في خضم المعركة

‫د‪ .
‬عبد اهلل عزام‬ ‫مختصر كتاب يف خضم املعركة‬ ‫” (‪)٣‬‬ ‫كتاب مجلة “‬
‫” سبتمبر ‪2018 -‬‬ ‫هدية العدد (‪ )1٤‬من مجلة “‬
‫مختصر كتاب‬
‫في خضم المعركة‬
‫‪1‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل عزام‬
‫كتيب العدد الرابع عشر‪ ،‬سبتمبر ‪2018‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل عزام‬ ‫مختصر كتاب يف خضم املعركة‬
‫هذه السلسلة‬
‫‪.‬‬ ‫بسم اهلل والحمد هلل والصالة والسالم ىلع رسول اهلل‬
‫لو أفنى اإلنسان عمره يف قراءة ما تكتبه األقالم لم يبلغ أن ينهي منها إال قدرًا ضئي ً‬
‫ال‪،‬‬
‫فالعقول ال تتوقف عن اإلنتاج واملطابع ال تتوقف عن الهدير‪ ،‬ويف عصرنا هذا كاد الناس‬
‫كلهم أن يكونوا أصحاب أقالم ولهم كتابات‪ ،‬فما عليك إال أن يكون لك حساب ىلع موقع‬
‫تواصل اجتماعي فيكون قد صار لك منبر عام تكتب فيه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قليل من السمين‪ ،‬فأودية العقول كثيرة ونتاج الفالسفة كغابة‬ ‫ِّ‬
‫الغث‬ ‫ومن بين الكثير من‬
‫ضخمة متشابكة‪ ..‬فالعلم النافع بالنسبة لبحور األفكار كالدرر واليواقيت يف أعماق البحار‪.‬‬
‫والعلم الذي تحتاجه أمة مهزومة مستضعفة تريد أن تنهض ليس كالعلم الذي تحتاجه‬
‫األمم يف حال رفاهيتها ورخائها‪ ..‬فإن أمتنا أحوج إلى فهم الدين الصايف الواضح كما نزل‬
‫ىلع محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهي بحاجة إلى فهم الواقع املعاصر ل ُت ِ‬
‫حسن إصالحه‬
‫بما لديها من الدين‪ ،‬وتحتاج إلى علوم النهوض وبناء األمم أكثر من حاجتها إلى علوم الترف‬
‫والزينة والزخارف‪ .‬ويف طليعة علوم النهوض‪ :‬فهم الدين والسياسة والتاريخ والعلوم األمنية‬
‫والعسكرية‪ ..‬فاملكتوب يف هذه األبواب أولى بالعناية واالطالع والدراسة من غيره‪.‬‬
‫” بفكرة أن نقدم مع كل عدد كتابًا كهدية‪ ،‬ونحن‬ ‫وقد أنعم اهلل علينا يف “‬
‫بين أن نستخرجه من كتاب مهم‪ ،‬أو أن يكون تلخيصًا لكتاب مهم‪ ،‬أو أن يكون ترجمة لتقرير‬
‫نقدر أهمية االطالع عليه‪.‬‬
‫مهم‪ ..‬وهكذا‪ ،‬نختاره بحسب ما ِّ‬
‫ونرجو أن يعيننا القراء الكرام بترشيحاتهم ومجهوداتهم‪ ،‬فالباب مفتوح لكل مجهود‪..‬‬
‫نسأل اهلل أن يكون علما نافعا وعمال صالحا خالصا لوجهه الكريم‬
‫مجلة‬
‫‪3‬‬
‫أعمدة الجهاد‬
‫إن صالح الدنيا والدين قائم ىلع الجهاد‪ ،‬بل إن الشعائر ودور العبادة قائمة ىلع الجهاد‪:‬‬
‫(ولوال دفع اهلل الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اهلل‬
‫كثي ًرا)‪.‬‬
‫والجهاد قائم ىلع أعمدة أهمها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العزة‬
‫ثان ًيا‪ :‬الصبر‬
‫إلى املتثاقلين عن الجهاد‬
‫إن النفرة للجهاد يف سبيل اهلل انطالق من قيد األرض‪ ،‬وارتفاع ىلع ثقلة اللحم والدم‪ ،‬وتحقيق‬
‫للمعنى العلوي يف اإلنسان‪ ،‬وتطلع إلى الخلود املمتد يف اآلخرة‪ ،‬وخالص من الفناء املحدود‪.‬‬
‫شرعا‪ ،‬وغلبتك شهواتك وأصررت ىلع القعود فال تقصر كذلك بالجهاد‬
‫ً‬ ‫أما إن لم تكن معذوًرا‬
‫بمالك‪ ،‬فقد روى مسلم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال للقاعدين‪( :‬أيكم خلف الخارج يف‬
‫أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج)‪.‬‬
‫ولكن إثم القعود ال يسقط عنك بذلك بال شك‪ ،‬إال إذا تبت وبادرت إلى الجهاد‪..‬‬
‫الغرباء‬
‫قسم اإلسالم الناس قسمين‪:‬‬

‫أهل الدنيا‪ ،‬وهــؤالء عبيدها محرومـــون من االرتقاء إلى املعالي‪ ،‬يعيشون غارقين يف‬
‫مستنقع الدنيا‪.‬‬
‫ومقابل هذه الصورة‪ ،‬حملة املبادئ الذين غابت مالمح وجوههم وراء املعركة‪ ،‬فشعرهم أشعث‬
‫أغبر‪ ،‬لباسهم أسمال بالية‪ ،‬حفاة األقدام‪ ،‬خمص البطون‪ ،‬ال ينظرون إلى الدنيا‪ ،‬واليتعلقون بحطامها‪،‬‬
‫همهم كله نصرة هذا الدين‪.‬‬
‫كراما‬
‫هؤالء هم بناة األمم‪ ،‬هم صانعو األمجاد‪ ،‬هم حماة البالد‪ ،‬رفعوا اللواء ومضوا إلى ربهم أعزة ً‬
‫فاستبقوا الخيرات‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫يا معشر الشباب‪ ،‬إن لم تعبدوا اهلل اليوم فمتى تعبدون؟ وإن لم تجاهدوا اآلن فماذا تنتظرون؟‬
‫أال تنتظرون ً‬
‫مرضا أو صدمة أو مو ًتا؟‬
‫هل آثرت العيش تحت لذع السياط أنفاسك مكتومة‪ ،‬نبضاتك معدودة وحركاتك مرصودة؟ قد ال‬
‫ً‬
‫خوفا من الذين يكادون يزلقونك بأبصارهم‪.‬‬ ‫تستطيع أن تؤدي الجماعة يف املسجد‬
‫أيها اإلخوة‪( :‬سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات واألرض‪.)...‬‬
‫العذاب العذب‬
‫من خالل نظرتي يف هذا الدين وتمرسي بشعائره وعباداته وجدت أن أشق عبادة ىلع النفوس‬
‫هي الجهاد‪ ،‬ولذا كانت قمة سنام اإلسالم‪ ،‬ولم يكن مصادفة عابرة هذا الثواب الجزيل الذي رتبه اهلل‬
‫للمجاهدين‪.‬‬
‫ووجدت أن أصعب شيء يف الجهاد هو انتظاره واملرابطة النتظار املعركة أصعب من املعركة‬
‫ذاتها‪ ،‬والذي يعيش بين املجاهدين يدرك هذه الحقيقة خاصة بين الذين يفدون إلى الجهاد من‬
‫بعيد يتركون زينة الحياة الدنيا‪ ،‬ويعود الشيطان ليسول له الرجوع إلى دنياه التي تركها‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يدخل له إال من مدخل املصلحة‪.‬‬
‫وال يدخل له مباشرة من باب ترك الجهاد‪ ،‬بل من باب أن الحي الذي تركته ضاع أبناؤه‪ ،‬واملسجد‬
‫الذي غادرته قل عماره‪ ،‬واألسرة التي انتزعت نفسك منها تمزقت‪.‬‬
‫ومن مبررات العودة‪:‬‬

‫وتزداد الحيرة مع حواجز اللغة وبعض العادات وشظف الحياة ووعورة املسالك‪ ،‬ووحشة السبيل‪.‬‬
‫وكلما كثر أبناء اللغة الواحدة أو األرض الواحدة مع اإليمان الصادق قلت الحيرة‪ ،‬وزالت نار التردد‪.‬‬
‫وإذا غاب الهدف الكبير الذي جاء من أجله املجاهد وضاعت معالم الطريق الذي يسير عليه فمن‬
‫الصعب أن تقنعه بالبقاء أو االستمرار‪.‬‬
‫أقول‪:‬‬
‫إن الصبر ىلع مرارة الطريق البد أن ترافقها تذوق حالوة عبادة الجهاد‪ ،‬وال تتم الحالوة إال‬
‫بأن يدرك املجاهد هدفه‪ ،‬ويضع نصب عينيه غايته‪ ،‬فال بد أن يستقر يف أعماقه‪:‬‬
‫قاصدا)‪ ،‬إنما الجهاد رحلة العمر املرافقة للحياة‪ ،‬فال‬
‫ً‬ ‫(‪ )1‬أن الجهاد ليس (عرضا قري ًبا وال سف ًرا‬
‫‪6‬‬
‫كتيب العدد الثالث عشر‪ ،‬يوليه ‪2018‬‬
‫ينتهي الجهاد ما دامت العروق تنبض بالدماء‪.‬‬

‫(‪ )2‬أن الغرض األسمى للجهاد هو الثواب‪ ،‬والصفقة بين العبد وربه تمت ىلع ه‪-‬ذا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن النصر يف املعارك التي تهفو إليه النفوس يقلل األجر‪.‬‬
‫(‪ )4‬مقارنة الدنيا بحطامها ومتاعها باآلخرة ونعيمها حتى تبقى الدنيا زهيدة صغيرة يف عين‬
‫املجاهد‪.‬‬
‫الجهاد والصيف‬
‫إن املعارك يف الشتاء تكلف املجاهدين مشقة وعن ًتا بالغين؛ إذ إن خروج املجاهد من قاعدته‬
‫متجمدا يف الثلوج‪ ،‬وقد حدث هذا للكثيرين‪ ،‬أو تقطع أصابعه‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫يعني أحد أمرين‪ :‬إما أن يموت‬
‫تجمد أقدامه‪ ،‬أو يؤخذ أسي ًرا‪.‬‬
‫لقد أكرمنا اهلل يف السنوات السابقة أنه يف كل صيف ترتفع خسائر الكفار سنة بعد أخرى؛ ففي‬
‫هذا الصيف نحن ننتظر رحمة اهلل ونصره‪ ،‬وأن تكون خسائر الروس أضعاف مضاعفة عما شاهدناه‬
‫يف العام املاضي‪.‬‬
‫واملسلمون بطبيعتهم قد يعذرهم بعض الناس لعدم شهودهم ساح النزال بسبب انشغالهم‬
‫بأعمالهم خالل العام‪ ،‬ولكن ال يمكن أن يعذرهم أحد إذا أخذوا أجازتهم الصيفية خاصة املدرسين‬
‫والطالب من أن يسيحوا يف األرض سياحة أشرف الخلق صلى اهلل عليه وسلم بالجهاد بدل أن‬
‫يقضوها ىلع شواطئ البحار‪ ،‬أو يف أعماق الغرب أو الشرق يبحثون عن الهواء العليل والنسمة‬
‫املروحة‪ ،‬فهيا إلى جبال الهندوكش هنا مصايف ال نظير لها‪ ،‬احفظوا نقودكم يف جيوبكم‪ ،‬وافتحوا‬
‫صبا‪.‬‬
‫صحائف أعمالكم؛ لتصب عليها الحسنات ًّ‬
‫لقد طوفت يف مخيلتي ألرى الشباب الطيب يف العالم اإلسالمي قد توقف عن بذل الدماء‪..‬‬
‫ورأيت شجرة دعوته تكاد تذوي مصفرة العروق شاحبة األغصان يابسة األوراق قد فقدت نضارتها؛‬
‫ألن ماء حياتها قد انقطع عنها‪ ،‬وهو دم الشباب وعرقهم وأشالؤهم‬
‫يا شباب اإلسالم‪ :‬من يحمي األعراض من االنتهاك؟ من يحمي األطفال من الذبح؟ من يكفكف‬
‫دموع الثكالى؟ من يهدهد آالم األرامل واأليتام؟‬
‫‪7‬‬
‫مسؤولية العرب أمام اهلل‬
‫إن لكل أمة ميزة قدمتها إلى صفحات التاريخ وحفظت لها مكانتها يف التراث الذي قدمته‬
‫البشرية ىلع مر عصورها‪.‬‬
‫والعرب من بين األمم التي خلدت وتسلمت قيادة البشرية فترة‪ ،‬وإن كانت ال زالت تملك الكثير الذي‬
‫تستطيع أن تقدمه للمائدة اإلنسانية مما يؤهلها مرة أخرى الستالم زمام الركب البشري وقيادته‪.‬‬
‫ولقد كان العرب مادة هذا الدين وخامته األساسية‪ ،‬وكانوا صفوة األمة اإلسالمية‪ ،‬ومحور قيادتها‪.‬‬
‫وأنا أحدث عن مكانة العربي املسلم يف نفوس املسلمين غير العرب مما رأيت وسمعت‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الطالب يف جامعة الجهاد والدعوة (وهم من أبناء املجاهدين واملهاجرين األفغان)‬
‫يطلبون مني أن أحدثهم عن فلسطين وعن الحركة اإلسالمية يف مصر والعالم العربي‪.‬‬
‫‪ -2‬املجاهدون األفغان يقولون‪ :‬اللهم ارزقنا الجهاد يف أفغانستان‪ ،‬وارزقنا الجهاد واالستشهاد‬
‫فوق أرض بيت املقدس‪.‬‬
‫‪ -3‬كثي ًرا ما كنت أحدث املجاهدين األفغان عن الجهاد فيصغون فإذا ذكرت فلسطين فاضت‬
‫أعينهم بالدموع‪.‬‬
‫البد للعرب أن يحاولوا إعادة دورهم هذا‪ ،‬وأن يتحملوا تكاليف املسؤولية‪ ،‬وأن يعرفوا تبعات هذه‬
‫الطريق‪.‬‬
‫واآلن استطاعت أجهزة اإلعالم الشيوعية واليسارية يف العالم العربي أن تلبس قضية الجهاد‬
‫األفغاني وتظهرها بمظهر املنافس للقضية الفلسطينية‪ ،‬وبدأت بعض األصوات ترتفع بالنكير‬
‫ىلع كل من نادى بدعم الجهاد األفغاني‪ ،‬بل لقد أعرب بعض أبناء جلدتنا من فلسطين‪ ،‬قالوا‪ :‬إن‬
‫قضية أفغانستان أثارتها املاسونية العاملية لطمس القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫فإذا كانت الشيوعية العاملية ترمي الشعب األفغاني عن قوس واحدة‪ ،‬وترمي اليمن الجنوبي‬
‫والهند والدول الشرقية بأبنائها يف املحرقة الشيوعية يف أفغانستان لتثبت تضامنها مع‬
‫الشيوعية الدولية‪ ...‬فهل يحرم بعد هذا أن تنادى بعض املسلمين لدعم الجهاد األفغاني بالنفس‬
‫واملال؟‬
‫‪8‬‬
‫كيف صبروا‬
‫كيف يصبر هؤالء املجاهدون يف هذه السنوات السبع العجاف‪ ،‬لقد فقدوا كل شيء يف‬
‫هذه الدنيا؟‬
‫همم عالية‪..‬‬
‫تركوا األرض العزيزة التي عليها دبوا ونبتوا‪ ،‬فما وهنوا وال استكانوا‪ ،‬فقدوا األم التي أغدقت عليهم‬
‫ميتما؛ ففيه األرامل واملشوهون‬
‫ً‬ ‫من حنانها حتى شبوا ىلع أقدامهم‪ ،‬تحول البيت الذي يقطنون‬
‫والعجزة‪ ،‬والبيت ال يتعدى خيمة تضرب الريح يف أرجائها وتقتلع أطنابها‪ ،‬وبعد هذا كله فمسيرة‬
‫الجهاد مستمرة والنفسيات عالية والهمم مرتفعة‪ ،‬ولم يذل هذه الهامات استمرار املحن وتوالي‬
‫املصائب‪.‬‬
‫ومقابل هذا جنود الروس تحميهم األساطيل البرية والجوية وطعامهم خاص يعيشون يف‬
‫معسكرات مدججة بأحدث األسلحة وما ابتكره العقل البشري من أسلحة وأجهزة‪.‬‬
‫خواء اإللحاد‪:‬‬
‫ومـع هذا كله يعيشـون يف فزع رهيب ورعب عجيب‪ ،‬فروسيــا تضطر لتغيير قواتها داخل‬
‫أفغانستان كل ستة أشهر إلى سنة‪.‬‬
‫قارنت يف نفسي بين هذه النفسيات املهزومة يف أعماقها املضطربة يف حياتها وأعصابها‬
‫عزما ومضاء‪.‬‬
‫وبين املجاهد الذي فقد كل شيء‪ ،‬ومع ذلك فهمته كالسيف ً‬
‫عندها جاء الجواب‪ :‬إنه اإليمان باهلل الذي غرس األخالق اإلسالمية الرفيعة يف نفوس هؤالء‪،‬‬
‫وىلع رأس قائمة هذه األخالق الصبر والشجاعة والعزة والكرم والكرامة‪.‬‬
‫أسدا ً‬
‫رابضا يف عرينه ال يستباح حماه‪ ،‬وال يقتحم بيته‪.‬‬ ‫إن كل واحد منهم يمثل ً‬
‫معدن صقله اإلسالم‬

‫لقد صقل اإلسالم معدن الشعب األفغاني‪ :‬فأصبح الوفاء لهم سجية‪ ،‬والشجاعة صبغة‪ ،‬والعزة لهم‬
‫ً‬
‫خلقا‪ ،‬والنخوة لهم أرومة‪ ،‬وأصبح الزهد ديدنهم‪ ،‬والرجولة عنوانهم‪ ،‬والغيرة‬ ‫طبعا‪ ،‬والحياء لهم‬
‫ً‬
‫سمتهم‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫صفات أصيلة‪:‬‬
‫إن الصفات اإلسالمية هي التي أهلت هذا الشعب اإلسالمي الكريم العريق يف أصالته أن يخوض‬
‫هذه املعركة الطويلة املدى‪.‬‬
‫وإن النفس البشرية ال تكاد تصدق ما يتحمله اإلسالم فوق أرض أفغانستان‪ ،‬ولكنه الصبر الذي‬
‫يلقيه اهلل يف القلوب بقدر البالء الذي يتصبب عليها من السماء‪.‬‬
‫إن الصبر بحد ذاته كرامة كبرى تدل أن يد الرحمن هي التي ترعى هذا الجهاد‪ ،‬وأن عين الديان‬
‫هي التي تحرس القتال املبارك‪.‬‬
‫وقفوهم إنهم مسؤولون‬
‫إن هلل تعالى قوانين ونواميس تسير حسبها الحياة االجتماعية واألجيال عبر تاريخ البشرية‪.‬‬
‫هذه القوانين ال تحيد اإلنسانية عنها‪ ،‬ومهما حاولت مصادمتها فإنها ال محالة فاشلة خاسرة‪،‬‬
‫واإلنسان هو الذي يدفع الثمن؛ ألنه هو املتحطم يف النهاية؛ ألنه يحاول أن يصطدم بهذه القوانين‬
‫ًّ‬
‫ظنا أنه يستطيع أن يوقف عجلة الكون الدائرة بإذن اهلل‪.‬‬
‫ولذا فإن كل املناهج البشرية التي وضعت مللء فراغ اإلنسان وحل عقدته قد باءت بالفشل‬
‫الذريع‪ ،‬من رأسمالية إلى اشتراكية وشيوعية وقومية‪.‬‬
‫ومن هذه القوانين‪ :‬قانون الدفع ‪( ‬الصراع) بين الحق والباطل‪ :‬هذا قانون ال يمكن أن يتخلف يف‬
‫حياة البشرية‪ ،‬فالدفع بين الخير والشر والصراع بين اإليمان والكفر مستمر منذ أن غادرت قدما آدم‬
‫عليه السالم الجنة‪.‬‬
‫وجبهة الخير والحق يمثلها الرسل ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪ -‬وأتباعهم‪ ،‬وجبهة الشر والباطل‬
‫يمثلها الشيطان وأتباعه‪ ،‬أو كل جبهة أخرى غير جبهة أتباع الرسل ‪-‬عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫هذه الجبهة ال يمكن أن تهدأ يف الكيد لإلسالم وأهله‪ ،‬ولئن كفوا عن القتال أو الكيد الظاهري‬
‫ً‬
‫شذوذا يف سير التاريخ اإلسالمي‪.‬‬ ‫برهة من الزمن فالكف خالف القاعدة ويعتبر‬
‫وفلسطين من الشواهد الكبرى ىلع حقد أهل الكتاب ونقمتهم ىلع أصحاب هذا الدين‪،‬‬
‫واتفقت روسيا وأمريكا واملعسكرات ىلع حربهم بجانب اليهود‪ ،‬ووقف املنافقون من صف العرب‬
‫واملسلمين بجانب أعداء فلسطين‪.‬‬
‫وتمزيقا وتقتي ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتشريدا‬
‫ً‬ ‫والحق الكفار الشعب الفلسطيني يف كل مكان‪ :‬سج ًنا‬
‫والغريب العجيب‪ :‬الصمت الرهيب املطبق حيال هذه املجازر الرهيبة‪ ،‬هناك مجازر املسلمين‬
‫الفلسطينيين يف لبنان‪ ،‬وهنا مجازر املسلمين األفغان‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫فهل يقف ذو لب أو ذو بقية فيسأل هذه القبور الصامتة واألجداث الوحشية بأي ذنب قتلت؟‬
‫إن لم يسأل أحد يف هذه األرض فسيسمعون صوت الحق يوم القيامة يناديهم‪:‬‬
‫(احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون اهلل واهدوهم إلى صراط الجحيم‬
‫وقفوهم إنهم مسؤولون)‪.‬‬
‫أين الصحفي املسلم؟‬

‫جالسا ذات مساء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ىلع أبواب بكتيا وأثناء عودتنا من معسكر (ليجا) ىلع مشارف خوست كنت‬
‫وبجانبي صاحبي فدخل شاب أشعث أغبر لم تعد تعرف لون وجهه‪ ،‬وال لون ثيابه من الغبار الذي‬
‫تماما‪.‬‬
‫ً‬ ‫يكسوه‪ ،‬والعرق الذي اختلط بالثرى الذي يكاد يغير مالمحه‬
‫الشاب أشقر طويل أزرق العينين تبدو سحنته الغربية واضحة جلية‪.‬‬
‫صحفيا مبعو ًثا من وكالة‬
‫ًّ‬ ‫فتحدثت معه باإلنجليزية فقال‪ :‬أنا (كرستيان روبين) قدمت من فرنسا‬
‫األنباء الفرنسية املسماة (سيغما)‪ ،‬ومكثت يف داخل أفغانستان أربعة أشهر ونصف‪.‬‬
‫لقد قال لي الصحفي الفرنسي الكاثوليكي‪ :‬إن هذا الجهاد الذي يف أفغانستان سينتصر؛ ألن‬
‫اهلل مع املجاهدين‪.‬‬
‫ثم أخبرني أنه راجع إلى بيشاور ليرى برقية جاءته من فرنسا تخبره أن أمه ىلع فراش املوت‪،‬‬
‫وهو عازم ىلع العودة إلى أفغانستان‪.‬‬
‫لقد تملكني العجب وأنا أرى صبر هذا الصحفي الكاثوليكي ىلع مشاق الحياة يف أفغانستان‪،‬‬
‫وذلك ألنه يشبع رغبة يف نفسه; وهي نقل صورة حقيقية عن الجهاد وأهله داخل أفغانستان‪،‬‬
‫ومن أجل تلبية هذه الرغبة تهون عليه كل املصاعب‪ ،‬مع أنه ال يرجو ثوا ًبا‪ ،‬وال يخشى عقا ًبا من رب‬
‫العاملين‪ ،‬وال يطمع يف شهادة يدخل بها جنات عرضها السموات واألرض‪.‬‬
‫لقد كنت أقارن بين هذا الصحفي وبين الصحفيين املسلمين العرب وحتى الباكستانيين‬
‫الذين يعيشون ىلع حدود الجهاد وشظايا القذائف تصل قراهم أحيا ًنا‪ ،‬ومع ذلك فهم ينقلون‬
‫ما يترجمونه عن النيوزويك واللوموند والتايم وكريستيان ميرر‪ ،‬وال يطمع أحدهم أن يصل حدود‬
‫أفغانستان هر ًبا بالنفوس من الحياة (الجهاد)‪.‬‬
‫بل إن بعضهم يرجف ويخذل ويصور الجهاد األفغاني مجموعة من قطاع الطرق يقبعون ىلع‬
‫تماما لروسيا‪ ،‬مع‬
‫ً‬ ‫حدود باكستان‪ ،‬يتربصون سيارة ينهبونها ويقتسمونها‪ ،‬وأن أفغانستان خاضعة‬
‫أن كل من دخل أفغانستان يدرك الحقيقة‪.‬‬
‫فهل تستيقظ ضمائر أصحاب األقالم أم تبقى سادرة يف غيها؟‬
‫‪11‬‬
‫املعركة بين الجت والحصان‬
‫من حدود باكستان حتى حدود االتحاد السوفياتي وىلع طول الطريق العام يف أفغانستان‪ ،‬من‬
‫شمالها إلى جنوبها‪ ،‬تجد قوافل الحمير والبغال والخيل محملة باألسلحة والذخائر‪ ،‬وبالصواريخ بأنواعها‪.‬‬
‫والبغل يعتبر دبابة املجاهد‪ ،‬وهو يشكل وسيلة نقل هامة ألسلحة املجاهد‪ ،‬ويف اختراق سالسل‬
‫الجبال‪ ،‬وتحدي الثلوج والتالل واألدغال‪.‬‬
‫وىلع طول الحدود يف باكستان تجد أصحاب البغال ينتظرون املجاهد ليستأجر البغل‪.‬‬
‫وأجرة السالح تشكل عقبة كبرى أمام املجاهدين‪ ،‬ثم تبرز عقبة أخرى هي عقبة أجرة سالحه‪ ،‬وقد‬
‫رأيت حاالت كثيرة من القادة يبقون يتضورون ىلع الحدود يتلهفون رؤية زائر قادم يشكون له حالتهم‬
‫لعله يرق لهم‪ ،‬ويحل مشكلتهم أو يساهم يف حلها‪.‬‬
‫فهل يدفع العرب هذا املبلغ؟‬

