محاضرات العقيـدة الفرقة الثانية 2

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 111

‫كلية العلوم الشرعية واإلسالمية‬

‫مادة العقيــدة ‪ -‬الفرقة الثاني ــة‬


‫شرح الشيخ‪ /‬خالد الجهني‬ ‫مـ ـادة "العقيـ ــدة"‬ ‫الفصل الدراسي "الث ــانـي"‬

‫المحاضرة السابعـة عشـرة‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصالةً‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة [السابعة عشرة] من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة األولى من محاضرات كتاب [االعتماد شرح‬
‫لمعة االعتقاد] وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على بعض القواعد الهامة في باب األسماء والصفات‪ ،‬وشرح عنوان‬
‫الكتاب لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد‪ ،‬وأهم الموضوعات التي اشتمل عليها الكتاب‪.‬‬
‫نبدأ إن شاء اهلل تعالى فنقول‪ :‬من القواعد الهامة في باب األسماء والصفات‪:‬‬

‫القاعدة األولى‪ :‬ما الواجب علينا نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء اهلل وصفاته؟‬
‫الواجب علينا في نصوص الكتاب والسنة أن نبقي داللتها على ظاهرها من غير [تحريف‪ ،‬وال تمثيل‪ ،‬وال تعطيل]‬
‫لماذا؟ ألن اهلل سبحانه وتعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين‪.‬‬
‫والنبي ‪ l‬تكلم بهذا اللسان‪.‬‬
‫فوجب علينا أن نبقي داللة الكالم على ظاهره‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ق ْ َوأنْ‬
‫ن ْ َوال ِإث َْم ْ َوال َبغ َيْ ْبِغي ِْر ْالحَ ِْ‬ ‫وقد قال ربنا سبحانه وتعالى‪﴿ :‬قلْ ْإِن َما ْ َح َّر َْم ْ َرب ِ َْي ْالف َواح ْ‬
‫ِش ْ َما ْظ َه َْر ْمِن َها ْ َو َما ْ َب َط َْ‬
‫ُ َ ً َ َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ون﴾ [األعراف‪]٣٣ :‬‬ ‫ِْماْلاْتعل ُم ْ‬ ‫ِْماْلم ُْين ِزلْبِهِْسلطاناْوأنْتقولواْعلىْاَّلل‬ ‫تش ِركواْبِاَّلل‬
‫يعني حرم ربنا سبحانه وتعالى أن يتكلم اإلنسان على اهلل سبحانه وتعالى بما ال يعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫انْيُنفِ ُقْكيفْيَش ُْ‬
‫اء﴾ [المائدة]‬ ‫وطتَ ِْ‬
‫فمثال‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬بَلْْي َ َد ْاهُْ َمب ُس َ‬
‫ً‬
‫ظاهر اآلية يثبت هلل عز وجل يدين حقيقيتين‪ ،‬فيجب علينا أن نثبت ذلك هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فا قيل‪ :‬المراد باليدين القوة‪،‬‬
‫قلنا له‪ :‬هذا صرف للكالم عن ظاهره فال يجوز القول به ألنه قول على اهلل بال علم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضا قول اهلل سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬ويَبقيْْ َوج ُْهْ َرب ِ ْ‬
‫ك﴾‬ ‫ومثال ذلك أي ً‬
‫وجها‪ .‬فيجب أن نثبت ذلك هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ظاهر اآلية أن هلل عز وجل ً‬
‫فإذا قيل‪ :‬المراد بالوجه الثواب‪ ،‬قلنا له‪ :‬هذا صرف للكالم عن ظاهره‪ ،‬فال يجوز القول به ألنه قول على اهلل بال علم‪.‬‬
‫فاألصل في الكالم ما ظهر منه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مثال‪( :‬رأيت أس ًدا)‬
‫فلو قيل لك ً‬
‫فالظاهر أنه أسد حقيقي‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬المراد باألسد الرجل الشجاع‪ ،‬قيل له‪ :‬هذا صرف للكالم عن ظاهره‪ ،‬فال يجوز القول به ألنه مخالف لظاهر‬
‫الكالم‪ .‬إال إذا وجدت قرينة تدل على أن المتكلم يريد المعنى اآلخر‪.‬‬
‫وال توجد قرينة من القرآن أو الس نة أن اهلل عز وجل أراد بنصوص الكتاب والسنة في أسمائه وصفاته معنى غير الظاهر منه‪.‬‬
‫((هذه القاعدة األولى))‬

‫القاعدة الثانية ((أسماء اهلل كلها حسنى))‪.‬‬


‫يعني ال نقص فيها بوجه من الوجوه‪ ،‬بل بلغت غاية الحسن والكمال‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اءْالحُس َنى﴾‪.‬‬
‫َّلل ِْالأس َم ُْ‬
‫وذلك لقول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و ِ ْ‬
‫فال يثبت هلل عز وجل ما فيه نقص‪.‬‬

‫القاعدة الثالثة‪(( :‬أسماء اهلل غير محصورة بعدد معين))‪.‬‬


‫يعني ال يعلم أحد عدد أسماء اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫هم وال حزن فقال‪ :‬اللهم إني عبدك‪ ،‬وابن عبدك‪،‬‬


‫ما الدليل؟ الدليل على ذلك قول النبي ‪" :l‬ما أصاب أحد قط ّ‬
‫في قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علّمته‬
‫في حكمك‪ ،‬عدل ّ‬ ‫وابن أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ٍ ،‬‬
‫ماض ّ‬
‫أح ًدا من خلقك‪ ،‬أو أنزلته في كتابك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري‬
‫فرحا"‪.‬‬
‫همه وحزنه وأبدله مكانه ً‬
‫وجالء حزني وذهاب همي‪ ،‬إال أذهب اهلل ّ‬

‫الشاهد من هذا الحديث أن النبي ‪ l‬قال‪" :‬أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أح ًدا من خلقك"‪.‬‬
‫يعني ليس الخلق يعلمون أسماء اهلل سبحانه وتعالى كلها‪ ..‬بل قد يعلم بعضهم أسماء لم يعلمها اآلخرون‪.‬‬

‫والمراد بقوله‪ :‬أو علمته أح ًدا من خلقك‪ :‬أي من أنبيائك‪ .‬ألن األنبياء يوحى إليهم أما غيرهم فال يوحى إليهم‪.‬‬

‫إذن معنى قوله‪ :‬أو علمته أح ًدا من خلقك أي من أنبيائك ورسلك‪.‬‬


‫"أو أنزلته في كتابك" أي؛ القرآن الكريم‪.‬‬
‫"أو استأثرت به في علم الغيب عندك" يعني لم يعلمنا اهلل سبحانه وتعالى بكل أسمائه سبحانه وتعالى‪ ،‬بل من األسماء‬
‫ما أخفاه اهلل عز وجل علينا‪.‬‬
‫وهنا إشكال‪..‬‬

‫‪3‬‬
‫اسما‪ ،‬مائة إال واح ًدا‪ ،‬من أحصاها دخل الجنة"؟‬
‫أليس هذا الحديث يعارض قول رسول اهلل ‪" :l‬إن هلل تسعة وتسعين ً‬
‫اسما‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه أن أسماء اهلل عددها تسعة وتسعون ً‬
‫قال العلماء‪ :‬ليس معنى هذا الحديث أن أسماء اهلل عز وجل محصورة في هذا العدد وهو (التسعة والتسعون)‪،‬‬
‫اسما‪.‬‬
‫بل معناه أن من أسماء اهلل عز وجل تسعة وتسعين ً‬
‫من أحصاها دخل الجنة‪ :‬أي حفظها وعمل بها دخل الجنة‪.‬‬
‫وهذا مثاله أن يقول قائل‪ :‬عندي مائة دينار أعددتها للصدقة‪ .‬هل معنى هذا أنه ال يمتلك إال مائة؟ ال؛ بل معناه أنه مما يمتلك‬
‫مائة دينار أع ّدها للصدقة‪.‬‬
‫ومن ذلك أن تقول‪ :‬عندي مائة نعجة أعددتها للصدقة‪ .‬هذا ليس فيه أنك ال تمتلك إال هذا العدد وهو المائة‪ ..‬بل معناه أن‬
‫مما تمتلك من النعاج مائة أعددتها للصدقة‪.‬‬

‫القاعدة الرابعة‪(( :‬أسماء اهلل توقيفية))‪.‬‬


‫ومعنى هذا أنه ال يجوز ألحد أن يثبت هلل عز وجل أسماء لم ترد في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫بل يجب أن يتوقف في ذلك على ما جاء في القرآن والسنة النبوية الصحيحة فال يزاد فيها وال يُنقص‪.‬‬
‫لماذا؟‬
‫ألن العقل البشري ال يمكنه أن يدرك ما يستحقه اهلل عز وجل من األسماء فوجب الوقوف في ذلك على ما جاء في‬
‫القرآن والسنة‪.‬‬
‫َّ َّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ َٰ َ َ َ َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫ان ْعن ُْهْ‬
‫ك ْك ْ‬
‫اد ْكلْ ْأولئ ِ ْ‬
‫ِن ْالسم ْع ْوالبص ْر ْوالفؤ ْ‬
‫ك ْب ِ ْهِ ْعِلمْ ْ ِإ ْ‬
‫س ْل ْ‬
‫ف ْما ْلي ْ‬
‫ودليل ذلك قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ولا ْتق ْ‬
‫ً‬
‫َمسئُولا﴾‬
‫يعني ال تتكلم بكلمة عن جهل فإن [السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والفؤاد]‪ ،‬يعني كل ما تسمع وكل ما ترى وكل ما تعتقد ستُسأل‬
‫عنه يوم القيامة‪.‬‬
‫هذه اآلية لو تأملها كل واحد منا النصلحت حياته‪ ،‬فإذا اعتقد‪:‬‬
‫أن اهلل يسمعه‪.‬‬
‫وأن اهلل يراه‪.‬‬
‫فشرا‪.‬‬
‫شرا ً‬
‫فخيرا أو ً‬
‫خيرا ً‬
‫وأن اهلل سيحاسبه على كل مسموعاته إن كانت ً‬
‫وسيحاسبه على ما يراه‪.‬‬
‫وسيحاسبه على كل ما يعتقد‪..‬‬

‫‪4‬‬
‫فإنه لن يفعل شيئًا ال يرضي اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ولن يسمع شيئًا ال يرضي اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ولن يعتقد شيئًا ال يرضي‬
‫اهلل عز وجل‪.‬‬
‫لماذا؟ ألنه يعلم ويوقن أنه سيُحاسب على كل ذلك‪.‬‬

‫القاعدة الخامسة‪(( :‬صفات اهلل كلها عليا))‪.‬‬


‫فهي صفات كمال ومدح‪ ،‬ليس فيها نقص بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫((كالحياة)) ً‬
‫حياة اهلل عز وجل حياة كاملة من كل وجه‪ .‬حياة لم يسبقها عدم وال يلحقها فناء‪.‬‬
‫بخالف حياة اإلنسان‪ ،‬فحياته مسبوقة بعدم وملحوقة بفناء‪.‬‬
‫يعني أنا وأنت منذ مائة سنة‪ ..‬أين كنا؟‬
‫في العدم‪.‬‬
‫وبعد مائة سنة أين سنكون؟ في الفناء إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬
‫كذلك صفة‪( :‬العلم) هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬صفة كاملة ال نقص فيها بوجه من الوجوه‪ ..‬فعلم اهلل ال يسبقه جهل وال‬
‫يلحقه نسيان‪.‬‬
‫بخالف علم المخلوق‪ ،‬علم المخلوق ناقص يسبقه جهل‪ ،‬ويلحقه نسيان‪.‬‬
‫فأنا وأنت منذ أيام كنا نجهل أشياء ثم علمناها‪ .‬ثم بعد سنة أو سنوات ننساها‪..‬‬
‫فعلمنا علم ناقص‪ ،‬بخالف علم اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ َّ َ َ ُ َ َ‬
‫لْالأعلى﴾‬
‫َّلل ِْالمث ْ‬
‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬و ِ ْ‬

‫كماال من وجه ونقص من وجه آخر‪ ،‬لم تكن ثابتة هلل عز وجل‪ ،‬وال ممتنعة عليه على‬
‫وهنا فائدة‪ :‬إذا كانت الصفة ً‬
‫سبيل اإلطالق‪ .‬بل ال بد من التفصيل‪.‬‬
‫كماال‪.‬‬
‫فتثبت هلل في الحال التي تكون ً‬
‫نقصا‪.‬‬
‫وتمتنع في الحال التي تكون ً‬
‫ومثال ذلك‪[ :‬المكر‪ ،‬والكيد‪ ،‬والخداع]‬
‫كماال إذا كانت في مقابلة مثلها‪.‬‬
‫فهذه الصفات تكون ً‬
‫فمثال اللص يمكر ويكيد ويخادع للشرطة‪ .‬فهذه الصفات في حق اللص صفات نقص‪.‬‬
‫أما الشرطي الذي يمكر ويكيد ويخادع اللص‪ ،‬فهذه الصفات في حقه صفات كمال ألنه يقابل ما يفعله اللص أو‬
‫المجرم بمثل فعله‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫واهلل عز وجل له المثل األعلى‪.‬‬
‫َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ َّ ُ َ‬
‫اَّللْخي ُْرْال َماكِرِ َْ‬
‫ين﴾‬ ‫اَّللْو ْ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ومكرواْومك ْرْ ْ‬
‫يعني يمكر اهلل عز وجل بمن يمكر به‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬هل يوصف اهلل عز وجل بالمكر؟‬
‫فال نقول نعم‪ ،‬وال نقول ال‪..‬‬
‫لكن نقول‪ :‬اهلل ماكر لمن يستحق المكر‪.‬‬

‫القاعدة السادسة‪(( :‬صفات اهلل تنقسم قسمين))‪:‬‬


‫‪ ‬القسم األول‪(( :‬صفات ثبوتية))‬
‫وهي التي أثبتها اهلل لنفسه‪ ،‬وهي كثيرة ج ًدا‪ ،‬منها‪[ :‬الحياة والعلم والقدرة والوجه واليدان والعينان] إلى غير ذلك‪.‬‬
‫فيجب أن نثبتها هلل عز وجل على الوجه الذي يليق به من غير [تحريف وال تكييف وال تمثيل] ألن اهلل أثبت لنفسه‬
‫هذه الصفات واهلل أعلم بنفسه منا‪.‬‬
‫فلماذا نحن نحرفها ونمثلها ونعطلها ونشبهها؟‬
‫‪ ‬القسم الثاني‪(( :‬صفات سلبية))‬
‫وهي التي نفاها اهلل عز وجل عن نفسه [كالظلم والتعب واللغوب] وغير ذلك‪.‬‬
‫فهذه يجب أن ننفيها عن اهلل سبحانه وتعالى ألن اهلل نفاها عن نفسه‪.‬‬
‫كماال حتى يتضمن إثباتًا‪.‬‬
‫ولكن علينا مع النفي أن نثبت كمال الضد‪ ،‬ألن النفي ال يكون ً‬
‫َ َ َ‬
‫كْأ َح ًدا﴾‬
‫ومثال ذلك قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولاْ َيظل ُِْمْرب ْ‬
‫فيجب أن ننفي صفة الظلم عن اهلل سبحانه وتعالى مع اعتقاد ثبوت العدل له سبحانه وتعالى على الوجه األكمل‪.‬‬
‫والصفات الثبوتية تنقسم قسمين‪:‬‬
‫‪ ‬صفات ذاتية‪.‬‬
‫‪ ‬وصفات فعلية‪.‬‬
‫فالصفات الذاتية‪ :‬هي التي ال تنفك عن ذات اهلل سبحانه وتعالى [كالسمع والبصر]‬
‫والصفات الفعلية‪ :‬هي التي تتعلق بمشيئة اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها‪ :‬كاالستواء على‬
‫العرش‪ ،‬والمجيء يوم القيامة‪ ،‬والنزول إلى السماء الدنيا في الثلث األخير من الليل‪.‬‬
‫وربما تكون الصفة ((ذاتية فعلية)) كالكالم‪.‬‬
‫متكلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية‪ ،‬ألن اهلل لم يزل وال يزال‬

‫‪6‬‬
‫وباعتبار آحاد الكالم الذي تكلم به ربنا سبحانه وتعالى فهو صفة فعلية‪ ،‬ألن الكالم متعلق بمشيئته‪ ،‬يتكلم بما شاء‬
‫متى شاء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫مثاال على الصفات [الثبوتية والسلبية والذاتية والفعلية]‬
‫وأنا أضرب لك ً‬
‫مثال‪:‬فيه صفات ثبوتية يثبتها لنفسه‪ ،‬وفيه صفات سلبية ينفيها عن نفسه‪.‬‬
‫محمد ً‬
‫فمن الصفات الثبوتية أنه يثبت لنفسه‪[ :‬الكرم والشجاعة واإلقدام والضحك والعلم والحكمة] إلى غير ذلك‪.‬‬
‫مثال‪[ :‬الظلم والتعب والغضب] إلى غير ذلك‪ .‬هذه هي الصفات الذاتية والسلبية‪.‬‬
‫والسلبية ينفي عن نفسه ً‬
‫وهلل عز وجل المثل األعلى‪.‬‬
‫ضا له صفات ذاتية وله صفات فعلية‪..‬‬
‫ومحمد أي ً‬
‫فالذاتية هي التي ال تنفك عنه حيثما وجدته وجدت هذه الصفات‪:‬‬
‫دائما‪.‬‬
‫مثال أنه يسمع ً‬
‫[كالسمع] ً‬
‫دائما‪.‬‬
‫[والبصر] يرى ً‬
‫[والوجه والبطن والرأس واليدان والرجالن] إلى غير ذلك‪ ..‬فهذه صفات ذاتية‪.‬‬
‫والفعلية إذا شاء فعلها‪[ :‬كالضحك والغضب والنوم والكالم واألكل والشرب والمشي والجري] إلى غير ذلك‪..‬‬
‫واهلل عز وجل له المثل األعلى‪.‬‬

‫القاعدة السابعة‪(( :‬فيما نرد به على المعطلة))‬


‫الم َعطِّلَة؟ المعطلة هم الذين ينكرون شيئًا من أسماء اهلل وصفاته‪ ،‬ويحرفون النصوص عن قبولها‪ ،‬أو ينكرون‬
‫من هم ُ‬
‫"الم َؤِّولَة"‬
‫جميع أسماء اهلل وصفاته‪ ..‬ويقال لهم‪ُ :‬‬
‫والمعطلة عندنا ثالث فرق‪ :‬األشاعرة والمعتزلة والجهمية‪.‬‬
‫‪ ‬أما األشاعرة‪ :‬فيثبتون هلل عز وجل جميع األسماء وسبع صفات فقط‪ ،‬وينفون باقي الصفات‪.‬‬
‫تعطيال جزئيًا‪.‬‬
‫لذلك يقال لهم‪ :‬معطلة ً‬
‫‪ ‬وأما المعتزلة‪ :‬فيثبتون هلل عز وجل األسماء فقط‪ ،‬وينفون جميع الصفات‪.‬‬
‫أسماء هلل عز وجل وال صفات‪ ،‬إنما يثبتون فقط ذاتًا مجردة عن األسماء والصفات‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬وأما الجهمية‪ :‬فال يثبتون‬
‫طيب لماذا نفت أو عطلت أو أنكرت األشاعرة جميع الصفات إال سبعة؟‬
‫قالوا‪ :‬ألننا إذا أثبتنا هلل عز وجل هذه الصفات فإننا نشبهه بالمخلوق‪ ..‬واهلل عز وجل منزه عن ذلك‪.‬‬
‫رد عليهم أهل السنة والجماعة فقالوا‪ :‬أنتم يا معشر األشاعرة تثبتون هلل عز وجل صفات‪ ..‬هذه الصفات يتصف بها‬
‫ضا‪ ،‬فهم يثبتون هلل عز وجل [الحياة‪ ،‬والكالم‪ ،‬والبصر‪ ،‬والسمع‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة]‬
‫المخلوق أي ً‬

‫‪7‬‬
‫قيل لهم‪ :‬أنتم تثبتون هلل عز وجل اإلرادة‪ ،‬وهذه الصفة يتصف بها المخلوق‪ ..‬فما من مخلوق إال وعنده إرادة‪.‬‬
‫فيلزم من قولكم هذا‪ :‬إما أن تنفوا هذه الصفات السبع التي أثبتموها‪ ..‬وبذلك ترجعون إلى مقالة المعتزلة‪.‬‬
‫وإما أن تثبتوا جميع الصفات وبذلك ترجعون إلى مذهب أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫أما المعتزلة فأثبتت األسماء فقط‪.‬‬
‫لماذا؟ قالوا‪ :‬ألننا إذا أثبتنا هلل عز وجل الصفات فإننا بذلك نجسمه‪ ..‬واهلل عز وجل منزه عن الجسم‪.‬‬
‫فرد عليهم أهل السنة قائلين‪ :‬ما من اسم إال وله جسم‪.‬‬
‫اسما بدون جسم‪ ،‬الهواء اسم وله جسم‪.‬‬
‫فمثال القلم اسم وله جسم‪ ،‬والكتاب اسم وله جسم‪ ،‬فال يتصور ً‬
‫ً‬
‫حيزا من الفراغ‪.‬‬
‫جسم‪ :‬يعني يشغل ً‬
‫لذلك‪ :‬إما أن تثبتوا الصفات‪ ،‬وبذلك ترجعون إلى مذهب أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫وإما أن تنكروا وتنفوا األسماء‪ ،‬وبذلك ترجعون إلى مقالة الجهمية‪.‬‬
‫اسما وال صفة هلل عز وجل‪.‬‬
‫أما الجهمية فلم يثبتوا ً‬
‫المعتزلة قالوا‪ :‬سميع بال سمع‪ ،‬بصير بال بصر‪ ،‬عليم بال علم‪.‬‬
‫أما الجهمية فقالوا‪ :‬ال سميع وال ذو سمع‪ ،‬وال عليم وال ذو علم‪ ،‬وال حي وال ذو حياة‪ ....‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫لماذا قالت الجهمية ذلك؟ قالوا ألننا إذا أثبتنا األسماء والصفات هلل عز وجل‪ ،‬فقد شبهناه بالمخلوق‪.‬‬
‫فرد عليهم أهل السنة والجماعة قائلين‪:‬أنتم تثبتون هلل عز وجل ذاتًا وما من مخلوق إال وله ذات‪..‬‬
‫فإما أن تنكروا وتنفوا الذات وبذلك أنكرتم وجود اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وإما تثبتوا األسماء والصفات وبذلك ترجعون إلى مذهب أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يردون على جميع المعطلة بأن اهلل أثبت لنفسه أسماء وصفات ونفى عن نفسه المثل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سْكمثل ِ ْهِْشىءْْ َو ُه َْوْ َّ‬
‫يعْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾‪.‬‬ ‫الس ِم ُْ‬ ‫فقال سبحانه‪﴿ :‬لي َ ْ ِ‬
‫فنحن نثبت هلل عز وجل ما أثبته لنفسه وننفي عنه [التشبيه والتمثيل]‬
‫المعطلة‪ ،‬يرد على المعطلة بثالثة أشياء‪:‬‬
‫نرجع إلى القاعدة السابعة‪ ،‬فيما يُرد به على ُ‬
‫‪ -‬األول‪ :‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬أن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫فطريقة السلف تقوم على‪ :‬اإلثبات‪ ،‬والتنزيه‪ ،‬وقطع الطمع عن إدراك كيفية الصفات‪.‬‬
‫وهم يثبتون هلل عز وجل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله ‪ ،l‬ثم ينزهون اهلل سبحانه وتعالى عن كل نقص‬
‫وعيب‪ ،‬وال يطمعون في إدراك كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ :‬أن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪ ،‬فال دليل مع المعطلة إال العقل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬ما الذي جعل المعطلة يعطلون صفات اهلل أو أسماء اهلل أو بعضها؟‬
‫العقل!!! ألنهم أعملوا عقولهم في نصوص األسماء والصفات‪.‬‬
‫((هذه هي أهم القواعد لألسماء والصفات))‬
‫ثم ننتقل إلى شرح عنوان الكتاب‪(( :‬لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد))‬
‫ما معنى هذا العنوان؟‬
‫أسودا وتكون فيه بقعة بيضاء‪ .‬فهذه البقعة تسمى اللمعة‪.‬‬
‫مثال ً‬
‫معنى اللمعة‪ :‬ما خالف بقية اللون‪ .‬كأن يكون اللون ً‬
‫أو اللمعة بمعنى البلغة من العيش‪ ،‬ما يتبلغ به اإلنسان‪.‬‬
‫لمعة االعتقاد‪ :‬االعتقاد مصدر (اعتقد) وهو اليقين الجازم الذي يعتقده القلب‪ .‬ويسمى‪(( :‬باإليمان))‬
‫الهادي‪ :‬أي المرشد‪ ،‬وال ّدال‪.‬‬
‫إلى سبيل الرشاد‪ :‬سبيل الرشاد هو طريق الحق والصراط المستقيم الموصل إلى الجنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫الْالذِيْ َء َ‬
‫ام َْ َ‬
‫ْسبيل َّ‬
‫ْالرشا ْدِ﴾‪.‬‬ ‫نْياْقو ِْمْ ْاتبِع ِ‬
‫ونْ ِأَهدِكم ِ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬وق ْ‬

‫إذن المصنف ‪ 6‬وهو اإلمام ابن قدامة قصد بهذا الكتاب [لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد] أنه يحتوي على بلغة‬
‫من االعتقاد الصحيح‪ ،‬أو أنه لمعة بيضاء ألنها عقيدة مستمدة من القرآن والسنة‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬الهادي إلى سبيل الرشاد‪.‬‬


‫ومن ّ‬

‫وال شك أن االعتقاد الصحيح يهدي صاحبه إلى سبيل الرشاد أي إلى الجنة في اآلخرة والحق والصواب في الدنيا‪.‬‬
‫ثم ننتقل بعد ذلك إلى أهم الموضوعات التي اشتمل عليها الكتاب‪ :‬تكلم اإلمام ابن قدامة ‪ 6‬في هذا الكتاب عن عدة من‬
‫ضا تكلم‬
‫الموضوعات العقدية المهمة‪ ،‬ومنها جملة من أصول اإليمان‪ :‬كاإليمان بالرسل‪ ،‬واإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وأي ً‬
‫ضا عن موقف‬
‫ضا تكلم عن اعتقاد أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم‪ ،‬وتكلم أي ً‬
‫عن الترغيب في السنة والتحذير من البدعة‪ ،‬وأي ً‬
‫ضا عن موقف أهل السنة من المبتدعة‪.‬‬
‫أهل السنة من الصحابة ‪ F‬وآل بيت النبي ‪ ،l‬وتكلم أي ً‬

‫والذي يتأمل كتب العلماء المتقدمين يجدها تناولت بعض الموضوعات العقدية‪ ،‬ولم تتناول جميع الموضوعات‪ ،‬وذلك ألن‬
‫قديما كانوا يتكلمون في األشياء التي حدث فيها خلل ومخالفة‪.‬‬
‫العلماء ً‬
‫أما األشياء التي لم يحدث فيها خلل وال مخالفة ما كانوا يتكلمون عنها ألن العقيدة في ذلك راسخة‪ .‬لذلك تجد أنهم تكلموا‬
‫عن بعض الموضوعات دون بعض‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬ما الواجب علينا نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء اهلل وصفاته؟‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬ما الدليل على أن أسماء اهلل غير محصورة بعدد معين؟‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬ما معنى أن أسماء اهلل توقيفية؟‬
‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬صفات اهلل تنقسم قسمين‪ ..‬وضح ذلك بإجمال‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الخامس‪ :‬من هم المعطلة؟ وبما نرد عليهم؟‬
‫‪ -‬السؤال السادس‪ :‬ما أهم الموضوعات التي اشتمل عليها كتاب لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد؟‬

‫نكتفي بهذا القدر‪ ،‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المحاضرة الثامنــة عشـرة‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة الثامنة عشرة من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الثانية من محاضرات كتاب [االعتماد شرح لمعة‬
‫االعتقاد]‪.‬‬
‫وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على ما جاء في مقدمة المصنف ‪.6‬‬

‫قال المصنف الشيخ‪ :‬أبو محمد موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي ‪" :6‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل المحمود‬
‫بكل لسان‪ ،‬المعبود في كل زمان الذي ال يخلو من علمه مكان‪ ،‬وال يشغله شأن عن شأن‪ ،‬جل عن األشباه واألنداد‪ ،‬وتنزه عن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الصاحبة واألوالد‪ ،‬ونفذ حكمه في جميع العباد‪ ،‬ال تمثله العقول بالتفكير‪ ،‬وال تتوهمه القلوب بالتصوير‪﴿ ،‬ليسْك ِمثل ِ ْهِْشىءْ ِْْ‬

‫ْو َماْفِيْ‬
‫ات َ‬ ‫َ‬
‫يْالس َم َ‬ ‫ان ْعَلَىْال َعر ِش ْاستَ َوىْ(*)ْل َ ُه َ‬
‫َ َ ُ‬
‫يع ْال َب ِص ُْ‬ ‫َو ُه َْو ْ َ‬
‫الس ِم ُْ‬
‫او ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْف‬ ‫ْم‬ ‫الرحم ْ‬ ‫ير﴾‪ ،‬له األسماء الحسنى والصفات العلى‪﴿ ،‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ َُ َ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫)ْوِإنْتج َهرْبالقولْفإن ُه َْيعلمْالسر َْوأخفيْ﴾‪ ،‬أحاط بكل شيء علما‪ ،‬وقهر كل مخلوق‬ ‫تْالث َرىْ(*‬ ‫الأر ِضْوماْبينهماْوماْتح‬
‫ً‬ ‫ََ َ َُ ََ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬
‫عزة وحكما‪ ،‬ووسع كل شيء رحمة وعلما‪ْ ﴿ ،‬يعل ُمْماْبينْأيدِي ِهم ْوماْخلفهمْولاْيحِيطونْبِهِْعِلما﴾‪ ،‬موصوف بما وصف به‬
‫نفسه في كتابه العظيم‪ ،‬وعلى لسان نبيه الكريم ‪]l‬‬
‫افتتح المصنف عليه رحمة اهلل تعالى كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز‪ ،‬وتأسيا بالنبي ‪ l‬في مراسالته ومكاتباته‪ .‬فقد كان‬
‫النبي ‪ l‬يبتدئ كتاباته إلى ملوك العالم بالبسملة‪.‬‬
‫ويُبدأ بالبسملة للتبرك واالستعانة على ما يُهتم به‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬الحمد هلل] أي أثبت هلل سبحانه وتعالى جميع أنواع الثناء‪ .‬فاهلل عز وجل يستحق الحمد كله‪ ،‬فيُحمد اهلل سبحانه‬
‫وتعالى‪ :‬على تفرده بالربوبية‪ ،‬وعلى تفرده باأللوهية‪ ،‬وعلى خلقه وشرعه وأمره سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬المحمود بكل لسان] أي أن اهلل سبحانه وتعالى فطر الخلق جميعا على حمده‪.‬‬
‫والحمد يكون بلسان الحال وبلسان المقال‪.‬‬
‫أما لسان الحال فيكون بفعل ما يحبه اهلل ويرضاه‪.‬‬
‫وأما الحمد بلسان المقال فيكون‪[ :‬بالتسبيح‪ ،‬والتكبير‪ ،‬والتحميد] ونحو ذلك من األذكار‪...‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ح ْل َ ُْه ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ح ْ ِبحم ِد ْه ِْ َول ِ‬
‫كن ْلاْ‬ ‫ض ْ َو َمن ْفِي ِه َْ‬
‫ن ِْ ْ َوِإن ْ ِمن ْشىءْ ْإِلا ْيسب ِ ْ‬ ‫السب ُْع ْ َوالأر ْ‬ ‫او ُْ‬
‫ات ْ َ‬ ‫الس َم َ‬ ‫� وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ت َسب ِ ُْ‬

‫يح ُهم﴾ أي ال تفهمون تسبيحهم‪.‬‬ ‫هونْتَسب َ‬


‫َ َ َ‬
‫تفق ْ ِ‬
‫فكل شيء يسبح بحمد اهلل سبحانه وتعالى ويحمده‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ومعنى قوله‪[ :‬المعبود في كل زمان] يعني ال يخلو زمان من عبادة اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫�وقد قال النبي ‪" :l‬ال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق (أي منتصرين مظهرين للحق) ال يضرهم من خذلهم حتى‬
‫يأتي أمر اهلل وهم كذلك" (أي حتى تقوم الساعة)‪.‬‬
‫والعبودية قسمان‪ :‬عبودية عامة‪ ،‬وعبودية خاصة‪.‬‬
‫‪ ‬أما العبودية العامة‪ :‬فال يخرج عنها أحد‪.‬‬
‫ومعناها‪ :‬التسخير‪ .‬فكل مخلوق يعبد اهلل عز وجل عبودية عامة‪..‬‬
‫[فالبر‪ ،‬والفاجر‪ ،‬والرطب‪ ،‬واليابس‪ ،‬والعاقل] وغيرهم‪ ،‬كلهم يعبد اهلل عز وجل عبودية عامة بمعنى التسخير‪ ..‬يعني‬
‫مسخر ألمر اهلل سبحانه وتعالى الكوني‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نْ َعب ًداْ(‪[ ﴾)٩٣‬مريم]‪.‬‬
‫الرح َم َٰ ِْ‬
‫ضْإلاْآتيْ َّ‬ ‫او ِْ َ‬
‫اتْوالأر ِ ْ ِ ِ‬
‫�وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬إنْكلْْ َمنْفيْ َّ‬
‫الس َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أي كل من في السماوات واألرض سيأتي عبدا للرحمن عز وجل يوم القيامة‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني من العبودية فهو‪ :‬عبودية خاصة‪.‬‬
‫ويدخل فيها المؤمن فقط‪ ،‬وهو الذي يعبد اهلل عز وجل بما شرع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نْاتبَ َعكْم َِنْالغاوِ َْ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫كْعلي ِهمْْ ُسل َطانْْإِلاْ َم ِْ‬ ‫نْع َِبادِيْلي ْ‬
‫سْل ْ‬ ‫�قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫إذن العبودية العامة والخاصة تجتمعان في العبد المؤمن‪.‬‬

‫‪ ‬وأما العبودية الخاصة فال تكون إال في العبد الذي امتثل أوامر اهلل عز وجل واجتنب نواهيه‪.‬‬

‫ومعنى قوله‪[ :‬الذي ال يخلو من علمه مكان] أي ال يخلو مكان من علم اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬وذلك ألن اهلل يحيط‬
‫بكل شيء علما‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ب ْلا ْ َيعل ُم َها ْإِلا ْه َْو ِْ ْ َويَعل ُْم ْ َما ْفِي ْالبَ ِْر ْ َوال َبح ْرِ ِْ ْ َو َما ْتسق ُ ْ‬
‫ط ْمِن ْ َو َرقةْ ْإِلاْ‬ ‫ِند ْهُ ْ َمفات ُِْح ْالغي ِْ‬‫� قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬وع‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضْ َولاْ َرطبْْ َولاْيَابِسْْإِلاْفِيْكِتَابْْمبِينْ﴾‪.‬‬ ‫اتْالأر ِ ْ‬ ‫َيعل ُم َهاْ َولاْ َح َّبةْْفِيْظل َم ِْ‬
‫يعني كل شيء يعلمه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وهذا يجعلك تمتثل أوامر اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وتجتنب نواهيه‪ ،‬ألنك تعلم أن اهلل عز وجل يعلم كل شيء سبحانه‬
‫وتعالى ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪[ :‬وال يشغله شأن عن شأن] أي أن اهلل سبحانه وتعالى ال يشغله حال عن حال‪ .‬فهذا يتكلم بالعربية‪ ،‬وهذا‬
‫كل يفهمه اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬ال يشغله هذا عن هذا‬
‫يتكلم باإلنجليزية‪ ،‬وهذا يتكلم بالفرنسية‪ ،‬وهذا يتكلم بالروسية‪ .‬و ٌ‬
‫وال هذا عن هذا‪ ،‬وهذا لكمال صفاته سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ومعنى قوله‪[ :‬جل عن األشباه واألنداد] أي تقدس وتنزه سبحانه وتعالى عن األشباه واألنداد‪ .‬فاهلل عز وجل ال يشبهه‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َُ ُ ُ َ‬
‫شيء‪ ،‬وذلك لقوله تعالى‪﴿ :‬ولمْْيكنْل ْهْكف ًواْأحدْ﴾‬

‫يعْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾‬ ‫سْ َك ِمثل ِ ْهِْ َشىءْ ِْْ َو ُه َْوْ َ‬
‫الس ِم ُْ‬
‫َ‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬لي َ ْ‬
‫يعني ربنا سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في أسمائه وصفاته وذاته‪ .‬وهو السميع الذي يسمع كل صوت‪ ،‬البصير‬
‫الذي يرى كل شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪[ :‬وتنزه عن الصاحبة واألوالد] أي ربنا سبحانه وتعالى ليس له صاحبة (أي زوجة) وليس له ولد‪ .‬وذلك ألن‬
‫الصاحبة (وهي الزوجة) صفة نقص‪ ..‬واهلل عز وجل منزه عن النقص‪ .‬فالرجل يتزوج ألنه يحتاج إلى الزوجة لكي تقضي‬
‫وطره‪ ،‬ولكي تنجب له األوالد‪ .‬والرجل يحتاج إلى األوالد لكي يساعدوه‪ ،‬ولكي يرثوه‪ ،‬ولكي يفتخر بهم إلى آخر‬
‫ذلك‪ ...‬واهلل عز وجل منزه عن ذلك كله‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫ََ َ‬
‫ْربنَ َ‬
‫اْماْاتخذ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫اْول ًدا﴾‪.‬‬ ‫ْصاحِبَة َ‬
‫ْول َ‬
‫قال ربنا‪﴿ :‬وأن ْهْتعال َْٰيْجد ِ‬
‫والجد هو‪ :‬العظمة‪.‬‬
‫وقول المصنف ‪[ :6‬ونفذ حكمه في جميع العباد] أي حكم اهلل عز وجل الكوني‪ :‬ال يستطيع أحد أن يرده وال أن‬
‫يعطله وذلك لكمال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والحكم قسمان‪ :‬حكم خاص‪ ،‬وحكم عام‪.‬‬
‫‪ -‬أما الحكم الخاص فهو‪ :‬حكم شرعي خاص بعباد اهلل المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -‬أما الحكم العام فهو‪ :‬حكم كوني ويشمل جميع العباد ال يستطيع احد أن يرده‪.‬‬

‫فالحكم الخاص قد يقع وقد ال يقع‪.‬‬


‫يقع من عباد اهلل المؤمنين‪ ،‬أما الكافرون فال يمتثلون حكم اهلل الخاص وهو حكم شرعي كما قلت‪.‬‬

‫أما الحكم العام‪ :‬فهو حكم يشمل جميع الخلق وال يستطيع أحد أن يرده‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ال تمثله العقول بالتفكير] أي ال يمكن أن تمثل العقول الرب سبحانه وتعالى بالتفكير‪ .‬فال يستطيع‬
‫أحد أن يصل إلى حقيقة صفات اهلل سبحانه وتعالى بالتفكير‪.‬‬
‫يعْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾‬ ‫سْ َك ِمثل ِ ْهِْ َشىءْ ِْْ َو ُه َْوْ َ‬
‫الس ِم ُْ‬
‫َ‬
‫وذلك لقوله تعالى‪﴿ :‬لي َ ْ‬ ‫�‬
‫وال يجوز ألحد أن يتفكر في كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وذلك ألن اهلل سبحانه وتعالى لم يخبرنا عن كيفية صفاته‪ ،‬وال يمكن ألحد أن يصل إلى ذلك‪ ..‬ألن هذا من العلم‬
‫الذي أخفاه اهلل عز وجل عنا‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وقوله‪[ :‬وال تتوهمه القلوب بالتصوير] أي ال يستطيع أحد أن يعرف حقيقة شيء من صفات اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬وذلك‬
‫ألن الرب سبحانه وتعالى لم يره أحد‪ ،‬ولم َير أحد مثيله‪ ،‬ولم يخبرنا أحد عن كيفية صفاته سبحانه وتعالى‪ .‬فكيف‬
‫يستطيع أحد أن يذكر كيفية صفاته سبحانه وتعالى؟‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ِمثلِهِْشىءْْ َو ُه َو َ‬ ‫َ‬
‫يعْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾‪.‬‬ ‫ْالس ِم ُ‬ ‫ثم ذكر المصنف ‪ 6‬قوله تعالى‪﴿ :‬لي َ ْ‬
‫سْ ْ‬
‫هذه اآلية تعد قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة في األسماء والصفات‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فقوله‪﴿ :‬لي َ ْ‬
‫سْك ِمثل ِ ْهِْشىءْ﴾ رد على الذين شبهوا اهلل عز وجل بخلقه أو شبهوا الخلق باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ص ُْ‬
‫ير﴾ رد على المعطلة الذين نفوا أسماء اهلل عز وجل وصفاته‪.‬‬ ‫وقوله‪َ ﴿ :‬و ُه َْوْ َ‬
‫الس ِم ُْ‬
‫يعْال َْب ِ‬
‫والكاف في قوله‪[ :‬كمثله] جاءت للتأكيد‪.‬‬
‫العلى] أي أسماء اهلل سبحانه وتعالى كلها حسنى بلغت في الحسن غايته‪.‬‬
‫وقول المصنف‪[ :‬له األسماء الحسنى والصفات ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َ َ‬
‫اءْالحسنىْفادعوهْبِها﴾ وكذلك صفاته سبحانه وتعالى صفات عالية كاملة من كل وجه‪.‬‬ ‫َّلل ِْالأسم ْ‬
‫�ال تعالى‪﴿ :‬و ِ ْ‬

‫استواء حقيقيا يليق به بحانه‬ ‫استوى‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫واهلل‬ ‫تفع‪.‬‬‫ر‬‫وا‬ ‫عال‬ ‫أي‬ ‫﴾‬ ‫ْ‬
‫ى‬‫ش ْاستَ َو َٰ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ن ْعَلَى ْال َ‬
‫الرح َم َٰ ُْ‬
‫ثم ذكر ‪ 6‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ً‬
‫وتعالى ال يعرف أحد كيفيته‪.‬‬
‫ََ َ َُ َ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله‪﴿ :‬ل َ ُْه ْ َما ْفي ْ َ‬
‫ت ْالث َر َْٰ‬
‫ى﴾ أي كل ما في السماوات واألرض ملك هلل سبحانه‬ ‫ْو َماْفِيْالأر ِض ْوماْبينهماْوماْتح‬
‫ات َ‬ ‫الس َم َ‬
‫او ِ‬ ‫ِ‬
‫وتعالى‪ ،‬وكذلك ما بين السماوات واألرض وما تحت التراب‪ ،‬كل هذا ملك هلل سبحانه وتعالى‪ .‬وذلك لبيان كمال صفاته‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬


‫وقوله تعالى‪َْ ﴿ :‬وإنْتج َهرْبالقولْفإن ُه َْيعلمْالسرْوأخفيْ﴾ أي إن تجهر بالقول أيها اإلنسان فإن اهلل عز وجل يعلم ما تسره في‬
‫نفسك ويعلم ما هو أخفى من ذلك‪ .‬وقيل السر هو‪ :‬ما يسره اإلنسان لشخص آخر‪.‬‬
‫َ َ َ ُ َ‬
‫اط ْبِك ِْل ْشىءْ ْعِل ًما﴾ أي ال يغيب شيء عن علمه سبحانه وتعالى‪ ،‬فكل شيء يعلمه اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬كل ما‬
‫وقوله‪﴿ :‬أح ْ‬
‫يحدث في الكون من خير أو شر يعلمه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لو علم الناس أن اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء‪ ،‬وأن اهلل سبحانه وتعالى سيحاسبهم يوم القيامة‪ ،‬ما تجرؤوا على مخالفة‬
‫شرع اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وما تخلفوا عن أمر اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ولكن اليقين ضعف في قلوب الناس لذلك تجرؤوا على معصية اهلل سبحانه وتعالى وتخلفوا عن أوامره سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬وقهر كل مخلوق عزة وحكما] أي أن اهلل سبحانه وتعالى قهر الجميع عزة وحكما‪ .‬وذلك ألنه هو العزيز الذي ال‬
‫يستطيع أحد أن يغلبه‪ .‬وهو الحكيم سبحانه الذي يضع األشياء في مواضعها الالئقة بها‪.‬‬
‫�وقد قال النبي ‪ l‬البن عباس‪" :‬يا غالم إني أعلمك كلمات‪ :‬احفظ اهلل يحفظك"‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫أي امتثل أوامر اهلل عز وجل واجتنب نواهيه يحفظك اهلل عز وجل من كل شيء‪.‬‬
‫"احفظ اهلل تجده تجاهك"‬
‫أي امتثل أوامر اهلل سبحانه وتعالى واجتنب نواهيه تجد اهلل عز وجل معينا لك ناصرا لك مؤيدا لك‪.‬‬
‫"إذا سألت فاسأل اهلل"‪.‬‬
‫أي إذا أردت حاجة فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى‪ ..‬ألن اهلل سبحانه وتعالى بيده مقاليد كل شيء‪ ..‬فإذا أراد اهلل سبحانه‬
‫وتعالى أن يرزقك ما استطاع أحد أن يمنع رزق اهلل عنك‪ .‬وإذا منع اهلل عز وجل عنك الرزق ما استطاع أحد أن يرزقك إياه‪.‬‬
‫"وإذا استعنت فاستعن باهلل"‬
‫أي إذا طلبت اإلعانة فاطلبها من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫"واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك"‪.‬‬
‫يعني لو اجتمع العالم كله على أن ينفعوا إنسانا بشيء لم يستطيعوا ذلك إال إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى وقدر ذلك‪.‬‬
‫وهذا يجعلك ال تطلب النفع‪ ،‬ال تطلب الخير‪ ،‬ال تطلب اإلعانة‪ ،‬ال تطلب الرزق إال من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫"ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك" لو اجتمع العالم كله على أن يقتلوك أو على أن‬
‫يحدثوا بك ضرا أو مصيبة ما استطاعوا ذلك إال إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك‪ ..‬فال تخف إال من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لذلك الصحابة لما فهموا ذلك ما خافوا أحدا إال اهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫كانوا يدخلون بين صفوف األعداء ويقاتلون قتاال شديدا وما كانوا يهابون أحدا وال يخافون أحدا إال اهلل سبحانه وتعالى ألنهم‬
‫يعلمون أن الضر بيد اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫" ُرفعت األقالم وجفت الصحف"‪.‬‬
‫هذا فيه أن المقادير قد ُكتبت وفُرغ منها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ََ َ َُ ََ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬
‫وقوله‪" :‬ووسع كل شيء رحمة وعلما"‪﴿ ،‬يعل ُْمْماْبي ْ‬
‫نْأيدِي ِهمْْوماْخلفهمْولاْيحِيطونْبِهِْعِلما﴾ أي وسعت رحمة اهلل سبحانه‬
‫وتعالى وعلمه كل شيء‪ ،‬الذي يعلم ما بين أيدينا (أي المستقبل)‪ .‬وما خلفنا (أي الماضي)‪َ .‬وَال يُ ِحيطُو َن بِ ِه ِعل ًْما (أي ال‬
‫يستطيع أحد أن يحيط باهلل عز وجل علما)‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم ‪ ]l‬أي أن اهلل سبحانه وتعالى له صفات‪،‬‬
‫هذه الصفات ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وذكرها نبينا ‪ l‬في السنة النبوية‪.‬‬
‫فأهل السنة والجماعة يثبتون هلل عز وجل ما ثبت من أوصاف اهلل عز وجل في القرآن والسنة النبوية الصحيحة‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪[ :6‬وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى ‪ j‬من صفات الرحمن وجب اإليمان به وتلقيه‬
‫بالتسليم والقبول وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل‪ ..‬وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه‬

