Professional Documents
Culture Documents
سأبكي يوم ترجعين
سأبكي يوم ترجعين
مــقدمة:
2
تأخذك داخل العقل العبقري البارد و دهاليز العاطفة
البشرية المحترقة..
قتلوا حبه العظيم مرتين..
فعاش حياتين..
و مات ميتتين..
عاش حياتين يحلم في إحداهما بالمجد و شرف خدمة
الوطن و اإلنسانية..
أما الثانية..
فهي موضوع هذه الرواية..
قصة " اسماعيل البناء " ليست ككل القصص..
ذلك أنها لم تنته بعد! ..
فحذار من االقتراب من منزله!
3
البـــــارت األول :
4
كان غارقا في مقعده الوتير بالدرجة االولى ،على متن
الطائرة القادمة من نيويورك إلى طنجة ،عن طريق
لشبونة ،مستغرقا في مراجعة تقاريره ،فلم يسمع
همس المضيفة الحسناء و هي تسأله:
—شامبان ؟
6
و حين انتهى من وضع اللمسات األخيرة على تقريره
عن المؤتمر الذي كان يحضره بواشنطن عن " تقنيات
البناء الجاهز السريع " ،أحس بسعادة كبيرة ..فاقفل
حقيبة يده على االوراق ،و وضعها جانبا ،و تناول
سماعة الموسيقى الموصولة بذراع المقعد ،ووضعها
في أذنيه ،و دفع بالمقعد إلى الخلف ،و اغمض عينيه
سابحا مع أغنية من شريط مسرحية ( جنوب الباسيفيك
):
7
و وقعت األغنية من نفسه موقعا جميال ،فطرب لها
طربا شديدا..
8
و استطاع الحصول على منحة بمجرد دخوله الثانوي،
فرفع عن والده ثقل مصاريفه.
13
و عاد ينظر إلى شواطىء طنجة التي كانت أمواجها
تتكسر بطيئة و كأنها مخدرة تحت هدأة المساء ،و
حمرة الشفق الحالمة .و في تلك اللحظة بدأت أضواء
المدينة تتألأل على طول الشوارع العريضة ،و بين
العمارات ،و عبر شبكة الطرق و الممرات المنتشرة
فوق الجبل ،و كأنها تصحو من قيلولة ،و تستعد
لمهرجان.
15
و الحت بوابة الفيال فرأى حولها عددا من سيارات
الشرطة ،و سيارة اسعاف ،و عددا من رجال األمن ،و
رجال الصحة ،فدق قلبه بعنف شديد ،و ارتخت
اعصابه حتى كاد يفلت منه زمام السيارة ..و لكنه كافح
اليقافها على جانب الطريق ،و خرج فارغ الركبتين ،ال
يكاد يقوى على الوقوف..
بارت :2
16
—ماذا حدث ؟
—ماذا حدث ؟
—كارين ! كارين!
19
و لم يسمع ما قاله أخوه ،فأزاله من طريقه ،و دخل:
—كارين ! نورا!
—اسماعيل ..اسماعيل..
20
و وصل غرفة النوم فوجد أحد اخوته على بابها ،و قد
ورمت عيناه من البكاء ..و حاول منعه من الدخول..
21
إلى الجثتين ثم تقدم ينادي:
22
و دخلت أمه ورمت بنفسها عليه تبكي و تنوح ،و هو
غير شاعر بوجودها ..و اجتمع عليه أبوه و أخوه و
اخوته يحاولون إخراجه من الغرفة و هو واقف مسمر
عينيه على الجثتين الهامدتين..
23
و انطلقت السيارة إلى عيادة صديقه الخاصة ،و هو
بجانبه يجس نبضه ،و يضع قناع االكسجين على انفه و
فمه حتى ال يتوقف عن التنفس او يختنق..
—ماذا حدث ؟
25
فحركت األم رأسها إلى اليمين و اليسار ،و أخذت
تحكي بنبرة مثقلة بالتعاسة و الحزن ،و الدموع تتقاطر
من عينيها ،و هي تجففها بينما الممرضة تشجعها:
26
—ال أحد يعرف كيف حدث ذلك ..كان ولدي اسماعيل
غائبا في أمريكا ..و باألمس أخبرتنا زوجته األمريكية (
كارين ) أنه سيعود صباح اليوم فذهبنا الستقباله عند
زوجته و طفلته ( نورا ) الصغيرة الغالية.
27
فحركت العجوز رأسها قائلة منتحبة:
30
و شاهد اسماعيل كل ذلك ،و سمع االصوات ،و شم
رائحة المحلول المنعش النفاذة و انتظر في صبر أن
تعود أمه إلى اتمام القصة .و كان بوده لو يهز جسده
المسجرى هزا .و يقعد أو يقف ،بل تمنى لو استطاع أن
يفتح فمه و ينطق باسم نورا أو كارين..
33
و قامت الممرضة لتنظر إلى األجهزة الملصقة اسالكها
بأطراف اسماعيل ،فوجدت انخفاضا خطيرا في عدد
دقات القلب .فخرجت تنادي طبيب الحراسة.
—ولدي ..ولدي..
:فردت الممرضة
36
.في الرابعة و أربعين دقيقة بالضبط —
! هذا الرجل حي —
38
.ال ترهق نفسك ..ال تحاول الكالم
أين أنا ؟ —
:فأجابت الممرضة
و هكذا حزم حقيبته ،و طار إلى لندن حيث استأجر شقة
مفروشة في أحد األحياء القديمة ،و اشترى مجموعة
من الكتب اختارها من مكتبة ( فويلز) الكبرى بعناية و
..دقة ،و اختلى بها يدرسها و يسجل مالحظاته
البــــارت : 3
46
أنسب في طنجة ؟
47
—نافس يا أخي ! نافس ما شئت ! ستريحنا من كثرة
األشعال ..وسوف نجد صديقا قديما نحيي معه ذكريات
الصبا و الدراسة..
—نعم هذه..
—نعم،
أنت تمزح!
—لماذا ؟
49
الطريق..
—لمن هي االرض ؟
50
—أما فيما يخص األمن ،فمجرد وجود دار حسنة
البناء ،محاطة بهالة االحترام و الحراسة وسط هذه
المنطقة ،سيجعل اللصوص و القطاع يرحلون عنها ،و
يبحثون عن مكان أنسب لنشاطهم ..يجب على
المواطنين أن يساعدوا في مكافحة الجريمة ..و ال بد
الحد أن يبدأ.
51
ثم بلطت األرض ،و افرغت السواري ،و السطوح ،و
النوافذ ،و األبواب ،و مدت القنوات و أسالك الكهرباء
و التلفون.
52
و في نهاية الشهر الثالث بالضبط ،و كما قرر في
تصميمه خرج آخر عامل من الدار ،و تركوها تحفة
رائعة من تحف المعمار الحديث.
و ما كان لينام..
البــــارت : 4
62
و أخذ اسماعيل يدير األزرار و صورة وجه الشاب
تقترب و تكبر على الشاشة ،و هو يغطس ثم يعود إلى
السطح فاتحا فمه في استغاثة صامتة.
63
و انطفأ عليه النور فجأة فأخذ يدور في مكانه ،و
يتحسس الحائط و قد داخله رعب شديد من الظالم .و
نشطت مخيلته فبدأ يتوقع كل شر.
