Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬

‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫شعر سيدي قدور بن عاشور الندرومي الزرهوني‬


‫بين مقامي الفناء والبقاء‬
‫دراسة تحليلية‬
‫‪The Poetry of Sidi Kaddour Benachour Nedroumi Ezerhouni‬‬
‫)‪between the stages of baqua (annihilation)and fana(survival‬‬
‫‪-analytical study-‬‬

‫الدكتور ; قويدر قيداري‪ ،‬أستاذ محاضر بكلية اآلداب واللغات‬


‫جامعة معسكر‪ /‬الجزائر‬
‫‪ ‬البريد االلكتروني; ‪kouider.kouider@univ-mascara.dz‬‬

‫تاريخ النشر‪2019/12/23 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2019/11/27:‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪2019/10/13:‬‬

‫الممخص‪ :‬يعد الشاعر المتصوؼ سيدي قدور بف عاشور واحدا ممف أنيكتيـ‬
‫الرياضات الروحية‪ ،‬حتى انتيى بو السموؾ إلى ذروة التجربة الصوفية؛ إلى‬
‫مقامي الفناء فالبقاء‪.‬‬

‫نميز مف منطمؽ المقاميف بيف نصيف صوفييف متمايزيف في شعر‬ ‫نستطيع أف ّ‬


‫سيدي قدور بف عاشور‪ :‬نصوص مقاـ "البقاء"التي تتخذ معنى أخالقيا سموكيا‪،‬‬
‫وىي نصوص تعنى بالجانب التربوي والروحي‪ ،‬وتتمظير مف خالؿ‬
‫موضوعات الزىد والحب اإلليي والذكر واإلشادة بشيوخ التصوؼ ومدح‬
‫أقطابو‪ ..‬أما نصوص مقاـ الفناء فتتخذ معنى فمسفيا عرفانيا‪ ،‬وفي ىذا المقاـ‬
‫النصوص الشعرية الغارقة في العرفانية والرمزية‪ ،‬مثؿ الرمز‬ ‫تتشكؿ عنده‬
‫الخمري واإلنساف الكامؿ (تصاعد األنا الصوفية)‪..‬انطالقا مف ىذا الفيـ‪ ،‬وتبعا‬
‫لما تقتضيو التجربة الصوفية مف نصوص‪ ،‬رأينا أنو مف الممكف فرز نصوصو‬
‫الشعرية وتناوليا قراءة وتحميال تحت المفيوميف السابقيف‪.‬‬

‫الكممات المفتاحية‪ :‬شعر‪ -‬سيدي قدور بف عاشور‪ -‬الفناء – البقاء‪ -‬تحميؿ‪.‬‬

‫‪273‬‬
ISSN: 2335-1381 ‫مجـلة رفــوف‬
2019 ‫ديسمبر‬ ‫ الرابع‬:‫العدد‬/ ‫ السابع‬:‫المجلد‬

Abstract :
Ben Achour is one of those who have been exhausted
by spiritual rituals, so he reached the culmination of the
Sufi experience, that is to say, the stage of annihilation'āl
fana' and persistence'āl baqa'.
In the poetry of Ben Achour, we can distinguish through
two Sufi texts, the first takes a moral sense, indicating the
educational texts. Under this category are the poems of Sidi
Qadour, compatible with Sufi education and several themes.
The texts of'āl fana', for their part, take on a philosophical
and mystical meaning. In this stage, the texts of poetry, melt
mysticism, symbolism, and the Complete Man (the ascent
of the mystical ego).
Based on this understanding and the Sufi experience of the
texts, we have seen that it was possible to classify the
popular poetic texts of the Sufi tendency of Ben Achour and
to treat them with two concepts of'āl fana' and 'āl baqa'.
Keywords: Poetry - Kadour Ben Achour -'āl fana' -'āl
baqa'- analysis

:‫ ترجمة سيدي قدور بن عاشور الندرومي الزرهوني‬-1


‫ عمى أف حياتو‬،‫ـ‬1850 ‫ولد الشيخ قدور بف عاشور في ندرومة سنة‬
‫ حيث انكب عمى المعرفة والتفرغ كميا لحياة‬،‫ـ‬1900 ‫تحولت كمية اعتبا ار مف سنة‬
‫ـ إلى‬1926 ‫ ثـ انتقؿ إلى حاضرة تممساف ومكث مقيما مف سنة‬،‫الزىد والتعبد‬
‫ حيث توفي يوـ‬،‫ عاد بعد ذلؾ إلى مسقط رأسو وموطف أسالفو‬،‫ـ‬1930 ‫سنة‬
.‫ـ‬1938 ‫ يوليو سنة‬06 ‫اإلثنيف‬

274
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫لعؿ ىذا الشاعر مقارنة بأمثالو الذيف برزوا في نظـ الشعر الممحوف في‬
‫الجزائر‪ ،‬ووصمت إلينا آثارىـ أقؿ شيرة في األوساط األدبية والجامعية والفنية‬
‫الميتمة بجمع التراث الشعري الممحوف ودراستو وتمحينو‪ ،‬عمى الرغـ مف كونو‬
‫واحدا مف المذيف نبغوا في الجزائر في غضوف القرنيف ‪19‬و‪ ،20‬وبمغوا فيو منزلة‬
‫(‪)1‬‬
‫القدامى الفحوؿ‪.‬‬
‫نسبه‪ :‬ينتيي نسبو إلى العترة النبوية‪ ،‬وقد وردت شجرة نسبو مرفوعة إلى‬
‫اإلماـ إدريس بف إدريس في نص موسوـ بػ (مناقب الشيخ الكامؿ إماـ العارفيػف‬
‫ورئيس األولياء و الصالػحيػف الغوث الوحيد والقطب الفريد سيدنا وموالنا قدور بف‬
‫(‪)2‬‬
‫عشور الندرومي الزرىوني اإلدريسي)‪.‬‬
‫‪ -2‬مصادر التجربة الصوفية عند الشيخ سيدي قدور ومنابعها‪:‬‬
‫عاش سيدي قدور بف عاشور الزرىوني في حاضرة تممساف غاية العمماء‬
‫وقبمة الصالحيف‪ ،‬ومف الشخصيات الصوفية التي أثرت في شخصيتو ورسمت‬
‫بعض مالمحيا الصوفية‪ ،‬نذكر سيدي أحمد البجائي‪ ،‬الذي ناؿ منو العمـ‬
‫الموىوب في نظـ الشعر (حيث كاف يعتكؼ في خمواتو الكثيرة داخؿ مقامو)‬
‫والشخص الثاني ىو سيدي مصطفى بف عمرو‪ ،3‬الذي تفاني سيدي قدور في‬
‫خدمتو ومالزمتو إلى أف ناؿ عمى يده الفتح الرباني اسما ووالية‪ ،‬وبعد وفاة شيخو‬
‫سيدي مصطفى بف عمرو انقطع سيدي قدور عف الدنيا بكميتيا‪ ،‬مقبال عمى‬
‫التصوؼ والرقائؽ ومستغرقا في مقاـ الفناء حتى أدرؾ الغوثانية الكبرى‪.‬‬
‫يقوؿ سيدي قدور بف عشور مشيدا بمقاـ الغوثية والقطبانية‪ 4‬التي أدركيا‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬شعر مف نوع الزجؿ الممحوف‪ ،‬المكتبة الوطنية‬
‫الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص‪.13 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ىػػذا الػػنص ورد فػػي ديوانػػو الموسػػوـ‪ «:‬كنػػوز األنيػػار والبحػػور فػػي دي ػواف السػػر و النػػور» الػػذي نشػػر عػػاـ ‪1938‬‬
‫بوجدة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مف شيوخ الطريقة الطيبيػة فػي تممسػاف‪ ،‬تػولى ىػذا الرجػؿ الصػالح رئاسػة زاويػة "سػيدي بػف عمػر" الواقعػة فػي منطقػة‬
‫العيف الكبيرة‪ ،‬إحدى بمديات ندرومة بتممساف ألكثر مف ثالثيف سنة‪ ،‬توفي سنة ‪1906‬ـ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫سنشرح ىذيف المصطمحيف في الجانب التطبيقي مف ىذه الدراسة‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫اخػ ػ ػ ػ ػػذ‬
‫طؼ لُو ولَ ْعَبادؾ َي ُ‬ ‫لؾ الم ْ‬
‫َعْب َد ْؾ قدور بف عاشور ْي َسػ ػ ػ ػ ػا ْ‬
‫الم ْرِغـ ِل َم ْف َي َعْن ُدوا‬ ‫ِ‬ ‫وث الولِي الصالَ ْح ِ‬
‫المغيث الفَ ْرْد ال ْكب ْير ُ‬
‫ُ‬ ‫الغ ْ َ‬
‫طب َ‬‫القُ ْ‬
‫يقوؿ أبو القاسـ سعد اهلل متحدثا عف المناخ الصوفي الذي عاش فيو سيدي‬
‫قدور‪ :‬أصبح –سيدي قدور‪ -‬مف َخ َدمة بعض الصالحيف‪ ،‬كأحمد البجائي الذي‬
‫تعمـ منو نظـ الشعر‪ ،‬ومصطفى بف عمرو الذي أدخمو في رحاب التصوؼ‪ ،‬وقيؿ‬
‫إنو قد غرؽ في عالـ التصوؼ بعد وفاة شيخو المذكور حتى أدرؾ الغوثانية‬
‫(‪)1‬‬
‫العظمى‪.‬‬
‫وقد كانت لمشيخ قدور بف عاشور صمة بالشيخ العالوي المستغانمي(‪ ،)2‬وىذا‬
‫ما لـ يذكره مترجموه؛ ومنيـ جامع ديوانو في طبعتيف األستاذ محمد بف عمرو‬
‫(‪)3‬‬
‫الزرىوني‪ ،‬فقد ورد اسـ الشيخ قدور بف عاشور في كتاب " الشيائد والفتاوي"‬
‫بوصفو واحدا مف أتباع الطريقة العالوية‪ ،‬وبوصفو مريدا لمشيخ أحمد بف مصطفى‬
‫العالوي‪ ،‬وىو أحد األكابر في نسبة اهلل‪ ،‬ممف ظيرت عمى يده خوارؽ‪ ،‬وقد كانت‬
‫لو أحواؿ وشطحات تتضمف أف ليس في المقربيف مف بمغ مبمغو إال مف الصفوة‬
‫مف أكابر األولياء‪.‬‬
‫تعمؽ سيدي قدور في طمب الحقيقة الربانية وصار متجردا مف العالئؽ‬
‫ومعرضا عف العوائؽ‪ ،‬لـ يبؽ لو قبمة وال مقصدا إال اهلل تعالى‪ ،‬التؼ حولو‬
‫جماعة مف المريديف ونشأت مف تمؾ الرابطة زاوية طرقية ما زالت قائمة إلى حد‬
‫اآلف في تممساف‪ ،‬وتبعا لذلؾ ظيرت قصائده ومنظوماتو في الحقيقة والمطائؼ‬
‫(‪)4‬‬
‫الروحية‪..‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أبو القاسـ سعد اهلل‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ، )1954-1830( ،8‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1998 ،1‬‬
‫ص‪.310 :‬‬
‫(‪ )2‬ىو العارؼ باهلل المربي المرشد أحمد بف مصطفى العموي‪ ،‬مؤسس الطريقػة العمويػة‪ ،‬وزاويتيػا األـ بمسػتغانـ ولػد عػاـ‬
‫‪1874‬ـ وتوفي سنة ‪1934‬ـ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ينظر‪ :‬محمد بف عبد الباري الحسػني‪ ،‬محمػد بػف بشػير الجريػري‪ ،‬الشػيائد والفتػاوي فيمػا صػح لػدى العممػاء مػف أمػر‬
‫الشيخ العموي‪ ،‬طبع سنة ‪( .1925‬القسـ الخامس‪ ،‬الشيادة رقـ‪).5 :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.22 :‬‬

