ال أقوم بشكر ذلك أبدًا.
وله ايضا:
اش) أج ُ
نحة ال َف َر ِ وأيدي ال َق ْو ِم ْ ِب منه نارًا
الجوان ِ
(كأن على َ
أي على جوانب هذا السيف نار .شبه لمعه إذا ُهز بلسان النار ،وشبه أيدي القوم
في تطايرها حوالي ناره بالفراش المتهافت في النار .وقال :أجنحة الفراش .ألن
طيرانها إنما يكون باألجنحة .وقد كان يعنى من ذلك الكالم ،وأيدي القوم فراش.
ولكن بقوله( :أجنحة الفراش) وال معنى لرواية من روى (كأن على الجماجم)
لقوله( :وأيدي القوم) وإنما كان يسوغ لو قال :وهن أجنحة الفراش يهنى الجماجم.
فأما كون السيوف على الجماجم كالنار وتطاير األيدي مع ذلك ،فتشبيه.
أثر ارتـهـاش)الخيل بعضًا وما ِب ُعجاي ٍة ُ
ِ َمى َب ُ
عض أيدي (يُد ِّ
ال ُعجايةُ :ع صيبة فوق الحافر .واالرتهاش :أن تضطرب يد الفرس ،فتنعقر ذراعاه ،ألن ذلك االضطراب
يحدث عنه احتكاك .فيقول :إنما دميت أيدي هذه الخيل بعجلة الهزيمة واالزدحام في الهرب ،الرتهاش كان
أصابها .ولو وصفها باالرتهاش ،كان ذلك عيبًا لها ،ولم يقتض مدحاً.
ِيق النسج ُمل َتهب الحواشي)
َدق ِ ِرع ضرب (لَ ُقوه َح ِ
اسرًا في د ْ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
درع دقيقة النسج .ووصفها بالتهاب الحواشي ،ذهابًا إلى حدة ضربه.
أقام الضرب في تحصينه لهُ ،مقام ٍ
اش) برمحى ُك ُّل َطائره َّ
الر َش ِ ُ َات يُ َذ ُّب عنـهـا
ِن ال ُم َت ِّمرد ِ
(م َ
أي قوسى هذه متمردة كالشيطان المريدُ ،أذب عنها بالطعن ال ُمرش.
يذب عنها رمحى بكل طائره الرشاش ،لكان أليق؛ ألن الرمح فاعل لطعنته .والطعنة منفعلة له. ولو قالُ :
فكأنه عكس إدال ً
ال واتساعاً.
وح ْولك حين َت ْس َم ُن في ِه ِ
راش) َ ُزلت مع اللـيالـي ( َع َ
ليك إذا ه ِ
ُ
تهارشوا في ال ُهزال هنا :مثل إلدبار الدُول ،والسمن :مثل إلقبالها .يقول :إذا ساعدك الزمان باإلقبال عليك
طلب المنفعة حواليك.
وذكر الهراش تخسيسًا لهم ،النه من فعل الكالب .فإذا ألمت بك نوائبه فهم عليك أعوانه .والعرب تكنى بعلى
على خالف ما تكنى معه بمع .فمع والالم :للمواالة .وعلى :للخذالن والمعاداة .قال تعالى( :لها ما َك َس ْ
بت
وعليها ما ا ْك َت َس َب ْت) ومعنى هذا البيت متداول كثير .ومنه قول بعض ال ُمحدثين:
فلما نبا صرت حربًا عوانا وكنت أخي بإخاء الزمـان
وتقدير البيت :عليك مع الليالي إذا هزلت ،وحولك في هراش إذا سمنت أي أنهم هم كذلك.
وله ايضا:
روح إبله)
صر ُم ُم ٌ
فيه ِ
َو ِ وأو َح َشناَ ال َوفي ِه ٌ
اهل ْ ( َخ َ
الصرم :الجماعة من الناس ،أي إنه خال عندي وإن كان فيه أهل ،ألنهم غير أحبائي الين عهدت بها ،وهو
موحش وإن كان فيه صرم من الناس ،لعدم أولئك األحباء.ويقويه بعد هذا:
ولست فيها لَ ِخلُتها تفلـه)
َ والعبير بها
ُ (لو ُخلِط الم ُ
ِسك
وإنما تحسن األمكنه في عيون المحبين باحتيازها المحبوبين .وقوله( :وفيه أهل) :جملة في موضع الحال.
وكذلك قوله( :وفيه صرم) جملة في موضع الحال ايضا ،فاذا رددتها إلى اإلفراد .فكأنه قال :خال عامرًا،
وأوحشنا آهالُ.
وس ْحبُها هطله)
إلى ِسوا ُه ُ وهي ظام ٌ
ِئة صرها الغ ُ
َيث َ ( َي ْن ُ
ينصرها :يُسقيها .قال:
الواح ِد
َيث عبد ِ ُ
الحجاز بغ ِ نُ ِ
ص َر الربيع فإنـمـا
ُ أخ َطا ُه
من كان ْ
وإنما قيل في المكان المسقى:نصره الغيث ألن المكان في غالب األمر إنما ي ُهجر لجدبه .فذلك الخجر خذل له.
فاذا ُسقي أعشب وأخصب فاستدعى من رحل عنه ،فكأنه نُصر بالمعاودة ،كما ُخذل بالترك ،ولذلك ُ
دعى للدار
بالسقيا ،لتخصب فيعاودها من حل بها ،فيعود عامرًا ما كان منها غامرا.
ُّ
ينصرها ها وسحبها هطلة ،ليكون لك أبلغ فيويقول :الدار ظامئة إلى من رحل عنها ،إال إلى الغيث الي ُ
استغراب الظمأ .وما أشبه ها بقوله:
النفس مفقو ُد
وحبيب ِ
ُ وجدتُها ً
صافية إذا أردت ُكميت اللون
قوله( :وهي ظامئة) :جملة في موضع الحال .وكذلك (وسحبها هطلة) والسحب :جمع سحاب ال جمع سحابة
ألن ( َف َعالة) التكسر على ُف ُعل .إنما سجمع سحابة :سحائب.
ُمقيمة فاعلمي و ُمر تحل ْه) (واحرباَ منك يا ِجدَا َيتـ َهـا
عت منى ُ
وقصرت عنىُ .فمقامك وارتحالك الجداية :الظبية .أي :واحربا منك ياظبية هذه الدار .أقمت أو م ُن ِ
سواء ،كالهما عائد علي بالحرب ،وهو ال ُهلك .ومثله قول اآلخر:
الممنوع منك بعي ُد)
ُ (والقريب
(وا) هنا دون (يا) .النه أشهر أعالم (منك) :أي ُحبك ومن أجلك واستعمل َ وقوله؛ ِ
التفجع والنُّدبة.
ُّ
الح َملَ ْه)
ول َس ْي ِبه َ ُ
أول َم ْح ُم ِ بيض ِغلمانِه َكـنَـائِلـ ِه
( َو ُ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
جعلهم محمولين ألنهم إذا حملوا إلى المعطين البدر والثياب كانوا في جملة الهبات فكأنهم حملوا أنفسهم مع
حملهم الهبات .وقوله( :أول محمول سيبه) قدمهم في السيب ألنهم أشرف أنواعه .وقال( :بيض غلمانه) يعني:
الصقلب والروم ألنهم أثمن من الزنج والنوب وأحسن في األعين وهذا البيت كقوله:
ففيها العبدى وال ُم َط َّهمة الجر ُد عساكـر
ٌ الحسين
عطيات ُ
ِ كأن
جز ٌم هزلـه) ِهول َم ِ
لو كان لل ِ ـو ِل يُفـتـره
(وراكـب الـ ّه ْ
أي إنه يركب الهول دائما ،ال يُفتره وال يُريحه ،فلو تجسم الهول ،فكان مركوبًا يُشد عليه الحزام ،لهزل ذلك
المحزم ،بدوام الركوب ومالزمته ،وخص المحزم دون طوائف الجسم ،النه موضع الركوب واله ْمز.
ُ
الفصاحة له) وه َّذبت شع ِ
ِري َ اه ُة لـي
(قد َه َّذ َب ْت َفه َمه ال َف َق َ
والفقاهة :الفهم .تقول العرب :ماله فقاهة وال فصاحة.
يقول :فقاهته في الشعر قد هذبت فهمه لي ،باستحتانه ما أنقح من شعري فيه ،حتى مايستحسن غيره من
وب .وهذبت فصاحته شعري له ،أي لما علمت إنه فصيح ،نقيت ألفاظ شعري المخ ُش ِ
الشعر المتعسف ْ
واستجدتها ،فكانت فصاحته هي التي هذبت شعري.
أكبر من ِف ْعل ِه الذي فعله)
ُ ( َفأكبروا فِعل ُه وأصـغـر ُه
أي أعظموا فعل أبى العشائر ،وأصغره ٌه َو ،أي استصغره ،النه صغير باإلضافة إليه ،كما هو عظيم
باإلضافة إليهم .ثم قطع فقال( :أكبر من فعله الذي فعله) :أي الفاعل أكبر من الفعل المنفصل عنه.
يف َّ
كل َم ْن َح َملَ ْه) الس ُ
ما َي ْح َم ُد َّ كالسيف حـامـدًا َي َد ُه
ِ ُ
فصرت (
أي أجاه الفهم عنى ،كما أجاد الضرب بالسيف ،فأنا كسيفه في أنى أحمد فهمه ،كما يحمد السيف يده .إال أن
السيف يحمد منه ُجسمانياُ وهو يمده وأنا احمد منه نفسانيًا وهو فهمهُ.
(ما يحمد السيف كل من حمله) :أي ليس كل حامل له يجيد الضرب به ،فيكون حامدًا لكل من حمله .وكذلك
أنا ،ليس كل أحد يفهم شعري ،فأحمدهم كما حمدت هذا الممدوح.
وله ايضا:
وردُّوا ُرقادى فهو لَ ْح ُظ
ُ احي َف ْه َو ِع ْن َد
ص َب ِ
(أعيدُوا َ
ِب)
الح َبائ ِ
َ ال َك ِ
واعب
إن شئت قلت :طال على الليل فال صباح ،وأسهرني الحزن فال ُرقاد ،وكل ذلك بمغيب من أحببت .فيقول:
قصر ليلي ،وجاء الصباح .وردوا الحبائب إليُ ،رقادى عندهن ،فإذا ُعن أعيدوا الكواعب الي ،فإذا كان ذلك ُ
عاودني نومي.
وإن شئت قلت :غاب عنه الصباح بمغيب الكواعب ،ألن الدنيا تظلم على المحزون ،فاذا أراد أن يُرد ذلك
الرقاد .النه قد كان يرى الخيال فيه وفي الخيال أنس فلما عدم الرقاد ،عدم الخيال
عليه ،استدعى أن يُرد إليه ُ
الذي كان يأنس به.
سهرت غرضاُ إليهن.
ُ وقوله( :فهو لحظ الحبائب) أي أن سبب ُرقادي نظري إليهن ،فاذا لم ألحظهن
ِب)
ُر عن لِقاء التـرائ ِ
عليك ِبد ً الس ْل َك جسمِي َف ُع ْقتِه اك َظ ِ
ننت ِّ أر ِ
(َ
ُ
البخل بالعناقَ .ف َح َج ْز ِت السلك :الخيط .يقول:عهدت جسمي ناح ً
ال؛ فلما رأيت السلك حسبته إياه؛ ومن عادتك
بين السلك وبين ترائبك بنظام الدُّر عليه ،جريًا على ما اعتدته من البخل.
وقوله( :عليك) :ظرف في موضع الحال.
عضاض األفاعي نام فوق (إليك فإنى ُ
لست مـمـن إذا
العقارب) اتـقـى
يزجر عاذلته على اقتحام المهالك ،واالهجام على صعاب المالك،ضر العقرب ،أسهل من ضر األفاعي ،فهو ُ ُّ
أصبر على الصغير من األذى ،فرقًا من العظيم؛ وإن كان أيسر من الموت؛ كما أن
ُ فيقول لها :إليك؛ فإنى ال
سم العقارب ٌّ
أخف من سم األفاعى؛ وأبلغ من هذا قولهُ:
ِّ
الـذل إن المنية عـنـد
قـنـدي ُد
أعدوا لي السودان في كفر (أتانى وعي ُد األدعياء وأنهم
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
عاقب)
(كفر عاقب) :موضع بالشام ،وأرصد له فيه قوم يريدون إهالكه( .واألدعياء) :ناس ادعوا إلى على عليه
السالم.
فهل في وحدى قولهم غير (ولو ُ
صدقوا في جدهم
كاذب)
ِ لحذرتُـهـم
أي لو صدقوا هؤالء األدعيان ال ُموعدُون لي ،في ادعائهم ُقربي على عبسه السالم،
لحذرتهم لشرفهم ،ولكنهم يكذبون في ذلك ،فهل في وحدي يكون قولهم صادقًا ،كما
توعدهم إياي.
يكونون في نسيهم ،كذلك يكونون في ُّ
مكان لم َتطأ ُه ركائ ِ
ِبي) وأي ٍُ أجـر ذوائبـي
بأي بال ٍد لم ُ
( ِّ
جره ذوائبه :فكناية عن الغزل والتغني ،كقول اآلخر:
أما ُّ
رجل ريان
ض كل ُم ٍ ُ
وأغ ُ أسحب لمتى عفر المال
ُ أيام
أمل.
غزل أو غازى ٍ
وأما وطء ركائبه المكان ،فكناية عن الغزو ،يقول :كل مكان قد شاهدت إما طالب ٍ
فاثبت ُكوري في ظ ُهور (كأن رحيلي كان من كف
المواهب) طاهـر
ٍ
مكان العطايا ،فأثبت ُكوري في
ُ أي أن مواهب هذا الممدوح ُم َشرقة و ُمغربة .فكأن رحيلي كان من كفه ،وهي
ظهور مواهبه فهي تُشرق بي وتغرب .ووجه اتصال هذا البيت بالذي قبله ،أي لم أدع موضعًا إال أتيته ،كما
أن مواهب طاهر لم تدع موضعًا إال أتته .وإنما صح لي ذلك بإثباته رحلي على ظهور مواهبه السيارة.
وجعل للمواهب ظهورًا ،لذكره ال ُكور الذي موضعه الظهر .وهذا مجاز .إذ ال ظهر لمواهبه وال بطن.
يردن فِـنـا َء ُه َو ُهن له ِش ْرب ُو ُرو َد المشارب) ( َفلم يبق َخ ٌ
لق لـم ِ
وقطر.يُحقق تشريق مواهبه وتغريبُها ،وأخذها من الدنيا في كل أفق ُ
فيقول :لم يبق خلق إال وقد وردت هبات طاهر فناءه؛ إما قادماُ بها من لُدنه ،وإما محمولة اليه .والخلق هنا:
بمعنى المخلوق ،إذ ال معنى للمصدر في هذا الموضع.
(و ُهن له ِشرب ُو ُرود المشارب) :أي وهي وإن كانت مشارب لآلملين ،فإنها تطلب اآلملين ُّ
الزوار؛ مع طلبهم
رب) :يتعجب من أنها لهم شرب ،وهي تطابهم طلب الظمآن إياها طلب العطاش لمشارب .وقوله( :وه َّ
ُن له ِش ُ
للماء .وهذا نحو قول أبى تمام:
اآلفاق عن كل سائِل
ِ فأضحت عطايا ُه نـوازع ُشـردًا يُسائلن في
ال أن بيت أبى الطيب أغرب .وتلخيصه :فلم يبق خلق لم يردن فناءه ُو ُرود المشارب ،على أنهن شرب لذلك
الخلق.
غـائب)
ٍ َّ
ورد إلى أوطانه كل موطن
ٍ (فقد َغيَّ َب ُّ
الشها َد عن كل
أي دعا صيت ُه في السا الناس حتى غابُوا عن أوطانهم ،مسافرين إليه .ثم أغنى هؤالء السفر؛ فردهم إلى
أوطانهم ،وكفاهم عن السفر إلى غيره ،بما أفادهم إياه .قال بعض النُّفاد :وهذا كقول أبى نُواس:
فظهورهن على الرجال حرا ُم
ُ واذا المطى بنا بلغن محـمـدًا
وليس عندي مثله ،ألن المتنبي قال :أغنى هذا الممدوح ُقصاده ،وردهم إلى أوطانهم ،فكفاُهم السفر .وأبو
المطى بنا هذا األمير ،حرمنا ظهورها على الرحال؛ أي لم نركبها أبدًا؛ وال امتهناها،
ُّ بلغت
نواس قال :إذا ِ
ُ
جزاء لها على تبليغها إيانا أملنا من لقائه .ولم يذكر عطاء؛ وال كفاية سفر ،أال تراه يقول بعد هذا؛ ُمبينا لعلة
تحريم ظهورها على الرجال:
َفلَهـا عـلـينـا ُحـرمة َق َّر ْبننا من خير من وطئ
وذمـا ُم صـى الح َ
َ
سالح الذي ال قوا ُغ ُ
بار ُ أناس إذا القواعـدى
( ٌ
السالهب)
ِ فـكـأنـمـا
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
السالهب :الطوال من الخيل وغيرها .وإن شئت قلت :سالح أعادبهم بمنزلة غبار الخيل في أنه ال يعبأ به.
وخص السالهب ،ألن الطوال ُّ
أخف ،فغبارها أخف.
وإن شئت قلت :إن سالح من لقيهم إنما هو إثارة الغبار بالهرب واالنهزام ،وجعل ذلك سالحهم ،النه هو الذي
يقيه كما يقى السالح غيرهم ،أي ذلك الذي يقوم لهم مقام السالح.
والجفن أي هي عليهم أوهى نسجًا من ال ُغبار تحرقها الرماح ،كقوله
وإن شئت قلت :كان السالح هنا الدروع ُ
في صفة الرماح:
إذا َو َق َع ْت فيه َكن ٍ
َسج الخدرنق قواض قواض نسج داود عندها
ٍ
الخدرنق :العنكبوت؛ شبه الدروع في خرق الرماح لها ،وسهولة ذلك منها عليها ،ببيت العنكبوت.
دوامى الهوادى سالمات (رموا بنواصيها القسى
الجوانب) فجئتـهـا
أي رموا نواصي هذه الخيل بالقسى ،فعكس( ،ومثله كثير)؛ فجاءت دوامى الهوادى ،وهي األعناق والم َقاوم،
ألقدامها .وسلمت جوانبها ،ألنها لم تستعرض ولم تستدبر .وكنى بالجوانب هنا عن األعجاز واألعطاف
جميعًا ،وهم يصفون ال ُمقدم بأن ُجرحه في أمام جسمهن وال ُمدبر بخالفه ،كقول القُطامى:
وفي النحور ُكلوم ذات أبال ِد تجرح ُفرارًا ظهور ُهم
ُ ليست
أي حفت به األسنة ،حتى صارت له كالنطاق ،فهم ُه حينئذ في قتل ذوي األسنة؛
لهوانها عليه ،وحقارتها لديه.
وقوله( :وأطرافها كالنطاق) :جملة في موضع الحال ،يستغرب ذلك وهذه حال.
وشبههه بعض النقاد بقول أبى تمام:
يوم الكريهة في المسلوب ال إن األسود أسود الغاب
السلب
ِ هـمـتُـهـا
وليس مثله ،ألن أبا تمام نفي عن الممدوح ُحب سلب وأبو الطيب ذكر أن أبا العشائر ال يعبأ باألسنة المحدقه
به لشجاعته ،ولم يذكر ُحب سلب وال ضده ،وقال( :وأطرافها) ولم يقل (هي) ،ألن األسنة لم تخالط لحمه بعدُ،
وإنما هي على ظاهر جسمه ،فأطرافها هي المحدقة به ال جُملتها.
اق)
العار َو ِ
لم يكن دُونها من ِ جاعل درعـه مـنـيتـ ُه إن
( ٍ
أي يجعل درعه منيته التي تقيه العار ،إذا لم يجد غير الموت واقيًا .وكان أظهر من ذلك -لو اتزن له -أن
يقول :جاعل منيته درعه.
واالسى ال ي ُكون بعد الفراق) (واالسى قبل ُفرق ِة ُّ
الروح ٌ
عجز
يُسفه رأي من شح بنفسه وجبُن .فيقول :المعنى لألسى قبل فرقة الروح ،النه في حد الوجود ،فإذا حل به
الحكم أال يكون أسى .وقيل :األسى ال يكون بعد الفراقن وإنما هو
العد ُم وأزال الوجود فال أسى هنالك؛ فمن ُ
قبل ال ُف رقة ،فعلى هذا يكون صدر البيت تسفيهًا لرأي المشفق على الذات ،وعجز ُه اعتذار له.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أي أن قلبي متنزه بمناعته؛ أي بشجاعته؛ دافع عن نفسه ببأسه .ولكن من كانت له
عين كعينك ،أصاب األمر الصعب بالسعى السهل .أي فذلك ممكن لك منى على
تمنُّعه على غيرك .واالنحدار سهل ،واالؤتقاء صعب .فمن كان االرتقاء عليه في
سهولة االنحدار؛ فكل صعب له سهل ،كقول البحتري:
ـحـدر
ُ و ُمصع ٌد في هضاب المجد يطلُ ُعها كأنه لس ُكون الجأش منُ
وقد بالغ أبو الطيب بالمقابلة بين الحدور السهل والمرتقى الصعب؛ لسرى طبيعة الضد في الوصفين
والموصوفين .قابل الحدُور بالمرتقى ،والسهل بالصعب .ولو أمكنه أن يقابل الحدُور بالصعود؛ لكان أذهب في
ُ
الصنعة .ليوازن اللفظين.
وله ايضا:
(وفا ُؤ ُكما كالربع أشجا ُه طاس ُمـه بأن تُسعدا والدم ُع أشفاه ساجم ُه)
يخاطب خليله .وإنما كثرت مخاطبة العرب خليلين وصاحبين؛ دون أقل أو أكثر؛ ألن أقل السفر المتُرافقين
ثالثة ،فالواحد يخاطب صاحبيه .يذهبون في ذلك إلى أنه إن اختلف االثنان قتل األقوى األضعف .فاذا كان
لهما ثاث؛ توسط فحال بينهما في األغلب .فلذلك لم يصطحب في األكثر ُّ
أقل من ثالثة لهذه العلة .هذا معنى
مخاطبة العرب في أغلب األمر االثنين ،حتى تجاوزوا في ذلك إلى أن خاطبوا الواحد بخطاب االثنين؛ كقوله
رسي اضربا ُعنقه .وقال :فإن َت ْز ُجرانى يابن عفان أزدجر والطاسم: تعالى( :ألْ َقيا في َج َهنَّم) .ومن كالمهمَ :
ياح ُّ
الدارس .وأشجاه :أشدُّه إشجاء وإحزانًا .وال يكون فعال ،لمقابتله إياه بقوله :أشفاه .وأشفى :اسم ال فعل .يقول:
وفاؤكما أيها الخليالن بأن تسعداني على بكائي في هذا الربع الدارس ،كهذا الربع الذي بكيتهُ ،وذلك في ترك
المساعدة في الوقت به معي ،ففي ذلك أشبه وفاؤكما للربع دروسًا ُ
وطموسا .ثم قال( :والدم ُع أشفاه ساجمه):
(والدمع أشفاه ساجمه) :أي باإلسعاد وبالدمع
ُ أي ال تلوماني على البكاء ،فان أشفى الدمع ساج ُمه .وقد يجوز،
الذي أشفاه ساج ُمه .أي :وفاؤكما باإلسعاد لي ،والبكاء معي.
وق من صاحبه أن (دارس) قد قارب العدم ،كما أن الربع كذلك ،فكال كما أشجاه لي مادرس ،وقد يقنع ُ
المش ُ ٌ
ً
يقف معه على الربع عاذال ،أو عاذرًا ،وإن لم يشركه في شوق وال بكاء ،كقول البحتري:
أو ُمعينًا أو عاذرًا أو عذو َ
ال قف ُ
مشوقا أو مسعدًا أو حزينًا
فقد يجوز أن يكون أبو الطيب عدم هذا كله من خليله ،وأبيا موافقته على وجه :ال مشوقين وال مسعدين ،وال
عاذرين.
ساجمه ،يعني بكاه معه.
والدمع على هذا ،معطوف على موضع (بأن تسعدا) أي باإلسعاد .وبالدمع الذي أشفاه ُ
والباء في (بأن تُسعدا) :متعلق بمحذوف أي وفاؤكما باإلسعاد .وال تكون متعلقة ب(وفاؤكما) االولى ،ألنك قد
أخبرت عنها بقولك( :كالربع) فمحال أن تخبر عن االسم وقد بقى ما يتعلق به ،ألن هذا المتعلق به جزء منه.
فكما ال يخبر عن االسم قبل تمام حروفه ،كذلك ال تخبر عنه وقد بقى ماهو جزء منه.
ُور كما نور ُ
والخد ُ على العيس ٌ سقاك وحـيانـاَ ِ
بـك الـلـ ُه ( ِ
كمائ ُمه) إنـمـا
ُحيون بال ُنوار وأصناف االزهار .فلما أبصرها في
جرى في هذا البيت على مذاهب العرب وطرائقهم ،ألنهم ي ُّ
ويح ُسن .ودعا لنفسه أن يحيا بذلك النور.
بالسقيل ،لينعم ْ
الخدور جعلها نورًا في كمه ،فدعا له ُّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ُ
العيون بنظـر ٍة أثاب بها ُمعيى المطى وراز ُمه) (إذا ظفرت منك
سبب لقول الشعر فيها ،والتغنى به في الطرق ،وجميع ما يتصرفون ،ويحدُون به .فتنشط
يريد أن النظر إليها ٌ
اإلبل لذلك .إذ من طبعها أن تنشط للحُداء.
بثـــانـــي ٍة (قِـــفِـــى تـــغـــرم
والـــ ُمــــ ْتـــــــلــ االولـــى مـــن
ُ
ـــــف الـــلـــحـــظ
ُمــــهـــــــجــــــ الـــــــشـــــــيء
غـــــــار ُمـــــــ ْه) ـتـــــــي
عدت المـهـجة االولـى، ُ
اللحظة ُمهجتي .ذا قد ُ يقول :لحظتك فأهلت
فـعـمـل الـثـانـية ردُّهـا ،ألن فقفى على حتى ألحظك اخرى ،فترد
الـشـيء إذا انـتـهـى فـي ضـد على ما أذهب االولى ،وذلك أن لكل
انـعـكـس إلـى ضـده. نظرة أنظرها تأثيرًا في ،فا
ُ
وتـــكـــمـــلة (
وغـــــالـــــــب
الـــعـــيش
لـــــــون
الــــــصـــــــبـــ
الـــــــعـــــــارضـ
ــــا
ــــــين
وعـــــــقـــــــيبــ
وقـــــــاد ُمـــــــ ْه)
ـــــ ُه
أي كمال العيش ،يعني جميع طبقاته ،فأولُهن الصبا :وهو من النشوء إلى الشباب،
وعقبيُ ه الشباب ،وبعده غائب لون العارضين ،وهو الشيب مالم يقدم ،فاذا قدم فقد
كمل العيش ،وما بعد الكمال إال النقص .والهاء في (قادمه) راجع إلى اللون ،وال
يكون راجعًا إلى اللون ،وال يكون راجعًا إلى (غائب) ،فيكون من إضافة الشيء
إلى نفسه ،وليس كذلك إذا كان مضافًا إلى اللون ،ألن لون جنس انقسم إلى نوعين:
غائب وقادم؛ والنوع غير الجنس ،فكأنه قال :وتكملة العيش الصبا وعقيبُه ،سوا ُد
وبياصه ،النه إذا كان البياض غالبًا ،فالسواد حاضرز
ُ الشعر
بارق في فازة أنا شائم ْه)
حيا ٍِ وأحسن من ماء الشبيبة ُكلـه
ُ (
قوله( :في فازة) يعني فازة ديباج ضربت لسيف الدولة ،والحيا هنا :الخصب ،ويعني به سيف الدولة .والشائم:
الناظر.
تجول مذا كيه وتدأى ضراغ ُم ْه)
اليرح ماج كأنـمـا ُ
ُ ض َربته
(إذا َ
أي هذه الفازة ُمصور ٌة بصورة خيل وأسد ،فاذا مرت به الريح حركت الفازة ،فتحركت هذه ُ
الصور بحركاتها،
فتُ خيل أن مذاكيها ،وهي الخيل المصورة فيها تجول ،وان ضراغمها تدأى :أي تمرا سريعًا .ومن روى
وضراغمة .وان يكون في وضرغام ِ ض ْرغم ِ (تأى) :أي تهمس المشى لتختل .والضراغم :األسد .واحدها ِ
ضرغام أو ضرغامة ،لزم (ضراغيم) ألن األلف إذا كانت رابعة ضرغم أولى ،ىنه إن كان جمع ِ البيت جمع ِ
ُ
في الواحد ،صارت ياء في الجميع ثابتة ،إال أن يُضطر شاعر ،كما أنشد سيبويه :والبكرات الفسج العطامسا
وانما حكمه العطاميس ،فحذف للضرورة ،فإن يكن ضراغمه جمع ضرغم وهي لغة مشهورة حكاها ابن
ُد َوريد وغيره ،أوجه من أن يُوجه على الضرورة:
َومل سوا ُد الليل مما تُزاح ُمه) الصبح مما تُ ُ
غير ُه ( َف َقد مل ضوء ُ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ومل حدي ُد الهند مما تالط ُمه) (ومل القنا مما تـد ٌ
ُق صـدوره
غيره) في البيت من الغيرة ،يريد أن الصبح يغار من كثرة ما تفعل فيه ،من قبله ذكر طاهر بن الحسين أن (تُ ُ
إلى ضده ،من شدة القتال ،وكذلك الليل أيضا يفار من ذلك ،النه يُصيره يومًا ،إلظهاره فيه السيوف والرماح،
من ضيائها.
ُ
قال ابو الفتح بن جنى :اراد تُغير فيه ،فحذف حرف الجر اختصارا.
وقال في (تزاحمه) :أي تسرى فيه ،فاستعمل (تزاحمه) في موضعها.
والهاء في (تزاحمه) مفعول به ،وليست بمعنى (تزاحم) فيه .وقال الوحيدُ :ليس هذا اراد بقوله (تغيره) وإنما
اراد أنك تسير في بياض الحديد ،من البيض والروع ،فكأن الصبح يغار عليه إذا رأى ضياء غيره قد ألبس
به.
ُ
يزاحم الليل الذي هو الظلمة .وقوله( :ومل حدي ُد الهند مما تالطمه) أي تالطمه بأمثاله.
الج ُفون عزائمه) ُ
وأنفذ مما في ُ ً
هـيبة (قبائع ُها تحت المرافـق
يريد انهم يسترون سيوفهم ويخفونها هيبة ومخافة من سيف الدولة .وعزائم ُه ُ
أنفذ من شفار سيوفهم.
سحاب إذا استسقت سقتها
ٌ ُ
يزحف سحاب من العقبان
ٌ (
صوار ُمه) تحتـهـا
ويروى( :فوقها) ،فيكون قوله( :العقبان) في أول البيت كناية عن الخيل ،كما قال:
ُ
العتاق الصالد ُم بأماتها وهي فراخ ال ُفتخ أنك زرتهـا ُ
تظ ُّن ُ
ينقص عن واحده بالهاء ،ذلك تذكيره وتأنيثه ،فأنث في قوله (تحتها) ،وذكر ُ السحاب :جمع سحابة .وكل جمع
ُ
ٌ
موصول ،ليس له في قوله:صوارمه ،أخذًا باألمرين .وال يمكنه هنا غير ذلك ،لمكان الوزن ،وأن هذا الشعر
خروج ،أعنى أنه ليس بعد هائه حرف لين .وقيل تأنيث هذا النوع على الجمع ،وتذكيره على الجنس .أي قد
ُحشرت العقبان في أفق جيشهً ،
وثقة منها بما يُقتلون ،فيكون رزقًا لهذه العقبان ،كقول األفوه:
عين ثقة أن ستُ ُ
مار رأي ٍ الطير على آثارها
َ وترى
فالعقبان على هذا الجيش كالسحاب ،لتكاثُفها واشتباكها ولونها والجيش تحت هذا
سحاب آخر .فإذا الذي هو الجيش ،بأن تضع لها ٌ السحاب ،الذي هو من العقبان،
فتخصب .وجعل األسفل يسقى األعلى؛ إغرابًا ،النه بعكس ما ُ القتلى فتنزل عليها،
جرت عليه العادة ،من أن االعلى هو الذي يسقي االسفل.
مستطعمة ال ُم ْس َت ْسق ٌ
ِية؛ النه ٌ وقال( :إذا استسقت) وانما العقبان وسائر سباع الطير
سق .كقول أبى ُذؤيب في صفة السحاب :تروت بماء والسحاب ُم ٍ
ُ ذكر السحاب؛
البحر ثم ترفعت
ومن الحسن أن تكون الرواية (يزحف) على لفظ التذكير؛ توطئة لقوله :صوار ُمه،
ٌ
كتيبة جرارة، فيكون ضربًا من اإلشعار .وجعلها تزحف لكثرة الجيش ،كما قالوا:
أي ال ت ُقدر على السير إال رويدًا؛ لكثرتها.
ؤيدات قوائ ُمه) صروف الدهر حتى لقيتُه على ظهر ٍ
عزم ُم ٍ ( ُ
سلكت ُ
ُ
بسلكت . . . الهاء في لقيتُه :عائدة على سيف الدولة .وعلى :متعلقة
فالمعنى :إن عزمه قوى مؤيد؛ فاستعار انه ركبه ويسلك صروف الدهر عليه.
وله ايضا:
أأطرح المج َد عن كتفِي وأطلُُبـه ُ
وأترك الغيث في غمدي وأنتج ُع) ُ (
يحمل على الكتف ُمعتق ً
ال ،لما كان المجد يُكتسب به .فهذا من باب االستغاء عن كنى بالمجد عن الرمح الذي ُ
ُ
ذكر السبب بذكر ال ُمسبب .وإن شئت قلت :جعل الرمح هو المجد مبالغة .كقولهم :ما زيد إال أكل وشرب :وإن
أطلب أثرًا بعد عين.
ُ شئت :كان الحذف؛ (أي ذا المجد) وهو الرمح ايضا ،إلدراك المجد به( .وأطلبه) :أي
ُ
الغيث هنا ذات السيف .وانما وأترك الغيث في غمدي :يعني السف الذي هو سبب خصب المعيشة .وليس
عنى الغيث .وإن شئت قلتَ :ج َعله الغيث مبالغة ،إذ كان سببًا له ،ثم قال وأطلب الرزق على غير هذا الوجه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الذي ال ي ْك ُرم عيش وال يُصب إال به ،كقول النبي عليه السالم( :الخير في السيف والخير مع السيف).
زأصل االنتجاع :طلب الكأل .ثم صار كل طلب :نُجعة .وحسن لفظ االنتجاع لتقدم ذكر الغيث.
ُسو ُد الغمام فظنوا أنها ُ
قزع) ُمستُق عينيه وقد طلعت
(ذم الد ْ
ال وهو كثير ،فأقدم اغترارًا بما خيلته اليه عينهُ ،فذم أي غرت الدمستف عينا ُه ،ثم توهم جيش سيف الدولة قلي ً
عينيه وال مه ُما اذ لم تخبراه باليقينَ ،فتُريا ُه الجيش على ما هو به من الكثرة ،النه لو صدَقتا ُه لم يُقدم وال َق َز ُع:
السود، كقزع السحاب ،وهو كسود الغمام ،وانما شبهه بالغمام ُّ قطع السحاب المفترقة .يقول :ظن الجيش قليال َ
غيث ،فهي أشبه بصفة الجيوش من جهة العاقبة واللون ،أال تراهم النه أهول منظرًا؛ وألن فيه صواعق بال ٍ
قالوا :كتيبة جأواء وخضراء وخصيف .وكل ذلك إلى السواد.
ال وهو كثير ،فأقدم ،وكان أذهب في الصنعة لو فتلخيص البيت :ذم الدمستق عينيه حين أوهمتاه الجيش قلي ً
إخبار عن الدُّمستق ،ولكنه حمل الضمير عليه وعلى ٌ زحاف -أن يقول( :فظن) ،بلفظ اإلفراد النه
ٍ اتزن دون
من حوله.
األجواف ما
ِ يفتح في ُ
فالطعن ُ (كأنما تتلقاهُـم
تس ُع) لـتـسـلُـكـ ُهـ ْم
ُ
يمرق ،فالطعن يفتح في أجوافهم ماتسع الخيل، ُ
يسلك السه ُم الرمية ثم أي كأن خيله تريد ُسلُوك عداه ،كما
إشادة بالطعن ،وتشيعًا له .كقول قيس بن الخطيم:
يرى قائم من دُوتها ماوراءها ُ
فأنهرت فتقها ُ
سلكت بها كفى
ماتسع الخيل؛ فحذف المفعول ،لتقدم ذكر الخيل.
ُ وأراد
على نفوسهم ال ُمقورة ال ُم ُز ُع) ً
طافحة الفر
(دُون السهام ودُون ِّ
الخيل حتى صارت أقرب إليهم من السهام التي فيهم ،مبالغة وليس بحقيقة ،ألن السهام التي ُ أي قد تغشتهم
الفر) :أي أن الخيل تمنعهم الفرار .وقال( :على نفوسهم) ،ولم
أقرب اليهم من الخيل التي عليهم .و(دون ِّ ُ فيهم،
يقل على أبدانهم؛ ألن نفوسهم قد فاضت عن أبدانهم ،فكان الخيل تسبق السهام وتفوت حتى تغنى عن الفر.
ويروى (دُون السهام ودون القر) فيكون ال ُم ْقور ُة على هذا الدروع التي قد أخلقها التداول؛ حتى عادت
كالمقورة من الخيل وهي الضامرة -المتجردة و(ال ُم ُزع) على هذا :التي قد تمزقت أشالؤها أي قد تمزقت كما
يتمزع اللحم أي يتبدد .فيكون المعنى أنه ال تقيهم ال ُكسى حرًا وال بردًا؛ ولكن هذه الدروع المقورة .والرواية
ُ
االولى أصح.
العلج علجًا حال بين ُهمـا أظمى تُ ُ
فارق من ُه أختها الظل ُع) (إذا دعا ُ
ر ُمح أظمى :أسمر؛ وقيل :ظمآن إلى الدم؛ واالول أولى؛ إذ لو كان من الظمأ لكان
حريًا أن ُيسمع مهموزًا ،ولم أسمعه كذلك .إال أن مثل هذا اإلبدال قد يجوز في
تع) وال حاجة بنا إلى توجيه ذلك هنا ،اذ المشهورهناك ال َم ْر ُ
ال ِ الضرورة كقولهَ ( :
في كتب اللغة أن األظمى :األسمر .يقول :إذذا تداعى العلجان لتناذر أو تشاور أو
تناحر ،حال بينهما ُرمح أظمى يدخل بين الضلعين؛ فيفرج بينهما حتى يتفرقا. ُ
و(منه) :أي من أجله .وحسن ذلك المفارقة هنا لقوله( :حال بينهما) .وكان من
ُحسن الصنعة لو اتزن له -أن يقول :إذا دعا العلج صاحبه ليوازي به قوله:
الضلع)؛ ألن األخوة والصحبة من باب المضاف ولكنه ذلك اراد؛ كأنه قال: ُ (أختها
إذا دعا العلج صاحبه أو أخاه.
أمين مـالـ ُه ُ
ورع) للباترات ٌ
ِ بطريق تضمنها
ٍ (كم من ُحشاشة
ُ
واألمين هنا :القيد ونفى الورع عنه إغرابًا بأمين ُ
والباترات :السيوف القاطعة. الحشاشة :النفس .وقيل ،بقي ُتها.
ُ
ال ورع له .وانما سماه أمينًا لحفظه على السيف ما استودعته إياه من األسارى؛ حتى يردهم إليه عند القتل
ورع .ألن الورع إنما يكون عن قصد ،والقصد إنما يكون لذى العقل .وكذلك أمانته فهو أمين لذلك .وليس له ٌ
ً
غير حقيقة .ولو كان أمينًا عاقال لكان ورعًا إذا ال أمانة إال بورع.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
يضطجع)
ُ ويطر ُد النوم عن ُه حين
ُ قاتل الخطو عن ُه حين ُ
يطلـبـ ُه (يُ ُ
أي تقصر ُخ طا هذا األسير بضيق القيد ،إذا اراد أن يخطو .ويطرد النوم عنه ترنم حلقه كقول أبى نواس:
لها خط ُو ُه عند القيام فصير إذا قام غنت ْه على الساق حلقة
والمقاتلة والطراد في هذا البيت مستعاران.
خانُو األمير فجازا ُهم بما ستق إن المسلمين (قل ُّ
للد ُم ِ
صن ُعوا) لـ ُكـم
خيانهم اياه :خال ُفهم له؛ بسعيهم إلى النهب وأسالب العدُو المفزوعين .وإسالم ُه إياهم له :تر ُكه الطلب بثأرهم؛
أو رضاه لهم ماحل بهم.
كأن قتال ُك ُم إياهم فجعوا) (وجدنم ُوهم نيامًا في دمائ ُك ُك
اي خافو ُكم؛ فألقوا نفوسهم في دماء قتال ُكم :لتحسبوهم منهم ،فتتجافوا عنهم؛ وكأنهم هم ُ
المجوعون بقتالكم،
يُلقون أنفسهم عليها كإلقاء المفجوع نفسه على القتيل تأسفًا .وقيل :كان المسلمون يأتون قتلى الروم يتخللونهم؛
فينظرون من به ٌ
رمق فيقتلونه ،فبينما أكب عليهم المشركون فقتلوهم.
يأخ ُذ من ُكم فوق ما
والضرب ُ
ُ تش ُّق ُكم بفتاهـا ُكـل
( ُ
يدع)
ُ سـلـهـب ٍة
(بفتاها) :اي بفارسها .ذهب في لفظ الفتى إلى الرفع من شأن الفارس؛ كقولهم( :أنت الفتى ُّ
كل الفتى) ال يُذهب
ُ
الرجل .تمدحه بالصبر والثبات والنجدة ،ال تعني به الرجولة التي هي به إلى فتاء السن :لكنه كقولك :انت
يدع) .ذهب قوم إلى انه عنى أن القتلى أكثر من الناجين .وهو لعمري (والضرب ُ
يأخذ منكم فوق ما ُ ُ الذكورية
الكم؛ وانام؛ وانما عنى أن الضرب يأخذ النفوس ،ويدع األبدان؛ والنفسَّ بذلك يعين لم انه عندي والذي ٌ
قويل
ً
فوق الجسم في لطف الجوهر ،وشرف العنصر .فهذا معنى قوله :ما َيدع .ال الكميه التي ذهب اليها أوال.
وله ايضا:
ويعصي الهوى في طيفها وهو ( ُّ
يرد يدًا عن ثـوبـهـا وهـو
راق ُد) قـار ٌد
(يرد يدا عن ثوبها) :كناية عن العفاف .والثوب هنا :يجوز أن يعني اللباس؛ وان يعني بعض طوائف جسمها؛
كقول اآلخر:
لم يُبلوا ُحرمة الرجل ْه جيب فتاتـهـ ُم
خرقوا َ
َّ
قيل :يعني بالجيب ال ُقبل .وقوله (وهو قادر) :اي متمكن بها ،ال يتقي رقيبًا النه ذلك في النوم وأثبت لنفسه
قدرة في نومه النه قد تتهيأ للنائم أفعال اليقِظ وإن كانت غير مقصودة ،وقد قيل :إن قوله (يريد يدا عن ثوبها
وهو قادر) :أن هذا إنما هو في اليقظة .وانما اراد وهو يقظان فلم يتزن له ،فكنى بالقدرة عن اليقظة ألن
اليقظان أملك لذاته من النائم مع أن قادرًا مقلوب لفظ راقد .فأناب المقلوب في المقابلة مناب الضد الذي هو
يقظان( .ويعصي الهوى وهو راقد) :اي انه يملك نفسه عن شهوته في حال النوم .وتلك حال ال يغلب فيه ُ
عقل
الرقاد.
يقرب بتمالكه عن محبوبه في الحال ٌّ شهو ًة ،ألن التحصيل حينئذ عازب؛ فهو ُ
وجملة معنى البيت :انه اعتاد العفاف في يقظته؛ كقوله هو:
َة في ُكل مليح ِة ضراتها واألبو
َّ وترى المروة والفتو َة
فاذا رآى الطيف أراه النوم ما تعود من العفة في اليقظة فعف ،فإن ذلك من خلق
ُ
حذاق النفس كثير .أعنى أن ترى في ُحلمها ما تعودته يقظي؛ ولذلك علة ذكرها
القدماء جالينوس وغيره .والطيف فعل من طاف يطوف اال أنا لم نسمع فيه طوفا.
وقد يكون (فعال) من طاف يطيف؛ ُسمي بالمصدر ،ألن نسمع طاف يطيف عندنا
طاح يطيح قياسًا
من باب باع يبيع واسع وال أحمله على ما ذهب اليه الخليل في َ
عليه؛ ألن باب باع يبيع واسع كثير.
توهتُه.
وباب (طاح يطيح) قليل ،اليُوجد لها ات إال تا ُه يتيه في لغة من قالْ :
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ُ
الركية تميه وهو من الواو فهي ثالثة (لطاح) وتا َه) على وحكى ابو زي :ناهت
قول الخليل:
وإن لم يكونوا ساجدين مساج ُد ٌ
مخضبة والقو ُم صرعى كأنهم
اي هذه البالد ُمخضبة ،الدماء فيها جارية واألشالء ُمنكبة ومبطوحة فكأنها مساج ُد ُمخلقة ال نكباب القتلى وإن
يكونوا ساجدين.
والرماح المكايد)
ُ ُ
وتطعن فيهم والسابقات جبـالُـهـم
ُ (تُ ُ
نكسهم
تنكسهم :تقلبهم على رؤسهم .فيقول :من شأن تنكيسك لهم عن متون خيلهم وهو ُركبان لها .فلما تركوا الخيل،
تنكسهم به
تنكيسهم بالرمح حينئذ ،كما كنت ُ
ُ وركبوا الحصون والقالع ُ
وقنن الجبال مكان الخيل؛ فلم يمكنك
ُفرسانا ،أقمت كيدك لهم مقام الرمح فنكستهم عن الجبال به .وقوله( :والرماح المكايد) :اي المكايد هي التي
قامت مقام الرماح ألنك وصلت بالمكيدة إلى مثل :ما كنت واص ً
ال إليه بالرم .وقد أجاد ي تطبيقه قوله:
(والسابقات جبالهم) بقولهم( :والرماح المكايد).
