Professional Documents
Culture Documents
الحروب و بطاقة التموين فى مصر
الحروب و بطاقة التموين فى مصر
الحروب و بطاقة التموين فى مصر
» اقتصاد » أخبار وتقارير اقتصادية » دواجن البرازيل تعيد "الجمعية االستهالكية" لحياة المصريين
محمود الجمل صحافي
السبت 4مارس 22:55 2023
يوما ً بعد يوم أصابت األعالف العالقة في الموانئ قطاع الدواجن في مصر بالشلل التام (أ ف ب)
تحمل الحــروب معها المعانــاة للمصــريين ،ســواء كــانت مصــر طرف ـا ً في الصــراع أو ال ،إذ تتــأثر البالد على الــدوام
بالتداعيات االقتصادية السلبية لتلك الحروب ،فقبل 84عاما ً عرف المصريون للمــرة األولى دعم الســلع أثنــاء الحــرب
العالمية الثانية الــــتي اشــــتعلت عــــام ،1939وبعد ذلك بـــــ 28عامــــا ً على أثر نكسة 1967كــــانوا يحصــــلون
على الدواجن عبر الجمعيات االستهالكية التابعة للدولة ببطاقات السلع التموينية.
مع الذكرى األولى الندالع الحرب الروسية -األوكرانية ،عاد المصريون من جديد إلى الجمعيات االســتهالكية نفســها
للحصول على الدواجن البرازيلية هذه المرة ويمكن لكل مواطن شراء دجاجتين بحد أقصى.
شظايا الحرب
مع الطلقات األولى للهجوم الروسي على أوكرانيا بدأت شظايا الحرب تتطــاير في كل االتجاهــات ،لكن كــانت القــاهرة
أكثر عواصم العالم تضرراً من جراء تلك الحرب ،فمصر تستورد القمح والذرة الصفراء والزيوت وعدداً آخر ال بأس
به من الســلع األساســية من دولــتي الــنزاع ،كما أن موســكو وكــييف تمثالن أيضــا ً ثلث الســياحة الوافــدة إلى المــدن
المصرية ،وهكذا انكمشت اإليرادات من جهة وزادت المصاريف من الجهة األخرى.
األمر لم يتوقف عند هذا الحد ،ففاتورة الحرب المشتعلة في أوروبا منذ فبراير (شباط) 2022خلفت وراءها جبــاالً من
التضــخم صــاحبتها أمــواج عاتية من ارتفاعــات األســعار وبــدأت البنــوك المركزية العالمية وعلى رأســها الفيــدرالي
األمــيركي مجابهة التضــخم برفع أســعار الفائــدة مــرة تلو األخــرى حــتى لمعت أســعار الفائــدة المغرية على الــدوالر
األميركي في أعين أصحاب األموال السـاخنة ،فالقاعـدة االقتصـادية تؤكد أن رأس المـال ال وطن له وال دين حـتى في
بالده ،إذ هرول المستثمرون األجانب بأوراقهم الخضراء صــوب الواليـات المتحـدة ،تـاركين خـزائن القـاهرة خاويـة،
وهو ما أعلنته الحكومة المصرية في مايو (أيار) 2022حين قالت إن "استثمارات األجانب في أدوات الــدين الســيادية
خرجت من مصر في األشهر الستة األولى من 2022بنحو 20مليار دوالر".
أزمة طاحنة
مع خواء خزائن مصر بفعل الحرب تأزمت الحال االقتصادية وكافحت القاهرة على الجبهــات كافــة ،فتــارة ســعت إلى
إعادة االتزان إلى األسواق ،خصوصا ً أسواق الســلع األساســية ،وتــارة أخــرى بــذلت محــاوالت مســتميتة إلنقــاذ الجنيه
المصري من براثن الــدوالر األمــيركي بعــدما خســرت العملة المحلية أكــثر من 60في المئة من قيمتها ومعها ارتفعت
فاتورة االستيراد بمقدار الضعف تقريباً.
ومع تخارج مستثمري أدوات الــدين الســيادية بــأموالهم الســاخنة ،لم تعد القــاهرة قــادرة على توفــير العمالت الصــعبة،
وبذلك تكدست حاويات البضائع في الموانئ وكانت تحوي بداخلها كميات كبيرة من القمح والشــعير والــذرة الصــفراء،
والقشة التي قصمت ظهر البعير كانت في قطاع الدواجن ،إذ تستخدم المزارع الذرة الصــفراء بشــكل كبــير في تســمين
الدواجن والماشية.