‫أناسا متبرعين يتتبع عورات األفغان وينشر عيوبهم‪ ،‬فتجده يزورهم عدة أيام‬
‫وفوق هذا كله تجد ً‬
‫ليرجع إلى بالده داعية لنشر مساوئهم‪ ،‬وينبه إلى بعض األخطاء الفردية والعيوب الشخصية‪ ،‬مثل‬
‫تعليق الرقى والتمائم والتوسل فتنقبض الصدور من الجهاد األفغاني‪ ،‬وتمسك األيدي عن البذل حتى‬
‫قال بعضهم‪ :‬ليس يف أفغانستان جهاد وإنما (قتال بين املشركين األفغان وامللحدين الروس)‪.‬‬
‫وهؤالء ينسون أن هؤالء املجاهدين يواجهون أعظم قوة يف املعمورة منذ سبع سنوات‪ ،‬ولم‬
‫يبق بيت إال تحول إلى ميتم ومأتم وهم صابرون محتسبون‪ ،‬يأتي أحدهم خبر استشهاد أبنائه فيردد‬
‫بلكنته األعجمية‪ :‬شكر هلل‪ .‬حمد هلل‪.‬‬
‫ينسى هؤالء املتحمسون الذين يطعنون الجهاد الطعنة النجالء يف الصميم أنه لو سقط الجهاد‬
‫األفغاني لعظم البالء واشتد الخطر ىلع مسلمي العالم‪.‬‬
‫معادلة ربانية‬
‫لقد اقتضت إرادة اهلل وحكمته أن يكون الجزاء من جنس العمل‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬فاذكروني أذكركم) ‪.‬‬
‫ويلمس املسلم هذه القاعدة واضحة يف الجهاد‪ ،‬فبقدر ما تشتد الظروف وتقل الدنيا وأسبابها‬
‫املادية بين يدي املجاهد‪ ،‬يوسع اهلل عليه بعوض عظيم من جهة التأييد اإللهي والنصر املؤزر‬
‫الخارج عن طاقة البشر وإمكانياتهم‪ ،‬ويحس املجاهد يف أعماقه بسعادة غامرة يجدها يف حناياه‬
‫من انشراح الصدر وراحة الضمير وقرة العين‪.‬‬
‫يوما أو أكثر فتتركهم وقلبك معلق بهم‪ ،‬وتعيش معهم شه ًرا ىلع‬
‫إنك تعيش مع املجاهدين ً‬
‫‪12‬‬
‫الخبز والشاي واملرق‪ ،‬فما إن تغادرهم حتى يحن قلبك إليهم وتهفو للعودة معهم‪.‬‬
‫إنها املعادالت الربانية‪ ،‬إنها التعويضات اإللهية‪ ،‬إنها موازين القسط بيد رب العاملين‪.‬‬
‫ًّ‬
‫وشاقا‪،‬‬ ‫صادقا فإن اهلل تعالى يسهل ىلع صاحبه أداءه مهما كان العمل ثقي ً‬
‫ال‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان العمل‬
‫وتعجب وأنت ترى حال املجاهد وقد فقد كل شيء يف الدنيا‪ ،‬فقد سقط ىلع طريق الجهاد‬
‫أحباؤه وإخوانه وأهله وجيرانه‪ ،‬وهو يعيش يف شظف من العيش‪ ،‬وشدة من الحياة ال تكاد تصدق‪،‬‬
‫ومع هذا فإنك تجدهم يمزحون ويهزلون والقذائف تتصبب فوق رءوسهم!!‬
‫ويل للشجي من الخلي‬
‫لم يعد كبي ًرا ىلع نفس املسؤولين الروس أن يعلنوا قبولهم للجلوس مع دولة من دول العالم‬
‫الثالث ‪-‬باكستان‪ -‬لعلها تخلصها من ورطتهم‪ ،‬بعد أن كان هذا األمر أثقل من الجبال ىلع أنفسهم‬
‫أن يجلسوا ىلع مائدة املفاوضات مع دولة فقيرة ليست مسجلة يف دفاترهم‪ ،‬بل يتوسلون‬
‫ليلتقوا ىلع انفراد وبخفية عن أعين الناس مع بعض قادة الجهاد الذين يأنفون الجلوس مع هؤالء‬
‫إال يف وضح النهار‪ ،‬دون تنازل عن شرطهم األساسي االنسحاب الكلي من أفغانستان قبل البدء بأي‬
‫حديث آخر‪:‬‬
‫ولكن مع هذا يجب أال يغيب عن بالنا قضايا‪:‬‬
‫القضية األولى‪ :‬أنهم فقدوا كثي ًرا من قادتهم‪ :‬إن أفغانستان فقدت عام ‪5041‬ه‪ -‬زهرة أبنائها‪،‬‬
‫ً‬
‫قسطا ال بأس‬ ‫وخيرة قادتها‪ ،‬وذلك لشراسة املعارك‪ ،‬ولهول اللقاءات واالشتباكات‪ ،‬وهؤالء قد نالوا‬
‫به من التوجيه والتربية والتعليم‪ ،‬ويعز ىلع اإلنسان أن يجد لهم نظائر‪ ،‬وقلما ترى لهم ولو بعد‬
‫حين بدائل‪.‬‬
‫القضية الثانية‪ :‬أنهم يلقون العنت حتى من بعض املسلمين‪.‬‬
‫عامليا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫القضية الثالثة‪ :‬أنهم محاصرون‬
‫القضية الرابعة‪ :‬أنهم يعانون الهجرة والفقر‪.‬‬
‫فالجهاد األفغاني اآلن بحاجة إلى اليد الحانية التي تواسي جراحاته‪ ،‬والنفس الكريمة ذات الهمة‬
‫الشماء التي تجود حتى بأرواحها فض ً‬
‫ال عن مالها‪ ،‬والداعية الصادق الذي ينذر نفسه لخدمة أمة‬
‫وبناء جيل وإنقاذ دين فأين الدعاة الصادقون؟‬
‫‪13‬‬
‫ولكن الروس ال يعلمون‬
‫لقد فطر اهلل النفس البشرية بإرادته وصنعها بيده‪ ،‬واقتضت مشيئته ‪-‬سبحانه‪ -‬أن‬
‫تسير النفس اإلنسانية ىلع خط ذي حافتين كالقاطرة فوق السكة الحديدية‪:‬‬
‫(خط الروح‪ ،‬وخط الجسد)‬
‫وال يمكن للنفس أن تستقيم يف سيرها‪ ،‬وال تؤتي أكلها‪ ،‬وال تحقق غايتها إال إذا صلح هذان‬
‫الخطان املتوازيان‪.‬‬
‫إن حاجة اإلنسان إلى الدين أشد من حاجته إلى الطعام والشراب كما يقول ابن القيم‪ ،‬ولقد‬
‫متمردا ىلع‬
‫ً‬ ‫حاولت روسيا أن تنتزع الدين من أعماق الشعوب اإلسالمية‪ ،‬وحاولت أن تنشئ جي ً‬
‫ال‬
‫ملحدا‪ ،‬ولكن محاولتها كلها تحطمت ىلع صخرة الفطرة اإلنسانية‪ ،‬ورأينا مصداق هذا يف‬
‫ً‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫أفغانستان‪.‬‬
‫إن الجندي الذي جاء مع الجيش الروسي من املقاطعات اإلسالمية تاجكستان وأوزبكستان عندما‬
‫رأى املصاحف مع الشعب األفغاني صار يدفع إليهم سالحه ويأخذ املصحف بدي ً‬
‫ال‪ ،‬فهل يتعظ‬
‫الروس ويصدقون أن الدين فطرة اهلل؟‬
‫وغدا عربستان‬
‫ً‬ ‫اليوم أفغانستان‬
‫مع دخول الشيوعية الحمراء بخارى وسمرقند وطشقند نشأت حركة مقاومة تسمى حركة‬
‫(الباسمشي)‪ ،‬وكان من أبرز املجاهدين يف هذه الحركة رجل من سمرقند يسمى (إبراهيم بك)‪،‬‬
‫ودخل إبراهيم بك أفغانستان فطاردته الحكومة بإيعاز من روسيا‪ ،‬حتى خرج من أفغانستان‪.‬‬
‫وغدا أفغانستان‪.‬‬
‫فقال إبراهيم كلمته الخالدة‪ :‬اليوم بخارى ً‬
‫وحدث ما قال إبراهيم‪ ،‬فدخلت الشيوعية أفغانستان بعد أربعين سنة‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬اليوم‬
‫وغدا عربستان‪.‬‬
‫أفغانستان ً‬
‫اليوم أفغانستان تواجه مصيرها وحدها بأياد عزالء وصدور عارية يمشون فوق الثلوج حفاة حتى‬
‫سقطت أصابعهم‪ ،‬ويتسلقون الجبال عراة إال من أسمال بالية وأخالق فانية رقيقة تغطي عورتهم‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫وأخي ًرا لقد حذرنا أصحاب الجزيرة العربية أنه إن سقط الجهاد األفغاني (ال قدر اهلل) فإن بلوشستان‬
‫مفتوحة؛ إذ إن الشيوعية ضاربة بجذورها العميقة يف قبائل البكتي ومري‪ ،‬ووضحنا أن منظمة‬
‫الطلبة البلوشية (بي‪ ،‬إس‪ ،‬أو) يف ‪ 4891/21/72‬ذكرى الغزو الروسي قد رفعت األعالم فوق جامعة‬
‫بلوشستان وأنزلت أعالم باكستان‪.‬‬
‫فليتنبه العرب واملسلمون وإال‪ :‬‬
‫وغدا عربستان‬
‫فإن اليوم أفغانستان ً‬
‫القبائل والجهاد‬
‫أمنيا‬
‫حزاما ًّ‬
‫ً‬ ‫إن كثي ًرا من الناس يتوجسون خيفة من مغبة اتصال روسيا بالقبائل التي تشكل‬
‫ألفغانستان من الناحية الشرقية الجنوبية ألفغانستان‪ ،‬ويرون أن هذه القبائل ستسد الطريق يف‬
‫املستقبل ىلع املجاهدين مما يؤدي إلى خنق الجهاد‪ ،‬والحد من حركة املجاهدين عبر حدود‬
‫باكستان‪ ،‬ولكن هذا الظن بعيد الوقوع إن لم يكن ضر ًبا من الخيال‪ ،‬وذلك ألسباب ىلع رأسها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هذه القبائل هي من العرق البشتوني الذي ينتمي إليه حوالي ‪ %06‬من القبائل األفغانية‪.‬‬
‫وليس من السهل أن تبيع هذه القبائل أرحامها بثمن العنز‪ ،‬بل إنه يستبعد أن تساوم ىلع دماء‬
‫بني عمومتها وأعراض نسائهم بثمن بخس دراهم معدودة‪.‬‬
‫‪ -2‬األصالة التي ال زالت القبائل تتمتع بها‪ ،‬فلم تفسد فطرتهم‪ ،‬ولم تهن عليهم كرامتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬ال زال الطابع العام لهذه القبائل هو التدين الفطري‪.‬‬
‫‪ -4‬لقد شهدت بنفسي الحفاوة البالغة التي تستقبل بها هذه القبائل املجاهدين‪.‬‬
‫ولذا وباختصار فليس من السهل ىلع روسيا أن تشتري هذه القبائل‪ ،‬وال أن توجهها ضد أبناء‬
‫عمومتهم مهما أنفقت من أموال‪ ،‬ومهما بذلت من جهود‪.‬‬
‫اآلن حمي الوطيس‬
‫لقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هذه العبارة والناس قد انفضوا من حوله يوم حنين‪،‬‬
‫وقد ضاقت عليهم األرض بما رحبت كما جاء يف النظم الرباني الكريم‪ ،‬وتلفت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫بدا من اإلعالن عن نفسه فأخذ يرجز‬
‫عليه وسلم وقد خلت الساحة من فرسان امليدان‪ ،‬فلم ير ًّ‬
‫‪15‬‬
‫أنا النبي ال كذب ‪ ‬أنا ابن عبد املطلب‬
‫أتذكر هذه القصة من السيرة الشريفة وأنا أرى الحرب الضروس التي تدور رحاها اآلن يف أفغانستان‪،‬‬
‫ً‬
‫منفذا من منافذ املجاهدين ىلع الحدود‪ ،‬وهل‬ ‫وخاصة ىلع الحدود والروس قد استماتوا ليسدوا‬
‫بإمكانك ‪-‬يا أخي‪ -‬أن تتخيل معركة ىلع موقع واحد فيها روسيا بأساطيلها الجوية والبرية وال تدع‬
‫شي ًئا من املبيدات اإلنسانية من قذائف أو صواريخ أو راجمات أو مدافع إال واستعملته‪.‬‬
‫ويقابل هذا كله مجاهدون قد يعوزهم الطعام‪ ،‬وال يستغرب أن يرى فيهم الحفاة‪ ،‬أيديهم‬
‫فارغة إال من الرفع بالدعاء‪ ،‬وال يملكون شي ًئا سوى إيمانهم وثقتهم باهلل‪ ،‬وينفض املجاهدون وقد‬
‫قلت الذخيرة واكفهر الجو واشتدت األزمة‪ ،‬ولم تبق سوى مجموعة قليلة محتسبة يردد لسان‬
‫حالها‪( :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا يف أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا ىلع القوم الكافرين)‪.‬‬
‫وفتح اهلل ىلع هذه الحفنة القليلة ونصرها نص ًرا مؤزًرا‪.‬‬
‫واآلن أما آن للمسلمين أن يقفوا بجانب إخوانهم املجاهدين الذين أصابهم القرح؟‬
‫إلى من يتلفت هؤالء املجاهدون األفغان ومن ينادون وقد بلغت القلوب الحناجر؟‬
‫من هم أصحاب الشجرة الذين يمكن أن يستخدمهم قادة األفغان؟ أينادون الحكام أم‬
‫املحكومين؟ أيستصرخون النساء أم الرجال؟ أيدعون أصحاب الدعوات اإلسالمية؟ أم عامة‬
‫املسلمين؟ أهم العلماء أم العامة؟‬
‫السائرون ىلع الجمر‬
‫لم أجد عنوا ًنا يليق بمسيرة الجهاد األفغاني املباركة مثل هذا العنوان‪ ،‬فال يستطيع عنوان آخر‬
‫أن ينقل الصورة الحقيقية لآلالم التي يعانيها املجاهد األفغاني وال يعكس حقيقة املشقة التي‬
‫يتكبدها أولئك الذين يعيشون فوق قمم الجبال ويف الذرى الشواهق تحت قصف ال يكاد ينقطع‬
‫شبحا رهي ًبا يهدد أقدام الذين‬
‫ً‬ ‫من قذائف الطائرات والصواريخ واملدفعية واأللغام التي أصبحت‬
‫يواصلون هذه املسيرة‪.‬‬
‫لقد مارست الشعائر والعبادات كلها فلم أجد أشق ىلع النفس من الجهاد‪ ،‬ولذا فقد جعل اهلل‬
‫تعالى للجهاد أجزل ثواب وأعظم أجر‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وقد أجمع العلماء ىلع أن الجهاد أفضل من جوار املسجد الحرام‪ ،‬ولم يجعل الشارع الحكيم هذا‬
‫ً‬
‫جزافا‪ ،‬بل حكمة الشارع تقتضي أن يكون الثواب ىلع قدر النصب‪ ،‬واألجر‬ ‫األجر العظيم لهذه العبادة‬
‫ىلع قدر الجهد إذا أخلصت النية وصدقت الطوية‪.‬‬
‫أمريكا وتجارة الدماء‬
‫لقد انبسطت أسارير أمريكا وهي ترى انزالق أقدام الدب الروسي فوق جبال الهندكوش‪ ،‬وكانت‬
‫ال أو عاج ً‬
‫ال‪ ،‬وتلمع البديل الذي تقدمه للمسلمين‬ ‫تظن أن بإمكانها أن تحتوي الجهاد األفغاني آج ً‬
‫إسالما ولكنه بالثوب األمريكى والعقلية الغربية‪ ،‬وحاولت أمريكا أن تعجم عود القادة األفغان‬
‫ً‬
‫فوجدتها صلبة املكسر غير لينة املعصر‪.‬‬
‫ولقد كانت املناورات األمريكية الروسية تدور حول البديل عن روسيا إثر انسحابها‪ ،‬ولم تستطع‬
‫أن تتوصل إلى الشخصية العلمانية الالدينية التي تقدم للشعب األفغاني بأثواب املسلمين‪.‬‬
‫أفغانيا‬
‫ًّ‬ ‫عربيا أو‬
‫ًّ‬ ‫أمريكيا أو‬
‫ًّ‬ ‫واضحا منذ بداية الطريق أن الطاغوت هو الطاغوت سواء كان‬
‫ً‬ ‫وليكن‬
‫روسيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫أو‬
‫ولنوقن منذ البداية أن الكفر ملة واحدة‪ ،‬وأن ملل الكفر تنازع بعضها ىلع مصالح دنيوية‪ ،‬أما‬
‫العدو املشترك يف نظرها فهو اإلسالم‪.‬‬
‫شرعا ممنوع عق ً‬
‫ال‪ ،‬ولقد علمتنا‬ ‫ً‬ ‫إن الحل السياسي الذي تسعى إليه أمريكا مع روسيا باطل‬
‫التجارب كلها يف فلسطين وغيرها أن الحل ال يكون إال من خالل فوهات البنادق‪ ،‬وأن إحالة القضية إلى‬
‫املجالس الدولية واملحافل العاملية تعني إحالتها إلى سلة املهمالت‪ ،‬والسير بها إلى موتها املحتوم‪.‬‬
‫ثم جاءت بعدها محاولة استدراج القادة األفغان ملقابلة ريجان بحجة إلقاء خطاب يف األمم‬
‫املتحدة يف نيويورك‪ ،‬وحدد ريجان موعد مقابلته مع حكمتيار‪ ،‬ورفض حكمتيار ومندوب االتحاد‬
‫اإلسالمي سياف أن يقابال ريجان يف الثالثين من أكتوبر ‪ ،5891‬وكذلك رفض زيارة الكونجرس األمريكي‬
‫بعد أن وجه إليه دعوة حارة‪ ،‬وقد اطلعت ىلع بطاقة الدعوة‪ ،‬وفيها‪“ :‬ألنكم شعب يؤمن باهلل‪،‬‬
‫وضرب أروع األمثلة للشعوب التي تريد استرداد حريتها نتشرف بدعوتكم”‪.‬‬
‫ً‬
‫غيظا؛ إذ إنه كما قال سفير دولة إسالمية لحكمتيار‪ :‬أترفض‬ ‫وأسرها ريجان يف نفسه‪ ،‬وامتأل‬
‫ً‬
‫وملكا؟‬ ‫رئيسا‬
‫ً‬ ‫مقابلة ريجان‪ ،‬وهو يرفض مقابلة ستين‬
‫ثم حصل لقاء القمة بين ريجان وغورباتشوف يف نوفمبر ‪ ،5891‬وأخرج غورباتشوف من حقيبته‬
‫خارطة الدولة اإلسالمية يف أوج عزها وأرفع دهورها‪ ،‬وبين له أن معظم أراضي أوروبا كانت‬
‫‪17‬‬
‫تخضع للمسلمين‪ ،‬وأن املسلمين قد دقوا أبواب أوروبا مرتين‪ ،‬ووقفوا يف شوارع النمسا‪ ،‬ثم حذر‬
‫غورباتشوف ريجان وقال له‪:‬‬
‫لقد بدأ املسلمون يتململون وينفضون الغبار عن أنفسهم‪ ،‬ويحاولون أن ينطلقوا‪ ،‬وإذا انطلقوا‬
‫لن يقف يف وجههم شيء‪ ،‬وإن املستفيد الوحيد من اختالف أمريكا وروسيا هو اإلسالم‪ ،‬فال بد من‬
‫مليا وأعجب بالفكرة‪.‬‬
‫إنهاء مشاكلنا للوقوف يف وجه العدو املشترك‪ ،‬وأطرق ريجان ًّ‬
‫ثم كانت املحاولة األخيرة واستدرج أخي ًرا وفد إلى أمريكا ليجلس مع ريجان‪ ،‬وعاد أعداء هذا‬
‫فرحا ويقولون‪ :‬إن الجهاد األفغاني صراع بين أمريكا وروسيا‪ ،‬وإن الجهاد‬
‫الجهاد يفركون أيديهم ً‬
‫األفغاني يحركه وتوجهه املخابرات األمريكية وتمده باملال والسالح‪.‬‬
‫وقد صدم الصادقون لهذا اللقاء وصعقوا لهذا املنظر‪ ،‬وللعلم‪:‬‬
‫‪ -1‬فإن هذه املقابلة يرفضها األستاذ سياف أمير االتحاد اإلسالمي ألفغانستان‪ ،‬واألستاذ حكمتيار‬
‫معا تزيد عن نصف قوة املجاهدين مجتمعة‪.‬‬
‫أمير الحزب اإلسالمي وقوتهما ً‬
‫أبدا لدى جمهور املجاهدين الذين يحملون السالح يف خنادقهم‪ ،‬وقد‬
‫‪ -2‬إن أمريكا غير مقبولة ً‬
‫تجد أكثر من ‪ %09‬ناقمين ىلع أمريكا نقمتهم ىلع روسيا‪.‬‬
‫‪ -3‬إن املجاهدين املخلصين يرفضون أن يتسلموا روبية واحدة من أمريكا‪ ،‬وهذا الذي صرح به‬
‫حكمتيار يف أمريكا لدى الصحفيين بأننا لم نتلق أي مساعدة من أمريكا وال من مخابراتها‪.‬‬
‫‪ -4‬هنالك خمسون مليون دوالر خصصتها أمريكا للتعليم يف داخل أفغانستان هذا العام‪ ،‬ورفض‬
‫املجاهدون ‪-‬وىلع رأسهم سياف وحكمتيار‪ -‬أن يتسلموها‪.‬‬
‫فنرجو اهلل أن ينصر الجهاد واملجاهدين‪ ،‬وأن يحفظ ثمرات الجهاد لألبرار‪ ،‬وأن يحرمها الطغاة واألشرار‪.‬‬
‫املفتي “جل الرحمن”‪.‬‬
‫عرفت ىلع طريق هذا الجهاد املبارك نماذج ليس لها ذلك البريق اإلعالمي الجذاب‪ ،‬وال دوي‬
‫الشهرة الخادع الذي يضيع الحقيقة تحت أبواق اإلعالم واملزامير‪.‬‬
‫فممن عرفت‪ :‬أسد كونر (جل الرحمن أي زهرة الرحمن) شاب يف السابعة عشرة من عمره مشرق‬
‫الوجه لم يكتمل نبات الشعر يف وجهه‪ ،‬بدأ الجهاد وهو يف العاشرة من عمره‪ ،‬وقتل أكثر من مائة‬
‫شيوعي‪ ،‬وكان يف أيامه األخيرة يقوم بعملية كل يومين‪ ،‬ويف إحدى الهجمات الروسية حيث‬
‫هجم الروس ىلع معسكرهم كان يضرب عليهم بالرشاش ‪-‬الدوشكا‪ -‬فقتل بشهادة قائد املعسكر‬
‫حوالي خمسين منهم‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫مفتي القدس يصرح‪:‬‬

‫الشعب األفغاني ينتحر؛ ألنه يواجه روسيا‪:‬‬
‫أقارن بين جل الرحمن الذي استشهد وهو يف عمر الورود وبين مفتي القدس (سعد الدين‬
‫العلمي) الذي يصرح أن الشعب األفغاني ينتحر؛ ألنه يواجه روسيا‪ ،‬وأن أمريكا قد زجت بالشعب‬
‫األفغاني يف هذه املعركة؛ لتشغل به روسيا‪ ،‬وتستنزف طاقاتها العسكرية واالقتصادية‪ ،‬ثم ينصح‬
‫سماحة املفتي الشعب األفغاني بأن يصالح روسيا‪.‬‬
‫الفزع العاملي بسبب استمرار الجهاد‪:‬‬

‫ليت سماحة املفتي عرف التوكل الذي يعرفه غلمان األفغان الذين ال يحفظون إال الفاتحة‪ ،‬وليته‬
‫رآهم وهم يشيرون إلى الطائرات املارة يرددون‪( :‬افعلوا ما شئتم لن ندع لكم شب ًرا من أرضنا)‪.‬‬
‫لقد نسينا بعد الهزيمة الروحية والنفسية أمام ضغط الواقع الحاضر وبسبب الهجوم االستشراقي‬
‫املاكر (عقيدة التوكل ىلع اهلل)‪ ،‬ولو اعتقدنا فع ً‬
‫ال ‪-‬كما يقول األفغان‪ -‬أن اهلل أقوى من روسيا‬
‫فسيهزمها‪ ،‬ولم تكن لتجثم حفنة من اليهود ىلع قلب العالم اإلسالمي آخذة بخناقه‪ ،‬مهددة‬
‫استقراره وأمنه ودينه وحضارته‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬فإن هذا الجهاد كلما شق طريقه يف واقع الحياة البد أن يكثر أعداؤه ويزداد نقاده‪.‬‬
‫ً‬
‫مدحا؛ ألننا عندما نسمع الجهاد األفغاني‬
‫ً‬ ‫نقدا أو‬
‫ونحن إزاء هذا الجهاد‪ ،‬نحب أن نسمع ذكره سواء ً‬
‫تتحرك أوتار القلوب وتنتشي شغاف األفئدة‪.‬‬
‫املرجفون‪ ..‬واألمل العريض‬
‫البشرى تأتي مع املحنة القاسية واألزمة الخانقة‪ ،‬ويجب أن يبقى األمل العريض يحرك املسيرة‬
‫ويوجه الركب ويحيي النفوس‪ ،‬إن األمل يخفف كثي ًرا من آالم املعركة‪ ،‬ومن عناء املسيرة‪ ،‬ومن مرارة‬
‫املعاناة‪.‬‬
‫إن املحن وأهوال القتال وضراوة املعركة ضرورة ماسة‪ ،‬فقد علم اهلل أن هذه الخليقة البشرية ال‬
‫صحيحا وال تصح وتستقيم ىلع منهج اهلل إال بهذا النوع من‬
‫ً‬ ‫نضجا‬
‫ً‬ ‫تصاغ صياغة سليمة وال تنضج‬
‫التربية التي تحفر يف القلوب وتنقش يف األعصاب‪ ،‬وأما القرآن والسنة فإنهما يوجهان القلوب‬
‫وهي منصهرة بنار الفتنة‪ ،‬ساخنة بحرارة االبتالء‪ ،‬قابلة للطرق‪ ،‬مطاوعة للصياغة‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫البد من إلغاء اليأس من قاموس الدعوات‪ ،‬والبد من نفي امللل من معجم الحركات‪ ،‬والبد من‬
‫مسح القنوط من كتب الجهاد ومن مخيالت املجاهدين‪.‬‬
‫ولذا البد من إشاعة البشرى وكتم عوامل الضعف عن جمهور األمة‪ ،‬فقد أوصى رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم سعد بن معاذ أنه إذا نقضت قريظة عهدها فالبد من كتمان الخبر‪ ،‬وإذا لم تنقضه‬
‫فاألولى إشاعة األمر بين املسلمين‪.‬‬
‫إن نشر اإلشاعات املرجفة بين املجاهدين أثناء املعركة يفت يف عضدهم ويوهن عزائمهم‬
‫ويخلخل صفوفهم‪ ،‬ولذا نص الفقهاء ىلع أنه “ال يجوز اصطحاب مثبط وال مرجف وال مخذل وال‬
‫معوق”‪.‬‬
‫واليوم هنالك بعض األفراد يشككون يف هذا الجهاد املبارك وينشرون السلبيات ويكتمون‬
‫اإليجابيات‪.‬‬
‫فإلى اإلخوة الذين ينشرون أخطاء هذا الجهاد‪ ،‬بصدق نقول‪:‬‬
‫إن املسلم يعمل مهما كانت الظروف؛ ألن عليه األخذ باألسباب‪ ،‬والنتائج بيد رب العاملين‪.‬‬
‫إن املسلم مأمور أن ينفذ األوامر الربانية ويدع املقادير للعناية اإللهية‪ ،‬وأما املرجفون املغرضون‪،‬‬
‫أو الجاهلون الصادقون‪ :‬فنقول‪ :‬إن أحدهم يرى بيته بين حانة خمر ومرقص يف بالده‪ ،‬ومع ذلك فال‬
‫غيرة وال نكير‪ ،‬ونقول لهم الحديث القدسي يف البخاري‪“ :‬من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب”‪.‬‬
‫فكيف بإيذاء أولياء اهلل!‬
‫فإذاعة أخبار السوء عن الجهاد واملجاهدين ونشر سلبياتهم اتباع للشيطان‪.‬‬
‫عاما ىلع الشهادة‬

‫عشرون ً‬
‫جرى ذكر األستاذ سيد قطب ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬فتنبهت أننا يف شهر أغسطس‪ ،‬الشهر الذي‬
‫عاما ىلع شهادته‪ ،‬فكان البد من الكتابة عنه ولو شذرات‬
‫استشهد فيه وأنه قد مضى عشرون ً‬
‫وأسط ًرا‪ ،‬وذلك رم ًزا للوفاء وعنوا ًنا للمودة واإلخاء‪.‬‬
‫أذكر أن مظاهرة خرجت يف عام ‪ 7691‬قبل االحتالل اليهودي بثالثة أشهر يف املدينة التي‬
‫أنا منها ‪-‬جنين‪/‬فلسطين‪ -‬تعبر عن سخطها ىلع اليهود وتندد بالظاملين وتهتف بحب عبد‬
‫ً‬
‫صادقا عن سخطها أوضح وال أقوى من أن تدخل دار الدعوة اإلسالمية‬ ‫الناصر‪ ،‬فلم تجد تعبي ًرا‬
‫وتمزق املصاحف والتفاسير وتلقيها يف شوارع املدينة!! وال زال منظر أوراق املصاحف يهز األوصال‬
‫بتذكرها‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫ولم يفسح األجل لألستاذ سيد أن يرى الثمار املباركة التي أثمرها اهلل تعالى من غراس قلمه املبارك‪.‬‬
‫لم ير الصحوة اإلسالمية وال رجوع الجيل إلى اهلل‪ ،‬ولكنها الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها يف‬
‫السماء‪.‬‬
‫وددت يوم سمعت الحكم عليه باإلعدام أن أفتديه بنفسي وأمي وأبي‪ ،‬وأذكر أني كتبت برقية‬
‫لعبد الناصر أقول فيها‪( :‬الدعوة لن تموت‪ ،‬والشهداء خالدون‪ ،‬والتاريخ ال يرحم)‪.‬‬
‫وما كنت أظن أنه سيحصل هذا الدوي الهائل بشهادته‪ ،‬وأن أفكاره ستعم املنطقة‪ ،‬بل العالم‬
‫اإلسالمي كله فتحيا بها األجيال‪.‬‬
‫ميزات سيد قطب‪:‬‬
‫لقد تميزت كتابات سيد قطب بمميزات كثيرة أفردتها من بين الكتابات املعاصرة وجعلتها فذة‬
‫مشرقة‪ ،‬وىلع رأس هذه املميزات‪:‬‬
‫‪ -‬نفاذ البصيرة وعمق النظر‪ :‬اتقوا فراسة املؤمن فإنه ينظر بنور اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬سعة األفق وهذا راجع إلى عاملين‪.‬‬
‫‪ -‬االطالع ىلع املخطط العاملي لضرب اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬سعة ثقافته واطالعه ىلع الثقافة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬االحتياط والورع والهيبة أمام النصوص القرآنية‪ ،‬ويبدو هذا من خالل تفسيره لكتاب اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز ىلع العقيدة وشرح ال إله إال اهلل‪:‬‬
‫لقد هال األستاذ سيد قطب وقوف الجموع الهائلة من املسلمين واجمة إزاء تصفية الحركة‬
‫جسديا سنة ‪ ،4591‬فلقد كانت هذه الجموع تسد الطرقات ىلع أبواب دار اإلخوان يف‬
‫ًّ‬ ‫اإلسالمية‬
‫(الحلمية) تنتظر خطاب األستاذ البنا مساء كل ثالثاء وتنتظره حتى الثانية عشرة لي ً‬
‫ال وهي تكبر‬
‫قسما ليس بالقليل من هؤالء تبرع بإيذاء اإلخوان يف‬
‫ً‬ ‫وتهتف ما بالها اآلن بكماء عمياء صماء؟ بل إن‬
‫داخل السجون بالتجسس عليهم ونقل أخبارهم‪.‬‬
‫لقد وقف طوي ً‬
‫ال أمام هذه الظاهرة‪ ،‬وأخي ًرا وضع إصبعه ىلع موطن الداء وهو أن هذه الجموع‬
‫لم تفهم ‪( ‬ال إله إال اهلل)‪.‬‬
‫والذين دخلوا أفغانستان يدركون األثر العميق ألفكار سيد يف الجهاد اإلسالمي‪ ،‬ويف الجيل كله‬
‫جائعا‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫طعاما وإن كان‬
‫ً‬ ‫لباسا وإن كان عار ًيا‪ ،‬وال‬
‫فوق األرض كلها‪ ،‬حتى إن بعضهم ال يطلب منك ً‬
‫سالحا وإن كان أعزل‪ ،‬ولكنه يطلب منك كتب سيد قطب‪.‬‬
‫ً‬
‫وكم هزني أن أسمع أن هنالك قواعد جهادية يف أفغانستان وعمليات حربية يطلق عليها اسم‬
‫سيد قطب‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫البلسم الشايف‬
‫كنا يف مساء جمعة يف العشر األواخر من ذي الحجة‪ ،‬جلست أتحدث مع بعض اإلخوة قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫أمراضا مزمنة شفيت يف الجهاد‪ ،‬فهل وجدتم هذا ًّ‬
‫حقا‬ ‫ً‬ ‫حدثني كثير من اإلخوة العرب أن لديهم‬
‫يف مسيرتكم املباركة؟ قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولكن أخطر مرض قد عافى اهلل منه النفوس وشفى منه القلوب هو مرض الوهن الذي أصاب‬
‫األمة اإلسالمية (حب الدنيا وكراهية املوت)‪ .‬إن الجهاد قد أعاد الحياة إلى كثير من أوصال األمة‬
‫اإلسالمية التي شلت وفقدت اإلحساس وأصابها التبلد واملوات‪.‬‬
‫وبجانب هذا هنالك مرض خطير عالجه الجهاد وتعاني منه البشرية جمعاء وهو مرض (القلق)‬
‫شبحا رهي ًبا يطارد الناس‪ ،‬ويقض مضاجعهم‪ ،‬ويؤرق أجفانهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫الذي أصبح‬
‫ففي الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني وأحمد‪( :‬عليكم بالجهاد يف سبيل اهلل فإنه باب من‬
‫أبواب الجنة يذهب اهلل به الهم والغم)‪.‬‬
‫الشبح الرهيب‬
‫ملا وقفت قريش ومنعت النبي من دخول مكة يف صلح الحديبية قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪( :‬يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب‪ ،‬ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب‪ ،‬فإن‬
‫هم أصابوني كان الذي أرادوا‪ ،‬وإن أظهرني اهلل عليهم دخلوا اإلسالم وافرين‪ ،‬وإن لم يفعلوا قاتلوا‬
‫وبهم قوة‪ ،‬فما تظن قريش‪ ،‬فواهلل ال أزال أجاهد ىلع الذي بعثني اهلل به حتى يظهره أو تنفرد‬
‫هذه السالفة)‪.‬‬
‫ما أجملها من كلمة تنطق بلسان حالنا وتعبر عن مشاعرنا‪ ...‬فنقول‪ :‬هذا الشباب املسلم يف‬
‫ً‬
‫شوقا للقاء إخوانهم املجاهدين يف أفغانستان‪ ،‬وتطلعا إلى أداء‬ ‫كل مكان الذي يتقلب ىلع مرقده‬
‫فريضة الجهاد‪ ،‬نقول‪ :‬ماذا ىلع املسؤولين لو خلوا بين هؤالء الشباب وبين الجهاد لنصرة إخوانهم‬
‫األفغان؟ فإن استشهد هؤالء الشباب كان للمسؤولين الذي أرادوا وارتاحوا من شرورهم! وإن رجعوا‬
‫درعا لبالدهم‪ ،‬وحص ًنا لدينهم ومبادئهم‪.‬‬
‫رجعوا ً‬
‫كان من عادة الطواغيت أن يبحثوا عن متنفس لهذه الطاقات فال يجدون لهؤالء الشباب سوى‬
‫الصوفية السلبية االنعزالية تمتص طاقاتهم وتنفس عما يجول يف صدورهم‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫حتى من يجد مهر ًبا ويلتحق بركب الجهاد تبدأ األجهزة األمنية تتابع تفاصيل خطوات هذا الشاب‬
‫منذ خروجه من أرض بلده إلى عودته‪ ،‬وهي تعد له ألوان العذاب‪.‬‬
‫بدأت الضغوط ىلع السفارات الباكستانية يف الخارج لتعقيد معامالت التأشيرات‪ ،‬ولتصبح‬
‫التأشيرة الباكستانية أصعب من التأشيرة إلى الدول البترولية‪ ،‬وكانت من قبل تمنح التأشيرة يف‬
‫املطار ألي زائر ومن أي جنسية كان‪.‬‬
‫أقول‪ :‬سبحان ربي! املسلم الذي جاء يؤدي فريضة الجهاد يمنع من أداء عبادته‪ ،‬وأما الغربي الذي‬
‫ليس للدين حساب يف معامالته يجد كل ترحاب!!‬
‫ولكن الذين يكيدون يعلمون أن الجهاد هو الشبح الرهيب الذي يقض مضاجع أعداء اهلل‪ ،‬ولكنهم‬
‫ينسون البشرى التي بشرنا بها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل‬
‫والنهار‪ ،‬وال يبقى بيت من مدر وال وبر إال ويدخله اهلل هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل‪ًّ ،‬‬
‫عزا يعز به‬
‫دين اهلل‪ ،‬وذالًّ يذل به الكفر)‪.‬‬
‫هزيمة أم خديعة!؟‬
‫أعلن نجيب الرئيس الشيوعي ألفغانستان وقف إطالق النار ابتداء من الساعة الثانية عشرة ليلة‬
‫‪ 51‬يناير سنة ‪ ،7891‬وصرح بأنه سيطلق السجناء‪ ،‬وأعلن أنه يفتح ذراعيه ليحتضن من مد يده من‬
‫املجاهدين‪ ،‬ورحب بمن أراد العودة من املهاجرين‪ ،‬وأعلنت روسيا أنها لن تحمي نظام كابل فيما‬
‫بعد‪ ،‬وأنها ستنسحب ىلع مراحل خالل سنة أو أكثر‪ ،‬ونزل العمالق الكبير ألول مرة من عليائه‪،‬‬
‫وقبل أن يجلس مع مندوب باكستان‪.‬‬
‫وكان رد املجاهدين الحاسم أن شددوا ضرباتهم بعد وقف إطالق النار‪ ،‬وحينها خرج الشيوعيون‬
‫يستغيثون ويناشدون املجاهدين باهلل واإلسالم أن يوقفوا جام الغضب املنصب فوق رءوسهم‬
‫ويقولون للمجاهدين‪ :‬لقد أوقفنا إطالق النار فلم تطلقون علينا نحن مسلمون نصلي ونصوم‬
‫ويقسمون للمجاهدين ىلع هذا؟!‬
‫واحدا لشجب الحلول السلمية‪،‬‬
‫ً‬ ‫ويف يوم السبت ‪ 7891/1/71‬أقام قادة املجاهدين السبعة مؤتم ًرا‬
‫جميعا وبصوت واحد وبرأي واحد رفض الحل السياسي الخادع‪.‬‬
‫ً‬ ‫وأعلنوا‬
‫إن التاريخ الروسي حافل بنقض املعاهدات واغتنام الفرص يف ابتالع الشعوب الفقيرة‪ ،‬منذ‬
‫لينين‪ ،‬يوم أن أمن الشعوب اإلسالمية يف طشقند والقرم وأذربيجان ىلع دمائها ودينها وأعيادها‪،‬‬
‫‪23‬‬
‫ثم انقض عليها وافترسها ومسخ دينها وحارب قرآنها بعد أن ساعدته يف القضاء ىلع القيصرية‪.‬‬
‫وىلع أية حال ‪-‬واهلل أعلم بما تخبئه األقدار فنحن نتوقع ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن استمرار القتال هو الطريق الوحيد لدحض الروس ودحرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا سقط السالح من أيدي املجاهدين فمن الصعب أن يرفعوه مرة أخرى‪.‬‬
‫مناصا من أن يغادروا أرض باكستان ليكون القرار السياسي والعسكري‬
‫ً‬ ‫‪ -3‬لن يجد قادة الجهاد‬
‫بأيديهم وحدهم ال ينازعهم فيه أحد‪ ،‬ولن يستقلوا بقرارهم السياسي ما داموا فوق أرض باكستان‬
‫التي تخضع للضغوط الدولية وال تملك زمام أمرها يف اللعبة الدولية‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا أصر قادة الجهاد ىلع عقيدتهم فالبد أن يواجهوا يف املستقبل املشاكل الحدودية‬
‫والقيود يف التأشيرات وأوراق السفر ومصادرة املساعدات ومنع وصول األنصار‪.‬‬
‫جهاد ال إرهاب‬
‫فزعا من هذه الكلمة‪ ،‬وكلما تكلم املسلمون عن الدفاع عن‬

