Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫فضل يوم عاشوراء‬

‫خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1422-1-5 /‬هـ‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يض لل فال ه ادي له ‪ ،‬وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك له ‪ ،‬وأش هد أن حمم داً‬
‫عب ده ورس وله وص فيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الن اس ش رعه ؛ فص لوات اهلل وس المه عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد عب اد اهلل ‪ :‬فأوص يكم ونفسي بتق وى اهلل ف إن من اتقى اهلل وق اه وه داه إىل ص احل أمر دينه ودني اه ‪ ,‬مث‬
‫اعلموا رمحكم اهلل أن من القصص العجيب الذي أعاده اهلل يف القرآن وثـنَّاه قصة موسى عليه السالم مع فرعون‬
‫لكوهنا مشتملة على ِحك ٍم عظيمة وعرَبٍ بالغة وعظ ات مؤثرة ‪ ,‬وفيها نب أه س بحانه مع املؤم نني والظ املني ب إعزاز‬
‫ب ْال ُمبِ ِ‬
‫ين (‪ )2‬نَ ْتلُو َعلَ ْي َ‬
‫ك ِم ْن نَبَ ِإ ُم َ‬
‫وس ى‬ ‫ات ْال ِكتَا ِ‬ ‫املس لمني ونص رهم وإذالل الك افرين وخ ذالهنم ﴿ تِ ْل َ‬
‫ك آيَ ُ‬
‫ض َو َج َع َل َأ ْهلَهَا ِشيَعًا يَ ْستَضْ ِع ُ‬
‫ف طَاِئفَ ةً ِم ْنهُ ْم‬ ‫ون (‪ِ )3‬إ َّن فِرْ َع ْو َن َعاَل فِي اَأْلرْ ِ‬ ‫َوفِرْ َع ْو َن بِ ْال َح ِّ‬
‫ق لِقَ ْو ٍم يُْؤ ِمنُ َ‬
‫ين ﴾ [القص ص‪ ]٤-2:‬وملا أراد اهلل ج ل وعال إنق اذ ه ذا‬
‫ّ‬ ‫ان ِم َن ْال ُم ْف ِس ِد َ‬
‫يُ َذبِّ ُح َأ ْبنَ ا َءهُ ْم َويَ ْس تَحْ يِي نِ َس ا َءهُ ْم ِإنَّهُ َك َ‬
‫الشعب من ظلم فرعون وطغيانه وتكربه وعدوانه أجرى سبحانه من األسباب العظيمة ما مل يشعر به فرعون وال‬
‫أولي اؤه وال أع داؤه ؛ حيث أمر س بحانه َّأم موسى عليه الس الم أن تضع ولي دها موسى يف ت ٍ‬
‫ابوت مغلق مث تلقيه‬
‫ويس لَم من كي دهم وأنه س بحانه‬
‫ريده إليها وأنه س يكرب ْ‬
‫وبش رها بأنه س ُّ‬
‫يف اليم ووع دها تب ارك وتع اىل حبفظه َّ‬
‫ين ﴾ [القصص‪ ]٧:‬ففعلت ما‬‫ْك َو َجا ِعلُوهُ ِم َن ْال ُمرْ َسلِ َ‬
‫سيجعله من املرسلني ﴿ َواَل تَ َخافِي َواَل تَحْ َزنِي ِإنَّا َرا ُّدوهُ ِإلَي ِ‬
‫ريب من فرع ون وآله ﴿‬‫ان ق ٍ‬ ‫ُأم رت به وس اق اهلل ج ل وعال ه ذا الت ابوت وبداخله موسى عليه الس الم إىل مك ٍ‬
‫ّ‬
‫ون لَهُ ْم َع ُد ًّوا َو َح َزنًا ﴾ [القص ص‪ ]٨:‬ويف ه ذا عب اد اهلل أن احلذر ال ينفع من الق در ؛ ف إن‬ ‫فَ ْالتَقَطَهُ آ ُل فِرْ َع ْو َن لِيَ ُك َ‬