ُ
تضيق به أوقاته والمقاص ُد) (فتى يشتهي ُطول البالد ووقتُ ُه
الدهر فهو يشتهي طول الدهر ليسع همته ،وجيشه عظيم تضيق عنه البالد فهو يشتهي
ُ يقصر عنها
اي همته ُ
ُ
أن تسع البالد وتطول لتحمل جمعه .فألوقات أزمنة وتضيق عن همته والمقاص ُد أمكنة تضيق عن جيشه .وفي
البيت حذف .وتمامه -لو اتزن -فتى يشتهي طول لجيشه وسع َة األوقات لهمته فهتمه تضيق عنها األوقات
وجيشه تضيق عنه البالد.
السها والفراق ُد)
(أح ُبك ياشمس الزمـان وبـدر ُه وإن ال منى فيك ُّ
جعله شمس الزمان وبدره ليخبر عنه بكمال النُّورية وأنه يعم الليل والنهار بضوئه وهذا أحسن .ألن الممدوح
ال فهو النهار شمس ولليل بدر ،واختار البدر على القمر ألن القمر ربما لم يُغن ضوؤه كبير موجوده نهارًا ولي ً
غناء مع ما آثر ممن الوزن .وجعل غيره من األمالك باإلضافة إليه ُسهًا وفراقد .وال خفاء بما بين الشمس
السها والفراقد من المراتب في النُّور .فيقول :أنا أحبك أيها الملك الذي هو الملوك كالشمس
والبدر وبين ُّ
كالسها .والفراقد في
والبدر في النجوم لعظم نفعك وجسامة غنائك في نوعك وإن فيك أمالك؛ هم في الملوك ُّ
الكواكب فكيف أطيع من هو كالسهام والفراقد فيمن هو كالشمس والبدر وهما ُمغنيان عن السها والفرقدين .بل
احدهما مغن عنهما .والسها والفرقدان ال يتجزءان كنها وال من احدهما وقال( :والفراقد) .وانما هو (الفرقدان)
ألن جمعهما .بما حولهما ،أو على أنه جعل كل جزء منهما فرقدًا وقد فعلت العرب ذلك قبله كثيرًا كقوله:
ودون الجدى المأمول منك الفراقد وحكى سيبويه :أنهم يقولون للبعير (ذو عثانين) جعلوا كل جزء منه ُعثنونا.
وقال جرير :أنشده سيبويه:
ُ
المفارق واكتسبن قتيرا شاب ُ
العواذل ما لجهلك بعدمـا قال
وله ايضا:
ويقصر أن ينال وفيه ُط ُ
ول) ُ (يحي ُد ُ
المح عنك وفيه قصـد
ويقصر الرمح أيضًا أن ينالك هذا
ُ اي هيبتُك في فؤاد القرن ُ
تخذل يده فيحيد رمحه عنك مهابة لك بعد أن سده
ُ
القرن به حذره إقدامك عليه وإن كان طويال .وانما يعنى بطول الرمح العمل به وجودة التصريف له ال الطول
ً
عيب وذلك أن الرمح إذا كان طويال خان فضعف. ُّ
الذي هو ضد القصر .ألن الطول ٌ
وله ايضا:
نـازل)
ِ ُقبيل الش ُفون إلى من طلبنلخمس إلى ْ
ٍ (شفن
خمس بين يوم ولية .والعرب ٍ الشفن :النظر من فوق إلى أسفل( .لخمس) :اي بعد
تُغلب في مثل هذا المؤنث على المذكر ،لسبق الليلة في تاريخ الشهر.
اي ركبت ُفرسانك خيلهم إلى عدوهم وط َووا عليها المراحل لي ً
ال ونهارًا فما نزلوا
نظرهن إلى من طلبته من العدو قبل ُ عنها حتى هجمت بهم على مطلوبهم .فكان
نازل عنهن .اي لو ينزل أح ٌد منهم عنها فتنظر إليه .وانما أدركوا ما نظرهن إلى ٍ
طلبوه ثم كان النزول بعد ذلك.
والعاسل)
ِ نوافر كالنحل (فأقبلن ينحزن ُقـدامـ ُه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ينحزن :ينفعلن ويتحوزن فقبلت الواو ألفا النفتاح ما قبلها ،فالتقى بذلك ساكنان فحذف االول ال لتقائهما .اي
خيل عدوك أمامك وهو في آخرها من خوفك .وهي بينك وبينه نوافر .فاقتضى البيت ثالث تشبيهات كانت ُ
اختصرها بأن ردها إلى اثنين وشرح ذلك أنه شبه الممدوح بالعاسل وعدوه بالعسل المطلوب للشور وصحابه
العاسل ليصل إلى العسل المطلوب .وعنى بالخيل هنا :أصحاب الخيل .واكتفى من تشبيهه ُ بالنحل التي يُنفرها
ٌ
عاسل ونحل فهناك عدوه بالعسل لفظًا ألن كالمه يقتضي ذلك وهو من ُحسن دليل الخطاب؛ النه إذا كان
عسل ال محالة ،وقوله( :ينحزن قدامه) :اي ينحاز بعضهم إلى بعض. ٌ
البائل)
ِ كما بين كاذتى ( َو َما بين كا َذ َتى ال ُم ْس ِ
تغير
الفرس ال ُمغير ،بناه على
ُ الكاَذة :لحم الفخذ أل ُفه منقبلة عن واو .قالوا ثوب م ُكوذ :بلغ الكاذة .والمستغير:
طلب ،والطلب يأتي على استفعل كثيرًاعليه بني سيبويه باب استفعل. استفعل ألنه ٌ
يقول :قد تفؤج ما بين أفخاذها.
الشائل)
ِ ومصبوح ٍة لبن ( ُفلقـين ُكـل ُردينـي ٍة
يقول :إن خيل سيف الدولة لقيت مع الخارجي بعد جهدها أشد األعراب الذين ُ
يغذون الخيل الكرام التي تُثر
باللبن عند قلتة .ولقيت جيشًا (لخارجي من األعراب يقاتل) على ناقة قد تيقن استهالك أصحابه دونه .فأعرض
عن ركوب الخيل ووصفه بحاله في كذبه ودعواه.
أنما الشائل بغير هاء :الالقح ،وبالهاء :التي خف لبنها .والخيل أنما تغذى بلبن لشائلة ألن اللبن إذا خف مرأ
ُ
اصطبح ُ
المسقية الصبوح وهو ما والمصبوحة:
ُ ونجع وانما اراد هذا الشاعر الشائلة فحذف الهاء للضرورة.
بالغداة حارًا .اي كل قناة ردُينية وفرس ملبون ٍة وهي أقوى الخيول .وأنشد سيبويه:
المخص من أمامه ومن د ْ
ُون اليحمل الفارس إال الملـ ُبـون
ُ
الحافـل) كما اجتمعت دٍر ُة يجمـع ُشـذانـ ُهـ ْم
ُ وطعن
ٍ (
ُ
(شذلنهم) :من شذ منهم .والدرة :اللبن يجتمع في الضرع.
ُ
(والحافل) :إما أن يكون ُجملة فيعني به الناقة فيكون من باب ناقة بازل اي من المؤنث الذي ال هاء فيه .وإما
أن يكون جزءا فيعني به الضرع وهو عندي أجود ألنه موضع تحفل اللبن .ومعنى البيت :أنه عنى طعنت كل
طعنة عظيمة تجم ُع المتفرقين على صاحبها ،تعجبًا من سعتها ،كما تُجمع الدر ُة في الضرع ال ُمحفل كقول
الشاعر:
إذا تمضي جماعتهم تعو ُد دوار ُ
تركت بني ال ُهجي ْم لهم ُ
والدرة في الدر كالحيلة في الحلي .أعنى أن هاء التأنيث تعاقب الفتحة ومثله برك وبركة وهي الصدر .وحب
وحبة وهي بذور الصحراء.
الشامل)
ِ فأثنت بإحسانك (وأنبت من ُهم ربيع السباع
أقام األشالء للسباعُ ،مقام الربيع للماشية .واالول (ربيع للسباع) إنما هو على المثل كما قيل :فالن يرعى في
لحوم الناس .يقول ألقيت لها األشالء فأخصبت كما تخصب السوام في الربيع .ونحوه قوله:
ترعى ُّ
الظبا في خصيب نبتُه وأصبحت ب ُقرى هـنـريط
اللح ُم جـائلة
ٌ
مبالغة وإفراط يعني الرءوس جعلها خصيبة إشعارًا بأن أصحابها ُشبان .وقوله( :فأثنت -بإحسانك الشامل):
ْ
فشكرت ومذهب شعري غير حقيقي .ولكن يقول :إن السباع قد اعتادت ذلك منهم حتى عقلت أنه من لدُنه
لذلك.
ل ُه ُ
شية األبلق الجائل) شائع
خبر ٍ(وكم لك من ٍ
مشهور في موضعه .فإذا جال كان
ٌ مشهور ظاهر ُشهرته كشهرة األبلق الجائل .وذلك أن األبلق
ٌ اي خبرك
سائر مشهور في كل موضع.ٌ خبرك وكذلك مواضع. في ُعرفي ألنه أشهر له،
وله ايضا:
در
(ولـــــــــــــــــــــ وإن وهب الملوك مواهبٌ ُّ
أغبار)
ُ الملولك لدرها
ِ ـــــــــــــــ ُه
ال ُغبر :بقية اللبن في الضرع .فيقول :هباتك كأول الدر ،وهبات الملوك كبقايا اللبن
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
بعد الحلب .وأوضح من هذا أن يقول :إن مواهب الملوك وإن كثُرت وغزرت
باإلضافة إلى مواهبك ،كال ُغبر باإلضافة إلى الدر الذي هو أغزر اللبن؛ فهذا أبين.
(در الملوك لدرها أغبار) :جملة في موضع الصفة واالول وجيه .والالم في قولهُّ :
مواهب در الملوك لدرها أغبار .واذا رددت هذه الجملة
ُ للنكرة .فكأنه قال :وله
مواهب فائقة وقوله( :وإن وهب الملوك) :معناه :أجزل
ُ إلى المفرد ،فكأنه قال :وله
(در الملوك) فقد اوضح ما ارادهالهب َة .فهذا يُحسن معنى البيت ويدلك عليه قولهُ :
َزارة ألنفي قوله( :وإن َو َهب الملوك) وال يكون َوهب هنا مجردة من معنى الغ َ
الممدوح إذا فاق واهبًا غير ُمجزل ،لم يك ذلك فض ً
ال إنما فضله أن يفوق
ال ُمجزلين.
ستار)
ويقرب ال ُم ُ
المطى ُ
ُّ ضمر يُنضى (وبدُون ما نا من ودادك ُم ٌ
اي بأقل من هذا الوداد الذي أضمره لك تعمل المطى في األسفار إلى المودود حتى تنضى ،فيقرب بذلك ما
كان بعيدا .وذلك أن الشوق يحمل على احتثاث المطى وإغذاذ السير كقول الشاعر:
كأن عليها سائقًا يستـحـثـهـا كفى سائقًا بالشوق بين األضالع
وقال:
كبر
إذا خاج شوق من معاهدها ُ وعو ُد قليل الذئب عاودت ضرب ُه
السير .اي :يقرب الموضع الذي يسار إليه.
ستارُ :مفتعل من ْ
وال ُم ُ
وله ايضا:
ور العظا ُم)
البح ُ وكذا ُ
تقلق ُ دور علـينـا
(وكذا تطل ُع البُ ُ
اي إن همتك ال تستقر ألن شيمتك الحركة كما أن البدر شأنه الحركة دائمًا كلما غاب من موضع طلع على
يتموج فال يستقر .وكنى بالقلق عن التموج ألن القلق ضد الطمأنينة واالستقرار .و (كذا):
ُ خر وكذلك البحر
طلوعه يطلوع البدر
ُ مجرور في موضع نصب .اي مثل طلوعك تطلع البُدور ومثل قلفلك تفلق البحر ومثل
ال وكالبحر نوا ً
ال .وقوله( :العظام) :مؤازرة للبدور النه لو وقلته بقلق البحر إشعارًا أن الممدوح كالبدر جما ً
قال البحور ولم يذكر العظام لم يك مطابقًا للبدور ،فتفهمه.
الفهاق واأل ُقـدا ُم)
ُ تتالقى يضرب الكتائب حتى
ُ (والذي
الفقهة :ما بلى الرأس من فقر ال ُعنق .وقيل الفهاهة :مواصل األعناق في الرءوس اي ينقص األعضاء
ويبضعها ،حتى يلتقي طرفا الجسم على بعد بينهما .وإن شئت قلت :يضرب الهام ،فتسقط على األقدام.
وكثير من البليغ الكال ُم)
ٌ التوقي
ِّ فكير من الشجاع
( ٌ
شجاع بليغ قد بلغ الغاية في
ٌ اي هيبته تروع قلوب ذوي النجدة وقلوب ذوي البالغة ألن هذا الممدوح
الفضليتين ،فأبع ُد غايات الشجاع وأعلى منازله أن يُحسن التوقي من هذا الممدوح وال يتحدث بالظهور عليه
بإسهاب في مخاطبته وال إطناب.
ٍ ألن ذلك منه سف ُه رأي .وأبعد غايات البليغ أن يقدم فيسلم عليه وال يتحدث
وهذا في أسلوب قول الشاعر:
فال يُكلم إال حـين يبـتـسـ ُم بغضى حياء ويُغضى من مهابت ِه
وألبى الطيب فضل ذكر الشجاعة والبالغة في بيت واحد وإفراد كل واحد من الفضليتين بمصراع.
وله ايضا:
فلما تعارفنا ُ
ضربن بها عنا) (ُ
ضربن إلينا بالسياط جهـالة
يصف خيل الروم .وذلك أن سرية الروم رأت جيش سيف الدولة فظننته جيشها فهمزت نحوه تري ُد اللحاق،
فتبين لهم بل أن يلحقوا أنها خيل اإلسالم ،فانصرفوا هاربين عنها ُمجدين يضربونها بالسياط لإلدبار كما
يضربونها لإلقبال .و(عن) ها هنا :لما عدا الشيء اي مبعدين عنا لها .وقوله :تعارفنا :اي افترقنا فعرفونا
وعرفناهم.
الضراب القنَا
ِ فدع ْنا ن ُكن قبل (وإن ُكنت سيف الدولة ْ
العض َب
اللدْنا) فيهم
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
اللدن :اللين .ذكر على اللفظ ألن القنا وإن كان جمع قناة فلفظه لفظ المذكور وما خرج من الجمع على هذه
الصورة جاز تذكيره وتأنيثه .يقول :إن كنت انت سيف الدولة والسيف أشرف السالح ،وهو المستغاث به إذا
اشتد البأس ،ألن الرماح والسهام قد فنيت فعدنا نحن حينئذ رماحا وقدمنا ،فإذا فنينا أو قاربنا ذلك فكن انت
سيف الدولة الذي يكون به الضراب اذ ال يباشر ذلك إال مثلُك .وهذا نحو قول اآلخر.
فلما لم ندع قوسًا وس ْهما مشيناه نحوهم ومشوا إلينا وله ايضا:
الخير)
ُ ومن له في الفضائل يامطـر
ُ ُ
اخترت دهماء تين (
راد دهماء هاتين الفرسين ،فاكتقى اإلشارة من التنبيه تقول العرب :تا ،وهاتا،
وتى ،وهاتى .وقوله :يامطر :يخاطب سيف الدولة جعله مطرًا بجوده( .ومن له
والخير :جمع خيرة وهو الشيء ُ (يامطر)
ُ عطف على قوله:ٌ الخير):
ُ في الفضائل
المختار .اي له من الفضائل أشرفها ،أو من نوع كل فضيلة أشرفه .اراد ومن له
من الفضائل الخير فوضع (في) موضع (من).
والفضيلة :الخصلة التي يُستحق بها الفضل ،وضدها الرذيلة.
وله ايضا:
المقال)
ِ ٌ
صادقة كثوم السر ٌ
حصان مثل ماء ال ُمزن فيه (
زن قبل انحطاطه إلى االرض و ُممازجتهاي هذه المرأة حصان طاهرة نقية من الشوب كماء ال ُمزن في ال ُم ْ
طبيعة التراب .فالهاء في قوله (فيه) :راجعة إلى ال ُمزن .كيُو ُم السر :يعني محاسن ُخلقها َ
وخلقها؛ وكتمها إياه:
والخلُقية كنى عن صوتها بالكتمان.
صوتها له حتى ال يُطلع عليه منها .ولما كنى بالسر عن المحاسن الخلقية ُ
وكأنه إنما سمي ذلك سرًا النه مما يجب أال يُعرف من النساء( .صادقة المقال) اي ال تدخل في ريبة فتحتاج
ُ
فصدقها يُغنيها عن التماس الكذب. إلى افتعال التأويل والتحيل لالعتذار ،ولكنها حسنة الخفايا سالمة اإلرادة،
وإن شئت قلت :وصفها بصدق المقال ُمطلقًا ألن ذلك من أجل ما يُمدح به وال حفاء بمزية الصدق.
والدخال)
ِ على علل الغرائب بحار ِك ياج ُمومـًا ْ
غيضت ُ (فال
بحر ج ُموم :كثير الماء ،وكذلك البئر .والدخال :أن ُتدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين لم يشربا .والغرائب:
ضرب غرائب
َ اإلبل الواردة حياض غير أهلها فهي مدفوعة عنها ممنوعة دُونها كقل الحجاج (وألضربن ُكم
الشرب الثاني من النهل.(وغيض الماء) والعلَ َلُّ :
َ اإلبل) وغيضت ،نقصت غامض الماء وغضته وفي التنزيل.
بحارك :اي ال قصر جودُك عن كثرة من يردُه من الغرائب وذوات الدخال وكالهما نوع فيقول :ال غيضت ُ
غير مستحق للورود ،فكنى بهم عمن ال يستحق ُجود هذا الممدوح وإن شئت قلت :كنى عن المقيمين
عم جودك الفريقين .يدعو له بذلك.
والطارئين عليه .اي َّ
وله ايضا:
وهذا الذي يضنى كذلك الذي (بناَ َ
منك فوق الرماِ ما بك في
يُبلى) الرمل
ِ
منك :اي من أجلك .تقديره :بنا فوق الرمل من لحزن بك واألسف عليك ما يُ ْنح ُفنا ويُضنينا كما بك في لرمل.
بل وكالهما مشتبهان في أن عملهما التَّنقص والفساد إال أن حالك البلى وحالنا
ضن وذاك ُم ٍ
إال أن هذا لنا ُم ٍ
الضنى وقال( :وهذا الذي يُضنى) فأشار إلى الضنى إشارة ال ُقرب النه ُمشاهد وقال( :كذاك الذي يُبلى) :فأشار
غيب عنه.
إلى البلى إشارة البعد النه ُم ٌ
الحسن في األعين دُموع تُ ُ
ذيب ُ تركت ُخدود الغانـيات
( َ
النُّ ِ
جل) وفـوقـهـا
المكتسب
ُ ُ
والكحل الطبيعي يزيده الحسن حسنًا ألن كل طبيعي يُقوية هؤالء الغواني ُكحل األعين كحال طبيعيًا.
المشاكل له ،فيقول:إن دموع الغانيات ال ُكحل المكتحالت تفسل الكحل الذي هو زيادة في حسن الكحل فيزول
ُ ُ
الحسن االكتسابي الذي كان زياة في الطبيعي فنقص الحسن عما كان عليه ُحسن ال ُكحل ويبقى ال َك َحل فقد زال ُ
إذ كان المكتسب موجودًا مع الذاتي ،وكأن الدمع هو الذي أدابه ونقصه .وال يُكنى تذوب الجواهر ،لكن لما
كانت زيادة بال ُكحل وكان جوهرًا استجاز إيقاع اإلذابة على ال َع َ
رض الحادث عنه فتفهمه.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
لما استعار لل ُبخل مهجة مقتولة ،فجعلها إحدى قتالهم ،وكان البخل إنما ُيقتل
بالندى ،جعل نداهم ُرمحًا يُقتل به البخل .وقيل :من رماحهم نداهم :اي يجودون
مهجة البخل .وقوله:ُ بما أفاءت عليهم رماحهم .واالول أولى لقوله :ومن قتالهم
ف النه إذا قتلت المهجة والمهجة قوام المقتول أغنى ذلك عن تفلس ٌ
(مهجة البخل)ُ :
الروى .وليس للبخل وصف الجملة بالقتل .وهذا منه احتيال مليح لتسوية إعراب َّ
ُم ٌ
هجة .إنما المهجة للحيوان فاستعار ُه وس ُهل ذلك حين استعار لقتل للبخل .وقال:
ُ
(ألست (ألست) .فأخرج اللفظ ُمخرج االستفهام ومعناه اإلثبات والتقرير كقوله
بربكم)؟ قال جرير:
راح
وأندى العالمين بُطزن ِ ألستم خير من ركب المطايا
ُ
(ألست بربكم) :أنا ربُّكم .ومعنى (ألستم خير من ركب فمعناه انت من القوم الذين شأنهم كذلك كما أن معنى
المطايا) :أنتم خير من ركب المطايا.
ويبدُو كما يبدُو الفرن ُد على الحوادث
ِ مر
(ويبقى على ِّ
الصقل)
ِ صـبـر ُه
الملمات ثبت من صبرك وتبين من جلك ما يزيدك في النفس جال ً
ال ألن ذلك عين الخبر ُ اي إذا نزلت بك
الصقل جال عن جوهره الذي كان يخفيه منه الصدى فازداد شرفًا بذلك؛
ِ والمحنةِ ،كما أن السيف إذا أخذ منه
ولذلك قالوا :خرج منها كالشهاب .اي بين الفضل واضح الشرف .وقابل الحوادث بالصقل ألن ذلك روز
واختيار وداعية إلى الوقوف الصحيح من الشيء.
بالحمل)
ِ بطن أم ال تُ ُ
طرق إلى ِ (بنفسي ولي ٌد عاد من بعد حملـ ِه
يعني انه عاد من بعد الحمل الذي تبعته الوالدة إلى بطن ٍأم ال تضع حملها يعني االرض ألن من تضمنته ال
يخرج منها إال إلى الحشر فجعل تضمينها له كالحمل به ،ونفي عنها التطريق الذي هو ضد الحمل وكل ذلك
مستعار.
يصول بال كف ويسعى بال
ُ سار َّ
دق ُ
الموت إال ٌ (وما
رجل)
ِ شخصـه
ُ
قوله (دق شخصه) :كالم شعري ألن الموت عرض والعرض ال يُشخص ،إنما التشخيص للجواهر .وقد
يُتجوز بالعرض المحسوس كالحمرة والصفرة .فأما االعراض النفسانية فال تُشخص وسوغه ذلك قوله فيه
(سارق) ألن السارق ال يكون إال شخصاُ ،فلما نسب إليه صفة ال تكون إال في الجواهر ،وهو السرق استعار
(يص ُ
ول بال كف ويسعى بال رجل) :اي انه َع َرض وال َع َرض ال يد له وال رجل. له التشخصُ .
للنـمـل)
ِ و ُيسلم عند الوالدة الشبل الخميس عن ابن ِه
ِ ير ُد أبو
(ُ
يعذر سيف الدولة في أنه لم يطق دفع المنية عن ابنه يقول :إن األسد ير ُد الخميس عن شبله وذلك لكبر
أجرامهم وعظم أشخاصهم ويسلمه عندما يولد للنمل تأكله إذ ال يطيق دفعها عنه لدقة أشخاصها فكذلك الموت
ض غير ُمتجسم وال محسوس ،فال قوة به عليه ،بل ُ
سيف الدولة لو نجم لرد ُه سيف الدولة عن ابنه ولكنه َع َر ٌ
أعذر من األسد ألن النمل وإن دقت فهي مرئية والموت غير مرئي ،فدفعه أبعد من اإلمكان .أال ترى إلى قول
ويغرك من ال يُرى) .يعنى الموت وهو الذي ال يُرى.
ُّ بعض حكماء العرب يوصي ابنه( :فإنما ت ُغر من ترى
وله ايضا:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فيقول :تحمل لهم أغما ُد السيوف ما ضمنه لهم من الورق والعين وغيرهما ،وذلك
المحمول إليهم أن ضربُوا بما في األغماد وهي ُ منه ُهزء بهم اي إنما كان الفداء
السيوف .فكانت كل ضربة على قدر األخدود عظمًا .ولما كان المعتاد في الفداء
وح ُسن ذلك ألن الذهب والفضة باألغلب جعل السيوف نقودًا واألغماد أكياسًاَ ،
جوهر معدني كما أنهماٌ السيف من الحديد ،والحديد يشرك الذهب والفضة في أنه
معدنيان .فانتقدوا الضرب ،اي قام لهم مقام النقد .وقيل :وقع بهم أجود الضرب
كما يختار المنتقد أجود الدراهم والدنانير ،وكله ُهزء .وقوله( :كاألخاديد) :في
موضع الحال .اي انتقدوا الضرب عريضاُ ومستطيال .والضرب ها هنا يجوز أن
ضربة .فقد ذهب محمد بن يزيد في قوله تعالى: يكون الجنس ،وأن يكون جمع ْ
وب) إلى انه جمع توبة ،إال أن أكثر ذلك إنما هو في ِر ْ
الذ ْن ِب و َقا ِب ِل التَّ ِ َ
(غاف ِ
الجواهر المخلوقة دون األعراض ،نحو لوزة ولوز .وقد جاء في الجوهر
العرض فقليل كما قلنا. المصنوع منه شيء كدواة ودوى ،وسفينة زسفين .فأما في َ
ضربة لقوله (كاألخاديد) مع ما آنسنا محمد لكني أوثر أن يكون الضرب هنا جمع ْ
بن يزيد في قوله تعالى( :و َقا ِب ِل التَّ ْر ِب) .وأضمر السيوف في قوله( :تحمل
ان) وأيضا فقد جاء ذكر أغمادها) للعلم بمكانها ،كقوله تعالىُ ( :ك ُّل من علَ ْيها َف ِ
الجنود والسيوف متصلة بهم فكأنها مذكورة.
مناخر السي ِد)
ِ وريحه في ُ هامهم
( َم ِوق ُعه في فراش ِ ِ
الفراش :قشور تكون في الرأس على العظام دون اللحم ،وقيل :ما يتطاير من عظام الرءوس واحدته بالهاء .و
الذئاب رائحة الدم فتقطع إليهم لتأكلهم .فالهاء في قوله:
ُ ( َم ْوقعِه) :وقوعه .اي يقع هذا الضرب برؤسهم َف َت ُّ
شم
(وريحه) ليست للضرب ألن الضرب ال طبيعة له فيكون ذا ريح ،وإنما الهاء للدم ،فأضمره لمكان العلم به،
وقد يجوز أن تجعل الريح للضرب .وإن شئت قلت :إذا وقعت الضربة أرشت دمًا فتغير منه الهواء ،حتى
ينشق الذئب رائحته فيستدل عليه .وقوله (في مناخر السيد) كان ينبغي أن يقول منخر السيد أو في منخري
كل جزء من المنخر منخرًا ،ثم جمعه كما حكاه سيبويه من قولهم للبعير :ذو عثانين كأنهم السيد .ولكنه جعل َّ
جعلوا كل جزء منهم ُعثنونًا .وعليه وجه قول العرب :آتيك ُعشياَّنات ،قال :جمعوا النه حين ،كلما تصوبت
الشمس ،ذهب منه جزء .وأنشد قول جرير:
ُ
المفارق واكتسين قتيرا شاب
َ ُ
العواذل مالجهلك بعدمـا قال
وإن شئت قلت :إنه عنى بالسيد هنا :النوع فجمع المنخر لذلك وكل واسع.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
يعزى عن الدنيا ويقول إن تمام هذه الفضائل فيها إنما هو بتي ُقن الفناء .اي لوال
خوف الموت ،شجع كل الناس وجادوا وصبروا فلم يك أحد مخصوصاُ بهذه
الفضائل دون صاحبه ولو كان كذلك لم يك لهذه الفضائل فضل ألن األشياء إنما
ُ
الموت لما كان ين بأضدادها .فلو ُعدم الضد خفى ضده .وإن شئت قلت :لو أمن َت َت َب َّ
السخي والصبور ألن اعتقاد الخلود، ُّ للشجاع فضل ،النه قد أمن الموت .وكذلك
وتنقل ال ُعسر والشدة إلى الرخاء مما يُسكن النفوس ويسهل البوس .هذا قول أبى
الفتح ،وهو حسن .وقوله( :لوال لقاء ش ُعوب) اراد لوال تيقن لقائها .و (الفتى) هنا
ُ
الرجل اي الجلد الصابر ال يعني به فتاء السن إنما يراد به المدخ .كقولك :أنت
وكقول الهذلي:
ماح حب الزاد في َش ْ ُ ابن األغر إذا َش َت ْ
فثى ما ُ
هرى ق ِ ُو َّ ـونـا
كنى بالفتوة عن الكرم ،كأنه قال :ابن األغر كريم ُم َت َف ٍّت ،ولوال ذلك لم يعمل (فتى) في (إذا) ألن الظروف ال
السن ،فليس فيه معنى فعل.
تعمل فيها اال األفعال أو ما هو في طريقها ،واذا قلت زيد فتى تعني به ِّ
ــــــيب)
ِ ِّ
أجـــل ُم (ف ُعوض ُ
سيف الدولة األجر إنه
إن شئت عنيت بالمثاب سيف الدولة ،وإن شئت عنيت به األجر الذي أثيبه.
بـطـيب)
ِ بث فاستدبرتـ ُه ُ
بخ ٍ نفس الكريم ُمصابها
(إذا استقبلت ُ
المصاب هنا اإلصابة ألن المصدر قد يخرج على شكل المفعول به النه في المعنى مفعول ،فمن ذلك الميسور
والمعسور والمعقول والمجلود فأما فيما جاوز الثالثة فمطرد كالُموفى في معنى التوفية ،والمقاتل في معنى
القتال أنشد سيبويه:
وأنجو إذا لم ينج إال المكيس أقاتل حتى ال أرى لي ُمقاتال
بث في هذا البيت :كناية عن الج َذع ،وجيشان النفس عند الفزع .والطيب :كناية عن الصبر والتوطين .ايوالخ ُ
ُ
اجع أمره بعد ذلك ،فعاد إلى الصبر .وإن شئت قلت :من لم يوطن إذا َجزع الفهم في أول نزول المصاب به َر َ
نفسه للقاء المصائب قبل نزولها صعبت عليه عند حلولها فليستشعر اللبيب التوطن على لقاء المكروه النه إذا
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
لم يفعل ذلك ،ونزل به ما يكره ،عظم عليه وجزع منه ثم يحول بعد ذلك إلى الصبر ،ال جدوى له َ
الجزع.
فالحكم أن يبتدئ أو ً
ال بما يعود إليه آخرًا كقول الشاعر:
آحـر ُه أو َ
ال فصـير َ
َّ رأى َّ
كل شيء إلى غاية
وقد فسر المتنبي معنى هذا المتقدم بقوله بعد هذا:
سكون لُ ُغ ِ
وب) ُ ُس ُ
كون غزاء أو ون مِن زفراته ُ
المحز ِ وللواجد
ِ (
اي البد للمحزون أن يسكن حزنُهُ :إما تعزيا وهو الحميد ،وإما إعياه وهو اللغوب .وإن شئت قلت :إن لم
يصبر تعزيًا واحتسابًا ،وإال صبر لغوبا حين ال أجر له وال فضل.
وله ايضا:
يذ ُب ُل)
قص خاتمه ْ
وما ُّ ( َفلم ال تلُوم الذي َ
ال َمها
كأن الئمًا الم هذه الخيمة على عجزها عن االستقرار على سيف الدولة واالعتالل له حين تقوضت .فيقول :ال
ينبغي أن تُالم ذلك ليس في وسعها ،وال استطاعتها ،وليس على تارك ما يطيق لوم .فإن كان اإلنصاف أن
فص خاتمه يذبل؟ ألنهما تُالم هذه الخيمة على ما ليس في طوقها ،فلم ال تلُوم الئمها على أن لم يطق أن يجعل َّ
قد استويا في العجز وإنما كان ينبغي أن يلومها من أطاق التختم بهذا الجبل .فإذن ال أحد يقدر على ذلك فال
تلومن الخيمة على تقوضها ،وضعفها عن حمل سيف الدولة ،ألن العجز عن الممتنع قد وضح فيه ال ُعذر،
و(لِ ْم):لغة في (لِ َم) فاشية معروفة.
ولكن أشار بما َت ْف ُ
عل) ْ (فام اعتمد اهللُ تقويضها
وسلوك ُشبُل الرشاد.
ِ ليحزنك ،ولكن اشار عليك بالرحيل نحوما اختاره لك من الجهاد، اي لم يقوضها ُ
واإلشارة من اهلل عز وجل عليه :إنما هي إلها ُم ُه إيا ُه ،وليست على حد االشارة االنسانية ،ألن إنما هي
الجوارح .وربنا تعالى َي ِج ُّل عن ذلك.
غس ُ
ـل) َكلَون الغ َ
َزال ِة اليُ َ رأت لون نُ َ
ورك في لونها ( ْ
وهذا عذر الخيمة في سقوطها ،اي أنها رأت لون نورك في لونها كنور الشمس فراَعها في ذلك ،النها ظنتك
ُع َس ُل) اي اصل نورك
الشمس؛ التي هي ملك الكواكب ،فلذلك سقطت ألنها استعظمت حملها لك ،وقوله( :الي ْ
بها ،حتى صار فيها كالشامة التي ال تُحمى بالغسل.
نز ُل)
تراك َتراها وال َت ِ فتك فما َبالُهـا
(وقد َع َر َ
هذا البيت ُشنع و ُكفر لما عنى أن هذه الكواكب غير عاقلة ألنها لو كانت عاقلة
لعر َف ْتك ،وتبينت أن َم َحلك فوق محلها ،فكانت تنزل إليك فإذا ال تنزل ،فهي غير
عارفة بك ،واذا هي غير عارفة بك ،فهي غير بك ،وإذا هي غير عارفة بك ،فهي
غير عاقلة .ولعمري ،فقد ذهب في تلك إلى تكذيب من ادعى أن الكواكب تعقل
وإن كان قد غال.
وله ايضا:
عفا ُه من حدا به ُم وسا َقا) َّ
محال الرياح له
ُ (وما َع َف ِت
اي لم الرياح هذا المنزل ،وإنما عفاه بتنقلهم عنه وإخالئهم له.
فصارت كلُّها للدمع ماقا) والعين َش ْكرى
ُ (ن َ
َظ ُ
رت إليه ُم
ُ
والماق :مجتمع الدمع .فلما رأتهم متحملين ،فاض الدمع مع جميع جوانبها ولم َش ْكرى :اي مألى لم تفض بعدُ.
جرى ،فكأنها كلُّها مآق ،كقول الشاعر:
يخص الماق وحده ،بل صارت العين كلها َم ً
أقلب عيني في الفـوارس ال أرى حراقًا وعيني كالحجا ِة من ال َق ْط ِر
ُ
اي تمألت كلُّها من الدمع حتى عادت َ
كالح َجاةِ؛ وهي نُفاخة الماء.
وكس ُروه
وال أقول :إن األلف في (ماق) مبدلة من الهمزة ،لمكان الردف ،ألنهم قد قالوا (ماق) بزنة (مال) َّ
على أمواق كأموال ،فدل ذلك على أن ألفه منقلبة عن واو؛ كألف مال .ولو لم نعرف مافًا مكسرًا على أمواق،
لعلمنا أن ألفه منقبلة عن هكزة ،لقولهم مأق مهموزة.
إن شئت قلت :إذا نظرته العين استحسنته ،فلم تعدُه ،وتثبت فيه .فكثر الناظرون إليه من كل جانب حتى كأنه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
متنطق بالحدق .وإن شئت قلت :تثبت األبصار فيه لبضاضته ونعمته؛ فكأن ما ثبت فيه من َحدق الناظرين إليه
الحدَق ال ُمحدق به.
نطاق له .واراد كأن عليه نطاقا من َ
الرفـاَقـا)
َفلم َت َتعرضين له ِّ ُ
وحش األعادي َ
الوحش يا أباح
( َ
الحش مؤنث .ويروى (أباحك أيها الوحش األعادي) .واألعادي :جمع الجمع :عدو وأعداء وأعادٍ؛ وأصله ُ
أعادي كأفاعي؛ فحذفت إحدى الياءين تخفيفًا ،ثم حذفت األخرى حذفًا لغير علة؛ وصار التنوين عوضًا منها.
واراد (األعادي) النه في موضع نصب؛ بكونه مفعو ً
ال ثانيًا فاضطره الوزن إلى تسكين الياء .والرفاق :جمع
رفقة ُك حفرة وحفار ،وعلبة وعالب والمعنى أيتها الوحش؛ قد أباحك هذا الممدوح أعاديه قتلهم َ
وص َرعهم لك؛
وحكمك في أكلهم ،فلم تتعرضين له الرفاق السائرة إليه ،وقد أغناك عن االعتساس والطلب فيمن أجزرك من
وج َعله لك أكيلة.
أعاديه؛ َ
ْ
وإن بُعدوا ُجعلنه ُم طراقا) آثـار قـوم
ِ (إذا أنعلن في
الطراق :نعل تُطرح تحت النعل؛ استظهارًا وتوكيدًا .اي إنها إذا أنعلت في طلب قوم أدركتهم فدلستهم؛
فصارت أشالؤهم نعا ً
ال لتلك النعال.
فلما َف ِ
اقت األمطار فاقا) الشعر ينتظهر العطايا
ُ (أقا َم
وأشعر .فلما فاقت عطاياك األمطار ،فاق شعري االشعار كقول البحتري:
ُ فأشكر
ُ انتظر الشعر أن تُحسن،
الزهر
ُ فتح بعد الوابلكما َت ُ غب فائدة
فقد أتتك القوافي َّ
وعما لم تُلق ُه مـا أ َ
القـا) بحر
كل ٍ قصر عن يمينك ُّ
( ُي ُ
َ
والق هو نفسهُ :أمسك .وأنشد سيبويه: َ
ال َق الشيء وأالقهُ :أمسك ُهز
الئق ُف ُ
كيهة هشى ٌء يكفيك ُ استهلكت ما ً
ال للذ ٍة ُ ُ
تقول إذا
يقول :يقصر البحر عن يمينك جودًا؛ ويُقصر ما آالق من األعالق ،عما بذلته أنت .اي إنما تعطيه أنت أكثر
مما يمسكه البحر في ذاته.
وله ايضا:
كار وداع ِه وزيال ِه)
لوال اد ُ الحل ُم جاد به وال بمثالـ ِه
(ال ُ
وداعه ومزايلته؛ فثبت ما
اي مثله اليستطيع الحل ُم أن يُصوره ،النه أرفع من ذلك .لكني تذكرته حين نذكرت َ
امتثلت منه في هاحسى؛ فأراني النوم إياه .فإذن لم يجد لديه إال تذكر ُه به .وهذا رأى بعض الفالسفة فيما يراه
النائم .وقال أبو تمام:
الخلق لم َين َِم
ِ فكر
فكر إذا نَا َم ُ
ٌ ُ
الخيال لها ال بل أزارك ُه زار
َ
وإن شئت قلت :إنه بالغ بصفة هجر محبوبه له فقال :ال يسمح لي بمواصل ٍة في يقظة وال نوم؛ وإنما أطلت
تذكره؛ وواصلت ذلك لي ً
ال ونهارًا حتى رأيت خياله .وأبلغ منه قول اآلخر:
صد ْ
َّت وعلمت الصدود خيالها) (َ
فهذا يصف أنه لم ير خيالها.
كانت إعادتُه خيال خياله) (إن المعيد لنا المنا ُم خيال َه
اي كنا قبل النوم نتخيل خياله بالتذر والتفكر؛ فلما نمنا رأينا خيال ذلك الخيال الذي
كنا تخيلناه .وإن شئت قلت :إنه كنى بذلك عن قلة الزمن الذي استمتع فيه بالخيال.
واإلعادة بمعنى ال ُمعاد ،وضع المصدر موضع االسم وال يكون الخيال هو اإلعادة،
جوهر واإلعادة َع َرض.
ٌ َ
الخيال ألن
ُ
وتنال عين الشمس من خلخالٍه) (نجني الكواكب من قالئ ِد جـيده
وخلْخاله بعين الشمس الستدارته ولونه ،إنالسابق من هذا البيت إلينا؛ أنه شبه دُر قالئده بالكواكب لبياضهَ ،
كان من ذهب ولكن ألطف من هذا أن يقول إن هذا المحبوب ممنوع ال تصل اليد إلى العبث بقالئد جيده ،وال
تمس خلخاله األيدي ،فيقول :من مس قالئده فكأنه جنى الكواكب لبُعدها ومناعتها ،ومن نال َخلْخاله؛ فكأنه نال
ُّ
الشمس لذلك أيضًا مع التشبيه الذي تقدم ذكره لو قال( :وننال الشمس من خلخاله) كان كافيًا في المعنى لكن
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
قال( :عين الشمس) ألن هذه الجارحة مستديرة .وإن شئت قلت :إنه عنى بعين الشمس حقيقة جوهرها ،ألن
هذه الجارحة من الحيوان.
وسكنتُم طي ال ُفؤا ِد ال َوال ِه)
َ (بنتُم عن العين القريحة في ُك ُم
فيكم :أي من أجلكم ،كما تقولُ :هجرت فيك :اي من أجلك .وليست (في) هنا للوعاء (وسكنتم طي الفؤاد):
ً
صنعة وتسببًا ،إلى خفظ إعراب القافية كان يعني من ذلك أن يقول :وسكنتم الفؤاد .ولكنه وطأ بذكر الوطن
وجعل الهاء األصلية في الواله ألن العرب تصل بها أص ً
ال كما تصل بها زائدة .قال:
إزارها
الحقوين من ِ
ِ ناصلة ُ
أولعت باشتهـارهـا ٌ
ضورية
كارها ُ
أعطيت فيها طائعًا أو ِ كلب الحي م ْ
ِن ِحذارها طرق ُيُ ُ
فوصل بالهاء األصلية في قوله َك ِ
ار َها و َف ِ
ارها كما وصل بالزائدة في سائر األبيات.
ماح ُكم من مال ِه)
وس ُوس َم ْحتُ ُم َ
َ ( َفدَلوتُ ُم ودُنُّ ُّو ُكم مـن عـنـد ِه
فالمن للفؤاد ال ل ُكم ،وسمحتم وسماحكم من ماله .اي
ُّ اي فكر فيكم فأدناكم فؤاده ،ولم تدنُوا أنتم بإرادتكم.
سمحتم له بالزيارة ،وسماحكم من لدُنه النه إنما كان لما امتثله خاطركم من ذكراهم ،وتصور لقياهم .ولما ذكر
السماح استجاز ذكر المال ،وإال فال حقيقة له.
إذ كان يهجرني زمان وصاله) ُ
ألبغض طيف من أحب ُبتـه (اني
إنما شنأ الطيف ،النه وصله أيام هجر الحبيب له ،وهو ال ُموجب لزيارة الطيف ألن إمكان الوصل الحقيقي ال
يكاد يكون معنى خيال إنما الخيال مع عدمه لما يحدُث من الشوق والتوق.
وقيل معناه :إذا كان الحبيب يهجرني زمان وصال الخيال ،وهذا من الضعف بحيث ال يلتفت إليه .وإنما نقلته
تعجباً.
أغنا ُه ُمقبلُها عن استعجال ِه) لناظر
ٍ (إن الرياح إذا عمدن
اي أن الممدوح من شيمة المباردة إلى الجود ،ما يغني عن السؤال ،كما أن للريح من السرعة ما يغني عن
االستعجال لها .والهاء في استعجاله يجوز أن تكون للناظر ،فتكون في موضع الفاعل ،اي من استعجاله إياها،
ويجوز أن تكون لل ٌمبل ،فتكون الهاء في موضع المفعول .وذلك أن االستعجال مصدر ،والمصدر يضاف إلى
الفاعل والمفعول.
وطلعن حين طلعن دُون منال ِه) ( َغ َرب النُّجو ُم َف ُفزن دون ُه ُموم ِه
اي قد نال ما هو أعلى من النجم ،وهمته في ذلك غير مقتنعة بما نالت ،وال مقتصرة عليه ،فهي تطالبه بما هو
أبعد من مطالعها ومغاربها.
وله ايضا:
ُ
والقائل القول لم يُترك ولم يُقل) فعل لشـدتِـه ُ
الفاعل الفعل لم يُ ِ (
اي ُ
يفعل الذي لم يفعله غيره ،بل عجز عنه وقصر ،لشدته وثقل مئُونته ،و(القائل القول لم يُترك) :اي لم يُترك
الناس اجتهادًا في أن يقولوا مثله ،فهذا معنى قوله( :ولم يُقل) .وهو كقول البحتري:
من رامها فكأنها ما تُ ُ
طلب في غاي ٍة طلُبت وقصر دُونها
اي لما كان الطلب ً
علة لإلدراك؛ ثم لم تك هذه الغاية ُمدركة ،كان الطلب كأن لم يكن.
وتقدير البيت :الفاعل لفعل الذي لم يُفعل؛ والقائل القول الذي لم يقل؛ فحذف (الذي) ومثله كثير كثير؛ أنشد
سيبويه:
ومـيسـم
ِ حسـب
ٍ تـيثـم يفضلُها في
ِ لو ُقلت ما في قومها لـم
وهو الجونا ُد يع ُد الجبُن من الشجاع يع ُد البخل من
ُ (هو
بخل)
ِ بـن
ُج ٍ
اي انه شجاع جواد؛ ألن إحدى هاتين الصفتين منوطة باألخرى؛ ألن الشجاع
ال فهو ناقصيجب له أن يعلم أن البُخل ُجبن وهل ٌع من الفقر؛ فإن كان بخي ً
الجبن ٌ
بخل بالنفس؛ فان لم حب للجواد أن يعلم أن ُالشجاعة؛ لحذره من اإلعدام؛ و ُي ُّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
مران
والـمـران :وشـيج الـرمـاح إذا زعم سيبويه أنه إذا سميت بُ ٍ
ُ
صرفنه؛ لتصوره معنى من اللين فيه.