‫كلما ذكر اسم الجهاد انتفض الكفر ً‬
‫حقوقهم انبرت أجهزة اإلعالم الغربية تشوه اإلسالم وتصف املسلمين بالوحشية وبالقسوة‪.‬‬
‫ومما يندى له الجبين أن أبناء املسلمين قد صدقوا عن أنفسهم وعن آبائهم ما يرسمه هؤالء‬
‫املستشرقون عنهم‪ ،‬وما يكتبه هؤالء الحاقدون من تاريخهم‪ ،‬فأصبحوا يتوارون حياء من هذا التاريخ‬
‫امللطخ بالدماء والذي ال يدع املجرمين وال األبرياء!!‬
‫لعل ذراري املسلمين نسيت حروب القرون املاضية بين فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول‬
‫األوروبية‪ ،‬ولعله فاتهم أن يطلعوا ىلع مذابح الكاثوليك للبروتستانت‪ ،‬واملجازر التي جرت لليهود‬
‫يف أرجاء أوروبا‪ ،‬وأما من التاريخ القريب فإن أمريكا زعيمة العالم املتحضر أو (املحتضر) ىلع األصح‬
‫ما قامت إال ىلع أشالء شعب بكامله من سكان البالد األصليين الذين أبادوهم‪.‬‬
‫ولعل أبناء املسلمين ينسون مآسي حربين عامليتين أثارها الغرب ىلع مدى ربع قرن ذهب‬
‫ضحيتها قرابة خمسين مليو ًنا من البشر‪.‬‬
‫ولعل أبناء املسلمين ال يدركون الحرب الثقافية املنظمة والغزو العاملي الفكري لهم؛ لينفروهم‬
‫من الجهاد‪ ،‬فيثيرون قضايا الرق والجزية وقتل األسرى؛ ليصوروا املسلمين مجموعة من اللصوص‬
‫والقتلة وسفاكي الدماء‪ ،‬منطلقين يف األرض سيوفهم مشرعة إلرواء نهمهم للدماء‪ ،‬وإشباع‬
‫نزواتهم من النساء وإسكات سعارهم للثراء‪.‬‬
‫ولعل أبناء اإلسالم لم يطلعوا ىلع مصائب التاريخ الدامي للصليبيين وما فعلوه يف املسلمين‬
‫‪24‬‬
‫من مجازر‪.‬‬
‫إن الحملة الشعواء التي شنها املستشرقون ىلع الجهاد أدت إلى نتائج سيئة وآثار سلبية يف‬
‫وعقليا أمام هذا الهجوم االستشراقي املاكر‪ ،‬وتحت‬
‫ًّ‬ ‫روحيا‬
‫ًّ‬ ‫نفسيات ذراري املسلمين املهزومين‬
‫ضغط الواقع املرير الحاضر‪.‬‬
‫لقد خطط الغرب لقتل روح الجهاد يف نفس األمة املسلمة‪ ،‬ورسم لذلك مناهج ووضع برامج‬
‫لالستيالء ىلع هذه األمة الحية املجاهدة بعد اجتثاث العقيدة اإلسالمية والعبادة الجهادية من‬
‫أعماقها‪:‬‬
‫‪ -‬فالرحالت االستكشافية كانت صليبية‪ :‬يقول فاسكو دي جاما عندما وصل إلى رأس الرجاء‬
‫الصالح‪( :‬اآلن طوقنا رقبة اإلسالم‪ ،‬ولم يبق إال جذب الحبل ليختنق فيموت)‪.‬‬
‫‪ -‬وكانت املدارس العقلية الحديثة التي حاولت أن تخضع النصوص الربانية للعقل وأن تلوي‬
‫أعناق النصوص الجهادية‪ ،‬حاولت وهي تدافع عن شريعة الجهاد أمام الغرب أن تظهر اإلسالم دي ًنا‬
‫دفاعا عن حدود جغرافية‪ ،‬وكأن اإلسالم نحلة قوم معينين‪ ،‬ونزل ليكون‬
‫ً‬ ‫دفاعيا ال يمكن أن يقاتل إال‬
‫ًّ‬
‫دين الجزيرة العربية فقط‪.‬‬
‫‪ -‬حاولوا أن يميعوا عقيدة الحب والبغض يف اهلل والوالء والبراء يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى القومية‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى تقارب األديان وإذابة الفوارق بينها‪.‬‬
‫‪ -‬إنشاء فرق ضالة تدعو إلى مسخ الجهاد يف اإلسالم كالقاديانية والبهائية والبابية‪.‬‬
‫ونحن ال نستحي من ديننا‪ ،‬وال من أوامر ربنا‪ ،‬نقولها بصراحة دون تلعثم وال مواربة وال جمجمة وال‬
‫غمغمة‪.‬‬
‫‪ -‬إن الجهاد فريضة ربانية يف هذه األمة إلنقاذ األرض كلها من جور الطواغيت واستعباد الطغاة‬
‫إلى عدل اإلسالم ورحمة هذا الدين‪.‬‬
‫‪ -‬إن دين اهلل دين للبشرية جمعاء‪ ،‬ونحن نريد نشره حتى يعم ربوع العاملين‪.‬‬
‫ولكن السيف ألكابر مجرميها وسدنة الكفر وأئمة الطغيان الذين يع ّبدون البشر ألنفسهم من دون‬
‫ال‪ ،‬وإن لم يصرحوا بها قوالً‪.‬‬
‫اهلل‪ ،‬والذين يدعون ألنفسهم األلوهية عم ً‬
‫أقول‪ :‬إن السيف إلزالة الحواجز من األنظمة الكافرة والعقبات االقتصادية واالجتماعية التي تحول‬
‫دون استمتاع الشعوب بدين اهلل وتمنعهم من التفيؤ يف ظالله‪.‬‬
‫وبعد إزالة هذه الحواجز من أمام الدعوة اإلسالمية يعرض ىلع الشعوب فمن شاء فليؤمن ومن‬
‫شاء فليكفر‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫أليام الشدائد‬
‫يروي ابن هشام عن ابن إسحاق يف السيرة قصة طريفة يف فتح مكة وخالصتها أن رج ً‬
‫ال من‬
‫الكفار من بني بكر اسمه حماس بن قيس بن خالد كان دائم العناية بسالحه فقالت له امرأته‪ :‬ملاذا‬
‫تعد ما أرى؟ قال‪ :‬ملحمد وأصحابه‪ .‬قالت‪ :‬واهلل ما يقوم ملحمد وأصحابه شيء‪ ،‬قال‪ :‬إني ألرجو أن‬
‫أخدمك بعضهم (أي‪ :‬آتيك بخادم من املسلمين)‪ ،‬ثم قال‪ :‬وجاء يوم الفتح والتفت مجموعة من‬
‫صناديد قريش يف الخندمة (مكان أسفل مكة)‪ ،‬وكان من بينهم عكرمة بن أبي جهل وصفوان‬
‫بن أمية وسهل بن عمرو وقابلهم خالد يقود املجنبة اليمنى لجيش الفتح الزاحف فناوشهم خالد‬
‫شي ًئا من قتال فأصابوا من املشركين اثني عشر رج ً‬
‫ال‪ ،‬فانهزم املشركون وانهزم حماس بن قيس‬
‫الذي كان يعد السالح لقتال املسلمين حتى دخل بيته هار ًبا‪ ،‬فقال المرأته‪ :‬أغلقي علي بابي‬
‫فقالت‪ :‬وأين ما كنت تقول‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إنك لو شهدت يوم الخندمة ‪ ‬إذ فــر صفوان وفر عكرمه‬
‫‪ ‬يقطعن كل ساعد وجمجمة‬ ‫واستقبلتنا بالسيوف املسلمة‬
‫ضربا فال يسمع إال غمغمة ‪ ‬لهم نهيث خلفنا وهمهمة‬
‫لم تنطقي يف اللوم أدنى كلمة‬
‫وهذا حال معظم املسلمين اليوم كما يقول املتنبي‪:‬‬
‫شج ُعوا‬
‫حدثوا ُ‬ ‫‪ ‬إن قا َت ُلوا َج ُبنوا ْ‬
‫أو ّ‬ ‫ْ‬ ‫غيري بأكثر هذا الناس ينخدع‬
‫أعداء اهلل يتناوشونهم من كل جانب كالخراف يف الليلة الشاتية تمزقها الذئاب وتفترسها‬
‫الكالب‪ ،‬وال تسمع صو ًتا من أولي األلباب‪.‬‬
‫كأنك تعيش يف قفار يباب ال ينعق فيه سوى البوم والغراب‪.‬‬
‫الدواوين عامرة‪ ...‬األلسنة منطلقة‪ ..‬املنتديات زاخرة‪ ..‬إن أنشدوا هزوا األرض بالتهديد والوعيد‬
‫أحدا!‬
‫وزلزلوا املعمورة باالدعاء‪ ،‬وعندما تأتي أيام الشدائد تتلفت حولك فال تجد ً‬
‫تبلد الحس وتجمد الدم‪ ..‬ولم تعد تلك الغيرة اإلسالمية والحرقة اإليمانية التي تحرك أمير‬
‫املؤمنين من بغداد ىلع رأس جيش استجابة الستغاثة امرأة يف عمورية‪..‬‬
‫سدا من الجماجم تعداده مليون ونصف مليون جمجمة حمى‬
‫ونحن نقول‪ :‬لقد بنى األفغان ًّ‬
‫اإلسالم من طوفان الشيوعية العفن ومن تنينها الشرس‪.‬‬
‫وختاما نقول لكم‪ :‬ادخروا الطاقات أليام الشدائد!!!!‬
‫ً‬
‫‪26‬‬
‫اإلسالم بين العاملية واإلقليمية‬
‫لقد جاء هذا الدين لينقذ اإلنسان يف األرض من حمأة الطين إلى آفاق العقيدة املشرفة‪ ،‬ومن‬
‫تجمع الناس ىلع الحظيرة والكآل والعون إلى تجمعهم ىلع العقيدة والفكر‪ ،‬وكانت النواة األولى‬
‫التي بدأت مسيرة هذا الدين ىلع األرض تضم صهي ًبا الرومي وبالالً الحبشي وحمزة العربي ثم‬
‫سلمان الفارسي‪ ،‬وقد فهم املسلمون الذين اعتنقوا هذا الدين وضحوا من أجله بالغالي والرخيص‬
‫صعدا من السفح الهابط إلى القمة‬
‫ً‬ ‫أنهم قد تطهروا من نتن القوم ومن ظلمة الطين‪ ،‬وتدرجوا‬
‫ليستنشقوا أرج اآلفاق العليا‪ ،‬وعبق هذا الدين الفواح‪.‬‬
‫ولقد أقض هذا الدين مضاجع أعدائه خاصة أوروبا التي شنت حر ًبا شعواء دينية صليبية امتدت‬
‫قرنين كاملين حيث تطهرت بالد الشام منهم‪.‬‬
‫وكانت أكبر حربة وجهت إلى أوروبا والعالم النصراني فتح القسطنطينية ىلع يد محمد الفاتح‪.‬‬
‫وعندما هاجم نابليون مصر سنة ‪ 8971‬م واستخف باألزهر وضربه باملدفعية وأدخل خيله األزهر‬
‫فقام األزهر وحرك الشعب املسلم يف مصر‪ ،‬وأخي ًرا قام سليمان الحلبي أحد تالميذ األزهر وقتل‬
‫كليبر خليفة نابليون الفرنسي ىلع مصر‪.‬‬
‫وعندها فكر الغرب بأنه البد من اجتثات اإلسالم من أعماق هذه الشعوب اإلسالمية وتمزيقها‬
‫بالدعوات اإلقليمية والقومية‪.‬‬
‫فكان البد من تمزيق الدولة اإلسالمية العثمانية واستبدال القومية باإلسالم‪.‬‬
‫‪ -‬فبدأت الدعوة إلى القومية العربية‪.‬‬
‫‪ -‬جاء محمد علي باشا سنة ‪ 5081‬م إلى عرش مصر وبدأ بالتغريب والعلمنة‪.‬‬
‫‪ -‬ضرب الخالفة اإلسالمية يف عقر دارها يف استانبول‪.‬‬
‫‪ -‬بعد أن انتشرت األفكار القومية ىلع يد النصارى صار العرب يقدمون العربي النصراني ىلع‬
‫املسلم التركي والباكستاني واألفغاني‪ ،‬ووقف العرب يف الحرب األولى ضد األتراك مع اإلنجليز‬
‫والفرنسيين الصليبيين‪.‬‬
‫‪ -‬ثم انتقل الغرب خطوة أخرى‪ :‬وهي إحياء العصبية اإلقليمية النتنة‪.‬‬
‫شيعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ومزق العالم اإلسالمي شر ممزق وتفرقوا‬
‫والحمد هلل‪ :‬لقد كانت الصحوة اإلسالمية من بشائر الخير الكبيرة يف العقدين األخيرين‪،‬‬
‫ً‬
‫مرتبطا‬ ‫ضخما ىلع قلوب الشباب املسلم‪ ،‬ال زال الشباب املسلم‬
‫ً‬ ‫ولكن رواسب الجاهلية تكون ثق ً‬
‫ال‬
‫بالحدود الجغرافية التي رسمها أعداؤه‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫ال زال الشاب يشعر بالوحشة والغربة تجاه أخيه الذي يحمل نفس مبادئه ويعاني يف أعماقه‬
‫من اآلالم ويكابد من األشواق واآلمال التي تداعب خياله نفس الذي يعانيه أخوه‪.‬‬
‫ولكن اإلحساس لم يصل إلى نفس الحرارة والحرقة التي يحس بها ملن يشاركه قطعة األرض الصغيرة‬
‫املسماة بالدولة‪ ،‬وإن كانت مدينة واحدة‪.‬‬
‫ال زال وجهه ال يتمعر غض ًبا هلل ىلع دماء تسفك وأرواح تزهق من إخوانه املسلمين ىلع مقربة‬
‫منه؛ وذلك ألن لون جواز سفره أخضر‪ ،‬وجواز سفر أخيه أزرق‪.‬‬
‫ثلة الشرف والفخار‬
‫إن كلمة العربي تعتبر شبه مقدسة عند قادة األفغان الكبار‪ ،‬وكم من قضية كبرى ال يبتون بها‬
‫إال أن يرجعوا إلينا‪ ،‬وكم من مشكلة بين الفصائل ما حلها بإذن اهلل إال وجود العرب‪ ،‬وإن املجاهدين‬
‫األفغان ليخجلوا كثي ًرا أن يحصل بينهم خالف يف وجودنا‪ ،‬باإلضافة إلى استحيائهم ‪-‬من أنفسهم‪-‬‬
‫عندما يوسوس لهم الشيطان بالهجرة تحت ضغط الحاجة وثقل الجوع وحزن العوز‪ ،‬فكم من أسرة‬
‫ليس لها معيل إذ عائلها الوحيد منذ سنوات يف أرض املعركة ال يستطيع أن يكد للحصول ىلع‬
‫الرغيف ألسرته‪ ،‬وال تطاوعه نفسه أن يفارق الجبهة‪ ،‬وهو يرى العربي بجانبه قد هاجر من موطنه‬
‫والدنيا مقبلة عليه بخضرائها من أجل أن ينال شرف الجهاد‪.‬‬
‫ودعك عن الدور التربوي الهام الذي يقوم به الشاب العربي من تعليم القرآن واألذكار بعد‬
‫الصلوات‪ ،‬وتعليمهم صيام االثنين والخميس وقيام الليل وغير ذلك‪.‬‬
‫أسود خضابهم دم األسود‬
‫قصصا من البطوالت الفذة التي يحسبها القارئ ‪-‬الذي لم يذق‬

‫ً‬ ‫إننا نواجه أحيا ًنا يف السير واملغازي‬
‫واقعا يف عالم الحياة‪ -‬أقول‪ :‬يظنها القارئ ضر ًبا من تهويالت املؤرخين‬
‫ً‬ ‫طعم الجهاد ولم يزاوله‬
‫املشدوهين بإشراقة هذه الفترة الفذة من التاريخ‪ ،‬وأحيا ًنا يطوي كشحه (يميل جانبه) ال يريد أن‬
‫يلقي بأذن صاغية لهذه القصص التي يظنها القاعدون ضر ًبا من األساطير نسجه خيال املؤلفين‪.‬‬
‫والحق الذي ال مرية فيه أن الذي يعيش حياة الجهاد ويرى ضروب البطوالت الرائعة والتضحيات‬
‫الرائدة التي يقدمها املجاهدون تصبح هذه القصص لديه من املسلمات والبدهيات التي ال تحتاج‬
‫إلى إعادة وال تكرار‪ ،‬ودون حاجة إلى إيراد البراهين واألدلة ىلع صدقها‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫ملحمة اإليمان‬
‫الشرارة‬
‫كان اليوم السادس والعشرون من رمضان هو بداية املعركة‪ ،‬دك املجاهدون قواعد الكفار ًّ‬
‫دكا‬
‫وحديدا‪ ،‬وتوالت األيام واالنتصارات تتوالى‪.‬‬
‫ً‬ ‫مشهودا ال ترى السماء تمطر إال ناًرا‬
‫ً‬ ‫يوما‬
‫شديدا‪ ،‬وكان ً‬
‫ً‬
‫مرئيات وأسباب ومعطيات‪:‬‬

‫ومن خالل مراقبتي ملجريات املعركة رأيت أن العدو قد تكبد خسائر فادحة يف املعدات‬
‫واألرواح‪ ،‬فما من يوم يمر إال وتدمر مجموعة من اآلليات ويسقط بمعدل طائرة واحدة كل ثالثة أيام‪.‬‬
‫وهناك أسباب رئيسة كبرى للتحول الذي جرى يف هذه املعركة ولصالح املجاهدين‪.‬‬
‫أول هذه األسباب‪:‬‬

‫‪ - 1‬لطف اهلل العظيم الذي كان يلف املنطقة كلها بعنايته‪.‬‬
‫‪ - 2‬استبسال اإلخوة العرب يف داخل املعركة‪.‬‬
‫‪ -3‬وجود أجهزة الالسلكي مع الرصد املتقدم املتيقظ الذي كان يوجه كل قذيفة تخرج من‬
‫خالل أسلحة املجاهدين‪.‬‬
‫‪ - 4‬وجود القيادة يف وسط املعركة خاصة الشيخ سياف الذي لم يغادر أرض املعركة لحظة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬مهارات املجاهدين يف استعمال أسلحتهم خاصة الثقيلة منها‪ ،‬فقد كانت ضرباتهم مسددة‪.‬‬
‫‪ - ٦‬جبهــــات السحر الخاصة بالدعاء للمجاهدين والتي كانت تردد‪( :‬اللهم منزل الكتاب ومجري‬
‫السحاب وهازم األحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم)‪.‬‬
‫‪ - 7‬اتحاد كلمة املجاهدين‪.‬‬
‫هذه هي األسباب يف نظري التي أدت إلى ميالن الكفة لصالح املجاهدين‪ ،‬وإلى ارتفاع الخسائر يف‬
‫األرواح واملعدات لدى الكافرين‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫تحطيم القيود‬
‫إن أهم أغراض الجهاد يف سبيل اهلل هو رفع الظلم عن الناس‪ ،‬بل ما تنزلت الشرائع كلها إال‬
‫إلقامة القسط يف األرض ورفع الظلم عنهم‪.‬‬
‫إن رفع الظلم عن الناس هي مهمة األنبياء التي من أجلها تنزل الروح األمين من السماء‪ ،‬وله‬
‫نزلت الشرائع وأوحى اهلل بالكتب‪ ،‬واستمراء الظلم وقبول الهوان واالستنامة تحت نير العبودية‬
‫قرين الكفر‪.‬‬
‫وإن املستضعفين يف األرض الذين يعيشون تحت أقدام الجبابرة ليستحقون الخزي يف الدنيا‪،‬‬
‫والعذاب يف اآلخرة‪.‬‬
‫ولذا كانت أول آية نزلت إلباحة القتال تشير إلى العلة الحقيقية والسبب الرئيس له وهو إزالة‬
‫الظلم‪( :‬أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا‪[ )....‬الحج‪.]04-93 :‬‬
‫ونحن نقول‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن فريضة الجهاد من أهم الفرائض التي افترضها اهلل‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن مزاولة الفرائض اإلسالمية وأداءها أمر إلهي وتكليف رباني‪.‬‬
‫‪ - 3‬لقد ظلمنا يف كثير من البلدان اإلسالمية وحرمنا من أدنى الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات‪.‬‬
‫‪ - 4‬وبعد أن سلمنا أوطاننا ألعدائنا وحرمونا أن ندافع عن مقدساتنا وأن نحمي أعراضنا بعد هذا‬
‫كله حاولنا أن نجمع من بقي يف قلوبهم غيرة أو ممن يحمل يف نفسه بقية من رجولة أو شهامة‬
‫نحاول إزعاج اليهود الذين دخلوا املسجد االقصى آمنين مطمئنين فأبوا علينا وتكالبوا بقواتهم‬
‫يحولون بيننا وبين أعدائنا بخيلهم ورجلهم‪..‬‬
‫‪ - 5‬وبعد أن أبوا علينا الجهاد وحرموا علينا فريضة اإلعداد‪ ،‬وأصبح السالح يف العالم العربي‬
‫جريمة يؤخذ عليها بالنواصي واألقدام‪ ،‬وعندما أبينا أن نموت مستضعفين يف األرض تحت أقدام‬
‫الطغاة ونفضنا الذل عن عواتقنا‪ ،‬وخجلنا أن نرفع الشعارات البراقة واآلمال العريضة ونحن يف ذل‬
‫العبيد قررنا أن نهجر األرض التي يحرم فيها الجهاد ويعتبر جريمة موبقة رعناء‪.‬‬
‫إن تحريم الجهاد كفر يخرج من امللة‪ ،‬وإن محاربة أولياء اهلل ومطاردتهم يف بالدهم وإحصاء‬
‫أنفاسهم وعد نبضاتهم وتكميم أفواههم عمل عظيم عند اهلل يؤدي إلى خراب البالد وهالك‬
‫العباد‪.‬‬
‫فماذا تحكم الشريعة اإلسالمية ىلع الذين يحرمون الجهاد؟ ويسمون الزنا ًّ‬
‫فنا والربا فائدة‬
‫ً‬
‫وانحرافا؟‬ ‫ً‬
‫تطرفا‬ ‫واإلسالم رجعية والتمسك بدين اهلل‬
‫‪30‬‬
‫عزيمة وتصميم‬
‫لم يكن يدور يف خلدنا حينما فكرنا يف الدخول إلى أفغانستان أن الحاجة ماسة للعرب كما‬
‫اكتشفنا بعد دخولنا‪.‬‬
‫إن الذي كان يدور يف أذهاننا من مقاصد الدخول ثالثة أسباب رئيسة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬معرفة واقع الجهاد األفغاني ىلع حقيقته فوق أرض الواقع‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تسليم املساعدات الضئيلة القليلة ً‬
‫يدا بيد للمجاهدين الذين لم يغادروا خنادقهم منذ‬
‫احتدام القتال أيام تراقي ‪.8791‬‬
‫ومن خالل املعايشة مع الجهاد األفغاني أدركنا أن هنالك قضايا أخطر يحلها دخول العرب‬
‫للجهاد‪.‬‬
‫ومن هذه القضايا الرئيسة‪:‬‬
‫‪ - 1‬نقل الجهاد من قتال قوم ضد روسيا إلى جهاد إسالمي عاملي‪.‬‬
‫‪ - 2‬رفع معنويات املجاهدين األفغان التي تأثرت بطول الطريق وكثرة التضحيات‪.‬‬
‫‪ - 3‬تعليم املجاهدين‪ :‬وهذا دور يمكن أن يقوم به العرب؛ إذ إن أماكن الدعاة يف هذا املجال‬
‫شاغرة واليسدها غيرهم‪ ،‬إن حاجة الجهاد اآلن إلى الرجال الدعاة الحكماء أشد من حاجته إلى‬
‫السالح وإلى األطباء واملهندسين والعسكريين وغيرهم من أصحاب االختصاصات‪.‬‬
‫إن الجهاد األفغاني بحاجة شديدة إلى املال ولكن حاجته للرجال أشد‪.‬‬
‫‪ - 4‬إيقاف سيل الهجرة املتدفق فوجود العربي يف داخل الخندق مع املجاهد األفغاني يجعل‬
‫األفغاني يستبعد فكرة الهجرة‪ ،‬وكم من القادة الكبار قد منعهم من الهجرة وجود شاب عربي غض‬
‫اإلهاب بجانبه‪.‬‬
‫ً‬
‫متعطشا لدخول‬ ‫‪ - 5‬تحريك القتال باستمرار ضد الروس‪ :‬فإن العربي يأتي إلى أفغانستان‬
‫املعارك وال يفتأ صباح مساء يبدئ ويعيد يف قضية املعارك حتى يدخل األفغان يف معركة ولو‬
‫جدا لبقاء الكفار يف ارتباك واضطراب ال يتوقف مما ينهك قواهم ويضاعف‬
‫اضطراًرا‪ ،‬وهذا مهم ًّ‬
‫نفقاتهم وجنودهم وخسائرهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬مشاركة الطاقات اإلسالمية يف املعركة وصهر جميع هذه الطاقات يف بوتقة الجهاد‬
‫املبارك اإلسالمي يف أفغانستان‪ ،‬وىلع رأسها الطاقات العسكرية والهندسية واإلعالمية والطبية‪.‬‬
‫‪ - 7‬تقليل االختالفات بين الجبهات والتنسيق بينها يف العمل‪ ،‬ثم توحيدها يف النهاية‪.‬‬
‫مخاوف اليهود‬
‫‪31‬‬
‫أخذ اليهود يف أمريكا وفلسطين يحذرون من مغبة هذا التجمع وصاروا يوغرون صدور الذين‬
‫يمثلون مسرحية مطاردة املسلمين وخنق الشباب الصادقين‪ ،‬فصارت التأشيرة إلى باكستان أصعب‬
‫من تأشيرة الدول البترولية‪ ،‬وىلع الطريق إلى أفغانستان أعطيت التعليمات بعدم السماح ألي‬
‫عربي أن يمر عبر بعض النقاط البوليسية‪ ،‬وصار الشباب يمتطون صهوات الجبال ويمشون ليتخطوا‬
‫نقطة بوليسية فيها ضابط شديد أو عتل جبار عنيد‪.‬‬
‫ولذا فإننا أخذنا ىلع أنفسنا أن نواصل تحريضنا للشباب العربي بالقدوم إلى أرض الجهاد‪ ،‬وأن ال‬
‫نتوقف يف مسيرتنا نتحمل أقصى ما يمكن أن نحتمله من أعباء الجهاد األفغاني‪ ،‬وأن نبذل قصارى‬
‫جهدنا يف محاولة إعادة العلماء إلى داخل املعركة بكفالة أسرهم‪ ،‬وكذلك حفظ ماء وجوه القادة‬
‫الذين يرابطون يف امليدان منذ عشر سنوات نخلفهم يف أسرهم بخير‪.‬‬
‫مسيرة شعب اإلباء‬
‫يكاد املؤرخون يجمعون ىلع أن أكثر شعب يف القرون الثالثة األخيرة إن لم يكن أكثر شعب يف‬
‫البشرية ضحى لصون كرامته وحفظ عزته وحماية شرفه هو الشعب األفغاني املسلم‪.‬‬
‫إجماع‪:‬‬
‫ويجمع املراقبون أن الجهاد األفغاني خارقة من خوارق العصر أذهلت املؤرخين أن يفسروها‪،‬‬
‫وحارت عقول املراقبين يف فهمها‪ ،‬وكما قال الصحفي الكندي عندما رأى انتصار املجاهدين ىلع‬
‫الروس‪( :‬إنها حقائق ولكني ال أستطيع تفسيرها)‪..‬‬
‫وقد كنت أتحدث مع فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز عن الجهاد فقال‪ :‬ما كنا نظن أن هذا الشعب‬
‫يصمد أمام الروس سبعة أيام فض ً‬
‫ال عن أن يصبر سبع سنوات‪.‬‬
‫لقد كان القتال ضد الروس سابع االنتفاضات التاريخية لألفغان‪:‬‬
‫أعلنت الحركة اإلسالمية جهادها املسلح ضد داود سنة ‪ ،5791‬وكان ىلع رأس الحركة آنذاك‬
‫(رباني وسياف وحكمتيار)‪ ،‬ثم كان الجهاد العام والنفير الكبير بعد االنقالب الشيوعي السافر الذي‬
‫جاء بتراقي إلى الحكم يف ‪ 72‬نيسان سنة ‪ 8791‬وقد أعلنه العلماء وانضموا وراء ركب الحركة‬
‫اإلسالمية التي سبقتهم إلى امليدان بثالث سنوات‪.‬‬
‫واآلن‪:‬‬
‫مضى ىلع الشرارة األولى التي انطلقت ضد داود سنة ‪ 5791‬واستمرار املعركة إلى أيام تراقي‬
‫‪32‬‬
‫عاما‪ ،‬والحمد هلل فاملجاهدون‬

‫حيث اندلع الجهاد يف كل أفغانستان إلى يومنا هذا ثالثة عشر ً‬
‫منتصرون وصامدون‪.‬‬
‫فهل يكون الجهاد األفغاني بداية التحول التاريخي لإلسالم؟ أم هل يكون الجهاد األفغاني بداية‬
‫تحول تاريخ العالم أجمع؟‬
‫مصانع األبطال‬
‫إن لألم دوًرا كبي ًرا يف بناء الجيل‪ ،‬وبقدر النجاح الذي تحققه يف تربية األم يكون النجاح الذي‬
‫تحرزه يف بناء األمة وصناعة األبطال‪ ،‬ولذا كان الحفاظ ىلع هذا الود ومقابلة هذا الجميل بالوفاء‬
‫والبر فريضة من فرائض اإلسالم مقرونة بكلمة التوحيد‪( :‬وقضى ربك أال تعبدوا إال إياه وبالوالدين‬
‫إحسا ًنا) [اإلسراء‪.]23 :‬‬
‫ويعتبر العقوق قري ًنا للكفر‪ ،‬ويحتل احترام األم منزلة رفيعة يف سلم اإلسالم‪ ،‬وله ثقل كبير يف‬
‫ميزانه‪.‬‬
‫ويف أفغانستان املسلمة نماذج رفيعة من األمهات سواء من داخل أفغانستان أو من العالم‬
‫اإلسالمي نتعرف عليها من خالل الرسائل التي تردنا عبر بريد مجلة الجهاد‪ ،‬ومن خالل هذه النماذج‬
‫فاطمة أم فيصل املكية‪.‬‬
‫فلقد كانت فاطمة أم األوالد الستة تحلم أن ترى ابنها فيص ً‬
‫ال يحظى بفتاة أحالمه‪ ،‬ولم يبق من‬
‫أبنائها غيره ممن لم يكمل نصف دينه اآلخر‪.‬‬
‫وحين فاتحها ولدها بما يكنه بين جوانحه قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫لقد قرأت كتا ًبا عن الجهاد األفغاني اسمه‪( :‬آيات الرحمن يف جهاد األفغان) يتكلم عن قضية‬
‫خطيرة كبيرة يف حياة املسلمين وهي قضية الجهاد‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ولكن هذه البالد بعيدة ًّ‬
‫جدا‪ ،‬فأجابها‪ :‬أولسنا املسلمين؟ أو ليست أرض اإلسالم كالبقعة‬
‫الواحدة؟‬
‫وطفق فيصل يرتب نفسه ويعد لألمر عدته‪ ،‬ويتخذ له أهبته وفاض الغرام واحترق الكبد من‬
‫الشوق‪ ،‬فباع أثاث زواجه واستعد للرحيل نحو الجهاد‪ ،‬وتعلقت أمه به‪ ،‬ال بد أن أرافقك مسيرة طريق‬
‫العرق والدماء وال بد أن أسير فوق جادة الجهاد‪.‬‬
‫ويعجب فيصل‪ :‬وهل ملثلك دور يف هذا الدرب املضني؟ سيما وقد نيفت ىلع السبعين؟‬
‫وتجيب األم‪ :‬نعم أستطيع أن أغسل ثياب املجاهدين‪ ،‬وأن أطبخ طعامهم‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫وتصر الوالدة ىلع القدوم إلى أرض الجهاد وقدمت فاطمة إلى بيشاور وزارت األرامل واأليتام‪،‬‬
‫وحاول ابنها أن تعود إلى جدة‪ ،‬وبعد جهد جهيد توصال إلى قبول تحكيمي فقالت له‪ :‬لن أرجع‬
‫حتى أسأل الشيخ عبد اهلل عزام‪.‬‬
‫وجاء فيصل بأمه لتطمئن إلى جواز رجوعها إلى جدة‪ ،‬وإلى الحكم الشرعي أن اهلل يعذرها‬
‫بالعودة فأفتيتها بجواز رجوعها فغادرت وهي مطمئنة أنها من أصحاب األعذار‪.‬‬
‫نظرت إلى هذه العجوز بإكبار وانبهار‪ ،‬ثم قلت يف نفسي أنها مكية ولعلها قرشية‪ ،‬فال غرو يف‬
‫هذا فقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬خير نساء ركبن اإلبل نساء قريش‪ ،‬أحناه ىلع ولد يف صغره‪،‬‬
‫وأرعاه ىلع زوج يف ذات يده) متفق عليه‪.‬‬
‫نموذج فقط‪:‬‬
‫وليست القصة هي قصة فاطمة ‪-‬أم فيصل‪ -‬وحدها‪ ،‬ولكنها قصة الكثيرات اللواتي يتقلبن ىلع‬
‫ً‬
‫شوقا لرؤية الجهاد‪ ،‬وتحلم كل واحدة منهن بفتى أحالمها أن يكون ممن يمتشقون السالح‪،‬‬ ‫اللظى‬
‫ويمتطون صهوات الجياد‪ ،‬ويحيون يف قمم الجبال‪.‬‬
‫الرسائل‪:‬‬
‫وكم من الرسائل ترد إلينا من فتيات جامعيات أو معلمات ومن جميع الطبقات أنها تود أن تحظى‬
‫بمحرم يحضرها إلى أرض البطوالت‪ ،‬أما وقد يئست أن تجد من محارمها يف النسب فال عدمت أن‬
‫تجد املحرم األخير وهو الزوج‪.‬‬
‫هكذا علمني الجهاد‬
‫لم يعد خاف ًيا ىلع ذي بصيرة أن الجهاد اإلسالمي يف أفغانستان أصبح مدرسة فذة يتتلمذ‬
‫فيها العالم اإلسالمي أجمع‪.‬‬
‫وقد شرفني اهلل أن أكون بين التالميذ الذين ينهلون من معين هذا الجهاد‪ ،‬وأستطيع بعد ست‬
‫سنوات متواصلة من هذا الشرف العظيم أن أسجل ىلع عجل وبخطوط عريضة بارزة القواعد الكبرى‬
‫التي خلصت إليها من أفغانستان وفلسطين‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إن عقيدة القدر ال يمكن أن تتجلى واضحة يف النفس البشرية يف ميدان أكثر منه يف‬
‫ساحة الجهاد‪ ،‬وال يمكن أن تتمثل عقيدة التوكل ىلع رب العاملين حية بمثل أرض القتال وميدان‬
‫‪34‬‬
‫النزال‪ ،‬وخاصة يف قضيتي األجل والرزق اللتين تمثالن أعظم عمودين يف الحياة البشرية‪.‬‬
‫العقدة الكبرى‪ :‬إن أكبر عقدة يف حياة الدعاة هي عقدة الخوف (الخوف ىلع الرزق واألجل) فإذا‬
‫انحلت هذه العقدة انحلت العقد كلها‪ ،‬ويف هذه األيام أصبحت عقدة املخابرات هي العقدة التي‬
‫شبحا‬
‫ً‬ ‫أحالت الدعوة والحركة إلى إشارات خفية وألغاز معماة سرية‪ ،‬وذلك ألن املخابرات يمثلون‬
‫ً‬
‫خوفا ىلع رزقهم أو أجلهم‪.‬‬ ‫رهي ًبا يطارد الدعاة يف سباتهم‪ ،‬ويقض عليهم مضاجعهم‪ ،‬وذلك‬
‫والجهاد‪ :‬تحرر من جميع العقد‪.‬‬
‫مجاهدا؛ ألن أعز ما‬
‫ً‬ ‫ثان ًيا‪ :‬العزة‪ :‬ومما علمني الجهاد أن املسلم أعز مخلوق يف األرض إذا كان‬
‫يملك املرء هي الروح‪ ،‬وهو يخاطر بروحه ويعرضها كل يوم ىلع خالقها ليتسلمها‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫لهذا اإلنسان أن يحني هامته أو يذل عنقه إلنسان؟‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬حقارة الحياة وصغرها يف نظر املجاهد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬وتعلمت أن الحياة الحقيقية هي حياة الجهاد واملجاهد‪ ،‬ولذا فإني أعتبر عمري اآلن‬
‫ً‬
‫سبع سنوات‪ ،‬وهي التي قضيتها يف الجهاد ست منها يف أفغانستان‪ ،‬وسنة وبضعة أشهر يف‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬وعلمني الجهاد أن اإلسالم شجرة ال تعيش إال ىلع الدماء‪ ،‬فإذا جفت الدماء ذوت عروق‬
‫ً‬
‫هذا الدين وذبلت واضمحلت وضمرت‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬وخرجت من الجهاد بيقين‪ :‬أن الجهاد ضروري ًّ‬
‫جدا للحركة اإلسالمية‪ ،‬وكذلك فالحركة‬ ‫ً‬
‫اإلسالمية ضرورية إلشعال زناد الجهاد وقيادته‪ ،‬والشعب ضروري للحركة اإلسالمية حتى يستمر‬
‫جهادنا بهذا الوقود وهو الشعب‪..‬‬
‫واقعا يف األرض‪ ،‬والذين يقضون‬
‫ً‬ ‫سابعا‪ :‬إن هذا الدين ال يفهم إال من خالل الجهاد به إلقراره‬
‫ً‬
‫حياتهم بين صفحات الكتب وأوراق الفقه ال يمكن أن يدركوا طبيعة هذا الدين إال إذا جاهدوا‬
‫لنصرته‪ ،‬فهذا الدين ال يفهم أسراره فقيه (وإنه لجهل فاضح بطبيعة هذا الدين أن يفهم أحد أنه‬
‫يستطيع التفقه يف هذا الدين وهو قاعد يتعامل مع األوراق الباردة‪ ،‬ويستنبط الفقه من قوالبه‬
‫الجامدة‪ ،‬إن الفقه ال يستنبط إال يف مجرى الحياة الدافق ومع الحركة بهذا الدين يف عالم الواقع)‬
‫سيد قطب‪.‬‬
‫ثام ًنا‪ :‬وعلمني الجهاد‪ :‬أن الدولة اإلسالمية ال يمكن أن تقام إال من خالل جهاد شعبي طويل‪،‬‬
‫ومن خالل هذه املسيرة تبرز القيادات الحقيقية من خالل الشجاعة والتضحية‪ ،‬ويكون الخليفة‬
‫أحد هؤالء املجاهدين‪ ،‬ولقد كان ميزان التفاضل بين الصحابة عدد الغزوات والسرايا التي شهدها‪،‬‬
‫ولذا لم يحتج أبو بكر عند إجماع األمة ىلع انتخابه خليفة إلى تزكية أحد أو إلى دعاية انتخابية‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫تاسعا‪ :‬وعلمني الجهاد‪ :‬أن الدولة اإلسالمية التي تقوم من خالل الجهاد ال يمكن القيام بانقالب‬
‫ً‬
‫عسكري عليها؛ ألن الناس كلهم يحملون السالح‪ ،‬وألن مقادير القيادة فيها برزت من خالل أعمالهم‬
‫وصبرهم وتضحياتهم‪.‬‬
‫عاش ًرا‪ :‬وعلمني الجهاد‪ :‬أن الجهاد أفضل وسيلة لتربية النفس البشرية؛ إذ إن الخطر يعري‬
‫الفطرة لبارئها‪ ،‬وأهوال الحرب تفتح القلب لالتصال بخالقه‪.‬‬
‫أصالة الشعب األفغاني املسلم‪.‬‬
‫من نعم اهلل ىلع أفغانستان أنها ما حنت هامتها ملستعمر‪ ،‬وال أذلت عنقها لغاز إال هلل الذي‬
‫ساق جنده يحملون مشاعل نور اإلسالم‪.‬‬
‫لقد نفى كير أفغانستان كل خبث غريب وطئ أرضها‪ ،‬ولفظت أرضها الطيبة كل نجس جاء‬
‫يدنس تربتها‪.‬‬
‫أما عن حياء الشعب األفغاني‪ :‬لقد سارت به الركبان وتحدث به الشعراء خاصة عن حياء املرأة‪.‬‬
‫وأعداء اهلل يدركون أكثر من غيرهم أن تدمير فطرة املرأة هي أقصر طريق النهيار املجتمع‪،‬‬
‫ولذا فقد ركزوا ىلع املرأة يف البلدان اإلسالمية خاصة يف‪:‬‬
‫تركيا‪ :‬عاصمة اإلسالم السياسية‪.‬‬
‫ومصر‪ :‬عاصمة اإلسالم العلمية‪.‬‬
‫وكانت األنظمة الثورية هي القفاز الذي يضرب به أعداء اهلل‪ ،‬والحربة التي يمزقون بها حجاب املرأة‪،‬‬
‫ويمسخون شخصيتها‪ ،‬ويدمرون إنسانيتها‪.‬‬
‫ولقد تمرد الجيل بجنسيه ‪-‬ذكرهم وأنثاهم‪ -‬ىلع القيم واملبادئ ومزقوا برقع الحياء‪ ،‬وانفلتوا‬
‫من كل التقاليد املحافظة واآلداب االجتماعية‪ ،‬وانطلقوا ال يلوون ىلع شيء‪ ،‬فال حرمة ألب وال‬
‫ألسرة وال لدين وال ملجتمع‪.‬‬
‫أما يف أفغانستان‪:‬‬
‫فقد وجدت املرأة فيها قلعة شامخة وحص ًنا حصي ًنا يأوي إليه هذا الدين كلما اشتدت املحن‬
‫وادلهمت الخطوب‪.‬‬
‫ولقد رأيت املرأة األفغانية أثناء هجرتها تمسك ابنها بيد وتمسك باألخرى نقابها الذي تخشى أن‬
‫يسقط عن وجهها ىلع طول طريق العرق والدم واملرارة والحرمان وهي تكابد حرارة الجو الالهبة‬
‫حمارة القيظ‪.‬‬
‫ولفح الهجير يف ّ‬
‫أما عن احترامهم للشعائر اإلسالمية وأهلها فحدث عنه وال حرج‪:‬‬
‫‪36‬‬
‫فعلماؤهم وحفظتهم يحتلون مكانة مرموقة يف املجتمع ويف أعماق قلوب أبنائه‪ ،‬وتجد‬
‫جميعا مؤمنهم وفاسقهم وفاجرهم يجل العالم ويحترمه‪.‬‬
‫ً‬ ‫األفغان‬
‫أما عن القرآن وأهله‪:‬‬

