Professional Documents
Culture Documents
عرض حول الاستعارة التصورية في شعر الملحون المغربي
عرض حول الاستعارة التصورية في شعر الملحون المغربي
عرض حول
1
حمتويات العرض
2
مقدمة
ُ
العرض محاولة تطبيقية لنظرية االستعارة التصورية على نص قصيدة من فن امللحون يقدم هذا
ُ ُ
حيث ّ
تقديم تم املغربي ،مستثمرا ما جاء في كتاب اليكوف وجونسون "االستعارات التي نحيا بها" )،(1980
يعمل على َب َني ِنة طر ِق
ُ َ
"الجزء األكبر من نسقنا التصوري العادي" والذي االستعارة التصورية بوصفها
اإلبدال ُ
استثمار هذا ُ
يمكن "إدراكنا وتفكيرنا وسلوكنا" .فما هي أهم مفاهيمها وأسسها املعرفية؟ وكيف
ِ
املعرفي في الكشف عن أبعاد قصيدة امللحون املعرفية خلفيات تشكل االستعارة في ذهن الشاعر املغربي
من خالل نص محدد في قصيدة الرعد للشيخ محمد ابن سليمان1؟
درس بوصفها ظاهرة أدبية ذات بعدظلت االستعارة منذ أرسطو ،وما زالت عند عدد كبير من اللغويينُ ،ت ُ
ُ
استبعدت الخطاب ُ َ
ات مجال استخدامها مقتصر على الشعر والخطابة .بينما بالغي باألساس؛ أي أن
ُ
األخرى التي لم تصنف ضمن األدب ،بل أقص َي منها أحيانا ٌ
نوع أدبي محدد ،كامللحون ،نظرا للغته
"القريبة" من العامية ،ويعزى هذا اإلقصاء إلى نظرة إقليمية محدودة ملاهية األدب .وقد أجازف بالقول ّ
أن
ما يدعى بالفنون الشعبية لم يتم إنصافه أدبيا إال في العقود األخيرة من القرن العشرين ،بفضل
الدراسات الكولونيالية في املستعمرات وتأثير الثورة الفنية والذوقية املعاصرة (إقبال الباحثين والفنانين
والجمهور على تثمين التراث الشفوي والشعبي والفن املتمرد) على املنظور األدبي التقليدي .وكما تخلصت
االستعارة من قيد البالغة واملوضوعية بفضل تطور اللسانيات املعرفية ،خصوصا مع جونسون واليكوف
()1987؛ إذ كشفا من خالل دراساتهما عن كون االستعارة أكثر من مجرد ظاهرة لغوية ،أداة من أدوات
التفكير اإلنساني ككل ،فقد تحرر امللحون كفن دأب الدارسون على توطينه في الهامش األدبي الضيق
للفنون الشعبية ،من خالل جهود التراثيين أوال ،أعمال عباس الجراري ومحمد الفاس ي مثال ،ثم من خالل
جهود اللسانيين املعاصرين الذين فتحوا باب البحث في املقومات الفنية والتعبيرية واملعرفية في هذا
الجنس األدبي.
1محمد ابن سليمان ،قصيدة الرعد ، ،معلمة امللحون الجزء الثالث ،محمد الفاس ي ،أكاديمية اململكة .1990 ،ص .171-169
3
احملور األول :االستعارة التصورية
َ
حصرت التصورات الكالسيكية االستعارة في الخطابات الشعرية واألدبية والخيالية ثم قامت
َ
ضمن مستوى األلفاظ .ونتيجة لتطور العلوم املعرفية ظهرت مقاربات أخرى على بتحديد مدار عملها
َ ّ
نقدي استهدف املصادرات التي أقامتها النظريات الكالسيكية على االستعارة .يرى اليكوف أساس
وجونسون أن االستعارات "ال ترتبط باللغة أو األلفاظ ،بل على عكس ذلك ،فسيرورات الفكر البشري هي
مب َنين ومحدد
التي تعد استعارية في جزء كبير منها .وهذا ما نعنيه حين نقول إن النسق التصوري البشري َ
استعاريا 2".فما هي طبيعة عمل االستعارات التصورية؟
نتج كل نسق استعاري مجموعة من التعابير االستعاريةنسقي؛ ُي ُ
ّ ُ
تعمل االستعارة التصورية بشكل
ُ
"الزمن مال" ُ
"الجدال حرب" أو النسق نفسه .فاستعارة َ
ضمن املرتبطة باستلزامات تجعلها جميعا تدور
ِ
نعبر في محادثاتنا العادية عن الجدال من خالل تصور الحرب ،وعن الزمن من خالل مثاالن عن كوننا ّ
صدر عن َتصورات تتشار ُك َ
نفس النسق االستعاري ،إذ تصور املال .ورغم تعدد التعابير االستعارية فهي َت ُ
ُ ّ
شكل التصورات االستعارية :الزمن مال ،والزمن مورد محدود ،والزمن بضاعة ثمينة ،نسقا واحدا "ت ِ
مؤسسا على التفريع املقولي ]...[ ،فاستعارة الزمن مال تستلزم الزمن مورد محدود التي تسلتزم الزمن
وتعمل هذه االستلزامات (االقتضاءات) االستعارية نسقيا؛ باعتمادها على تصور ُ بضاعة ثمينة3".
