Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫رمي الجمرات وذبح اُألضحيَّات‬

‫جِ بيته‬
‫الحمد‪ 0‬هلل الواحد األحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كف ًوا أحد‪ ،‬الحمد هلل اصطفى لح ّ‬
‫م وأعيا ًدا‪ ،‬ووطِئ لهم على فراش كرامته ودا ًدا‪ ،‬وهيأ لهم عند بيته المحرم ذكرياتٍ‬
‫عبا ًدا‪ ،‬وجعل لهم مواس َ‬
‫وأمجا ًدا‪.‬‬

‫جع‪ ،‬الحمد‪ 0‬هلل كتب‬ ‫الحمد‪ 0‬هلل القاهر فوق عباده فال ُيمانَع‪ ،‬والحاكم‪ 0‬بما يريد فال ُيدا َفع‪ ،‬واآلمِر بما يشاء فال ُيرا َ‬
‫على نفسه البقاء‪ ،‬وكتب على خلقه الفناء‪ ،‬وق َّد ر ما كان قبل أن يكون في اللوح والقلم‪ ،‬وخلق آدم وجعل من‬
‫خ ْي ٌر َوَأ ْبقَى ﴾‬ ‫ل ُتْؤ ث ُِرونَ ا ْل َ‬
‫حيَا َة ال ُّد ْنيَا‪َ * 0‬واآْل ِ‬
‫خ َر ُة َ‬ ‫نسله العرب والعجم‪ ،‬جعل الدنيا دار فناء‪ ،‬واآلخرة دار بقاء؛ ﴿ بَ ْ‬
‫ل له‪َ ،‬من تكلَّم سمِع نطقه‪ ،‬ومن‬ ‫[األعلى‪ ،]17 ،16 :‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وال ن َّد له‪ ،‬وال مث َ‬
‫ب يَ ْن َقل ُِبونَ ﴾‬ ‫موا َأ َّ‬
‫ي ُم ْن َقلَ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ِين‬
‫‪0‬‬
‫َ‬ ‫سيَ ْعلَ ُ‬
‫م الَّذ‬ ‫سره‪ ،‬ومن عاش فعليه رزقه‪ ،‬ومن مات فإليه منقلبه؛ ﴿ َو َ‬ ‫َّ‬ ‫سكت علِم‬
‫[الشعراء‪.]227 0:‬‬

‫عبدهللا ورسوله‪ ،‬اعت َّز باهلل فأعزه‪ ،‬وانتصر باهلل فنصره‪ ،‬وتوكل على هللا فكفاه‪ ،‬وتواضع هلل‬ ‫ُ‬ ‫ونشهد أن سيدنا محم ًدا‬
‫ل وسلم وبارك‬ ‫رقاب عد ِوّه‪ ،‬اللهم ص ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ويسر له أمره‪ ،‬ورفع له ذكره‪ ،‬وذلَّل له‬
‫َّ‬ ‫فشرح له صدره‪ ،‬ووضع عنه ِو ْز َره‪،‬‬
‫عليك يا رسول هللا‪ ،‬وعلى أهلك وصحبك‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛‪ 0‬أما بعد أيها المسلمون‪:‬‬

‫فإن هللا تعالى فضَّل الشهور بعضها على بعض؛ فاختار شهر رمضان‪ ،‬وفضَّل الليالي بعضها على بعض؛ فاختار‬
‫م عرف َة األكثر عت ًقا من النار‪ ،‬ويو َ‬
‫م النحر أفضل أيام الدنيا‪ ،‬فال‬ ‫العشر األوائل من ذي الحجة‪ ،‬واختار من العشرة يو َ‬
‫ِب عن ظلِّها؛ لتكون في ظل هللا‪ ،‬يوم ال ظل إال ظله‪.‬‬ ‫ي ُف ْتك أجرها‪ ،‬وال يخطِْئك طَي ُفها‪ ،‬وال تغ ْ‬