‫‪276‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫وال ننسى أف تممساف بعد أف استوطنيا سيدي قدور سنة ‪1926‬ـ‪ ،‬كانت ال‬
‫(‪)1‬‬
‫تزاؿ فييا بقية مف الحركة الصوفية التي كاف أحد منشطييا الشيخ بف يمّس‬
‫(‪)2‬‬
‫قبؿ أف يياج ار إلى الشاـ سنة ‪1911‬ـ‪ ،‬وربما‬ ‫وتمميذه سيدي محمد الياشمي‬
‫يكوف قد التقى سيدي قدور بالشيخ بف يمّس وتتممذ لو‪.‬‬
‫‪ -3‬مصادر التجربة الشعرية عند سيدي قدور بن عاشور ومنابعها‪:‬‬
‫حوؿ القريحة الشعرية والتجربة النظمية عند شاعرنا سيدي قدور يخبرنا جامع‬
‫ديوانو محمد الزرىوني عف المناخ العاـ الذي ساىـ في سقؿ ىذه الموىبة‬
‫وبمورتيا‪ ،‬قائال‪ :‬إف الشيخ قدور كاف يق أر الشعر ويتعاطى الغناء منذ كاف عمره‬
‫‪ 13‬عاما إلى أف تمكف منو‪ ..‬وجاء صورة ممخصة ألولئؾ العباقرة الذيف عاشوا‬
‫قبمو في ندرومة موطنو األوؿ‪ ،‬وفي موطنو الثاني تممساف‪ ،‬ونعني مثال المنداسي‬
‫وبف مسايب وبف سيمة وابف تريكي وامحمد الرمعوف‪ ،‬صورة زادت عمى وفائيا‬
‫(‪)3‬‬
‫كونيا محممة بخفقات قمب شاعر ورعشات وجداف‪.‬‬
‫وىناؾ مصدر آخر كاف لو األثر البالغ في تجربتو الشعرية‪ ،‬فقد كاف متزوجا‬
‫مف حفيدة امحمد الرمعوف شاعر ندرومة الفحؿ وصاحب رائعة "يا الاليمني في‬
‫ليعتي" الذي عاصره وعايشو متربعا عمى عرش الممحوف في ندرومة‪ ،‬فال شؾ أف‬
‫أثر في‬
‫مصاىرة ىذا الرجؿ المتشبع بثقافة بيئتو المتضمع في فنوف النظـ كاف لو ا‬
‫حياة سيدي قدور الشاعرية‪.‬‬
‫أشار أبو القاسـ سعد اهلل أف سيدي قدور تأثر فنيا بسيدي أحمد البجائي‬
‫الذي ناؿ منو العمـ الموىوب في نظـ الشعر (حيث كاف يعتكؼ في خمواتو الكثيرة‬
‫(‪)4‬‬
‫داخؿ مقامو)‪ ،‬إضافة إلى األثر الصوفي‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ولػ ػػد سػ ػػنة ‪1854‬ـ وتػ ػػوفي سػ ػػنة ‪1927‬ـ بدمشػ ػػؽ‪ .‬ينظر‪:‬محمػ ػػد رضػ ػػا القيػ ػػوجي‪ ،‬العالمػ ػػة محمػ ػػد الياشػ ػػمي مربػ ػػي‬
‫السالكيف‪ ،2004 ،‬ص‪.124 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ولػػد سػػنة ‪1880‬ـ فػػي منطقػػة أوالد نيػػار‪ ،‬بتممسػػاف‪ ،‬وتػػوفي بدمشػػؽ سػػنة ‪1961‬ـ‪ .‬ينظر‪:‬محمػػد رضػػا القي ػػوجي‪،‬‬
‫العالمة محمد الياشمي مربي السالكيف‪ ،2004 ،‬ص‪.80:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو القاسـ سعد اهلل‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ، )1954-1830( ،8‬ص‪ :‬ص‪.310 :‬‬

‫‪277‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫مرت التجربة الشعرية عند سيدي قدور بمرحمتيف؛ مرحمة ما قبؿ‬


‫وقد ّ‬
‫التصوؼ‪ ،‬التي تميزت تجربتو الشعرية خالليا بطرقو لموضوعات الغزؿ‬
‫والطبيعة‪ ..‬ومرحمة التصوؼ‪ ،‬التي تعمؽ فييا الشيخ في طمب الحقيقة الربانية‬
‫متجردا ىائما في حب اهلل‪ ،‬مقبال عمى الذكر والخموات واالعتكاؼ‪ ،‬فجاء شعره في‬
‫ّ‬
‫ىذه المرحمة انعكاسا ليذا التحوؿ‪ ،‬حيث تماىى شاعرنا مع أغراض الشعر‬
‫الصوفي المعروفة‪ ،‬فقاؿ في الحب اإلليي والحقيقة المحمدية‪..‬‬
‫أشار أبو القاسـ سعد اهلل إلى أوؿ ديواف ظير لشاعرنا الزرىوني موسوما بػ‬
‫"كنوز األنيار والبحور في ديواف السر والنور(‪ ،)2(، )1‬ثـ ظيرت طبعتاف أخرياف‬
‫قاما بإصدارىما محمد بف عمرو الزرىوني بعنواف "ديواف الشيخ قدور بف عاشور‬
‫الزرىوني‪ ،‬شعر مف نوع الزجؿ الممحوف"‪ ،‬كانت الطبعة األولى سنة ‪1996‬ـ‬
‫وىي مف تقديـ عبد المطيؼ رحاؿ ومف تصدير‪ ،‬وبعد تنقيحيا ظيرت طبعة ثانية‬
‫سنة ‪2012‬ـ‪.‬‬
‫الدراسة التطبيقة‬
‫تمهيد‪ :‬يعد سيدي قدور بف عاشور الزرىوني واحدا ممف أنيكتيـ الرياضات‬
‫والمجاىدات الصوفية‪ ،‬حيث ينتيي بو السموؾ الصوفي إلى ذروة التجربة‬
‫الصوفية‪ ،‬إلى مقامي الفناء فالبقاء‪.‬‬
‫وتبعا لما تقتضيو التجربة الصوفية اليائمة في فضاء الحضرة اإلليية‪ ،‬رأينا‬
‫أنو مف الممكف فرز النصوص الشعرية الشعبية ذات النزعة الصوفية لسيدي قدور‬
‫بف عاشور في ىذه الورقة البحثية وتناوليا تحت مفيوميف أساسييف‪ ،‬ىما‪ :‬مقامي‬
‫الفناء والبقاء والنظر إلى تجميات النصوص فييما مف حيث الداللة والرمزية‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫نشػػر عػػاـ ‪1938‬ـ بوجػػدة متضػػمنا منظوماتػػو فػػي التصػػوؼ وأق ػواؿ العػػارفيف‪ .‬و المخطػػوط يقػػع فػػي ‪ 124‬صػػفحة‬
‫يتضمف نص « مناقب الشيخ الكامؿ إماـ العارفيػف و رئيس األولياء و الصالػحيػف الغوث الوحيد والقطب الفريد سػيدنا و‬
‫موالنا قدور بف عشور النػدرومي الزرىػوني اإلدريسػي» بخػط يػده ابنػو عبػد العزيػز‪ ،‬و ذلػؾ فػي تػاريخ ‪ 13‬مػايو ‪،1957‬‬
‫وكؿ مف ترجـ لمشيخ قدور بف عاشور إال واعتمد عمى الترجمة القصيرة التي وردت في ىػذا الػنص مػف الػديواف‪ ،‬والػذي‬
‫احتوى أيضا عمى شجرة نسبو الشريؼ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫أبو القاسـ سعد اهلل‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.310 :‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫ي بنا أف نشرح بعض المصطمحات الصوفية المفتاحية التي‬


‫وقبؿ ذلؾ حر ٌّ‬
‫تتأسس عمييا إشكالية ىذه الدراسة‪ ،‬كالمقاـ والحاؿ‪ ،‬والفناء والبقاء‪..‬‬
‫‪ -1‬مفهوم المقام والحال‪:‬‬
‫لقد عنى الصوفية منذ القديـ بالحديث عف المقامات واألحواؿ‪ ،‬ومصادرىـ‬
‫غنية بالشواىد الموضحة لذلؾ‪ ،‬في سياؽ الحديث عف منيجيـ التربوي السموكي‬
‫وتكاد تمؾ الشواىد تتفؽ عمى ذات المدلوؿ واف اختمفت العبارات‪ ،‬مف ذلؾ قوليـ‪:‬‬
‫الحاؿ‪ :‬معنى يرد عمى القمب مف غير تعمد وال اجتالب‪ ،‬وال تسبب وال‬
‫اكتساب‪ ،‬مف بسط أو قبض أو شوؽ ‪ ..‬ويظير أثره عمى الجوارح قبؿ التمكيف‬
‫وىياـ؛ وقد يكتسب الحاؿ بنوع‪ ،‬كحضور حمؽ الذكر‬
‫مف شطح ورقص وسير ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫واستعماؿ السماع‬
‫أما المقاـ‪ :‬فيو مايتحققو العبد بمنازلة واجتياد مف األدب‪ ،‬وما يتمكف فيو مف‬
‫بتكسب وتطمّب‪ ،‬فالمقامات تكوف أوال أحواال حيث تتحوؿ ثـ تصير‬
‫مقامات اليقيف ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫مقامات بعد التمكيف‪ ،‬كالتوبة النصوح‪..‬فاألحواؿ مواىب والمقامات مكاسب‬
‫يقوؿ القاشاني‪" :‬الحاؿ ما يرد عمى القمب بمحظ الموىبة مف غير تعمد‬
‫)‪(3‬‬
‫واجتالب كحزف أو خوؼ أو بسط أو قبض‪..‬فإذا داـ وصار ممكاً سمي مقاما"‬
‫نستنتج مف ذلؾ أف األحواؿ وىبية ومتغيرة والمقامات كسبية وثابتة‪ ،‬واألحواؿ‬
‫سابقة وأما المقامات فالحقة‪.‬‬
‫‪ -2‬داللة الفناء والبقاء في الخطاب الصوفي‪:‬‬
‫يقوؿ ابف عجيبة في مفيوـ الفناء‪ :‬إذا أطمؽ الفناء إنما ينصرؼ لمفناء‬
‫في الذات‪ ،‬وحقيقتو‪ :‬محو الرسوـ واألشكاؿ بشيود حقيقة الفناء في الكبير‬
‫محو واضمحالؿ وذىاب عنؾ وزواؿ‪ ...‬ىو أف تبدو‬
‫المتعاؿ‪ ..‬حقيقة الفناء ٌ‬

‫(‪)1‬‬
‫خيػالي‪ ،‬مركػز التػراث الثقػافي‬
‫ابف عجيبػة أحمػد‪ ،‬معػراج التشػوؼ إلػى حقػائؽ التصػوؼ‪ ،‬تقػديـ وتحقيػؽ‪ :‬عبػد المجيػد ّ‬
‫المغربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.48 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.49 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الرزاؽ القاشاني‪ ،‬اصطالحات الصوفية‪ ،‬دارالحكمة‪ ،‬دمشؽ‪ ،‬ط‪ ،1995 ،1‬ص‪.26 :‬‬

