Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫السداسي الثاني‬

‫مادة اللسانيات المعرفية‬

‫عرض حول‬

‫االستعارة التصورية يف شعر امللحون‬


‫قصيدة "الرّعد" لمحمد بن اسليمان نموذجا‬

‫إشراف األستاذ ‪ :‬إبراهيم أسيكار‬ ‫إعداد الطالب‪ :‬هشام الخضير‬

‫املوسم الجامعي ‪2023/2022‬‬

‫‪1‬‬
‫حمتويات العرض‬

‫محتويات العرض ‪2 .....................................................................................................................‬‬


‫مقدمة ‪3 ...................................................................................................................................‬‬
‫املحوراألول ‪ :‬االستعارة التصورية ‪4 .............................................................................................‬‬
‫‪ . 1‬االستعارات البنيوية‪4........................................................................................................................... :‬‬
‫‪ . 2‬االستعارات االتجاهية‪5....................................................................................................................... :‬‬
‫‪ . 3‬االستعارة و االنسجام الثقافي‪6............................................................................................................ :‬‬
‫‪ . 4‬االستعارات األنطولوجية‪7................................................................................................................... :‬‬
‫الكيان واملادة‪7........................................................................................................... :‬‬
‫‪ 1. 4‬استعارات ِ‬
‫‪ 2 .4‬استعارات الوعاء‪8....................................................................................................................... :‬‬
‫‪ . 5‬التشخيص ‪9........................................................................................................................................ :‬‬
‫‪ . 6‬الكناية‪9................................................................................................................................................ :‬‬
‫املحورالثاني‪ :‬االستعارة التصورية في قصيدة الرعد البن اسليمان ‪11 ..............................................‬‬
‫تقديم ‪11 ...................................................................................................................................................:‬‬
‫‪ . 1‬تحديد االستعارة في قصيدة الرعد ‪12 ................................................................................................ :‬‬
‫‪ .2‬تأويل االستعارة‪13 ................................................................................................................................ :‬‬
‫‪ .3‬تفسير االستعارة‪14 .............................................................................................................................. :‬‬
‫خاتمة ‪15 ..................................................................................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬
‫ُ‬
‫العرض محاولة تطبيقية لنظرية االستعارة التصورية على نص قصيدة من فن امللحون‬ ‫يقدم هذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيث ّ‬
‫تقديم‬ ‫تم‬ ‫املغربي‪ ،‬مستثمرا ما جاء في كتاب اليكوف وجونسون "االستعارات التي نحيا بها" )‪،(1980‬‬
‫يعمل على َب َني ِنة طر ِق‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫"الجزء األكبر من نسقنا التصوري العادي" والذي‬ ‫االستعارة التصورية بوصفها‬
‫اإلبدال‬ ‫ُ‬
‫استثمار هذا‬ ‫ُ‬
‫يمكن‬ ‫"إدراكنا وتفكيرنا وسلوكنا"‪ .‬فما هي أهم مفاهيمها وأسسها املعرفية؟ وكيف‬
‫ِ‬
‫املعرفي في الكشف عن أبعاد قصيدة امللحون املعرفية خلفيات تشكل االستعارة في ذهن الشاعر املغربي‬
‫من خالل نص محدد في قصيدة الرعد للشيخ محمد ابن سليمان‪1‬؟‬
‫درس بوصفها ظاهرة أدبية ذات بعد‬‫ظلت االستعارة منذ أرسطو‪ ،‬وما زالت عند عدد كبير من اللغويين‪ُ ،‬ت ُ‬
‫ُ‬
‫استبعدت الخطاب ُ‬ ‫َ‬
‫ات‬ ‫مجال استخدامها مقتصر على الشعر والخطابة‪ .‬بينما‬ ‫بالغي باألساس؛ أي أن‬
‫ُ‬
‫األخرى التي لم تصنف ضمن األدب‪ ،‬بل أقص َي منها أحيانا ٌ‬
‫نوع أدبي محدد‪ ،‬كامللحون‪ ،‬نظرا للغته‬
‫"القريبة" من العامية‪ ،‬ويعزى هذا اإلقصاء إلى نظرة إقليمية محدودة ملاهية األدب‪ .‬وقد أجازف بالقول ّ‬
‫أن‬
‫ما يدعى بالفنون الشعبية لم يتم إنصافه أدبيا إال في العقود األخيرة من القرن العشرين‪ ،‬بفضل‬
‫الدراسات الكولونيالية في املستعمرات وتأثير الثورة الفنية والذوقية املعاصرة (إقبال الباحثين والفنانين‬
‫والجمهور على تثمين التراث الشفوي والشعبي والفن املتمرد) على املنظور األدبي التقليدي‪ .‬وكما تخلصت‬
‫االستعارة من قيد البالغة واملوضوعية بفضل تطور اللسانيات املعرفية‪ ،‬خصوصا مع جونسون واليكوف‬
‫(‪)1987‬؛ إذ كشفا من خالل دراساتهما عن كون االستعارة أكثر من مجرد ظاهرة لغوية‪ ،‬أداة من أدوات‬
‫التفكير اإلنساني ككل‪ ،‬فقد تحرر امللحون كفن دأب الدارسون على توطينه في الهامش األدبي الضيق‬
‫للفنون الشعبية‪ ،‬من خالل جهود التراثيين أوال‪ ،‬أعمال عباس الجراري ومحمد الفاس ي مثال‪ ،‬ثم من خالل‬
‫جهود اللسانيين املعاصرين الذين فتحوا باب البحث في املقومات الفنية والتعبيرية واملعرفية في هذا‬
‫الجنس األدبي‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد ابن سليمان‪ ،‬قصيدة الرعد ‪ ، ،‬معلمة امللحون الجزء الثالث‪ ،‬محمد الفاس ي‪ ،‬أكاديمية اململكة‪ .1990 ،‬ص ‪.171-169‬‬
‫‪3‬‬
‫احملور األول ‪ :‬االستعارة التصورية‬