‫ال ذي خ اف منه فرع ون وقتَّل أبن اء بين إس رائيل ألجله قيّض اهلل ج ّل وعال أن ينشأ يف بيته وي رتعرع حتت ي ده‬
‫وعلى نظ ره وكفالته ‪ ,‬ومن لطف اهلل مبوسى عليه الس الم وأمه أن منعه من قب ول الرض اعة من ث دي أي ام رأة ؛‬
‫ت هَ لْ َأ ُدلُّ ُك ْم‬
‫ف أخرجوه إىل الس وق لعلهم جيدون من يقبل منها الرض اع فج اءت أختُه وهو بتلك احلال ﴿فَقَالَ ْ‬
‫ُون﴾[القص ص‪ ]١٢:‬فاش تملت مقالتها على ه ذا ال رتغيب يف أهل ه ذا‬ ‫اص ح َ‬ ‫َعلَى َأ ْه ِل بَ ْي ٍ‬
‫ت يَ ْكفُلُونَهُ لَ ُك ْم َوهُ ْم لَهُ نَ ِ‬
‫وحسن الكفالة ﴿فَ َر َد ْدنَاهُ ِإلَى ُأ ِّم ِه َك ْي تَقَ َّر َع ْينُهَا َواَل تَحْ َز َن َولِتَ ْعلَ َم‬
‫ال بيت وبي ان ما هم عليه من متام احلفظ ُ‬
‫ق َولَ ِك َّن َأ ْكثَ َرهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُم َ‬
‫ون ﴾ [القص ص‪ . ]١٣:‬وملا بلغ عليه الس الم أش ّده واس توى آت اه اهلل حكما‬ ‫َأ َّن َو ْع َد هَّللا ِ َح ٌّ‬
‫وعلما ؛ حكماً يعرف به األحكام ويفصل به بني الناس ‪ ،‬وعلماً كثرياً غزيرا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مث جرت أحداث منها قتل موسى عليه السالم للقبطي ‪ ،‬وتشاور مأل فرعون مع فرعون على قتله واجتمع رأيهم‬
‫على ذلك ويبلغ موسى اخلرب فيخرج من مصر خائفاً ي رتقب ‪ ،‬ودعا اهلل ج ّل وعال ﴿ قَا َل َربِّ نَجِّ نِي ِم َن ْالقَ ْو ِم‬
‫جل وعال يف رحلته تلك بالزواج من امرأة صاحلة ‪ ،‬مث إنه سبحانه أكرمه‬ ‫الظَّالِ ِم َ‬
‫ين ﴾ [القص ص‪ ، ]٢١:‬وأكرمه اهلل ّ‬
‫ك َعلَى النَّ ِ‬
‫اس بِ ِر َس ااَل تِي‬ ‫اص طَفَ ْيتُ َ‬
‫وس ى ِإنِّي ْ‬
‫ب أعظم كرامة وحب اه ب أعظم نعمة فجعله من املرس لني ﴿ يَا ُم َ‬
‫ين ﴾ [األع راف‪ ]١٤٤:‬وأيَّده تب ارك وتع اىل ب احلجج الب اهرة وال رباهني‬
‫الش ا ِك ِر َ‬ ‫َوبِكَاَل ِمي فَ ُخ ْذ َما آتَ ْيتُ َ‬
‫ك َو ُك ْن ِم َن َّ‬
‫ب فَ َذانِ َ‬
‫ك‬ ‫ك ِم َن ال َّر ْه ِ‬ ‫اض ُم ْم ِإلَ ْي َ‬
‫ك َجنَا َح َ‬ ‫ك تَ ْخرُجْ بَ ْي َ‬
‫ضا َء ِم ْن َغ ْي ِر ُس و ٍء َو ْ‬ ‫الظ اهرة ﴿ ا ْسلُ ْك يَ َد َ‬
‫ك فِي َج ْيبِ َ‬
‫ين ﴾ [القص ص‪ ، ]٣٢:‬وي أمره تب ارك وتع اىل بالتوجه‬ ‫ك ِإلَى فِرْ َع ْو َن َو َملَِئ ِه ِإنَّهُ ْم َكانُوا قَ ْو ًما فَ ِ‬
‫اسقِ َ‬ ‫ان ِم ْن َربِّ َ‬
‫بُرْ هَانَ ِ‬