ألن وتـخـلـق ،مـن الـمـرانة؛
ومعنى البيت :أن خيله يطأن من
وهـي الـلـين ،أال تـراهـم
أعدائه ،منى لم َيحمِلنه .فومضع
قـالـوا فـي هـذا الـمـعـنـى:
الماضي موضع المستقبل.
وإنما توضع األفعال بعضها موضع بعض في غالب األمر مع الحروف ،نحو
ُ فعلت :اي إن تفعل أفعل ،وقولك :واهلل ال ُ
فعلت ،تريد :ال أفعل. فعلت ُ قولك :إن َ
قص ِد ال ُمران ما ال يقو ُم)
(ومِن َ
اي قد بالغت في تحطيم الرماح وتعويجها حتى ليس في اإلمكان أن يُجبر عن كسرها؛ وال أن يٌقوم ُمنادُها
وقيلَ ( :م ْن َ
ال َح َملتهُ) :دعا للمدوح :اي ال غلب عدا ُه حرابه ،فيملكوا خيلهم .واألول عندي أولى ،لقوله( :ومن
قصد ال ُمران ماال يقوم) فهذا خبر ،إال أن تضع (يُقوم) موضع ( ُقوم) فيتوجه معنى الدعاء ،وقد يجيء لفظ
الدعاء مساويًا للفظ الخبر ،كما يكون ذلك في األمر والنهي ،كقول الشاعر ،أنشده يعقوب:
بوصـيل
ِ وليس لحي هالك مالك
هلك ٍعقال أو َك َم ِ
كملقي ٍ
وقال الهُذلي:
وص ِل ُ
طرف ال َم ِ ُعلق فيه ليس لِم ْي ٍت بوصـيل وقـد
فمعنى هذا كله :وال ُوصل هذا الحي بهذا الهالك .وهذا دعاء قد خرج على لفظ الخبر ،ومثله كثير.
ويقضي له بالسعِد من ال ُينج ُم) بالفضـل مـن ال ُّ
يود ُه ِ قر له
( ُي ُّ
اي إن فضله ذائع شائع ،يضطر عداه إلى اإلقرار به له ،تنكبا لخرق اإلجماع ،وعلما منهم أنهم أنكر ،ولم
تعسفهم كقول البحتري: يقبل ذلك منهم ،فكان دلي ً
ال على ُّ
ً
فـضـيلة حتى يسلـمـهـا إلـيه عـدا ُه ال أدعـى الـعـال ِء
(ويقضي له بالسعد من ال يُنج ُم)
أي قد عهد سعيدًا ميمونًا مدركًا لكل من طلب فيقاس بماضي أفعاله وحاضرها على مستقبلها.
تُطالُبه بالرد عا ٌد َو ُج ْر ُه ُم) (أجار على االيام حتى ظن ْنتُه
(أجار على االيام) :حمى منها ومنع ،وجعل نفسه مالذًا للناس منها ،حتى ظننت أن الغابرين من األمم
وجرهمًا لقدمهما.
ستطالبه بأن يردها إلى الحياة ،وأن يُعديها على األيام التي تحيإلتها وأهلكتها .وخص عادًا ُ
وإن شئت قلت :لعظمها.
والسالح المص ُم)
ُ وما لبسته وشعارهـا
ُ (كأجناسها راياتُها
قبيلة واحدة .فحيلة وسالحه ملبوسه ُكله عربي ،وإنما مدح عسكره بذلك ،ألن الجيش إذا كان عسكر العرب ٌ
من قبيلة واحدة كان أشد لبأسها .هذا قول ابي الفتح.
والذي نؤثر نحن ،أن عسكر العرب إنما هو كما قال ،أال ترى أن النابغة قد قال:
غير أشـائب
كتائب من غسان ُ
ُ وثقت لهم بالنصر إذ قيل قد غزت
وهي التي تسمى الحمرة .ومنه قول الحطيئة لعمر بن الخطاب( :يا أمير المؤمنينُ ،كنا ألف فارس ،ذهية
حمراء :اي لم يختلط بنا أحد ،فهكذا عسكر العرب .فأما عساكر الملوك فكلما تنوعت أجنادها ،كان أعظم
حرب ما ،قوم بحرب آخر) فيقول إن أجناس عسكرها هذا الملك كثيرة ٌ ل ُملكها ،وأقدر لملكها ،النه متى تغيرت
مختلفة بالنوعية ،فينبغي أن تختلف أيضًا أعالمها وبزتها وسالحها ،لكل نوع من أنواع الخميس زي يخالف
زي صاحبه كقوله هو يصف عسكراً:
فما تُه ُم ُ
الحداث إال التراج ُم لـسـن وأمة
ٍ َت َجمه فيه كل
وتقدير البيت رايات ُه ا وشعارها وسالحها كأجناسها .اي أن هذه المحموالت كلها متنوعة في ذاتها ،كما أن
الحاملين لها متنوعون .والتنوع الذي ذكرناه في هذا البيت؛ إنما هو تنوع بالنسب ،وتنوع بالصورة ،ال تنوع
بالفصول الذاتية ،ولو قال هو كأنواعها ،لكان أشبه ،ولكنه آثر كالم الجمهور.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
(ب ُغرته في الحرب والسلم والحجا وبذل الُّها والحم ِد والمجد ُمعل ُم)
هرته.
وج َ
اب أنه ُمعلم بغرته في هذه الفضائل كلها مطرور لها .ذهب إلى شهرته َ
السيل ماذا يُؤم ُم)
ِ وهديًا لهذا (ضال ً
ال لهذي الريح ماذا تُريدُه
دعا على الريح ،ألنها عارضت سيف الدولة فآذت ،ودعا للغيث لمشاكلته إياه في طبيعة الجود.
من الشام يتلُو الحاذق ال ُمتعل ُم) بعضه
الغيث َيت َبع َ
ِ ال َك َو ُ
بعض ( َت َ
تالك يعني الغيث ،ويخاطب الملك ،وكان الغيث قد صحبه من الشام إلى ميافارقين
وبعض الغيث يتبع بعضه :اي أنك غيث ،فال تلم الغيث في اتباعه إياك ،ألن بعض
الغيث من الشام.ُ الغيث يتبع بعضًا .و(من الشام) :متعلق بتالك؛ اي تالك هذه
(يتلو الحاذق المتعل ُم) :إما أن يكون هذا على ال َمثل ،فيكون الحاذق والمتعل ُم
نوعين ،اي كل حاذق يتلوه ُمتعلمه ،من اي الطبقات كان .فهذا وجه المثل الكلي.
وإما أن يهني بالحاذق سيف الدولة ،وبالمتعلم الغيث ،اي سيف الدولة هو الحاذِق
والغيث ُمتعل ٌم منه فهو يتبعه لذلك.ُ بسلوك طريقة الجود،
ولو اتزن له أن يقول :يتلو ال ُم َعل َم
ال ُمتعلٌةيزم قذاحلا يف نكلو ،لوعفملا لعفنملاب لعافلا ةلباقمل ًانسح ناكل ،مّ ،اذ
ليس كل ُمعلم حاذقًا.
فيُخبره عنك الحدي ُد النُثبـ ُم) الوابل الذي رام ثنيناَ ُ سأل
(ألم ِ
ُ
الوبل الذي اراد صرفنا عن وجهنا ،الجديد ال َمثلم فيخبره عنك ،انه لم يجد فيك مطمعا ،وال اي :ألم يسأل
لصرفك َموضعًا .فكيف يروم الغيث من فك وصرفك ،ما عجز عنه الحديد ،الذي هو أقدر على ذاك منه.
ضربت وضربني زيد ،اي ضربت زيدًا، ُ فالعامل في هذا البيت الفعل اآلخر ،الذي هو (فيخبره) .وهذا كقولك
وضربني زيدٌ.
فخذف لداللة الثاني .وقد أبان سيبويه ذلك وقال :إنه كالم العرب ،أو أكثر كالمها .يعني إعمال الثاني .ولو
أعمل االول لقال الحديد المثلم فيخبره ،وهو كقولك :ضربت وضربني زيدًا ،اي ضربت زيدًا وضربني.
وله ايضا:
على عينه حتى يرى صدقها ( َومن صحب الدنيا طوي ً
ال
كذبا) َت َقلـبـت
أصدق من العيان ،وبه تثبت حقيقة البُرهان .فيقول :من عرف الدنيا علم أن ما يراه عيانًا مماُ اي ال صدق
يسره ،ال يلبث أن يزول ،فيعقبه ما يسوءه فكأن ذلك الصدق المدرك بالعيان كذب .و(طويال) هنا :نصب على
ال ونحوه صفة ،وليس بحين يقع فيه الفعل ،ولذلك اختار سيبويه في الحال ،وال يكون على الظرف ،ألن طوي ً
(سبر عليه حسنًا وشديدًا ونحوهما) أن يكون أحواال ال ظرفًا ،لما قدمنا.
قولهمِ :
وزودني في السير ما زود البين ال ُم ُّ
شت بهـا (لق ْد لعب ُ
الضبا) وبـي
الضب من الماء.
ُّ يشرب
ُ الضب العدم ،وإن كان لفظه لفظ الوجود .اي لم يُزودني شيئًا بقدال ما
َّ يعني ما زود
والضب ال يشرب الماء ألبتة ،إنما يستروح النسيم.
َّ
والكف َ
السيف فكان
اها َ َك َف َ ْ
استكفت به في ُ
الدولة (إذا
والقلباَ) ُمـلـم ٍة
استكفت به :اي طلبت الكفاية .ولو قال استكفت ُه فاتزن ،كان (مثل) قوله :استغفرت اهلل واستعجلت السير.
(كفاها فكان السيف والف والقلب) :اي كان هو الجامع لهذه الثالثة ،وذلك أن السيف ال يستغني عن الكف،
والكف ال تقبض عليه حتى يؤيدها القلب .وقد قال هو في تحقيق هذا:
على حاله ،لم يحمل الكف ساع ُد القلـب
ُ َولَكِن إذا لم يحمل
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
كـفـه
به تُ ُ
نبت الديباج والريط
غيث كأن جثلُودنـا
وركت من ٍ
(فبُ ِ
والعصبا)
صب :برود اليمن ،جعله كالغيث وجعل جلودهم كاألرض التي إنما تُنبت بالغيث .فان شئت قلتَ :كنَى ال َع ْ
َ
بالديباج والربط والعصب عن ن َْعمة جلودهم وما يعلوهم من الخير .وإن شئت قلت :كنى به عما تهب لهم من
صبًاال ُكسا ،وإن شئت قلت :إن الغيث يُن ِبت الرياض ،وجلودُنا بنداك تنبت ما هو أحسن من الرياضَ :ع ْ
وديبتجاً.
الجن ْباَ)
س َ إذا َذكرتها ُ
نفسه ل َم َ وللطعن سـور ٌة
ِ (ولكنه َولى
َسورةِ :حد ٌة وارتفاع :اي إذا ذكر َس ْ
ورة الطعنة لم يصدق أنه نجا منه فلمس جنبه ،ليعرف هل أصابه الطعن
أم ال؟ كقول أبى نواس:
ُ
لمست رأسي هل طار عن ُ
تـفـكـرت فـي هـواى إذا
جسدي لـه
هوي ممتنعًا عزيزاً.
يعني أنه َي َ
إلى االرض قد َشق الكواكب السور من ُ
فوق (فأضحى كأن ُّ
والتُّ ْربا) بضد ُؤ ُه
(من ُ
فوق ) :مبني على الضم لحذف المضاف إليه .وبدؤه :ابتداؤه .اي أن هذا السور فوقه قد شق الكواكب إلى
الترب إلى ما تحته ،كقول السموءل بن عادياء يصف حصْ ناً:
َ ما َفوقها؛ وأسفله قد شق
ُ
طويل َرسا أصل ُه تحت الثرى وسما به إلى النجم َفرع ال يُنال
فكأنه قال من السماء بدؤه إلى االرض .وإذا كان من السماء إلى االرض ،فهو ال
محالة من االرض إلى السماء .وإن كان المبدأ الصحيح إنما هو :من االرض.
وله ايضا:
أن تحسب َّ
الش ْح َم في َمن شح ُمه َ
مـنـك نظـرات
ٍ ( ُ
أعيذها
َو َر ُم) صـاد ً
ِقة
تجمل ال
حال ،لما يظهر لك من شارتي ،وانما ذلك ُّ أجل نظرك الصادق المصيب ،أن تظن بي ُحسن ٍ ايُ :
النظر ها هنا ظنُّه الخير فيمن ال خير فيه؛
ُ فنظرك هذا اليُشبه لك األمر بخالف ما هو به .ويكون
ُ غنى،
واالول أشبه.
فالراحلُون ُهم)
ِ أال تُفارق ُهم قـدروا
ُ قوم ْ
إذا َت َر َّحل َت عن ٍ
قدروا على إغنائي عن ُمفارقتهم ،ثم اضطالوني إلى فراقهم ( ُفه ُم) المخلُّون بي حقيقة .وإن كنت أنا
اي إذا ُ
المخل بهم ،ألن سبب إخإللى بهم إنما هو سبب إخاللهم بي .وإذ لو شاءوا أال أرحل عنهم لم أرحل.
ال من قوم ،وإن كانوا نكرة ،ألن فيه معنى العموم، قدروا) :جملة في موضع الحال .وجاز أن يكون حا ً(وقد ُ
ولوال هذه الواو ،لكان أولى من ذلك أن تكون الجملة في موضع الصفة للنكره .فأما مع الواو فال يكون ،ألن
الصفة والموصوف كالشيء الواحد .فإذا عطفت الصفة على الموصوف ،فكأنك عطفت بعض االسم على
بعض ،وذها ماال يسوغ .وأما الحال فمفصوله من ذي الحال ،فجاز الفصل بينهما لذلك.
ُش ُ
هب ال ُبزاة سواء فيه والرخ ُم) قنـص
ٌ شر ما قيصت ُه راحتي
( َو ُّ
اي :أنا في الشعراء كالبازي في أنواع الطير ،والشعراء غيري كالرخم ،وبين البازي والرخمة من الفضل ما
تساويت أنا ومن ال تُدركه في أقدار عطاياك ،فكان له منها مإلى ،فأي فضل لي عليه ،وإن ُ قد ُعلم .فيقول :إذا
ُ ُ ُ
ال له؟ يقول :إما أن تميزني على غيري من الشعراء ،وتبقي عطاياك لهم كما هي ،وإما أن تبقي كنت فاض ً
عطاءك لي كماهو ،وتُنزلهم عنه ،ليكونوا دُوني في النوال ،كما ُهم دُني في المقال.
وأقنص ُهن .وقد قيل إن البُزاة ُكلها ُشهب .فليس إذن على طريق التخصيص،ُ وخص ُشهب البزاة ألنها أفر ُه ُهن
وإنما على حسب الصفة التي البزاة بها.
ـر ُم) أدركتُها بجوا ٍد ُ
ظهر ُه َح َ ( َو ُمهج ٍة ُمهجتي من هم صاحبها
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ايُ :ورب ذي مهج ٍة طلب مني ما طلبت منه فلم ينلى ونلُته أنا بجواد ظهره حر َم :اي من ركبه والذ به لم
ُ
الالئذ بالحرم. يُنل ،وال قتِل ،كما ال يُقتل
رجل واليدان وفِعلُه ما تُريدث ُّ
الكف الركض ٌ
ِ (رج َ
ال ُه في
والـقـ َد ُم) َي ٌد
يطفرَ ،ف َت َق ُع رجاله معًا كأنمكا هما رجل واحدة .وكذلك تقع يداه ،فكأنهما يد واحدة .و(فعله ما تريد
ِ اي :أنه
ْ
الكف) إذا ضربته ،والقدم إذا ركضته. ُّ
جريته ،ويستمري مشيته.يقول :فهو يُغنى فارسه أن يضربه بسوط ،أو يركضه بعقبيه؛ ليستدر بذلك ْ
وله ايضا:
كذاك (أشـــــــ ُكــــــ
ُكـــــــنـــــــ ـو
ُت ومـــــــــا الـــــــنـــــــو
أشــــــــــــــ ى
ـ ُكــــــــــــــ ولـــــــ ُهـــــــ
ـو ْم مـــــــن
ســـــــــــــــ عـــــــبـــــــ
وى ـــــرتـــــــــ
الـــــــــــــــ ــــــي
كـــــــــــــــ عـــــــــــــــ
لـــــــــــــــ جـــــــــــــــ
ل) ٌب
عـجـبـوا مـن
ُ اي:
فقوله( :وما أشكو سوى الكلل): بـكـائي وقـد غـيبـهـا
جملة في موضع الحال .كأنه الـبُـعـد ،وكـذا كـان
قال :كذلك كانت عبرتي وهذه دمـعـي وهـي حـينـئذ
المحبوبة قريبة .وجعل (سوى) قـريبة ال تـغـيبـهـــا
ها هنا ،اسما ،فموضعها نُصب عـــنـــي إال
بأشكو .وهو في قوة قوله :وما الـــكـــلـــل.
وحسن أشكو شيئًا سوى الكللَ . فـــكـــيف
ذلك أنه في معنى :وما أشكو إال يعـــجـــبـــون
الكلل. مـــن بـــكـــائي
اآلن.
به الـــــــذي (مـــــــابـــــــ
بـــــــي ال ُكــــــــــــل ُ
ومــــــــــا ُفـــــــــــــــ
بـــــــــــــــ ؤاد
ي فـــــــــــــــ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
غـــــــــــــــ
ي
ير
ُ
عـــــــــــــــ
ُمـــــــــــــــ
شـــــــــــــــ
نـــــــــــــــت
يرتــــــــــــــ
ـــــــــــــــق
ـهــــــــــــــ
ـــــــــــــــل
ِ ـا
)
اي به من الحب لها مثل ما بي .والذي بي مع ذلك منتقل وكان القياس ،إذ كان بهم ُ
مثل ما بي ،أن ينتقل عني
حبُّها.
ُ
وقيل معناه :به مثل الذي بي .والذي ثابت .فالذي بهم أيضًا ٌ
ثابت ال ينتقل .والفؤاد هنا يجوز أن يعني به
الطائفة التي هي موضع الحب ،أعنى القلب .ويجوز أن يعني به كل سيد في عشرتها ،ألن الفؤاد من أشرف
طوائف الجسم .وهذا كما يسمى الشريف عينا ألن العين أشرف الحواس ،وألطف جوهرًا ،فيكون كقول أبى
تمام :وسنى فما يصطا ُد غير الصي ِد
ِكة ل ُمقلتيها عظي ُم الملُك في ال ُم ِ
قل) األلحاظ َمال ٌ
ِ ( ُم ُ
طاعة اللحظ في
ونظير األلحاظ قولهم (االسماع) إنما سمي موضع السمع بالمصدر ،ثم ُكسر .ولو
قيل إنه اعتمد اللحظ الذي هو المصدر مختلف األنواع ثم كسره ،كما كسرت
الحلوم واألشغال ،لكان وجها ،إن كان ثبت عنده له سماع ،يثبت أن المصدر الذي
هو (اللحظ) يُجمع.
ولو قال (عظيم الملك) بالكسر ،لكان أشبه بمالك ،كما أنه لو قال (ملك ُه) ال تزن
مالك بين الملك ،و َملِكٌ
ذلك؛ فكان ضم الميم في (ال ٌملك) أشبه بملك ،ألن المعروف ٌ
بين الملك .ولكنه لما قال عظيم وكان (ال ُملك) أخم من (المِلك) (اختار ال ُملك).
وحسن ذلك ،ألن البيت يشتمل بذلك على الملك الذي هو أعم من ال ُملك بقوله: ُ
ٌ
(مالكة ،وعلى ال ُملك الذي هو أشرف من الملك).
بالحيل)
ِ ُ
اآلنسات ِبـهـا في مشيها فينلن الحسن ُ
الخفرات (تشبه
ُ
حسن فيغيب
ُ ُ
الحيية .واآلنسة :المتحببة .اي كل امراة َحسنة مقصرة عن ُحسنها ،تشب ُه بها في مشيتها، الخفر ُة:
وح ُسن التشبه بها في المشي ،ألن غير ذلك من أنواع حسنها ال يُقدر
الحسن بالتحيلَ .المشي حسنها .فتنال ُ
على محاكاته.
المشيب الروح في
ُ وقد أراني الروح في
الشباب ُّ
ُ (وقد أراني
َلي)
َبد ِ بدنـي
اي قد كنت فتى يُريني شبابي ُروحي في َبدَني ال أوذن بثُقلته ،وال استشعر قرب رحلته ،فلما ُ
شبث أيقنت إلى
ليعمرها َبدَلي؛ اي غيري .فكأن (روحه) قد فارقه حين تيقن بإنذار المشيب أنه
ُ الموت وإإلى فراق اللدنيا،
فارق .وقد قال هو في هذا المعنى يصف الدنيا:ُم ٌ
ليب وفارقها الماضي ف َ
ِراق َس ٍ سـالـب
ٍ تملكها اآلتي َت َملُ َ
ـك
اي كأن اآلتي َسلَ َب الفاني ر ُوحه.
وذكر أن الحسن البصري مر بمكتب ،فبكى فقيل له ما يُبيكيك فقال :اعتباري من هؤالء الصبيان ،كأنهم ُ
يقولون :انصرفوا قد بُعثنا أبدال ُكم .إال أن المتنبي تصور روحه في غيره َ
والح َسن لم يفعل ذلك.
غير َع ْز َها ٍة وال َغ ِز ِل)
بصاح ٍب َ
ِ ( َو َْق ْ
طرق ُت َف َتاَة الحي ُمـرتـديًا
ال .وأضاف الفتاة إلى الحي، وغالمة ،ورجل َو َرجلةُّ .
الط ُروق :اإلتيان لي ٌ الفتاة :أنثى الفتى ،كقولهم :غال ٌم ُ
تفخيمًا لشأنها ،وإشادة بمكانها ،كقوله:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
القوم ُق ُ
لب َ
ولكن قل ِبي يا ْب َنة ِ
تصعلك بقوله :إن السيف صاحب له. ٌ وأراد بالصاحب :السيف ألن الصعلوك ال يفارق سيفه ،فأشعر أنه ُم
ُ
والغزل :ضدُّه .يقول :طرقت هذه الفتاة ُمرتديًا لسيفي .وجعله ال والعزها ُة :الماقت لحديث لنساء ومجالستهن.
والعزاهة في طريق العدم .فيقول:سيفي صاحب ال يوصف ُ ِع ْزها ًة وال َغ ِزال ،ألن الغزل في طريق القسمة.
بغزل .والجما ُد ال يقبل قسمة وال عدَمًا .فتفهمه فإنه معنى لطيف ،وهو باب من المنطق حسن. ٍ بعزاهة وال
ولوال أنه ليس من غرض هذا الكتاب لزدته بيانًا .وقد يجب أن أعذر في قولي (الَ َزاه َة) ،النه إنما قلته لمكان
العرب (ال َع َزاه َة) .وأقل من هذا ال ُعذر يغنيني مع من َعلَ َم طريقة المنطق.
ُ الغزل ،وإن لم تستعمل
والخ َط ِل)
عين العي َ
بالجاهلي ِة ُ والمدح البن أبى الهيجاء تُ ْن ِج ُد ُه
ُ (
كان بعض الشعراء يمدح سيف الدولة ،بذكر أسالفه من أهل الجاهلية ،فعابه اوب الطيب بذلك ،وقال :إن فيما
يشاهدون من أفعاله وفضائله ما يغني عن ذكر قدمائه من جدوده وآبائه.
(المدح) مرتفعًا باالبتداء ،و (عين العي
ُ أوضحهما أن يكون
ُ وإعراب البيت يتوجه عندي على وجهين:
وخ َطل .وبالجاهلية ،متعلق (بتنجد ُه) اي تُقويه بها،
عي َ
ٌّ الجاهلية بذكر والخ َطل) :خبره ،اي :مدحه إذا أنجده
َ
وال يجوز أن يكون متعلقًا بالمدح ،النه إذا كان كذلك صار في صلة المصدر وقد ُحلت بينهما بتنجده ،فلذلك ال
يتعلق به.
ويجوز أن يكون المدح مرتفعًا باالبتداء كما قدمنا ،والخبر تنجده .وعين فاعلة بتنجده .اي مدح هذا الملك
المادح بها للعيه و َخطله.
ُ بأخبار الجاهلية إنما َيمدح
الحج ِل)
مع َ والُّرو ُم طائر ٌة من ُه َ رب منه مع ال ُكدري طائر ٌه
(وال ُع ُ
رب :لغة في العرب .ونظيرة ،ال ًعجم وال َع َجم .والقطا :نوعان ُكدري وجوني، وال ُع ْ
وح َج ُل :القبيح ،واحدتها َح َجلة ،وقد يكون واحدتُها (حجلي)
فال ُكدري اسم عمهماَ ،
الح جل ،اسم الجمع كما ذهب إليه سيبويه في قولهم :خادم وخدم ،وعازب فيكون َ
والح َج ُل من طير الجبال ،وهيالوحشيةَ . َو َعزب .فالقطا من طيور ديار العرب َ
والنوحش.
ُّ من مساكن الروم .فيقول :اضطر أعداءه من الفريقين إلى العرب منه
فلحق كل واحد منهما بالوحشي من طير أرضه ،وصار في جملته ،حتى كأن لم
يكن إنسانًا ،بكونه مخالفًا للطير .ولذلك قال( :طائره).
وقد يجوز أن يكنى بالطيران عن شدة ال َع َرب ،وإال فالعرب والروم وسائر األجيال
ال يتحولون طيرًا.
ص ُحوشية الطير دون سائر الوحش ،النها أسرع في ال َه َرب .وقوله( :منه): َ
وخ َّ
اي من أجله.
الوعل)
ِ الفرار إلى األجبال من أسـ ٍد تمشي النعا ُم به في معقل
ُ (وما
اي النعام ُسهلية ال قوة لخفافها على خشونة الجبل ،ولو ركب سيف الدولة النعام ،سهل عليها من ذلك ما
ص ُعب من سعده ،وي ُمن نقيبتهمشت به في معاقل األوعال ،وهي ُذرا الجبال ألن كل صعب ٌ
سهل عليه.
وإن شئت قلت :إنه عنى بالنعام خيله ،يقول :يركب أوعر األوعار؛ فكيف يطمع العدو المعتصم بالجبل أن
الفرار إلى األجيال
ُ يُعيذه منه .ومما يُحسن أنه يعنى بالنعام هنا الخيل؛ وأنه ليس بحقيقة النعام ،وقولُه( :وما
من أسدٍ) ،يعني باألسد سيف الدولة ،وال نوع األسد الذي هو السبُع.
يعن
ِ لم كما النعام، له ُقال
ي الذي النوع بالنعام، فمن ظريف الصنعة أن يوفق بين آخر البيت وأوله ،فال يعني
باألسد الشخص الذي يسمى أسدًا على الحقيقة.
َل) كأنه من نُفوس ِ
القمو في َجد ِ ً
قـارعة ورد ُ
بعض القنَابعضا ُم ( َّ
اي ضاق المعترك ،وتحير الملتقى ،حتى ر ًد بعض القنا بعضًا وتقارعت ،فكان رد بعضها لبعض تقارعًا ،وإذا
ُ
تخاذل .وذلك القراع والجدال كأنهما قراع ،كان صوت ،فكأن ذلك الصوت الذي حدث عن التقارعكان ٌ
منافسة في النفوس ،كما يتنافس المتجادلون في الظفر ،فيرد بعضهم قول بعض .وأراد كأنهما ممن يحاول
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الظفر باإلنفس ،فحذف ،النه قد علم ما يغني.
وله ايضا:
اضـح َس َت ْر ُت فمي عن ُه فقبل مفر قى)
ٍ الثنيات َو
ِ ول
وأشنب َم ْع ُس ِ
َ (
يذهب إلى إثيار الجاللة على اللذاذة ،ويدعى ذلك لتسميته ،حتى إنه يصحبه خلوته ،وحين الظفر بمحبوبته.
والصبر عند ذلك أدل على مِلْ ِك ِه ْ
إلبه.
ودال زارني ،فحاول تقبيل فمي ،فسترت فمي عنه ،النه موضع اللذاذة ،واللَّذاذة ال قال :فرب حبيب ُحسنًا ََّ
أوثرها ،وبذلت له تقبيل م ْف ِرقي ،النه موضع الجاللة التي أوثرها.
وهذا كقول اآلخر؛ إال انه بعكس ،ومنعه محبوبه من نفسه ،ما منع المتنبي من نفسه حبيبه:
بعقارب األصداغ قطع ً
ـبـلة حاولت منها ُق
طريقـهـا ْ
فـتـعـمـدت
عفافي و ُيرضى الحب والخيل ُّ
يعـف إذا ( َو َما ُكل من يهـوى
تُلتقي) َخـ َ
ال
ويروى (ويرعى الحب) .فمن رواه (يُرضي) فإن من شأن نساء العرب أن يُحببن من ُمحبيهن الشجاعة
واإلقدام ،كقول عمرو بن ُكلثوم:
ب ُع ُولتنا إذا لم تمن ُعونا َي ُقتن جيادنا وي ُق ْ
لن لست ُم
فيقول :أنا أعف كرمًا ،وأرضى محبوبى في الحرب ،بمشاهدته مني ،ما يهواه مني ،أو بإخباره ذلك عنى.
وليس كل أحد من العشاق يجمع عقة وشجاعة ،إذ العشق والعفة والفتك غريزة االجتماع.
راع المحبوب ،حتى إني
ومن رواه (ويرعى الحب) فهو يقول :أنا أعف كرمًا ال تورًا في هواى ،بل أنا ُم ٍ
اذ ُكره في الحرب ،وأراعيه أوان الشدة فكيف في حال السكون والهدوء.
وفي ((عى الهوى) هنالك َمزيتاَن:إحدهما رباطة الجأش ،حتى ال يُشغل الخاطر عن ذكر الهوى .واآلخر لشدة
محافظته على الوقاء ،حتى ال َ
يش ْغله عتد شد ُة الهيجاء كقول زياد األعجم:
وقد َن َهلَ ْت منا المثقفة َُ
الس ْم ُر ذكرتك َ
والخطى يخطر بيننـا
قوله( :والخيل تلتقي)؛ جملة في موضع الحال .اي ويرعى الحب محارباً.
يتخرق)
ِ وس لم ْ
والملبُ ُ تخ َّر ْقت
َ الدهر ُمستِم ْتعًِا ب ِه
َ (إذا ما ل ِب َ
ست
ُ
لبست الدهر مليا أهرمني ،وهو ال لبس الدهر َملبوسًا ،وإنما هي استعارة يقول :إذا
هر ُمه امتداد برهته ،فجرى األمر بيني وبينه بضد ما يجري بين الالبس يُ ِ
ملبوس يُخلق ال بسهَ .ولما
ٌ والدهر
ُ والملبوس ،ألن شأن الالبس أن يُخلق الملبوس،
التخ ُّر َق.
استجاز أن يجعله مل ُبوسًا ،استعار له َ
َس َعى َجدُّه في َكيدهم سعى (إذا َش َع ِت األعداء في َك ْي ِد
خنق)
ُم ِ َمـجـدِه
حنق حنقًا :غضب ،واحتنقتهُ :اي إذا رام العدو كيد مجده ،فحاول هدمه بمبارزته أو مقاومته ،غضب جده،
أنف وأيدٍ ،على ما تقدم ُ
قبل. فدفع سعى عداه بسعي ٍ
(كي ُد العدو لمجده)( .وكيد) :مصدر كاد يكيد المتعدية :كقوله تعالى( :فإن كان ل ُكم كي ٌد فكيدُون)َ .ف َمجدُه،
مجرور في موضع نصب .اي في كيدهم لمجده .وذلك أن المصدر يضاف إلى المفعول ،كما يضاف إلى
ْر) ،فالخير في موضع المفعول ،اي من دعا ِئ ِه الخير. ُعاء الخي ِ ُ
اإلنسان مِن د َ الفاعل ،كقوله تعالى ( َ
ال يسأ ُم
وله ايضا:
ص ُّد حين ُيلمن عن ُبرحائه)
و َي ُ ( َيش ُكو المال ُم إلى اللوائم حـر ُه
اي إن المالمة ال تتعى سمعي؛ وال تصل إلى فؤادي ،ألن حره يمنعها من ذلك ،فهي تتفادى منه .ويعتذر إلى
شعري ال حقيقة ،ألن المال عرض،
ٌّ اللوائم من قصوره عن الوصل إليه ،بما يتوقعه من ناريته .والكالم
والعرض غير حاس فيشكو .وإنما تشكو الجواهر ما يلحقها من ال َع َرض .وشبه أبو الفتح هذا بقول كثير:
األمر الذي هو ُ
فاعل ِ غلُ ٌ
وب على المـئين
َ َذ ٌ
هوب إلعتاق
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
َعـطـاؤه
(ويصد حين يلمن عن برحـائه)
مثل ما تقدم والبرحاء :الشدة.
بطرف ال أرى بسوائه)
ٍ وأرى الخ ُّل إال من ُّ
أود بقـلـبـ ِه (ما ِ
أي ما الخل اال من يكون حظى من قلبه ،حظه من قلبي ،ويرى بالعين التي أرا ُه بها ،فيقع التكافؤ في الحب
والجاللة ،ال من حظى من فؤاده ُمقصر عن حظه من فؤادي ،وتعظيمه لي دون تعظيمي له.
بالجملة ،فقلبُه
والتناسب؛ حتى كأنه هو جملة .واذا كان هو إياه ُ
ُ وقد يجوز أن يعني بذلك التناهي في التشا ُكل
قلب خليلهَ ،وعينه عينه.
ُ
( َعجب ال ُوشا ُة من اللُّحا ِة وقولهـم دع ما نراك ض ُعفت عن إخفائه)
للحب ُ
أمكن من تركه. إنما عجب الوشاة من اللُحاة في ذلك ،ألنهم كلفوه ترك ما يعجز عن إخفائه ،واإلخفاء ُ
فإذا ضعف غن األقل الذي هو اإلخفاء؛ وقد علم اللُّحا ُة ذلك منه ،فكيف يكلفونه األكثر الذي هو ُّ
السلوان.
وقوله( :ضعفت عن إخفائه) :جملة في موضع المفعول الثاني ،إن كانت الرؤية علمية ،أو في موضع الحال
إن كانت الرؤية حسية.
و َت َرفقًا فالسم ُع من أعضائه) (مه ً
ال فإن العذل من أسقامـه
فقًا في عذلك ،فإن السمع الذي يقرعه عذلُك من
وتر ُّ
اي إن العذل يُسقمه كما يُسقمه الحب ،فهو نو من إسقامهَ ،
جملة أعضائه .فإن َعنُفت به في العذل ،اختل سم ُعه أو ذهب.
وإنما قدر ذلك نافعًا له عند من عذله ،ألن العاذل لم يُرد بعذله إفساد جوهره ،وإنما أراد إصالحه .فيقول :إن
لم تترفق ،عاد ما حاولته من إصالحي إفسادًا إلي.
والسمع :يجوز أن يكون مصدرًا ،إال أنه إذا كان مصدرًا ،فليس من أعضائه .النه حينئذ جنس ،والجنس
َع َرض ،واألعضاء جواهر ،وال َع َرض ال يكون جزءًا للجوهر .وإنما عنى موضع السمع من أعضائه.
ُ
العين بصرًا في بعض المواضع .وإنما لألذنُ ،سمي لحسها ،كما سميت وقد يجوز أن يكون السم ُع اسمًا ُ
ٌ
حسن. البصر في أكثر الكالم
ُ
بسهـاده وبُـكـائ ِه)
مطرودة ُ
ُ ( َو َهب ال َمال َمة في الل َذا َذ ِة َكالَري
تلتد بالمالمة ،فاجعلها كالكري الذي قد عدمت ُه أنا ،على التذاذي به .فكما نفا ُه عنى سهادي وبكائي؛
اي إن كنت ُّ
فكذلك ينبغي لك أيها الالئم أن يُسليك عن كالمي الذي تلتذ به ما تراه من ُسهادي وبكائي ،فيعودا سواء في
امتناع االلتذاذ .ودعاه إلى االئتساء به في الصبر على عدم ما ي ُ
ُلتذ به.
(اج َعل) المعتدية إلى مفعولين .وإن شئت ُقلت :إنه بدل من موضع (ومطرودة) :مفعول ثان لِ َهب ،ألنها بمعنى ْ
(كالكري) لنه بمنزلة قولك مثل ال َك َري .وهو القول أقوى.
(إن ال ُمعين على الصباب ِة باألسى أولى برحمة ربهـا وإخـائ ِه)
اي ُمعينى على الصبابة :من أعان بالمؤاساة ال بالمالم .فإن راحم ذى الصبابة
ُمؤاسه بالعذر ،ال الئمه.
يعذ ُب ُقربُه لل ُمبتلَى َويناَ ُل من َحـوبـائ ِه)
وق ُ ُ
كالمعش ِ ُ
والعشق (
محبوب ،كما أن المعشوق كذلك .وكالهما نائل من حوباء ال ُمبتلى ُ اي العشق ُملتذ
وقاتل له .وقوله( :والعشق كالمعشوق) :جملة يفسرها ما بعدها من البيت .كأنه لما
قال :والعشق كالمعشوق ،قيل له فيه ،أو كيف تفسره للسائل ،فتقديره :والعشق
يعذبان ويقتالن مع ذلك. كالمعشوق في أنهما ُ
ول ببأسه وسخـائه) يز ُماال ُ األمير هوى ال ُعيون فإن ُه
ُ وقي( ُ
اي وقى هوى العيون .وأما ما سواه فقد آمنتُه عليه ،ألنه دافع له ببأسه وسخائه .وهوى العيون ماال ينفع فيه
بأس وال سخاء؛ فإنما أدعوا له أن يُوقى ماال طاقة لجوده وبأسه على دفعه.
في أصله وفرنده َووفـائه) ( ْ
من للسيُوف بأن تكون سميها
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
اي بأن تكون مثل سميها في أصله ،إما أن يرد :في نوعه الذي هو اإلنسانية ،وإما في قبيله ،وفرنده؛ أو في
صورته ،ألن صورة االنسان أحسن من صورة السيف ،ورونقه افضل من رونقه .وإما وفاؤه فال وفاء
للسيوف وال ُعذر إال على المجاز ،ألن ذلك من خواص اإلنسان.
لم يُدع سامع ُها إلى أكفائه) للنوائب دَعـو ًة
ِ (إني دعوتُك
يعزك وال يغلُبك.
خطب دُونك ،ال ُّ
ٍ أي :دعوتك لخطب ليس ُكفؤا لك ،ألن كل
ُ ُ
وإن شئت قلت :كل نائبة وإن عظمت فهي دون أن يُدعى مثلط إليها ،وإن كنت ال تدعى من النوائب إال إلي
ما أنت له ُك ُفوء ،ما وجدنا ما يكون كفؤا لك ،فندعوك إليه ،لكن ال بد أن ندعوك لما ناب ،وإن جل عنه
قدرك.
طرك ،وعال ُ َخ ُ
وله ايضا:
القلب ما تُ ُ
بصر) وكاتمت َ (كأني عصت ُمقلتي في ُك ُم
هذه مبالغة في كتمان السر والضن بإذاعته ،اي رأت عيني ما رأت ،فكتمته عن قلبي .واذا كان القلب لم يعلم
غيرك إال ما علمته.
غيره به ،إذ ال يمكن أن يعلم ُ
ذلك؛ لم يمكن أن يعلم ُ
وإن شئت قلت :إذا رأت عيني ما تحبون كتمه ،تناساه قلبي ،حتى كأن العين كتمت عنه ما رأت .والمقوالن
متقاربان.
وقوله (فيكم) :أي من أجلكم .وعصيان المقلة للفؤاد :إنما هو َك ْتمها عنه ما رأته ،فكأنه قال :كاني عصت
مقلتي فيكم قلبي ،وكاتمته ما تبصر فحذف األول لداللة لثاني عليه ،وأعمل (كاتمت) .إذ لو أعمل األول واتزن
لقال :وكاتمته القلب .اي عصت مقلتي القلب وكاتمته.
وله ايضا:
ضة َو َقبُ ُ
ول) بر َحتني َر ْو ٌ
فال ِ الروح أدنى إلي ُك ُم (إذا كان َش ُّم
ِ
اي إن كنتم إنما تؤثرون شم الروح ،ونسيم الهواء .وذلك إنما يكون بحضور الروض والريح القبول ،فال زلت
قريب مني ،وطالبون إلي. ٌ تشمونها ،تلذ ل ُكم ،إذ كلما ُ
كنت كذلك ،فأنتم أنا روضة فتضمكم ،وريحًا قبو ً
ال ُ
قوله( :أدنى إليكم) :أي أشد إدناء لمن يُحبكم .وقوله( :فال برحتني روضة وقبول) :أن شئت قلت :أراد فال
ال ،فعكس ،فجعل المعرفة الخبر ،وهي (ني) والنكرة االسم ،وهي (روضة وقبُول) .وإن برحت روضة وقبو ً ُ
شئت قلت :إن (ني) من (برحتني) ليست بخبر ،وال برح هذه المقتضية لالسم والخبر .وإنما ( َب ِرح) هنا
يأذن لي ربي) فيكون (ني) على هذا مفعو ً
ال، حتى َ
األرض َّ
َ المتعدية إلى المفعول .وكقوله تعالىَ ( :فلَ ْن أبْرح
ويكون التقدير :فال فارقتني ،أو فال زايلتني روضة.
اي فإذا كان ذلك ،قصدهم هذه الروضة التي عندي ،فسعدت أنا بقربكم واألول أبلغ ،النه على ذلك القول
األول ،يجعل نفسه ذات الروضة؛ ويتمنى الخروج من النوع الحيواني اإلنساني إلى النوع النباتي ،إيثارًا
لهواهم ،واختيارًا لقربهم.
والليل فيه ُ
قتيل) ُ شفت َكمدى الفجر ً
لقية بدرب ال ُقل ِة ْ
ِ ( ُ
لقيت
ُ
اي أصبحت في هذا الموضع ،أو أفجرت فيه( .شفت دمدى) .اي شفت اللَ ُ
قية
قتيل) :اي قد ذهب ،واشتمل للفجر بانحار الليل ،ما كان من الكمد( .والليل فيه ُ
ضده على محله ،فكأن الليل لما ُعدم أو قارب العدم مقتول.
وإن شئت قلت :طال على الليل بالصبابة ،فكأنه َوترني ،فاستوجب بذلك أن أطلبه
بثأري :فأوقد سيف الدولة بالدرب نيرانا ،فخالط ضوؤها دخانها ،فبدت لي من
الضوء المختلط بالدخانُ ،سمرة كسمرة الفجر ،قبل أوان الفجر ،فكأن هذا الملك قد
قتل الليل بإيقاده هذه النيران ،التي َخ ْل َخلَ ْت كثافة الظلمة ،فأنا أكنى بذلك عن ثأري،
فيُشفي كمدي.
وقيل ك الفجر هنا سيف الدولة ،أقام ُغرته ُمقام الفجر ،وبالغ في ذلك ،حتى جعله
ال ليل ،وما ُطلب عند ليل ذحل ،وال نيل منه ثأر قبل هذا. قات ً
وفي ذكرها عند األنيس (على ُط ُر ٍق فيها على ُّ
الط ْر ِق
ُخ ُم ُ
ـول) ٌ
رفعة
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
رفعتها :أنها أ ُك ٌم وجبال ،وخمولها :أنها غير مسلوكة لوعورتها ،فهي لذلك خاملة .وقد يجوز أن تكون طرقًا
لم يسلكها إال جيش سيف الدولة ،ألنها ُ
مخوفة فالناس ال يعرفونها لذلك.
ُ
فجـمـيل) قباحًا وأما خل ُقها شعروا حتى رأوها ُمغيرة
(وما ُ
أي قباح األفعال بهم ،وإن كانت في خلقتها جميلة ،ألن خوفهم لها يُقيحها في أعينهم ،فيخفى عليهم جمالُها.
اقبح من ضيف ِه رأت ُه السر فالحسن فيه طبيعية؛ والقبح َع َرض. وهذا نحو قولهَ :ح ٌ
سن في عيون أعدائ ِه ُ
فأضحى كأن الماء فيه ُ
عليل) (وأضعفن ما ُكلفن ُه من ُق ٍ
باقب
ُقباقبٌ :
نهر دهمته هذه الخيل ،فسدت مجاري الماء فيه ،بكثرة قوائهما ،فارتدع الماء ،إال ما تخلل ُشعب قوائم
الخيل ،فأضعفته عن قوة جريه ،حتى كأنه عليل .والعلة هنا كناية عن الضعف ،إنما العلة في الحيوان ،والماء
ليس بحي.
خلفت إحدى ُمهجتيك ُ
تسيل) َو َ ً
جريحة َجوت بإحدى ُمهجتيك
(ن َ
الد ُمستُق ،وكان ُشج في وجهه ونجا جريحًا ،فهذا معنى قوله( :نجوت بإحدى مهجتيك جريحة) ،وكان
يخاطب ُّ
ُ
تسيل) ،اي تركته يذوب في الكبل والحبس ،مع ما اشتمل ابنه قد أسر ،فلذلك قال( :وخلفت إحدى مهجتيك
عليه من خشية القتل:
غذا ُه ولم ينفعك أنك ُ
فيل) ً
فريسة (إذا لم ت ُكن لليث إال
(الفيل) مثال لعظم عدد الروم ،وضرب (الليث) مثال لسيف الدولة وجيشه ،اي فال تُعجبن الروم كثرة ِ ضرب
عددهم ،فإن الكمية ال تغني ،وإنما الغناء للكيفية وقال( :غذاه) :أراد غذا ُه ذلك الشخص المفترس.
واألفكار فـي
ُ وأهدأ
تـج ُ الحب للفتى
وجب ُ
(أعادى على ما يُ ُ
ـول) ُ
اي أعادى على ما لدي من الفضائل النفسانية ،كالشجاعة والفروسية ،والفصاحة والشعر ،حسدًا لي على ذلك.