‫‪15‬‬
‫ونرد علمه إلى قائله ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى اهلل عليهم في كتابه المبين بقوله‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ونْآ َمنَاْب ِ ْهِْكلْْ ِمنْْعِن ِْدْ َرب ِنَا﴾‪.‬‬
‫ونْفِيْالعِل ِْمْ َيقول ْ‬ ‫سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫الراسِخ ْ‬
‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ََ َ‬
‫اء ْتأوِيل ِ ْهِ ِْْ‬ ‫ون ْ َما ْتشاب َ َْه ْمِن ُْه ْابتِغ َْ‬
‫اء ْالفِتن ْةِ ْوابتِغ ْ‬ ‫ِين ْفِي ْقلوب ِ ِهمْ ْ َزيغْ ْفيَتب ِ ُع ْ‬
‫وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله‪﴿ :‬فأ َما ْالذ َْ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫اَّلل﴾‪ ،‬فجعل ابتغاء التأويل عالمة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ثم حجبهم عما أملوه وقطع‬ ‫َو َما ْ َيعل ُْم ْتأوِيل ُْه ْإِلا ْ ْ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانه‪َ ﴿ :‬و َماْ َيعل ُْمْتأوِيل ُْهْإِلاْ ْ‬
‫اَّلل﴾]‪.‬‬
‫وقوله ‪[ :6‬وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى ‪ j‬من صفات الرحمن وجب اإليمان به‪ ،‬وتلقيه بالتسليم‬
‫والقبول‪ ،‬وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل] هذا تفصيل لما أجمله المصنف ‪ 6‬في بيان منهج أهل السنة‬
‫والجماعة في إثبات أسماء اهلل وصفاته‪.‬‬
‫فأسماء اهلل عز وجل وصفاته تثبت عن طريقين‪:‬‬
‫‪ -‬الطريق األول‪ :‬ما جاء في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -‬الطريق الثاني‪ :‬ما صح عن المصطفى ‪.l‬‬
‫ويجب علينا أن نؤمن بذلك كله وأن نسلم له وأن نقبله‪ ،‬كما يجب علينا أال نتعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل‪.‬‬
‫فأهل السنة ال يردون ما ورد من أسماء اهلل وصفاته‪ ،‬بل يقبلونه ويسلمون له‪ ..‬كذلك ال يتعرضون له بالتأويل‪.‬‬
‫والتأويل‪ :‬هو صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إلى االحتمال المرجوح لدليل يقترن به‪.‬‬
‫يعني كلمة (األسد) لها معنيان‪:‬‬
‫‪ -‬المعنى األول‪ :‬األسد الحقيقي‪.‬‬
‫‪ -‬والمعنى الثاني‪ :‬الرجل الشجاع‪.‬‬
‫فإذا قلنا األسد هو األسد الحقيقي فهذا يسمى بالحقيقة‪.‬‬
‫وإذا قلنا معناها الرجل الشجاع فهذا يسمى تأويال‪.‬‬
‫إذن التأويل‪ :‬صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إلى االحتمال المرجوح‪.‬‬
‫المرجوح في كلمة األسد هو‪ :‬الرجل الشجاع لدليل يقترن به‪..‬‬
‫إن كان الدليل صحيحا فالتأويل صحيح‪ .‬وإن كان الدليل فاسدا فالتأويل يكون فاسدا‪.‬‬
‫والمراد بالتأويل في كالم المصنف ‪ 6‬التأويل الفاسد الذي ليس عليه دليل‪..‬‬
‫فالم َؤ ِولة حينما أولوا صفات اهلل سبحانه وتعالى لم يكن معهم دليل صحيح وإنما أولوا ذلك بأدلة فاسدة من عقولهم القاصرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫فمثال‪ :‬أولوا قوله‪[ :‬استوى] باستولى‪.‬‬
‫وأولوا [اليدين] بالقدرة‪.‬‬
‫وأولوا [قدم الرب سبحانه وتعالى] بالشدة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وهذا تأويل باطل ال حقيقة له‪.‬‬
‫والتأويل الصحيح له معنيان معروفان عند السلف‪:‬‬
‫المعنى األول‪ :‬التفسير‪ .‬ومنه تأويل قوله تعالى أي تفسير قوله تعالى‪.‬‬
‫ومنه دعاء النبي ‪ l‬البن عباس‪" :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"‪ .‬أي التفسير‪.‬‬
‫المعنى الثاني المعروف عند السلف‪ :‬الحقيقة التي يؤول إليها الكالم‪.‬‬
‫ومنه تأويل الرؤيا إذا وقعت‪ .‬يعني إذا رأى أحد رؤيا في منامه وحدثت هذه الرؤيا فهذا يسمى‪ :‬تأويال‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫لْقدْْ َج َعل َهاْ َرب ِيْ َحقا﴾‪.‬‬ ‫يلْ ُرؤي َ َْ‬
‫ايْمِنْقب ْ‬ ‫ومنه قوله تعالى عن يوسف ‪﴿ :j‬يَاْأب َ ِْ‬
‫تْهَٰذاْتأوِ ْ‬
‫وقوله‪[ :‬والتشبيه والتمثيل] أي ال نتعرض أيضا ألسماء اهلل عز وجل وصفاته الثابتة بالتشبيه والتمثيل‪ .‬ال نمثلها وال نشبهها‪..‬‬
‫ال نقول يد اهلل مثل يد المخلوق‪ ..‬أو يد المخلوق مثل يد اهلل‪ ...‬أو قدرة اهلل مثل قدرة المخلوق‪ ..‬أو وجه اهلل مثل وجه‬
‫المخلوق‪ ..‬إلى آخر ذلك‪..‬‬
‫هذا كله ال يجوز‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه] أي ما أشكل علينا من أسماء اهلل سبحانه وتعالى وصفاته‬
‫وجب علينا أن نثبته‪ ،‬وال يجوز لنا أن نفوض معناه‪ .‬يعني ال نقول‪ :‬ال ندري المعنى‪..‬‬
‫بل المعنى معلوم والكيف مجهول‪.‬‬
‫والتفويض نوعان‪:‬‬
‫تفويض المعنى‪.‬‬
‫وتفويض الكيفية‪.‬‬
‫أما تفويض المعنى‪ :‬فهو القول بأن المعنى ال يعلمه أحد وهذا ينسب إلى المفوضة‪.‬‬
‫أما تفويض الكيفية فهو‪ :‬القول بأن الكيفية ال يعلمها أحد وهذا مذهب أهل السنة والجماعة‪ .‬فال يعلم أحد كيفية صفات اهلل‬
‫وهذا يسمى بتفويض الكيفية كما ذكرت لكم‪ .‬أما المعنى فمعلوم‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ونرد علمه إلى قائله ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى اهلل عليهم في كتابه المبين‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ون ْ َء َامنَا ْب ِ ْهِ ْكلْ ْ ِمنْ ْعِن ِْد ْ َرب ِنَا﴾] أي أثنى اهلل عز وجل على الراسخين في‬
‫ون ْفِي ْالعِل ِْم ْ َيقول ْ‬ ‫بقوله سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫الراسِخ ْ‬

‫العلم‪ ،‬ألنهم آمنوا بالمتشابه‪ ،‬وقالوا‪﴿ :‬كلْمنْعندْربنا﴾‪ ،‬ولم يتعرضوا له بالرد والتأويل‪.‬‬
‫ون ْ َما ْت َ َشاب َ َْه ْمِن ُْه ْابْت ِ َغ َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ََ َ‬
‫اءْ‬ ‫ِين ْفِي ْقلوب ِ ِهمْ ْ َزيغْ ْفيَتب ِ ُع ْ‬
‫قال‪ :‬وقال سبحانه وتعالى في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله‪﴿�:‬فأ َما ْالذ َْ‬
‫َ َ َ َ ُ َ َُ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫اْاَّلل﴾‬
‫ْ‬ ‫اءْتأوِيلِهِْوماْيعلمْتأوِيلهْإِل‬‫الفِتنةِْوابتِغ‬
‫أي هؤالء الذين في قلوبهم زيغ ومرض يتبعون ما تشابه من آيات الصفات يريدون بذلك إثارة الفتنة بين الناس‪.‬‬
‫والمتشابه‪ :‬هو ما كانت داللته على المعنى غير واضحة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫فأهل السنة والجماعة يردون المتشابه إلى المحكم‪ .‬وبهذا يُفهم المعنى‪.‬‬
‫والمحكم‪ :‬ما كانت داللته على المعنى واضحة‪.‬‬
‫وقوله ‪[ :6‬فجعل ابتغاء التأويل عالمة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم‪ ،‬ثم حجبهم عما أملوه‪ ،‬وقطع أطماعهم عما‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اْاَّلل﴾] يعني جعل اهلل عز وجل ابتغاء التأويل عالمة على الزيغ والهالك وجعله قرين‬
‫ْ‬ ‫قصدوه بقوله سبحانه‪َ ﴿ :‬و َماْ َيع ْل ُمْتأوِيل ُهْإِل‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫وقد حجب اهلل عز وجل ذلك عن هؤالء فال يعلم حقيقته إال اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وقطع أطماع هؤالء عما قصدوه‪ .‬وذلك بقوله‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اْاَّلل﴾‪ .‬يعني ال يعلم حقيقة هذه الصفات إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ْ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬و َماْ َيعل ُْمْتأوِ ْيل ُهْإِل‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬ما معنى قول المصنف رحمه اهلل‪[ :‬الحمد هلل المحمود بكل لسان‪ ،‬المعبود في كل‬
‫جل عن األشباه واألنداد وتنزه عن‬
‫زمان‪ ،‬الذي ال يخلو من علمه مكان‪ ،‬وال يشغله شأن عن شأن‪ّ ،‬‬
‫الصاحبة واألوالد]؟‬
‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬العبودية قسمان‪ ..‬وضح ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬اذكر بإجمال منهج أهل السنة والجماعة في إثبات أسماء اهلل وصفاته‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر‪ .‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المحاضرة التاسع ــة عشـرة‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة التاسعة عشرة من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الثالثة من محاضرات كتاب [االعتماد شرح لمعة‬
‫االعتقاد]‪.‬‬
‫وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على‪ :‬بعض كالم أئمة السلف في الصفات‪ ،‬وبعض اآلثار في الترغيب في السنة‬
‫والتحذير من البدعة‪.‬‬

‫قال المصنف ابن قدامة ‪[ :6‬فصل في كالم أئمة السلف في الصفات]‬


‫قال اإلمام أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل ‪ ،E‬في قول النبي ‪" :l‬إن اهلل ينزل إلى سماء الدنيا"‪ ،‬أو "إن اهلل يرى‬
‫في القيامة"‬
‫وما أشبه هذه األحاديث‪ ..‬نؤمن بها ونصدق بها بال كيف وال معنى‪ ،‬وال نرد شيئًا منها‪ ،‬ونعلم أن ما جاء به الرسول حق‪ ،‬وال‬
‫نرد على رسول اهلل ‪ - l-‬وال نصف اهلل بأكثر مما وصف به نفسه بال حد وال غاية‪﴿ .‬ليس ْكمثله ْشىء ْوهو ْالسميعْ‬

‫البصير﴾‬
‫ونقول كما قال‪ ،‬ونصفه بما وصف به نفسه وال نتعدى هذا‪.‬‬
‫وال يبلغه وصف الواصفين‪ .‬نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه‪.‬‬
‫وال نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة ُشنعة‪ .‬وال نتعدى القرآن والحديث‪.‬‬
‫وال نعلم كيف ُكنه ذلك إال بتصديق الرسول ‪ l‬وتثبيت القرآن‪.‬‬
‫قوله ‪" :6‬قال اإلمام أحمد بن حنبل ‪ :"E‬قوله‪ :E :‬يجوز إطالقها على غير الصحابة إن كانت على سبيل الدعاء‪.‬‬
‫قد قال اإلمام النووي ‪ 6‬في كتاب (المجموع)‪[ :‬يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء‬
‫والعباد وسائر األخيار]‪.‬‬

‫فيقال‪ ،E :‬أو رحمة اهلل عليه‪ ،‬أو ‪ ،6‬ونحو ذلك‪...‬‬


‫وأما ما قاله بعض العلماء‪ :‬إن قول‪ )E( :‬مخصوص بالصحابة ويقال في غيرهم‪ )6( :‬فقط‪ ،‬فليس كما قال وال يوافق‬
‫عليه‪.‬‬
‫بل الصحيح الذي عليه الجمهور‪ :‬استحبابه‪ ،‬ودالئله أكثر من أن تُحصى‪ ..‬انتهى كالم النووي ‪.E‬‬
‫إذن يجوز قول‪ )E( :‬للعلماء والصالحين على سبيل الدعاء‪..‬‬

‫‪19‬‬
‫وال حرج في ذلك كما قال ابن قدامة ‪.6‬‬
‫وقوله‪[ :‬قال اإلمام أبو عبد اهلل أحمد بن حنبل ‪ E‬في قول النبي ‪" :l‬إن اهلل ينزل إلى السماء الدنيا" و "إن اهلل يُرى في‬
‫القيامة" وما أشبه هذه األحاديث نؤمن بها‪.‬‬
‫نزوال حقيقيًا في الثلث األخير من الليل‪ ،‬ال نعلم كيفية‬
‫جازما‪ .‬نقر بأن اهلل سبحانه وتعالى‪ -‬ينزل ً‬
‫أي؛ نصدق بها ونقر بها إقر ًارا ً‬
‫نقر ونصدق بذلك‪.‬‬
‫النزول‪ ،‬ولكن ّ‬
‫نقر ونصدق بأن اهلل سبحانه وتعالى يُرى في القيامة‪ ..‬ما الكيفية؟‬
‫وكذلك ّ‬
‫ال نعرف‪ ..‬ألن اهلل سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالكيفية‪ ،‬وكذلك رسوله ‪.l‬‬
‫وقوله‪[ :‬ونصدق بها بال كيف] أي؛ ال نبحث عن كيفيتها‪ .‬فالكيفية ال يعلمها إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وال معنى] أي؛ ال نثبت لها معنى يخالف ظاهرها‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وال نرد شيئًا منها] أي؛ ال نك ّذب وال ننكر شيئًا منها‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ونعلم أن ما جاء به الرسول حق‪ ،‬وال نرد على رسول اهلل ‪ ]l‬أي؛ يجب علينا أن نؤمن بكل ما جاء به نبينا ‪- l‬‬
‫وال نرد وال نكذب بشيء منه‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وال نصف اهلل بأكثر مما وصف به نفسه] أي؛ ال نصف اهلل بصفة لم ترد في كتاب اهلل أو سنة نبيه ‪ .l -‬فيجب‬
‫علينا أن نقف على ما جاء في كتاب اهلل وسنة نبيه ‪ ..l -‬فال نزيد على ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬بال حد وال غاية] أي‪ :‬نثبت صفات اهلل سبحانه تعالى على ما يليق بجالله وعظمته بال حد وال غاية‪ .‬يعني ليس‬
‫لصفات اهلل سبحانه وتعالى غاية بخالف المخلوق‪..‬‬
‫فكل صفة من صفات المخلوق لها حد وغاية‪ .‬فبصره لحد حد وغاية‪ .‬وسمعه كذلك‪ ،‬وعقله كذلك‪ ،‬وقوته‪ ..‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫أما اهلل سبحانه وتعالى فصفاته ال حد لها وال غاية‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سْكمثل ِ ْهِْشىءْْ َو ُه َْوْ َّ‬ ‫َ‬
‫ص ُْ‬
‫ير﴾ هذه اآلية كما تقدم قاعدة عامة عند أهل السنة والجماعة‪..‬‬ ‫الس ِم ُْ‬
‫يعْال َب ِ‬ ‫وقوله‪﴿ :‬لي َ ْ ِ‬
‫يرد بها على المشبهة الذين شبهوا اهلل عز وجل بخلقه أو شبهوا الخلق باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ويرد بها كذلك على المعطلة الذين عطلوا صفات اهلل سبحانه وتعالى أو بعضها‪.‬‬
‫﴿ليسْكمثلهْشىء﴾ رٌد على الممثلة والمشبهة‪.‬‬
‫﴿وهوْالسميعْالبصير﴾ رد على المعطلة‪.‬‬
‫ونقر بما قاله اهلل سبحانه وتعالى في كتابه‪،‬‬
‫وقوله‪[ :‬ونقول كما قال‪ ،‬ونصفه بما وصف به نفسه ال نتعدى ذلك] أي؛ نقول ّ‬
‫ونصفه بما وصف به نفسه سبحانه وتعالى وال نزيد شيئًا على ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وال يبلغه وصف الواصفين] أي؛ مهما وصف الواصفون ربنا‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬لم وا كيفية صفاته سبحانه وتعالى ألنه‪:‬‬
‫لم ير أحد ربه سبحان وتعالى‪ ،‬ولم ير أحد مثيله سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ولم يخبرنا أحد عن صفاته ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ .‬فكيف ندرك كيفية صفاته‪ ،‬سبحانه؟‬
‫وقوله‪[ :‬نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه] يعني ال نفرق في اإليمان بين المحكم والمتشابه‪ ..‬فنؤمن بجميع آيات القرآن‬
‫الكريم ولكن نرد المتشابه إلى المحكم‪.‬‬
‫والمتشابه‪ :‬ما كانت داللته على المعنى غير واضحة‪.‬‬
‫أما المحكم‪ :‬فهو ما كانت داللته على المعنى واضحة‪.‬‬
‫نقصا هلل‬
‫وقوله‪[ :‬وال نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة ُشنعت] أي؛ إذا شنع المخالفون وقالوا إن إثبات هذه الصفة يستلزم ً‬
‫تمثيال إلى غير ذلك‪ ..‬فال يجعلنا ذلك ننفي هذه الصفة‪.‬‬
‫تجسيما أو ً‬
‫ً‬ ‫تشبيها أو‬
‫سبحانه وتعالى أو يقتضي ً‬
‫لماذا؟‬
‫ألن اهلل سبحانه أثبت ذلك لنفسه‪ .‬فنثبت هلل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله ‪ .l‬وال نلتفت إلى قول المشنعين‬
‫والمخالفين‪..‬‬
‫ألن اهلل سبحانه وتعالى أعلم بنفسه‪ ،‬ورسول اهلل ‪ l‬أعلم باهلل منا‪..‬‬
‫واهلل عز وجل أثبت لنفسه صفات‪ ،‬وكذلك أثبت له رسوله ‪ l‬صفات‪.‬‬
‫فلماذا نحن ننفي هذا؟‬
‫فلو كانت هذه الصفات ال تليق باهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫لما أثبتها سبحانه وتعالى لنفسه‪ ،‬ولما أثبتها له رسوله ‪.l‬‬

‫وقوله‪[ :‬وال نتعدى القرآن والحديث] أي؛ ال نثبت شيئًا من األسماء والصفات لم يرد في القرآن والسنة النبوية الصحيح‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وال نعلم كيف كنهها ذلك إال بتصديق الرسول ‪ l‬وتثبيت القرآن] أي؛ ال نعلم كيفية وحقيقة صفات اهلل سبحانه‬
‫وتعالى إال عن طريق تصديق رسول اهلل ‪ ،l‬أي السنة النبوية الصحيحة‪ ،‬وتصديق القرآن الكريم‪.‬‬
‫فال نثبت شيئًا إال ما ورد في هذين األصلين‪[[ :‬القرآن‪ ،‬والسنة النبوية الصحيحة]]‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪ :6‬قال اإلمام أبو عبد اهلل محمد بن إدريس الشافعي ‪[ :E‬آمنت باهلل وبما جاء عن اهلل على مراد‬
‫اهلل‪ ،‬وآمنت برسول اهلل وبما جاء عن رسول اهلل على مراد رسول اهلل ‪]l‬‬
‫يعني أنا‪ :‬أؤمن باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وأؤمن برسول اهلل ‪ ،l‬وأؤمن بما جاء عن اهلل سبحانه تعالى في القرآن الكريم‪ ،‬وبما جاء‬
‫عن النبي ‪ l‬في سنته الصحيحة على مراد اهلل وعلى مراد رسوله ‪ ،l‬ال أشبه وال أمثل وال أعطل وال أكيف‪ ..‬إنما أثبت هلل‬
‫عز جل ما أثبته لنفسه على مراده سبحانه وتعالى‪ ،‬وكذلك أثبت هلل سبحانه وتعالى ما أثبته له رسوله ‪ l‬على مراد رسول اهلل‬
‫‪.l‬‬

‫‪21‬‬
‫ثم ختم المصنف ‪ 6‬الفصل بقوله‪[ :‬وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف ‪ F‬كلهم متفقون على‪ :‬اإلقرار‪ ،‬واإلمرار‪،‬‬
‫واإلثبات لما ورد من الصفات في كتاب اهلل سبحانه وتعالى وعلى سنة رسوله ‪ l‬من غير تعرض لتأويله]‪.‬‬
‫يعني على هذه العقيدة التي ذكرها عن اإلمامين اإلمام‪ :‬أحمد ‪ ،6‬واإلمام الشافعي ‪ ،6‬سار السلف الصالح ومن جاء‬
‫بعدهم من األئمة‪.‬‬
‫والسلف له معنيان‪ :‬معنى لغوي ومعنى اصطالحي‪..‬‬
‫‪ -‬أما المعنى اللغوي فالسلف‪ :‬هم من سبقوا‪.‬‬
‫االصطالحي فالسلف‪ :‬هم من ساروا على نهج الرسول ‪ l‬وأصحابه ‪ F‬إلى عصرنا هذا‪ .‬والمصنف‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وأما المعنى‬
‫االصطالحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 6‬يريد بالسلف المعنى اللغوي والمعنى‬

‫اصطالحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ضا معنيان‪ :‬معنى لغوي ومعنى‬
‫أما الخلف فله أي ً‬
‫‪ -‬أما المعنى اللغوي‪ :‬فهم من لحقوا‪ ،‬يعني أتوا بعد السلف‪.‬‬
‫حرفوا وغيروا وب ّدلوا‪.‬‬
‫‪ -‬وأما المعنى االصطالحي‪ :‬فهم من ّ‬
‫والمراد من كالم المصنف ‪ 6‬هو المعنى اللغوي وليس المعنى االصطالحي‪.‬‬
‫تعر ٍ‬
‫ض‬ ‫وقوله‪[ :‬كلهم متفقون على اإلقرار واإلمرار واإلثبات لما ورد من الصفات في كتاب اهلل وفي سنة رسوله ‪ l‬من غير ّ‬
‫لتأويل] أي؛ كل السلف وأئمة الخلف متفقون على اإلقرار واإلثبات واإلمرار لنصوص الصفات الواردة في كتاب اهلل وسنة‬
‫التعرض لتأويلها‪.‬‬
‫النبي ‪ l‬من غير ُّ‬
‫ومن هذا نأخذ منهج السلف في إثبات األسماء والصفات‪.‬‬

‫منهج السلف في إثبات األسماء والصفات يقوم على ثالثة أمور‪:‬‬


‫‪ -‬والثالث‪ :‬اإلقرار‪.‬‬ ‫‪ -‬والثاني‪ :‬اإلمرار‪.‬‬ ‫‪ -‬األول‪ :‬اإلثبات‪.‬‬
‫‪ ‬أما (اإلثبات) فالمراد به‪ :‬إثبات نصوص الصفات الواردة في القرآن والسنة النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫‪ ‬وأما (اإلمرار) فالمراد به‪ :‬عدم الخوض في معاني نصوص الصفات‪[ :‬بالرد‪ ،‬والتأويل‪ ،‬والتعطيل‪ ،‬والتمثيل‪ ،‬والتكييف]‬
‫‪ ‬وأما (اإلقرار) فهو‪ :‬القبول والتسليم لنصوص الصفات الواردة في القرآن والسنة النبوية الصحيحة‪.‬‬

‫فصال في الترغيب في السنة والتحذير من البدعة فقال‪[ :‬وقد أُمرنا باالقتفاء آلثارهم‪ ،‬واالهتداء‬
‫ثم ذكر المصنف ‪ً 6‬‬
‫وحذرنا المحدثات‪ ،‬وأُخبرنا أنها من الضالالت]‬
‫بمنارهم‪ُ ،‬‬
‫فقال النبي ‪" : l‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات‬
‫األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة"‪ .‬أي؛ أمرنا اهلل سبحانه وتعالى ورسوله ‪ l‬بأن نقتدي بالسلف‬

‫‪22‬‬
‫الصالح‪ ،‬وأن نهتدي بما بينوه ووضحوه لنا‪ ،‬وح ّذرنا اهلل سبحانه وتعالى ورسوله ‪ l‬محدثات األمور‪ ،‬وأخبرنا النبي‬
‫‪ l‬أن هذه المحدثات من الضالالت‪.‬‬
‫فقال ‪" :l‬عليكم بسنتي" أي؛ الزموا سنتي‪.‬‬
‫"وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" أي؛ تمسكوا بسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬وهم‪[ :‬أبو‬
‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي] ‪.F‬‬
‫"عضوا عليها بالنواجذ" هذا كناية عن شدة التمسك بسنته ‪ l‬وسنة الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫"وإياكم ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة" أي؛ اجتنبوا البدع في الدين‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن البدعة من الضالالت‪.‬‬
‫والبدعة هي‪ :‬كل أمر محدث في الدين فيه مشابهة لما ورد في الشريعة‪ .‬فال يجوز ألحد أن يبتدع شيئًا في دين اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪" :6‬وقال عبد اهلل بن مسعود ‪[ :E‬اتبعوا وال تبتدعوا فقد ُكفيتم] أي؛ التزموا ما ورد عن النبي ‪l‬‬
‫من غير زيادة وال نقصان‪ ،‬وال تحدثوا بدعة في دين اهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫فقد كفاكم السابقون أمر الدين‪ ،‬حيث أكمل اهلل عز وجل الدين لنبيه ‪.l‬‬

‫وأنزل عليه قوله‪﴿ :‬اليومْأكملتْلكمْدينكمْوأتممتْعليكمْنعمتىْورضيتْلكمْالإسلامْدينًا﴾‪.‬‬

‫كالما معناه‪ :‬قف حيث وقف القوم‪..‬‬


‫ثم قال المصنف ‪ :6‬وقال عمر بن عبد العزيز ‪ً ،E‬‬
‫فإنهم عن علم وقفوا‪ ،‬وببصر نافذ كفوا‪ ،‬ولهم على كشفها كانوا أقوى‪ ،‬وبالفضل لو كان فيها أحرى‪ ،‬فلئن قلتم حدث بعدهم‪.‬‬
‫فما أحدثه إال من خالف هديهم‪ ،‬ورغب عن سنتهم‪ .‬ولقد وصفوا منه ما يشفي‪..‬‬
‫وتكلموا منه بما يكفي‪ .‬فما فوقهم محسر‪ ..‬وما دونهم مقصر‪ .‬لقد قصر عنهم القوم فجفوا‪ ..‬وتجاوزهم آخرون فغلوا‪ .‬وإنهم‬
‫فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم‪.‬‬
‫قوله‪[ :‬قف حيث وقف القوم] أي؛ ال تتعدى ما قاله وفعله السلف الصالح من الصحابة والتابعين ‪.F -‬‬

‫لماذا؟ قال‪[ :‬فإنهم عن علم وقفوا] أي؛ أنهم لم يتكلموا فيها ألجل أنهم يعلمون أنه ال يجوز التكلم في مثل هذه األشياء‬
‫وليس عن جهل لم يخوضوا فيه‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وببصر نافد كفوا] أي؛ ليس عن عجز كفوا بل على بصيرة‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ولهم على كشفها كانوا أقوى] أي؛ لو أراد السلف الصالح أن يخوضوا في تلك المسائل بعقولهم ألمكنهم ذلك‪..‬‬
‫ولكنهم لم يتكلموا فيها ألجل أنهم يعلمون أنه ال يجوز الخوض في هذه المسائل بعقولهم‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وقوله‪[ :‬وبالفضل لو كان فيها أحرى] أي؛ كانوا أسبق إلى الفضل من غيرهم في جميع األمور‪ ،‬فلو كان في الخوض فيها فضل‬
‫لتكلموا‪ ..‬ولكن ألجل أنه ال فضل في ذلك لم يتكلموا‪.‬‬
‫وقد أثبت لهم النبي ‪ ،l‬الخيرية على القرون كلها‪.‬‬
‫قال ‪" :l‬خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إال من خالف هديهم] أي؛ لو قيل حدثت هذه األمور بعد الصحابة‪ ..‬قيل لهم‪ :‬ما‬
‫حدث هذا إال ألجل مخالفة هدي هؤالء‪ ..‬لو التزموا بهديهم ما حدثت المخالفة‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ورغب عن سنتهم] أي؛ كل ما ابتدعه المتأخرون حدث ألجل الرغبة عن سنة وطريقة السلف الصالح‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ولقد وصفوا منه ما يشفي‪ ،‬وتكلموا منه بما يكفي] أي؛ وصف لنا السلف الصالح ما يشفي القلوب وتكلموا منه بما‬
‫يكفي فال حاجة لنا بالنظر في كالم المتكلمين‪ ..‬فمن اقتصر على هدي السلف الصالح انشرح صدره و ُشفي قلبه‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر] أي؛ من زاد عليهم فهو منقطع ولن يصل‪ ،‬ومن سار على غير نهجهم فهو مقصر‬
‫لم يقبل‪.‬‬
‫قصر عن اتباع منهج السلف الصالح فهو مقصر‪ ،‬ومن‬
‫قصر عليهم قوم فجفوا‪ ،‬وتجاوزهم آخرون فغلوا] أي؛ من ّ‬
‫وقوله‪[ :‬ولقد ّ‬
‫زاد عليهم فقد تجاوز الحد المسموح له‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم] أي؛ سلك السلف الصالح طري ًقا وسطًا بين الجفاة والغالة‪.‬‬
‫الجفاة‪ :‬هم المقصرون‪.‬‬
‫والغالة‪ :‬هم الذين تجاوزوا الحد الذي ُحد لهم‪ ،‬فلم يلتزموا به‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪ 6‬وقال اإلمام أبو عمر األوزاعي ‪[ :6 -‬عليك بآثار من سلف‪ ،‬وإن رفضك الناس‪ ،‬وإياك وآراء‬
‫الرجال وإن زخرفوه لك بالقول] يعني‪ :‬الزم آثار السلف الصالح وإن تركك الناس ورفضوا منهجك‪.‬‬
‫واحذر آراء الرجال التي تخالف نهج السلف الصالح‪..‬‬
‫وإن زخرفوا لك هذه اآلراء بالعبارات المنمقة وغيرها‪.‬‬
‫فالزم السنة ودع البدعة وإن هجرك الناس‪.‬‬
‫ثم ذكر المصنف ‪ ،6‬مناظرة حدثت للعالم للجليل‪( :‬محمد بن عبد الرحمن األزرمي) ‪.6‬‬
‫مع شيخ المعتزلة في وقته وهو‪( :‬أحمد بن أبي دؤاد)‬
‫قال ‪ :6‬وقال محمد بن عبد الرحمن األزرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها‪" :‬هل علمها رسول اهلل ‪ l‬وأبو بكر‬
‫وعمر وعثمان وعلى أو لم يعلموها؟‬
‫قال‪ :‬لم يعلموها‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫قال‪ :‬فشيء لم يعلمه هؤالء‪ .‬أعلمته أنت؟‬
‫قال الرجل‪ :‬فإني أقول قد علموها‪،‬‬
‫قال‪ :‬أفوسعهم أال يتكلموا به وال يدعوا الناس إليه أو لم يسعهم؟‬
‫قال الرجل‪ :‬بل وسعهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فشيء وسع رسول اهلل ‪ l‬وخلفاؤه‪ .‬ال يسعك أنت؟‬
‫فانقطع الرجل‪.‬‬
‫حاضرا‪ :‬ال وسع اهلل على من لم يسعه ما وسعهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫فقال الخليفة ‪ -‬وكان‬
‫في هذه المحاضرة سأل األزرمي ‪ 6‬شيخ المعتزلة‪( :‬أحمد بن أبي دؤاد) وكان قد تكلم ببدعة القول بخلق القرآن‪..‬‬
‫قال له‪ :‬هل علم رسول اهلل ‪ l‬وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ أي؛ هل علم هذه البدعة النبي ‪ l‬والخلفاء‬
‫الراشدون أو لم يعلموها؟‬
‫قال‪ :‬لم يعلموها‪( .‬وهذا يتضمن انتقاص النبي ‪ l‬وخلفائه‪ ..‬فإنه يتهمهم بالجهل)‪.‬‬
‫فقال األزرمي لهذا الرجل‪ :‬فشيء لم يعلمه هؤالء‪ .‬أعلمته أنت؟ (يعني‪ :‬كيف تعلم ما لم يعلمه رسول اهلل ‪ l‬والخلفاء‬
‫الراشدون؟ هل يمكن ذلك؟)‬
‫هنا تراجع الرجل وعلم بخطئه‪..‬‬
‫فقال‪ :‬فإني أقول قد علموها‪.‬‬
‫فقال له األزرمي‪ :‬أفوسعهم أن ال يتكلموا به وال يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ (أي؛ إذا كانوا قد علموها‪ ..‬فهل أمكنهم أن ال‬
‫يتكلموا بذلك وال يدعوا الناس إليه أم لم يمكنهم؟)‬
‫فأجاب ابن أبي دؤاد‪ :‬بل وسعهم‪( .‬أي؛ أمكنهم السكوت وعدم الكالم)‪.‬‬
‫فقال األزرمي هنا‪ :‬فشيء وسع رسول اهلل ‪ l‬وخلفاؤه‪ ..‬ال يسعك أنت؟‬
‫فانقطع الرجل وامتنع عن الجواب‪ ..‬ألن الباب قد انسد أمامه‪.‬‬
‫حاضرا‪ :‬ال وسع اهلل على من لم يسعه ما وسعهم‪( .‬أي؛ دعا بالضيق على من لم يسعه ما وسع النبي ‪l‬‬
‫ً‬ ‫فقال الخليفة وكان‬
‫وخلفاؤه ‪.)F‬‬

‫ثم علق المصنف ‪ 6‬على هذه المناظرة فقال‪[ :‬وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول اهلل ‪ l‬وأصحابه والتابعين لهم بإحسان‬
‫وسع اهلل عليه]‬
‫واألئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تالوة آيات الصفات وقراءة أخبارها وإمرارها كما جاءت فال ّ‬
‫أي؛ دعا المصنف‪-6-‬بالضيق على كل من لم يسعه ما وسع السلف من إثبات آيات الصفات وقراءة أخبارها‬
‫وإمرارها كما جاءت‪ :‬بال تحريف ‪ -‬وال تعطيل ‪ -‬وال تمثيل ‪ -‬وال تكييف‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫السؤال األول‪ :‬ما معنى قول اإلمام أحمد ‪[ :6‬ونصدق بها بال كيف وال معنى وال نرد شيئًا منها]؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬ما معنى قول المصنف ‪[ :6‬وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف ‪-‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬كلهم‬
‫متفقون على اإلقرار واإلمرار واإلثبات لما ورد من كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ l‬من غير تعرض لتأويله]؟‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ما معنى السلف والخلف في اللغة واالصطالح؟‬
‫السؤال الرابع‪ :‬ما معنى قول عبد اهلل بن مسعود ‪[ :E‬اتبعوا وال تبتدعوا فقد ُكفيتم]؟‬
‫السؤال الخامس‪ :‬اشرح بإجمال ما ذكره المصنف ‪6‬عن عمر بن عبد العزيز ‪.E -‬‬
‫السؤال السادس‪ :‬اشرح بإجمال المناظرة التي حدثت بين األزرمي ‪6‬وشيخ المبتدعة في عصره‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر‪ ..‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫المحاضـ ـرة العشـ ـرون‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة العشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الرابعة من محاضرات كتاب [االعتماد شرح لمعة‬
‫االعتقاد]‪ ،‬وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على‪ :‬بعض آيات الصفات‪ ،‬وبعض أحاديث الصفات‪ ،‬وصفة الكالم هلل‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫قال المصنف ابن قدامة ‪[ :6‬فصل في ذكر بعض آيات الصفات]‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫صفة الوجه‪ :‬فمما جاء من آيات الصفات قول اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬ويَبقيْْ َوج ُْهْ َرب ِ ْ‬
‫ك﴾‬
‫المالحظ هنا أن ابن قدامة ‪ 6‬ذكر بعض الصفات التي حدث فيها مخالفة‪ ،‬ومن ذلك ذكر صفة‪(( :‬الوجه)) هلل سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ودليلها قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ويَبقيْْ َوج ُْهْ َرب ِ ْ‬
‫ك﴾‬
‫هذه اآلية فيها إثبات صفة الوجه هلل سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به‪..‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات الوجه هلل تعالى‪.‬‬
‫فإذا قال قائل‪ :‬أين اإلجماع؟‬
‫نقول‪ :‬لما لم يرد عن السلف تفسيرا آليات الصفات دل ذلك على أن المراد هو الظاهر‪ ،‬ألن األصل في الكالم الظاهر إال إذا‬
‫صرف عنه بقرينة‪.‬‬
‫ُ‬
‫فيجب علينا أن نثبت هلل عز وجل وجها بدون [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل]‪.‬‬
‫وقد فسر أهل التعطيل وجه اهلل سبحانه وتعالى‪(( :‬بالثواب))‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قالوا‪ :‬المراد من قوله تعالى ﴿ َويَبقيْْ َوج ُْهْ َرب ِ ْ‬
‫ك﴾ أي؛ ويبقى ثواب ربك‪ .‬ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بثالثة أشياء‪:‬‬
‫‪ -‬األول‪ :‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص وظاهر النصوص يثبت هلل عز وجل وجها‪ ،‬وال يجوز القول بخالف ظاهر النص إال‬
‫بدليل يدل على أنه هو المراد‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬أن قولهم خالف طريقة السلف‪ .‬فطريقة السلف تعني‪[ :‬اإلثبات‪ ،‬والتنزيه‪ ،‬وقطع الطمع عن إدراك كيفية الصفة]‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ :‬أن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪ ..‬ال يوجد دليل من القرآن أو السنة على أن الوجه بمعنى‪(( :‬الثواب))‬

‫وطتَ ِْ‬
‫ان﴾ فهذه اآلية فيها إثبات صفة اليدين هلل سبحانه‬ ‫ثم ذكر ‪ 6‬الصفة الثانية فقال‪ :‬قوله سبحانه وتعالى‪﴿ :‬بَلْ ْي َ َد ْاهُ ْ َمب ُس َ‬

‫وتعالى‪ .‬وقد أجمع السلف على ذلك‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫قلنا أين اإلجماع؟ اإلجماع في أنه لما لم يرد عنهم تفسير لهذه الصفات‪ ،‬دل على أن المراد هو الظاهر‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبت صفة اليدين هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]‬
‫وقد فسر أهل التعطيل صفة اليدين‪(( :‬بالنعمة والقدرة))‪.‬‬

‫ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم‪:‬‬


‫‪ -‬بأن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل‪.‬‬
‫هذه الثالثة ستتكرر معنا في الرد على كل تأويل وتعطيل‪..‬‬
‫َ َ‬
‫ُضيف وجه رابع وهو‪ :‬أن في السياق ما يمنع تفسير اليدين‪(( :‬بالقدرة أو النعمة)) وذلك في قوله تعالى‪﴿ :‬ل َِما ْخلق ُْ‬
‫تْ‬ ‫وأ َ‬
‫بِيَ َد َْ‬
‫ي﴾‪ .‬فالقدرة ال تثنى‪ ..‬فدل ذلك على بطالن تفسير اليدين بالقدرة أو النعمة‪.‬‬
‫وهنا إشكال‪ :‬كيف نجمع بين األوجه التي جاءت في صفة اليدين؟‬
‫مرة جاءت باإلفراد‪ ،‬ومرة جاءت بالتثنية‪ ،‬ومرة جاءت بالجمع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ار َْ‬
‫كْالذِيْبِيَ ِد ْه ِْال ُمل ْ‬
‫ك﴾ فهنا اليد مفردة‪.‬‬ ‫‪ -‬قال تعالى في (اإلفراد)‪﴿ :‬تبَ َ‬

‫وطتَ ِْ‬
‫ان﴾ فهنا اليد مثناة‪.‬‬ ‫‪ -‬وقال في التثنية‪﴿ :‬بَلْْي َ َد ْاهُْ َمب ُس َ‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ََ َ َ َ َُ َ َ َ َ َ َ‬


‫‪ -‬وقال في الجمع‪﴿ :‬أولمْْي َرواْأناْخلقناْلهمْ ِمماْع ِملتْْأيدِيناْأنعاما﴾ فاليد هنا جمع‪( ..‬أيدينا)‬
‫قال أهل العلم‪ :‬المفرد المضاف يشمل كل ما ثبت هلل عز وجل من يد وال ينفي التثنية‪(( .‬هذه قاعدة عامة))‬
‫وأما الجمع فهو للتعظيم‪ .‬فحينما يقول اهلل عز وجل‪( :‬خلقنا‪ ،‬جعلنا‪ ،‬ذرأنا) إلى غير ذلك‪ ،‬فإن المراد بالنون هنا‪ :‬التعظيم‪.‬‬
‫وحينئذ ال ينافي التثنية‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬إن أقل الجمع اثنان‪ ..‬فحينئذ ال معارضة بينه وبين التثنية‪.‬‬
‫إذن هلل عز وجل يدان ال يعلم أحد كيفيتهما إال اهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وكذلك كل صفات اهلل سبحانه وتعالى ال أحد يعلم كيفيتها إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬


‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى فقال‪ :‬وقوله تعالى إخبارا عن عيسى ‪ j‬أنه قال‪﴿ :‬تعل ُْمْ َماْفِيْنف ِسىْ َولاْأعل ُْمْ َماْفِيْنفس ْ‬
‫ِك﴾‬
‫هذه اآلية فيها إثبات صفة‪(( :‬النفس)) هلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة النفس هلل سبحانه وتعالى على الوجه الالئق به سبحانه وتعالى‪ ،‬ال يعلم أحد كيفيتها‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبتها هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل]‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ون ْإلا ْأنْ ْيَأت ِيَ ُه ْمُْ‬ ‫اء ْ َربُ ْ‬
‫ك﴾‪ ،‬وقوله تعالى‪﴿ :‬هلْ ْينظ ُر ْ ِ‬ ‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى وهي‪(( :‬المجيء)) فقال‪ :‬فقوله سبحانه‪﴿ :‬وج ْ‬
‫َ‬
‫اَّلل﴾‬
‫ْ‬
‫ففي هاتين اآليتين إثبات صفة‪(( :‬المجيء)) هلل سبحانه وتعالى يوم القيامة للفصل بين العباد‪..‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة المجيء هلل سبحانه وتعالى على الوجه الالئق به من غير [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪،‬‬
‫وال تمثيل]‬
‫ال أحد يعرف كيفية المجيء فنثبت هلل عزوجل مجيئا يليق به دون [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل]‪.‬‬
‫وقد فسر أهل التعطيل المجيء‪(( :‬بمجيء أمر اهلل سبحانه وتعالى))‬
‫ورد عليهم أهل السنة والجماعة بثالثة أوجه وهي األوجه الثالثة المتقدمة‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح من القرآن أو السنة‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬

‫وقلنا إن طريقة السلف تنبني على ثالثة أصول‪:‬‬


‫‪ -‬األول‪ :‬اإلثبات‪.‬‬
‫‪ -‬الثاني‪ :‬التنزيه‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ :‬قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫اَّللْ َعن ُهمْْ َو َر ُضواْ َعن ُْه﴾ هذه اآلية فيها إثبات‬
‫َ‬
‫ثم ذكر المصنف ‪ 6‬صفة أخرى وهي‪(( :‬الرضى)) فقال‪ :‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ر ِ‬
‫ض َْىْ ْ‬
‫صفة الرضى هلل سبحانه وتعالى على الوجه الحقيقي الالئق به سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة الرضى هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبتها هلل عز وجل من غير [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل]‪.‬‬
‫أهل التعطيل فسروا الرضى‪(( :‬بالثواب))‬

‫ورد عليهم أهل السنة والجماعة بثالثة أوجه وهي األوجه الثالثة المتقدمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫هنا سؤال‪ :‬لماذا عطلت المعطلة صفات اهلل سبحانه وتعالى؟‬
‫الجواب عن هذا السؤال تقدم في الدرس األول‪ ..‬قلنا إنهم قالوا‪ :‬إن أثبتنا الصفات هلل سبحانه وتعالى فقد شبهناه‬
‫بالمخلوق أو جسمناه‪ .‬واهلل عز وجل منزه عن ذلك‪ ..‬لذلك عطلوا صفات اهلل سبحانه وتعالى أو عطلوا كثيرا من‬
‫صفات اهلل سبحانه وتعالى على اختالف بينهم‪.‬‬
‫أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا هلل عز وجل الصفات ونزهوه سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين وعن كل نقص‪.‬‬
‫يعْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾‬ ‫ودليلهم العام في ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ليسْ َك ِمثل ِ ْهِْ َشىءْ ِْْ َو ُه َْوْ َ‬
‫الس ِم ُْ‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى هلل سبحانه وتعالى وهي‪(( :‬المحبة)) فقال‪ :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬يحِبُ ُهمْ ْ َويُ ِحبُون ُْه﴾ فهذه اآلية فيها إثبات‬
‫صفة المحبة هلل سبحانه وتعالى‪ .‬وقد أجمع السلف على ذلك‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبت هذه الصفة هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل]‪.‬‬
‫أهل التعطيل فسروا المحبة ((بالثواب))‬
‫ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بثالثة أوجه وهي األوجه الثالثة المتقدمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّللْ َعلي ِهم﴾ هذه‬
‫َ َ‬
‫بْ ْ‬ ‫ض ْ‬
‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى هلل سبحانه وتعالى وهي‪(( :‬الغضب)) فقال‪ :‬وقوله تعالى في الكفار‪﴿ :‬غ ِ‬
‫اآلية فيها إثبات صفة الغضب هلل سبحانه وتعالى على الوجه الحقيقي الذي يليق به سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة‪(( :‬الغضب)) هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبتها من غير [تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل]‪ ،‬اهلل عز وجل يغضب غضبا حقيقيا يليق به‪.‬‬
‫يغضب على من؟ يغضب على الكفار‪ .‬ويغضب إذا انتُهكت محارمه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أهل التعطيل فسروا‪ :‬الغضب ((باالنتقام))‬
‫وأهل السنة والجماعة ردوا عليهم بأربعة أوجه‪ ،‬األوجه الثالثة المتقدمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ‬
‫‪ -‬والوجه الرابع‪ :‬أن اهلل تعالى غاير بين الغضب واالنتقام فقال‪﴿ :‬فل َما ْآ َسفوناْ(أيْأغضبونا)ْانتَقمنَاْمِن ُهمْ﴾ فجعل‬
‫اهلل عز وجل االنتقام نتيجة للغضب فدل على أنه غيره‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫َ َ ُ َ َ َ َ ََّ‬
‫اَّلل﴾‪ ،‬هذه اآلية فيها‬
‫طْ ْ‬ ‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى هلل سبحانه وتعالى وهي‪(( :‬السخط)) فقال‪ :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬اتبعوا ْما ْأسخ ْ‬
‫إثبات صفة السخط هلل عز وجل‪ ،‬فاهلل عز وجل يسخط سخطا حقيقيا يليق به سبحانه وتعالى‪ ،‬يسخط إذا انتُهكت محارمه‬
‫سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة السخط هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبتها هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]‪.‬‬
‫وأهل التعطيل فسروا السخط ((باالنتقام))‬
‫ورد عليهم أهل السنة والجماعة باألوجه الثالثة المتقدمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬


‫اَّللْانب ِ َعاث ُهمْ﴾‪.‬‬
‫ثم ختم المصنف ‪ 6‬آيات الصفات بصفة (الكره) هلل سبحانه وتعالى فقال‪ :‬قال تعالى‪﴿ :‬ك ِرْهَْ ُْ‬
‫فأثبت اهلل عز وجل لنفسه صفة الكره‪.‬‬
‫كرها حقيقيًا يليق به سبحانه وتعالى ال يشبه كره المخلوقين‪،‬‬
‫فاهلل تعالى يكره ً‬
‫ليس فيه نقص وال عيب‪.‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة الكره هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبت صفة (الكره) هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]‪.‬‬
‫وفسر أهل التعطيل هذه الصفة ب [اإلبعاد]‪.‬‬
‫ورد عليهم أهل السنة والجماعة بالردود المتقدمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬

‫ثم ذكر المصنف ‪ 6‬بعض أحاديث الصفات فقال‪[ :‬فصل في ذكر بعض أحاديث الصفات]‬
‫صفة [النزول]‪ :‬ففي السنة قول النبي ‪" :l‬ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا‪"......‬‬
‫فهذا الحديث فيه إثبات صفة النزول هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى ينزل نزوال حقيقيا يليق به ال يشبه نزول المخلوقين في الثلث األخير من الليل‪.‬‬
‫وقد أجمع السلف على ذلك‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فيجب علينا أن نثبت هلل سبحانه وتعالى صفة النزول من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]‪.‬‬
‫أهل التعطيل فسروا النزول بأنه نزول أمره‪ ،‬أو نزول رحمته‪ ،‬أو نزول ملك من مالئكته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بأربعة أوجه‪ ،‬الثالثة أوجه المتقدمة‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫‪ -‬والوجه الرابع‪ :‬وهو أن األمر والرحمة والملك ال يمكن أن يقولوا‪" :‬من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني‬
‫فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟" يستحيل أن يكون هذا‪.‬‬
‫فدل ذلك على أن اهلل سبحانه وتعالى ينزل نزوال حقيقيا يليق به‪ ،‬ال يعرف أحد كيفية نزوله عز وجل‪ ،‬ألنه لم يخبرنا‬
‫عن كيفية نزوله‪ ،‬وإنما أخبرنا فقط أنه ينزل‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبت النزول وأال نطمع في إدراك كيفية نزوله سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى هلل عز وجل وهي صفة [العجب]‪.‬‬

‫فقال‪( :‬يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة) ‪ ،‬أي يعجب اهلل تعالى من الشاب الذي لم يوقعه الشيطان في‬
‫المعاصي‪.‬‬
‫هذا الحديث فيه إثبات صفة العجب هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد أجمع السلف على ذلك‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نثبت ذلك هلل عز وجل من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]‪.‬‬
‫وقد قال ‪ l‬كما في صحيح البخاري‪" :‬عجب اهلل من قوم يدخلون الجنة في السالسل"‪.‬‬
‫وأهل التعطيل فسروا هذه الصفة [بالمجازاة]‪.‬‬
‫ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫وهنا فائدة وهي أن العجب نوعان‪:‬‬
‫‪ ‬األول‪ :‬عجب صادر عن خفاء األسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه‪ .‬وهذا النوع مستحيل في حق‬
‫اهلل تعالى ألن اهلل سبحانه وتعالى ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ ‬الثاني‪ :‬أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب‪ .‬وهذا الثابت في حق اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫تعجب اهلل من الشاب ألجل أن الشاب ‪ -‬في الغالب – يوقعه الشيطان في المعاصي‪ .‬فهذا الشاب الذي يعجب اهلل‬
‫تعالى منه خرج عن نظائره من الشباب‪ ،‬ليست له صبوة‪ ،‬لم يستجره ولم يوقعه الشيطان في المعاصي‪.‬‬

‫ثم ذكر ‪ 6‬صفة أخرى هلل تعالى وهي صفة [الضحك] فقال‪:‬‬
‫قال سبحانه وتعالى‪[ :‬يضحك اهلل تعالى إلى رجلين قتل أحدهما اآلخر ثم يدخالن الجنة]‪.‬‬
‫يقتل الظالم المظلوم‪ ،‬ثم يتوب اهلل عز وجل على الظالم‪ ،‬فيموت‪ ،‬فيدخالن الجنة‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعالى يضحك إلى هذين الرجلين‪ ،‬وهذا الحديث فيه إثبات صفة الضحك هلل سبحانه وتعالي وقد أجمع‬
‫السلف على ذلك‪ ،‬فيجب علينا أن نثبت هذ الصفة هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]‬
‫فاهلل تعالى يضحك ضحكا حقيقيا يليق به سبحانه وتعالي‪.‬‬
‫أهل التعطيل فسروا هذه الصفة ب((الثواب))‪.‬‬

‫وأهل السنة والجماعة ردوا عليهم بالثالثة أوجه المتقدمة‪:‬‬


‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ -‬أن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬

‫ثم ذكر المصنف ‪ 6‬كالما عاما فقال‪ :‬فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته نؤمن به وال نرده وال نجحده وال نتأوله‬
‫بتأويل يخالف ظاهره وال نشبهه بصفات المخلوقين وال بسمات المحدثين‪.‬‬
‫يعني كل األحاديث التي صحت عن النبي صلى اهلل عليه وسلّم في صفات اهلل سبحانه وتعالي يجب علينا أن نؤمن بها وأال‬
‫نكذب بشيء منها وأال نجحدها وأال نتأولها بتأويل يخالف ظاهرها وأال نشبهها بصفات المخلوقين وال بسمات المحدثين أي‬
‫(عالمات المخلوقين)‪ ،‬فاهلل عز وجل اليشبهه شيء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ْكمثل ِ ْهِْشىءْ ِْ ْ َو ُه َْو ْ َّ‬
‫يع ْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾ [الشورى‪،]١١ :‬‬ ‫الس ِم ُْ‬ ‫ثم قال‪( :‬ونعلم أن اهلل سبحانه وتعالى ال شبيه له‪ ،‬وال نظير له‪﴿ ،‬لي َ ْ ِ‬
‫وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال‪ ،‬فإن اهلل تعالى بخالفه)‪.‬‬
‫يعني كل ما خطر ببالك فاهلل عز وجل على خالفه‪ ،‬فال يستطيع أح ٌد أن يتخيل كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫َ‬
‫شْاستَ َو َْٰ‬
‫ى﴾ [طه‪)]٥ :‬‬ ‫الرح َم َٰ ُْ‬
‫نْعَلىْال َعر ِ ْ‬ ‫ثم قال‪ :‬ومن ذلك قوله تعالى‪َّ ﴿ :‬‬

‫أي من صفات اهلل سبحانه وتعالى التي يجب أن نثبتها له سبحانه وتعالى صفة االستواء‪.‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات هذه الصفة هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫استواء حقيقيًا يليق به‪ ،‬ال يشبه استواء المخلوقين‪.‬‬
‫ً‬ ‫(واالستواء)‪ :‬معناه العلو واالرتفاع‪ ،‬فاهلل عز وجل استوى‬

‫‪33‬‬
‫َ‬
‫شْاستَ َو َْٰ‬
‫ى﴾ أي استولى‪.‬‬ ‫الرح َم َٰ ُْ‬
‫نْعَلىْال َعر ِ ْ‬ ‫أهل التعطيل فسروا هذه الصفة باالستيالء‪ .‬فقالوا معنى قوله تعالى‪َّ ﴿ :‬‬

‫وأهل السنة والجماعة ردوا عليهم بخمسة أوجه‪ ،‬الثالثة أوجه المتقدمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه ٌ‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫‪ -‬والوجه الرابع أن هذا التفسير ال يعرف في اللغة العربية‪ .‬يعني لم ِ‬
‫يأت قط في لغة العرب أن االستواء بمعنى االستيالء‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الخامس أنه يلزم على هذا التفسير لوازم باطلة‪ ،‬ومن ذلك أن العرش لم يكن مل ًكا هلل سبحانه وتعالى ثم استولى‬
‫عليه بعد ذلك‪.‬‬
‫(والعرش)‪ :‬هو سرير الملك‪ ،‬وال يعلم أح ٌد كيفيته إال اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد ذكر لنا النبي ‪ l‬أنه أكبر المخلوقات‪ ،‬وأما‬
‫الكرسي فهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬


‫ثم قال ‪ :6‬وقوله تعالى‪﴿ :‬أأمِنتمْمنْفِيْالسما ِْء﴾ [الملك‪،]١٦ :‬‬

‫وقول النبي ‪" :l‬ربنا اهلل الذي في السماء تقدس اسمك"‪ ،‬وقال ‪ l‬للجارية‪ :‬أين اهلل؟ قالت‪ :‬في السماء‪ .‬قال‪ :‬أعتقها‬

‫مسلم‪ ،‬ومالك بن أنس وغيرهما من األئمة‪ ،‬وقال النبي ‪ l‬لحصي ٍن ‪ :E‬كم ً‬


‫إلها تعبد؟ قال‪ :‬سبعة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فإنها مؤمنة" رواه‬
‫ستةٌ في األرض وواح ًدا في السماء‪ .‬قال‪ :‬من لرغبتك ورهبتك؟‬
‫[يعني من الذي تدعوه عندما تريد شيئًا أو تخاف من شيء؟]‬

‫قال‪ :‬الذي في السماء‪ .‬قال‪ :‬فاترك الستة واعبد الذي في السماء‪ ،‬وأنا أعلمك دعوتين‪ ،‬فأسلم وعلمه النبي ‪ l‬أن‬
‫يقول‪ :‬اللهم ألهمني رشدي‪ ،‬وقني شر نفسي"‪ .‬ولكن هذا الحديث ضعيف‪.‬‬
‫وقد أجمع السلف على إثبات صفة العلو هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تكييف‪ ،‬وال ٍ‬
‫تمثيل‪ ،‬وال‬ ‫فيجب علينا أن نثبت العلو هلل سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به‪ ،‬من غير تحر ٍ‬
‫يف‪ ،‬وال‬
‫تعطيل‪.‬‬

‫والعلو نوعان‪ :‬علو صفة‪ ،‬وعلو ذات‪.‬‬


‫‪ ᛜ‬علو الصفة لم ينكره أحد‪ ،‬ومعناه أن صفات اهلل سبحانه وتعالى عليا‪ ،‬ال نقص فيها ٍ‬
‫بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫‪ ᛜ‬علو الذات وهذا الذي أنكرته الحلولية واالتحادية وغيرهما‪،‬‬
‫ومعناه أن ذات اهلل سبحانه وتعالى فوق جميع المخلوقات‪.‬‬
‫فالحلولية تقول‪ :‬إن اهلل سبحانه وتعالى يحل في كل ٍ‬
‫مكان بذاته‪ ،‬حاشا هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫وأهل التعطيل أنكروا كون اهلل سبحانه وتعالى بذاته في السماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬معنى قوله تعالى‪﴿ :‬أأمِنتمْمنْفِيْالسما ِْء﴾ [الملك‪:‬‬
‫‪ ]١٦‬في السماء ملك اهلل وسلطانه ونحوه‪.‬‬

‫ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بستة أوجه األوجه الثالثة المتقدمة وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬وأن قولهم ليس عليه ٌ‬
‫‪ -‬وأن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الرابع أن ملك اهلل وسلطانه في السماء وفي األرض أي ً‬
‫‪ -‬الوجه الخامس أن العقل يدل على أن اهلل سبحانه وتعالى فوق السماوات؛ وذلك ألن هذا فيه صفة كمال‪ ،‬أما إذا‬
‫قلنا بقول من يقول‪ :‬أن اهلل يحل في كل مكان‪ ،‬هذا نقص ليس فيه كمال‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه السادس أن الفطرة تدل على أن اهلل سبحانه وتعالى في السماء‪ ،‬فالخلق مفطورون على أن اهلل سبحانه‬
‫وتعالى في السماء‪ .‬ومعنى كون اهلل عز وجل في السماء‪ :‬أن اهلل على السماء‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :6‬وفيما نقل من عالمات النبي ‪ l‬وأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون باألرض‪ ،‬ويزعمون أن‬
‫إلههم في السماء‪ ،‬وروى أبو داود في سننه أن النبي ‪ l‬قال‪" :‬إن ما بين ٍ‬
‫سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا"‪ ،‬وذكر‬
‫الخبر إلى قوله‪" :‬وفوق ذلك العرش‪ ،‬واهلل سبحانه فوق ذلك"‪.‬‬
‫هذه األخبار ضعيفة ويغني عنها ما سبق‪ ،‬وكأن المصنف ‪ 6‬ذكرها لكي يعضد بها األدلة السابقة‪.‬‬

‫ثم قال ‪ : 6‬فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم اهلل تعالى على نقله وقبوله ولم يتعرضوا لرده وال تأويله وال‬
‫تشبيهه وال تمثيله‪ ،‬وقد نقل اإلجماع على ذلك أيضا ابن بطة وابن تيمية رحمهم اهلل تعالى‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬سئل اإلمام مالك بن أنس ‪ 6‬فقيل‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪﴿ :‬الرحمنْعلىْالعرشْاستوى﴾ كيف استوى؟ فقال‪:‬‬
‫[االستواء غير مجهول] أي؛ معلوم‪.‬‬
‫[والكيف غير معقول] يعني الكيفية ال يستطيع أحد أن يدركها بعقله‪.‬‬
‫[واإليمان به واجب] أي؛ اإليمان باالستواء واجب‬
‫[والسؤال عنه بدعة] أي؛ السؤال عن الكيفية بدعة‪.‬‬
‫ثم أمر بالرجل فأُخرج‪ ،‬وذلك خشية أن يفتن الناس في عقيدتهم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ثم قال ‪[ :6‬فصل في كالم اهلل سبحانه وتعالى]‬
‫ومن صفات اهلل تعالى أنه متكلم بكالم قديم يسمعه منه من شاء من خلقه‪.‬‬
‫سمعه موسى ‪ j‬منه من غير واسطة‪.‬‬
‫وسمعه جبريل ‪ j‬ومن أذن له من مالئكته ورسله‪.‬‬
‫وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في اآلخرة ويكلمونه ويأذن لهم فيزورونه‪.‬‬
‫وسىْْتَكل ً‬
‫ْم َ‬ ‫ََََ َ‬
‫ْاَّلل ُ‬
‫ِيما﴾‬ ‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬وْكلم‬
‫هذا فيه إثبات صفة الكالم هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وأنه يتكلم سبحانه وتعالى بكالم حقيقي يليق به سبحانه وتعالى ال‬
‫يشبه كالم المخلوقين‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪[ :‬متكلم بكالم قديم] أي قديم النوع حادث اآلحاد‪.‬‬
‫اآلحاد‪ :‬هو الكالم الذي يتكلم به سبحانه وتعالى‪ ..‬هذا حادث‪ .‬أما صفة الكالم فهي قديمة‪.‬‬

‫كْفَاستَمعْْل َِماْي ُ َ‬
‫وح ْي﴾َٰ‬ ‫َََ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫والدليل على قوله‪[ :‬سمعه موسى ‪ j‬منه من غير واسطة] قوله تعالى‪﴿ :‬وأناْاخترت ْ‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬


‫سْمِنْ َّرب ِ ْ‬
‫كْبِالحَ ِْ‬
‫ق﴾‪.‬‬ ‫والدليل على قوله‪[ :‬وسمعه جبريل ‪ ]j‬قوله تعالى‪﴿ :‬قلْْن َّزل ُْهْ ُر ُْ‬
‫وحْالق ُد ِ ْ‬
‫روح القدس هو‪ :‬جبريل ‪ .j‬فجبريل ‪ j‬سمع القرآن من اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وبلغه جبريل النبي ‪.l‬‬

‫والدليل على قوله‪[ :‬ومن أذن له من مالئكته] أي؛ في سماع كالمه سبحانه قول النبي ‪" :l‬ولكن ربنا تبارك وتعالى‬
‫اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا‪،‬‬
‫ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم؟"‬
‫فهذا يدل على أنهم سمعوا كالم اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ورسله]‪ :‬أي؛ من الرسل من سمع كالم اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وكلم اهلل سبحانه وتعالى ومنهم‪ :‬آدم ‪.j‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ابْ َعلي ْهِْإن ُْهْ ُه َْوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬‫َ‬
‫الرح ُْ‬
‫ِيم﴾‪.‬‬ ‫الت َو ُ ْ‬
‫ابْ َ‬ ‫ِ‬ ‫والدليل قوله تعالى‪﴿ :‬فتَلقيْْآد ُْمْمِنْْ َرب ِ ْهِْكل َِماتْْفتَ َْ‬
‫وكذلك كلم اهلل سبحانه وتعالى نبيه محمدا ‪ l‬وكلم النبي ‪ l‬ربه سبحانه وتعالى كما في رحلة اإلسراء والمعراج‬
‫حينما افترض اهلل عز وجل الصالة‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في اآلخرة ويكلمونه]‬
‫كما في قول النبي ‪" :l‬إن اهلل تبارك وتعالى يقول ألهل الجنة يا أهل الجنة‪ ،‬فيقولون‪ :‬لبيك ربنا وسعديك"‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ويأذن لهم فيزورونه]‬
‫هذا ليس عليه دليل صحيح وإنما ورد في ذلك حديث ضعيف‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫َ‬ ‫َ‬‫كْعَلىْ َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ثم قال‪ :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬يَاْ ُم َ‬
‫اسْب ِ ِر َسالاتِيْ َوبِكلام ِ ْي﴾‪.‬‬
‫الن ِ ْ‬ ‫وسىْْإِن ِيْاص َطفيتُ ْ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫وقال سبحانه‪ِ ﴿ :‬من ُهمْ َمنْكل َْمْ ْ‬
‫اَّلل﴾‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َُ َُ َ َ َ ً َ‬
‫انْل ِبشرْْأنْيكل ِم ْهْاَّللْإِلاْوحياْأوْمِنْوراءْحِجابْ﴾‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬وماْك ْ‬
‫َ‬ ‫ََ َُ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ِيْيَاْ ُم َ‬ ‫ََ ََ َ ُ‬
‫كْبِال َوادِْْال ُمق َد ِ ْ‬
‫سْ ُط ًوى﴾‬ ‫كْإِن ْ‬ ‫وسىْْ‪ْ١١‬إِن ِيْأناْرب ْ‬
‫كْفاخلعْْنعلي ْ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬فل َماْأتاهاْنود َْ‬
‫َ ََ َ َ َ َ ََ َ‬
‫اَّللْلاْإِل َْهْإِلاْأناْفاعبُدْن ِي﴾‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬إِننِىْأناْ ْ‬
‫وغير جائز أن يقول هذا أحد غير اهلل تعالى‪.‬‬
‫وقال عبد اهلل بن مسعود ‪" :E‬إذا تكلم اهلل بالوحي سمع صوته أهل السماء"‪ .‬روى ذلك عن النبي ‪.l‬‬
‫فكل هذه النصوص تدل على أن اهلل سبحانه وتعالى يتكلم كالما حقيقيا‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :6‬وروى عبد اهلل بن أنيس ‪ E‬عن النبي ‪ l‬أنه قال‪" :‬يحشر اهلل الخالئق يوم القيامة عراة حفاة غُ ْرال‬
‫هما فيناديهم بصوت يسمعه َمن بَـعُد كما يسمعه من قَـ ُرب‪ :‬أنا الملك أنا الديان"‪ .‬رواه األئمة واستشهد به البخاري‪.‬‬
‫بُ ً‬
‫هذا أيضا فيه دليل على أن اهلل سبحانه وتعالى يتكلم كالما حقيقيا‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬غرال] أي؛ غير مختونين‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬بـُ ْه ًما] أي؛ ليس معهم من حطام الدنيا شيء‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :6‬وفي بعض اآلثار (أي في كتب أهل الكتاب) أن موسى ‪ j‬ليلة رأى النار فهالته ففزع منها ناداه ربه‪:‬‬
‫"يا موسى! فأجاب سريعا استئناسا بالصوت‪ :‬لبيك‪ ،‬لبيك‪ ،‬أسمع صوتك‪ ..‬وال أرى مكانك‪ .‬فأين أنت؟ فقال‪ :‬أنا‬
‫فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك‪.‬‬

‫فعلم أن هذه الصفة ال تنبغي إال هلل تعالى‪ .‬قال‪ :‬فكذلك أنت يا إلهي أفكالمك أسمع أم كالم رسولك؟ قال‪ :‬بل‬
‫كالمي يا موسى"‪ .‬وهذا الحديث من اإلسرائيليات وهو ضعيف ويغني عنه ما تقدم‪.‬‬

‫وكأن المصنف ‪ 6‬ذكره ليدل على أن كتب أهل الكتاب فيها أن اهلل عز وجل يتكلم بكالم حقيقي‪.‬‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر المعنى الحق والمعنى الباطل‪ ،‬والدليل على المعنى الحق‪ ،‬وبما يُرد على المعنى‬
‫الباطل على كل صفة من الصفات اآلتية‪ :‬الوجه – اليدان – المجيء – الغضب – النزول ‪ -‬الضحك‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬العجب نوعان‪ ،‬وضح ذلك‪ ..‬وما الذي يستحيل على اهلل سبحانه وتعالى؟ ولماذا؟‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬كيف نجمع بين األوجه التي وردت في صفة اليدين؟‬
‫األسئـ ــلة‬ ‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬العلو نوعان‪ ..‬وضح ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الخامس‪ :‬اشرح قول المصنف ‪[ :6‬ومن صفات اهلل تعالى أنه متكلم بكالم قديم يسمعه‬
‫منه من شاء من خلقه]‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر‪ ..‬والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫المحاضرة الحاديــة والعشـرون‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة الحادية والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الخامسة من محاضرات كتاب [االعتماد شرح‬
‫لمعة االعتقاد]‪.‬‬
‫وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على‪ :‬مذهب أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم‪ ،‬ورؤية المؤمنين لربهم يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫قال المصنف ‪[ :6‬فصل في القرآن الكريم]‬


‫ومن كالم اهلل سبحانه القرآن العظيم وهو‪:‬‬
‫‪ -‬وصراطه المستقيم‪.‬‬ ‫‪ -‬وحبله المتين‪.‬‬ ‫‪ -‬كتاب اهلل المبين‪.‬‬
‫‪ -‬وتنزيل رب العالمين‪ ،‬نزل به الروح األمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين‪.‬‬
‫‪ -‬وهو سور محكمات‪.‬‬ ‫‪ -‬منه بدأ وإليه يعود‪.‬‬ ‫‪ -‬منزل غير مخلوق‪.‬‬
‫‪ -‬من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات‪.‬‬ ‫‪ -‬وحروف وكلمات‪.‬‬ ‫‪ -‬وآيات بينات‪.‬‬
‫‪ -‬محفوظ في الصدور‪.‬‬ ‫‪ -‬متلو باأللسنة‪.‬‬ ‫‪ -‬له أول وآخر وأجزاء وأبعاض‪.‬‬
‫‪ -‬فيه محكم ومتشابه‪.‬‬ ‫‪ -‬مكتوب في المصاحف‪.‬‬ ‫‪ -‬مسموع باآلذان‪.‬‬
‫‪ -‬وأمر ونهي‪.‬‬ ‫‪ -‬وخاص وعام‪.‬‬ ‫‪ -‬وناسخ ومنسوخ‪.‬‬
‫‪ -‬ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬

‫ََ َ َ َ ُ‬
‫ض ُهمْْل َِبعضْْ َظهيراًْ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َٰ َ ُ‬ ‫َ َ َٰ َ َ ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫ان ْبع‬
‫ونْب ِ ِمثل ِ ْهِْولوْْك ْ‬
‫نْلاْيأت ْ‬
‫لْهذاْالقرْآ ِْ‬‫نسْ َوال ِجنْْعل ْىْأنْيأتوا ْب ِ ِمث ِْ‬ ‫نْاجتَ َم َع ِْ‬
‫تْال ِإ ُ ْ‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬قلْلئ ِ ِْ‬

‫‪[ ﴾٨٨‬اإلسراء]‬
‫قوله ‪[ :6‬ومن كالم اهلل تعالى القرآن العظيم] أي‪ :‬من جملة كالم اهلل سبحانه وتعالى القرآن العظيم‪.‬‬
‫فالقرآن بعض كالم اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فاهلل تكلم بالتوراة واإلنجيل والزبور وكلم أنبياءه‪ .‬ومن كالمه القرآن العظيم‪.‬‬

‫قوله‪[ :‬وهو كتاب اهلل المبين] أي؛ الواضح‪.‬‬


‫فالقرآن يوضح األحكام الشرعية كما قال تعالى‪﴿ :‬بلسانْعربيْمبين﴾‬

‫‪39‬‬
‫وقوله‪[ :‬وحبله المتين] أي؛ من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬تنزيل من رب العالمين نزل به الروح األمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين] أي أن القرآن الكريم تنزيل‬
‫من اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬نزل به جبريل ‪ j‬على النبي ‪ l‬وهو سيد المرسلين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َٰ َ َ َ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ينْ(*)ْبِل ِسانْْعربِيْْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِنْالمنذِرِ ْ‬
‫ونْم ْ‬
‫كْل ِتك ْ‬ ‫ُ‬
‫ِينْ(*)ْعل ْىْقلب ِ ْ‬
‫وحْالأم ْ‬ ‫بْال َعال ِم َْ‬
‫ينْ(*)ْن َز ْلْب ِ ْهِْالر ْ‬ ‫يلْ َر ِْ‬
‫نز ْ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬إِن ْهْلت ِ‬
‫مبِينْ﴾ [الشعراء]‬

‫وقوله‪[ :‬بلسان عربي مبين] أي بلسان عربي واضح‪.‬‬


‫كما قال تعالى‪﴿ :‬بِل َِسانْْ َع َربِيْْمبِينْ﴾ وذلك لكي نتدبره ونفهمه‪.‬‬
‫َّ َ َ َ ُ ُ ً َ َ ًّ َّ َ َّ ُ َ ُ َ‬
‫ون﴾‪.‬‬
‫كما قال سبحانه‪﴿ :‬إِناْأنزلن ْاهْقرْآناْعربِياْلعلكمْْتعقِل ْ‬

‫وقوله‪[ :‬منزل غير مخلوق‪ ،‬منه بدأ وإليه يعود] أي أن القرآن الكريم منزل من عند اهلل سبحانه وتعالى غير مخلوق من اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬بدأ ألنه تكلم به‪ ،‬وإليه يعود ويرجع فى آخر الزمان‪ ،‬فال يبقى في األرض منه آية‪.‬‬

‫وذلك كما قال عبد اهلل بن مسعود ‪" : E‬لينتزعن هذا القرآن من بين أظهركم‪ ،‬قيل‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‪ ،‬كيف ينتزع وقد‬
‫أثبتناه في مصاحفنا؟ قال‪ :‬يسرى عليه في ليلة فال يبقى في قلب عبد وال مصحف منه شيء ويصبح الناس فقراء كالبهائم‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كْب ِ ْهِْ َعلينَاْ َوك ِيلا﴾" [اإلسراء‪]٨٦ :‬‬ ‫قرأ عبد اهلل بن مسعود ‪َ ﴿ :E‬ولئِنْشِئنَاْل َنذهب َ َّْ‬
‫نْبِالذِيْأو َحينَاْإِلي ْ‬
‫كْث َّْمْلاْت ِج ُْدْل ْ‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪[ :6‬وأما إليه يعود]‪ ،‬فإنه يُسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصور فال يبقى فى‬
‫الصدور منه كلمة وال يبقى في المصاحف منه كلمة‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات] أي؛ القرآن الكريم عبارة عن‪ :‬سور متقنات‪.‬‬
‫وآيات واضحات في الداللة‪ ،‬وحروف وكلمات‪.‬‬
‫كالما بغير حروف وال صوت‪.‬‬
‫وهذا خالفًا لمن يقول إن اهلل عز وجل يتكلم ً‬
‫فمذهب أهل السنة والجماعة في القرآن أنه حروف وكلمات‪ ،‬وأن اهلل عز وجل تكلم به‪.‬‬
‫كالما حقيقيًا يليق بجالله سبحانه وتعالى‪ ،‬ال يشبه كالم المخلوقين‪ ،‬وكالم اهلل عز وجل بحرف وصوت‪.‬‬
‫واهلل يتكلم ً‬

‫وقوله ‪[ :6‬من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات] أي من قرأ القرآن تالوة صحيحة ولم يلحن فيه‬
‫فله بكل حرف يقرأه عشر حسنات‪.‬‬
‫وكما قال النبي ‪" :l‬من قرأ حرفًا من كتاب اهلل فله به حسنة‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال أقول ألم حرف‪ ،‬ولكن ألف حرف‬
‫والم حرف وميم حرف"‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وقوله‪[ :‬له أول وآخر وأجزاء وأبعاض]‬
‫أي؛ القرآن الكريم له أول وله آخر‪ ،‬فأوله سورة الفاتحة وآخره سورة الناس‪.‬‬
‫جزءا‪.‬‬
‫وكذلك القرآن الكريم أجزاء‪ ،‬عدد أجزائه ثالثون ً‬
‫وهذا فيه رد على من يزعم أن كالم اهلل واحد ال يتبعض وال يتجزأ‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬متلو باأللسنة محفوظ في الصدور مسموع باآلذان مكتوب بالمصاحف]‪.‬‬


‫أي؛ القرآن الكريم الذي هو كالم اهلل سبحانه وتعالى يتلى باأللسنة ويحفظ بالصدور ويسمع باآلذان وهو مكتوب في‬
‫المصاحف‪.‬‬
‫ومراد المصنف ‪ 6‬من ذلك أن كالم اهلل سبحانه وتعالى أينما تصرف وكيفما تصرف فهو كالم اهلل‪.‬‬
‫وأما صوت القارئ وصدر الحافظ وأذن السامع والمداد والحبر والورق المكتوب عليه كل هذا مخلوق‪.‬‬

‫وقوله [فيه محكم ومتشابه] أي؛ القرآن الكريم فيه آيات محكمة وآيات متشابهة‪.‬‬
‫والمحكم‪ :‬ما كانت داللته على المعنى واضحة‪.‬‬
‫والمتشابه‪ :‬ما كانت داللته على المعنى غير واضحة‪.‬‬
‫ويرد المتشابه إلى المحكم حتى يفهم‪.‬‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ََ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ن ْأمْ ْالكِتَ ِْ‬
‫اب ْ َوأخ ُْر ْ ُمتشاب ِ َهاتْ‬ ‫ك ْالك َِت َْ‬
‫اب ْمِن ُْه ْآيَاتْ ْمحك َماتْ ْه ْ‬ ‫نز ْل ْعلي ْ‬ ‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ه َْو ْالذِي ْأ‬
‫َ َ َ َ ُ َ َ ُ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫الراسِخونْ‬
‫َ َ َ َ َ‬
‫اء ْتأوِيل ِ ْهِْوماْيعلم ْتأوِيله ْإِلاْاَّلل ْو‬‫اء ْالفِتنةِْوابتِغ‬ ‫ْماْت َ َشاب َ َه ْمِن ُه ْابت ِ َغ َ‬
‫ون َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ُُ‬ ‫فَأ َّماْالَّذ َ‬
‫ِين ْفِيْقلوب ِ ِهم ْزيغ ْفيتبِع‬
‫َ َ َ َ َ َّ َّ َّ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ابْ(‪[ ﴾)٧‬ءال عمران]‬ ‫فِيْالعِل ِم َْيقولونْآ َم َّناْب ِ ْهِْكلْْمِنْْعِن ِْدْ ْربِناْْوماْيذك ُْرْإِلاْأولوْالألب ِْ‬
‫َ‬

‫وقوله‪[ :‬وناسخ ومنسوخ] أي أن القرآن الكريم فيه آيات ناسخة وآيات منسوخة‪.‬‬
‫أما الناسخ‪ :‬فهو الرافع لما قبله‪.‬‬
‫والمنسوخ‪ :‬هو المرفوع‪.‬‬
‫يعني قد ينزل في بداية اإلسالم حكم شرعي‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك حكم آخر يرفع هذا الحكم األول‪.‬‬
‫ومن ذلك أن في بداية اإلسالم كان يجب على المسلم أال يفر في القتال من أمام عشرة ثم نسخ هذا الثنين‪.‬‬
‫ِن ْ ْال َّذ َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِينْ‬ ‫ن ْ َوِإن ْيَكن ْمِنكم ْمِائةْ ْ َيغل ِبُوا ْألفا ْم َْ‬ ‫ون ْ َصاب ِ ُر ْ‬
‫ون ْ َيغل ِبُوا ْمِائتي ِْ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬إِن ْيَكن ْمِنكمْ ْعِش ُر ْ‬
‫َ َ ُ َ َّ ُ َ َّ َ َ َ‬
‫اْيفق ُهونْ(‪[ ﴾)٦٥‬األنفال]‬ ‫كفرواْبِأنهمْقومْل‬
‫هذه اآلية فيها المنسوخ وهو وجوب مصابرة العشرين أمام المائتين‪ .‬أي؛ كل واحد يصبر على عشرة‪.‬‬
‫ثم نزل بعد ذلك نسخ وهو‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ً َ َ ُ‬ ‫َّ ُ َ ُ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫ن ْفِيكمْ ْضعفا ْفإِنْيكنْمِنكمْمِائة ْصابِرة ْيغل ِبواْمِائتي ِن ْوِإنْ‬ ‫اَّلل ْعنكمْ ْوعل ِْم ْأ ْ‬ ‫فْ ْ‬ ‫ن ْخف ْ‬ ‫قوله تعالى ﴿الْآ ْ‬
‫ْم َع َّ‬ ‫ِْو َّ ُ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ينْ(‪[ ﴾)٦٦‬األنفال]‬ ‫ْالصابر َ‬
‫ِِ‬
‫ْاَّلل َ‬‫ن‬ ‫ذ‬ ‫إ‬‫ْب‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ل‬ ‫واْأ‬ ‫ِب‬ ‫ل‬‫غ‬ ‫ْي‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ْأ‬‫يَكنْمِنكم‬
‫َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ َ‬ ‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى في النسخ‪َ ﴿ :‬ما ْن َ َ‬
‫اَّلل ْعَل ْىَْٰ‬
‫نْ ْ‬ ‫ت ْ ِبخير ْمِنهاْأو ْمِثل ِهاْ ْألمْ ْتعلمْ ْأ ْ‬
‫سها ْنأ ِْ‬
‫نسخْ ْمِنْ ْآيةْ ْأوْ ْنن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ك ِْلْشىءْْقدِيرْ(‪[ ﴾)١٠٦‬البقرة]‬

‫وقوله [هو خاص وعام] أي أن من آيات القرآن آيات عامة ومنه آيات خاصة‪.‬‬
‫والمراد بالخاص‪:‬‬
‫‪ ᛜ‬ما كان خاصا بالنبي ‪.l‬‬
‫‪ ᛜ‬أو خاصا ببعض األشخاص‪.‬‬
‫‪ ᛜ‬أو ببعض األحوال‪.‬‬
‫والعام‪ :‬ما كان يشمل جميع األمة‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬وأمر ونهي] أي‪ :‬من آيات القرآن الكريم ما هو مأمور به ومنه ما هو منهي عنه‪ .‬فيه آيات تأمرنا بفعل أشياء وفيه آيات‬
‫تنهانا عن فعل أشياء‪.‬‬

‫وقوله [ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم حميد]‪3‬‬
‫أي؛ يستحيل أن يأتي الباطل على كتاب اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وذلك ألن اهلل سبحانه وتعالى تكفل بحفظه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫انْ َبعض ُهمْْل َِبعضْْ‬ ‫نْلاْيَأت ْ‬
‫ونْب ِ ِمثل ِ ْهِْ َولوْْك ْ‬ ‫نسْ َوال ِجنْْعَل َْٰىْأنْيَأتواْب ِ ِمث ِْ‬
‫لْهَٰذاْالقرْآ ِْ‬ ‫نْاجتَ َم َع ِْ‬
‫تْال ِإ ُ ْ‬ ‫وقوله تعالى ﴿قلْلئ ِ ِْ‬
‫َ‬
‫يراْ‪[ ﴾٨٨‬اإلسراء] أي؛ إلن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يستطيعون ذلك ولو كان‬ ‫ظ ِه ًْ‬
‫يأتي بمثله‪.‬‬
‫بعضهم لبعض مساعدا ومعاونا‪ ،‬وذلك ألنه كالم اهلل سبحانه وتعالى فال يستطيع أحد أن َ‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا "لن نؤمن بهذا القرآن"]‬
‫أي أن هذا القرآن المتلو باألحرف العربية هو كالم اهلل تعالى‪.‬‬
‫وهو يدل على أن اهلل تعالى تكلم به بحرف وصوت‪.‬‬
‫ولهذا قال الكفار‪﴿ :‬لنْنؤمنْبهذاْالقرآن﴾‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال ‪[ :6‬وقال بعضهم‪﴿ :‬إنْهذاْإلاْقولْالبشر﴾‪ ،‬فقال اهلل سبحانه‪َ ﴿ :‬سأصل ِي ْهِْ َسق َْر﴾]‬
‫أي؛ لما قال الوليد بن المغيرة هذا القرآن من قول البشر‪.‬‬

‫توعده اهلل سبحانه بقوله‪﴿ :‬سأصليهْسقر﴾‪ ،‬وسقر‪ :‬جهنم‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫الشع َْر ْ َو َما ْيَنبَ ِغيْ ْل ُْه ْإِنْ ْه َْو ْإِلا ْذِكرْ ْ َوقرْآنْ ْمبِينْ﴾‬ ‫ثم قال ‪[ :6‬وقال بعضهم‪ :‬هو شعر‪ .‬وقال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َما ْعلمنَ ْ‬
‫اهُ ْ ِ‬
‫[يس‪]٦٩ :‬‬
‫فلما نفى عنه أنه شعر‪ ،‬وأثبته قرآنا لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات‬
‫وحروف وآيات‪..‬‬
‫ألن ما ليس كذلك ال يقول أحد إنه شعر‪ ،‬ألن اهلل سبحانه وتعالى لما نفى عن القرآن أنه شعر وأثبته قرآنا‪ ،‬دل ذلك‬
‫على أنه هو هذا الكتاب العربي‪ ،‬الذي هو [كلمات وحروف وآيات]‪.‬‬

‫َ ُ ُ َ َ َ ُ‬
‫اءكم ْمِنْ‬ ‫ثم قال ‪[ :6‬وقال اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬وِإن ْ ُكنتُمْ ْفي ْ َريبْ ْم َِّما ْن َ َّزل َنا ْعَل َ َْٰى ْ َعبدِنَا ْفَأتُوا ْب ُس َ‬
‫ورةْ ْمِن ْمِثل ِ ْهِْوادعوا ْشهد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اَّلل ِْإِنْكنتُمْْ َصادِق َْ‬
‫ِين﴾ [البقرة‪]٢٣ :‬‬ ‫ونْ ْ‬ ‫د ِْ‬
‫وال يجوز أن يتحداهم باإلتيان بمثل ما هو ال يدرى وال يعقل‪ .‬أي‪ :‬تحدى اهلل عز وجل العرب أن يأتوا بسورة من مثل‬
‫القرآن‪ .‬وال يمكن أن يتحداهم اهلل عز وجل إال بشيء يفهمون ويسمعونه‪ ،‬وهو من جنس ما يعهدونه من الكالم‪.‬‬
‫فهذا يدل على أن القرآن من كالم اهلل سبحانه وتعالى وكالم اهلل عز وجل بحرف وصوت‪.‬‬

‫َ َ َٰ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ ََ‬


‫ت ْبِقرْآنْْغي ِْرْهذاْأوْْبدِل ْه ِْ ْقلْْ‬ ‫اءناْائ ِْ‬ ‫ونْل ِق‬
‫ِينْلاْيرج ْ‬
‫الْالذ ْ‬ ‫ثم قال ‪[ :6‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وِإذا ْتتل َْٰىْعلي ِهمْ ْآيَاتنَا ْبَيِنَاتْ ِْ ْق ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َّ ُ َّ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ ُ َ‬
‫ابْيَومْْع ِظيمْ﴾‬
‫تْ َربِيْعذ َْ‬ ‫افْإِنْْع َصي ُْ‬
‫وح َْٰيْإِل َّْي ِْْإِنِيْأخ ْ‬ ‫ونْلِيْأنْْأبَدِل ُْهْمِنْت ِلقا ِْءْنف ِسى ِْْإِنْْأتب ِ ْعْإِلاْماْي‬
‫ماْيك ْ‬
‫فأثبت أن القرآن هو اآليات التي تتلى عليه‪.‬‬
‫فهذا فيه بيان أهل السنة والجماعة بأن القرآن من كالم اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪ :6‬وقال تعالى‪﴿ :‬بلْهوْآياتْبيناتْفيْصدورْالذينْأوتواْالعلم﴾‬


‫أي أن القرآن المحفوظ في الصدور هو كالم اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬إنهْلقرآنْكريمْفيْكتابْمكنونْلاْيمسهْإلاْالمطهرون﴾ بعد أن أقسم على ذلك]‬
‫َ‬ ‫ً َُ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ِ َ َّ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫نَهُْلقرْآنْْكرِيمْْفِيْكِتَابْْ َّمكنُونْ﴾‬
‫ْوِإن ُهْلق َسمْلوْتعل ُمونْع ِظيمْإ ِ ِ‬ ‫س ُْمْب ِ َم َواق ِعِ ْالنجوم‬
‫أي كما قال سبحانه ﴿فلاْأق ِ‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وقال تعالى‪﴿ :‬كهيعص‪ْ ،‬حم‪ْ ،‬عسق﴾‪ ،‬وافتتح تسعا وعشرين سورة بالحروف المقطعة‪ ،‬وقد ذكر اهلل سبحانه‬
‫وتعالى هذه اآليات للتحدي‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وقال النبي ‪" : l‬من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف‬
‫حسنة"]‪.‬‬
‫أي‪ :‬من قرأ القرآن فجوده فله بكل حرف منه عشر حسنات‪ ،‬ومن قرأ القرآن وأخطأ فله بكل حرف حسنة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ولكن هذا الحديث ضعيف و يغني عنه قوله ‪" :l‬من قرأ حرفا من كتاب اهلل فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال‬
‫أقول ألم حرف ولكن ألف حرف والم حرف وميم حرف"‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وقال عليه الصالة والسالم‪" :‬اقرأوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم ال يجاوز تراقيهم‪،‬‬
‫يتعجلون أجره وال يتأجلونه"]‪.‬‬
‫هذا فيه حث على قراءة القرآن قبل أن يأتي قوم يقرؤونه قراءة موجودة صحيحة ال يجاوز حلقهم‪ ،‬أي يتلونه هلل‬
‫سبحانه وتعالى وإنما يريدون بذلك األجر والثواب في الدنيا‪ ،‬إما عن طريق أخذ األجرة وإما عن طريق المدح‪.‬‬
‫وال يتأجلونه‪ :‬أي ال يقصدون بقراءته وجه اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬قال أبو بكر وعمر رضى اهلل عنهما‪ :‬إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه]‪.‬‬
‫أي؛ الذي يقرأ القرآن قراءة جيدة أحب ممن يحفظه حفظا خطأ‪.‬‬
‫ولكن هذا األثر ضعيف‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وقال علي ‪ :E‬من يكفر بحرف منه فقد كفر به كله]‪.‬‬
‫أي‪ :‬من كفر بحرف من القرآن الكريم مجمع عليه فقد كفر بالقرآن كله‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬واتفق المسلمون على عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه‪ ،‬وال خالف بين المسلمين في أن من جحد من‬
‫القرآن سورة أو آية أو كلمة أوحرفا متفق عليه أنه كافر]‪.‬‬
‫وفى هذا حجة قاطعة على أنه حروف‪.‬‬
‫أما الحروف المختلف فيها في القراءات فهذه تخرج من هذا اإلجماع‪.‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬جناتْتجريْمنْتحتهاْالأنهار﴾‪ ،‬وفي قراءة أخرى‪﴿ :‬تجريْتحتهاْالأنهار﴾‪.‬‬
‫وأيضا قوله تعالى ﴿مالكْيومْالدين﴾‪ ،‬وفي قراءة أخرى ﴿ملكْْيومْالدين﴾‬
‫فهذه الحروف المختلف فيها ال تدخل في اإلجماع السالف‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬فصل في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪ ،‬والمؤمنون يرون ربهم في اآلخرة بأبصارهم ويزورونه و يكلمهم‬
‫ويكلمونه‪ ،‬قال تعالى ﴿وجوهْيومئذْناضرةْإليْربهاْناظرة﴾‬

‫وقال تعالى ﴿كلاْإنهمْعنْربهمْيومئذْلمحجوبون﴾‬


‫فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا‪ .‬وإال لم يكن بينهما فرق]‪.‬‬
‫وقال النبي ‪" :l‬إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ال تضامون في رؤيته" حديث صحيح متفق عليه‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية‪ ،‬ال للمرئي بالمرئي‪ ،‬فإن اهلل تعالى ال شبيه له وال نظير‪.‬‬
‫في هذا الفصل يبين المصنف ‪ 6‬عقيدة أهل السنة والجماعة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة‪.‬‬
‫فقد أجمع السلف على أن المؤمنين يرون ربهم عز وجل في القيامة‪ ،‬وأن الكفار ال يرون ربهم سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫فيجب أن نثبت ذلك من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل‪..‬‬
‫ونثبت أنها رؤية حقيقية تليق باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وأما أهل التعطيل فقالوا‪ :‬المراد بالرؤية الثواب‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬المراد بالرؤية العلم واليقين‪.‬‬
‫ورد عليهم أهل السنة والجماعة بأربعة أوجه‪:‬‬
‫‪ ‬األول‪ :‬أن قولهم خالف ظاهر النصوص‪.‬‬
‫‪ ‬الثاني‪ :‬أن قولهم خالف طريقة السلف‪.‬‬
‫‪ ‬الثالث‪ :‬أن قولهم ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ ‬الرابع‪ :‬أن العلم واليقين حاصل لألبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في اآلخرة فكيف نفسر الرؤية‪.‬‬

‫وذكر المصنف ‪ 6‬بعض األدلة على إثبات الرؤية في اآلخرة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬وجوهْيومئذْناضرةْإليْربهاْناظرة﴾‪.‬‬
‫وناضرة‪ :‬من النضرة والبهاء والنور‪.‬‬
‫وقد أجمع أهل اللغة على أن النظر إذا عدي ب(إلى) فإن المراد به نظر العين‪.‬‬
‫وهنا قال تعالى‪ :‬إلى ربها ناظرة‪ .‬فعدي النظر بحرف الجر (إلى) فدل بذلك على أن المراد بالنظر نظر العين‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضا التي ذكرها المصنف ‪ 6‬قوله تعالى ﴿كلاْإنهمْعنْربهمْيومئذْلمحجوبون﴾‬

‫وذكر وجه الداللة في هذه اآلية فقال‪[ :‬فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا وإال‬
‫لم يكن بينهما فرق]‪ .‬وهذا من كالم اإلمام الشافعي ‪.6‬‬
‫وذكر أيضا من أدلة رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة قول النبي ‪" :l‬إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ال تضامون في‬
‫رؤيته"‪ .‬أي؛ ال ينضم بعضكم إلى بعض وال يقول‪ :‬أرنيه‪ ،‬بل كل ينفرد برؤيته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اشرح قول المصنف ‪[ :6‬منزل غير مخلوق‪ ،‬منه بدأ وإليه يعود وهو سور محكمات وآيات‬
‫بينات وحروف وكلمات من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات]‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬ما حكم من أنكر حرفا أو كلمة أو آية من القرآن الكريم؟‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في رؤية اهلل عز وجل في القيامة؟ مع ذكر دليلين على ما تقول‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر والحمد هلل الذي تتم به الصالحات‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫المحاضرة الثـاني ــة والعشـرون‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫ً‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ .‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة الثانية والعشرون من محاضرات العقيدة للفرقة الثانية‪ ،‬وهي السادسة من دروس كتاب (االعتماد شرح‬
‫لمعة االعتقاد)‬
‫وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على‪ :‬اعتقاد أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر‪ ،‬ومذهب أهل السنة والجماعة‬
‫في اإليمان‪.‬‬
‫((هذا مجمل وإليكم التفصيل))‬

‫قال المصنف ‪[ :6‬فصل في القضاء والقدر]‬


‫ومن صفات اهلل تعالى‪ :‬أنه الفعال لما يريد‪ ،‬ال يكون شيء إال بإرادته‪ ،‬وال يخرج شيء عن مشيئته‪ ،‬وليس في العالم‬
‫شيء يخرج عن تقديره‪ ،‬وال يصدر إال عن تدبيره‪ ،‬وال محيد عن القدر المقدور‪ ،‬وال يتجاوز ما خط في اللوح‬
‫المسطور‪ ،‬أراد العالم فاعلون ولو عصمهم لما خالفوه‪ ،‬ولو شاء أن يطيعوه جميعا ألطاعوه‪ ،‬خلق الخلق وأفعالهم‪،‬‬
‫وقدر أرزاقهم وآجالهم‪ ،‬يهدي من يشاء برحمته‪ ،‬ويضل من يشاء بحكمته]‪.‬‬