و عاد الصوت:
69
فارتعد اللص في تابوته و أجاب:
فقال الصوت:
—سنك ؟
—عنوانك ؟
70
— 45مجموعة 11حي النواول ،الدار البيضاء.
—متزوج ؟
—ال.
—لمدة قصيرة
—هل لك أبوان ؟
—لماذا ؟
71
—ليتزوج امرأة أخرى.
—منذ متى ؟
72
—نعم.
—عآطل.
—نعم.
—مثل ماذا ؟
73
—عملت مع ميكانيكي سيارات ،و طردني بعد بضع
أسابيع.
—لماذا ؟
74
—ماذا كانت أولى سرقاتك ؟
—جهاز تلفزيون..
—سيارة..
75
—ما هي المدن التي مارست فيها مهنة السرقة..
—ال.
—لماذا ؟
76
—لم نكن مجهزين لسرقة المنازل .فذلك يحتاج إلى
سيارة لنقل المسروقات ،و كنا في طنجة لالصطياف و
االستجمام ،فاقتصرنا على سرقة المحافظ في األسواق،
و أخذ ما بها من فلوس ،و ارسال المحافظ بما فيها من
أوراق الصحابها.
—لماذا ؟
—نعم.
—ال.
78
صلة بها.
—ال.
79
—عندما حاول صاحب دكان ،وجدنا داخل دكانه ،أن
يقبض علي.
—هل قتلته ؟
—أبدا.
—و غيرها ؟
80
—نعم ،فتاة مراهقة كانت تعجبني ،اختطفتها أنا و
زميلي في سيارة سرقناها ،و أخذناها للغابة و
اغتصبتها.
—ال.
—لماذا؟
81
أخبرت أحدا بما حدث.
—لماذا تسرق ؟
—نعم.
82
—نعم.
و فتح عبد هللا قويدر فمه لشدة وقع المفاجأة ،و سأل:
84
سراحك بمجرد قولك الصدق ؟
86
—سيجارة..
—ماذا تعني ؟
91
—انهم ينتظرون حفلة التدشين للدار الجديدة ،و قد
طال انتظارهم.
92
—ال ،ال ،ليس ذلك هو السبب ،رغم انك لم تبتعد
كثيرا عن الواقع ،و لكنك تعرف أنني في فترة ،أعني
أن نفسي غير متفتحة الستقبال األصدقاء بكل ما يليق
بهم من ترحيب و ايناس.
—اسماعيل.
93
—اسماعيل ،أرجوك ال تؤاخذني إذا قلت لك إن هذا
بالضبط هو ما كنا نناقشه ،كلن ا نعرف ما تعانيه من
آالم و لكنك لجأت الى عالج خاطىء ،لجأت إلى الوحدة
و االنطواء ،و أنت تعرف أن الوحدة تزيد من حدة
اآللم ،و تضخم األحداث ،فأرجو يا اسماعيل أن تتيح
ألصدقائك الفرصة لحمل بعض العبء عنك ،و ادخال
بعض السرور على قلبك ،أو على األقل بعض النسيان،
فارجوك ال ترفض.
96
ديه ،و التفتت خلفها ،و أشارت إلى فتاة أنيقة كانت تقف
بعيدا على استحياء.
—زبيدة تعالي.
البـــارت : 5
97
—زبيدة تعالي.
100
و لم يرتح اسماعيل إال حين غادر طنجة إلى الرباط
لالتحاق بالجامعة .و أحس بعبء ثقيل ينزاح عن كاهله
بالحرية الجديدة التي وجدها في الحياة الجامعية
بالعاصمة ،و ظلت هي تراسله ،و تغتنم كل فرصة يأتي
فيها إلى طنجة لدفع أخواته لسؤاله عن مشاعره نحوها،
أو متى سيعقد عليها ،و كانت اجاباته هو دائما غامضة،
و غير ملزمة ،الطريق ما يزال طويال أمامه ،و الزواج
عمل جاد يحتاج إلى قاعدة مادية يقف عليها ،و هو لم
يتخرج بعد ،و ليس له دخل يعتمد عليه ،إلى غير ذلك.
زبيدة! ..
—ظننتهم سرقوك!
106
—من يسمعك يعتقد أنني لعبة في أيدي الغواني ،و
أنت لم تتركي مني للسارقات شيئا!
—أين ذهبت ؟
فسأل ابراهيم:
—من ؟
—زبيدة.
107
—ها هي آتية.
و التفتت لزوجها:
108
و مرت زبيدة بلباقة و خفة على األحداث الدموية التي
مرت به هو ،و قدمت له تعازيها ،معتذرة بأنها لم تسمع
بما حدث إال مؤخرا لغيابها بالخارج ،و لم ترد بأن
تكتب له .و شكرها على عواطفها ،و خرج االثنان إلى
مواضيع اكثر مالءمة لجو الحفل ،و سألها هو عن
عملها ،فقالت إنها تعمل في مكتب محام كبير في الدار
البيضاء ،منذ تخرجها.
110
و حين أتم الدورة ،دون أن يعثر لزبيدة على أثر ،عاد
فدخل من حيث خرج ،و وقف لحظة يلهث من اجهاد
البحث ،و يمسح المكان ببصره ليعرف ما إذا كان أحد
قد الحظ غيابه.
فنطق اآلخر:
فعلق رجل:
113
زوجته و ابنته ..كانتا كل شيء في حياته ..من أجلهما
كان يعيش ..و حتى المستقبل السياسي الالمع الذي كان
ينتظره ،دمرته تلك الجريمة البشعة ..فانطوى على
نفسه ،و دفن حياته في العمل و البناء لعله ينسى ..و لو
كان ذلك حدث لي أنا لكنت جننت ..أو انفجرت ..أو
خرجت أقتل الناس في الشوارع.
115
فقال:
لماذا ؟
فقالت السيدة:
فقاطعها المحامي:
117
—ما قلته يجب أن يتلخص في سؤال واحد ،هو " :
هل سنصرف أموالنا على بناء السجون و االصالحيات
لتقويم اعوجاج المنحرفين ،و أصحاب السوابق الجنائية
المتكررة ،أم سنصرفها على بناء المدارس للمحرومين
من التعليم من صغارنا االبرياء ،و إعطائهم فرصة
ليصبحوا مواطنين صالحين منتجين ؟"
118
و التففتت سيدة إلى اسماعيل الذي كان واقفا مع
الواقفين ،يدخل سيجارة و ينصت إلى النقاش ،و قالت:
119
—من ؟؟ من أنت ؟ أين أنا ؟ أرجوك ال تعذبني ،
أرجوك..
و ضحك الجميع.
122
—و النتيجة ،هو أن ما نراه قائما هو صراع طبقي
سينتهي بحكم " الحتمية التاريخية " إلى انتصار الطبقة
المسحوقة على الطبقة البورجوازية!
الجـــزء 6 :
125
و قبل أن يفتح المحامي الشاب فمه لالجابة ،كانت
زوجة اآلخر قد سحبته من يده بعنف نحو حلبة الرقص
.
126
و حين خرج آخر ضيف ،و انقفلت الباب الحديدية خلف
آخر سيارة ،انطفأت األضواء الكاشفة المحيطة بالدار،
و غرق المكان في غلس الفجر البارد.
—هل تسمعني ؟
127
—ال تتكلم ،حتى آذن لك بذلك ،و ال تحاول البكاء و
االستعطاف ،ستضيع وقتك ،فالذي يخاطبك آلة ال قلب
لها ،تنفذ أوامرها المبرمجة.