وكل واحدة من هذه الفضائل في حد الحقيقةُ ،موجبة للحب ،فكيف أشنأ على ما يُوجب الحب؟ يقول ذلك
متعجبًا.
قال أبو الفتح :لو قال (أبغض) مكان (أعادى) كان أوفق في مذهب الشعر ،يعني أبو الفتح :أنه لو قال ذلك،
كان أذهب في باب التقابُل ،ألن النقيض إنما يقابل بنقيضه؛ وكذلك
الضدُكي مل ،نآنشلاب ةقادصلاو ،بحلاب تلباق اذإف .ةقادصلا ةوادعلا دضو .ضغبلا بحلا دضف .هدضب ّ ذاك
على تقابل الضد والنقيض.
لكن الذي يُسهل ذلك ،أن العداوة علتها البغضة ،التي هي ضد الحب ،فأقام العلة التي هي العداوةُ ،مقام
(أشن) على
َ ُ
يدخل التخفيف البدلي من االضطرار ،لقال :فأشنى ،أو المعلول ،الذي هو البُغض .ولوال ما
اجتمال الجزم ،ولكن االول أسوغ أعنى وضع (أعادى) مكان (أبغض) لما ذكرت ،من داللة العلة على
المعلول.
وله ايضا:
البشر)
ُ ص ب ِه من دُونها فما ُ
يخ ُّ (تُرى األهل َه وجهًا عم نـائلُـ ُه
اي انه يكسب األهلة بنظرها إلى ُغرته نورًا وسعدًا ،فتنال بذلك من جوده كما ينال الناس .فالبشر إذن نوع
غير مخصوص بنائله بل هو عام للعالم ال ُعلوي والسفلي.
وله ايضا:
ْ
وأبدلت غنـاءه أنـينـ ُه) ْ
أكثرت رنين ُه كاس
وشرب ٍ
ِ (
الشرب :اسم للجمع عند سيبويه ،وهو عند أبى الحسن جمع .ويدل على صحة قول سيبويه :إن العرب إذا
وركيب .فلو كان جمعًا كما ذهب إليه أبو حقرت هذا النحو حقرته بوزنه ،كما تحقر الواحد ،فقالواُ :شريب ُ
ور َويجلُون .وإنما كالم العرب ما
لرده إلى واحده في التحقير ،ثم جمع بالواو والنون ،فقيلُ :ر َويكبون ُ
الحسنُ ،
قدمنا.
أنشدنا القرشي:
أخشى ُركيبًا ورجيال عاديا بنيته ب ُعصب ٍة مـن مـالـيا
وذهب قوم إلى أن معنى البيت :أن هذا الشرب -وهم أعداء الممدوح -غنوا بمناقبه ،حتى إذا سكروا هاج
لهم السكر ذكر من سبا منهم وقتل ،فأنوا حزنا ،وعاد ذلك الغناء أنينًا وتفجعًا.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الشرب غنوا ،فأثخن فيهم هذا الملك وأوجعهم ،فعاد ذلك الغناء رنينا وأنينا .وقوله:
والذي عنتدي أن هؤالء ْ
ْ
(أبدلت) :إخبار عن الخيل والقنا اللتين في قوله: (أكثرت) و
َ
(إن الجياد والقنا َي ْكفِين ُه)
وله ايضا:
وهذا الذي يأتي ال َف َتى ُمتعمدا) رايت ال َبحر يعثُر بالف َتى (فاني ُ
اي أن سيف الدولة اولى بأن يرجى ويخشى من البحر ،ألن البحر وإن أروى
وأعطى ،فليس شيء من لك على عمد وال قصد ،النه ال ُروح له وال فؤاد ،فليس
إذن يحمد على مكرماته والذمي ٌم آلفاته .وهذا كقوله هو:
ال وال َكفها حلما بطشها جه ًأال ال أرى األحداث حمدًا والذما فما ُ
وأما سيف الدلوة فهو لكل ما يأتيه من إفاقة وإغناه وإمانة وإحياء ،عام ٌد قاصد ،النه من نوع االنسان ،الذي
هو أشالف الحيوان.
َو َي ُق ُ
تل ما تُحيى التبسم والجدا) ( َوتُحيي ل ُه َ
المال الصوار ُم والقنا
تبس ٍم
أي انه يغير فيغم بسيوفه والماحه ،فهي تحيي له المال .ثم يهب ُعفاته ،ما يسلبه ُعداته ،وذلك في حال ُّ
وأريحية للعطاء ،فذلك التبسم هو الذي يقتل المال الذي أحيت ْه األشنة والصوارام ،كقول ابى تمام:
معشر أغارت عليه فاحتوته الصنـائع
ٍ إذا ما أغاروا واحتووا مال
وذكر التبسم والجدا هنا كقول ُكثير:
المال
غلقت لضحكته رقاب ِ غمر الرداء إذا تبسم ضاحكًا
ُ
ولو قال (يميت) مكان (يقتل) لكان أشد مقابلة للحياة ،ألن القتل ليس بضد الحياة إنما هو علة ضد الحياة في
بعض األوقات.
ونقيض الحياة إنما هو الموت .ومقابلة الشيء بنقيضه أذهب في الصناعة و(التبسم والجدا) :مرتبطان بيقتل،
اي ويقتل التبسم والجدا ما تحييه الصوارم والقنا .ففي تحيى ضمير راجع إلى لقنا والصوارم ،اي ما تحيى
هي.
العين أختها وحتى ي ُكون اليز ُم لليوم سـيدا)
فضل ُ الجد حتى َت ُ
(هُو ُّ
وإنما ذكر فضل يوم األضحى وجعله سيد نوعه .ثم مثل به فضل سيف الدولة على جميع نوعه .وذلك في
البيتين اللذين قبل هذا البيت .ثم عجب من تفاضل االشخاص الواقعة تحت نوع واحد ،على أن عنصر هذا
واحد .فقال( :هو الجد حتى تفضل العين أختها) فبلغ بالعجب من العين التي تفضل صاحبتها على اقترابهما
وشدة اقترابهما .وبالعجب من اآليام التي تتفاضل بما يحدث فيها من السراء والضراء وضروب الممالك
والمناسك.
المادحون مرددا)
ُ بشعري أتاك أنش َ
دت شعرًا فإنمـا (أجزني إذا ِ
أجزني :اي أعطني الجائزة إذا مدحك غيري ،فإن الشعراء إنما يأخذون معاني شعري ،فيمدحونك بها ،فاذن
إنما المستحق بجوائزك أنا ُ
اله م .إذ لوال شعري لم يهتدوا إلى ما يمدحونك به .فكلما احسنوا فإنما اإلحسان لي
كقول اآلخر:
بشار
فقد أحسن ُ فإن أنش َد َحمـا ٌد
اي إن حمادًا إنما يأخذ شعر بشار .فاإلحسان له ،واإلنشاد لحماد.
وله ايضا:
ُ
الهبات صوانها) ون حسانـهـا إذا نُشرت كان
يص ُ
كريم ما ُ
ثياب ٍ
( ُ
يعني ثيابا رومية كساه إياها( ،كان الهبات صوانها) اي أنه ال يصونها إنما يبتذلها بالهبة هي التي تكون لها
مقام الصوان إذ الصوان لها عنده وإذا لم يصن حسانها كان أحجى أال يصون دُةنها.
وتجلُو علينا نفسها وقيانهـا) وم فيها ُملوكها
الر ِ
صناع ُّ
ُ (تُرينا
اي صورت األنواع الحيوانية إال الرزمان ،فانها لم تصوره لعجزها عن ذلك وذلك أن الزمان هنا إما أن يعني
به الفلك ،وال أحد يستطيع تصويره على حقيقته التي هو بها؛ وإما أن يكون الزمان هنا وجود النور وعدمه
وذلك َع َرض والعرض ال يقتصور إال في جوهره الذي هو منه.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
اي أن الضرب الضرب إذا قرع الهام لم تعده نصره ،إذ في اإلمكان أن يموت
صاحبُها ،وأن ال ي ُموت .فإذا وصل إلى اللبة ،هلك ال محالة ،فيحنئذ يُ ُّ
عتد بالنصر.
ال للشك في النصر ،والقدوم للتيقن .وكذلك الغائب مشكوك فيه، وضرب الغيب مث ً
والحضر متُيقن.
للرمِح
وحتى كان السيف ُّ دينيات حتى
ِ الر
حقرت ُّ
( ْ
شاتـ ُم) طضرحتها
الردينيات :الرماح ،منسوبة إلى مرأة تسمى ُردينة ،كانت ُتركب فيها األسنة.
ُّ
ً
رب معانقة ومصافحة ،لجرأتك وشجاعتك ،ولم ترض لن تستعمل في قتاله ُ ُ
أحبت لقاء العدو على ق ٍ يقول :إنما
شعر بالجبن ،الن القتال به إنما هو على بُعد ،فاطرحته واستعملت السيف مكانه قال:
الرمح ،الن ذلك ُم ٌ
للرمح َشاتِم)
(وحتى كأن السيف ُّ
اي لكأنك قد رأيت السيف قد عير الرمح بالضعف والتقضف وقلة الغناءَ ،ف َهان عليك الرمح لذلك ،أال تراه
يقول بعد هذا:
الخ ُ
فاف ُ
البيض ِ َم َف ُ
اتيحه و َم ْن َطلب الفتح الجليل
الصوار ُم
ِ فـإنـمـا
ومن كالم بعض العرب :الرمح ُ
أخوك وربما خانك .وقال عمرو بن م ْع ِد يكرب في السيف:
على الصمصامَِة السيف السال ُم خليلي لم أخنُـه ولـم َي ُخـنـى
وله ايضا:
الملوك غما ُم)
ِ وسح ل ُه ُرسل (أراع كذا ُكل األنام هـمـا ُم
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ٌ
صفة لمصدر محذوف .اي راع روعًا مثل هذا: كذا في موضع نصب
(وسح له ُرسل الملوك َغمام)
اي تقاطوا عليه ،وقد جاءوه تترى من كل أوب ،حتى كأن غمامًا سحهم عليه لكثرتهم ،اي صبهمُ ،فرسل
الملوك :منصوب على المفعول به ،الن سح فعل متعد.
وعنوان ُه للناظرين قـتـا ُم) كتاب َب َع َث َت ُه
جواب عن ٍ
ٍ ( َو ُرب
يعني جيشًا أجاب به عن كتاب ،فأنبأهم قتا ُمه عنه ،كما يُنبء عن الكتاب عنوانه.
وما ُفض بالبيداء من ُه ختـا ُم) ُ
تضيق به البيداء من قبل نشره(
اي انه يمأل البيداء ،وهو مجتمع قبل انتشاره ،فكيف به إذا انبت وانبعث.
وحسـا ُم) مح ٌ
ذابل ُ جوا ٌد ُ
ور ٌ روف ِهجاء الناس فيه ٌ
ثالثة ( ُح ُ
اي ال يشاهد فيه إال هذه النواع ،كما ال يشاهد في الكتاب إال حروفه.
وله ايضا:
صى تربها ثقبن ُه للمخانق)
َح َ (بال ٌد إذا زار الحسان بغيرها
بالد :اي هي بالد ،يعني (الثوية) وهي الكوفة وحصاها وهو ذلك الذي يعرف بالفرومي ،وهو شفاف حسن.
يقول :فإذا زير به النساء في غيرها من البالد استحسنه فثقبنه ووضعنه في ُمخانقهن .وليس الحصى هو
الزائر في الحقيقة الن الزيارة إنما هي لمن يعقل ،والحس جماد .وإنما أراد زير به الحسن فاتسع بأن جعل
الفعل له .وواحد المخانق مخنقة ،سميت بذلك ،ألنها توضع في موضع الخق من الحلق.
فاسق)
عـاقـل عفيف ويهوى جسمه كل ِ
ٍ (وأغي ُد يهوى نفسه كل
الخلُق ،وجسماني وهو ُحسن خلْقه،
وخلقًا ،فحسنه ُحسنان ُروحاني ،وهو حسن ُ الحسن خلقًا ُ
اي أنه كامل ُ
ُ ُ
فأوجب ذلك أن يعشقه العفيف والفاسق ،فالعفيف يهوى نفسه ،ولها الحسن الخلقي ،والفاسق يهوي جسمه ،وله
الحسن الخلقي .ولو اتزن له أن يقول( :كل عفيف) ولم يذكر العاقل؛ لكان أذهب في التقابل الن العفة ضد
ُ
العاقل األحمق؛ فال معنى لقوله (كل عاقل) ،ولكن لما كانت العفة للجزء المعتدل ،وكان العقل .وإنما يقابل
حسن أن يذكر العقل مع العفة ،وإال فوجه التقابل ما ذكرت لك .وقوله:
الجزء المعتدل يوصف بالقعلُ ،
ٌ
(مليحة) من قوله: ٌ
عطف على قوله: (وأغيد):
بلى َمل ٌ
ِيحة) (سقتنى بها ال ُق ُ
طر َّ
وإن شئت رفعت أغيد على االبتداء ،وخبره مضمر .كأنك قلت :وث ّم أغيدُ.
(يُ ُ
وصدغا ُه في خدى ُغ ٍ
الم ُ حدث عما بـين عـا ٍد
راهق)
ُم ِ وبـينـه
ويُروى( :يحدث ما بين القرون وبينه) .وهي األمم الخاليه .اي أن هذا األغيد حافظ واع حسن الحديث ،جيد
السياق له ،فهو يحدث عن األوائل ،ويخبر بأخبار القدماء ،وإن كان حديث السن.
وقوله:
راه ِق)
غالم ُم ِ
وصدغا ُه في خدى ٍ
( ُ
كناية عن حداثته و ُفتُوته .ويعنى بالصدغ :ما سال من الشعر على خده .وهذه الكناية ،وإن كانت حسنة ،فإن
فيها تكلفًا ،كان أقرب من ذلك لو اتزن له أن يقول :وهو ُمراهق .فكان يعنى من قوله:
خدى غالم مراهق)(وصدغاه في ْ
ولكنه تكلف ذلك ،لحفظ إعراب القافية.
عاشق)
ِ بطعن يُسلى حره كل
ٍ فرق ما بين ال ُكما ِة وبينـهـا
(يُ ُ
اي بين الكماة ونسائهم ،بطعن يؤلم العاشق ،فيُسليه بحر ِه عن المعشوق.
ور العوانق)
نح ِ ٌ
رشاشة من الخيل إال في ُ تطير
(أتى الطعن حتى ما ُ
الرشاش :ما أرش من الدم .يقول :ألْحق عقيال بحاللهم وعيالهم ،حتى إنهم إذا أصيبوا بالطعان ،طارت
ُ
دماؤُهم في نُ حور الشواب من النساء .وبالف باختصاص الشواب ،ألنهن لوازم لزوايا ُ
الخدور ،فذلك أغرب.
صى فيها صياح
الح َ
يصيح َ
ُ ٌ
سـيفـية ٌ
ـوسة( َوملَـ ُم
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
اللقالق)
ِ ٌ
ربـعـية
ويروى تصيح الحصىَ .ملم ُومة :يعني كتيبة مجتمعة لم بعضها إلى بعض ،اي ُجمع .وقيل مجموعة كالحجر
اللملموم .والقوالن متقاربان .سيفية :منسوبة إلى سيف الدولة منها.
(يصيح الحصى فيها اللقالق)
اي قد كثر فيها الخيل والرجل ،الحصى يصيح تحت حوافر الخيل ،وأرجل الرجال ،صياح اللقالق :وهي نوع
من الطير .واحدها لقالق .وحقيقة اللقالق :الصوت ،فسمي هذا النوع من الطير لقالقًا بصوته ،وكان يجب
على هذا (صياح اللقالين) الن واحدهما لقالق .وإذا كانت األلف وغيرها من حروف اللين رابعة في الواحد،
ثبتت ياء في الجمع ،نحو حمالق وحماليق ،و ُكردوس وكراديس ،وشمالل وشماليل .لكن الشاعر إذا اضطر
حذف هذه الياء في الجمع .أنشد سيبويه:
والبكرات الفثتح العطامِسا
ِ قد قربت ساداتها الروائسـا
فكذلك اضطر هذا الشاعر ،فحذف ياء (اللقالين) وال يلتفت إلى قول العامة في واحدها (لقلق) ،فإن ذلك خطأ.
وقيل :كانت هذه الكتيبة َمكسوة تجافيف ودروعًا فإذا وضع الفرس حافره على حصاة أطارها ،فقرعت تجفافًا
أو درعًا ،فأشبه صوت وقوعها بالدرع أو التجفاف ،صوت اللقالق .واستعار الصياح للحصى وإنما الصياح
للحيوان .ومن رواه (تصيح) اراد تُصيح هذه الكتيبة الحصى ،وكان يجب على هذه الرواية أن يقول إصاحة
اللقالق ،الن مصدر أفعل إنما هو اإلفعال ،فإن كان الفعل معتل العين ،وكان مصدره إفعالة ،تحذف العين،
إقامة ،لكنه قال :صياح ،فجاء بالمصدر على غير فعله، ً ويجعل الهاء عوضًا منها ،كقوله أ َقال ُه إقاَلَ ًة ،وأقامه
النه اراد فتصيح صياح القالق ،وفي التنزيل (واهللُ أ ْن َب َتكم من ْ
األرض َن َبا َتًا) اي فنبتم نباتًا .ومثله كثير ،قد أفرد ُ
سيبويه فيه باباً.
الشقاشق)
ِ األذناب ُخرس
ِ وكان َهديرًا من ُف ُح ٍ
ول تركتهـا مثهلبة ( َ
اي كان هذا الذي أبد ُته ُعقيل من الطغيان واألشر .بمنزلة الهدير للفحول ،والفحول إذا هاجت َهد َ
َرت،
وحمرًا كالرئة .أنشد ابن دريد في صفة شقشقة حمراء :في وأخرجت شقاشقها ،وهي هنوات تخرج بيضًا ُ
العطار الفقدان :أدمة حمراء ،تصان فيها أتواع العطر ،فشبه الشقشقة في لونها وعظمها لها.
ْ كقفدان
ِ َج ْون ٍة
والج ْون :يكون لألبيض واألسود واألحمر. َ
وإنما قلنا هنا :إنه يصف شقشقة حمراء .لتشبيهه إياها بالفقدان ،والفقدان أحمر .فاذا تهادرت اإلبلُ ،شدت
وتوعدها لسيف الدولة
ُّ وخ ِرست شقاشقها وذلت ،فجعل ُعقيال بمنزلة الفحول ،وأشرها أذنابُها وأهالبُها ،فسكنت َ
كالهدير .وجعل إذله لهم ،وتحبيسه إياهم ،بمنزلة تهليب األذناب ،وإخراس الشقاشق.
ْ
فهربت وإن شئت قلت :لما هزمهم ،فأدرك بعضًا وفاته بعض ،كانوا بمنزلة فحول صال عليها َفحل ُمقرم،
أمامه ،فهلب ما أمكنه من أذنابه اي نسفها.
وله ايضا:
وأعجبها التلُّ ُب وال ُم ُ
غار) التراس ُل والتشاكي
ُ (وغيرها
اي تراسلوا بما ل ُقوه من هذا الملك ،وشكاه بعضهم إلى بعض ،فدعاهم ذلك إلى ترك الطاعة ،وغيرهم عن
غار :اي اإلغارة على األحياء.
االئتمار لسيف الدولة( .وأعجبها التلبب) وهو التحزم بالسالح ،وال ُم ُ
والغرار)
ُ وفي األعداء حدك (ف ُكنت السيف قائُ ُمه إلـيهـم
اي كنت قبل نفاقهم وشقاقهم ،سيفًا مردود القائم إليم ،ال تقطعهم وال تؤذيهم ،الن القائم .وفي أعدائهم غرارك:
اي حدك وله التأثير.
الحيار)
ُ وأمسى خلف قائمه (فأ ْمست بالبدي ِة شـفـرتـا ُه
البدية والحيار :ماء أن بأرجان .والحيار أقرب إلى العمارة فيقول:سير من الحيار
إلى البدية وبها أدركهم ،فصار الحيار خلف القائم .والشفرتان بالبدية ،ضاربًا لهم
بالسيف ،الذي كان قبل مشاقتهم له يضرب به أعداءهم عنهم.
عـثـار)
ُ بأرجلهم
وس ُهم ُ ُر ُء ُ (مضوا ُمتسابقى األعضاء في ِه
اي أنفصلت أعضاؤهم بعضها قبل بعض ،ي ُقول :تقطعت أعناقهم فبُددت ،فتعثرت.
وجار)
ُ ولبتُ ُه لتعلب ِه ( ُيغادر ُكل ُم ٍ
لتفت إليه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
حر الثعلب ِو َجار و َو َجار ،حققها يعقوب .وشك أبو
الثعلب :ما دخل من الرمح في ُجبة السنان ،والوجارُ :ج ُ
المنزم ليقاتل ب ُعده و ُقربه لم يلبث أن يُطعن به في لبتهِ .فتكون بمنزلة
ِ عبيد في الكسر .اي إذا التفت اليه
الوجار للثعلب .ويجوز أن يجعل الليلة وجارًا من حيث ُسمي ما يدخل من الرمح في ُجبة السنان ثعلبًا.
وقولهَ ( :ولبَّتُه لثعلبه وجار):جملة في موضع الحال ،إذا رددتُها إلى المفرد فكأنك قلت :يغادر كل ملتفت إليه
مطعون اللبة به ،وهو في موضع الفالدو من الصدر.
بهم من ُشرب غيرهم ُخ ُ
مـار) (ف ُهم ٌ
حزق على الخابٌو رصرعي
رعى ،كانهم َش ْرب ص َاي أنهم جمدوا ،وأجمدوا خيلهم ،فانقطعوا وانقطعت ،وأقاموا في هذا الموضع َ
ُ
الشرب رماح سيف الدولة ،ألنها التي شربت دماءهم ،والخمار إنما هو بش ْرب ،إنما َ
مخنُور ُون وليسوا َ
رماحك.
ُ يسخر بهم فيقول :كيف ُخمر هؤالء .وإنما الشاربة
ُ للشارب.
وإن شئت قلت قلت :جعل المهرومين كالمخمورين ،لما بهم من الحيرة والكسل والفتور .وجعل الهازمين
َ
كالش ْرب ،لما نالوا منهم ،أو مابهم من الفرح بفلهم لهم ،وقتلهم إياهم ،ك َف َرح الشراب للنبيذ.
االنتار) طالب الطالبين ال يوم ُ
ُ ُ (يُوسطه المفاوز كـل ٍ
يوسطه :اي يدخله وسط المفاوز ،طالبُه للمهزومين الهاربين إلى الفقار ،فهو يطلبهم هناك .يقول :فهذا هو
(طالب الطالبين) :كان األحسن في
ُ الذي يدخله المفاوز ،ال هربه من أعدائه ،وال انتظاره أن يُدركوه .وقوله:
طالب المطلوبين ،ولكن هذا يتجه على ثالثة أوجه :إما أن يكون عنى ُ الظاهر -لو اتزن له -أن يقول:
بالطالبين أعداءه الذي كانوا يطلبونه قبل ،وهم االن مطلوبون ،وإما أن يكون َعنال بالطالبين للنجاة ،وهم
هؤالء المهزومون ،وإما أن يكون (الطالبين) بمعنى المطلوبين ،فقد يجيء (فاعل) بمعنى مفعول كما يجيء
عكس ذلك كثيرًا ،فما جاء (فاعل) فيه بمعنى مفعول ُ
قول بشر بن أبي خازم:
ذكرت حبيبًا فاقدًا تحت َم ْر َمس ذكرت بها سل َمى ُّ
فبت كأنـنـي ُ
كان َوعدُه َم ْأتِياَّ) اي آتيًا.
عكسه ،فنحو قوله تعالى( :إن ُه َ
اي مفقودًا .وأما ُ
نيت بالطالبين سيف الدولة وكتيبته ،وهذا عندي حسن .فطالبين على وذكر لي أن المتنبي ُسئل عن هذا فقالَ :ع ُ
هذا في موضع رفع اي طالب الطالبين لعدوهم :كقولك( :عجبت من ضرب زيد) وانت تريد من ضرب زيد
لعمرو ،فاذا كانوا قد يحذفون الفاعل ،ويجتزون بالمفعول ،للعلم بالمعنى ،مثل قوله تعالى:
اإلنسان من دُعاء َ
الخ ْير) ُ (َ
ال َي ْسأم
اي من دعائه الخير ،فحذف المفعول وإبقاء الفاعل اولى .فقد جاء المفعول نحذوفًا كثيرًا ،في مثل قوله تعالى:
ال جواعل غي ال َقنَا َق َ
صبًا خدا َ ـيتـالت
ٍ الكـالم ُم
ِ َر ِخ َ
يمات
ْرن المنطق َن ْغمة ،فحذف المفعول ومن رواه (مبتالت) فقد كفاك ،النمبتالت (بالكسر) اي ُمقطعات للكالمَ ،يب ْ
الحسن (بُيل) على كل جزءُ كأن حدة، على حسن منها شيء كل التي المبتلة لفظ المفعول ،وهي من النساء
منها ،اي قطع .وقد اثبت هذا في كتابي الموسوم بالمخصص في اللغة.
وتوطه في المفاوز في أثر المنهزمين يكون كناية عن ب ُعد همته ،كقوله هو فيه:
اله َمـ ُم ص َّر ْ
فت بك في آثاره ِ َت َ مت َج ْيشًا فا ْن َثنَى َه َربـًا
أكلما ُر َ
عار إذا انهز ُموا
وما عليك بهم ٌ عليك َه ْز ُم ُه ُم في كل معتـرك
ُ
بالسبل والمخادع ،حتى ال يفوته الهارب منهم ،كقوله هو فيه أيضا وقديكون ذلك كناية هن هديته ومعرفته
حين هزم عُقيالً:
ذك ُره البيدا ُء ظـل تُ َّ
ف ـر ٍصولة ُمـ ْت َ األعراب َ
ُ توهما
ادق
ـر ِ الـس َ ُّ
َسما َو ُة َك ْل ٍب في ُعيُون َّ
فذكر َت ُه ْم بالماء سـاع َة
ـزائِق الح َ َ َغـبَّـرت
وعون الملوك بأنير ُوكانوا ُ
ِق
ِ ف َال
غ ال َ
نبت الماء في ت ْ َ
ت ب
ُ َ
ن وأن
بـدوا
وأبدى بُيوتًا من بُيوت
فهاجوك أهدى في الفال من نُجو ِم ِه ُ
النقـانـق
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
تحيرت المتإلـى
ِ ( َغطا بالعثـير الـبـيداء
والـعـشـار)
ُ حـتـى
العثير :ماء اي غطى مالُ ُه ُم البيداء ،في هذا الموضع المسمى بالعثير ،حتى تحيرت
متالية وعشاره :اي أعز أوالدها ،وذلك لكثرة العدد ،وغزارة ال َمدَد.
تحـار)
ُ وأقبل ْ
أقبلت فيه بأرض
ٍ حاروا
جيش كلما ُ
( َو ٍ
اي أن سيف الدولة تبع بنى كعب بجيشه ،فكان الكعبيون كلما مروا بأرض واسعة حاروا فيها وكان جيش
حارت األرض فيه ،وذلك لعظمه ،وحمهور أممه، ِ سيف الدولة كلما مروا بتلك األرض التي حار أولئك فيها،
الخ َور ،وهؤالء من التحدث بالظفر .فالضمير في حاروا راجع إلى هؤالء مع ما خالط الكعبيين من َ
المتبوعين ،وغي أقلب :راجع إلى الجيش .وكذلك الهاء في قوله (فيه) راجعة إليه أيضاً.
زأروا ُخ ُ
ولر) وزأر ُهم الذي ُ
ُ ـمـير
ٍ ( َوأج َفل ال ُفرات بنُو نُ
الزئير لألسدُ ،
والخ وار للضأن ،يقول :كانوا أسدًا قبل لقاء سيف الدولة ،فعادوا ضأنًا عند لقائه .وكنى بالزئير
والخوار في هذين النوعين خاصتان ،والخالصة دالة على عن األسد ،وبالخوار عن الضأن ،الن الزئير ُ
مخصوصها فتفهمه.
ص ْرعى به ْم من ُش ِ
رب غيره ُم ُخ ُ
مـار) ( َفهثم ِح ٌ
زق على الخابور َ
قيل معناه :اراد غيرهم ،فظنوا انه ارادهم ،ففروا وتفرقوا.
والذي عندي أن سيف الدولة أوقع ببني كعب ،فذلك معنى قوله( :من ُشرب غيرهم ُخمار) ،وخاف النميريون
ففزع هؤالء النميريين
ُ من مثل ذلك فتفرقوا ،فذلك ُخمارهم الن ُ
الخمار أقرب إلى الصحو من السكر ال ُمغرق.
اخف من موت الكعبيين.
السوار)
ُ ي ٌد لم يُدمها إال كعب وما َ
اثرت فيهم ( َبنو ٍ
اي أنك وإن نلتهم بمساءةٍ؛ فقد شرفتهم باعتمادك إياهم ،واشتغالك بهم ،كالكف التي إن أدماها السوار ،زينها
ذلك وإن آلمها.
وله ايضا:
تُربي عدا ُه ريشها بسها ِم ِه) (أيا راميًا يُصمى ُفؤاد مرام ِه
بسهم ريش ُه أجنحة عداه .عنى بالسهم :جيشه، ٍ يخاطب سيف الدولة .يقول :أيا راميًا يصيب مارامه ،فرماه
وبريش عداه :سالحهم الذ سلبهم إياه ،وكساه جيشه .وجعل سالح عداه ريشًا ،لكونه عونًا لهم .كما أن الريش
اس
عون للسهم ،وسوغ ذلك أيضا أن السالح لباس ،واللباس يُكنى عنه بالريش ،لقوله تعالى( :وريشًا ولَِب ُ
التقوى) ،وكنى بالسهم عن جيشة ،النه يقتل به عد ُوه ،كما يقتُل بالسهم.
وحسن لن يناديه بالنكرة ،النه قد أطال وصفها ،وذهب إلى أنه ليس أحد يستحق هذه الصفة إال هو .فكأن
النكرة هنا معرفة .والعدا :اسم للجمع عند سيبويه ،وليس بجمع الن ( َف ُعوال) ال يكسر على ( ِف َعل) وإنما جمع
ُو ،وأما ُعدا ٌة فجمع عادٍ .حكاه أبو زيد عن العرب .أشمت اهلل عاديك ،اي عدوك. َعد ً
(عداة) جمع ورماة .وال يكون ُورام ُ ُ
كقاض وقضاة، ٍ َ ُ َ
وما كان على (فاعل) من المعتل الالم ،فف َعلة فيه مطردة
ٍ
عدو ،الن (عدو) َفعول ،و ( َف ُعول) ال يُكسر على ( ُف َعلة) ،ولم أسمع لعا ٍد يجيء (عادٍ) عليه ،اي لم يجيء
(عدَوته) في معنى (عاديتُه) .ولن هذا عندي على النشب ،اي ذو عداوة ،ونظيره .فاعل ،ونايل ،وأشيا ُء قد َ
حكاها سيبويه وغره.
لما ُخولتُه من كالمـ ِه) ( َو َي ْج َع ُل ما ُخولتُه من َن َو َ
ال
اي إن أياديه تُنطقني بجيد وتطلعني على بالغ الشكر ،فهو سبب ما ُخولته من الكالم .فإن ذا الكالم إنما هو
منه ،ثم يجازيني بالنوال ،على ما اعاننى عليه من المقال .يُغرب المتنبي بذلك وهو كقول البحتري:
ثم يُعطى على الثناء جزاء فهو بُعطى خيرًا ويُثنى عليه
ُ
ويجعل هنا: قوله :جزاء لما ُخولته من كالم :أراد (جزاء على ما خولته) ،فأبدل الالم مكان (على) ضرورة.
ُ
جعلت الطين خزفًا. بمعنى (يُصير) فهي متعدية إلى مفعولين ،كقولك:
وله ايضا:
جعل القس ُم نفسه فيك عـدال) ُ
المنون شخصين جورًا قاسم َتك
( َ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أخذت المنون إحداهما ،وهي الصغرى ،وأبقت لك هذه األخرى.
ِ ويروى (فيه عدال) يعني بالشخصين (أختيه)
ً
تسور عليه في أهله .إال أن القسم صير نفسه عدال في ذلك الجور بأن أبقى لك
ٌ وهذه المقاسمة جور ،ألنه
الصغرى ،كقوله:الكبرى ،وسلبك ُّ
بالذهـب
ِ ُرهما المفدي ُ
دهرهما وعاش د ُّ َ
قاسمك الشخصين قد كان
ال) :عنى أنه إذا سلمت أنت فلم يأخذك ،فذلك الجور عدل ،الن ومن روى (فيك عد ً
أنفس ممن أخذ ،إال أن الجور في ذلك موجود .وإنما كان يكون العدل لومن ترك ُ
ترك الجميع موفورًا .وإنما هذا العدل على اإلضافة ،ال على اإلطالق.
سماة ثُكال)
وإن كانت ال ُم َّ للحمام ليس لها ر ٌد ( ِخ ٌ
طبة
ٌ
ِ
خطبة ال ترد ،يذهب إلى إعظامها وإنكارها ،وإن كانت اي ُحلول الحمام بهذه العقيلة ،يعني أخت سيف الدولة،
هذه الخطبة نسميها نحن ثُكال فليست كذلك في الحقيقة ،إنما هي إرادة من النور ال ُعلوي ،يجذبها ويُصيرها إلى
ُّ
ذاته.
ِر أسيرًا وبالنوال ُمـقـ ً
ال) وف من الده ( َو َكم انتشت ُّ
بالسيُ ِ
صال ختال رآه أدرك تبال) (عدها نُصرهة علية فلـمـا
اي تسورت أنت على الدهر في مظلوميه ،فككت أسيره ،وجبرت كسيره ،وأغنيت فقيره ،فأغضبته بمضادتك
ختلة ينتهزها منك ،إذ عد كل ذلك إنصافًا منه لمظلوميه ،ونُصرة عليه لمغلوبيه. إياه في افعاله .وفأرصد لك ً
فأخذ إحدى أختيك ،مكافأة لذلك وعقابًا ،فقدر أنه ادرك ذحال ،ونال تبال.
والهاء في (رآه) :عائدة إلى الدهر ،فالفاعل هنا هو المفعول؛ وال يكون مثل هذا عند سيبويه إال في األفعال
النفسانية التي في معنى الشك والعلم فرآه هنا :المتعدية إلى مفعولين .وإذا كان كذلك ،فالجملة التي هي قوله
(أدرك تبال) :في موضع المفعول الثاني .وخ ْتال :مصدر في موضع الحال ،من باب أتانا غدوًا و ُمسيا.
واالنتياش :التخلص واالنتفاض.
والضرب أغلى وأغلَى)
ُ تغلُو ُ
والطعنة الضارب الكتيبة
ُ ُو
( َوه َ
اي أن الكتيبة متمنعة ببأسها شديدة؛ فالطعنة تغلو فيها ،اي تغلو وتشتد على مريدها منها .فإذا كانت الطعنة
الواحدة غالية؛ فالضرب أغلى منها ،الن الطعن أمكن من الضرب ،إذ هو على بُعد ،والضرب على ُقرب،
وقال( :والطعنة) ثم قابلها بالضرب ،احتياجًا إلقامة الوزن .وكان أذهب له في الصنعة -لو اتزن له -أن
يقابل الطعنة بالضربة؛ والطعن بالضرب.
وله ايضا:
ُى َفغَطى جبين ُه والقذاال) ( ُكلما َرام حطها اتسع ْ
البن
بنى بنيًا :مصدر بنى إما أن يكون قد تُ ُكلم به ،وإما أن يكون على الضرورة ،الن الشاعر إذا اضطر ،كان له
يرد مصادر األفعل الثالثية غير المزيدة إلى ( َف ْع ٍل) ،وإن استُعمل في الكالم على ذلك زيادة وغير زيادة.
أن ُ
مثال ذلك ب ُعد بعدًا ،وذهب ذهبا ،وكذب كذبا،
فيُردُلاذقلاو( .سأرلا مامأ نم ):نيبجلاو( .يسرافلا ةياكح هذه .لعف ىلإ كلذ لك ّ) من ورائه.
(ابن الون) ملك الروم هدم هذه القلعة ،أوسع سيف الدولة بناءها وأطاله ،حتى امتد ظله من يقول :كلما رام ُ
أمامه ،فغطى جبينه ،ومن ورائه فغطى قذاله .اي قذال ملك الروم وجبينه.
ُ
العطاش الصالال) وافت
كما ِ مـر (وتُوافيه ُم بها في القنا ُّ
الس ِ
األرضون التي لم تُمطر بين أرضين ممطورة .واحدتها صلة ،وقيل هي األمطار المتفرقة .ويروى ُ الصالل:
ُ
(الضال) :وهي بقايا الماء ،واحدها ضلل وقيل الضلل :الماء الجاري تحت الحجر .ويقول :توافيهم بها أو
أحرص
ُ بالمنايا وهي في القنا السمر ،ببادر جيشك إليهم بالفتل كما تبتدر األنفس العطاش بقايا الماء .والعطاش
عليها ،ألنهم ال يثقون بالري ،فلم يتسابقوا.
السمر) :في موضع نصب على الحال ،اي مستقرة في القنا السمر ،وملتبسة بها ،كقولك: وقوله :في (القنا ُّ
ً
خرج زيد في ثيابه :اي البسًا لها ،مشتمال بها ،و(كما وافت) أيضًا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف ،اي
موافاة مثل موافاة العطاش .ولو قال قائل :إن (في) مع قوله( :بها) اسم على حدة (فاعل) مقلوب موضع العين
إلى الالم ،من هافت اإلبل تهاف :إذا عطشت لكان حسنًا .وهذا الباب كثير ،قد عمل سيبويه وأهل اللغة فيه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أبوابًا.
يبتدر العطاش الماء.
ُ ٌ
فكأن المعنى حينئذ أن الرماح تبتدر ُشرب دمائهم ،فكأنها عطشة إليها ،كما
الرماح َخـ َيا ً
ال) َ بصروا
الطعن في القلوب دراكًا قبل أن يُ ُ
أبصروا ْ
( ُ
اي رأوا أصحابهم مقتولين ،فشاهدوا الطعن فيهم دراكًا قبل أن يروا أشباح
الرماح.
الرماح هؤالء القتلى أن يتوقعوا قبل ذلك ،فيروها في ُ أعجلت
ِ وإن شئت قلت:
توعد من سيف الدولة ،ولكن َف ِجئهم فقتلهم. نومهم .يذهب إلى أنه يك هنالك ُّ
وقد يتوجه المعنى على أنهم أبصروا الطعن في قلوبهم دراكًا بالقرع قبل أن يروا
نفس الرماح ،كأن القرع قتلهم.
وليس قول من قال إن البيت مقلوب العجز والصدر ،الن ذلك فاحش يذهب إلى أنه
ال ،قبل أن يبصروا الطعن في القلوب دراكًا ،استدال ً
ال اراد :أصروا الرماح خيا ً
بقوله:
المنـام
ِ ويخشى أن يراه في يرى في النوم ُرمحك في ُكاله
ف َرنَا إليك فـآال) َك َ
وط ْر ٍ ْ
فـالقـت َ
تأملتـك (اي عين
هيبتك ،ولم َتتمل ،منك فتصفك وصف من لقى الموصوفُّ ،
وأي ُ اي أنك ُمتهيب ،فإذا رأتك العين تغشتها
ويهره ،فيمنع ُه إدامة النظر إليك ،وكره عليك كقوله هو فيه:
ُ طرف َرنَا إليك ،فأنكر أن شعاعك يغلبه
انكسار
ُ ففي أجسامنا عنه كأن شعاع ضوء الشمس فيه
(أي طرف) ،فاجتزأ باألول عن الثاني ،كقولهم ،أينا فعل ذلك أخراه اهلل ،أراد (أيى وأيك َفعل) .من
أرادُ :
أبيات الكتاب:
فسبق إلى المني ِة ال يراها وأيك كـان شـرا فأيي ما َ
أعجلته ُم جيا ُد ُه اإلعجاال) ( ُكلما ُ
أعجلو النذير مسيرًا
اي كلما آب إليهم المنذر بإقبال خيل سيف الدولة ُم ْعجال سبقوه ،كأن ذلك قد َوقع في روعهم قبل اإلنذار،
ُ
فخيل سيف الدولة منهم ،في إعجالها إياهم ،بمنزلتهم من النذير، تعجلُ ُهم خيل ُه عن العجلة التي تكل ُفوها للهرب
ُف ِ
في إعجالهم إياه.
فيه وتـحـمـ ُد األفـعـاال) ( ُرب أمر أتاك ال تعحم ُد ال ُفعال
هؤالء جيش من الروم ،تزلوا على (الَ َ
دث) فنذروا بعسكر سيف الدولة ،فانهزموا ،فاالنهزام محمود ،والمنهزم
غير محمود على ذلك ،ألنهم فروا وخلوا له سبيله ،اضطرارًا ال اختيارًا .والمضطر غي محمود على فعله،
وإن كان فعله في ذاته حميدًا .وهذا كقوله هو:
الجميع
َ جميعًا ،وما أعطى فولى وأعطاك ابـنـه
ل ُيحمدا وجـنـود ُه
ُ
في ُقلوب ُّ
الرما ِة عنك ( َوقسى ُرميت عـنـهـا
النصـا َ
ال) فـردت
اي رموك فأخطئوك ،ورميتهم أنت فأصبتهم.
انقـطـاعـهـا
ُ ف َكان قص ُعون بها َ
الطرق َي َ (أخذوا
إرسـا َ
ال) الرسل
ُّ
رق ،فلم يمكن اإلرسال ،استمع الناس وتطلعوا إلى عرفان األنباء ،فأحوجهم ذلك إلى إنعام اي لما قطعوا ُ
الط ٌ
الرسل ،ما كانوا يعرفون باإلرسال أو اكثر ،فكأن االنقطاع صار إرسا ً
ال حين البحث ،حتى عرفوا مع انقطاع ُ
أنتج من معرفة أخبار األعداء ،وما كان يُنجه اإلرسال.
القتال الذي َك َ
فاك القتاال) (ما مضوا لم يُقاتلوك َّ
ولكن
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
(لم يقاتلوك) :جملة في موضع الحال ،اي هؤالء -وإن لم يقاتلوك -فما مضوا غير مقاتلين لك .وذلك القتال
هو علمهم بظفرك بهم ،وعلمهم باعتيادك إبادتهم ،وهو الذي حملهم على ترك القتال ،فهو الذي كفالك القتال.
فقوله( :القتال) ،نصب بلكن ،و (الذي)؛ خبر لكن؛ اي ،ولكن القتال القديم الذي علموه منك ،هو الذي كفاك
القتال أن.
علم الثابتين ذا اإلجفاال) ُ
والثبات الذي أجادوا قديمًا (
يحل بهم ماحل بأوائلهم ،فهربوا
اي لما ثبت للهاجمين منهم فبادوا ،امتثل هؤالء خالف ذلك .خشية أن ُ
وأجفلوا ،وكانوا من ذوى النجدة والثبات.
َف َتولوا وفي الشمال شماال) الروع في النُّهير يمينًا
َ ( َب َ
سط
الر ْوع عساكر سيف الدولة في
إن شئت قلت :أتاهم الروع من أيمانهم وشماثلهم .وإن شئت قلت :ضاعف َّ
عيونهم ،ففروا ولم َيثبُتوا.
وله ايضا:
كالخصيان)
ِ يذر ال ُفحول وهُن
ُ ( َي ْق ُمصن في مثل ال ُمدى من بار ٍد
القٌماص .والنزوان ،حكى سيبويه عن العرب أفال قماص بالعير ،وقال هو مثل هذا الماء الذي ذكر المتنبي
(أرسناس) داثم البرد َمشتى ومصيفًا ،وكانت هذه الغزوة صيفية .فيقول :إن هذا الماء خصى الخيل ،وآلمها
الفحل منهن كالخصي .وقال( :من ُ البر ُد إيالم المدى ،وهي السكاكين ،حتى قلص ذلك البرد الخصى ،فعاد
باردٍ) ،فوضع الصفة موضع الموصوف ،النه قواه بالنعت ،وهي الجملة التي هي قوله( :يذر الفحول)
بح .قال سيبويه :لو قلت ما أتاني اليوم إال قوى، فصارت الصفة كاالسم ،بما هيأ لها من الوصفز ولوال ذلك لَ َق ُ
رجل قوى ،وإال ماء بارداً. وإال باردًا ،لم يكن في قوة قولك :ما أتاني اليوم إال ٌ
وتلتـقـيفـان)
ِ تتفرقان به
ِ خلص
اجتين ُم ٌ
(والماء بين َع َج ِ
وعجاجة الروم ربما جازت النهر فالتقتا ،وربما قصرتا عن يعني عجاجة اإلسالمَ ،
ذلك فتفرقتا.
كالقـيان)
ِ َوثنى األعنة وهو األميرو كاُّ ِ
للجين َح َبابُه ُ (ر َكض
(أرسناس) فاحمر،
ِ ُ
والقتل لم يقع بعد ،ثم أوقع بالروم فسالت دماؤهم في اي جاوزه أبيض بريئًا من الدم
و ُة َعثره للرجوع ،وهو من ذلك الدم أحمر كالعقيان ،وأراد :ركض األمير الخيل فحذف المفعول.
ُعقم البُ ُطون جوالك األلوان) قـوائم
ٍ بغـير
ِ ( َوحشا ُه عاد ً
ِية
السفن في هذا النهر ُمقام
يقول حشا سيف الدولة هذا النهر ُسعثا ُسودا بالقار ُعقمًا :اي ال تحمل .وإنما أقام ُّ
الخيل .وقيل( :عادية بغير قوائم) الن السفن سابحة ال ماشية .ونظير قوله( :حوالِك األلوان) قول اآلخر في
وصف سفينة:
ُ
منابت أصلها مـن كرمتُ وإلـى نـداك ركـبُـتـهـا
ـر
ـر َع ِ
َع ْ ً
زنـجـية
والسير ممـتـنـ ٌع مـن
ُ الجر ُجوع
ُّروب وفي ُّ
(وعلى الد ُ
اإلمـكـان)
ِ ٌ
غضاضة
اي :كان الذي عددنا من أحوالك ،وذكرناه من أخبارك على الدروب.