‫تشدُّنا‪ 0‬إلى‬
‫عباد هللا‪ :‬إن األيام تتسارع‪ ،‬واألعوام تتوالى‪ ،‬والليالي تتعاقب‪ ،‬والساعات‪ 0‬تنقضي‪ ،‬واألزمان تنتهي‪ُ ،‬‬
‫حا َف ُ‬
‫ماَل قِي ِ‬
‫ه ﴾ [االنشقاق‪.]6 0:‬‬ ‫ح ِإلَى َربِّ َ‬
‫ك َك ْد ً‬ ‫ك َكا ِد ٌ‬
‫ان ِإنَّ َ‬
‫س ُ‬‫دا ﴿ يَا َأيُّ َها اِإْل ْن َ‬
‫هللا ش ًّ‬
‫ك ُذو ا ْل َ‬
‫جاَل ِ‬
‫ل‬ ‫ج ُه َربِّ َ‬ ‫ن َعلَ ْي َها َفا ٍ‬
‫ن * َويَ ْبقَى َو ْ‬ ‫ل َم ْ‬
‫السلطان يزول‪ ،‬والجاه ال يدوم‪ ،‬المال يفنى‪ ،‬والعز ال يبقى‪ُ ﴿ ،‬ك ُّ‬
‫َواِإْل ْك َرا ِم ﴾ [الرحمن‪.]27 ،26 :‬‬

‫ل‬ ‫الشمس والقمر تتناوبان‪ ،‬والليل والنهار يتعاقبان‪ ،‬يقربان كل بعيد‪ ،‬و ُي ْبلِيان كل جديد‪ 0،‬وي ِفاَّل ن كل حديد؛ ﴿ ذِي َ‬
‫ج َع َ‬
‫شكُو ًرا ﴾ [الفرقان‪]62 :‬؛ ليستبين الجاحد من الشاكر‪ ،‬والغافل من‬ ‫ن َأ َرا َد َأنْ يَ َّذ َّك َر َأ ْو َأ َرا َد ُ‬ ‫خ ْل َف ًة لِ َ‬
‫م ْ‬ ‫اللَّ ْي َ‬
‫ل َوال َّن َها َر ِ‬
‫الذاكر‪ ،‬والمؤمن من الكافر‪.‬‬

‫إخوة اإلسالم‪ :‬نحن في أفضل أيام الدنيا؛‪ 0‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إن أفضل أيام الدنيا‪ 0‬أيام‬
‫العشر))‪.‬‬

‫حى‬‫ض ً‬
‫العشر من ذي الحجة‪ 0‬أفضل أيام الدنيا؛‪ 0‬یعني‪ :‬أفضل صالة فجر تصليها طول السنة‪ ،‬وأفضل جلسات ُ‬
‫تجلسها طول السنة‪ 0،‬وأفضل تالوة قرآن وذكر هلل طول السنة‪ 0،‬وأفضل صيام نافلة تصومه طول السنة‪ 0،‬وفيها‬
‫ِيل ميزانك‪.‬‬
‫يمكنك تَ ْثق ُ‬

‫انتهى يوم عرفة‪ ،‬يوم يباهي هللا فيه المالئكة بأهل عرفات‪ ،‬يوم استجابة الدعوات‪ 0،‬وتحقق األمنيات‪ ،‬وإقالة‬
‫حولِه وقوته‪ ،‬فإن هللا إذا وهب المقامات العليا‬
‫العثرات‪ ،‬ومغفرة السيئات‪ ،‬وعتق الرقاب‪ ،‬هناك يتبرأ المؤمن من َ‬
‫في الطاعة‪ ،‬وبركة الوقت‪ ،‬أدهش‪.‬‬

‫صيَات‪ ،‬ورمي الجمرات‪ ،‬والجمرات ما هي إال رموز تحاكي الواقع‬


‫ثم ينزل الحاج‪ 0‬من عرفات إلى ُم ْز َدلِ َف َة لجمع الح َ‬
‫المرير‪ ،‬الذي يحوي األوهام واآلالم‪ ،‬والمكائد والشدائد‪ ،‬التي تنبثق من وساوس الشيطان‪.‬‬
‫((خ ُذوا عني‬
‫ُ‬ ‫س َ‬
‫كه‪ 0‬الصادقُ األمين صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ير الحاج وضعه الشرع‪ ،‬وقاد ُن ُ‬ ‫س ِ‬‫أيها المسلمون‪ ،‬خطُّ َ‬
‫جاج المسافرون في ِم ًن ى‪ ،‬فهي محطة تفصل بين مكان العهد مع هللا عز وجل في‬ ‫الح َّ‬
‫مناسككم))؛ حيث يرتاح ُ‬
‫سين َّفذ فيها ذلك العهد الوثيق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عرفات‪ ،‬وبين بقية أنحاء‪ 0‬الدنيا التي‬