‫إىل فرع ون لدعوته وأمَره أن يق ول له ق والً ليَّنا لعلّه يت ذ ّكر أو خيشى ‪ ،‬ويطلب موسى عليه الس الم من اهلل أن‬
‫ون (‪)33‬‬ ‫اف َأ ْن يَ ْقتُلُ ِ‬ ‫ت ِم ْنهُ ْم نَ ْف ًس ا فََأ َخ ُ‬
‫يعينه على ما محَّله وأن يس ّدده فيما و َكل إليه ﴿ قَ ا َل َربِّ ِإنِّي قَتَ ْل ُ‬
‫ُون﴾[القص ص‪، ]٣٤-٣٣:‬‬ ‫اف َأ ْن يُ َك ِّذب ِ‬ ‫ُص ِّدقُنِي ِإنِّي َأ َخ ُ‬‫ص ُح ِمنِّي لِ َسانًا فََأرْ ِس ْلهُ َم ِع َي ِر ْد ًءا ي َ‬
‫ُون هُ َو َأ ْف َ‬
‫َوَأ ِخي هَار ُ‬
‫ون ِإلَ ْي ُك َما بِآيَاتِنَا َأ ْنتُ َما َو َم ِن‬ ‫ك َونَجْ َع ُل لَ ُك َما س ُْلطَانًا فَاَل يَ ِ‬
‫ص لُ َ‬ ‫ك بَِأ ِخي َ‬ ‫فأجابه اهلل فيما سأل ﴿ قَا َل َسنَ ُش ُّد َع ُ‬
‫ض َد َ‬
‫ُون﴾[القصص‪. ]٣٥:‬‬ ‫اتَّبَ َع ُك َما ْال َغالِب َ‬
‫ت‬ ‫املهمة وأداء ه ذا املطلب العظيم ﴿ ْاذهَبْ َأ ْن َ‬ ‫وي أيت األمر اإلهلي إىل موسى وأخيه عليه الس الم إلنف اذ ه ذه ّ‬
‫ك بِآيَاتِي َواَل تَنِيَا فِي ِذ ْك ِري (‪ْ )42‬اذهَبَا ِإلَى فِرْ َع ْو َن ِإنَّهُ طَ َغى (‪ )43‬فَقُواَل لَهُ قَ ْواًل لَيِّنًا لَ َعلَّهُ يَتَ َذ َّك ُر‬ ‫َوَأ ُخو َ‬
‫ط َغى (‪ )45‬قَ ا َل اَل تَ َخافَا ِإنَّنِي َم َع ُك َما َأ ْس َم ُع‬ ‫اف َأ ْن يَ ْف ُرطَ َعلَ ْينَا َأ ْو َأ ْن يَ ْ‬ ‫َأ ْو يَ ْخ َشى (‪ )44‬قَ ااَل َربَّنَا ِإنَّنَا نَ َخ ُ‬
‫ك‬ ‫ك بِآيَ ٍة ِم ْن َربِّ َ‬ ‫ك فََأرْ ِسلْ َم َعنَا بَنِي ِإ ْس َراِئي َل َواَل تُ َع ِّذ ْبهُ ْم قَ ْد ِجْئنَ ا َ‬ ‫َوَأ َرى (‪ )46‬فَْأتِيَاهُ فَقُواَل ِإنَّا َر ُسواَل َربِّ َ‬
‫ب َوتَ َولَّى ﴾ [ط ه‪ ]٤٨-٤2:‬؛ هبذا‬ ‫اب َعلَى َم ْن َك َّذ َ‬ ‫َوال َّساَل ُم َعلَى َم ِن اتَّبَ َع ْالهُ َدى (‪ِ )47‬إنَّا قَ ْد ُأ ِ‬
‫وح َي ِإلَ ْينَا َأ َّن ْال َع َذ َ‬
‫شجاعة ٍ‬
‫وقوة وثبات لتبليغ رسالة اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫بكل‬
‫جل وعال ‪ .‬ويتوجه موسى وأخوه هارون عليهما السالم ّ‬
‫أمرمها اهلل ّ‬
‫وتنفيذ أمره سبحانه‪.‬‬
‫عب اد اهلل ‪ :‬لقد أرسل اهلل موسى عليه الس الم باآلي ات العظيمة واحلجج الب اهرة إىل فرع ون ال ذي تكرّب على املأل‬
‫وق ال هلم ﴿ َأنَا َربُّ ُك ُم اَأل ْعلَى﴾ [النازع ات‪ ]٢٤:‬فج اء موسى باآلي ات البين ات ودع اه إىل توحيد رب األرض‬
‫والس موات ‪ ،‬فق ال فرع ون متك رباً وجاح دا ؛ ق ال ملوس ى‪َ ﴿ :‬و َما َربُّ ْال َعالَ ِمين ﴾ [الش عراء‪ ]٢٣:‬ف أنكر فرع ون‬