128
—و لكن صاحب هذه الدار الطيب القلب ،رغم أنك
دخلت بيته بنية السرقة المبيتة ،مع الترصد ،و سبق
االصرار ،قرر أن يعطيك فرصة التكفير عن جميع
ذنوبك عن طريق االعتراف بها أمام هللا ،و تطلب
المغفرة من هللا ،و من جميع من سطوت على بيوتهم،
حتى ال تذهب مباشرة إلى جهنم ،فهل تقبل هذه الفرصة
،و تحكي كل جناياتك ،و تعترف بجميع خطاياك ،أم
أفتح فم البئر تحتك اآلن ؟
—اقبل ! اقبل!
—الضاوي قوبع.
—عنوانك ؟
و مرت االيام..
132
و في المساء كان يغادر المنزل في سيارته الفخمة،
مطمئنا أن الحارس العجوز الضعيف السمع ،سينخرط
في النوم ،في غرفة حراسته بجانب الباب ،و بمجرد
ابتعاده ..كان يخترق شوارع المدينة الصاخبة إلى فندق
( صوامع البيضاء ) حيث ينزل من سيارته ،و يصعد
إلى ( حان بساط الريح ) بالطابق االعلى حيث كان
الجميع يعرفونه ،و حيث كان يغرق في مقعده الوثير
يشرف منه على المدينة كلها ،و يطلب شطيرة ساخنة و
ابريق شاي ،و يجلس يتعشى و يمسح بعينيه شبح
المدينة المنتشرة أمامه على مرمى البصر ،و كأنها
غابة سوداء تتألأل بداخلها المصابيح و أضواء
السيارات المتقاطعة ،دون أن يصله من هديرها
المتواصل إال صوت بوق سيارة غاضبة ،او صفارة
شرطي.
133
اشتعل أحد األنوار الخضراء العشرة فوق سطحه ،كان
كل ضوء يشتعل يعني وقوع ضحية من لصوص الليل
في فخ من فخاخه ..و كان اسماعيل يحس ،و هو غارق
في مقعده الوثير ،أنه يجلس في مؤخرة مركب صيد
جبار ،و قد ربط نفسه باألحزمة ،و رمى بصنارته
بعيدا ،و أمسك بقصبة صيد هائلة ينتظر من سيبلع
الطعم..
137
و كان يأمل ،في لحظات تفاؤل ،أن تكون أنوثتها
المتفتحة ،و نضجها ،و سنها ،و مأساته هو قد خففت
من عنادها و إصرارها على الظفر به ،و اعتباره
غرامها األول و األخير ،و ندها الوحيد في العالم.
—متى ؟
—بعد الحفلة.
—ال.
138
—لم يتصل بك ؟
139
—مثل ماذا ؟
—انت.
—و لكن بجد ،يا زبيدة ،أنا أريد أن أفعل شيئا من
أجلكما ،انت و اسماعيل ،أنا عتقد أنك انسب زوجة له،
و هو لن يجد مثلك أبدا ،فانت جميلة ،و مثقفة ،و بنت
بلده ،و تعرفين عائلته بأجمعها ،و فوق كل ذلك تحبينه.
143
و لم تجب زبيدة ،بل أخرجت منديال صغيرا من
حقيبتها ،و جففت به عينيها و منخريها ،فقالت مريم
غير فاهمة:
—آلو ،مريم.
145
فضحك اسماعيل:
146
—ال أدري ،و لكنه اسم مناسبه لمدينة على المريخ.
و نطق الشيخ:
فرد اسماعيل:
فقاطعها آمرا:
153
فقالت ،مخللة كالمها بالدعوات القاسية على القائلين:
الجـــزء : 7
154
فقالت ،مخللة كالمها بالدعوات القاسية على القائلين:
—بلى انتهيت.
156
—صحيح ؟
157
و قبل أن يجلس الجميع ،سألتهم مريم ماذا يشربون،
فقال ابراهيم مستبقا األحداث في مرح:
158
و حرك رأسه يائسا و اضاف:
فتصدت له مريم:
159
فاعترضت مريم:
161
فأجاب عنها ابراهيم:
فقال اسماعيل:
—ابدئي بزبيدة.
و علقت:
163
و تناول اسماعيل كأسه ،و انتظر حتى خرجت
الخادمة ،و قال معقبا:
164
—المهم هو ترك الفرصة لهما للحديث ،لالختالء
ببعضهما ،من يدري ؟
165
—الكلمات ،او الكأس ؟
—لعبة مكشوفة.
—نعم ؟
167
—اختاري شيئا ،ناعما بعد مطارق البناء طول
النهار ،الموسيقى الصاخبة توتر اعصابي.
168
—لعل ذلك ما حببه إلى الجنسين.
—قطعة ثلج ؟
—ال شكرا.
169
و— هل حقا سنتنضمين لمكتب محامينا ؟
و ضحكت معلقة:
—اغراء ال يقاوم!
170
—برافو ،و حين ينتهي تدريبك ،هل ستفتحين مكتبا
خاصا بك ؟
فعارض اسماعيل:
171
—ال أدري ما يجعلك تفكر عني هكذا ..أرجو أال
تكرر هذا بين الناس ..فذكاء المرأة دعاية ضدها ،سواء
بين الرجال أو النساء ..ال يريد أحد أن يقربها ..كأنها
برميل بارود!
فضحك اسماعيل:
172
و خلف الباب ،وقفت مريم تنصت إلى حديثهما ،و
تستمهل ابراهيم وراءها .و حين أدركت موضوع
الحديث تصنعت الدخول المستعجل معتذرة:
—كامرأة ..كزوجة..
174
إذا تجرأت عليك هكذا ،بدون مقدمات .أنت في حاجة
إلى زوجة ،حتى و لو لم تشعر بذلك ..أنت في حاجة
إلى انثى تقف بجانبك ،تحبك ،تمأل دارك ،و تقاسمك
فراشك و حياتك ..و تنسيك المأساة التي أصابتك ..انثى
جميلة ،و ذكية ،تفهم ظروفك الصعبة و تقدرها ،و
زبيدة في نظري ،هي تلك األنثى ،إلى جانب انها بنت
بلدك ،و صديقة عائلتك ،و تعرفك منذ صباك ،و فوف
كل هذا تحبك حبا مبرحا غير مشروط ،و بال حدود !
حبا ال يوجد مثله في هذا العصر ،فلماذا ال تتشجع ،و
تخطو الخطوة األولى و الحاسمة ..لعلها تعطيك طفلة
أو طفال يعوضك عما ضاع منك من سعادة ..و ينسيك
ما عانيته من شقاء ؟
فقال ابراهيم:
فقاطعه اسماعيل:
فاستمهلها قائال:
فسألت مستغربة:
181
—كيف ؟! كيف تجرئين على فتح أبواب األمل الكادبة
للفتاة المسكينة قبل أن تتأكدي من حقيقة شعور الرجل
نحوها ؟ هذا منتهى الحماقة و الطيش!
182
و في طريقه إلى منزله نظر اسماعيل من فوق مرتفع
على الطريق فرأى نورا أخضر منفردا فوق سطح الدار
.
الجـــزء 8 :
184
فهل ،اذن ؛ ،شعر المجرمون بالخطر ؟
188
و رفع السماعة ،و أدار قرص مكتب الشرطة ،و سأل
عن العميد رحمون فوجده ساهرا في منزل الضحية
لالشراف بنفسه على توجيه عملية استرداد الطفل
المخطوف.