‫َ‬
‫حصرت التصورات الكالسيكية االستعارة في الخطابات الشعرية واألدبية والخيالية ثم قامت‬
‫َ‬
‫ضمن مستوى األلفاظ‪ .‬ونتيجة لتطور العلوم املعرفية ظهرت مقاربات أخرى على‬ ‫بتحديد مدار عملها‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫نقدي استهدف املصادرات التي أقامتها النظريات الكالسيكية على االستعارة‪ .‬يرى اليكوف‬ ‫أساس‬
‫وجونسون أن االستعارات "ال ترتبط باللغة أو األلفاظ‪ ،‬بل على عكس ذلك‪ ،‬فسيرورات الفكر البشري هي‬
‫مب َنين ومحدد‬
‫التي تعد استعارية في جزء كبير منها‪ .‬وهذا ما نعنيه حين نقول إن النسق التصوري البشري َ‬
‫استعاريا‪ 2".‬فما هي طبيعة عمل االستعارات التصورية؟‬
‫نتج كل نسق استعاري مجموعة من التعابير االستعارية‬‫نسقي؛ ُي ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تعمل االستعارة التصورية بشكل‬
‫ُ‬
‫"الزمن مال"‬ ‫ُ‬
‫"الجدال حرب" أو‬ ‫النسق نفسه‪ .‬فاستعارة‬ ‫َ‬
‫ضمن‬ ‫املرتبطة باستلزامات تجعلها جميعا تدور‬
‫ِ‬
‫نعبر في محادثاتنا العادية عن الجدال من خالل تصور الحرب‪ ،‬وعن الزمن من خالل‬ ‫مثاالن عن كوننا ّ‬
‫صدر عن َتصورات تتشار ُك َ‬
‫نفس النسق االستعاري‪ ،‬إذ‬ ‫تصور املال‪ .‬ورغم تعدد التعابير االستعارية فهي َت ُ‬
‫ُ ّ‬
‫شكل التصورات االستعارية‪ :‬الزمن مال‪ ،‬والزمن مورد محدود‪ ،‬والزمن بضاعة ثمينة‪ ،‬نسقا واحدا‬ ‫"ت ِ‬
‫مؤسسا على التفريع املقولي‪ ]...[ ،‬فاستعارة الزمن مال تستلزم الزمن مورد محدود التي تسلتزم الزمن‬
‫وتعمل هذه االستلزامات (االقتضاءات) االستعارية نسقيا؛ باعتمادها على تصور‬ ‫ُ‬ ‫بضاعة ثمينة‪3".‬‬

‫استعاري معين‪ ،‬على إظهار مظهر من مظاهر تصور ما وإخفاء املظاهر األخرى‪ .‬وقد قسم اليكوف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مجال هدف من خالل مجال مصدر‪.‬‬ ‫وجونسون االستعارات التصورية بناء على الكيفية التي ُيبنين بها‬

‫‪ . 1‬االستعارات البنيوية‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫النسقي للغة في تعبيراتنا حول اللغة‪ .‬فالفكرة‬ ‫استعارة املجرى طريقة تأثير تصورنا االستعاري‬ ‫ت َفسر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ى‬ ‫واإلرسال ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫واع‪ ،‬إذ‬
‫ٍ‬ ‫غير‬ ‫بشكل‬ ‫االستعارة‬ ‫هذه‬ ‫نستعمل‬ ‫ونحن‬ ‫‪.‬‬ ‫(قناة)‬ ‫مجر‬ ‫عبر‬ ‫يتم‬ ‫ه‪،‬‬‫ؤ‬ ‫محتوى والكلمة وعا‬
‫الهين العثور على ما ُ‬
‫يمكن إخفاؤه في قولنا "حاول أن َ‬
‫تضع أفكارا أكثر في أقل عدد من الكلمات"‪،‬‬ ‫ليس من ّ‬
‫كما هائال من مظاهر النسق التواصلي للغة ّ‬
‫تم‬ ‫َ‬
‫تقدم عن استعارة املجرى وجدنا ّ‬ ‫لكننا إذا استحضرنا ما‬

‫‪ 2‬اليكوف وجونسون‪ ،‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ترجمة عبد املجيد جحفة‪ ،‬سلسلة املعرفة اللسانية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،2009‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.26-25‬‬
‫‪4‬‬
‫سياق أو‬ ‫ُ‬
‫تحمل في داخلها فكرا بمعز ٍل عن أي‬ ‫ُ‬
‫إخفاؤه لصالح مظهر واحد هو أن التعبيرات اللسانية‬
‫ٍ‬
‫حسب السياق الذي قيلت فيه؛ فعبارة‬ ‫َ‬ ‫واحد‬ ‫تحمل أكثر من َمعنى‬
‫ُ‬ ‫متكلم‪ّ 4.‬‬
‫لكن بعض العبارات قد‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫وتوضح‬ ‫"نحتاج املزيد من املوارد قد تعني شيئا لرئيس شركة محروقات وشيئا آخر ملدير مبادرة بيئية‪5".‬‬

‫مظهر واحد على‬ ‫ُ‬


‫تعمل إال على إظهار‬ ‫البن َي َنة االستعارية ليست ّ‬
‫كلية بل جزئية ألنها ال‬ ‫لنا هذه األمثلة أن َ‬
‫ٍ‬
‫نين بواسطة استعارة‪ ،‬فهذا يعني أنه‬ ‫حساب مظاهر أخرى‪" ،‬وبهذا‪ ،‬فإننا عندما نقول إن تصورا ما قد ُب َ‬
‫ِ‬
‫ُم َبنين جزئيا‪ ،‬وأنه باإلمكان توسيعه من نواح معينة وليس من نواح أخرى‪6".‬‬
‫ٍ‬