‫‪279‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫العظمة واإلجالؿ عمى العبد فتنسيو الدنيا واآلخرة واألحواؿ والدرجات‪ ،‬والمقامات‬
‫واألذكار‪ ،‬يفنيو عف كؿ شيء‪ ،‬وعف عقمو وعف نفسو‪ ،‬أي تتجمى لو عظمة الذات‬
‫فتغيبو عف رؤية األشياء‪ ،‬ومف جممتيا نفسو‪ ،‬ويغرؽ في بحر األحدية‪ ،‬وقد يطمؽ‬
‫الفناء عمى الفناء في األفعاؿ‪ ،‬فال يرى فاعال إال اهلل‪ ،‬وعمى الفناء في الصفات‬
‫فال قادر وال سميع وال بصير إال اهلل‪ ،‬يعني أنو يرى الخمؽ موتى ال قدرة ليـ وال‬
‫بصر إال باهلل‪ ،‬وبعد ىذا يقع الفناء في الذات‪ ،‬وفي ىذا يقوؿ الشاعر‪:‬‬
‫َ‬ ‫سمع وال‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫عيف البقػػاء وأما البقاء‪ :‬الباء والقاؼ والياء‬
‫فناؤه َ‬
‫فيفنى‪ ،‬ثـ تفنى ثـ يفنى فكاف ُ‬
‫لشيء يبقى بقاء‪ ،‬وىو ضد‬
‫ُ‬ ‫أصؿ واحد‪ ،‬وىو الدواـ‪ ،‬قاؿ الخميؿ‪ :‬يقاؿ بقي ا‬
‫(‪)2‬‬
‫الفناء‪..‬‬
‫والبقاء عند ابف عجيبة‪ :‬ىو الرجوع لشيود األثر بعد الغيبة عنو‪ ،‬أو‬
‫شيود الحس بعد الغيبة عنو بشيود المعنى‪ ..‬فالغيبة عف أحد الضديف فناء‬ ‫ُ‬
‫ورؤيتيما معا بقاء‪..‬وقد يطمؽ الفناء عمى التخمي والتحمي‪ ،‬فيقاؿ‪ :‬فنا عف أوصافو‬
‫(‪)3‬‬
‫المذمومة‪ ،‬وبقي باألوصاؼ المحمودة‪.‬‬
‫يقوؿ ابف عربي‪ :‬الفناء والبقاء‪ ،‬فالفنا أف تفنى الخصاؿ المذمومة عف‬
‫الرجؿ‪ ،‬والبقا أف تبقى وتثبت الخصاؿ المحمودة‪ ،‬فالسالكوف يتفاوتوف في الفناء‬
‫والبقاء‪ ،‬فبعضيـ فني عف شيوتو‪ ،‬وفنى عف أخالقو الذميمة كالحسد والكبر‬
‫(‪)4‬‬
‫والبغض وغيرذلؾ‪ ،‬بقي في الفتوة والصدؽ‪.‬‬
‫‪ -3‬أهمية النظم الشعري في تصوير التجربة الصوفية‪:‬‬
‫نعتقد أف النظـ الشعري ىو أقدر فنوف األدب الصوفي عمى تصوير أدؽ‬
‫تفاصيؿ التجربة الصوفية‪ ،‬القائمة عمى ركني التخمية والتحمية‪ ،‬أو الفناء والبقاء‪..‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ابف عجيبة أحمد‪ ،‬معراج التشوؼ إلى حقائؽ التصوؼ‪ ،‬ص‪.59 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أحمد بف فارس‪ ،‬معجـ مقاييس المغة‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1999 ،1‬ص‪.144 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ابف عجيبة أحمد‪ ،‬معراج التشوؼ إلى حقائؽ التصوؼ‪ ،‬ص‪.60-59 :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫س ػػعاد الحك ػػيـ‪ ،‬المعج ػػـ الص ػػوفي‪ ،‬الحكم ػػة ف ػػي ح ػػدود الكمم ػػة‪ ،‬دن ػػدرة لمطباع ػػة والنش ػػر‪،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1981 ،1‬ص‪:‬‬
‫‪.202‬‬

‫‪27:‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫والتعبير عف التجربة الصوفية أمر عسير‪ ،‬فالمغة التي يتداوليا الناس‪ ،‬ال تفي‬
‫بتصوير األحواؿ والمقامات التي يمر بيا الصوفي‪ ،‬في عروجو إلى اهلل‪ ..‬مف ىنا‬
‫لجأ الصوفية لمتعبير الشعري‪ ،‬استفادة بما يحممو الشعر مف طاقة إيحائية تتسع‬
‫اعتقدت دوما أف التصوؼ‬
‫ُ‬ ‫بعض الشيء لمعاني التصوؼ اليائمة‪ .‬ومف ىنا‪،‬‬
‫يدرؾ عمى نحو أفضؿ‪ ،‬مف خالؿ شعر المتصوفة؛ الذي ىو أنسب طرائؽ التعبير‬
‫(‪)1‬‬
‫ومف ىنا قاؿ الصوفي في شعره مالـ يقمو في كالمو ألىؿ‬ ‫المغوي عند القوـ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫زمانو‪.‬‬
‫وعم ػػى ى ػػذا األس ػػاس أول ػػى الص ػػوفية اىتمام ػػا بالغ ػػا لق ػػوؿ الش ػػعر‪ ،‬فقمم ػػا تج ػػد‬
‫قؿ‪ ،‬التصوؼ إما أف يكوف شع ار أوال يكوف‪ ،‬عمػى أف‬
‫متصوفا لـ يقؿ شعرا‪ ،‬كثر أـ ّ‬
‫ىناؾ مف غمػب تصػوفو عمػى شػعره‪ ،‬مثػؿ الشػيخ الجيالنػي‪ ،‬وىنػاؾ مػف غمػب شػعره‬
‫عمػػى تصػػوفو مثػػؿ ابػػف الفػػارض سػػمطاف العاشػػقيف‪ ،‬أمػػا شػػاعرنا سػػيدي قػػدور فقػػد‬
‫اسػػتوى عنػػده التصػػوؼ بالتجربػػة الشػػعرية‪ ،‬إذ لمػػع فػػي التصػػوؼ ممارسػػة واعتقػػادا‬
‫وبرز في قوؿ الشعر انشادا ونظما‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النصوص الشعرية الشعبية المنضوية تحت مقام الفناء‪:‬‬
‫تتخذ نصوص مقاـ الفناء معنى غارقا في العرفانية والرمزية‪ ،‬حيث تتشكؿ فػي‬
‫ى ػػذا المق ػػاـ النص ػػوص الش ػػعرية ذات البع ػػد الرم ػػزي‪ ،‬مث ػػؿ تص ػػاعد األن ػػا الص ػػوفية‬
‫(الزىو بعمو المقاـ الروحي)‪ ،‬الرمز الخمري والرمز األنثوي واإلنساف الكامؿ‪..‬‬
‫وسنكتفي ىاىنا باإلشارة إلى موضػوعيف‪ ،‬ىمػا‪ :‬تصػاعد األنػا الصػوفية (تماىيػا‬
‫مع نظرية اإلنساف الكامؿ)‪ ،‬والبعد الرمزي‪:‬‬
‫‪ -1‬تصاعد األنا "الصوفية" في شعر سيدي قدور بن عاشور‪:‬‬
‫في ىذا النوع مف الشعر يزىو الولي العارؼ بعمو المكانة ورسوخ القدـ في‬
‫مقاـ الوالية وفي السمـ التراتبي ألعالـ التصوؼ‪ ،‬وفيو أيضا تتضخـ لغة "األنا"‬

‫(‪)1‬‬
‫يوسؼ زيداف‪ ،‬شعراء الصوفية المجيولوف‪ ،‬دار الشروؽ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.9 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبػد القػادر الجيالنػػي‪ ،‬الػديواف‪ ،‬القصػائد الصػػوفية‪ -‬المقػاالت الرمزيػة‪ ،‬د ارسػػة وتحقيػؽ‪ :‬يوسػؼ زيػػداف‪ ،‬أخبػار اليػػوـ‪،‬‬
‫القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.6:‬‬

‫‪281‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫ولكنيا "أنا" تتحقؽ بحضور الذات اإلليية‪ ،‬أنا ال ترى نفسيا ولكف ترى ربيا‪ ،‬ألنيا‬
‫تَسبح في مقاـ "الفناء"‪ ،‬مف ذلؾ نسوؽ ىذه النص الشعري‪:‬‬
‫زت بما فازوا األوليا ال ْكَبار‬
‫قد فُ ْ‬ ‫رمؾ ال َكريػ ػ ػ ْػـ‬
‫ىنيئا لؾ بما ا َك َ‬
‫الب َش ػػر‬
‫ورد عمى َ‬ ‫اىَبؾ ال تُ َ‬
‫وم َو ْ‬
‫ْ‬ ‫لمقَامؾ ما مثمُو َمقَ ػ ػ ػػاـ‬ ‫َع َجب ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫المعتبػ ػ ػػر‬
‫محمد خير خمؽ اهلل ُ‬ ‫وسَن َدؾ اليَ ِادي‬ ‫يد ْؾ َ‬‫ضؿ ِس َ‬
‫مف فَ ْ‬
‫في مثؿ ىذه النصوص الشعرية تتصاعد لغة األنا الصوفية‪ ،‬لكف تبقى في‬
‫حدود المقبوؿ لغويا ومعرفيا‪ ،‬فالشاعر يعزو ىذا المقاـ الذي تحقؽ بو إلى المولى‬
‫الكريـ " أكرمؾ الكريػ ػ ػػـ"‪ ،‬مقاـ سمح لو بتمقي الواردات والكشوفات الربانية ما‬
‫يعجز البشر‪ ،‬فيو بيذه المنزلة يحمؽ فوؽ البشر ودوف الرسوؿ عميو الصالة‬
‫والسالـ"‪.‬‬
‫الح ُجب‬
‫وتتصاعد األنا الصوفية عند شاعرنا إلى مستوى تُيتؾ فيو األستار و ُ‬
‫لتصؿ إلى معشوقيا‪ ،‬حيث تجمي المعرفة والشيود والدىشة والحيرة‪ ،‬فيتحقؽ‬
‫الشاعر بالوجود الحؽ‪ ،‬والحضور المطمؽ في فناء السرمدية‪ ،‬وىنا ينعتؽ الشاعر‬
‫اليائـ عف األينية والكيفية والزمانية‪ ،‬يقوؿ سيدي قدور مدندنا حوؿ ىذه المعاني‪:‬‬
‫معا ْب ُكْميَػا‬ ‫قت بيػ ػ ػ ػ ػ ػػا فَ ِ‬
‫رت روح االرواح َج ً‬ ‫ص ْ‬ ‫فت نفسي وتْ َحق ْ‬
‫لما ْع َر ْ‬
‫ص ْفتِي وذاتي ْب َذاتْي ػ ػ ػػا‬
‫فاجتَمعت ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫ال ْح َجاب بيني وبيف األُلوىي ػ ػ ػ ػ ػػة‬
‫مت في ْم َعانييا‬ ‫رت و ِى ْ‬
‫ض ْ‬ ‫وح َ‬‫يث ْ‬‫يت مف َو ْج ِدي َغ ْ‬ ‫وص ِح ْ‬
‫شت ْ‬ ‫ود َى ْ‬
‫رت ْ‬ ‫تْ َحّي ْ‬
‫وب ْع ِدي في ْم َش ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نسي َ ِ‬‫ايف ِج ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫اى َدتْيَػ ػ ػ ػػا‬ ‫وح ْرْكتػ ػ ػػي ال قَبمي َ‬‫ونفسي َ‬ ‫مت ْ‬ ‫ُق ْ‬
‫والكثير مف ىذه القصائد تنتيي بذكر اسـ الولي الشاعر في آخر القصيدة‪،‬‬
‫وىو أسموب لو حضور في النص الشعري عند أعالـ التصوؼ اإلسالمي بعامة‬
‫وفي النص الشعري الشعبي بخاصة‪ ،‬وفي النصوص الشعرية لسيدي قدور بف‬
‫عاشور بشكؿ أخص‪ ،‬وىي الظاىرة المعروفة باسـ‪ :‬حسف التخمص‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.209 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.243 :‬‬