استعاري معين ،على إظهار مظهر من مظاهر تصور ما وإخفاء املظاهر األخرى .وقد قسم اليكوف
ٌ ٌ
مجال هدف من خالل مجال مصدر. وجونسون االستعارات التصورية بناء على الكيفية التي ُيبنين بها
. 1االستعارات البنيوية:
ُ ُ
ّ
النسقي للغة في تعبيراتنا حول اللغة .فالفكرة استعارة املجرى طريقة تأثير تصورنا االستعاري ت َفسر
ُ ُ ى واإلرسال ّ
ُ ُ ُ
واع ،إذ
ٍ غير بشكل االستعارة هذه نستعمل ونحن . (قناة) مجر عبر يتم ه،ؤ محتوى والكلمة وعا
الهين العثور على ما ُ
يمكن إخفاؤه في قولنا "حاول أن َ
تضع أفكارا أكثر في أقل عدد من الكلمات"، ليس من ّ
كما هائال من مظاهر النسق التواصلي للغة ّ
تم َ
تقدم عن استعارة املجرى وجدنا ّ لكننا إذا استحضرنا ما
2اليكوف وجونسون ،االستعارات التي نحيا بها ،ترجمة عبد املجيد جحفة ،سلسلة املعرفة اللسانية ،دار توبقال للنشر ،الطبعة الثانية
،2009ص .23
3نفسه ،ص .26-25
4
سياق أو ُ
تحمل في داخلها فكرا بمعز ٍل عن أي ُ
إخفاؤه لصالح مظهر واحد هو أن التعبيرات اللسانية
ٍ
حسب السياق الذي قيلت فيه؛ فعبارة َ واحد تحمل أكثر من َمعنى
ُ متكلمّ 4.
لكن بعض العبارات قد
ٍ
ُ
وتوضح "نحتاج املزيد من املوارد قد تعني شيئا لرئيس شركة محروقات وشيئا آخر ملدير مبادرة بيئية5".
. 2االستعارات االتجاهية:
تصور ما بوساطة تصور آخر ،فإن املقصود باالستعارات ٌ إذا كانت االستعارات البنيوية تعني أن ُي َبن َي َن
ُ
االتجاهية "مفهوم َينظم نسقا كامال من التصورات االستعارية املتعالقة [ ]...وهذه االستعارات االتجاهية
ّ ُ
فالسعادة ينهض كل تصور استعار ّي اتجاهي على ُمرتكز فيزيائي. ُ توجها فضائيا7".تعطي للتصورات ّ
ونحن ُ
نعود إلى ُ والج ّيد والسلطة (فوق) والشقاء والهزيمة والس يء والخضوع (تحت) فوق تحت، والنصر َ
ُ
ويشير كل من اليكوف وجونسون إلى أنه من الصعب املاض ي (وراء) ونمض ي قدما نحو املستقبل (أمام)8.
التفريق بين املرتكزات الفيزيائية والثقافية في تصور استعاري ما" ،إذ أن انتقاء أساس فيزيائي ما من بين
أمر مرتبط باالنسجام الثقافي 9".لذا ال مناص من ّ
النظر في األسس التجريبية التي أسس فيزيائية أخرى ٌ
ُ
تمارس علينا نظرية علمية ما إغراء ملجرد موافقتها تتأسس عليها التصورات االستعارية لفهم الكيفية التي
تقريبه من خالل حديثنا عن عالقة االنسجام الثقافي بانتقاء ُ لتجربتنا الثقافية .وهذا ما ُسنحاول
االستعارات التصورية االتجاهية.