‫فحامل القرآن له توقير عجيب وإجالل غريب واحترام كبير يف نفوس األفغان؛ فاألفغان يحملون‬
‫أمتعتهم وأسلحتهم ىلع الخيول والبغال‪ ،‬ولكنهم يرفضون أن يضعوا عليها املصاحف مهما كانت‬
‫ثقيلة وناءت بحملها كواهلهم‪.‬‬
‫وال يمكن لألفغاني أن يتقدم ىلع حامل القرآن أو يسبقه يف شيء أو يتصدر عليه يف مجلس‪.‬‬
‫أما الترفع عن الدنايا‪:‬‬

‫فكفى األفغان فخ ًرا أن منهم ثالثة ماليين ونصف املليون يف باكستان تسحقهم الفاقة ويبيد العري‬
‫واملرض والجوع خضراءهم‪ ،‬ومع هذا كله‪ :‬يصعب ىلع البوليس الباكستاني أن يسجل حادثة سرقة‪.‬‬
‫ولقد رأيت أن أصالة الشعب األفغاني بإباء رجاله وحصانة نسائه مع الحياء والعفة والوفاء‬
‫وسالمة الجبلة والفطرة تكون ملجموعها‪ :‬قاعدة صلبة يمكن أن يقام عليها هذا الدين ويشاد‬
‫فوقها صرحه العظيم‪.‬‬
‫فهل ينتبه املسلمون إلى هذا الكنز العظيم بين أيديهم (الشعب األفغاني وجهاده)؟ وهل‬
‫يقف املسلمون بجانب هذا الشعب الكريم وينهلون معه من نفس املعين؟ هل يبادر املسلمون‬
‫للحفاظ ىلع هذه القاعدة الصلبة لعلها تكون بإذن اهلل املنطلق لهذا املارد الجبار ولهذا العمالق‬
‫الكبير ليحرر اإلنسان املعذب يف األرض؟ أم تفلت من بين أيديهم هذه الفرصة الذهبية كما أفلتت‬
‫من أيديهم فرص كثيرة؟‬
‫مدرسة الجهاد اإليمانية‬
‫لقد سمعت الرئيس الباكستاني ضياء الحق ذات مرة يتحدث قائ ً‬
‫ال للسفير الروسي‪ :‬لقد وصلت‬
‫روسيا القمر وغزت الفضاء ولكن يبدو أنها لم تدرس التاريخ‪ ،‬فسأله السفير الروسي وكيف؟ فقال‪ :‬لو‬
‫درست التاريخ ملا غلطت هذه الغلطة الكبرى وهي دخولها إلى أفغانستان!‬
‫‪37‬‬
‫الجهاد ضد الشيوعية‪:‬‬
‫طول مدة الجهاد‪:‬‬
‫إن حكمة اهلل البالغة قضت أن تفشل محاوالت اإلطاحة بنظام داود العلماني ليأتي اهلل بهذا‬
‫الجهاد ىلع يد هذا الشعب املجاهد الفذ‪ ،‬وشاءت إرادة اهلل أن يستمر هذا الجهاد هذه السنين‬
‫العشر التي دارت فيها رحى الحرب ثقيلة سريعة تطحن أعصاب هذا الشعب وتسحق أبناءه‪ ،‬ويدفع‬
‫ً‬
‫باهظا‪ ،‬والتكاليف عالية‪ ،‬والتضحيات جبارة‪ ،‬ليتحول الجهاد إلى مدرسة إيمانية وجامعة‬ ‫فيها الثمن‬
‫ربانية تتفتح ىلع حرارتها براعم كامنة يف أرجاء العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫عقيدة التوكل ىلع اهلل‪:‬‬

‫لقد بنى الجهاد اإلسالمي يف أفغانستان عبر السنين التسع املاضية عقيدة التوكل ىلع اهلل‬
‫يف قلوب أبناء هذه األمة املسلمة‪ ،‬وأعاد الثقة باهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬يف أعماقهم‪ ،‬فعندما يشاهد‬
‫الشاب هوان روسيا وإذاللها ىلع يد هذا الشعب البطل الفذ ال يملك إال أن يردد‪( :‬ال إله إال اهلل وحده‬
‫صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم األحزاب وحده)‪.‬‬
‫راجعا من أفغانستان يصرح ىلع التلفاز األمريكي قائ ً‬

‫ال‪( :‬عندما‬ ‫ً‬ ‫روسيا‬
‫ًّ‬ ‫جنديا‬
‫ًّ‬ ‫عندما يسمع املؤمن‬
‫نسمع صيحة اهلل أكبر نبول يف ثيابنا) يدرك عظمة رب العاملين وهوان الكافرين وعزة املؤمنين‪.‬‬
‫أثر الجهاد األفغاني يف نفوس الشعوب املسلمة‪:‬‬
‫وعندما يقف الشاب العربي املسلم فوق ذرى الهندكوش ويرى هزيمة روسيا أمام جنود اهلل‬
‫الحفاة العراة الجياع يدرك أن إسرائيل ال يمكن أن تحتمل سوى عدة ضربات تحت مطارق اإليمان‬
‫وأمام سياط جند الرحمن‪.‬‬
‫موقف اإلعالم اليهودي الذي يسيطر ىلع الغرب‪:‬‬

‫ولقد عز ىلع اليهود أن يروا ثمرات هذا الجهاد املبارك توك ً‬
‫ال ىلع اهلل‪ ،‬وثقة بعظمته‪ .‬ومما‬
‫أذهلهم أن يروا أن الشباب الذين أغرقوهم بالترف وشغلوهم بمتاع الدنيا الرخيص قد انطلقوا‬
‫من املستنقع إلى هناك‪ ،‬فانطلق اإلعالم الغربي يشوه صورة الجهاد‪ ،‬ويصور أن الجهاد عبارة عن‬
‫مجموعات من قطاع الطرق يعيشون ىلع تناول الحشيش واملخدرات‪ ،‬بل يزعمون أن هذا الجهاد‬
‫املبارك إن هو إال انتفاضات من القبائل التي تدافع عن مزارع الحشيش التي تصب عليهم ميازيب‬
‫الذهب والجواهر‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫أقول‪ :‬هذا يصور يف نظر العالم من خالل اإلعالم الغربي اليهودي أنه حرب النجوم والكواكب‪،‬‬
‫وقودا يف‬
‫ً‬ ‫وأنه صراع بين العمالقين الكبيرين‪ ،‬وما الشعب األفغاني إال ألعوبة بيد أمريكا تقدمه‬
‫معركة أهوائها ومصالحها وقرابين ىلع مذابح شهواتها‪.‬‬
‫لقد عز ىلع أمريكا أن ترى أن الجهاد األفغاني أصبح يشغل ذهن كل شاب مسلم وأصبح‬
‫الجهاد األفغاني رمز العزة يف نظر كل شاب مسلم‪ ،‬وأصبح املثل الرائع الذي يحاول الشباب تقليده‬
‫أولئك األبطال الذين يهزون األرض تحت أقدام روسيا‪ ،‬فأصبح القادة واألبطال مادة األناشيد‪ ،‬وحديث‬
‫الشعراء‪ ،‬وأحرف األدباء‪ ،‬وعادت األسر تنتظر صدور املجالت الجهادية بفارغ الصبر‪ ،‬وكم من شاب‬
‫حرفا ً‬
‫حرفا‪.‬‬ ‫أرسل إلينا يقول‪ :‬إننا نقرؤها ً‬
‫التكالب الغربي والشرقي ىلع إيقاف الزحف‪:‬‬

‫ولذا ومنذ أن عاد نيكسون وكارتر من أرض املهجر والجهاد وأعلن نيكسون (أن املشكلة الكبرى‬
‫هي اإلسالم‪ ،‬والبد من أن نتفق مع روسيا إليقاف الزحف اإلسالمي) منذ ذلك الوقت وأمريكا مع‬
‫جميعا فيما لو قدر اهلل لإلسالم أن‬
‫ً‬ ‫روسيا تبحثان عن مخرج من الورطة التي قد تودي بمصالحهم‬
‫ً‬
‫شامخا فوق أرض أفغانستان‪.‬‬ ‫يقف‬
‫ثمار املدرسة الدانية‪:‬‬

‫وإنك لتستشعر العظمة اإليمانية والعزة اإلسالمية وأنت تسمع تصريحات قادة الجهاد؛ إذ يصرح‬
‫يونس خالص‪ ،‬ويقول‪ :‬ما قابلت ريغان إال ألعرض عليه اإلسالم‪ ،‬وكذلك موقف حكمتيار وهو يرفض‬
‫مقابلة ريغان‪.‬‬
‫إن الحكم إال هلل‬
‫يدرك كل من له طرف إملام بهذا الدين‪ ،‬أن الدين قاعدته الكبرى ومحوره األصيل هو ال إله إال‬
‫اهلل محمد رسول اهلل‪ ،‬والحكم بما أنزل اهلل جزء ال يتجزأ عن هذا الدين‪ ،‬فلو مثلنا هذا الدين بقطعة‬
‫نقود فإن وجهها األول مكتوب عليه‪( :‬ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل) والوجه الثاني مسطر عليه‪:‬‬
‫(إن الحكم إال هلل أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين القيم)‪.‬‬
‫شبحا رهي ًبا يقض مضاجع‬
‫ً‬ ‫والحكم اإلسالمي الذي يمثله شخص الخليفة لينفذ دين اهلل بقي‬
‫الغرب ويؤرق أجفانهم‪ ،‬وبقيت اإلطاحة بهذا الصرح الشامخ شغل أوروبا الشاغل ثالثة قرون‪ ،‬وأعملوا‬
‫‪39‬‬
‫فيه معاولهم حتى أجهزوا عليه يف ‪ ،4291/3/3‬واتفقوا ىلع أربعة شروط‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يطاح بصرح الخالفة‪.‬‬
‫‪ -2‬سحق أية محاولة إلعادة الخالفة‪.‬‬
‫‪ -3‬محاربة الشعائر اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬اتخاذ قوانين غربية وضعية بدل الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬وبعد اإلطاحة بالخالفة اتفق العالم كله ىلع‪:‬‬

‫‪ -1‬اجتثاث أي تجمع يدعو للحكم باإلسالم من الجذور‪.‬‬
‫‪ -2‬سحق طالئع البعث اإلسالمي أينما وجدت‪.‬‬
‫‪ -3‬تمييع عبادة الجهاد ومصطلحاتها وشن حملة رهيبة ىلع هذه العبادة باعتبارها وحشية‬
‫همجية ال تصلح إال لشرائع الغاب‪.‬‬
‫‪ -4‬إغراق الجيل يف مستنقع جنسي آسن‪.‬‬
‫‪ -5‬تصفية األجهزة من ذوي االلتزام اإلسالمي املتميز وخاصة أجهزة األمن والجيوش واإلعالم‬
‫والخارجية والجامعات‪..‬‬
‫وقضية تنحية دين اهلل عن الحياة وإحالل شرائع وضعية مكانها خطوة هائلة‪ ،‬وقد كانت قاصمة‬
‫الظهر لدى األمة املسلمة يف مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬ولم تصب البشرية نكبة أعظم منها‪.‬‬
‫واآلن‪ :‬والجهاد األفغاني اإلسالمي ىلع أبواب قطف ثمرته‪ ،‬والروس يلمون أذيالهم لينسحبوا خز ًيا‬
‫نادمين بعد أن شهدت ذرى الجبال والسفوح والوهاد وشعاب الطرق هزائم ساحقة للجنود الحمر‪،‬‬
‫وشمخت الهندوكوش بقممها تناطح عنان السماء عزة وافتخاًرا وشك ًرا لرب العزة الذي نصر عبده‬
‫وأيد جنده وهزم األحزاب وحده‪.‬‬
‫أقول‪ :‬اآلن جاء دور التكالب العاملي حتى ال ترى هذه البقاع راية ال إله إال اهلل الحقة ترفرف فوق‬
‫أرض الدماء والشهداء‪.‬‬
‫شهادة التاريخ‪:‬‬
‫ولقد انتهت الحروب األفغانية اإلنجليزية الثالث بمجيء رجل لم يرق نقطة واحدة من عرق‬
‫جبينه يف الجهاد‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫واآلن هنالك التكالب العاملي وإجماعه ىلع أن ال تقوم دولة اإلسالم بعد هذا الجهاد اإلسالمي‬
‫العريق‪.‬‬
‫وهنالك ألب قوى الكفر ىلع حرمان قادة الجهاد من ثمار جهادهم ومنعهم من حصاد جني دماء‬
‫مليون ونصف مليون شهيد‪ ،‬وحجتهم أن هؤالء القادة أصوليون‪.‬‬
‫ظاهر شاه‪:‬‬
‫وهنالك اإلجماع ىلع إرجاع ظاهر شاه ‪-‬الشيوعي الخبيث كاره اإلسالم‪ -‬وذلك لتجميع العلمانيين‬
‫حكما وال يدير بلدية فض ً‬
‫ال عن أن‬ ‫ً‬ ‫صحيا ال يستطيع أن يزاول‬
‫ًّ‬ ‫تحت لوائه وكنفه مع أن ظاهر شاه‬
‫يدير مملكة‪.‬‬
‫فهل يفتي عالم من علماء اإلسالم أن الذي يفعل هذا يبقى يف حظيرة اإلسالم لحظة؟ إن هذا‬
‫وأمثاله قد خلعوا ربقة اإلسالم من أعناقهم‪.‬‬
‫ثم بعد هذا الجهاد املشرف واملجد األمثل والعز األصيل ‪-‬الذي قدم له من التضحيات ما ناءت‬
‫به كواهل الشعب األفغاني‪ -‬أقول‪ :‬أبعد هذا نعود إلى النقطة التي بدأنا منها؟‬
‫أبعد أن جرت الدماء أنهاًرا ودموع األرامل واليتامى والثكالى جداول يحرم الشعب املسلم من التفيؤ‬
‫يف ظالل هذا الدين؟‬
‫كل هذا الجهاد الذي خلف وراءه قرابة مليون يتيم مع ثالثمائة ألف أرملة وقرابة مليوني جريح‬
‫ومعوق ومشوه‪ ،‬أبعد هذا نرجع إلى الطاغوت ظاهر شاه؟‬
‫هل أقبل العرب ىلع هذا الجهاد ليعيدوا تنصيب امللك املخلوع ىلع جماجمهم وأشالئهم أم‬
‫من أجل نصرة اإلسالم وإقامة حكم اهلل يف األرض؟‬
‫لقد نص دستور االتحاد اإلسالمي ملجاهدي أفغانستان أن الهدف من هذا االتحاد إقامة حكم‬
‫اهلل يف األرض املنبثق من قوله تعالى‪( :‬إن الحكم إال هلل)‪.‬‬
‫وإن اشتراك أية جهة يف حرمان الشعب األفغاني املسلم من رؤية إسالمه متمث ً‬
‫ال يف نظام‬
‫الحياة جريمة تاريخية وخيانة كبرى هلل ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬ومعرة ووصمة عار لن تمسح من جبين‬
‫مرتكبيها ىلع توالي األيام وتعاقب األزمان‪.‬‬
‫وختاما نقول‪:‬‬
‫ً‬
‫إن الجهاد مستمر ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬حتى ترتفع راية ال إله إال اهلل خفاقة يف أفغانستان‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫القاعدة الصلبة‬
‫كل مبدأ من املبادئ البد له من طليعة تحمله‪ ،‬وتتحمل وهي تشق طريقها إلى املجتمع‬
‫تكاليف غالية وتضحيات باهظة‪ ،‬وما من عقيدة من العقائد أرضية كانت أو سماوية إال واحتاجت إلى‬
‫هذه الطليعة‪ ،‬وهذه الطليعة تمثل القاعدة الصلبة للمجتمع املأمول‪.‬‬
‫وشعار حامل العقيدة من أبناء هذه الطليعة البد أن يكون‪( :‬قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فال‬
‫تنظرون إن وليي اهلل الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) [األعراف‪.]691-591 :‬‬
‫ما كنت أدرك أبعاد التركيز ىلع طول فترة التربية املكية كما أدركها اآلن بعد أن خضت غمار‬
‫الجهاد األفغاني‪ ،‬ولقد سبرت أعماق املسألة فوجدت التربية العقدية الطويلة‪ :‬هي أساس املجتمع‬
‫ال ًّ‬
‫هشا‬ ‫اإلسالمي وعموده‪ ،‬وبدونها ال يمكن أن يقوم املجتمع الرباني‪ ،‬وإن قام فإنه سيكون هيك ً‬
‫سرعان ما ينهار لهبة ريح أو مرور عاصفة‪.‬‬
‫وخرجت بقاعدة أساسية لبناء املجتمع اإلسالمي وهي‪:‬‬
‫إنه ال يمكن للمجتمع اإلسالمي أن يقوم بدون حركة إسالمية تشب ىلع نار املحنة‪ ،‬وينضج‬
‫أفرادها ىلع حرارة االبتالء‪ ،‬وهذه الحركة تمثل الصاعق الذي يفجر طاقات األمة‪ ،‬ويقوم جهاد طويل‬
‫تمثل فيه الحركة اإلسالمية دور القيادة والريادة واإلمامة واإلرشاد‪.‬‬
‫الخطوط الرئيسة لتربية العصبة املؤمنة والطليعة الرائدة‪:‬‬

‫‪ -1‬البد أن تشب يف أتون املحن وأمواج البالء‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون القيادة املربية تشاركها مسيرة االبتالء والعرق والدماء‪.‬‬
‫‪ -3‬والبد لهذه الطليعة أن تترفع عن متاع الدنيا الرخيص‪ ،‬ويكون لها طابع متفرد من حيث الزهد‬
‫والتقشف‪.‬‬
‫‪ -4‬وكذلك يجب أن تكون ممتلئة باليقين الراسخ بالعقيدة مع األمل العريض الذي يمأل جوانحها‬
‫بانتصارها‪.‬‬
‫‪ -5‬والبد من اإلصرار والعزيمة ىلع مواصلة السير مهما طال األمد‪.‬‬
‫‪ -6‬وزاد الطريق من أهم ضرورات املسيرة وهو النوافل والصبر والصالة‪.‬‬
‫‪ -7‬الوالء والبراء‪.‬‬
‫‪ -8‬البد أن تدرك املخططات العاملية ضد اإلسالم‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫وهناك أسباب رئيسة لهذه التربية الطويلة‪:‬‬

‫‪ -‬ألن طول التضحية وفداحة التكاليف مع طول الزمن يؤدي إلى امللل واليأس‪ ،‬إال إذا كانت هذه‬
‫التربية العميقة هي صمام األمن لهذه املسيرة‪.‬‬
‫‪ -‬ألن اإلغراءات واملساومات ىلع الطريق مستمرة ولكنها كلما اقتربت من النصر تزداد العروض‬
‫ومحاوالت االحتواء‪ ،‬فال بد أن تكون القيادة عناصر غير قابلة للذوبان‪.‬‬
‫‪ -‬ألن هذه القيادة إذا مكن اهلل لها يف األرض هي التي ستوضع بين أيديها الكنوز‪ ،‬وهي التي‬
‫ستشرف ىلع حماية أموال الشعب املسلم وأعراضه ودمائه‪.‬‬
‫فما لم تكن أمينة فويل لألمة من قيادتها‪.‬‬
‫حلوى رمضان‬
‫أم طبق فلسطين وأفغانستان‬

‫مآدب رمضان‪:‬‬
‫أقبل رمضان بمآدبه الفاخرة التي تتباهى بما يزخر فوقها من ألوان الطعام‪ ،‬وتتنافس بما تزدان‬
‫به أطرافها من شتى ألوان الحلوى التي ال تكاد اليد تتناول من كل طبق لقمة وال يستطيع الفم أن‬
‫يتناول من كؤوسها ‪-‬ولكثرتها‪ -‬رشفة‪.‬‬
‫أقابل بين هذا وبين تلك األسود الرابضة ىلع تلل الجبال‪ ،‬وذرى التالل قلب هذه األمة النابض‪،‬‬
‫وشريان حياتها‪ ،‬هؤالء درع األمة الحصين‪ ،‬ال يجدون يف سحورهم سوى الشاي املر والخبز الجاف‪،‬‬
‫وكذلك اإلفطار غال ًبا ال يختلف عن السحور‪ ،‬وال يكاد متسحر يأمل أن يفطر يف غروب اليوم التالي؛‬
‫ألنه يعيش بين فكي املوت‪.‬‬
‫وهم بحاجة إلى رمضان املسلمين لتعد فيه البرامج التي تعدهم طيلة عامهم‪ ،‬إن أصحاب‬
‫املآدب واملوائد يف هذا الشهر الكريم بحاجة إلى‪:‬‬
‫ً‬
‫طبقا من الرز‬ ‫‪ -‬أن يفترضوا أنه نزل بساحتهم ضيف من مجاهدي كابل يف رمضان فأعدوا له‬
‫وصح ًنا من الحلوى‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يتذكروا هذه الجموع الغفيرة من األيتام التي يصعب ىلع مخيلتي أن تنساها وهي تحمل‬
‫األواني ‪-‬قرب أماكن القمامة‪ -‬تنتظر الناس أن يفرغوا بهذه األواني بعض فتاتهم وبقايا طعامهم‪،‬‬
‫وكلما أقبل إنسان ببقية طعامه انقضوا عليه يرجونه والدموع تغمر وجوههم أن يسقط فتات‬
‫‪43‬‬
‫الخبز يف صحونهم بدل إلقائها يف القمامة‪.‬‬

‫‪ -‬أن يخصصوا ما ال يقل عن نصف زكاة أموالهم لهؤالء الجياع الذين يحمون األمة اإلسالمية‬
‫بجماجمهم‪ ،‬ويخطون تاريخها بنجيعهم (بدمهم)‪.‬‬
‫وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية (لو ضاق املال عن طعام الجياع والجهاد الذي يتضرر بتركه‬
‫فقال‪ :‬قدمنا الجهاد وإن مات الجياع)‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتبرع املسلم بجزء من ماله زيادة عن الزكاة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكفل أسرة شهيد ويجهز غاز ًيا‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاء‪.‬‬
‫عيد اإلسالم‬
‫وعيد املسلمين‬
‫مضت ليالي رمضان الجميلة وتشنفت اآلذان بسماع القرآن الندي الشجي من أفواه املقرئين‪،‬‬
‫وأسمعت النفوس بتلك الساعات الثمينة التي يقضونها قائمين يستعذبون بها حالوة القرآن ًّ‬
‫غضا‬
‫طريا‪ ،‬وهناك يف قمم الجبال وبين الوهاد والنجاد واألدغال رمضان آخر غير رمضان املسلمين اليوم‪.‬‬
‫ًّ‬
‫هنالك الثبات (فئات) من الضراغم والسرايا ممن يخطون تاريخ هذا الدين بالدماء‪ ،‬ويمسحون عن‬
‫جبين هذه األمة وصمات الخزي والعار‪.‬‬
‫وجبة واحدة‪:‬‬
‫نعم إنهم يأكلون وجبة واحدة ويشربون الطين املائي املنتن‪ ،‬ويف بعض املناطق لم يستطيعوا‬
‫أن يوفروا الخبز فراحوا يبحثون عن الددم (ثمرة صغيرة برية) يسكتون آالم السغوب التي تأكل‬
‫أعماقهم وتتلوى منها بطونهم‪.‬‬
‫آالم وآالم‪:‬‬
‫مسلمون تتلوى بطونهم تخمة لعسر الهضم‪ ،‬ولتلبد أنواع اللحوم والدهون يف بطونهم‪،‬‬
‫ومسلمون يصابون بالقرحة املعدية؛ ألنهم ال يجدون الخبز وال الرز‪.‬‬
‫ومضى رمضان وبدأ الناس يستعدون للعيد‪ :‬وبدأت إجازة العيد‪ ،‬وحجزت كل أسرة لكامل أفرادها‬
‫شقة جميلة ىلع ضفاف التايمز‪ ،‬أو يف لوزان‪ ،‬أو ىلع شواطئ نتاريو أو فلوريدا‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫هناك حيث تبدد األموال‪ ،‬وهنا حيث يخوض األبطال غمار األهوال بين الشهب املنقضة من‬
‫فوقهم‪ ،‬ويمشون فوق أرض الزالزل والبراكين املتفجرة بين أيديهم وأرجلهم‪.‬‬
‫واملسلمون يف عيد املسلمين‪:‬‬

‫مشغولون بفطير العيد وعجين التمر الذي يصنع منه حلوى الفطر‪ ،‬ويف عيد االسالم‪ :‬األيادي‬
‫مشغولة بمعجون الجلكنيت والسيفور و‪ ,‬تصنع منها عبوات لتقض ىلع أعداء اهلل منامهم وتدمر‬
‫فوق رءوسهم بنيانهم‪ ،‬أو تخسف األرض من تحت أقدامهم‪.‬‬
‫ويف عيد املسلمين‪:‬‬
‫كل شاب أو شيخ يلهث وراء اللباس األنيق الذي سيرتديه يف األيام األولى من شوال‪.‬‬
‫ويف عيد اإلسالم اآلن‪:‬‬

‫وىلع الحدود الباكستانية األفغانية ترى الجموع املكتظة من جند اهلل تعالى كل يرتب أمتعته‬
‫ويبحث عن أصحاب الخيول والبغال والعرق يجهده‪ ،‬عن أجرة األمتعة واألثقال والذخائر التي جمعها‬
‫يف أرض القبائل ويشغل لبه ويحير فكره أجرة هذه البغال التي كادت تفوق تذاكر الطيران‪ ،‬فأجرة‬
‫البغل قد تصل إلى ثالثمائة دوالر‪ ،‬وهذا مبلغ ضخم يف حياة املجاهد؛ إذ يكاد خياله يقصر أن يدرك‬
‫الطريق الذي يمكن أن يوفر به هذا املبلغ‪.‬‬
‫ثمن خبز الطريق‪:‬‬

‫وعلم اهلل أن ثمن الخبز يف الطريق أصبح من العقبات الكؤود التي تعترض هذه املسيرة‬
‫املباركة‪ ،‬وليس يف املقاهي ىلع طول الطريق الدامي الشاق املعلق بين السماء واألرض واملمتد‬
‫قرابة شهر ونصف سوى الخبز والشاي‪ ،‬ومع هذا فأين ثمن الشاي؟‬
‫وهناك مئات األلوف من األيتام ينتظرون حتى ليلة العيد ويومه من يمسح ىلع رؤوسهم بدل‬
‫أيدي آبائهم الشهداء الذين قضوا نحبهم وهم يصبغون مجد األمة بالدماء‪.‬‬
‫وهناك مئات األلوف من األرامل تنتظر ليلة العيد صدقة الفطر حيث حدثني أحد اإلخوة أننا يف‬
‫فرحا ليلة عيد الفطر‪.‬‬
‫العام املاضي كنا ندخل بحفنات الرز (صدقة الفطر) ىلع الخيام فيبكون ً‬
‫وهناك مئات األلوف من املجاهدين ينتظرون ليلة عيد الفطر الحذاء والكساء والغطاء والدواء‬
‫وخاصة يف هذا الوقت العصيب الذي تنكرت فيه الدنيا بأسرها لهذا الجهاد املبارك وكشرت فيه‬
‫عن أنيابها‪ .‬وأجفل الصديق وبان العدو‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫وهناك اآلالف املؤلفة التي ترصد لليلة العيد هديتها الثمينة بأن تحيل الدنيا جحيما فوق رءوس‬
‫الروس وتحت أقدام الشيوعيين‪.‬‬
‫فهل تحول أموال عيد املسلمين لتصب يف بوتقة عيد اإلسالم؟ وهل توفر لعب الغلمان لنصنع‬
‫بها روائع الزمان التي تتحدث بها الركبان‪...‬‬
‫أال ليت قومي يعلمون!‬
‫محمد بن مسلمة‬
‫تاريخيا قصة قتل أبو رافع (سالم بن الحقيق) وكعب بن األشرف‪ ،‬وتشير‬
‫ًّ‬ ‫من املشهور واملعروف‬
‫داللتهما أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قد أزال من طريق الدعوة رأسين من رءوس الكفر بالقوة‬
‫اغتياالً‪ ،‬وذلك ألن الصارم البد من استعماله إلماطة الرءوس املدبرة والعقول املفكرة التي ال تكف‬
‫عن نصب األحابيل ووضع العراقيل أمام هذا الدين‪ ،‬وكعب بن األشرف وأبو رافع من زعماء اليهود‬
‫ومن أئمة الكفر لديهم‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن العربي عند آية‪ ...( :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‪)...‬‬
‫[البقرة‪.]491 :‬‬
‫قال علماؤنا‪ :‬هذا دليل ىلع أن لك أن تبيح دم من أباح دمك‪ ،‬وتحل مال من استحل مالك‪.‬‬
‫وقد أجمع العلماء‪ :‬ىلع جواز الدفاع املشروع ودفع الصائل ىلع األعراض والدماء واألموال‪.‬‬
‫فأما الدفاع عن العرض والنفس واملال‪ :‬فهو فرض ‪( ‬واجب) بإجماع العلماء‪.‬‬
‫ولنرجع إلى الحكم الشرعي الغتيال رءوس الكفر التي ال تكف لحظة عن التدبير ضد هذا الدين‬
‫محاولة منهم إلطفاء نور اهلل بأفواههم‪ ،‬وهذا أمر تقتضيه الضرورة‪ ،‬إذ إن هذا الدين جاء لتخليص‬
‫البشرية من نير العبودية‪ ،‬وإلنقاذهم من عبادة العباد إلى عبادة اهلل وحده‪ ،‬وال يمكن أن تخلص‬
‫الطريق إلى اهلل من طواغيت يستعبدون الناس ألنفسهم من دون اهلل ويقفون أمام هذا النور‬
‫املبين لتبقى الجماهير تتضور يف دياجير الظالم‪ ،‬ليس لهم من هم سوى إرواء الشهوات وإشباع‬
‫النزوات‪.‬‬
‫وكما قال زويمر ‪-‬زعيم املبشرين املنصرين‪( :‬لقد أنشأنا جي ً‬
‫ال همه الشهوات‪ ،‬ويعيش من أجل‬
‫الشهوات‪ ،‬ويف سبيل الشهوات يجود بأغلى ما يملك)‪.‬‬
‫وإزالة أئمة الكفر وقادة الفتن حق طبيعي‪ ،‬وحكم شرعي رباني‪ ،‬وضرورة منطقية عقلية‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫ضابط‪:‬‬
‫وال بد من العلم أن هذا األمر ‪-‬اغتيال أئمة الكفر‪ -‬راجع إلى العلماء الذين يقودون مسيرة الجماهير‬
‫راجعا الجتهاد فردي‪.‬‬
‫ً‬ ‫املتجهة إلى اهلل‪ ،‬وليس‬
‫بل مصلحة الجماعة التي يقدرها القائد ويحددها العالم املسؤول ببيان حكم الشرع وتوضيح‬
‫الحكمة من هذا األمر‪.‬‬
‫سنة مهملة‪:‬‬
‫ولقد سبب إهمال هذا الحكم الشرعي ‪-‬اغتيال قادة الكفر‪ -‬من الظلم الكبير والشر املستطير‬
‫لألمة اإلسالمية التي عانت الويالت‪ ،‬ودفعت الضرائب الفادحة من أعراضها ودمائها وأموالها ما ال‬
‫يعلمه إال اهلل‪.‬‬
‫تخليصا لألمة بكاملها من‬
‫ً‬ ‫وكان تطبيق هذه السنة النبوية والشرعة اإللهية بين الحين واآلخر‬
‫حياة السوائم إلى حياة اإلنسان‪ ،‬وانتشاالً لها من مستنقع الطين‪.‬‬
‫فسليمان الحلبي قتل “كليبر”‪ ،‬فخلص الناس من جيش عرمرم من الفرنسيين‪.‬‬
‫وشاب متحمس خلص لبنان من غطرسة “املارينز” وجبروت ذوي الوجوه الحمر‪.‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫(‪ )1‬البد أن يقف املسلمون املوقف الذي تتطلبه عقيدة البراء والوالء‪ ،‬فال يتزعزع وال يتأرجح‬
‫تجاه أعداء اهلل البارزين‪ ،‬وأقلها مقاطعة البضائع الروسية واليهودية واألمريكية؛ ألن األمريكان أولياء‬
‫اليهود وأنصارهم ومؤيدوهم وداعموهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن ترتب قوائم نسميها قوائم محمد بن مسلمة ندرج عليها سدنة الكفر وأئمة الشرك من‬
‫الطواغيت الذين ينازعون اهلل يف ألوهيته وربوبيته يف األرض‪.‬‬
‫ندرج عليها أوالً‪:‬‬