‫جحداً وعنادا الرب العظيم الذي قامت بأمره األرض والسموات وكان له آية يف كل شيء من املخلوقات ‪،‬‬
‫عراء‪ ]٢٤:‬ففي الس موات‬ ‫[الش‬ ‫ين ﴾‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض َو َما بَ ْينَهُ َما ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُم وقِنِ َ‬ ‫فأجابه موسى هو ‪َ ﴿ :‬ربُّ َّ‬
‫الس َما َوا ِ‬
‫واألرض وما بينهما من اآليات ما يوجب اإليقان للموقنني ‪ ،‬فقال فرعون ملن حوله ساخراً ومستهزًئا مبوسى‪:‬‬
‫ذكره موسى بأص له وأنه خمل وق من الع دم وص ائر إىل الع دم كما ِ‬
‫عُدم آب اؤه‬ ‫﴿ َأاَل تَ ْستَ ِمع َ‬
‫ُون ﴾ [الش عراء‪ ]٢٥:‬ف َّ‬
‫ٌ‬

‫‪2‬‬
‫فادعى دعوى الكافر‬
‫ت فرعون َّ‬ ‫األولون فقال موسى هو ﴿ َربُّ ُك ْم َو َربُّ آبَاِئ ُك ُم اَأْل َّولِ َ‬
‫ين ﴾ [الش عراء‪ ]٢٦:‬وحينئذ هُب َ‬
‫ون ﴾ [الش عراء‪ ]٢٧:‬؛ فطعن بالرسول ِ‬
‫واملرس ل ‪ ،‬فرد موسى‬ ‫املغبون فقال‪ِ ﴿ :‬إ َّن َرسُولَ ُك ُم الَّ ِذي ُأرْ ِس َل ِإلَ ْي ُك ْم لَ َمجْ نُ ٌ‬
‫ق َو ْال َم ْغ ِر ِ‬
‫ب َو َما بَ ْينَهُ َما ِإ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫عليه ذلك وبنَّي له أن اجلن ون حق اً إمنا هو إنك ار اخلالق فق ال‪َ ﴿ :‬ربُّ ْال َم ْش ِر ِ‬
‫رد احلق جلأ إىل ما جلأ إليه الع اجزون املتك ربون من اإلره اب‬ ‫تَ ْعقِلُ َ‬
‫ون ﴾ [الش عراء‪ ، ]٢٨:‬فلما عجز فرع ون عن ّ‬
‫ين ﴾‬ ‫ك ِم َن ْال َم ْس جُونِ َ‬ ‫ت ِإلَهًا َغ ْي ِري َأَلجْ َعلَنَّ َ‬‫والس جن وخ اب ؛ فق ال‪﴿ :‬لَِئ ِن اتَّ َخ ْذ َ‬ ‫فتوعد موسى باالعتق ال َّ‬ ‫ّ‬
‫وربَاطة قلب ي أيت باآلي ات كالش مس وفرع ون حياول بكل‬ ‫ٍ‬
‫[الش عراء‪ ]٢٩:‬وما زال موسى عليه الس الم بكل ثب ات َ‬
‫ص َر َوهَ ِذ ِه‬ ‫ك ِم ْ‬ ‫ْس لِي ُم ْل ُ‬ ‫الرد والطمس حىت ق ال لقومه ‪ ﴿ :‬قَا َل يَا قَ ْو ِم َألَي َ‬ ‫َجه ده ودعاياته أن يقضي عليها ب ّ‬
‫ين ﴾ يقصد موسى عليه‬ ‫ُون (‪َ )51‬أ ْم َأنَا َخ ْي ٌر ِم ْن هَ َذا الَّ ِذي هُ َو َم ِه ٌ‬ ‫ْص ر َ‬‫اَأْل ْنهَ ا ُر تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِي َأفَاَل تُب ِ‬
‫ب َأ ْو‬‫ين (‪ )52‬فَلَ ْواَل ُأ ْلقِ َي َعلَ ْي ِه َأ ْس ِو َرةٌ ِم ْن َذهَ ٍ‬ ‫الس الم ﴿ َأ ْم َأنَا َخ ْي ٌر ِم ْن هَ َذا الَّ ِذي هُ َو َم ِه ٌ‬
‫ين َواَل يَ َك ا ُد يُبِ ُ‬