‫‪ . 2‬االستعارات االتجاهية‪:‬‬
‫تصور ما بوساطة تصور آخر‪ ،‬فإن املقصود باالستعارات‬ ‫ٌ‬ ‫إذا كانت االستعارات البنيوية تعني أن ُي َبن َي َن‬
‫ُ‬
‫االتجاهية "مفهوم َينظم نسقا كامال من التصورات االستعارية املتعالقة [‪ ]...‬وهذه االستعارات االتجاهية‬
‫ّ ُ‬
‫فالسعادة‬ ‫ينهض كل تصور استعار ّي اتجاهي على ُمرتكز فيزيائي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫توجها فضائيا‪7".‬‬‫تعطي للتصورات ّ‬
‫ونحن ُ‬
‫نعود إلى‬ ‫ُ‬ ‫والج ّيد والسلطة (فوق) والشقاء والهزيمة والس يء والخضوع (تحت) فوق تحت‪،‬‬ ‫والنصر َ‬
‫ُ‬
‫ويشير كل من اليكوف وجونسون إلى أنه من الصعب‬ ‫املاض ي (وراء) ونمض ي قدما نحو املستقبل (أمام)‪8.‬‬

‫التفريق بين املرتكزات الفيزيائية والثقافية في تصور استعاري ما‪" ،‬إذ أن انتقاء أساس فيزيائي ما من بين‬
‫أمر مرتبط باالنسجام الثقافي‪ 9".‬لذا ال مناص من ّ‬
‫النظر في األسس التجريبية التي‬ ‫أسس فيزيائية أخرى ٌ‬
‫ُ‬
‫تمارس علينا نظرية علمية ما إغراء ملجرد موافقتها‬ ‫تتأسس عليها التصورات االستعارية لفهم الكيفية التي‬
‫تقريبه من خالل حديثنا عن عالقة االنسجام الثقافي بانتقاء‬ ‫ُ‬ ‫لتجربتنا الثقافية‪ .‬وهذا ما ُسنحاول‬
‫االستعارات التصورية االتجاهية‪.‬‬

‫‪Lakoff & Johnson, Metaphors we live by, The University of Chicago Press 1980, pp 10-11. 4‬‬
‫‪Ibid, p. 12. 5‬‬
‫‪ 6‬اليكوف وجونسون‪ ،‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ترجمة عبد املجيد جحفة‪ ،‬سلسلة املعرفة اللسانية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،2009‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 7‬نفسه‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 8‬راجع األمثلة في‪ :‬املصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪35-33‬‬
‫‪ 9‬نفسه‪ ،‬ص ‪37‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ . 3‬االستعارة و االنسجام الثقافي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يجعل تصورا استعاريا ما أكثر قابلية لالنتقاء دونا عن غيره من التصورات األخرى هو درجة‬ ‫إن ما‬
‫قربه من ثقافة املجموعة البشرية املنتجة‪ /‬املستهلكة للتصور ذاته‪" .‬خذ مثال‪ ،‬التعاليم الرهبانية عند‬
‫سنجد [تصوري] (األقل أفضل) و(األصغر أفضل) صحيحين فيما يتعلق‬ ‫ُ‬ ‫كبار األحبار ‪.Trappists‬‬
‫َ‬
‫باملمتلكات املادية‪ ،‬التي ُينظر إليها على أنها تعرقل ما هو مهم‪ ،‬أي خدمة هللا‪ .‬يشترك كبار الرهبان في‬
‫القيمة السائدة (الفضيلة فوق) ‪ ، VIRTUE IS UP‬على الرغم من أنهم يعطونها األولوية القصوى وتعريفا‬
‫ُ‬
‫(الكثير ما يزال أفضل)‪ ،‬على الرغم من أنه ينطبق على الفضيلة‪ .‬و(املكانة ما تزال فوق)‪،‬‬ ‫مختلفا تماما‪.‬‬
‫على الرغم من أنها لي ست من هذا العالم ولكنها من عالم أعلى؛ ملكوت هللا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن (اآلتي‬
‫ُ‬
‫فالخالص فوق (حقا‬ ‫سيكون أفضل) هو تعبير صحيح ِ‬
‫بمنط ِق السمو الروحي (فهو أعلى)‪ ،‬وفي النهاية ‪،‬‬
‫فوق)‪10".‬‬

‫ُ‬
‫تعيش خارج الثقافة املهيمنة‪" :‬ال تعطي جميع الثقافات األولوية‬ ‫هذا ما يحدث في املجموعات التي‬
‫ذاتها التي نعطيها للتوجه (فوق‪-‬تحت)‪ .‬هناك ثقافات يلعب فيها التوازن أو املركزية دورا أكثر أهمية بكثير‬
‫َ‬
‫التوجه غير املكاني (إيجابي‪-‬سلبي)‪ .‬بالنسبة لنا‪ ،‬يكون الوضع اإليجابي فوق‬ ‫مما يلعبه في ثقافتنا‪ .‬ولنالحظ‬
‫ُ‬
‫والسلبي تحت في معظم األمور‪ .‬ولكن هناك ثقافات حيث قيمة السلبية أفضل من اإليجابية‪ .‬بشكل عام‪،‬‬
‫َ‬
‫يبدو أن التوجهات الرئيسية تصاعديا‪ ،‬أو داخليا‪ ،‬أو مركزيا‪ ،‬أو طرفيا‪ ،‬أو إيجابيا إلخ‪ ،‬تتقاطع مع جميع‬
‫الثقافات‪ ،‬ولكن التصورات املعتمدة والطريقة واالتجاهات األهم تختلف من ثقافة إلى أخرى‪ 11".‬وإن‬
‫شي ِم الفروسية واإلقدام لدى فرسان القرون األوروبية الوسطى‪،‬‬ ‫شئنا التمثيل على ذلك؛ نظرنا إلى َ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫األهازيج‬ ‫كبير منهم إلى حتفه‪ ،‬فامتدحتهم أقوامهم وخل َد ذكرهم في التاريخ‪ ،‬وحملتهم‬
‫بعدد ٍ‬
‫لنجدها ألقت ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املوت في ساحة الوغى‬ ‫امللحمية إلى صف الخالدين‪ ،‬فالشجاعة في أخالق الفرسان وإن كانت (فوق) و‬
‫أمام استهزاء ونقد فيلسوف من قبيل ميشيل دومونتاين الذي َ‬
‫أفرد فصال‬ ‫شرفا ورفعة (فوق) لم تصمد َ‬
‫ِ‬
‫حين يبدو ُ‬
‫املوت بابا‬ ‫من فصوله ‪ les essais‬للحث على التفكير مليا واختيار الفرار نجاة بالنفس (فوق) َ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫املشرف‪ ،‬وقد‬ ‫يقل شرفا عن املوت‬‫اجع استجماعا للقوة وتدبيرا للمكيدة ال ّ‬‫مترعة أمام الفارس وأن التر َ‬
‫موقع فضائي أعلى من الركض صوب هالك محتوم‪12.‬‬ ‫يصير للفرار ٌ‬
‫ُ‬
‫ِ‬