‫كل يهودي يمد إسرائيل أو يتعاطف معها‪ .‬وندرج عليها‪ :‬أئمة الكفر وزبانية تعذيب البشرية من‬
‫الروس والشيوعيين‪ .‬وندرج عليها زعماء األحزاب امللحدة والعلمانية التي تتبجح بإلحادها ومناوأتها‬
‫لإلسالم‪ ،‬وندرج عليها‪ :‬كل من يعلن وقوفه بجانب اليهود من أي األصقاع ومن سائر البقاع‪.‬‬
‫عقيدة الوالء والبراء‬
‫‪47‬‬
‫إن أنظمة العالم اإلسالمي اآلن أمام خيار صعب بعد إعالن حكومة املجاهدين وتوزيع الحقائب‬
‫الوزارية إثر هذا الجهاد اإلسالمي املشرف الذي ما شهد التاريخ الحديث له نظي ًرا‪.‬‬
‫واآلن وقد أ علنت الحكومة املجاهدة وتنتظر االعتراف‪ ،‬فإن اعترف بها فهذا واجب األخوة‬
‫اإليمانية وحق الوشيجة اإلسالمية‪.‬‬
‫وإن كانت األخرى فليس بمستغرب ىلع أنظمة تقوم قراراتها ىلع املوازنة بين املصالح‬
‫واملفاسد واملنافع واألضرار‪ ،‬وهذه كلها إنما تنطلق من نظرة مادية قريبة‪ ،‬وتنبثق من خالل موازين‬
‫متأرجحة ال يعرف لها عيار‪ ،‬وال يستقر لها قرار‪.‬‬
‫وسواء اعترفت األنظمة بحكومة املجاهدين أم لم تعترف‪ ،‬فاملسلمون يف كل مكان يبوءونها‬
‫شغاف قلوبهم‪ ،‬وكما أن املجاهدين فرضوا احترام جهادهم ىلع كل أنظمة األرض‪ ،‬فإن دولتهم‬
‫ستفرض احترامها ىلع كراسي املعمورة بأسرها‪.‬‬
‫ردا ىلع‬
‫وأعداء اهلل ال يعرفون إال مصالحهم‪ ،‬ويعبر عن سياستهم قول وزير الخارجية البريطانيه ًّ‬
‫األستاذ سعد جمعة ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬رئيس وزراء األردن عن نكبة ‪ 76‬عندما قال له سعد‪ :‬نحن أصحاب‬
‫حق‪ ،‬فقال البريطاني‪( :‬السياسة ليس فيها حق وال باطل‪ ،‬السياسة فيها مصالح ومنافع)‪..‬‬
‫وهذ القضية وغيرها من التصرفات التي تعبر عما يف النفوس من املبادئ واإليمانيات ال بد أن‬
‫نردها إلى هذه العقيدة التي هي ملزوم ال إله إال اهلل؛ إذ إن ‪-‬ال إله إال اهلل‪ -‬تستلزم من لفظها النفي‬
‫والتبرؤ ‪-‬البراءة‪ -‬من كل طاغوت‪ ،‬واإلثبات والوالء هلل ولكتبه ولرسله‪.‬‬
‫جامدا مي ًتا ال‬
‫ً‬ ‫ويستحيل ىلع عبد أن تستقر يف مسارب نفسه عقيدة التوحيد ويبقى ساك ًنا‬
‫حراك فيه‪.‬‬
‫ال بد أن تتحول هذه العقيدة إلى حرارة تجيش بها الصدور‪ ،‬وتفيض أفعاالً يف عالم الظهور‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخالقا وأنظمة بمثل ماء السماء الطهور‪.‬‬ ‫ً‬
‫سلوكا‬ ‫وتنتج‬
‫وهذه العقيدة‪...‬‬
‫تثمر الحب هلل وألوليائه‪ ،‬والبغض ألعداء اهلل‪ ،‬وتنتج الوقوف بجانب أولياء اهلل‪ ،‬والبعد والهجر‬
‫ألعداء اهلل‪.‬‬
‫وأهل عقيدة التوحيد ومقتضاها من الوالء والبراء يتجمعون ىلع وشيجة اإليمان‪ ،‬ويلتقون ىلع‬
‫صالت العقيدة والدين يتجاوزون فيها املواقع الجغرافية والحدود الزمانية واللون والعرق والعشيرة‬
‫والجنس والصنعة والحرفة‪ ،‬وال يلتقون كما تلتقي الحيوانات ىلع الحظيرة والكأل والجنس فحزبهم‬
‫‪48‬‬
‫العقيدة‪:‬‬
‫ال يجمعهم لون جواز سفر‪ ،‬وال قطعة أرض محدودة بجبل أو نهر‪ ،‬وال حزب دينه اللغة‪ ،‬وال جماعة‬
‫كل رابطتها أنهم سود أو بيض‪ ،‬أو رابطتهم أنهم فالحون أو عمال أو كادحون‪ ،‬وال صالتهم أنهم‬
‫رابطة محامين أو نجارين أو حدادين‪ ،‬وال أنهم شام أو يمن‪ ،‬وهكذا مما تجتمع عليه البهائم والسوائم‪.‬‬
‫فال يمكن أن يدخل املؤمن الذي فهم عقيدة التوحيد تحت راية تجمع قومي منتن‪ :‬كالقوميين‬
‫العرب‪ ،‬وحزب البعث‪ ،‬والقوميين السوريين‪ ،‬حتى ولو كان املخططون لهم من املسلمين املغفلين‪،‬‬
‫فكيف إذا كانوا نصارى أو غيرهم؟!‬
‫راية جاهلية وقيادة كافرة ومنهاج إلحادي علماني‪ ،‬فأنى ملسلم يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن‬
‫ينضوي تحت هذا اللواء؟‬
‫لغة البيض والسمر‬
‫إن لغة البيض والسمر (السيوف والرماح) يفهمها كل البيض والسمر‪ ،‬لغة يحبها اهلل ورسوله‪،‬‬
‫وأنزل اهلل لها آيات بينات‪ ،‬وأبرزها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف أحاديث جليات‪ ،‬وذلك ألن‬
‫اعتمادا كبي ًرا ىلع هذه اللغة‪.‬‬
‫ً‬ ‫نصرة املبادئ وإعالء القيم وإرساء قواعد العدل يف األرض تعتمد‬
‫والحق أننا عندما كنا نستعمل هذه اللغة كان يفهمنا األنام قاطبة وكانت املهابة يف قلوب‬
‫أعدائنا منا‪ ،‬وكان النصر يأتينا مسيرة شهر بالرعب‪.‬‬
‫حال األمة املسلمة بعد ترك هذه اللغة‪:‬‬

‫جميعا عادت القهقرى وانطفأ‬
‫ً‬ ‫وبعد أن تركت أمة القرآن النطق بهذه اللغة التي يفهمها األحياء‬
‫ذكرها؛ ألن الناس ال يسمعون مثل صليل السيوف وأزيز الرصاص وهدير الطائرات ودوي املتفجرات‪.‬‬
‫رد الفعل من أعداء اهلل‪:‬‬

‫كل من واكب مسيرة األحداث يف كابل عبر هذا العقد الزمني يدرك كيف غيرت هذه اللغة األرض‬
‫يف داخل أفغانستان وروسيا وأرض الشيوعية خاصة ويف العالم عامة‪.‬‬
‫يقول سياف‪ :‬لقد كان الحزب الشيوعي ال يستطيع تنفيذ اإلعدام ىلع أعواد املشانق وحبال‬
‫املوت‪ ،‬بل كانوا يصفون املئات مقيدين ثم تأتي الجرافات وتحفر أخاديد الحتوف (املوت) ثم تفتح‬
‫الرشاشات أفواهها ىلع هؤالء فيسقطون يف خنادق املنية وتعود الجرافات مرة أخرى لتدفنهم‪،‬‬
‫‪49‬‬
‫ولقد دفن الكثير من املسلمين أحياء يف داخل سجن “بول جرخي” الذي طوى يف رماله ما يصل‬
‫إلى (‪ً 681‬‬
‫ألفا)‪ ،‬كما شهد بهذا أحد أعضاء املخابرات (خاد) الكبار‪.‬‬
‫وأما اآلن‪ :‬فقد سمع الشيوعيون لغة امليدان‪ ،‬بأنصع بيان وأفصح لسان‪ ،‬بعد أن أذل اهلل سادتهم‬
‫وانسحبوا وذيولهم بين السيقان‪.‬‬
‫صدقك وهو كذوب‪:‬‬

‫وقد لخصت اإلذاعة البريطانية قصة الشعب األفغاني فقالت‪ :‬حاولت بريطانيا أن تفرض سلطتها‬
‫ىلع األفغان فدفعت الثمن غال ًيا‪ ،‬ولم تعتبر روسيا بما قدمت بريطانيا من تضحيات باهظة نتيجة‬
‫غلطتها فسلكت نفس السبيل‪ ،‬وها هي جحافل املجاهدين تطارد فلول روسيا يف أعماق أفغانستان‪.‬‬
‫عجب عجاب‪:‬‬
‫وال ينقضي عجبك وال تستطيع أن تمسك نفسك قهقهة وأنت ترى رجاالت الحكومة الشيوعية‬
‫يف كابل يحملون العصي ويسوقون الناس قس ًرا إلى املساجد يف أوقات الصالة‪.‬‬
‫مرسوم هام‪:‬‬
‫مرسوما يقضي بفصل أي موظف من‬
‫ً‬ ‫وهذا بعد أن أصدر رئيس الدولة الشيوعي ‪-‬نجيب‪-‬‬
‫وظيفته إذا تأخر ثالثة أيام عن صالة الجماعة‪.‬‬
‫وتلمح من خالل خطاباته عبارات االستخذاء واالستكانة واالستعطاف لقلوب الشعب األفغاني‬
‫وهو يقول‪ :‬ال تقولوا لي (نجيب) أنا (نجيب اهلل)‪.‬‬
‫وقد قرأت رسالة من نجيب إلى الشيخ جالل الدين حقاني يستعطف فيها الشيخ جالل الدين‬
‫قائ ً‬
‫ال له‪:‬‬
‫شيوعيا‪ ،‬وأنا مع سليمان الئق ‪-‬وزير الحدود‪ -‬اليتيمين املسلمين الوحيدين يف اللجنة‬
‫ًّ‬ ‫أنا لست‬
‫سرا‪ ،‬وال نستطيع مواجهة ضغط الشيوعية وثقلها علينا‪.‬‬
‫املركزية للحزب الشيوعي‪ ،‬ونحن ندين باإلسالم ًّ‬
‫الرسائل‪:‬‬
‫ً‬
‫طريقا‬ ‫والرسائل تترى من قادة الشيوعيين يعرضون خدماتهم للمجاهدين ويتوسلون لهم أن يؤمنوا‬
‫لهربهم إليهم‪ ،‬ورسم جادة قرارهم نحوهم‪.‬‬
‫فيا أمتي‪:‬‬
‫‪50‬‬
‫هال سلكت سبيلهم واستعملت لغتهم التي توقظ الوسنان وتصخ أسماع الزمان؟ إن تقتفي‬
‫آثارهم هديت‪ ،‬وها هو شعب األرض املباركة يف فلسطين قد فهم هذه اللغة فأيقظت قعقعة‬
‫صوته وزمجرة ليوثه العالم أجمع‪ ،‬وإن شاء اهلل البقية ىلع الطريق قادمون‪.‬‬
‫من الدعوة إلى الدولة‬
‫عاما كاملة منذ أطلقت الحركة اإلسالمية أول رصاصة يف وجه نظام داود‬
‫لقد مضت ثالثة عشر ً‬
‫سنة ‪ 5791‬حتى اآلن‪ ،‬ولقد جاءت روسيا بداود لتصفية الحركة اإلسالمية‪ ،‬فكتب اهلل أن تهزم روسيا‬
‫ويسحق عمالؤها‪ ،‬وكانت نقلة واسعة خطتها الحركة اإلسالمية عبر مسيرة املعاناة‪ ،‬وخالل هذه‬
‫املحن نضجت نفوس الذين عاشوا األحداث‪ ،‬وخالل هذه الطريق املريرة الوعرة التي تجشم اإلخوة‬
‫بعيدا‪ ،‬وكذلك فإن االنتشار‬
‫ً‬ ‫عموديا ‪-‬من حيث البناء الذاتي‪ -‬شأ ًوا‬
‫ًّ‬ ‫مشقة اجتيازها بلغت الحركة‬
‫جدا‪.‬‬
‫األفقي بين الناس كان كبي ًرا ًّ‬
‫النقلة الواسعة‪:‬‬
‫شاسعا بين تلك األيام التي كان يرسم فيها املهندس حبيب الرحمن الشهيد‬
‫ً‬ ‫لقد كان البون‬
‫(األمين العام للحركة) الكالشنكوف ىلع األوراق ثم يشرحه يف أعماق الغرف الظلماء للذين يربيهم‬
‫ىلع حب الجهاد وبين هذه األيام التي يلعب فيها األطفال بالقاذف الصاروخي “آر‪ .‬بي‪ .‬جي”‪.‬‬
‫القرار التاريخي‪:‬‬
‫ً‬
‫خارقا لتفكير اإلنسان العادي‪ ،‬خاصة وأن القرار قد صدر‬ ‫لقد كان قرار املواجهة املسلحة لداود‬
‫شابا قد التفوا حول “برهان الدين رباني” و”حكمتيار” يف بيشاور‪.‬‬
‫من ثالثين ًّ‬
‫ولم يكن هذا القرار ليصدر لوال وجود حركة إسالمية انبثق من خاللها هؤالء الفتية الذين آمنوا‬
‫ً‬
‫قسطا من التربية ىلع أيدي أساتذتها ومشايخها ومربيها‪.‬‬ ‫بربهم‪ ،‬وكانوا قد تلقوا‬
‫املورد العذب‪:‬‬
‫ولقد نضجت الحركة اإلسالمية األفغانية ىلع محك الشدة حتى أصبحت مدرسة فذة قائمة‬
‫بذاتها‪ ،‬وذلك ألن الدعوة اإلسالمية يف أفغانستان أصبحت اآلن فريدة‪ ،‬وأعطت املصطلحات الحركية‬
‫وأبعادا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعماقا‬
‫‪51‬‬
‫(‪ )1‬فلقد كان معنى “الصبر” قبل هذا الجهاد املبارك املشرف ينصرف إلى احتساب سياط‬
‫الجالدين وهي تلهب ظهور الدعاة‪ ،‬وما كنا نفهم من معاني الصبر يف القرآن الكريم سوى الصبر‬
‫ىلع ظلم الطغاة وزبانيتهم وجالديهم‪.‬‬
‫أما اآلن‪:‬‬
‫بعدا أكبر ورقعة أوسع فهو يعني‪ :‬حبس النفس ىلع الرباط يف مواجهة أعداء‬
‫فالصبر قد أخذ ً‬
‫اهلل‪ ،‬والصبر ىلع الرباط يف قمم الجبال وبين الغابات واألدغال‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومن القضايا البارزة يف الدعوة اإلسالمية األفغانية أنها منذ أن رأت النور وتكونت نواتها حتى‬
‫اآلن وهي تدفع التضحيات‪ ،‬ولم تقطف من ثمار عرقها ولم تخرف (تحصد) من نتاج بذارها شي ًئا‪.‬‬
‫ولذا فقد بقيت تستدر عطف الشعب كله‪ ،‬وتستحوذ ىلع إعجابهم‪ ،‬وتنال احترامهم وإكبارهم‪ ،‬وال‬
‫زال اسم الدعوة أو الحركة‪ ،‬أكبر عامل من عوامل التعديل وأهم مؤهل للثقة‪.‬‬
‫لقد استشهد أكثر من تسعين باملائة من أبناء الحركة اإلسالمية ولم يأخذوا من الدنيا شي ًئا بعد‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬ولم يتغلغلوا يف مناصب الدولة‪ ،‬ولم يرتقوا‬
‫(‪ )3‬إن عمر الحركة اإلسالمية األفغانية صغير ًّ‬
‫يف سلم وظائفها‪ ،‬ولذا بقيت املبادئ واضحة ناصعة‪ ،‬وما اعتراها لبس وال غموض‪ ،‬ولم يعش الدعاة‬
‫حياة متناقضة بين مبادئ معلنة وبين مواقف عملية تمليها عليهم مصلحة الدعوة محافظة ىلع‬
‫مكاسب بين أيدي الدعاة قد تتعرض للزلزلة فيما لو وقف الدعاة وقفة املباينة والبراء من النظام‬
‫القائم‪.‬‬
‫(‪ )4‬إن الجهاد اإلسالمي الذي خاضت غماره الدعوة اإلسالمية أدى إلى إنضاج نفوس شبابها‬
‫الباقين ىلع قيد الحياة وتصفية أرواحهم وإلى صالبة عودهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬إن املعركة التي عركت أبناء الحركة اإلسالمية اضطرتهم أن يعيشوا مع جميع طبقات الشعب‪،‬‬
‫واضطرارهم للحياة مع جميع طبقات الناس من مفرط ومقصر ومخطئ ومتعثر وصادق وملتزم‬
‫أعطاهم من التجربة والخبرة والحنكة من خالل املعاناة املريرة يف رفع املستويات‪ ،‬ومحاولة إيجاد‬
‫واحدا خالل‬
‫ً‬ ‫عدوا‬
‫ًّ‬ ‫التناسق بين هذه املستويات املتباينة التي تعيش يف قاعدة واحدة وتواجه‬
‫عشر سنوات متواصلة يف حياة واحدة تحت ظل سقف واحد تجمعهم مائدة واحدة‪ ،‬ويتحركون‬
‫حركة واحدة كأنهم جسد واحد‪.‬‬
‫بينما الدعوات اإلسالمية يف كثير من أقطار العالم اإلسالمي تعيش يف مجتمعات خاصة نظيفة‬
‫ال تلتقي مع سائر طبقات الناس اإليمانية إال يف املحافل والندوات والخطب واالجتماعات‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫مراسا للحكم؛ فكل واحد من‬

‫ً‬ ‫(‪ )6‬واملشاكل التي كانت تواجه القادة عبر هذه السنين أعطتهم‬
‫هؤالء مفروض عليه أن يجد ًّ‬
‫حال للمشاكل االجتماعية‪ ،‬ولقضايا الجفاف التي تعض املنطقة بنابها‪،‬‬
‫وملشاكل األيتام واألرامل وغيرها‪.‬‬
‫فكل واحد منهم‪ :‬إنما هو‪ :‬حكومة قائمة بذاتها‪:‬‬
‫فهو كرئيس الــوزراء‪ ،‬ويف نفس الوقت فهو وزير الصحة والتربية والتعليم والدفاع والشؤون‬
‫االجتماعية والزراعة واإلعالم واإلرشاد‪.‬‬
‫النقلة الواسعة‪:‬‬
‫شاسعا بين تلك األيام التي كان يرسم فيها املهندس حبيب الرحمن الشهيد‬
‫ً‬ ‫لقد كان البون‬
‫(األمين العام للحركة) الكالشنكوف ىلع األوراق ثم يشرحه يف أعماق الغرف الظلماء للذين يربيهم‬
‫ىلع حب الجهاد وبين هذه األيام التي يلعب فيها األطفال بالقاذف الصاروخي “آر‪ .‬بي‪ .‬جي”‪.‬‬
‫القرار التاريخي‪:‬‬
‫ً‬
‫خارقا لتفكير اإلنسان العادي‪ ،‬خاصة وأن القرار قد صدر‬ ‫لقد كان قرار املواجهة املسلحة لداود‬
‫شابا قد التفوا حول “برهان الدين رباني” و”حكمتيار” يف بيشاور‪.‬‬
‫من ثالثين ًّ‬
‫ولم يكن هذا القرار ليصدر لوال وجود حركة إسالمية انبثق من خاللها هؤالء الفتية الذين آمنوا‬
‫ً‬
‫قسطا من التربية ىلع أيدي أساتذتها ومشايخها ومربيها‪.‬‬ ‫بربهم‪ ،‬وكانوا قد تلقوا‬
‫املورد العذب‪:‬‬
‫ولقد نضجت الحركة اإلسالمية األفغانية ىلع محك الشدة حتى أصبحت مدرسة فذة قائمة‬
‫بذاتها‪ ،‬وذلك ألن الدعوة اإلسالمية يف أفغانستان أصبحت اآلن فريدة‪ ،‬وأعطت املصطلحات الحركية‬
‫وأبعادا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعماقا‬
‫(‪ )1‬فلقد كان معنى “الصبر” قبل هذا الجهاد املبارك املشرف ينصرف إلى احتساب سياط‬
‫الجالدين وهي تلهب ظهور الدعاة‪ ،‬وما كنا نفهم من معاني الصبر يف القرآن الكريم سوى الصبر‬
‫ىلع ظلم الطغاة وزبانيتهم وجالديهم‪.‬‬
‫أما اآلن‪:‬‬
‫بعدا أكبر ورقعة أوسع فهو يعني‪ :‬حبس النفس ىلع الرباط يف مواجهة أعداء‬
‫فالصبر قد أخذ ً‬
‫اهلل‪ ،‬والصبر ىلع الرباط يف قمم الجبال وبين الغابات واألدغال‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫(‪ )2‬ومن القضايا البارزة يف الدعوة اإلسالمية األفغانية أنها منذ أن رأت النور وتكونت نواتها‬
‫حتى اآلن وهي تدفع التضحيات‪ ،‬ولم تقطف من ثمار عرقها ولم تخرف (تحصد) من نتاج بذارها‬
‫شي ًئا‪.‬‬
‫ولذا فقد بقيت تستدر عطف الشعب كله‪ ،‬وتستحوذ ىلع إعجابهم‪ ،‬وتنال احترامهم وإكبارهم‪ ،‬وال‬
‫زال اسم الدعوة أو الحركة‪ ،‬أكبر عامل من عوامل التعديل وأهم مؤهل للثقة‪.‬‬
‫لقد استشهد أكثر من تسعين باملائة من أبناء الحركة اإلسالمية ولم يأخذوا من الدنيا شي ًئا بعد‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬ولم يتغلغلوا يف مناصب الدولة‪ ،‬ولم يرتقوا يف‬
‫(‪ )3‬إن عمر الحركة اإلسالمية األفغانية صغير ًّ‬
‫سلم وظائفها‪ ،‬ولذا بقيت املبادئ واضحة ناصعة‪ ،‬وما اعتراها لبس وال غموض‪ ،‬ولم يعش الدعاة حياة‬
‫متناقضة بين مبادئ معلنة وبين مواقف عملية تمليها عليهم مصلحة الدعوة محافظة ىلع مكاسب‬
‫بين أيدي الدعاة قد تتعرض للزلزلة فيما لو وقف الدعاة وقفة املباينة والبراء من النظام القائم‪.‬‬
‫(‪ )4‬إن الجهاد اإلسالمي الذي خاضت غماره الدعوة اإلسالمية أدى إلى إنضاج نفوس شبابها‬
‫الباقين ىلع قيد الحياة وتصفية أرواحهم وإلى صالبة عودهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬إن املعركة التي عركت أبناء الحركة اإلسالمية اضطرتهم أن يعيشوا مع جميع طبقات الشعب‪،‬‬
‫واضطرارهم للحياة مع جميع طبقات الناس من مفرط ومقصر ومخطئ ومتعثر وصادق وملتزم‬
‫أعطاهم من التجربة والخبرة والحنكة من خالل املعاناة املريرة يف رفع املستويات‪ ،‬ومحاولة إيجاد‬
‫واحدا خالل‬
‫ً‬ ‫عدوا‬
‫ًّ‬ ‫التناسق بين هذه املستويات املتباينة التي تعيش يف قاعدة واحدة وتواجه‬
‫عشر سنوات متواصلة يف حياة واحدة تحت ظل سقف واحد تجمعهم مائدة واحدة‪ ،‬ويتحركون‬
‫حركة واحدة كأنهم جسد واحد‪.‬‬
‫بينما الدعوات اإلسالمية يف كثير من أقطار العالم اإلسالمي تعيش يف مجتمعات خاصة‬
‫نظيفة ال تلتقي مع سائر طبقات الناس اإليمانية إال يف املحافل والندوات والخطب واالجتماعات‪.‬‬
‫مراسا للحكم؛ فكل واحد من‬
‫ً‬ ‫(‪ )6‬واملشاكل التي كانت تواجه القادة عبر هذه السنين أعطتهم‬
‫هؤالء مفروض عليه أن يجد ًّ‬
‫حال للمشاكل االجتماعية‪ ،‬ولقضايا الجفاف التي تعض املنطقة بنابها‪،‬‬
‫وملشاكل األيتام واألرامل وغيرها‪.‬‬
‫فكل واحد منهم‪ :‬إنما هو‪ :‬حكومة قائمة بذاتها‪:‬‬

‫فهو كرئيس الــوزراء‪ ،‬ويف نفس الوقت فهو وزير الصحة والتربية والتعليم والدفاع والشؤون‬
‫االجتماعية والزراعة واإلعالم واإلرشاد‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ناموس وقانون إنشاء املجتمع املسلم‪:‬‬

‫إن القانون اإللهي إلنشاء دين اهلل يف األرض وإقامة املجتمع اإلسالمي يكون يف خطوات‪:‬‬
‫‪ -1‬أولها قيام رجل يدعو إلى توحيد األلوهية والربوبية واألسماء والصفات‪ ،‬ثم يتجمع الناس حوله‪.‬‬
‫‪ -2‬تقوم الجاهلية يف وجه هذا املصلح تدافع عن مصالحها بكل ما أوتيت من قوة‪ ،‬ويف الطريق‬
‫يسقط من يسقط‪ ،‬ويثبت اهلل من يثبت يتحمل اإليذاء واالضطهاد والتشريد والسجن‪.‬‬
‫‪ -3‬تقوم الدعوة اإلسالمية بدور الصاعق الذي يفجر طاقات الشعب‪ ،‬ويقوم جهاد طويل تكون‬
‫وقائدا ومشع ً‬
‫ال للفتيل‪ ،‬ويقدم الشعب املسلم الوقود لهذه املعركة الطاحنة‬ ‫ً‬ ‫موجها‬
‫ً‬ ‫الدعوة فيه‬
‫الطويلة‪.‬‬
‫‪ -4‬وبعد الجهاد الطويل تفقد الحركة اإلسالمية معظم أبنائها‪ ،‬ويبقى قسم منها يضن اهلل بهم‬
‫عن املوت‪ ،‬وهؤالء هم الذين يضع اهلل بين أيديهم مقاليد الحكم بعد أن أصبحوا أمناء ىلع الدماء‬
‫واألعراض واألموال‪.‬‬
‫هكذا قام هذا الدين أول مرة‪ ،‬وهكذا يقوم يف كل مرة‪.‬‬
‫البغل بمائة شيوعي‬
‫يشهد الحزب الشيوعي األفغاني حالة من الهزال واالحتضار‪ ،‬يعد فيها أيامه ليلفظ أنفاسه األخيرة‪.‬‬
‫ولم أشهد يف حياتي حالة من الذل والهوان والحقارة يحياها حزب حاكم مثلما يعيش الحزب‬
‫الشيوعي األفغاني يف هذه األيام بشقيه‪( :‬برشم وخلق)‪.‬‬
‫وقد كتب اهلل لي ليلة أمس أن ألتقي بمجموعة من القادة حول كابل وقد ذكرتهم باهلل أكثر من مرة‬
‫غدا‪ ،‬فافتتح‬
‫وقلت لهم‪ :‬نحن ننقل إلى العالم اإلسالمي وأنتم مسؤولون عن كل كلمة بين يدي اهلل ً‬
‫الحديث أختر محمد باللغة الفارسية مع أنه يستطيع أن يتعتع بالعربية ويتكلم بها بصعوبة بالغة‪.‬‬
‫قال أختر محمد‪ :‬كان الروس قبل عدة أعوام يقولون للشيوعيين األفغان‪ :‬أفغانستان إما أن نحكمها أو‬
‫يحكمها الباسماش (األشرار) الذين يعيشون يف الجبال ‪-‬يعنون املجاهدين‪ .‬أما أنتم فلن تستطيعوا‬
‫أن تثبتوا أقدامكم فيها‪.‬‬
‫وقد جاء الزمن بمصداق ما كان الروس يرددونه‪ .‬فمنذ أن أعلن “غوربتشوف” عن موعد انسحاب‬
‫فرحا وغبطة وهم يعدون‬
‫الروس حتى اآلن والروس الذين يف أفغانستان ال تكاد الدنيا تسعهم ً‬
‫األيام التي يقطعونها حتى يأتي موعد خروجهم وهم يتصلون باملجاهدين قائلين لهم‪:‬‬
‫نحن يف هذه األيام ضيوف عليكم فدعونا ودونكم بني جلدتكم‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫بل أخذ الروس يتسلون بمرأى الشيوعيين األفغان يقادون إلى املوت ىلع أيدي املجاهدين ويرون‬
‫تنفيسا ألحقاد حبيسة وآالم عميقة وجراحات غائرة خلفتها يف مسارب نفوسهم هذه‬
‫ً‬ ‫يف هذا‬
‫املجازر التي شهدوها‪.‬‬
‫ولقد حدثني أحمد شاه مسعود قال‪ :‬لقد عرض ىلع الروس هدنة مؤقتة ملدة ستة أشهر‪،‬‬
‫وجاء الدبلوماسي الروسي وجلست معه عدة ليال‪ ،‬ويف الليلة الثالثة وإذا بالكالم ينساب ىلع‬
‫لسانه ينفس فيه عن آالم حبيسة يف صدره فقال‪:‬‬
‫(أنت ال تعلم الحالة النفسية التي نعيشها‪ ،‬لقد أدخلنا “بريجنيف” األحمق هذه األزمة الخانقة‬
‫والدوامة العنيفة التي النعلم لها ًّ‬
‫حال‪ ،‬إننا نشعر كأننا مقيدون باألغالل ونبحث عن طريقة فك‬
‫هذه القيود)‪ ،‬ثم قال مسعود‪( :‬وهممت أن أسجل هذا الكالم يف ليلة الحقة‪ ،‬ولكني رأيت أن علو‬
‫النفس تأبى علي استعمال هذه األساليب الخسيسة وترفض هذه الوسائل الدنيئة)‪.‬‬
‫يحدث أختر محمد ويؤمن القادة ىلع صحة كالمه فيقول‪ :‬لقد وصلت التسعيرة األخيرة‬
‫للحزب الشيوعي األفغاني عند الروس يف األيام األخيرة كالتالي‪:‬‬
‫(‪ )1‬القادة الكبار الذين يشكلون جهاز املخابرات (خاد) ثالثة آالف روبية أفغانية (خمسة عشر‬
‫دوالًرا)‪.‬‬
‫(‪ )2‬القادة الصغار‪ :‬ألفا روبية أفغانية ‪( ‬عشرة دوالرات)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجنود الشيوعيون‪ :‬خمسمائة إلى ألف روبية (دوالران ونصف إلى خمسة دوالرات)‪.‬‬
‫فإذا كان ثمن البغل يف أفغانستان يساوي خمسين ألف روبية أفغانية‪ ،‬فهذا يعني أن (البغل بمائة‬
‫شيوعي)‪.‬‬
‫مسيرة عقد يف جفن الردى‬
‫لقد أتيت الجهاد األفغاني ولم يخط الشيب يف عارضي‪ ،‬ولهول مارأيت فقد اشتعل الرأس شي ًبا‪،‬‬
‫يوما بأعصابي وقلبي ومشاعري وأحاسيسي‪.‬‬
‫يوما ً‬
‫لقد عايشت الجهاد األفغاني يف هذه الفترة ً‬
‫وقد درنا مع الدهر فرأيت من رفع ومن وضع‪ ،‬وكنا نتقلب بين أعطاف نعيم النصر أحيا ًنا‪ ،‬ونتجرع‬
‫غصص الهزيمة أخرى‪ ،‬صاحبنا فيها املجاهدين من القادة إلى الجند‪ ،‬حتى أصبحت أرواحنا واحدة‬
‫مفرقة يف جسوم كثيرة‪ ،‬والشعب األفغاني بطبيعته قريب إلى القلب‪ ،‬تهواه األفئدة؛ ألنه يحمل‬
‫يف طيات جبلته سجايا ّ‬
‫قل ما توفرت يف شعب آخر‪ ،‬ولم تفسد فطرته سيول املدنية الغربية‬
‫ومثل‪.‬‬
‫التي تجرف كل ما يواجهها من قيم وتغسل ما تالقيه من مبادئ ُ‬
‫‪56‬‬
‫عرفنا يف الشعب نخوته وإباءه‪ ،‬وعزته وصفاءه‪ ،‬وكرمه وحياءه‪ ،‬وغيرته ووفاءه‪.‬‬
‫وكنت طيلة املسيرة املريرة أرى بعين البصيرة وكأن يد اهلل تدير املعركة‪ ،‬وبقيت أحس من‬
‫ظلما‪.‬‬
‫أعماقي أن قدرة اهلل وراء هذا الشعب املسحوق ً‬
‫القوارع الربانية ىلع روسيا‪:‬‬