‫آس فُونَا‬
‫ين (‪ )54‬فَلَ َّما َ‬ ‫ف قَ ْو َم هُ فََأطَ ا ُعوهُ ِإنَّهُ ْم َك انُوا قَ ْو ًما فَ ِ‬
‫اس قِ َ‬ ‫اس تَ َخ َّ‬ ‫ين (‪ )53‬فَ ْ‬ ‫َجا َء َم َعهُ ْال َماَل ِئ َكةُ ُم ْقتَ ِرنِ َ‬
‫ين ﴾ [الزخرف‪]٥6–٥١:‬‬ ‫ين (‪ )55‬فَ َج َع ْلنَاهُ ْم َسلَفًا َو َمثَاًل لِآْل ِخ ِر َ‬‫ا ْنتَقَ ْمنَا ِم ْنهُ ْم فََأ ْغ َر ْقنَاهُ ْم َأجْ َم ِع َ‬

‫ري بقومه ليالً من‬ ‫عب اد اهلل ‪ :‬وك ان من قصة إغ راقهم أن اهلل جل وعال أوحى إىل موسى عليه الس الم أن يس َ‬
‫فاهتم لذلك فرعون اهتماماً عظيما فأرسل يف مجيع مدائن مصر أن حُي َش ر الناس للوصول إليه ألم ٍر يريده ‪،‬‬ ‫مصر ّ‬
‫فجمع فرع ون قومه وخرج وا يف إثْر موسى متجهني إىل جهة البحر األمحر ﴿ فَلَ َّما تَ َرا َءى ْال َج ْم َع ِ‬
‫ان قَ ا َل‬
‫َأصْ َحابُ ُمو َسى ِإنَّا لَ ُم ْد َر ُك َ‬
‫ون ﴾ [الش عراء‪ ]٦١:‬؛ البحر من أمامنا ف إن خض ناه غرقنا ‪ ،‬وفرع ون وقومه خلفنا ف إن‬

‫وقفنا أدر َكنا فق ال موسى عليه الس الم‪َ ﴿ :‬كاَّل ِإ َّن َم ِع َي َربِّي َسيَ ْه ِد ِ‬
‫ين ﴾ [الش عراء‪ ، ]٦٢:‬فلما بلغ موسى البح َر‬
‫أم ره اهلل أن يض ربه بعص اه ‪ ،‬فض ربه ف انفلق البح ُر اثين عشر طريقا وص ار املاء الس يَّال بني ه ذه الط رق ك أطواد‬
‫البحر أن يعود إىل‬
‫جل وعال َ‬ ‫اجلبال ‪ ،‬فلما تكامل موسى وقومه خارجني وتكامل فرعون جبنوده داخلني أمر اهلل ّ‬
‫حاله ؛ فانطبق على فرعون وجنوده فكانوا من املغرقني ‪.‬‬
‫عب اد اهلل ‪ :‬ت أملوا ه ذه القصة العجيبة وما فيها من العرب البالغة كيف ك ان فرع ون يقتل أبن اء بين إس رائيل خوف اً‬
‫من موسى ف رتىب موسى يف بيته حتت ِح ْجر امرأته ‪ ،‬وكيف قابل موسى ه ذا اجلب ار العنيد مص ِّرحاً معلن اً ب احلق‬
‫جل وعال منه ‪.‬‬ ‫هاتفاً بالتوحيد ؛ أال إن ربكم اهلل رب العاملني ‪ ،‬صدع باحلق أمام هذا الطاغية فأجناه اهلل ّ‬
‫الطريق يبسا ال َو َحل فيه‬
‫ُ‬ ‫وتأملوا كيف كان املاء السيال شيئا جامداً كاجلبال بقدرة اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬وكان‬
‫ّ‬
‫وحتول إىل ذلك يف احلال ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وتأملوا كيف أهلك اهلل هذا اجلبار العنيد مبثل ما كان يفتخر به ؛ فقد كان يفتخر على قومه باألهنار اليت جتري‬
‫جل وعال باملاء ‪ ،‬وال شك أن ظهور اآليات يف املخلوقات نعمة كربى يستحق الرب‬ ‫من حتته فأهلكه اهلل ّ‬