ٌ
وإن شئت قلت :وعلى الدروب لك آثار أيضًا ،إذ في الرجوع غضاضة ونقصان على الراجع ،والسير حينئذ
(السير ممتنع) ،جملتان في موضع الحال .ولو قال:
ُ ضاضة) و صعب ال يُمكن ،وقوله( :وفي الرجوع َغ َ ٌ
(والسير ممتن ٌع) ،لكان الكالم تاما ،ألنه قد ُعلم أن الممتنع غير ممكن .ولكن القافية وباقي بناء البيت أحوجاه
ُ
إلى قوله( :من اإلمكان).
ِن الحـيوان) ْ
ليست م َ فكأنها وارس يُحيى الحما ُم نُ ُفوسها
(و َف ٌ
الحمام نفوسهم ،بما يتبع موتهم في الحروب من عالي الذكر؛
من شأن الحمام أن يمين وال يُحيى ،لكن هؤالء ِ
وجميل الثناء ،بحسن البالء ،كقول أبي تمام:
من لم يُ ِّ
خل العيش هو قتيل ُ
فالقتيل لـديهـ ُم أل ُفوا المنايا
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وإن شئت قلت :يُحيى الحما ُم نفوسهم ،وهؤالء يُحبونه ويُؤثرونه؛ فكأنهم ليسوا من الحيوان ،الن الحيوان
الحمام نفوسهم.
الحمام؛ وهؤالء يحبونه ويؤثرون ُحب ِ يكرهون ِ
بالـحـرمـان)
ِ آمل ُه من عا َد ( ُحر ُموا الذي أملوا وأدرك من ُه ُم
اي الذي أملُوه من الظفر بسيف الدولة؛ وأدرك الناجي منهم بنفسه أمله الحادث له حينئذ ،ألنه لما ُحرم الظفر،
وعلم أن سيف الدولة ُمظفر به ،جعل أقصى آماله السالمة والنجاة بذاته ،فمن تهيأ له ذلك منهم ،فقد نال أمله
الحادث ،وإن كان قد حرم ذلك األول .ونحوه قول أمرئ القيس:
باإلياب
ِ َر ُ
ضيت من الغنيمة وقد طوفت في اآلفاق حتى
ومن أشعار ال َمثَل:
ربح
َجا برأس ِه فقد ْ
فمن ن َ ُ
والكباش َت ْن َت ِطح داج ُ
الليل ٍ
وله ايضا:
َ
إقدامك ماذا يزيدُك غي ( ُعقبى اليمين على ُع ْقبى َ
الوغى
ال َقسـ ُم) ند ُم
كان الدمستق أقسم على أن يلقى سيف الدولة .فلما لَق َيهم انهزمَ ،ف َندِم على قسمه ،فجعله المتنبي مث ً
ال .يقول:
إذا حلقت أن تلقى من لست قِرنا له ُموازيًا ،وال ُك ُفؤًا مساويًا ،ندمت على ما فرط منك من حلفك .ثم قال :ماذا
يزيُدك في إقدامك القس ُم؟ اي ال تقسم فإن ذلك ال يزيدك في إقدامك؛ بل ربما أعقبك الندم ،وهذا نحو قول
العرب :الصدق يُنبئ عنك ال الوعيد.
وقوله( :على ُع ْقبى) متعلقة باليمين وإن يُستعمل منه فعل .وحروف الجر إنما تتعلق باألفعال واألسماء المشتقة
بحلَف؛ كذلك تعلقت بما هو في لف؛ فكما تتعلق َ منها .لكن جاز تعلُُّقها باليميمن ،الن في اليمين معنى َ
الح ِ
معناها .والعُقبى :العاقبة.
ُ
أفواهها الق َم ُم) ٌ
ألسنة ُفهن ارم ُه إكذاب َق ِ
وله ُم ص َو ِ
( َولى َ
يبرح؛ فكان األمر بخالف ما أقسم عليه لي ُكونن ،فأعقب ما
ِبن سيف الدولة أو ال ُ كان زعيم الروم أقسم ليغل َّ
سيف الدولة صوارمه إكذاب قول هؤالء ،بإصارتهم كان من ذلك القسم ،أشد ما يكون من الندم .فيقول :ولى ُ
ٌ
ألسنة) يعني السيوف ،شبهها باألسنة في الصورة إلى الحنث ،ألنهم واق ُعوا ،لم يلبثوا أن انهزموا ،قال( :ف ُهن
والمضاء ،وجعل هامهم الملقة بها ،بمنزلة األفواه التي تكون بها األلسنة ،وجعل عمل السيوف في الهام،
بمنزلة ال ُفتياَ المرخصة لهم في الهرب.
ومما شبه فيه السيف باللسان قول الشاعر:
وسيفي مـن خـوض
الدما
الذيب أولغه َّ
ِ كأنه بكفي ُ
لسان
الـدمـاء
وما ُشبه فيه السنان باللسان أيضًا قوله:
ان الحـية الـصـادى ِس ِ
ِثل ل َ أزرق م ُ ٌ وأسـمـر فـي رأسـه
ُ
الحكـ ُم) رب أذ ُك ِت الشعري شكائمها َو َو َّس َم ْتها على آنافِها َ ( َو ُش ٌ
اي أحمى طلوع الشعري الع ُبور ،وهو أوان اشتداد الحر ،وانقطاع المطر ،شكائم
هذه الخيل الضامرة والشكائم :فئوس اللُّ ُجم ،واحدتها شكيمة وقيل :الشكائم :الح َكم،
فاستحرت الحكم حتى عادت كالمكواة ،فوسمت آناف الخيل ،كما يسمها الكاوي
بالنار.
سمنين ُبحيرتهـا تنش بالماء في أشداقها اللُّ ُج ُم) ٍ ْن ِب
(حتى َو َرد َ
اي أن الخيل شربت من بُحيرة ُسمنين .فغال ذلك الماء في أفواهها باستحرار اللجم التي في أشداقها ،كان ذلك
الحر الذي في الحديد هو الذي أحمى الماء فغلى في أفواه الخيل.
خصيب نبتُه
ٍ ترعى ُ
الظبا في (وأصبحت ب ُقرى هنـزيط
الِّ َم ُم) جـائلة
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الخصيب هنا :الها ُم ،ونبتها الشعر .والخصيب كناية عن كثرة الشعر .وإنما عنى أن هؤالء القتلى شباب لم
يصل ُعوا بعد ،وهم يكنُون عن كثرة الشعر وسواده بالخصب ،وعن ذد ذلك بال َم ْحل فمما جاء في ذلك قولُه:
رأت أقحوان الشيب فوق َخ ِطيط ٍة إذا أمطرت لم تستكن ُ
صوأبهـا
شبه رأسه حين صلع بالخطيطة ،وهي االرض التي تُمطر بين أرضين ممطورتين .وإذا لم تُمطر لم تُنبت.
صؤابها) :اي أنه ليس هنا شعر فيستتر فيه الصؤاب لو ُمطر ،وال نعلم أحدًا شبه الشيب وقال( :تستكن ُ
باألقحوان إال هذا الشاعر :قال أبو النجم في تشبيهه قلة الشعر بالجرب (أجرب الفإلى إذا الفإلى فال) كقولك:
أهيجت األرض :وج ْدتُها هائجة النبات وله نظائر كثيرة.
ُ
تحت التراب وال بارًا ل ُه قد ُم) ( َف َما تركن بها ُخلدًا ل ُه بصـر
استثارت هذه الخيل من ُمنهزمي الروم من َولَ َج بطن االرض ،وسلك األخاديد ،فصار بتخلله التراب ،بمنزلة
ُ
الخ لد وهي الفأرة العمياء ،إال أن الخلد هنا إنسان وله بصر ،إنما أخرجه بقوله( :ل ُه بصر) من نوع الخلد إلى
نوع االنسان إذهو المختبئ في التراب ،وليس يُخلد في الحقيقة ،إنما هو إنسان ،وإنما شبهه بالخلد فيما ذكرت
لك .وكذلك أنزلت منهم صقر الخيل وال ُعقاب ،فصار ً
بازا في تسنُّمه المراقب ،كتسم البوازي ،إال أن له قدمًا،
إذ ليس بباز في الحقيقة .وبقوله( :قدم) أخرجه من نوع البازي إلى اإلنسانية ،كما أخرجه من نوع ُ
الخلد
بقوله( :له بصر) وهذا االخراج مليح ،وإن كان قوله( :له بصر) و (له قدم) ،من باب الرسم المن باب الحد،
فقد أحال ،فتفهمه ،فإنه لطيف.
وال مسا ًة لها من ِشبهها حشم) (وال هزبرًا ل ُه من دِرعه لِبـ ٌد
اي:جوار مثلُها في الحسن والسن يخدُمنها .وبقوله( :من
ٍ اي :درعه له كاللبدة لألسد( ،ولها من شبهها حشم):
يدرع .وبقوله( :لها من ِشبهها حشم) عرضان ،ليسا برسمين،
ُ درعه لِبدَ) أخرجه من نوع األسد ،الن األسد ال
كالبصر والقدم الذي قبله ،الن البصر والقدم جوهران.
ُسكان ُه رم ٌم مسكونُها ُح َم ُم) (عبرت تق ُد ُم ُهم فيه وفي بل ٍد
والحمم :الفحم؛ واحدته ُحمة بالهاء .سمي بذلك لسواده .اي قتلتهم وأحرقت منازلهم؛ فلم يبق من أنفسهم إال
ُ
أعظ ُم رمم ،وهي البالية ،ولم يبق من منازلهم إال ماعاد ُحمما .فاألعظم هي الساكنة ألنها جزء من السكان،
ُ
ُ
والمسكونة هي الحمم ،ألنها جزء من المساكن.
والحمم :لفظًا ومعنى .وقوله( :سكانها رم ُم) جملة في موضع النعت لبلد.
وما أحسن ما قابل به بين الرمم ُ
وقوله( :مسكونها ُحمم) :جملة في موضع النعت لرمم .فكأنه قال :في بلد خال ُمحرق.
المجوس إلى ذا اليوم
قبل ُ النار الـتـي
(وفي أكفه ُم ُ
تضطر ُم) ُعـبـدت
سبه السيوف بالنار في صفائها والتهابها وقوة تأثيرها .وقوله( :عبدت قبل المجوس) :كالم صحيح ،الن
الحاجة إلى السيف طبيعة ،وعبادة المجوس النار شريعة ،والطبيعة أقدم من الشريعة ،وإن لم تكن هذه السيوف
المحدثة اآلن ،هي السيوف التي استعملت قبل عبادة المجوس النار ،وإنما أراد التي ُعبدت أفرادُها من
السيوف ،أو عبدت أمثالها .ومعنى عبادتها :القول بها ،واالستغاثة إليها.
وقيل :اشتمالهم بها :كاشتمال االسالم بالمصاحفن والنصارى باإلنجيل ،ونحو ذلك من أنواع الشعار اإللهي.
(عبدت قبل المجوس) ،إنما ذهب إلى أنها عتيقة قديمة. وقيل ،معنى ُ
على جحافلها من نصح ِه رث ُم) ٌ
ـقـربة (تلقى بهم َزب َد التيار ُم
يعني زوارق يحثُها سيف الدولة ألصحابه ،حتى عبروا عليها هذا النهر .والرث ُمك
والجحفل َة للفرس :كالشفة لإلنسان ،يقولُ :جزت بهم التيار على
ْ بياض الشفة العليا،
والس َميريات
هذه الزوارق .والتيار :هو الموج يقذف على مقادم هذه الزوارقُّ ،
بالزبد ،وهو أبيض ،فكأن ذلك الزبد عليها رث ٌمز ثم جعل الزوارق ُمقربة الخيل،
ألنهم كانوا يعبُرون عليها هذه األنهار بالخيل ،فأقام هو الزوارق ُمقام الخيل،
ال ُمقربة ،استجاز أن ينسب إليه فاستجاز لذلك أن يصفها بالمقربة .ولما جعلها خي ً
أعضاء الخيل وشباتها .فجعل لها حجفلة ،إنما هي الخيل ،وجعل لها رثما حين
َضخ :وقيل ما كان نضح ون َ
َ جحفلةز والنضج :مارمى به الزبد .يقال: جعل لها ْ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فعال فهو نَضح؛ بالحاء غير معجمة ،وما كان اسما فهو بالخاء معجمة .وهكذا
ُروى هذا البيت عنه.
فإن قلت :كيف قلت إن المقربة هنا زوارق ،وهو يقول عقب هذا البيت:
كما ُ
تجفل تحت الغارة النع ُم الموج عن لبات حيلهم
ُ تجفل
فأنبأ أنهم عبروا على الخيل .وقال في موضع آخر وذكر هذا العبور:
َينُشرون فيه عمائم األبطال حتى عبرن بأرسناس سوابحا
الموج
ُ فالقول عندي :أن بعضهم عبر على الخيل ،وبعضهم على زوارق .وقد يجوز أن يكون قوله( :تجفل
عن لبات خيلهم) :عنى فيه الخيل الزوارق ،على ما تقدم في البيت األول.
ومما يدلك أنه عنى الزوارق قوله بعد هذا:
مك ُد ُود ٌة وبقوم ال بها األل ُم) كاب أبطنُها
فوارسها ُر ُ
ُ (دُع ُم
فالخيل ال تُركب بطونها ،وإنما يُركب منها الظهور .وأراد المتنبي بقوله :ركاب أبطنها :أن يفصلها من أنواع
الخيلز وقوله( :بقوم ال بها األلم) :إنما الم بالقنا ال بها وإن ُكدت .وقيل األلم بالقوم العاملين فيها.
وما لها ِخلَ ٌق مِنها وال ِشـي ُم) (من الجيا ِد التي كدت العدُو بها
اي السفن مبلغة لك من عدُوك ،ما أبلغتك الخيل منهم ،فهي من الخيل بمشاركتها إياها في ذلك .لكن ال تشبهها
في حلقة وال خليقة .الخيل حيوان ،والسفن عيدان.
وسمهريتُ ُه في َو ْجهه َغ َم ُم) بخميس أنت ُغرتُ ُه
صدَمتهم ِ
(َ
انت ُغرته :اي انت أمامه ،فكنى بالغرة عن التقديم والشهرة .ولما جعل للخميس ُغرة ،فوصفه بما هو من
شيات الخيل ،استجاز أن يصف بال َغ َمم ،وهو كثرة شعر الناصية .فجعل الرماح المشرعة في وجهه بمنزلة
الشعر الكثير .وجعل الغمم وهو عرض ،خبرًا عن السمهرية ،وهي جوهر تجوزًا وكأنه أراد ،وتكاثفإل
السمهرية في وجهه غ ٌم .لكنه حذغ المضاف ،وأقام المضاف إليه مقامه .ونظيره قوله تعالىَ (:ولَك َّ
ِن ال ِب َّر من
آ َم َن باهللِ) اراد :ولكن (ذا البر من آمن باهلل) ،ولُيقابل الجوهر بالجوهر ،والعرض بالعرض .ولذلك اعتقد
النحويون الحذف في مثل هذا.
ْ
لوارت شخصه الخ ُم) شجر لو زال عن ُه
ار ُه من ٍ ُ
الغيث َما َو َ (فال سقى
يعني ماوارى ابن ُش َمشقِبق من الشجر ،وذلك أن الشجر حال بينه وبين ال ُمتبعين ،فأنت .فدعا المتنبي على هذا
الشجر أال يسقيه الغيث حين وارى هذا المنهزم ،فكان ذلك سبب نجاته( .لو زال عنه) :اي لو زال هذا الشجر
عنه ،فلم يوارهم لقتل ،فتجمعت الرخ ُم عليه تواريه بُشخوصها.
وقيل :لو رأته ألكلته فيتوارى في أجوافها .ويروى :لوارى شخصه الرجم بالجيم وهو القبر ،واألول أسبق،
وصفت العرب قتالها.ألن القتيل في المعترك ،إلى أن تأكله الطير والسباع أقرب منه إلى أن يقبر ،وبذلك َ
كقول عنترة:
ما بين ُقلة ِ
رأسه والمعصم َف َتركته َج َز َر السباع بنشنـه
وقال:
قشعم
ِ ونسر
ٍ جزرًا لخامع ٍة ُ
تركت أباهما إن يفعال فلقد
وقال آخر:
عليه القشعمان من النسور ُ
تركت أباك قد أطلى ومالت
وله ايضا:
(فارقت ُكم فإذا ما كان عـنـدكـ ُم قبل الفراق أدى بعد الفراق ي ُد)
أعان قلبي علىالشوق الذي ُ
تذكرت ما بينـي (إذا
أج ُد) وبـينـ ُكـ ُم
هدان البيتان يخاطب بهما سيف الدولة ،بعد فراقه إباه ،وهما يخرجان على ذم
سيف الدولة وعلى حمده.
فأما خروجهما على ذمه ،فمعناه :أتى تأذيت بمجاورتكم ،فبعثى ذلك على فراقكم،
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وتبدلت باألذى راحة .فصار ذلك األذى الذي كان ُ
قبل ُ الدهر حيرًا منكم،
ُ فعاضني
يدًا عندى اآلن .إذا كان سبب تنقلى عنكم ،وارتيادي ما أحمدته حين وحدته.
وقوله( :إذا تذكرت ما بيني وبينكم) يعني من الحال ،وهو األذى الذي عدا منهم
إليه .هاج شوقي فأعلن قلبي على ما يجده من ألم التوحش.
وقد يجوز أن يعني بقوله( :إذا تذكرت ما بيني وبينكم) ،ما بينهما من تفاوت
للسلو.
المنتزلتين ،كان ذلك سببًا ُّ
وأما خروجهما على حمده ،فمعناه :شكوتكم بل أن أختبر غيركم فلما جريت من
ُ
علمت أن ما شكوته منكم كان بالحمد أولى. سواكم،
منصف له .وإنما حمده باإلضافة إلى
ٍ ثم أعلم أن سيف الدولة مع ذلك كان غير
غيره ،فقال :إذا تذكرت ما بيني وبينكم من قلة إنصافكم لي ،سالبي ذلك عنكم.
وله ايضا:
الـكـذب)
ِ ُ
فزعت بآمالي إلى ( َط َوى الجزيرة حتى جاءني ٌ
خبر
وأطعمت نفسي أن يكون ،كذبًا ،تُعاال بضلك الن االنسان كثيرًا ما يميل إلى تصديق ما يوافقه
ُ اي عظم عندي،
من االخبار ،وتكذيب ماال يوافقه منها ،لما ُوضعت عليه النفس من ُمنافرة المحذور ،ومالءمته ما يجنيها ثمرة
الحبُور ،كقول الشاعر:
ُ
وكاذبُتها حتى أبان ِك َذا ًبها َوعلت نفسي بالمرجم ً
غيبة
بر) مرفوع على مذهب البصريين (بجاءني) ألنهم إنما يُعملُون أقرب الفعلين ،وال بد أبان ،اي استبانَ .
(وخ ٌ
على هذا من إضمار الفاعل في (ط َوى) على شريط التفسير ،وإن كان إضمارًا مالم يتقدم له ُمظهر.
جنب على ِح َدةٍ ،تُجنب أقبحمها ،وأوثر الثاني .أال ترى أنهم ومن ُحكم العربية ،إذا َو َرد أمران كالهُما َم َت ٌ
يكرهون توإلى إعاللين؟ وقد أخذ الخليل بهما في جاء ونحوه ،حين أبدل وقلب فاحتملهما كراهية ما هو أشد
منهما ،وهو اجتماع الهمزتين في كملة واحدة ،فتفهمه.
فاعل (بطوى) ألنهم يُعملون أسبق الفعلين .فالبد على هذا من وإما على مذهب الكوفيين فيرفع (خبر) على أنه ٌ
خبر حتى جاءني. اإلضمار في جاءني ،اي طوى الجزيرة ٌ
بر) على ذلك القول ،موصوفة بالجملة التي والقول األول عندى أحسن في هذا البيت ،لن النكرة التي هي َ
(خ ٌ
هي ( َف ِز ْع ُت فيه بآمإلى) .إال أن فيه ما قدر أريتُك من اإلضمار في االول ،على شريطة التفسير .وعلى هذا
ِب) :أراد إلى اعتقاد الكذب ،كائنًا في هذا الخبر. القول الثاني ،ليس للنكرة وصف .وقوله( :إلى ال َكذ ِ
ويجوز أن يريد إلى التكيب ،فوضع ال َكذب موضع التكذيب ،كقوله:
الرتاَعا)
(و َبعد َعطائك المائة ِّ
النسب) ً
كناية بهما عن أرفع أب
أخ يا بنت خير ٍ
ِ (يا أخت خير ٍ
اي أخوتك من سيف الدولة ،وأبوتك وبنُوتك من أبى الهيجاء( ،كناية) عن أرفع األحساب؛ الن من كانت لهذا
الملك أختًا؛ ولهذا األمير بنتًا؛ فقد نصع نسبهُ( .فكناية) على نُصب على المصدر ،اي أكنى بهذين السببين عن
أرفع نسبين.
للعرب)
ِ سماك
ِ صفك فقد
ومن َي ِ ً
ـؤبـنة ( ُّ
أجل قدرك أن تُسمى ُم
العرب أني
ُ ُ
فأعدل عن اإلفصاع برسمك ،فإذا وصفتك ور َثيتُكَ ،علِ َم َت اي إني أكر ُمك عن اإليضاح ال سمك،
َعنَيتُك ،فأغناني ُحسن التخلية ،عما ال يحسن من التسمية.
ومؤبنة :نصب على الحال والتأبين :للثناء على الهالك.
ُ
يشرق َش ِر ُ
قت بالدمع حتى كاد صد ُقـه
َع لي ِ
(حتى إذا لم َيد ْ
بي) أمـ ً
ال
فعدت جوهرًا سيا ً
ال ،حتى كاد الدمع يشرق بي ،لذوبي ُ بكيت حتى شرقت بالدمعُ ،
وذ ُ
بت من حرارة الوجد، اي ُ
ولُ ِ
طفي.
واليلب)
ِ البيض
ِ وحسر ٌة في ُقلوب
َ الطيب مفر ُقهـا
ِ (مسر ٌة في ُق ِ
وب
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
يحس ُد الطيب ،النه ال يصل منها حيث
ُسر بمفرقها ،والسالح ُ
تتطيب وال تلبس السالح .فالطيب ي ُّ
ُ اي أنها امرأ ٌة
يصل الطيب. ُ
وقال( :في قلوب الطيب) :ذهابًا إلى أنواعه .ولو ذهب إلى الجنس أو الشخص لقال في فؤاد الطيب :وحمله
على اختيار ذلك قولهُ( :في قلوب البيض) ليقابل جمعًا بجمع ،ولو قال :في فؤاد الطيب ثم قال .في قلوب
البيض ساءت الصناعة؛ وكل واسع.
وله ايضا:
حيث النُّ ُح ُ
ول) والشوق ُ
ُ ِق إليها الشو
ألم ْ ُ
اشتكيت من ِ (تشتكي ما
اي أنها تشكو إلى ملقًا؛ وأشكو إليها ُحرقًا ،ثم أقام على تملقها وتخلُّقها بُرهانًا
حيث النُّحول) اي النحول عندي؛ وهو نتيجة الشوق؛ فلو كلن (الشوق ُ
ُ عيانياًّ؛ فقال:
شوق كما بي؛ لكان بها من النحول ما بي؛ وال نحول لديها فال شوق بها. بها ٌ
(مـــــــن
الحمول) اي من رأى ُ ُ
كما تشوق ُ رآهـــــــا
ِبـــــــعـــــــيت الدنيا بعينه؛ اي بالحقيقة التي هي
بها؛ شاقه الباقون فيها ،لعلمها ـــــــ ِه
شـــــــــــاقـــ أنهم طاعنون ،كما يشوقه
الذاهبون عنها ،فالٌطان ــــــــــــ َه
الـــــــــــــــ ُق والراحلُون عنها سواء ،في أنه
ـــــــــــــــط ينبغي أن يشوقه النوعان ،لعلمه
ـــــــــــــــا باشتمال الفناء على الفريقين.
ُن
بالحمول (الح ُ
مول) :أراد كما يشوقه المتحملون ،فوضع (الحمول) ،موضعها .وإن شئت قلت :عنى ُ وقولهُ :
هنا .أسرة الموتى.
ُ
التبديل) عا ُد ِ
اللون عندها (صحبتني على ال َفال ِة َفتا ٌة
كنى بالفتاة عن الشمس ،وآثر التأنيث العرب أسماءها ،ولذلك سموها (الجارية) عن الفارسي .و(عاد ُة اللون
عندها التبديل) :اي أنها حمراء وقتا ،وبيضاء وقتا ،وصفراء آخر .فعادة لونها التبديل في ذاته .فكان يجب
على هذا -لوال الوزن والقافية -أن يقول :التبدُّل ،لكن وضع التبديل موضعه اتساعًا.
وإن شئت قلت :التبديل لها لونًا بعد لون.
بك فيها من الل َمى َتق ِب ُ
يل) ِ ولكن ُ
الحجال عنها ْ سترتك
ِ (
وح َجل جمع َح َجلة .يقول: الحجال :األشرة عليها ُ
الكلل خاضة .واحدتها حجلة .وقد يكون حجال جمع َح َجلَ .
الحجال عنها .ولم تمش في البراز ،فتُورثك ُسمرة كما أورثتني ،لكن
تك ِ فستر ِ
َ أدُمت أنا بهذه الشمس ،وأما انت
ُسمرة شفتيك ُسمرة طبيعة ،فكأن الشمس قبلتك ،فألقت في شفتيك ُسمرة ،وهو اللمى( .وفيها) الهاء راجعة
عليك ،ووصلت إليكَ ،وقبلتك ،وأكسبت اللمى شفتيك.
الرح ُ
يل) المكان ٍ
َ َب وال يُ ُ
مكن مكان وإن َطـا
(ال أقمنا على ٍ
(حلَ َب) بمكان ،وان طاب ذلك المكان ،إال لو أمكن ذلك المكان أن يرحل معنا ،فأما وال يمكنه
اي ال تُقيم دوب َ
ذلك ،فال إقامة لنا عليه ولو طاب والماضي هنا الذي هو (ال أقمنا) في معنى الحال أو االستقبال.
وزادت أبها ُكما ال ُعط ُب ُ
ول) وأشقمت
ِ (مثُلها ِ
انت لوحتني
ال ،ولو قال( :مثلها أنت) جاز أن يكون مثلها بها في الحسن ،وأن يكون مثلها بها في يقول :أنت مثلُها فع ً
اإلساءة اليه ،فأراد هو أن يُبين ما أشبهت فيه هذه المرأة الشمس ،فقال :مبينا للمشابهة( ،لو حتني وأسقمت):
اي الشمس لو حتني وغيرتني ،وأنت أسقمتني .واإلسقام أشد من التلويح .فلهذا قال( :وزادت أبها ُكما
ال ُعطبُول) يعني هذه المحبوبة .وال ُعطبول :الطويلة ال ُعنُق.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
نع ٌم غير ُه ُم بها مقتُ ُ
ول) وال تُحييه ُم من َيديه
( َو َم ٍ
(موال) :يعني أولياء وأقاربه ،يقتل أعداءه ،فيغنم أموالهم ،فيعطيها أولياءه ،فيحييهم بذلك .وقوله( :بها مقتول):
أي بسلبهم إياها ،أو مقتول من أجلها.
فيقدروا بذلك على قتل أعدائه.
ُ وقد يجوز أن يحييهم بهذا المغنم،
وله ايضا:
ينصرني قلبُه والحسب)
َو ُ ينص ُرهم سم ُع ُه
(وقد كان ُ
يشون به إلى سيف الدولة ،كان ينصرهم سمعه النه لم ُ
يك يطيق سد أذنيه عن سماع يعني هؤالء الوشاة الذين ُ
كالمهم ،وينصرني قلبه بحبه لي ،وتكذيبه إياهم سرا .والنصر بالفؤاد أنفع من النصر بالسمع .وجعل حسبه
ناصرًا له ايضاَ ،الن شرفه حمله على الثبات ،وإلغاء ما يورده عنه حسادُه.
الذهب)
ْ أنت
لت للشمس ِ اللـجـين وما ُق ُ
ُ (وما ُق ُ
لت للبدر أنت
البدر لو يُشبه باللجين،
بخست مناقبك حقها .كما يُنتقص ُ ُ اي اني لم أتنقصك ،وال
مثر ،وجعل اللجين المبدر ،لكون أو الشمس لو ُشبهت بالذهب .وإنما ضرب ذلك ً
أن أهل الكيمياء من الطبيعيين يقولون إنه من أكون القمر ،وجعل الذهب الذهب
المشمس ،الن أولئك يزعمونه من أكوان الشمس.
وقيل :هذا البيت تعريض بشعراء سيف الدولة.
يقول :كل واحد منهم يمدحك ،يريدون ما تستحقه من المدح ،ثم ينقلب المدح ذما.
فكأنه يقول للبدر يافضة ،والمشمس ياذهب ،فيُحط بذلك قدرهما؛ ويهبط به
فيت مدحك َخ َطرهما .وأنا لم أقتصر على هذه الرتبة ،وال قنعت لك بها ،بل َو ُ
على.
ماقصروا هم عنه؛ قسبيل الغضب أن يكون عليهم ال َّ
واللُّجين من األسماء التي لم تستعمل إال مصغرة؛ وقد عمل سيبويه فيه بُويبًا.
فأكثر ُغدرانها ما نضب) أمـطـار ُه
ُ (فإن فارقتني
المطر :ذو مادة :والغدير ال مادة له؛ إنما هو القطعة من الماء؛ يغادرها السيل ،اي
يتركها؛ فجعل عطاياه أمطارًا ،لكونها ذات مادة؛ وجعل ما حصل عنده من عطايا
-وقد انقطع جوده عنه بفراقه له -بمنزلة ال ُغدران التي ال مادة لها .فيقول :إن
جوائز ،فقد جمعت من سوالقها وعوارفها مالم ُ رحلت عنه وانقطعت عني ُ ُ
كنت
ينفذ أكثرها بعد.
لب)
ص ْوعندهما أنه قد ُ بدان
( َو َي ْستنصران الذي ي ُع ِ
يسفه النصارى ،ويستضعف أخالقهم حين يتنصرون بالمسيح عليه السالم وهم يعتقدونه ميتًا مصلوبًا ،ولم
ينصر نفسه حينئذ.
وله ايضا:
سب المنَا َيا أن ي ُكن
وح ُ
الموت شافيا َ
َ (كفى بك داء أن نرى
أمـانـيا)
ٌ
داخلة على الفرق بين الباء التي في (بك) وبين التي في قوله تعالى( :وك َفى باهللِ شهيدًا) أن الباء في كفى باهلل
الفاعل .وفي بك داخلة على المفعول ،اي كفاك داء .ويجوز أن يكون كفى بدائك داء ،فحذف المضاف ،وأقام
المضاف إليه ُمقامه ،وداء في كل ذلك نصب على التميز .ومعنى البيت:كفى بما تلقاه من شدة الزمن ،وتناهي
المكروه ،حتى أدى لك إلى تمني الموت ،واعتدادك به شافيًا يعظم بذلك مثونة ما يلقاه .ومن ال َع َجشب أن
ُ
تجعل المنية من أجلها أمنية. يُالقي اإلنسان بلية،
صديقًا فأعيا أو عدوا ُمدايا) (تمنيتها لما َت َمنيت أن تـرى
اي تمنيت المنية حين تمنيت صديقًا مصافيًا ،أو عدوًا مداريًا ،فكالهما أعوزك وأعياك .فأما تمنيه الصديق
فسجية مألوفة ،وأمنية معروفة؛ ألنه ريحانة الفؤاد ،وإنما هو الصديق المخلص الوداد.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
واما تمنيه العدو المداجيا ،فهو الخطب العجيب ،والخبر الغريب ،ألنل ال نعلم أن أحدًا تمنة لقاء عدُو ،ولكنه
قدرة،
حة اليه ،وعينه طامحة عليه ،فنَدر بذلك ُ إنما عرض بأنه فقد العزة ،ولم يُؤت ما كانت همته له ال َم ً
وهان على عدوه َخ َط ُره؛ فجاهر بمداجاته ،ولم يتكلف مداراته ،تهاونًا منه به ،ولو كان على عدوه قديرًا ،أو
في نفسه خطيرًا ،لتكلف له المداجاة ،وبين أنه إنما يُالينُك عدوك ويداجيك ،إذا رآك بحال يحذر بها منك.
يقول :أنا ال صديق يُصفني ،وال عدو يداجيني ،فأية مألربة لي في الحياة؟ بل أحب إلى منها لقاء الوفاء.
وقد كان غدارًا ف ُكن أنت وافيا) (حببتُك قلبي ُحبـك مـن نـأي
(من نأى) :يقول لسيف الدولة .يقول لقلبه :أنا أحببتك قبل حبك لهذا النائي ،وصحبتك قبل إياه فعليك أن تبقى
لي؛ وتسلو عن هذا الغادر الذي يستعمل الوفاء لي؛ فإنك لم تفعل فقد عذرتني بحبك هذا الذي غدرني؛ ولو
أسعده الوزن بأن يقول :وقد كان غادرًا؛ ليُطابق قوله وافيًا؛ لكنا أذهب في الصناعة ،وأدل على االستطاعة.
ال من الكاف؛ الن المخاطب ال يبدل منه كما ال يبدلوقلبي :نداء مضاف؛ اي ياقلبي .وال يجوز أن يكون بد ً
التباسهما ،فقد أغنى ذلك عن اإلبدال منهما إذ
ُ من المخبر عن نفسه الن المخاطب والمخبر عن نفسه قد أمن
البدل إنما هو البيان.
قال سيبويه :فإن قلت :بي المسكين كان األمر ،أو بك المسكين مررت ،لم يجز .ثم احتج بمثل هذا الذي
ذكرت لك.
َت َق َ
شن به صدر البُزا ِة حوافيا) وافت الصفا
(تماشي بأيد كلما ِ
تماشي؛ يعني الخيل ،اي تتماشى بأيد قد سقطت نعالها من السفر .وما في الطريق من الحصى والمدر ،لكن
حوافرها شداد حداد .إذا وافت الصفا -وهي أصلب ما تكون من مواطن الحجر -نقشت فيها أمثال صدور
اليزاة لشدتها .وصدر :مفرد موضوع موضع الجمع ،النه مضاف إلى جمع .وهو كثير فلي النظم ومنثور
ونهر) اراد؛ وأنهار .الن مياه الجنة أنهار ال نهر واحد .أال تراه
ْ (إن ال ُمتَّقين في َجنٍتاّ
الكالم .كقوله تعالىَّ :
آسن) إلى آخر اآلية.
أنهار من ماء غير ٍُ األنهار) وقال( :فيها
ُ ً
يقول كثيرا في وصف الجنة( :ت ْجري من َت ْحتِها
واما في الشعر فقوله:
في حلق ُك ْم عظ ٌم وقد شجينا التنُكروا القتلى وقد ُسبينـاَ
(صدر البُزاة) اراد؛ جمع (أصدر) وهو العظيم الصدر .وال يعجبني .إن الحافر إنما يصونورواه بعضهمُ :
صدر البازي -لو صور -ال جملة البازي كلها .والصفا :جمع واحدته( :صفاة) ،وألفه منقلبة عن واو،
لقولهم :الصفوان والصفواء.
القلب في الجسم
ويسير ُ
ُ به السرج
ِ يسير الجس ُم في
بغزم ُ
( ٍ
ماشيا) راكبًا
اي أن الجسم -وإن سار راكبًا -فإن القلب يسير فيه ماشيًا لتوقره فإنه ال ُيعفه
مشي الراحلة والفرس ،جريًاَ إلى إدراك مرغوبه ،والظفر بطلوبه.
وخلت بياضًا خلفها ومآقيا) (فجاءت بنا إنسان عن زمان ِه
أشرف ما في العين إنسانها ،الن حسن النظر إنما هو به .وكذلك كافور لزمانه .ماإلنسان للعينز اي أنه
غيره لعين درهم كالبياض والمآقي .وحسن ذلك أن عامر في عصرهز وإنما الملوك ُ ٍ أشرف بني دهره .وأعلى
كافورًا أسود ،فقد شاكل سواد العين ،وغيره من الملوك الذين خلفهم المتنبي وراءه بيض ،فقد شاكل البياض
والمآقي ،وهذا وإن كان قد أجاد في مدح كافور ،فقد عرض بسواه .وقلما مر له فيه غريب بيت :إال قد جمع
مدحًا وتعريضًا؛ ولذلك قال فيه بعد صده عنه:
الرقي
ن بين القريض ُّ وشعر مدحت به ال َكر َك َد
ِ
ولو قال هذا البيت في رجل أبيض ،أعنى (فجاءت بنا) ،ولكن مدحا ال يجارى ،وتعريضًا ال يُبارى ،وإنما
نقص عن غاية المدح ،لتعريضه بسواده ولكن هذا البيت في األسود أشد تحققًا منه في األبيض النه في األسود
يحوي الطبيعة واللون ،وفي األبيض ينفرد بما ُطبع دون اللون .فتفهمه.
وج ُ
بت هجيرًا يترك الماء ُ والشناخيب
َ ( ُ
لقيت المرورى
صاديا) دُونـه
بالغ في صفة حر الهجير ،بتركه الماء صاديًا ،الن الماء ال يصدى بل هو ُمزيل للصدى ولو قيل إن إصداءه
للماء ،إيباس ُه له ،وتنضيبه إياه ،الن الصديان ذابل عما عليه الريان ،من النضارة والغضارة ،لكان وجها.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فإنك تُعطي في َ
نداك المعالياَ) (إذا َكسب ُ
الناس المعالي بالندى
المعالي على ضربين :طبيعي ،و ُم قتنى .فأما الطبيعي فالفضائل النفسانية :كالشجاعة والكرم والفهم والعفة،
ُوهب
وهذا ال يمكن أن يُوهب البتة ،لقوله هو فيه :ولو جاز أن يح ُووا ُعالك وهبتها ولكن من األشياء ماليس ي ُ
يعني الخصال الذاتية ،وخالل الفضل النفسانية.
وأما ال ُمقتنى فنحو المال والجاه والثروة ،فإن هذا اإلمكان أن يُوهب .يقول له :إذا كان قصارى أفاضل الناس
اكتساب المعالي بالندى ،فإنك أنت تعطي المعالي في نداكُ ،فتولى البالد ،وتكسب األجناد.
وإن شئت قلت :إن عطايك تُ ُ
شرف ال ُمعطين ،فتفضى بهم إلى المعالي ،وما كان سببًا للمعالة فهو معالة.
وقد ينقلب هذا المعنى على ما قدمناه ،كأنه يريد؛ إنك ال تحسن المعالي إذ ال مادة لك تربيها وتُنميها بصنعة
جوهرك ،ورداءة عنصرك ،حتى إذا ُهيئ لك منها شيء ،وقاربت ملكه واالشتمال عليه ،انصرفت عنه،
وسلمته إلى غيرك.
فسي ُفك في كف تُ ُ
زيل التساويا) ْ
سؤت بين سيفي كريه ٍة (إذا النه ُد
ال ،واستجادة ُعنصر ،فإن السيف الذي يقع منهما بكفك، اي إذا سوي أهل الهند بين سيفين ،طبعًا ،وصق ً
ُّ ُّ
فتضرب به ،يكون أمضى من صاحبه الذي تضرب به كف غيرك ،الن كفك أقوى األ كف ،فقد أزالت كفك ُ
التساوي بين السيفين اللذين سوت الهند بينهما.
وقال (في كف) ،فأ فاد ،وإن كان نكرة النه قد ُعلم أنه ال يعني من األكف إال كفة ،كقولك مررت برجل حسن
وج ُهه( .والكريهة) الشدة المكروهة .وهذا البيت نحو قوله فيه ايضاً:
َت َب َ
ينت أن السيف بالكف إذا ضربت كفاك بالسيف في
يضـرب
ُ الوغى
وقال ايضا:
ُحمر الحلي والمطايا الجآذر فـي زي
ُ (من
والج َ
البيب) األعـاريب
ِ
والحمر ِة
ألحقهن بنوع الجآذر ،وحق ذلك إغرابًا ومبالغة ،وتجوز بكونهم أعاريب ،فغزاهم إلى زيهم ال إليهمٌ ،
واألينق ُحمر األلون ،فخصهم بها من بين سائره.
ِ في الحلي ،واللباس،
بقـر تجزي ُد ُموعي مس ُكوبًا بس ُك ِ
وب) ٌ (التجزني بضني بي بعدها
بكيت ،فسكين من الدمع مثل ما سكبت يعني بالبقر :احبابه .يقولَ :ب َكين كما ُ
مكافأة ،فإذا َج َزينني بُبكائي ،فال جزينني بضناي ونحولي ،اي الضنين كما
ضنيت ،يدعو لهن ،فهذا األسبق واألليق.
وإن شئت قلت :إن ُحبهن فد أضى جسدي ،وأقنى جسدي ،وأسقم وأهرم ،فلم يبق
في موضع لحبهن إياي .فإذا كان ذلك ،لم تضن النساء عشقًا ،وإن نظرن إلي
فبكين ،فإنما يبكين رحمة لي ال عشقًا ،فيكون لفظه على هذا لفظ الدعاء ،ومعناه
الخبر .كأنه قال في المعنى :لس يجزينني.
وقوله ( ًتجزي دموعي مسكوبًا بسكوب) :جملة في موضع الصفة لبقر .والهاء في
بعدها عندي :للحالة أو المسرة .وقد يكون راجعًا إلى النساء .واستجاز أن يقول:
(بعدها) .وإن عنى النساء ،وهو من النوع الناطق ،ألنهن قد سماهن َب َق َرا ،والبقر
وغيرها من األنواع غير الناطقة ،يُخبر عنها كما يخبر عن الواحد المؤنث .تقول:
الجمال رأيتها ،والجبال علوتها ،ولو سوغع الوزن أن يقولَ ( :بعد ُهن) كان أذهب
في الحقيقة ،ألنهن لسن جآذر ،وإنما هن نسوة.
يب)تنجو بتج ِب ِ
مما اراد وال ُ تنجو بتقدم ٍة
(أو حاربته فما ُ
اي هذه األعداء إن حاربته لم ينجها منه إعداد ُعدة يُقدمون النظر فيها ،كتشييد ُسور ،وحفر أخدود ،واستظهار
بُحشود .وكذلك ال تنجو منه بما يؤخرونه من االحتيال للهرب ،وإعداد الحيل المنجية .ومن القتل والحرب.
وإن شئت ُقلت :ما تنجو بتقدمتها نفوسها إليه ،وال بتجبيبها عنه .والتجبيب :الهرب والنُّكوص.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ولو قات :إن التقدمة هنا بمعنى التقدم ،ليقابل التجبيب ،ألن التقدم غير متعد ،كما أن التجبيب كذلك ،لكان
حسنًا ،كقول قَطَري:
لنفسي حياة مثل ْ
أن أتقدما ُ
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
ووضع المصدر مكان مصدر آخر كثير ،قد عمل سيبويه وغيره من أهل اللغة فيه أبوابًا.
ولو علمنا أن العرب قالت :قدم في معنى تقدم ،كقولهم :بين األمر ،اي تبين ،ألغينا االحتالل له ،لكن مثل هذا
ال يضبط إال سماعاً.
غربيب)
ِ ذا مثله في أحم النقع جيش يُجد لُـه
وع بذي ٍ
ير ُ
(بلى ُ
اي أنه ال يقصد استمداد األموال من الملوك وال السوقة .وإنما قصده تروي ُع الملوك بالقتل ،فإذا صرع َملِكًا ذا
جيش فجدله ،روع به آخر لم يُجدله بعدُ .وقولُه( :ذا مثلهِ) :أقام فيه الصفة مقام الموصوف ،اي ذا جيش مثلهِ.
وحسن حذف هنا وإقامة الصفة مقامه ألمرين :أحدهما أن مثل مضافة ،فشاكلت بذلك األسماء ،الن افضافة ُ
وع بذي ير ُ
إنما هي االسم .واآلخر أن لفظ الموصوف المحذوف ،وهو الجيش ،قد تقدم ُمظهرًا في قوله( :بلى ُ
جيش يُجدله) .وقوله( :في أحم النقع .والغربيب :األسود.
وله ايضا:
يجتمعن َو ُّ
صد ُه) َ فكيف ِب ِحب (يُباعدن حبا يجتمعن َو َوصلُ ُه
عنى بالحب هاهنا :الشيب ،النه محبوب على ال ُكره ،وبإضافته إلى الموت فيقول :األيام ُم ُ
شاكلة بالطبيعة
هم ،كما أنهن هم .فكان القياس أال تباعده لمكان المشاكة ،وإنما مباعدتها بالموت ،الذي هو
الشيب .الن الشيب ٌّ
أشد كربًا،وأجل خطبا ،فإذا باعدت الشيب اآلن وهي مجتمعة معه ،فكيف أطلب منها حبا قد اجتمعت هي
الحب؟ ويعني بالحب هاهنا :الشباب .يعاتب نفسه على مطالبة األيام برد العجيب الذي فات ،وهي ُّ
وضد ذلك ِ
ال تبقى له األقل الذي بقي .أال تراه يقول:
فما َطلَبي منها حبيبًا ُّ
ترد ُه أبى ُخلُق الدنيا حبيبًا تُدِيم ُه
اي الدنيا ال ُتديم لي حياتي ،وهي معي إلى اآلن ،فكيف أطلب منها شبابي وقد ذهب.
وإن شئت قلت في البيت األول :إنه اراد :يُباعدن حبيبًا هو اآلن معي .وأصل لي ،اي هذا من قوتها وفعلها،
حتجز مني ،نازح عني؟ وعطف وله وصده أعنى أنها تُباعد الحبيب الواصل ،فكيف لي منها بإدناء حبيب ُم ٍ
على المضمر في (يجتمعن) اضطرارًا ،كقوله:
كنعاج الفال تعس ْفن رمال هر تهادي قلت إذ أقبلت ُ
وز ٌ
ولو كان الروى منصوبًا ،لكان (وصدّه) هو األجود ،على المفعول معه ،ولو أسعده الوزن بتأكيد الضمير فقال
(هي) لكان الرفع ال ضرورة فيه ،ولو انه أكد وكان الروى منصوبًا ،لكان النصب حسنًا.