Lakoff & Johnson, Metaphors we live by, The University of Chicago Press 1980, pp 10-11. 4
Ibid, p. 12. 5
6اليكوف وجونسون ،االستعارات التي نحيا بها ،ترجمة عبد املجيد جحفة ،سلسلة املعرفة اللسانية ،دار توبقال للنشر ،الطبعة الثانية
،2009ص .30
7نفسه ،ص .32
8راجع األمثلة في :املصدر السابق نفسه ،ص35-33
9نفسه ،ص 37
5
. 3االستعارة و االنسجام الثقافي:
ُ ُ
يجعل تصورا استعاريا ما أكثر قابلية لالنتقاء دونا عن غيره من التصورات األخرى هو درجة إن ما
قربه من ثقافة املجموعة البشرية املنتجة /املستهلكة للتصور ذاته" .خذ مثال ،التعاليم الرهبانية عند
سنجد [تصوري] (األقل أفضل) و(األصغر أفضل) صحيحين فيما يتعلق ُ كبار األحبار .Trappists
َ
باملمتلكات املادية ،التي ُينظر إليها على أنها تعرقل ما هو مهم ،أي خدمة هللا .يشترك كبار الرهبان في
القيمة السائدة (الفضيلة فوق) ، VIRTUE IS UPعلى الرغم من أنهم يعطونها األولوية القصوى وتعريفا
ُ
(الكثير ما يزال أفضل) ،على الرغم من أنه ينطبق على الفضيلة .و(املكانة ما تزال فوق)، مختلفا تماما.
على الرغم من أنها لي ست من هذا العالم ولكنها من عالم أعلى؛ ملكوت هللا .عالوة على ذلك ،فإن (اآلتي
ُ
فالخالص فوق (حقا سيكون أفضل) هو تعبير صحيح ِ
بمنط ِق السمو الروحي (فهو أعلى) ،وفي النهاية ،
فوق)10".
ُ
تعيش خارج الثقافة املهيمنة" :ال تعطي جميع الثقافات األولوية هذا ما يحدث في املجموعات التي
ذاتها التي نعطيها للتوجه (فوق-تحت) .هناك ثقافات يلعب فيها التوازن أو املركزية دورا أكثر أهمية بكثير
َ
التوجه غير املكاني (إيجابي-سلبي) .بالنسبة لنا ،يكون الوضع اإليجابي فوق مما يلعبه في ثقافتنا .ولنالحظ
ُ
والسلبي تحت في معظم األمور .ولكن هناك ثقافات حيث قيمة السلبية أفضل من اإليجابية .بشكل عام،
َ
يبدو أن التوجهات الرئيسية تصاعديا ،أو داخليا ،أو مركزيا ،أو طرفيا ،أو إيجابيا إلخ ،تتقاطع مع جميع
الثقافات ،ولكن التصورات املعتمدة والطريقة واالتجاهات األهم تختلف من ثقافة إلى أخرى 11".وإن
شي ِم الفروسية واإلقدام لدى فرسان القرون األوروبية الوسطى، شئنا التمثيل على ذلك؛ نظرنا إلى َ
ُّ
ُ
األهازيج كبير منهم إلى حتفه ،فامتدحتهم أقوامهم وخل َد ذكرهم في التاريخ ،وحملتهم
بعدد ٍ
لنجدها ألقت ٍ
ُ ُ
املوت في ساحة الوغى امللحمية إلى صف الخالدين ،فالشجاعة في أخالق الفرسان وإن كانت (فوق) و
أمام استهزاء ونقد فيلسوف من قبيل ميشيل دومونتاين الذي َ
أفرد فصال شرفا ورفعة (فوق) لم تصمد َ
ِ
حين يبدو ُ
املوت بابا من فصوله les essaisللحث على التفكير مليا واختيار الفرار نجاة بالنفس (فوق) َ
ِ
ّ
املشرف ،وقد يقل شرفا عن املوتاجع استجماعا للقوة وتدبيرا للمكيدة ال ّمترعة أمام الفارس وأن التر َ
موقع فضائي أعلى من الركض صوب هالك محتوم12. يصير للفرار ٌ
ُ
ِ
الكيان واملادة:
1. 4استعارات ِ
ُ إن استعارة "الحب رحلة" تمثل بشكل ّ
جلي كيف تمت بنينة مجال هدف (الحب/االنفعال) من خالل
مجال مصدر (السفر/الحركة) .فخبرتنا الجسدية بالتنقل في املجال الفزيائي عموما ،والخبرة التي تتفرع