اقرأ المزيد
هل يصبح المصريون نباتيين باإلكراه؟
يومــا ً بعد يــوم أصــابت األعالف العالقة في المــوانئ قطــاع الــدواجن بالشــلل التــام ،إذ ارتفعت أســعار األعالف إلى
مسـتويات قياسـية ،عالوة على عــدم توافرها من األسـاس ،مما دفع بعض أصـحاب مــزارع الـدواجن إلى التخلص من
صغار الدجاج (الكتاكيت) لعدم قدرتهم على توفير األعالف ،وهنا تبدلت أحوال أســعار الــدواجن ومشــتقاتها من البانية
وغيرها ،لقفو سعر كيلو الدواجن من 30جنيهـا ً ( 0.97دوالر) قبل األزمة إلى 90جنيهـا ً ( 2.92دوالر) ،وفي بعض
المناطق تخطى سعر الكيلو حاجز الـ 100جنيه ( 3.25دوالر) ،كما صعد سعر البيض أيضـا ً إلى مســتوى لم يســبق له
مثيل بعدما تخطى سعر البيضة الواحدة قبل أيام قليلة حدود أربعة جنيهات للمرة األولى في تاريخ مصر.
على رغم تــدخل الحكومة لإلفــراج عن كميــات ال يســتهان بها من األعالف ،فــإن األزمة ال تــزال قائمة حــتى اآلن مع
استمرار الشح في العملة الصعبة الالزمة لتحرير بقية البضائع من الموانئ وقلصت األزمة حجم اإلنتاج الداجني بنحو
50في المئــة ،فبعــدما كــانت القــاهرة تنتج نحو 4ماليين طــائر يوميـا ً هبط اإلنتــاج إلى أقل من مليــونين ،ينتج القطــاع
الــــريفي منها نحو 320مليــــون دجاجة ســــنوياً ،بينما تنتج القــــاهرة نحو 14مليــــار بيضة كل عــــام ،ويصل حجم
االستثمارات في صناعة الدواجن إلى نحو 100مليار جنيه ( 3.25مليار دوالر) وعدد المنشــآت الداجنة نحو 38ألف
منشأة بين مزارع ومصانع أعالف ومجازر.
فكرت الحكومة المصرية خارج الصندوق هذه المرة بعد أن لجــأت إلى أميركا الالتينية وفتحت االعتمــادات المســتندية
الستيراد نحو 25ألف طن من الدواجن البرازيلية المجمدة لزيادة المعــروض منها خالل شــهر رمضــان كأحد الحلــول
لمعالجة األزمة ،إذ أرجع وزير التموين المصري علي المصيلحي أزمة ارتفاع أسعار الدواجن في السوق المحلية إلى
زيادة أسعار األعالف عالميا ً وتخارج كثير من صغار المربين بالتزامن مع دخول فصل الشتاء.
وقال المصيلحي في تصريحات صحافية األسبوع الماضي إن "معـدالت إنتـاج الـدواجن تـراجعت بنسـبة 40في المئة
بسبب صعود الكلفة ،في وقت تشهد البالد زيادة في الطلب مع اقتراب شــهر رمضــان" ،مشــيراً إلى أن وزارته لجــأت
إلى استيراد الدواجن المجمـدة وضـخها في األسـواق أخـيراً والفتـا ً إلى أنه "تم االتفـاق على اسـتيراد دفعة جديـدة منها
لزيادة المعروض قبل حلول رمضان".
وأضاف أن "وزارته تنسق حاليا ً مع اتحاد منتجي الدواجن لضخ كميات بأسعار تتراوح بين 65جنيها ً ( 2.1دوالر) و
75جنيهـــا ً ( 2.43دوالر) للكيلـــوغرام من الـــدواجن البيضـــاء" ،مؤكـــداً أن "االحتيـــاطي االســـتراتيجي من الســـلع
االستراتيجية ال يزال آمنا ً ويكفي لمدة تزيد على أربعة أشهر للقمح وخمسة أشهر لزيت الطعام".