189
و بمجرد دخوله غرفة االستنطاق أشعل الضوء على
األسير ،فرمش هذا عينيه ،و حاول أن يرى الداخل
عليه ،و جلس اسماعيل ،و ضغط على الطريقة رقم (
،) 1فانطلقت مقدمة االستنطاق تطمئن األسير ،بصوت
ناعم منوم ،إلى أن هذه مجرد عملية لدراسة الجريمة ،و
إصالح المجرمين ،و أنه إذا تعاون مع المؤسسة
االجتماعية التي تقوم بالبحث فسيطلق سراحه في
الحال ،و حذرته من الكذب ونتائجه ،ثم بدأت تسأله:
—ما اسمك ؟
—لماذا ال تجيب ؟
—لن أجيب.
191
—األمر واضح ،أليس كذلك ؟ أين كانت مؤسستكم
حين طردوني من المدرسة ؟ و أين كنتم حين كنت
ابحث عن العمل .؟ و أين كنتم حين مات والدي جوعا
و تركنا سبعة صغار ألم ال تعرف عن الحياة شيئا ؟
فرد اسماعيل:
—تماما.
193
تكدسونها لبناء مثل هذه القصور ،و تركيب مثل هذه
اآلالت الجهنمية الفتراس بقية الخاليا من ابناء الشعب
أمثالي ! أنت و أمثالك كالكرية السرطانية البيضاء التي
تفترس كريات الدم الحمراء حتى تقضي على الجسد و
على نفسها في النهاية.
198
و دون أن تنتظر الفتاة جوابه أخذت تقفز في مكانها ،و
تقبل رؤوس أصابعها مستعطفة اسماعيل:
فأجابها من الشرفة:
200
—اسمعي يا آنسة ،أنا ال أفهم ما تعنين ،و إذا كان لك
ما تقولينه فتفضلي ادخلي.
202
فاقتربت بوجهها الجميل من دوائر الشباك ،و واجهته
بعينيها المستعطفتين:
—أين الفتاة ؟
205
فنظرت حليمة حواليها باستغراب باحثة عنها ،ثم قالت:
206
و دارت داخل القاعة تتأكد من وجود القطع البلورية ،
و التحف الفضية الثمينة في أماكنها من الرفوف
الزجاجية.
الـجــزء 9 :
207
و في مكتبها ،جلست زبيدة تقرأ الصحف و ترشف من
فنجان قهوة ،و رن التلفون فالتقطته:
—آلو.
—أهال.
208
—ال أحد ،لماذا ؟
211
و وقف قليال و ضرب كفه بجبينه:
212
فقاطعها:
215
و تناول طبقا وضع فيه بعض األكل ،و كأس ماء و
نزل القبو ،و توجه إلى غرفة االستنطاق حيث كان
أسيره الغريب ينتظر مصيره في ود معلق.
و سأله اسماعيل:
—هل فكرت
ال جواب.
218
و الحظ صدر األسير يهتز من عميق الغضب ،و
االهانة ،و العجز القاتل ،فابتسم ابتسامة التشفي ،و قد
اومضت في ذهنه صورة من داره بطنجة و الدم يلطخ
جدرانها.
و اقفل الباب خلفه ،و صعد إلى طابق القبو الفوقي ،و
قصد غرفة الفتاة.
219
—صباح الخير.
—أين أنا ؟
—أبدا ،لماذا ؟
220
—حين افقت ،حاولت الخروج ،فوجدت الباب مقفال.
فترددت:
فمد يده نحو ذراعها دون أن يلمسه ،و أشار إلى الباب:
221
—تعالي ،سنتحدث على مائدة الغداء ،و ال بد أنك
تموتين جوعا.
و استأنف هو شارحا:
223
—أصابك ضعف شديد ،و انت تستعطفينني أن أطلق
سراح أخيك ،و هويت بين ذراعي كالعجينة ،فحملتك
إلى الدار ،ال بد أنها كانت بداية إصابة بالزكام من
مبيتك بالعراء ،و قلقك على مصير أخيك.
224
—بالمناسبة ،ما اسمك يا آنسة ؟
—اسمي زينة.
225
و في نهاية الوجبة ،مسح فمه ،و مد يده إلى الحق
الفضي على المائدة ،ففتحه و مد إليها:
—سيجارة ؟
—ال ،أشكرك.
فتناول هو واحدة و اشعلها ،فبادرته:
226
و وقفت أمامه و قد ارتسمت على وجهها الحلو التعاسة
و االتعطاف فقال اسماعيل بجد:
فقالت موافقة:
228
—ال أدري ..و لكني سأحاول..
و استدركت بسرعة:
229
فوقف اسماعيل وواجهها ،و نظر في عينيها:
—أحقا هو أخوك ؟
230
فتنهد اسماعيل بعمق و هو يقرر قرارا خطيرا:
—حسنا..
231
—تعالي ،إذن.
—مجاهد..
232
—زينة ،أين أنت ؟
233
فهمس بين أسنانه:
234
—ال تصدق االشاعات ،انه رجل عاد ،و لطيف
المعشر ،و قد تحدثنا عنك طويال فلم ينكر وجودك
عنده.
—ال ،لماذا ؟
235
—كال يا غبية ! بل لالنتقام !
—االنتقام ! منك ؟
—يا إلهي!
236
—و لكنه ال يوحي ،من خالل أحاديتة ،بأنه مصاب
بأي خلل في عقله.
238
—أنت متشائم فوق اللزوم ،و ال بد أنه إذا تأكدت لديه
براءتك سيطلق سراحك.
—ماذا قال ؟
243
—و لكن لماذا ؟
فقالت:
244
فابرز شفتيه ،و فكر قليال ثم قال:
—صحيح ؟
—صحيح.
و استدرك:
245
—يكفيني أن تتعاوني أنت!
—في االستجواب ؟
246
فشبكت ساعديها على صدرها ،و كأنها عارية تتستر
من نظراته ،و أمسك هو بمقبض الباب ،و قال:
247
و أقفل الباب ،و خرج ،و بقيت تتردد في ذهن زينة
أصداء كلمتين فريدتين " :شغلت بالي ،شغلت بالي"
—أنا ال أعرفها.
250
—يذكرني جوابك بحكاية أشعب حين رأى جماعة
يأكلون ،فدخل بينهم و أخذ يأكل ،و حين سأله احدهم :
هل تعرف منا أحدا ،أجاب :نعم ،أعرف هذا و أشار
إلى الطعام!
فرد العميد:
251
—لو فعلت لوفرت على نفسك كثيرا من المتاعب.
252
—مسكين اسماعيل ،يعاني من أعراض العزوبة ،
الخجل ،و التعفف الناتج عن حرية االختيار ،و كثرة
المعروضات و الشبع و التخمة ،انتظر حتى تتزوج
فتصبح شرسا مثلنا!
253
—إذا لم تعجبك النحيفة ذات القبعة ،و ما دمت شابا
مهذبا فال مانع عندي من أن تنظر إلى زوجتي " حسناء
" فإذا اعجبتك فسأكتب لك تنازال عنها في الحال!
فرد العميد:
—زبيدة!
فضحك ابراهيم:
255
—أليس كذلك يا عزوز ؟
—مفاجأة سارة!
