Professional Documents
Culture Documents
محاضرات العقيـدة الفرقة الثانية 2
محاضرات العقيـدة الفرقة الثانية 2
محاضرات العقيـدة الفرقة الثانية 2
القاعدة األولى :ما الواجب علينا نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء اهلل وصفاته؟
الواجب علينا في نصوص الكتاب والسنة أن نبقي داللتها على ظاهرها من غير [تحريف ،وال تمثيل ،وال تعطيل]
لماذا؟ ألن اهلل سبحانه وتعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين.
والنبي lتكلم بهذا اللسان.
فوجب علينا أن نبقي داللة الكالم على ظاهره.
َ َ َ َ َ ُ َّ
ق ْ َوأنْ
ن ْ َوال ِإث َْم ْ َوال َبغ َيْ ْبِغي ِْر ْالحَ ِْ وقد قال ربنا سبحانه وتعالى﴿ :قلْ ْإِن َما ْ َح َّر َْم ْ َرب ِ َْي ْالف َواح ْ
ِش ْ َما ْظ َه َْر ْمِن َها ْ َو َما ْ َب َط َْ
ُ َ ً َ َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ُ
ون﴾ [األعراف]٣٣ : ِْماْلاْتعل ُم ْ ِْماْلم ُْين ِزلْبِهِْسلطاناْوأنْتقولواْعلىْاَّلل تش ِركواْبِاَّلل
يعني حرم ربنا سبحانه وتعالى أن يتكلم اإلنسان على اهلل سبحانه وتعالى بما ال يعلم.
َ َ َ
انْيُنفِ ُقْكيفْيَش ُْ
اء﴾ [المائدة] وطتَ ِْ
فمثال :قول اهلل تعالى﴿ :بَلْْي َ َد ْاهُْ َمب ُس َ
ً
ظاهر اآلية يثبت هلل عز وجل يدين حقيقيتين ،فيجب علينا أن نثبت ذلك هلل سبحانه وتعالى.
فا قيل :المراد باليدين القوة،
قلنا له :هذا صرف للكالم عن ظاهره فال يجوز القول به ألنه قول على اهلل بال علم.
َ َ
ضا قول اهلل سبحانه وتعالىَ ﴿ :ويَبقيْْ َوج ُْهْ َرب ِ ْ
ك﴾ ومثال ذلك أي ً
وجها .فيجب أن نثبت ذلك هلل سبحانه وتعالى.
ظاهر اآلية أن هلل عز وجل ً
فإذا قيل :المراد بالوجه الثواب ،قلنا له :هذا صرف للكالم عن ظاهره ،فال يجوز القول به ألنه قول على اهلل بال علم.
فاألصل في الكالم ما ظهر منه.
2
مثال( :رأيت أس ًدا)
فلو قيل لك ً
فالظاهر أنه أسد حقيقي.
فإذا قيل :المراد باألسد الرجل الشجاع ،قيل له :هذا صرف للكالم عن ظاهره ،فال يجوز القول به ألنه مخالف لظاهر
الكالم .إال إذا وجدت قرينة تدل على أن المتكلم يريد المعنى اآلخر.
وال توجد قرينة من القرآن أو الس نة أن اهلل عز وجل أراد بنصوص الكتاب والسنة في أسمائه وصفاته معنى غير الظاهر منه.
((هذه القاعدة األولى))
الشاهد من هذا الحديث أن النبي lقال" :أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أح ًدا من خلقك".
يعني ليس الخلق يعلمون أسماء اهلل سبحانه وتعالى كلها ..بل قد يعلم بعضهم أسماء لم يعلمها اآلخرون.
والمراد بقوله :أو علمته أح ًدا من خلقك :أي من أنبيائك .ألن األنبياء يوحى إليهم أما غيرهم فال يوحى إليهم.
3
اسما ،مائة إال واح ًدا ،من أحصاها دخل الجنة"؟
أليس هذا الحديث يعارض قول رسول اهلل " :lإن هلل تسعة وتسعين ً
اسما.
هذا الحديث فيه أن أسماء اهلل عددها تسعة وتسعون ً
قال العلماء :ليس معنى هذا الحديث أن أسماء اهلل عز وجل محصورة في هذا العدد وهو (التسعة والتسعون)،
اسما.
بل معناه أن من أسماء اهلل عز وجل تسعة وتسعين ً
من أحصاها دخل الجنة :أي حفظها وعمل بها دخل الجنة.
وهذا مثاله أن يقول قائل :عندي مائة دينار أعددتها للصدقة .هل معنى هذا أنه ال يمتلك إال مائة؟ ال؛ بل معناه أنه مما يمتلك
مائة دينار أع ّدها للصدقة.
ومن ذلك أن تقول :عندي مائة نعجة أعددتها للصدقة .هذا ليس فيه أنك ال تمتلك إال هذا العدد وهو المائة ..بل معناه أن
مما تمتلك من النعاج مائة أعددتها للصدقة.
4
فإنه لن يفعل شيئًا ال يرضي اهلل سبحانه وتعالى ،ولن يسمع شيئًا ال يرضي اهلل سبحانه وتعالى ،ولن يعتقد شيئًا ال يرضي
اهلل عز وجل.
لماذا؟ ألنه يعلم ويوقن أنه سيُحاسب على كل ذلك.
كماال من وجه ونقص من وجه آخر ،لم تكن ثابتة هلل عز وجل ،وال ممتنعة عليه على
وهنا فائدة :إذا كانت الصفة ً
سبيل اإلطالق .بل ال بد من التفصيل.
كماال.
فتثبت هلل في الحال التي تكون ً
نقصا.
وتمتنع في الحال التي تكون ً
ومثال ذلك[ :المكر ،والكيد ،والخداع]
كماال إذا كانت في مقابلة مثلها.
فهذه الصفات تكون ً
فمثال اللص يمكر ويكيد ويخادع للشرطة .فهذه الصفات في حق اللص صفات نقص.
أما الشرطي الذي يمكر ويكيد ويخادع اللص ،فهذه الصفات في حقه صفات كمال ألنه يقابل ما يفعله اللص أو
المجرم بمثل فعله.
5
واهلل عز وجل له المثل األعلى.
َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ َّ ُ َ
اَّللْخي ُْرْال َماكِرِ َْ
ين﴾ اَّللْو ْ
قال تعالى﴿ :ومكرواْومك ْرْ ْ
يعني يمكر اهلل عز وجل بمن يمكر به.
فإذا قيل :هل يوصف اهلل عز وجل بالمكر؟
فال نقول نعم ،وال نقول ال..
لكن نقول :اهلل ماكر لمن يستحق المكر.
6
وباعتبار آحاد الكالم الذي تكلم به ربنا سبحانه وتعالى فهو صفة فعلية ،ألن الكالم متعلق بمشيئته ،يتكلم بما شاء
متى شاء سبحانه وتعالى.
مثاال على الصفات [الثبوتية والسلبية والذاتية والفعلية]
وأنا أضرب لك ً
مثال:فيه صفات ثبوتية يثبتها لنفسه ،وفيه صفات سلبية ينفيها عن نفسه.
محمد ً
فمن الصفات الثبوتية أنه يثبت لنفسه[ :الكرم والشجاعة واإلقدام والضحك والعلم والحكمة] إلى غير ذلك.
مثال[ :الظلم والتعب والغضب] إلى غير ذلك .هذه هي الصفات الذاتية والسلبية.
والسلبية ينفي عن نفسه ً
وهلل عز وجل المثل األعلى.
ضا له صفات ذاتية وله صفات فعلية..
ومحمد أي ً
فالذاتية هي التي ال تنفك عنه حيثما وجدته وجدت هذه الصفات:
دائما.
مثال أنه يسمع ً
[كالسمع] ً
دائما.
[والبصر] يرى ً
[والوجه والبطن والرأس واليدان والرجالن] إلى غير ذلك ..فهذه صفات ذاتية.
والفعلية إذا شاء فعلها[ :كالضحك والغضب والنوم والكالم واألكل والشرب والمشي والجري] إلى غير ذلك..
واهلل عز وجل له المثل األعلى.
7
قيل لهم :أنتم تثبتون هلل عز وجل اإلرادة ،وهذه الصفة يتصف بها المخلوق ..فما من مخلوق إال وعنده إرادة.