‫‪Lakoff & Johnson, 1980, p. 24. 10‬‬


‫‪Ibid11‬‬
‫‪ 12‬ميشيل دو مونتاين‪ ،‬الفصول‪ ،‬ترجمة هشام الخضير‪ ،‬غير منشور‪ ،‬الفصل ‪...‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ . 4‬االستعارات األنطولوجية‪:‬‬

‫الكيان واملادة‪:‬‬
‫‪ 1. 4‬استعارات ِ‬
‫ُ‬ ‫إن استعارة "الحب رحلة" تمثل بشكل ّ‬
‫جلي كيف تمت بنينة مجال هدف (الحب‪/‬االنفعال) من خالل‬
‫مجال مصدر (السفر‪/‬الحركة)‪ .‬فخبرتنا الجسدية بالتنقل في املجال الفزيائي عموما‪ ،‬والخبرة التي تتفرع‬
‫عنها بخصوص السفر وما يتطلبه من صبر ويفترض فيه من عراقيل وتأخير وأعطاب في وسيلة النقل‪،‬‬
‫ُت ُ‬
‫بنين خبرتنا في الحب بوصفه تجربة إنسانية عاطفية‪ .‬لقد تمت املماثلة بين كيانين مختلفين‪ ،‬وصار ُينظر‬
‫إلى كيان العالقة بين عاشقين من خالل كيان العربة املتنقلة على الطريق‪ .‬واملشاكل العاطفية صارت‬
‫أعطابا ميكانيكية‪" .‬إن فهم تجاربنا عن طريق األشياء واملواد يسمح لنا باختيار عناصر تجربتنا ومعالجتها‬
‫َ‬
‫باعتبارها كيانات معزولة أو باعتبارها مواد من نوع واحد‪ .‬وحين نتمكن من تعيين ‪ identify‬تجاربنا‬
‫باعتبارها كيانات أو مواد فإنه يصبح بوسعنا اإلحالة عليها َومق َولتها (‪ )categorize‬وتجميعها وتكميمها‪،‬‬
‫وبهذا نعتبرها أشياء تنتمي إلى منطقنا‪ 13".‬لكننا ال ننتبه لهذا التغيير في الذهن‪ّ ،‬‬
‫ألن استهالكنا ملجموعة من‬
‫املانحة تحت سطوة العادة‪ .‬وهذا ما يعبر عنه الباحثان في كابتهما‬
‫ِ‬ ‫التعبيرات االستعارية يخفي مجاالتها‬
‫بالقول‪" :‬وكما في حالة االستعارات االتجاهية فإنه ال يتم االنتباه إلى الطابع االستعاري ّ‬
‫لجل هذه التعابير‬
‫[األنطولوجية]‪ .‬ومن أسباب ذلك أن االستعارات األنطولوجية‪ ،‬شأنها شأن االستعارات االتجاهية‪ ،‬تخدم‬
‫َ‬
‫نحيل أو نكمم‪ ..‬الخ‪ 14".‬وهذه أمثلة عن الحاجات اإلنسانية‬ ‫مجموعة محددة من الحاجات‪ ،‬كأن‬
‫واالستعارات األنطولوجية (الكيان واملادة) التي تخدمها‪:‬‬
‫ُ‬
‫يجعل زوجتي كاملجنونة‪".‬‬ ‫• اإلحالة‪" :‬خوفي‬
‫ُ‬
‫"يتطلب إنهاء هذا الكتاب قدرا كبيرا من الصبر‪".‬‬ ‫• التكميم‪:‬‬
‫• تعيين املظاهر‪" :‬لقد تدهور الجانب النفس ي في صحته‪".‬‬
‫• تعيين األسباب‪" :‬ثقل مسؤولياته سبب انهياره‪".‬‬
‫تحديد األهداف وتحفيز األنشطة‪" :‬لقد جاء إلى نيويورك بحثا عن الجاه واملال‪15".‬‬ ‫•‬

‫‪ 13‬اليكوف وجونسون‪ ،‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 14‬نفسه‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ 15‬جميع األمثلة بين املزدوجات من املصدر السابق نفسه‪47-46 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ 2 .4‬استعارات الوعاء‪:‬‬

‫‪ 1 . 2 .4‬استعارات التحديد الجغرافي (اإلقليم)‪:‬‬


‫يحده سطح خارجي واتجاهان‬‫تنبع االستعا ات الوعاء من طبيعة أجسادنا؛ "كل واحد منا عبارة عن وعاء‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سقط اتجاهاتنا الداخلية والخارجية على األشياء املحددة بسطوح خارجية‪ .‬وننظر إليها‬ ‫داخلي وخارجي‪ .‬ن ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫نطبق هذا اإلسقاط أيضا على‬ ‫بوصفها أوعية لها داخل وخارج‪ ]...[ .‬الغرف واملنازل هي أوعية واضحة‪.‬‬
‫شق صخرة للنظر إلى ما يقبع في جوفها‪ .‬و ينظر إلى فسحة في الغابة‬ ‫األجسام الصلبة‪ ،‬كما يحدث عند ّ‬
‫يمكن تحديد خط مجرد أو مستوى افتراض ي‪ ]...[ .‬ال ُ‬
‫توجد غريزة‬ ‫باعتبارها حيزا له حدوده الخارجية‪ .‬كما ُ‬
‫َ‬
‫مية‬
‫إنسانية أساسية أكثر من غريزة تحديد االنتماء اإلقليمي‪ .‬وتعتمد هذا التحديد على معطيات ك ٍ‬
‫وعاء موضوعي واملاء في‬ ‫ُ‬
‫(الحوض ٌ‬ ‫دقيقة‪ 16".‬وال بد من التمييز بين موضوع الوعاء ومحتوى الوعاء‬
‫الحوض ٌ‬
‫وعاء مادي)‪.‬‬