و تحمس ابراهيم:
256
—أما اليوم " :ماما ميا! "
257
و اقترب النساء الثالث فوقف ابراهيم ،و أخذ يناديهن
،و يشير إلى اسماعيل:
258
—تأخرت في الورش قليال ،و اضطررت للغذاء
خارج الدار .و بمجرد استماعي للمكالمة المسجلة
جئت.
—االضواء!
263
—و قد قمت بعملية تحصين أخرى ،تحصين
بسيكولوجي!
فرد اسماعيل:
فشرح اسماعيل:
266
و اقفل الباب خلفه ،و وقف ينظر إليها فأحست كأنه
يعريها ليلتهمها ،فتراجعت قليال و ضمت صدرها
بذراعيها ،فقال:
و تنهد و أضاف:
267
—كانت سعادتي ستكون مضاعفة!
فقالت:
268
—بالعكس ،كنت في منتهى الجاذبية في مالبسك
األخرى ،و قد حاولت أن اتصورك في مالبس غيرها
فخانني الخيال .و حاولت أن أتخيلك عارية فلم..
و أمسك بيدها:
271
و أقفل هو الباب خلفها ،و أمسكك بكتفيها من الخلف ،
و همس في أذنها:
273
—بدونها أحس كأني عارية!
277
النور ،ثم ضغط على زر أصبح معه الحائط األمامي
شفافا يكشف عن مجاهد وراءه.
—أال تأكلين ؟
279
—اريد الذهاب اآلن ،من فضلك ،إذا لم يكن لك مانع
!
280
—باألمس اتفقنا على أن أعطيك نفسي مقابل اطالق
سراح مجاهد .أال تنوي الوفاء بعهدك ؟
—أين هو ؟
—ذهب.
281
—ذهب ؟ بدوني ؟ إنه يعرف اني هنا ،ألم يسأل عني
؟
—ال أصدقك!
—ال ،شكرا.
282
—كما تشائين ،سأشرح لك على أي حال ،في الواقع
كان هناك اتفاقان كالهما يناقض اآلخر ،أولهما اتفاقي
معك على اطالق سراح مجاهد مقابل ( ،و تنحنح )
أنت تعرفين ،و بالمناسبة ،أود أن أقول لك :لقد كنت
رائعة!
283
فبدت المفاجأة على وجهها ،فأضاف:
ففتحت زينة فمها ،و أرتج عليها لحظة ،ثم قالت شبه
صائحة:
—نعم ،
284
—آسف يا عزيزتي ،لقد قلت لك إن اللصوص ال
شرف لهم وال والء ،و إال ما كانوا لصوصا ،
اللصوصية تعني الحقارة و الجبن ،و الخيانة و الغدر ،
و مجاهد لص رخيص حقير ،فقد تنازل لي عنك ،
دون لحظة تردد ،و باعك لي بأتفه األثمان ،تنازل
عنك مقابل اطالق سراحه ،و أقسم لي على المصحف
أنه لن يطالب بك ،و لن يخبر الشرطة بوجودك عندي
،و بالطبع لم أصدق قسمه ،فال كرامة للص ! و لكني
أعرف أنه لن يخبر الشرطة فهو أجبن من ذلك ،و
بمجرد أن فتحت له باب الدار ،انطلق يعدو كاألرنب
الهارب من الفخ ! و تركك لي ،رماك كما يرمي منديل
ورق مستعمل في سلة المهمالت!
—ماذا فعلت به ؟
—كذاب ! كذاب!
288
و غادر الغرفة ،و أحكم اقفال الباب خلفه ،و خرج
إلى الحديقة ليفكر بوضوح فيما سيفعله بجثة أسيره
مجاهد ،كان عليه أن يقرر ما إذا كان األفضل التخلص
من الجثة عن طريق القائها داخل السائل المفترس ،و
بذلك ستختفي كل آثارها إلى األبد ،أو باخراجها إلى
ضاحية البحر ،حيث تكثر الكهوف و المخابىء
الموبوءة بالمجرمين ،و السكارى ،و المقامرين و
اللصوص ،و القاؤها هناك لتكتشفها الشرطة ،و
تتحدث عنها الصحافة ،و بذلك يثبت لزينة براءته من
دم مجاهد ،أو يبذر الشك في تهمتها اياه ،على االقل.
—زينة ،زينة.
فرد معتذرا:
294
—ال شيء ،لست جائعة.
295
—كيف يطيب لي األكل ،و أنا ال أعرف مصيري ؟
فردت بقوة:
—ال.
297
و خرج من السيارة ،و نظر في كل اتجاه ،ثم فتح
صندوقها ،و أمسك بالجثة من تحت االبطين ،و انطلق
بدون نور بضعة كيلومترات حتى اختفى بين المنازل.
300
و أقوى عزاء له ،هو انتحار مجاهد ،و انفجاره بذلك
الشكل البشع ! فقد أكلت الغيرة قلبه ،و أحرقت
أعصابه و هو يشاهد ما كان يحدث في الغرفة الوردية
بينه و بينها ،و لو عرف ما كان يعانيه اسماعيل من
غيرة منه ،وحسد له على حبها الحقيقي له هو ،لهدأت
اعصابه ،و لشعر في ساعة قهره و عجزه ،بكثير من
العزاء و االنتصار.
301
—الحمد هلل ،كيف وجدت ابنتك ؟
—حاال يا سيدي.
303
و اختفت صورته ،و قام فدخل الحمام.
—ال شيء.
304
من فضلك.
فقاطعها اسماعيل:
—كيف عرفت ؟
305
—سأقول لك ،إذا وعدتني أال تغضبي و تهاجميني
كالمرة السابقة.
306
—أنت تعرفين أن العمل بالخارج كان نقطة ضعفه
الكبرى.
307
—افهمت اآلن لماذا يجب أن ننتظر قليال لنناقش
موضوع إطالق سراحك ؟
فقال ببرودة:
—أنت مجنون!
308
ادخل يده في جيبه و أمسك بأنبوب الغاز المسكن ،
استعدادا لرشه في وجهها ،إذا هي هاجمته ،و قال
بصوت موزون يخفي غضبا عميقا:
311
الــجـــزء 12 :
312
"بل ألنك تحبها ،تحبها ،تحبها" !
313
و تخللت انغام الموسيقى أصوات كارين ،و ضحكات
الطفلة و هي تستجيب لمناغاة أمها ،و قهقهتها و هي
ترفعها في الهواء.
—نعم.
—صباح الخير!
—هل أيقظتك ؟
—شكرا.
316
—ال.
—مع السالمة.
و قلب الصفحة:
و قلب الصفحة:
319
—نسيت أن أشرح ذلك ،شكرا يا زبيدة ،هذا نظام
جديد تحت التجربة ،العدام القمامة محليا ،عن طريق
إذابتها كيماويا ،فجميع االزبال المنزلية العادية قابلة
لالحتراق أو االنصهار في محاليل كيماوية قوية.
فقال ابراهيم:
فسألت زبيدة:
320
—و ماذا عن االبخرة الكيماوية ؟ أال تكون خطرا
على السكان ،و عامال من عوامل التلوث ؟
فأجاب اسماعيل:
فمد ابراهيم يده ،و نقت بقبضته على رأس زبيدة ،و
علق مازحا:
324
و في الطريق ،توقف عند مكتبة ،و اشترى نسخة من
كتاب " علم نفس السجن " ،ليقرأه في الطائرات و
الفنادق ،أثناء أسفاره عبر أقاليم المملكة في مهمة
اختيار بقع البناء ،و االعداد لمشروعه الكبير.