فيلزم من قولكم هذا :إما أن تنفوا هذه الصفات السبع التي أثبتموها ..وبذلك ترجعون إلى مقالة المعتزلة.
وإما أن تثبتوا جميع الصفات وبذلك ترجعون إلى مذهب أهل السنة والجماعة.
أما المعتزلة فأثبتت األسماء فقط.
لماذا؟ قالوا :ألننا إذا أثبتنا هلل عز وجل الصفات فإننا بذلك نجسمه ..واهلل عز وجل منزه عن الجسم.
فرد عليهم أهل السنة قائلين :ما من اسم إال وله جسم.
اسما بدون جسم ،الهواء اسم وله جسم.
فمثال القلم اسم وله جسم ،والكتاب اسم وله جسم ،فال يتصور ً
ً
حيزا من الفراغ.
جسم :يعني يشغل ً
لذلك :إما أن تثبتوا الصفات ،وبذلك ترجعون إلى مذهب أهل السنة والجماعة،
وإما أن تنكروا وتنفوا األسماء ،وبذلك ترجعون إلى مقالة الجهمية.
اسما وال صفة هلل عز وجل.
أما الجهمية فلم يثبتوا ً
المعتزلة قالوا :سميع بال سمع ،بصير بال بصر ،عليم بال علم.
أما الجهمية فقالوا :ال سميع وال ذو سمع ،وال عليم وال ذو علم ،وال حي وال ذو حياة ....إلى غير ذلك.
لماذا قالت الجهمية ذلك؟ قالوا ألننا إذا أثبتنا األسماء والصفات هلل عز وجل ،فقد شبهناه بالمخلوق.
فرد عليهم أهل السنة والجماعة قائلين:أنتم تثبتون هلل عز وجل ذاتًا وما من مخلوق إال وله ذات..
فإما أن تنكروا وتنفوا الذات وبذلك أنكرتم وجود اهلل سبحانه وتعالى.
وإما تثبتوا األسماء والصفات وبذلك ترجعون إلى مذهب أهل السنة والجماعة.
وأهل السنة والجماعة يردون على جميع المعطلة بأن اهلل أثبت لنفسه أسماء وصفات ونفى عن نفسه المثل.
َ َ َ
سْكمثل ِ ْهِْشىءْْ َو ُه َْوْ َّ
يعْال َب ِص ُْ
ير﴾. الس ِم ُْ فقال سبحانه﴿ :لي َ ْ ِ
فنحن نثبت هلل عز وجل ما أثبته لنفسه وننفي عنه [التشبيه والتمثيل]
المعطلة ،يرد على المعطلة بثالثة أشياء:
نرجع إلى القاعدة السابعة ،فيما يُرد به على ُ
-األول :أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-الثاني :أن قولهم خالف طريقة السلف.
فطريقة السلف تقوم على :اإلثبات ،والتنزيه ،وقطع الطمع عن إدراك كيفية الصفات.
وهم يثبتون هلل عز وجل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله ،lثم ينزهون اهلل سبحانه وتعالى عن كل نقص
وعيب ،وال يطمعون في إدراك كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى.
-الثالث :أن قولهم ليس عليه دليل صحيح ،فال دليل مع المعطلة إال العقل.
8
-ما الذي جعل المعطلة يعطلون صفات اهلل أو أسماء اهلل أو بعضها؟
العقل!!! ألنهم أعملوا عقولهم في نصوص األسماء والصفات.
((هذه هي أهم القواعد لألسماء والصفات))
ثم ننتقل إلى شرح عنوان الكتاب(( :لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد))
ما معنى هذا العنوان؟
أسودا وتكون فيه بقعة بيضاء .فهذه البقعة تسمى اللمعة.
مثال ً
معنى اللمعة :ما خالف بقية اللون .كأن يكون اللون ً
أو اللمعة بمعنى البلغة من العيش ،ما يتبلغ به اإلنسان.
لمعة االعتقاد :االعتقاد مصدر (اعتقد) وهو اليقين الجازم الذي يعتقده القلب .ويسمى(( :باإليمان))
الهادي :أي المرشد ،وال ّدال.
إلى سبيل الرشاد :سبيل الرشاد هو طريق الحق والصراط المستقيم الموصل إلى الجنة.
َ َ َ ُ َ ُ َّ َ َ َ َّ
الْالذِيْ َء َ
ام َْ َ
ْسبيل َّ
ْالرشا ْدِ﴾. نْياْقو ِْمْ ْاتبِع ِ
ونْ ِأَهدِكم ِ قال تعالىَ ﴿ :وق ْ
إذن المصنف 6وهو اإلمام ابن قدامة قصد بهذا الكتاب [لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد] أنه يحتوي على بلغة
من االعتقاد الصحيح ،أو أنه لمعة بيضاء ألنها عقيدة مستمدة من القرآن والسنة.
وال شك أن االعتقاد الصحيح يهدي صاحبه إلى سبيل الرشاد أي إلى الجنة في اآلخرة والحق والصواب في الدنيا.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى أهم الموضوعات التي اشتمل عليها الكتاب :تكلم اإلمام ابن قدامة 6في هذا الكتاب عن عدة من
ضا تكلم
الموضوعات العقدية المهمة ،ومنها جملة من أصول اإليمان :كاإليمان بالرسل ،واإليمان باليوم اآلخر ،والقضاء والقدر ،وأي ً
ضا عن موقف
ضا تكلم عن اعتقاد أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم ،وتكلم أي ً
عن الترغيب في السنة والتحذير من البدعة ،وأي ً
ضا عن موقف أهل السنة من المبتدعة.
أهل السنة من الصحابة Fوآل بيت النبي ،lوتكلم أي ً
والذي يتأمل كتب العلماء المتقدمين يجدها تناولت بعض الموضوعات العقدية ،ولم تتناول جميع الموضوعات ،وذلك ألن
قديما كانوا يتكلمون في األشياء التي حدث فيها خلل ومخالفة.
العلماء ً
أما األشياء التي لم يحدث فيها خلل وال مخالفة ما كانوا يتكلمون عنها ألن العقيدة في ذلك راسخة .لذلك تجد أنهم تكلموا
عن بعض الموضوعات دون بعض.
9
-السؤال األول :ما الواجب علينا نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء اهلل وصفاته؟
-السؤال الثاني :ما الدليل على أن أسماء اهلل غير محصورة بعدد معين؟
-السؤال الثالث :ما معنى أن أسماء اهلل توقيفية؟
األسئـ ــلة
-السؤال الرابع :صفات اهلل تنقسم قسمين ..وضح ذلك بإجمال.
-السؤال الخامس :من هم المعطلة؟ وبما نرد عليهم؟
-السؤال السادس :ما أهم الموضوعات التي اشتمل عليها كتاب لمعة االعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد؟
10
المحاضرة الثامنــة عشـرة
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
ً الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة الثامنة عشرة من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الثانية من محاضرات كتاب [االعتماد شرح لمعة
االعتقاد].
وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على ما جاء في مقدمة المصنف .6
قال المصنف الشيخ :أبو محمد موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي " :6بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل المحمود
بكل لسان ،المعبود في كل زمان الذي ال يخلو من علمه مكان ،وال يشغله شأن عن شأن ،جل عن األشباه واألنداد ،وتنزه عن
َ َ
الصاحبة واألوالد ،ونفذ حكمه في جميع العباد ،ال تمثله العقول بالتفكير ،وال تتوهمه القلوب بالتصوير﴿ ،ليسْك ِمثل ِ ْهِْشىءْ ِْْ
ْو َماْفِيْ
ات َ َ
يْالس َم َ ان ْعَلَىْال َعر ِش ْاستَ َوىْ(*)ْل َ ُه َ
َ َ ُ
يع ْال َب ِص ُْ َو ُه َْو ْ َ
الس ِم ُْ
او ِ ِ اْف ْم الرحم ْ ير﴾ ،له األسماء الحسنى والصفات العلى﴿ ،
َ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َُ َ ََ َ َ َ َ
)ْوِإنْتج َهرْبالقولْفإن ُه َْيعلمْالسر َْوأخفيْ﴾ ،أحاط بكل شيء علما ،وقهر كل مخلوق تْالث َرىْ(* الأر ِضْوماْبينهماْوماْتح
ً ََ َ َُ ََ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ
عزة وحكما ،ووسع كل شيء رحمة وعلماْ ﴿ ،يعل ُمْماْبينْأيدِي ِهم ْوماْخلفهمْولاْيحِيطونْبِهِْعِلما﴾ ،موصوف بما وصف به
نفسه في كتابه العظيم ،وعلى لسان نبيه الكريم ]l
افتتح المصنف عليه رحمة اهلل تعالى كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز ،وتأسيا بالنبي lفي مراسالته ومكاتباته .فقد كان
النبي lيبتدئ كتاباته إلى ملوك العالم بالبسملة.