ولما ذكر سيبويه وجه النصب في قوله( :ما فعلت وأبك) قل :إنما فعل ذلك ،النك لو قلت :افعل وأخوك ،كان
قبيحًا ،حتى تقول إقعد انت واخوك ،قال :فإذا قلت :ما فعلت أنت وأباك؟ فأنت بالخيار :إن شئت حملته على
المعنى األول (يعني الرفع على العطف) .وإن شئت حملته على المعنى الثاني( ،يعني النصب على المفعول
معه) .وجعل األيام مجتمعة بالوصل والصد ،ألنهما عرضان ،وظروف الزمان مشتملة على جميع األعراض
كاشتمال األمكنة على الجواهر .هذا معنى االجتماع ،فتفهمه.
وق ْد َر َحلُو جي ٌد تنا َث َر عق ُد ُه) (بوا ٍد به ما بالُقلوب كـأنـه
اي أنهم كانوا لهذا الوادي كالعقد للجيد ،فلما رحلوا توحش ،وعطل كما يعطل
الجيد إذا تناثر عقدهز وقوله( :به ما بالقلوب) ،اي من األسف عليهم ،والحنين
إليهم( ،وقد رحلوا) :جملة في موضع الحال ،اي في حال رحيلهم عنه .وكأنه قال:
مرجو ً
ال عنه جي ٌد هذه صفته .وال بد من تقدير (عنه) إذ ال بد للحال من ضمير ُ
يعود إليه من الحال.
ويأتي فيدري أن ذلك ُجهدُه) دارك ً
غاية يأت ِ (يُخلفث من لم ِ
اي انت أرفع المقصودين .فمن قصد غيرك ،فقد ترك مقصودًا فوق مقصوده ،وهو أنت .فإذا قصدك تبين
مورود فوقك .وقوله( :ذلك جهده) :اي أقصى
وتيقن أنه قد بلغ أقصى الغايات ،إذ ال مقصود وراءك ،وال ُ
غاياته ،وأبعد نهاياته .وحينئذ تقر عين القاصد ،النه ال يُعنف على ترك الجرى إلى أقصى ما يمكنه من ذلك،
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
إذ ليس يمكنه تجاوزه.
وله ايضا:
َ
األمالك فاختر ل ُهم بنا حديثًا وقد َح ُ
كمت رأيكم فاحك ُم) (قد اُخترتُك
األمالك ،فحذف وأوصل الفعل ،ومثلُه كثير ،إال أنه ممنوع اليقاس عليه .وقد صرح بذلك سيبويه،
ِ اي من
واألمالك :يجوز أن يكون جمع َملك و َملَك ومليك ،اي قد اخترتك من جميع األمالك ،ورجوتك لهمتي
ً
حديثل :اي اجعل الصنيعة في ،فإنك إذا فعلت ذلك تُ ُحدث عنك باإلحسان ،وتُ ُحدث ومطلبي ،فاختر لهم بنا
ُ
سلمت إلليك ،فافعل ما تشاء ،فإن طبيعتك ال تحملك عني بأني استأهلت ذلك عندك ،وقد حكمت رأيك ،اي
على ضد الجميل.
وله ايضا:
ُ
والوصل وأعجب من ذا الهجر
ُ ُ
والشـوق (أغالُب فيك الشوق
أعجب)
ُ أغـلـب
ُ
اي والشوق أغلب مني ،فحذف للعلم بما يعنى ،كقولنا :اهلل أكبر من اي شيء فحذف ،أنشد سيبويه:
َم ُ
ررت على وادي السباع وال أرى كوادي السباع حين يُظلـم واديًا
تــئية وأخوف إال ما وقي اهللُ سـاريًا
ً ركـب أتـوه
ٌ أقـل بـه
اراد :أقل به ركب ً
تئية منه.
وذهب بعضهم إلى أن (أغلب) هنا ليست للمفاضلة ،وإنما هو ُ
أفعل صفة كأحمر ،وال يعجبني الن قوله في
أعجب) اليسوغ فيه إال (أفعل) التي للمفاضلة ،بأن يكون المصراع مشاكال للمصراع
ُ آخر البيت (ووصل
األول وإنما كان الشوق اغلب له ،النه لو كان ذد ذلك لم يكن عاشقًا .وقوله( :وأعجب من ذا الهجر والوصل
نوع من محابها ،وشيمة
أعجب) :إنما كان الوصل من الهجر ،الن الهجر نوع من مكاره األيام ،والوصل ٌ
األيام أن تأتي بما يكره ،فال عجب من الهجر الذي هو في خليقتها ،ولكن الوصل لو تيسر ،كان أعجب من
الهجر لشذوذه عن خلق الزمان .واراد :والوصل أعجيب منه ،فحذف كما تقدم في (أغلب).
تكـذب)
ُ تُخبر أن المانوية (فك ْم لظالم الليل عندك من ي ٍد
المانوية :أصحاب ماني وهم أهل الثنوية ،يذهبون إلى أن ظالم الليل يكون الشر وان النور يكون الخبر،
والمتنبي يرد على هؤالء الثنويين فيقول :ليس األمر على ما وصفتموه ،بل قد أجد ذلك بالعكس .فإن الليل قد
ُ
(الليل يستُر الويل). اراني منهم بظالمه ،كقولهم:
وقاني شر األعداء ،بأن َو َ
ارني الحبيب بالليل ،فأخفى مزاره على الرقيب ،وهذه َ زَ وكذلك لحاجتك. اركبه اي وقالوا :اتخذ الليل جم ً
ال:
أفعال الخير ،فلم تنسبون إلى الظلمة الشر؟ ولما قال (فكم لظالم الليل عندك من َيد) فسره في البيت الثاني
حجب. ارك فيه ُذو الد َ
ال ِل ال ُم ُ اك َردى األعداء تسرى إليهم َ
وز َ بقوله :و َق َ
ولما َحمِد الليل بما اسدى اليه من الخير ،وكذب المانوية بهذا البرهان ،أخذ في في ذم النور ،فقال:
تغر ُب)
أراقب فيه الشمس أيان ُ
ُ العاشقين َكمـ ْنـتُـ ُه
يل ِ يوم َكلَ ِ
( َو ٍ
ُ
فكمنت اي اني قد أمنت من ال ٌعداة بالليلَ ،فسريت وأدللت ،وخشيتهم بالنهار
وتخبأت .وتلك ُكلفة ومشقة ،وجهد على النفس إلخفائه ،وما أحسن ما اتفق له
االستطراد في هذه األبيات.
وقوله( :أيان) اي متى .وليس من لفظ أين .إنما (أيان) من (اي) فهي َفعالن َك َريان
التي في أزمنة.
ال عن الجوهر ويدلك على أن (أيان) ليست من (أبن) ،أن (أين) يكون سؤا ً
والعرض ،كقولك في الجواهر ،اين زيدٌ ،وفي ال َع َرض :اين اللقاء والقتال.
القتال .وال تقول أيان زيدٌ.ُ (أيان) فال يسأل بها إال عن ال َع َررض .تقول أيان فأما َ
أيان
أيان يو ُم الدين) وقال( :يسألونك عن الساعة َ وقد قال عز وجل( :يسألون َ
الف أين.إذن ِخ ُ
الف أين .فأيان ْفح ُكم (أيان) إذن ح ُكم َمتى ،وم َتى ِخ ُ ُم ْرساها) ُ
وقد يجوز أن يكون ابو الطيب في ذمه النهارُ ،معرضا بسيف الدولة لبياضه ،وفي
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
حمده الليلُ ،م ٍّ
تعلال بكافور لسواده ،فإن كان قصد ذلك فهو ظريف ،وإن كان لم
يقصده فتوجيهنا له غريب.
أركب)
ُ ُ
وأنزل عنه مثل ُه حين الوحش قفيتُه ب ِه
ِ (وأصرع اي
ُ
حاولت به إدراكه ،وأنزل عنه قفيته :اي اتبعت قفاه .يقول :أقتُ ُل بهذا الفرس اي نوع أو شخص من الوحش
بعد ذلك وهو في مثل حاله حين ركبته ،من الجمام ووفور الجري لم يغيره إجرائي له ،وال أذهب ميعته .وهذا
كقول ال َمرار بن منقذ السعدي في صفة عجوز يذكر بقاء حسنها:
لبس
وكأن ثوب جمالها لم يُ ِ من بعد ما لَِب َس ْت زمانًا ُحسنها
(ومثله) .منصوب على الحال من الهاء التي في عنه .و(حين) ظرف متعلق بأنزل.
ُ
وتلبث أموا ُه السحاب ُ
فتنض ُب) ( َتزي ُد عطايا ُه على الليث َكثـر ًة
اي كلما لبث عطاياه تضاعفت ونمت ،ألنها ذوات مواد كحجر يهبها فتنتج مهرًا ،أو ضيعة تُورثه غلة ووفرًا،
فتنمى هباته على األيام ،وتواتر األعوام.
وأما مواهب السحاب فكلما لَِبثت نش َقتها الشمس ،ونضبتها األرض ،واستقتها الواردة .فهذا فضل ندى كافور
على ندى السحاب.
ُ
والطفل الشيب من ُه ِعشت
ِ إلى (ودُون الذي يب ُغون َما ْ
لو
أشيب)
ُ ـلـصـوا
ُ َت َخ
(ما لوا تخلصوا إلى الشيب منه) :يعني الموت .اي دون ما يحاولونه منك الموت ،الذي لو تخلصوا منه إلى
الشيب ،لشاب طفلُهم في حال طفولته -اراد القرب -ولكنهم ال يمكنهم التخلص من الموت إلى الشيب ،بل
أنت تأتي عليهم ،فتقتلهم في الحال.
ريث هجوم الشيب ،لشاب طفلُهم اآلن ،ولم يتأخر الشيب عنه إلى أوانه،
وقيل معناه :لو أمهل الحس ُد حسادك َ
ولكن انت تعجلهم ،وشيب الطفل في كل ذلك :يذهب به إلى ال ُقرب .اي لو أمهلهم الموت الذي يحدث عنه
الحسد ،لشابوا في هذا الوقت ،ولم يمهل الطفل منهم إلى أوان المشيب ،بل كان يشيب مع هؤالء.
وإن شئت قلت :إن هذا كقوله:
بت او شاب ال ُغ ُ
راب إذا ما ِش َ تنـاهـي
َ فإنك سوف تحلُم او
اي إنما تحلم إذا شبت ،وأنت ال تشيب أبدًا ،الن حلْمك على الناس يقتلُك ،فيُعجلك عن بلوغ الشيب ،وكذا ال
يشيب الغراب أبدًا.
فكذلك ال تحلم أبدًا .فيقول :لو تخلصوا من الموت إلى الشيب -وهذا غير ممكن -اي لو أمكن ذلك الممتنع،
الذي هو التخلص من الموت إلى الشيب ،ألمكن هذا الممتنع الثاني ،وهو شيب الطفل.
البيض
ِ البيض في
ِ ُ
وبرق عليهم
ِ البيض
ِ البيض في
ِ ُ
وبرق (ثنا ُهم
ُخ ُ
لب) ٌ
صادق
البرق على ضربين :صادق ،وكاذب .والكاذب يقال لهُ :
الخلب ،من الخالبة ،وهي الخداع .فوع ْد َبرق سيوفك
بيض عداك أن تقي هامهم من الهام ،صادق ،ألنها تفعل ذلك .وبرق ِ
بأن يُفلِق البيض إلى ما تحتها من ِ
ُ ُ
بيضك ،اي سيوفك ،كاذب ،الن سيوفك من عاداتها أن تقد تريكهم إلى هامهم ،فهو خلب لذلك .وقد يقولون:
الخلب .وإن شئت ،جعلتها من الخلب فيضيفون ،وهذه اإلضافة على حذف الموصوف ،اي برق السحاب ُ ُ
برق ُ
السرى من قولهمَ :م ْسجد الجامع ،وباب الحديد .وقد
إضافة الشيء إلى نفسه ،كنحو ما حكاه أبو بكر محمد أبن ِ
اآلخر ِة َخ ٌ
ير) على ذلك. َار َحمل بعضهم توله تعالى (ولَد ُ
دعوعلى ُكل ُعو ٍد كيف َي ُ ( َسلَ َ
لت ُسيُوفًا علمت كل
ُ
ويخط ُب) خـاطـب
ٍ
ُ
إن شئت قلت :لما رأى الناس تأثير سيوفك في ِعداك ،دانوا لك ،فخطبوا باسمك
على كل منبر .وان شئت قلت :كان الواجب في االختطاب على المنابر أن يكون
لت سيةفك ،وقتلت بها أعداءك، الخطب باسم غيركَ ،ف َسلَ ْ باسمك ،فتُ ُجوز في ُ
وبلغت أماميك ،فخطبُوا لك خاصة ،فكان تخصيصك بذلك من تعليم السيوف التي
ُ
ويخط ُب) جملة في َ
(كيف َيدعو ماح ُه وقوله: َ
أوساط البال ِد ِر ُ سلن ،كقوله :توليه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
موضع المفعول الثاني ،و (علمت كل خاطب) :الدعاء والخطبة .و (على ِّ
كل
نصر مكان الصورة، ُعود) :اراد على كل منبر ،الن المنبر من ال ُعود ،فأقام ال ُع ُ
ومثله كثير.
وله ايضا:
ُ
الزمن) ليس َيبلُ ُغه من ِ
نفسه ما َ (أري ُد من زمني ذا أن يُبلغنـي
أهرم وال أهتم .وهذا الذي أريده من اي أريد أن يدوم شبابي وسروري أبدًان فال َ
الزمان ،ال يبلُ ُغه هو من أمنيته لذاته ،لنه لو اختار أن يكون ربيعًا أبدًا ،ونهارًا
سرمدًا ،لم يبلغ ذلك ،الن أحواله األنيقة تتكدر ،فيلحق ربيعه القيظ ،ويتخلل نهاره
الليل .فإذا لم يبلغ الزمان ُمرا ُد في نفسه ،فجدير أال يُبلغني مرادى .إذ لو كان ذلك
قوته ،آلثر به نفسه.
يتعجب من تشططه على الزمن ،وتكليفه إياه ماليس في وسعه ،وال يجد ُمعينًا عليه
من طبعه.
نور وظلمة ،تحدثان عند حركة الفلك ،الن العرب وجعل للزمان نفسًا وإنما هو ٌ
تنُسب األفعال إلى الدهر كثيرًا ،لوقوعها فيه .فيقولونَ :فعل الزمان ،وصنع ،كقوله
تعالى حكاية عن الكفار( :وما يُ ِهل ُكنا َّ
إال الد ْ
َّه ُر).
َه َووا وما َع َر ُفوا الدُّنيا وال ِشـق
بأهل الع ِ أض َّر ِ(مما َ
فطنُوا) أنـ ُهـ ُم
الخلُق .ولو جربوا الدنيا ،فأجادوا االعتبار ،وأطالوا االختبار ،لوجب أن
اي أنهم اعتبروا ُحسن الخلق ال ُحسن ُ
الحسن المحسوس .وقد فسره هو في ُ هذا اعتبار من بذلك، الحقيقة في الخلُق ،فيجب إذ هو اولى
يُؤثروا حسن ُ
البيت الثاني الذي بعده فقال:
قبيح وج ُه ُه َح َس ُن)
في إثر كل ٍ َمعا وأن ُفسـهـم
(تفنى عيونُ ُهم د ْ
اي في إثر كل قبيح ال ُخلُق.
بين على اليوم ُم ُ
ؤتمن) ُّ
فكل ٍ ( َتحمـلُـوا ُك ُّ
ـل نـاجـي ٍة
نسيب هذه القطعة ابو الطيب ُمغضبًا ،شاكيًا ألمره ،متسخطًا على دهره ،حتى أفضت به شدة العتاب ،إلى
مالمة األحباب ،واحتمل إفراط الجفا ،لما تأمله من قلة الوفا ،فقال (تحملوا َح َملَت ُكم كل ناجيةٍ) :اي أبعدتم وال
دَنوتم ،بخالف قوله هو راضيًا عن أحبابه:
مدمعي ِسماتِها
َّ لَمحت حرار ُة إبل لو آني فوقها
رت من ٍ
ال ِس ِ
بين على اليوم مؤ َت َمن اي أني
ضجرة التأسف ،وإظهار البراءة عن العشق بعدهم ،فقال :فكل ٍ ثم أدركه بعد َ
كنت أحذر بينكم ،فإذ قد وقع ،فما أبإلى بشيء بعده ،كقوله األول:
ِر فعليك ُك ُ
نت أحاذ ُ َ من شاء بعدك فلي ُمت
وامتثله أبو فراس فقال:
أحاذر
ُ فلم يبق لي شيء عليه أحذر الدهر وحد ُه ُ
وكنت عليه ُ
والفاء في قوله( :فكل بين) لعطف الجملة الثانية على األولى ،التي هي (تحملوا).
رعاك ُم ُ
اللبن) يدر على َم َ وَ
ال ُّ ار ُكم
ِر َج ُ (رأيت ُكم ال ُ
يصون الع َ
عرضه غير مصون ألنكم ال تنصرونه على من ُ اي من جاوركم ذل ،وأقام صابرًا على الذلة ،حتى يكون
َعونه تُهبة ،وال يستطيع أن ينتصر هو لخذلكم إياه .وهو في هذا البيت يُعيرهم الصبر
اوصل إليه الذاة ،بل َتد ُ
يفضل عن َ ُ
على الذل وال ُقل ،الن قوله( :وال تدر على َم َرعاكم اللبن) :يعني به أن ِرفدكم قدر الكفاف ،ليس ما ُ
االستشفاف.
ُ
واألذ ُن) بهماء َت ُ
كذب فيها ُ
العين (فغَادَر الهجرث ما بينني وبين ُك ُم
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
البهماء :االرض القفرةَ ( ،ف ْغالء ،ال أفعل لها من جهة السماع) .اي ال يقالَ ( :ق ْف ٌر أبه ُم) .وقد َغلَبت (ال َبهماء)
الهجر بيننا
ُ غلبة األسماء .حكى ابو زيد عن العرب؛ ال َبهماوات .فلو عاملوا الصفة لقالوا :البُهم ،اي َغادر
الج ّن ،ونحو ذلك مما ال قر ُع فيها الحس ما ليس بحقيقة ،كتخيل اآلل ،وتصور األشخاض ،وعزيف ِ بهماء َي َ
حاصل له.
ُ
وتسأل االرض عن أخفافها ( َتخبُو الرواس ُم من بعد الرسيم
الثف ُ
ِن) بهـا
خمس
ٌ اي تخبو اإلبل الراسمة من هذا القفر ،والثفن :ما يصيب االرض من البعير والناقة إذا بركا ،وهي
ُركبتاه من ذراعيه وساقيه وفخذه ،فإذا َحفيت هذه اإلبل ،فبركت على ثفِناتها ،وصدمت بها االرض ،قالت
الثفنات لإلرض :اين األخفاف التي كانت تكفينا إياك ،وتقينا لُقياك؟ و (الثفِن) :جمع ثفنة ،كل ِبنة ولَِبن .و (تسأل
وسأل) كالهما عربي ،الن ما لم يفارق من الجمع واحده إال بالهاء ،جاز تذكيره وتأنيثه ولذلك -إذا وافقت
صورة هذا الجمع صورة الجمع المكسر -استدل سيبويه على الجمع الذي باين واحده بالهاء بدليل التذكير،
والرطب يذكرَر َب ُمكسر ،بدليل تأنيثهُ ، َرب ،وإن اتفق المثالن ،الن الغ َ الر َطب ليس كالغ َ
مثل ذلك قوله :إن ُّ
َ
الرطب.الرطب ،وهذه ُّويؤنث ،يقولون :هذا ُّ
وله ايضا:
لَ َعدَدنا أضلنا ُّ
الشجعانا) ( َولَ َو آن الحياة تبقى لِحي
اي أن الحياة ال تدوم ،فما ينبغي للحي أن يجبُن ،إذ ال بُد من لقاء الموت .وفي
الج بن العار .ولو كانت الحياة تدوم ،لكان أضلنا الشجاع الذي يتعرض للقتل فيقتل، ُ
فحرم بذلك نفسه بقاء الحياة ولذاتها .ولكن إذا كان الموت ال بُد منه ،وفي الشجاعة
المجدُ ،فهي أولى من ضدها.
وله ايضا:
ـان) يسى َ
وأنت َي َم ِ َرفِي ُق َك َق ٌّ ِسيف ِه (كأن ِر َقاب ِ
الناس قالت ل َ
قيس من عندنان ،واليمن من قحطان ،وبينهما منافرة .فيقول :كثُ َر تقطي ُع شبيب لرقاب الناس بسيفه ،فأغرت
ٌ
تروية عن قولهم :ل َم تتفقان وأنما بالنسب يمان)،
قيسى وأنت ٌِّ الرقاب بينهما ،ليفترقا فتسلم .وقوله( :رفي ُقك
ُ
مفترقان .ونحوه قوله اآلخر:
َع ْمرك اهللَ َكيف يل َتق َيان نكح الثُّريا ُسهي ً
ال أيها ال ُم ُ
يمان
هيل إذا استقل ِ وس ٌ
ُ ِية إذا ما استقلتهي سام ٌ
يمان عوض من إحدى ياءى النسب ،التي في قولك ( َي َمنى).
واأللف في ِ
ومن العرب يقول :يماني .فهذا ليس على الوض ،النه لم يحذف منه شيئًا فتكون األلف عوضًا منه ،ولكنه من
بوادر النسب.
مسك في ُكفران ِه ِب ِعنَان)
وتُ ِ عاقـل
ٍ مس ُك ما أوليت ُه ي ُد
(أتُ ِ
اي سبيل النعم التي زالت من يدك إلى يده ،أن َتنهي كفه عن اإلمساك بعنان في معصيتك ،فهال فعل ذلك؟
ينكر على شبيب كفره أيادي كافور بنفاقه عليه ،وخلعه طاعته.
َان)
وقد ُبضت كانت بغير بن ِ ُ
اإلحسان حتى كانها ( َثنى يده
اي لما هم بمعصيتك ،ثنت كثر ُة أياديك عن العصيان يده ،حتى ألقت السيف كأنه البنان لها يُمسك ُه بها ،وقوله:
(وقد قبضت) :جملة في موضع الحال من الضمير الذي في (كأنها) .و(كانت) ها هنا يجوز أن تكون المفتقرة
إلى الخبر ،ويجوز أن تكون بمعنى ُخلقتن فتكون الغنية.
حكى سيبويه :أنا أعرفك ُمذ كنت ،اي مذ خلقت ،ويكون المجرور على هذا في موضع الحال ،وكما ذهب إليه
سيبويه في رواية من روى :إذا كان يو ٌم ذو كواكب أش َن َعا من أن أشنع حال ،وال تكون خبرًا لكان ،الن الخبر
سبيله أن يكون مفيدًا ،وليس في أشنع من الفائدة إال ما في قوله( :ذو كواكب) الن اليوم إذا كان ذا كواكب
يكسف ضوء الشمس ،فتظهر .وهذا من دقائق سيبويه التي كان شنيعًا إذ ظهور الكواكب إنما يكون للقتام الذي ِ
يسميها المتأمل إعجازًا.
وله ايضا:
و ُكل بغام رازح ٍة ب ُغـامِـي) يون َرواحلي إن ِح ُ
رت َعيني ( ُع ُ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ِحرت :اي َت َحيرت ،والعيون ها هنا :يجوز أن تكون جمع عينن وهي الشخص ،اي أني ماهر بالفالة معاود
لها أحس فيها أملى فأدعها ذؤاما في الطريق ،فإذا أنا تحيرت في التيه ،فدليلى كل ُعود أخليه ،ألني أرى
شخصه فيكون لي كالمنار الذي يُستدل به .وقد تكون العيون هنا جمع العين التي هي كالجارحة النظرية ،اي
أردت استنباح الكالب ،ليُدل نُباحها على
ُ تبدو لي أعين هذه الروايا ،وخص أعينها بقوله :عيني .وكذلك إذا
الحاللَ ،بغَمت ناقتي ،والبُغام :صوت تقطعه وال ت ُمدُه ،فيسمع الكلب بُغامها فينجح ،فذلك البُغام الل ،وأمان ُالح َ
ِ
الرازحة ،النه
ِ ورزاحقًا .وخص رزح ُر ُزوحًا ُ والرازحة :الناقة المعيبةَ ،ر َز َحت َت َ
ِ يغنيني أن أستنبح الكالب،
يصف نفسه بإدمان السير ،والصبر على التعب في السفر.
ِسوى َعدى لها َب ْرق ال َغ َمام) (فق ْد أر ُد المياه بغـير هـا ٍد
ال ،إذا ابتغينا إليه سبي ً
ال ،ألني يصف نفسه بمعرفة االرتياد ،ويتعرب بذلك ،فيقول :ال أحتاج على الماء دلي ً
عالم بمخايل المطر ،كعلم ُرواد العرب ومنتجعيهم بذلك .وهم يزعمون أن البرق إذا لمع مائة و ْمضة ،وثقوا
بالمطر وانتجعوا الناحية ،التي الح منها ذلك البرق.
وقيل :إذا َب َر قت السماء أربعين برقة ،وثقوا فساروا ،وربما طاردوا جوه عشرًا ،فوافقوا الماء.
فتُ ُ
وسعه بأنواع الـسـقـام) ُ
يضيق الجل ُد عن نفسي وعنها(
الحمى ،فكأنها وجدت جلدي ال يسع نف سي وإياها ،فأكلت اللحم ،ليتسع الجلد فيجمعهما ،كما
اي أنحلتني هذه ُ
َو ِسع النَّفس والنّفس.
نسيج الفدام) َخ َ ( َوضاقت ُخ ٌ
طة فخلَ ُ
الخمر من ِ
ِ الص صت مِنهـا
الخمر قذاها ،فتمرق منه صافية فتزداد ضيق ،تدف ُع إليه ٌُ ونسجه
ُ الفدِام :المصفاة،
الخطة ،وهي النازلة العظيمة من نوازل الدهر ،في شرفًا بنقائها وصفائها .شبه ُ
ُفعت إلى ُملم ضيق فعجز غيري عن نفاذه، ضيقها بالفدام ال ُمضيق .فيقول :إذا د ُ
وازددت شرفًا بذلك ،كازدياد المدام عند فراغها صافية للقدام ،كقوله:ُ ُ
خرجت
إلال تُشر ُفني وترف ُع شاني ما تعتريني من ُخطوب ُمل ِم ٍة
ولهذا قالوا خرج منها كالشهاب ،اي لم تعلقة منها تبعة .واراد( :وربما ضاقت خطة) ،او (فقد ضاقت ُخطة)
طط شتى ،ال إلى ُخ ٍ
طط بعينها .واراد (من منسوج الفدام) إذ النسيج َعرض ،والخمر يذهب في ذلك إلى ُخ ٍ
جوهر ،والجواهر ال يتخلل ال َع َرض.
ضرب األمير :اي منسوج ومضروب ،مثله كثير. ُ ودرهم ثوب نسج اليمن،قال سيبويه :هذا ٌ
( َوإن
سلـــــــمـــــــ
أســـــــلـــــــم
ُت مـــــــن
فـــــــمــــــــ
الـــــــحـــــــ
ـــــــا
مـــــــام
ِ أبـــــــــــــــ
إلـــــــى
قـــــــــــــــ
الــــــــــــــح
ِ
ى
ـــــــــــــــم
َولـــــــــــــــ
ـــــــــــــــام
كـــــــــــــــ
)
ن
ُ
سلمت من موت على وجه أنـــــــواع اي إن
ما ،لم اسلم من آخر على وجه الـــــــحـــــــ
مـــــــام ما ،وإن َس ُ
لمت من الموت في
إلـــــــى
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
بـــــــعـــــــ
زمان ما ،لم أسلم في غيره ،إذ
ض أنـــــــواع ُ
الخلد في الحياة ممتنع .وقوله:
الـــــــحـــــــ
مام) :لو يُرد
الح ِ
الحمام إلى ِ
(من ِ
ـــمــــــــــــ
ـــام. الجنس ولكنه اراد من بع
وله ايضا:
شباب)
ُ َفيخفي بتبييض ال ُقرون خضاب
ُ ( ُمنى ُكن لي أن البياض
(أن البياض) :خبر ابتداء مضمر .اي كانت لي ُمنى .ثم أوضح تلك المنى وكأنه قال :هي أن البياض وقار
لي ،فيخفي شبابي بالمشيب ،ذهابًا إلى إكبار الشيب ،وذلك لما ُ
يلحق الشباب عنده من العيب.
وأدعو بما أش ُكو ُه حين ُ
أجاب) ُ (فكيف أذم اليوم ما ُ
كنت أشتهى
ُ
يلحق يعني في كل ذلك الشيب ،اي قد كنت أيام اسألُه عز وجل ،وأدعو أن يسلُبني الشباب ،ظانا أن الشيب ال
اإلنسان معه أل ٌم وال َه َرم .فلما شبت ولحقني من الضعف ما لحقني ،علمت أن رأيي في سؤالي الشيب،
أذم المشيب وقد كنت أشتهيه .وكيف أشكوه وقد كنت أدعو اهلل أنورغبتي إلى اهلل فيه ،كان َسفها .لكن كيف ُّ
ُ
وذممت ما دعوت إلى اهلل فيه ،وقع التناقض في مذهبي ،مع أن يهبه لي .يقول :فإن شكوت ما ُ
كنت أحب،
ذلك غير نافع فالصبر أولى والرضا بكل ذلك أخجى.
ذئاب) ليث والمـلُ ُ
ـوك ُ وأنك ٌ الخ ُ
لف إال فيك أنك واح ٌد ( َج َرى ُ
ذئابًا فلم يُخطئ فقال ُذ ُ
بـاب) ويست صحف ٌ
قارئ ( َوأنك إن ُق َ
اي إذا ُعددت ليثًا ،وطلب من السباع ما هو دون اليت ،مما بقاس به الملوك إليك ُريئوا ذئابًاز ثم إن ُحقق
القياس ،كان ما بينك وبين الملوك تفاوتًا ،كما بين األسد والذئاب ،حتى لو صحف ُمصحف فقال :ذباب لم
صحف ،بل يكون بهذا التصحيف أشعر كقول األصمعي لقارئ عليه ،صحف يخطئ في قياسه إليك ،وإن كان َ
الحطيئة ،وهو قوله:
عليه بيت ُ
تامـر
ْ بالضيف
ِ ٌ
البن وزعمت َ
أنك ررتني َ
َو َغ ْ
تامر) ،فقال له األصمعي ،أنت واهلل أشعر من قائله ،حين قلبت هجو ُه َمدحًا .وقوله: بالضيف ُ
ِ فقال( :التني
(أنك واحدٌ) :بدل من الكاف في فيك .وإن قلت :منع سيبويه البدل من المضمر المخاطب ،فقال :إن قلت :بك
يجز ،الن البدل إنما هو لإليضاح والمخاطب ال يُشكل ،فيحتاج إلى البيان .قلنا إنما منع المسكين َم َررت ،لم ُ
سيبويه في هذا َبدل الجملة من الجملة ،أعنى الكل من الكل ،الذي هو هو ،فأما بدل الجزء من الكل ،فغير
وعجبت منك صبرك ،فكذلك (أنك واحد) ،وإن لم يكن جزءا من كل فهو ُ وجهك، ممتنع؛ كقولك اعجبتي ُ
ُ
َع َرض في جوهر كقولك :جرى الخلف إال في كونك واحدًا ،والعرض -وإن لم يكن جزءا من الجوهر -
فهو مرتبط به ،فكان كالجزء منه .والخلف هنا :بمعنى الختالف ،ولذلك جاز أن يتعدى إلى في .وذئاب ها
هنا :اسم للجنس ألنه قد قال( :والملوك ذئاب) ،فأخبر بالجمع عن الجمع ،ولو لم يجعل ُ
الذباب جنسًا ،لَلَ ِزمك
أن تخبر عن الجمع بالواحد.
وقد حكى ابو ُعبيد في (الغريب المصنف) عن األحمر( :النُّعرة :ذبابة) .فإن صح ذلك ،ولم يك وهما من أبى
ُعبيد ،فذباب هنا جمع ُذبابة ،ال يحتاج حينئذ إلى تأول الجنس وال إلى جعل الواحد موضع الجمع .وال أعلم
أحدًا من أهل اللغة حكى في ُذباب ُذبابة إال أبا ُعبيد وحده.
وله ايضا:
الحر مولو ُد)
لو أنه في ثياب ُ بـأخ
ٍ صالح
ٍ (والعب ُد ليس ُ
لح ٍّر
الح ُر ويربى ويُؤدب ،لقصر عن وربى وأدب بمثل ما يغذي به ُ اي لو ُغدى ُ
الح ُّر ،فإذا كان كذلك فهو عدو ال
يرم العبودية ،والعبد بمتهنه ُ
الحر ،ولو لم ُ طبيعتة ُ
ٌ
أخ.
ُ
وبعض ال ُعذر تفني ُد) يفـير بـمـعـذر ٍة في كل لُؤم
ٌ (أولى اللئام ُك
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
نفس من اخس جنس ،أعنى بالجنس ،والجيل ،ال الم ُقول على شر ٍأولى اللئام في العذر في اللوم كافور ،ألنه ُّ
األنواع ،واذا خس الجنس؛ عذر الواحد منه أن يجري على قيسه ،الذي هو طب ُع جنسه ،فغدا عذرا له ،وإن
كان هذا العذر بالذم والتنقص أشبه .فهو إذن عذر يزيد على التفنيد ،الن التنفيذ يشعر أن المفند موجود،
العتاب فأما إذا ترك التفنيد ،للعلم بأن اإلساءة طبيعة في المسيء ،فذللك أقصى
ُ كقوله :ويبقى الُ ُّ
ود ما بقي
نهايات الذم .وأراد( :أولى اللئام بمعذرة كويفير) ،ألن قوله( :بمعذرة) من تمام االسم ،الذي هو أولى .فكان
ينبغي له أال يجيء بالخير الذي هو (كويفير) إال بعد قوله( :بمعذرة) لتعلق الباء بأولى .وكذلك إن ُجعل
(كويفير) هو المبتدأ ،وجعل (أولى اللئام) خبر مبتدأ مقدمًا ،فقد حال أيضا بين االسم الذي هو الخبر ،وبين ما
هو من تمامه.
َ
ولذلك جعل الفارسي ( ِكال) في قوله:
طرح الظ ُن ِ
ـون ٌ
ظنون آن ُم ُ ُ
وصل أروى يومي ُطوالة
ْ ِك َ
ال
ال مصدر ،فكان يكون (كِال) من صلته متقدمًا جزءا من الخبر ،ال من المبتدأ ،الذي هو وصل أروى ،الن وص ً
له .والصلة ال تتقدم على الموصول.
بعض أجزاء االسم على بعض ُمغيرًا عن وضعه ،فكذلك ال يُحال بين بعضه وبين بعض بأجنبي وكما ال يُقدم ُ
أيضا ،فلذلك مثلنا بيت المتنبي في فصله بين (أولى) وما يتعلق بها ،بالبيت الذي أنشده أبو علي ،في أنه ال
يجوز تقديم الصلة على الموصل .وإنما قوله( :بمعذرة) متعلق بأولى .ثم أبرز مضمره .اي أوالهم بمعذرة.
وله ايضا:
الفاَ)
اعترضت إخ َ
َ َو ُ
خفت لما من تعرض ُه َ
النصل ْ ( َو ُ
عدت ذا
اختلس له بعض أعبده سيفا ،وأعطاه امراة َوردان بن ربيعة الطائي الذي تضيفه بحسمي .وكان عبيده قد
خالفوا إليها فوثب ابو الطيب إلى العبد الذي اختلس السيف ،فأخذه منه ،وضربه به فقتله ،فيقول :لم أقتلك الن
َت هذا السيف أن أقتل به من قدره وجل لدى َخ َط ُره ،حتى دعاني فقده إلى قتلك ،ولكن َو َعد ُ عظم على ُ السيف ُ
إخالف ،فأكون غير صادق الوعد. ٌ وهمت بالصفح عنكُ ،
خفت أن يتخلل َوعدى ُ تعرضه ،لما تعرضت أنت له
تعرض له) فحذف وأوصل وكذلك اراد (وخفت لما اعترضت له) ،فحذف الجار والمجرور، َ وأراد( :من
ِل اراد يتكل عليه ،حكاه سيبويه .وقوله( :من تعرضه) اراد :قتل من كقوله :إن لم يجد يومًا على َمن َيتك ْ
تعرضه ،فحذف المضاف ،لمكان العلم به ،وأقام المضاف إليه َمقامه ،و ( َم ْن) :في موضع المفعول الثاني
بوعدت.
وله ايضا:
فدا كل ماشي ِة الهيدَبي) الخيزلي
َ (أال ُك ُّل ِ
ماشي ِة
تخزل ٌّ
وتفكك .والهيدبي (بالدال والذال) :أعلى من مِشية الخيل واإلبل، الخيزلي :م ٌ
ِشية من مشي النشاء ،فيها ُّ َ
وجمضل من اإلبل التي خرجت عليها من مصر، َ ناقة ل فدا التحرك معشوقة امراة كل فيقول: رعة. س
ُ فيها
لما نلت بها من الضيم ،وقد بين ذلك بقوله بعد هذا:
و َما ِب َي ُح ْس ُن المِشى) (. . . . . . . . .
أي ما على من حسن مشية النساء ألني ال أعني بذلك ،وإنما أعنى بطلب النجاة ،ومحاولة ال ُمعاالة ،وإرغام
ال ُعداة ،وقد بين ذلك أيضًا بقوله:
ُ
وميط األذى) وكي ُد ال ُعدا ِة ( َولكِن ُهن ِح ُ
بـال الـحـياة
اي هن أسباب الحياة ،فوضع األسباب الن السبب من أسباب الحبل (وكيد العداة
وميط األذى) اي وسبب كيد ال ُعداة أكيدهم بها ،وسبب ميط األذى أيضا .فحذف
المضاف ،وأقام المضاف اليه مقامه.
وإنما تأولنا ذلك ،الن الخيل ال تكون في الحقيقة كيدًا وال ميطًا ،إذ الخيل جوهر،
والكيد والميط َع َرضان ،والجوهر والعرض ليسا من باب (هو هو) ،بل هما من
باب الغير .وقد يجوز أن يجعل الخيل هي الكيد والميط ،على سعة الكالم ،كأنها
ذينك ،كأنها ُهما.
لما كانت سبب ِ
وقد ذهب سيبويه إلى الوجهين جميعًا في هذا الضرب ،إعنى كقولهم :ما زيد إال
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وشرب ،فإنما هي ُ
إقبال وإدبار. ٌ
أكل ُ
قال :جعلها اإلقبال واإلدبار على سمة الكالم ،وإن شئت على الحذف ،كما قدمنا.
ولكنه كان َه ْجو ال َورى) ( َف َما َكان ذلك َمدحـًا لـ ُه
مقصودهم وممدوحهم مثل كافور ،فكفى بذلك هجوًا لهم. ُ اي إذا كان
الو َرى إلى مدح كافور ،وذلك َسف ُه ،فكان ذلكم المدح
وإن شئت قلت :أحوجني َ
هجوا لهؤالء ،إذ لو كانوا ُكرماء أحرارًا ،أغنوني عن مدحه ،والتعرض للقائه.
وله ايضا:
اإلمساك عذال)
ِ ال فأفهـمـ ُه إن الزمان على الزمان ل ُه قو ً
ُ (قال
يقول :من رأى المسكين خشية اإلقالل ،وموتهم عن األمول ،وتخليتها لألعداء األضداد غير الشكال ،فقد اراه
الم َه على ذلك ،وليس للزمان على الحقيقه ٌ
قول ،الن الزمان فيهم ال ِع َبر والغير ،فكأنه قد حذره اإلمساك ،و َ
ُ
رض ُم تولد عن حركة الفلك ،وليس للعرض قول ،إنما هو للجوهر الناطق ،لكنه لما اتعظ بتصاريفه، الزمان َع ٌ
ومشاهدة تكاليفه ،صار كأنه ل ُه الئ ٌم ومثله كثير.
والقول الذي قاله الزمان ،إنما هو :ال تمسك المال ،فإنك إن فعلت ذلك كان عليك ُحوبُه ،وللوارث لذته وطيبهُ.
وقد ألم الحارث بن حلزة بهذا المعنى في قوله:
النـاتـج
ُ تدري من َ
إنك ال ِ تكسع الشول بأغبـارهـا ال
ِ
ُ
أشبال) بمثلها من عدا ُه وهي (القائ ُد األسد غذتها براثُـنـه
براثهم :سيوفهم .وأما البرثن في الحقيقة ،فهو المخلب ،لكن السالح لإلنسان كالبراثن للسباع ،اي انه يسير
للهيجاء في غلمانه الذي رباهم وضراهم وثيتهم لسلب عداه ،الذين هم مثلهم في الشجاعة ،وذلك من حد
صغرهم إلى كبرهم ،وقوله :وهي أشبال :جملة في موضع الحال ،إذ رددتها إلى المفرد ،فكأنك قلت :غذتها
براثن ُه صغارًا ،والشبل :ولد األسد.
وبعض العقل ُع ُ
قال) ُ (وقد يُلقب ُه المجـنُـون حـاسـ ُد ُه إذا اختلطن
معنى هذا أن (فاتكا) كان يُلقب (المجنون) ،وهو لقب له -كما تراه -قبيح ،فاحتال المتنبي ،لتأوله على
أحسن الوجوه ،فقال :إنما جنونه إذا تزحمت السيوف ،واختلطت الصفوف ،في االقتحام واالهتجام .ثم قال:
وعقال :اي انه يعقلهم
الجبن يتصور ألهله في َمعرض الحزم والعقل ،وهو مذمومُ . وبعض العقل ُعقال :الن ُُ
عن الجراءة ،الن ال ُعقال َظلع يكون بالبعير ساعة ثم ينشط.
ُ
ورئبال) لم يجتمع ل ُه ُم حل ٌم (إذا العدا نشبت فيهم مخالبُه
هذا تفسير للبيت األول ،واعتذار من تلقيبه (المجنون) .يقول :فهو في الحرب أسد ،واألسد ال يُوجد عنه الحلم،
الحلم ،كما ال يالم األسد ،وال ي َّ
ُسمين (مجنونًا) النه قد تحول في الحرب عن طبيعة فال يُالمن في عدمه ِ
اإلنسان ،إلى طبيعة األسد ،وإنما كان يسمى (مجنونًا) لو فارق الحلم وهو في النوع اإلنساني ،فال يصح عليم
اسم الجنون كما ال يصح على األسد.
والرئبال :األسد يُهمز وال يهمز .وليس ترك الهمز فيه على التخفيف القياسي ،إذ لو كان كذلك لم يقل في
الرئبال والريبال .إنهما لُغتان ،كما ال قول في (ذيب ،وذئب) أنهما لغتان .وذلك أن تحقيق الهمز وتخفيفه ال
يُسمى فيهما لغة ،ما دام التخفيف قياسًا ،إذ التخفيف على القياس في فئة المحقق .ويدلك على أن (ريباال) ليس
(ريباال) على التخفيف ،لقيل في جمعهبتخفيف قياسي ،وإنما هي لغة قولُهم في جمعهَ :ريابيل .فلو كان ِ
(رآبيل) الن العلة التي كانت تقلب الهمزة ياء ،وهي الكسرة في رئبال ،وقد زالت في حد الجمع ،وعاقبتها
الفتحة .وينبغي أن يكون وزن الكلمة (فِعالال) .وإن كانت الياء ال تكون أصال في بنات األربعة ،وأمثال ذلك
إن كانت زائدة كان في الكالم فِي َعال .وهذا بناء قد نقاه سيبويه عن األسماء ،إنما هو للمصادر.
(ريبا ً
ال) فجعلنا الياء في ِه أصال لعدم (فِي َعال) في االسم ،كما حملت الضرورة سيبويه، فلما كان ذلك أشذذنا ِ
ال ،وإن كانت الواو ال تكون أصال في بنات األربعة. (و َرنتل) أص ًعلى أن يعتقد الواو في َ
(ر ئبال) بفتح الراء فإذا جاز ذلك ،فالياء حينئذ زائدة وليست من لفظ رئبال ،ولو أسعده ومن العرب من يقولَ :
الوزن والقافية فقال (حل ٌم ورأبلة) لُيوفق بين المصدر والمصدر ،لكان أذهب في الصنعة.
فقد قالوا( :ما اشد رأبلته) .وحكى ابو زيد عن العرب :خرج ال ُمترأبلُون (وهم المتلصصون) لي ً
ال كاألسد.
واستجاز أن يجعل لفاتك مخالب ،وإنما المخالب للسبُع ،لكن سوغه ذلك جعلُه إياه رئباال .والرئبال ذو مخالب،
الن المِخلب للسبُع كالظ ُفر لإلنسان.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
فما الذي بتوقي ما أتى نالُوا) (أنال ُه الشرف األعلى تق ُد ُمـ ُه
وجرأته ،فنال بهما الشرف ،على أن الجود يفقر، اي توخي التقدم في جوده ُ
والجرأة تُهلك .فما الذي ناله غيره بتوقيه القفر إن جادَ ،والموت إن أقدم؟ وله ُ
ايضا:
ـراب
ُ األشيهب وال ُغ
ُ
( َوصلت إليك يدٌسواء عندها البازى
األبـقـ ُع)
يعني بذلك الموت ،جعل له يدًا ،لقولهم :أخذه الموت إذا األخذ أكثر ما يكون باليد .ولذلك َسموا ال ُقوة يدًا ،ألنها
األبقع):
ُ األشيهب وال ُغ ُ
راب ُ إنما تكمل باليد ،اوقعوا اسم الجارحة على ال َع َرض .وقوله( :سواء عندها البازى
ال لألرفع ،والغراب األبقع مثال لألوضع ،اي الموت يُسوى بين الفاضل والمفضول ،والرفيع ضرب البازي مث ً
ُ
والوضيع ،حتى ال يفرق بينهما ،بل هما متساويان فيه ،وكالهما طعمة لفيه ،فهو نحو قول اآلخر:
لم يُعرف المولى من العب ِد ُ
أغطية الثرى لو ُكشفت للناس
اي قد استويا في التغير بالمنزلةز ونحو قول المتنبي ايضا:
نوس في ِطـبـه
مِيتة جال ُي َ ُ
يموت راعي الضأن في جهل ِه
وقوله( :سواء عندها) :خبر مبتدأ مقدم ،والبازى األشيهب ،مبتدأ .وانما آثرنا ذلك ،الن (سواء) نكر ٌة وإن
تقوى بقوله( :عندها) .و (البازى األشيهب) معرفة .وإذا اجتمع معرفة ونكرة فالمبتدأ المعرفه ،والخبر النكرة،
والعدل ،حين فرغ من الجر( ،وإنما جعلت هوُ أال ترى أن سيبويه لما قال في قوله :مررت برجل سواء هو
مبتدأ ،حذرًا أن ي ُوهمك أن (سواء) هو المبتدأ).