326
و سأله أمين ناصت مرة بطريقة عابرة ،بعد لحظة
صمت أثناء حديتة مع زبيدة التي كانت تجلس دائما بينه
و بين اسماعيل في الطائرة.
—رواية بوليسية.
—فعال.
و ماذا لو تحقق ؟
الــجــزء : 13
332
األفق المخضب و إلى الشمس ،كرة النار الخالدة ،و
قد ثلم حذة أشعتها الغبار الكوني و أبخرة المحيط ،
فتحولت إلى برتقالة باردة .كان ينظر إلى مشهد
الغروب المترامي أمامه من ذلك االرتفاع ،و يفكر مذا
سيفعل لو وقع في يده أحد أفراد العصابة ؟ و تين أنه
يعيش من أجل ذلك األمل ،و ذلك األمل وحده!
و ماذا لو تحقق ؟
336
و خرج منها بعد ساعة بادى االرتخاء و االرتياح ،كأنه
وضع عبئا ثقيال ،أو تخلص من ألم حاد.
339
—ستلبى جميع رغباتك الممكنة.
أم هل كان مجرد بوق باخرة خيالية مرت على بعد من
طوفها التائه في ليل المحيط البهيم ؟
341
و نظرت من خالل البخار إلى أعلى المرآة ،حيث
كانت تسجل األيام بأحمر شفاهها بخط عمودي لكل يوم
،و كل أربعة خطوط عمودية يقطعها خط مائل لتسهيل
عملية الحساب و حسبت المجموعات الخماسية للمرة
األلف ،أربعة مجموعات ،و ثالثة خطوط عمودية ..
ثالثة و عشرون يوما من الوحدة و الشك القاتل في أنها
آخر من بقي على االرض مدفونا تحت انقاض زلزال.
343
و طرق بابها ،فسمع شهقة المفاجأة ،ثم حركات يدها
على الباب و هي تحاول فتحه دون جدوى ،فقد كان
يفتح من الخارج فقط ،أما من الداخل فكان ال ينفتح إال
باشارة خاصة من اسماعيل.
344
—شكرا لك ،شكرا على قدومك ! ال تتركني وحدي
أبدا بعد اآلن ،أرجوك يا اسماعيل ،سأكون أمة طائعة
لك ،و جارية ملك بيمينك ،افعل بي ما تشاء ،و لكن
ال تتركني وحدي.
345
فقاطعته:
همس لها:
346
و تراجعت فجلست على حافة السرير:
—كيف ؟
—لعله شعري.
فتذكر:
348
—تماما ،كان مبلوال أو مخرصا ،فماذا حدث له ؟
350
—حدثني عن نفسك ،أريد أن أعرف كل شيء عنك.
فلم يزد على أن ابتسم لها ،و نفث دخان السيجارة في
الهواء ،فأضافت:
فرد بهدوء:
352
فعادت إلى مرحها و قالت متطوعة:
353
و انشغل اسماعيل بمشاريعه الكبيرة ،المحلية منها
والمنتشرة عبر اطراف المملكة ،فكان يعود إلى داره
في ساعة متأخرة من المساء فيجد نفسه منساقا إلى
جناح زينة ،و كأنه منحدر في أحد أنابيبه دون إرادة ..
كان يجدها دائما تنتظره في أبهى زينة و أروق مزاج..
فكانت تصب له كأسا من بيرته المفضلة ،و تضعها
أمامه ،و تجلس إلى جانبه تؤنسه بحديثها ،و كأنها
قضت طول النهار بالخارج ..و حين يسألها من أين كل
هذه األخبار كانت تشير إلى الراديو ،و الجرائد و
المجالت..
354
و الحظ كذلك نعومة بشرتها و صفاءها ،و هدوء
طبعها ،و دعة نفسها التي كانت تصبغ عليها في نظره
مسحة خفيفة من الحزن ،حين تنهمك في القراءة أو
عمل " التريكو" .
و فاجأها مرة تبكي حين دخل مبكرا على غير عادته ،
فدخلت الحمام بسرعة ،و لكنه لحق بها قبل أن تغسل
عن وجهها آثار الدموع ،فأمسك بكتفيها ،و نظر إلى
عينيها في المرآة:
—مالك يا زينة ؟
—ال شيء..
—ما لك ؟
355
و لم تجب...
—ال..
—ما لك إذن ؟
356
—حبلى!
—متى عرفت ؟
—منذ شهرين..
—لماذا لم تخبريني ؟
357
و لم يجب ..لم يكن يعرف الجواب..
358
و حين عاد من عمله ذاك المساء ،كان االرهاق باديا
عليه ،و نظرت إليه زينة بعينين صامتتين ،فتفادى
نظراتها ،و قصد خزانة المطبخ الصغير ،فأخرج
زجاجة صب منها في كأس ،و استرخى على األريكة
يرشف من السائل الذهبي الدافىء و ينتظر مفعوله في
عروقه.
359
—أال تزال غاضبا مني ؟؟
360
و تنهدت:
و حاولت االبتسام:
361
—أرأيت ؟ أنت أسيري بقدر ما أنا أسيرتك..
366
و من جهة أخرى ،إذ لم يخبر الشرطة فربما عثرت
بنفسها على أثر يشير إلى ما حدث الليلة ،و لن يجد
شرحا شافيا لصمته.
—جرح خفيف.
367
فانهى الضابط المكالمة بوله:
و وضع السماعة.
—ماذا جرى ؟
—هل هي لي ؟
370
—هي لكما معا.
—فيم تفكرين ؟
372
فرفعت رأسها:
فقال باسما:
—فماذا يقلقك ؟
373
—ما قلته لي مرة من أن هذه الدار محارة تسد آليا ،و
ال يستطيع أحد النفاذ إليها!
و توقف ثم سأل:
374
فتنهدت ،و قالت:
375
و بعد بضع دقائق من اللعب المجهد ،اظلمت السماء
حين اطبقت الغيوم الكالحة على المدينة ،و سطع البرق
باهرا خاطفا ،فتوقف االثنان عن اللعب ،و خافت زينة
فالتجأت إلى اسماعيل الذي ضمها إليه ،و وقفا يتوقعان
انفجار الرعد الهائل الذي لم يلبث أن هز المبنى من
تحتهما.
376
و حين خف انصباب المطر ،و لم يبق منه إال رذاذ
خفيف أحس االثنان براحة داخلية عميقة ،و تنهدت زينة
بصوت مسموع ،فقال اسماعيل:
377
—قلت لي كان حادثا ،و ليس اعتداء عصابة.
—أكيدا ،ال.
378
و أضاف مصححا:
—لم أقصد .لم أقصد ما تظن .أرجوك أال تفهم ذلك .
379
—أنا أخاف عليك أنت.
—ماذا حدث لك ؟
381
—حادث سيارة بسيط .سأقول لك عنه حين نلتقي.
384
—ماذا تريدين تسمية الطفلة ؟
—لماذا ؟
387
و في غرفة فندقه بمكناس ،آخر مراحل تفتيشه ،رن
جرس التلفون من عميد الشرطة بالبيضاء ليخبره
بحادث مؤسف وقع في منزله ،و انقبض قلبه خشية أن
يكون أمر زينة انكشف أو أصابها و الطفلة مكروه.