‫في هذا الفصل ذكر المصنف ‪ :6‬عقيدة أهل السنة والجماعة في‪(( :‬اإليمان بالقضاء بالقدر))‬
‫واإليمان بالقضاء والقدر أصل من أصول اإليمان الستة عند أهل السنة والجماعة‪ ..‬ال يتم إيمان عبد حتى يؤمن‬
‫بالقضاء والقدر‪.‬‬
‫واألدلة على وجوب اإليمان بالقدر كثيرة منها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َّ َ‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬إِناْك ْلْشىءْْ َخلقنَ ْاهُْبِق َدرْ﴾ [القمر‪.]49 :‬‬
‫وقول النبي ‪" :l‬ال يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم‬
‫يكن ليصيبه"‪.‬‬
‫يعنى ال يتم إيمان أحد باهلل سبحانه وتعالى حتى يؤمن بالقدر خيره وشره‪ ،‬وحتى يعلم أن ما أصابه من شر لم يكن‬
‫ليخطئه وأن ما أخطأه (يعني لم يصبه) من خير لم يكن ليصيبه‪ ،‬ألن األمور مقدرة‪ ،‬قدر اهلل عز وجل كل شيء‪.‬‬
‫وهذا من مقتضى علمه سبحانه وتعالى‪ ..‬فاهلل عز وجل يعلم ما الخلق فاعلون‪ ،‬وكتب أعمارهم وأرزاقهم وآجالهم‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫وأنا كثيرا ما أضرب مثاال بهذا‪ :‬الرجل الذي يعمل مدرسا‪ ،‬في نهاية العام قال للطالب‪ :‬أيها الطالب أعددت اختبارا‬
‫وأعددت كشفا فيه أسماؤكم‪ ..‬وكل طالب كتبت درجته بجوار اسمه‪ ،‬وسأعطيكم االختبار‪ ،‬وننظر فسنجد درجة كل‬
‫طالب في االختبار هي التي كتبتها في الكشف قبل أن تجيبوا على االختبار‪.‬‬
‫وبالفعل اختبر الطالب وكانت المفاجأة أن كل طالب حصل على الدرجة التي كتبها له المعلم أو المدرس‪.‬‬
‫هل يمكن أن يقال إن هذا المدرس أو هذا المعلم ظلم الطالب؟‬
‫ال يمكن أن يقال هذا‪ .‬وإنما يقال‪ :‬إن هذا المعلم أو هذا المدرس خبير بأحوال الطالب أو عليم بأحوالهم‪.‬‬
‫لذا علم أن فالنا سيجيب عن جميع األسئلة وسيحصل على الدرجة النهائية‪ ،‬وأن فالنا لم يستطع أن يجيب إال على‬
‫نصف األسئلة‪ ،‬وأن فالنًا سيجيب على ربع األسئلة‪ ،‬وأن فالنًا سيجيب على ستين في المئة‪ ،‬إلى آخر ذلك فكتب‬
‫درجته فال يمكن أن يقال إن هذا المدرس ظالم‪.‬‬
‫لماذا؟ ألنه لم يجبر أحدا على كتابة إجابة معينة‪.‬‬
‫اهلل عز وجل له المثل األعلى‪ ،‬اهلل سبحانه وتعالى يعلم ما الخلق فاعلون‪..‬‬
‫لذا كتب أعمالهم وأرزاقهم وآجالهم إلى غير ذلك‪.‬‬
‫وقد ضلت في القدر طائفتان‪ :‬الجبرية والقدرية‪:‬‬
‫أما الجبرية فقالت إن اإلنسان مجبور على فعل نفسه‪ ،‬يعني كالريشة في مهب الريح‪.‬‬
‫وأما القدرية فقالت إن اإلنسان يخلق فعل نفسه وال عالقة هلل بفعله‪.‬‬
‫وأما أهل السنة والجماعة فقالت‪ :‬إن العبد له مشيئة وإن اهلل له مشيئة‪..‬‬
‫ومشيئة العبد قاصرة (يعني قد تحدث وقد ال تحدث)‪.‬‬
‫أما مشيئة اهلل سبحانه وتعالى فهي مشيئة نافذة ال بد أن تقع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ‬
‫ين﴾ [التكوير‪.]29 :‬‬
‫اَّللْربْْالعال ِم ْ‬
‫اءْ ْ‬ ‫ونْإِلاْأنْيش ْ‬
‫كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬وماْتشاء ْ‬

‫وال يتم إيمان عبد حتى يؤمن بمراتب القدر األربعة وهي‪ :‬العلم والكتابة والمشيئة والخلق‪.‬‬
‫ومعنى العلم‪ :‬أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء‪.‬‬
‫ومعنى الكتابة ‪ :‬أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات واألرض‬
‫بخمسين ألف سنة‪.‬‬
‫ومعنى المشيئة‪ :‬أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى إذا شاء شيئا قال له "كن" فيكون‪.‬‬
‫ومعنى الخلق بأن تؤمن بأن اهلل خلق كل شيء‪.‬‬
‫وإذا تأملت كالم المصنف ‪ 6‬وجدت أنه ضمن كالمه هذه المراتب األربع‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وقوله ‪[ :6‬ومن صفات اهلل تعالى أنه الفعال لما يريد ال يكون شيء إال بإرادته‪ ،‬وال يخرج شيء عن مشيئته] يريد هنا‬
‫بالمشيئة اإلرادة الكونية‪.‬‬
‫وقال أهل العلم‪ :‬لم ترد المشيئة في كتاب اهلل سبحانه وتعالى إال كونية‪ ،‬فالمشيئة واحدة‪ .‬أما اإلرادة فنوعان‪ :‬إرادة‬
‫كونية وإرادة شرعية‪.‬‬
‫أما اإلرادة الكونية فهي‪ :‬إرادة عامة ال تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬حدوث المصائب‪ ،‬هذه إرادة كونية ال تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه‪ ..‬ال بد أن تقع‪.‬‬
‫أما اإلرادة الشرعية‪ :‬فهي إرادة خاصة تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه‪..‬‬
‫وهذه إرادة قد تقع وقد ال تقع‪ ،‬بخالف اإلرادة الكونية‪ ،‬فإنها ال بد أن تقع‪.‬‬
‫فاهلل عز وجل أراد من العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ..‬فمنهم من آمن‪ ،‬ومنهم من كفر‪.‬‬
‫لذلك اإلرادة الشرعية‪ :‬تختص بعباد اهلل المؤمنين الذين امتثلوا أمر اهلل واجتنبوا نهيه‪.‬‬
‫أما اإلرادة الكونية‪ :‬فيدخل فيها المؤمن والكافر‪.‬‬
‫وفي كالمه ‪ 6‬إشارة إلى مرتبتي العلم والمشيئة‪.‬‬

‫وقوله ‪[ :6‬وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره‪ ،‬وال يصدر إال عن تدبيره وال محيد ألحد عن القدر المقدور] أي ال بد‬
‫أن يقع قدر اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وإذا آمن العبد بذلك سعد ولم يفزع ولم يخف من أحد إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لماذا؟ ألنه يوقن أنه لن يحدث شيء إال بقدر اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬لذلك أهل اإليمان أسعد الناس‪.‬‬
‫النبي ‪ l‬قال البن عباس معلما له هذه العقيدة‪" :‬يا غالم أني أعلمك كلمات‪ :‬احفظ اهلل يحفظك‪ ،‬احفظ اهلل تجده‬
‫تجاهك‪ .‬إذا سألت فاسأل اهلل وإذا استعنت فاستعن باهلل‪ ،‬واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم‬
‫ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك"‪.‬‬
‫وشيء‪ :‬نكرة في سياق اإلثبات تفيد العموم‪.‬‬
‫أي لم ينفعوك بشيء إال بشيء قد كتبه اهلل لك‪..‬‬
‫لذلك ال تستعن إال باهلل‪ ،‬وال تطلب إال من اهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫فاهلل عز وجل بيده كل شيء‪ .‬لذلك إذا أردت شيئا فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى ثم اعمل باألسباب‪.‬‬
‫قال ‪" :l‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك"‪.‬‬
‫يعني لو اجتمع العالم كله‪ ..‬دول العالم كلها اجتمعت على أن يضروا إنسانا بشيء واهلل ثم واهلل ثم واهلل ما استطاعوا‬
‫ذلك إال إذا شاء سبحانه وتعالى ذلك‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫((هذه عقيدة) ) إذا حققها العبد سعد‪ ،‬فلم يحزن إذا أصابه الضر‪ ،‬ولم يفعل شيئا محرما للحصول على عرض من‬
‫أعراض الدنيا ألنه يوقن أن كل شيء بيد اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫وج ّفت الصحف"‪.‬‬


‫ثم قال ‪" :l‬رفعت األقالم َ‬
‫هذا كناية عن الفراغ من كتابة المقادير‪.‬‬

‫وقوله ‪[ :6‬وال يتجاوز ما ُخط في اللوح المسطور]‬


‫هذا فيه إشارة إلى المرتبة الثالثة من مراتب اإليمان بالقضاء والقدر‬
‫وهي مرتبة‪(( :‬الكتابة))‬
‫ومعناها‪ :‬أن اهلل كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة‪.‬‬
‫كما قال ذلك النبي ‪.l‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫بْلاْ َيعل ُم َهاْإِلاْه َْو ِْْ َويَعل ُْمْ َماْفِيْالبَ ِْرْ َوال َبح ْرِ ِْْ َو َماْتسق ُ ْ‬
‫طْمِنْ َو َرقةْْ‬ ‫ِند ْهُْ َمفات ُِْحْالغي ِْ‬‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬وع‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اتْالأر ِضْولاْرطبْولاْيابِسْإِلاْفِيْكِتابْمبِينْ﴾ [األنعام‪.]59 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ظل َم ِ‬‫إِلاْ َيعل ُم َهاْ َولاْ َح َّبةْْفِيْ ْ‬

‫وقوله ‪[ :6‬أراد ما العباد فاعلوه]‬


‫هذه هي اإلرادة الكونية‪ ،‬أي ما يفعله الناس هو إرادة كونية من اهلل سبحانه وتعالى‪ ..‬ال بد أن تقع‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬ولو عصمهم لما خالفوه‪ ،‬ولو شاء أن يطيعوه جميعا ألطاعوه]‬
‫بمعنى‪ :‬لو عصم اهلل عز وجل الخلق ما فعلوا معصية وما تهاونوا في طاعته‪ ،‬ولو شاء أن يطيعوه جميعا ألطاعوه‪.‬‬
‫َ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬فعالْْل َِماْيُرِ ُْ‬
‫يد﴾‪.‬‬

‫وقوله ‪[ :6‬خلق الخلق وأفعالهم]‬


‫ُ َ‬‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬‫َ‬ ‫ََ‬
‫اَّللْخلقكمْْ َو َماْتع َمل ْ‬
‫ون﴾ [الصافات‪.]96 :‬‬ ‫كما قال تعالى‪﴿ :‬و ْ‬
‫((وهذه هي المرتبة الرابعة من مراتب اإليمان بالقضاء والقدر))‪.‬‬
‫إذن المصنف ‪ 6‬ذكر مراتب اإليمان بالقضاء والقدر األربعة وهي‪[ :‬العلم‪ ،‬الكتابة‪ ،‬المشيئة والخلق]‬

‫وقوله ‪[ :6‬وقدر أرزاقهم وآجالهم]‪.‬‬


‫أي أن هلل سبحانه وتعالى قدر أرزاق الخلق وآجالهم‪ ،‬فكل مخلوق له رزق لن يموت حتى يحصل عليه‪.‬‬
‫وكل مخلوق له أجل لن يموت قبل أجله‪ .‬هذا إذا تحقق اإليمان به ما خاف أحد إال من اهلل سبحانه وتعالى‪ ..‬ألن‬
‫اآلجال مكتوبة‪ ،‬واألرزاق مكتوبة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وقد قال النبي ‪ " : l‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك‪( ،‬أي في األربعين‬
‫الثانية يكون علقة)‪،‬‬
‫ثم يكون مضغة مثل ذلك‪( ،‬أي في األربعين الثالثة يكون مضغة‪ ،‬أي قطعة لحم صغيرة قدر ما يمضغ) ثم يبعث اهلل‬
‫ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له‪ :‬اكتب عمله‪ ،‬ورزقه‪ ،‬وأجله وشقي أم سعيد‪ .‬ثم ينفخ فيه الروح‪ ،‬فإن الرجل منكم‬
‫ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار‪ ،‬ويعمل حتى ما يكون بينه‬
‫وبين النار إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة"‪.‬‬
‫يعني‪ :‬قد يعمل اإلنسان بعمل أهل الجنة (أي طاعة) ثم يختم له بعمل أهل النار قبل الموت فيموت عليه فيدخل‬
‫النار‪ ..‬وذلك ألجل أنه كان يعمل بعمل أهل الجنة رياء وسمعة‪ ،‬لذا ختم له بعمل أهل النار‪.‬‬
‫ورجل آخر يعمل بعمل أهل النار طيلة حياته وقبل أن يموت يختم له بعمل أهل الجنة فيموت عليه فيدخل الجنة‪.‬‬
‫فالخواتيم ال يعلمها إال اهلل سبحانه وتعالى‪..‬‬
‫لذلك علينا أال نستحقر عاصيا ربما يختم له بعمل أهل الجنة فيموت عليه فيدخل الجنة‪ ،‬وربما يختم للذي نراه‬
‫محافظا على الفرائض بعمل أهل النار فيموت عليه فيدخل النار‪.‬‬
‫لذلك على اإلنسان أن يسأل اهلل عز وجل العافية‪.‬‬

‫وقوله ‪[ :6‬يهدي من يشاء برحمته‪ ،‬ويضل من يشاء بحكمته]‪.‬‬


‫يعني اهلل سبحانه وتعالى ال يظلم أحدا مثقال ذرة‪.‬‬
‫وإنما يهدي من يشاء برحمته‪ ،‬ويضل من يشاء بحكمته سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم ذكر ‪ 6‬بعض األدلة على اإليمان بالقضاء والقدر فقال‪:‬‬


‫َ ُ َ ُ َ َّ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ َ‬
‫ون﴾ [األنبياء‪]23 :‬‬
‫لْوهمْْيسأل ْ‬ ‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬لاْيسأ ْلْعماْيفع ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َّ َ‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬إِناْك ْلْشىءْْ َخلقنَ ْاهُْبِق َدرْ﴾ [القمر‪]49 :‬‬
‫أي قدر اهلل عز وجل المقادير وهدى الخالئق إليها‪.‬‬
‫َ َ َّ َ َ َ َّ َ َٰ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اَّلل ِْ‬
‫ِكْعلىْ ْ‬‫ن ْ ذل ْ‬
‫لْْأنْنبرأهاْْْإ ِ ْ‬ ‫ابْمِن ْم ِصيبةْْفِيْالأر ِ ْ‬
‫ض ْولاْفِيْأنفسِكمْْإِلا ْفِيْكِتابْْمِنْقب ِْ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬ماْأص ْ‬

‫يَسِيرْ﴾ [الحديد‪ ]22 :‬أي ما يصيب أحدا مصيبة إال واهلل عز وجل كتبها في اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ ً‬ ‫َ َ ُ َ ُ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ضل ُْه ْيج َعلْ ْ َصد َرْهُ ْضيِقا ْ َح َر ًجا ْكأن َماْ‬ ‫اَّلل ْأن ْ َيهدِي َ ُْه ْيَش َرحْ ْ َصد َرْهُ ْل ِل ِإسل ِْ‬
‫ام ِْ ْومن ْي ِردْ ْأن ْي ِ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬ف َمن ْيُرِدِْ ْ ْ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ‬ ‫لْ َّ ُ‬ ‫َ َ َٰ َ َ َ ُ‬ ‫ي َ َّص َّع ُْدْفيْ َّ‬
‫ون﴾ [األنعام‪]125 :‬‬ ‫ِينْلاْيُؤمِنُ ْ‬
‫سْعلىْالذ ْ‬ ‫الرج ْ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل‬ ‫ْ‬ ‫ِكْيجع‬ ‫الس َما ِْء ِْْكذل ْ‬ ‫ِ‬
‫أي إذا أراد اهلل سبحانه وتعالى أن يهدي عبدا شرح صدره لإلسالم‪ .‬وإذا أراد إضالل ٍ‬
‫عبد جعل صدره ضيقا حرجا‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫((وهذا فيه إشارة إلى اإلرادة الكونية))‬
‫وروى ابن عمر "أن جبريل ‪ j‬قال للنبي ‪ :l‬ما اإليمان؟ قال‪ :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‬
‫وبالقدر خيره وشره‪ ،‬فقال جبريل‪ :‬صدقت"‪[ .‬رواه مسلم]‬
‫وخير القدر هو ما يسعد اإلنسان به من الطاعة واألعمال واألقوال المحببة للنفس‪.‬‬
‫والمراد بشر القدر‪ :‬شر المقدور‪ ،‬ألن قدر اهلل سبحانه وتعالى كله خير ال شر فيه البتة‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪ :‬أن اهلل سبحانه ال يُنسب الشر إليه‪.‬‬
‫لذا قال النبي ‪" :l‬والشر ليس إليك"‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬خلق اهلل عز وجل ذوات السموم‪ ،‬فهي شر بالنسبة إلى اإلنسان‪.‬‬
‫أما باعتبار نسبتها إلى اهلل سبحانه وتعالى فهي خير محض‪.‬‬
‫وكذلك اهلل عز وجل قدر األمراض‪ :‬فهي شر بالنسبة لإلنسان الذي تصيبه‪ .‬أما باعتبار نسبتها إلى اهلل سبحانه وتعالى‬
‫فهي خير محض‪ .‬فاهلل عز وجل يصيب المؤمن باألمراض والمصائب حتى يرفع درجته‪.‬‬
‫بالء األنبياء ثم األمثل فاألمثل"‪.‬‬
‫لذلك النبي ‪ l‬يقول‪" :‬أكثر الناس ً‬
‫وقال ‪" :l‬يبتلى المرء على قدر دينه"‪.‬‬
‫وقال ‪" : l‬عجبا ألمر المؤمن‪ ،‬إن أمره كله خير‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان‬
‫خيرا له"‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :6‬وقال النبي ‪" :l‬آمنت بالقدر خيره وشره‪ ،‬وحلوه ومره"‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وحلوه ومره"‪ :‬أي يجب أن نؤمن بالقدر حلوه ومره‪ ،‬فكله من عند اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬سواء أحبه العبد ورضي عنه‪ ،‬أو‬
‫يرض‪ .‬فيجب على العبد أن يؤمن بقدر اهلل كله‪.‬‬
‫لم يحبه ولم َ‬
‫والفرق بين‪( :‬الخير والشر) وبين (الحلو والمر)‬
‫‪ -‬أن الخير والشر‪ :‬باعتبار المآل‪.‬‬
‫‪ -‬أما الحلو والمر‪ :‬فباعتبار العاجل‪.‬‬
‫كالطعام‪ :‬اإلنسان يتذوق حالوته أو مرارته في بداية األمر‪ ..‬فإذا استفاد الجسم منه أو تضرر منه فهذا يسمى‪ :‬الخير أو الشر‪.‬‬

‫ثم قال ‪ :6‬ومن دعاء النبي ‪ l‬الذي علمه الحسن بن علي ‪ G‬يدعو به في قنوط الوتر‪" :‬وقني شر ما قضيت"‪.‬‬
‫فهنا أضاف الشر إلى ما قضاه ال إلى قضائه‪ ،‬فكما تقدم‪ :‬الشر ال ينسب إلى اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وال نجعل قضاء اهلل وقدره حجة لنا في ترك أوامره وفعل نواهيه]‬
‫بل يجب أن نؤمن ونعلم أن هلل علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫َّ‬
‫اَّلل ِْ ُح َّ‬ ‫َ‬
‫ونْل َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫جةْْ َبع َْدْالر ُس ِْ‬
‫ل﴾ [النساء‪.]165 :‬‬ ‫اسْعَلىْ ْ‬
‫ِلن ِ ْ‬ ‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ل َِئلاْيَك ْ‬
‫ونعلم أن اهلل سبحانه ما أمر وما نهى إال المستطيع للفعل والترك‪ ،‬وأنه لم يجبر أحدا على معصية‪ ،‬وال اضطره إلى ترك‬
‫الطاعة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬لاْيُكل ِف َّ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫اْوس َع َها﴾ [البقرة‪]286 :‬‬
‫ْاَّللْنف ًساْإل ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫اَّللْ َماْاستَ َطعتُمْ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬فاتقواْ َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ال َيو َْمْتج َزىْكلْْنفسْْب ِ َماْك َسبَتْْلاْ ُظل َْمْال َيو َْم﴾ [غافر‪.]17 :‬‬
‫فدل على‪ :‬أن للعبد فعال وكسبا‪ ،‬يجزى على حسنه بالثواب‪ ،‬وعلى سيئه بالعقاب‪ ..‬وهو واقع بقضاء اهلل وقدره‪.‬‬
‫كأن المصنف ‪ 6‬يرد بهذا الكالم على من زعم أن اإلنسان مجبور على فعل المعاصي‪.‬‬
‫وإنما عقيدة أهل السنة والجماعة‪:‬‬
‫أن كل إنسان يفعل ما يفعله باختياره‪ ..‬فالذي يفعل الطاعة والذي يفعل المعصية يفعلها باختياره‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ل َهاْ َماْك َسبَتْْ َو َعلي َهاْ َماْاكت َسبَتْ﴾ [البقرة‪]286 :‬‬

‫ثم قال المصنف ‪[ :6‬فصل في اإليمان]‬


‫واإليمان‪ :‬قول باللسان‪ ،‬وعمل باألركان‪ ،‬وعقد بالجنان‪ ،‬يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص بالمعصية‪.‬‬
‫َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اة ِْ ْ َوذَٰل ْ‬
‫ِك ْد ُْ‬
‫ِينْ‬ ‫اة ْويؤتوا ْالزك ْ‬
‫يموا ْالصل ْ‬ ‫ِين ْ ُحنَف َْ‬
‫اء ْ َويُقِ ُ‬ ‫ين ْل ُْه ْالد َْ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َما ْأم ُِروا ْإِلا ْل َِيعبُ ُدوا ْ ْ‬
‫اَّلل ْمخل ِِص ْ‬
‫َ‬
‫القي ِ َم ْةِ﴾ [البينة‪.]5 :‬فجعل عبادة اهلل تعالى وإخالص القلب وإقام الصالة وإيتاء الزكاة كله من الدين‪.‬‬
‫هذا فيه عقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان‪..‬‬
‫فعقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان تتركب من خمس حقائق‪:‬‬
‫‪ -‬الثانية‪ :‬أن اإليمان عمل باألركان‪.‬‬ ‫‪ -‬األولى‪ :‬أن اإليمان قول باللسان‪.‬‬
‫‪ -‬الرابعة‪ :‬أن اإليمان يزيد بالطاعة‪.‬‬ ‫‪ -‬الثالثة‪ :‬أن اإليمان اعتقاد بالقلب‪.‬‬
‫‪ -‬الخامسة‪ :‬أن اإليمان ينقص بالمعصية‪.‬‬
‫هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان‪.‬‬

‫وذكر أدلة على ذلك منها‪ :‬اآلية التي تقدمت‪ ،‬وأيضا قال‪:‬‬
‫وقال رسول اهلل ‪" :l‬اإليمان بضع وسبعون شعبة‪ ،‬أعالها شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأدناها إماطة األذى عن الطريق"‪.‬‬
‫فجعل القول والعمل من اإليمان‪.‬‬
‫وأيضا هذا الحديث فيه‪ :‬أن اإليمان يزيد وينقص‪ :‬فأعلى شعب اإليمان شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأدنى شعب اإليمان‬
‫إماطة (أي إزالة) األذى عن الطريق‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫َ ً‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ََ َ ُ َ ً‬
‫يمانا﴾‬‫وقال ‪ :6‬وقال تعالى‪﴿ :‬فزادتهمْْإِيمانا﴾‪ ،‬وقال‪﴿ :‬ل ِيزدادواْإ ِ‬
‫هاتان اآليتان فيهما أن اإليمان يزيد‪.‬‬

‫وقال ‪ :6‬وقال رسول اهلل ‪" :l‬يخرج من النار من قال‪ :‬ال إله إال اهلل وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من اإليمان"‪.‬‬
‫فجعله متفاضال‪.‬‬
‫والمراد بالبرة‪ :‬حبة القمح‪.‬‬
‫والمراد بالخردلة‪ :‬نبات صغير‪ ،‬يضرب به المثل في الصغر‪.‬‬
‫وهذا الحديث فيه أن اإليمان ينقص‪.‬‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر دليلين عل وجوب اإليمان بالقضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬ما هي مراتب اإليمان بالقضاء والقدر األربعة التي ال يتحقق اإليمان بالقضاء والقدر إال بها؟‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬ضلت في القدر طائفتان‪ .‬اذكرهما‪ ،‬مع ذكر مذهب أهل السنة والجماعة في القدر‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان؟‬

‫نكتفي بهذا القدر والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫المحاضـرة الثـالث ــة والعشـرون‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة الثالثة والعشرون من محاضرات العقيدة وهو الدرس السابع من دروس كتاب (االعتماد شرح لمعة‬
‫االعتقاد)‪ ،‬وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على جملة من المسائل الغيبية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬وعذاب القبر ونعيمه‪.‬‬ ‫‪ -‬وأشراط الساعة‪.‬‬ ‫‪ -‬اإلسراء والمعراج‪.‬‬
‫‪ -‬والحشر يوم القيامة‪.‬‬ ‫‪ -‬والبعث‪.‬‬ ‫‪ -‬وفتنة القبر‪.‬‬
‫‪ -‬والشفاعة في القيامة‪.‬‬ ‫‪ -‬والصراط‪.‬‬ ‫‪ -‬وحوض نبينا ‪.l‬‬
‫‪ -‬والجنة والنار‪.‬‬

‫قال المصنف ‪[ :6‬فصل في السمعيات]‬


‫أي‪ :‬األمور التي جاءتنا عن طريق السمع وهو [القرآن‪ ،‬والسنة] وال مجال للعقل فيها‪.‬‬

‫قال ‪[ :6‬ويجب اإليمان بكل ما أخبر به النبي ‪ l‬وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا‪ ،‬نعلم أنه حق وصدق‪،‬‬
‫سواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه‪ ،‬ولم نطلع على حقيقة معناه]‪.‬‬
‫مثل‪ :‬حديث اإلسراء والمعراج‪ ،‬وكان يقظة ال مناما‪ .‬فإن قريشا أنكرته‪ ،‬وأكبرته‪ ،‬ولم تكن تنكر المنامات‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬أن ملك الموت لما جاء إلى موسى ‪ j‬ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فرد عليه عينه"‪.‬‬
‫قوله‪[ :‬ويجب اإليمان بكل ما أخبر به النبي ‪ l‬وصح به النقل] أي‪ :‬كل ما ثبت عن النبي ‪ l‬بحديث صحيح يجب علينا‬
‫أن نؤمن به‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬فيما شهدناه أو غاب عنا]‬
‫أي‪ :‬يجب علينا أن نؤمن بكل ما أخبر به النبي ‪ ،l‬سواء شاهدناه بأعيننا أو لم نشاهده وكان غيبا علينا‪ ،‬ألن النبي‬
‫‪ l‬ال يخبر إال بالصدق وال يخبر إال عن اهلل سبحانه تعالى‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬إنْْ ُه َْوْإل َاْ َوحيْْي ُ َ‬
‫وح َْٰي﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫وقوله‪[ :‬نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه]‬
‫أي‪ :‬يجب االعتقاد أن كل ما أخبر به النبي ‪ l‬حق وصدق‪ ،‬ال كذب فيه‪ ،‬سواء عقلناه بعقولنا أو جهلناه ولم نطلع‬
‫على حقيقة معناه‪ ،‬وهذا من تمام اإليمان‪.‬‬
‫ثم ذكر أمثلة ‪ 6‬على ذلك فقال‪ :‬مثل "حديث اإلسراء والمعراج"‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫واإلسراء‪ :‬هو سير جبريل ‪ j‬بالنبي ‪ l‬من المسجد الحرام إلى بيت المقدس‪.‬‬
‫والمعراج‪ :‬هو صعود النبي ‪ l‬من بيت المقدس إلى السماء بصحبة جبريل ‪.j‬‬
‫ام ْإلَي ْال َمسج ِْد ْالأَق َصى ْال َذِي ْب َ َ‬
‫اركناَْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان ْالذِي ْأسرى ْبِعب ِد ْه ِْليلا ْ ِم ْ‬
‫ُ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ج ِْد ْالحر ْ ِ‬
‫ن ْالمس ِ‬ ‫قال ربنا سبحانه وتعالى‪﴿ :‬سبح ْ‬

‫ير﴾ [اإلسراء‪]1 :‬‬ ‫ص ُْ‬ ‫َحول َ ُْهْل ِنُريَ ُهْمِنْآيَات ِنَا ِْْإنَ ُْهْ ُه َو َ‬
‫ْالس ِم ُ‬
‫يعْال َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫وقوله‪[ :‬وكان يقظة ال مناما‪ ،‬فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تكن تنكر المنامات] يعني كان اإلسراء والمعراج في اليقظة وليس‬
‫في المنام‪ ،‬وذاك ألن قريشا أنكرته وأكبرته‪ ..‬ولو كان مناما لما أنكرته ولما أكبرته‪.‬‬

‫ثم ذكر ‪ 6‬مثاال آخر وهو قوله‪[ :‬ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى ‪ j‬ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع‬
‫إلى ربه فرد عليه عينه]‪ .‬فيجب علينا أن نؤمن بهذا ألجل أن النبي ‪ l‬أخبرنا به ولم يعرف موسى ‪ j‬أنه ملك الموت لذا‬
‫لطمه ففقأ عينه‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬ومن ذلك أشراط الساعة] مثل‪:‬‬


‫‪ -‬ونزول عيسى بن مريم ‪ j‬فيقتله‪.‬‬ ‫‪ -‬خروج الدجال‪.‬‬
‫‪ -‬وخروج الدابة‪.‬‬ ‫‪ -‬وخروج يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫‪ -‬وطلوع الشمس من مغربها‪ ،‬وأشباه ذلك مما صح به النقل‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نؤمن بأشراط الساعة‪.‬‬

‫والساعة‪ :‬هي القيامة‪ .‬وأشراط الساعة قسمان‪ :‬أشراط صغرى‪ ،‬وأشراط كبرى‪.‬‬
‫‪ -‬أما الصغرى فهي التي تحدث وال تزال تتجدد‪.‬‬
‫‪ -‬وأما الكبرى فال تحدث إال عند قيام القيامة‪.‬‬

‫وقد قال ‪" :l‬إنها لن تقوم (أي القيامة) حتى تروا قبلها عشر آيات‪ ،‬فذكر الدخان‪ ،‬والدجال‪ ،‬والدابة‪ ،‬وطلوع الشمس من‬
‫مغربها‪ ،‬ونزول عيسى بن مريم ‪ ،l‬ويأجوج ومأجوج‪ ،‬وثالثة خسوف‪ :‬خسف بالمشرق‪ ،‬وخسف بالمغرب‪ ،‬وخسف في جزيرة‬
‫العرب‪ ،‬وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"‪.‬‬
‫ذكر ‪ 6‬من أشراط الساعة الكبرى‪(( :‬خروج الدجال))‬
‫وسمي بالدجال لكثرة كذبه‪.‬‬
‫والدجال‪ :‬رجل يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبية‪ُ .‬‬
‫والدجل هو‪ :‬الكذب‪.‬‬
‫والدجال معه جنة ونار‪ ،‬فجنته نار وناره جنة‪ ،‬ويأمر الناس أن يطيعوه ويتبعوه‪ ..‬فمن لم يطعه ألقاه في ناره وهي في‬
‫الحقيقة جنة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وقوله‪[ :‬ونزول عيسى بن مريم ‪ j‬فيقتله] أي‪ :‬ينزل عيسى ‪ j‬في آخر الزمان فيقتل الدجال‪.‬‬
‫قال النبي ‪" : l‬والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا‪ ،‬فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪،‬‬
‫ويضع الجزية (أي ال يقبل الجزية)‪ ،‬وإنما يخير الكفار بين الدخول في اإلسالم وبين القتال"‪.‬‬
‫قال ‪" :l‬ويفيض المال حتى ال يقبله أحد"‪ .‬أي‪ :‬يكثر المال حتى ال يقبله أحد‪.‬‬
‫وقال ‪ l‬عن عيسى ‪" :j‬فيطلبه (أي‪ :‬يطلب الدجال) حتى يدركه بباب لد فيقتله"‪.‬‬
‫وباب (لد) هذا في بيت المقدس‪ ..‬أي‪ :‬يقتل عيسى ‪ j‬الدجال عند باب "لد"‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬وخروج يأجوج ومأجوج]‬


‫يأجوج ومأجوج‪ :‬هم قوم من بني آدم ‪ j‬وهم موجودون اآلن‪.‬‬
‫ََ َ َُ َ َ َ ً َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ْإ َن ْيَأ ُ‬
‫ج َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ‬
‫جاْعَل َٰى ْأنْتج َعل ْبَينَنَاْ‬‫ْمفس ُِدون ْفِيْالأر ِض ْفهل ْنجعل ْلك ْخر‬
‫وج ُ‬ ‫ْو َمأ ُ‬
‫وج َ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬قالوا ْيا ْذا ْالقر ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ي‬‫ن‬
‫َوبَينَ ُهم َ‬
‫ْس ًدا﴾‬
‫خرجا يعني‪ :‬أجرا‪ .‬يعني نعطيك أجرا وتبني لنا سدا يحول بيننا وبينهم‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نؤمن بخروج يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫وقد ذكر النبي ‪ l‬أنهم خلق كثير ال يستطيع أحد أن يقاتلهم‪.‬‬

‫وقوله ‪[ :6‬وخروج الدابة] أي‪ :‬يجب علينا أن نؤمن بخروج الدابة في آخر الزمان‪.‬‬
‫وهذه الدابة تنير وجه المؤمن وتقطع أنف الكافر‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َُ ُُ ََ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َُ َ ًَ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫َ َ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وِإذا ْ َوق َْع ْالقو ْل ْعلي ِهمْ ْأخرجنا ْلهم ْدابة ْمن ْالأرض ْتكل ِمهم ْأن ْالناس ْكان ِْ‬
‫واْبآيات ِنا ْلاْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يُوق ِنُ ْ‬
‫ون﴾‪.‬‬
‫قال المفسرون‪ :‬تكلمهم أي تخاطبهم‪.‬‬
‫وقال بعض المفسرين‪ :‬تكلمهم أي‪ :‬تجرحهم‪.‬‬

‫ضا أن الشمس تطلع في آخر الزمان من مغربها‪.‬‬


‫وقوله ‪[ :6‬وطلوع الشمس من مغربها] أي‪ :‬يجب أن نصدق أي ً‬
‫كما قال النبي ‪" : l‬ال تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها‪ ،‬فذلك حين ال‬
‫ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا"‪.‬‬
‫أي‪ :‬إذا طلعت الشمس من مغربها ف حينئذ ال ينفع اإليمان لمن لم يؤمن قبل ذلك وال ينفع العمل الصالح لمن لم‬
‫يعمل قبل ذلك‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫وقوله‪[ :‬وأشباه ذلك مما صح به النقل]‬
‫أي‪ :‬يجب علينا أن نؤمن كذلك بكل شيء غيبي أخبر به النبي ‪ ،l‬كالخسوفات الثالثة التي تحدث عند قرب قيام‬
‫الساعة وهي‪ :‬خسف بالمشرق‪ ،‬وخسف بالمغرب‪ ،‬وخسف في جزيرة العرب‪.‬‬
‫والخسف هو‪ :‬تصدع األرض وابتالع ما عليها‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وعذاب القبر ونعيمه حق‪ ،‬وقد استعاذ النبي ‪ l‬منه وأمر به في كل صالة] أي‪ :‬عذاب القبر ونعيمه حق‬
‫يجب اإليمان به‪.‬‬
‫وْأيدِيهم ْأَخر ُ‬
‫جواْ‬
‫َ ََ َُ َ ُ َ‬
‫ِط‬
‫س‬ ‫ا‬‫ْب‬ ‫ة‬‫ك‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫م‬ ‫ال‬‫ْو‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ات ْال َ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬
‫يْغ َم َ‬ ‫ْف‬
‫َّ ُ َ‬
‫ن‬‫و‬ ‫ِم‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫الظ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ى‬‫َٰ‬ ‫ومن األدلة على ذلك‪ :‬قول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬ولَوْ ْت َ َ‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ابْالهون﴾‪.‬‬
‫نْعذ ْ‬ ‫أنفسكمْْاليو ْمْتجزو ْ‬
‫قال العلماء‪ :‬هذه اآلية في عذاب القبر‪.‬‬
‫َِ َُ ُ َ َ ِ َ ََ َُ َ‬
‫اَّللْ َماْ‬
‫لْ ْ‬ ‫ين ِْْويفع ْ‬
‫اَّللْالظال ِم ْ‬
‫لْ ْ‬ ‫ضْ‬ ‫تْفيْالحَيَا ْة ِْ ُ‬
‫الدنيَاْ َوفِيْالْآخِرْة ِْْوي ِ‬ ‫ْ‬‫ِ‬ ‫ب‬‫ا‬
‫َ‬
‫الث‬ ‫ْ‬‫ْ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ْ‬‫وا‬ ‫ْ‬‫اَّللْال َذ َ‬
‫ِينْآ َمنُ‬ ‫َُ ُ َ‬
‫تْ ْ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬يثب ِ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يَش ُْ‬
‫اء﴾‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬هذه اآلية في عذاب القبر ونعيمه‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬وقد استعاذ النبي ‪ l‬منه وأمر به في كل صالة] أي‪ :‬استعاذ النبي ‪ l‬من عذاب القبر وأمرنا أن نستعيذ منه في كل‬
‫صالة‪.‬‬
‫وذلك كما في حديث أبي هريرة ‪ :E‬أن النبي ‪ l‬كان يدعو في الصالة قبل أن يسلم منها‪[[ :‬اللهم إني أعوذ‬
‫بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال]]‪.‬‬
‫وفتنة الممات‪ :‬هي عذاب القبر‪.‬‬ ‫وفتنة المحيا‪ :‬هي الشهوات والشبهات‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪[ :6‬وفتنة القبر حق وسؤال منكر ونكير حق]‬


‫والفتنة‪ :‬هي االختبار‪.‬‬
‫والمراد أن الملكين المنكر والنكير يسأالن العبد في قبره ثالثة أسئلة وهي‪ :‬من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟‬
‫فأما المؤمن فيجيب‪ :‬ربي اهلل وديني اإلسالم ونبيي محمد ‪ ،l‬أما الكافر‪ :‬فال يجيب‪ .‬يقول‪ :‬ال أدري‪.‬‬

‫كما في حديث أبي هريرة ‪ E‬أن النبي ‪ l‬قال‪" :‬إذا قُبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان‪ ،‬يقال ألحدهما‬
‫المنكر ولآلخر النكير‪ ،‬فيقوالن‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول (أي‪ :‬ما كان يقول في الدنيا) هو‬
‫عبد اهلل ورسوله أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمد عبده ورسوله‪.‬‬
‫فيقوالن‪ :‬قد كنا نعلم أنك تقول هذا‪ .‬ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ثم يقال‪ :‬له نم‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬أرجع إلى أهلي فأخبرهم (يريد أن يبشر أهله بهذه المنزلة التي بلغها)‪.‬‬
‫فيقوالن‪ :‬نم كنومة العروس الذي ال يوقظه إال أحب أهله إليه‪ ،‬حتى يبعثه اهلل من مضجعه ذلك‪.‬‬

‫وإن كان منافقا قال‪ :‬سمعت الناس يقولون فقلت مثله‪ ،‬ال أدري‪.‬‬
‫فيقوالن‪ :‬قد كنا نعلم أنك تقول ذلك‪.‬‬
‫فيقال لألرض‪ :‬التئمي عليه‪ ،‬فتلتئم عليه‪ ،‬فتختلف فيها أضالعه (يعني تدخل أضالعه بعضها في بعض) فال يزال فيها‬
‫معذبا حتى يبعثه اهلل من مضجعه ذلك"‪.‬‬

‫وهنا فائدة‪ :‬هل العذاب في القبر يقع على الروح أو على الجسد؟‬
‫مذهب أهل السنة والجماعة‪ :‬أن العذاب والنعيم لروح الميت وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة‬
‫وأيضا تتصل بالبدن أحيانا فيحصل له معها النعيم أو العذاب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َُ َ‬
‫ن ْالأج َد ِْ‬
‫اثْ‬ ‫ورِْفإِذا ْهم ْ ِم َْ‬ ‫خ ْفي ْ ُ‬
‫الص ْ‬ ‫ثم قال ‪[ :6‬والبعث بعد الموت حق‪ ،‬وذلك حين ينفخ إسرافيل ‪ j‬في الصور‪﴿ :‬ونفِ ْ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫إِليْ َرب ِ ِهمْْيَنسِل ْ‬
‫ون﴾]‪.‬‬
‫أي‪ :‬يجب علينا أن نؤمن بالبعث بعد الموت‪.‬‬
‫والبعث‪ :‬هو إخراج الناس من قبورهم للحساب والجزاء‪ ،‬وذلك حين ينفخ إسرافيل ‪ j‬في الصور‪.‬‬
‫والصور‪ :‬قرن عظيم ال يعلم قدره إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َُ َ‬


‫خْفيْ ُ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫َٰ‬
‫اثْإِل ْيْرب ِ ِهمْْينسِل ْ‬ ‫ورِْفإِذاْهمْ ِم َْ‬
‫نْالأجد ِْ‬ ‫الص ْ‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ونفِ ْ ِ‬
‫أي‪ :‬إذا نفخ إسرافيل ‪ j‬في الصور خرج الناس من قبورهم سراعا للحساب والجزاء‪.‬‬

‫هما‪ ،‬فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد ‪l‬‬
‫ثم قال ‪[ :6‬ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرال بُ ً‬
‫ََ‬
‫ويحاسبهم اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬وتُنصب الموازين‪ ،‬وتُنشر الدواوين‪ ،‬وتتطاير صحائف األعمال إلى األيمان والشمائل‪﴿ :‬فأ َّما ْ َمنْْ‬
‫َ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ِب ْإِلي ْأهلِهِْمسروراْ(*)ْوأماْمن ْأوتِي ْكِتابه ْوراء ْظه ِره ِْ‬
‫ب ْحِسابا ْيسِيرا ْ(*)ْوينقل ْ‬
‫ف ْيحاس ْ‬ ‫أوت ِْي ْكِتاب ْه ْبِي ِمين ِ ْهِ ْ(*)ْفسو ْ‬
‫)ْويَصل َ َ‬
‫ىْسعِ ً‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ‬
‫وْثبُ ً‬
‫وراْ(* َ‬
‫يرا﴾] [االنشقاق‪]12-7 :‬‬ ‫(*)ْفسوفْيدع‬
‫أي‪ :‬يجب علينا أن نؤمن بحشر الناس يوم القيامة‪.‬‬
‫والحشر‪ :‬هو جمع الخالئق في موقف القيامة للحساب والجزاء‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫هما] أي‪ :‬ال نعال لهم وال ثياب لهم غير مختونين ليس معهم من حطام‬
‫وقوله‪[ :‬ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرال بُ ً‬
‫الدنيا شيء‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد ‪"l‬‬
‫أي‪ :‬يقف الناس في المحشر حتى يشفع النبي ‪ l‬فيهم وهذه هي الشفاعة العظمى‪.‬‬
‫الناس يذهبون إلى آدم ‪ j‬يطلبون منه الشفاعة فيقول‪ :‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن‬
‫يغضب بعده مثله‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح‪ ،‬فيذهبون إلى نوح فيقول‪ :‬مثلما قال آدم ‪ j‬ويقول اذهبوا إلى‬
‫غيري اذهبوا إلى إبراهيم‪ ،‬فيذهبون إلى إبراهيم‪ ،‬ثم يذهبون إلى موسى‪ ،‬ثم يذهبون إلى عيسى‪ .‬كلهم يعتذرون عن‬
‫الشفاعة إلى أن يأتوا نبينا ‪ .l‬فيخر ساجدا عند العرش‪.‬‬

‫فيقال‪ :‬يا محمد ارفع رأسك وسل تُعط واشفع تُ َشفع‪ ،‬فيذهب نبينا ‪ l‬ويشفع في بدء الحساب‪.‬‬
‫شرا‬
‫فخيرا وإن كانت ً‬
‫وقوله‪[ :‬ويحاسبهم اهلل تبارك وتعالى] أي‪ :‬على أعمالهم يحاسب كال على قدر عمله إن كانت خيرا ً‬
‫فشرا‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوله‪[ :‬وتُنصب الموازين] أي‪ :‬توضع الموازين لتوزن بها األعمال‪.‬‬
‫َ َ ََ‬ ‫َ ً َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ِ َ َ ََ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫الْ َحبَةْْمِنْْخردلْْأتينَاْ‬ ‫امةِْفلاْ ْتظل ُمْنفسْشيئاْْوِإنْْك ْ‬
‫انْمِثق ْ‬ ‫طْل ِيو ْمْالقِي‬ ‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬ونض ُْعْال َم َوازِ َْ‬
‫ينْالقِس ْ‬
‫ََ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫ب ِ َها ِْْ َوكف َٰيْْبِنَاْ َحا ِسب ِ َْ‬
‫وقوله‪[ :‬وتُنشر الدواوين] أي‪ :‬صحائف األعمال‪.‬‬
‫والدواوين‪ :‬جمع ديوان‪ ،‬والديوان هو الصحيفة التي تكتب فيها األعمال‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وتتطاير صحائف األعمال إلى األيمان والشمائل‪ :‬فَأ ََّما َم ْن أُوتِ َي كِتَابَهُ بِيَ ِمينِ ِه]‬
‫َ‬ ‫بْح َِسابًاْيَس ً‬ ‫ف ْ ُيحَ َ‬‫َ َ‬
‫ِيرا ْ(‪َ ْ)8‬ويَنقل ُْ‬
‫ِبْ‬ ‫اس ُ ْ‬ ‫(هذا القسم األول من الناس يأخذون كتابهم بيمينهم وهم أهل اإليمان‪﴿ ،‬ف َسو ْ‬
‫إلَيْأَهل ِ ْهِْ َمس ُر ً‬
‫وراْ(‪.﴾)9‬‬ ‫ِ‬
‫أي‪ :‬سعيدا فرحا‪.‬‬
‫اء ظَ ْه ِرهِ" (هذا القسم الثاني) الذي يأخذ كتابه بشماله‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫"وأ ََّما َم ْن أُوت َي كتَابَهُ َوَر َ‬
‫َ‬
‫ورا" يدعو على نفسه بالهالك والويل‪.‬‬
‫ف يَ ْدعُو ثـُبُ ً‬
‫س ْو َ‬
‫"فَ َ‬
‫صلَى َس ِع ًيرا" أي‪ :‬يعذب في النار‪.‬‬
‫"ويَ ْ‬
‫َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َٰ َ ُ ُ ُ ُ َ‬
‫)ْو َمن ْخفتْ‬
‫ون ْ(‪َ 102‬‬ ‫ثم قال ‪" :6‬والميزان له كفتان ولسان توزن به األعمال‪﴿ :‬فمن ْثقلتْ ْموازِين ْه ْفأولئِك ْهم ْالمفل ِح‬
‫َ َ َّ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ َٰ َ َّ َ َ ُ َ ُ‬
‫ون﴾ [المؤمنون‪"]103-102 :‬‬ ‫موازِينهُْفأولئِكْالذِينْخ ِسرواْأنفسهمْفِيْجهنمْخال ِد ْ‬

‫‪60‬‬
‫هذا الميزان توزن األعمال فيه بعد أن تصير أجساما‪..‬‬
‫واللسان هو العمود الذي يوضع بين الكفتين‪.‬‬
‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫ْم َوازِينُ ُْه" أي‪ :‬حسناته‪.‬‬
‫قوله‪" :‬ف َمنْثقلت َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫"فأولئكْه ُمْال ُمفل ُِح ْ‬
‫ون" أي‪ :‬الفائزون‪.‬‬
‫ََ َ‬‫َّ‬
‫ْم َوازِينُه" أي‪ :‬قلت حسناته‪.‬‬
‫ْخفت َ‬ ‫"ومن‬
‫َ َ َّ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َٰ َ َّ َ َ ُ َ ُ‬
‫ون" أي‪ :‬هم الخاسرون يوم القيامة‪.‬‬
‫"فأولئِكْالذِينْخ ِسرواْأنفسهمْفِيْجهنمْخال ِد ْ‬