‫‪ 2 . 2 .4‬استعارات املجال البصري‪:‬‬


‫ُ‬
‫تشرح‬ ‫تضم هذه االستعارات كل تعبيراتنا االستعارية عن مجال الرؤية بوصفه وعاء‪ ،‬له داخل وخارج‪.‬‬
‫األمثلة التالية هذا النوع من االستعارات‪:‬‬
‫• "دخلت السفينة في مجال رؤيتي (التشديد من عندي)‪.‬‬
‫إنه على مرمى البصر‪17".‬‬ ‫•‬

‫‪ 3 . 2 .4‬األحداث واألنشطة واألعمال والحاالت‪:‬‬


‫"إننا نتصور األحداث واألعمال استعاريا باعتبارها أشياء‪ ،‬واألنشطة باعتبارها مواد‪ ،‬والحاالت باعتبارها‬
‫ٌ‬
‫أوعية‪ .‬إن سباقا‪ ،‬مثال‪ ،‬حدث قد نعتبره كيانا مستقال‪ .‬فالسباق يتم في زمان ومكان‪ ،‬وله حدود ِج ّد‬
‫يوجد فيه املتسابقون (وهم أشياء)‪ ،‬وتوجد فيه أحداث‬‫ُ‬ ‫مضبوطة‪ .‬ولهذا ننظر إليه باعتباره شيئا‪ /‬وعاء‬
‫كاالنطالقة والوصول (تعتبر استعاريا أشياء)‪ ،‬ويوجد فيه نشاط الجري (الذي يعتبر استعاريا مادة)‬
‫وهكذا نقول بصدد سباق ما‪:‬‬
‫‪ -‬هل ستكون في السباق يوم األحد؟ (السباق ش يء‪ /‬وعاء)‬

‫‪Lakoff & Johnson, p. 2916‬‬


‫‪ 17‬اليكوف و جونسون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬هل ستذهب إلى السباق؟ (السباق ش يء)‬
‫لقد قدم جريا ممتازا في هذا السباق‪ ( .‬الجري مادة في وعاء)‪18".‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ . 5‬التشخيص ‪:‬‬
‫التشخيص النظر إلى ما هو غير بشر ّي بوصفه بشريا‪ .‬يظهر ذلك في األمثلة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يفيد‬
‫‪" -‬لقد خدعتني الحياة‪.‬‬
‫‪ -‬ديانته تحرم عليه َ‬
‫شرب الخمر‪.‬‬
‫ذهب التضخم بكل ما وفرناه‪19".‬‬ ‫‪-‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫"التشخيص‪ ،‬إذن‪ ،‬مقولة عامة تغطي عددا كبيرا و متنوعا من االستعارات حيث تنتقي كل منها مظاهر‬
‫مختلفة لشخص ما أو طرقا مختلفة للنظر إليه‪ .‬و ما تشترك فيه كل هذه االستعارات هو أنها تمثل ما‬
‫صدقات (كذا)* لالستعارات األنطولوجية‪20".‬‬

‫‪ . 6‬الكناية‪:‬‬
‫ُ‬
‫تختلف الكناية عن التشخيص في كون هذا األخير ينظر إلى كيانات غير بشرية (النظريات‪ ،‬الظواهر‪،‬‬
‫كيان ما لإلحالة على كيان آخر‪'" .‬االستعارة‬
‫األمراض) بوصفها كيانا بشريا‪ ،‬بينما يتم في الكناية استعمال ٍ‬
‫أساسا وسيلة لتصور ش يء ما من خالل ش يء آخر‪ ،‬ووظيفتها األولى الفهم‪ ،‬أما الكناية فوظيفتها إحالية‬
‫تسمح باستعمال كيان معين مقام كيان آخر‪ 21".‬ويظهر ذلك في حالة كناية الجزء‬ ‫ُ‬ ‫قبل كل ش يء‪ ،‬إنها‬
‫للكل‪" :‬إننا في حاجة إلى أدمغة ممتازة في هذا املشروع" كناية الدماغ لحامله‪" ،‬لم تصل التايمز بعد إلى‬
‫الندوة الصحفية" كناية الكل (مؤسسة التايمز) لألجزاء (الصحافيين)‪.‬‬
‫ّ‬
‫يميز اليكوف وجونسون الكناية عن االستعارة‪ ،‬فهما يشكالن صنفين مختلفين من حيث سيرورة تشكلهما‬
‫لكنهما يخدمان (االستعارة والكناية في جزء منها) نفس الحاجات‪ ،‬مع تركيز الكناية على مظاهر ما نحيل‬