ويُبدأ بالبسملة للتبرك واالستعانة على ما يُهتم به.
وقوله[ :الحمد هلل] أي أثبت هلل سبحانه وتعالى جميع أنواع الثناء .فاهلل عز وجل يستحق الحمد كله ،فيُحمد اهلل سبحانه
وتعالى :على تفرده بالربوبية ،وعلى تفرده باأللوهية ،وعلى خلقه وشرعه وأمره سبحانه وتعالى.
وقوله[ :المحمود بكل لسان] أي أن اهلل سبحانه وتعالى فطر الخلق جميعا على حمده.
والحمد يكون بلسان الحال وبلسان المقال.
أما لسان الحال فيكون بفعل ما يحبه اهلل ويرضاه.
وأما الحمد بلسان المقال فيكون[ :بالتسبيح ،والتكبير ،والتحميد] ونحو ذلك من األذكار...
َ َ َ َُ ُ َ َ َ ُ ح ْل َ ُْه ْ َ ُ
ح ْ ِبحم ِد ْه ِْ َول ِ
كن ْلاْ ض ْ َو َمن ْفِي ِه َْ
ن ِْ ْ َوِإن ْ ِمن ْشىءْ ْإِلا ْيسب ِ ْ السب ُْع ْ َوالأر ْ او ُْ
ات ْ َ الس َم َ � وقد قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :ت َسب ِ ُْ
11
ومعنى قوله[ :المعبود في كل زمان] يعني ال يخلو زمان من عبادة اهلل سبحانه وتعالى.
�وقد قال النبي " :lال تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق (أي منتصرين مظهرين للحق) ال يضرهم من خذلهم حتى
يأتي أمر اهلل وهم كذلك" (أي حتى تقوم الساعة).
والعبودية قسمان :عبودية عامة ،وعبودية خاصة.
أما العبودية العامة :فال يخرج عنها أحد.
ومعناها :التسخير .فكل مخلوق يعبد اهلل عز وجل عبودية عامة..
[فالبر ،والفاجر ،والرطب ،واليابس ،والعاقل] وغيرهم ،كلهم يعبد اهلل عز وجل عبودية عامة بمعنى التسخير ..يعني
مسخر ألمر اهلل سبحانه وتعالى الكوني.
َّ َ ُ
نْ َعب ًداْ([ ﴾)٩٣مريم].
الرح َم َٰ ِْ
ضْإلاْآتيْ َّ او ِْ َ
اتْوالأر ِ ْ ِ ِ
�وقد قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :إنْكلْْ َمنْفيْ َّ
الس َم َ
ِ ِ
أي كل من في السماوات واألرض سيأتي عبدا للرحمن عز وجل يوم القيامة.
وأما القسم الثاني من العبودية فهو :عبودية خاصة.
ويدخل فيها المؤمن فقط ،وهو الذي يعبد اهلل عز وجل بما شرع.
َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
نْاتبَ َعكْم َِنْالغاوِ َْ
ين﴾. كْعلي ِهمْْ ُسل َطانْْإِلاْ َم ِْ نْع َِبادِيْلي ْ
سْل ْ �قال ربنا سبحانه﴿ :إ ِ ْ
إذن العبودية العامة والخاصة تجتمعان في العبد المؤمن.
وأما العبودية الخاصة فال تكون إال في العبد الذي امتثل أوامر اهلل عز وجل واجتنب نواهيه.
ومعنى قوله[ :الذي ال يخلو من علمه مكان] أي ال يخلو مكان من علم اهلل سبحانه وتعالى .وذلك ألن اهلل يحيط
بكل شيء علما.
َ َّ َ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ َ َ
ب ْلا ْ َيعل ُم َها ْإِلا ْه َْو ِْ ْ َويَعل ُْم ْ َما ْفِي ْالبَ ِْر ْ َوال َبح ْرِ ِْ ْ َو َما ْتسق ُ ْ
ط ْمِن ْ َو َرقةْ ْإِلاْ ِند ْهُ ْ َمفات ُِْح ْالغي ِْ� قال سبحانه وتعالى﴿ :وع
َّ َ َ َ ُ ُ َ َ
ضْ َولاْ َرطبْْ َولاْيَابِسْْإِلاْفِيْكِتَابْْمبِينْ﴾. اتْالأر ِ ْ َيعل ُم َهاْ َولاْ َح َّبةْْفِيْظل َم ِْ
يعني كل شيء يعلمه اهلل سبحانه وتعالى.
وهذا يجعلك تمتثل أوامر اهلل سبحانه وتعالى ،وتجتنب نواهيه ،ألنك تعلم أن اهلل عز وجل يعلم كل شيء سبحانه
وتعالى ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى.
ومعنى قوله[ :وال يشغله شأن عن شأن] أي أن اهلل سبحانه وتعالى ال يشغله حال عن حال .فهذا يتكلم بالعربية ،وهذا
كل يفهمه اهلل سبحانه وتعالى .ال يشغله هذا عن هذا
يتكلم باإلنجليزية ،وهذا يتكلم بالفرنسية ،وهذا يتكلم بالروسية .و ٌ
وال هذا عن هذا ،وهذا لكمال صفاته سبحانه وتعالى.
12
ومعنى قوله[ :جل عن األشباه واألنداد] أي تقدس وتنزه سبحانه وتعالى عن األشباه واألنداد .فاهلل عز وجل ال يشبهه
َ َ َ َ ُ َُ ُ ُ َ
شيء ،وذلك لقوله تعالى﴿ :ولمْْيكنْل ْهْكف ًواْأحدْ﴾
يعْال َب ِص ُْ
ير﴾ سْ َك ِمثل ِ ْهِْ َشىءْ ِْْ َو ُه َْوْ َ
الس ِم ُْ
َ
وقوله تعالى﴿ :لي َ ْ
يعني ربنا سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في أسمائه وصفاته وذاته .وهو السميع الذي يسمع كل صوت ،البصير
الذي يرى كل شيء سبحانه وتعالى.
ومعنى قوله[ :وتنزه عن الصاحبة واألوالد] أي ربنا سبحانه وتعالى ليس له صاحبة (أي زوجة) وليس له ولد .وذلك ألن
الصاحبة (وهي الزوجة) صفة نقص ..واهلل عز وجل منزه عن النقص .فالرجل يتزوج ألنه يحتاج إلى الزوجة لكي تقضي
وطره ،ولكي تنجب له األوالد .والرجل يحتاج إلى األوالد لكي يساعدوه ،ولكي يرثوه ،ولكي يفتخر بهم إلى آخر
ذلك ...واهلل عز وجل منزه عن ذلك كله.
َ ً َ ََ َ
ْربنَ َ
اْماْاتخذ َ َ ُ َ َ ُ َ ََ َ َ
اْول ًدا﴾. ْصاحِبَة َ
ْول َ
قال ربنا﴿ :وأن ْهْتعال َْٰيْجد ِ
والجد هو :العظمة.
وقول المصنف [ :6ونفذ حكمه في جميع العباد] أي حكم اهلل عز وجل الكوني :ال يستطيع أحد أن يرده وال أن
يعطله وذلك لكمال اهلل سبحانه وتعالى.
والحكم قسمان :حكم خاص ،وحكم عام.
-أما الحكم الخاص فهو :حكم شرعي خاص بعباد اهلل المؤمنين.
-أما الحكم العام فهو :حكم كوني ويشمل جميع العباد ال يستطيع احد أن يرده.
أما الحكم العام :فهو حكم يشمل جميع الخلق وال يستطيع أحد أن يرده.
وقوله[ :ال تمثله العقول بالتفكير] أي ال يمكن أن تمثل العقول الرب سبحانه وتعالى بالتفكير .فال يستطيع
أحد أن يصل إلى حقيقة صفات اهلل سبحانه وتعالى بالتفكير.