‫ثم قال ‪[ :6‬ولنبينا محمد ‪ l‬حوض في القيامة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأباريقه عدد نجوم السماء‪،‬‬
‫من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أب ًدا]‬
‫أي‪ :‬مما يجب علينا اإليمان به من األمور الغيبية‪ :‬اإليمان بحوض نبينا ‪.l‬‬
‫والحوض‪ :‬هو مورد ماء عظيم يؤتاه النبي ‪ l‬في القيامة تشرب منه أمة نبينا ‪.l‬‬
‫ولكل نبي حوض وأعظم الحيضان حوض نبينا ‪.l‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اك ْالكوث َْر﴾ فقالت‪ :‬هو نهر أعطيه نبيكم ‪ l‬شاطئاه‬
‫وقد سئلت السيدة عائشة ‪ I‬عن قوله تعالى‪﴿ :‬إِنا ْأعطين ْ‬
‫عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم‪.‬‬
‫وقال ‪" :l‬أنا فرطكم على الحوض" يعني أنا أول من يصل إلى الحوض‪.‬‬
‫وقال ‪" :l‬فإنكم سترون بعدي أثرة (يعني استئثار باألموال والمناصب ونحو هذا) فاصبروا حتى تلقوني على‬
‫الحوض"‪.‬‬
‫علي ناس من أصحابي الحوض (أصحابي يعني‪ :‬أتباعي) حتى عرفتهم اختُلِجوا دوني (أي‪ :‬أخذوا‬
‫وقال ‪" :l‬لَيَ ِر َد َّن َّ‬
‫إلي) فأقول‪ :‬أصحابي‪ ،‬فيقول‪ :‬ال تدري ما أحدثوا بعدك"‪.‬‬
‫عني حتى ال يصلوا َّ‬
‫أي‪ :‬اتركهم فإنك ال تدري ما أحدثوا بعدك من التغيير والتبديل والتحريف لدين اهلل وعدم امتثال أمر اهلل سبحانه‬
‫وتعالى وأمرك‪ .‬فيقول حينذاك ‪ :l‬سحقا سحقا لمن غير وبدل"‪.‬‬
‫أي‪ :‬يستحق العذاب من غير دين اهلل سبحانه وتعالى وبدل‪.‬‬
‫وقد ورد في وصف الحوض‪:‬‬
‫‪ -‬وأن لونه أبيض من اللبن‪.‬‬ ‫‪ -‬أنه مربع الشكل‪.‬‬
‫‪ -‬وأن رائحته أطيب من المسك‪.‬‬ ‫‪ -‬وأن طعمه أحلى من العسل‪.‬‬
‫‪ -‬من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا‪.‬‬ ‫‪ -‬وأن أباريقه التي يُشرب بها منه كعدد نجوم السماء‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الوِر ِق (أي‪ :‬الفضة) وريحه أطيب‬
‫ودليل ذلك قول رسول اهلل ‪" :l‬حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من َ‬
‫من المسك وكيزانه كنجوم السماء (أي‪ :‬أكوابه التي يشرب بها منه) فمن شرب منه فال يظمأ بعده أبدا"‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬والصراط حق يجوزه األبرار ويزل عنه الفجار‪ ،‬ويشفع نبينا محمد ‪ l‬فيمن دخل النار من أمته من أهل‬
‫الكبائر‪ ،‬فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحما وحمما‪ ،‬فيدخلون الجنة بشفاعتي‪ ،‬ولسائر األنبياء والمؤمنين‬
‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َٰ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ َُ ََ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬
‫ون﴾‬
‫ِْمشفِق ْ‬ ‫ْوهمْ ِمن ْخشيتِه‬ ‫ْولاْيَشف ُعون ْإِلاْل َِم ِن ْارتضى‬ ‫والمالئكة شفاعات قال تعالى‪﴿ :‬يعل ُْم ْما ْبي ْ‬
‫ن ْأيدِي ِهم ْوماْخلفهم‬
‫[األنبياء‪ ]28 :‬وال تنفع الكافر شفاعة الشافعين]‬
‫هنا يتكلم المصنف ‪ 6‬عن الصراط‪.‬‬
‫والصراط‪ :‬جسر ممدود على متن جهنم يمر عليه المؤمنون إلى جنات النعيم‪.‬‬
‫والمنافقون إذا ما أرادوا أن يمروا على الصراط سلب اهلل عزوجل أنوارهم فيتساقطون في النار‪.‬‬
‫وأما عصاة الموحدين فتأخذهم الكالليب إلى النار إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك‪.‬‬
‫فيجب علينا أن نؤمن بذلك كله ألن النبي ‪ l‬أخبر به‪.‬‬

‫قال ‪" :l‬ثم يؤتى بالجسر (أي‪ :‬الصراط) فيجعل بين ظهري جهنم (أي‪ :‬على متن جهنم) فقال الصحابة‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل وما الجسر؟ قال‪ :‬مدحضة مزلة (أي‪ :‬تزل عنه األقدام فتسقط في النار) عليه خطاطيف وكالليب وحسكة مفلطحة‬
‫لها شوكة عقيفاء (أي‪ :‬شوكة صلبة عريضة معوجة) تكون بنجد (أي‪ :‬مكان مرتفع) يقال لها السعدان (أي‪ :‬تسمى‬
‫بالسعدان) المؤمن عليها كالطرف (أي‪ :‬كسرعة طرف العين) وكالبرق (أي‪ :‬كسرعة البرق) وكالريح (أي‪ :‬كسرعة الريح)‬
‫وكأجاويد الخيل والركاب (أي‪ :‬كسرعة أجود أنواع الخيل) والركاب (أي‪ :‬اإلبل)"‪.‬‬
‫هذه سرعات المؤمنين على الصراط؛ منهم من يسير على الصراط‪ ،‬منهم من يمر كالطرف ومنهم كالبرق ومنهم كالريح‪،‬‬
‫ومنهم كأجاويد الخيل والركاب‪.‬‬
‫ناج ُم َسلَّ ٌم‪ ،‬وناج مخدوش خدشته الكالليب والخطاطيف‪ ،‬ومكدوس في نار جهنم (أي‪ :‬ساقط في‬
‫"فالناس حينذاك ٍ‬
‫نار جهنم) حتى يمر آخرهم يُسحب سحبا"‪.‬‬

‫وقوله‪[ :‬يجوزه األبرار ويزل عنه الفجار] أي‪ :‬يجوز الصراط أهل الطاعة ويتساقط عنه الفجار وهم المنافقون إلى النار‪ .‬أما‬
‫الكفار فال يأتون إلى الصراط وإنما يساقون إلى جهنم وردا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ِينْإلَيْ َ‬
‫ج َهنَ َْمْوِردا﴾‬ ‫َ‬ ‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬ون َ ُس ُْ ُ‬
‫وقْالمجرِم ْ ِ‬
‫إذن الصراط ال يمر عليه إال أهل اإليمان فمن زادت حسناته اجتازه ومن زادت سيئاته أخذته الكالليب والخطاطيف‬
‫إلى النار إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك أو خدشته الكالليب على قدر سيئاته ثم اجتاز الصراط‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وقوله‪[ :‬ويشفع نبينا محمد ‪ l‬فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحما‬
‫وحمما فيدخلون الجنة بشفاعته ‪]l‬‬
‫(هذه شفاعة عامة) وهي الشفاعة في أهل الكبائر يشفع نبينا ‪ l‬في أهل الكبائر الذين ماتوا على معصية كبيرة من‬
‫كبائر الذنوب ولم يتوبوا منها؛ كشرب الخمر والزنا والقتل ونحو ذلك‪...‬‬
‫ويشفع كذلك في أهل الكبائر‪ :‬المالئكة واألنبياء والصالحون‪.‬‬
‫قال ‪" :l‬يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ‪ l‬فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين"‬

‫وقوله‪[ :‬ولسائر األنبياء والمؤمنين والمالئكة شفاعات]‬


‫وذلك كما قال النبي ‪" :l‬فيشفع النبيون والمالئكة والمؤمنون فيقول الجبار‪ :‬بقيت شفاعتي‪ ،‬فيقبض قبضة من‬
‫النار‪ ،‬فيخرج أقواما قد امتحشوا"‪( .‬أي‪ :‬احترقوا واسودوا)‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬يعل ُْمْ َماْ َبي َْ‬
‫نْأيدِي ِهمْ﴾ أي‪ :‬المستقبل‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿ َو َماْ َخلف ُهمْ﴾‪ :‬أي‪ :‬الماضي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نْارت َ َضى﴾ هذا فيه أن الشفاعة ال تكون إال لمن رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫﴿ َولاْيَشف ُع ْ‬
‫ونْإِلاْل َِم ِْ‬
‫ُ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫﴿ َوهمْ ِمنْْخشيَت ِ ْهِْ ُمشفِق ْ‬
‫ون﴾ أي‪ :‬خائفون وجلون‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وال تنفع الكافر شفاعة الشافعين"‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ف َماْتنف ُع ُهمْْشفاع ْةْالشافِعِ َْ‬
‫ين﴾ فالشفاعة خاصة بأهل اإليمان‪ ،‬وال تتم الشفاعة إال إذا توفر شرطان‪:‬‬
‫‪ -‬الشرط األول‪ :‬أن يأذن اهلل عز وجل بالشفاعة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬منْذاْالذِيْيَشف ُْعْع َ‬
‫ِند ْهُْإِلاْبِإِذن ِ ْهِ﴾‪.‬‬
‫‪ -‬الشرط الثاني‪ :‬أن يرضى اهلل عز وجل عن الشافع والمشفوع له‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ َ َ ََ ُ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اءْويرضىْ﴾‬
‫اَّللْل ِمنْيش ْ‬
‫نْ ْ‬ ‫اتْلاْتغنِىْشفاعتُ ُهمْْشي ًئاْإِلاْمِنْبع ِْدْأنْيأذ ْ‬
‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وكمْ ِمنْ َملكْْفِيْالسماو ِْ‬

‫ثم قال ‪[ :6‬والجنة والنار مخلوقتان ال تفنيان‪ ،‬فالجنة مأوى أوليائه‪ ،‬والنار عقاب ألعدائه‪ ،‬وأهل الجنة فيها مخلدون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َهنَ َْمْخال ُِد ْ‬
‫ونْ* لاْ ُيفت ُْرْعن ُهمْْ َوهمْْفِي ْهِْ ُمبل ُِس ْ‬
‫ون﴾ [الزخرف‪]75-74 :‬‬ ‫ابْ َ‬ ‫نْال ُمجرِم َْ‬
‫ِينْفِيْعذ ِْ‬ ‫﴿إ ِ ْ‬

‫ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار‪ ،‬ثم يقال‪ :‬يا أهل الجنة خلود وال موت‪ ،‬ويا أهل النار‬
‫خلود وال موت] أي‪ :‬مما يجب علينا أن نؤمن به من األمور الغيبية‪ :‬اإليمان بالجنة والنار‪ ،‬وأنهما مخلوقتان ال تفنيان‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال في النار‪﴿ :‬أع َِدتْْل ِلكاف ِرِ َْ‬
‫ين﴾‬ ‫قال تعالى في الجنة‪﴿ :‬أع َِدتْْل ِل ُمتَقِ َْ‬
‫ين﴾‪.‬‬
‫وقد قال ‪" :l‬اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وقوله‪[ :‬فالجنة مأوى أوليائه]‪ :‬أولياء اهلل سبحانه وتعالى هم المتقون الذين امتثلوا أمره واجتنبوا نهيه‪.‬‬
‫ََ ُ َ َُ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ون﴾ [يونس‪.]62 :‬‬
‫اءْاَّلل ِْلاْخوفْعلي ِهمْولاْهمْيحزن ْ‬
‫نْأول ِي ْ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ألاْإ ِ ْ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ون﴾ [يونس‪]63 :‬‬ ‫ِينْآ َمنُواْ َوكانواْ َيتَق ْ‬
‫من هم؟ ﴿الذ َْ‬

‫وقوله‪[ :‬والنار عقاب ألعدائه] أي‪ :‬الكفار والمنافقون (النفاق االعتقادي) ومن شاء اهلل سبحانه وتعالى من عصاة الموحدين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بآيَات ِنَاْيج َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ارْالخُل ِْدْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫َ‬
‫ح ُد ْ‬
‫ون﴾ [فصلت‪]28 :‬‬ ‫ج َز ًْ‬
‫اءْب ِ َماْكانواْ ِْ‬ ‫ِيهاْد ُْ‬ ‫ارْل ُهمْْف‬
‫الن ُْ‬ ‫اءْأع َدا ِْءْ ْ‬
‫اَّلل ِْ َ‬ ‫ِكْ َ‬
‫ج َز ُْ‬ ‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ذل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج َهنَ َْمْخال ُِد ْ‬
‫ون﴾ [الزخرف‪ ]74 :‬أي‪ :‬إن الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي‬ ‫ابْ َ‬ ‫نْال ُمجرِم َْ‬
‫ِينْفِيْعذ ِْ‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫في جهنم خالدون ال يخرجون منها وال يموتون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬لاْ ُيفت ُْرْعن ُهمْْ َوهمْْفِي ْهِْ ُمبل ُِس ْ‬
‫ون﴾ [الزخرف‪ ]75 :‬أي‪ :‬ال يخفف عنهم العذاب وهم فيه ساكتون سكوت يأس‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار‪ ،‬ثم يقال‪ :‬يا أهل الجنة خلود وال موت‪ ،‬ويا أهل النار‬
‫خلود وال موت]‪.‬‬

‫ودليل ذلك قول النبي ‪" :l‬يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح (واألملح هو األبيض الخالص) فينادي مناد يا أهل الجنة‪،‬‬
‫فيشرئبون وينظرون (أي‪ :‬يرفعون رؤوسهم إلى المنادي) فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ :‬هذا الموت‪ ،‬وكلهم قد رآه‪ .‬ثم‬
‫ينادي‪ :‬يا أهل النار‪ ،‬فيشرئبون وينظرون‪ ،‬فيقول‪ :‬هل تعرفون هذا؟ فيقولون‪ :‬نعم هذا الموت‪ ،‬وكلهم قد رآه‪ ،‬فيُذبح‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫يا أهل الجنة خلود فال موت ويا أهل النار خلود وال موت"‪.‬‬
‫يعني كل خالد‪ ،‬إما في النعيم‪ ،‬وإما في العذاب‪.‬‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫السؤال األول‪ :‬اشرح قول المصنف ‪[ :6‬وكان يقظة ال مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تنكر المنامات]‬

‫األسئـ ــلة‬ ‫السؤال الثاني‪ :‬اذكر أشراط الساعة التي ذكرها المصنف ‪.6‬‬

‫السؤال الثالث‪ :‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر ونعيمة والبعث والحشر بعد الموت والميزان؟‬

‫السؤال الرابع‪ :‬صف حوض نبينا ‪ l‬مع ذكر الدليل على ما تقول‪.‬‬

‫السؤال الخامس‪ :‬اشرح قول المصنف ‪[ :6‬والجنة والنار مخلوقتان ال تفنيان] مع ذكر الدليل على ما تقول‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫المحاضـرة الرابعـ ـة والعش ـرون‬
‫وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫ً‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصال ًة‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪.‬‬
‫وهذه هي المحاضرة الرابعة والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الثامنة واألخيرة من محاضرات كتاب [االعتماد‬
‫شرح لمعة االعتقاد]‪.‬‬
‫وفى هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على‪:‬‬
‫‪ -‬حقوق النبي علينا‬
‫‪ -‬وبعض حقوق الصحابة رضى اهلل عنهم علينا‪.‬‬
‫‪ -‬وحكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار‪.‬‬
‫‪ -‬وحكم مرتكب الجريمة من أهل القبلة‪.‬‬
‫‪ -‬والواجب علينا نحو والة األمور‪.‬‬
‫‪ -‬والواجب علينا نحو آل بيت النبي ‪.‬‬
‫‪ -‬ووجوب االتباع‪ ،‬وذم االبتداع‪.‬‬

‫هذا المجمل وإليكم التفصيل‪:‬‬


‫قال المصنف ‪ 6‬تعالى متحدثا عن بعض حقوق النبي وأصحابه رضى اهلل عنهم‪F :‬‬
‫[ومحمد رسول اهلل خاتم النبيين‪ ،‬وسيد المرسلين‪ ،‬ال يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته‪ ،‬وال يقضى بين الناس‬
‫في القيامة إال بشفاعته‪ ،‬وال يدخل الجنة أمة إال بعد دخول أمته‪..‬‬
‫صاحب لواء الحمد والمقام المحمود والحوض المورود‪ ،‬وهو إمام النبيين وخطيبهم‪ ،‬وصاحب شفاعتهم‪ ،‬أمته خير األمم‬
‫وأصحابه خير أصحاب األنبياء عليهم السالم]‪.‬‬
‫قوله ‪[ :6‬ومحمد رسول اهلل خاتم النبيين] أي‪ ،‬ال نبي بعده ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ُ َ َّ َ َ َ‬
‫ين} [األحزاب‪.]40 :‬‬ ‫َ‬
‫كنْرسولْاَّللِْوخاتمْالنبِي ِ ْ‬
‫كما قال تعالى‪{ :‬ماْكانْمحمدْأباْأحدْمِنْرِجال ِكمْول ِ‬
‫وقوله ‪[ :6‬هو سيد المرسلين] أي أفضلهم‪.‬‬
‫وذلك لقول رسول اهلل وقوله ‪" :‬أنا سيد ولد آدم وال فخر"‪.‬‬
‫أي‪ ،‬أنا أفضل ولد آدم وال فخر‪.‬‬
‫وقوله ‪[ :6‬ال يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته‪ ،‬ويشهد بنبوته]‬
‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫امْدِينًاْفل ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫اس ِر َْ‬
‫ين}‪.‬‬ ‫ْوه َوْفِيْالْآخ َِرة ِْم َِنْالخ ِ‬‫نْيقبَلْمِنه‬ ‫وذلك لقوله تعالى‪َ { :‬و َمنْيَبتَغِ ْغي َرْال ِإسل ِ‬

‫‪65‬‬
‫أرسلت به إال‬
‫ُ‬ ‫وقال ‪" :‬والذي نفس محمد بيده‪ ،‬ال يسمع بي أحد من هذه األمة يهودي وال نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي‬
‫كان من أصحاب النار"‪.‬‬
‫فكل من أتى بعد النبي وسمع به ولم يؤمن به ومات على ذلك فهو في النار‪.‬‬
‫وقوله ‪[ :6‬وال يُقضى بين الناس في القيامة إال بشفاعتي] أي‪ ،‬ال يحاسب اهلل عز وجل الناس يوم القيامة إال بعد أن يشفع‬
‫في بدء الحساب‪.‬‬
‫كما قال ‪" :‬لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له فيؤتاها‪ ،‬وإني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي يوم القيامة"‪.‬‬
‫خمسا لم يُعطَ ُه َّن أح ٌد من قبلي"‪ ،‬وذكر منها‪(( :‬الشفاعة))‬
‫وقال ‪" :‬أُعطيت ً‬
‫وقوله‪[ :‬وال يدخل الجنة أمة إال بعد دخول أمتي] أي‪ ،‬ال يدخل أحد الجنة من األمم السابقة إال بعد دخول أمة النبي الجنة‪.‬‬
‫ودليله‪ :‬قول النبي ‪" :‬نحن اآلخرون السابقون يوم القيامة"‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬صاحب لواء الحمد] أي يحمل النبي الراية يوم القيامة‪ ..‬ألنه هو قائد المرسلين وقائد األمم‪.‬‬
‫كما قال ‪" :‬أنا سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬وأنا أول من تنشق األرض عنه يوم القيامة وال فخر‪ ،‬وأنا أول شافع وأول مشفع وال‬
‫فخر‪ ،‬ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وال فخر"‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬والمقام المحمود] أي صاحب المقام المحمود ‪.‬‬
‫ُ ً‬ ‫َّ‬
‫ْمق ً‬
‫ك َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وهو المذكور في قوله تعالى‪َ { :‬وم َِنْالليلْفتَ َه َّ‬
‫ودا}‪.‬‬ ‫اماْمحم‬ ‫جدْبِهِْناف ِلةْلكْع َسىْأنْيبعثكْرب‬ ‫ِ‬
‫والمقام المحمود هو كل مكرمة يؤتاها النبي في القيامة وأعظمها الشفاعة العظمى‪ ،‬وهي الشفاعة في بدء الحساب‪ :‬الناس‬
‫يذهبون إلى آدم‪ ،‬ثم إلى نوح‪ ،‬ثم إلى إبراهيم‪ ،‬ثم إلى موسى‪ ،‬ثم إلى عيسى عليهم السالم‪،‬‬
‫يرجون منهم الشفاعة في بدء الحساب‪ .‬فكلهم يقولون‪ :‬لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى غيرى حتى يأتوا النبي فيشفع فيهم‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬والحوض المورود] أي الذي ترده أمته يوم القيامة‪.‬‬
‫كما قال ‪" :l‬أنا فرطكم على الحوض"‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وهو إمام النبيين وخطيبهم]‬
‫كما قال ‪" :l‬أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وال فخر"‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وصاحب شفاعتهم] أي هو الذي يشفع ‪ l‬لبدء الحساب يوم القيامة‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬أمته خير األمم]‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ْوتؤمِنُونْب ِ ْ‬
‫اَّللِ}‪.‬‬ ‫ْوتن َهونْع ِنْال ُمنك ِر‬
‫وف َ‬ ‫جتْل ِلنَ ِ‬
‫اسْتأ ُم ُرونْبِالْ َمع ُر ِ‬ ‫ْخي َرْأ َمةْأخر َ‬
‫ِ‬ ‫كما قال اهلل سبحانه وتعالى‪{ :‬كنتم‬
‫ولكن الخيرية هنا مقيدة‪ :‬باألمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬واإليمان باهلل‪.‬‬
‫فإذا انتفت هذه الثالثة انتفت الخيرية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وقوله‪[ :‬وأصحابه خير أصحاب األنبياء عليهم السالم]‬
‫ودليل ذلك قوله ‪" :l‬خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪[ :6‬وأفضل أمته أبو بكر الصديق‪ ،‬ثم عمر الفاروق‪ ،‬ثم عثمان ذو النورين‪ ،‬ثم علي المرتضى ‪F‬‬
‫أجمعين]‪.‬‬
‫لما روى عبد اهلل بن عمر ‪ G‬قال‪" :‬كنا نقول والنبي ‪ l‬حي‪ :‬أفضل هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم‬
‫علي فيبلغ ذلك النبي ‪ l‬فال ينكره"‪.‬‬
‫وصحت الرواية عن علي أنه قال‪" :‬خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت سميت الثالث"‪.‬‬
‫وروى أبو الدرداء عن النبي ‪ l‬أنه قال‪" :‬ما طلعت الشمس وال غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر"‪.‬‬
‫ولكن هذا الحديث ضعيف‪.‬‬

‫قال ‪[ :6‬وهو أحق خلق اهلل تعالى بالخالفة بعد النبي ‪ l‬لفضله‪ ،‬وسابقته‪ ،‬وتقديم النبي ‪ l‬له في الصالة على جميع‬
‫الصحابة ‪ ،F‬وإجماع الصحابة ‪ F‬على تقديمه ومبايعته‪ ،‬ولم يكن اهلل ليجمعهم على ضاللة‪ ،‬ثم من بعده عمر لفضله‬
‫وعهد أبي بكر إليه‪ ،‬ثم عثمان لتقديم أهل الشورى له‪ ،‬ثم علي لفضله وإجماع أهل عصره عليه]‪.‬‬
‫هؤالء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول اهلل ‪ l‬فيهم‪" :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‬
‫َعضُّوا عليها بالنواجذ"‪.‬‬
‫وقال ‪" :l‬الخالفة من بعدي ثالثون سنة"‪ .‬فكان آخرها خالفة علي‪.‬‬

‫ذكر المصنف ‪ 6‬تعالى‪[ :‬أن أفضل أمة النبي ‪ l‬أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم علي]‬
‫وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة‪.‬‬

‫وذكر المصنف ‪ 6‬تعالى الدليل على ذلك‪.‬‬


‫وقوله‪[ :‬الخالفة بعدي ثالثون سنة] فكان آخرها خالفة علي ‪.‬‬
‫في الحقيقة أن خالفة الخلفاء الراشدين كانت تسعا وعشرين سنة وستة أشهر وأربعة أيام‪ ،‬ثم بويع بعد ذلك الحسن بن علي‬
‫فظل خليفة ستة أشهر‪ ،‬ثم تنازل بعد ذلك عن الخالفة لمعاوية ‪.‬‬
‫فبعض أهل العلم‪ :‬كابن قدامة ‪ 6‬ال يذكر خالفة الحسن لقصرها‪.‬‬
‫والصحيح أنها من الخالفة‪.‬‬
‫ألن النبي ‪ l‬قال‪" :‬الخالفة بعدي ثالثون سنة"‪ .‬والثالثون تتم بخالفة الحسن بن علي ‪.G‬‬
‫ثم قال ‪ 6‬تعالى متحدثا عن حكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫[ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي ‪ l‬فقال‪" :‬أبو بكر في الجنة‪ ،‬وعمر في الجنة‪ ،‬وعثمان في الجنة‪ ،‬وعلي في‬
‫الجنة‪ ،‬وطلحة في الجنة‪ ،‬والزبير في الجنة‪ ،‬وسعد في الجنة‪ ،‬وسعيد في الجنة‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف في الجنة‪ ،‬وأبو عبيدة‬
‫بن الجراح في الجنة"‪ .‬وكل من شهد له النبي ‪ l‬بالجنة شهدنا له بها كقوله‪" :‬الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "‪،‬‬
‫وقوله لثابت بن قيس ‪" :‬إنه من أهل الجنة"‪ .‬وال نجزم ألحد من أهل القبلة بجنة وال نار إال من جزم له الرسول ‪ .l‬لكنّا‬
‫نرجو للمحسن ونخاف على المسيء]‪.‬‬
‫هنا ذكر ‪ 6‬تعالى حكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار‪.‬‬
‫هل يجوز أن نشهد لرجل معين بجنة أو بنار؟‬
‫ال يجوز لنا أن نشهد ألحد من أهل القبلة (أي من المسلمين) بجنة أو بنار إال من شهد له النبي ‪ ،l‬كالعشرة الذين نص‬
‫عليهم النبي ‪.l‬‬
‫والحسن والحسين‪ ،‬وثابت بن قيس ‪ .F‬ونحوهم‪...‬‬
‫وكذلك نشهد بالنار لمن شهد له النبي ‪ ،l‬أو شهد اهلل عز وجل له بالنار‪.‬‬
‫َ َ َ َ ً َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ ُُ َ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫اراْذات ْل َهب ْ‪ْ٣‬‬ ‫اْك َس َ‬
‫ب ْ‪ْ ٢‬سيصل َٰى ْن‬ ‫ْوت َّ ْ‬
‫ب ْ‪ْ ١‬ماْأغن َٰى ْعنه ْماله ْوم‬ ‫كما قال تعالى في أبي لهب‪{ :‬تبت ْيداْأبِيْلهب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ‬
‫بْ‪ }٤‬فنشهد ألبي لهب وامرأته بالنار ألن اهلل سبحانه وتعالى ذكر ذلك‪.‬‬ ‫ْحمالةْالحط ِ‬ ‫وامرأته ْ‬
‫وقال ‪" :l‬رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار"‪.‬‬
‫أي‪ ،‬يجر أمعاءه في النار‪ .‬فهذا نشهد له أيضا بالنار‪.‬‬
‫كذلك نشهد شهادة عامة ألهل اإليمان بالجنة‪ ..‬فكل مؤمن في الجنة‪.‬‬
‫ونشهد شهادة عامة للكافرين بالنار فنقول‪ :‬كل كافر مات على كفره في النار‪.‬‬
‫أما الشهادة لرجل معين بجنة أو بنار فال يجوز‪ ..‬فربما يموت الذي نرى إيمانه على الكفر فيدخل النار‪ ،‬وربما يموت الذي‬
‫نرى كفره على اإليمان فيدخل الجنة‪ .‬لذلك ال يجوز أن نشهد ألحد بجنة أو بنار‪.‬‬

‫ثم تكلم المصنف ‪ 6‬تعالى عن حكم مرتكب الكبيرة من أهل القبلة فقال‪[ :‬وال نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب‪ ،‬وال‬
‫نخرجه عن اإلسالم بعمل]‬
‫يعني من عمل كبيرة من كبائر الذنوب وأصر عليها فإننا ال نكفره وال نخرجه عن اإلسالم‪.‬‬
‫وكذلك من مات وهو مصر على كبيرة من الكبائر فال نكفره وال نخرجه عن اإلسالم‪.‬‬
‫وذلك لقول النبي ‪" :l‬يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ‪ l‬فيدخلون الجنة يسمون‪ :‬الجهنميين"‪.‬‬
‫وهؤالء من المؤمنين دخلوا النار ألجل أنهم فعلوا كبائر الذنوب‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ثم تكلم ‪ 6‬تعالى عما يجب علينا نحو والة األمور فقال‪:‬‬
‫فاجرا‪ ،‬وصالة الجمعة خلفهم جائزة]‪.‬‬
‫[ونرى الحج والجهاد ماضيا مع طاعة كل إمام‪ ،‬بَـ ًرا كان أو ً‬
‫قال أنس‪ :‬قال النبي ‪" : l‬ثالث من أصل اإليمان‪ :‬الكف عمن قال‪ :‬ال إله إال اهلل وال نكفره بذنب وال نخرجه من‬
‫اإلسالم بعمل‪ ،‬والجهاد ماض منذ بعثني اهلل عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال‪ ،‬ال يبطله جور جائر وال عدل‬
‫عادل واإليمان باألقدار"‪ .‬رواه أبو داود‪ .‬ولكن هذا الحديث ضعيف‪.‬‬

‫هنا تكلم ‪ 6‬تعالى عما يجب علينا نحو والة األمور‪ ،‬يجب علينا‪:‬‬
‫أن نسمع لهم ونطيع وإن كانوا فُجارا‪.‬‬
‫إال إذا أمروا بمعصية اهلل سبحانه وتعالى فال سمع وال طاعة‪.‬‬
‫وصالة الجمعة خلفهم جائزة‪ ،‬ألن األئمة في القديم كانوا هم الذين يؤمون الناس في الجمع‪.‬‬
‫نشطك ومكرهك وأثرةٍ عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك"‪.‬‬
‫وأطع في عُس ِرك ويسرك وم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وقد قال ‪" :l‬اسمع ْ‬

‫ثم تكلم ‪ 6‬تعالى عن بعض حقوق الصحابة ‪ F‬علينا فقال‪[ :‬ومن السنة تولي أصحاب رسول اهلل ‪ l‬ومحبتهم‪ ،‬وذكر‬
‫محاسنهم‪ ،‬والترحم عليهم‪ ،‬واالستغفار لهم‪ ،‬والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم‪ ،‬واعتقاد فضلهم‪ ،‬ومعرفة سابقتهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُُ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ََ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬وال َذ َ‬
‫ْولاْتج َعلْفِيْقلوبِنَاْغِلاْ‬ ‫ان‬‫ْسبَقوناْبِال ِإ ْ‬
‫يم ِ‬ ‫ْربَنَاْاغفِرْلناْول ِ ِإخوان ِناْالذِين‬
‫ون َ‬ ‫اءواْم َ‬
‫ِنْبع ِدهِم ْيقول‬ ‫ِين َ‬
‫ْج ُ‬

‫ْر ُءوف َ‬
‫ك َ‬‫َ َ َُ َََ َ َ‬
‫ْرحِيمْ}‪.‬‬ ‫ل ِلذِينْآمنواْربناْإِن‬
‫ْر َحمَ ُ‬ ‫ََُ َُ ُ َ َ َ َ َ َُ َ َ ُ ََ ُ‬
‫ك َفار ُ‬
‫اءْبَينَ ُهمْ}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وقال تعالى‪{ :‬محمدْرسولْاَّلل ِْْوالذِينْمعهْأشِداءْعلىْال‬
‫وقال النبي ‪" :l‬ال تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ ُم َّد أحدهم وال نصي َفهُ "]‬

‫أي من حقوق الصحابة علينا‪:‬‬


‫‪ ‬أن نتوالهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأن نحبهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأن نذكر محاسنهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأن نترحم عليهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأن نستغفر لهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأال نذكر مساوئهم وما شجر بيهم‪.‬‬
‫‪ ‬وأن نعتقد فضلهم وسابقتهم إلى اإلسالم فهم خير الناس‪.‬‬
‫كما قال ‪" :l‬خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫ثم تكلم ‪ 6‬تعالى عما يجب علينا نحو آل بيت النبي ‪ l‬فقال‪[ :‬ومن السنة الترضي عن أزواج رسول اهلل ‪ l‬أمهات‬
‫المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء‪ ،‬أفضلهن خديجة بنت خويلد‪ ،‬وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها اهلل في‬
‫كتابه زوج النبي ‪ l‬في الدنيا واآلخرة فمن قذفها بما برأها اهلل منه فقد كفر باهلل العظيم‪ ،‬ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحي‬
‫اهلل أحد خلفاء المسلمين ‪.]F‬‬
‫أي‪ ،‬مما يجب علينا نحو آل بيت رسول اهلل ‪:l‬‬
‫أن نترضى عن أزواجه ‪ .l‬وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أزواج النبي ‪ l‬كلهن في الجنة‪.‬‬
‫وأفضل أزواج النبي ‪ :l‬خديجة وعائشة ‪.G‬‬
‫وقوله‪[ :‬فمن قذفها بما برأها اهلل منه فقد كفر باهلل العظيم] أي‪ ،‬من قذف عائشة ‪ I‬بالزنا الذي برأها اهلل عز وجل منه في‬
‫أول سورة النور فهو كافر‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ومعاوية خال المؤمنين] نص عليه ألن معاوية قاتل عليا فبعض الناس يخوضون فيه‪ .‬وكان معاوية أخا ألم حبيبة زوج‬
‫النبي ‪.l‬‬
‫وقوله‪[ :‬وكاتب وحي اهلل] أي‪ ،‬لو لم يكن معاوية أمينا ما ائتمنه النبي ‪ l‬على أعظم أمر وهو كتابة الوحي‪.‬‬
‫ثم ختم ‪ 6‬تعالى كتابه بمسألة مهمة وهي‪ :‬وجوب االتباع وذم االبتداع‪ ،‬قال ‪:6‬‬
‫[ومن السنة السمع والطاعة ألئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية اهلل فإنه ال طاعة ألحد في‬
‫معصية اهلل‪ ،‬ومن ولي الخالفة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسمي أمير المؤمنين وجبت‬
‫طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين]‪.‬‬
‫هنا ذكر ‪ 6‬تعالى أنه يجب علينا طاعة أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين سواء كانوا بارين أو فاجرين ما لم يأمروا بمعصية فإن‬
‫أمروا بمعصية فال سمع وال طاعة‪.‬‬
‫لقول النبي ‪" :l‬ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق"‪.‬‬
‫ومن ولي الخالفة من الحكام واألمراء واجتمع عليه الناس (أي أهل العلم) ورضوا به أو تغلب عليهم بالسيف ونحوه حتى صار‬
‫خليفة وسمي أميرا للمؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته‪.‬‬
‫وال يجوز الخروج عليه وشق عصا المسلمين‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة‬
‫واإلصغاء إلى كالمهم وكل محدثة في الدين بدعة وكل متسم بغير اإلسالم والسنة مبتدع‪ ،‬كالرافضة‪ ،‬والجهمية‪ ،‬والخوارج‪،‬‬
‫والقدرية‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬والمعتزلة‪ ،‬والكرامية‪ ،‬والكالبية‪ ،‬والسالمية‪ ،‬والكالمية ونظائرهم‪ .‬فهذه فرق الضالل وطوائف البدع أعاذنا‬
‫اهلل منها]‬

‫‪70‬‬
‫قوله‪[ :‬ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم] أي من السنة هجر أهل البدع ومفارقتهم‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وترك الجدال والخصومات في الدين] أي ال يجوز لعبد أن يجادل وأن يخاصم في دين اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وترك النظر في كتب المبتدعة واإلصغاء إلى كالمهم] أي ال يجوز النظر في كتب المبتدعة واإلصغاء إلى كالمهم‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن من فعل ذلك تأثر بهم إال العالِم‪.‬‬
‫فالعالم يجوز له أن ينظر في كتب المبتدعة حتى يرد عليهم‪ ،‬أما غيره فال يجوز له النظر في كتبهم‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬وكل متسم بغير اإلسالم فهو مبتدع] أي كل من اتصف بصفة غير اإلسالم فهو مبتدع‪.‬‬
‫ثم ذكر ‪ 6‬تعالى رؤوس أهل البدع‬
‫كالرافضة‪.‬‬
‫والجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان الذي أنكر جميع األسماء والصفات هلل تعالى‪.‬‬
‫والخوارج الذين نزعوا أيديهم عن طاعة السلطان من أئمة المسلمين‪.‬‬
‫والقدرية الذين أنكروا القدر‪.‬‬
‫والمرجئة الذين قالوا ال يضر مع اإليمان معصية كما ال ينفع مع الكفر طاعة‪.‬‬
‫والمعتزلة الذين قدموا عقولهم على النص الشرعي وكل ما يخالفه العقل من نصوص الكتاب والسنة يرد وال يعمل به‪.‬‬
‫والكرامية فرقة قالت بالتجسيم والتشبيه‪.‬‬
‫ضا فرقة منسوبة إلى عبد اهلل بن سعيد بن كالب‪.‬‬
‫والكالبية أي ً‬
‫والسالمية فرقة يغلب عليها التصوف والدفاع عن الصوفية‪.‬‬
‫والكالمية وهم الذين يردون النصوص الشرعية إن خالفت عقولهم‪.‬‬
‫وقوله‪[ :‬ونظائرهم] أي وأمثال هذه الفرق ممن ابتدع في اإلسالم‪.‬‬
‫ثم قال ‪[ :6‬وأما بالنسبة إلى إمام في الفروع كالطوائف األربع فليس بمذموم فإن االختالف في الفروع رحمة والمختلفون‬
‫فيه محمودون في اختالفهم مثابون في اجتهادهم‪ ،‬واختالفهم رحمة واسعة‪ ،‬واتفاقهم حجة قاطعة‪ ،‬نسأل اهلل أن يعصمنا من‬
‫البدع والفتنة ويحيينا على اإلسالم والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول اهلل ‪ l‬في الحياة‪ ،‬ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته‬
‫وفضله آمين‪ ،‬وهذا آخر المعتقد والحمد هلل وحده وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما]‬
‫قوله ‪[ :6‬وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف األربع] أي المذاهب األربعة وهي‪ :‬المالكية والحنفية والشافعية‬
‫والحنابلة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫أسئلة الدرس‪:‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪:‬من هم أفضل األمة؟ مع ذكر الدليل على ما تقول‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬من هو أحق خلق اهلل بالخالفة بعد النبي ‪l‬؟ ولماذا؟‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬ما حكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار؟ مع ذكر الدليل على ما تقول‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬ما حكم مرتكب الكبيرة من أهل القبلة؟‬
‫‪ -‬السؤال الخامس‪ :‬ما الواجب علينا نحو والة األمور؟‬
‫‪ -‬السؤال السادس‪ :‬ذكر المصنف ‪ 6‬تعالى جملة من حقوق الصحابة ‪ F‬علينا‪ ،‬اذكرها بإجمال‪.‬‬

‫وبهذا نكون انتهينا بفضل اهلل تعالى من دراسة كتاب [االعتماد شرح لمعة االعتقاد]‪،‬‬
‫أسأل اهلل العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا‪ ،‬وأن يثبت أقدامنا على الحق‪،‬‬
‫وأن يثبت قلوبنا على دينه حتى نلقاه‪ ،‬وأن يجعلنا من عباده المخلصين‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫المحاضرة الخامس ـة والعشـرون‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة الخامسة والعشرون من‬
‫محاضرات العقيدة‪ ،‬وهي المحاضرة األولى من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني]‪.‬‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬ ‫وفي هذا اللقاء الطيب سنتكلم إن شاء اهلل تعالى عن نبذةٍ مختصرةٍ عن المصنف ابن أبي ز ٍ‬
‫كما سنتكلم إن شاء اهلل تعالى عن أهم ما جاء في هذه الرسالة‪ ،‬وهي مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني‪.‬‬
‫كذلك سأقرأ عليكم متن هذه المقدمة‪ ،‬كذلك سنتعرف على أهم ما جاء في مقدمة هذه المقدمة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بمالك الصغير‪ ،‬ولد ‪ 6‬سنة‬ ‫محمد عبد اهلل بن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني المالكي‪ ،‬وكان يلقب‬ ‫ٍ‬ ‫ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪ :6‬هو أبو‬
‫كبارا منهم الرازي‪ ،‬والطبراني‪ ،‬والبربهاري‪ ،‬والدارقطني وغيرهم‪.‬‬
‫ست عشرة وثالثمائة بالقيروان‪ ،‬عاصر أئمة ً‬
‫وأخذ ‪ 6‬العلم عن كثي ٍر من العلماء منهم‪ :‬محمد بن مسروٍر الحجام‪ ،‬كذلك أخذ العلم عن العسال‪ ،‬ومحمد بن الفتح‪.‬‬
‫جمع كثير منهم‪ :‬الفقيه عبد الرحيم بن العجوز السبتي‪ ،‬وكذلك الفقيه عبد اهلل بن ٍ‬
‫غالب السبتي وغيرهما‪.‬‬ ‫وأخذ عنه ‪ٌ 6‬‬
‫يقول القاضي عياض ‪" :6‬مألت البالد تواليفه (أي تآليفه وتصانيفه) وجملة تواليفه كلها مفيدة بديعة غزيرة العلم"‪.‬‬
‫وقد بلغت مؤلفاته نحو ثالثين مؤل ًفا من أشهرها‪ :‬النوادر والزيادات ومختصر المدونة وكتاب الرسالة‪.‬‬
‫كتاب الرسالة هذا قسمه ثالثة أقسام‪ :‬القسم األول منه العقيدة هذا الذي سندرسه إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫وقد أثنى على ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪ 6‬عُلَ َماءٌ كثيرون‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ 6‬إمام المالكية في وقته وقدوتهم‪ ،‬وجامع مذهب مالك وشارح أقواله‪،‬‬ ‫يقول عنه القاضي عياض ‪" :6‬كان أبو‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة بما يقوله‪َ ،‬ذابَا عن مذهب مالك‪،‬‬ ‫وكان واسع العلم‪ ،‬كثير الحفظ والرواية‪ ،‬وكتبه تشهد له بذلك‪ ،‬فصيح القلم‪ ،‬ذا ٍ‬
‫بيان‬
‫بصيرا بالرد على أهل األهواء‪ ،‬وحاز رئاسة الدين والدنيا‪ ،‬وإليه كانت الرحلة من األقطار‪ ،‬ونجب أصحابه‬
‫قائما بالحجة عليه‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫وكثر اآلخذون عنه‪ ،‬وهو الذي لخص المذهب (أي مذهب اإلمام مالك)‪ ،‬وضم كسره وذب عنه‪ ،‬ومألت البالد تواليفه‪ ،‬عارض‬
‫كثير من الناس أكثرها‪ ،‬فلم يبلغوا مداها مع فضل السبق وصعوبة المبتدأ‪ ،‬وعرف قدره األكابر"‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مات ‪ 6‬سنة تس ٍع وثمانين وثالثمائة‪.‬‬
‫وقد كتب ‪ 6‬رسالته هذه استجاب ًة لرغبة مؤدب الصبية ومعلمهم في وقته ‪ ،6‬طلب منه أن يكتب رسال ًة يحفظها األطفال‪،‬‬
‫فكتب هذه الرسالة في التوحيد والفقه واآلداب‪ ،‬ولكن سنأخذ منها فقط التوحيد‪ ،‬أما الفقه فهو على مذهب اإلمام مالك‬
‫كثيرا حتى إنها كتبت بالذهب‪.‬‬
‫‪ ،6‬وقد اهتم العلماء بهذه الرسالة ً‬

‫‪73‬‬
‫ننتقل اآلن إلى قراءة متن مقدمة الرسالة‪:‬‬
‫يقول ‪" : 6‬الحمد هلل الذي ابتدأ اإلنسان بنعمته‪ ،‬وصوره في األرحام بحكمته‪ ،‬وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه‪ ،‬وعلمه‬
‫عظيما‪ ،‬ونبأه بآثار صنعته‪ ،‬وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه‪ ،‬فهدى من‬
‫ما لم يكن يعلم‪ ،‬وكان فضل اهلل عليه ً‬
‫وفقه بفضله‪ ،‬وأضل من خذله بعدله‪ ،‬ويسر المؤمنين لليسرى‪ ،‬وشرح صدورهم للذكرى‪ ،‬فآمنوا باهلل بألسنتهم ناطقين‪ ،‬وبقلوبهم‬
‫مخلصين‪ ،‬وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين‪ ،‬وتعلموا ما علمهم ووقفوا عند ما حد لهم‪ ،‬واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم‪.‬‬
‫أما بعد؛ أعاننا اهلل وإياك على رعاية ودائعه‪ ،‬وحفظ ما أودعنا من شرائعه‪ ،‬فإنك سألتني أن أكتب لك جملةً مختصرةً من واجب‬
‫أمور الديانة‪ ،‬مما تنطق به األلسنة‪ ،‬وتعتقده القلوب‪ ،‬وتعمله الجوارح‪ ،‬وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها‬
‫ٍ‬
‫وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب اإلمام مالك بن أنس ‪ 6‬وطريقته‪ ،‬مع‬ ‫ٍ‬
‫وشيء من اآلداب منها‪،‬‬ ‫ونوافلها ورغائبها‪،‬‬
‫ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين‪ ،‬وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان‪ ،‬كما تعلمهم‬
‫حروف القرآن؛ ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين اهلل وشرائعه ما ترجى لهم بركته‪ ،‬وتحمد لهم عاقبته‪ ،‬فأجبتك إلى ذلك؛ لما‬
‫رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين اهلل‪ ،‬أو دعا إليه‪ ،‬واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير‪ ،‬وأرجى القلوب للخير ما لم‬
‫يسبق الشر إليه‪ ،‬وأولى ما عني به الناصحون‪ ،‬ورغب في أجره الراغبون‪ ،‬إيصال الخير إلى قلوب أوالد المؤمنين؛ ليرسخ فيها‪،‬‬
‫وتنبيههم على معالم الديانة‪ ،‬وحدود الشريعة؛ ل يراضوا عليها‪ ،‬وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم‪ ،‬وتعمل به جوارحهم‪ ،‬فإنه‬
‫روي أن تعليم الصغار لكتاب اهلل يطفئ غضب الرب‪ ،‬وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر‪ ،‬وقد مثلت لك من‬
‫ذلك ما ينتفعون إن شاء اهلل بحفظه‪ ،‬ويشرفون بعلمه‪ ،‬ويسعدون باعتقاده والعمل به‪ ،‬وقد جاء أن يؤمروا بالصالة لسبع سنين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وعمل قبل بلوغهم؛‬ ‫ويضربوا عليها لعشر‪ ،‬ويفرق بينهم في المضاجع‪ ،‬فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض اهلل العباد من ٍ‬
‫قول‬
‫ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم‪ ،‬وسكنت إليه أنفسهم‪ ،‬وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم‪.‬‬
‫عمال من الطاعات‪ ،‬وسأفصل لك ما شردت‬
‫عمال من االعتقادات‪ ،‬وعلى الجوارح الظاهرة ً‬
‫وقد فرض اهلل سبحانه على القلب ً‬
‫لك ذكره بابًا بابًا؛ ليقرب من فهمه ومتعلميه إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬وإياه نستخير‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫محمد نبيه‪ ،‬وآله وصحبه وسلم‬ ‫العظيم‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا‬
‫باب ما تنطق به األلسنة وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات‪.‬‬
‫من ذلك اإليمان بالقلب والنطق باللسان أن اهلل إلهٌ واح ٌد ال إله غيره‪ ،‬وال شبيه له‪ ،‬وال نظير له‪ ،‬وال ولد له‪ ،‬وال والد له‪ ،‬وال‬
‫صاحبة له‪ ،‬وال شريك له‪ ،‬ليس ألوليته ابتداء‪ ،‬وال آلخريته انقضاء‪ ،‬ال يبلغ كنه صفته الواصفون‪ ،‬وال يحيط بأمره المتفكرون‪،‬‬
‫ِع ْ ُكرسِي ُْه ْ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ُ ُ َ َ‬
‫اتْ‬ ‫الس َم َ‬
‫او ِْ‬ ‫ون ْبِشىءْ ْمِنْ ْعِل ِم ْهِ ْإِلا ْب ِ َما ْش َْ‬
‫اء ِْ ْ َوس َْ‬ ‫يعتبر المتفكرون بآياته‪ ،‬وال يتفكرون في ماهية ذاته‪﴿ .‬ولا ْيحِيط ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يم﴾ [البقرة‪.]٢٥٥ :‬‬‫ض ِْْ َولاْ َيئُود ْهُْحِفظ ُه َما ِْْ َوه َْوْال َعلِىْْال َع ِظ ُْ‬
‫َوالأر ْ‬