‫‪ 18‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 19‬نفسه‪ ،‬ص ‪53‬‬
‫‪ 20‬نفسه‪ ،‬ص ‪ * 54‬املاصدق ‪ :‬العالقات التصديقية كما قدمها فيلمور في نظرية األطر املعرفية‪ .‬انظر ‪ :‬نفسه ص‪ .6‬ويعني املاصدق في املنطق‬
‫الصوري‪ :‬عبارات ترتبط بعالقة تصديقية مع ما يفهم من عبارة‪ /‬صورة ما‪ .‬مثال ذلك‪ :‬رجل يعتمر قبعة (صورة) يفهم منها أن الجو حار‬
‫(ماصدق)‪ ،‬وقد ينظر إلى املاصدق بوصفه مرادفا للداللة‪.‬‬
‫‪ 21‬نفسه‪ ،‬ص ‪56‬‬
‫‪9‬‬
‫َ‬
‫عليه‪ .‬كما أنهما معا ليسا مجرد أداة بالغية أو شعرية‪ 22.‬االستعارة والكناية وسيلتان إلدراك العالم‬
‫ُ‬
‫"فالتصورات الكنائية‪ ،‬شأنها شأن االستعارات‪ ،‬ال ت َبنين لغتنا فحسب‪ ،‬بل أيضا مواقفنا وأفكارنا‬
‫وأنشطتنا‪."23‬‬
‫ويظهر هذا الترابط بين الكنايات التصورية والواقع االجتماعي في الفقرة التالية املقتبسة من كتاب‬
‫اليكوف وجونسون ‪" :‬إن األنساق التصورية للثقافات والديانات استعارية من حيث طبيعتها‪ .‬والكنايات‬
‫الرمزية تعد روابط حاسمة بين التجربة اليومية واألنساق االستعارية املنسجمة التي تسم الديانات‬
‫والثقافات‪ .‬إن الكتابات الرمزية التي تنشأ داخل تجربتنا الفيزيائية تقدم وسائل جوهرية تتيح فهم‬
‫التصورات الدينية والثقافية‪24".‬‬

‫‪ 22‬نفسه‪ ،‬ص ‪56‬‬


‫‪ 23‬نفسه ص ‪58‬‬
‫‪ 24‬نفسه ص ‪58‬‬
‫‪10‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬االستعارة التصورية يف قصيدة الرعد البن اسليمان‬

‫تقديم ‪:‬‬
‫ُ‬
‫يضرب بجذوره في التاريخ املغربي بعيدا‪،‬‬ ‫جنس ّ‬
‫أدبي‬ ‫ٌ‬ ‫يعتبر امللحون "ديوان املغاربة" و"عروض البلد"‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حيث ُ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األزجال التي نظمها أهل املغرب‬
‫ِ‬ ‫يوثق ابن قزمان ألولى‬ ‫وتعود بداياته إلى القرن الرابع الهجري (‪11‬م)‪،‬‬
‫وتعتبر َ"ملعبة الكفيف الزرهوني" أقدم نص زجلي موثق‬ ‫ُ‬ ‫متأثرين بالوافد املوريسكي بعد سقوط األندلس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العديد‬ ‫حتى اآلن‪ .‬اهتمت الدراسات الحديثة املغربية منها والغربية بتراث امللحون‪ ،‬نظما وشدوا‪ ،‬فحررت‬
‫تحكم نظم هذا الجنس‬‫ُ‬ ‫عني بعضها بتفكيك القواعد العروضية التي‬ ‫من الورقات البحثية في هذا الغرض‪َ ،‬‬
‫ضروب أدبية وفنية أخرى‬‫ٍ‬
‫ُ‬
‫اآلخر إلى تحليل املضامين ومقارنة امللحون مع‬ ‫الشعر ّي‪ ،‬بينما ذهب البعض‬
‫األزجال والكتابات املتسمة‬ ‫قريبة منه أو مشاركة له في األصل والرافد؛ من قبيل فنون ّ‬
‫النوبة واآللة وبقية‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اإلملام بظروف نشأته التاريخية وبتطور صيغه وأغراضه وبالعالقة بين‬ ‫بالسجع‪ .‬تستلزم دراسة امللحون‬
‫والشكل الغنائي‪ ،‬وبالتفريق بين مقومات كل شكل‪ ،‬فقد تختلط على غير‬ ‫ِ‬ ‫الشكل العروض ي "لقصيدة"‬
‫ّ‬
‫واملرمات (األوزان‬ ‫امللم األوزان الشعرية باألوزان املوسيقية‪ ،‬و ما ير ُاد بالطبوع (املقامات املوسيقية)‬
‫ّ‬
‫البعض إلى محاولة ضبط الشعر امللحون بضوابط العروض العربي أو نظام‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يذهب‬ ‫الشعرية)‪ ،‬وقد‬
‫تجميع نصوص كنانيش‬ ‫املوشحات وهو غيرهما‪ّ .‬‬
‫لكن الجهود التي بذلتها أكاديمية اململكة املغربية في‬
‫ِ‬
‫واحد منها الحصيلة الشعرية لكل شاعر على حدة‪،‬‬
‫ضم كل ٍ‬ ‫شيوخ شعراء امللحون وطبع اثني عشرة ديوانا ّ‬
‫كما أسهمت أولى الدراسات األكاديمية التي قدمها الباحث املغربي عباس الجراري في إزالة الغموض عن‬
‫هذا الفن األدبي واملوسيقي الفذ‪ ،‬وأفاد الباحثون كثيرا من مجموعة كتب محمد الفاس ي املسماة "معلمة‬
‫امللحون" وتبينوا املقصود بتسميته وقصائده األشهر وفحول شعرائه‪ .‬وشكل العمل األكاديمي املهم الذي‬
‫قدمه الدكتور محمد املدالوي امنبهي تغييرا نوعيا في طرق التعامل مع التراث املغربي عموما‪ ،‬أمازيغيا أو‬
‫عاميا‪ ،‬من خالل كتابه "رفع الحجاب عن مغمور الثقافة واآلداب"‪ .‬كما أن بعض الدراسات املتأخرة ألقت‬ ‫ّ‬
‫بظاللها على جوانب أخرى في امللحون؛ بالغية و نحوية وأخيرا معرفية‪.‬‬
‫العمل في هذا العرض على مقطع من القصيدة ألسباب نختصرها في طول القصيدة وفخامة‬ ‫َ‬ ‫ارتأينا‬
‫املعجم الذي اندثرت مفرداته من االستعمال العامي‪ ،‬على فرض أنها كانت دارجة على عهد نظم القصيدة‬
‫وهذه فرضية تواجه عدة مصاد ات يضيق املقام عن التفصيل فيها‪ ،‬وأخيرا ّ‬
‫ألن َ‬
‫أرض البحث في امللحون ما‬ ‫ر‬