388
—هل أصيبت حليمة او ابا الجياللي بسوء ؟
389
شيئا لم يقع في الجزء االعلى من الدار التي تسكنها ،و
فضل هو أن يتركها جاهلة بما حدث حتى ال تنزعج ،و
انصرف إلى صغيرته يناغيها و يقلب فيها وجهه تقلب
وجه العابد في السماء.
390
فمد اسماعيل يده مصافحا مبتسما:
—الكمال هلل.
—هل لك تأمين ؟
و شرح العميد:
391
—هذا قد يدل على حقد قديم.
و علق ابراهيم:
فقال العميد:
392
—هذا هو أخطر أنواع اللصوص ،فهو ال يسرق
لالنتفاع بقدر ما يسرق لحرمان اشخص اآلخر و إذايته
.و هم ال يترددون في قتل من يعترض سبيلهم أو يوجد
في المكان عند دخولهم.
و علق اسماعيل:
—سنعرف قريبا.
394
و من رحلته الثانية عاد مشتاقا إلى طفلته الصغيرة التي
بدأ الشبه بينها و بين طفلته من ( كارين ) يظهر بشكل
ملحوظ.
397
و ظهرت زبيدة في عدد من الصور الصحفية ممسكة
بذراعي اسماعيل و أمين ناصر ،و على وجهها
ابتسامة سعادة مشرقة.
398
—و لكن لماذا ؟
و لكن ما هو الدافع ؟
399
فعلقت مريم:
—ماذا حدث ؟
نحن نعرف سرك .فال تضيع وقتك .لن يقع أحد من
أفراد العصابة في فخك .نحن نستعمل دارك لتنفيذ
أحكام االعدام في أفراد العصابات المنافسة لنا .و لنا
الئحة باسماء جميع الذين دخلوا الدار الم'سؤومة و لم
يخرجوا .فإذا كنت صنعت الفخ لالنتقام منا ،فقد فشلت
خطتك .بل اصبحت مجرما مثلنا .ال فرق بيننا و بينك
،أنت قتال خارج على القانون تقتل صغار اللصوص
من أبناء الشوارع و المحرومين من المدارس ،و
العمل ،و الحياة العائلية السعيدة ،الذين لم يبق امامهم
إال السرقة .لم يترك أمثالك من اللصوص الكبار
أمامهم إال الجريمة ! بل أنت ألعن و أقسى و أشد
إجراما منهم ألنهم يسرقون ليعيشوا ،و ليعولوا أمهاتهم
و أخوانهم الصغار ،و انت تقتل لمجرد لذة االنتقام.
404
لذلك قررنا محاكمتك و مطالبتك بفديات جميع الذين
وقعوا في فخك و لم يخرجوا .و ذلك حتى نعوض
عائالتهم التي فقدت فيهم مصدر عيشها الوحيد .عليك
أن تدفع لنا سبعة و ثالثين مليون سنتيم بأوراق من
العشرة آالف سنتيم تضعها في حقيبة .و سنخبرك أين
تضعها غدا في مثل هذا الوقت.
405
و وقفت زينة تنظر إليه ملتصقة بالحائط ،ال تدري ما
تفعل ،و كأنها تنظر إلى قنبلة أوشكت أن تنفجر دون
أن تستطيع الفرار.
الــجــزء : 11
406
و أحس بالظمإ فقام إلى الحمام و رش وجهه بحفنات
من الماء البارد ،ثم شرب من كفه حتى ارتوى ،و
وقف يمسح وجهه و يديه و ينظر في المرآة إلى عينيه
الواسعتين الذكيتين فعادت إليه الثقة و الهدوء.
—قرأت الرسالة ؟
—ال أدري..
—أحقا ما كتبوا ؟
408
—و لكن عاجال أو آجال كنت ستعرفين ..كنت
سأحكي لك عن كل شيء..
409
—أخشى أن ذلك لم يكن حقيقة ..فبذور السوء ال
تنبت إال شرا مهما غيرت لها التربة ..لذلك لم يبق إال
اختيار واحد ..تخليص المجتمع منها إلى األبد..
412
—إذا كان جميع الفالسفة و الحكماء ،منذ فجر الفكر
االنساني ،فشلوا في حل هذا اللغز ،و عجزوا عن فهم
الحكمة من وجود الشر في االنسان ،فكيف تستطيع
أنت النجاح حيث فشلوا ؟
فقاطعته متحمسة:
فأكمل هو اآلاية:
و انحنى ليسألها:
419
و توقف قليال لينظر إلى أثر كالمه فيها ،ثم أضاف:
420
أسراري ..فمدت يدها و وضعتها برفق فوق يده
الطويلة النحيلة و سألت:
427
قد تكون هذه االشارة هي الفتلة التي كان ينتظرها من
جانبا العصابة ،فقد تضع يده على الحلقة المفقودة بينه
و بينها.
429
و رغم ذلك ،فقد قرر أخذه في الحسبان.
431
و دق قلبه حتى كاد يطغى على صوت األسير ،و هو
يستمع إليه يجيب:
432
—من كان رئيس العصابة ؟
—أين هو اآلن ؟
—مات..
—كيف ؟
—أين ؟
433
—من صاحب السيارة ؟
—مفتش شرطة..
—ال..
—في السجن..
" —الرداد " قتل الطفلة أوال ..و هدد المرأة إذا لم
تدله على صندوق الجواهر و الفلوس بقتل طفلتها .و
حين قالت إنها ال تعلم ،أخذها إلى غرفة النوم ..و بقينا
434
نحن نبحث عن الصندوق.
435
و أشعل النور ،ففتح السجين عينيه تدريجيا بصعوبة ،
و استأنس لسماع صوت بشري حين سمع صوت
اسماعيل يسأله:
—كيف ؟
—رأيناه.
438
—كيف ،و أضواء السيارة في عيونكما ؟
—ال أدري اآلن ،كان الظالم شديدا ،و كنت أراه من
خالل الزاجاج بعينين أغشاهما الضوء..
439
فحرك السجين رأسه بالنفي..
—لماذا لم يتبعك ؟
440
—ال أدري لماذا ،ربما ألنه اعتقد أنني لم أر وجهه ،
أو ألن أحدا رأى الحادث و توقف.
—أي سجن ؟
441
—لماذا ؟
—لسرقة ،ربما.
—متى سيخرج ؟
—هل تتذكر يوم الحادث الذي قتل فيه " الرداد "
442
بالضبط ؟
443
"عثرت الشرطة في دوار ( الحونا ) على جثة شاب
مجهول الهوية ،ذهب ضحية حادثة سيارة دهمته و هو
في حالة سكر شديد ،و قد نقلت الجثة إلى مستودع
األموات في انتظار من يتعرف عليها" .
444
و على حافة مدينة القصدير المترامية األطراف ،وقف
ينظر إلى العنوان ثم إلى هذا البحر الهادر الصفائح و
األخشاب و القصب ،تخترقها ممرات من األوحال
القذرة السوداء المكتظة باألطفال الحفاة العراة
الضامري األجساد ،يتصايحون و يتعاركون .فقصد
إلى أحد الدكاكين و سأل صاحبه عن العنوان ،و كيف
يمكن الوصول إليه..
—عمن تبحث ؟
—حشالف ؟
—ماذا حدث له ؟
446
و أخرجه من خدره صوت البائع:
—محال..
447
—حدث كل شيء بسرعة ..ولكن يقال و هللا أعلم ،
إن أحدا رأى السائق و أخبر الشرطة..