‫بعد أن كانوا في عرف َة في الصباح‪ ،‬قضَوا يومهم في الرجاء والدعاء‪ ،‬في الحمد والثناء‪ ،‬في الذكر والشكر‪ ،‬ثم نزلوا‬
‫إبليس‪ ،‬الوسواس‬
‫َ‬ ‫اللعين‬
‫َ‬ ‫سيرجمون بها‬
‫ُ‬ ‫إلى مزدلفة في المساء‪ ،‬ومن مزدلفة يجمع المؤمنون الحصياتِ التي‬
‫ومؤسِس الخراب‪ ،‬ومنبت الشحناء‪ 0‬والبغضاء‪ ،‬فالمؤمنون بعد أن‬ ‫ّ‬ ‫الخ َّناس‪ 0،‬زعيم الطواغيت وربَّهم المزيف األكبر‪،‬‬
‫عاهدوا هللا سبحانه‪ 0،‬وأعطَوه الميثاق الغليظ بأن يعبدوه وحده ال شريك له‪ ،‬يتوجهون لتأكيد عهده وميثاقه الغليظ‬
‫الذي أبرمه معهم‪ ،‬يتوجهون للبراءة من الشيطان الرجيم‪ ،‬والعدو الذميم‪ ،‬الذي يفتن الناس‪ ،‬يحرفهم عن طريق‬
‫الحق‪ 0‬والخير‪ ،‬ويجرفهم إلى طريق الغواية والضالل‪ ،‬من بوابة ِم ًنى ما بين مكان العهد المب َرم مع هللا عز وجل‪،‬‬
‫ِج المؤمنون مؤكِّدين طاعتهم هلل عز وجل‪ ،‬القاهر الحق‪ 0،‬ومته ِي ّئين لبراءتهم من الشيطان‬ ‫وبين أمكنة تنفيذه‪ ،‬يل ُ‬
‫اللعين زعيم الباطل‪ ،‬وذلك بجمع الحصيات التي سيرجمونه بها‪.‬‬

‫رمي الجمرات هو جزء من الحج عند المسلمين ُيقام سنويً ّا في مكة المكرمة‪ ،‬يقوم الحجاج المسلمون‬ ‫ُ‬ ‫عباد هللا‪:‬‬
‫برمي الحصى على ثالث جمرات‪ ،‬في مدينة ِم ًن ى شرق مكة المكرمة‪ ،‬وهي واحدة من سلسلة أعمال الحج‬
‫جم ثالثة أعمدة تمثل إغرا ًء بعصيان هللا‪،‬‬
‫ي لحج إبراهيم؛ حيث ُتر َ‬
‫التي يجب‪ 0‬القيام بها في الحج‪ ،‬وهو تجديد رمز ٌّ‬
‫والحفاظ على النبي إسماعيل عليه السالم‪.‬‬

‫وفي عيد األضحى ‪ -‬اليوم العاشر من شهر ذي الحجة‪ - 0‬يجب على الحجاج ضرب واحدة من ثالث جمرات ‪ -‬جمرة‬
‫العقبة أو الجمرة الكبرى ‪ -‬بسبع حصيات‪ ،‬وبعد االنتهاء من الرجم في يوم العيد‪ ،‬يجب على كل حاج أن يقص‬
‫شعره أو يحلقه‪ ،‬وكأنه ُولِ َد من جديد‪ 0،‬بل بالفعل ُولِد من جديد؛‪ 0‬حيث ال ذنوب‪ ،‬وال شحناء‪ ،‬وال بغضاء‪ ،‬على الفطرة‬
‫مثل يوم الميالد الفعلي‪ ،‬وفي كل يوم من اليومين التاليين‪ ،‬يجب‪ 0‬على الحاج أن يضرب كل جدار من الجدران‬
‫م فهناك حاجة إلى ما ال يقل عن تسع وأربعين حصاة‬ ‫الثالثة بسبع حصيات‪ ،‬متجهة من الشرق إلى الغرب‪ ،‬ومن ثَ َّ‬
‫للرمي‪ ،‬وأكثر إذا ُفقِدت بعض الرميات‪ ،‬يظل بعض الحجاج‪ 0‬في ِم ًنى لمدة يوم إضافي‪ ،‬وفي هذه الحالة يجب‬
‫عليهم رمي كل حجر سبع مرات؛ يقول الحاج‪ 0‬عند الرمي‪" :‬اللهم اجعله ح ًّ‬
‫جا مبرو ًرا‪ ،‬وذنبًا مغفو ًرا‪ ،‬هللا أكبر هللا‬
‫جا مبرو ًرا‪ ،‬وسعيًا مشكو ًرا‪ ،‬وذنبًا‬ ‫ً‬
‫ما للشيطان ورضًا للرحمن‪ ،‬اللهم اجعله ح ّ‬ ‫أكبر هللا أكبر‪ ،‬بسم هللا‪ ،‬وهللا أكبر‪ ،‬رج ً‬
‫مغفو ًرا‪ ،‬هللا أكبر‪ ،‬هللا أكبر‪ ،‬هللا أكبر كبي ًرا‪ ،‬والحمد هلل كثي ًرا‪ ،‬وسبحان هللا بكرة وأصياًل ‪ ،‬ال إله إال هللا وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ 0‬ال شريك له"‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬ثم يوم النحر إراقة للدم في سبيل هللا سبحانه‪ 0‬وحده؛ حيث يتوجه بعد ذلك الحجاج المؤمنون‬
‫ليريقوا أغلى شيء في الحياة الدنيا‪ 0،‬ليريقوا الدم هلل عز وجل؛ رم ًزا ألن الدماء أرخص من المبادئ‬‫إلى المنحر‪ُ ،‬‬
‫ي القيوم جل جالله‪ ،‬وفي سبيل تحقيق‬ ‫والعقيدة‪ ،‬فدون إسالمنا ومنهجنا‪ ،‬دماؤنا وأرواحنا‪ ،‬رخيصة في سبيل الح ّ ِ‬
‫منهجه العظيم في األرض كلها‪.‬‬