‫‪282‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫طنِي"‬
‫سنثبت ىاىنا بعض األبيات المجتزأة مف قصيدتو "ليمة القدر في با ْ‬
‫حيث يورد اسمو مشفوعا بنسبو اإلدريس الحسني الزرىوني‪:‬‬
‫الح َسني نِ ْسْبتِ ػػي‬
‫أنا قدور عبد القادر بف عاشػػور الزْرُىوني االدريسي َ‬
‫(‪)1‬‬
‫اى ْؿ الضاللة‬ ‫ضا في َي ّدي ْقيَ ْر ْ‬
‫يؼ ال ْق َ‬
‫رد ْكبيػ ػػر َس ْ‬
‫وغوث وفَ ْ‬
‫قُطب َولي َ‬
‫ونفس تمؾ المعاني التي تتصاعد فييا لغة "األنا الصوفية" المتجردة‪ ،‬نجدىا‬
‫تنساب في ىذا النص الشعري لسيدي قدور‪ ،‬حيث ينشدنا قائال‪:‬‬
‫وس ْل َع َرَاي ْس ْمَن ْزَىػة‬
‫رد ْع ُر ْ‬
‫وفَ ْ‬ ‫وث ْع ِظيـ‬ ‫قُطب َولي صالح َغ ْ‬
‫ْعمَى ما ِفييا مف ْإن ْسيا ِ‬
‫وجْنيَ ػػا‬ ‫ضػ ػػو َممِؾ‬ ‫ِ‬
‫ْخميفَة اإللو في ْأر َ‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫اس ْرَىا‬ ‫ِّ‬
‫َكاف ْمتَولي عمى لَ ْشَيا َب ْ‬ ‫كأنني ُسميماف نبي اهلل َحقػ ػػا‬
‫الشاعر قدور بف عاشور في ىذا النص يسوؽ لنا حشدا مف األسماء التي‬
‫تدؿ عمى عمو منزلتو ورسوخ قدمو في السمـ التراتبي لمصوفية‪ ،‬مثؿ‪ :‬قطب‪ ،‬ولي‬
‫صالح‪ ،‬فرد‪ ،‬عروس‪ ،‬عرايس‪ ،‬خميفة اإللو‪..‬‬
‫إذا كانت األسماء مف قبيؿ‪ :‬ولي‪ ،‬وصالح‪ ،‬مما ىو معروؼ ومتداوؿ في‬
‫الثقافة اإلسالمية بدالالتيا التي تعطي لمف يتصؼ بيا بعدا كاريزماتيا‪ ،‬فإف‬
‫األسماء األخرى تحتاج منا إلى توضيح لمعرفة داللتيا ورمزيتيا في ثقافة شاعرنا‬
‫الصوفية‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وىو‬ ‫القطب عند القاشاني‪ :‬ىو الواحد الذي ىو موضع نظر اهلل تعالى‪.‬‬
‫عند ابف عربي‪ :‬واحد في الزماف الواحد‪ ،‬يتعدد عمى مر األزمنة‪ ،‬يتمقى مرتبة‬
‫"القطبية" مف القطب الذي ينتقؿ بالموت إلى العالـ اآلخر‪ ،‬وىو ليس برسوؿ بؿ‬
‫(‪)4‬‬
‫مف األولياء بصورة عامة‪ ،‬ومف األفراد بصورة خاصة‪.‬‬

‫(‪) 1‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.217 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.209 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الر ازؽ القاشاني‪ ،‬اصطالحات الصوفية‪ ،‬ص‪.80 :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫سعاد الحكيـ‪ ،‬المعجـ الصوفي‪ ،‬الحكمة في حدود الكممة‪ ،‬ص‪.911-910 :‬‬

‫‪283‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫والفرد‪ :‬عند ابف عربي مف رجاؿ المراتب‪ ..‬وىـ أفراد الوقت‪ :‬ألنيـ خارجوف‬
‫عف نظر القطب صاحب الوقت‪ ،‬فال يحكميـ وال يتصرؼ بيـ‪ ،‬بؿ القطب منيـ‪.‬‬
‫وىـ أعياف األولياء‪ :‬ألنيـ الخاصة فييـ‪..‬وىـ في جنس البشر كالمالئكة‬
‫(‪)1‬‬
‫المييمنوف في جنس المالئكة‪.‬‬
‫وىذه المصطمحات مما درج عمييا الصوفية في شعرىـ‪ ،‬مف ذلؾ ما أنشده‬
‫سيدي عبد القادر الجيالني في قولو‪:‬‬
‫عمـ الطريقة‬
‫أنا الواحد الفرد الكبير بذات ػ ػ ػ ػػو أنا الواصؼ الموصوؼ ُ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫وتاؿ كتابَ اهلل في كؿ ساع ػ ػػة‬ ‫شاىد‬
‫القطب‪ ،‬قمت ُم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فأنت‬
‫وقالوا‪َ :‬‬
‫عروس العرايس‪ :‬سميت األعراس مف التعريس‪ ،‬وىو نزوؿ المسافر في منزلة‬
‫معمومة‪ ،‬يخص ابف عربي فئة مف األولياء بعبارة عرائس الحؽ‪ ،‬والذي دعاه إلى‬
‫تخصيص ىذه الفئة مف العرائس ألف اهلل سترىـ فال يعمـ بمقاميـ مخموؽ‪ ،‬ىؤالء‬
‫(‪)3‬‬
‫المستوروف يضف الحؽ مف الغيرة أف يعرفيـ غيره‪ ،‬فيـ عرائس الحؽ‪.‬‬
‫ثـ نرى شاعرنا في سياؽ التباىي بمقامو الروحي يستدعي أحد أسماء‬
‫األنبياء‪ ،‬ىو النبي سميماف (ع س)‪ ،‬واسـ سيدنا سميماف مف الناحية الرمزية يدؿ‬
‫عمى التمكيف والسمطة عمى عوالـ الجف واإلنس والريح‪ ،‬وكؿ شيء‪..‬مما يدؿ عمى‬
‫تكثيؼ المعاني والدالالت التي تحيؿ عمى تفرده وقطبانيتو في الطريؽ الصوفي‪.‬‬
‫وىناؾ نصوص كثيرة فييا ىذا القدر مف التيويؿ والمبالغة بالمرتبة الروحية‬
‫التي بات يحتميا سيدي قدور بف عاشور‪ ،‬والتي يبوح بيا شاعرنا في حالة الفناء‬
‫واليياـ في الذات اإلليية‪ ،‬مف تمؾ النصوص نسوؽ ىذه األبيات‪:‬‬
‫الحض ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػار َنْمتيَا بال َك ْد لَ ِيمي مع ْنيَػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاري‬
‫الغوثِية َيا ُ‬
‫باس ْـ َ‬ ‫ِ‬
‫َنْبتَدي ْ‬
‫ط َداري‬
‫خبرني في ْم َكاني في َو ْس ْ‬ ‫المختار َجا ْي َ‬ ‫البشره مف عند ْ ِ‬
‫النبي ُ‬ ‫جاتني ُ‬

‫(‪) 1‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.876 :‬‬


‫(‪)2‬‬
‫الجيالني عبد القادر‪ ،‬الديواف‪ ،‬القصائد الصوفية‪ -‬المقاالت الرمزية‪ ،‬ص‪.95:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ينظر‪ :‬سعاد الحكيـ‪ ،‬المعجـ الصوفي‪ ،‬الحكمة في حدود الكممة‪ ،‬ص‪.790 :‬‬

‫‪284‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫(‪)1‬‬
‫جات ْم َع االشيا تْطُوؼ بأو َكػ ػ ػ ػ ػػاري‬
‫النار ْ‬
‫أرض ّ‬
‫الجّنة ْس َما و ْ‬ ‫ِ‬
‫وث َ‬‫رت َغ ْ‬
‫ص ْ‬
‫تعني الغوثية أو الغوثانية شفاعة القطب واألولياء في الخمؽ‪ ،‬سواء في‬
‫الدنيا أو اآلخرة‪ ،‬وكانت أوؿ الشخصيات التي خمعت عمييا ىذه الصفة في تاريخ‬
‫التصوؼ‪ ،‬ىي شخصية أويس القرني‪ ،‬ثـ نسبت الشفاعة والغوثية إلى واحد مف‬
‫كبار تالمذة الحسف البصري‪ ،‬ىو حبيب العجمي‪ ،‬الذي اتصؼ بإجابة الدعاء‬
‫(‪)2‬‬
‫حتى لقب "غوث البصرة"‪..‬‬
‫ثـ استمرت فكرة الشفاعة والغوثية كصفة ألقطاب التصوؼ‪ ،‬ومف أبرز‬
‫ىؤالء األعالـ الذيف تجمت فييـ صفة الغوثية بالسند والتواتر في الجزائر شيخ‬
‫الشيوخ الغوث أبي مديف شعيب التممساني‪.‬‬
‫ىذه النصوص الشعرية كانت تنطمؽ دائما مف حالة الفناء في الذات‬
‫اإلليية والتي يستشعر سيدي قدور مف خالليا‪ ،‬بحالة مف االنتشاء الروحي‬
‫واالصطفاء اإلليي الذي جعمو يتبوأ ىذ المقاـ‪ ،‬وىذه المنزلة في الوصؿ والوصاؿ‬
‫مع محبوبو‪ ،‬يقوؿ شاعرنا‪:‬‬
‫عموؿ* َن ْختَص ْب َمْن ِزلَة َما ليا ْمثُوؿ* ُخ ْذ‬
‫الم ْ‬
‫يب َ‬ ‫طبِ ْ‬
‫رد ال ْقبِيمة* ْ‬
‫أكثر ما ْنقُوؿ* أنا فَ ْ‬
‫وؿ * قدور‬ ‫وث َر ُجؿ *إدريسي المنزلة* ندرومة ْن ُز ْ‬ ‫*مف َغ ْ‬ ‫يؿ ِ‬ ‫االص ْ‬ ‫سب‬
‫الن ْ‬
‫ْ‬
‫(‪)3‬‬ ‫متَأَص ْؿ * ْب َشمس الوصوؿ *محمد ِ‬
‫الكفيال‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ْ ّ‬
‫تكثر مثؿ ىذه النصوص وتييمف عمى معظـ قصائد سيدي قدور بف‬
‫عاشور الزرىوني‪ ،‬حيث تتصاعد ىذه "األنا الصوفية" لتصؿ ذروتيا في حالة‬
‫الفناء التي يستشعر فييا الشاعر أنو القطب والغوث أو "اإلنساف الكامؿ" الذي ىو‬
‫محؿ العناية اإلليية‪ ،‬وسنختـ ىذه النصوص الشعرية الزرىونية بيذا النص‪:‬‬
‫الم ْذموـ* ما ْيتِيقُوا فَتػ ػ ْ‬
‫ػاف‬ ‫أىؿ ِ‬
‫عؿ َ‬‫الف ْ‬ ‫اىر ُك ّؿ َم ُشػ ػػوـ* ْ‬ ‫المعمُػػوـ* قَ ْ‬
‫طب َ‬‫اؿ القُ ْ‬
‫َس ْ‬
‫ػاف‬
‫المستع ْ‬ ‫روـ* ْ ِ‬
‫بالنبي ُ‬ ‫الم ْغ ْ‬
‫الدنيا َ‬
‫اؾ ّ‬‫ػوـ* َىت ْ‬
‫اىر ْب َغ ْير َنػ ػ ْ‬
‫قدور بف المحػ ػػزوـ* َس ْ‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.161 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬الجيالني عبد القادر‪ ،‬الديواف‪ ،‬القصائد الصوفية‪ -‬المقاالت الرمزية‪ ،‬ىامش ص‪.163 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.195 :‬‬