وقطع ألف الوصل في قوله( :والبازى األشيهب) النه في أول المصرع الثاني ،فكأنه آخذ في بيت آخر .وهذا
مما أجازه سيبويه في األنصاف خاصة .قال :إن األنصاف مواضع ُفصول وأنشد:
جـمـال
ِ القدر يُنزلُها بغير وال يُبادُر في الشتاء ولـيُدنـا
واألذر ُع)
ُ وأ َوت إليها ُسو ُقها ثمر السياط َوخيلُ ُه ْ
تصالحت ُ ( َو
ثمر السياطُ :ع قد عذباتها .وقيل :أطرافها ،وهو الصحيح .وجعل الثمر لها تنممي استعارة ،وحسن ذلك أن
الثمرة إنما تكون في طرف العود .وإما ما ُروى عن مجاهد في قوله تعالى( :وكان له ثمر) من أن (الثمر)
الذهب والفضة ،فإنما هو عندي على التفاؤل وذلك أن الذهب والفضة جماد ،والجماد ال ينمي والثمر نام،
فسمي هذا الذي ال ينمى باسم الذي ينمى تفاؤال .يقولم إنه كان يُديم ضرب الخيل بالسياط ،لحرب عدو ،او
ُ
لمحاولة فتنة ،او لطرد قنص ،فكأن السياط كانت محاربة للخيل تؤلمها ،والخيل محاربة لها ،بكراهتها إياها،
ال إلى الحرب ،وال نهب ،وال طرد ،فكأن ثمر السياط قد صالحت خيله يزج ُر خي ً
فاآلن إذا مات لم يبق من ُ
حتى سكنت إليها سوقها وأذرعها ،لما فقدته من ضربها .وقوله :أوت :اي رجعت آمنة لها ،ساكنة إليها.
وله ايضا:
الظلم َوما ُسرا ُه على ُخف وال َقـدَم)
ِ نحن نُساري النجم في
(حتأم ُ
يعجب من طول مساراته للكواكب ،على أن ُسراه هو متكلف .وسرى الكواكب طبيعي فيقول :كيف أقدر بهذه
الس رى المتكلفة على مسايرة النجم ونحن على خف وقدم ،وكالهما حيوان ،وذلك نور يسير بجرية الفللك؟
ُّ
وحذف األلف من (ما) الن (ما) إذا اتصلت بحرف الجر في حد االستفهام حذفت منها األلف ،فحتى بمعنى
إلى ،فكانه قال( :إلى ما؟) إلى إلى اي وقت؟
غريب بات لَم َينم)
ٌ الرقا ِد
فقد ُّ حس بأجفان يُحس بها (وض َ
اليُ ُّ
السرى عليه ،وهوانها لديه ،ال يُمنع رقادًا كما نمنعه نحن ،فكلفتنا أشد ،بل ال ُكلفة لنااي والنجم مع خفة ُّ
َ ُ
خاصة .ومعنى قوله( :فقد الرقاد) :لطيف ،الن ما ليس في طبعه أن َيرقد ،ال يقال فيه (فقد ُرقادًا) وإنما اراد
أن النجم ليس بحيوان يغذوه النوم ،ويُصلح شأنه ،فإذا سرى فق َد الرقاَ فآذاه ذلك .وقوله( :وال بحس بأجفان):
الروح.
نَفي عنه األجفان ،الن الجفن إنما لذي ُّ
السهر .وبنفي هذا العضو الجسماني ،أخرج رى ،ويضره َّ فيقول ،ليس النجم بذي ُروح فيكون له جفن ينف ُعه ال َك َ
النجم من النوع الحيواني.
الغيم منه سار في
سار في ِ
ما َ نتر ُك الماء ال ينفك مـن
( َو ُ
األدم)
ِ سـفـر
ٍ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أما سيره في األدم ،وهي األدواي ،فلعمري إنه لهم وبإرادتهم .وأما سيره في الغيم
فل ُمجريه ومنشئه سبحانه .لكنهم لوال أنهم أودعوه َمزا َد ُهم ،وجعلوه زادهم ،لم ُ
يك
ال في التراب ،فلما كان إدامة دَهره كله مسافرًا ،ولكان مسافرًا في السحاب ،وحا ً
يرين
الس ِ زود هؤالء اياها ،صار كأن كال َّ سفر الماء إنما هو بكونه في السحابَ ،و َت ُّ
بملكهم.
وقيل؛ لما كان َحمله في المزاد نتيجة كونه في الغيم ،جعلوا السبب والمسبب
كالشيء الواحد .ومثله في القرآن والشعر والكالم كثير.
بالجم) الج ُ
دل ال ُمرخا َة ُ
عارض ُ سرحـية تًُ ( َت ِ
برى ل ُهن نعا ُم الدو ُم
ِ
َتبرىُ :تعارض .ونعام الدو :يعني به الخيل .وبقولهُ ( :مسرحية) :فصلها من النعام ال َوحشي ،الن نوع النعام ال
والجدُل :جمع َجديل ،وهو حبل مفتول من أدم ،يكون في ُعنف الناقة والبعير. يُسرج اذ ال يُركبُ .
يقول :فإبلُنا طوال العناق كخيلنا ،فأعناقها تُعارض أعناق الخيل ،وأقام ُ
الجدل واللجم ُمقام األعناق ،الن فيها
دليال عليها ،إذ ال يكون إال هناك .وما احسن ذكر اللُّجم مع قولهُ ( :مسرحيةً).
ثم)ُ ْ (تبدو لنا ُكلما ألقوا عمائم ُهم
خثلقت ُسودًا بال ل ِ عمائم
يصف غلمانه ،ويذكرهم بالمروءة .يقول :كلما َسفروا عمائمهم بدت لنا عمائم ُسود ،يعني لمهم ،واثبت العمائم
لهم ،الن العمائم على الهام ،وشعور ال ُمرد انما هي هناك .ونفي اللثُم عن عمائمهم التي عنى بها الشعر ،الن
اللثام ما سال على الخد من العمامة .وهؤالء ُمر ٌد ال شعور في خدودهم ،فتص شعور رؤسهم فلذلك جعل اللمم
عمائم (بشعور رؤسهم) دون لثم ،وهذا مليح جداً.
الطير في البُ َه ِم)
ِ صياح
َ ْ
وكانت غير ناطق ٍة فعل ُموها ( ُ
ناشوا الرماح
تنوش الخوض نوشًا من ع َ
ال). ُ النوش :التناول( .باتت
وفي التنزيل( :وأني لهم التنَا ُو ُ
ش) اي التناول للنجاة ،والبُهم :الشجعان ،واحدهم بُهمة .يقول :تناولوا الرماح
رس في حال تناولهم إياها ،فدقوها في األبطال ،حتى صاحت صياح الطير ،فحكى بذلك نغمة وهي ُخ ٌ
انكسارها في المطعون بها ،كقول اآلخر:
بنات الماء أصبحن ُجوعا
ياح ِص َ
الردينيات فينـا وفـيهـ ُم ِ
تصيح ُّ
ُ
وقوله( :وكانت غير ناطفة ،فعلموها صياح الطير) :يشعر أنها ناطقة إذا صاحت .وهذا مقطع شعري ،الن
الصياح ليس بمنطق .وإنما المنطق عبارة عن النطق المتصور في النفس ،وهي الفكرة الباعثة على المنطق.
ْر) فإنما ذلك على أن اهلل تعالى قد جعل للطير ما تعبر به عن ذواتها ،إال (علِّ ْمنا َم ْن ِط َق َّ
الطي ِ فإما قوله تعالىُ :
ُ
أن ذلك ال يتأدى إلينا نحن ،وإنما خص لفهمه سليمان صلى اهلل على محمد وعليه ،وذلك انه فهم من نَغم
الطيور ما نفهمه نحن في هذا النوع اإلنساني بالمنطق.
هل
ؤال عن ِ
أجاب كل ُس ٍ
َ ( َم ِن اقتضى بسضوى الهندِى
بـلـم)
ِ َحاجت َه
اي من اقتضى حاجته أوسألها من غير أن يُعمل إلدراكها سيفًا او رمحًا ،لم تُقض له .فكلما قيل له :هل
قضيت حاجتك او أدركتها ،كان جوابه لم أقض ولم أدرك ،وإنما يدرك حاجته من اقتضاها بالسيف والرمح.
فم ودم .إن شئت قلت :اراد (لَ ْم) بسكون
وجعل (هل) ،و (لم) اسمين للحرفين ،فصرفهما ،ألنها على شكل ٍ
الميم ،ثم تصور الوصل فالتقى له ساكنان ،فحرك الميم اللتقاء الساكنين ،وكان يجب أن يقول :أجاب كل
سؤال بهل ،الن السؤال ليس عن هل ،إنما المبحوث بهل عن غيرها ،كقولك :هل في العالم خسوف قمر،
فالسؤال إنما وقع عن الخسوف القمري بهل ،ال عن هل وهي عند أصحاب المنطق أول منازل البحوث ،ألنها
إنما يُسأل بها عن اآلنية لكن لما كانت هل منتظمة للقضية المسئول بها عنها وكانت تلك يتعدى السؤال إليها
بعن ،استجاز أن يجعل السؤال عن (هل) اضطرارًا.
(ع ْن) مكان الباء ،الن حروف الجر يبدل بعضها من بعض كثيرًا .وحسن له ذلك ،انه لو وإن شئت قلت :أبدل َ
بلم) توالت الباء في الحرفين .فهذا ما يعتذر له به.
هل ِأسعده الوزن فقالَ ( :ب ٍ
وخص الهدي ،وهو السيف ،بتبليغ األمل دون الرمح ،الن العمل بالسيف أدل على االجتهاد ،وأوصل إلى
المراد ،كقوله هو:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ُ
البيض الخفاف مفاتيحه
النصر العلى فإنـمـا
َ طلب
ومن َ
الصوار ُم
صنا قـوائمـهـا عـنـ ُهـم (ُ
ْ
ـــــــت ما و َقــــ َع
ف َ
َم ِواقع اللُؤم في األيدي وال ال َكرم)
ويروى (وال الكزم) فمن رواه وال الكرم ،فمعناه :لم يقبض على قوائمها قبض
اللئيم يده ،اجتهادًا في محاربتهم ،وذلك لقلتهم عندنا ،ولصوننا سيوفنا عنهم ،ولم
ن ُمد بها إليهم صفحات أكفنا ،كما يتوعد المشير إلى سيفه ،باسطًا يده كما يبسطها
الكريم ،بل َح َقرناهم على الحالين معًا ،فلم نُعمل فيهم السيوف كذا وال كذا.
من رواه ال َك َزم :اراد :لم نشدُد أيدينا عليها َش َّد اللئيم األكزن ،وهو الذي قصر
وجع ُد البنان ،وقولهم في ضدهُ :
سبط البنان. اللؤن أصابعه ،كقولهم فيهَ :ك ُّز البنان؛ َ
والرواية األولى اعلى.
ُخضرًا فراسنُها في ُّ
الرغل الركاب بنا بيضًا
ُ (تخذى
والينم) شافرهـا
َم ُ
الرغل والينم :نبتان .إما ابيضاض مشافرها فإنهم ال يهنئونها الرعي ،من حثهم إياه ،ومواقعتهم السير ،فال
تبلغ من الرعى اليسير أن تخضر مشافرها ،إنما كانت تخضر لو أنعمت الرعى.
ويدلك على صحة ما ذهبنا إليه قولُه:
منبت ال ُعشب نبغِى َمن َ
ِبت عن ِ .......
ال َك َر ِم ـربُــهـــا ن ْ
َـض ِ
دعها عن الرعى ،ويحثها على المشي. أوال تراه يصفها بأنه ي َق ُ
فراسنِها فإلدامتها السير في الكأل ،وأنواع النبات األخضر .وخص الرغل وال َينَم ألنها مما يغلب
وإما اخضرا ِ
على منابت ال َحمض.
ـم)قظات ال َع ِ ُ ُ
فإنما َي ُ صر ما َّ
ين كالحـل ِ منظر ُه
ُ شق ( َهون على َب ٍ
اي ما شق عليك النظر إليه ،والمشاهدة له ،من أنواع المكاره فهونه على عينك ،فكل موجود معدوم بعد
وجوده ،كان خيرًا او شرًا.
ُ
كالحلم) اي كل ما تشاهد في اليقظة في قلة الدوام ،في منزلة ما يُشاهد في األحالم.
وقوله( :فإنما يقظات العين ُ
وإن شئت قلت إن المشاهدة في اليقظة غير حقيقة .كا أن مشاهدة ما في ال َمنام كذلك ،مبالغة بقلة تحقيق
األشياء .والقول األول أسوغ وأبلغ.
اختضبت أخفاَ ُفهـا
ْ إلى من (ما ُ
زلت أضحكك إبلى كلما
بـدم)
ِ نظرت
يذهب إلى احتقار كافور حتى إن إبله لتزدري مقصوده ،فتضحك منه ومن القاصد .يقول :إلى مثل هذا
من اختضبت أخفافها بدم إليه فحذف الجار
الصنف اعمالنا وجهدنا ،حتى اختضبت بالدم أخفافها ،واراد إلى ِ
والمجرور ،وحسن حذف ذلك ،ألن إلى قد ظهرت في الكالم ،وان لم يكن من سبب تلك المحذوفة .ونحوه ما
أنشده سيبويه:
إن لم َيج ْد يوماُ على َم ْن يتَّك ْ
ِل إن الكريم وأبـيك َيعـتـمِـل
اراد يتكل عليه .ونسبة الضحك إلى اإلبل ٌ
مثل شعري غير حقيقي ،الن الضحك خاصة لإلنسان ،والخاصة ال
تتعدى مخصوصها.
وله ايضا:
مر عن ُسمر القنا غير أنني جناها أحبائي وأطرا ُفها ُرسلي)
وبالس ِ
( ُّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ُ
ذكرت البيض في يُغرب بذاته في العشاق ،وبحبائبه في المعشوقات .اي أنه ال نظير له في الحب ،ألني إذا
تجنيها لي منالسمر؛ فإنما إعنى الرماح ،ولكن إنما أحبائي ،األرواح التي ْ
اعن النساء ،واذا ذكرت ُّ
شعري ،لم ِ
الر ُسل إلى األحباب .اي إنما أتوصل اليها بها،
أجسام أعدائي ،وأطرافها ُرسلي ،اي أسنتها هي التي تقوم مقام ُّ
كما أتوصل إلى المحبوب بالرسول.
وجعل أرواح عداه جنى على المثل ،ألنها حياة في الحقيقة ،ألن الحياة نوع من النامي ،والروح عندنا ليس
بنام ،واراد ُر ُسلي فخفف ،وهي لغة تميم.
وال بلغتها من شكى الهجر بالهجر
ِ ( َفما َح َرمت حسناء
بالوصل)
ِ غبـطـ ًه
ويُروى (بما َح َر َم ْت حسناء) .نهى عن الحرص على النساء ،اي إذا هجرتها ثم
وصلتها كنت أحسن موقعًا عندها ،وأنشط لها ،فزادت الغبطة .فإذا لم َتحرم هي،
فهجرتُك اياها إذا عادت الغبطة بوصلك لها ،بعد هجرك إياها؛ أبلغ .وإذا شكوت
إليها الهجر وتذللتُ ،هنت عليها ،فمنعتك وصلها ،واما رواية من روى (فما
مت َحسناء) وهي الصحيحة ،فمعناه :لم تحرم امرأة محبوبة محبها غبطة َح َر ْ
بهجرها إياه ،وال بلغت شاكيًا شكى إليها هجرًا غبط بوصلها اياه .يذهب إلى
التهاون بأمر النساء ،اي إنهن ال ُيتحن بهجرهن لك عدم غبطة ،وال بوصلهن إياك
لغت ُمحبها غبطة وجودها .والهاء في قولهَ :بلَّغَتها :عائدة إلى الغبطة ،اي وال َب ُْ
(من) في موضع نصب ألنه مفعول ثان لبلغت. يوصلها له .و ْ
وإن شئت كان ( َم ْن) هو المفعول األول ،و (ها) من (بلغتها) هو المفعول الثاني.
وهذا كما تقولَ :ك َس ْو ُت زيدًا الثوب ،وكسوت الثوب زيدًا .و (حسناء) ها هنا:
صفة أقيمت مقام الموصوت ،اي امرأة حسناء .وقد غلبت هذه الصفة َغلَبة
األسماء ،وهي من باب (فعالء) التي ال أفعل لها من جهة السماع.
وله ايضا:
مصور لبس الحرير ُمصورا)
ٍ هري َغدا بُ
عس الم َهارى غير َم ٍّ ( َت َ
تعس ال َمهاري :دعاء على نوع المهاري ،وهي إبل منسوبة إلى مهرة ابن حيدان .وإنما دعا عليهن ،ألنهن
انتعشن .ثم استثنى منها (ال َمهري) الذي ركبته
َ عة ما بين الحبيبين ،اي أتعس ُهن اهلل فال البين ،و ُم ٍّ
قط ٌ ُجن ُد َ
محبوبتُه.
وقد كان أولى أن يُدعى عليه من سائر المهاري ،النفراده بالحبيب ،وحمله إياه ،لكن استثناه ،ألنه يحمله ،فيقيه
الرجلة ،وما يلحق معها من الكسل وال َكلَل .وقوله( :بمصور) :اي بستر ُرقم عليه صورة شخص قد لبس ُّ
حريرًا مصورًا ،ومن عادة عقائل العرب َرقم الحجال ،كقوله:
حطـم
ِ حب الفنَا لم يُ
َزلن به ُّ
ن َ منزل
ٍ كأن ُف َ
تات العِهن في كل
وذلك أن حب ال َفنا أخكر ،مالم ي ُكسر ذهبت حمرته.
وإن شئت قلت( :بمصور) :يعني هودجًا عليه حرير مصور ،وإنما جعل الهودج مصورًا ،ألنه ذو شكلُ ،
وكل
شكل ُمصور.
ٍ
لو ُكنتُها لَ ُ
خفيت حتى يظهرا) صور ًة في سترها ُ
نافست فيه ُ (
صورة .فيقولَ :ح َسدت هذه الصورة على قربها منه .فلو كنت مكان كان دُون هذا المحبوب ستر فيه ُ
فزلت عن وجهه ،ليزول الستر ،فتظهر للعيون. الصورة ،أو كنت إياها :لَ َخف ُ
ِيت ُ
فإن قلت :ال يلزم زوال الستر الحامل الصورة ،لمكان زوال الصورة ،ألن الصورة تخطيط موضوع فيه،
والتخطيط َع َرض.
قلنا :لو ارتفعت الصورة المنتقشة في ذات الستر ،الرتفع الجوهر الحامل لها .وإنما ارتفاع التخطيط عن
المخطوط ،وبقاء الجوهر بعد ذلك ُم َت َوه ٌم ال َم ُ
وجود.
وإذا تأملت البيت فهو شعري ال حقيقي ،الن من الصور الموضوعية في الثياب ما يمكن إزالته ،ومنها ماال
يمكن .وأحسن مافي ذلك أن يقال :إن المتنبي عنى الصورة بالخرقة الحاملة لها.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
تترب األيدي ال ُم ُ
قيمة فـوقـ ُه كِسرى ُمقام الحاج ِب ِين وقيصرا) ال ِ (َ
سرى :لغتان .واختار ابن السكيت الكسر .وقالواَ :ترب الرجل :قل مالُه ،وأترب :كثر ماله .اي الِسرى و َك َ
ك َ
تفتقر األيدي المصورة التي أتقنت هذه الصورة صنعًا ،وأجادتها وضعًا ،فأقامت كسرى وقيصر ملكي فارس
والروم لها ُمقام الحاجبين ،فحجباها وإنما عنى بذلك صورتيهما ال ذواتهما ،الن ذلك ليس في اإلمكان ،إذ
الصورة الصناعية ال تقبل طبيعة الحيوان.
لمنعت كل سحاب ٍة أن ُ
تقطـرا) ُ ُ
استطعت إذا اغتدت ُرواد ُ
ُهم (ولو
الرواد ليخبروهم بمواقع الماء،الروادُ :منتجو الكأل ،وافتراق العرب من حاللها إنما هو للنجعة بهم ،يقدمون ُّ
ُّ
في مواضع الكأل .وفي المثل( :اليكذب الرائ ُد أهله) .فإذا أخبرهم بوجود ذلك َظعنوا .وان أخبرهم بعدمه،
الخضر .فيقول :لو كان في قوتي أن تطيعني سكنوا فلم يظعنوا .فإذن إنما سبب الفراق نزول المطر ،وظهور ُ
السحاب ،لنهيتهن عن المطر ،لئال يجد رائدهم أرضًا ُمخصبة ،وال روضة ُمعشبة ،يدعوهم إليها ،ويدلُّهم
عليها .فلو كان ذلك من قوتي لم يفارقوني.
ياح ببي ِن ْهم أن يُمطرا) السحاب أخو ُغراب فراقه ْم جعل َّ
الص َ ُ (فإذا
هذا البيت تفسير لألول ،وهو عندي داخل في نوع التضمين ،وإن لم يكن منه على
ُ
فوجدت س َب َبه إنما الحقيقة ،وذلك انه محمول على المعنى .أراد :ألني تأملت بينهم،
الح َجر فا ْن َف َجرت من ِه أثنتاَ
اك َص َ هو النُّجعة .وهو كقوله تعالىَ ( :ف ُقلنا ْ
اض ِر ْب ب َع َ
َعئرة عينًا) اي فضرب فانفجرت ،فكذلك اراد المتنبي ،ألني تأملت فإذا األمر كا،
الن المطر إذا وافى ،خرجوا في إثره منتجعين له ،فصار السحاب بمنزلة ال ُغراب،
في أن أمطاره مشعرة بالبين ،كما أن صياح الغراب معلن بذلك عن العرب،
وجعله إذن غراب فراقهم ،ذهابًا إلى َشبهه به ،الن األخوين في غالب األمر
متشابهان .اي أقام السحاب واألمطار مقام صياح الغراب ،في اإليذان بنواهم،
وبُعد مثواهم .و (ج َعل) هاهنا ،بمنزلة صير ،فهي متعدية إلى مفعولين؛ كما أن
صير كذلك .وذكر السحاب ألنه مما ليس بينه وبين واحده إال الهاء .وسوغ
شكل واحداه.
التذكير في هذا الضرب من الجمع خروجه إلى ِ
وج ُ
ؤذرا) أسبى مها ًة للقلوب ُ وض إال أنها (يحم ِْلن مِثل َّ
الر ِ
شبه ما علال الهوادخ من الحرير المزين ،والوشيب الملون؛ بالروض الذي سارت فيه إبلُهم ،في َتزاهي
ُ
عقائل الخمائل األريضة والحقوف المريضة؛ كقول ابن نواويره ،وتخايُل أزاهيره .والمها :وهي بقر الوحش؛
مقبل يصف بقرة وحشية:
َر َخ َ
اخ الثرى واألقحوان ال ُمديما رمـل فـي ُحـقٌـوفـه
ٍ ُ
عقبلة
فلما جعل الوشى وما على الهوادج من صنوف الرقم بمنزلة الرياض ،جعل ما يس ُتره من النساء بمنزله ال َم َها
وجؤذرا النجل وال َكحل .ثم استثنى فقال إال أن ما على الهودج من هذه المها أسبى مها ًة ُ
ِ والجآذر .وذلك في
رن في الروض بمثل نقوشه ،من ر ُقوم ال َهوادج،
للفؤاد ،من هذا الروض الباقي .فكأنه قال في كل ذلكِ :س َ
وح َملن مثل وحشها من رباتها كقول البحتري:
َ
أغصان به و ُقـدو ِد
ٍ ُ
أعطاف لما مشين بذي األراك َتشابهت
ووشى بُرو ِد
ُ وشى ُربًا
وشيان ُ في ُحلتي ِحبر َوروض فالتقى
ومثله قوله؛ أعنى المتنبي:
الغانيات َو َرن ُد ُه
ِ اوح م ُ
ِسك َت َف َ األحداج فوق نباته
ُ ارت
إذا َس ِ
واراد :أسبى مهاة للقلوب ،وجؤذرًا منه فحذف (من) ومثله كثير.
الخ ْن َ
ص َرا) خاتماي ِ
َ وأنكر
َ ضعفًا ْ
نكرت قناتي راحتـي ( َف ِبلَحظها
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
اي بُليت بعشقها حتى بليتن فضعفت راحتي ،عن حمل قناتي ،فأنكرتها كأن القناة تقول :ليست هذه اليد التي
َعهدتها ،وال القوة التي شهدتها؛ وكذلك دقت خنصري ،ورقت عن خاتمي؛ حتى أنكرها ،لما رأى فيها من
خالف ما كانت عليه .وأراد :وانكر خاتمي؛ فوضع االثنين موضع الواحد ،كقول امرئ القيس:
ُشقت مآقيهما من أخر در ٌة َبـدر ٌة ٌ
وعين لها َح َ
ِر وأن َك َر .لغتان فصيحتان؛ جمع بينهما في بيت واحد .وهذا من
وهذا الضرب من االتساع وعكسه كثير؛ و َنك َ
غريب الصنعة الشعرية.
بحر جوهرا)
أليممن أجل ٍ الفضل المثبر أليتي
ِ (أمى أبا
َّ
(أليممن أجل بحر جوهرًا) واهلل او غير ذلك من اي اقصدى أيتها الخيل أبا الفضل؛ الذي لما حلفت فقلت:
أنواع المقسم به ،ثم قصدته؛ فألقيته أجل البحور جوهرًا ،أبر بذلك يميني .وقوله أليممن أجل بحر .تفسير
األلية.
أنى لما حلفت أل َيممن أسنى البحور جوهرًا ،لم أعلم اي البحور هو وقد لزمتني األلية؛ فاستفتيت فقهاء األنام
ومتفلسفيهم؛ فأفتوا به وقالوا :إذا يممت أبا الفضل ابن العميد ،فقد َب َررت لنه أجل جوهرًا ،وجاللة الجوهر
كناية عن جزالة العطاء ولو قال :أفتى بأمه األنام فاتزن له؛ لكان أشد تطابقًا لما قبله؛ ولكن لم يستقيم فيه
أم وال رؤية.
الوزن .وسوغ ذلك أنه إذا كانت رؤية فقد كان أم .وهذا ال ينعكس ،ألنه قد يكون ٌّ
ما َيلبسون من الحدي ِد ُمعصفرا) ( َخنثى ال ُف ُحول من ال ُكماة بصبغ ِه
نثى .وهو الذي ال يخلُص إلى اإلناثية ،وال إلى ُ
الذكورية. (خنثى الفحول من الكماة)َ :خنَث اهللُ َ
الخنِث :خلقه ُخ َ
والمعصفر :من زى اإلناث ،وذوى االنخناث .فيقول :صير ال ُفحول من الكماة إناثًا ،بصبغة ما يلبسون من
الجبن ،بما ألقى في قلوبهم من الرعب.
الدروع والجواشن والبيض بالدم .فزياهم زي النساء ،وألحقهم بهن في ُ
ُ
خالقك الرئيس األكبرا) َ
ودعاك ( َفدَعاك ُحسدُك الرئيس وأمس ُكوا
َّ
كالخط يمأل مس َم َعي من أبصرا) صفاتُك في العيون كالم ُه ( َخلَفت ِ
اي أن حسادك لم يجودا ُبدا من أن يدعوك رئيسًا ،إذ لو َحجضدوا ذلك لما ُجو ِم ُعوا
عليه ،وال ُطووعوا باإلجابة إليه .لكن لم يبلغوا الغاية في إنصافك ،حين لم يسموك
الرئيس األكبر .وأنصفك خالقك ،فدعاك بما قصروا هم عنه ،فدعاك الرئيس
األكبر .ثم أقام البرهان على هذه الدعوى الحقيقية .فقال :لك صفات توجب لك أن
تسمى الرئيس األكبر ،فكأنها ُخط فيها حكاية قوله تعالى( :إنك رئيس) وإن كنت ال
تسمع.
والسحاب
َ ُ
تشرق الشمس تر ّد ترى ال َف ِ
ضبلة ال ُ ( َو َ
َكنَهورا) ً
فـضـيلة
السمى وإشراق الشمس وتكاثف السحاب، كنهور كان من أعقاب ُّ
ٌ ال َكنَهور :السحاب المتراكم :أنشد سيبويه:
فضيلتان ذديتان .والضدان مختلفان؛ال مؤتلفان .و ُم ْعتقبان ال ملتقيان .وهذا الممدوح قد جمع إشراق الشمس،
بره
وتكاثف السحاب ،ألنه مستبشر الوجه جميله ،مستبشر النيل جزيله ،فاإلشراق بشره وجماله ،واألمطار ُّ
وأرحم ذي كِبد فجعله حسنًا سمحًا
ُ ُ
وأحسن ذي وجهٍ ،وأسم ُع ذي ي ٍد وأشج ُع ذي قلب، ونوالُه ،وهذا كقوله فيه:
بهذا ،كوصفه إياه بالشمس والسحاب ،فيقول :ليت هذه الباكية التي أبكاها نواي عند وداعها إياي ،شهدت ما
شهدته من هذه القضية ،فتعذرني فيما رأتني عليه ،من اجتماع النية ،وإزماع الطية ،إلى هذا الممدوح،
لمشاهدة ما فيه من األمر العجيب ،والفضل الغريب.
والسحاب) ،بدل من الفضيلة ،وهو محمول على المعنى ،الن معناه ،فترك فضيلتين ال َت َترادان، َ (الشمس
َ وقله:
والسحاب) لكان حسنا ،لكنه تمم بقوله( :تشرق)
َ (الشمس
َ على ما هما به من كونهما نوعين متضادين ،ولو قال
لقولهَ ( :كنَهورا) ،في صفته ،فإذا وقع التناهي ،فكانت الشمس ُم ً
شرقة ،والسحاب َكنَهورًا ،لم يمكن اجتماعهما.
وله ايضا:
آخر ذا اقتصادُه) َس َر ٌ
ف قال ٌ ٌ
نـائل أنـا مـنـ ُه ( ُكلما قال
اي كلما استعظم منه نائل يُعد سرفا ،أعقبه نائل أعظم منه َي ُع ُّد ذلك النائل األول الذي كان يستسرف اقتصادًا،
بإضافته إلى الثاني ،وليس للنائلين منال ،لكن القول لما كان من أجملها ،نَسب القول إليهما.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
الحداء بصوته ،وقيل :كفانا اي ُكفينا ُحداء اإلبل برعد الربيع ،النه قام لها مقام ُ
وحداؤها .ولو عدد للربيع أيادي غير وشربها ُ الربيع العيس :اي كان منه َرعيُها ُ
الرعد كما قال ،لقال :فجائته :اي رعت .وشربت؛ وجاءته .وإنما قال (فجاءته):
فبين كيفية الكفاية ،كما تقول :أحسنت إليك فوهبتك ألفا ،فهبة األلف تفسير
لإلحسان .وقوله( :لم َتس َمع ُحداء) جملة في موضع الحال اي جاءته غير سامعة
ُحداء إال الرعد.
رعد رعدًا .وال يكون الرعد الذي والرعد هنا :مصدر من قولكَ :ر َعدَت السماء َت ُ
ال يُسمع هو الجوهر المكنى في قوله تعالى( :ويُسبح الرع ُد بحمدهِ) ألن ذلك ال
بالعرض أولى ،وهذا َ ض ،فمقابلته يُسمع بذاته ،إنما يسمع صوته .والحداء َع َر ٌ
دقيق فتفهمه.
يعرض نفسه َك َرعن ِب ِس ٍ
بت في إنا من ال َورد) ُ (إذا ما اس َت َحين الماء
يصف ما أمطرتهم به السماء من الماء ،وأنبتت لهم األرض من الربيع ،في ُمضيهم إلى أبى الفضل ،لمكان
بركته ،وأن العناصر تُعظم شانه ،وتعلى مكانه ،فتسقى ُرواده ،وترعى ُقصاده .والسبت :كل جلد مدبوغ وقيل:
العرب مشافر اإلبل بها ،فيقول :إذا مرت
ُ هو المدبوغ بال َق َرظ خاصة ،وهو يلين الجلود ويحسنها ،حتى تُشب ُه
هذه اإلبل بهذه السيول التي غادرتها هذه الغيوث ،ظلت كأنها تعرض نفسها عليها .فكأن اإلبل مستحية منها.
إللحاح المياه عليها ،بعرضها أنفسها ،وقد أحاطت بها رياض الورد او ما يشبه الورد ،من ضروب األزاهير،
وأنواع النواوبر .فهي تُدخل أكارعها فيه؛ وتغمس مشافرها في تلك المشارب ،متقنعة من إفراط الحياء ،بذلك
الورد النابت .وإنما عنى (بالسبت) ها هنا مشافرها ،كقول طرفة:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ال ُبرد :الثوب ال ُموشي؛ وطرائفه مختلفة األلوان؛ اي فهذه الكتائب شتى المطالب؛
بعيدة المذاهب ،فهي تطأ لبعد مرامها؛ ارضين مختلفة أنواع التراب؛ اختالفاَ لونيًا؛
من بياض وسواد .فكل أرض تؤها تختفي من غبار هذا الجيش بترابها؛ فيكسب
بذلك ألوانًا مختلفة؛ بحسب أنواع التراب؛ لكل نوع ولون؛ فكأن الغبار ُبرد؛ وهذه
ألوان فيه.
أرى َبعده من ال يرى مثل ُه (و ُكل شريك في ُّ
السرور
بعدي) ب ُمص َبحي
أوان صباحي؛ اي وكل مشارك لي من أهلي في السرور في رجوعي وتصبيحي له؛ عند رؤيته ما ُمصبحيُ :
أقناني ِه لقاء هذا الممدوح من الثروة فإني مع ذلك كله منفرد دونه بأثرةٍ؛ وهي رؤيتي هذا الممدوح الذي ال
يرى هو بعدي مثله .يقول؛ فأنا أكره أن أنفرد بنوع من انواع ال َمسرة دونهم؛ فإذا أنا أبت إليهم ورأوني ،رأوا
من ال نظير له عندهم كما أرى أنا اآلن من ال نظير له ،فاستووا معي فيما نلته من الغني وأدركته من ال ُمنى،
أال تراه يقول:
يُيرني أهلى بإدراكها َوحدي) (وقد ُ
كنت ال ُمنى غير أنـنـي
وهذا كله اعتدار إلى أبى الفضل في إيثاره الرحيل عنه .وإنما كان يريد التمادي إلى شيراز ،ثم األوب إلى
أهله.
وله ايضا:
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
نأت والبد ُ
ِيل ذِكراها) لِمن ْ (أو ِه بدي ً
ال من َقوءلتي َواها
أوهِ ،وأوهِ :كلمتا توحع مبنيتان على الكسر .ووا ٌه :كلمة استطابة واستزادة .فيقول :أنا متوجع لفراقها بعد
(لمن نات والبديلُ
ُليت بفرقة الزوال ،وقولهَ :استزادتي وصالها واستطابتي إياه ،لم أقنع بهجر الدالل ،حتى ب ُ
ذكراها) اي أعنى التي بانت بهذا التوجع (والبديل ذكراها) ،او ذكراى إياها بدل مثها .هي مفقودة اي ذكراها
لدي موجودة.
ُ
وأصل واهًا وأو ٍه َمرآها) اسنها
(أو ِه امن ال أرى َم َح ِ
والتفجع لفقدي رؤية محاسنها( .وأصل واه واوه مرآها)؛ إنما
ُّ التوجع
ُّ اي غنما أرجع هذه الكلمة التي معناها
بنواها،رؤيتي لها .وذلك اني رأيتها فهويتها ،ووصلت فاستطبتها ونأت
ُ كان سبب استطابتي إياها ،وتوجعي
ُ
فتأوهت لها.
تُ ِ
بص ُر في ناظري ُمحيأها) (شاميَّ ٌة طاَلما َخلَ ُ
وت َبـهـا
شامية :منسوبة إلى الشام .يقال :شام وشأم .وناظر العين؛ إنسانها والمحيا .الوجه اي هذا المحبوبة شامية
ال ،فاستمتعت بوصالها ،واستكثرت نوالها.خلوت بها طوي ً
وإنما قبلت به فاهـا) ُ
تغالطني (فقبلت ناظري
اي كانت تنظر إلى عيني ،فشخص لها صورة وجهها في ناظري ،والفم جزء من الوجه .فكانت ترى فاهًا في
ُجملة وجهها المرئي في ناظري ،فكانت تقبل الناظر ُم ً
رية أنها تريده ،وإنما كانت تريد فاهًا ،فتقبله بالناظر،
كما كانت في المرآة الن الناظر عضو مجلُ ٌو ،فتشخص فيه الصورة ،كشخصها في المرآة.
َولَت ُه ال ُ
يزال مأ َواها) ال ً
آوية تـز ُ
( َفلَيتها ال َ
أويت المكان ،وأويت إليه ،وذكر آوية ،وكان الحكم آويتُه ذهابًا
اي ليت صورتها ال تزال آوية ناظري .يقالُ :
إلى الشخص او الشكل اي وليت الناظر ال يزال مأوى هذه الصورة.
وهذا البيت مشتمل على قضيتين ،ترجعان إلى قضية واحدة ،الن التمني األول هو التمني الثاني.
ُر ُ
فذبن أمواها) َو ُه َّن د ٌ والح ُ
مول سـائر ٌة (لَقيننا ُ
والحكول سائرة بهن اإلبل بما عليها من الهوادج ،وهن دَراري ،وهن دَرارس ،قد الظ ُعنُ . لقيتنا :يعني هؤالء ُ
شراتُ ُهن وصفت ،فهن كالدر .وأراد مثل الدر؛ فبالغ احتى جعلهن الدر نفسه .وال بد اعتبار (مثل) ألنهن رقت َب َ
ال يكون دُرا ،الن الدرجماد؛ وهي حسوان ناطق.
فذبن أمواهًا :اي بكين لما سارت بهن اإلبل .فلما كانت دموعهن كبشراتهن التي شاكت الدر ،رقة وقولهُ :
وصفاء ،ظننتهن درًا ذائبًا ،وهذا كقوله هو:
ُ
بشرًارأيت أرق من َع َب َراتها أوفى فكنت إذا رميت بمقلتي
وقوله :امواهًا :منصوب على الحال ،وإن كانت األمواه جوهرًا فقد يكون الجوهر حا ً
ال.
حكى سيبويه عن العرب (العجب من بُر مررنا به قفيزًا بدرهم) قال :قد يكون خبرا ماال يكون صفة .يعني
بالخير الحال؛ وقال :هذا بُسراُ أطيب منه رطبا .وفي التنزيل (هذه ُ
ناقة اهللِ لَ ُكم آية) ومثله كثير.
(ذبن) وإنما يعني دموعهن .لكن ادعى أن الجملة قد عادت ماء مبالغة. وقالُ :
الشروب َعقراها) َت ُك ُ
وس بين ُّ ْ
تزكـت (او َع َبرت َه ٌ
جمة بنا
ال َهجمة :القطعة من اإلبل ،قد اختلف في عددها .فقيل ما بين السبعين إلى المائة.
وقيل أولها األربعون؛ إلى ما زادت .يصف ُشربه وقراه األضياف ،فيقول :تمر بنا
إ ُبلها فنُعرقبها للضيفان ،حتى تكوس اي تمشي على ثالث وقيل تزحف على
السليطي:ُركبها .قال األعور النبهاني يهجو غسان َّ
قـير السليطي َع َّر َس ْت َرغا ٌ
فرق منها وكاس َع ِ َّ ولو عند غسان
(الش روب) :يجوز أن يكون جمع شارب ،كشاهد وشهود ،وساجد وسجود ،ويجوز أن يكون جمع شرب، و ُ
الذي هواسم لجمع شارب عند سيبويه ،وجمعنا لع عند أبى الحسن .لكن أن يكون جمع شارب أولى؛ ألنه إن
كان اسم جمع على مذهب سيبويه؛ فجمع اسم الجمع في القلة كجمع الجمع ،من حيث كانا مشتركين في الداللة
على الجمع .وإن كان الشرب جمعًا على رأي أبى الحسن ،فجمع الجمع قليل ،ال يحمل سيبويه صيغة الجمع
ال إلى غير ذلك .ومن ثم ذهب الفارسي فيعليه ما وجد عنه مندُوحة ،إنما يقر بجمع الجمع إذا لم يجد سيب ً
ُ
وسقف ،واستجاز هذا على قلته، ْ
وسقف ُوس ُجلَ ، ُن مقبوضة) إلى انه جمع َر ْهن؛ َ
كس ْج ٍل ُ قراءة قرأ ( َف ُره ُ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
ورهان :جمع َر ْهن .وإنما ذلك من أبى على فرار من
هانِ ،
كراهية أن يحتاج إلى أن يقول إن ُرهُنًا :جمع ِر ٍ
(ش ُروب) :جمع شارب ،أولى من كونه َشرب ،فافهمه. جمع الجمع .فلهذا قلنا غنُ :
كما َت ُقو ُد السحاب ُعظماها) ( َت ُقود ُمس َتحسن الكالم لَـنـا
السحاب سحاباً.
ُ اي إذا اعتبرنا مآثره ،وامتثالنا مفاخره ،لقنتنا ُمس َتحسن الكالم فيه ،وفادته لنا ،كما يقو ُد
لم ُيرضها أن ترا ُه يرضاها) نت خيلُـه لـنـائلـ ِه
فض ْ
(لو ِ
اي لو شعرت خيله انه إنما يُعدُّها للهبة ،وإنه إنما يهب منها الخيار المرضية؛ لم َترض هذه الخيل أن بُرى
عنها راضيًا ،الن مارضي منها موهوب آلمله ،ومبذول لسائله.
السرور ُعقباها)
َ ثُم تُ ُ
زيل ( َت ُس ُّر َطرباتـ ُه َك َ
ـرائنـ ُه
وسرهن الكرائن :جمع َكرينة وهي المغنية .والكران :ال ُعود .اي إن الكرائن ذا غينه أطربنه ،فوهب لَ ُهنَ ،
قبي الطرب ُس ُرور ُهن
فيأسين لفراقه ،فتزيل ُع َ
للشروب ْ الحد فيهبهن جميع ُه َّن ُّ
الطرب ذلك َّ
ُ بذلك .ثم تجاوز
َ َّ
(عقباها) راجعة إلى الط َر َباتز وكان حكم (ط ْرباته) بتحريك العين ألنه جمه لهبته إيا ُهن لنداماه .والهاء في ُ
َّ
( َف ْعلَة) اسمًا ،لكن الشاعر إذا اضطر َسكن مثل هذا ،إلقامة الوزن ،أنشد الفارسي:
ُ
قضات الهوى في ُخ ُفو قًا َو َر ذكر عـودن أحـشـاء ْ
أبت ٌ
المفاصل قـلـبـه
قاطـ َع ٍة زيرهـا
ِ ( ِبـ ُكـل مـوهُـوب ٍة
َومـثـنـاهــا) ــولـــول ٍة
ِ ُم
ثنى) .ندم لمن حصلت عنده ،ممن ليس نِده.
(ولولتها) :أنينها لفقده ،و (قطعها الزير وال َم َ
من ُجو ِد ِّ
كف األمير يغشاها) ( َت ُعو ُم َعو َم الـقـذا ِة فـي زي ٍد
زبدٍك اي ُمز ِبد ،ليس على الفعل ،ألنا لم نسمع زبد ،وإنما هو على النسب ،اي ذو زبد ،كما ذهب إليه سيبويه.
اي هذه الموهوبة محتقرة في جملة عطائه كاحتقار القذاة في معظم التيار.
إذا انتشى ً
خلة تالفاهـا) (ال َت ِج ُد الخمر في َم َكارم ِه
الخمر .وهذا
ُ تسدُّها تقصير قبل الخمر ،وال ً
خلة ُ ٌ اي كرمه طبيعة ،فسواء عليه صحا او سكر ،ال يقع في كرمه
كقول البحتري:
يجته ُ
ابنة ال َك ْر ِم لقلنا كريم َه َ الكئوس عليه ُم
ِ ُيكرم من قبل
وأراد (تتالفاها) فحذف إحدى التاءين ،كراهية اجتماع المثلين .وهذا مطرد في اللغة ،و (انتشى) :سكر.
الراح دُون أدناها
ُ فتس ُق ٌط الراح أريحيتـه
ُ صاحب
ُ تُ
أريحية الراح :يتكرم بها اللئيم ،ويزداد َكرما بها الكريم فهي على كل حال ُتوجد مزية لم توجد قبلها ،وأريحية
ُ
أريحية السكر مقصرة عن أدنى منازلها .فكيف أن توجد فيها مزية لم تكن الممدوح طبيعية بالغة ً
غاية تكون
قبل؟ (تجمعت في ُفؤاده جوهر ،والدهر َع َرض ،وال يكون الجوهر جزءًا من العرض ،ولكن استعاره له من ُ
صنعة واقتدارًا .وقد بين ذلك قوله:
لَدمى َّ
حد مفرق ِه ُحسامي رز الزمان إلى شخصًا ولو َب َ
ولما جعل له فؤادًا استجاز أن يجعل له همة ،ألن الفؤاد مطية الهمة .وحسن ذلك
قولُهَ ( .ت َج َّم َعت في ُفؤاد الدهر منها واحدة ،ويضيق عما سواها.
مان أبداها) أوسع من ذا َّ
الز ِ حظهـا بـأزمـن ٍة (فإن أتى ُّ
يسع فؤا ُد الزمان منها ،إال واحدة بأزمنة أوسع
اي فإن أتى حظ هذه الهمم التي ال ُ
ُ
الزمان من هذا الزمان ،أبدى الممدوح تلك الهمم ،التي ال يبديها إال أن يضيق
(جدُّها) .وقوله( :بأزمنةٍ) أحسن من قوله( :بزمان)، عنها .و (حظها) هنا كقولهَ :
بعد أن يحتكله الوزن؛ ألن الجمع أبلغ من الواحد.