‫العظيم احلمد والشكر عليها خصوصا إذا كانت يف نصر أولياء اهلل وحزبه ودحر أعداء اهلل وحزبه ‪ ,‬ولذلك ‪-‬‬
‫قدم النيب صلى اهلل عليه وسلم املدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر حمرم ويقولون‬ ‫عباد اهلل ‪ -‬ملا ِ‬
‫يوم جنّى اهلل فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى شكرا ‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫إنه ٌ‬
‫صيَ ِام ِه )) ‪ ،‬وملا ُسئل صلى اهلل عليه وسلم عن‬
‫((حَنْن َأح ُّق مِب ُوسى ِمْن ُكم فَصامه صلَّى اللَّه علَي ِه وسلَّم وَأمر بِ ِ‬
‫ُ َ ْ َ َ َ َ ََ‬ ‫ْ َ َُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ب َعلَى اللَّ ِه َأ ْن يُ َكفَِّر َّ‬
‫السنَةَ الَّيِت َقْبلَهُ )) ؛ فينبغي عباد اهلل علينا أن حنافظ على صيام هذا‬ ‫صيامه قال ‪ِ (( :‬‬
‫َأحتَس ُ‬
‫ْ‬
‫اليوم – اليوم العاشر من شهر اهلل احملرم ‪ -‬وكذلك نصوم اليوم الذي قبله اليوم التاسع ؛ وذلك لتحصل املخالفة‬
‫‪ -‬خمالفة اليهود‪ -‬اليت أمر هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫جل وعال أن‬
‫جل وعال أن يوزعنا وإياكم شكر نعمه ‪ ،‬وأن يعيننا وإياكم على طاعته ‪ ،‬ونسأله ّ‬ ‫هذا ونسأل اهلل ّ‬
‫ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه حممد صلى اهلل عليه وسلم وعباده املؤمنني ‪.‬‬
‫أق ول ه ذا الق ول وأس تغفر اهلل يل ولكم ولس ائر املس لمني من كل ذنب فاس تغفروه يغفر لكم إنه هو الغف ور‬
‫الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية ‪:‬‬


‫احلمد اهلل عظيم اإلحس ان واسع الفضل واجلود واالمتن ان ‪ ،‬وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك له ‪،‬‬
‫وأشهد أن حممداً عبده ورسوله ؛ صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني وسلم تسليماً كثريا ‪.‬‬
‫أما بعد عباد اهلل ‪ :‬فاتقوا اهلل تعاىل وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه ‪ ,‬مث اعلموا رعاكم اهلل‬
‫السعادة ونيل رضا الرب تبارك وتعاىل واملسابقة يف مرضاته وحتري‬ ‫حريص يف هذه احلياة على أسباب ّ‬‫ٌ‬ ‫أن املؤمن‬
‫كل أمر يق رب منه س بحانه ‪ ،‬واهلل ج ّل وعال جعل هلم يف حي اهتم مواسم مباركة يتن افس فيها املتنافس ون ويقبِل‬
‫جل وعال ‪.‬‬
‫عليها اجمل ّدون احلريصون على التقرب إىل اهلل ّ‬