‫‪74‬‬
‫العالم الخبير‪ ،‬المدبر القدير‪ ،‬السميع البصير‪ ،‬العلي الكبير‪ ،‬وإنه فوق عرشه المجيد بذاته‪ ،‬وهو في كل ٍ‬
‫مكان بعلمه‪ ،‬خلق‬
‫ُ ُ‬
‫اْولاْح َّبة ْفِيْظل َم ِ‬
‫اتْ‬ ‫ِنْو َرقَة ْإل َّ َ‬
‫اْيعلَ ُم َه َ َ َ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ويعلم ما توسوس به نفسه‪ ،‬وهو أقرب إليه من حبل الوريد‪َ ﴿ ،‬و َما ْتَسْ ُق ُط ْم َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫ْولاْيَابِسْإِلاْفِيْكِتَابْمبِينْ﴾ [األنعام‪.]٥٩ :‬‬ ‫ال َْأر ِض َ‬
‫ْول َ َ‬
‫اْرطب‬
‫على العرش استوى‪ ،‬وعلى الملك احتوى‪ ،‬وله األسماء الحسنى والصفات العلى‪ ،‬لم يزل بجميع صفاته وأسمائه‪ ،‬تعالى أن‬
‫تكون صفاته مخلوقةً وأسماؤه محدثة‪ ،‬كلم موسى بكالمه الذي هو صفة ذاته‪ ،‬ال خل ٌق من خلقه‪ ،‬وتجلى للجبل فصار د ًكا من‬
‫ٍ‬
‫لمخلوق فينفد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بمخلوق فيبيد‪ ،‬وال صفةً‬ ‫جاللهن وأن القرآن كالم اهلل ليس‬
‫واإليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬حلوه ومره‪ ،‬وكل ذلك قد قدره اهلل ربنا‪ ،‬ومقادير األمور بيده‪ ،‬ومصدرها عن قضائه‪ ،‬علم كل ٍ‬
‫شيء‬
‫َ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ‬
‫قْ َوه َْوْالل ِط ْ‬
‫يفْ‬ ‫عمل إال وقد قضاه‪ ،‬وسبق علمه به ﴿ألاْيعل ْمْمنْْخل ْ‬ ‫قبل كونه‪ ،‬فجرى على قدره‪ ،‬ال يكون من عباده ٌ‬
‫قول وال ٌ‬
‫َ‬
‫الخب ِ ُْ‬
‫ير﴾ [الملك‪.]١٤ :‬‬
‫شقي أو‬
‫ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من ٍّ‬
‫فكل ٌ‬ ‫يضل من يشاء فيخذله بعدله‪ ،‬ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله‪ٌّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫لشيء إال هو‪ ،‬رب العباد ورب أعمالهم‪،‬‬ ‫َح ٍد عنه غنى‪ ،‬أو يكون خال ٌق‬ ‫ِ‬
‫سعيد‪ ،‬تعالى أن يكون في ملكه ما ال يريد‪ ،‬أو يكون أل َ‬
‫والمقدر لحركاتهم وآجالهم‪.‬‬
‫بشيرا‬ ‫ٍ‬
‫الباعث الرسل إليهم؛ إلقامة الحجة عليهم‪ ،‬ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه ‪ ،l‬فجعله آخر المرسلين ً‬
‫منيرا‪ ،‬وأنزل عليه كتابه الحكيم‪ ،‬وشرح به دينه القويم‪ ،‬وهدى به الصراط المستقيم‪.‬‬
‫اجا ً‬‫ونذيرا وداعيًا إلى اهلل بإذنه وسر ً‬
‫ً‬
‫وأن الساعة آتية ال ريب فيها‪ ،‬وأن اهلل يبعث من يموت كما بدأهم يعودون‪ ،‬وأن اهلل سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين‬
‫صائرا‬
‫الحسنات‪ ،‬وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات‪ ،‬وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر‪ ،‬وجعل من لم يتب من الكبائر ً‬
‫َ َ ُ َ ُ َ َ َٰ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬
‫ُ‬
‫اء﴾ [النساء‪.]٤٨ :‬‬
‫ِكْل ِمنْيش ْ‬
‫ونْذل ْ‬ ‫اَّللْلاْ َيغفِ ُْرْأنْيشر ْ‬
‫كْب ِ ْهِْويغفِ ْرْماْد ْ‬ ‫َ‬ ‫نْ ْ‬ ‫إلى مشيئته‪﴿ .‬إ ِ ْ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الْذ َّرةْْ َخي ًراْي َ َرْهُ﴾ [الزلزلة‪.]٧ :‬‬
‫ومن عاقبه اهلل بناره أخرجه منها بإيمانه‪ ،‬فأدخله به جنته‪﴿ .‬ف َمنْ َيع َملْْمِثق ْ‬
‫ويخرج منها بشفاعة النبي ‪ l‬من شفع له من أهل الكبائر من أمته‪.‬‬
‫وأن اهلل سبحانه قد خلق الجنة‪ ،‬فأعدها دار ٍ‬
‫خلود ألوليائه‪ ،‬وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم‪ ،‬وهي التي أهبط منها آدم‬
‫نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق من سابق علمه‪ ،‬وخلق النار فأعدها دار ٍ‬
‫خلود لمن كفر به‪ ،‬وألحد في آياته وكتبه ورسله‪،‬‬
‫وجعلهم محجوبين عن رؤيته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬
‫ك ْ َصفا ْ َصفا﴾ [الفجر‪ ]٢٢ :‬لعرض األمم وحسابها‪ ،‬وعقوبتها وثوابها‪ ،‬وتوضع‬
‫وأن اهلل تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة ﴿ َوال َمل ْ‬
‫َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َٰ َ ُ ُ ُ ُ َ‬
‫ون﴾ [المؤمنون‪.]١٠٢ :‬‬
‫كْه ْمْالمفل ِح ْ‬
‫الموازين لوزن أعمال العباد‪﴿ .‬فمنْثقلتْْموازِين ْهْفأولئ ِ ْ‬
‫يسيرا‪ ،‬ومن أوتي كتاب وراء ظهره فأولئك يصلون‬
‫ويؤتون صحائفهم بأعمالهم‪ ،‬فمن أوتي كتابه بيمينه‪ ،‬فسوف يحاسب حسابًا ً‬
‫سعيرا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪75‬‬
‫وقوم أوبقتهم فيها‬ ‫وأن الصراط ٌّ‬
‫حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم‪ ،‬فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم‪ٌ ،‬‬
‫أعمالهم‪.‬‬
‫واإليمان بحوض رسول اهلل ‪ l‬ترده أمته‪ ،‬ويذاد عنه من بدل وغير‪.‬‬
‫وعمل بالجوارح‪ ،‬يزيد بزيادة األعمال‪ ،‬وينقص بنقصها‪ ،‬فيكون فيها النقص وبها‬
‫ٌ‬ ‫وإخالص بالقلب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وأن اإليمان ٌ‬
‫قول باللسان‬
‫وعمل ونيةٌ إال بموافقة السنة‪ ،‬وأنه ال يكفر أح ٌد‬
‫ٌ‬ ‫وعمل إال بنية‪ ،‬وال ٌ‬
‫قول‬ ‫ٌ‬ ‫الزيادة‪ ،‬وال يكمل قول اإليمان إال بالعمل‪ ،‬وال ٌ‬
‫قول‬
‫ٍ‬
‫بذنب من أهل القبلة‪.‬‬
‫َحيَاءٌ عند ربهم يرزقون‪ ،‬وأرواح أهل السعادة باقيةٌ ناعمةٌ إلى يوم يبعثون‪ ،‬وأرواح أهل الشقاوة معذبةٌ إلى يوم‬
‫وأن الشهداء أ ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َّ ُ َّ‬
‫ِينْآ َمنُواْبِالقو ِْلْالثاب ِ ِْ‬
‫تْفِيْالحَيَا ْة ِْالدنيَاْ َوفِيْالْآخ َِرْة ِ﴾‬ ‫اَّللْالذ َْ‬
‫تْ ْ‬ ‫الدين‪ ،‬وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون‪﴿ .‬يثب ِ ْ‬
‫وأن على العباد حفظةً يكتبون أعمالهم‪ ،‬وال يسقط شيءٌ من ذلك عن علم ربهم‪ ،‬وأن ملك الموت يقبض األرواح بإذن ربه‪.‬‬
‫وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول اهلل ‪ ،l‬وآمنوا به‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬وأفضل الصحابة الخلفاء‬
‫الراشدون‪ ،‬المهديون أبو بك ٍر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم ٌّ‬
‫علي ‪ F‬أجمعين‪ ،‬وأال يذكر أح ٌد من صحابة الرسول ‪ l‬إال‬
‫بأحسن ذكر‪ ،‬واإلمساك عما شجر بينهم‪ ،‬وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج‪ ،‬ويظن بهم أحسن المذاهب‪.‬‬
‫والطاعة ألئمة المسلمين من والة أمورهم وعلمائهم‪ ،‬واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم‪ ،‬واالستغفار لهم‪ ،‬وترك المراء‬
‫والجدال في الدين‪ ،‬وترك ما أحدثه المحدثون‪.‬‬
‫كثيرا"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫محمد‪ ،‬وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم‬ ‫وصلى اهلل على سيدنا‬
‫ٍ‬
‫عقدية مهمة منها‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫موضوعات‬ ‫هذه هي مقدمة رسالة ابن أبي زي ٍد القيرواني ‪ ،6‬هذه المقدمة اشتملت على عدة‬
‫‪ ‬المنهج في إثبات أسماء اهلل وصفاته عند أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫‪ ‬وكالم اهلل سبحانه وتعالى غير مخلوق‪.‬‬
‫‪ ‬وبعض أصول اإليمان‪( :‬اإليمان بالقدر‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬واليوم اآلخر)‪.‬‬
‫‪ ‬كذلك حكم مرتكب الكبيرة‪.‬‬
‫‪ ‬وتعريف اإليمان عند أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫‪ ‬واالعتقاد في الصحابة ‪.F‬‬
‫‪ ‬ووجوب طاعة والة األمور‪.‬‬
‫‪ ‬وحكم المراء والجدال في الدين‪.‬‬
‫ردودا على أهل البدع‪ ،‬كلما أحدث أهل البدع شيئًا رد عليهم أهل السنة والجماعة؛ لذلك الكتب المتقدمة في‬
‫هذا كله يعد ً‬
‫قديما كانوا يذكرون المسائل التي‬
‫ردودا على أهل البدع واألهواء‪ ،‬بخالف الكتب المتأخرة فإنها تقريرية‪ ،‬فالعلماء ً‬
‫العقيدة تعد ً‬
‫حدث فيها انحراف وخلط ومخالفة‪ ،‬كما فعل ابن أبي ٍ‬
‫زيد القيرواني ‪ 6‬في هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫نبدأ اآلن إن شاء اهلل تعالى في شرح مقدمة المقدمة‪.‬‬
‫قال ‪( :6‬الحمد هلل الذي ابتدأ اإلنسان بنعمته)‪.‬‬
‫يعني أُثني على اهلل سبحانه وتعالى بما له من المحامد؛ ألجل أنه خلق اإلنسان‪ ،‬وتفضل عليه بنعمه التي ال تعد وال‬
‫تحصى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك﴾ [االنفطار‪.]٧-٦ :‬‬ ‫كْف َس َّو َْ‬
‫اكْف َع َدل ْ‬ ‫يمْ‪ْ٦‬الذِيْخلق ْ‬
‫كْالكرِ ِْ‬ ‫انْ َماْغ َّر َْ‬
‫كْب ِ َرب ِ ْ‬ ‫قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬يَاْأي َهاْالإ َ‬
‫نس ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬لقدْْ َخلقنَاْالإ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫انْفِيْأح َس ِْ‬
‫نْتقوِيمْ﴾ [التين‪.]٤ :‬‬ ‫نس ْ‬ ‫ِ‬

‫ثم قال‪( :‬وصوره في األرحام بحكمته)‪.‬‬


‫يعني اهلل عز وجل شكل اإلنسان وخلقه وهو في رحم أمه‪ ،‬وهذا كله بحكمته التي ال ظلم فيها البتة‪ ،‬فخلق اهلل‬
‫ٍ‬
‫عظيمة جليلة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحكمة‬ ‫سبحانه وتعالى كله‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فْيَش ُْ‬
‫اء﴾ [آل عمران‪.]٦ :‬‬ ‫قال ربنا سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ه َْوْالذِيْي ُ َصوِ ُركمْْفِيْالأر َح ِْ‬
‫امْكي ْ‬

‫ثم قال‪( :‬وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه)‪.‬‬


‫يعني بعد أن صوره في األرحام أخرجه منها إلى رأفته سبحانه‪ ،‬فسخر له أبويه‪ ،‬وجعلهما في خدمته إلى أن يكبر‪،‬‬
‫ضا إلى ما يسره له وسهله من األرزاق المختلفة‪ ،‬األرزاق هذه ليست خاصة بالمال فقط‪ ،‬وإنما هي عامة‬
‫وأخرجه أي ً‬
‫تشمل كل ما ينتفع اإلنسان به‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ات ْ َوفضلنَاهم ْعَلىْ‬
‫الطيِبَ ِْ‬ ‫قال ربنا سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬ولقدْ ْك َّرمنَا ْبَنِى ْآد َْم ْ َوحملنَاهمْ ْفِي ْالبَ ِْر ْ َوال َبح ْرِ ْ َو َر َزق َناهم ْم َْ‬
‫ِن ْ َّ‬
‫ً‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ْخلقنَاْتف ِضيلا﴾ [اإلسراء‪.]٧٠ :‬‬ ‫كثِيرْمِمن‬
‫َّ َّ َ ُ َ َّ َّ ُ ُ ُ‬ ‫ََ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ين﴾ [الذاريات‪:‬‬‫اق ْذو ْالق َّوْة ِْال َمت ِ ُْ‬
‫اَّلل ْه ْو ْالرز ْ‬
‫نْ ْ‬ ‫ون ْ(‪ْ)٥٧‬إ ِ ْ‬ ‫يد ْأن ْ ُيطعِ ُم ِْ‬
‫يد ْمِن ُهم ْمِن ْرِزقْ ْوما ْأرِ ْ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ما ْأرِ ُْ‬
‫‪.]٥٨-٥٧‬‬

‫عظيما)‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬وعلمه ما لم يكن يعلم‪ ،‬وكان فضل اهلل عليه ً‬
‫يعني اإلنسان ولد جاهالً فعلمه اهلل سبحانه وتعالى ما لم يكن يعلمه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫َ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ونْأ َّم َهات ِكمْْلاْتعل ُم ْ‬
‫ونْشي ًئا﴾ [النحل‪.]٧٨ :‬‬ ‫جكمْمِنْ ُب ُط ِْ‬ ‫اَّللْأخر‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬و ْ‬
‫عظيما بما أعطاه من النعم الكثيرة التي ال تعد وال تحصى‪.‬‬
‫وكان فضل اهلل عليه ً‬
‫َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ‬
‫ْع ِظ ً‬
‫يما﴾‬ ‫كْماْلمْْتكنْتعل ْم ِْْوكانْفضلْاَّلل ِْعليك‬
‫وقد قال اهلل عز وجل لنبيه وهو سيد الخلق‪﴿ :‬وعلم ْ‬

‫ثم قال‪( :‬ونبهه بآثار صنعته)‪.‬‬


‫يعني جعله يستدل بالمخلوقات على قدرته العظيمة‪ ،‬وعلمه المحيط بكل شيء‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ثم قال‪( :‬وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه‪ ،‬فهدى من وفقه بفضله‪ ،‬وأضل من خذله بعدله)‪.‬‬
‫يعني اهلل عز وجل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين‪.‬‬
‫رسوال حتى نؤمن بك‪.‬‬
‫لماذا؟ حتى يقطع أعذار الناس؛ حتى ال يقول الناس لم ترسل إلينا ً‬
‫يز َ‬
‫اْحك ً‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ َّ ِ َ َ َّ ُ َّ َ َ ُ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫ْعز ً‬ ‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ر ُسلًاْمبَ ِشر َ‬
‫ينْ َو ُ‬
‫ِيما﴾‬ ‫ِ‬ ‫ْاَّلل‬ ‫ان‬ ‫ك‬‫و‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ل‬‫ِ‬ ‫س‬‫الر‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ة‬
‫ْ‬ ‫ج‬ ‫ح‬‫ْ‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل‬ ‫ْ‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اس‬‫ِلن‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ِئ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ين‬‫ِ‬ ‫ِر‬
‫ذ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫[النساء‪.]١٦٥ :‬‬
‫هؤالء الرسل هم خير خلق اهلل تعالى‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِن ْ َّ‬
‫الن ِ ْ‬
‫اس﴾ [الحج‪ .]٧٥ :‬يعني يختار‪ ،‬ويختار سبحانه وتعالى‬ ‫اَّلل ْيَص َط ِفيْ ْم َْ‬
‫ِن ْال َملائِك ْةِ ْ ُر ُسلا ْ َوم َْ‬ ‫كما قال تعالى‪ُْ ﴿ :‬‬
‫الصفوة‪ ،‬فالناس نحو الرسل انقسموا فريقين‪:‬‬
‫‪ ‬الفريق األول‪ :‬هداه اهلل سبحانه وتعالى إلى الخير‪ ،‬وهذا بمحض ٍ‬
‫توفيق من اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وفق اهلل عز‬
‫وجل جماعةً وأرشدهم إلى العمل بطاعته‪.‬‬
‫‪ ‬والفريق الثاني‪ :‬خذله اهلل عز وجل‪ ،‬ولم يوفقه للهدى‪ ،‬وهذا بمحض ٍ‬
‫عدل من اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬اهلل عز‬
‫وجل يعلم أنهم ال يستحقون الهداية؛ لذلك خذلهم عن طاعته‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِيْمنْيَش ُْ‬
‫اء﴾ [المدثر‪.]٣١ :‬‬ ‫اَّللْ َمنْيَش ُْ‬
‫اءْ َو ْيَهد َ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ي ُ ِ‬
‫ضلْْ ُْ‬

‫َّ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬


‫اَّللْقلوبَ ُهمْ﴾ [الصف‪.]٥ :‬‬
‫اغْ ُْ‬‫وقال‪﴿ :‬فل َّماْ َزاغواْأ َز ْ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اَّللْلاْ َيهدِيْ َمنْْ ُه َْوْكاذِبْْكفارْ﴾ [الزمر‪.]٣ :‬‬
‫نْ َْ‬ ‫وقال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫ٍ‬
‫بتوفيق من اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وليس هو منه؛ وإنما هو‬ ‫مقبال على الطاعة فليحمد ربه‪ ،‬فهذا‬
‫فاإلنسان إذا وجد نفسه ً‬
‫ٍ‬
‫وتوفيق منه‪ ،‬فاحمد ربك أيها المسلم الطائع أن وفقك اهلل عز وجل لطاعته‪.‬‬ ‫بمحض ٍ‬
‫فضل من اهلل سبحانه وتعالى‬
‫والهداية أنواع منها‪:‬‬
‫‪ ᛜ‬هداية خاصة‪ :‬هذه تسمى بهداية التوفيق واإللهام‪ ،‬خاصة باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬يهدي اهلل عز وجل من يشاء إلى‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّللْلاْ َيهدِيْ َمنْي ُ ِضلْ﴾ [النحل‪.]٣٧ :‬‬
‫نْ َْ‬ ‫طاعته‪ .‬كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬إِنْتح ِرصْْعَلىْه َداهمْْفإ ِ ْ‬

‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬


‫اَّللْ َيهدِيْ َمنْيَش ُْ‬
‫اء﴾ [القصص‪.]٥٦ :‬‬ ‫نْ َْ‬ ‫كْ‬ ‫كْلاْتهدِيْ َمنْْأحبَب َْ‬
‫تْ َول ِ‬ ‫وقال‪﴿ :‬إِن ْ‬

‫‪ ᛜ‬الهداية العامة‪ :‬التي يشترك فيها النبيون والعلماء والصالحون‪ ،‬وتسمى بهداية الدعوة واإلرشاد والبيان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫كْل َتهدِيْإِل َْٰيْ ِص َراطْْمستَقِيمْ﴾ [الشورى‪.]٥٢ :‬‬
‫ومنها قول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وِإن ْ‬
‫فالهداية المنفية عن النبي ‪ l‬هي هداية التوفيق‪ ،‬أما المثبتة فهي هداية اإلرشاد‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ثم قال‪( :‬ويسر المؤمنين لليسرى)‪.‬‬
‫أي للجنة‪ ،‬وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ‬
‫قْبِالحسنىْ‪ْ٦‬فسني ِسرْهْل ِليسرى﴾ [الليل‪.]٧-٥ :‬‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬فأماْمنْْأعطيْْواتقيْْ‪ْ٥‬وصد ْ‬

‫ثم قال‪( :‬وشرح صدورهم للذكرى)‪.‬‬


‫أي جعل صدورهم تقبل الحق‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫َ َ ُ َ ُ َّ ُ َ‬
‫ْيج َعل َ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل ْأَن ْ َيهدِي َ ُْه ْيَش َرحْ ْ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ْصد َرهُ ْضيِقاْ‬ ‫ض له‬‫ِ‬ ‫نْي‬‫ْأ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ر‬‫نْي‬‫م‬‫و‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ام‬ ‫ل‬‫س‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫ِل‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫ر‬‫َ‬ ‫د‬‫ص‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ف َمن ْيُرِدِْ ْ ُْ‬

‫يْالس َما ِْء﴾ [األنعام‪.]١٢٥ :‬‬ ‫اْك َأ َّن َماْي َ َّص َّع ُدْف َّ‬
‫َ َ ً َ‬
‫حرج‬
‫ِ‬

‫ثم قال‪( :‬فآمنوا باهلل)‪ :‬أي صدقوا‪ ،‬وأقروا بربهم سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫(بألسنتهم ناطقين)‪ :‬أي نطقوا بذلك‪.‬‬
‫(وبقلوبهم مخلصين)‪ :‬أي مذعنين ومؤمنين باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫(وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين) ‪ :‬أي امتثلوا األوامر واجتنبوا النواهي التي جاءت بها الرسل عليهم السالم‪ ،‬والكتب التي‬
‫أنزلها عليهم‪.‬‬
‫(وتعلموا ما علمهم ووقفوا عند ما حد لهم)‪ .‬أي عند حدود اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وهي الحالل والحرام‪.‬‬
‫(واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم)‪ :‬أي اكتفوا بالحالل عن الحرام‪ ،‬ولم يرتكبوا المحرمات بل استغنوا عنها بفعل ما أُحل‬
‫له‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬أما بعد؛ أعاننا اهلل وإياك على رعاية ودائعه)‪.‬‬
‫أي الجوارح‪ ،‬جوارح اإلنسان‪ ،‬وسميت ودائع؛ ألن اهلل عز وجل أودعها عند اإلنسان‪ ،‬والمراد هنا أن يستعملها في‬
‫الطاعة ال في المعصية‪.‬‬

‫قال‪( :‬وحفظ ما أودعنا من شرائعه)‪ .‬أي األوامر والنواهي‪.‬‬

‫قال‪( :‬فإنك سألتني أن أكتب لك جملةً مختصرًة من واجب أمور الديانة مما تنطق به األلسنة‪ ،‬وتعتقده القلوب‪ ،‬وتعمله‬
‫ٍ‬
‫وجمل من أصول‬ ‫ٍ‬
‫وشيء من اآلداب منها‪،‬‬ ‫الجوارح‪ ،‬وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها‪ ،‬ونوافلها‪ ،‬ورغائبها‪،‬‬
‫الفقه وفنونه على مذهب اإلمام مالك بن ٍ‬
‫أنس ‪ 6‬وطريقته)‪.‬‬
‫مختصرا‪ ،‬هذا الكتاب يشمل العقيدة والفقه واآلداب‪.‬‬
‫ً‬ ‫يريد أن يقول أنت أيها المعلم طلبت مني أن أؤلف وأكتب لك كتابًا‬

‫‪79‬‬
‫وقوله‪( :‬من السنن) أي المستحبات‪.‬‬
‫(من مؤكدها)‪ :‬أي ما داوم عليه النبي ‪.l‬‬
‫(ونوافلها‪ ،‬ورغائبها)‪ :‬الفرق بين الرغائب والنوافل‪:‬‬
‫أن الرغائب ما داوم عليها النبي ‪.l‬‬
‫أما النوافل‪ :‬فما فعله ولم يداوم عليه‪ ،‬أو داوم عليها ولم يحده بقد ٍر معين‪.‬‬
‫ضا هنا أن ما سيذكره من األحكام الفقهية على مذهب اإلمام مالك ‪ ،6‬كما قلت الرسالة مقسمة ثالثة‬
‫وذكر أي ً‬
‫أقسام‪ :‬عقيدة‪ ،‬وفقه‪ ،‬وآداب‪.‬‬
‫الفقه على مذهب اإلمام مالك ‪.6‬‬

‫ثم قال‪( :‬مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين‪ ،‬وبيان المتفقهين)‪.‬‬
‫يعني سألتني أن تكون هذه الجملة مصاحبة لما سهل من المذهب‪ ،‬من تفسير الراسخين في العلم‪.‬‬
‫(وبيان المتفقهين)‪ :‬أي الفقهاء من أصحاب اإلمام مالك ‪ ،6‬بعني أذكر لك جملةً من أقوال العلماء والفقهاء‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬لما رغبت فيه)‪ :‬أي أيها المعلم‪.‬‬


‫(من تعليم ذلك للولدان)‪ :‬أي الصغار‪.‬‬
‫(كما تعلمهم حروف القرآن) ‪ :‬يعني كما تعلمهم القرآن تعلمهم العقيدة والفقه واآلداب‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون معلم الصبية أو‬
‫معلم األطفال‪ ،‬عليه أن يعطيهم شيئًا مع القرآن من العقيدة والفقه واآلداب‪.‬‬
‫لماذا هذا؟‬
‫يعلل هذا فيقول‪( :‬ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين اهلل وشرائعه)‪.‬‬
‫حتى يفهموا العقيدة والفقه وهم صغار‪.‬‬
‫(ما ترجى لهم بركته)‪ :‬أي في الدنيا‪.‬‬
‫(وتحمد لهم عاقبته)‪ :‬أي في اآلخرة بعد الموت‪.‬‬
‫(فأجبتك لذلك لما رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين اهلل‪ ،‬أو دعا إليه)‪.‬‬
‫يعني أنا سأكتب لك ذلك؛ ألجل ثواب من علم دين اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬أو دعا إليه‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :l‬من دل على خي ٍر فله مثل أجر فاعله"‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬واعلم "أيها المتعلم"‪ ،‬أن خير القلوب أوعاها للخير)‪.‬‬
‫أفضل القلوب هي التي تفهم الخير وتحفظه‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ثم قال‪( :‬وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه)‪.‬‬
‫يعني أقرب القلوب إلى الخير‪ ،‬القلوب التي لم ِ‬
‫تعص اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬وأولى ما عني به الناصحون‪ ،‬ورغب في أجره الراغبون‪ ،‬إيصال الخير إلى قلوب أوالد المؤمنين؛ ليرسخ فيها)‪.‬‬
‫أي ليثبت في القلوب‪.‬‬
‫(وتنبيههم على معالم الديانة)‪ :‬أي العقيدة‪.‬‬
‫(وحدود الشريعة) أي الحالل والحرام‪.‬‬
‫(ليُراضوا عليها)‪ :‬يعني حتى يتمرنوا على ذلك‪.‬‬
‫(وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم)‪ :‬أي ما يجب عليهم بعد البلوغ من العقائد‪.‬‬
‫(وتعمل به جوارحهم)‪ :‬أي أعضاؤهم‪.‬‬
‫(فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب اهلل يطفئ غضب الرب)‪.‬‬
‫ولكن هذا ضعيف‪ ،‬لم يذكر في كتب السنة‪.‬‬
‫(وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر) ‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬يعني تعليم الشيء في الصغر يثبت بخالف التعليم في الكبر‬
‫ينسى بسرعة‪ ،‬والطفل إذا علم شيئًا وهو صغير‪ ،‬فإنه يشب عليه‪ ،‬فإذا كبر ال يكون عليه غريبًا‪ ،‬بخالف الذي لم يتعلم وهو‬
‫صغير‪ ،‬يجد صعوبة في امتثال الخير‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬وقد مثلت لك "أي بينت لك" من ذلك ما ينتفعون إن شاء اهلل بحفظه‪ ،‬ويشرفون بعلمه‪ ،‬ويسعدون باعتقاده والعمل‬
‫به‪ ،‬وقد جاء أن يؤمر بالصالة لسبع سنين‪ ،‬ويضرب عليها لعشر‪ ،‬ويفرق بينهم في المضاجع)‪.‬‬
‫أي ثبت عن النبي ‪ l‬ذلك‪.‬‬
‫كما في الحديث‪" :‬مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين"‪.‬‬
‫"صل يا ولدي" ِ‬
‫"صل يا بني" كل صالة‪ ،‬ولكن ال يضربوه‪.‬‬ ‫أي إذا بلغ الطفل سبع سنين على والديه أن يأمراه بالصالة ِ‬
‫قال ‪" :l‬واضربوهم عليها وهم أبناء عشر"‪.‬‬
‫يعني إذا بلغ عشر سنين ولم ِ‬
‫يصل يضرب‪ ،‬وكذلك باقي الفرائض على الوالدين أن يعودوا أبناءهم عليها؛ حتى يتمرنوا‬
‫عليها‪ ،‬وال يتركوها عند الكبر‪.‬‬
‫ثم قال ‪" :l‬وفرقوا بينهم في المضاجع"‪ .‬أي في أماكن نومهم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫وعمل قبل بلوغهم؛ ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن‬ ‫ثم قال ‪( :6‬فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض اهلل على العباد من ٍ‬
‫قول‬
‫ذلك من قلوبهم)‪.‬‬
‫أي رسخ ذلك في قلوبهم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫(وسكنت إليه أنفسهم)‪ :‬أي اطمأنت أنفسهم به فال يتركوه‪.‬‬
‫(وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم)‪ :‬جوارحهم تعودت على ذلك‪ ،‬فال تجد وحشة عند عمله بعد البلوغ‪.‬‬

‫عمال من االعتقادات)‪ :‬كالتوكل‪ ،‬والخشية‪ ،‬واإلنابة إلى آخره‪.‬‬


‫قال‪( :‬وقد فرض اهلل سبحانه على القلب ً‬
‫عمال من الطاعات)‪ :‬كالصالة والصيام ونحو ذلك‪.‬‬
‫(وعلى الجوارح الظاهرة ً‬
‫(وسأفصل لك ما شردت لك ذكره بابًا بابًا؛ ليقرب من فهم متعلميه إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬وإياه نستخير‪ ،‬وبه نستعين)‪.‬‬
‫يعني ال نستخير إال ربنا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫(وبه نستعين)‪ :‬يعني ال نطلب العون إال من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫(وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم)‪ :‬يعني ال أستطيع أن أتحول من ٍ‬
‫حال إلى حال إال بإعانة اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وهكذا‬
‫ينبغي للمؤمن أن يعتقد أنه ال ي ستطيع أن يتحول من حال الفقر إلى الغنى إال بحول اهلل وإعانته وقوته‪ ،‬ال يستطيع أن يتحول‬
‫من حال المرض إلى حال الصحة إال بحول اهلل وإعانته وقوته‪ ،‬وكذلك ال يستطيع أن يتحول من حال الدنية إلى ٍ‬
‫حال أعلى إال‬
‫قول ٍ‬
‫وعمل يريد أن يعمله‪.‬‬ ‫إذا أعانه اهلل عز وجل على ذلك‪ ،‬ومن سعادة المرء وفالحه أن يتبرأ من حوله وقوته عند كل ٍ‬

‫كثيرا)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫محمد نبيه‪ ،‬وآله وصحبه وسلم‬ ‫ثم ختم مقدمة المقدمة بقوله‪( :‬وصلى اهلل على سيدنا‬
‫نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف‪.‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫صفحة عن أهم معالم حياة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اكتب ما ال يقل عن‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬ما هي أهم الموضوعات التي جاءت في رسالة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬ ‫بإجمال عن أهم ما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬تكلم‬

‫نكتفي بهذا ِ‬
‫وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫المحاضرة السـادســة والعشـرون‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات‪ .‬وهذه هي المحاضرة السادسة والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة‬
‫الثانية من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني] ‪.6‬‬
‫قال ‪" :6‬باب ما تنطق به األلسنة وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات"‪.‬‬
‫أي من األقوال واالعتقادات‪ ،‬فال يصح ٌ‬
‫قول بال اعتقاد وال يصح اعتقا ٌد بال قول‪ .‬يعني من نطق بالشهادتين ولم يعتقد بقلبه لم‬
‫ينفعه ذلك‪ ،‬ومن اعتقد بقلبه ولم ينطق الشهادتين بلسانه لم ينفعه ذلك‪.‬‬

‫قال ‪" :6‬من ذلك‪ :‬اإليمان بالقلب والنطق باللسان أن اهلل إلهٌ واح ٌد ال إله غيره‪ ،‬وال شبيه له‪ ،‬وال نظير له‪ ،‬وال ولد له‪ ،‬وال‬
‫والد له‪ ،‬وال صاحبة له‪ ،‬وال شريك له"‪.‬‬
‫أي من جملة واالعتقادات الواجبة اإليمان بالقلب ومعناه اإلقرار والتصديق الجازم بالقلب‪.‬‬
‫والنطق باللسان معناه االعتراف واإلقرار باللسان؛ أن اهلل إلهٌ واح ٌد ال إله غيره‪ .‬يعني ينطق بلسانه أن ال إله إال اهلل‪ .‬ويعتقد بقلبه‬
‫ذلك أال معبود ٍ‬
‫بحق سوى اهلل سبحانه وتعالى وهذا هو توحيد اإللهية‪.‬‬
‫وتوحيد اإللهية معناه‪ :‬إفراد اهلل عز وجل بالعبادة؛ يعني ال يصرف شيئًا من العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫واألدلة على إفراد اهلل عز وجل بالعبادة كثيرة‪:‬‬
‫َ‬‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْالرح ُْ‬
‫ِيم﴾ [البقرة‪.]١٦٣ :‬‬ ‫ْالرحم ُن َّ‬
‫اْه َو َّ‬ ‫منها قول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وِإل ُهكمْْإِلهْْ َواحِدْ ِْْلاْإِل َهْإِل‬
‫وقوله وال شبيه له يعني ال مثيل له‪.‬‬
‫سْكمثل ِ ْهِْشىءْ ِْْ َو ُه َو َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ُْ‬
‫ير﴾ [الشورى‪]١١ :‬‬ ‫ْالس ِم ُ‬
‫يعْال َب ِ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬لي َ ْ ِ‬
‫وقوله وال نظير له يعني ال مسا ٍو له سبحانه وتعالى وال كفؤ له؛ وهذا معنى توحيد األسماء والصفات‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تكليف وال ٍ‬
‫تمثيل وال تعطيل‪.‬‬ ‫توحيد األسماء والصفات معناه إفراد اهلل عز وجل بأسمائه وصفاته من غير تحر ٍ‬
‫يف وال‬
‫واألدلة على ذلك كثيرة‪:‬‬
‫َ‬
‫سْكمثل ِ ْهِْشىءْ ِْْ َو ُه َو َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يعْال َب ِص ُْ‬
‫ير﴾ [الشورى‪.]١١ :‬‬ ‫ْالس ِم ُ‬ ‫منها قول اهلل تعالى‪﴿ :‬لي َ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫كنْل ُْهْكف ًواْأ َحدْ﴾ [اإلخالص‪]٤ :‬‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ولمْْي‬
‫وقوله وال ولد له وال والد له وال صاحبة له؛ يعني اهلل سبحانه وتعالى منزهٌ عن ذلك ألن هذه األشياء تستلزم النقص‪.‬‬
‫واهلل عز وجل منزهٌ عن كل نقص؛ فاهلل عز وجل ال يحتاج إلى ولد ليعينه أو نحو ذلك‪ ،‬وال يحتاج إلى والد‪ ،‬وال يحتاج‬
‫إلى صاحبة أي زوجة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ُ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َّ‬
‫كنْل ُْهْ َصاحِبَةْ﴾ [األنعام‪.]١٠١ :‬‬ ‫وقد قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬أنيْيَك ْ‬
‫ونْل ْهْولدْْولمْْت‬

‫‪83‬‬
‫وقوله‪ :‬وال شريك له يعني اهلل عز وجل منزهٌ عن الشريك في الربوبية واأللوهية واألسماء والصفات‪ ،‬وكذلك منزهٌ عن‬
‫الشريك في حكمه وشرعه وهذه أنواع الشريك‪.‬‬
‫اعتقادا أن غير اهلل يتصرف في الكون يخلق يرزق إلى آخر ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشريك قد يكون في الربوبية‬
‫وقد يكون الشريك في األلوهية وذلك بصرف شيء من العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقد يكون الشريك في األسماء والصفات كأن يسمى غير اهلل ٍ‬
‫باسم من أسماء اهلل سبحانه وتعالى كما فعلت مشركي‬
‫سمت الالت من اهلل والعزى من العزيز ومناة من المنان إلى آخر ذلك‪.‬‬
‫قريش َّ‬
‫وقد يكون الشريك في الحكم هو أن يتحاكم إلى شرع اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقد يكون الشريك في الشرع وهو أن يعمل بغير شرع اهلل سبحانه وتعالى كمن يضع القوانين الوضعية ونحو ذلك واهلل‬
‫عز وجل منزهٌ عن الشريك كله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يكْل ُْه﴾ [األنعام‪]١٦٣ :‬‬
‫قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬لاْش ِر ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ولاْتش ِركواْب ِ ْهِْشي ًئا﴾ [النساء‪]٣٦ :‬‬
‫وكالمه ‪ 6‬هذا يؤخذ منه أن أنواع التوحيد ثالثة‪:‬‬
‫توحيد الربوبية وتوحيد األسماء والصفات وتوحيد األلوهية‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬ليس ألوليته ابتداء وال آلخريته انقضاء"‪.‬‬


‫َ ُ‬
‫يعني اهلل سبحانه وتعالى لم يسبقه عدا وال يلحقه فناء‪ .‬لقول اهلل تعالى‪ُ ﴿ :‬ه َْوْالأ َّو ْلْ َوالْآخ ُِْر﴾ [الحديد‪]٢ :‬‬
‫هذا بخالف المخلوق؛ فالمخلوق ُسبق بعدم ويأتي عليه الفناء يعني أنت منذ مائة سنة أين كنت؟ كنت في العدم‪.‬‬
‫وبعد مائة سنة أين ستكون؟ ستكون في الفناء‪ .‬ثم بعد ذلك تحاسب وتجازى على ما قدمت‪.‬‬
‫وقد قال النبي ‪" :l‬اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء"‪.‬‬
‫وهذا فيه تفسير لألول واآلخر‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬ال يبلغ ُكنه صفته الواصفون"‪.‬‬


‫يعني ال يستطيع أح ٌد مهما وصف اهلل سبحانه وتعالى أن يصل إلى حقيقة صفاته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شْاستَ َوى﴾ [طه‪ ]٥ :‬كيف استوى؟‬
‫نْعَلىْال َعر ِ ْ‬
‫الرحم ُْ‬
‫اإلمام مالك ‪ 6‬سئل عن قوله تعالى‪َّ ﴿ :‬‬

‫فغضب اإلمام مالك ‪ 6‬غضبًا شدي ًدا ثم قال‪ :‬الكيف غير معقول؛ (يعني ال أحد يعرف الكيف)‪ ،‬واالستواء غير‬
‫مجهول (أي أن معنى االستواء معلوم)‪ ،‬واإليمان به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة؛‬
‫يعني يجب علينا أن نؤمن وال نسأل عن الكيفية‪ .‬وكذلك في جميع صفات اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال ‪" :6‬وال يحيط بأمره المتفكرون"‪ .‬أي ال يحيط أح ٌد ِ‬
‫بح َكم اهلل سبحانه وتعالى وأسراره‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫قال‪" :‬يعتبر المتفكرون بآياته‪ ،‬وال يتفكرون في ماهية ذاته‪ ،‬وَال يُ ِحيطُو َن بِ َ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ش ْيء ِّم ْن علْمه إ َّال ب َما َش َ‬
‫اء"‪.‬‬ ‫َ‬
‫يعني من تفكر في آيات اهلل سبحانه وتعالى الكونية الشمس والقمر وسائر المخلوقات علم أن اهلل سبحانه وتعالى هو‬
‫الذي يستحق العبادة‪.‬‬
‫وكذلك من تفكر وتأمل في آيات اهلل سبحانه وتعالى الشرعية فاآليات نوعان‪ :‬شرعيةٌ وكونية‪.‬‬
‫شرعا القرآن الكريم‪.‬‬
‫اآليات الشرعية هي التي تضمنت ً‬
‫واآليات الكونية هي المخلوقات‪ ،‬الشمس القمر السماء النجوم إلى آخره‪.‬‬
‫فكلما تفكر العبد في ذلك أوصله إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى وال يجوز ٍ‬
‫ألحد أن يتفكر في حقيقة ذاته سبحانه‬
‫وتعالى اهلل عز وجل حجب عنا ذلك وهذا مما استأثر اهلل عز وجل به‪.‬‬
‫وكذلك ال يستطيع أح ٌد أن يطلع على ٍ‬
‫شيء من علمه سبحانه وتعالى إال بما أعلمه اهلل عز وجل وأطلعه عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬ولاْيحِ ُ‬
‫ونْب ِ ْهِْعِل ًما﴾ [طه‪]١١٠ :‬‬
‫يط ْ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ونْبِشىءْْمِنْْعِل ِم ْهِْإِلاْب ِ َماْش َْ‬
‫اء ِْ﴾ [البقرة‪.]٢٥٥ :‬‬ ‫وقال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬ولاْيحِ ُ‬
‫يط ْ‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬


‫ض ِْْ َولاْ َيئُود ْهُْحِفظ ُه َما ِْْ َوه َْوْال َعلِىْْال َع ِظ ُْ‬
‫يم﴾ [البقرة‪]٢٥٥ :‬‬ ‫اتْ َوالأر ْ‬ ‫ِعْكرسِي ُْهْ َّ‬
‫الس َم َ‬
‫او ِْ‬ ‫قال ‪َ ﴿ :6‬وس َْ‬
‫الكرسي هو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى كما قال ابن ٍ‬
‫عباس ‪.G‬‬
‫فالكرسي هذا وسع السماوات واألرض‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ِعْ ُكرسِي ُْهْ َّ‬
‫اتْ َوالأر ْ‬
‫ض﴾‬ ‫الس َم َ‬
‫او ِْ‬ ‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وس َْ‬
‫وال يصح تفسير الكرسي بعلم اهلل سبحانه وتعالى أو العرش؛ وإنما الصحيح أن الكرسي هو موضع قدمي الرب سبحانه‬
‫وتعالى وهو قول ابن عباس‪.‬‬
‫وقول ابن عباس ‪ G‬هذا يأخذ حكم المرفوع إلى النبي ‪ l‬ألنه مما ال يقال بالرفع‪.‬‬
‫ََ َ ُ ُ‬
‫ود ْهُ ْحِف ُظ ُه َما ِْ﴾ أي ال يثقله حفظ السماوات واألرض اهلل عز وجل على كل ٍ‬
‫شيء قدير‪ .‬وهو القائم على كل‬ ‫﴿ولا ْيئ‬
‫شيء سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو العلي في ذاته وصفاته‪ ،‬العظيم في أسمائه وصفاته‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وه َْوْال َعلِىْْال َع ِظ ُْ‬
‫يم﴾ [البقرة‪]٢٥٥ :‬‬

‫قال‪" :‬العالم الخبير‪ ،‬المدبر القدير‪ ،‬السميع البصير‪ ،‬العلي الكبير"‪.‬‬


‫هذه جملةٌ من أسماء اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫العالِم يعني المحيط بكل ٍ‬
‫شيء علما ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى؛ يعلم كل شيء ما أسررنا وما أعلنا؛ وهذا‬
‫سر في قلبك‬
‫يثمر في قلبك مراقبة ربك سبحانه وتعالى‪ ،‬ربك سبحانه وتعالى يعلم كل شيء‪ .‬إذا حققت ذلك لم تُ ِّ‬
‫عالم بك بما أسررت وأعلنت‪.‬‬
‫شيئًا لم يرضيه سبحانه وتعالى؛ ألنك تعلم أنه ٌ‬

‫‪85‬‬
‫َّ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫اد ْة ِ﴾ [الرعد‪]٩ :‬‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬عَال ُِْمْالغي ِْ‬
‫بْوالشه‬
‫يعني سبحانه وتعالى يعلم ما غاب عنا وما شهدناه‪.‬‬
‫والخبير معناه العالم بمواضع األشياء فال يعطي إال لمن يستحق‪.‬‬
‫َ ُ َ‬
‫ِيمْالخب ِ ُْ‬
‫ير﴾ [األنعام‪]١٨ :‬‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬الحك ْ‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬


‫يفْالخب ِ ُْ‬
‫ير﴾ [الملك‪]١٤ :‬‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬وه َْوْالل ِط ْ‬
‫والمدبر أي الذي يدبر أمر الخالئق‪.‬‬
‫َّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫كما قال تعالى‪﴿ :‬يُ َدب ِ ُْرْالأم ْرْم ْ‬
‫َ‬
‫ِنْالسما ْءْإِليْالأر ِ ْ‬
‫ض﴾ [السجدة‪]٥ :‬‬ ‫َ‬

‫فعال "يدبر"‪.‬‬
‫اسما؛ وإنما أتى ً‬
‫ولكن المدبر ليس من أسماء اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬ألنه لم يأت ً‬
‫والفعل ال نأخذ منه االسم‪.‬‬
‫والقدير معناه الذي ال يعجزه شيء‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة يقولون اهلل سبحانه وتعالى على كل ٍ‬
‫شيء قدير‪ .‬ال يعجزه شيء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اَّللْعَلىْك ِْلْشىءْْقدِيرْ﴾ [آل عمران‪]١٨٩ :‬‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و ُْ‬
‫السميع يعني الذي يسمع جميع األصوات‪.‬‬
‫البصير الذي يرى كل شيء ال يخفى عليه صوت وال فعل‬
‫َّ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬إن ُْهْ ُه َْوْ َّ‬
‫ص ُْ‬
‫ير﴾ [اإلسراء‪]١ :‬‬ ‫الس ِم ُْ‬
‫يعْال َب ِ‬ ‫ِ‬
‫وهذا يجعلك أيها المبارك ويجعلك أيتها المباركة أال تتكلم ال ترضي اهلل؛ ألنك تعلم أن اهلل يسمعك‪ .‬وأن الذي‬
‫يسمعك اليوم سيحاسبك غ ًدا على ما تكلمت به‪.‬‬
‫كذلك يجعلك تقف عند حدود اهلل سبحانه وتعالى فال تفعل شيئًا ال يرضيه‪ .‬ألنك تعلم أن اهلل يراك سبحانه وتعالى‬
‫مطلع عليك وأن الذي يراك اليوم سيحاسبك غ ًدا‬
‫ٌ‬
‫العلي الذي له العلو المطلق علو الذات‪ ،‬والصفات‪ ،‬والشأن‪ ،‬والقهر‬
‫حقير بالنسبة إليه‪.‬‬ ‫الكبير الذي هو أكبر من كل شيء‪ .‬فكل ٍ‬
‫خاضع ٌ‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫اَّللْه َْوْال َعلِىْْالكب ِ ُْ‬
‫ير﴾ [الحج‪]٦٢ :‬‬ ‫نْ ْ‬ ‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وأ ْ‬

‫ثم قال‪" :‬وأنه فوق عرشه المجيد بذاته"‪.‬‬


‫يعني اهلل سبحانه وتعالى فوق عرشه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شْاستَ َوى﴾ [طه‪]٥ :‬‬
‫نْعَلىْال َعر ِ ْ‬
‫الرحم ُْ‬
‫كما قال تعالى‪َّ ﴿ :‬‬