وخوفــا ً من عمليــات الجشع واالحتكــار للــدجاج الوافد من البرازيــل ،أعلنت وزارة التمــوين ضخ كميــات كبــيرة من
الدواجن المجمدة البرازيلية في فروع إحدى الشركات التابعة لهــا ،وهي الشــركة المصــرية لتجــارة الجملة الــتي تنتشر
فروعها بالمحافظات المصرية بســعر 65جنيهـا ً للكيلو (نحو دوالرين) ،إذ قـال مــدير عــام الشــركة المصــرية لتجــارة
الجملة في محافظة الفيوم مجدي حسين إنه "سيتم طرح من 15إلى 20كرتونة فراخ برازيلية في تسعة فــروع تجزئة
للشركة في الفيوم ويتراوح وزن الفرخة الواحدة بين كيلوغرام و 1300غرام" ،كاشفا ً عن أنه "تم تحديد عدد فرخــتين
فقط لكل مواطن إلتاحة أكبر قدر ممكن من الفراخ البرازيلية للناس والوقوف في وجه المحتكرين والتجار".
بمجرد إعالن وزارة التموين عن الصفقة البرازيلية ،بدأت أسعار الدواجن بالتراجع محليا ً لتهبط إلى حــدود 70جنيه ـا ً
( 2.27دوالر) للكيلو ،في حين رفض التجار الربط بين اسـتيراد دواجن البرازيل وتراجع هبــوط ،إذ قـال نـائب رئيس
االتحاد العام لمنتجي الدواجن ثروت الزيني إن "تدني األسعار يرجع إلى استئناف مزارع الدواجن اإلنتاج والضخ في
األسواق بعد إفراج الجمارك عن جزء كبير من األعالف العالقــة" ،متســائالً "إنتاجنا المحلي من الــدواجن 2.5مليــون
دجاجة يومياً ،فهل من المعقول أن يكون الستيراد 25ألف دجاجة هذا التأثير في األسعار؟".
حول أسعار الدواجن أوضح الزيني أن "سعر الكيلو في المزارع يسجل اليوم 67جنيها ً ( 2.1دوالر) ،وبإضافة ثمانية
جنيهــات ( 0.26دوالر) مقابل الكلفة يصل ســعر الكيلو للمســتهلك النهــائي إلى 75جنيهـا ً ( 2.43دوالر) ،بينما وصل
سعر البيضة اليوم إلى أربعة جنيهات ( 0.13دوالر)" ،متوقعا ً أن "تكثف المزارع ضخ اإلنتاج بشكل يومي قبل شــهر
رمضان لكسر ارتفاع األسعار في األسواق قبل حلول الشهر".
وفي شأن توزيع الدواجن على الجمعيات االستهالكية بشكل مشابه لفــترة الســبعينيات ،قــال نــائب رئيس االتحــاد العــام
لمنتجي الدواجن إن "مقارنة الوضع الحالي بفترة السبعينيات ظالمة للغاية ألسباب عدة ،أولها أنه في فــترة الســبعينيات
كان المستهلكون يقفون في طوابير طويلة للحصول على فرخة واحدة وهذا غير موجود حالي ـاً ،إلى جــانب أن القــاهرة
كـانت تسـتورد الـدواجن من الخـارج بنسـبة تزيد على 70في المئـة ،وكـان توزيع الكميـات يجـري بشـكل منظم عـبر
الجمعيات االستهالكية ،إضافة إلى أن مصر لم تكن بها صناعة دواجن بهذه القوة".
تاريخياً ،بدأت القاهرة أولى خطواتها لدعم السلع األساسية بما فيها الدواجن في أربعينيات القرن الماضي ،كما ظهرت
بطاقة التموين المصــرية إلى النــور للمــرة األولى بينما قــذائف المــدافع والغــارات الجوية تــدوي إبــان الحــرب العالمية
الثانية قبل 81عاماً ،إذ اشتعلت أسعار السلع األساسية مطلع حقبة األربعينيات عقب الكساد العظيم الذي ضرب العــالم
في ثالثينيات القرن الماضي وزاد من لهيب األسعار اندالع الحرب.
مع نقص السلع في األسواق المحلية كأحد أبرز تداعيات الحرب ،اضطرت الدولة إلى شراء القمح والدقيق والــذرة من
أستراليا وضخها في األسواق بأسعار مخفضة لتبدأ مرحلة دعم السلع التموينية ،غير أن الدعم في ذلك الوقت شمل كل
المواطنين وانطلقت أولى البطاقات التموينية الورقية وفقا ً لقرار الملك فاروق رقم 95لعام .1945
شيئا ً فشيئا ً زادت سلة السلع المدعومة لتضم إلى جـانب القمح والــذرة ،السـكر والكيروسـين والـزيت والشــاي ،وكـانت
الحصص تصرف شهريا ً بقدر محدد للفرد داخل كل أسرة بفضل تلك البطاقة الورقية.