‫عباد اهلل ‪ :‬وإن يوم العاشر من احملرم يوم عظيم مر معنا شيء يتعلق بقصته وما ينبغي أن يكون عليه املسلم من‬
‫شكر اهلل عز وجل فيه ؛ وذلك بالصيام كما فعل الرسول الكرمي عليه الصالة والسالم ‪ ,‬فينبغي علينا ‪ -‬عباد اهلل‬
‫‪ -‬أن حنرص على ص يام الي وم العاشر من حمرم وأن نص وم يوم اً قبله تأس ياً ب النيب الك رمي عليه الص الة والس الم‬
‫وطلب اً لتحص يل الث واب ال ذي أع ده اهلل ج ّل وعال ملن ص ام ذلك الي وم ‪ ،‬وقد مر معنا ق ول النيب ص لى اهلل عليه‬
‫ب َعلَى اللَّ ِه َأ ْن يُ َكفَِّر َّ‬
‫السنَةَ الَّيِت َقْبلَهُ )) ‪.‬‬ ‫وسلم (( ِ‬
‫َأحتَس ُ‬
‫ْ‬
‫‪4‬‬
‫وم واحد يكفر س نة كاملة !! واملراد مبا يكف ره ص يام ي وم عاش وراء يف الس نة الكاملة ‪ :‬هو‬ ‫عب اد اهلل ‪ :‬ص يام ي ٍ‬
‫الص غائر دون الكب ائر ‪ ،‬أما الكب ائر ‪ -‬عب اد اهلل ‪ -‬فال يكفِّرها إال التوبة إىل اهلل ج ّل وعال ‪ .‬فعلينا عب اد اهلل أن‬
‫نقبل على اهلل ج ّل وعال ت ائبني مني بني مس تغفرين من كل ذنب وخطيئة ‪ ،‬وأن حنرص على املواسم املباركة اليت‬
‫يتنافس فيها املتنافسون ويقبِل فيها اجمل ّدون على طاعة اهلل جل وعال وابتغاء مرضاته ‪ .‬والكيس عباد اهلل من دان‬
‫نفسه وعمل ملا بعد املوت ‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها ومتىن على اهلل األماين ‪.‬‬
‫وص لوا وس لموا رمحكم اهلل على حممد بن عبد اهلل كما أم ركم اهلل ب ذلك يف كتابه فق ال‪ِ ﴿ :‬إ َّن هَّللا َ َو َماَل ِئ َكتَهُ‬
‫صلُّوا َعلَ ْي ِه َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيما ً ﴾ [األح زاب‪ ، ]٥٦:‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ون َعلَى النَّبِ ِّي يَا َأيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا َ‬ ‫صلُّ َ‬
‫يُ َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه هِبَا َع ْشًرا)) ‪.‬‬ ‫صلَّى َعلَ َّي َ‬
‫صالةً َ‬ ‫‪َ (( :‬م ْن َ‬
‫اللهم صل على حممد وعلى آل حممد كما ص ليت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم إنك محيد جميد ‪ ،‬وب ارك على‬
‫حممد وعلى آل حممد كما ب اركت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم إنك محيد جميد ‪ ،‬وارض اللهم عن اخللف اء‬
‫الراش دين األئمة امله ديني ؛ أيب بكر الص ديق ‪ ،‬وعمر الف اروق ‪ ،‬وعثم ان ذي الن ورين ‪ ،‬وأيب الس بطني علي ‪،‬‬