‫‪285‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫(‪)1‬‬
‫المكتوـ*خارج عمى العموـ*سوى الحي القيوـ* جامعو في المكاف‬
‫رد َ‬‫وث الفَ ْ‬
‫الغ ْ‬
‫َ‬
‫مر بنا أف "األنا الصوفية" في شعر‬
‫ما يمكف مالحظتو مف خالؿ ما ّ‬
‫قدور بف عشور تكتسب داللتيف‪ ،‬إذ تتضخـ داللتيا وتتصاعد أثناء توظيفيا في‬
‫مقاـ الفناء‪ ،‬لتكتسب مرتبة متقدمة تمثميا حركة العمو التي يرقى بموجبيا شاعرنا‬
‫فتطوى المسافة بينو وبيف الحضرة اإلليية وتردـ اليوة السحيقة التي فصمت‬
‫بينيما‪ ،‬لتصؿ أحيانا إلى حد القوؿ باالتحاد ووحدة الوجود‪ ،‬فيو خميفة اهلل‪ ،‬وشبيو‬
‫سميماف عميو السالـ في اإلذف والتصريؼ‪..‬وبعد أف تصؿ "األنا الصوفية" في مقاـ‬
‫الفناء إلى ذروتيا‪ ،‬تبدأ في التالشي في مقاـ البقاء لتنتيي عمى نحو يفيد مرتبة‬
‫وتفردا في اليرـ الروحي لمصوفية‪.‬‬
‫وتمي از ّ‬
‫‪ -2‬الرمزية في شعر سيدي قدور بن عاشور‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الرمز "معنى باطف مخزوف تحت كالـ ظاىر ال يظفر بو ّإال أىمو"‬
‫"وىو أسموب مف أساليب التعبير شاع في الكتابات الصوفية‪ ،‬نثرىا وشعرىا‪ ،‬يتعيف‬
‫الرمز ىنا‪ ،‬بأنو ذلؾ التعبير الحسي الذي يستعممو الصوفية‪ ،‬دوف أف يكوف‬
‫مقصودا لذاتو‪ ،‬بؿ إف المقصود ىو ما وراء ىذا التعبير مف الدالالت المستترة‬
‫(‪)3‬‬
‫والمعاني اإلليية‪ ،‬التي تحتاج إلى شيء مف المكابدة لموقوؼ عمييا‪.‬‬
‫وسنشير ىاىنا إلى مثاليف مف الرمزية ‪-‬عمى سبيؿ الذكر ال الحصر‪ -‬كاف‬
‫ليما حضور في شعر سيدي قدور‪ ،‬ىما‪ :‬الرمز الخمري والرمز األنثوي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الرمز الخمري‪:‬‬
‫ارتبط الحب اإلليي في التجربة الصوفية بالخمرة والسكر ومتعمقاتيا‪ ،‬والخمرة‬
‫في عرؼ الصوفية‪ ،‬ليست ىي الخمرة الحسية المعروفة‪ ،‬وانما ىي الحب اإلليي‬

‫(‪)1‬‬
‫المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.61 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد اهلل الطوسي‪ ،‬الممع في تاريخ التصوؼ اإلسالمي‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪.337 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وفيػػؽ سػػميطاف‪ ،‬الش ػػعر الصػػوفي ب ػػيف مفيػػومي االنفص ػػاؿ والتوحػػد‪ ،‬مص ػػر العربيػػة لمنش ػػر والتوزيػػع‪ ،‬الق ػػاىرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1995‬ص‪.100:‬‬

‫‪286‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫في أبيى صوره وأزكى تجمياتو‪ ،‬وقد أعطى الصوفية ىذا المعجـ الخمري دالالت‬
‫(‪)1‬‬
‫جديدة خرجت بالخمر إلى دائرة الرمز الصوفي‪..‬‬
‫إف المحبة التي تولدت مف النظر إلى الجماؿ اإلليي‪ ،‬سواء في حالة تعيينو‬
‫أو في حالة تنزىو‪ ،‬تُ ِ‬
‫وجد لدى الصوفي حالة مف الش ّد تجعمو يفنى عف صفاتو أو‬
‫عف ذاتو‪ ،‬بالفناء في الذات اإلليية‪ ،‬فيو ذىاب القمب عف حس المحسوسات‬
‫(‪)2‬‬
‫بمشاىد ما شاىد‪ ،‬واستيالكو في وجود الحؽ استيالكا ال وعي فيو‪.‬‬
‫وقد عبر الصوفية بألفاظ متقابمة عف ىذه النشوة ودرجاتيا كالغيبة‬
‫والحضور والصحو والسكر والذوؽ و الكأس والشرب‪ ،‬الفناء ‪..‬‬
‫حوؿ ىذه المعاني يقوؿ ابف عجيبة‪ :‬عميؾ بمحبة اهلل عمى التوقير‬
‫والنزاىة‪ ،‬وأدمف الشرب بكأسيا‪ ،‬مع السكر‪ ،‬كمما أفقت أو تيقّظت شربت‪ ،‬حتى‬
‫المحبة‪ ،‬وعف‬
‫ّ‬ ‫يكوف سكرؾ وصحوؾ بو‪ ،‬وحتى تغيب بجمالو عف‬
‫رب‪ :‬سقي القموب‪ ،‬واألوصاؿ والعروؽ مف ىذا الشراب‪ ..‬فيسقى ٌّ‬
‫كؿ‬ ‫الشراب‪..‬والش ُ‬
‫ظنؾ بعد‬
‫عمى قدره‪..‬فمنيـ مف يسكر بشيود الكأس‪ ،‬ولو لـ يذؽ بعد شيئا‪ ،‬فما ّ‬
‫غرؼ بيا مف ذلؾ‬‫بالذوؽ‪ ،‬وبعد بالشرب‪ ،‬وبعد بالري‪ ..‬والكأس‪ :‬مغرفة الحؽ‪ُ ،‬ي ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫الشراب الطيور المحض الصافي‪ ،‬لمف شاء مف عباده المخمصيف مف خمقو‪.‬‬
‫يقوؿ سيدي قدور متغنيا بنشوة الخمرة اإلليية‪:‬‬
‫ػرت ْمتَ َحّي ْر‬ ‫رت بو ِ‬
‫وص ػ ػ ػ ْ‬ ‫فَ ْس َك ْ‬ ‫الخمار‬
‫ديما مف يد َ‬ ‫بت َخ ْم َره ْق َ‬
‫ْش َر ْ‬
‫َذ ِّك ْيتنِي ْسَن َان ػ ػ ػ ػ ػػو ُموتِي ْى َد ْر‬ ‫الخمره المِّ ػػي‬ ‫مت يا ْن ِد ْيـ ما َى ْذ َ‬
‫ُق ْ‬
‫الجّبار‬ ‫قَاؿ لي لوال موتَ ْؾ ما ْحيِ ْ ِ‬
‫وحؾ ُبرو ْح َ‬ ‫جت ُر َ‬
‫وال ْم َز ْ‬ ‫يما‬
‫يت د َ‬ ‫َ‬
‫زت بما فازوا األوليا ال ْكَبػار‬
‫قد فُ ْ‬ ‫ىنيئا لؾ بما ا َك ْرَمؾ الكريػ ػ ػ ػػـ‬
‫ً‬
‫وم َواىبؾ ال تُورد عمى البشػ ػػر‬
‫ْ‬ ‫َع َجب لمقامؾ ما مثمُو مقػ ػ ػ ػػاـ‬

‫(‪)1‬‬
‫نور الديف ناس الفقيو‪ ،‬أحمد بف عجيبة شاعر التصوؼ المغربي‪ ،‬كتاب ناشروف‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دتا‪ ،‬ص‪.34-33:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد يعيش‪ ،‬شعرية الخطاب الصوفي‪ ،‬الرمز الخمري عند ابف الفارض‪ ،‬سيباما‪ ،‬فاس‪ ،‬دط‪ ،2003 ،‬ص‪.149 :‬‬
‫(‪ )3‬أحمد بف عجيبة‪ ،‬شرح صالة القطب بف مشيش‪ ،‬ص‪.13 :‬‬

‫‪287‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد خير خمؽ اهلل المعتب ػ ػ ػػر‬ ‫مف فضؿ سيدؾ وسندؾ اليػادي‬
‫ىذا النص الشعري الصوفي يحمؿ كثير مف المعاني الصوفية المكثفة‬
‫والغارقة في الرمزية الخمرية‪ ،‬وقد وظؼ شاعرنا مجموعة مف المصطمحات التي‬
‫تحيؿ عمى ىذه التجربة الروحية التي تنتج عف حالة الفناء التي يعيشيا الصوفي‬
‫مف ذلؾ‪ :‬الخمر‪ ،‬الخمار (الساقي)‪ ،‬السكر‪ ،‬الحيرة‪ ،‬النديـ‪ ،‬مزج الروح (كناية عف‬
‫حالة االتحاد)‪ ،‬الموت‪..‬‬
‫إف الموت الذي يشير إليو الشاعر في ىذا النص الشعري لو داللة رمزية في‬
‫لغة القوـ‪ ،‬فيو عند القاشاني‪ :‬قمع ىوى النفس فإف حياتيا بو‪..‬فإذا ماتت النفس‬
‫عف ىواىا بقمعو انصرؼ القمب بالطبع والمحبة األصمية إلى عالمو عالـ القدس‬
‫(‪)2‬‬
‫والنور‪..‬‬
‫ومقصد سيدي عاشور بكممة "الموت" ال تخرج عف ىذه الداللة الصوفية‪ ،‬التي‬
‫تعني موت النفس عف الحظوظ القمبية والجسدية‪ ،‬أي موت عف الصفات البشرية‬
‫والحياة بالصفات اإلليية (المطؼ‪ ،‬الرحمة‪ ،‬الحمـ‪.)..‬‬
‫ومف ألواف الرمز الخمري أيضا ما نجده في ىذا النص الشعري‪ ،‬حيث يقوؿ‪:‬‬
‫رشفت خمر عنب مخموط مف الدوالي‬ ‫نور فضمؾ ال زاؿ معي ضو مشعػ ػػوؿ‬
‫)‪(3‬‬
‫سقاني كوب مف الخمر طيري معصور حتى ىتكت الحجوب وعقمي طػ ػ ػػار‬
‫يعبر سيدي قدور بف عاشور في ىذا النص الشعري عف أثر ىذه الخمرة‬
‫اإلليية‪ ،‬التي سمحت لو بيتؾ األستار والحجب‪ ،‬ألجؿ مكاشفة المحبوب‪ ،‬واألنس‬
‫بالحضرة اإلليية‪ ،‬فقد حاز المنح والمواىب اإلليية‪ ،‬وطوى المسافات والمنازؿ‬
‫لرؤية معشوقو‪ ،‬فكاف أف طار عقمو؛ بمعنى غاب عف حظوظ نفسو بشيوده‬
‫الحضرة اإلليية‪ ،‬أي أف الشارب مف كأس الخمرة اإلليية يصؿ بو المقاـ إلى‬
‫الفناء الكمي عف نفسو‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.209 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد الرزاؽ القاشاني‪ ،‬اصطالحات الصوفية‪ ،‬ص‪.99:‬‬
‫)‪ (3‬محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.364-209 :‬‬