‫‪86‬‬
‫المجيد سبحانه وتعالى أي المعظم العالي على جميع الخالئق‪.‬‬
‫ُ‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ذوْال َعر ِ ْ َ‬
‫ج ُْ‬
‫يد﴾ [البروج‪]١٥ :‬‬ ‫شْالم ِ‬
‫و"المجيد" فيها قراءتان‪ :‬األولى الرفع والثانية الجر‪.‬‬
‫الرفع على أنه صفة للرب سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والجر على أنه صفة للعرش وكالهما صحيح‪.‬‬
‫وقوله "بذاته" فيه رٌد على الذين نفوا علو الذات‪ .‬قالوا إن اهلل يحل في كل مكان‪ .‬حاشا وكال‪ .‬كالحلولية واالتحادية‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫قال‪" :‬وهو في كل ٍ‬
‫مكان بعلمه"‪.‬‬
‫وهذا أيضا فيه رٌد على الحلولية واالتحادية الذين يقولون إن اهلل في كل ٍ‬
‫مكان بذاته‪.‬‬
‫الصحيح أن اهلل سبحانه وتعالى معنا في كل ٍ‬
‫مكان بعلمه وإحاطته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ََُ َ َ ُ َ َ َ ُ‬
‫نْماْكنتمْ﴾ [الحديد‪.]٤ :‬‬
‫قد قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬وه ْوْمعكمْْأي ْ‬

‫ثم قال‪" :‬خلق اإلنسان ويعلم ما توسوس به نفسه"‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ولقدْْ َخلقنَاْالإ َ‬
‫انْ َونعل ُْمْ َماْت َوسوِ ُ ْ‬
‫سْب ِ ْهِْنف ُس ُْه﴾ [ق‪]١٦ :‬‬ ‫نس ْ‬ ‫ِ‬
‫يعني يعلم سبحانه وتعالى ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر‪ .‬وهذا يجعلك أال تسر شيئًا ال يرضي ربك‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وهو أقرب إليه من حبل الوريد"‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بْإِلي ْهِْمِنْْ َحب ِْ‬
‫لْال َورِي ِْد﴾ [ق‪]١٦ :‬‬ ‫نْأق َر ُ ْ‬
‫كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ونح ُْ‬
‫قيل‪ :‬حبل الوريد هذا في الحلق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بين العنق والم ِ‬
‫نكب‪.‬‬ ‫َ‬
‫وهذا فيه قرب اهلل سبحانه وتعالى من اإلنسان هذا يجعله يراقب ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط ْمِن ْ َو َرقةْ ْإِلا ْ َيعل ُم َها ْ َولا ْ َح َّبةْ ْفِي ْظل َم ِْ‬
‫ات ْالأر ِ ْ‬
‫ض ْولا ْرطبْ ْولا ْيابِسْ ْإِلا ْفِيْكِتابْ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َما ْتسق ُ ْ‬

‫مبِين﴾ [األنعام‪.]٥٩ :‬‬


‫يعني كل شيء يحدث في الكون يعلمه اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬يعلم الحركات والسكنات وإن كان في ظلمات األرض‬
‫كلها مكتوبةٌ في اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫كثيرا من اآليات القرآنية؛ وذلك حتى يسهل حفظه‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬
‫والمالحظ على كالم ابن أبي زيد القيرواني ‪ 6‬أنه ضمنه ً‬
‫لفئة ٍ‬
‫معينة من الناس أن يكون‬ ‫سيما ومقصود هذا الكتاب الصبية الصغار حتى يحفظوه‪ ،‬كذلك من أراد أن يعطي َدرسا ٍ‬
‫ًْ‬
‫بأ ٍ‬
‫سلوب يناسبه حتى يفهموا الكالم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شْاستَ َوى﴾ [طه‪.]٥ :‬‬
‫نْعَلىْال َعر ِ ْ‬
‫الرحم ُْ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬‬

‫استواء َح ِق ِيقيًّا يليق به‪ ،‬ال يشبه استواء المخلوق‪.‬‬


‫ً‬ ‫سبحانه وتعالى‬
‫واالستواء معناه العلو واالرتفاع‪.‬‬

‫قال‪" :‬وعلى الملك احتوى"‪.‬‬


‫أي‪ :‬كل شيء بيد اهلل سبحانه وتعالى؛ لذلك إذا أردت َش ْيئًا فاطلب من ربك سبحانه وتعالى‪ ،‬اهلل يعطيك‪ ،‬اهلل يجتبيك‪،‬‬
‫اهلل يحفظك‪ ،‬سبحانه وتعالى بيده كل شيء‪ ،‬المخلوق هذا ما هو إال سبب‪ ،‬قد يعطيك‪ ،‬وقد يمنعك؛ وإنما ذلك بقدر‬
‫اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫قال‪" :‬وله األسماء الحسنى والصفات العلى"‪.‬‬


‫يعني األسماء التي بلغت في الحسن غايتها‪ ،‬وأسماء اهلل سبحانه وتعالى ال نقصد فيها ٍ‬
‫بوجه من الوجوه بخالف أسماء‬
‫ِ‬
‫يما وهو مريض وقد يسمى َك ِر ً‬
‫يما وهو بخيل‪ ،‬اهلل عز وجل ليس كذلك بل أسماؤه‬ ‫المخلوق فالمخلوق قد يسمى َسل ً‬
‫حسنى‪ ،‬وصفاته ال تشبه صفات المخلوق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬ول ُْهْ َ‬
‫لْالأعلى﴾ [الروم‪.]٢٧ :‬‬
‫المث ْ‬

‫ثم قال‪" :‬لم يزل بجميع صفاته أسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقةً وأسماؤه محدثة"‪.‬‬
‫يعني أسماء اهلل سبحانه وتعالى وصفاته أزلية ليست مخلوقة‪ ،‬وال محدثة‪.‬‬
‫وهذا فيه رٌد على من زعم أن أسماء اهلل سبحانه وتعالى وصفاته محدثة أو مخلوقة‪ ،‬وقد كفر أهل العلم من زعم ذلك‪.‬‬
‫كما قال اإلمام أحمد ‪ :6‬من زعم أن أسماء اهلل مخلوقة فهو كافر‪ ،‬وكفره عندي أوضح من هذه الشمس‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مسألة أخرى وهي‪[ :‬كالم اهلل سبحانه وتعالى] فقال‪" :‬كلم موسى بكالمه الذي هو صفة ذاته ال خل ٌق‬ ‫ثم انتقل ‪ 6‬إلى ذكر‬
‫من خلق"‪.‬‬
‫يرد بهذا على الجهمية الذين يقولون‪ :‬إن كالم اهلل مخلوق‪ ،‬وأن اهلل سبحانه وتعالى خلق الكالم في موسى ‪.j‬‬
‫وسىْْتَكل ً‬ ‫َ‬
‫اَّللْ ُم َ‬ ‫ََ‬
‫ِيما﴾ [النساء‪.]١٦٤ :‬‬ ‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وكل َْمْ ْ‬
‫تكليما) بنصب‬
‫ً‬ ‫الحافظ ابن كثير ‪ 6‬يقول‪ :‬روي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ (وكلم اللَّهَ موسى‬
‫لفظ الجاللة حتى ينفي الكالم عن اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫اءْ ُم َ‬ ‫َ‬
‫وسىْْل ِ ِميقات ِنَاْ َوكل َم ُْهْ َرب ُْه﴾ [األعراف‪.]١٤٣ :‬‬ ‫فقال له‪ :‬يا ابن اللخناء فكيف تصنع بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ول َّماْ َج َْ‬
‫(يعني هذا ال يحتمل التحريف وال التأويل‪ ،‬بخالف اآلية يجوز أن يتقدم المفعول على الفعل)‪.‬‬

‫ثم قال ‪" :6‬وتجلى للجبل فصار َد ًّكا من جالله"‪.‬‬


‫يعني اهلل سبحانه وتعالى ظهر نوره للجبل فدكا الجبل من عظمته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ ُ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫اء ْ ُم َ‬ ‫كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ول َ َّما ْ َ‬
‫ال ْلن ْت َرانِي ْ َول ِْ‬
‫ك ِن ْانظر ْإِليْ‬ ‫ك ِْ ْق ْ‬
‫ب ْأرِنِي ْأنظرْ ْإِلي ْ‬ ‫وسىْ ْل ِ ِميقات ِنا ْوكلم ْه ْرب ْه ْق ْ‬
‫ال ْر ِْ‬ ‫ج َْ‬
‫َ َ َّ َ َ َّ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ ًّ َ َ َّ ُ َ ى َ ً َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫كْ‬
‫حان ْ‬ ‫الْسب‬ ‫اق ْق ْ‬
‫لْجعل ْهْدكاْوخ ْرْموس ْ ْصعِقا ِْ ْفلماْأف ْ‬ ‫ْمكان ُه ْف َسوفْت َرانِيْْفلما ْتجلىْرب ْهْل ِلجب ِْ‬ ‫الجَبَ ِلْفإ ِ ِنْاستقر‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ َ َ َ َ َ َّ ُ‬
‫ِين﴾ [األعراف‪.]١٤٣ :‬‬ ‫كْوأناْأو ْلْالمؤ ِمن ْ‬ ‫تْإِلي ْ‬‫تب ْ‬

‫ثم قال‪" :‬وإن القرآن كالم اهلل ليس بمخلوق فيبيد وال صفة لمخلوق فينفد؛ يعني القرآن كالم اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬تكلم به‬
‫حقيقة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫اَّللِ﴾ [التوبة‪.]٦ :‬‬
‫لامْ ْ‬‫جرْهُْ َح َتىْيَس َم َْعْك ْ‬ ‫ار َْ‬
‫كْفأ ِ‬
‫ج َ‬‫ِينْاستَ َ‬
‫ِنْال ُمش ِرك َْ‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وِإنْْأ َحدْْم َْ‬
‫ليس بمخلوق‪.‬‬
‫لماذا؟ ألنه صفة من صفاته‪ ،‬وصفات اهلل غير مخلوقة‪ ،‬واهلل عز وجل غاير بين الخلق واألمر‪.‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فقال‪﴿ :‬ألاْل ُْهْالخل ُْ‬
‫قْ َوالأم ُْر﴾ [األعراف‪.]٥٤ :‬‬
‫فالخلق شيءٌ واألمر شيء‪ ،‬والقرآن من أمره سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لماذا القرآن غير مخلوق؟‬
‫ألنه إذا كان َم ْخلُوقًا لهلك وفني كما تفنى المخلوقات‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫كفر العلماء من قال بخلق القرآن‪.‬‬

‫قال اإلمام أحمد ‪" :6‬من قال القرآن مخلو ٌق فهو عندنا كافر؛ ألن القرآن من علم اهلل عز وجل وفيه أسماء اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬كذلك القرآن ليس صفةً لمخلوق"‪.‬‬
‫وهذا فيه رٌد على من زعم أن القرآن صفةٌ لجبريل ‪ j‬أو صفة للنبي صلى اهلل عليه؛ ألنه إذا كان صفةً لمخلوق لنفد‬
‫وانتهى وكالم اهلل سبحانه وتعالى ال ينتهي وال ينفى‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫َ ََ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ َ َ َ‬
‫ِْم َددا﴾‬ ‫جئنَاْب ِ ِْمثلِه‬
‫اتْرب ِيْولوْْ ِ‬
‫لْأنْتنف ْدْكل ِم ْ‬ ‫انْال َبح ُْرْم َِداداْل ِكل َِم ِْ‬
‫اتْرب ِيْلنفِ ْدْالبح ْرْقب ْ‬ ‫كما قال سبحانه‪﴿ :‬قلْلوْْك ْ‬
‫[الكهف‪.]١٠٩ :‬‬
‫يعني ال ينفد كالم اهلل سبحانه وتعالى وال ينتهي المداد الذي يكتب به‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ثم انتقل ‪ 6‬إلى بيان أصل من أصول اإليمان وهو‪ :‬اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫فقال‪" :‬واإليمان بالقدر خيره وشره"‪.‬‬
‫حلوه ومره؛ يعني من أصول اإليمان عند أهل السنة والجماعة اإليمان بالقدر‪.‬‬
‫واإليمان بالقدر معناه‪ :‬أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء‪ ،‬وأنه كتب كل ٍ‬
‫شيء في اللوح المحفوظ قبل‬
‫خلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة‪ ،‬وأنه خلق كل شيء‪ ،‬وإذا شاء َش ْيئًا قال له كن فيكون‪.‬‬
‫األدلة على وجوب اإليمان بالقدر كثيرة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َّ َ‬
‫منها قول اهلل تعالى‪﴿ :‬إِناْك ْلْشىءْْ َخلقنَ ْاهُْبِق َدرْ﴾ [القمر‪.]٤٩ :‬‬

‫ومنها حديث جبريل المشهور لما سأل النبي ‪ l‬عن اإليمان قال‪" :‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن‬
‫بالقدر خيره وشره"‪.‬‬
‫وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات قدر اهلل سبحانه وتعالى خيره وشره؛ يعني تؤمن بالقدر كله سواء كان َخ ْيـ ًرا‬
‫أو َش ًّرا‪ ،‬الخير معروف ما يحبه اإلنسان والشر ما ال يحبه‪ ،‬الغنى من الخير‪ ،‬والفقر من الشر‪ ،‬الصحة من الخير‪،‬‬
‫المرض من الشر‪ ،‬ولكن قدر اهلل سبحانه وتعالى كله خير‪ ،‬ال شر فيه أَبَ ًدا‪.‬‬
‫خير من‬
‫والشر باعتبار المقدور ال باعتبار القدر؛ معنى هذا الكالم اهلل سبحانه وتعالى قدر األمراض المرض هذا هو ٌ‬
‫حيث نسبته إلى اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وشر من حيث من وقع عليه وأصيب به‪.‬‬
‫خير له اهلل عز وجل يصيبه بذلك حتى‬
‫فمثَ ًال تجد المسلم يصاب بالباليا واألمراض هذه الباليا وهذه األمراض هي ٌ‬
‫َ‬
‫يرفع درجته ويكفر عنه خطيئته‪ ،‬اهلل عز وجل شرع القصاص‪ ،‬القصاص هذا فيه خير للمجتمع وفيه شر على من أقيم‬
‫عليه كذلك إقامة الحدود‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬حلوه ومره" أي نؤمن بالقدر سواء كان ُحل ًْوا أو ُم ًّرا‪.‬‬
‫وم ًّرا‪:‬‬
‫خيرا و َش ًّرا‪ ،‬وكونه ُحل ًْوا‪ُ ،‬‬
‫والفرق بين كونه ً‬
‫أن الخير باعتبار المنتهى والعاقبة‪ ،‬وكذلك الشر‪.‬‬
‫طعاما تشعر بحالوةٍ أو مرارة فإذا انتفع الجسم به أو تضرر فهذا‬
‫أما الحالوة والمرارة فباعتبار المبدأ؛ فعندما تأكل ً‬
‫خير أو شر‪.‬‬

‫ثم قال ‪" :6‬وكل ذلك قد قدره ربنا سبحانه وتعالى ومقادير األمور بيده ومصدرها عن قضاء"‪.‬‬
‫يعني الخير والشر والحلو المر قدره اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فما شاء اهلل سبحانه وتعالى كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وكل‬
‫صادر عن قضائه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء ٌ‬
‫َ َ َ َ َ ً َ َّ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ‬
‫ون﴾ [البقرة‪.]١١٧ :‬‬
‫ولْل ْهْكنْفيك ْ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬وِإذاْقضىْأمراْفإِنماْيق ْ‬

‫‪90‬‬
‫ثم قال‪" :‬علم كل ٍ‬
‫شيء قبل كونه"‪.‬‬
‫هذا فيه رٌد على القدرية الغالة الذين أنكروا علم اهلل‪.‬‬
‫القدرية قالت‪ :‬إن اهلل ال يعلم األشياء إال بعد حدوثه‪.‬‬
‫يما يقولون هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهذا المذهب انقرض كما قال العلماء‪ .‬كانوا قَد ً‬

‫عمل إال وقد قضاه وسبق علمه به"‪.‬‬ ‫قال‪" :‬فجرى على قدره ال يكون من عباده ٌ‬
‫قول وال ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ ُ َ َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ْوه َوْالل ِطيفْالخب ِ ُْ‬
‫ير﴾ [الملك‪.]١٤ :‬‬ ‫﴿ألاْيعلمْمنْخلق‬
‫ضا فيه رٌد على القدرية الذين أنكروا علم اهلل سبحانه وتعالى باألشياء قبل حدوثها‪ ،‬اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل‬
‫هذا أَيْ ً‬
‫خبير بما فيها من السر والوسوسة‪.‬‬
‫لطيف علمه في القلوب‪ٌ ،‬‬
‫شيء وهو اللطيف الخبير؛ يعني ٌ‬

‫قال‪" :‬يضل من يشاء فيخذله بعدله‪ ،‬ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله"‬


‫يعني الخذالن بعدل اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬والتوفيق بفضل اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬خذل هذا؛ ألنه أعرض عن هدى اهلل‬
‫سبحانه وتعالى ولم يقبلها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ َ َ َّ ُ ُ ُ‬
‫اَّللْقلوب ْهمْ﴾ [الصف‪.]٥ :‬‬
‫اغْ ْ‬‫كما قال سبحانه‪﴿ :‬فلماْزاغواْأز ْ‬
‫ضل منه وتوفيق‪.‬‬
‫وهذا فَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّللْ َيهدِيْ َمنْيَش ُْ‬
‫اءْإِليْ ِص َراطْْ ُمستَقِيمْ﴾ [النور‪.]٤٦ :‬‬ ‫كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و ْ‬

‫ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي أو سعيد"‪.‬‬


‫"فكل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ثم قال‪:‬‬
‫يعني كل مخلوق يعمل بما يسره اهلل تعالى له‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬فأ َّماْ َمنْْأع َطيْْ َواتقيْْ‪َ ْ٥‬و َص َّد ْ‬
‫قْبِالحُس َنىْ‪ْ٦‬ف َسنُيَ ِس ُرْهُْل ِليُس َرى﴾ [الليل‪.]٧-٥ :‬‬
‫يعني من وجد نفسه ُم ِحبًّا للخير ُم ْقبِ ًال عليه فليستبشر فاهلل عز وجل يريد به خير‪.‬‬
‫وقد قال النبي ‪" : l‬اعلموا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة فييسرون‬
‫لعمل أهل الشقاوة"‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬تعالى أن يكون في ملكه ما ال يريد"‪.‬‬


‫يعني ال يحدث شيءٌ في ملك اهلل سبحانه وتعالى في هذا الكون إال بإرادته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ‬
‫ِف ْل ُْه ْإِلا ْه َْو ِْ ْ َوِإن ْيُرِد َْ‬
‫ك ْ ِبخيرْ ْفلا ْ َر ْ‬
‫اد ْل ِفضل ِ ْهِ﴾ [يونس‪:‬‬ ‫اَّلل ْبِضرْ ْفلا ْكاش ْ‬
‫كْ ْ‬ ‫كما قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬وِإن ْيمسس ْ‬
‫‪.]١٠٧‬‬

‫‪91‬‬
‫إذا أصبت بمصيبة فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى أن يرفعه ال يستطيع أح ٌد أن يحدث شيئًا في هذا الكون إال بمشيئة‬
‫اهلل سبحانه وتعالى وإرادته؛ لذلك عليك أن تتعلق باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬قلبك ال يتعلق إال باهلل سبحانه وتعالى إذا‬
‫خيرا فاطلبه من اهلل‪ ،‬وإذا أردت دفع ش ٍر فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أردت ً‬
‫ٍ‬
‫بشيء قد كتبه اهلل لك"‬ ‫ٍ‬
‫بشيء لم ينفعوك إال‬ ‫وقد قال النبي ‪" :l‬واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك‬
‫لو اجتمع العالم كله على أن ينفعوك بشيء أي شيء وإن قل لن يستطيعوا ذلك إذا كتبه اهلل سبحانه وتعالى لك‬
‫فاطمئن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء قد كتبه اهلل عليك"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بشيء لم يضروك إال‬ ‫"ولو اجتمعوا على أن يضروك‬
‫اطمئن‪ ،‬لو اجتمع العالم كله على أن يضروك بشيء أي شيء لن يستطيعوا ذلك إال إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك‬
‫خير لك‪،‬‬
‫وقدره؛ لذلك ال تخف إال اهلل‪ ،‬ال تجزع‪ ،‬إذا أصبت بمصيبة اعلم أن اهلل سبحانه وتعالى قدرها عليك‪ ،‬وهي ٌ‬
‫أحسن الظن بربك‪ ،‬فربك سبحانه وتعالى يريد أن يرفع درجتك‪ ،‬يريد أن يحط عنك خطاياك‪ ،‬يريد سبحانه وتعالى أن‬
‫يخرجك من هذه الدنيا بال ذنوب؛ لذلك استبشر‪ ،‬عليك أن تعتقد أن كل خي ٍر بمحض ٍ‬
‫فضل من اهلل وكل شر أصبت‬
‫خير لك‪ ،‬إن صبرت ولم تتسخط‪.‬‬
‫به هو ٌ‬
‫ثم قال ‪" :6‬أو يكون ٍ‬
‫ألحد عنه غنى"‪.‬‬
‫يعني ال يستطيع أح ٌد أن يستغني عن اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّللْه َْوْالغن ِ ُْىْالحَ ِم ُْ‬
‫يد﴾ [فاطر‪.]١٥ :‬‬ ‫اءْإِليْاَّلل ِْْْو ْ‬ ‫الن ُ ْ‬
‫اسْأنتُ ُْمْالْفق َر ُ‬ ‫كما قال تعالى‪﴿ :‬يَاْأ ُي َهاْ َ‬

‫ٍ‬
‫لشيء إال هو رب العباد ورب أعمالهم"‪.‬‬ ‫ثم قال‪" :‬أو يكون خال ٌق‬
‫يعني كل شيء هذا الكون هو من خلق اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ْاَّلل﴾ [الرعد‪ .]١٦ :‬سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫اتْ َوالأر ِ ْ‬
‫ضْق ِل ْ‬ ‫بْ َ‬
‫الس َم َ‬
‫او ِْ‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬قلْْ َمنْ َر ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اَّللْ َخال ُِْقْك ِْلْشىءْ﴾ [الزمر‪.]٦٢ :‬‬
‫َ‬
‫وقال سبحانه‪ْ ﴿ :‬‬

‫ثم قال ‪" :6‬المقدر لحركاتهم وآجالهم"‪.‬‬


‫يعني كل شيء يحدث بقدر اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫صْمِنْْع ُم ِرْه ِْإِلاْفِيْكِتَابْ﴾‬
‫لْمِنْْأنثىْ َولاْتض ُْعْإِلاْبِعِل ِم ْهِ ِْْ َو َماْ ُي َع َم ُْرْمِنْ ُم َع َمرْْ َولاْيُنق ُ ْ‬
‫كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َماْتح ِم ْ‬
‫[فاطر‪.]١١ :‬‬

‫الحجة عليهم"‪.‬‬
‫قال‪" :‬الباعث الرسل إليهم إقامة ّ‬
‫وال‪.‬‬
‫الحجة عليه حتّى ال يقول أحد لم ترسل إلينا َر ُس ً‬
‫الرسل إلى البشريّة حتّى يقيم ّ‬
‫يعني اهلل سبحانه وتعالى أرسل ّ‬

‫‪92‬‬
‫ََ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫اَّللْ‬
‫ان ْ ْ‬ ‫جةْ ْ َبع َْد ْ ُ‬
‫الر ُس ِْ‬
‫ل ِْ ْوك ْ‬ ‫اس ْعَلى ْ ْ‬
‫اَّلل ِ ْ ُح َ‬ ‫ون ْل ِلنَ ِ ْ‬ ‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪ُ ﴿ :‬ر ُسلا ْ ُمبَ ِش ِر َْ‬
‫ين ْ َو ُمنذِرِ ْ‬
‫ين ْل َِئلا ْيَك ْ‬
‫َعز ً‬
‫يزاْ َحك ً‬
‫ِيما﴾ [النساء‪.]١٦٥ :‬‬ ‫ِ‬

‫نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة‪:‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اشرح باب ما تنطق به األلسنة وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات َش ْر ًحا ُم ْج َم ًال‪.‬‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬ ‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬تكلم عن القضاء والقدر كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ‬

‫هذا وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد‪.‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫المحاضرة السابعــة والعشـرون‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬مرحبًا بكم أيها األكارم‬
‫وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المبارك‪ .‬وهذه هي المحاضرة السابعة والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة‬
‫الثالثة من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني] ‪.6‬‬

‫ونذيرا وداعيًا إلى اهلل بإذنه‬ ‫بشيرا‬ ‫ٍ‬


‫ً‬ ‫قال ‪[ :6‬ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه ‪ ،l‬فجعله آخر المرسلين‪ً ،‬‬
‫منيرا]‪.‬‬
‫اجا ً‬‫وسر ً‬
‫معنى هذا‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعالى ختم المرسلين واألنبياء بنبينا ‪l‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬‫َ‬
‫اَّلل ِْ َو َخات َْمْ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫النبِي ِ َْ‬
‫ين﴾ [األحزاب‪.]٤٠ :‬‬ ‫ولْ ْ‬ ‫َ‬ ‫كما قال تعالى‪َّ ﴿ :‬ماْك ْ‬
‫انْمح َّمدْْأبَاْأحدْْمِنْرِجال ِكمْْ َول ِ‬
‫كنْ َّر ُس ْ‬

‫وقال ‪" :l‬أنا خاتم النبيين"‪.‬‬


‫[ونذيرا] للكافرين من العقاب الشديد‪.‬‬
‫ً‬ ‫مبشرا للمؤمنين بالثواب والجزاء األوفى يوم القيامة‪.‬‬
‫[بشيرا] أي‪ً :‬‬
‫ً‬ ‫أرسله اهلل عز وجل‬
‫ً‬ ‫َ َ َ َّ َّ َ َ َ َ َ ً َ ُ َ ً َ َ‬
‫اكْشاهِداْومب ِشراْونذِيرا﴾ [األحزاب‪.]٤٥ :‬‬
‫كما قال ربنا‪﴿ :‬ياْأيهاْالن ِبىْْإِناْأرسلن ْ‬
‫منيرا‬
‫اجا ً‬‫وأرسله سبحانه داعيًا إليه وسر ً‬
‫َّ‬
‫اَّللِْبإذن ِ ْهِْ َوس َر ً‬
‫اجاْمن ً‬ ‫ََ ً‬ ‫َ‬
‫ِيرا﴾ [األحزاب‪.]٤٦ :‬‬ ‫ِ‬ ‫كما قال سبحانه‪﴿ :‬وداعِياْإِليْ ْ ِ ِ‬
‫اجا) ألنه يهتدى به كالسراج وهو المصباح يستضاء به‬
‫أي أوامره ظاهرةٌ كالشمس في إشراقها‪ ،‬وسماه اهلل عز وجل (سر ً‬
‫في الظلمة‪.‬‬

‫ثم قال‪[ :‬وأنزل عليه كتابه الحكيم‪ ،‬وشرح به دينه القويم‪ ،‬وهدى به الصراط المستقيم]‪.‬‬
‫أي أنزل اهلل عز وجل على نبيه القرآن الكريم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كْالكِتَ َ ْ‬
‫ابْت ِبيَاناْل ِك ِْلْشىءْ﴾ [النحل‪.]٨٩ :‬‬ ‫كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ون َّزل َناْعلي ْ‬
‫َ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ َ‬
‫ون﴾ [النحل‪.]٤٤ :‬‬ ‫نْل ِلن ِ ْ‬
‫اسْماْنزِ ْلْإِلي ِهمْْولعلهمْْيتفكر ْ‬ ‫كْالذِك ْرْل ِتبي ِ ْ‬
‫وقال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬وأنزلناْإِلي ْ‬
‫وموضحا عنه سبحانه وتعالى‪ ،‬فبين اإلسالم خير بيان‪.‬‬
‫ً‬ ‫وجعله ربنا سبحانه وتعالى مبينًا‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كما قال ربنا سبحانه وتعالى‪﴿ :‬قلْْإِننِىْ َه َدانِيْ َربِيْإِليْ ِص َراطْْمستَقِيمْْدِينًاْقِيَ ًما﴾ [األنعام‪.]١٦١ :‬‬
‫(وهدى به) هداية إرشاد وبيان‬
‫(الصراط المستقيم) الذي ال اعوجاج فيه‪،‬‬
‫َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫كْل َتهدِيْإِليْ ِص َراطْْمستَقِيمْ﴾ [الشورى‪.]٥٢ :‬‬
‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وِإن ْ‬

‫‪94‬‬
‫ثم شرع المصنف ‪ 6‬في الحديث عن اليوم اآلخر فقال‪[ :‬وأن الساعة آتية ال ريب فيها]‪.‬‬
‫أي يوم القيامة ٍ‬
‫آت ال محال‪ ،‬ال شك في ذلك ومن أنكر ذلك كفر‬
‫َ َ‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫اع ْةْ ْلآت ِيَةْ﴾ [الحجر‪.]٨٥ :‬‬ ‫قال ربنا سبحانه‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫ِإنْالس‬
‫بْف َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ِيها﴾ [الكهف‪ ،]٢١ :‬أي ال شك فيها‪.‬‬ ‫الساع ْةْلاْ َري َْ‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬وأ ْ‬
‫نْ‬
‫فيجب على كل مؤم ٍن أن يؤمن بذلك‪ ،‬متى الساعة؟ ال يعلم وقتها إال اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ َ َ َّ َّ َ َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ َ ُ َّ‬ ‫َ َ ُ َ َّ ُ َ‬
‫ونْقرِيبًا﴾‬
‫لْالساع ْةْتك ْ‬ ‫اَّلل ِْ َو َماْيُدرِ ْ‬
‫يكْلع ْ‬ ‫ِندْ ْ‬‫الساع ْةِ ِْْقلْْإِن َماْعِل ُم َهاْع ْ‬ ‫نْ‬
‫اسْع ِْ‬
‫كْالن ْ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬يسأل ْ‬

‫ثم قال‪[ :‬وأن اهلل يبعث من يموت‪ ،‬كما بدأهم يعودون]‪.‬‬


‫كل من مات سيبعث يوم القيامة للحساب والجزاء‬
‫َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َّ ُ َ ُ ُ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َّ ُ َّ َ ُ َ َّ ُ َّ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ‬
‫ِينْكفرواْأنْلنْيبعثوا ِْْقلْبلىْوربِيْلتبعثنْثمْلتنبؤنْبِماْع ِملتمْْوذل ِكْعلىْاَّلل ِْ‬
‫كما قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬زع ْمْالذ ْ‬

‫يَسِيرْ﴾ [التغابن‪.]٧ :‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اَّللْث َّْمْإِلي ْهِْيُر َج ُع ْ‬
‫ون﴾ [األنعام‪.]٣٦ :‬‬ ‫وقال ربنا سبحانه‪َ ﴿ :‬وال َموتيْ َيب َعث ُه ُْمْ ُْ‬
‫[كما بدأهم يعودون] أي‪ :‬كما خلقهم أول مرةٍ يبعثهم اهلل من قبورهم أحياء‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِْحقاْْإن ُه َْيب َدأْالخَل َقْث َّمْيُعِ ُ‬‫ًّ‬
‫ً َ َ َّ‬
‫ْاَّلل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يد ْهُ﴾ [يونس‪.]٤ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ج ُعكمْْجمِيعا ِْْوعد‬
‫كما قال سبحانه‪﴿ :‬إِلي ْهِْمر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ َ َّ ُ ُ ُ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ْعلي ْهِ﴾ [الروم‪ ،]٢٧ :‬يعني اإلعادة أهون من‬ ‫وقال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وه َْو ْالذِي ْ َيب َدْأ ْالخل ْ‬
‫ق ْث ْم ْيعِيد ْه ْو ْهو ْأهون‬
‫البداءة‪ ،‬ومن آمن بذلك حق اإليمان فلن يتجرأ على معصية ربه‪ ،‬ولن يتخلف عن أمر ربه سبحانه وتعالى؛ ألنه يعلم أنه‬
‫سيموت‪ ،‬وإذا مات سيبعث‪ ،‬وإذا بعث سيجازى على ما قدم‪.‬‬
‫إذا علم اإلنسان أنه سيحاسب على كل ٍ‬
‫كبيرة وصغيرة صدرت عنه؛ فسوف تستقيم حياته على طاعة مواله ومن ثم‬
‫يفوز في الدنيا واآلخرة‪ ،‬يفوز بالدنيا بطاعة اهلل والطمأنينة وراحة البال‪ ،‬وفي اآلخرة بالجنان والنعيم المقيم‪.‬‬

‫ثم قال ‪[ :6‬وأن اهلل سبحانه وتعالى ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات]‪.‬‬
‫يعني‪ :‬من عمل حسنة فله عشر أمثالها‪ ،‬كما قال سبحانه‪﴿ :‬منْجاءْبالحسنةْفلهْعشرْأمثالها﴾‪.‬‬
‫وهذا من عظيم فضل اهلل سبحانه وتعالى وإحسانه على عباده‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحسنة فلم يعملها كتبها اهلل له عنده حسن ًة‬ ‫وقال النبي ‪" :l‬إن اهلل كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك‪ ،‬فمن هم‬
‫كاملة"‬
‫لم يعملها ألجل أنه عجز‪ ،‬ال ألجل أنه رغب عنها‪ ،‬أراد أن يعملها ولكن حالت األسباب بينه وبينها فهذا تكتب له حسنة‪.‬‬

‫قال‪" :‬فإن هو هم بها فعملها كتبها اهلل له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أَ ْ‬
‫ض َعاف كثيرة"‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ثم قال‪[ :‬وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات‪ ،‬وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر]‪.‬‬
‫أي من تاب من المعصية فإن اهلل عز وجل يغفر له‪.‬‬
‫غضب أو عقوبة‪ ،‬كالزنا والسرقة والغيبة‬
‫ٌ‬ ‫لعن أو‬
‫حد أو ٌ‬ ‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬الكبائر هي كل ٍ‬
‫ذنب قرن به وعي ٌد أو ٌّ‬
‫والنميمة ونحو ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬
‫اَّلل ْلا ْ َيغفِ ُْر ْأنْيُش َر َك ْب ِ ْهِ﴾‪ ،‬من مات على الشرك ال يغفر اهلل عز وجل له ﴿ َويَغفِ ُْر ْ َماْ‬
‫نْ ْ‬ ‫وقال ربنا سبحانه وتعالى‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َ‬
‫اء﴾ [النساء‪.]٤٨ :‬‬ ‫ِكْل َِمنْيَش ُْ‬
‫ونْذل ْ‬
‫د ْ‬
‫َُ‬
‫ً ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ْالرح ُْ‬
‫ِيم﴾ [الزمر‪.]٥٣ :‬‬ ‫ور َّ‬‫ْه َوْالغف ُ‬ ‫اَّللْ َيغفِ ُْرْالذن َ ْ‬
‫وبْجمِيعا ِْْإِنه‬ ‫نْ َْ‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬إ ِ ْ‬

‫ثم قال‪[ :‬وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر]‪.‬‬


‫ومن اجتنب كبائر الذنوب غفر اهلل عز وجل له صغائرها‬
‫كم ْمد َخلًا ْ َكر ً‬
‫ُ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َُ‬ ‫َ َ ُ ََ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫يما﴾‬‫ِ‬ ‫ِل‬
‫خ‬ ‫د‬‫ن‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِك‬ ‫ت‬‫ا‬‫ئ‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫نك‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن ْعن ْه ْن‬
‫كما قال موالنا سبحانه‪﴿ :‬إِن ْتجتنِبوا ْكبائ ِ ْر ْما ْتنهو ْ‬
‫[النساء‪.]٣١ :‬‬

‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ‬
‫ِكْل َِمنْيَش ُْ‬
‫اء﴾‬ ‫ونْذل ْ‬
‫كْب ِ ْهِْويغفِ ْرْماْد ْ‬
‫اَّللْلاْيغفِ ْرْأنْيشر ْ‬
‫نْ ْ‬ ‫صائرا إلى مشيئته ﴿إ ِ ْ‬
‫ثم قال‪[ :‬وجعل من لم يتب من الكبائر ً‬
‫ص ًّرا على ٍ‬
‫كبيرة ولم يتب منها فهو تحت مشيئة اهلل إن شاء اهلل غفر له‪ ،‬وإن شاء عذبه وعاقبه‪.‬‬ ‫أي من مات م ِ‬
‫ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الْذ َّرةْْ َخي ًراْي َ َرْهُ﴾ [الزلزلة‪.]٧ :‬‬
‫ثم قال‪[ :‬ومن عاقبه اهلل بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته ﴿ف َمنْ َيع َملْْمِثق ْ‬
‫أي من عذبه اهلل عز وجل في النار بسبب الذنب الذي لم يتب منه فإنه تكون عاقبته الجنة؛ وذلك أن أهل الكبائر من‬
‫المؤمنين يعذبون على قدر ذنوبهم ثم يخرجون إلى الجنة‬
‫قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين"‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :l‬يخرج ٌ‬

‫ثم قال‪[ :‬ويخرج منها بشفاعة النبي ‪ l‬من شفع له من أهل الكبائر من أمته]‪.‬‬
‫قوما من الموحدين يخرجون من النار بسبب شفاعة النبي ‪l‬‬
‫معنى ذلك‪ :‬أن ً‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ l‬فيدخلون الجنة"‪.‬‬ ‫قوم من النار بشفاعة‬
‫كما قال النبي ‪" :l‬يخرج ٌ‬

‫ثم قال‪[ :‬وأن اهلل سبحانه قد خلق الجنة فأعدها دار ٍ‬


‫خلود ألوليائه]‪.‬‬
‫أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنة مخلوقة موجودةٌ اآلن‬
‫َّ ُ َ َ َّ َ ُ َ َّ َ َ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ض ْأع َِّدتْ ْل ِل ُم َّتقِ َْ‬
‫ين﴾ [آل‬ ‫قال ربنا سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬و َسارِ ُعوا ْإِلي ْ َمغفِ َرةْ ْمِن ْربِكمْ ْوجنةْ ْعرضها ْالسماو ْ‬
‫ات ْوالأر ْ‬
‫عمران‪.]١٣٣ :‬‬

‫‪96‬‬
‫وقال ‪" :l‬اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء‪ ،‬واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"‪.‬‬
‫وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اآلن‪ .‬هذه الجنة أعدها اهلل عز وجل دار‬
‫ٍ‬
‫خلود ألوليائه وهم أهل اإليمان والتقوى‪ ،‬من دخل الجنة فال يخرج منها أب ًدا‬
‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل ْ َو َر ُسول َ ُْه ْيُدخِل ُْه ْ َ‬
‫َّ‬
‫ِكْ‬
‫ِين ْفِيها ِْ ْوذل ْ‬ ‫ج َّناتْ ْتج ِري ْمِن ْتحتِها ْالأنه ْ‬
‫ار ْخالِد ْ‬ ‫كما قال ربنا سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬و َمن ْي ُ ِطعِْ ْ َْ‬
‫َ‬
‫الفو ُزْال َع ِظ ُْ‬
‫يم﴾ [النساء‪.]١٣ :‬‬
‫وقال النبي ‪" :l‬يقال ألهل الجنة‪ :‬يا أهل الجنة خلو ٌد وال موت وألهل النار‪ :‬يا أهل النار خلو ٌد وال موت"‪.‬‬
‫َ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ِْلاْخوفْْعلي ِهمْْ َولاْهمْْيح َزن ْ‬
‫ون﴾ من هم يا رب؟‬ ‫اءْ ْ‬ ‫﴿أول ِي ْ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ِينْآ َمنُواْ َوكانواْ َي َّتق ْ‬
‫ون﴾ [يونس‪.]٦٣ :‬‬ ‫﴿الذ َْ‬
‫آمنوا به سبحانه وتعالى وكانوا يتقون‪ ،‬كانوا يمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معصوم من الخطأ قد يخطئ ولكنه يتوب؛ فكلما عصيت‬ ‫وأجمع أهل السنة على أن الولي ولي اهلل سبحانه وتعالى غير‬
‫ربك سبحانه وتعالى تب إليه فإنه تواب يحب التوابين المكثرين من التوبة‪.‬‬

‫ثم قال‪[ :‬وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم]‪.‬‬


‫أي أكرم اهلل عز وجل أهل الجنة بالنظر إلى وجهه الكريم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َّ‬
‫اض َرةْْ(‪ْ)22‬إِليْ َرب ِ َهاْناظ َِرةْ﴾ [القيامة‪.]٢٣-٢٢ :‬‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪ُ ﴿ :‬وجوهْْيومئِذْْن ِ‬
‫وقال النبي ‪" :l‬إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول اهلل تبارك وتعالى‪ :‬تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون‪ :‬ألم تبيض وجوهنا؟‬
‫ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب المانع من رؤيته سبحانه وتعالى فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من‬
‫ُ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ادةْ﴾"‪.‬‬ ‫ِينْأح َسنُواْالحسنىْوزِي‬
‫النظر إلى ربهم عز وجل ثم تال هذه اآلية ﴿ل ِلذ َْ‬
‫الحسنى هي الجنة‪ ،‬والزيادة هي النظر إلى اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال‪[ :‬وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه]‪.‬‬
‫يعني‪ :‬هذه الجنة جنة الخلد هي التي كان يسكنها آدم ‪ j‬وخرج منها بسبب معصيته‪ ،‬واهلل عز وجل يعلم أنه‬
‫سيخرج منها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك ْالجَ َّن ْة ْ َوكلا ْمِن َها ْ َرغ ًدا ْ َحي ْ‬
‫ث ْشِئتُ َما ْ َولا ْتق َربَا ْه ِذ ْه ِْ‬ ‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وقلنَا ْيَا ْآد ُْم ْاسكنْ ْأ َْ‬
‫نت ْ َو َزو ُج ْ‬
‫ُ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ‬
‫َ‬
‫ينْ(‪ْ)35‬فأ ْزلهماْالشيطانْعنهاْفأخرجهماْمِماْكاناْفِيهِْْوقلناْاهْبِطواْبعضكمْل ِبعضْ‬ ‫ِنْالظال ِ ِم َْ‬
‫الشجرْةْفتكوناْم ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ضْ ُمستَقرْْ َو َمتَاعْْإِليْحِينْ﴾ [البقرة‪.]٣٦-٣٥ :‬‬ ‫ع ُدوْْ َولكمْْفِيْالأر ِ ْ‬

‫‪97‬‬
‫وقوله‪( :‬وخليفته إلى أرضه) األولى أال يقال خليفته؛ ألن اهلل ليس له خليفة‪ ،‬بل إن اهلل هو الخليفة كما قال النبي ‪l‬‬
‫في دعاء السفر‪" :‬اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في األهل"‪ .‬فاهلل سبحانه وتعالى ال يستخلف أح ًدا نياب ًة‬
‫عنه‪ ،‬إنما البشر يخلف بعضهم بعضا‪.‬‬

‫ثم قال‪[ :‬وخلق النار فأعدها دار ٍ‬


‫خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته]‪.‬‬
‫يعني‪ :‬اهلل سبحانه وتعالى خلق النار‪ ،‬هذه النار هي دار ٍ‬
‫خلود للكفار والملحدين‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫ارْالتِىْأع َِّدتْْل ِلكاف ِرِ َْ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]١٣١ :‬‬ ‫الن َْ‬
‫قال سبحانه وتعالى في النار‪َ ﴿ :‬واتقواْ َّ‬

‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َّ َ َ َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ُ ُ َّ ُ َ َ َ َ‬


‫وقال‪﴿ :‬إِن ْالذِين ْكفروا ْوماتوا ْوهم ْكفار ْأولئِك ْعلي ِهم ْلعنة ْاَّلل ِْوالملائِكةِ ْوالن ِ‬
‫اس ْأجم ْعِين ْ(‪ْ )161‬خالِدِين ْفِيهاْْ ْلاْ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ َّ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ ُ‬
‫ون﴾ [البقرة‪.]١٦٢ -١٦١:‬‬ ‫ابْ َولاْهمْْيُنظ ُر ْ‬
‫فْعنه ْمْالعذ ْ‬
‫يخف ْ‬
‫ْحا ّد في كتبه‪ ،‬ومنه‬
‫ْحا ّد في آياته‪ ،‬ومنه إل َ‬
‫واإللحاد بمعنى الكفر‪ ،‬واإللحاد على أنواع كما ذكر المصنف ‪ ،6‬منه‪ :‬إل َ‬
‫كتاب واحد‪ ،‬أو رسله أو ٍ‬
‫رسول واحد فمصيره‬ ‫ْحا ّد في رسله‪ .‬فمن كفر بآياته الكونية والشرعية‪ ،‬أو كفر بكتبه أو ٍ‬
‫إل َ‬
‫النار‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َّ َ َ ُ ُ َ َّ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ َّ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ُ‬
‫ِن ْبِبعضْْ‬‫ون ْنؤم ْ‬
‫اَّلل ِ ْورسل ِ ْهِ ْويقول ْ‬
‫نْ ْ‬ ‫ون ْأن ْيف ِرقوا ْبي ْ‬‫اَّلل ِ ْورسل ِ ْهِ ْويرِيد ْ‬
‫ون ْب ِ ْ‬
‫ِين ْيكفر ْ‬ ‫ن ْالذ ْ‬
‫كما قال سبحانه‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ًّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ون ْ َحقا ِْ ْ َوأعتَدْنا ْل ِلكاف ِرِ ْ‬
‫ين ْعذابًاْ‬ ‫ِك ْ َسبِيلا ْ(‪ْ)150‬أولئ ِ ْ‬
‫ك ْه ُْم ْالكاف ُِر ْ‬ ‫ن ْذ ل ْ‬ ‫خذوا ْبي ْ‬ ‫َونكف ُْر ْبِبَعضْ ْويرِيد ْ‬
‫ون ْأن ْيت ِ‬
‫م ِهينًا﴾ [النساء‪.]١٥١-١٥٠ :‬‬
‫ومن العذاب الذي أعده اهلل عز وجل ألهل النار أنه سيحجبهم عن رؤيته‪ ،‬وهذا من العذاب الشديد‪ ،‬كما أن رؤية اهلل‬
‫سبحانه وتعالى من أعلى النعيم‪ ،‬فإن الحجب من رؤيته من أعظم العذاب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬كلاْإن ُهمْْ َعنْ َّربهمْْيَو َمئذْْل َمح ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫جوبُ ْ‬
‫ون﴾ [المطففين‪ .]١٥ :‬أي الكفار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬

‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬


‫كْ َصفاْ َصفا﴾ لعرض األمم وحسابها وعقوبتها وثوابها]‪.‬‬
‫ثم قال ‪[ :6‬وأن اهلل تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة ﴿ َوال َمل ْ‬
‫من عقيدة أهل السنة والجماعة أن اهلل عز وجل يجيء يوم القيامة للفصل بين العباد‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬‫ًّ‬ ‫َ‬‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ك ْ َصفا ْ َصفا﴾ يعني‪ :‬تأتي المالئكة‬
‫ك ْ َوال َمل ْ‬
‫اء ْ َرب ْ‬
‫ض ْدكا ْدكا ْ(‪ْ)21‬وج ْ‬
‫ت ْالأر ْ‬
‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬كلا ْإِذا ْدك ِْ‬
‫بين يدي اهلل سبحانه وتعالى صفوفًا صفوفًا‪ ،‬لماذا؟ لعرض األمم وحسابها وعقوبتها وثوابها على ما قدمت‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ ً ُ َ َ َ َ‬
‫اسْأشتاتاْل ِيرواْأعمالهمْْ(‪ْ)6‬فمنْيعملْمِثقالْذرةْخيراْيرهْ(‪ْ)7‬و ْمنْيعملْمِثقالْ‬ ‫قال سبحانه‪﴿ :‬يومئِذْْيصد ْرْالن ْ‬
‫َ َ‬
‫ذ َّرةْش ًّراْي َ َرْهُ﴾ [الزلزلة‪.]٨-٦ :‬‬
‫ُ ُ ُ َ َ ِ َ َ َ َ َ َََ ُ‬ ‫َ‬
‫ْظل ًما﴾ [طه‪ .]١١١ :‬أي خضع وذلت‪.‬‬ ‫وم ِْْوقدْخابْمنْحمل‬ ‫وهْل ِلح ِْيْالقي ْ‬ ‫تْالوج ْ‬ ‫وقال ربنا‪َ ﴿ :‬وعنَ ِْ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾ [يس‪.]٦٥:‬‬ ‫جل ُهمْب ِ َماْكانواْيَكسِبُ ْ‬ ‫وقال ربنا سبحانه‪﴿ :‬ال َيو َْمْنخت ِ ُْمْعَلىْأف َواهِ ِهمْْ َوتكل ُِمنَاْأيدِي ِهمْوتشهدْأر‬