‫وارض اللهم عن الص حابة أمجعني ‪ ،‬ومن اتبعهم بإحس ان إيل ي وم ال دين ‪ ،‬وعنا معهم مبنك وكرمك وإحس انك‬
‫يا أكرم األكرمني ‪.‬‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واحم حوزة الدين يا رب العاملني‬ ‫اللهم أعز اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬وأذل الشرك واملشركني ‪ّ ،‬‬
‫‪ ,‬اللهم انصر دينك وكتابك وس نة نبيك حممد ص لى اهلل عليه وس لم وعب ادك املؤم نني ‪ ,‬اللهم آمنا يف أوطاننا‬
‫وأص لح أئمتنا ووالة أمورنا واجعل واليتنا فيمن خافك واتق اك واتبع رض اك يا رب الع املني ‪ ,‬اللهم وفق ويل‬
‫أمرنا ملا حتبه وترضى وأعنه على الرب والتق وى وس دده يف أقواله وأعماله يا ذا اجلالل واإلك رام ‪ .‬اللهم وفق والة‬
‫أمر املسلمني للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫اللهم آت نفوس نا تقواها ‪ ،‬زكها أنت خري من زكاها أنت وليها وموالها ‪ ,‬اللهم أص لح لنا ديننا ال ذي هو‬
‫عصمة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا اليت فيها معاشنا ‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا اليت فيها معادنا ‪ ،‬واجعل احلياة زيادة لنا يف‬
‫كل خري واملوت راحة لنا من كل شر ‪ ,‬اللهم اغفر لنا ذنبه كله دقه وجلّه أوله وآخره سره وعلنه ‪ ,‬اللهم اغفر‬
‫لنا ما ق دمنا وما أخرنا وما أس ررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت املق دم وأنت املؤخر ال إله إال أنت ‪,‬‬
‫اللهم اغفر ذن وب املذنبني وتب على الت ائبني يا حي يا قي وم يا ذا اجلالل واإلك رام ‪ ,‬اللهم اغفر لنا ولوال دينا‬
‫وللمس لمني وللمس لمات واملؤم نني واملؤمن ات األحي اء منهم واألم وات ‪ ,‬اللهم إنا نس ألك من اخلري كله عاجله‬
‫وآجله ما علِمنا منه وما مل نعلم‪ ،‬ونع وذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما مل نعلم ‪ ,‬اللهم إنا‬
‫نع وذ بك من العجز ومن الكسل ومن اهلرم وس وء الكرب يا حي يا قي وم يا ذا اجلالل واإلك رام ‪ ,‬ربنا إنا ظلمنا‬

‫‪5‬‬
‫أنفس نا وإن مل تغفر لنا وترمحنا لنك ونن من اخلاس رين ‪ .‬ربنا آتنا يف ال دنيا حس نة ويف اآلخ رة حس نة وقنا ع ذاب‬
‫النار ‪.‬‬
‫عباد اهلل ‪ :‬اذكروا اهلل يذكركم ‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم ‪َ  ،‬ولَ ِذ ْك ُر هَّللا ِ َأ ْكبَ ُر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َما تَصْ نَع َ‬
‫ُون‪. ‬‬

‫‪6‬‬

You might also like