عنها بخصوص السفر وما يتطلبه من صبر ويفترض فيه من عراقيل وتأخير وأعطاب في وسيلة النقل،
ُت ُ
بنين خبرتنا في الحب بوصفه تجربة إنسانية عاطفية .لقد تمت املماثلة بين كيانين مختلفين ،وصار ُينظر
إلى كيان العالقة بين عاشقين من خالل كيان العربة املتنقلة على الطريق .واملشاكل العاطفية صارت
أعطابا ميكانيكية" .إن فهم تجاربنا عن طريق األشياء واملواد يسمح لنا باختيار عناصر تجربتنا ومعالجتها
َ
باعتبارها كيانات معزولة أو باعتبارها مواد من نوع واحد .وحين نتمكن من تعيين identifyتجاربنا
باعتبارها كيانات أو مواد فإنه يصبح بوسعنا اإلحالة عليها َومق َولتها ( )categorizeوتجميعها وتكميمها،
وبهذا نعتبرها أشياء تنتمي إلى منطقنا 13".لكننا ال ننتبه لهذا التغيير في الذهنّ ،
ألن استهالكنا ملجموعة من
املانحة تحت سطوة العادة .وهذا ما يعبر عنه الباحثان في كابتهما
ِ التعبيرات االستعارية يخفي مجاالتها
بالقول" :وكما في حالة االستعارات االتجاهية فإنه ال يتم االنتباه إلى الطابع االستعاري ّ
لجل هذه التعابير
[األنطولوجية] .ومن أسباب ذلك أن االستعارات األنطولوجية ،شأنها شأن االستعارات االتجاهية ،تخدم
َ
نحيل أو نكمم ..الخ 14".وهذه أمثلة عن الحاجات اإلنسانية مجموعة محددة من الحاجات ،كأن
واالستعارات األنطولوجية (الكيان واملادة) التي تخدمها:
ُ
يجعل زوجتي كاملجنونة". • اإلحالة" :خوفي
ُ
"يتطلب إنهاء هذا الكتاب قدرا كبيرا من الصبر". • التكميم:
• تعيين املظاهر" :لقد تدهور الجانب النفس ي في صحته".
• تعيين األسباب" :ثقل مسؤولياته سبب انهياره".
تحديد األهداف وتحفيز األنشطة" :لقد جاء إلى نيويورك بحثا عن الجاه واملال15". •
13اليكوف وجونسون ،االستعارات التي نحيا بها ،مصدر سابق ،ص .45
14نفسه ،ص .47
15جميع األمثلة بين املزدوجات من املصدر السابق نفسه47-46 ،
7
2 .4استعارات الوعاء:
. 5التشخيص :
التشخيص النظر إلى ما هو غير بشر ّي بوصفه بشريا .يظهر ذلك في األمثلة:
ُ يفيد
" -لقد خدعتني الحياة.
-ديانته تحرم عليه َ
شرب الخمر.
ذهب التضخم بكل ما وفرناه19". -
ُ ُ
"التشخيص ،إذن ،مقولة عامة تغطي عددا كبيرا و متنوعا من االستعارات حيث تنتقي كل منها مظاهر
مختلفة لشخص ما أو طرقا مختلفة للنظر إليه .و ما تشترك فيه كل هذه االستعارات هو أنها تمثل ما
صدقات (كذا)* لالستعارات األنطولوجية20".
. 6الكناية:
ُ
تختلف الكناية عن التشخيص في كون هذا األخير ينظر إلى كيانات غير بشرية (النظريات ،الظواهر،
كيان ما لإلحالة على كيان آخر'" .االستعارة
األمراض) بوصفها كيانا بشريا ،بينما يتم في الكناية استعمال ٍ
أساسا وسيلة لتصور ش يء ما من خالل ش يء آخر ،ووظيفتها األولى الفهم ،أما الكناية فوظيفتها إحالية
تسمح باستعمال كيان معين مقام كيان آخر 21".ويظهر ذلك في حالة كناية الجزء ُ قبل كل ش يء ،إنها
للكل" :إننا في حاجة إلى أدمغة ممتازة في هذا املشروع" كناية الدماغ لحامله" ،لم تصل التايمز بعد إلى
الندوة الصحفية" كناية الكل (مؤسسة التايمز) لألجزاء (الصحافيين).