‫ه لَك ْ‬
‫ُم‬ ‫اِئر اللَّ ِ‬
‫ش َع ِ‬
‫ِن َ‬ ‫ها لَك ْ‬
‫ُم م ْ‬ ‫ج َع ْل َنا َ‬
‫عباد هللا‪ :‬إن من شعائر ديننا الحنيف شعير َة األضحيَّة؛ قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬وا ْل ُب ْدنَ َ‬
‫خ ْي ٌر ﴾ [الحج‪.]36 :‬‬
‫فِي َها َ‬

‫لس َّنة‬
‫واألضحية‪ :‬اسم لما ُيذبَح من اإلبل والبقر والغنم يوم النحر‪ ،‬وأيام التشريق؛‪ 0‬تقر ًبا إلى هللا تعالى‪ ،‬وإحيا ًء ُ‬
‫خليل هللا ونبيه إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وتذكي ًرا بذلك الحدث العظيم؛ وهي من أعظم شعائر اإلسالم المشروعة‬
‫ح ْر ﴾ [الكوثر‪:‬‬ ‫ك َوا ْن َ‬ ‫ل لِ َربِّ َ‬
‫ص ِّ‬ ‫بكتاب هللا‪ ،‬وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم وإجماع المسلمين؛ قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫ل‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬
‫ت َو نَا َّو ُ‬ ‫ُأ‬
‫ك م ِْر ُ‬ ‫َ‬
‫ك ل ُه َوبِ َذلِ َ‪0‬‬ ‫ش ِري َ‬ ‫ب ا ْل َعالَم َ‬
‫ِين * اَل َ‬ ‫ماتِي لِلَّ ِ‬
‫ه َر ّ ِ‬ ‫اي َو َم َ‬
‫حي َ َ‬ ‫صاَل تِي َو ُن ُ‬
‫سكِي َو َم ْ‬ ‫ُل ِإنَّ َ‬
‫‪ ،]2‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ق ْ‬
‫ِين ﴾ [األنعام‪.]163 ،162 :‬‬ ‫سلِم َ‬
‫م ْ‬‫ا ْل ُ‬

‫أحب إلى هللا من إهراق الدم‪ 0،‬وإنه‬


‫َّ‬ ‫ل يوم النحر‬
‫م ٍ‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ما عمِل ابن آدم من ع َ‬
‫لَ ُيؤتَى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظالفها‪ ،‬وإن الدم لَ ُ‬
‫يقع من هللا بمكان قبل أن يقع باألرض‪ ،‬فطِيبوا بها‬
‫نفسا))؛‪[ 0‬رواه الترمذي‪ ،‬وابن ماجه]‪.‬‬
‫ً‬

‫ثم يتوجهون إلى مكة يطوفون ويس َعون من جديد‪ ،‬لتجديد العهد‪ ،‬وتأكيده‪ 0‬مع هللا عز وجل‪ ،‬بأننا على درب الحق‪0‬‬
‫ه ْديِك ماضون‪.‬‬
‫سائرون‪ ،‬وإلى تحقيقه ساعون‪ ،‬وفي سبيلك يا رب األرباب مستمرون‪ ،‬وعلى َ‬