‫أقبلت بخيلها وخيالئها‪ ،‬وصلفها وكبريائها‪ ،‬وجبروتها وانتفاخ عليائها‪ ،‬ثم رأيتها باندحارها‬
‫وصغارها وذلها وهوانها‪ ،‬بعد أن أعادت ضربات املجاهدين فوق هامها الوعي إلى رأسها‪ ،‬ورأيت‬
‫العد التنازلي للعسكرية السوفياتية بعد أن مزقت شر ممزق يف أرض البطولة والفداء‪.‬‬
‫الصنم الذي هوى‪:‬‬

‫نهائيا بعد أن مرغت يف األوحال‪ ،‬وديست بأقدام‬
‫ًّ‬ ‫ورأيت ورقة الشيوعية تحترق يف أفغانستان‬
‫األبطال‪.‬‬
‫ورأيت الدمار الذي ّ‬
‫حل بالحزب الشيوعي والتمزق الذي أصابه‪ ،‬والبأس الشديد الذي ألقاه اهلل بين‬
‫أفراده يصفي بعضهم ً‬
‫بعضا‪ ،‬ورأيتهم يستجدون رحمة املجاهدين‪ ،‬ويستعطفون قادتهم‪.‬‬
‫العزة والشموخ‪:‬‬
‫ورأيت كيف لفتت بطولة األفغان وعزتهم أنظار العالم إليهم حتى أصبحت قضيتهم أكبر حدث‬
‫يشغل العالم ومؤسساته‪.‬‬
‫املكائد واملصائد‪:‬‬
‫قادما بخطى‬
‫ً‬ ‫وملست بيدي مؤامرات العالم ىلع هذا الدين وهم يرتعدون رع ًبا؛ إذ يرون دين اهلل‬
‫حثيثة نحو الحياة ليأخذ بيده املقاد‪ ،‬ولتسلم له الناس القياد‪ ،‬رأيت الكيد تجاه االسالم‪ ،‬وأبصرت‬
‫أعداء اهلل يعضون أصابع الندم إذ لم يخنقوا هذا املولود املبارك قبل أن يولد‪ ،‬وكيف تركوا هذه‬
‫الشجرة تضرب بجذورها وتستوي قائمة ىلع أصولها دون أن يجتثوها‪.‬‬
‫روسيا والعد التنازلي‪:‬‬

‫عسكريا فقد طلبت بنفسها أن تقابل املجاهدين‬
‫ًّ‬ ‫وأخي ًرا‪ ،‬وبعد أن يئست روسيا أن تحسم القضية‬
‫وجها لوجه يف الطائف‪ ،‬وىلع قدم املساواة مع املجاهدين‪ ،‬ومبدأ املفاوضات ال غبار عليه من‬
‫ً‬
‫‪57‬‬
‫شرعا وال مصلحة‪ ،‬ولكن بشروطه الشرعية التي نص عليها الفقهاء‪ ،‬والتي ال يتسع‬
‫ً‬ ‫جهة األصل ال‬
‫لها هذا املقال‪.‬‬
‫واآلن هذه أفغانستان‪:‬‬

‫أبطالها لكثرة ما عانوا كأنهم ظالل‪ ،‬بناؤها ملا أصابه من الدمار كأنه أطالل‪.‬‬
‫ً‬
‫رغيفا‬ ‫كم من األرجل سقطت بسبب الثلوج؛ ألنها ال تجد الحذاء؟ وكم من ثاكل فقدت وحيدها ال تجد‬
‫يسكت جوعتها؟ كم من بيت تهدم فوق أهله فلم يبق منهم سوى طفلة صغيرة ال تعرف لها أه ً‬
‫ال؟‬
‫كم من شاب أو قائد طاملا زلزل األرض تحت أقدام روسيا ومع هذا فعندما جرح لم يجد أجرة توصله‬
‫إلى مكان عالجه؟‬
‫كلمة من األعماق إلى كل مسلم‪:‬‬

‫إنه من العار ىلع أمة أن يكون بعض بنيها يخطون تاريخها بالدماء‪ ،‬ومع هذا فال تقدم لهم‬
‫األمة ثمن الضمادات التي توقف نزيفهم‪ ،‬ومن اإلثم ىلع أهل ملة أن يكون إخوان العقيدة فيهم‬
‫درعا لدينهم ودثاًرا مللتهم وشعاًرا لعزتهم‪ ،‬ومع هذا فإن أبناء ملتهم ال يقدمون لهم ثمن الطعام‪،‬‬
‫ً‬
‫وال يتكفلون لهم بالكساء وال بلقمة الغذاء‪.‬‬
‫فماذا ىلع املسلمين؟‬

‫ماذا ىلع املسلمين لو دفع كل واحد منهم إلعادة دين اهلل يف األرض مقدار مصروف ابنته‬
‫الصغيرة؟ وماذا ىلع املسلم لو اعتبر الجهاد األفغاني كمولود جديد حل ىلع أسرته؟ ماذا ىلع‬
‫املسلمين لو أخروا تغيير نوع السيارة؟!! أو تجديد غرفة النوم؟ أو طاقم صالة الضيوف؟ وهل يصوم‬
‫املسلمون عن املرطبات ويدفعون ثمنها لبناء حصون املجد وقالع املكرمات؟‬
‫ونحن نهيب بإخواننا املسلمين أن ال يتركونا ىلع أبواب كابل وينكصوا‪ ،‬وأن ال يخذلونا ويدعونا‬
‫فرادى نواجه املعارك املصيرية واللقاءات الحاسمة‪.‬‬
‫إنها أيام حاسمة يف دورات الزمن وصفحات مشرقة يف جبين التاريخ‪ ،‬فاصغوا ‪-‬أيها املسلمون‪-‬‬
‫إلى النداء الرباني الجليل‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا اهلل لعلكم تفلحونـ)‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫واهلل غالب ىلع أمره‬
‫فعلى أبواب كابل تصطف الجياد وقد أحكم الفرسان لجمها واملقاد‪ ،‬والطيران ال يهدأ يف ليل‬
‫وال يف نهار‪ ،‬وقلوب القوم مذعورة من األبرار‪.‬‬
‫إنها لحظات حرجة يلتقط فيها التاريخ أنفاسه ويمسك بقلمه منتظ ًرا ماذا يسطر يف هذه‬
‫املرحلة الدقيقة الحرجة من تاريخ األمة اإلسالمية‪ ،‬بل تاريخ العالم أجمع‪.‬‬
‫ونحن اآلن ننعم بأعظم خارقة حصلت خالل القرون الثالثة األخيرة تقري ًبا‪ ،‬وهي انتصار شعب مسلم‬
‫أمي فقير ىلع أشرس وأفتك طاغوت يف األرض‪.‬‬
‫ولقد عانى غوربتشوف وجهازه الحاكم اآلن يف إيجاد تبرير معقول لالنسحاب ومقبول لدى‬
‫األمهات اللواتي ثكلن أبناءهن يف هلمند وهرات‪ ،‬والنساء اللواتي تأيمن بقتل بعولتهن يف بلخ‬
‫وطالقان‪ ،‬واألفالم الوثائقية التي وصلت تصور لك مدى الحرج الشديد الذي يواجهه غورباتشوف‬
‫باالنسحاب‪ ،‬ولدينا فيلم يصور النساء اللواتي يندبن حز ًنا ويذرفن الدموع حسرة ىلع أرحامهن الذين‬
‫غيبهم الثرى يف ذرى الهندوكوش‪.‬‬
‫وأما الحكم الشيوعي يف كابل فقد ضاقت عليه األرض بما رحبت‪.‬‬
‫أما املجاهدون‪ :‬فهم ينتظرون ساعة االنقضاض ليجهزوا ىلع الحكم الشيوعي الهش‪ ،‬والحق أن‬
‫فريدا بين األمم‪ ،‬وأكثر ما يهز هذا الشعب إعجا ًبا‬
‫ً‬ ‫هذا الشعب قد حمل من أصيل السمات ما جعله‬
‫الشجاعة والوفاء‪.‬‬
‫عقبات الطريق‪:‬‬
‫ويكاد املراقبون يجمعون كما قال كارلوتشي ‪-‬وزير الدفاع األمريكي‪ -‬ىلع ثالث قضايا‪:‬‬
‫‪ -1‬االنسحاب الروسي‪.‬‬
‫‪ -2‬سقوط الحكم الشيوعي‪.‬‬
‫‪ -3‬وصول املجاهدين إلى الحكم‪.‬‬
‫ولكن ماذا بعد؟ فهناك العقبات الجمة التي تنتظر دولة املجاهدين القادمة‪:‬‬
‫منها العقبات الخارجية‪ ،‬وتواكبها املتاعب واملصاعب الداخلية‪ ،‬ولن نستطيع يف هذه العجالة‬
‫أن نتعرض للمشاكل الداخلية‪ ،‬وسنكتفي بذكر العقبات الخارجية‪ :‬وىلع رأس هذه العقابيل‪:‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ -‬الرعب العاملي من حكومة املجاهدين األصوليين املتطرفين كما يحلو ألجهزة اإلعالم أن تطلق‬
‫عليهم‪.‬‬
‫‪ -‬واليهود أكثر أعداء اهلل ً‬
‫هلعا من نتائج هذا الجهاد‪.‬‬
‫إن دولة املجاهدين القادمة ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬ستواجه الدنيا بأسرها بخططها وأحابيلها ومكائدها‬
‫وحقدها‪ ،‬ولن يسمح هؤالء األعداء للدولة الفتية أن تذوق طعم الراحة‪ ،‬أو تنعم بلحظة استقرار ما‬
‫استطاعوا‪ ،‬فإذا كانت أمريكا ودول الكفر قد أطبقوا ىلع تصفية الرئيس الراحل ضياء الحق ‪-‬رحمه‬
‫اهلل؛ ألنه اجتهد يف محاولة إخراج القنبلة الذرية (التي يسميها الغرب القنبلة اإلسالمية) ولوقفته‬
‫جادا قبل مقتله بأشهر أنه سيطبق الشريعة‬
‫الصامدة الشامخة بجانب الجهاد األفغاني‪ ،‬وألنه أعلن ًّ‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫أترى هذه الدول ستقف مكتوفة األيدي‪ ،‬وفيها اآلالف من ضياء الحق‪ ،‬ويجمع شعبها ىلع أن‬
‫اإلسالم هو دين الحياة عقيدة وعبادة ونظام حياة‪.‬‬
‫وختاما نقول‪:‬‬
‫ً‬
‫إن اطمئناننا إلى رحمة اهلل بعباده وحبه لنصرة شريعته‪ ،‬وقوانينه التي ال تتخلف تجعل سرائرنا‬
‫مرتاحة وصدورنا منشرحة لقدر اهلل الجاري وناموسه املاضي يف خلقه‪ ،‬فهو يقول لنا‪( :‬وما كيد‬
‫الكافرين إال يف ضالل)‪.‬‬
‫جاء الحق وزهق الباطل‬
‫هزم أعداء اهلل‪ ،‬ونكست راياتهم‪ ،‬ومزقت كتائبهم‪ ،‬وتفرق شملهم‪ ،‬وهتكت أستار الهيبة التي تمثل‬
‫نسيج العنكبوت حول األصنام الكبرى والطواغيت العظمى‪ ،‬ودحرت روسيا من أعماق أفغانستان‬
‫بعد معركة استمرت عشر حجج‪.‬‬
‫البشر والقدر‪:‬‬
‫لقد قدر لي أن أتصفح جوالت “كوردوفيز” املكوكية بين واشنطن وموسكو وإسالم آباد وجنيف‪،‬‬
‫ابتداء من يونية ‪ 2891‬حتى كانت آخر الجوالت التي وصلت اثنتي عشرة جولة يف الرابع عشر من‬
‫أبريل ‪ ،8891‬فوجدت أن املحادثات كلها واالتفاقيات األربعة التي كانت موضوع معاهدة جنيف قد‬
‫تماما‪ ،‬وكأنهم غرباء عن القضية‪ ،‬بل لقد أشارت إحدى املعاهدات إليهم‬
‫ً‬ ‫أغفلت ذكر املجاهدين‬
‫بوصف املرتزقة املتسللين عبر حدود باكستان إلى أفغانستان‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫وما رأيت املجاهدين ىلع املوائد الدولية إال كاأليتام ىلع مآدب اللئام‪ ،‬كل هذا قبل عام‪،‬‬
‫وانقلبت بعد جنيف كل املوازين وتصببت االنتصارات بعد أن أحكمت القوى الدولية الخناق وانبرى‬
‫“جونيجو” (رئيس وزراء باكستان السابق) يتحمل كبر تنفيذ املؤامرة الدولية بعد أن وقع ىلع‬
‫شرعية نظام كابل‪ ،‬وانطلق املأل من اليسار الباكستاني يقيم التفجيرات يف األماكن املأهولة‬
‫قويا وورقة ضاغطة‬
‫بالسكان لتزهق أرواح الكثيرين من املدنيين حتى يعطوا الحكومة مبرًرا ًّ‬
‫للتعجيل بطرد املجاهدين واملهاجرين وإغالق الحدود دون عبورهم‪ ،‬حتى استطاعوا أخي ًرا أن‬
‫يعبثوا بمخزن كبير للذخيرة يف إسالم آباد ويفجروا الصواريخ التي بقيت تنطلق ىلع مدينتي‬
‫إسالم آباد وراولبندي تروع السكان وتقتل املارة وتدمر البنيان‪.‬‬
‫محاوالت إلنقاذ املوقف العسكري الروسي‪:‬‬

‫وقد حاول قادة “الكرملين” أن ينقذوا املوقف العسكري بدفع الهند للهجوم ىلع باكستان عبر‬
‫أعوام الجهاد املبارك‪ ،‬فكانت الكرامات الربانية تنقذ املوقف بعد اشتداده وتأزمه‪.‬‬
‫‪ -‬وقد كان أولى هذه الكرامات يوم أن قتلت “أنديرا غاندي” ىلع يد أحد حراسها السيخ‪ ،‬وانقلبت‬
‫املعركة داخلية بين السيخ والهندوس‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء “راجيف غاندي” وأراد مواصلة الطريق‪ ،‬وقدمت له روسيا الترسانة الحديثة من األسلحة‬
‫من الطائرات والدبابات التي وصلت اآلالف‪ ،‬وبدأت القوات الهندية تحتشد ىلع الحدود الباكستانية‬
‫غربيا يقابل العالم الذي يشرف ىلع املفاعل النووي‬
‫ًّ‬ ‫صحفيا‬
‫ًّ‬ ‫منتظرة إشارة البدء‪ ،‬فيسوق اهلل‬
‫الباكستاني فيسأله عن املفاعل فأجابه‪ :‬لقد صنعنا مئات القنابل الذرية‪.‬‬
‫ويف نفس الوقت‪ :‬أصدر املجاهدون األفغان بيا ًنا يهددون الهند ويحذرونها بأنهم لن يقفوا‬
‫مكتويف األيدي إذا حاولت الهند أن تعبث‪.‬‬
‫وفجأة وإذا بالزئير ينقلب إلى نهيق حمير‪ ،‬وإذا بقعقعة السالح تنقلب إلى عواء ونباح‪.‬‬
‫وانتقلت املحاوالت إلى إيران ليشددوا الخناق ىلع املجاهدين‪ ،‬وكادت املحاولة أن تنجح لوال‬
‫اهلل ثم انزالق روسيا ببيع صواريخ بعيدة املدى إلى العراق ضربت بها طهران وقم‪.‬‬
‫‪ -‬وحاول العالم أن ينقذ مؤامرة جنيف من خالل باكستان فأبى عليهم “ضياء الحق” وقال‬
‫مستشاره لي بأن ضياء قبل قتله بأشهر قال‪( :‬إن أمريكا قد وقعت أوراق قتلي)‪ ،‬ولعل هذا هو‬
‫رادعا ألمريكا عن‬
‫السبب الذي من أجله كان ضياء يصطحب السفير األمريكي معه يف ترحاله ليكون ً‬
‫تنفيذ مؤامرتها‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫العد التنازلي‪:‬‬
‫كان أول التنازالت إيقاف إطالق النار من جانب الروس يف الخامس عشر من يناير سنة ‪،7891‬‬
‫فقوبل بتصاعد هجمات املجاهدين ىلع الكفار‪ ،‬ثم كان طلب املصالحة الوطنية التي قوبلت‬
‫بسخرية واستخفاف من قبل ليوث الغاب الخفاف‪ .‬ثم كانت جنيف بمعاهداتها تجمع بإجماع العالم‬
‫تماما املجاهدين‪ ،‬ولكن االنتصارات التي‬
‫ً‬ ‫أن نظام نجيب باق‪ ،‬وأن املهاجرين سيرجعون‪ ،‬مغفلة‬
‫تنزلت من السماء يف هذا العام أضعاف ما حققه املجاهدون يف سنوات عديدة‪.‬‬
‫طرحا ىلع املجاهدين كشرط النسحاب روسيا أن‬
‫ً‬ ‫وهنا أرسلت روسيا رسولها يحمل يف حقيبته‬
‫يرجع قادة الجهاد ليكونوا وزراء يف حكومة نجيب‪ ،‬فرفض الطلب من قبل القادة‪ ،‬ثم تنازل الروس‬
‫إلى طلب حكومة مشتركة يشترك فيها املجاهدون والشيوعيون فكان الرفض بالحسام ال بالكالم‪.‬‬
‫ثم نزل الدب درجة أخرى فطلب حكومة محايدة‪ ،‬فأجاب املجاهدون لن يحكم أفغانستان األمريكان‬
‫السمر (يعنون األفغان الذين تربوا يف الصاالت األمريكية‪ ،‬ورتبت أوراقهم وراء الكواليس من خالل‬
‫املحافل املاسونية أو الدولية)‪.‬‬
‫املؤامرة العاملية‪:‬‬
‫ولقد كنت قد أيقنت من خالل اآليات القرآنية الكريمة واألحاديث النبوية الشريفة العداوة األبدية‬
‫بين هذا الدين وأعدائه‪ ،‬وقد خرجت من خالل التاريخ اإلسالمي بمصداقية واقعية تطبيقية للقوانين‬
‫الربانية والنواميس اإللهية يف العداء الذي يناصبه أهل الكتاب واملشركون لهذا الدين وأهله؛ إذ إنه‬
‫ال لقاء يف منتصف الطريق‪ ،‬وال هدنة ما دام يف جسد الكفر عرق ينبض أو نفس يجري‪.‬‬
‫وخرجت بيقين جازم ال يتزعزع بخطورة تولي قياد األمم من أناس لم يتمرسوا بهذا الدين من خالل‬
‫معاناة طويلة‪ ،‬وبذل وجهد ناصب وتضحيات باهظة‪ ،‬ورأيت كيف تحمى األمم وتنقذ الشعوب بفرد‬
‫فذ من أبنائها‪ ،‬وكيف يمكن لألمة كلها أن تباع بجلسة ىلع مائدة خضراء أو بكأس راح يف ليلة‬
‫حمراء‪ ،‬أو بابتسامة من ثغر فاتنة شقراء‪.‬‬
‫وأيقنت أنه ال نجاة لألمم إال بأن تسلم قيادها وتسلس مقادها لشباب مسلم قد شبوا ىلع نار‬
‫األسى‪ ،‬وأن مستوى املسلم ونضجه يسير جن ًبا إلى جنب مع التكاليف التي يبذلها‪ ،‬وأن هذا القرآن‬
‫ال يفتح أسراره لفقيه قاعد‪ ،‬وهذا الدين ال يسبر أغواره وال يدرك معانيه حفظة املتون والحواشي‬
‫ممن ال يتحركون به وال يعيشون لنصرته‪.‬‬
‫وأدركت سر رعب الطواغيت من الحركات اإلسالمية الخالصة‪ ،‬وهلعهم من أبنائها الصادقين‪ ،‬وذلك‬
‫ألنهم يتمردون ىلع الدنيا التي يملكها الطغاة‪ ،‬ويدوسون املتاع الرخيص الذي بين أيدي الجبابرة‪،‬‬
‫‪62‬‬
‫والذي من خالله يجمعون القطيع ويسوقونه إلى مذابح شهواتهم قرابين رخيصة‪ ،‬إنها عناصر‬
‫فريدة ال تباع يف سوق النخاسة‪ ،‬وال تذوب يف حوامض الجاهلية‪ ،‬فتحافظ ىلع أصالتها ونقائها‬
‫ومثلها ومبادئها يف أي جو عاشت‪ ،‬ومع أي قوى التقت‪.‬‬
‫لقد وجدت أن العلماء املخلصين وأبناء الدعوة الصادقين هم صمام األمان لدماء الناس وأعراضهم‬
‫ومبادئهم وأموالهم‪.‬‬
‫وأيقنت أكثر من أي زمن مضى سر اتفاق الفقهاء البارزين ىلع عدم انعقاد البيعة للفاسق‪،‬‬
‫واشتراط العلم والتقوى ملن يلي أمور املسلمين أو يتصرف يف شؤونهم‪.‬‬
‫ولقد رأيت األيدي التي تريد أن تعبث بقداسة هذا الجهاد وتود أن تختلس ثماره أو تغتصب بركاته‬
‫جهاًرا نهاًرا رأيت الدنيا بأسرها تقف بخيلها ورجلها وهيلها وهيلمانها وثقلها تريد أن تحول بين‬
‫الصادقين وبين الوصول إلى سدة الحكم‪.‬‬
‫فوجدوا حفنة من العلماء الصادقين‪ ،‬ومن أبناء الدعوة املخلصين يقفون كالشم الرواسي ينافحون‬
‫عن عزة هذا الجهاد وشرف هذا الشعب األبي الكريم‪ ،‬وال يتزحزحون قيد أنملة عن هدفهم الكبير‪،‬‬
‫وهو إقامة دين اهلل يف األرض‪.‬‬
‫لقد وقفت هذه الحفنة الصادقة التي يمثل رأس حربتها التي أغمدت يف فؤاد الكفر مجموعة‬
‫ال تصل عدد أصابع اليدين‪ ،‬وىلع رأسهم سياف وحكمتيار ويونس خالص وحقاني ومحمد ياسر‬
‫وأرسالن وغيرهم‪ ،‬أقول‪ :‬وقفت هذه الحفنة أمام الدنيا بأسرها وأرغمتها أن تخضع لرأيها بعد أن‬
‫امتدت أيادي األشرار إلى أعماق خزينة األسرار‪.‬‬
‫من يعلق الجرس؟‬
‫لقد قلب هذا الجهاد ‪-‬بفضل اهلل ومشيئته‪ -‬املوازين الدولية‪ ،‬وعطل املعادالت السياسية‬
‫العاملية‪ ،‬ولقد كانت النعمة الكبرى التي ّ‬
‫من اهلل بها ىلع املجاهدين يف إحباط املؤامرات الدولية‬
‫السياسية ال تقل عن اآلالء العظمى التي أنعم اهلل بها عليهم يف امليادين العسكرية من انتصارات‬
‫ساحقة وكرامات باهرة‪.‬‬
‫ولقد نقلت كثي ًرا من الكرامات الربانية التي تنزلت ىلع املجاهدين وال زالت إبان احتدام القتال عبر‬
‫السنين العشر الخوالي‪ ،‬مما كان له األثر البالغ يف استئناس املجاهدين أثناء مسيرتهم واطمئنانهم‬
‫ىلع استقامة جادتهم‪.‬‬
‫أما الكرامة يف امليدان السياسي فهي تخفى ىلع الكثيرين لدقتها‪ ،‬وألنها تتعلق بأطراف‬
‫‪63‬‬
‫كثيرة غير بارزة‪ ،‬وتشل أصابع خفية تدير األحداث من وراء الكواليس‪:‬‬
‫الكرامات السياسية التي تلت معاهدة جنيف‪:‬‬
‫كانت معاهدة جنيف تتلخص يف خنق املجاهدين بإبقاء الحكومة الشيوعية يف كابل مع‬
‫االعتراف الدولي بشرعيتها‪ ،‬ووقف إطالق النار‪ ،‬واملصالحة الوطنية‪.‬‬
‫وسميت معاهدة جنيف يف اإلعالم العاملي (باالنفراج الدولي)؛ ألنها عالجت كثي ًرا من القضايا‪،‬‬
‫وربطت إنهاء حرب الخليج بين إيران والعراق‪ ،‬وحل قضية فلسطين‪ ،‬وإيقاف الجهاد يف أفغانستان‬
‫بخيط واحد‪ ،‬ولذا تهالكت كثير من الدول الصغرى ىلع قبولها‪ ،‬وتداعت من كل حدب وصوب‬
‫للضغط ىلع ضياء الحق لقبول املؤامرة‪.‬‬
‫وعقد املؤتمر اإلسالمي يف عمان وأوفدت دول العالم اإلسالمي أحد الحكام ليتولى عملية إقناع‬
‫ضياء الحق بقبول املعاهدة‪.‬‬
‫وجاء الحاكم املبعوث وقضى ثالث ساعات وهو يحاول إقناع الجنرال الراحل الذي رسم بموقفه‬
‫معالم بارزة للرجولة اإلسالمية‪ ،‬ولم يكن لدى الحاكم صورة واضحة عن الجهاد يف أفغانستان‪،‬‬
‫فقد كان يظنها طلقات تتبادل عبر الحدود الباكستانية األفغانية كتلك التي تنطلق عبر الحدود‬
‫اللبنانية الفلسطينية‪.‬‬
‫وعندها ب ّين ضياء الحق للحاكم أن روسيا مهزومة يف أعماق أفغانستان‪ ،‬وأنها منسحبة ال محالة؛‬
‫جراحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إذ إنها ال تملك االستمرار بعد أن أثخنت‬
‫راجعا إلى‬
‫ً‬ ‫ردا وقفل‬
‫مشدوها مبهوًرا وهو يسمع هذه الحقائق‪ ،‬ولم يملك إزاءها ًّ‬
‫ً‬ ‫ففغر الحاكم فمه‬
‫املؤتمر ليحدث بما سمع بعد أن اتصل باملؤتمرين وأخبرهم بأال يتعجلوا يف القرارات؛ إذ إن لديه‬
‫حقائق ومعلومات‪.‬‬
‫ضياء مع قادة الجهاد‪:‬‬

‫ورغم هذا كله فقد استمرت الضغوط ىلع ضياء لقبول توقيع املعاهدة من األصدقاء واألعداء‪.‬‬
‫عدوا‪ ،‬وعندها جمع قادة الجهاد وعرض عليهم حاله‪ :‬أنه قد عيل‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫صديقا وال‬ ‫وتلفت حوله فلم يجد‬
‫صبره‪ ،‬واستنفد كل السهام التي يف كنانته يف رد هذه املعاهدة‪ ،‬وأنه ال يستطيع إال أن يوقعها‪،‬‬
‫وطلب من إخوانه قادة الجهاد أن يعذروه يف التوقيع‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫توقيع املعاهدة‬
‫ووقع ضياء املعاهدة بعد أن أضاف استدراكين ىلع املعاهدة وهما‪:‬‬

‫‪ -1‬ال أضمن وقف إطالق النار‪.‬‬
‫‪ -2‬ال أكفل الضغط ىلع املهاجرين ليعودوا إلى أفغانستان‪.‬‬
‫موقف “جونيجو” و”نوراني”‪:‬‬

‫ولكن رئيس وزراء ضياء ووزير خارجيته كانا قد وعدا من الدوائر الدولية لكل منهما بميدالية‬
‫السالم الدولية‪ ،‬فكان كل منهما مستمي ًتا يف تنفيذ معاهدة جنيف حتى يأخذ قطعة ذهبية‬
‫مكتو ًبا عليها جائزة نوبل ‪-‬اليهودية‪ -‬للسالم‪ ،‬فكان جونيجو متفان ًيا حتى يبيع أفغانستان وشعبها‬
‫وجهادها مقابل هذه القطعة الذهبية‪.‬‬
‫وكم جرت بين نوراني وبين قادة الجهاد من مشادات عنيفة ومساجالت حادة ومن مجادالت‬
‫ساخنة‪ ،‬وأما جونيجو فقد هدد ضياء الحق بأنه سيقدم تقريرا للعالم ‪-‬أمريكا وروسيا واألمم‬
‫املتحدة‪ -‬أن الرئيس غير ملتزم بتنفيذ املعاهدة‪ ،‬وغير جاد يف احترام بنودها‪ ،‬وأخذ يرسل رجاالته‬
‫إلى املهاجرين ليرغمهم ىلع الرجوع إلى أفغانستان بالضرب والتهديد‪.‬‬
‫االنسحاب الروسي‪:‬‬
‫وبدأت روسيا تنسحب من املناطق الحدودية منتظرة رجوع املهاجرين مكانها‪ ،‬وكلما انسحبت‬
‫من منطقة ‪-‬بكتيا وقندهار وبكتيكا واللوجر وكونر‪ -‬انقضت عليها ليوث اهلل واحتلتها‪.‬‬
‫وبدالً من أن يرجع املهاجرون إلى بالدهم زادت هجرتهم من الداخل نحو باكستان بسبب اضطرام‬
‫املعارك واشتدادها‪.‬‬
‫ووجدت روسيا أن حكومة نجيب ضعيفة ال تستطيع أن تحافظ ىلع أية منطقة تنسحب منها‪.‬‬
‫موقف ضياء الحق‪:‬‬

‫مليا‪ ،‬ثم أقدم ىلع إقالة حكومة رئيس‬
‫وعندما أصر جونيجو ىلع تنفيذ املعاهدة فكر ضياء ًّ‬
‫وزرائه وقد كان آنذاك يف الصين‪ ،‬فاتصل به وقال له‪ :‬عد إلى بيتك فقد قررت طردك من الحكومة‪.‬‬
‫وحل مجلس الشورى‪،‬‬
‫‪65‬‬
‫وأمسك ضياء بقبضته العسكرية البلد من جديد معل ًنا‪:‬‬

‫‪ -1‬وقوفه بجانب املجاهدين واملهاجرين األفغان حتى يعودوا إلى بالدهم معززين مكرمين‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه سيطبق الشريعة اإلسالمية وإن كلفه هذا نفسه وأهله وعرشه‪.‬‬
‫قال أسلم ختك (وزير الداخلية لضياء الحق)‪ :‬ستقتلك أمريكا والغرب‪ ،‬فأجاب ضياء الحق‪( :‬إن الذي‬
‫يتخذ قرار املوت والحياة يف السماء وليس يف األرض)‪.‬‬
‫التراجع الروسي‪:‬‬
‫وعندما رأت روسيا أن الحكومة الشيوعية هشة أمام ضربات املجاهدين‪ ،‬خشيت روسيا أن تسقط‬
‫كابل قبل أن يتم انسحابها فرجعت وأرسلت قواتها مرة أخرى إلى قندهار وغيرها‪ ،‬وصارت توجه‬
‫طائراتها لإلغارة ىلع الحدود الباكستانية وضرب القرى الباكستانية الحدودية‪ ،‬ورفعت باكستان‬
‫عقيرتها بالشكوى ىلع روسيا التي تعتدي ىلع اآلمنين‪.‬‬
‫انتصارات املجاهدين‪:‬‬
‫ولقد حقق املجاهدون من االنتصارات خالل سنة ‪ 8891‬بعد جنيف أضعاف ما أحرزوه عبر سنوات‬
‫ماضية‪.‬‬
‫العروض ىلع املجاهدين‪:‬‬
‫وكانت آخر محاولة الحكومة ذات القاعدة العريضة ‪ desaB daorB‬يكون مجلس شورى من‬
‫املجاهدين ‪ %05‬ومن املهاجرين يف باكستان وإيران ‪ %03‬ومن املهاجرين يف العالم ‪ %01‬ومن‬
‫املسلمين يف كابل ‪.%01‬‬
‫يف مدينة الحجاج‪:‬‬

‫والتقى مجلس الشورى يف مدينة الحجاج وجاء وزراء ظاهر شاه السابقون من بين أعضائه مع‬
‫بعض األفغان املستغربين واجتمعوا مع املجاهدين الذين أنضجتهم املحنة وصاغتهم األحداث‬
‫الضخمة وصقلتهم نيران املعارك التي اكتووا بضرامها عبر السنين‪.‬‬
‫ووقف عبد الستار سيرت ‪-‬أحد وزراء ظاهر شاه‪ -‬ليشرح للحاضرين عن خطة سياسية معقولة‬
‫للحل‪ ،‬وكأنه يريد أن يجرهم إلى قبول األمر الواقع الذي ال محيد عنه وهو قبول ظاهر شاه‪.‬‬
‫وإذا باملسؤول عن إدارة املؤتمر يصيح (مرده باد) ظاهر شاه (املوت لظاهر شاه)‪ ،‬وإذا بمجلس‬
‫‪66‬‬
‫الشورى كله يدوي باملوت لظاهر شاه وبهت عبد الستار‪.‬‬

‫وغادر املستغربون واملنتفعون وتجار الدماء قاعة مدينة الحجاج غير مأسوف عليهم‪.‬‬
‫ووصل املجاهدون إلى حل‪( :‬محمد نبي رئيس للدولة وأحمد شاه رئيس للوزراء) وزلزلت األرض‬
‫زلزالها‪ ،‬وأخرجت صدور الحاقدين ىلع هذا الدين أثقالها ومكنونات قلوبها‪ ،‬فقال أحد كبار‬
‫الناصحين‪( :‬إن أمريكا والصين وإيران‪ ...‬ال ترضى عن هذه الحكومة)‪.‬‬
‫قال سياف‪ :‬نحن شكلنا هذه الحكومة ألفغانستان وليس ألمريكا‪.‬‬
‫وقال حكمتيار‪ :‬لن يفرض أحد علينا حكومة وسنحارب الحكومة التي ترتضيها أمريكا كما حاربنا‬
‫روسيا‪ .‬وألقى العالم بثقله وكلكله وفرط العقد ومزق الكلمة‪.‬‬
‫وتقدم جالل الدين حقاني‪ :‬مع سبعين من مجلس الشورى يطلبون من القادة السبعة الحل‬
‫أو يتركوا إليهم تقديم حل‪ ،‬ووافق السبعة وانتحى جالل الدين مع أربعة عشر من مجلس الشورى‬
‫رئيسا للوزراء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وسيافا‬ ‫رئيسا للدولة‬
‫ً‬ ‫يف بيت منزو بعيد عن األنظار وخرج بالحل الذي أفرز (مجددي)‬
‫أصوليا فجاء سياف أشد أصولية منه‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫وعلقت أجهزة اإلعالم‪ :‬لقد كان أحمد شاه‬
‫التحدي الكبير‪:‬‬
‫وقامت الدولة وهي تنتظر اعتراف األصدقاء وتضع دول العالم اإلسالمي أمام امتحان عسير وإزاء‬
‫تحد كبير‪ ،‬وكأنها تسائلهم‪ :‬أين أخوة اإلسالم؟ بل أين الشعارات والالفتات؟ بل أين ذهبت الوعود‬
‫والتصريحات؟‬
‫إن وجوم العالم اإلسالمي إزاء دولة املجاهدين التي ولدت يف أجفان الردى ويف أغماد السيوف‪،‬‬
‫وصمت القبور الذي يلف دول العالم الغربي حيال دولة الشرف وحكومة املجد ليضع عالمة استفهام‬
‫كبيرة حول هذا املوقف‪.‬‬
‫وكأنه يصرخ بشدة يف آذانهم‪:‬‬