‫‪288‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫ومصطمح "الحجب"‪ ،‬يعني األستار‪ ،‬ويرجع الصوفية في قوليـ بالحجب النورانية‬


‫والظممانية‪ ،‬إلى ما أشار إليو الحديث الشريؼ‪":‬إف هلل سبعيف حجابا مف نور‬
‫وظممة‪ ،‬لو كشفيا ألحرقت سبحات وجيو تعالى ما انتيى إليو بصره"‪ ،(1).‬وىي‬
‫تيمة في الخطاب الصوفي تحيؿ عمى السفر الصوفي والعروج في السمـ الروحي‬
‫وقطع العقبات والحجب في رحمة السير إلى اهلل بأقداـ الصدؽ والتجرد عف‬
‫األكواف‪ ،‬وطي ار بأجنحة المحبة الختراؽ سماوات األحواؿ والمقامات حتى تحط‬
‫عصا الترحاؿ عند خياـ القرب مف اهلل‪.‬‬
‫والنص الشعري يتمركز ويدور حوؿ موضوع الرمز الخمري‪ ،‬كالخمر‬
‫واالرتشاؼ والعنب والدوالي (الكرـ)السقي معصور‪ ..‬فاالرتشاؼ (الشرب) تعبير‬
‫عما يجده شاعرنا مف ثمرات التجميات والكشوفات‪ ،‬والغيبة (عقمي طار) ىي غيبة‬
‫الحواس وغيبة عف الخمؽ وحضور القمب في المقابؿ‪ ،‬بسبب استشعاره لمقرب‬
‫واألنس باهلل تعالى‪.‬‬
‫ومصطمح "االرتشاؼ" الذي يعني االمتصاص‪ ،‬يبدو لي أوضح داللة وأعمؽ‬
‫مف مصطمح "الشرب"‪ ،‬الذي يحيؿ عمى منزلة وسطى بيف الذوؽ واالرتواء‪.‬‬
‫أما مصطمح "الخمط" أو(المزج) الذي ورد في البيت األوؿ‪ ،‬فالمزج في الشعر‬
‫الصوفي الفصيح إشارة رمزية‪" ،‬وىو أنو عندما تمزج الحقيقة بالشريعة‪ ،‬فإف النور‬
‫المعرفي يظير عمى المريديف‪ ،‬فيممع منيـ العارفوف العمماء‪ ،‬كما تممع نجوـ‬
‫)‪(2‬‬
‫وىذه تيمة في الخطاب الصوفي بعامة تحيؿ‬ ‫الحبب عند مزج الخمر بالماء"‪.‬‬
‫عمى سعي المتصوفة ومحاولة التوفيؽ بيف الشريعة (الفقو) والحقيقة (التصوؼ)‬
‫ممارسة وكتابة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النصوص الشعرية الشعبية المنضوية تحت مقام البقاء‪:‬‬
‫تتخذ نصوص مقػاـ البقػاء معنػى أخالقيػا‪ ،‬تصػوؼ سػموكي (تربػوي)‪ ،‬نصوصػو‬
‫تعنػى بالجانػب التربػػوي واإلرشػادي‪ ،‬وتيػػتـ بتيػذيب الػػروح وتسػعى إلػػى تزكيػة الػػنفس‬

‫)‪( 1‬الجيالني عبد القادر‪ ،‬الديواف‪ ،‬القصائد الصوفية‪ -‬المقاالت الرمزية‪ ،‬ص‪.112 :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫محمد يعيش‪ ،‬شعرية الخطاب الصوفي‪ ،‬ص‪.314 :‬‬

‫‪289‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫ونبؿ الخمؽ والتحمي بالفضائؿ والكماالت األدبية‪ ،‬وىي نصوص تغمػب عمييػا المغػة‬
‫التقريرية المباشرة‪ ،‬ال يحتاج التواصؿ معيا إلى جيد كبير‪.‬‬
‫وتندرج تحت ىذا القسـ في نصػوص شػاعرنا قصػائد الػوعظ والتربيػة السػموكية‬
‫والحػ ػػب اإلليػ ػػي والػ ػػذكر والػ ػػدعاء واالسػ ػػتغاثات والمػ ػػدائح النبويػ ػػة واإلشػ ػػادة بشػ ػػيوخ‬
‫التصوؼ وأقطابو‪..‬‬
‫وسػػنكتفي ىاىنػػا باإلشػػارة إلػػى نمػػوذجيف مػػف ىػػذه الموضػػوعات‪ ،‬ىمػػا‪ :‬األدعيػػة‬
‫واالستغاثات‪ ،‬وقصائد التربية السموكية الوعظية‪.‬‬
‫‪ -1‬األدعية واالستغاثات‪:‬‬
‫األدعية ىي جمع دعاء‪ ،‬بمعنى النداء‪ ،‬وأدب الدعاء موجو إلى المولى عز‬
‫وجؿ‪ ،‬وىو أدب صادؽ حاد العاطفة‪ ،‬قوي اإلحساس بالقدرة اإلليية‪ ،‬يفيض‬
‫خشوعا ورىبة وخوفا مف مقاـ اهلل العمي القدير‪ ،‬وال يطمبوف فييا غالبا مف حظ‬
‫الدنيا‪ ،‬إنما جؿ أمميـ أف يطمبوا مف المولى الرضا والقبوؿ والوصؿ‪..‬‬
‫االستغاثات ىي لوف مف ألواف األدب الصوفي الرفيع‪ ،‬وموضوع مف‬
‫موضوعات الدعاء‪ ،‬وىي دعاء اهلل بإلحاح لينقذ المستغيث مف الكروب والشدائد‬
‫واألزمات‪ ،‬ومف نماذج االستغاثات عند شاعرنا نورد ىذه األبيات مف قصيدتو‬
‫بالغفراف"‪:‬‬
‫"اعطؼ ُ‬
‫يا نِ ْع َـ السمطػ ػػاف‬ ‫وحي ْم َخ ْفقَػة‬ ‫صع َدت لَ ْؾ ر ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ب األم ػ ػ ػػاف‬
‫تَطمُ ْ‬ ‫طف ْم َقمقَػ ػ ػ ػػة‬‫البا َ‬
‫اس َ‬ ‫َو ْح َو ْ‬
‫بالغ ْفػ َػراف‬
‫اعطَؼ ُ‬ ‫ْ‬ ‫وجودؾ َج ِزيؿ يا عيف َ‬
‫البقَا‬ ‫ُ‬
‫مف غير َى ْجػ َػراف‬ ‫الج َاز ِّ‬
‫المقَ ػ ػ ػ ػػا‬ ‫ْن ِر ْ‬
‫يد َمن ْؾ َ‬
‫ض ْم ػػآف‬ ‫الج َوى َ‬
‫و َ‬ ‫ات ُعُيوف َد ْم َعا ْم َد ْفقَ ػ ػػا‬‫ْب َك ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫عف ِسّر ال َكتْ َمػػاف‬ ‫يب عف فَ ْق َدؾ ْم َزْىقَػ ػ ػػا‬ ‫ْكئِ ْ‬

‫)‪(1‬‬
‫المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.211 :‬‬

‫‪28:‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫ِ‬
‫مخاطب ومخاطَب‪ ،‬الثاني‬ ‫نالحظ أف ىذا النص الشعري يتوزع بيف خطابيف‪:‬‬
‫يشير إلى اهلل تعالى‪ ،‬الذي يظير بوصفو غاية لؤلوؿ‪ ،‬ويشير أيضا إلى حالة مف‬
‫العروج الروحي متمثمة في ذات الشاعر التي تنشد كشؼ األستار والحجب حتى‬
‫تنعـ وتتمذذ بمقاـ القرب مف الحضرة اإلليية‪.‬‬
‫مف ذلؾ أيضا نجت أز ىذه األبيات مف قصيدة شاعرنا الموسومة "كؿ عارؼ وىواه"‪:‬‬
‫النظاـ* في ِ‬
‫الح ْس والمعنى* َوفّ ْؽ لخير األناـ‬ ‫بسـ اهلل موالنا* نستفتح باب ّ‬
‫وري ال‬‫طع ُن ِ‬‫اس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثَبتني في ِّ‬
‫المقَاـ*و َشّرْفني باألمانة* َو ْ‬
‫الديانة*وارفَعني في ُحمو َ‬
‫ظ َال ِمي‬
‫ْ‬
‫السالـ*يا اىؿ تممساف*خصوصا ناس‬ ‫فَ ِسر ْ ِ‬
‫فانا َسالـ مف السالـ َح ّي ّ‬
‫ت الييـ* َ‬ ‫ْ‬
‫الكراـ‬
‫نالحظ أف الشاعر استفتح قصيدتو بالبسممة‪ ،‬والبسممة (ببائيا ونقطتيا) ليا‬
‫رمزية وداللة عظيمة عند الصوفية‪ ،‬يكفي أف نشير إلى أف الصوفي الشاعر عبد‬
‫الكريـ الجيمي خصص ليا كتابا مشيو ار موسوما بػ "الكيؼ والرقيـ في شرح بسـ‬
‫)‪(1‬‬
‫اهلل الرحمف الرحيـ"‬
‫ومما يتداولو الصوفية أث ار أو كشفا قوليـ‪" :‬كؿ ما في بسـ اهلل الرحمف الرحيـ‪،‬‬
‫فيو في الباء وكؿ ما في الباء فيو في النقطة التي تحت الباء"‪ ،‬وقاؿ بعض‬
‫)‪(2‬‬
‫العارفيف‪ " :‬بسـ اهلل الرحمف الرحيـ مف العارؼ بمنزلة كف مف اهلل"‪.‬‬
‫وقد وظؼ ىاىنا شاعرنا ىذا النص القرآني "بسـ اهلل"‪ ،‬توظيفا دينيا وصوفيا‬
‫حيث ذكره في سياؽ إشارتو إلى عمو مقامو الروحي والديني والصوفي‪ ،‬مف خالؿ‬
‫عبارات مثؿ‪ :‬ثبتني في الديانة‪ ،‬وارفعني في حمو المقاـ‪ ،‬وشرفني باألمانة‪ ،‬واسطع‬
‫نوري‪..‬‬

‫)‪ ( 1‬عبػػد الك ػريـ الجيمػػي‪ ،‬الكيػػؼ وال ػرقيـ فػػي شػػرح بسػػـ اهلل الػػرحمف الػػرحيـ‪ ،‬تقػػديـ‪ ،‬عاصػػـ إب ػراىيـ الكيػػالي‪ ،‬دار الكتػػب‬
‫العممية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫)‪ (2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.13 :‬‬