‫‪98‬‬
‫َ َ َُ َ َ َ ُُ َُ َ َ ُ ُ ُ ُ َ‬
‫ون﴾ [المؤمنون‪.]١٠٢ :‬‬
‫كْه ْمْالمفل ِح ْ‬
‫ثم قال‪[ :‬وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد‪﴿ ،‬فمنْثقلتْْموازِين ْهْفأولئ ِ ْ‬
‫توضع الموازين لوزن أعمال العباد بعد أن تجسد‪ ،‬توزن الصالة وتوزن الزكاة والصيام والحج وبر الوالدين واإلحسان‬
‫إلى األقارب والفقراء‪ ،‬يوزن الكذب والنميمة والغيبة والزنا والنظر إلى النساء‪ ،‬كل هذه األشياء توزن‪ ،‬فمن زادت‬
‫حسناته على سيئاته فاز‪.‬‬
‫َ َ ََ‬ ‫َ ً َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ِ َ َ ََ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫الْ َح َّبةْْمِنْْخردلْْأتينَاْ‬
‫انْمِثق ْ‬ ‫ام ْةِْفلاْتظل ُْمْنفسْْشيئا ِْْوِإنْك ْ‬‫طْل ِيو ْمْالقِي‬
‫ينْالقِس ْ‬‫قال ربنا سبحانه‪َْ ﴿ :‬ونض ُْعْال َم َوازِ َْ‬
‫ََ‬
‫ين﴾ [األنبياء‪.]٤٧ :‬‬ ‫ب ِ َها ِْْ َوكفيْْبِنَاْ َحا ِسب ِ َْ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ ُ َ‬
‫اضيةْ(‪ْ)7‬وأماْمنْخفتْموازِينهْ(‪ْ)8‬فأمهْهاوِيةْ(‪ْ)9‬‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬فأماْمنْثقلتْْموازِين ْهْ(‪ْ)6‬فهوْفِيْعِيشةْر ِ‬
‫ْحامِيَةْ﴾ [القارعة‪.]١١ -٦ :‬‬ ‫ْماْهِيَهْ(‪ْ)10‬نَار َ‬ ‫اك َ‬‫َو َماْأَد َر َ‬

‫ٍ‬
‫عيشة راضية‪ :‬يرضاه‪ ،‬وأما من خفت موازينه‪ :‬قلت حسناته وزادت‬ ‫فأما من ثقلت موازينه‪ :‬حسناته طاعاته‪ ،‬فهو في‬
‫نار حامية‪.‬‬
‫سيئاته‪ ،‬فأمه هاوية‪ :‬يسقط يوم القيامة في النار على أم رأسه‪ ،‬وما أدراك ما هيه ٌ‬
‫َ َ َُ َ َ َ ُُ َُ َ َ ُ ُ ُ ُ َ‬
‫ون﴾ [المؤمنون‪ ،]١٠٢ :‬الفائزون يوم القيامة‪.‬‬
‫كْه ْمْالمفل ِح ْ‬
‫﴿فمنْثقلتْْموازِين ْهْفأولئ ِ ْ‬
‫يوم القيامة توزن األعمال بعد أن تجسم‪ ،‬وتوزن الصحائف صحائف األعمال‪ ،‬ويوزن العامل نفسه‪ ،‬كل إنسان يوزن‪.‬‬
‫ََ ُ ُ َ‬
‫يمْل ُهمْْ‬
‫كما في الحديث‪" :‬إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فال يزن عند اهلل جناح بعوضة‪ ،‬واقرؤوا‪﴿ :‬فلاْنقِ ْ‬
‫ً‬ ‫يَو َْمْالقيَ َ‬
‫امةِْ َوزنا﴾"‪[ .‬الكهف‪]١٠٥ :‬‬ ‫ِ‬

‫ثم قال‪[ :‬ويؤتون صحائفهم بأعمالهم]‪.‬‬


‫يعني‪ :‬كل إنسان يأخذ صحيفته بحسب عمله‪.‬‬

‫سعيرا]‪.‬‬
‫يسيرا‪ ،‬ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون ً‬
‫قال‪[ :‬فمن أوتي كتابه بيمينه سوف يحاسب حسابًا ً‬
‫الناس قسمان‪ :‬منهم من يأخذ كتابه بيمينه‪ ،‬ومنهم من يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره‪.‬‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِنكمْْ َخافِيَةْ﴾ [الحاقة‪.]١٨ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كما قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬يَو َمئِذْْتع َرض ْ‬
‫ونْلاْتخفيْْم‬
‫مصرا على معصية تب إلى اهلل سبحانه وتعالى فإن ربك‬
‫ال يخفى شيء يوم القيامة‪ ،‬كل شيء يظهر؛ لذلك أن كنت ً‬
‫تواب‪ ،‬أن كنت مقصرا في ٍ‬
‫طاعة تب إلى ربك سبحانه وتعالى فإن ربك تواب‪.‬‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََُ ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ‬
‫َ‬
‫ولْهاؤ ْمْاقرءواْكِتابِيهْ﴾ [الحاقة‪.]١٩ :‬‬ ‫َ‬
‫﴿فأماْمنْْأوت ِْيْكِتاب ْهْبِي ِمين ِ ْهِْفيق ْ‬
‫تعالوا يا أحبابي يا أصدقائي يا أهلي يا قومي اقرؤوا كتابي‪ ،‬لماذا؟‬
‫هو مسرور‪ ،‬أخذ كتابه بيمينه‪ ،‬فاز وأي فوٍز أعظم من أن يأخذ اإلنسان كتابه بيمينه؟ فوٌز ما بعده فوز‪ ،‬الفوز الحقيقي‬
‫أن تفوز يوم القيامة‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ‬
‫نتْأنِيْملاقْْحِسابِيهْ﴾ [الحاقة‪]٢٠ :‬‬
‫يقول‪﴿ :‬إِنِيْظن ْ‬
‫أيقنت أنني سأموت ثم أبعث ثم أحاسب؛ لذلك حسنت العمل‪ ،‬تركت المعاصي ابتغاء مرضاة اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كلما سمعت نداء الرحمن قلت‪ :‬لبيك ربنا لبيك‪ ،‬كلما سمعت‪ :‬قال اهلل وقال رسول اهلل ‪ l‬امتثلت أمرهما؛ فلذلك‬
‫َ‬ ‫ْدان ِيَة ْ(‪ْ )23‬كُلُوا َ‬
‫ْواش َربُوا ْهن ِيئًا ْب ِ َماْ‬
‫ُُ َُ َ‬
‫ْجنَّة ْعَال َِية ْ(‪ْ )22‬قطوفها‬
‫َ‬
‫ِيشةْ ْ َّراضيَةْ ْ(‪ْْ )21‬في َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫أخذ كتابه بيمينه‪﴿ .‬ف ُه َْو ْفِي ْع‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أسلفتُمْفِيْالأيَّ ِامْالخَال َِيةِ﴾ [الحاقة‪.]٢٤-٢١ :‬‬
‫القسم الثاني من الناس من يأخذ كتابه بشماله‪ ،‬لماذا؟‬
‫ألجل أنه كان بعي ًدا عن طاعة اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬يسمع نداء الرحمن ويقول‪ :‬عملي أهم‪ ،‬شغلي أهم‪ ،‬مصلحتي أهم‪،‬‬
‫سأصلي فيما بعد‪ .‬يسمع قال اهلل وقال الرسول ‪ l‬فيقول‪ :‬إن أكثر الناس يعملون بخالفه‪ ،‬فيمشي مع الناس‪.‬‬

‫َ ََ‬ ‫َ َ ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ َ‬


‫اضيةْ(*)ْ‬ ‫تْالق ِ‬ ‫قال‪﴿ :‬وأماْمنْْأوت ِْيْكِتاب ْهْبِشِ مال ِ ْهِْفي ْقولْياْليتنِىْلمْأوتْكِتابِيهْ(*)ْولمْأدرِْماْحِسابِيهْ(*)ْياْليتهاْكان ِ‬
‫َ‬ ‫)ْث َّم ْفيْسِلس ِْلَة ْذَر ُع َه َ‬
‫ُ‬ ‫يم ْ َصلْوهُ‬ ‫وهُ ْ(*)ْ ُث َّْم ْالجَ‬ ‫ُ ُ ُ َُ‬ ‫ك ْ َعنى ْ ُسل َطان ِيَ‬ ‫ََ َ‬ ‫ىْعن َ‬‫َ َ َ َ‬
‫اْسب ُعونْ‬ ‫ِ‬ ‫*‬ ‫ْ(‬ ‫ح َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وه‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫)ْ‬ ‫*‬‫(‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫)ْ‬ ‫*‬‫(‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ۜ‬ ‫ه‬ ‫ىْمال َ‬
‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ماْأغن‬
‫َ ُ ُ‬
‫وهُ﴾ [الحاقة‪.]٣٢ -٢٥ :‬‬ ‫ذ َِراعًاْفاسلك ْ‬
‫المال الذي جمعته في حياتي ما أغنى عني شيئا‪ ،‬إنما الذي ينفع العبد يوم القيامة هو عمله؛ لذلك انظر في عملك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اضيَ ْة﴾‪.‬‬
‫تْالق ِ‬ ‫وتْك َِتاب ِ َْيْ(*)ْ َولمْْأد ْرِْ َماْح َِس ْ‬
‫اب ِيَهْ(*)ْيَاْليت َهاْكان ِ‬ ‫قبل أن تنادي‪﴿ :‬يَاْليتنِىْلمْْأ ْ‬
‫القاضية‪ :‬أي أموت‪ ،‬وال أبعث‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿ َماْأغ َنىْ َعنِىْ َمال َِيهْ﴾ شهوة المال يتمتع صاحبها بها سنين ثم يموت ويتركها‪ ،‬يوم القيامة ال يغني عنه ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫كْ َعنِىْ ُسل َطان ِيَهْ﴾ المنصب‪ ،‬الجاه الذي وصلت إليه هلك‪ ،‬لم ينفعني‪.‬‬‫َ َ‬
‫﴿هل ْ‬
‫اعا‬ ‫ٍ‬
‫سلسلة ذرعها سبعون ذر ً‬ ‫خذوه يا مالئكتي فغلوه‪ :‬في الحديد‪ ،‬ثم الجحيم صلوه‪ :‬عذبوه في النار‪ ،‬ثم في‬
‫فاسلكوه‪.‬‬
‫يا ويلك أيها اإلنسان يا من تفرط في طاعة موالك ألم يأن لك األوان أن تتوب إليه‪ ،‬إنه يناديك كل ليلة‪ :‬هل من‬
‫مستغف ٍر فأغفر له؟ هل من ٍ‬
‫سائل فأعطيه؟ هل من د ٍاع فاستجب له؟‬
‫ً‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ول ْ َسبِيلا﴾ ليتني اتبعت الرسول‬ ‫ول ْيَا ْليتنِى ْاتخذ ُْ‬
‫ت ْ َم َْع ْ َّ‬
‫الر ُس ِْ‬ ‫يوم القيامة أيها الكريم ﴿ َويَو َْم ْ َي َعضْ ْالظال ُِْم ْعَلى ْي َ َدي ْهِْ َيق ْ‬
‫‪ ،l‬امتثلت أمره واجتنبت نهيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َُ ً‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اْخل ِيلا﴾ لماذا؟‬ ‫﴿يَاْ َويل َتىْْليتنِىْلمْأتخِذْفلان‬
‫َ ُ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َّ َ‬
‫انْخذولا﴾‪.‬‬
‫انْل ِل ِإنس ِْ‬
‫انْالشيط ْ‬
‫نْالذِك ْرِْبع ْدْإِذْْجاءنِي ِْْوك ْ‬
‫﴿لقدْْأضلنِىْع ِْ‬

‫‪100‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ُ‬ ‫َ َ َ َ ً ََُ‬ ‫َ ُ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫ك ْكدحا ْفملاقِي ْهِ ْ(*)ْفأماْمن ْأوتِي ْكِتابه ْبِي ِمينِهِْ(*)ْفسوفْ‬‫ك ْكادِحْ ْإِلي ْرب ِ ْ‬‫ان ْإِن ْ‬
‫وقال ربك‪﴿ :‬يا ْأيها ْال ِإنس ْ‬

‫ورا﴾ [االنشقاق‪.]٨-٦ :‬‬ ‫ِْمس ُر ً‬ ‫نقل ُِبْإلَيْأَهلِه َ‬


‫َ ً َ ً ََ َ‬
‫بْحِساباْيسِيراْوي‬ ‫ُيحَ َ‬
‫اس ُ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫َ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫فْيدعوْثبوراْ(*)ْويصلىْسعِيرا﴾ [االنشقاق‪ .]١١-٩ :‬اللهم سلم‪.‬‬ ‫اءْظه ِرْه ِْ(*)ْفسو ْ‬ ‫﴿وأماْمنْْأوت ِْيْكِتاب ْهْور ْ‬

‫حري بنا أيها الفضالء وأيتها الفضليات أن نحاسب أنفسنا على تقصيرنا في طاعة اهلل وعلي تجرؤنا على معصية اهلل‬
‫لذلك ٌّ‬
‫سبحانه وتعالى‪ .‬واعلموا أن اهلل سبحانه وتعالى يتوب على عبده إذا تاب إليه‪ ،‬ليس العيب أن تخطئ ولكن العيب أن تستمر‬
‫على الخطأ؛ فإن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون‪.‬‬

‫أكثر من التوبة واألوبة إلى ربك سبحانه وتعالى‪ ،‬عاهده أال تعود‪ ،‬تضرع إليه أن يعافيك من ذنبك فإنه سبحانه وتعالى يستجيب‬
‫دعوة الداعي إذا دعاه‪.‬‬

‫أسأل اهلل لي ولكم السالمة في الدارين‪.‬‬

‫نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف‪.‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫السؤال األول‪ :‬تكلم عن رسالة النبي ‪ l‬كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬اعرض لإليمان بالبعث يوم القيامة كما ذكر ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬الناس ينقسمون يوم القيامة فريقين اذكرهما مع ذكر ٍ‬
‫دليل على ما تقول‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪ :‬اذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار كما جاء في مقدمة ابن أبي القيرواني ‪.6‬‬

‫اكتفي بهذا‪ ،‬وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد‪،‬‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫المحاضرة الثـامنـ ـة والعش ـرون‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأصلي وأُسلم على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد‪ ،‬وهذه هي المحاضرة الثامنة والعشرون من محاضرات‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫وهي المحاضرة (الرابعة) من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني] ‪.6‬‬

‫وقوم أوبقتهم‬
‫قال ‪" :6‬وإن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم‪ ،‬فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم‪ٌ ،‬‬
‫فيها أعمالهم"‪.‬‬
‫من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بالصراط‪.‬‬
‫جسر على ظهر جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف يمر عليه الناس يوم القيامة‪.‬‬
‫والصراط‪ٌ :‬‬
‫َّ‬
‫ِنكمْْإِلاْ َوارِ ُد َها ِْ﴾ [مريم‪.]71 :‬‬
‫ُ‬
‫ودليله قول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وِإنْم‬
‫قال العلماء‪" :‬المراد بالورود هنا المرور على الصراط"‪.‬‬
‫وقد أجمع العلماء على إثبات الصراط‪.‬‬
‫هذا الصراط الناس عليه متفاوتون‪.‬‬
‫والمراد بالناس‪ :‬المسلمون‪.‬‬
‫زمرا‪.‬‬
‫أما الكافرون فيساقون إلى جهنم ً‬
‫وأما المنافقون فال يستطيعون مجاوزة الصراط‪ ،‬إذا أرادوا العبور على الصراط سلب اهلل عز وجل منهم األنوار‬
‫فيتساقطون في النار‪.‬‬
‫يبقى المسلمون‪ ،‬المسلمون على الصراط متفاوتون‪.‬‬
‫كما قال النبي ‪" :l‬ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم‪ ،‬قالوا يا رسول اهلل وما الجسر؟ قال مدخضةٌ مزلة‬
‫(يعني تزل عليه اإلقدام)‪ ،‬عليه خطاطيف وكالليب‪َ ،‬وحسكةٌ مفلطحةٌ لها شوكةٌ عقيفاء تكون بنجد يُقال لها السعدان‪،‬‬
‫المؤمن عليها كالطرف (أي طرف العين بعد انتباهها)‪ ،‬وكالبرق (أي سرعة البرق)‪ ،‬وكالريح (أي سرعة الريح)‪،‬‬
‫وكأجاويد الخيل والركاب (يعني كأفضل أنواع الخيل في السرعة واإلبل)‪.‬‬
‫فناج ُم َسلَ ْم (بعض من يمر على الصراط ينجو وال تمسه الكالليب)‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وناج مخدوش (يعني خدشته الخطاطيف والكالليب)‬
‫ٍ‬
‫مكدوس في نار جهنم (يعني مدفوع من ورائه في نار جهنم)‬
‫ٌ‬ ‫َو‬
‫حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا"‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫كل فريضة لها كلوب‪ ،‬وكل معصية لها كلوب‪.‬‬
‫من قصر في الصالة أخذه كلوب الصالة‪ ،‬ومن قصر في الزكاة أخذه كلوب الزكاة‪.‬‬
‫ومن كان يكذب أخذه كلوب الكذب‪ ،‬ومن كان يغتاب أخذه كلوب الغيبة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ومن عظمت سيئاته سقط في النار‪.‬‬
‫وهذا يجعلك أيها المسلم الكريم أن تكثر من العمل الصالح‪ ،‬وأن تجتنب المحرمات‪ ،‬كلما فعلت شيئًا من المحرمات‬
‫تُب إليه سبحانه وتعالى؛ حتى تستطيع أن تنجو يوم القيامة من الصراط‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬واإليمان بحوض رسول اهلل ‪ l‬ترده أمته ال يظمأ من شرب منه‪ ،‬ويزاد من بدل وغير‪.‬‬
‫من عقيدة أهل السنة والجماعة اإليمان بالحوض‪.‬‬
‫والحوض هذا‪ :‬مورد ماء يعطاه النبي ‪ l‬يوم القيامة‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ومن األدلة عليه قول اهلل تعالى‪﴿ :‬إِناْأع َطينَ َْ‬
‫اكْالكوث َْر﴾ [الكوثر‪]1 :‬‬
‫در مجوف آنيته كعدد نجوم السماء"‪.‬‬
‫نهر أعطيه نبيكم ‪ l‬شاطئاه عليه ٌّ‬
‫سئلت السيدة عائشة عن ذلك فقالت‪ٌ " :‬‬
‫وقال ‪" :l‬أنا فرطكم على الحوض"‪ .‬يعني أول من يصل إلى الحوض هو النبي ‪.l‬‬
‫وقال ‪" :l‬حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء (يعني شكله مربع)‪ ،‬وماؤه أبيض من الوِرق (يعني أبيض من الفضة)‪،‬‬
‫وريحه أطيب من المسك‪ ،‬كيزانه كنجوم السماء‪ ،‬من شرب منه فال يظمأ بعده أب ًدا"‪.‬‬
‫قوم ممن بدلوا وغيروا يريدون أن يشربوا من حوض النبي ‪ l‬فتزودهم المالئكة‪ ،‬فيقول النبي ‪" :l‬أصحابي‬
‫يأتي ٌ‬
‫قائال‪" :‬سح ًقا‬
‫أصحابي أتباعي"‪ ،‬فتقول المالئكة‪" :‬دع فإنك ال تدري ما أحدثوا بعدك"‪ ،‬فيدعو عليهم النبي ‪ً l‬‬
‫سح ًقا لمن غير وبدل"‪.‬‬

‫وعمل بالجوارح‪ ،‬يزيد بزيادة األعمال وينقص بنقصها فيكون فيها‬


‫ٌ‬ ‫ثم قال ‪" :6‬وإن اإليمان ٌ‬
‫قول باللسان‪ ،‬وإخالص بالقلب‪،‬‬
‫النقص وبها الزيادة"‪.‬‬
‫وعمل‬
‫ٌ‬ ‫قول باللسان‪ٌ ،‬‬
‫وقول بالقلب‪،‬‬ ‫هذا تعريف اإليمان عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو يتركب من خمس حقائق‪ :‬أنه ٌ‬
‫وعمل باللسان‪ ،‬وعمل بالجوارح‪ ،‬ويزيد وينقص‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بالقلب‪،‬‬

‫‪ٌ ᛜ‬‬
‫قول باللسان‪ :‬المراد به‪ :‬النطق بالشهادتين‪.‬‬
‫ُ ُ‬
‫ولواْآ َم َّنا﴾‪.‬‬
‫ومن األدلة على أن النطق بالشهادتين من اإليمان قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ق ْ‬
‫وقول النبي ‪" :l‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل"‪ ...‬إلى آخر‬
‫الحديث‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ ᛜ‬وأما قول القلب‪ :‬وهو إخالصه يسمى بإخالص القلب‪ ،‬فمعناه‪ :‬أن يخلص العبد عمله هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومن األدلة على ذلك قول النبي ‪" l‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امر ٍئ ما نوى"‪.‬‬
‫وأما عمل الجوارح ويدخل فيها عمل اللسان‪:‬‬
‫فالمراد به‪ :‬األعمال التي تؤدى بالجوارح كالصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج ونحو ذلك‪.‬‬
‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ َّ‬
‫س ِهم ْفِيْ‬
‫ْوأنف ِ‬ ‫واْو َجاه ُدواْبِأم َوال ِ ِهم‬ ‫ِين ْآ َمنُوا ْب ِ ْ‬
‫اَّللِْ َو َر ُسول ِ ْهِ ْث ْم ْلمْ ْيرتاب‬ ‫ون ْالذ َْ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬إِنما ْالمؤمِن ْ‬
‫َّ ُ َ َٰ َ ُ ُ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾ [الحجرات‪.]15 :‬‬ ‫يلْاَّلل ِْْأولئِكْهمْالصادِق ْ‬
‫سب ِ ِ‬

‫المصنف ‪ 6‬ذكر‪ :‬قول اللسان‪ ،‬وإخالص القلب‪ ،‬وعمل الجوارح‪.‬‬


‫والسلف رحمهم اهلل تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬تارًة يقولون‪ :‬اإليمان ٌ‬
‫قول وعمل‪.‬‬
‫‪ ‬وتارًة يقولون‪ٌ :‬‬
‫قول وعمل ونية‪.‬‬
‫‪ ‬وتارًة يقولون‪ٌ :‬‬
‫قول وعمل ونية واتباع السنة‪.‬‬
‫‪ ‬وتارًة يقولون‪ٌ :‬‬
‫قول باللسان‪ ،‬واعتقا ٌد بالقلب‪ ،‬وعمل بالجوارح‪ ،،،‬وكل هذا صحيح‪.‬‬
‫جميعا)‬ ‫فإذا قالوا‪ٌ :‬‬
‫[قول وعمل] فإنه يدخل في القول (قول القلب واللسان ً‬
‫ً‬
‫يماناْ َّم َْعْإ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ادواْإ َ‬
‫يمان ِ ِهمْ ِْ﴾ [الفتح‪.]4 :‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن األدلة على زيادة اإليمان ونقصانه‪ ،‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ل ِيزد‬
‫والشيء إذا كان عرضةً للزيادة فهو عرضة للنقص‪.‬‬
‫وقال النبي ‪" :l‬ما رأيت من ناقصات ٍ‬
‫عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"‪.‬‬
‫أي [النساء]‪ ،‬فهنا أثبت نقصان الدين‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وال يكمل قول اإليمان إال بالعمل"‪ .‬يعني ال يكمل اإليمان الواجب إال بالعمل‪.‬‬

‫عمال بدون نية فإنه ال يقبل منه‪.‬‬


‫قوال أو عمل ً‬
‫وعمل إال بنية"‪ .‬فمن قال ً‬
‫ٌ‬ ‫قال‪" :‬وال ٌ‬
‫قول‬

‫وعمل إال بموافقة السنة"‪ .‬المطالب من العبد أن يوافق سنة النبي ‪ l‬في أقواله وأفعاله حتى تقبل منه‪ ،‬فمن‬
‫ٌ‬ ‫قال‪" :‬وال ٌ‬
‫قول‬
‫عمال مخال ًفا للسنة لم يُقبل منه‪.‬‬
‫قوال أو عمل ً‬
‫قال ً‬
‫عمال ليس عليه أمرنا فهو رد"‪( .‬أي‪ :‬مردو ٌد عليه)‪.‬‬
‫وذلك لقول النبي ‪" :l‬من عمل ً‬

‫ثم قال‪" :‬وإنه ال يكفر أحد بذنب من أهل القبلة"‪ ،‬أهل القبلة‪ :‬هم المسلمون‪.‬‬
‫من فعل منهم ذنبًا ال يكفر به إال إذا استحله‪ .‬فالخروج عن اإلسالم يكون‪ :‬بالكفر‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫أو استحالل المعصية (يعني يعتقد حل المعصية)‬
‫َ َ ُ َ ُ َ َ َٰ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ‬
‫ُ‬
‫اء ِْ﴾ [النساء‪.]48 :‬‬
‫ِكْل ِمنْيش ْ‬
‫ونْذل ْ‬ ‫اَّللْلاْ َيغفِ ُْرْأنْيشر ْ‬
‫كْب ِ ْهِْويغفِ ْرْماْد ْ‬ ‫َ‬ ‫نْ ْ‬ ‫ومن األدلة على ذلك قول اهلل تعالى‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫ُ ََ‬ ‫وقال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وِإنْ َطائ َفتَانْم َِنْال ُمؤ ِمن َ‬
‫ِينْاقتَتَلواْفأصل ُِحواْبَينَ ُه َما﴾ [الحجرات‪]9 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬
‫فسمى اهلل عز وجل كل طائفة مؤمنة‪ ،‬مع أنه قال ﴿اقتَتَلوا﴾ والقتل كبيرة من الكبائر‪.‬‬
‫وأهل السنة والجماعة متفقون على أن مرتكب الكبيرة ال يخرج عن اإلسالم‪ ،‬وإذا مات على ذلك فأمره إلى اهلل إن‬
‫شاء غفر له وإن شاء عذبه‪.‬‬

‫َحيَاءٌ عند ربهم يرزقون"‪.‬‬


‫ثم قال ‪" :6‬وإن الشهداء أ ْ‬
‫َّ َ ً َ َ‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬ولَاْ َتح َسب َ َّ‬
‫ونْ(*)ْفَرح َ‬
‫ِينْبماَْ‬ ‫ُ َُ َ‬
‫ق‬‫ز‬‫ر‬ ‫ْي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ْر‬ ‫َ‬
‫ِند‬
‫ع‬ ‫ْ‬ ‫اء‬‫ي‬‫َ‬ ‫ح‬ ‫ْأ‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ات‬‫و‬‫اَّللِْأم َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يل‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ْ‬‫نْالَّذ َ‬
‫ِينْقُتِلُواْفيْ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫حقواْب ِ ِهمْمِنْْخلفِ ِهمْْألاْخوفْْعلي ِهمْْ َولاْهمْْيح َزن ْ‬
‫ون﴾‬ ‫ِينْلمْْيل‬
‫ونْبِالذ ْ‬ ‫آتاه ُْمْ ُْ‬
‫اَّللْمِنْفضل ِ ْهِْويستب ِشر ْ‬

‫قال‪" :‬وأرواح أهل السعادة باقيةٌ ناعمةٌ إلى يوم يبعثون‪ ،‬وأرواح أهل الشقاوة معذبةٌ إلى يوم الدين"‪.‬‬
‫يعني أهل الطاعة واإليمان ينعمون في قبورهم‪.‬‬
‫وأهل المعصية والكفر يعذبون في قبورهم‪.‬‬
‫طائر في شجر الجنة حتى يبعثه اهلل عز وجل إلى جسده‬
‫وقد قال النبي ‪ ":l‬إنما نسمة المؤمن (يعني روح المؤمن) ٌ‬
‫يوم القيامة"‪.‬‬
‫يعني يُنعم حتى يبعث يوم القيامة‪.‬‬
‫أما أهل المعصية والكفر فإنهم يعذبون في قبورهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ارْ‬ ‫وء ْال َعذ ِْ‬
‫اب ْ(‪َّ 45‬‬
‫)ْالن ُ‬ ‫ن ْ ُس ُْ‬
‫بآ ِْل ْف ِرعو ْ‬ ‫ات ْ َما ْ َمك ُروا ِْ ْ َو َح ْ‬
‫اق ْ ِْ‬ ‫اَّلل ْ َسيِئَ ِْ‬
‫ومن األدلة على ذلك قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ف َوق ْاهُ ْ ُْ‬
‫ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ ًّ َ َ ًّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫ابْ(‪[ ﴾)46‬غافر‪]46-45 :‬‬ ‫نْأش ْدْالعذ ِْ‬ ‫ومْالساع ْةْأدخِلواْآ ْلْف ِرعو ْ‬ ‫يعرضونْعليهاْغدواْوعشِياْْْويو ْمْتق ْ‬

‫وقال النبي ‪" :l‬إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي (أي في قبره) إن كان من أهل الجنة فمن‬
‫أهل الجنة‪ ،‬وإن كان من أهل النار فمن أهل النار‪ ،‬فيقال‪ :‬هذا مقعدك حتى يبعثك اهلل يوم القيامة"‪.‬‬

‫ثم قال ‪" :6‬وإن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة"‪.‬‬
‫أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بفتنة القبر وسؤال الملكين‪.‬‬
‫نصوص كثيرة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقد دل على ذلك‬
‫المنكر ولآلخر النكير‪،‬‬ ‫قال ِ‬
‫ألحدهما‬ ‫ِ‬
‫أزرقان‪ ،‬يُ ُ‬ ‫ِ‬
‫أسودان‬ ‫ِ‬
‫ملكان‬ ‫الميت (أي دفن) أتاه‬
‫ُ‬ ‫منها قول النبي ‪" :l‬إذا قُبِ َر‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيقول‪ :‬ما كان يقول في الدنيا‪" ،‬هو عب ُد اهلل ورسولُه أشه ُد أن ال إلهَ إال اهللُ‬
‫ُ‬ ‫الرجل؟‬ ‫تقول في هذا‬ ‫كنت ُ‬
‫فيقوالن‪ :‬ما َ‬

‫‪105‬‬
‫اعا في سبعي ِن‪ ،‬ثم يُ َّنوُر‬‫فسح له في قب ِره سبعون ذر ً‬
‫تقول هذا‪ ،‬ثم يُ ُ‬
‫نعلم أنك ُ‬ ‫وأن محم ًدا عبده ورسوله" فيقوالن‪ :‬قد كنا ُ‬
‫أهله إليه‬ ‫أحب ِ‬ ‫ِ‬
‫العروس الذي ال يُوقظُه إال ُّ‬ ‫فيقول‪ :‬أرجع إلى أهلِي فأخبرهم‪ ،‬فيقوالن‪ :‬نم ِ‬
‫كنومة‬ ‫قال له‪ :‬نَ ْم‪ُ ،‬‬
‫له فيه‪ ،‬ثم يُ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الناس يقولون فقلت مثلَهم ال أد ِري"‪،‬‬ ‫ضجعه ذلك‪ ،‬وإن كان مناف ًقا قال‪" :‬سمعت‬ ‫(أي ووجه) حتى يبعثَه اهلل من م ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ال فيها معذبًا‬ ‫فتختلف فيها أضالعُه فال يز ُ‬
‫ُ‬ ‫فتلتئم عليه‬
‫ُ‬ ‫لألرض‪ :‬التئِ ِمي عليه‬
‫ِ‬ ‫قال‬
‫أنكتقول ذلك‪ ،‬فيُ ُ‬
‫ُ‬ ‫نعلم‬
‫فيقوالن‪ :‬قد كنا ُ‬
‫مضج ِعه ذلك"‪.‬‬
‫حتى يبعثَه اهللُ من َ‬
‫«يُثبت اهلل الذين آمنوا» أي على إيمانهم‪.‬‬
‫«بالقول الثابت» أي بشهادة أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل‪.‬‬
‫«في الحياة الدنيا وفي اآلخرة» أي في القبور عند السؤال‪.‬‬

‫ثم قال‪" :‬وإن على العباد حفظةً يكتبون أعمالهم وال يسقط شيءٌ من ذلك عن علم ربهم"‪.‬‬
‫من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون أن على كل إنسان ملكين‪ ،‬أحدهما يكتب الحسنات واآلخر يكتب‬
‫السيئات‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ىْو ُر ُسلنَاْل َدي ِهمْيَكتُبُ ْ‬
‫ون﴾ [الزخرف‪.]80 :‬‬ ‫اهم ِْْبَل َ‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬أمْْيح َسبُ ْ‬
‫ونْأناْلاْنسم ْعْ ِسرهمْْونجو‬
‫َ‬ ‫ْماْيَلفِ ُظ ْمِنْقَول ْإلَّاْل َ َديه َ‬
‫ِْرقِيب ْعتِيدْ‬ ‫الش َما ْل ْقَعيد ْ(*) َ‬
‫نْ ِ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ين ْ َوع ِْ‬
‫ن ْال َي ِم ِْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫وقال سبحانه‪﴿ :‬إِذْ ْ َيتَلقيْ ْال ُمتَلقِيَ ِْ‬
‫ان ْع ِْ‬
‫ِ‬
‫(‪[ ﴾)18‬ق‪.]18-17 :‬‬
‫ال يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم سبحانه وتعالى‪ ،‬فاهلل عز وجل يعلم كل شيء فهو السميع البصير العليم الخبير‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِندْ َربيْفيْكِتَابْ ِْْلاْيَضلْْ َربيْ َولاْي َ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ق ْ ُ َ‬
‫نسى﴾ [طه‪.]52 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْعِلمهاْع ْ ِ ِ‬
‫وهذا يجعلك أيها المسلم الكريم قبل أن تتكلم أي كلمةً تتفكر فيها إن كانت ال ترضي اهلل فال تتلفظ بها ستكتب‬
‫عليك‪.‬‬
‫كذلك قبل أن تعمل أي عمل تفكر فيه إن كان ال يرضي اهلل فال تفعله ألنه سيكتب عليك‪ .‬كل شيء تفعله يكتب‬
‫عليك إما في سجل الحسنات‪ ،‬وإما في سجل السيئات حسب نيتك‪.‬‬

‫قال‪" :‬وإن ملك الموت يقبض األرواح بإذن ربه"‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تْت َوفت ُْهْ ُر ُسل َناْ َوهمْْلاْ ُيف ِر ُط ْ‬
‫ون﴾ [األنعام‪.]61 :‬‬ ‫كما قال سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬ح َّتىْإِذاْج ْ‬
‫اءْأحدك ْمْالمو ْ‬
‫َ‬
‫كمْْتُر َ‬
‫ُ َّ َٰ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ج ُع ْ‬
‫ون﴾ [السجدة‪.]11 :‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬قلْْ َيتَ َوفاكمْ َملكْال َمو ِْ‬
‫تْالذِيْوك ِْلْبِكمْْث ْمْإِل ْيْرب ِ‬
‫فيجب علينا أن نؤمن بذلك‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫قال‪" :‬وإن خير القرون القرن الذين رأوا رسول اهلل ‪ l‬وآمنوا به‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم"‪.‬‬
‫أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أن أفضل األجيال جيل أصحاب النبي ‪ ،l‬ثم جيل التابعين‪ ،‬ثم تابعي التابعين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫اب ْ َّ ُْ َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ِينَْ‬
‫ارِْالذ ْ‬ ‫جرِ َْ‬
‫ين ْوالأنص ْ‬ ‫اَّلل ْعلى ْالن ِب ِْى ْوالمها ِ‬ ‫ومن األدلة على تفضل الصحابة على غيرهم‪ ،‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬لقدْ ْت َ ْ‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُُ ُ َ‬ ‫َّ َ ُ ُ َ َ‬
‫ابْعلي ِهمْْإِن ُْهْب ِ ِهمْْ َر ُءوفْْ َرحِيم﴾‬ ‫وبْفرِيقْمِنهمْثمْت‬ ‫يْساعةِْال ُعس َرة ِْمِنْبعدِْماْكادْيزِيغْقل‬‫ات ْبعوهْف ِ‬
‫وقال ‪" :l‬خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"‪.‬‬

‫قال‪" :‬وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بك ٍر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم ٌّ‬
‫علي ‪ F‬أجمعين"‪.‬‬
‫أجمع أهل السنة والجماعة على أن أفضل األمة من بعد النبي ‪ l‬هو أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪.‬‬
‫ثم العلماء اختلفوا في تقديم عثمان على علي في األفضلية‪.‬‬
‫أكثرهم على تقديم عثمان ثم علي‪.‬‬
‫وبعضهم قدم عليًا على عثمان‪.‬‬
‫وبعضهم توقف‪.‬‬
‫ولكن هذا كان في بادئ األمر‪.‬‬
‫واستقر األمر على أن (عثمان أفضل من علي ‪.)F‬‬
‫ومن األدلة على تفضيل الخلفاء الراشدين األربعة قول النبي ‪" :l‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين"‪.‬‬
‫وقال ابن عمر‪" :‬كنا نخير بين الناس (أي نفاضل نقول فالنًا خير من فالن) في زمن النبي ‪ l‬فنخير أبا بك ٍر‪ ،‬ثم‬
‫عمر بن الخطاب‪ ،‬ثم عثمان بن عفان ‪."F‬‬

‫قال‪" :‬وأال يذكر أح ٌد من صحابة الرسول ‪ l‬إال بأحسن ذكر‪ ،‬واإلمساك عما شجر بينهم"‪.‬‬
‫أي‪ :‬من حقوق الصحابة علينا أن نذكرهم بمحاسنهم‪ ،‬وال نخوض فيما شجر بينهم‪ ،‬بل علينا أن نعتقد أن للمصيب‬
‫أج ٌر واحد‪.‬‬
‫منهم أجران‪ ،‬والمخطئ له ْ‬
‫قال النبي ‪" :l‬ال تسبوا أصحابي‪ ،‬ال تسبوا أصحابي‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل ٍ‬
‫أحد ذهبًا ما أدرك‬
‫مد أحدهم وال نصيفه‪.‬‬
‫وقال ‪" :l‬إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر‪".‬‬

‫ثم قال‪" :‬وإنهم أحق الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج‪ ،‬ويظن بهم أحسن المذاهب"‪.‬‬
‫فال ينبغي للمسلم أن يظن بالصحابة ظن السوء؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى رضي عنهم وشهد النبي ‪ l‬لهم بالخيرية‪.‬‬
‫كما تقدم في الحديث‪" :‬خير الناس قرني"‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫ثم قال‪" :‬والطاعة ألئمة المسلمين من والة أمورهم وعلمائهم‪ ،‬واتباع السلف الصالح"‪.‬‬
‫أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يطيعون أئمة المسلمين وهم [العلماء واألمراء] إال إذا أمروا بمعصية فال‬
‫سمع وال طاعة‪ ،‬ويتبعون السلف الصالح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ ُ َّ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ولْوأولِيْالأم ْرِْمِنكمْ ِْ﴾ [النساء‪.]59 :‬‬ ‫َّ‬
‫اَّللْوأطِيعواْالرس ْ‬ ‫َ‬
‫ِينْآمنواْأطِيعواْ ْ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ياْأيهاْالذ ْ‬
‫وقال النبي ‪" :l‬على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره‪ ،‬إال أن يؤمر بمعصية‪ ،‬فإن أُمر بمعصية فال سمع‬
‫وال طاعة‪.‬‬
‫وقال ‪" :l‬اسمع وأطع في عسرك ويسرك‪ ،‬ومنشطك ومكرهك‪ ،‬وأثرة عليك (يعني إن استأثروا باألموال والمناصب‬
‫دونك) وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك"‪.‬‬
‫يعني أخذوا مالك وضربوك فاسمع وأطع حتى ال تحدث فتنة أعظم‪.‬‬

‫قال‪" :‬واقتفاء آثارهم واالستغفار لهم"‪.‬‬


‫أي علينا أن نتبع أقوال السلف الصالح وأفعالهم إن لم تكن مخالفة للكتاب والسنة؛‬
‫وذلك ألن النبي ‪ l‬قال‪" :‬اقتدوا بالذين من بعد أبي بك ٍر وعمر ‪."G‬‬
‫وعلينا أن نستغفر لهم‪ ،‬هذا من حقوق السلف الصالح علينا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫ون ْ َر َّبنَا ْاغفِر ْل َناْ‬
‫اءوا ْمِن ْ َبع ِدهِمْ ْ[أي ْبعد ْالمهاجرين ْوالأنصار] ْ َيقول ْ‬ ‫ِين ْ َ‬
‫ج ُ‬ ‫وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬والذ َْ‬
‫َّ َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫اْتج َعلْفيْقُلُوبنَاْغِلًّاْل ِلَّذ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ ُ َ‬
‫كْ َر ُءوفْْ َّرحِيمْ﴾ [الحشر‪.]10 :‬‬ ‫ِينْآ َمنُواْ َر َّبنَاْإِن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫انْول‬‫ول ِ ِإخوان ِناْالذِينْسبقوناْبِال ِإيم ِ‬
‫قسم في [سورة الحشر] المسلمين ثالثة أقسام‪.‬‬
‫اهلل عز وجل َّ‬
‫(المهاجرون‪ ،‬واألنصار‪ ،‬والذين جاءوا من بعدهم)‬

‫واشترط في هذا القسم الثالث شرطين‪:‬‬


‫‪ ‬الشرط األول‪ :‬أنهم يستغفرون لمن قبلهم من المسلمين‪.‬‬
‫غال وحق ًدا لمن آمن‪.‬‬
‫‪ ‬والشرط الثاني‪ :‬أنهم ال يجعلون في قلوبهم ً‬

‫ثم قال‪" :‬وترك المراء والجدال في الدين‪ ،‬وترك ما أحدثه المحدثون"‪.‬‬


‫أي من عقيدة أهل السنة والجماعة ترك المراء وهو الجدال في الدين‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن منهج أهل السنة والجماعة يقوم على االستسالم لنصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ُ َ َُ َ َُ ُ َ َ ََ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ ُ ِ َ َ ُ‬
‫اْوأ َطعنَاْْْ‬ ‫ِين ْإِذا ْد ُعوا ْإِلي ْ ْ‬
‫اَّلل ِ ْ َو َر ُسول ِ ْهِ ْل َِيحك َْم ْبينهمْ ْأن ْيقولوا ْس ِمع ْن‬ ‫ان ْقو ْل ْالمؤمن ْ‬
‫وقد قال اهلل تعالى‪﴿ :‬إِنما ْك ْ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َٰ َ ُ‬
‫ون﴾ [النور‪]51 :‬‬ ‫كْه ُْمْال ُمفل ُِح ْ‬
‫وأولئ ِ ْ‬

‫‪108‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ِلْل ُِيدحِضواْب ِ ْهِْالحَ َّْ‬
‫ق﴾ [غافر‪.]5 :‬‬ ‫وذم اهلل عز وجل الجدال في كتابه‪ :‬فقال‪َ ﴿ :‬و َجادلواْبِال َباط ِْ‬
‫ُ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َُ ُ‬
‫ْمرِيدْ﴾ [الحج‪.]3 :‬‬ ‫اَّلل ِْبِغي ِْرْعِلمْْ َويَ َّتب ِ ُْعْك ْ‬
‫لْشي َطان َّ‬ ‫اسْ َمنْيجاد ِْلْفِيْ ْ‬ ‫ِنْ َّ‬
‫الن ِ ْ‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬وم َْ‬
‫قوم بعد ُه ًدى كانوا عليه إال أوتوا الجدل"‪.‬‬
‫وقال ‪" :l‬ما ضل ٌ‬
‫ضا كما ذكر ‪[ :6‬ترك ما أحدثه المحدثون]‪ ،‬أي المبتدعون‪ .‬من ابتدع شيئًا فال يجوز‬
‫ومن أصول أهل السنة أي ً‬
‫للمسلم أن يأخذ بهذه البدع‪.‬‬
‫عمال ليس عليه أمرنا فهو رد"‪.‬‬
‫وقد قال ‪" :l‬من عمل ً‬

‫كثيرا"‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫ثم ختم رسالته بقوله‪" :‬وصلى اهلل على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم‬
‫الصالة من اهلل ثناءٌ في المأل األعلى ومن العبد دعاء‪.‬‬
‫وذريته‪ :‬هم بناته وأوالد فاطمة ‪.F‬‬ ‫وآل النبي ‪ :l‬هم أتباعه على دينه‪.‬‬
‫كثيرا‪ :‬يعني سلم هؤالء المذكورين من اآلفات والشرور في اآلخرة‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫وسلم‬
‫ِينْآ َمنُواْ َصلواْ َعلَي ْهِْ َو َسل ُِمواْتَسل ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ونْعَلَىْ َّ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ‬
‫ِيما﴾‬ ‫الن ِب ِْى ِْْيَاْأي َهاْالذ َْ‬ ‫اَّللْ َو َملائِكتَ ُْهْي ُ َصل ْ‬
‫نْ ْ‬ ‫امتثال لقول اهلل تعالى‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫وهذا ٌ‬
‫نأخذ أسئلة التكليف‪:‬‬

‫األسئـ ــلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬عرف اإليمان كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫يد القيرواني ‪6‬‬
‫كل مما يأتي‪ :‬األول‪ :‬الصراط‪ .‬الثاني‪ :‬الحوض‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬ما عقيدة أهل السنة والجماعة في ٍّ‬
‫الثالث‪ :‬مرتكب الكبيرة؟‬
‫يد القيرواني ‪.6‬‬‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬تكلم عن اإليمان بالمالئكة كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬ما الواجب علينا نحو والة األمور؟‬
‫دليال على ذم المراء والجدال في الدين‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الخامس‪ :‬اذكر ً‬

‫« هذا والحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات»‬


‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الخاتـمـــة‬
‫وهنا تنتهى محاضرات مادة (العقيـــدة)‬

‫من كتاب "حصــول المِنـة بشـرح أصول السنـة"‬

‫شرح فضيلة الشيخ‪ :‬خالد الجهنـي (حفظه الله)‪ ،‬ونفع الله به الإسـلام والمسلمين‪،‬‬

‫وجزاه الله عنا خير الجزاء‪ ،‬وبهذا تنتهى محاضرات الفصل الدراسي الثاــني (الفرقـة الثاــنيـــة)‬

‫بالتوفيق لجميع طلبة الع ِلم‪ ،‬نفع الله بكم‪ ،‬وزادكم ع ِلماً‪ ،‬وعملا ً (اللهم آميــن)‬

‫نسألـكم الدعاء لمن قام بجمع وتنسيق المحاضرات‪ ،‬حتى خرجت إليكم بهذا الشكل البسيط الفريد‪.‬‬

‫أخرجه لـكم‪ :‬أخوكم في الله (فهــد بن عبدالعـز يــز)‬

‫"جمهور ية مصـر العربية"‬

‫"نسألـكم الدعاء"‬

‫‪110‬‬
‫فهـرس "تفر يـغ المحاضرات"‬

‫الصفحــــة‬ ‫الـمحاضـــــرة‬ ‫م‬

‫‪2‬‬ ‫المـحاضـــرة الساــبعــة عشـــرة‬ ‫‪1‬‬

‫‪11‬‬ ‫المـحاضـــرة الثاــمنـــة عشـــرة‬ ‫‪2‬‬

‫‪19‬‬ ‫المـحاضـــرة التاــسعـــة عشـــرة‬ ‫‪3‬‬

‫‪27‬‬ ‫المـحاضـــرة العشــــرون‬ ‫‪4‬‬

‫‪39‬‬ ‫المـحاضـــرة الحاــديــة والعشـــرون‬ ‫‪5‬‬

‫‪47‬‬ ‫المـحاضـــرة الثاــنيـــة والعشـــرون‬ ‫‪6‬‬

‫‪55‬‬ ‫المـحاضـــرة الثاــلثــة والعشـــرون‬ ‫‪7‬‬

‫‪65‬‬ ‫المـحاضـــرة الــرابعـــة والعشـــرون‬ ‫‪8‬‬

‫‪73‬‬ ‫المـحاضـــرة الخاــمســـة والعشـــرون‬ ‫‪9‬‬

‫‪83‬‬ ‫المـحاضـــرة الساــدســـة والعشـــرون‬ ‫‪10‬‬

‫‪94‬‬ ‫المـحاضـــرة الساــبعــة والعشـــرون‬ ‫‪11‬‬

‫‪102‬‬ ‫المـحاضـــرة الثاــمنـــة والعشـــرون‬ ‫‪12‬‬

‫‪111‬‬ ‫فهــرس "تفر يـغ المحاضــرات"‬

‫والسالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته‪.‬‬


‫(فهـ ـد بـن عبـدالعـزيـ ــز)‬

‫‪111‬‬

You might also like