‫أويستطيع نظام أن يخرج عن إرادة البيت األبيض أو األحمر؟ أو يتمرد ىلع إشارات برمنجهام؟‬
‫وكأن دولة املجاهدين تقول‪ :‬من يعلق الجرس؟‬
‫‪67‬‬
‫لن تطفئوا نور اهلل‬
‫لقد استحر القتل باملجاهدين املحاصرين لجالل آباد‪ ،‬وروسيا تدفع بكل ما بين يديها من وسائل‬
‫الفتك واإلبادة‪ ،‬وكثر الشهداء حتى صرنا ال نتابع الكتابة عنهم‪.‬‬
‫والشيوعيون قد انتفضوا بكليتهم يدافعون عن كيانهم الهش الذي بدأ ينهار رك ًنا بعد ركن‪،‬‬
‫وصيحات النظام ال تتوقف مستغيثة األمم املتحدة‪.‬‬
‫ويف هذه املعركة أبدى املجاهدون بسالة ال نظير لها وهم يقتحمون املوقع تلو املوقع‬
‫رائعا يف اإلقدام ىلع‬
‫ال ً‬ ‫واأللغام تحت األرض تتربص بهم ريب املنون‪ ،‬والشباب العرب قد ضربوا مث ً‬
‫املنايا خاصة يف اقتحام املطار‪.‬‬
‫التساؤالت‪:‬‬
‫والناس الذين يرقبون املعركة يريدون أن تسقط (جالل آباد) بطرفة عين أو ملحة بصر لشدة‬
‫تعلقهم بهذا الجهاد يودون أن تقوم دولة اإلسالم يف أفغانستان بين عشية وضحاها‪ ،‬وتمسح‬
‫الشيوعية من أرض أفغانستان؛ لتقوم مقامها املنارة املفقودة (الخالفة)‪.‬‬
‫االعتذار عن املجاهدين‪:‬‬
‫ونحن إذ نؤرخ لهذه املرحلة نعتذر عن املجاهدين بأمور‪:‬‬
‫(‪ )1‬إن املجاهدين حديثو عهد بفتح املدن‪ ،‬وأما اآلن فقد انتقل الجهاد من الدفاع إلى الهجوم‪،‬‬
‫ومن فتح مراكز صغيرة إلى فتح مدن كبيرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬إن جالل آباد منبت الشيوعيين‪.‬‬
‫(‪ )3‬إن الذين لهم أدنى معرفة بالحروب الشاملة يدركون أنه ليس بمستغرب طول حصار املدن‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن حصار املدن وفتحها ليس باألمر الهين وال يتم بومض البصر‪.‬‬
‫(‪ )4‬لقد فتح املجاهدون خالل الشهرين املاضيين أكثر من مائة مركز حول جالل آباد‪ ،‬وغنموا‬
‫غنائم كثيرة كانت تصل أكوامها طوالً إلى عدة كيلو مترات‪.‬‬
‫(‪ )5‬أما نجيب وحكومته املنهارة فهم يعيشون حالة من اليأس القاتلة والتردي املزرية البئيسة‪،‬‬
‫مارا بالشرق إال ويستنجد به ليتوسط لدى املجاهدين‪.‬‬
‫فال يدع ًّ‬
‫‪68‬‬
‫موقف أصحاب الشمال (اليسار) العربي‪:‬‬

‫والصحف التي يمسك بزمامها أصحاب الشمال الذين يتدسسون من خالل أوكارهم الهدامة لتدمر‬
‫حصوننا من داخلها يف العالم اإلسالمي‪ ،‬أقول‪ :‬إن هذه الصحف والدوريات تلعب دورها يف تحطيم‬
‫نفسيات الجيل العائد إلى اهلل‪ ،‬وال تني صباح مساء أن تدس سمومها لغرس اليأس يف قلوب‬
‫املسلمين من خالل التالعب باأللفاظ ومعسول الكالم‪.‬‬
‫ً‬
‫وغيظا ىلع هزيمتهم‬ ‫والشيوعية وأصحاب الشمال يف العالم اإلسالمي يكادون يتفجرون غض ًبا‬
‫الكبرى يف أفغانستان‪ ،‬وهم متحمسون للشيوعية ولنجيب أكثر من أمهم (روسيا) التي تركتهم‬
‫رخيصا سه ً‬
‫ال للقانصين‪ ،‬وركلتهم بأقدامها خاسئين خاسرين‪ ،‬وهم مع هذا‬ ‫ً‬ ‫وصيدا‬
‫ً‬ ‫نهبة للطامعين‪،‬‬
‫كله يتربصون باإلسالم وأبنائه‪.‬‬
‫درهما‬
‫ً‬ ‫وهم يعيدون ويبدئون أن القتال يف أفغانستان حرب أهلية فكيف يجوز ملسلم أن يدفع‬
‫لتأجيج نار الفتنة األهلية وسفك دماء املسلمين األفغان‪ ،‬وكيف يزج مسلم بنفسه وبماله يف هذه‬
‫املتاهة (القاتل واملقتول فيها بالنار)؟!!! وكيف يعد املجاهدون أنفسهم مسلمين وهم يشنون‬
‫ضراما ىلع نجيب الذي يصلي ويصوم؟‬
‫ً‬ ‫حر ًبا شعواء ويشعلونها ناًرا‬
‫وهكذا تواجهك األسئلة الكثيرة التي يلبس بها اليساريون ىلع األمة اإلسالمية التي تفاعلت مع‬
‫الجهاد األفغاني املبارك وتعده من أخطر القضايا اإلسالمية وأهمها شأ ًنا‪.‬‬
‫يسألونني يف اإلمارات (أبو ظبي)‪ :‬أويجوز قتال نجيب وهو يصلي؟ فقلت‪ :‬صدق اهلل العظيم‪:‬‬
‫(وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم األنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن اهلل عليم‬
‫بذات الصدور)‪.‬‬
‫أما الحرب األهلية‪:‬‬

‫فإن كانت املعارك بين جند اهلل وبين الشيوعيين يف أفغانستان حر ًبا أهلية فهذا يعني أن‬
‫قتال الرسول صلى اهلل عليه وسلم لقومه حرب أهلية؛ فقد قاتل صلى اهلل عليه وسلم يوم بدر‬
‫أهله وعشيرته‪ ،‬وقد عاتبه ربه بعد قبول الفدية من أسرى بدر السبعين وعدم قتلهم‪.‬‬
‫فقد كان العتاب لعدم قتل األسرى؛ ألنه البد من اإلثخان يف بداية أمر دولة اإلسالم ونشأتها يف‬
‫أية بقعة وعبر أي زمان‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫حضارة اإلرث الثالث‬
‫قال لي صاحبي معات ًبا‪ :‬أنتم قدمتم القضية األفغانية يف إطار أوسع من حجمها‪ ،‬وبصورة أنصع‬
‫من واقعها‪ ،‬وبضخامة أكبر من أحداثها‪ ،‬وهذه مسؤولية أمام اهلل‪.‬‬
‫وقال لي آخر‪ :‬لقد بدأت صورة العمالق األفغاني تقزم‪ ،‬وإشراقة الصفحة الجهادية تبهت‪ ،‬وبدأ‬
‫الجهاد يفقد تلك الجاذبية التي أغرت الجماهير اإلسالمية بمتابعته‪ ،‬وجذبت العشاق من كل حدب‬
‫وصوب فارتمت ىلع عتبته‪.‬‬
‫وقال لي ثالث‪:‬‬
‫إنك ما تفتأ تذكر أن الشعب األفغاني شعب فريد يف أصالته عريق يف أرومته فذ يف استعداداته‬
‫وفطرته‪ ،‬مع أننا رأيناه جاه ً‬
‫ال فيه كثير من السقطات والهفوات واالنحرافات‪.‬‬
‫فأجبتهم‪ :‬رويدكم‪ ،‬ال ترموني شزًرا‪ ،‬وال تزلقوني بأبصاركم ضج ًرا‪ ،‬وال ترهقوني من أمري عس ًرا فما‬
‫شهدنا إال بما علمنا‪ ،‬وما كنا للغيب حافظين‪.‬‬
‫أما عن تقديم الجهاد األفغاني يف ثوب فضفاض فهذا أمر غير صحيح؛ إذ لم يكن يف حسبان‬
‫ملموسا بمسيرة اآلالم والعذاب‪ ،‬فلقد حول الجهاد‬
‫ً‬ ‫واقعا‬
‫ً‬ ‫أحد أن الجهاد سيحقق األماني العذاب‬
‫األساطير إلى أحداث ووقائع‪ ،‬فلقد كانت التقريرات تثبت أنه قد سقط وحطم للسوفييت حتى‬
‫بداية سنة ‪ 8891‬حوالي ألفين وثمانين طائرة‪ ،‬ودمر حوالي ‪ 71‬ألف دبابة ومصفحة و‪ 21‬ألف آلية‪.‬‬
‫وهذه أرقام لم يشهد لها التاريخ نظي ًرا بعد الحرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫واقعها أكبر من إعالمها‪:‬‬

‫ما رأيت قضية واقعها الفعلي أكبر من إعالمها مثل قضية أفغانستان‪ ،‬وأما عن الشعب األفغاني‪:‬‬
‫فهذه شهادة التاريخ القائلة‪ :‬بأنه فريد يف شدة مراسه وصالبة شكيمته وقوة بأسه‪ ،‬ودعك عن‬
‫صبره وأنفته‪ ،‬وعزته وشدته وسالمة فطرته‪ ،‬وإبائه وحيائه‪.‬‬
‫قال صاحبي‪ :‬ولكنك لم تذكر عيوب الشعب األفغاني‪ ،‬فأجبت قائ ً‬
‫ال‪ :‬نحن نتكلم يف قضية‬
‫معينة وهي الحرب والشجاعة والصبر والبطولة‪ ،‬وهي التي فقدتها معظم األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫أتريدوني وأنا أتكلم عن بطولة عنترة الفرسان أن أقول عنه‪ :‬ولكن له رائحة كريهة تخرج من عرقه‬
‫أثناء املعركة‪ ،‬وهو جاهل أمي‪ ،‬حتى تكون الصورة صادقة والنقل أمي ًنا‪ ،‬وأقول‪ :‬من كان منكم بال‬
‫خطيئة فليرجمها‪ ،‬فمن كان شعبه خال ًيا من العيوب فليذكر عيوب األفغان‪.‬‬
‫أما عن صورة املارد الذي تقزم فهذا شأن اإلعالم اليهودي الغربي األمريكي إذ إنهم نقلوا بعض‬
‫‪70‬‬
‫الصور الحقة أثناء القتال بين األفغان والروس‪ ،‬وقد كان األمريكان جد خائفين من استمرار االحتالل‬
‫الروسي ألفغانستان‪ ،‬وكانوا يخشون ىلع آبار البترول يف الخليج العربي‪ ،‬وكان يهمهم أن ال‬
‫ً‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬قرب بحور الذهب األسود‪ ،‬ويهدد مصالحهم يف باكستان والدول‬ ‫تستقر قدم الدب الروسي‬
‫الصديقة‪ ،‬أما اآلن وقد هزمت روسيا وولت ىلع أعقابها انتفضت الدنيا خشية أن يصل املجاهدون‬
‫للحكم‪ ،‬ولذا ألقيت األوامر إلى اإلعالم أن يبحث عن كل نقيصة فيلصقها بهم‪.‬‬
‫املؤامرة كبيرة‪:‬‬
‫ال‪ :‬إذن فاملؤامرة عاملية؟ فأجبت قائ ً‬
‫ال‪ :‬نعم‪ ،‬أال تسمع اللحن النشاز يف‬ ‫ففغر صاحبي فاه قائ ً‬
‫مسيرة الشرف والفخار والذي ينادي بعودة ظاهر شاه‪ ،‬فقد نقل إلي أن الجنرال أكرم قد عاد من عند‬
‫ظاهر شاه قبل أيام فسئل عن امللك فقال‪ :‬لقد عرض عليه األمين العام لألمم املتحدة أن يرجع‬
‫إلى أفغانستان فأجاب امللك لن أرجع حتى يطلبني القادة السبعة وىلع رأسهم حكمتيار وسياف‪،‬‬
‫وهذا يكون حين يلج الجمل يف سم الخياط‪.‬‬
‫مقتل ضياء الحق‪:‬‬

‫فقال صاحبي وهو يتابعني‪ :‬ولعل قتل الرئيس ضياء الحق كان جز ًءا من املؤامرة‪ .‬فقلت‪ :‬إن‬
‫قتل ضياء الحق كان الركن الركين يف هذه املؤامرة فلقد قتل ضياء؛ ألنه وقف وقفة الشرف واإلباء‬
‫بجانب ليوث اهلل‪ ،‬فكان الغرب والشرق يخشون أن يصل املجاهدون إلى الحكم ويحفظوا لهذا‬
‫كونفدراليا مع باكستان‪ ،‬فتلتقي الطاقة البشرية‬
‫ًّ‬ ‫فدراليا أو‬
‫ًّ‬ ‫اتحادا‬
‫ً‬ ‫القائد الفذ يده البيضاء ويقيموا‬
‫اإلسالمية يف أفغانستان مع القوة الذرية يف باكستان‪ ،‬وعندها تصبح مصدًرا للرعب يهز أوصال‬
‫الكفر يف العالم أجمع‪.‬‬
‫ولذا فإن املراقبين يكادون يجمعون أن أمريكا هي التي عبثت بطائرته‪ ،‬وذلك ألن املادة الكيماوية‬
‫التي استعملت يف حادثة اغتياله ال تصنع إال يف دولة متقدمة‪.‬‬
‫واستدارت عجلة الجهاد‪:‬‬

‫أما اليوم فقد استدارت عجلة هذا الجهاد كيوم بدأ‪ ،‬وعاد يواجه الصعوبات التي قابلها يف تلك‬
‫األيام األولى من ضيق ذات اليد وتنكر الصديق قبل العدو‪ ،‬وبدأ التضييق ىلع الحدود‪ ،‬وجاء قرار منع‬
‫إخراج األغذية خارج باكستان كثالثة األثايف ليحول دون وصول الرغيف إلى يد ليوث الغاب‪ ،‬فإذا‬
‫وضعت يف حسبانك السنين التي حلت ىلع أفغانستان خاصة شمالها وغربها تحمل معها القحط‬
‫‪71‬‬
‫والفاقة حتى تضاعف ثمن الطحين لهذا العام خمسة أضعاف‪ ،‬وزحفت اآلفات مع الجراد لتأتي ىلع‬
‫ً‬
‫عمقا ملأساة الرغيف‪.‬‬ ‫ما بقي من حياة‪ ،‬وأضافت القذائف بحرائقها ىلع هذا الجو الكئيب الحزين‬
‫الحائط املسدود‪:‬‬
‫قال صاحبي‪ :‬ولكن أال ترى أن الجهاد األفغاني قد وصل إلى حائط مسدود ومأزق ضيق ووقف‬
‫أمام عقبة يصعب عليه اجتيازها بعد عجزه عن فتح جالل آباد مع مرور هذا الوقت الطويل؟‬
‫ال‪ ،‬ولنرجع إلى الوراء قلي ً‬
‫ال لندرك حقيقة جالل آباد‪ ،‬فلقد كانت الحكومة‬ ‫فقلت له‪ :‬رويدك قلي ً‬
‫تسيطر ىلع مساحة ‪ 03×07‬كم (‪2،001‬كم‪ )2‬تقري ًبا قبل ثالثة أشهر يف منطقة ننجرهار (جالل‬
‫آباد) فلم يبق يف يدها إال (‪4×7‬كم)‪ ،‬هذا بالنسبة لجالل آباد التي تقع تحت رحمة نيران املجاهدين‬
‫التي يكفونها عن األهالي‪.‬‬
‫أما بالنسبة ألفغانستان‪ :‬فاملجاهدون يسيطرون تقري ًبا ىلع معظم الطرق الرئيسة‪.‬‬
‫فقه األوراق وفقه الحركة‪:‬‬

‫والذين يزاولون فقه األوراق اليوم وهم ينقلون عن الصحابة طول مدة القصر يظنون أنهم كانوا‬
‫مستقرين مطمئنين وال يعلمون‪ ،‬وهم ينقلون عن الصحابة أنهم كانوا يف معارك ال تتوقف أو جو‬
‫من الرعب والرهب يف حصار أعداء اهلل وشبح املوت يتراءى أمام نواظرهم صباح مساء‪.‬‬
‫فقد روى نافع عن ابن عمر (أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه‬
‫وبين الدخول)‪ ،‬وقال أنس‪( :‬أقام أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم برام هرمز سبعة أشهر يقصرون‬
‫الصالة)‪ ،‬وقال الحسن‪( :‬أقمت مع عبد الرحمن بن سمرة بكابل سنتين يقصر الصالة وال يجمع)‪ ،‬فقد‬
‫كان الجميع يعيشون املعركة يف خضم متالطم من القبائل واألعداء يتحفزون لالنقضاض عليهم‬
‫والبطش بهم‪.‬‬
‫قال صاحبي‪:‬‬
‫إذن لم يفت الوقت! فأجبته‪ :‬بلى‪ ،‬بل إن الجهاد يف تقدم وما من يوم يمر إال والجهاد يحقق‬
‫نص ًرا مهما كان ضئي ً‬
‫ال‪ ،‬واملجاهدون اآلن يدمرون الحزام األمني الثاني لكابل‪ ،‬ويواصلون الليل بالنهار‬
‫ملعركة كابل املقبلة خالل األشهر القليلة املقبلة بإذن اهلل‪ ،‬فتراهم مشغولين بحفر الخنادق‬
‫وتخزين املؤن ونقل األسلحة (ولينصرن اهلل من ينصره إن اهلل لقوي عزيز)‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫أريد حياته ويريد قتلي‪:‬‬

‫ولو علم الغرب والشرق واألمريكان بالذات ما سيحققه انتصار هذا الجهاد من خير لهم‪ ،‬ومن إنقاذ‬
‫إلنسانيتهم‪ ،‬وحل ألزمتهم‪ ،‬لبذلوا له الغالي والرخيص والنفس والنفيس‪.‬‬
‫إن حضارة اإلسالم هي الوحيدة التي تصلح إلرث األرض وإنقاذها‪ ،‬إن نداء الفطرة يصرخ‪ :‬أريد حضارة‬
‫(اإلرث الثالث) كما يسميها جارودي‪ ،‬إن الفطرة تريد الخالص‪.‬‬
‫الطريق إلى كابل‬
‫ىلع طول الطريق من بيشاور إلى عند الفتح (جاجي) كان الحديث الذي يدور بيني وبين‬
‫حكمتيار ويحتل األهمية البالغة يف وقتنا هو حديث الجهاد‪ ،‬ويف قمة األهمية البالغة معركة‬
‫وجنودا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كابل التي أصبحت الشغل الشاغل للمجاهدين قادة‬
‫لقاؤنا مع اإلخوة العرب‪:‬‬

‫وقد كان اللقاء يف مركز الفتح مع مجموعة من اإلخوة العرب يف الثاني من ذي الحجة سنة‬
‫‪9041‬هـ‪ ،‬وقد دار الحوار حول حوزات كابل وأهدافها الرئيسة فقال حكمتيار‪:‬‬
‫البد من إغالق الطريق الرئيس الواصل بين سالنج وكابل‪ ،‬طريق (حيرتان ‪ -‬ساالنج ‪ -‬كابل) هذا هو‬
‫الهدف األول الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا‪.‬‬
‫وأما الهدف الثاني فال بد من ضرب املراكز الحساسة مثل مطار كابل (خوجا رواش)‪ ،‬وبجرام‪ ،‬ودار‬
‫األمان‪.‬‬
‫القيادة املوحدة أو مجالس الشورى‪:‬‬

‫وأكثر ما كان يشغل أذهان اإلخوة العرب ويتردد ىلع ألسنتهم هو العمل الدائب إلظهار قيادة‬
‫موحدة للمعركة‪ ،‬وهذا األمر هو الذي استحوذ ىلع اهتمام اإلخوة يف جوالتهم حول كابل‪،‬‬
‫والتي بدأت منذ بضعة أشهر‪ ،‬وهنا قضيتان البد من الوصول فيهما إلى حل‪:‬‬
‫(‪ )1‬االجتماع ىلع قيادة موحدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬االجتماع ىلع خطة مشتركة بين املجاهدين‪.‬‬
‫وهناك قضايا أخرى كانت الترتيبات واالتصاالت الدائبة تعمل عليها منذ عدة أشهر‪ ،‬وىلع رأسها‬
‫التنسيق مع القادة األمراء بشأن املواد الغذائية وتوفيرها للمعركة‪ ،‬ولعل اهلل قد اطلع ىلع قلوب‬
‫‪73‬‬
‫بعضنا‪ ،‬فعلم صدق النيات وإخالص الطويات فأالن لنا بعض قلوب الصالحين واملحسنين فبذلوا‬
‫بسخاء‪ ،‬وقد تجمع بعض املال الذي اشترينا به املواد الغذائية‪\.‬‬
‫حديث التاريخ‪:‬‬
‫ولقد حدثني التاريخ قائ ً‬
‫ال‪ :‬إن بين طيات صحفي مصداقية كالمك‪ ،‬فمن وسط آسيا خرج املغول‬
‫وحكموا أرجاء كبيرة من املعمورة‪ ،‬واعتنق أحد أبناء جنكيزخان هذا الدين (وهو بركة خان)‪ ،‬وقامت‬
‫وأصقاعا كبيرة من األراضي التي ترزح تحت‬
‫ً‬ ‫الدول املغولية اإلسالمية التي حكمت تركستان‬
‫االستعمار السوفياتي‪ .‬ولقد برز من هذه األرض (وسط آسيا) تيمورلنك األعرج الذي أنشأ الدولة التترية‬
‫والتي بسطت سلطانها ىلع مساحات واسعة من األرض‪ ،‬واعتنقت اإلسالم‪ ،‬وأخذت مكانتها خليفة‬
‫للدولة املغولية‪.‬‬
‫وبزغ من هذه األرض األتراك العثمانيون الذين امتد رواق سلطانهم قرابة خمسة قرون ىلع العالم‬
‫العربي وىلع أرجاء شاسعة يف أوروبا يحكمونها باسم اإلسالم‪ ،‬وتعلن إذعانها لهم بدفع الجزية‬
‫لخلفاء بني عثمان‪.‬‬
‫فال تستغربن أن يكون لألفغان دور ينتظرهم يف إنقاذ قطاع كبير من البشر باسم اإلسالم وبحد‬
‫الحسام‪.‬‬
‫قال أبو الحسن املدني‪ :‬إن أول ما لفت نظري إلى أهمية القضية األفغانية أستاذ يف الدراسات‬
‫الشرقية يف جامعة أمريكية أخذت عنده مادة يف التاريخ ملدة أربعة أشهر وقف فيه األستاذ‬
‫شهرين كاملين مع القضية األفغانية ودورها املنتظر يف التاريخ الحديث‪.‬‬
‫القدر ال يخضع للبشر‪:‬‬

‫وهنالك أسباب يخبئها اهلل لعباده الصادقين ينزلها اهلل أثناء الشدة وإبان األزمات‪ ،‬فقد تستسلم‬
‫فرقة من الجيش الكافر باالتصال السري فتنهي وجود الحكم‪.‬‬
‫التسخير الرباني‪:‬‬
‫وإني ألحس من أعماقي رحمة اهلل وفضله يف تسخير العرب لخدمة هذا الجهاد‪.‬‬
‫وعطاء العرب من أنفسهم وأرواحهم أضخم بكثير من بذلهم من جيوبهم‪ ،‬ودعك عن الروح‬
‫حماسا مما يرفع معنويات‬
‫ً‬ ‫املعنوية العالية التي يقبل بها العربي وهو يتدفق حيوية ويتفجر‬
‫املجاهدين‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫وال تنس االلتزام الخلقي الذي يعتبر سمة بارزة للمجاهدين العرب‪ ،‬عدا املعرفة العميقة للكثير‬
‫منهم بالسنن والقيام وصيام النافلة وآداب الطعام والشراب والتزام أذكار الصباح واملساء‪ ،‬وتالوة‬
‫القرآن‪ ،‬وآداب السفر‪ ،‬وأدعية القتال مما ينتقل إلى األفغان باالقتداء والتأسي ال بالكالم والتعليم‪.‬‬
‫هذا عدا املؤسسات التي أشرف العرب ىلع إنشائها داخل أفغانستان للمجاهدين أو يف‬
‫باكستان للمهاجرين‪ ،‬ويف شتى املجاالت التعليمية والطبية واالجتماعية وحتى العسكرية‪.‬‬
‫أمور يتفرد بها العرب‪:‬‬

‫وهنالك مشاكل استعصى حلها ىلع األفغان أو أعجم عليهم االهتداء إلى إزالتها فكان الفرج‬
‫ىلع يد العرب؛ كالخالفات الداخلية وإغالق الطرق من قبل بعض الجبهات ىلع األخرى‪ ،‬والتنسيق‬
‫بين قادة امليدان‪ ،‬أو التقريب بين وجهات نظر األمراء‪.‬‬
‫أعداء اهلل يدركون الخطر‪:‬‬

‫ولقد أدرك أعداء اهلل البارزون وأعوانهم املتسترون بأسماء املسلمين ضخامة الدور الذي يقوم‬
‫به العرب اآلن يف املعركة‪ ،‬والروح التي تسري يف الجهاد واملجاهدين كسريان النور يف الظالم‬
‫بسبب وجود هؤالء املهاجرين األنصار العرب‪ ،‬مما جعل األعداء ينتفضون بكليتهم يشنون حمالتهم‬
‫املسمومة ىلع الوجود العربي‪ ،‬ويشعلون الفتن ضدهم باسم الوهابية‪ ،‬والتشكيك بالغايات السامية‬
‫التي طلق من أجلها املجاهدون العرب الدنيا وهجروا النعيم‪ ،‬حتى جازت الحيلة ىلع بعض الجهلة‪،‬‬
‫وأخذوا يوغرون صدور املسؤولين يف باكستان ىلع الوجود اإلسالمي بين املجاهدين األفغان‪،‬‬
‫ويؤزونهم ًّأزا للتضييق ىلع حركتهم‪ ،‬ومنع إعطائهم االعتراف القانوني ببعض مؤسساتهم‪.‬‬
‫ولكن جذور املحبة العميقة التي نمت مع األيام بين األفغان والعرب من خالل تسابق العرب ىلع‬
‫املوت والتزام خنادق القتال واإللقاء بالنفوس يف أتون املعارك املضطرمة جعل األفغان وهم أهل‬
‫رجولة وإباء وشمم وفراسة يدركون أن هؤالء العرب ما جاءوا لغرض قريب أو متاع زائل أو سفساف‬
‫من األمر‪ ،‬وإنما جاءوا لقضية كبرى هي‪ :‬الشهادة والجنة وإحياء دين اهلل من جديد‪ ،‬وإقامة املجتمع‬
‫اإلسالمي فوق هضاب خراسان وبلخ‪.‬‬
‫معلوما لدى الجميع أن العرب ال يفعلون شي ًئا بدون األفغان‪ ،‬وال يستطيعون‬
‫ً‬ ‫ولكن البد أن يكون‬
‫(فهم كامللح للطعام)‪.‬‬
‫رجال وأحداث‬
‫كان حكمتيار ىلع طول الطريق من “بيشاور” حتى وصلنا “تشاري كار” يحدثني أن أمامنا هدفين‬
‫‪75‬‬
‫رئيسين اآلن‪:‬‬
‫‪ -1‬إغالق الطريق العام (حيرتان ‪ -‬كابل أو روسيا‪ -‬كابل)‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرب مطار بجرام‪.‬‬
‫فكنت أقول له‪ :‬أوتظن أن الحزب اإلسالمي وحده قادر ىلع القيام بهذين الهدفين وتحقيق‬
‫هاتين األمنيتين؟ فيقول لي‪ :‬أظن أننا قادرون بإذن اهلل ‪-‬كحزب إسالمي وهو التنظيم الذي يرأسه‬
‫حكمتيار‪ -‬ىلع تحقيق هذين األمرين‪.‬‬
‫فكنت أقول له‪ :‬لعلك بحاجة إلى أال تغض طرفك عن التنظيم القوي اآلخر الذي يشاطرك هاتين‬
‫القضيتين وهو الجمعية اإلسالمية‪ ،‬كنت أريد أن أقرب إلى ذهنه الحكم الشرعي بالنسبة للقائه مع‬
‫أحمد شاه مسعود (القائد العام لتنظيم شوراي نظار الذي يتضمن عشر واليات شمال كابل‪ ،‬والذي‬
‫مهما من الجمعية اإلسالمية التي يرأسها األستاذ برهان الدين رباني)‪ .‬لقد كنت أقول‬
‫ًّ‬ ‫يشكل جز ًءا‬
‫لحكمتيار ونحن ىلع مشارف بروان‪:‬‬
‫إن لقاءك مع مسعود اآلن فرض شرعي‪ ،‬ولئن عدت إلى بيشاور دون اللقاء به فأنت آثم‪.‬‬
‫شرعا؛ ألنك تفوت فرصة تقرب اإلطاحة بالنظام الشيوعي‪ ،‬أو تثل‬
‫ً‬ ‫فقال لي‪ :‬آثم؟ قلت‪ :‬نعم آثم‬
‫عرشه وتزلزل كيانه‪.‬‬
‫ووافق حكمتيار ورحب باللقاء‪.‬‬
‫قذيفة حمقاء تبدد آمال العقالء‪:‬‬

‫قال لي حكمتبار‪ :‬لقد أذاعت الـ (‪ )C.B.B‬نبأ كمين أعده سيد جمال آغا وليد لقادة مسعود أثناء‬
‫عودتهم من (اجتماع شوراي نظار)‪ ،‬ولقد قالت اإلذاعة‪ :‬إنه قد قتل ثالثون منهم أربعة كبار‪ ،‬وذكر أن‬
‫(قاضي إسالم الدين ود‪.‬حسين) من بين القتلى‪.‬‬
‫وقد نظرت إلى وجه حكمتيار وقد امتقع بالسواد تأث ًرا للحادث املروع األليم الذي اقترف‪ ،‬وكتب‬
‫شديدا لهذا الحادث املزلزل‪ ،‬وأرسله إلى مكتبه يف بيشاور ليقوم بتبليغه إلى‬
‫ً‬ ‫حكمتيار استنكاًرا‬
‫اإلذاعات والصحف‪.‬‬
‫كنت قد اتفقت مع حكمتيار أن ال يغادر بروان ولو امتد األمر طوي ً‬
‫ال حتى يتم اللقاء‪ ،‬ولدى تلقيه‬
‫شخصيا أن يغادر؛ ألن الخرق قد اتسع ىلع الراقع وقد‬
‫ًّ‬ ‫للنبأ الفاجع قرر مغادرة أفغانستان ونصحته‬
‫يطول بنا األمر‪.‬‬
‫ثم قال لي حكمتيار‪ :‬نحن مستعدون أن نقدم سيد جمال للمحكمة الشرعية تحكم فيه حسب‬
‫مسعودا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشريعة اإلسالمية‪ .‬وقلت له‪ :‬ال بد لي اآلن أن أقابل‬
‫‪76‬‬
‫مقابلتي مع مسعود‪:‬‬
‫وأخي ًرا وصلت إلى (مسعود) يف ورسج‪ /‬فرخار فوجدته يكاد يقضي أسى ويعتصر أ ً‬
‫ملا‪ ،‬بدأت‬
‫الكالم مع مسعود عن املوقف الدولي واإلسالمي واملحلي تجاه الجهاد اإلسالمي يف أفغانستان‪،‬‬
‫وأن املعنويات يف العالم اإلسالمي البد من رفعها بعمليات عسكرية ضخمة سريعة‪ ،‬وأنه ال بد‬
‫من أن ننسى جراحاتنا العميقة إزاء هذا الطاغوت الذي يجثم ىلع صدور املسلمين يف أرض كابل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أقسم باهلل إنني ما رضيت لحظة واحدة عن الخالفات بين الحزب والجمعية‪ ،‬وسيسألني‬
‫يوما من األيام ذخيرة للجمعية وقلت للقائد أن‬
‫اهلل يوم القيامة عن هذا‪ ،‬فأجيبه أنني ما أعطيت ً‬
‫يستعملها ضد الحزب‪.‬‬
‫وقال لي‪ :‬أعدك ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬أن ال تتخطى املشكلة مكانها وموقعها‪ ،‬ولن تتعدى املشكلة سيد‬
‫جمال‪.‬‬
‫وأنا حريص أن ألتقي مع حكمتيار يف أي مكان يف أفغانستان‪ ،‬وقد وكلتك بهذا منذ العام‬
‫املاضي‪ ،‬وال زلت ىلع موقفي‪ ،‬فتفاهم مع حكمتيار ىلع ما تريد‪ ،‬وأنا أقبل بما تصلون إليه‪.‬‬
‫شرعا وال عق ً‬
‫ال أن يقتل قائد يف تخار فيقتل مقابله قائد من “جلبهار”‪.‬‬ ‫ومما اتفقنا عليه أنه ال يجوز ً‬
‫الراحة النفسية‪:‬‬
‫ورغم الطعنة النجالء التي وجهت إلى صميم الفؤاد ويف هذه املرحلة العصيبة إال أنني عدت‬
‫مرتاح النفس هادئ البال مطمئن الضمير من داخل أفغانستان‪ ،‬فالوضع أفضل بكثير من بيشاور ومن‬
‫الصورة الشوهاء التي ارتسمت يف أذهان الناس يف هذه اآلونة عن الجهاد واالستعدادات ملواجهة‬
‫نجيب كبيرة‪.‬‬
‫عقبات الطريق‪:‬‬
‫والعقبات يف طريق هذا الدين واملشاكل التي تنشأ داخل الصف املسلم من بعض أدعيائه أو‬
‫من أعدائه كثيرة‪ ،‬وال تزيد املشاكل النفوس إال صفاء وجالء ونقاء‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫مسيرة شعب‬
‫فقد غطت حادثة تخار وما تبعها ىلع أخبار االنتصارات الجهادية‪ ،‬وقد اتخذ بعض القوم من هذه‬
‫األحداث مادة دسمة للخوض يف املجاهدين‪ ،‬ولقد تابعت الحدث بنفسي فوجدت أن كثي ًرا من‬
‫املؤتمرات الصحفية والتصريحات اإلعالمية التي عقدتها اللجان السياسية أو اإلعالمية يف األحزاب‬
‫شابها كثير من التهويل‪ ،‬واعتراها التضخيم والتفخيم‪ ،‬يف حين ذكر أنه لم يقتل سوى خمسة من‬
‫القادة وستة من املجاهدين‪.‬‬
‫فقلت لألطراف‪ :‬أنتم تخربون بيوتكم بأيديكم‪ ،‬وتهدمون بمعاولكم جهادكم‪ .‬وخالصة ما أريد‬
‫أن أقوله‪ :‬إن األحداث يف واقعها أقل بكثير من الصورة املشوهة التي ضخمها اإلعالم‪ ،‬أو رسمتها‬
‫أيدي اللجان‪.‬‬
‫ولقد أثرت هذه التصريحات ىلع نفوس املسلمين يف العالم أجمع مما أدى إلى انقباض‬
‫صدورهم وقبض أيديهم عن البذل‪ ،‬وحسبك يف هذا الباب مثال واحد أن أحد املحسنين سأل عن‬
‫املواد الغذائية التي تلزم معركة كابل يف هذا الصيف فقيل له‪ :‬ستة آالف طن يقدر ثمنها بمليون‬
‫دوالر تقري ًبا‪ ،‬فتبرع بها وبدأت القوافل التي تحمل املواد الغذائية تتوارد إلى الجبهات حول كابل‪،‬‬
‫ولدى تلقي هذا املحسن لخبر “تخار” دفع ثمن املواد التموينية التي اشتريت بأربعمائة ألف دوالر‬
‫واعتذر عن اإليفاء ببقية املبلغ‪.‬‬
‫حل األلغاز‪:‬‬
‫ويذهل بعض الناس من املسلمين كيف تحصل أمثال هذه األحداث بين املجاهدين يف سبيل‬
‫اهلل؟ وكيف يجرؤ مسلم أن يسفك دم أخيه املجاهد وأمامه الطاغوت الكبير نجيب يتربص به‬
‫وبإخوانه الدوائر‪.‬‬
‫ويزول العجب إذا رجعت إلى (البداية والنهاية البن كثير) أو إلى تاريخ الطبري وتتبعت الفتن‬
‫التي ابتدأت بالفتنة الكبرى التي أودت بذي النورين عثمان ( يف الشهر الحرام يف املدينة النبوية‬
‫الحرام‪ ،‬وما تبعها من معركة الجمل بين علي ) من جهة وبين عائشة وطلحة والزبير من جهة أخرى‪،‬‬
‫وهؤالء الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬من العشرة املبشرين بالجنة‪ ،‬وكذلك معركة صفين بين علي‬
‫ومعاوية‪.‬‬
‫وإلنهاء اإلشكال الذي يدور يف مخيلتك حول هذه األحداث البد لك أن ترجع إلى كتاب (العواصم‬
‫من القواصم ألبي بكر بن العربي) لترى كيف كان كل واحد من الصحابة متأوالً‪ ،‬وأن ًّ‬
‫عليا التقى بالزبير‬
‫‪78‬‬
‫وطلحة وانصرفا من املعركة قبل أن يحدث اشتباك ولكن املفسدين هم الذين أشعلوا املعركة لي ً‬
‫ال‬
‫فظن كل من الفريقين أن الطرف اآلخر قد نكث عهده‪..‬‬
‫وهنا وجب األخذ بالتوجيه الرباني‬
‫﴿وإذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي األمر منهم لعلمه‬
‫الذين يستنبطونه منهم ولوال فضل اهلل عليكم ورحمته التبعتم الشيطان إال قلي ً‬
‫ال) [النساء‪.]38 :‬‬
‫ولذا فاألخبار التي تشوه الجهاد األفغاني وشخصياته البد أن يرجع األمر فيها إلى املطلعين ممن‬
‫يعيشون أرض املعركة ويدركون أبعاد األحداث‪.‬‬
‫مفاتيح حل الطالسم واملعميات يف الخالفات عند الشعب األفغاني‪:‬‬