‫‪291‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫عمى أننا نشير إلى كوف الشاعر لو عديد القصائد التي يستفتحيا ببسـ اهلل‬
‫لكنيا ليست م ف قبيؿ المعنى الصوفي الذي يحيؿ عمى نظرية "اإلنساف الكامؿ"‬
‫لكف تأتي تيمنا وتبركا ليس إال‪.‬‬
‫تبقى نفسية شاعرنا دائما محمقة في عوالـ مف الروحانية‪ ،‬مستغيثة طالبة‬
‫لمعفو والمغفرة‪ ،‬مثمما تصوره لنا ىذه األبيات المجتزأة مف قصيدتو "أنا الض ْرَغاـ‬
‫الفارس"‪:‬‬
‫المطيؼ الخبي ػ ػ ػػر‬ ‫الميـ يا لطي ػ ػ ػ ػػؼ‬
‫ّ‬
‫ؼ بِنا يا قدي ػػر‬
‫الطُ ْ‬ ‫بمحمد الشريػ ػ ػػؼ‬ ‫ُ‬
‫عنا بحمم ػػؾ‬‫اج ِر ّ‬‫وْ‬ ‫الطُؼ بنا بمطف ػ ػػؾ‬
‫)‪(1‬‬
‫وو ِّج ْو َعمَينا الخيػػر‬
‫َ‬ ‫رمػ ػ ػػؾ‬
‫وا ْك َرمنا ب ُك َ‬
‫ىذا النص الشعري االستغاثي يتمحور خطابو حوؿ اسـ مف أسماء اهلل‬
‫الحسنى "الجمالية" ىو اسمو تعالى "المطيؼ"‪ ،‬الذي يعد قطب الرحى في كثير مف‬
‫األوراد واالستغاثات الصوفية‪ ،‬حيث اختص ىذا االسـ عندىـ بأسرار وفوائد كثيرة‬
‫واستعماالت بأعداد مخصوصة في أوقات معمومة‪ ،‬وقد خصص لو محمد بف‬
‫محمد الميموني تأليفا وسمو بػ "روضة لمظريؼ في خواص اسـ اهلل تعالى‬
‫)‪(2‬‬
‫المطيؼ"‪.‬‬
‫وقد قيؿ في أىمية اسـ اهلل "المطيؼ" التفريجية‪ :‬أنو مف أعظـ أبواب الفرج‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ولو ألطاؼ مخفية‪ ،‬واغاثة رحمانية‪..‬‬
‫وىذا النص الشعري يتناص مع آيات مف الذكر الحكيـ‪ ،‬منيا قولو تعالى‪( :‬‬
‫اء‬ ‫يف بِ ِعَب ِاد ِه َي ْرُز ُ‬
‫ؽ َم ْف َي َش ُ‬ ‫ير)[الحج‪ ،]63/‬وقولو تعالى‪( :‬المَّ ُه لَ ِط ٌ‬
‫يف َخ ِب ٌ‬‫إِ َّن المَّ َه لَ ِط ٌ‬
‫َو ُى َو اْلقَ ِوي اْل َع ِز ُيز) [الشورى‪.]19/‬‬

‫)‪(1‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.253 :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫محمد بف محمد الميموني‪" ،‬روضة لمظريؼ في خواص اسـ اهلل تعالى المطيؼ"‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيػروت‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.2005‬‬
‫)‪(3‬‬
‫المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.9 :‬‬

‫‪292‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫كما أف ىذا النص الشعري أيضا يتناص في البيت األوؿ والثاني منو مع‬
‫دعاء مأثور عند الصوفية‪ ،‬يقولوف فيو‪" :‬الميـ إنؾ لطيؼ ومحمد شريؼ‪ ،‬وماضاع‬
‫عبد بيف لطيؼ وشريؼ")‪ ،(1‬وىذا ليس غريبا عمى شاعر متصوؼ‪ ،‬تتممذ لكبار‬
‫رجاؿ التصوؼ كالشيخ سيدي العموي‪ ،‬وعاش التجربة الصوفية نظما وممارسة‬
‫فقد كاف رحمو اهلل يمارس االعتكاؼ والخموات في مقامات الصالحيف‪ ،‬ويتصدر‬
‫حمقات الحضرة‪.‬‬
‫والدعاء واالستغاثة بيذا االسـ "المطيؼ"‪ ،‬في قوالب النظـ الشعري ىي مف‬
‫الممارسات التي ال يزاؿ أىؿ تممساف يحتفظوف بيا إلى يوـ الناس ىذا‪ ،‬خاصة‬
‫في المسجد الكبير بتممساف عقب صالة العصر‪ ،‬حيث تنشد جماعيا‪،‬‬
‫قصيدة"المطيفية‬
‫وتتوالى نصوص األدعية واالستغاثات في شعره ‪ ،‬وسنختميا بيذا النص الشعري‪:‬‬
‫ىارب ليؾ يا غفػور‬ ‫إني عبدؾ قػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػدور‬
‫المدب ػ ػ ػ ػ ػػر‬
‫الحكيػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػـ ّ‬ ‫انت العزيز الشكػ ػػور‬
‫رب الباطف والظيور‬ ‫يا عالـ ما في الصدور‬
‫)‪(2‬‬
‫وافتح ليـ في االوامر‬ ‫اىِمي بالسػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػرور‬
‫متع ْ‬
‫‪ -2‬الوعظ والتربية السموكية‪:‬‬
‫وىي نصوص شعرية مباشرة‪ ،‬ذات اتجاه تعميمي‪ ،‬إذ تقوـ وتنيض عمى أداء‬
‫بعد ِحكمي أخالقي‪ ،‬وتيدؼ إلى تربية المريد وتيذيبو‪ ،‬وقد اتبع شاعرنا ىذا‬
‫االتجاه مف التعبير المباشر سبيال لنشر القيـ الدينية والصوفية في قموب المريديف‬
‫بخاصة والمسمميف بعامة‪ ،‬معتمدا أسموب الشرح واإلقناع‪ ،‬ومتوسال بالعبارة‬
‫الصريحة والمعاني القريبة‪ ،‬تحقيقا لمغاية التي انعقد ليا والرسالة التي انتدب ليا‪.‬‬
‫وسنقتصر ىاىنا عمى بعض نصوصو الشعرية التي تدور حوؿ موضوع‬
‫التوبة عمى سبيؿ الذكر ال الحصر‪:‬‬

‫)‪(1‬‬
‫مف األدعية واالستغاثات الصوفية المأثورة التي حفظناىا ونحف صغا ار سماعا وتمقيا مف أفواه الجماعات الصوفية‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.253 :‬‬

‫‪293‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫تمثؿ التوبة عند الصوفية نقطة البداية في طريؽ السير إلى اهلل‪ ،‬ولمعارفيف مف‬
‫أىؿ الحقيقة كالـ طويؿ‪ ،‬ومفاىيـ دقيقة في التوبة مف حيث شروطيا وآدابيا‬
‫ومنازليا‪ ،‬يقوؿ القشيري‪" :‬التوبة أوؿ منزؿ مف منازؿ السالكيف‪ ،‬وأوؿ مقاـ مف‬
‫)‪(1‬‬
‫مقامات الطالبيف‪."..‬‬
‫يقوؿ الشاعر المتصوؼ سيدي قدور بف عاشور‪:‬‬
‫االر َح ػػاـ‬ ‫يا قمب تُب لِ َمف ْان َش ْ‬
‫اؾ في ْ‬ ‫يؽ الف ػ ػػالح‬
‫ُخض طَر ْ‬
‫لمنور ِقيمَ ْؾ مف الظالـ‬
‫اخ َش ْع و ْار َجع ّ‬
‫ْ‬ ‫الصػ ػػالح‬
‫ط ّ‬
‫تَبع ِ‬
‫ص ار ْ‬
‫ويقوؿ أيضا‪:‬‬
‫اليمِي ػ ْ‬
‫ػؾ‬ ‫اؾ وما َي ْر َجػ ػ ػ ػػاؾ *بالقمب ْ‬
‫*تُب لمف ْان َشاؾ* ما َج ْ‬ ‫استَر َجع ْل ُموالؾ‬
‫ْ‬
‫يب فيؾ‬ ‫الع ْ‬
‫لمي َالؾ* مف فُوؽ ال َكاؼ ْارَمػ ػػاؾ *ظالـ َ‬ ‫*ورَاي ْح ْ‬
‫َ‬ ‫َغّرؾ ابميس اداؾ‬
‫)‪(2‬‬
‫الس َالؾ *قادر ربي يرضيؾ *ال غنى يحف فيػؾ‬
‫تْفَك ْر مف ال ينساؾ*اطْمُبو في ْ‬
‫محور الخطاب وغايتو في ىذا النص ينحصر في الدعوة إلى التوبة‬
‫أف القصد كمو يتجو إلى الحرص عمى رد‬‫حيث تعمو فيو النبرة الوعظية‪ ،‬ذلؾ ّ‬
‫اإلنساف إلى خالقو‪ ،‬وتأتي ألفاظ مثؿ‪ُ :‬خض‪ ،‬تُب‪ ،‬اخشع‪ ،‬ارجع‪ ..‬متوافقة مع‬
‫الجو العاـ لمنص‪ ،‬والمشحوف بمعاني التحذير والتذكير‪ ،‬وىو في نفس الوقت‬
‫اليدؼ الذي يرومو شاعرنا‪.‬‬
‫تتحد غاية مثؿ ىذه النصوص عند شاعرنا سيدي قدور‪ ،‬بنقؿ القيـ‬
‫مرّمز‪ ،‬وفي النصيف السالفيف يتـ‬
‫األخالقية الوعظية ونشرىا بأسموب مباشر غير ُ‬
‫استحضار حالتيف غير متكافئتيف‪ ،‬تنعقد المفاضمة بينيما ألجؿ إظيار أفضمية‬
‫إحداىما ودفع السالؾ إلى تمثميا والتزاميا‪ ،‬باعتبارىا الحالة المثمى التي يتحقؽ‬
‫فييا االكتماؿ بتجاوزىا‪ ،‬ومف المييمنات المغوية الدالة عمى الحالتيف‪ ،‬نذكر مايمي‪:‬‬

‫)‪(1‬‬
‫القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية في عمـ التصوؼ‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫محمد بف عمرو الزرىوني‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬ص‪.60-59 :‬‬

‫‪294‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫الحالة الثانية‬ ‫الحالة األولى‬