يعْال َب ِص ُْ
ير﴾ سْ َك ِمثل ِ ْهِْ َشىءْ ِْْ َو ُه َْوْ َ
الس ِم ُْ
َ
وذلك لقوله تعالى﴿ :لي َ ْ �
وال يجوز ألحد أن يتفكر في كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى..
وذلك ألن اهلل سبحانه وتعالى لم يخبرنا عن كيفية صفاته ،وال يمكن ألحد أن يصل إلى ذلك ..ألن هذا من العلم
الذي أخفاه اهلل عز وجل عنا.
13
وقوله[ :وال تتوهمه القلوب بالتصوير] أي ال يستطيع أحد أن يعرف حقيقة شيء من صفات اهلل سبحانه وتعالى .وذلك
ألن الرب سبحانه وتعالى لم يره أحد ،ولم َير أحد مثيله ،ولم يخبرنا أحد عن كيفية صفاته سبحانه وتعالى .فكيف
يستطيع أحد أن يذكر كيفية صفاته سبحانه وتعالى؟
َ َ
ك ِمثلِهِْشىءْْ َو ُه َو َ َ
يعْال َب ِص ُْ
ير﴾. ْالس ِم ُ ثم ذكر المصنف 6قوله تعالى﴿ :لي َ ْ
سْ ْ
هذه اآلية تعد قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة في األسماء والصفات.
َ َ َ
فقوله﴿ :لي َ ْ
سْك ِمثل ِ ْهِْشىءْ﴾ رد على الذين شبهوا اهلل عز وجل بخلقه أو شبهوا الخلق باهلل سبحانه وتعالى.
ص ُْ
ير﴾ رد على المعطلة الذين نفوا أسماء اهلل عز وجل وصفاته. وقولهَ ﴿ :و ُه َْوْ َ
الس ِم ُْ
يعْال َْب ِ
والكاف في قوله[ :كمثله] جاءت للتأكيد.
العلى] أي أسماء اهلل سبحانه وتعالى كلها حسنى بلغت في الحسن غايته.
وقول المصنف[ :له األسماء الحسنى والصفات ُ
َ ُ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ
اءْالحسنىْفادعوهْبِها﴾ وكذلك صفاته سبحانه وتعالى صفات عالية كاملة من كل وجه. َّلل ِْالأسم ْ
�ال تعالى﴿ :و ِ ْ
استواء حقيقيا يليق به بحانه استوى وجل عز واهلل تفع.روا عال أي ﴾ ْ
ىش ْاستَ َو َٰ
ْ ِ ر ع ن ْعَلَى ْال َ
الرح َم َٰ ُْ
ثم ذكر 6قوله تعالىَ ﴿ :
ً
وتعالى ال يعرف أحد كيفيته.
ََ َ َُ َ ََ َ َ َ َ وقوله﴿ :ل َ ُْه ْ َما ْفي ْ َ
ت ْالث َر َْٰ
ى﴾ أي كل ما في السماوات واألرض ملك هلل سبحانه ْو َماْفِيْالأر ِض ْوماْبينهماْوماْتح
ات َ الس َم َ
او ِ ِ
وتعالى ،وكذلك ما بين السماوات واألرض وما تحت التراب ،كل هذا ملك هلل سبحانه وتعالى .وذلك لبيان كمال صفاته
سبحانه وتعالى.
وقوله[ :وقهر كل مخلوق عزة وحكما] أي أن اهلل سبحانه وتعالى قهر الجميع عزة وحكما .وذلك ألنه هو العزيز الذي ال
يستطيع أحد أن يغلبه .وهو الحكيم سبحانه الذي يضع األشياء في مواضعها الالئقة بها.
�وقد قال النبي lالبن عباس" :يا غالم إني أعلمك كلمات :احفظ اهلل يحفظك".
14
أي امتثل أوامر اهلل عز وجل واجتنب نواهيه يحفظك اهلل عز وجل من كل شيء.
"احفظ اهلل تجده تجاهك"
أي امتثل أوامر اهلل سبحانه وتعالى واجتنب نواهيه تجد اهلل عز وجل معينا لك ناصرا لك مؤيدا لك.
"إذا سألت فاسأل اهلل".
أي إذا أردت حاجة فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى ..ألن اهلل سبحانه وتعالى بيده مقاليد كل شيء ..فإذا أراد اهلل سبحانه
وتعالى أن يرزقك ما استطاع أحد أن يمنع رزق اهلل عنك .وإذا منع اهلل عز وجل عنك الرزق ما استطاع أحد أن يرزقك إياه.
"وإذا استعنت فاستعن باهلل"
أي إذا طلبت اإلعانة فاطلبها من اهلل سبحانه وتعالى.
"واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك".
يعني لو اجتمع العالم كله على أن ينفعوا إنسانا بشيء لم يستطيعوا ذلك إال إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى وقدر ذلك.
وهذا يجعلك ال تطلب النفع ،ال تطلب الخير ،ال تطلب اإلعانة ،ال تطلب الرزق إال من اهلل سبحانه وتعالى.
"ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك" لو اجتمع العالم كله على أن يقتلوك أو على أن
يحدثوا بك ضرا أو مصيبة ما استطاعوا ذلك إال إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك ..فال تخف إال من اهلل سبحانه وتعالى.
لذلك الصحابة لما فهموا ذلك ما خافوا أحدا إال اهلل سبحانه وتعالى..
كانوا يدخلون بين صفوف األعداء ويقاتلون قتاال شديدا وما كانوا يهابون أحدا وال يخافون أحدا إال اهلل سبحانه وتعالى ألنهم
يعلمون أن الضر بيد اهلل سبحانه وتعالى.
" ُرفعت األقالم وجفت الصحف".
هذا فيه أن المقادير قد ُكتبت وفُرغ منها.
ً ََ َ َُ ََ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ
وقوله" :ووسع كل شيء رحمة وعلما"﴿ ،يعل ُْمْماْبي ْ
نْأيدِي ِهمْْوماْخلفهمْولاْيحِيطونْبِهِْعِلما﴾ أي وسعت رحمة اهلل سبحانه
وتعالى وعلمه كل شيء ،الذي يعلم ما بين أيدينا (أي المستقبل) .وما خلفنا (أي الماضي)َ .وَال يُ ِحيطُو َن بِ ِه ِعل ًْما (أي ال
يستطيع أحد أن يحيط باهلل عز وجل علما).
وقوله[ :موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم ]lأي أن اهلل سبحانه وتعالى له صفات،
هذه الصفات ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وذكرها نبينا lفي السنة النبوية.
فأهل السنة والجماعة يثبتون هلل عز وجل ما ثبت من أوصاف اهلل عز وجل في القرآن والسنة النبوية الصحيحة.
ثم قال المصنف [ :6وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى jمن صفات الرحمن وجب اإليمان به وتلقيه
بالتسليم والقبول وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل ..وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه
15
ونرد علمه إلى قائله ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى اهلل عليهم في كتابه المبين بقوله
ُ ُ ُ َ ُ َ
ونْآ َمنَاْب ِ ْهِْكلْْ ِمنْْعِن ِْدْ َرب ِنَا﴾.
ونْفِيْالعِل ِْمْ َيقول ْ سبحانه وتعالىَ ﴿ :و َ
الراسِخ ْ
َ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ ُُ ََ َ
اء ْتأوِيل ِ ْهِ ِْْ ون ْ َما ْتشاب َ َْه ْمِن ُْه ْابتِغ َْ
اء ْالفِتن ْةِ ْوابتِغ ْ ِين ْفِي ْقلوب ِ ِهمْ ْ َزيغْ ْفيَتب ِ ُع ْ
وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله﴿ :فأ َما ْالذ َْ
َ َ َ َ َ
اَّلل﴾ ،فجعل ابتغاء التأويل عالمة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ثم حجبهم عما أملوه وقطع َو َما ْ َيعل ُْم ْتأوِيل ُْه ْإِلا ْ ْ
َ َ َ َ َ
أطماعهم عما قصدوه بقوله سبحانهَ ﴿ :و َماْ َيعل ُْمْتأوِيل ُْهْإِلاْ ْ
اَّلل﴾].