ّ
يميز اليكوف وجونسون الكناية عن االستعارة ،فهما يشكالن صنفين مختلفين من حيث سيرورة تشكلهما
لكنهما يخدمان (االستعارة والكناية في جزء منها) نفس الحاجات ،مع تركيز الكناية على مظاهر ما نحيل
18نفسه.
19نفسه ،ص 53
20نفسه ،ص * 54املاصدق :العالقات التصديقية كما قدمها فيلمور في نظرية األطر املعرفية .انظر :نفسه ص .6ويعني املاصدق في املنطق
الصوري :عبارات ترتبط بعالقة تصديقية مع ما يفهم من عبارة /صورة ما .مثال ذلك :رجل يعتمر قبعة (صورة) يفهم منها أن الجو حار
(ماصدق) ،وقد ينظر إلى املاصدق بوصفه مرادفا للداللة.
21نفسه ،ص 56
9
َ
عليه .كما أنهما معا ليسا مجرد أداة بالغية أو شعرية 22.االستعارة والكناية وسيلتان إلدراك العالم
ُ
"فالتصورات الكنائية ،شأنها شأن االستعارات ،ال ت َبنين لغتنا فحسب ،بل أيضا مواقفنا وأفكارنا
وأنشطتنا."23
ويظهر هذا الترابط بين الكنايات التصورية والواقع االجتماعي في الفقرة التالية املقتبسة من كتاب
اليكوف وجونسون " :إن األنساق التصورية للثقافات والديانات استعارية من حيث طبيعتها .والكنايات
الرمزية تعد روابط حاسمة بين التجربة اليومية واألنساق االستعارية املنسجمة التي تسم الديانات
والثقافات .إن الكتابات الرمزية التي تنشأ داخل تجربتنا الفيزيائية تقدم وسائل جوهرية تتيح فهم
التصورات الدينية والثقافية24".
تقديم :
ُ
يضرب بجذوره في التاريخ املغربي بعيدا، جنس ّ
أدبي ٌ يعتبر امللحون "ديوان املغاربة" و"عروض البلد"،
ُ حيث ُُ ُ
األزجال التي نظمها أهل املغرب
ِ يوثق ابن قزمان ألولى وتعود بداياته إلى القرن الرابع الهجري (11م)،
وتعتبر َ"ملعبة الكفيف الزرهوني" أقدم نص زجلي موثق ُ متأثرين بالوافد املوريسكي بعد سقوط األندلس.
ُ ُ
العديد حتى اآلن .اهتمت الدراسات الحديثة املغربية منها والغربية بتراث امللحون ،نظما وشدوا ،فحررت
تحكم نظم هذا الجنسُ عني بعضها بتفكيك القواعد العروضية التي من الورقات البحثية في هذا الغرضَ ،
ضروب أدبية وفنية أخرىٍ
ُ
اآلخر إلى تحليل املضامين ومقارنة امللحون مع الشعر ّي ،بينما ذهب البعض
األزجال والكتابات املتسمة قريبة منه أو مشاركة له في األصل والرافد؛ من قبيل فنون ّ
النوبة واآللة وبقية
ِ
َ
اإلملام بظروف نشأته التاريخية وبتطور صيغه وأغراضه وبالعالقة بين بالسجع .تستلزم دراسة امللحون
والشكل الغنائي ،وبالتفريق بين مقومات كل شكل ،فقد تختلط على غير ِ الشكل العروض ي "لقصيدة"
ّ
واملرمات (األوزان امللم األوزان الشعرية باألوزان املوسيقية ،و ما ير ُاد بالطبوع (املقامات املوسيقية)
ّ
البعض إلى محاولة ضبط الشعر امللحون بضوابط العروض العربي أو نظام ُ ُ
يذهب الشعرية) ،وقد
تجميع نصوص كنانيش املوشحات وهو غيرهماّ .
