Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 2

‫التضحية بالطيور وحكم األخذ باألقوال الشاذة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه وسلم‪ ،‬وبعد ‪:‬‬

‫هذه كلامت يف االستدراك عىل فتوى شاذة ال جيوز العمل هبا ‪ ،‬وال التعويل عليها ‪ ،‬وهي جواز‬

‫التضحية بالطيور! ‪ ،‬ولألسف أن الذي تفوه هبا دكتور أكاديمي متخصص يف الفقه املقارن ! ‪ ،‬وما‬
‫علم هذا املترسع َّ‬
‫أن وجود قول يف كتاب ال يعني صحته وجواز العمل به ‪ ،‬وعلامء الرشيعة بذلوا‬

‫قصارى جهدهم يف حترير املذاهب واألقوال صيانة للرشيعة عن اإلفراط والتفريط ‪ ،‬وهذا اإلمام‬

‫الشايش الشافعي ألف كتابه حلية العلامء يف معرفة مذاهب الفقهاء ‪ ،‬ووصفه يف مقدمته بأنه‪:‬‬

‫( جامع ًا ألقاويل العلامء ‪ ،‬غري خارج عن مذهب من املذاهب ) ‪ ،‬فكان كتابه رمحه اهلل حاوي ًا‬

‫للمذاهب األربعة املتبعة ‪ ،‬والغرض من ذلك ‪ :‬معرفة مواضع اخلالف وعدم الترسع باإلنكار ‪،‬‬

‫وكذلك حرص ما يعمل به وعدم التعويل عىل األقاويل املوصوفة بالشذوذ التي مل حترر وختدم ‪.‬‬

‫وال شك َّ‬
‫أن عيد األضحى املبارك فيه فرحة عامة ‪ ،‬حتى للفقراء الذين ال يصل إىل بعضهم اللحم‬

‫إال يف هذا العيد ‪ ،‬وقد استكثر عليهم أكل اللحم يف يوم يف العام ! ‪.‬‬

‫قال الشاه ويل اهلل الدهلوي يف عقد اجليد(‪ (:)281‬إذا تعني االعتامد عىل أقاويل السلف ال بدَّ من‬

‫أن يكون اقواهلم التي يعتمد عليها مروية باإلسناد الصحيح أو مدونة يف كتب مشهورة‪ ،‬وأن‬

‫تكون خمدومة ‪ ،‬بأن يبني الراجح من حمتمالهتا ‪ ،‬وخيصص عمومها يف بعض املواضع ‪ ،‬ويقيد‬

‫مطلقها يف بعض املواضع ‪ ،‬وجيمع املختلف منها ‪ ،‬ويبني علل أحكامها ‪ ،‬وإال مل يصح االعتامد‬

‫عليها ‪ ،‬وليس مذهب يف هذه األزمنة املتأخرة هبذه الصفة إال هذه املذاهب األربعة )‪.‬‬

‫وقد ذكر اإلمام الشايش رمحه اهلل بأنه ال جيزئ يف األضحية إال األنعام من اإلبل والبقر والغنم مع‬

‫تفصيل فيها ‪ .‬حلية البرش(‪.)954/2‬‬


‫وجاء يف سبل السالم للصنعاين (‪ ( :)535/1‬أمجع العلامء عىل جواز التضحية من مجيع هبيمة‬

‫األنعام وإنام اختلفوا يف األفضل‪ ،‬والظاهر أن الغنم يف الضحية أفضل لفعله ‪ -‬صىل اهلل عليه‬

‫وسلم ‪ -‬وأمره وإن كان حيتمل أن ذلك ألهنا املتيرسة هلم ثم اإلمجاع عىل أنه ال جيوز التضحية بغري‬

‫هبيمة األنعام إال ما حكي عن احلسن بن صالح أهنا جتوز التضحية ببقرة الوحش عن عرشة‬

‫والظبي عن واحد وما روي عن أسامء أهنا قالت‪ :‬ضحينا مع رسول اهلل ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪-‬‬

‫باخليل وما روي عن أيب هريرة أنه ضحى بديك)‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬اجلرأة يف خمالفة اإلمجاع وما جرى العمل عليه ممن ينتسب للفقه ومتخصص فيه ‪ :‬مصيبة‬

‫عظيمة ‪ ،‬وماذا ننتظر بعد ذلك من الطلبة املبتدئني املندفعني ؟! ‪.‬‬

‫قال اإلمام التهانوي رمحه اهلل يف مقدمة إعالء السنن (‪ (:)211‬يشرتط عندنا لصحة احلديث مع‬

‫عدالة الراوي وضبطه ‪ :‬كون احلديث بحيث ال خيالف قطعي الكتاب وال السنة املشهورة ‪ ،‬وأن ال‬

‫يكون معرض ًا عنه ومرتوك العمل به يف الصدر األول ‪ ،‬وال يكون شاذ ًا يف البلوى العام ‪ ،‬بل ظاهر ًا‬

‫منترش ًا ‪ ،‬فاحفظه فإنه نافع جد ًا)‪.‬‬

‫إن الفوىض الدينية د َّبت بني املسلمني حينام فتح باب االجتهاد عىل مرصاعيه ‪،‬‬
‫واحلاصل ‪َّ :‬‬
‫وجترأ عىل الفتوى كل من قرأ شيئ ًا من العلم وما وعاه ‪،‬ثم غياب اخلشية من احلق سبحانه‬
‫وتعاىل بالقول يف رشيعته بال علم أو عن هوى ‪َّ ،‬‬
‫وإن ضبط الفتاوى الرشعية يف هذه األزمان‬

‫ال يكون إال بتقليد أحد املذاهب األربعة ‪ ،‬ثم من توفرت فيه رشوط االجتهاد ‪ ،‬وشهد له‬

‫بذلك علامء عرصه وأراد أن جيتهد ‪ ،‬فباب االجتهاد مفتوح ملن كان أه ً‬
‫ال له ‪ .‬هذا واهلل أعلم‬

‫وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫وكتبه ‪ :‬رائد بن عبد اهلل املال ـ احلنفي األحسائي يف سابع ذي احلجة ‪2999‬هـ‪.‬‬

You might also like