وقوله [ :6وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى jمن صفات الرحمن وجب اإليمان به ،وتلقيه بالتسليم
والقبول ،وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل] هذا تفصيل لما أجمله المصنف 6في بيان منهج أهل السنة
والجماعة في إثبات أسماء اهلل وصفاته.
فأسماء اهلل عز وجل وصفاته تثبت عن طريقين:
-الطريق األول :ما جاء في القرآن الكريم.
-الطريق الثاني :ما صح عن المصطفى .l
ويجب علينا أن نؤمن بذلك كله وأن نسلم له وأن نقبله ،كما يجب علينا أال نتعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل.
فأهل السنة ال يردون ما ورد من أسماء اهلل وصفاته ،بل يقبلونه ويسلمون له ..كذلك ال يتعرضون له بالتأويل.
والتأويل :هو صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إلى االحتمال المرجوح لدليل يقترن به.
يعني كلمة (األسد) لها معنيان:
-المعنى األول :األسد الحقيقي.
-والمعنى الثاني :الرجل الشجاع.
فإذا قلنا األسد هو األسد الحقيقي فهذا يسمى بالحقيقة.
وإذا قلنا معناها الرجل الشجاع فهذا يسمى تأويال.
إذن التأويل :صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إلى االحتمال المرجوح.
المرجوح في كلمة األسد هو :الرجل الشجاع لدليل يقترن به..
إن كان الدليل صحيحا فالتأويل صحيح .وإن كان الدليل فاسدا فالتأويل يكون فاسدا.
والمراد بالتأويل في كالم المصنف 6التأويل الفاسد الذي ليس عليه دليل..
فالم َؤ ِولة حينما أولوا صفات اهلل سبحانه وتعالى لم يكن معهم دليل صحيح وإنما أولوا ذلك بأدلة فاسدة من عقولهم القاصرة.
ُ
فمثال :أولوا قوله[ :استوى] باستولى.
وأولوا [اليدين] بالقدرة.
وأولوا [قدم الرب سبحانه وتعالى] بالشدة.
16
وهذا تأويل باطل ال حقيقة له.
والتأويل الصحيح له معنيان معروفان عند السلف:
المعنى األول :التفسير .ومنه تأويل قوله تعالى أي تفسير قوله تعالى.
ومنه دعاء النبي lالبن عباس" :اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" .أي التفسير.
المعنى الثاني المعروف عند السلف :الحقيقة التي يؤول إليها الكالم.
ومنه تأويل الرؤيا إذا وقعت .يعني إذا رأى أحد رؤيا في منامه وحدثت هذه الرؤيا فهذا يسمى :تأويال.
ً َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ
لْقدْْ َج َعل َهاْ َرب ِيْ َحقا﴾. يلْ ُرؤي َ َْ
ايْمِنْقب ْ ومنه قوله تعالى عن يوسف ﴿ :jيَاْأب َ ِْ
تْهَٰذاْتأوِ ْ
وقوله[ :والتشبيه والتمثيل] أي ال نتعرض أيضا ألسماء اهلل عز وجل وصفاته الثابتة بالتشبيه والتمثيل .ال نمثلها وال نشبهها..
ال نقول يد اهلل مثل يد المخلوق ..أو يد المخلوق مثل يد اهلل ...أو قدرة اهلل مثل قدرة المخلوق ..أو وجه اهلل مثل وجه
المخلوق ..إلى آخر ذلك..
هذا كله ال يجوز.
وقوله[ :وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه] أي ما أشكل علينا من أسماء اهلل سبحانه وتعالى وصفاته
وجب علينا أن نثبته ،وال يجوز لنا أن نفوض معناه .يعني ال نقول :ال ندري المعنى..
بل المعنى معلوم والكيف مجهول.
والتفويض نوعان:
تفويض المعنى.
وتفويض الكيفية.
أما تفويض المعنى :فهو القول بأن المعنى ال يعلمه أحد وهذا ينسب إلى المفوضة.
أما تفويض الكيفية فهو :القول بأن الكيفية ال يعلمها أحد وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .فال يعلم أحد كيفية صفات اهلل
وهذا يسمى بتفويض الكيفية كما ذكرت لكم .أما المعنى فمعلوم.
وقوله[ :ونرد علمه إلى قائله ونجعل عهدته على ناقله اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى اهلل عليهم في كتابه المبين
ُ ُ ُ َ ُ َ
ون ْ َء َامنَا ْب ِ ْهِ ْكلْ ْ ِمنْ ْعِن ِْد ْ َرب ِنَا﴾] أي أثنى اهلل عز وجل على الراسخين في
ون ْفِي ْالعِل ِْم ْ َيقول ْ بقوله سبحانه وتعالىَ ﴿ :و َ
الراسِخ ْ
العلم ،ألنهم آمنوا بالمتشابه ،وقالوا﴿ :كلْمنْعندْربنا﴾ ،ولم يتعرضوا له بالرد والتأويل.
ون ْ َما ْت َ َشاب َ َْه ْمِن ُْه ْابْت ِ َغ َ
َ َ َ ُُ ََ َ
اءْ ِين ْفِي ْقلوب ِ ِهمْ ْ َزيغْ ْفيَتب ِ ُع ْ
قال :وقال سبحانه وتعالى في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله﴿�:فأ َما ْالذ َْ
َ َ َ َ ُ َ َُ َ َ َ َ َ َ َ
اْاَّلل﴾
ْ اءْتأوِيلِهِْوماْيعلمْتأوِيلهْإِلالفِتنةِْوابتِغ
أي هؤالء الذين في قلوبهم زيغ ومرض يتبعون ما تشابه من آيات الصفات يريدون بذلك إثارة الفتنة بين الناس.
والمتشابه :هو ما كانت داللته على المعنى غير واضحة.
17
فأهل السنة والجماعة يردون المتشابه إلى المحكم .وبهذا يُفهم المعنى.
والمحكم :ما كانت داللته على المعنى واضحة.
وقوله [ :6فجعل ابتغاء التأويل عالمة على الزيغ وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم ،ثم حجبهم عما أملوه ،وقطع أطماعهم عما
َ َ َ
َ َ
اْاَّلل﴾] يعني جعل اهلل عز وجل ابتغاء التأويل عالمة على الزيغ والهالك وجعله قرين
ْ قصدوه بقوله سبحانهَ ﴿ :و َماْ َيع ْل ُمْتأوِيل ُهْإِل
الفتنة.
وقد حجب اهلل عز وجل ذلك عن هؤالء فال يعلم حقيقته إال اهلل سبحانه وتعالى ،وقطع أطماع هؤالء عما قصدوه .وذلك بقوله
َ َ َ َ َ
اْاَّلل﴾ .يعني ال يعلم حقيقة هذه الصفات إال اهلل سبحانه وتعالى.
ْ تعالىَ ﴿ :و َماْ َيعل ُْمْتأوِ ْيل ُهْإِل
أسئلة الدرس:
-السؤال األول :ما معنى قول المصنف رحمه اهلل[ :الحمد هلل المحمود بكل لسان ،المعبود في كل
جل عن األشباه واألنداد وتنزه عن
زمان ،الذي ال يخلو من علمه مكان ،وال يشغله شأن عن شأنّ ،
الصاحبة واألوالد]؟
األسئـ ــلة
-السؤال الثاني :العبودية قسمان ..وضح ذلك.
-السؤال الثالث :اذكر بإجمال منهج أهل السنة والجماعة في إثبات أسماء اهلل وصفاته.
18
المحاضرة التاسع ــة عشـرة
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
ً الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة التاسعة عشرة من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الثالثة من محاضرات كتاب [االعتماد شرح لمعة
االعتقاد].
وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على :بعض كالم أئمة السلف في الصفات ،وبعض اآلثار في الترغيب في السنة
والتحذير من البدعة.
البصير﴾
ونقول كما قال ،ونصفه بما وصف به نفسه وال نتعدى هذا.
وال يبلغه وصف الواصفين .نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه.
وال نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة ُشنعة .وال نتعدى القرآن والحديث.
وال نعلم كيف ُكنه ذلك إال بتصديق الرسول lوتثبيت القرآن.
قوله " :6قال اإلمام أحمد بن حنبل :"Eقوله :E :يجوز إطالقها على غير الصحابة إن كانت على سبيل الدعاء.
قد قال اإلمام النووي 6في كتاب (المجموع)[ :يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء
والعباد وسائر األخيار].