لكن الجهود التي بذلتها أكاديمية اململكة املغربية في
ِ
واحد منها الحصيلة الشعرية لكل شاعر على حدة،
ضم كل ٍ شيوخ شعراء امللحون وطبع اثني عشرة ديوانا ّ
كما أسهمت أولى الدراسات األكاديمية التي قدمها الباحث املغربي عباس الجراري في إزالة الغموض عن
هذا الفن األدبي واملوسيقي الفذ ،وأفاد الباحثون كثيرا من مجموعة كتب محمد الفاس ي املسماة "معلمة
امللحون" وتبينوا املقصود بتسميته وقصائده األشهر وفحول شعرائه .وشكل العمل األكاديمي املهم الذي
قدمه الدكتور محمد املدالوي امنبهي تغييرا نوعيا في طرق التعامل مع التراث املغربي عموما ،أمازيغيا أو
عاميا ،من خالل كتابه "رفع الحجاب عن مغمور الثقافة واآلداب" .كما أن بعض الدراسات املتأخرة ألقت ّ
بظاللها على جوانب أخرى في امللحون؛ بالغية و نحوية وأخيرا معرفية.
العمل في هذا العرض على مقطع من القصيدة ألسباب نختصرها في طول القصيدة وفخامة َ ارتأينا
املعجم الذي اندثرت مفرداته من االستعمال العامي ،على فرض أنها كانت دارجة على عهد نظم القصيدة
وهذه فرضية تواجه عدة مصاد ات يضيق املقام عن التفصيل فيها ،وأخيرا ّ
ألن َ
أرض البحث في امللحون ما ر
11
َ
لنجازف بتأويل مدلوالت السطور َ
غير ما سبقنا إليه الباحثون في التراث ممهدة بما يكفي
ٍ زالت غير
واملعجم .وقد اخترنا عينات من مقاطع في القسم األول والثاني من قصيدة الرعد 25التي َحربتها:
يا صاح زارني محبوبي يامس كنت صايم ** شهدة قطعت وجنيت الورد قالو كليت رمضان
مهموم قلت مدى لي ** يا حبيب الخاطر ياك املريض يفطر
املالحة/القرصنة
• مقاذف
َ
املرص •
تجربة العشق
• الرايس
• القرصان
• الغنايم
جدول 1املصادراإلنتاجية لالستعارة التصورية في قصيدة الرعد
.2تأويل االستعارة:
يظهر جليا من خالل األمثلة املدرجة في الجدول أن االستعارة الوجودية طاغية على النص الذي تم
التعامل معه في هذا العرض ،رغم قصره ،فيمكننا اعتباره عينة الستعمال متواتر لهذا النوع من
ضمن عدد ال بأس به من القصائد األخرى ،وخصوصا فيَ االستعارات التصورية (الحب/حرب وقرصنة)
قصيدة "قرصاني ّ
غنم" ،التي تصف غارة املغاربة على جزيرة مالطة وتصف السبايا وتجعل من الظفر
ُ
بأجملهن غنيمة حرب .ويتم بموجب هذا النمط التصوري بنينة مجال الحب من خالل مجال الحرب
والقرصنة ،وذلك بإسناد عدد من األفعال ( امّ ،
شد ،حرك )...اإلنسانية لحالة الحب التي ُ
يمكن تصنيفها ز
13
ثقافيا نظرا لكون العاطفة غريزة تم ترصيعها بالكثير من التقاليد الثقافية .وينبع هذا التصور من ميل
شاعر امللحون إلى تصور العالقة العاطفية (ولو من طرف واحد) بوصفها طقسا متقلبا (رعد يتلو مرحلة
الصمايم والحر الشديد) أو ملعان سيف أو غارة جيش عرمرم .وعلى هذا األساس يقوم تصور ابن سليمان
ملشاعره الرقيقة اتجاه محبوبته .كما أننا ،رغم اقتصارنا في التحليل على مفتاح تصوري واحد ،وقفنا على
حاالت أخرى وظف فيها الشاعر االستعارات األنطولوجية من قبيل (الشهدة= ثغر الحبيبة) و(الورد=
خدها) و(املداعبة = أكل في رمضان) إلى غير ذلك.
.3تفسير االستعارة:
وللوقوف على مصدر هذه التصورات االستعارية لدى شاعر امللحون في نهاية القرن 19م ،ال بد لنا من
ذكر العناصر التالية:
-دور الثقافة العربية في تشكيل املخيال العام لدى املغاربة خصوصا في نهاية القرن 19م.