َتعثُ ُر أحياؤُها ْ
بموتاها) ارت الفيلَ َقان َواحد ًة
ص ِ ( َو َ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
واحدة :اي فيلقا واحدة ،وإنما صارت الفيلقان فيلقًا ال ختالطهما ،حتى كأنهما اتحدنا .والهاء في (أحيائها
وموتاها) :عائدة إلى الفيلق الواحدة.
الدهر بعد قت َ
ال َها) ُ نظرها
يُ ُ (يُعجبُها َقتلُها ال ُكـمـاة وال
اي إذا َق َتل الفارس فارسًا أعجبته ذلك ،ثم ال يلبث أن يُتاح له فارس آخر يقتله.
أقمارها ألب َهاها)
ُ تسج ُد فلك ُ
النيرات في ٍ ( َودَارت
عنى بالفلك هنا :ذات المعترك ،حيث التقت األمالك واألبطال األنجاد .وكال هذين القبيلين (أقمار) فهي (تسجد
ألبهاها) يعني الملك.
ال ُمثني عليه الوغي َو َخ َ
يالها) السـالح بـه
ُ الفارس ال ُمتقي
ُ (
يُتقي به السالح ،ألن السالح ال يؤثر فيه ،بل هو المؤثر فيها كقول اآلخر:
ذلك َ
فوق الدروع لدفِع ِ الالبسين ُقـلُـوبـ ُهـ ْم
َ
اي إن أفئدتهم أوقى لهم من دروعهم ،ألنها أثبت صيانة ،وأنشد منها حصانة ،وثنى الخيل ،ألنه أراد خيله
وخيل عدوه ،ألن الحرب إنما تقوم بطائفتين متضادتين .ولذلك قال بعض األوائل ،من الحكماء األفاضل:
الحرب حينئذ ذو طبيعتين متضادتين ،اي قوامها ذلك فان بطل أحد الضدين بطل الحرب.
َاها)
آثار َها َع َرفن َ
في الحرب َ (لو أنكرت من حـيائهـا ي ُد ُه
ذهب قوم إلى أنه َي ِجلُدي تركنأ ولف .هادع يف هريثأتب رخفلا نع ّه ذلك لعرفنا أن هذه اآلثار لها.
والذي عندي أن آثار مفاخره في العالم ِحسان ،وذلك بإغناء فقير ،وافتكاك أسير ،وبث فضل ،وإقامة عدل.
الصور .ألنها إنما هي إفساد جواهرهم ،وتغيير ظواهرهم وبواظنهم .قلو أنكرت يده أما آثاره في عداه فقبيحة ُّ
هذه اآلثار ،حياء من قبحها ،لعرفنا نحن أنها لها ،ألنه يؤثر في العدي هذا التأثير إال هي.
الموت ُ
بعض سيماها) ِ ناقع
َو ُ ( َوكيف َتخفي التي زيادتُـهـا
يعني يده ،اي وكيف تخفي آثار هذه اليد ،التي سوطها وناقع الموت جزء من سيماها .عنى بناقع الموت:
السيف ،وبالزبادة :السوط وذلك أنه يضرب بالسوط ،ويقتل بالسيف .وإذا كان هذا بعض سيماها ،ونتيجتها
الضرب والقتل ،فما الظن بكلية سيماها.
وعب ُد ُة كال ُموح ِد اهلل)
َ الناس كالعا ِبدين ً
آلهة ( ُ
اآللهة :ال تغني عبادها ،واهلل يغني عباده .يقول :فمن أمل غير هذا الملك ،لم يستغن بواحد عن آخر ،مع ما
يُنتج له ذلك من قلة الغنى ،ومن أمله كفاء ،وأغناه ،عمن سواه ،كما يفعل ذلك بعبده اإلله.
وله ايضا:
كل وال ُع ُق ُل)
الش ُ
د ُون السالج ُّ ( ُعد ُد الو ُفود العـامـدين لـ ُه
اي ال يقصد المحاربون ،ألنه ال يطمع فيه أحد ،فلذلك ال يُعد له السالح ،وإنما يقصده اآلملون ،ف ُعددهم ُّ
الشكل
وال ُع قل ،ألنهم يسألونه الخيل للحرب ،واإلبل للدية .ووفد العرب انما بغيتهم ذلك ،فهم يُعدون الش ُكل وال ُع ُقل،
ثقة منهم بهبته لهم يسألون.
هي او َبقِيتُها او ال َبد ُ
َل) َ (تُمسى على أيدي َم َواهب ِه
اي أن مواهبة مستبدة بخيله وابله ،ال مطمع لإلبقاء فيها .وقد اجاد أبو الفتح في
أمر ما ،فلم بك ابتزازه منه َمطمع. تمثيله اياه بقول العرب في الشيء إذا استبد به ٌ
دي َعدْل).
ضع َعلى َي ْ
( ُو ِ
ومعنى البيت :أن يهب ُجودُه خيله ،وخيار ابله ألوائل الوفود عليه ،وما بعدها في
المنزلة ،وهي البقية ،لمن يفد يعد الوفد األول .حتى إذا لم يبق من خيله وال ابله
والورق. شيء أعطى بعدها العين َ
وال َبدل هنا :اسم وقد يكون ظرفًا في غير هذا الوضع .فاذا كان اسمًا كان بمنزلة
البديل ،قال سيبويه :وتقول :أن َب َدلَك زيدًا ،اي إن مكانك زيدًا .قال :وإن جعلت
فلحق باألسماء .وأراد( :أوبدلُها) فجعل ال َبدل بمنزلة البديلُ ،قلت :إن َب َدلَك زيدٌِ ،
األلف والال عوضًا من اإلضافة ،ألن كل واحدة منهما للمعرفة وجعل للمواهب
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
(أيديا) تح ُكما على الصنعة ،وتأنقًا في البالغة ،وليُشعر أنه إنما َوازى به قول
ض َع على يدي َعدل).
العرب فيما ينسب منهُ ( :و ِ
ُ
األسل) َشوقًا إليه ينبُ ُت سبيل (يُ ُ
شتاق من ِيده إلى ٍ
الس َبل :المطر ،كناية عن العطاء ،يقول :يشتاق إلى يده ،حتى أن األسل ال ينبت إال ليباشر راحته ،فيُروي
بنائلها َك َريه بالسحاب ،بل أكثر .وإن شئت جعلت حظ األسل من نائل كفه ،ما يسقيها من الدم .وقوله :شوقًا
ال من أجله ،وهو يسميه سيبويه ُعذرًا لوقوع ُ
األسل :جعله في موضع الصفة لسبل .وشوقًا مفعو ً إليه ينبت
األمر.
ِن َت ْق ِب ِيله َبلَ ُ
ـل) بالناس م ْ
ِ أرض أقام بها
(فإذا َحمى ٍ
صى اي إذا حل بحصى أرض ،قبله الناس بين يديه ،حتى تبل أسنانُهم اي تُقبل وتنعطف إلى الباطنَ .
وح َ
منصوب بفعل مضمر .اي إذا حل حصى أرض (وأقام بها) :تفسير للفعل المضمر ،ألنه إذا أقام به فقد حله،
وأراد :فباأناس ،فحذف الفاء للضرورة ،وهو كثير في الشعر ،أنشد سيبويه:
والشر بالشر عند اهلل مِث َ
الن ُّ من يفعل الحسنات اهلل َيش ُك ُر َها
اي فاهلل يشكرها .والهاء في (بها) راجعة إلى الحصى ،الن الحصى يؤنث ويذكر ،وكذلك كل جمع بينه وبين
واحده الهاء .وال تكون الهاء في (بها) عائدة إلى االرض ألنه البد في الفعل من ُمضمر يرجع إلى المفعول،
اال أن يُحذف لضرب من االستخفاف ،كما قد بين سيبويه في غير موضع.
ولو كانت الهاء راجعة إلى األرض ،ولم َت ُعد إلى المفعول الذي هو الحصى ،لقلت( :زيدًا ضربت هندًا) مريدًا
ُ
(ضربت زيدًا ضربت هندًا) .وهذا ال يقوله أحد ،البد في الفعل الظاهر من ضمير ملفوظ يه او مقدر ،يعود
ال على التذكير ،والعرب تقول :شجر أخضر، إلى المفعول المنتصب بالفعل المضمر .وقال( :من تقبيله)َ :حم ً
وخضر ،وحصى أسود وسُود. ُ
ُ
الحيل) ضاقت َ
بك إال إذا َ أفر منك ت َعر ُفـه
لق َ(ال َت َ
يخاطب بذلك لوهوذان ،يقول له :من عرفت أنه أثبت منك فراسة فال َتعرض له ما وجدت عن لقائه مندوحة،
ُ
الحيل ولم تجد بُدا من لقائه، وال تحاربه ما أمكنتك مسالمته .يعظه بذلك ،وكأنه مستهزئ به .فإذا ضاقت بك
فقد استحققت المعذرة.
ال أفرس منك .وحسن وضع الصفة هنا موضع وقوله أفرس منك :صفة موضوعة موضع االسم اي رج ً
االسم ،ألنها قد تقوت بقوله( :منك) .وأيضًا فإن منك مناسب لالضافة ،والمضاف اسم .وتعرفه :جملة في
موضع الصفة ،كأنه قال :ال َتلق رج ً
ال أفرس منك ،معروفًا لديك.
َـزلُـوا) فإذا أرادُوا ً
غاية ن َ وق السماء و َفوق ما َطلَبُوا
( َف َ
اي رتبتهم في أرفع الغايات من الرتب .بحث ال يمكن َمزيد إلى فوق ،فإذا أرادوا غاية ما غير تلك الغاية،
نزلوا إلى األسفل منها ،اذ ال تمكن غاية إلى فوق ،ألن مراتبهم في أسنى الغايات وأرفع النهايات .وقد قال هو
في هذا المعنى بعينه:
فقلت نعم إذا شئت استفاال وقالوا هل يُ َبل ُعك الـثُّ َ
ـريا
وله ايضا:
فجئتنى في ِخاللها قاصـد) ضت ظن َغ ٌ
شية َع َر َ (ليس كما َّ
وحملمه بخياله فيه .فقال :لعلكان أبو الطيب توقع أن يلومه محبوبه لنومه بعدهُ ،
مرسلك إلى أيها الخيال ،ظن أنى نائم ،أوخلتنى أنت يا خيال كذلك ،ليس كما
أشد من أن أنام عليها ،وانما هي َغشية .فإن الباشق يُغشى عليه، ظننتماه ،حالى ُّ
وليس من شأنه أن ينام فال ألحقن منكما مالمًا ،ألني لم أخل بحق العشق إذا لم أنم.
وانما كنت ُمخال به لو نمت ،فجئتني في خاللها قاصدًا ،اي في خالل تلك الغَشية.
وعيادة الخيال اياه في تلك الحال ،أبلغ وأعرف من عيادته اياه في حد النوم ،ألن
المغشى عليه بمنزلة الميت ،والنائ ُم قد يدرك أشياه كثيرة مما يدركه اليقظان،
كالضحك واالحتالم وغير ذلك وما علمنا أحدًا من الشعراء ذكر أن حيا ً
ال ألم به
في َغشية اال هذا.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وقوله( .قاصد) في موضع نصب على الحال ،فكان حكمه على هذا (قاصدًا) إال
أن من العرب من يقول( :رأيت زيد) في حال الوقف.
قال:
القين على ِّ
الدف إبر َج َعل ُ ٌ َش ٌ
تر جنبي كأنـي مـهـدَأ
وأنشد الفارسي لألعشى:
صـم ُ
وآخذ من كل حي ُع ُ السري إلى المرء قيس ُ
أطيل ُّ
وال يكون (قاصد) في موضع رفع على البدل من التاء التي في خلتني ،ألن المخاطب ال يبدل منه للعلم
(بك المسكن مرت) .وقد أثبت ذلك غير دفعة في هذا بمكانه ،واألمن من التباسه .وذلك لم يجز سيبويه َ
الكتاب.
َ
أبدل نُونًا بدَال ِه َ
الحائِد) دت َفدَعوتُها
(إذا ال َمنَا َيا َب ْ
َسفه رأى وهو ذان في محاربته فنا ُخ ُ
سرو ،ثم عذره ،فقال :إن ال َمنَايا إذا المت فإنما قولها ودعاؤها( :أبدل
صير (الحائد) (حائنًا) وهو الهالك .وليس مقال ،ألن المنية ليست بنوع ناطق ،انما هي نونًا بدال ِه الحائِد) :اي ُ
عدم حرارة الروح ،وذلك َع َرض .ولذلك قالواك َب َر َد فالن ،إذا مات ،يذهبون إلى انقطاع الحرارة الحيوانية،
لكن استعار القول للمنية .وإنما أراد أن( :الحائد) الذي يحيد عن الموت ،إذا وافاه حينهُ ،لم يُغن عنه حيده.
يأ ُكلُها َ
قبل أهله الرائ ْد) وك ن َا ً
بـتة رأوك لما َبلَ َ
( َ
الرائد :الذي يطلُب الكأل للحي ،فيقول لوهوذان :هزمتك طالئع عسكر فنا خسرو قبله ،ولم ينتظروا يك معظم
الجيش ،احتقارًا لك ،وتهاونًا بك ،وإكراما لكوكب الجيش ،فكنت كالنابتة المحتقرة المستصغرة التي يأكلها
لخ َطرها .و (نابتة) :صفة أقيمت
الرائد قبل أهله؛ ال ينتظرهم بها ،وال يدعوهم إليها ،احتقارًا لقدرها واستنزارًا َ
وح ُسن ذلك ،ألنها قد قويت بالجملة التي بعدها ،فضارعت االسم بهذه الصفة ،ألن الموصوفة مقام الموصوفَ .
في األصل إنما هي األسماء .هذا مذهب سيبويه .وإنما اراد :خاله نابتة وحشية ،او نبقة ،او نحو ذلك.
حابض إلى صار ْد)
ٍ يحي ُد عن ٌ
ـرسـلةتق والسـهـا ُم ُم
( ُو ُم ٍ
الحابض :السهم الذي يقع بين يدي الرامي من ضعفه .والصارد :النافذ .يقول :إن اإلنسان ال ينفعه احتسابه،
وال يقيه احتراسه ،فرب ُمتق للموت في الحرب وقد أرسلت السهام ،فنفر عن الحابض ،ولو وقف له لم
يضره ،ويعدل إلى النافذ ،فيقتله ،وهو في كل ذلك ُمصرف بيد القدر.
وله ايضا:
فؤادُه َي ُ
خفق من ُرع ِب ِه) طالب
ٌ اجت ُه ال َق َ
ضى َح َ ( َف َ
يقول :إن الموت َقدَر محتوم ،وقضاء مجزوم ،وسواء فيه الشجاع ،والجبان الفزاع ،فإذا كان األمر كذلك،
فالجازع ملوم ،والجبان مذموم .فمن الحق أن يُدعى على الطالب الشديد الهيبة ،أال َي ْظفر من حاجته إال
بالخيبة .والجملة التي هي قوله( :فؤاده يخف ُقق من ُرعبه) :في موضع الصفة لطالب .و (طالب) :صفة
وحسن ذلك ،ألنه قد ُقرن بالصفة ،فضارع االسم.
وضعت موقع الموصوفُ .
والهاء في (رعبه) :إن شئت َردَدتها إلى طالب ،وإن شئت إلى قوله( :فؤاده) .والبيت مشتمل على الدعاء على
ُ
الجبن اإلحجام. كل من إذا رام اإلقدام ،أورثه
ـائر فـي ُكـتـبـ ِه)
الس َُّ حمل ( َح َ
اشاك أن َتض ُعف عن ِ
اي حاشاك أن تض ُعف عن احتمال ما قدر الفيج بالنعي على احتماله؛ اي إذا كان ال َفيج (وهو الرسول غبال
قدميه) يقول :جاء على احتماله في كتبه ،وهو متكلف مع ذلك ِر ْجلَه ،وعاد ٌم َر ْحلَه ،فأنت أحجى باحتماله على
ترك استهواله.
وقال ايضا:
الح َبال)
يل في ِ قيدت ُ
األ ُ ( َو ِ
يل :اسم للجنس ،وأنث على معنى الجماعة ،وقد يجوز أن يكون (أُيل) على اعتقاد ضمة مجتلبة للجمع ،كما ُ
األ ُ
ذهب إليه سيبو]ه في دالص َو ِهجان .وقد أثبت األيل واشتقاقه ووزنه وتكسيره ،وما فيه من اللغات ،في كتابي
الموسوم (بالمحكم).
ال) ِن َ
األ ْو َع ِ أو َف ِت ال ُفد ُ
ْر م َ ( َو ْ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
األوعال :شياه الجبال ،ال ُفدر :ال َم َسان يجوز أن يكون جمع َفدٌور ،فاألصل على هذا ( ُفدر) إلى أن بني تميم
يسكنون ثاني الضرب استخفافًا.
ُ
وعود ،ألن سيبويه قد اعتد (بفعل) بناء من ابنية تكسير (فاعل).
ويجوز أن يكون جمع فادر ،كعائد ُ
الضال)
ِ قس ِّى ( ُم ْر َتد ٍ
ِيات ِب ِ
السدر
يعني قرونها .شبهها فب انعطافها بقسى العرب ،وهي تتخذ من الضال وهو ِّ
الج َبلي ،أل ُفه منقلبة عن ياء .وذكر بعض متأخري أهل بغداد أنه َوج َد بخط (جعفر
َ
بن دِحية)؛ رجل من أصحاب ثعلب( .الضأل) مهموزًا؛ فاشتقه ذلك البغدادي حينئذ
الج َبلي منه أقل ريا ونعمة من المائي ،وذلك قال البغدادي:
من الضآلة ،وذلك ألن َ
َ
أضيل المكان: ثم وجدته بخط ابي إسحاق( ،يعني إلراهيم بن السرى الزجاج):
أنبت الضال .فإذا كان ذلك ،فال أثر للهمز في الضال ،وال طريق إليه .وإنما هو
كتاب ،فمحا البغدادي حيئنذ ضبط جعفر ،وعول على خط أبي إسحاق.
األثقال)
ِ ( ُولدن تحت أثقل
قيل :الجبال ،وقيل :ال ُق ُرون .فإن قلت :فإنه لم يُولد بقرن ،فتقول :إنه عنى (بأثقل األثقال) والقرون؟ قلنا إن لم
يولد بالفعل معها ،فإنه مولود معها بالقوة ،ألن نبتة القرون لألنواع المفطورة عليها ،خلقة طبيعية ،فالبُد من
خروجها إلى الفعل.
( َق ْد َم َن َع ْت ُه َّن من التَّفالي)
حاولت التفالي ،من َعها اشتباك قرونها من الوصول إلى
ِ اي تشابكت القرون على رؤس األيابل ،حتى لو
رؤسها.
ال َت ُ
شرك األجسام في ال ُهزال) (َ
اي أن القرون ال يلحقها سمن وال ُهزال ،كما يلحق األبدان ،ألنها ليست متصلة بلحم ودم ،وال هي في ذواتها
السمن وال ُهزال ،لكان أقعد بالحقيقة ،ولكن السمن والهزال ،انتفى أن
كذلك .ولو اتزن له أال يُشرك األجسام في َّ
يشركها في السمن ،فاكتفى بأحد الضدين من صاحبه
األمثال)
ِ رأين فيها أشنع (إذا َتلفتن إلى الـظـالل
اي إذا رأت األيابل ظالل قرونها ،استبشعتها وهالتها.
هال) زياد ًة في ُسب ِة ُ
الج ِ لـإلذل
ِ (كأنما ُخلـقـن
يعني القرون صاحبها ذليل .فيقول :كأن هذه القرون إنما خلقت لتدل علي على ذلة األوعال ،كما ُخلقت
للقرنان ،وإن كان القرون له .وإنما هو تمثيل .وقوله :زيادة فس ُسبة الجهال :اي أن الجهال يتشاءمون كثيرًا
ْ
بال ُقرون ،ويكنون أحدهم بأبى القرون.
ُ
لألكفال)
ِ األطراف
ِ س
َواخ َ
(ن ِ
اي طالت القرون منها ،حتى ن َ
َخست األكفال بأطرافها.
ال) ِن َ
اآلط ِ ْن َين ُفذن م َ
( َي َكد َ
اآلطال :الخواصر ،واحدها :وإطل .وقد قيل :اإلطل وضع ،واإلطل :فرع .يقول :في القرون ُشعب تكاد تنفذ
َ
اآلطال ،فزاد (من) على رأي أبى الحسن ،ألنه يرى زيادتها الخواصر ،حد ًة واعتراضًا .وأرادَ :ي َكدْن َينُفذن
في الواجب ،وسيبويه ال يرى زيادتها فيه.
ويجوز أن يكون أراد من اآلطال إلى اآلطال ،اي من اليمين إلى الشمال وبنقيض ذلك.
ال)
باإلق َب ِ ُ
شبيهة اإلدْبار ْ (
اي في وجوهها من لحاها ما يشبه إذنابها ،فقد تشابه ال ُقبُل ُّ
والدبُر ،وقيل :يريد ُعموم قرونها ،لظهورها
بالتعطف عليها إلى أدنابها.
ال) (في ُك ِّل كِب ٍد َكبدي ن َ
ِض ِ
كِب ُد النصل ما بين َع َ
يريه .اي في كل كبد أيل ووعل من هذه الوحش المقنوطة نصال.
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
( َف ُه َّن َيهوين من ال ٍق َ
ال ِل)
الف واإلر َق ِ
ال) ( َم ْقلُوبة األظ َ
ُ
األيابل واألوعال َيهوين من قالل الجبال ،وهي أعاليها ،منعكسة أظالفها وأذنابها على أجسامها. اي هذه
ان َعنها َس َب ُب التَّ َ
رح ٍل) (ف َك َ
إقالل)
إكثار إلى ِ ( َتشويق ٍ
اإلكثار إلى اإلقالل ،فكان ذلك سبب الترحال عنها( .فعن) :متعلقة
ُ اي أكثرنا من القنص حتى مللنا ،وشوقنا
بالترحال المقدر قبلها ،وال تكون متعلقة بالترحال الظاهر ألن (عن) حينئذ من صلة المصدر ،وما كان من
َ
(تشويق إكثار) .خبرها ،ألنها صلة المصدر لم يتقدم عليه ،وجعل (سبب الترحال) اسم كان ،ألنه معرفة و
نكرة ،فالبيت ُمضمن.
رت َّ
وقللت؛ فجعلته كثيرًا وقليالً. َّ َ
أكثرت ،جئت بكثير ،وأقللت؛ جئت بقليل فأما كث َ
َ وقال سيبويه:
نت بالـآللـي)آللًئا َط َع َ اإلآلل
ٍ ( َولو َج َعلت َموضع
(اإلآلل) ،الحراب .وأحدتها؛ (ألة)؛ وذلك لبريقها ولَ َمعانها .أل الشيء ُّ
يؤل أال:
برق .اي لو جعلت مكان الحديد والمحدد لؤلؤًا فعلت به من القتل ما يفعل الحديد،
ألنك مؤي ٌد منصور.
وقيل :اراد ولو جعلت أصحاب الحراب من جيشك صواحب الحلي لقتلت بهن
عداك ،ألن السعد والبأس إنما هولك .واراد (طعنت بالآلليء) فأبدل الهمزة إبدا ً
ال
محضًا ،ليس على التخفيف القياسي ،وإن كان مثله في اللفظ .وإنما أبدل إبدا ً
ال كليًا
غير قياسي ،لمكان الوصل ،ألن التخفيف القياسي في نية التخفيف .والهمزة
المخففة ال يُوصل بها ،فكذلك المخففة التي في نية المخففة ال يوصل بها .وقد بينت
ذلك غير دُفعة في هذا الكتاب ،وفي غيره من كتبي .وإنما اعدته لظرافته ودقته،
الدرب .فمن أنس به أحبه ووااله ،ومن نافره قلنا فيه؛ من جهل وأنه ال يفهمه إال ِ
شيئًا عاداه.
وله ايضا:
ـان) بيع من َّ
الـز َم ِ الر ِ
منزلة َّ
الشعب طيبًا في ال َمغانِي ِب ِ
ِ ( َمغَاني
يعني بالشعب :شعب بوان وكان في طريقه إلى شيراز ،مربه فأعجبه .يقول :فهذه المغاني في ُحسنها بمنزلة
الربيع في أرباع السنة .اي أن هذه المغاني أطيب المغاني وأعشبها كما أن الربيع آنق أرباع الزمن
وأخصبهل.
جعل هذا المكان في جملة األمكنة بمنزلة الزمان ،أعنى الربيع في جملة األزمنة ،وهذا من عجيب االقتران،
أعنى تمثيله لمكان بالزمان.
الوج ِه والَي ِد والِّ َس ِ
ان) َغ ُ
ريب َ ( َولكن ال َف َتى ال َعربي فـيهـا
بوان هذه؛ ي بالد فارس ،وال عرب هنالك إال ُغرباء ،فكنى بغرابة األعضاء عن غرابة الجملة .وقيل؛
غريب الوجه ،أن ألوان العرب األدمة ،واهل فارس بيض ،وأما غربة اليد فقيل ،إنه عنى به الخط ،وال
يُعجبني ،إنما َع نى به الجود ،والجود للعرب .وأما اللسان فألنهم أعاجم ،والتفسير األول هو الصحيح ،أعنى
أنه ال هرب هناك إال قليل.
الـقـيان)
ِ أغاني
ُّ أجابتها الحما ُم ال ُو ُ
رق فيها (إذا غنى َ
اي أنها أرض طيب ورفاهية ،واعتدال هواء ،فإذا غنى الحمام فيها ،جاوبتها القيان طربًا إليها ،اي أن أهلها ال
يتركون اللهو.
البـيان)
ِ إذا غنى وناح إلى حمام
أحوج من ٍ
ُ بالشعب
ِ ( َومن
ً
مبالغة اي أن أهل بوان أعاجم ،ال يُفصحون ،كما أن الحمام كذلك .وجعلهم أحوج إلى البيان من الحمام؛
أناسي.
ٌّ وإفراطًا في الكالم ،إذ يوجد لغناء أهل بوان ترجمان ،ألنهم
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
تباعدان)
ِ وموصوفا ُهما ُم
ُ (وقد َي َت َقارب َ
الوصفان جدا
اي هؤالء األعاعم في قلة االيضاح ،وعدم االفصاح ،كهذه الحمائمن وإن اختلف نوعاهما فهما متباعدان
بالنوع ،وذات الجوهر ،متقاربان في عدمهما البيان.
ويحمل أن يريد أن اإلنسان يقرب الموصوف بوصفه له ،حتى لكأنه حاضر ،ولكنه يبعد لعدم إحاطته بجميع
أحواله ،وغرائب أفعاله.
َـان) دنانيرًا َتف ُّ
ِر من ال َبـن ِ ُ
الشرق مِن َها في ثِيابي (وألقى
يصف شعب َب وان؛ وهي مدينة معروفة في طريق شيراز .والشعب :الطريق في الجبل .والشرق :الشمس.
يقال ،طلعت الشرق ،وال يقال غاب الشرق ،فيعني أن شجر هذا الموضع أشب ُملتف ،ضيق الخصاص ،وهي
الش عب التي بين الورق ،فإذا طلعت الشمس تخلت أظواؤها خالل الورق ،مستديرة كالدنانير من الذهب ،في ُّ
الشكل واللون ،إال أنها إذا َحلت الكف ،فهمت بالقبض عليها حال ظل البنان بينهما؛ واعتراض دون ما في
قدمت ال َفرق بين تشبيهه إياها بالدنانير هنا ،وبين تشبيهه إياها بالدراهم
ُ باطن الراحة من أشكال الضوء .وقد
في قوله:
الدراهم َتدَور فوق البيض مثل الطير َف ْر ً
جة ِ إذا ضوؤُها القي من
ِ
عن تفسير ذلك البيت .وقوله( :منها) اراد من نفسها ،وصرف (دنانير) للضرورة.
ان)
قلب َج َب ِ َو ُ
يرحل منه ٍ جاع ( ُ
يحل به على ٍ ُ
قلب ش ٍ
اي أنه إذا رأى أضيافه نازلين به ،فرح فقويت ذاته وإذا رآهم راحلين ساءة ذلك ،فضعف منه ما قوى.
فعلى هذا القول ،تكون الشجاعة والجبن لقلب هذا الممدوح .وقد يجوز أن يكون ذلك .ألفئدة الضيفان ،اي أن
فرق من الموت ،لما لحقه من الكد والجهد ،فرأى ما لدى أبي
الضيف إذا نزل به وهو زاهد في الحياة ،غير ٍ
ُش جاع من خصب المكان؛ ولين أخادع الزمان ،والخفض واألمان ،راقه ذلك ،فأحب الحياة ،وكره الوفاة،
بعكس ما كان عليه.
عوان)
ِ كر او
ليوم الحزبِ :ب ٍ
ِ (دَعت ُه ِبمفزع األعضائ منـ ُه
المفزع :المستغاث .ودعته :سمته .فيقول :دعته هذه الدولة عضد الدولة ،الن
األعضاء إنما تدفع عن نفسها بالعضد ،وهي حاملة اليد ،فكذلك هذه الدولة ،لما
ضدها .فقوله( :ب َمفزع) في موضع ضد ،دعته َع ُ وجدت َم ْف َزع أعضائها بال َع ُ
وت) التي بمعنى سميت تقول :دعوته زيدًا ،ودعوته َع ُ المفعول الثاني؛ ألن هذه (د َ
بزيد ،كقولك سميته إياه ،وسميته به.
َعوته التي تجري َمجرى َس َّميت ُه ،يعني قال سيبويه حين ذكر هذا النحو .وكذلك د َ
إنها تتعدى إلى مفعولين :كطما يتعدى سميته إليهما .قال :فإن أردت الدُّعاء إلى
(سوا ٌء عل ْكيم
ال واحدًا .يعني نحو التي في قوله تعالى َ أمر ،لم تجاوز مفعو ً
(أجيب دعو َة الدَّاعي إذا دَعان)َعوتمو ُه ْم أم أَ ْنتُم صامتُون) :وكقوله له سبحانهِ : أد َ
وان) :يدل من الحرب .وقد الحرب) .اي إلى يوم الحرب( .ب ْك ٍر أو َع ِ وقوله( :ليوم ْ
بين معنى هذا البيت بقوله:
يدان) بغير ذِي َع ُ وع ْ ْ
(ب َعض ِد الدول َة ام َت َن َع ْت َ
ضد ِ وليس ِ َ زت
عن (تثنية اليد) ،فنفي
يدين ِبهالك ،لم َي ِ
اليدان :إما أن يكون هما الكفين ،وإما أن تكون القوة .حكى سيبويه :ال ِ
الجارحتين؛ ولكنه نفي ال ُقوة .وأراد( :اليد ِبهالك) ،فوضع االثنين موضع الواحد الدال على الكثرة؛ فدلت
التثنية من الشياع على ما يدل عليه الواحد الدال على الكثير أعني المنفي بال؛ ألن ذلك الواحد متفرق للنوع
المنفي بها.
ْ
قي كل َرحل ونظيره قوله تعالى في صفة ِّ في ْ ُّ
وقد تجيء التثنية تدل على الكثير .أنشد الفارسي للفرزدق :وكل َر ِ
السماء( :فارجع البصر هلى ترى من ُف ُطور ،ثم ارجع البصر َك َّرتين).
رات .والدليل على ذلك قوله( .ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو َح ِسير) .فلو أمره أن ( َف َّكرتين) في موضع َّك ٍ
كرتين فقط؛ فنظر مرتين ،لم يرجع البصر خاسئًا وهو َحسير ،الن البصر ال ت َي ْحسر من ينظر في السماء َّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
حسر من مرات .هذا تفسير الفارسي ،بعد أن أعمل فيه إنعام الفِكر؛ وقدَّر ما فيه من وراء غلوة
مرتين ،انما َي ِ
الحشر.
قطان) َكسى البُلدان ريش َ
الحيُ ِ ماجم فب ال َعنَاصي
الج ِ ( َّ
كأن َد َم َ
ريش الحي ُقطان :واحمر .والعناصيُ :خصل من الشعر .يقول :جرى الدم في عناصيهم فاختضبت فاحمرت،
ثم تمزقت شعورهم في ال ُمعترك وأطارتها الريح على األرض؛ فكأن العناصي المحمرة المتمزقة ُ
ريش هذا
ريش الح ْي ُقطان .و
النوع من الطير .وجعل الدم هو الذي كسا البُلدان ،ذلك ألنه لوال الدم لم يُشبه ال َعنصوة ُ
(في العناصي) .ظرف في موضع الحال ،اي مستقرًا فيها.
أنيسيان)
ِ ل َه َياءي ُحروف ُو َكـا َثـرا ُه
وكان ابناَ َعد ٍّ
( َ
ْس َيان :تصغير إنسان ،وهو أكثر حروفًا من ُمكبره ،لكن تلك الكثرة مشعرة بقلة ،فال غناء لهذه الزيادة التيأ َني ِ
فيه ،لما يلحقه من التصغير ،ونقيصة التحقير .فهو يدعو ُ
لفناخ َسر ،فيقول :ال كاثرك ملك باثنين إال كانا
كالياءين اللتين في (أنَيسيان) ،وكلتاهما زائدة ،الغناء لهما .وأيضا فإنهما للتحقير :األولى للتصغير حقيقة،
والثانية ال تلحق اال مع ياء التصغير ،فهي بمنزلتها في الداللة على التصغير .فلذلك قلت إنهما جميعًا للتحقير،
أعن أن ياء (أنيسيان) األخيرة ،وياء التصغير ال تكون أبدًا إال ثالثه .و (أنيسيان) من شاذ التصغير.
ولم ِ
وله ايضا:
فال ٌ
ملك إذن إال فـدَاكـا) (فِدى لَك من يُقصر عن مداكا
َاك) يحتمل أن يكون قع ً
ال ،واسماً. ( َفد َ
َعونا بال َقاء لمن َق َ
الكـا) دَ ولو ُقبنا فِدى لَ َك من يُساوي
( ْ
اي أنه ال يساويك أحدن فلو قلنا :فدًى لك مساويك ،لكان كقولنا :فدًى لك ال أحد ،وقاليه :داخل في ذلك.
الكاَ)
ولو َكانت لملك ٍة ِم َ نفـس
ٍ (وآمنا فِدا َءك َّ
كل
اي لو اشترطنا في فدائك المساواة ،ألمن كل احد أن يكون لك فداء ،وإن كان ملكًا ،ألنه مع ُملكه ومِلْكِه
قص ٌر عن مساواتك.
ُم ِّ
ينصب َ
تحت ما نثر الشباكا) ُ َو الحـب ُجـودًا
ِّ ( َو َمن ُ
يظن نَثر
اي وفدى لك من أعطى وغرضه أن يستجر فائدة فاضلة بعطائه ،بمنزلة القناص
الحب للطير ،وقد نصب الشبكة تحته ال قتناصها فال ينبغي أن يحمد الذي يلقي َ
على ذلك ،ألنه ليس جودًا في الحقيقة ،إنما هو دعاء إلى ُهلك.
وهذا مثل ضربه لمن طلب من الشكر أكثر مما يوجبه له نداه ِّ
والشباَك جمع شبكة
ورحاب.
كرقبة ورقابَ ،ورحبة ِ
الشراكا)
طع مِشيتي فيها َ َف َت ْق َ الشمس نَعلي
ِ (أ َت ْتر ُكني وعيُن
اي بكوني في حاشيتك ،واعتدادي في صاغيتكَ ،ش ُرفت وعظمت حتى عدت كأن عين الشمي نعلي؛ فإذا
فارقتك ،كنت كمن َمشى بهذه النعل ،فانقطع ِشراكها ،فسقطت ،فكان اختالل جزئها ،سببًا لعدم كلها.
أخللت ببعض ذلكُ دت عنك، وإن شئت قلت :كساني قصدك شرفًا ،صارت به عين الشمس لي نع ً
ال فإذا َب ُع ُ
الشرف ،ال بكله ،فكأني قطعت الشراك الذي هو بعض النعل ،فجعل الشرف كعين الشمس ،وجعل فرا َقه
المش َى فيها ،وجعل بعده عنه بمنزلة انقطاع الشراك ،الذي هو سبب اإلخالل بالنَّعل ،ولم يتوقع لعضد الدولة ْ
ُ
َ
في كل ذلك إخالال كليا ،ألنه كان ُمزمعًا للعودة إليه .أال تراه يقول:
عين على اإلقا َم َة في َذ َراكا
يُ ُ لعل اهلل َيجـعـلُـ ُه رحـي ً
ال َّ
(تقطع) ،ألنه جواب االستفهام ،والكالم متضمن معنى الجزاء. َ وقوله( :فتقطع مِشيتي فيها الشراكا) :نصب فيه
أسير وقد انتعلت بعين الشمس ،قطعت مِش َيتي ِشراك نعلي. اي إن تتركني ُ
طع مِش َيت ِه ِشراك النعل،
َ قَ ألن (أتتركني) على عطفًا يكون وال قطع، ُ
ت فإنها اي القطع، على َ
رفعت وإن شئت
اإلنكار والتقرير ،اي كيف تتركني على ما أنا به من ُ ً
ليس داخال في حد االستفهامن ومعنى هذا االستفهام
الرأي ،وأنت تعلم أن الذي أنا عليه من ذلك َسفَه.
ُ
وأقتل ما َ
أعلك ما َش َفاكا) َ
استشفيت من دَاء بداء (قد
الداء المستشفى منه :تشوقه إلى أهله أيام كونه بشياز ،وأهله بالكوفة؛ والداء ال ُمستشفى به من ذلك الداء :فِراقه
لل َم لك .فيقول أما اآلن حين أزمعت اإلياب إلى أهلك استشفيت من داء الشوق بفراق هذا الملك ،وفراقك إياه
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
أعو ُد عليك باأللم( .وأقتل ما أعلك ما شفاكا)؟ اي أقتل ما أعلك اآلن؛ ُ
فراقك ألبي شجاع ،على أنه قد شفاك
المذهب أللم
ِ َ
من شوقك إلى أهلك ،فكان اشتياقك كالمرض ،ومزاولتك لهذا الملك حين أزالت شوقك كالموت
المرض ،وهو أشد من الم المرض.
ً
ُخرج قوله (وأقتل ما أعلك ما شفاكا) على طريق العموم ،فيصير مثال ،كقوله :أرى بصري قد َرابني بع َد ثم ي َ
َ َ
وحسبُك داء أن تصح وتسل َما وكذا:
صحةٍَ .
ليُصحني فإذا السالمة دا ُء ُ
ودعوت ربي بالسالم ِة جاهدًا
وموضوع بيت المتنبي أولى:
وقد أنضى ال ُعذافر َة اللكاكا) عـرقـن إال
(وأن البُخت ال يُ ِ
البُخت :جمع بُختى ،فحذفت ياء النسب في الجمع ،ألنها بمنزلة التأنيث ،في أنها داخله على االسم بعد تمامه،
ُعرقن) :يأتين العراق .و (أنضى) :أهزل و (ال ُعذافرة) :العظام.أال تراهم قالوا ثمرة وثمر ،ونخلة ونخل( .وي ِ
ُ
الجمال ذاهبة وذاهبات .وال أقول أخبر عن جماعة ما ال يعقل بشكل الواحد .حكى سيبويه عن العرب:
ناخسر عنده ،أعظم من أن يصفه بأن تستقل به ناقة واحدة .واللكاك :األنيق (ال ُعذافرة) هاهنا واحدة ،الن نَدى َف ُ
ِرع ِد َ ُ
الص اللحمة أيضا هنا .حكى سيبويه :ناقة لكاك ،وأينُق لِكاك .والقول في هذا ،القول في د ٍ الشداد ،وهي ِ
ُ
وأدرع دالص .قان الكسرة التي في الجمع غير التي في الواحد؛ واأللف غير األلف .وقد أعدت هذا القول
مرارآ ألونس به المستوحش ،فاني رأيتُهم عند تفسيره لهم دَهشين .ولو فهموا كالم سيبويهُ ،
أنسوا إليه.
ُ
وعراق ،وثنى ةثناء .وذد ورواه بعضهم( :اللُّكاكا) .و ُفعال :من الجمع العزيز؟ إال أن له نظائر َجمة ،كعرق ُ
ذكر سيبويه وأهل اللغة منه حروفًا جمة .وعليه وجه الفارسي قراءة من قرأ (إنا بُرآء مِن ُكم) .قال :هو جمع
رار ،يعني ولد البقرة .وجعل بعضعهم الفرار لغة في الفرير .ونظائره َعريضة أريضة. برئ َك َفرير و ُف ٍ
ِ
وتوحشه نحوي ،أن البُخت ُّ يت النوم َحدث هذا المحبوب الذي يريه إياي في النوم؛ ُحبه لي، ومعنى البيت :ولَ َ
ال تبلغ بنا العراق حتى يُضيها او يُفنيها ما َت َحملته من نَداك ،لثقل ما َحملتها إياه ،من البُدرو والخلع وهذا نحو
قول أبى العتاهية يصف اإلبل.
ًرن قاال
صد ََر َن بنا َ
صد ْ
وإذا َ ً
خـفة ْن ُم
فإذا وردن بنا َو َرد َ
والضمير في (أنضى) :راجع إلى النَّدى في قوله( :فليت النو َم َحدَّث عن نَدَاكا).
الكـا) أيعجب من ثنائي أم ُع َُ (و َك ْم َطرب ال َمسامع لَيس َيدري
ِهرى وال َمدَاكا) الشعر ف ِ
ُ رض َك كان مِسكا و َذاك
النشر ِع ُ
ُ ( َ
وذاك
أي األمرين أولى بالتعجب منه، اي طرب السامع ال ستماع شعري ،ليس يدري ًّ
أجودة شعري فيك ،أم رفعة ُعالك في ذاتها ،ألن شعري متنا ٍه في نوع الشعر.
وعالك متناهية في نوع ال ُعلى؛ فقد تساويا في السبق والفضل .ولوال البيت الذي ُ
بعد هذا ،ل ُع َّد َجفا ًء من المتنبي ،لتسويته شعره في نوعه ب ُعال الملك في نوعها ،لكن
َح ُس َن ذلك بالبيت الذي اردَفه به ،فيقول :األريج الذي ذاع وشاع لشعري ،إنما هو
المسك الذي إنما طبعه الطيب لذاته ال ُ لعرضك السليم الكريم ،فن عرضك هو
شعري .وإنما شعري هو بمنزلة الفهر وال َمدَاك ،الذين يُظهران فوح المسك،
َش َره ،الن المسك إذا ُسحق كان أسطع لَعرفه ،وأش َيع لِ َف ْوحه. وينشران ن ْ
وأما شعري فلم يك له في ذاته طيب ،إنما كان كااللة للطيب ،أال ترى أن آلة
صرفت الطيب ليس في طبيعتها َف ْو ٌح ،إال بحسب ما تعلق بهذا من الجوهر الذي ُ
في صنعته .وقوله (ذاك النشر) :ذاك مبتدا ،والنشر صفة له ،وعرضك :خبر
نشر ِعرضك.
المبتدأ .وأراد :وذلك النشر ُ
هذا إن عنى بالعِرض اإلناء والذات ،ألنها جواهر ،والنشر َع َرض ،فال يخبر عن
ال َع َرض بالجوهر .فلذلك احتجنا إلى تقدير حذف المضاف ،كما احتجنا إليه في
البر َم ْن آ َم َن باهللِ) وذهب سيبويه إلى أن التقدير( :ولكن البرقوله تعالى( :ولكن َّ
(البر) َع َرض ،و (من آمن باهلل): ُ
إيمان من آمن باهلل ألن َّ آمن باهلل) ،ايبر من َُّ
مكتبة مشكاة اإلسالمية شرح المشكل في شعر المتنبي
وفوق الذي نُ ِ
ثني َ بـصـالـح فأنت كما نُثني
ٍ إذا نحن أثنينا عليك
ُ
األلفاظ يومًا ِبمِـدحة لغيرك إنسانًا فنت الذي نعنـي وإن َجرت
ُسم حا ُمده عنا ُه) كان حسنا ،ولكنه حمله على المعنى ،ألن المراد في كل ذلك المخاطبة.
ولو قال( :إذا لم ي ِ
غدًا يلقي بها أباكـا) أغر ل ُه َش ُ
مائل من أبيه ( ُّ
ال ،وبنوك يستكملون َش َبهك ألنهم اآلن يُشبهونك بعض الشبه ،إذ لم اي قد أخذت َشبه أبائك ،صور ًة وفع ً
يستكملوا خصالك ،فإذا استكملوها أشبهوك ،وإذا أشبهوك وأنت تشيه أباك ،فقد أشبهوا أباك .وهذا يتألف في
الشكل األول من المنِطق .تقول :زيد يشبه َع ْمرًا وعمرو يشبه خالدًا ،النتيجة :فزيد يشبه خالداً.
دعى َم َعه اشتِرا َكا) وآخر َي ِ ُ اب ُم ْخ َت ُّ
ص َب َو ْج ٍد األح َب ِ
(وفي ْ
لفراق عض ُد الدولة طبيعي ال َع َرشي ،وإن كان غيره يدعي وجدَه ِيُومئ إلى أن ْ
مثل ذلك ،فليس ذلك.
من َت َبا َكى) تبين َم ْن ب َكى َم ْ ُموع في ُخدو ٍد هت د ٌ (إذا ْ
اش َت َب ُ
التفاعل قد يأتىُ ض ْى ،ألن (بكى) :كناية عن الطبيعى ،و(تباكى) :كناية عن ال َع َر ِ
لغرض ،إلظهار ِخالف ما األمر به في الحقيقة.
أنشد سيبويه:
خزر
تخازرت وما ِبي من َ ُ إذا
فقوله :ومابي من خزر دليل على ذلك .اي :إذا اشتبهت الدموع في الخدود ،بما هي
الج َريان ،لم َي ُك هنالك ب ٌد من فصل يُميِّ ُز ِب ْي َن ال َع َر ِ
ض ْي عليه من ال َه َمالن ،وسرعة َ
والطبيعي.
وهذا آخر ما انتهى من الشرح المبارك.