19
وال حرج في ذلك كما قال ابن قدامة .6
وقوله[ :قال اإلمام أبو عبد اهلل أحمد بن حنبل Eفي قول النبي " :lإن اهلل ينزل إلى السماء الدنيا" و "إن اهلل يُرى في
القيامة" وما أشبه هذه األحاديث نؤمن بها.
نزوال حقيقيًا في الثلث األخير من الليل ،ال نعلم كيفية
جازما .نقر بأن اهلل سبحانه وتعالى -ينزل ً
أي؛ نصدق بها ونقر بها إقر ًارا ً
نقر ونصدق بذلك.
النزول ،ولكن ّ
نقر ونصدق بأن اهلل سبحانه وتعالى يُرى في القيامة ..ما الكيفية؟
وكذلك ّ
ال نعرف ..ألن اهلل سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالكيفية ،وكذلك رسوله .l
وقوله[ :ونصدق بها بال كيف] أي؛ ال نبحث عن كيفيتها .فالكيفية ال يعلمها إال اهلل سبحانه وتعالى.
وقوله[ :وال معنى] أي؛ ال نثبت لها معنى يخالف ظاهرها.
وقوله[ :وال نرد شيئًا منها] أي؛ ال نك ّذب وال ننكر شيئًا منها.
وقوله[ :ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ،وال نرد على رسول اهلل ]lأي؛ يجب علينا أن نؤمن بكل ما جاء به نبينا - l
وال نرد وال نكذب بشيء منه.
وقوله[ :وال نصف اهلل بأكثر مما وصف به نفسه] أي؛ ال نصف اهلل بصفة لم ترد في كتاب اهلل أو سنة نبيه .l -فيجب
علينا أن نقف على ما جاء في كتاب اهلل وسنة نبيه ..l -فال نزيد على ذلك.
وقوله[ :بال حد وال غاية] أي :نثبت صفات اهلل سبحانه تعالى على ما يليق بجالله وعظمته بال حد وال غاية .يعني ليس
لصفات اهلل سبحانه وتعالى غاية بخالف المخلوق..
فكل صفة من صفات المخلوق لها حد وغاية .فبصره لحد حد وغاية .وسمعه كذلك ،وعقله كذلك ،وقوته ..إلى غير ذلك.
أما اهلل سبحانه وتعالى فصفاته ال حد لها وال غاية.
َ َ
سْكمثل ِ ْهِْشىءْْ َو ُه َْوْ َّ َ
ص ُْ
ير﴾ هذه اآلية كما تقدم قاعدة عامة عند أهل السنة والجماعة.. الس ِم ُْ
يعْال َب ِ وقوله﴿ :لي َ ْ ِ
يرد بها على المشبهة الذين شبهوا اهلل عز وجل بخلقه أو شبهوا الخلق باهلل سبحانه وتعالى.
ويرد بها كذلك على المعطلة الذين عطلوا صفات اهلل سبحانه وتعالى أو بعضها.
﴿ليسْكمثلهْشىء﴾ رٌد على الممثلة والمشبهة.
﴿وهوْالسميعْالبصير﴾ رد على المعطلة.
ونقر بما قاله اهلل سبحانه وتعالى في كتابه،
وقوله[ :ونقول كما قال ،ونصفه بما وصف به نفسه ال نتعدى ذلك] أي؛ نقول ّ
ونصفه بما وصف به نفسه سبحانه وتعالى وال نزيد شيئًا على ذلك.
وقوله[ :وال يبلغه وصف الواصفين] أي؛ مهما وصف الواصفون ربنا-سبحانه وتعالى ،لم وا كيفية صفاته سبحانه وتعالى ألنه:
لم ير أحد ربه سبحان وتعالى ،ولم ير أحد مثيله سبحانه وتعالى.
20
ولم يخبرنا أحد عن صفاته -سبحانه وتعالى .فكيف ندرك كيفية صفاته ،سبحانه؟
وقوله[ :نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه] يعني ال نفرق في اإليمان بين المحكم والمتشابه ..فنؤمن بجميع آيات القرآن
الكريم ولكن نرد المتشابه إلى المحكم.
والمتشابه :ما كانت داللته على المعنى غير واضحة.
أما المحكم :فهو ما كانت داللته على المعنى واضحة.
نقصا هلل
وقوله[ :وال نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة ُشنعت] أي؛ إذا شنع المخالفون وقالوا إن إثبات هذه الصفة يستلزم ً
تمثيال إلى غير ذلك ..فال يجعلنا ذلك ننفي هذه الصفة.
تجسيما أو ً
ً تشبيها أو
سبحانه وتعالى أو يقتضي ً
لماذا؟
ألن اهلل سبحانه أثبت ذلك لنفسه .فنثبت هلل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله .lوال نلتفت إلى قول المشنعين
والمخالفين..
ألن اهلل سبحانه وتعالى أعلم بنفسه ،ورسول اهلل lأعلم باهلل منا..
واهلل عز وجل أثبت لنفسه صفات ،وكذلك أثبت له رسوله lصفات.
فلماذا نحن ننفي هذا؟
فلو كانت هذه الصفات ال تليق باهلل سبحانه وتعالى..
لما أثبتها سبحانه وتعالى لنفسه ،ولما أثبتها له رسوله .l
وقوله[ :وال نتعدى القرآن والحديث] أي؛ ال نثبت شيئًا من األسماء والصفات لم يرد في القرآن والسنة النبوية الصحيح.
وقوله[ :وال نعلم كيف كنهها ذلك إال بتصديق الرسول lوتثبيت القرآن] أي؛ ال نعلم كيفية وحقيقة صفات اهلل سبحانه
وتعالى إال عن طريق تصديق رسول اهلل ،lأي السنة النبوية الصحيحة ،وتصديق القرآن الكريم.
فال نثبت شيئًا إال ما ورد في هذين األصلين[[ :القرآن ،والسنة النبوية الصحيحة]].
ثم قال المصنف :6قال اإلمام أبو عبد اهلل محمد بن إدريس الشافعي [ :Eآمنت باهلل وبما جاء عن اهلل على مراد
اهلل ،وآمنت برسول اهلل وبما جاء عن رسول اهلل على مراد رسول اهلل ]l
يعني أنا :أؤمن باهلل سبحانه وتعالى ،وأؤمن برسول اهلل ،lوأؤمن بما جاء عن اهلل سبحانه تعالى في القرآن الكريم ،وبما جاء
عن النبي lفي سنته الصحيحة على مراد اهلل وعلى مراد رسوله ،lال أشبه وال أمثل وال أعطل وال أكيف ..إنما أثبت هلل
عز جل ما أثبته لنفسه على مراده سبحانه وتعالى ،وكذلك أثبت هلل سبحانه وتعالى ما أثبته له رسوله lعلى مراد رسول اهلل
.l
21
ثم ختم المصنف 6الفصل بقوله[ :وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف Fكلهم متفقون على :اإلقرار ،واإلمرار،
واإلثبات لما ورد من الصفات في كتاب اهلل سبحانه وتعالى وعلى سنة رسوله lمن غير تعرض لتأويله].
يعني على هذه العقيدة التي ذكرها عن اإلمامين اإلمام :أحمد ،6واإلمام الشافعي ،6سار السلف الصالح ومن جاء
بعدهم من األئمة.
والسلف له معنيان :معنى لغوي ومعنى اصطالحي..
-أما المعنى اللغوي فالسلف :هم من سبقوا.
االصطالحي فالسلف :هم من ساروا على نهج الرسول lوأصحابه Fإلى عصرنا هذا .والمصنف
ّ -وأما المعنى
االصطالحي.
ّ 6يريد بالسلف المعنى اللغوي والمعنى
اصطالحي.
ّ ضا معنيان :معنى لغوي ومعنى
أما الخلف فله أي ً
-أما المعنى اللغوي :فهم من لحقوا ،يعني أتوا بعد السلف.
حرفوا وغيروا وب ّدلوا.
-وأما المعنى االصطالحي :فهم من ّ
والمراد من كالم المصنف 6هو المعنى اللغوي وليس المعنى االصطالحي.
تعر ٍ
ض وقوله[ :كلهم متفقون على اإلقرار واإلمرار واإلثبات لما ورد من الصفات في كتاب اهلل وفي سنة رسوله lمن غير ّ
لتأويل] أي؛ كل السلف وأئمة الخلف متفقون على اإلقرار واإلثبات واإلمرار لنصوص الصفات الواردة في كتاب اهلل وسنة
التعرض لتأويلها.