‫ثم العودة إلى ِم ًنى لالستعداد لدخول أروقة الدنيا‪ 0،‬ودار االمتحان الكبير؛ وذلك لإلقامة فيها يومين أو ثالثة من أيام‬
‫العيد‪ ،‬وتلك فترة أكل وشرب؛ كما يقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيها يتحلل المؤمنون من ثياب الحج‬
‫الخاصة‪ 0،‬ويرتدون ثيابهم العادية التي سيعيشون بها في دنياهم‪ ،‬وفيها يأكلون من لحوم ضحاياهم التي أراقوا‬
‫دماءها هلل عز وجل‪ ،‬وفيها يتعارفون‪ ،‬ويستعدون لدخول أبواب الدنيا المختلفة‪ ،‬برفض مناهج الشيطان وتالمذته‬
‫من الطواغيت المتسلِّطين واألرباب المزيَّفين‪ ،‬وذلك برجم زعيم الباطل إبليس اللعين؛ سبعًا‪ ،‬سبعًا‪ ،‬في كل يوم‬
‫عند العقبات الثالث‪ ،‬يرجمونه وهم يصرخون‪ :‬باسم هللا‪ ،‬وهللا أكبر‪.‬‬

‫فيؤكدون بذلك أن‪ :‬باسم هللا نرميك‪ ،‬ولن نعمل بما توحيه إلينا‪ ،‬أو توسوس به أيها الباطل اللعين‪ ،‬وهللا أكبر منك‪،‬‬
‫ومن كيدك أيها المزيف الرجيم‪.‬‬

‫بعد ذلك يغادرون إلى مك َة ليطوفوا بها طواف الوداع‪ ،‬مؤكدين عهد هللا للعمل الدائب‪ 0‬في سبيله‪ ،‬مودعين بيته‬
‫الحرام‪ 0‬ورمز توحيده‪ ،‬متوجهين من جديد‪ 0‬إلى بالدهم وديارهم المتناثرة في كل أرجاء المعمورة؛ حما ًة لدينه‪0،‬‬
‫ودعا ًة لمنهجه‪ ،‬وجنو ًدا إلعالء كلمته في كل بلد وركن من بالد األرض وأركانها‪.‬‬

‫وحفِظ أجر األنام‪ ،‬وهكذا دارت األيام‪ ،‬فعاشوا جميعًا في أمن ومحبة وسالم‪.‬‬
‫جة اإلسالم‪ُ ،‬‬
‫ح َّ‬
‫وبذلك تمت ِ‬

‫خ ْي َر ال َّزا ِد ال َّت ْق َوى ﴾ [البقرة‪ ،]197 :‬عادوا يجابهون الباطل‪،‬‬ ‫عادوا بعد أن تز َّودوا باإليمان والتقوى‪َ ﴿ :‬وتَ َز َّو ُدوا َفِإنَّ َ‬
‫ؤاز رون الحق‪ ،‬وينشرون الخير‪ ،‬ويأمرون بالمعروف‪ ،‬وينهون عن المنكر‪ ،‬ويؤمنون باهلل‪ ،‬وذلك مناط خيرية األمة‪،‬‬ ‫و ُي ِ‬
‫ه ﴾ [آل عمران‪.]110 :‬‬ ‫م ْن َ‬
‫ك ِر َو ُتْؤ م ُِنونَ بِاللَّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬
‫ِ ُ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫نَ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫و‬‫َ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ونَ‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫ِ ُ ُ‬ ‫ْأ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫اس‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫ِل‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ُأ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫ُأ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫﴿‬ ‫كيف؟‬

‫ي سلطانه على النفس‪ ،‬إنه يمد‬ ‫وقو َ‬


‫ِ‬ ‫مقت جذوره في القلب‪0،‬‬‫أيها المسلمون‪ :‬إن ذلك هو شأن اإليمان إذا تع َّ‬
‫صاحبه بيقين ال يهون‪ ،‬وهمة ال تنثني‪ ،‬وأمل ال يخبو‪ ،‬ودافع ال يتوقف‪ ،‬وعزم ال يخور‪ ،‬هو يملك الدنيا ولكنها ال‬
‫تملكه‪ ،‬ويجمع المال ولكنه ال يستعبده‪ ،‬وتحيط به النعمة‪ ،‬ولكنها ال تبطره‪ ،‬وينزل به البالء‪ ،‬ولكنه ال يقهره‪ ،‬ال‬
‫تزيده‪ 0‬الشدائد إال عزيم ًة مع عزيمته‪ ،‬وقوة إلى قوته‪ ،‬كالذهب األصيل‪ ،‬ال تزيده النار إال نقا ًء وصفا ًء‪.‬‬
‫اللهم ارزقنا ح ًّ‬
‫جا مبرو ًرا‪ ،‬وذنبًا مغفو ًرا‪ ،‬وسعيًا مشكو ًرا‪.‬‬

You might also like