‫وإنني أرى أن وقع األحداث ىلع قلوب الذين يواكبون مسيرة الجهاد يف داخل أفغانستان‬
‫أخف بكثير من وقعه ىلع قلوب الذين يسمعون من بعيد‪ ،‬وذلك ألن الذين يحيون مع هذا الجهاد‬
‫يعلمون أبعاد كل مشكلة وجذورها التاريخية‪ ،‬ولعلك لو تتبعت بعض املشاكل وجدت بعد عناء‬
‫كبير يف البحث أن السبب قد يكون ماع ًزا أو بقرة‪ ،‬وستجد يف مشكلة أخرى أن الدافع لسفك الدم‬
‫انتقاما لوالده الذي قتل بيد هذه القبيلة قبل أربعين سنة أو أكثر‪ ...‬وستجد مشكلة‬
‫ً‬ ‫هو ثأر قديم‬
‫ثالثة سببها الخالف بين أبناء عمومة ىلع زواج فتاة‪ ،‬وتجد مشكلة رابعة وراءها قاطع طريق وقف‬
‫يف وجه الروس وأبدى بطولة فائقة يف تحطيم دباباتها واغتنام ذخائرها وناقالتها‪ ،‬وبعد خروج‬
‫الروس عاد قاطع الطريق مع عصبة من األشرار حوله يقطعون الطريق ىلع املسلمين املجاهدين‪.‬‬
‫وتجد كثي ًرا من املشاكل وراءها مخابرات الدولة وعمالؤها الذين يبيعون الدنيا واآلخرة بريال‬
‫واحد!‪.‬‬
‫ولجالء الشك وتوضيح الصورة ال بد لك أن تعلم أن الشعب األفغاني بطبيعته وأغلبيته شعب‬
‫صلب املراس قوي الشكيمة حاد الطبع يرفض الذل ويأبى الخنوع‪ ،‬وهو إلى جانب إبائه ورجولته‬
‫وصالبته وكرمه ووفائه وصفاء فطرته وحيائه يجمع معها صفات أخرى كحب الثأر واالنتقام واألنفة‬
‫والفخر والتعصب إلى ما يعتقده ًّ‬
‫حقا‪ .‬وهذه الصفات جعلته يتعصب ملذهبه الحنفي‪ ،‬ولعل هذا‬
‫من العوامل التي حمته من الفكر الشيعي‪ ،‬فلقد وقف التعصب املذهبي حاج ًزا كبي ًرا أمام املد‬
‫الشيعي اإليراني‪ ،‬ولذا فقد عجزت املؤسسات الغربية أن تدخل أفكارها مع أموالها; فقد صرح‬
‫مسؤول اإلغاثة يف األمم املتحدة‪ :‬بأن الشعب األفغاني هو الشعب الذي أعيانا أن نتعامل معه‪.‬‬
‫وعجزت املؤسسات التعليمية أن تفرض عليه آراء ال يقبلها‪ ،‬بل هو الذي فرض عليها ما تعمله‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫شعب يحمل السالح‪:‬‬

‫عندما يمتشق الشعب سالحه ويهب يف وجه أعدائه البد لك أن تتوقع كذلك أن يستعمل هذا‬
‫السالح من قبل بعض الفساق والفجار يف وجه النساء والصغار لتنفيذ مآربهم وإرواء شهواتهم‬
‫وابتزاز األموال من الضعفاء‪.‬‬
‫أما أن نعيش يف أحالم وردية وأبراج عاجية ونحلق يف أمان عسلية فنتمنى وجود شعب‬
‫مالئكي نزع من صدورهم الغل والحسد والتنافس والهوى وحب الدنيا والرئاسة وشهوة السلطة‬
‫واملال‪ ،‬ونتمنى انسحاب هذه الصفات ىلع كل فرد يف املجتمع‪ ،‬فهذا أمر لن يكون يف األرض يف‬
‫يوم من األيام‪( ،‬ولو أمكن وقوعه لوجدناه يف مدينة الرسول صلى اهلل عليه وسلم ولم يحصل هذا)‪.‬‬
‫تجربتي يف فلسطين‪:‬‬
‫ولقد عشنا فترة من الجهاد واكبنا فيها مسيرة الثورة الفلسطينية‪ ،‬ولقد كنت أرى معظم املجتمع‬
‫يف األردن غير آمن ىلع عرض وال مال وال دم من بعض فصائل الثورة‪.‬‬
‫ولقد كانت تجاور معسكر التدريب ‪-‬الذي يضم أبناء الحركة اإلسالمية‪ -‬قاعدة للجبهة الديمقراطية‬
‫‪-‬نايف حواتمة‪ -‬فكنا نخشى أن يأخذونا ىلع حين غرة غدًرا أكثر من اليهود‪ ،‬فكانت حراستنا من‬
‫جدا‪ ،‬وقد كانوا يعلقون صور لينين ‪-‬غارس دولة اإللحاد يف األرض‪ -‬ىلع أبواب‬
‫جهتهم مشددة ًّ‬
‫الصالحين فال ينبسون ببنت شفة‪.‬‬
‫تجربة الحركة اإلسالمية‪:‬‬

‫ولقد اعتنى األستاذ البنا بتكوين جهاز عسكري ملواجهة اليهود وأعداء الحركة‪ ،‬واغتيل سيد‬
‫فايز أحد أعضاء الجهاز السري املرموقين وأشارت أصابع االتهام إلى بعض أفراده‪ ،‬ثم أسندت رئاسة‬
‫حدا أن يغضب ىلع موقف اتخذه األستاذ‬
‫الجهاز أخي ًرا إلى عبد الرحمن السندي الذي بلغ به الغرور ًّ‬
‫مدفوعا من عبد الناصر ليعتقل‬
‫ً‬ ‫الهضيبي املرشد العام فانطلق السندي وحاصر املركز العام‬
‫الهضيبي‪ ،‬فإذا جرى هذا يف إطار جهاز صغير لجماعة إسالمية تعنى كثي ًرا بالتربية الروحية والبناء‬
‫النفسي‪ ،‬وتجهد يف توثيق الصلة كثي ًرا بين الفرد وخالقه‪ ،‬فما بالك بشعب أمي قبلي يحمل كله‬
‫السالح كأفغانستان؟‬
‫حسبنا اهلل ونعم الوكيل‬
‫منذ أن شعر االتحاد السوفياتي أنه ال قبل له بمواجهة جند اهلل فوق أرض أفغانستان‪ ،‬ومنذ‬
‫أن أحست أمريكا والغرب من ورائها أن روسيا مهزومة ال محالة‪ ،‬أيقنت الدول الغربية أن آبار البترول‬
‫‪80‬‬
‫العربية لم تعد يف خطر بعد أن وقف السد املنيع من جماجم الشهداء األفغان دون تخطي الدب‬
‫األحمر لحدود قندهار‪ ،‬وبعد أن اطمأن الغرب تحت زعامة العم سام أن مصالحه يف أواسط آسيا‬
‫وغربها لم تعد مهددة‪ ،‬بدأ يبحث عن البديل لهذا الدب الذي أثخن بالجراح‪.‬‬
‫تدريجيا‪ ،‬ويحل محله لحن‬
‫ًّ‬ ‫عددا يخفت‬
‫ً‬ ‫وبدأ لحن البطولة األفغانية الذي عزف عليه الغرب سنين‬
‫جديد وهو إبراز بطل (البيروسترويكا) بأنه رجل سنة ‪ 9891‬إذ تعرضه “التايم” األمريكية ىلع غالفها‬
‫مشيدة ببطل السالم غوربتشوف‪ ،‬واتجه اإلعالم الغربي إلى إبراز حاكم الكرملين بصورة مشرقة بعد‬
‫أن عطرت اليد الغارقة بنجيع األطفال ودماء النساء بالعطر الذي يعبق شذاه يف األنوف‪.‬‬
‫دور اإلعالم يف طمس جهاد األعالم‪:‬‬

‫أما الجهاد األفغاني فقد أضحى يف عرف اليهودية العاملية حر ًبا أهلية وصراعات قبلية‪ ،‬هذه الصحف‬
‫التي تدوخ البشرية بأجهزة إعالمها وصحفها الدورية التي تصدر باملاليين لغسل أدمغة البشرية‪.‬‬
‫البروتوكوالت‪:‬‬
‫جاء يف البروتوكول الثاني عشر‪:‬‬
‫‪ -1‬سنمتطي صهوة الصحافة ونكبح جماحها‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن ال يكون ألعدائنا وسائل صحفية يعبرون فيها عن آرائهم‪.‬‬
‫‪ -3‬لن يصل طرف من خبر إلى املجتمع من غير أن يمر علينا‪.‬‬
‫‪ -4‬ستكون لنا جرائد (صحف) شتى تؤيد الطوائف املختلفة من أرستقراطية وجمهورية وثورية‪،‬‬
‫ً‬
‫‪-‬أيضا‪.‬‬ ‫بل وفوضوية‬
‫‪ -5‬يجب أن نكون قادرين ىلع إثارة عقل الشعب عندما نريد وتهدئته عندما نريد‪.‬‬
‫‪ -6‬يجب أن نشجع ذوي السوابق الخلقية (املفاسد الخلقية) ىلع تولي املهام الصحفية الكبرى‪،‬‬
‫وخاصة يف الصحف املعارضة لنا‪ ،‬فإذا تبين لنا ظهور أية عالمة للعصيان من أي منهم سارعنا فوًرا‬
‫إلى اإلعالن عن مخازيه الخلقية التي تستر عليها‪ ،‬وبذلك نقضي عليه ونجعله عبرة لغيره‪.‬‬
‫ويف البروتوكوالت‪( :‬البد لنا من السيطرة ىلع وكاالت األنباء التي تتركز فيها األخبار من كل أنحاء‬
‫العالم‪ ،‬وحينئذ سنضمن أن ال ينشر من األخبار إال ما نختاره نحن ونوافق عليه)‪.‬‬
‫اليهود يمسكون زمام اإلعالم الغربي‪:‬‬

‫فمثال وكالة “رويتر” أسسها يهودي اسمه “جوليوس رويتر”‪ ،‬وكذلك وكالة “أسوشيتدبرس” يسيطر‬
‫‪81‬‬
‫عليها اليهود‪ ،‬وكذلك وكالة “اليونايتدبرس إنترناشيونال” أسسها يهود وهم “سكرايبس وهوارد‬
‫وهيرست” سنة ‪ ،9091‬وكانت وكالتين ثم اتحدتا سنة ‪ ،8591‬ووكالة (أنباء هافاس) الفرنسية أنشأها‬
‫“هافاس” اليهودي‪.‬‬
‫أما الصحف‪ :‬فـ”التايمز” البريطانية يملكها اليهودي “ميردوخ”‪ ،‬ويمتلك كذلك مجلة “الشمس‬
‫‪ ،”Sun‬و”أنباء العالم ‪ ” News of the world‬و ‪. City Magazine‬‬
‫يوميا حــوالي ‪ 33‬مليون نسخة‪ ،‬ومنـهـــــا “ الديلي اكسبريس‬
‫ًّ‬ ‫وتوزع (‪ )51‬صحيفة بريطانية‬
‫”‪ ،‬و ‪ ” Daily Express‬الديلي ميل ‪ ” Daily Mail‬و”األوبزرفر ‪ ،” Observer‬و ”الغارديان ‪.” Gaurdian‬‬
‫أما يف أمريكا‪ :‬فهنالك (‪ )1759‬صحيفة يومية يتلقفها (‪ )16‬مليون أمريكي نصفها لليهود‪ ،‬ولهم‬
‫عليها السيطرة الكاملة‪ ،‬والنصف الثاني سيطرتهم عليه أقل‪.‬‬
‫يوميا و”الديلي‬
‫ًّ‬ ‫ومن القسم األول‪“ :‬نيويورك تايمز”‪“ ،‬الواشنطن بوست” توزع (‪ 620‬ألف) نسخة‬
‫يوميا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫نيوز‪ ،‬والنيويورك بوست” وتوزع (‪ 740‬ألف) نسخة‬
‫أسبوعيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ومجلة “نيوزويك” األسبوعية وتوزع ثالثة ماليين نسخة‪“ ،‬والتايم” وتوزع (‪ 4،5‬مليون) نسخة‬
‫وكذلك شبكات التليفزيون األمريكي الثالث كلها يسيطر عليها اليهود ‪.N.B.S CBS ABC‬‬
‫املحور الذي تدور حوله أجهزة اإلعالم‪:‬‬
‫ويركز اإلعالم اآلن ىلع تشويه هذا الجهاد من خالل قضيتين أساسيتين‪:‬‬
‫‪ -1‬أوالهما‪ :‬طمس الصورة املشرقة لهذا الجهاد وإبراز الثغرات وجوانب الضعف فيه‪ ،‬وذلك ملحو‬
‫آثاره يف أعماق األمة اإلسالمية وتحطيم عقيدة التوكل ىلع اهلل التي بناها الجهاد األفغاني عبر‬
‫السنين من خالل التضحيات والبطوالت‪.‬‬
‫‪ -2‬ثانيهما‪ :‬قطع الصلة بين هذا الجهاد وبين قلوب األمة املسلمة وتحجيمه من جهاد إسالمي‬
‫عاملي إلى قتال قومي منحصر بين قومين‪ :‬األفغان والروس‪.‬‬
‫نظرة الناس إلى الجهاد اآلن‪:‬‬

‫ولقد التقيت بطبقات مختلفة من الشعوب اإلسالمية خاصة العرب يف رحلتي األخيرة فوجدت‬
‫الناس كأن ىلع رءوسهم الطير‪:‬‬
‫قال لي خطيب مسجد مشهور يف جدة‪ :‬أصبحنا اآلن نستحيي أن نتكلم فوق املنابر بكلمة عن‬
‫الجهاد األفغاني‪ ،‬وأنا أعلم أن هذا الشاب ال زال ممن يعتبرون أنفسهم أحد أبناء هذا الجهاد ممن‬
‫ينافحون عنه بلسانهم ويحضون الناس ىلع بذل حشاشة نفوسهم وقلوبهم له‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫والتقيت بعالم يشار إليه بالبنان ويرجع إليه جماهير الناس يف فتاواهم‪ :‬فقال لي‪ :‬أنا اآلن مشوش‬
‫عن الجهاد األفغاني‪ ،‬ولذا فإني متوقف‪ ،‬فشرحت له حال الجهاد وقلت له‪ :‬إن األمل باهلل ثم بهذا‬
‫الجهاد كبير‪ ،‬وحال املجاهدين ىلع خير‪ ،‬وهم يقفون ىلع أبواب كابل‪.‬‬
‫فقال لي فضيلة الشيخ‪ :‬شرح اهلل صدرك كما شرحت صدري‪.‬‬
‫اإلعالم العربي‪:‬‬
‫والصحف العربية بحجمها الصغير وعددها الضئيل ال تملك أن تتمرد ىلع تيار سدنة اإلعالم‬
‫العارم‪ ،‬وليس لها إزاء هذا الخضم املتالطم من الصحف اليهودية أن تسبح فيه ضد التيار أو تجدف‬
‫لتخلص إلى شاطئ االستقرار‪ ،‬فالعرب ينقلون عن الصحف الكبرى ووكاالتها التي يدوي ذكرها يف‬
‫األرض‪ ،‬فيقف الناس مشدوهين أمام هذه الصحف وتجاه وكاالت األنباء‪ ،‬وال يسعهم إال أن يرددوا ما‬
‫يسمعون خاشعين واجمين قائلين‪ :‬آمين‪.‬‬
‫إن دور اإلعالم العربي اآلن تجاه الجهاد‪:‬‬

‫‪ -1‬تحطيم األمل الكبير الذي بناه الجهاد األفغاني عبر السنين يف قلوب الجيل املسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬اجتثاث عقيدة التوكل ىلع اهلل من أعماق األمة اإلسالمية التي غرسها الجهاد من خالل‬
‫املواقف والرجال‪.‬‬
‫‪ -3‬تشويه قادة الجهاد وحرق شخصياتهم يف أنظار األمة املسلمة‪.‬‬
‫‪ -4‬إقناع الشعوب اإلسالمية أن الحرب يف أفغانستان حرب أهلية بين املسلمين‪ ،‬ودعمه إنما‬
‫يعني زيادة سفك دماء املسلمين املحرمة‪.‬‬
‫‪ -5‬إثبات فشل هذا الجهاد وضعفه أمام الحكومة الشيوعية‪ ،‬وأن ال مخرج من األزمة إال بمؤتمر‬
‫دولي يتقاسم املغانم وينتهب الثمار‪.‬‬
‫‪ -6‬التركيز ىلع الخالفات األفغانية املتأصلة والتي يستحيل حلها من خالل قادة الجهاد‪.‬‬
‫وهم يعيدون ويبدئون ويؤكدون ىلع‪:‬‬
‫أن (رباني ومسعود) من التاجك الذين ال يمكن للبشتون طاعتهم‪ ،‬ولذا فإن (مسعود) ينزع إلى دولة‬
‫فارسية يف شمال أفغانستان!!!‬
‫‪83‬‬
‫ً‬
‫أحشفا وسوء كيلة‬
‫حول مائدة مستطيلة يف مقر لجنة الدعوة بالكويت اجتمعت ثلة من الصحفيين ومراسلي وكاالت‬
‫األنباء واملجالت املحلية الكويتية تصب علي األسئلة‪ ،‬وتوجه إلى الشبهات التي جمعت حول الجهاد‬
‫األفغاني‪ ،‬من حرب أهلية تسفك فيها دماء املسلمين‪ ،‬واشتباكات بين صفوف املجاهدين أنفسهم‪،‬‬
‫وتصدع كبير يعتري أسوار حكومتهم‪ .‬وتجمد الوضع الجهادي حول املدن‪ .‬وكان من بين الحاضرين‪:‬‬
‫مراسل وكالة األنباء الكويتية‪ ،‬واإلذاعة‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬والبالغ‪ ،‬والوطن‪ ،‬والسياسة‪ ،‬واألنباء‪ ...‬وغيرها‪.‬‬
‫فأجبتهم بوضوح‪:‬‬
‫‪ -1‬إن اإلعالم الغربي الذي تتزعمه أمريكا وتحركه أيدي يهود يريد أن يشوه صورة الجهاد األفغاني‪،‬‬
‫ويلوث سمعته‪ ،‬ويحرق قادته ألغراض ثالثة‪:‬‬
‫نموذجا يحتذى وأسوة تقتدى‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬مسح آثاره من نفوس املسلمين يف األرض حتى ال يعود‬
‫‪ -‬عزل الجهاد األفغاني عن العالم وتحجيمه وإعادته قضية محلية قومية بعد أن أفلت من‬
‫أيديهم وأصبح قضية إسالمية عاملية‪.‬‬
‫تمهيدا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬إقامة الحاجز النفسي بين الجهاد وبين قلوب املسلمين حتى تكف أيديهم عن البذل‬
‫لخنق الجهاد‪ ،‬وحتى ال يقيموا النكير فيما إذا حاول الغرب والشرق ابتالع هذا الجهاد من خالل‬
‫املؤتمرات الدولية‪.‬‬
‫أرقاما تثبت أن الروس لم ينسحبوا‪ ،‬بل هزموا شر هزيمة رأوها يف تاريخ‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬لقد قدمت لهم‬
‫الثورة البلشفية‪ ،‬فلم يكن أمام روسيا من حل سوى التقهقر والهزيمة التي لم يذق الجيش األحمر‬
‫ملرارتها نظي ًرا‪.‬‬
‫األدلة القاطعة بين االحتماالت والتوقعات وبين النتائج الدامغات‪:‬‬

‫ففي سنة ‪ 1891‬نشرت “املجلة العامة للقانون الدولي العام” خب ًرا مفاده أن خبراء حلف األطلسي‬
‫وهم الخبيرون بقوة خصومهم يف حلف وارسو توقعوا أن يتمكن السوفييت من السيطرة ىلع‬
‫الوضع يف أفغانستان ‪-‬وبالتالي من القضاء ىلع حركة الجهاد يف أفغانستان‪ -‬يف زمن يتراوح‬
‫بين ثالثة إلى ستة أشهر‪ ،‬وبطبيعة الحال‪ ،‬لم يدر يف خلد هؤالء الخبراء ‪-‬ومعهم املراقبون‬
‫واملحللون االستراتيجيون‪ -‬أن حركة الجهاد يف أفغانستان سوف تتمكن من الصمود يف وجه‬
‫أساسا‪ -‬ىلع جر أذيال هزيمة‬
‫ً‬ ‫االحتالل العسكري السوفيتي العاتي‪ ،‬بل وإرغامه ‪-‬بالضغط العسكري‬
‫مخزية لم تعرفها الدولة السوفيتية منذ قيامها حتى اآلن‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫ولذا فالهزيمة التي تكبدها االتحاد السوفياتي لم تكن متوقعة من قبل أمريكا والغرب‪ ،‬وإال فإنه‬
‫أبدا للغرب أن يدع هذه الفرص مفتوحة أمام الجهاد األفغاني‪.‬‬
‫ال يمكن ً‬
‫محاولة يائسة‪:‬‬
‫ولقد حاولت أمريكا يف آخر الشوط أن تنقذ الدب الروسي من أن يسقط تحت أقدام املجاهدين‪،‬‬
‫جدا بعد أن تجاوز الجهاد األفغاني مرحلة الخطر‬
‫ولكنها فشلت؛ إذ إن مقتل ضياء الحق جاء متأخرا ًّ‬
‫وعبر املنحنى الحرج‪.‬‬
‫املقارنات‪:‬‬
‫ولقد ذكرت يف الكويت أنه من الظلم الكبير للجهاد األفغاني أن نقارنه بالقتال يف فيتنام أو‬
‫غيرها مما يسمى بحركات التحرر الوطني‪.‬‬
‫ولكي تتضح أهمية حركة الجهاد يف أفغانستان‪ ،‬من املفيد إجراء مقارنات سريعة بينها وبين بعض‬
‫حركات التحرر املعروفة‪ ،‬من حيث الحجم‪ ،‬أو دور الدعم الخارجي‪ ،‬العسكري والسياسي واإلعالمي‪.‬‬
‫‪-‬زمنيا‪ -‬من جميع الحروب الكبرى التي‬
‫ًّ‬ ‫فالالفت لالنتباه أوالً أن الحرب يف أفغانستان هي األطول‬
‫شهدها القرن العشرون‪ ،‬فهي أطول من الحربين العامليتين األولى والثانية‪ ،‬وأطول من حربي كوريا‬
‫وفيتنام‪ ،‬وأطول من الحرب العراقية اإليرانية‪..‬‬
‫وبالنسبة لفيتنام مث ً‬
‫ال‪ ،‬وهي األشهر‪ ،‬تمتع الشعب الفيتنامي بالدعم العسكري والسياسي‬
‫واإلعالمي من الكتلة االشتراكية جمعاء ‪( ‬الصين ‪ -‬االتحاد السوفيتي ‪ -‬أوروبا الشرقية)‪ ،‬وكذلك‬
‫الدعم السياسي واإلعالمي لدول العالم الثالث‪ ،‬بل حتى من طرف أوروبا الغربية‪ ،‬ولعل العامل‬
‫الحاسم يف انتصار الشعب الفيتنامي ‪-‬إلى جانب مقاومته املسلحة‪ -‬هو الثقل الهائل للرأي العام‬
‫يوميا أخبار املعارك‪ ،‬حتى أن بعض‬
‫ًّ‬ ‫األمريكي املعارض للحرب‪ ..‬وقد كانت أغلب إذاعات العالم تغطي‬
‫املذيعين يف تلفزتنا العربية كان الناس يطلقون عليهم (فيتنام) لكثرة األخبار التي يذيعونها عن‬
‫التفاصيل اليومية للحرب الفيتنامية األمريكية‪ ،‬ودعك عن املسافات الهائلة التي تقطعها الناقالت‬
‫تماما من االتحاد السوفياتي الذي ال‬
‫األمريكية لتزويد جيشها بالعتاد والغذاء والكساء ىلع النقيض ً‬
‫يفصله عن أفغانستان سوى نهر جيحون (آموداريا)‪.‬‬
‫رومانسيا للكثير من حركات‬
‫ًّ‬ ‫ثوريا‬
‫نموذجا ًّ‬
‫ً‬ ‫وبالنسبة لكوبا‪ ،‬التي أريد لها ‪-‬يف وقت ما‪ -‬أن تكون‬
‫التحرر الوطنية‪ ،‬لم تتعد ثورتها مقاومة مسلحة محدودة لديكتاتورية محلية يف جزيرة صغيرة‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫اإلعالم الغربي‪:‬‬
‫ولقد نعيت كثي ًرا ىلع موقف الصحف العربية التي تحمل لواء تحطيم الجهاد األفغاني وتشويهه‬
‫يف أذهان املحبين واملتعاطفين يف العالم اإلسالمي فقلت‪:‬‬
‫ليت شعري لو وقفت صحفنا العربية بجانب الشعب األفغاني كما وقفت بجانب الشعب الفيتنامي‪.‬‬
‫أقول من أحب من ذراري املسلمين انتصار نجيب ىلع املجاهدين فهو أحد اثنين‪:‬‬
‫إما جاهل فيعذر بجهله حتى يعلم‪.‬‬
‫وإما عالم جاحد لحق األخوة اإليمانية فهذا كافر خارج عن امللة؛ إذ ال يمكن إلنسان يحب هزيمة‬
‫الشعب األفغاني املسلم أمام الشيوعية أن يكون يف دين اهلل وإن صام وصلى‪( :‬ومن يتولهم منكم‬
‫فإنه منهم إن اهلل ال يهدي القوم الظاملين)‪.‬‬
‫أما من الناحية اإلنسانية‪:‬‬

‫فإنه ال يمكن إلنسان يف قلبه ذرة خير إال ويكاد يذوب حز ًنا بسبب املآسي التي خلفتها هذه‬
‫الحرب املدمرة التي شنتها روسيا ىلع هذا الشعب األبي الصابر املثابر‪.‬‬
‫الكفة راجحة لصالح املجاهدين‪:‬‬

‫ثم واجهت الصحفيين بالقول‪ :‬إن املجاهدين ال زالوا منتصرين والكفة راجحة لصالحهم رغم‬
‫اإلمدادات التي تتصبب كوابل املطر ىلع حكومة‪ ،‬وبمقابل هذا تجد الشح الهالع الذي أصاب أيدي‬
‫أصدقاء الجهاد‪.‬‬
‫وليت شعري أي طمس للحقائق وتشويه للجهاد هذا الذي يزاوله اإلعالم!!‬
‫وسألني أحدهم‪ :‬لم القتال‪ ،‬وقد خرج الروس؟ فأجبت‪ :‬خرج امللحدون وجاء املرتدون‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬ملاذا لم تعترف الدول اإلسالمية بحكومة املجاهدين؟‬
‫فقلت لهم‪ :‬ألنها لم تتلق إشارة ضوئية من أمريكا وروسيا‪ ،‬وبإمكانك أن تقطع بهذا من خالل‬
‫االعترافات التي بلغت مائة دولة بالدولة الفلسطينية التي ليس لها شبر أرض تقف عليه بينما‬
‫دما من أىلع ذروة النصر واملجد‪ ،‬ولم‬
‫يحكم املجاهدون ‪ %09‬من أرضهم وال زالت سيوفهم تقطر ً‬
‫يعترف بهم سوى أربع دول‪.‬‬
‫وانتهى املؤتمر‪:‬‬
‫جميعا ‪-‬إال أشقاهم‪ -‬قد تفاعلوا مع الكالم واغرورقت عيون البعض بالدموع‪،‬‬
‫ً‬ ‫والحق أني رأيتهم‬
‫وكبر البعض مستبشرين‪ ،‬والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪ ،‬سبتمبر ‪٢٠١٨‬‬ ‫هدية العدد ‪ 14‬من مجلة‬

في خضم المعركة

Uploaded by

Document Information

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

في خضم المعركة

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫د‪ .

‫قسم اإلسالم الناس قسمين‪:‬‬

‫ومن مبررات العودة‪:‬‬

‫ينتهي الجهاد ما دامت العروق تنبض بالدماء‪.‬‬

‫مسؤولية العرب أمام اهلل‬

‫معدن صقله اإلسالم‬

‫وقفوهم إنهم مسؤولون‬

‫أين الصحفي املسلم؟‬

‫املعركة بين الجت والحصان‬

‫فهل يدفع العرب هذا املبلغ؟‬

‫ويل للشجي من الخلي‬

‫ولكن الروس ال يعلمون‬

‫(خط الروح‪ ،‬وخط الجسد)‬

‫اآلن حمي الوطيس‬

‫أنا النبي ال كذب ‪ ‬أنا ابن عبد املطلب‬

‫السائرون ىلع الجمر‬

‫أمريكا وتجارة الدماء‬

‫املفتي “جل الرحمن”‪.‬‬

‫مفتي القدس يصرح‪:‬‬

‫الفزع العاملي بسبب استمرار الجهاد‪:‬‬

‫املرجفون‪ ..‬واألمل العريض‬

‫عاما ىلع الشهادة‬

‫فزعا من هذه الكلمة‪ ،‬وكلما تكلم املسلمون عن الدفاع عن‬

‫اإلسالم بين العاملية واإلقليمية‬

‫ثلة الشرف والفخار‬

‫أسود خضابهم دم األسود‬

‫قصصا من البطوالت الفذة التي يحسبها القارئ ‪-‬الذي لم يذق‬

‫مرئيات وأسباب ومعطيات‪:‬‬

‫أول هذه األسباب‪:‬‬

‫مسيرة شعب اإلباء‬

‫عاما‪ ،‬والحمد هلل فاملجاهدون‬

‫هكذا علمني الجهاد‬

‫أما عن القرآن وأهله‪:‬‬

‫أما الترفع عن الدنايا‪:‬‬

‫مدرسة الجهاد اإليمانية‬

‫عقيدة التوكل ىلع اهلل‪:‬‬

‫راجعا من أفغانستان يصرح ىلع التلفاز األمريكي قائ ً‬

‫موقف اإلعالم اليهودي الذي يسيطر ىلع الغرب‪:‬‬

‫التكالب الغربي والشرقي ىلع إيقاف الزحف‪:‬‬

‫ثمار املدرسة الدانية‪:‬‬

‫إن الحكم إال هلل‬

‫فيه معاولهم حتى أجهزوا عليه يف ‪ ،4291/3/3‬واتفقوا ىلع أربعة شروط‪:‬‬

‫‪ -‬وبعد اإلطاحة بالخالفة اتفق العالم كله ىلع‪:‬‬

‫وأيد جنده وهزم األحزاب وحده‪.‬‬

‫الخطوط الرئيسة لتربية العصبة املؤمنة والطليعة الرائدة‪:‬‬

‫وهناك أسباب رئيسة لهذه التربية الطويلة‪:‬‬

‫أم طبق فلسطين وأفغانستان‬

‫الخبز يف صحونهم بدل إلقائها يف القمامة‪.‬‬

‫واملسلمون يف عيد املسلمين‪:‬‬

‫ويف عيد اإلسالم اآلن‪:‬‬

‫ثمن خبز الطريق‪:‬‬

‫ندرج عليها أوالً‪:‬‬

‫لغة البيض والسمر‬

‫حال األمة املسلمة بعد ترك هذه اللغة‪:‬‬

‫رد الفعل من أعداء اهلل‪:‬‬

‫صدقك وهو كذوب‪:‬‬

‫من الدعوة إلى الدولة‬

‫مراسا للحكم؛ فكل واحد من‬

‫فكل واحد منهم‪ :‬إنما هو‪ :‬حكومة قائمة بذاتها‪:‬‬

‫ناموس وقانون إنشاء املجتمع املسلم‪:‬‬

‫البغل بمائة شيوعي‬

‫مسيرة عقد يف جفن الردى‬

‫القوارع الربانية ىلع روسيا‪:‬‬

‫الصنم الذي هوى‪:‬‬