-دور التناص من خالل حضور معجم قرآني ،شعر ّي ومعجمي مرتبط أساسا باألدب العربي.
-عالقة شاعر امللحون (واإلنسان املغربي) بالتقلبات املناخية وباملاء.
-تأثير األحداث السياسية التي وشمت القرون الثالثة من 17إلى 19م والحركات السلطانية للمولى
الحسن األول تحديدا.
-ازدهار امللحون في هذه املرحلة (القرن )19وإقبال األعيان والفقهاء والسالطين على نظمه ويتجلى
تأثير ذلك في بعض التعابير االستعارية التي اشارت إلى من ال يتذوق امللحون بصفات ك :البهايم.
-مركزية األغراض الغزلية بعد املديح النبوي في فن امللحون.
-طبيعة املجتمع الذي كان يفرض قيودا ثقافية على العالقات العاطفية وبالتالي ورود تعابير
استعارية تشير إلى العذال والرقيب بصفات حيوانية.
14
خامتة
اشتغل هذا العرض بإبراز بعض التصورات االستعارية التي وظفها شاعر امللحون املغربي ،وتسليط
الضوء على مجاالتها اإلنتاجية وعالقتها باملجاالت الهدف .ورغم اقتصارنا على عينة محصورة من األمثلة،
وهذا اجع لعاملين خارجين عن إ ادتنا هما :الوقت املخصص للبحث في طريق لم توطأ ُ
بعد بما يكفي من ر ر
املتخصصين ،نظرا لحداثة التلقي العربي للسانيات املعرفية وتأخر وعي املتخصصين املغاربة بالقيمة
الفنية واملعرفية للتراث املحلي املغربي لعدة أسباب منها تأخر تثمين امللحون باعتباره أدبا مكتوبا أساسا ،
معجم امللحون أحد أهم العراقيل أمام الباحثين اليوم ،فقد اندثرت مفردات كبيرة من َ والعامل الثاني أن
يصعب اجتر ُ
اح هذا املتن ُ التداو اليومي وغاب معناها فيصعب تحديد املدلول األقرب إلى الصواب وبالتالي
عموما.
حاولنا في املحور األول من هذا العرض تقديم بعض املفاهيم األساسية في االستعارة التصورية بناء على
يعد ،على قصره النسبي ،مرجعا كتاب مرجعي لاليكوف وجونسون "االستعا ات التي نحيا بها" والذي ّ
ر
يبتغي التركيز والقراءة املتأنية .ولكن املراجع األخرى وخصوصا كتاب "الفلسفة في الجسد" لاليكوف
وجونسون ،ومقاربات أخرى من قبيل االستعارة اإلبداعية والشعرية املعرفية ال مناص ضرورية لكل
باحث في هذا املجال ألنه في البدء كان شعرا .كما أن املعالجة األولى ملتون امللحون ُ
يجب أن تتم على
مستوى البالغة والعروض واملعجم كيما يكون من املمكن التعامل مع نص مفهوم وواضح وقابل
َ
ضمن الدراسات لالستثمار ،لكنها معالجة ما تز ُ
ال بطيئة ما خال بعض املحاوالت التي يمكن تصنيفها
املتفرقة واليتيمة واملحترزة.
إن اختيار نص من قصائد امللحون هو مجازفة منهجية بالتأكيد ،لكن نصوص امللحون غنية وغزيرة ،وهي
تشكل جزءا كبيرا من أدب املغاربة بل هي أدبهم األول ول ال بد من تسليط الضوء عليه واستثمار مناهج
العلوم الحديثة واملقاربات اللسانية املتجددة في إعادة قراءة هذا الكنز الزاخر بشتى مظاهر اإلبداعية
املغربية والحامل لعدد من املعطيات التاريخية والفنية.
املصادر:
.1محمد ابن سليمان ،قصيدة الرعد ، ،معلمة امللحون الجزء الثالث ،محمد الفاس ي ،أكاديمية
اململكة.1990 ،
.2اليكوف وجونسون ،االستعارات التي نحيا بها ،ترجمة عبد املجيد جحفة ،سلسلة املعرفة
اللسانية ،دار توبقال للنشر ،الطبعة الثانية .2009
15
امللحق :نص قصيدة الرعد ملحمد ابن سليمان (القسم األول والثاني):
16