النبي lمن غير ُّ
ومن هذا نأخذ منهج السلف في إثبات األسماء والصفات.
فصال في الترغيب في السنة والتحذير من البدعة فقال[ :وقد أُمرنا باالقتفاء آلثارهم ،واالهتداء
ثم ذكر المصنف ً 6
وحذرنا المحدثات ،وأُخبرنا أنها من الضالالت]
بمنارهمُ ،
فقال النبي " : lعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ،عضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات
األمور ،فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة" .أي؛ أمرنا اهلل سبحانه وتعالى ورسوله lبأن نقتدي بالسلف
22
الصالح ،وأن نهتدي بما بينوه ووضحوه لنا ،وح ّذرنا اهلل سبحانه وتعالى ورسوله lمحدثات األمور ،وأخبرنا النبي
lأن هذه المحدثات من الضالالت.
فقال " :lعليكم بسنتي" أي؛ الزموا سنتي.
"وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" أي؛ تمسكوا بسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ،وهم[ :أبو
بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي] .F
"عضوا عليها بالنواجذ" هذا كناية عن شدة التمسك بسنته lوسنة الخلفاء الراشدين.
"وإياكم ومحدثات األمور ،فإن كل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة" أي؛ اجتنبوا البدع في الدين.
لماذا؟ ألن البدعة من الضالالت.
والبدعة هي :كل أمر محدث في الدين فيه مشابهة لما ورد في الشريعة .فال يجوز ألحد أن يبتدع شيئًا في دين اهلل
سبحانه وتعالى.
ثم قال المصنف " :6وقال عبد اهلل بن مسعود [ :Eاتبعوا وال تبتدعوا فقد ُكفيتم] أي؛ التزموا ما ورد عن النبي l
من غير زيادة وال نقصان ،وال تحدثوا بدعة في دين اهلل سبحانه وتعالى..
فقد كفاكم السابقون أمر الدين ،حيث أكمل اهلل عز وجل الدين لنبيه .l
لماذا؟ قال[ :فإنهم عن علم وقفوا] أي؛ أنهم لم يتكلموا فيها ألجل أنهم يعلمون أنه ال يجوز التكلم في مثل هذه األشياء
وليس عن جهل لم يخوضوا فيه.
وقوله[ :وببصر نافد كفوا] أي؛ ليس عن عجز كفوا بل على بصيرة.
وقوله[ :ولهم على كشفها كانوا أقوى] أي؛ لو أراد السلف الصالح أن يخوضوا في تلك المسائل بعقولهم ألمكنهم ذلك..
ولكنهم لم يتكلموا فيها ألجل أنهم يعلمون أنه ال يجوز الخوض في هذه المسائل بعقولهم.
23
وقوله[ :وبالفضل لو كان فيها أحرى] أي؛ كانوا أسبق إلى الفضل من غيرهم في جميع األمور ،فلو كان في الخوض فيها فضل
لتكلموا ..ولكن ألجل أنه ال فضل في ذلك لم يتكلموا.
وقد أثبت لهم النبي ،lالخيرية على القرون كلها.
قال " :lخير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
وقوله[ :فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إال من خالف هديهم] أي؛ لو قيل حدثت هذه األمور بعد الصحابة ..قيل لهم :ما
حدث هذا إال ألجل مخالفة هدي هؤالء ..لو التزموا بهديهم ما حدثت المخالفة.
وقوله[ :ورغب عن سنتهم] أي؛ كل ما ابتدعه المتأخرون حدث ألجل الرغبة عن سنة وطريقة السلف الصالح.
وقوله[ :ولقد وصفوا منه ما يشفي ،وتكلموا منه بما يكفي] أي؛ وصف لنا السلف الصالح ما يشفي القلوب وتكلموا منه بما
يكفي فال حاجة لنا بالنظر في كالم المتكلمين ..فمن اقتصر على هدي السلف الصالح انشرح صدره و ُشفي قلبه.
وقوله[ :فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر] أي؛ من زاد عليهم فهو منقطع ولن يصل ،ومن سار على غير نهجهم فهو مقصر
لم يقبل.
قصر عن اتباع منهج السلف الصالح فهو مقصر ،ومن
قصر عليهم قوم فجفوا ،وتجاوزهم آخرون فغلوا] أي؛ من ّ
وقوله[ :ولقد ّ
زاد عليهم فقد تجاوز الحد المسموح له.
وقوله[ :وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم] أي؛ سلك السلف الصالح طري ًقا وسطًا بين الجفاة والغالة.
الجفاة :هم المقصرون.
والغالة :هم الذين تجاوزوا الحد الذي ُحد لهم ،فلم يلتزموا به.
ثم قال المصنف 6وقال اإلمام أبو عمر األوزاعي [ :6 -عليك بآثار من سلف ،وإن رفضك الناس ،وإياك وآراء
الرجال وإن زخرفوه لك بالقول] يعني :الزم آثار السلف الصالح وإن تركك الناس ورفضوا منهجك.
واحذر آراء الرجال التي تخالف نهج السلف الصالح..
وإن زخرفوا لك هذه اآلراء بالعبارات المنمقة وغيرها.
فالزم السنة ودع البدعة وإن هجرك الناس.
ثم ذكر المصنف ،6مناظرة حدثت للعالم للجليل( :محمد بن عبد الرحمن األزرمي) .6
مع شيخ المعتزلة في وقته وهو( :أحمد بن أبي دؤاد)
قال :6وقال محمد بن عبد الرحمن األزرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها" :هل علمها رسول اهلل lوأبو بكر
وعمر وعثمان وعلى أو لم يعلموها؟
قال :لم يعلموها.
24
قال :فشيء لم يعلمه هؤالء .أعلمته أنت؟
قال الرجل :فإني أقول قد علموها،
قال :أفوسعهم أال يتكلموا به وال يدعوا الناس إليه أو لم يسعهم؟
قال الرجل :بل وسعهم.
قال :فشيء وسع رسول اهلل lوخلفاؤه .ال يسعك أنت؟
فانقطع الرجل.
حاضرا :ال وسع اهلل على من لم يسعه ما وسعهم.
ً فقال الخليفة -وكان
في هذه المحاضرة سأل األزرمي 6شيخ المعتزلة( :أحمد بن أبي دؤاد) وكان قد تكلم ببدعة القول بخلق القرآن..
قال له :هل علم رسول اهلل lوأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ أي؛ هل علم هذه البدعة النبي lوالخلفاء
الراشدون أو لم يعلموها؟
قال :لم يعلموها( .وهذا يتضمن انتقاص النبي lوخلفائه ..فإنه يتهمهم بالجهل).
فقال األزرمي لهذا الرجل :فشيء لم يعلمه هؤالء .أعلمته أنت؟ (يعني :كيف تعلم ما لم يعلمه رسول اهلل lوالخلفاء
الراشدون؟ هل يمكن ذلك؟)
هنا تراجع الرجل وعلم بخطئه..
فقال :فإني أقول قد علموها.
فقال له األزرمي :أفوسعهم أن ال يتكلموا به وال يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ (أي؛ إذا كانوا قد علموها ..فهل أمكنهم أن ال
يتكلموا بذلك وال يدعوا الناس إليه أم لم يمكنهم؟)
فأجاب ابن أبي دؤاد :بل وسعهم( .أي؛ أمكنهم السكوت وعدم الكالم).
فقال األزرمي هنا :فشيء وسع رسول اهلل lوخلفاؤه ..ال يسعك أنت؟
فانقطع الرجل وامتنع عن الجواب ..ألن الباب قد انسد أمامه.
حاضرا :ال وسع اهلل على من لم يسعه ما وسعهم( .أي؛ دعا بالضيق على من لم يسعه ما وسع النبي l
ً فقال الخليفة وكان
وخلفاؤه .)F
ثم علق المصنف 6على هذه المناظرة فقال[ :وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول اهلل lوأصحابه والتابعين لهم بإحسان
وسع اهلل عليه]
واألئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تالوة آيات الصفات وقراءة أخبارها وإمرارها كما جاءت فال ّ
أي؛ دعا المصنف-6-بالضيق على كل من لم يسعه ما وسع السلف من إثبات آيات الصفات وقراءة أخبارها
وإمرارها كما جاءت :بال تحريف -وال تعطيل -وال تمثيل -وال تكييف.
