Professional Documents
Culture Documents
Khotbat Saa
Khotbat Saa
• ففي الحديث الصحيح قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(( :وأربع من الشقاوة :الجار السوء ،والم رأة الس وء،
ل أووالمركب السوء ،والمسكن الضيق ،وهللا تعالى يحب ج ا ًرا ص بر على أذي ة ج اره ،ح تى يكفيَ ه هللا إي اه بتح ُّو ٍ
موت)).
• ولذلك يقولون :الجار قبل الدار.
ومن أراد أن يعرف أنه محسن أم مسيء ،فلينظر إلى حاله مع جيرانه؛ فإن مقياس العبد في اإلحس ان واإلس اءة
بحسب تعامله مع جيرانه.
• روى البيهقي والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي هللا عنه ،ق ال(( :ج اء رج ل إلى رس ول هللا ص لى هللا
عليه وسلم ،فقال :يا رسول هللاُ ،دلَّني على عمل إذا أن ا عمِلت ب ه دخلت الجن ة ،ق ال :كن محس ًنا ،ق ال :كي ف
ل جيران ك ،ف إن ق الوا :إن ك محس ن ،ف أنت محس ن ،وإن ق الوا :إن ك مس يء ،ف أنت س ْ
أعلم أني محسن؟ قالَ :
مسيء)).
نسأل هللا العظيم أن يرزقنا حسن الجوار.
الخطبة الثانية
مع الوقفة الثالثة :حقوق الجار.
إن حق وق الج ار كث يرة ومتع ددة ،لكن ك ل و تأملته ا لوج دتها تتف رع من ثالث ة حق وق ك برى؛ وهي:
الحق األول :بذل المعروف واإلحسان إليه؛ وذلك بأن يتعاه د جيران ه ويطعمهم من طعام ه ،ويتعاه د األق رب منهم
بالهدية ،وأن يكون عونًا لهم ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم.
ذرّ رض ي هللا عن ه أن الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ق ال ل ه(( :ي ا أب ا ذر إذا طبخت ٍ أبي عن مسلم صحيح في •
مرق ًة ،فأكثر ماءها ،وتعاهد جيرانك)).
• وروى البيهقي عن ابن عباس رضي هللا عنهما ،قال :سمعت رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم يق ول(( :ليس
المؤمن الذي يشبع ،وجاره جائع إلى جنبه)).
• وروى البخاري في األدب المفرد عن ابن عمر رضي هللا عنهما ،قال :سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول:
((كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة ،يقول :يا رب ،هذا أغلق بابه دوني ،فمنع معروفه)).
الحق الثاني :كف األذى عنه؛ فال يتطل ع إلى ع وراتهم ،وال ي ؤذيهم ب القول وال بالفع ل؛ فق د ج اء الوعي د الش ديد
فيمن يؤذي جاره.
خص مين ي وم القيام ة َ ((أول لم: وس ه علي هللا لى ص هللا ول رس ال ق ال: ق ه، عن هللا ي رض امر ع بن عقبة عن •
جاران))؛ [رواه أحمد ،والطبراني].
• قال المناوي رحمه هللا" :أي :أول خصمين ُي قضى بينهما يوم القيامة جاران ،آذى أحدهما صاحبه؛ اهتما ًما بشأن
حق الجوار الذي حث الشرع على رعايته".
الحق الثالث :الصبر وتحمُّل األذى الذي يصدر منه ،فإذا اب ُتليت بجار س وء يؤذي ك ،فعلي ك بالص بر ،وت ذكر أن ص برك
هذا على أذى جارك مما يؤهلك لمحبة هللا جل في عاله.
• كما جاء في حديث أبي ذر رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا علي ه وس لم أن ه ق ال(( :ثالث ة يحبهم هللا ،وذك ر
منهم :ورجل له جار يؤذيه ،فيصبر على أذاه ويحتسبه ،حتى يكفيَه هللا إياه بم وت أو حي اة))؛ [رواه أحم د بإس ناد
على شرط مسلم ،وصححه األلباني].
ي ،فق ال ابن مس عود :اذهب ف إن • وجاء رجل إلى ابن مسعود وقال" :إن لي جا ًرا يؤذيني ويشتمني ،ويضيق عل َّ
هو عصى هللا فيك ،فأطعِ هللا فيه".
فإن عجزت عن الصبر على إيذاء جارك ،فتذكر هذه الوصية النبوية:
• عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال(( :جاء رجل إلى النبي صلى هللا علي ه وس لم يش كو ج اره ،فق ال ل ه الن بي
صلى هللا عليه وسلم :اذهب فاصبر ،فأتاه مرتين أو ثالثً ا ،فق ال ل ه الن بي ص لى هللا علي ه وس لم :اذهب ف اطرح
متاعك في الطريق ،فطرح متاعه في الطريق ،فجعل الناس يسألونه ،فيخبرهم خبره ،فجعل الناس يلعنونه :فع ل
هللا به وفعل)).
• وفي لفظ آخر(( :فجاء الرجل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال :يا رسول هللا ،لقيت من الناس ،ق ال ص لى
هللا عليه وسلم :وما لقيت؟ فقال الرجل :يلعنونني ،فقال صلى هللا عليه وسلم :قد لعنك هللا قب ل الن اس ،فق ال:
إني ال أعود ،ثم ذهب إلى جاره ،فقال له :ارجع ال ترى مني ش يًئ ا تكره ه ،فج اء الش اكي إلى الن بي ص لى هللا
علي ه وس لم ،فق ال ص لى هللا علي ه وس لم :ارف ع متاع ك ،فق د كُفيت))؛ [أخرج ه أب و داود ،والح اكم ،وص ححه
الذهبي].
ونختم بهذا النموذج الرائع في الصبر على أذى الجار:
وي عن سهل بن عبدهللا التستري رحمه هللا" :أنه كان له جار ذ ّمِي ،وك ان ق د انبث ق من كنيف ه إلى بيت • فقد ُر َ
ق ،فك ان س هل يض ع ك ل ي وم الجفن ة تحت ذل ك البث ق ،فيجتم ع م ا يس قط في ه من ك نيف في دار س هل بث ٌ
المجوسي ،ويطرح ه باللي ل؛ حيث ال ي راه أح د ،فمكث رحم ه هللا على ه ذه الح ال زمانً ا ط وياًل ،إلى أن حض رت
سهاًل الوفاة ،فاستدعى جاره المجوسي ،وقال له :ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه ،فدخل فرأى ذلك البث ق والق ذر
يسقط منه في الجفنة ،فقال :م ا ه ذا ال ذي أرى؟ ق ال س هل :ه ذا من ذ زم ان طوي ل يس قط من دارك إلى ه ذا
البيت ،وأنا أتلقاه بالنهار وألقيه بالليل ،ولوال أنه حض رني أجلي ،وأن ا أخ اف أاَّل تتس ع أخالق غ يري ل ذلك ،وإال لم
أخبرك ،فافعل ما ترى ،فقال المجوسي :أيها الشيخ ،أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل ،وأنا مقيم على
كفري ،م َّد يدك؛ فأنا أشهد أن ال إله إال هللا ،وأن محم ًدا رسول هللا ،ثم مات سهل رحمه هللا".
نسأل هللا العظيم أن يصلح أحوال المسلمين إلى أحسن حال.