‫غرؾ ابميس ّاداؾ‪،‬اليالؾ‪،‬‬ ‫الظالـ‪ّ ،‬‬ ‫صراط الصػ ػػالح‪ ،‬طريؽ الفالح‪ ،‬ال ينساؾ‬
‫ظالـ العيب فيػؾ‪ ،‬اليمي ػ ػػؾ‪ ،‬ارمػ ػػاؾ‬ ‫السالؾ‪ ،‬ربي يرضيؾ‪ ،‬يحف فيؾ – النور‬
‫وفي سياؽ ىذا النوع مف النصوص التي تتماىي مع حالة مقاـ البقاء‬
‫حيث يأتي التعبير واضحا‪ ،‬وتنكشؼ الدالالت والمعاني التي كانت تحتجب أثناء‬
‫التعبير عنيا في حالة مقاـ الفناء‪ ،‬سنختـ بيذه المقاطع الشعرية المجتزأة مف‬
‫قصيدة "القبر يرجاؾ"‪:‬‬
‫يالغافػ ػ ْػؿ‬ ‫ػاؾ‬
‫القبر ال ُب ْد يرج ػ ػ ػ ػ ػ ػ ْ‬ ‫اؾ‬
‫َب ْرَك ْ‬ ‫وض‬
‫ُن ْ‬ ‫اؾ‬
‫ياالغافؿ الن ػ ػػوـ ّاد ْ‬
‫صاح َىم ْؿ‬ ‫ضؾ ْب َراحة نِػ ػ ػ ػ ػ ػ ْ‬
‫ػداؾ‬ ‫َي ْق َ‬ ‫اؾ‬
‫َب ْرَك ْ‬ ‫وض‬
‫ُن ْ‬ ‫الؾ‬
‫الفرض ْل ُمػو ْ‬
‫ْ‬ ‫قـ ِّأد‬
‫الزىراء ِوي ػ ْػف َر ْ‬ ‫يا ْكثِير الذُنوب َيِّزيػ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫اؾ ْق َفْميَا ْان َح ْؿ‬ ‫ت ّ‬ ‫طَْم َع ْ‬ ‫اؾ‬
‫وض َب ْرَك ْ‬
‫ُن ْ‬ ‫ػؾ‬
‫القبر ال بد يرج ػ ػ ػ ػ ػ ػػاؾ‬
‫الفضة في جنة الخمود‬
‫مف ال ْذ َىب و ّ‬ ‫اؿ َروضة‬
‫تَْن ْ‬ ‫ضا‬
‫ياالغافؿ قُـ تْ َو ّ‬
‫ْم َعو تْ َسمّػ ػ ػػي‬ ‫المتْ َعالي‬
‫يرحمؾ َ‬ ‫اعتَ ِف بقَولي‬
‫ياالغافؿ قُـ تصمي ْ‬
‫إلى أف يقوؿ‪:‬‬
‫تفكر الموت اهلل يمباؾ عز وجػ ػ ػػؿ‬ ‫اؾ‬
‫َب ْرَك ْ‬ ‫وض‬
‫ُن ْ‬ ‫إذا تساعفني تناؿ مناؾ‬
‫اؾ ايف جيرانؾ ايف خواؾ والقباي ػ ػ ػػؿ‬
‫َب ْرَك ْ‬ ‫وض‬
‫ُن ْ‬ ‫ايف قوـ تربوا معاؾ‬
‫محمػػؿ‬
‫اؾ فوؽ َ‬‫اؾ سافروا لآلخرة ْوَي ْ‬
‫وض َب ْرَك ْ‬
‫ُن ْ‬ ‫اينيا امؾ ويف باؾ‬
‫يتكئ ىذا النص الشعري‪ ،‬ويتمحور بشكؿ أساسي عمى التوجو إلى‬
‫ط ِب لدفعو إلى الرجوع واألوبة إلى اهلل تعالى والقياـ بالعبادات المطموبة لذلؾ‬
‫المخا َ‬
‫كاف التعبير بصيغة فعؿ األمر طاغيا عمى ما سواه‪ ،‬وىو يأتي متوافقا مع النبرة‬
‫الوعظية‪.‬‬
‫والشاعر في ىذا النص الشعري يميد لغرضو المنشود بمقدمات تطعف‬
‫الحسي "الدنيوي" مجتيدا في كشؼ مالمح فناء بني البشر‪ ،‬بمؤشرات‬
‫ّ‬ ‫في العالـ‬

‫)‪(1‬‬
‫المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.525 :‬‬

‫‪295‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫حتمية الرحيؿ إلى العالـ اآلخر‪ ،‬بمفردات وعبارات‪ ،‬مثؿ‪ :‬القبر ال بد يرجاؾ ‪-‬‬
‫تفكر الموت‪ -‬ايف جيرانؾ ايف خواؾ‪ -‬ايف قوـ تربوا معاؾ‪ -‬اينيا امؾ ويف باؾ‪..‬‬
‫كؿ ىذا ليصؿ إلى اليدؼ المنشود‪ ،‬وىو إذكاء المشاعر الروحية‬
‫ودفع النفس إلى العمو والتسامي‪ ،‬وذلؾ بالرجوع أوال عف المعاصي والتوبة منيا‬
‫واإلقباؿ عمى الطاعة والعبادات‪ ،‬فاإلنساف عندما يستشعر معاني مثؿ ِذكر الموت‬
‫وقصر األمؿ‪ ،‬ينبعث في قمبو الخوؼ والخشية‪ ،‬فََي ِفي بتماـ التوبة‪.‬‬
‫نتائج‪:‬‬
‫نخمص في نياية ىذه الدراسة إلى القوؿ بأف التراث الشعري الصوفي لسيدي‬
‫قدور بف عاشور‪ ،‬يكاد يتوزع مف وجية نظر صوفية بيف مقاميف اثنيف‪:‬‬
‫مقػػاـ الفنػػاء‪ :‬وتنضػػوي تحتػػو النصػػوص الشػػعرية ذات البعػػد العرفػػاني الرمػػزي‪،‬‬
‫مثؿ الرمز الخمري وتصاعد األنا الصوفية‪..‬‬
‫مقػػاـ البقػػاء‪ :‬وتنضػػوي تحتػػو النصػػوص الشػػعرية ذات البعػػد األخالقػػي ِ‬
‫الح َكمػػي‬
‫(تص ػػوؼ س ػػموكي)‪ ،‬نصوص ػػو تعن ػػى بالجان ػػب الترب ػػوي واإلرش ػػادي‪ ،‬تتمظي ػػر م ػػف‬
‫خػ ػػالؿ موضػ ػػوعات الزىػ ػػد والحػ ػػب اإلليػ ػػي والػ ػػذكر واالسػ ػػتغاثات والمػ ػػدائح النبويػ ػػة‬
‫واإلش ػػادة بشػ ػػيوخ التصػ ػػوؼ‪ ..‬وقػ ػػد اتبػ ػػع س ػػيدي قػ ػػدور فػ ػػي ىػ ػػذا االتجػػػاه التعبيػ ػػر‬
‫المباش ػػر س ػػبيال لنش ػػر الق ػػيـ الديني ػػة والصػ ػوفية ف ػػي قم ػػوب المس ػػمميف والمريػػديف‬
‫متوسال بالعبارة الصريحة والمعاني القريبة‪ ،‬تحقيقا لمرسالة التي انتدب ليا‪.‬‬
‫وىنا يختمؼ ىذا النوع مف الشعر في مقاـ "البقاء" عػف ذلػؾ الشػعر الغػارؽ فػي‬
‫الرمزية الذي يتمظير في مقاـ "الفناء"‪.‬‬
‫التجربػػة الشػػعرية عنػػد سػػيدي قػػدور مػ ّػرت بمػػرحمتيف؛ مرحمػػة مػػا قبػػؿ التصػػوؼ‪،‬‬
‫التي تميػزت خالليػا بطرقػو لموضػوعات الغػزؿ والطبيعػة‪ ..‬ومرحمػة التصػوؼ‪ ،‬التػي‬
‫تعمؽ فييا الشػيخ فػي طمػب الحقيقػة الربانيػة متج ّػردا ىائمػا فػي حػب اهلل ‪ ،‬فقػاؿ فػي‬
‫الحب اإلليي واإلستغاثات والحقيقة المحمدية‪..‬‬
‫وىنػػاؾ سػػمة أخػػرى فػػي شػػعر سػػيدي قػػدور‪ ،‬وىػػي طغيػػاف الصػػناعة اإليقاعيػػة‬
‫تحولػػت إلػػى مقامػػات السػػماع الصػػوفي‬
‫عميػػو‪ ،‬عمػػى غ ػرار "التائيػػات الصػػوفية" التػػي ّ‬
‫‪296‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫مثػػؿ‪ :‬تائيػػة ابػػف عربػػي‪ ،‬وابػػف الفػػارض‪ ،‬والعػػالوي‪ ..‬و تائيػػة سػػيدي الشػػيخ "الياقوتػػة‬
‫في التصوؼ"‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬الجيالني عبد القادر‪ ،‬الديواف‪ ،‬القصائد الصوفية‪ -‬المقاالت الرمزية‪ ،‬دراسة‬


‫وتحقيؽ‪ :‬يوسؼ زيداف‪ ،‬أخبار اليوـ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -2‬الجيمي عبد الكريـ‪ ،‬الكيؼ والرقيـ في شرح بسـ اهلل الرحمف الرحيـ‪ ،‬تقديـ‪،‬‬
‫عاصـ إبراىيـ الكيالي‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫‪ -3‬الحكيـ سعاد‪ ،‬المعجـ الصوفي‪ ،‬الحكمة في حدود الكممة‪ ،‬دندرة لمطباعة‬
‫والنشر‪،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1981 ،1‬‬
‫‪ -4‬الزچاي محمد أبو عبد اهلل بف موسى‪ ،‬إتماـ الوطر في التعريؼ بمف اشتير في‬
‫أوائؿ القرف الثالث عشر"‪ ،‬المكتبة الوطنية بباريس‪ ،‬تحت رقـ‪.432:‬‬
‫‪ -5‬الزرىوني محمد بف عمرو‪ ،‬ديواف الشيخ قدور بف عاشور الزرىوني‪ ،‬شعر مف‬
‫نوع الزجؿ الممحوف‪ ،‬المكتبة الوطنية الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.1996 ،1‬‬
‫‪ -6‬زيداف يوسؼ‪ ،‬شعراء الصوفية المجيولوف‪ ،‬دار الشروؽ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.209 ،1‬‬
‫‪ -7‬السراج الطوسي‪ ،‬الممع‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬ط‪.2001 ،1‬‬
‫‪ -8‬سعد اهلل أبو القاسـ‪ ،‬تاريخ الجزائر الثقافي‪ ،‬ج‪ ، )1954-1830( ،8‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1998 ،1‬‬
‫‪ -9‬سميطاف وفيؽ‪ ،‬الشعر الصوفي بيف مفيومي االنفصاؿ والتوحد‪ ،‬مصر العربية‬
‫لمنشر والتوزيع‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪.1995 ،1‬‬
‫‪ -10‬ابف عجيبة أحمد‪ ،‬معراج التشوؼ إلى حقائؽ التصوؼ‪ ،‬تحقيؽ‪ :‬عبد المجيد‬
‫خيالي‪ ،‬مركز التراث الثقافي المغربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -11‬ابف عجيبة أحمد‪ ،‬كتاب شرح صالة القطب بف مشيش‪ ،‬تقديـ‪ :‬العمراني‬
‫الخالدي عبد السالـ‪ ،‬دار الرشاد الحديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -12‬ابف فارس‪ ،‬معجـ مقاييس المغة‪،‬ج‪ ،1‬دارالكتب العممية‪،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬

‫‪297‬‬
‫‪ISSN: 2335-1381‬‬ ‫مجـلة رفــوف‬
‫ديسمبر ‪2019‬‬ ‫المجلد‪ :‬السابع ‪/‬العدد‪ :‬الرابع‬

‫‪ -13‬القاشاني عبد الر ازؽ‪ ،‬اصطالحات الصوفية‪،‬دارالحكمة‪،‬دمشؽ‪ ،‬ط‪.1995 ،1‬‬


‫‪ -14‬القشيري أبو القاسـ‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -15‬محمد بف عبد الباري الحسني‪ ،‬محمد بف بشير الجريري‪ ،‬الشيائد والفتاوي‬
‫فيما صح لدى العمماء مف أمر الشيخ العموي‪( .1925 ،‬ج‪ ،5‬شيادة رقـ‪)5 :‬‬
‫‪ -16‬محمد رضا القيوجي‪ ،‬العالمة محمد الياشمي مربي السالكيف‪.2004 ،‬‬
‫‪ -17‬الميموني محمد بف محمد‪" ،‬روضة لمظريؼ في خواص اسـ اهلل تعالى‬
‫المطيؼ"‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2005 ،3‬‬
‫‪ -18‬ناس الفقيو نور الديف‪ ،‬أحمد بف عجيبة شاعر التصوؼ المغربي‪ ،‬كتاب‬
‫ناشروف‪ ،‬بيروت‪ ،‬دط‪ ،‬دتا‪.‬‬
‫‪ -19‬يعيش محمد‪ ،‬شعرية الخطاب الصوفي‪ ،‬الرمز الخمري عند ابف الفارض‪،‬‬
‫سيباما‪ ،‬فاس‪ ،‬دط‪.2003 ،‬‬

‫‪298‬‬

You might also like