‫‪11‬‬
‫َ‬
‫لنجازف بتأويل مدلوالت السطور َ‬
‫غير ما سبقنا إليه الباحثون في التراث‬ ‫ممهدة بما يكفي‬
‫ٍ‬ ‫زالت غير‬
‫واملعجم‪ .‬وقد اخترنا عينات من مقاطع في القسم األول والثاني من قصيدة الرعد‪ 25‬التي َحربتها‪:‬‬
‫يا صاح زارني محبوبي يامس كنت صايم ** شهدة قطعت وجنيت الورد قالو كليت رمضان‬
‫مهموم قلت مدى لي ** يا حبيب الخاطر ياك املريض يفطر‬

‫‪ . 1‬تحديد االستعارة في قصيدة الرعد ‪:‬‬


‫تكرر في قصيدة الرعد توظيف مجموعة من املصادر اإلنتاجية لالستعارة كما يبينها الجدول التالي‪:‬‬
‫املصادروالكلمات املفاتيح‬
‫املجاالت الهدف‬
‫(فقط االسم هو الذي سيذكر)‬
‫الحرب‪/‬الجيش‬
‫• طبل‬
‫• سيف‬
‫• خيول‪ /‬العلفات‬
‫حاالت الطقس‬ ‫• فارس‬
‫• الوغى‬
‫• بند‬
‫• عسكر‬
‫• حرك (الحركة = َ‬
‫الس ّرية)‬

‫املالحة‪/‬القرصنة‬
‫• مقاذف‬
‫َ‬
‫املرص‬ ‫•‬
‫تجربة العشق‬
‫• الرايس‬
‫• القرصان‬
‫• الغنايم‬
‫جدول ‪ 1‬املصادراإلنتاجية لالستعارة التصورية في قصيدة الرعد‬

‫‪ 25‬انظر القصيدة كاملة في امللحق‪.‬‬


‫‪12‬‬
‫تم إحصا ُء ‪ 18‬تعبيرا استعاريا موزعة على ثالثة مصادر إنتاجية لالستعارة هي على التوالي‪:‬‬
‫• مجال الطبيعة ‪3 :‬‬
‫• مجال الحرب‪8 :‬‬
‫• مجال املالحة‪7 :‬‬
‫ويبين الجدول التالي املفاتيح التصورية لهذه االستعارات كما يصنفها إلى مجاالت كبرى ثم صغرى‪:‬‬
‫االستعارات التصورية‬ ‫االستعارات‬ ‫املفتاح‬
‫التعابيراالستعارية‬
‫الصغرى‬ ‫التصورية الكبرى‬ ‫التصوري‬
‫‪.1‬الرعد زام طبله‬
‫ُ‬ ‫(الرعد َ‬ ‫الرعد إعالن الحرب‬
‫طبوله)‬ ‫قرع‬
‫‪.2‬البرق ّ‬
‫سل سيفه‬ ‫ٌ‬
‫محارب شرس‬ ‫البرق‬
‫‪.3‬الريح فارس يشالي‬
‫( ُ‬
‫الريح ٌ‬ ‫الريح فارس‬
‫فارس يلوح بسيفه)‬ ‫أ)الطقس جيش‬
‫‪َ .4‬‬
‫لقزح شد بنده للفرجة‬
‫( َ‬
‫نفخ قوس قزح صدره ‪)...‬‬
‫السماء ُ‬
‫تقود جيشا من‬ ‫ُ‬ ‫الطبيعي ثقافي‬
‫‪.5‬وحرك باملطر للبيدا‬ ‫السحاب املمطر‬
‫وحر َك جيشه لألرض البيداء)‬
‫( ّ‬
‫َ‬
‫فاملرص‬ ‫‪.6‬رص ى مقاذفو‬
‫ُ‬
‫اإلنسان العاشق‬
‫(ثبت مجاذيفه‪/‬مرساته في املرس ى)‬ ‫ب)اإلن ُ‬
‫‪.7‬رايسو ع الغنيمة ّ‬ ‫سان قرصان‬
‫خرجو يدور‬ ‫قرصان سفينة‬
‫(أرسله القبطان بحثا عن الغنيمة)‬
‫جدول ‪2‬مثال عن االستعارة األنطولوجية في قصيدة الرعد‬

‫‪ .2‬تأويل االستعارة‪:‬‬
‫يظهر جليا من خالل األمثلة املدرجة في الجدول أن االستعارة الوجودية طاغية على النص الذي تم‬
‫التعامل معه في هذا العرض‪ ،‬رغم قصره‪ ،‬فيمكننا اعتباره عينة الستعمال متواتر لهذا النوع من‬
‫ضمن عدد ال بأس به من القصائد األخرى‪ ،‬وخصوصا في‬‫َ‬ ‫االستعارات التصورية (الحب‪/‬حرب وقرصنة)‬
‫قصيدة "قرصاني ّ‬
‫غنم"‪ ،‬التي تصف غارة املغاربة على جزيرة مالطة وتصف السبايا وتجعل من الظفر‬
‫ُ‬
‫بأجملهن غنيمة حرب‪ .‬ويتم بموجب هذا النمط التصوري بنينة مجال الحب من خالل مجال الحرب‬
‫والقرصنة‪ ،‬وذلك بإسناد عدد من األفعال ( ام‪ّ ،‬‬
‫شد‪ ،‬حرك‪ )...‬اإلنسانية لحالة الحب التي ُ‬
‫يمكن تصنيفها‬ ‫ز‬

‫‪13‬‬
‫ثقافيا نظرا لكون العاطفة غريزة تم ترصيعها بالكثير من التقاليد الثقافية‪ .‬وينبع هذا التصور من ميل‬
‫شاعر امللحون إلى تصور العالقة العاطفية (ولو من طرف واحد) بوصفها طقسا متقلبا (رعد يتلو مرحلة‬
‫الصمايم والحر الشديد) أو ملعان سيف أو غارة جيش عرمرم‪ .‬وعلى هذا األساس يقوم تصور ابن سليمان‬
‫ملشاعره الرقيقة اتجاه محبوبته‪ .‬كما أننا‪ ،‬رغم اقتصارنا في التحليل على مفتاح تصوري واحد‪ ،‬وقفنا على‬
‫حاالت أخرى وظف فيها الشاعر االستعارات األنطولوجية من قبيل (الشهدة= ثغر الحبيبة) و(الورد=‬
‫خدها) و(املداعبة = أكل في رمضان) إلى غير ذلك‪.‬‬