فتحت حرب الخامس من يونيو (حزيران) 1967التي أطلق عليها المصـريون اسم "النكسـة" بابـا ً جديـداً لزيـادة عـدد
الســلع المدعومة عــبر البطاقة التموينية تزامن ـا ً مع تطــبيق قــوانين االشــتراكية الــتي مــيزت أعــوام ما بعد ثــورة يوليو
،1952لتضمن لحاملها آنذاك الحصول على الدقيق والقمح والســكر والــزيت والشــاي والســمن واألســماك والــدواجن
واللحوم وبعض األنواع من المعلبات بفضل أدوات النظام االشتراكي في تلك الفترة.
مع تحول البالد إلى الرأسمالية وبداية تعاون مصر مع صندوق النقد الدولي عــام ،1976اشــترط األخــير خفض قيمة
الدعم الممنوح للسلع األساسية ،مما دفع الدولة مع مطلع الثمانينيات إلى حذف عدد من األصناف والسلع من البطاقــات
التموينية لتهبط من 22سلعة إلى أربع فحسب ،على رأسها الـدواجن واللحــوم واألســماك مع بداية األلفية الجديـدة ،كما
قلصت عدد المستفيدين من البطاقة من 99في المئة في السبعينيات إلى 70في المئة عام 2000بعــدما أوقفت تســجيل
المواليد الجدد على البطاقات منذ الثمانينيات.
وحول ضخ الدجاج البرازيلي في المجمعات االستهالكية ،قال مســاعد وزير التمــوين الســابق مــدحت نــافع إن "طــرح
الفراخ المجمدة المستوردة عبر فروع الجمعيات أو الشركات التابعة للدولة في المحافظات يــأتي لمنع االحتكــار وجشع
بعض التجار ،وكخطوة تقطع الطريق على السوق السوداء نحو استغالل الكميات التي ستضخ في األسواق" ،موضحا ً
أن "الحكومة المصــرية اســتخدمت هــذا األســلوب من قبل في فــترة الســتينيات والســبعينيات ،خصوص ـا ً إبــان األزمة
االقتصــادية الــتي حلت بمصر خالل الفــترة الــتي أعقبت نكسة 1967وحــرب االســتنزاف ثم حــرب أكتــوبر (تشــرين
األول) ،1973عالوة على فترة ما بعد الحرب ،إذ كان االقتصاد المصري منهكا ً بفعل المعارك".
طوابير الجمعية
قال عضو المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية خالد الجندي إن "العــالم كله يمر بأزمة عالمية هي أزمة الغــذاء ومــوارد
الطاقة والحياة بشكل عام" ،مضيفا ً عبر برنامجه اإلذاعي "ليطمئن قلبي" أن "توزيع الفراخ المستوردة عبر الجمعيات
االستهالكية التابعة للدولة في فترة السبعينيات شوفته بعيني ،كنا ننتظر الفراخ لما تنزل الجمعيــة ،ونقف طــابور لثالث
ساعات عشان نأخد فرخة ،متخيل حضرتك".
يغمض عرفة عبدالمجيــد ،موظف بالمعــاش ،عينيه ليتــذكر تلك الفــترة ،قــائالً "بعد نكسة 1967كــانت كل البضــائع
شــحيحة وقليلــة ،حــتى رغيف العيش ،والبلد كــانت في حــال هزيمة عســكرية وانهيــار نفسي واجتمــاعي،ـ عالوة على
اإلفالس المالي الحاد نتيجة هروب المستثمرين وتراجع اإلنتــاج ،وفي تلك الفــترة عنــدما كــان المواطنــون يعرفــون أن
الفراخ أو اللحوم أو السمك وصلت إلى الجمعية كان الجميع يهرول نحوهـا ،لكن تلك األزمة تـراجعت بشـكل تـدريجي
بعد انتهاء حرب أكتوبر بأعوام قليلة".
وأضاف "انتشر مع طابور الجمعية آنذاك ما يسمى ’الداللة‘ ،وهي سيدة مشــاغبة دورها الوقــوف في طــابور الجمعية
للتسابق والحصول على عدد أكبر من الفراخ بسعر الجمعية ،ثم تقوم بتوزيعها على الســيدات في المنــازل بســعر أعلى
مقابل عدم تعرضهم للزحام في الجمعية".
عن :مصرالتضخمالجمعيات االستهالكيةJأزمة الدوالرمزارع الدواجن المزيد