448
بينهم.؛و ال أكتمك أن هذا الولد " حشالف " لم يكن من
أحسن الشباب .و ربما كنت تعرف ذلك ..و هذه
ليست المرة األولى التي يدخل فيها الحبس .فماذا يفعل
رجال األمن ؟ السجون ممتلئة ،و المحاكم كذلك ..
450
و وقف مكانه ،و قد ظهر الجد على وجهه رغم سكره
:
—هل ستتزوجيني ؟
—نعم ...نعم!
—اآلن..
452
و لم يشف غليله استسالمها السريع ،فدفعها مرة أخرى
و قال:
454
و اغرورقت عينا زبيدة من القهر و الغضب المكبوت
فقال:
455
و التفتت هي تدرس المسافة بينها و بين الباب ،فوقف
هو في مكانه ،و صاح دون أن يلتفت:
—لم أتحرك..
و توقف ليسأل:
—أتعرفين ذلك ؟
456
—هذا رد فعل طبيعي.
فسألت متحدية:
457
و اقترب منها و نظر في عينيها:
458
—و كيف تطمئن إلى أنه لم يقل شيئا عن عالقتكما
لزميله ؟
—نعم.
—ماذا وقع له ؟
و دق قلب زبيدة:
461
تشرف عليه بالليل ،قالت لي إنه مات ،توقف قلبه ،و
كف تماما عن التنفس ،و بقي ميتا حتى الصباح حين
جاء الطبيب ،فوجده قد عاد إلى الحياة.
—هذا مستحيل!
و واجهته مبتسمة:
و أجابت الخادمة:
—من يطلبه ؟
467
و وضعت السماعة على المائدة الصقيلة بعناية و ذهبت
.
—آلو.
و ترددت زهور:
468
—سأستعجله للخروج من الحمام ،لم يبق له إال أن
يخرج ،فقد دخل منذ نصف ساعه.
—قالت لي زهور..
فقاطعته:
469
—نعم ..نعم ...أردت أن أكلمك في موضوع
المهندس أمين ناصر ..منذ لحظة فقط علمت أن موته
لم يكن انتحارا..
471
و رفع قبضته عن عنقها ،و تركها تنظر إلى السقف
بعينين خاويتين.
474
و فتح الجرائد فإذا بها عدد كبير من الثقوب و الخروم
الصغيرة المربعة و المستطيلة ..كلماتها اخذت بموس
حالقة..
—هل أساعدك ؟
—ال ،انتهيت..
476
و رفع الرسالة إلى أنفه فوجد أن رائحة الكيروسين ،ما
تزال عالقة بها ،و شم ظرف أوراق زبيدة ،فإذا
برائحة عطرها المميز لها تعبق منه.
477
"ظننتها غير قادرة على مثل هذا الحب الجارف ،
الحاقد ،القاتل كنت أحسبها طوبة ثلج شفافة ،ذكية
باردة ال رائحة لها ،و ال حرارة و اوال طعم.
"ما كنت أعتقد أنه بقي من بين أهل هذا العصر من
يقتل من أجل الحب!
—فيم تفكر ؟
482
..
—جربني.
483
الدنيا مهندس يتقن األشياء مثلك..
484
—في الحقيقة ال يمكن إجراء أي تحقيق مع المتهم .
فهو في حالة انهيار عصبي تام ..و كل ما يصدر عنه
هذيان ال يمكن أخذه مأخذ الجد.
485
—يبدو أن للمفتش عبد الحق بن جليل ـ و هذا بيننا ـ و
زبيدة كذلك ،يدا في تحريض العصابة على اقتحام
دارك أثناء غيابك ..و في كل ما جرى..
—يا إلهي..
486
—سامحني إذا قسوت عليك بهذه التفاصيل .؛ و لكن
البد أن تعرف لتقفل هذه الصفحة الدامية ،و تبدأ من
جديد ..و قد استخدم المفتش عبد الحق بن جليل
عصابة في هذه العملية القذرة ..و يبدو أن زبيدة
رفضت الزواجه منه بدعوى أن العصابة ربما باحت
بهذا السر للشرطة ..فلم يجد المفتش المخدوع بدا من
التخلص من أعضاء العصابة واحدا واحدا ..لعلها
تطمئن على مستقبلها معه..
488
..فهي تصريحات شخص غير مسؤول..
—لماذا ؟
فضحك العميد:
491
—ها هي فكرة ،للمستقبل ربما.
—ضاعت ..ضاعت!
—أين ضاعت ؟
497
رفعت عيني عن التريكو ألنظر إليها لم أجدها ..اختفت
..كما لو انشقت من تحتها األرض ..أرجوك اسماعيل
تعال اآلن .أين انت ؟
498
و وضع السماعة و خرج يعدو و قلبه يدق بعنف ،و
وقف وسط الطريق لسيارة خاصة يستوقف صاحبها و
يستركبه غير عابىء بالخطر المحتمل ..و وقف
السائق ثائر األعصاب فانحنى اسماعيل على نافذته:
—أدخل يا سيدي.
499
إنطلق نحو المنارة..
503
فأمسك إسماعيل بيدها برفق:
—أنت تبكي.
504
—نعم ،المجانين ال يبكون..
506
—فكرت في أنك ستحتاجين إلى هذه..
—شكرا..
—زينة..
507
و ظلت صامتة ..فقعد إلى جانبها ،و سأل بصعوبة:
—هل تتزوجينني ؟
—كال..
—لماذا ؟
و لم تجب..
—و أسماء ؟
508
—هل ستعيش بال أب ؟
—ليس شغلك..
—أعرف ذلك..
509
—زينة ..اطلبي مني ما تشائين ،و لكن ال تتركيني
..أسمعت ؟ ما تشائين..
—ما أشاء ؟
510
أريدك أن تقفل هذه الدار و جميع الديار التي بنيتها على
هذا الطراز.
فأجاب متحمسا:
511
—خذ ابنتك..
ثم أضافت:
512
—و في قريتنا ال يوجد بريد و ال تلفون ،إلى جانب
أنني ال أريد أن أعود إلى تلك الدار ( مشيرة إلى دار
اسماعيل) .
و فكر في مراكش.
514
و في غابة الصفصاف و الفلين الكثيفة بين مدينتي
القصر الكبير و العرائش ،عاودها حنين قوي إلى
مرابع صباها ،كانت تقترب بسرعة من قريتها النائمة
بين الصخور.
فقالت بمرح:
515
—أول غرام في حياتي!
فضحكت:
ثم أضافت:
516
—كيف ؟
و توقفت لتسأل:
و تنهدت:
518
—مسكين!
و أغمضت عينيها:
—مسكينة!
519
باتت أمي الحبيبة تسليني بأحالمها بأنني سأعيش حياة
الترف و الهناء ،و أن الحاج الغمبوري رجل كبير
السن ،و سيموت قريبا ،و أرث أنا ثروته ،و اتزوج
بعد ذلك من أشاء.
522
—جاءت زينة ..صحبة رجل وسيم ،و طفلة جميلة
في سيارة من فضة خالصة.
و توقف الراعي..
526
بالمهنئات من سيدات القرية ملفوفات في الحفهن
الصوفية ،مما اضطر إسماعيل إلى الخروج إلى وسط
الدار ،و تبعته زينة محرجة ،فاقترح عليها بأن يذهب
إلى العرائش لقضاء الليلة بأحد فنادقها ،فرحبت بالفكرة
.
528
————
******
530
و انتهى اسماعيل.
531
انتهت.
532