‫‪ .3‬تفسير االستعارة‪:‬‬
‫وللوقوف على مصدر هذه التصورات االستعارية لدى شاعر امللحون في نهاية القرن ‪19‬م‪ ،‬ال بد لنا من‬
‫ذكر العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬دور الثقافة العربية في تشكيل املخيال العام لدى املغاربة خصوصا في نهاية القرن ‪19‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دور التناص من خالل حضور معجم قرآني‪ ،‬شعر ّي ومعجمي مرتبط أساسا باألدب العربي‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة شاعر امللحون (واإلنسان املغربي) بالتقلبات املناخية وباملاء‪.‬‬
‫‪ -‬تأثير األحداث السياسية التي وشمت القرون الثالثة من ‪ 17‬إلى ‪19‬م والحركات السلطانية للمولى‬
‫الحسن األول تحديدا‪.‬‬
‫‪ -‬ازدهار امللحون في هذه املرحلة (القرن ‪ )19‬وإقبال األعيان والفقهاء والسالطين على نظمه ويتجلى‬
‫تأثير ذلك في بعض التعابير االستعارية التي اشارت إلى من ال يتذوق امللحون بصفات ك‪ :‬البهايم‪.‬‬
‫‪ -‬مركزية األغراض الغزلية بعد املديح النبوي في فن امللحون‪.‬‬
‫‪ -‬طبيعة املجتمع الذي كان يفرض قيودا ثقافية على العالقات العاطفية وبالتالي ورود تعابير‬
‫استعارية تشير إلى العذال والرقيب بصفات حيوانية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫خامتة‬

‫اشتغل هذا العرض بإبراز بعض التصورات االستعارية التي وظفها شاعر امللحون املغربي‪ ،‬وتسليط‬
‫الضوء على مجاالتها اإلنتاجية وعالقتها باملجاالت الهدف‪ .‬ورغم اقتصارنا على عينة محصورة من األمثلة‪،‬‬
‫وهذا اجع لعاملين خارجين عن إ ادتنا هما‪ :‬الوقت املخصص للبحث في طريق لم توطأ ُ‬
‫بعد بما يكفي من‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫املتخصصين‪ ،‬نظرا لحداثة التلقي العربي للسانيات املعرفية وتأخر وعي املتخصصين املغاربة بالقيمة‬
‫الفنية واملعرفية للتراث املحلي املغربي لعدة أسباب منها تأخر تثمين امللحون باعتباره أدبا مكتوبا أساسا ‪،‬‬
‫معجم امللحون أحد أهم العراقيل أمام الباحثين اليوم‪ ،‬فقد اندثرت مفردات كبيرة من‬ ‫َ‬ ‫والعامل الثاني أن‬
‫يصعب اجتر ُ‬
‫اح هذا املتن‬ ‫ُ‬ ‫التداو اليومي وغاب معناها فيصعب تحديد املدلول األقرب إلى الصواب وبالتالي‬
‫عموما‪.‬‬
‫حاولنا في املحور األول من هذا العرض تقديم بعض املفاهيم األساسية في االستعارة التصورية بناء على‬
‫يعد‪ ،‬على قصره النسبي‪ ،‬مرجعا‬ ‫كتاب مرجعي لاليكوف وجونسون "االستعا ات التي نحيا بها" والذي ّ‬
‫ر‬
‫يبتغي التركيز والقراءة املتأنية‪ .‬ولكن املراجع األخرى وخصوصا كتاب "الفلسفة في الجسد" لاليكوف‬
‫وجونسون‪ ،‬ومقاربات أخرى من قبيل االستعارة اإلبداعية والشعرية املعرفية ال مناص ضرورية لكل‬
‫باحث في هذا املجال ألنه في البدء كان شعرا‪ .‬كما أن املعالجة األولى ملتون امللحون ُ‬
‫يجب أن تتم على‬
‫مستوى البالغة والعروض واملعجم كيما يكون من املمكن التعامل مع نص مفهوم وواضح وقابل‬
‫َ‬
‫ضمن الدراسات‬ ‫لالستثمار‪ ،‬لكنها معالجة ما تز ُ‬
‫ال بطيئة ما خال بعض املحاوالت التي يمكن تصنيفها‬
‫املتفرقة واليتيمة واملحترزة‪.‬‬
‫إن اختيار نص من قصائد امللحون هو مجازفة منهجية بالتأكيد‪ ،‬لكن نصوص امللحون غنية وغزيرة‪ ،‬وهي‬
‫تشكل جزءا كبيرا من أدب املغاربة بل هي أدبهم األول ول ال بد من تسليط الضوء عليه واستثمار مناهج‬
‫العلوم الحديثة واملقاربات اللسانية املتجددة في إعادة قراءة هذا الكنز الزاخر بشتى مظاهر اإلبداعية‬
‫املغربية والحامل لعدد من املعطيات التاريخية والفنية‪.‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫‪ .1‬محمد ابن سليمان‪ ،‬قصيدة الرعد ‪ ، ،‬معلمة امللحون الجزء الثالث‪ ،‬محمد الفاس ي‪ ،‬أكاديمية‬
‫اململكة‪.1990 ،‬‬
‫‪ .2‬اليكوف وجونسون‪ ،‬االستعارات التي نحيا بها‪ ،‬ترجمة عبد املجيد جحفة‪ ،‬سلسلة املعرفة‬
‫اللسانية‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2009‬‬

‫‪15‬‬
‫امللحق ‪ :‬نص قصيدة الرعد ملحمد ابن سليمان (القسم األول والثاني)‪:‬‬

‫‪16‬‬

You might also like