25
أسئلة الدرس:
األسئـ ــلة
السؤال األول :ما معنى قول اإلمام أحمد [ :6ونصدق بها بال كيف وال معنى وال نرد شيئًا منها]؟
السؤال الثاني :ما معنى قول المصنف [ :6وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف -رضي اهلل عنهم -كلهم
متفقون على اإلقرار واإلمرار واإلثبات لما ورد من كتاب اهلل وسنة رسوله lمن غير تعرض لتأويله]؟
السؤال الثالث :ما معنى السلف والخلف في اللغة واالصطالح؟
السؤال الرابع :ما معنى قول عبد اهلل بن مسعود [ :Eاتبعوا وال تبتدعوا فقد ُكفيتم]؟
السؤال الخامس :اشرح بإجمال ما ذكره المصنف 6عن عمر بن عبد العزيز .E -
السؤال السادس :اشرح بإجمال المناظرة التي حدثت بين األزرمي 6وشيخ المبتدعة في عصره.
26
المحاضـ ـرة العشـ ـرون
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
ً الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة العشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الرابعة من محاضرات كتاب [االعتماد شرح لمعة
االعتقاد] ،وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على :بعض آيات الصفات ،وبعض أحاديث الصفات ،وصفة الكالم هلل
سبحانه وتعالى.
وطتَ ِْ
ان﴾ فهذه اآلية فيها إثبات صفة اليدين هلل سبحانه ثم ذكر 6الصفة الثانية فقال :قوله سبحانه وتعالى﴿ :بَلْ ْي َ َد ْاهُ ْ َمب ُس َ
27
قلنا أين اإلجماع؟ اإلجماع في أنه لما لم يرد عنهم تفسير لهذه الصفات ،دل على أن المراد هو الظاهر.
فيجب علينا أن نثبت صفة اليدين هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]
وقد فسر أهل التعطيل صفة اليدين(( :بالنعمة والقدرة)).
وطتَ ِْ
ان﴾ فهنا اليد مثناة. -وقال في التثنية﴿ :بَلْْي َ َد ْاهُْ َمب ُس َ
28
َ َ َ ُ َ َ َ َ َ
ون ْإلا ْأنْ ْيَأت ِيَ ُه ْمُْ اء ْ َربُ ْ
ك﴾ ،وقوله تعالى﴿ :هلْ ْينظ ُر ْ ِ ثم ذكر 6صفة أخرى وهي(( :المجيء)) فقال :فقوله سبحانه﴿ :وج ْ
َ
اَّلل﴾
ْ
ففي هاتين اآليتين إثبات صفة(( :المجيء)) هلل سبحانه وتعالى يوم القيامة للفصل بين العباد..
وقد أجمع السلف على إثبات صفة المجيء هلل سبحانه وتعالى على الوجه الالئق به من غير [تحريف ،وال تعطيل ،وال تكييف،
وال تمثيل]
ال أحد يعرف كيفية المجيء فنثبت هلل عزوجل مجيئا يليق به دون [تحريف ،وال تعطيل ،وال تكييف ،وال تمثيل].
وقد فسر أهل التعطيل المجيء(( :بمجيء أمر اهلل سبحانه وتعالى))
ورد عليهم أهل السنة والجماعة بثالثة أوجه وهي األوجه الثالثة المتقدمة:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح من القرآن أو السنة.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
اَّللْ َعن ُهمْْ َو َر ُضواْ َعن ُْه﴾ هذه اآلية فيها إثبات
َ
ثم ذكر المصنف 6صفة أخرى وهي(( :الرضى)) فقال :وقوله تعالىَ ﴿ :ر ِ
ض َْىْ ْ
صفة الرضى هلل سبحانه وتعالى على الوجه الحقيقي الالئق به سبحانه وتعالى..
وقد أجمع السلف على إثبات صفة الرضى هلل سبحانه وتعالى.
فيجب علينا أن نثبتها هلل عز وجل من غير [تحريف ،وال تعطيل ،وال تكييف ،وال تمثيل].
أهل التعطيل فسروا الرضى(( :بالثواب))
ورد عليهم أهل السنة والجماعة بثالثة أوجه وهي األوجه الثالثة المتقدمة وهي:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
29
هنا سؤال :لماذا عطلت المعطلة صفات اهلل سبحانه وتعالى؟
الجواب عن هذا السؤال تقدم في الدرس األول ..قلنا إنهم قالوا :إن أثبتنا الصفات هلل سبحانه وتعالى فقد شبهناه
بالمخلوق أو جسمناه .واهلل عز وجل منزه عن ذلك ..لذلك عطلوا صفات اهلل سبحانه وتعالى أو عطلوا كثيرا من
صفات اهلل سبحانه وتعالى على اختالف بينهم.
أما أهل السنة والجماعة فأثبتوا هلل عز وجل الصفات ونزهوه سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين وعن كل نقص.
يعْال َب ِص ُْ
ير﴾ ودليلهم العام في ذلك قوله تعالى﴿ :ليسْ َك ِمثل ِ ْهِْ َشىءْ ِْْ َو ُه َْوْ َ
الس ِم ُْ
َ ُ
ثم ذكر 6صفة أخرى هلل سبحانه وتعالى وهي(( :المحبة)) فقال :وقوله تعالى﴿ :يحِبُ ُهمْ ْ َويُ ِحبُون ُْه﴾ فهذه اآلية فيها إثبات
صفة المحبة هلل سبحانه وتعالى .وقد أجمع السلف على ذلك.
فيجب علينا أن نثبت هذه الصفة هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف ،وال تعطيل ،وال تكييف ،وال تمثيل].
أهل التعطيل فسروا المحبة ((بالثواب))
ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بثالثة أوجه وهي األوجه الثالثة المتقدمة وهي:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
َ َ
اَّللْ َعلي ِهم﴾ هذه
َ َ
بْ ْ ض ْ
ثم ذكر 6صفة أخرى هلل سبحانه وتعالى وهي(( :الغضب)) فقال :وقوله تعالى في الكفار﴿ :غ ِ
اآلية فيها إثبات صفة الغضب هلل سبحانه وتعالى على الوجه الحقيقي الذي يليق به سبحانه وتعالى..
وقد أجمع السلف على إثبات صفة(( :الغضب)) هلل سبحانه وتعالى.
فيجب علينا أن نثبتها من غير [تحريف ،وال تعطيل ،وال تكييف ،وال تمثيل] ،اهلل عز وجل يغضب غضبا حقيقيا يليق به.
يغضب على من؟ يغضب على الكفار .ويغضب إذا انتُهكت محارمه سبحانه وتعالى.
أهل التعطيل فسروا :الغضب ((باالنتقام))
وأهل السنة والجماعة ردوا عليهم بأربعة أوجه ،األوجه الثالثة المتقدمة وهي:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
َ ُ َ ََ
-والوجه الرابع :أن اهلل تعالى غاير بين الغضب واالنتقام فقال﴿ :فل َما ْآ َسفوناْ(أيْأغضبونا)ْانتَقمنَاْمِن ُهمْ﴾ فجعل
اهلل عز وجل االنتقام نتيجة للغضب فدل على أنه غيره.
30
َ َ ُ َ َ َ َ ََّ
اَّلل﴾ ،هذه اآلية فيها
طْ ْ ثم ذكر 6صفة أخرى هلل سبحانه وتعالى وهي(( :السخط)) فقال :وقوله تعالى﴿ :اتبعوا ْما ْأسخ ْ
إثبات صفة السخط هلل عز وجل ،فاهلل عز وجل يسخط سخطا حقيقيا يليق به سبحانه وتعالى ،يسخط إذا انتُهكت محارمه
سبحانه وتعالى..
وقد أجمع السلف على إثبات صفة السخط هلل سبحانه وتعالى.
فيجب علينا أن نثبتها هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل].
وأهل التعطيل فسروا السخط ((باالنتقام))
ورد عليهم أهل السنة والجماعة باألوجه الثالثة المتقدمة وهي:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
ثم ذكر المصنف 6بعض أحاديث الصفات فقال[ :فصل في ذكر بعض أحاديث الصفات]
صفة [النزول] :ففي السنة قول النبي " :lينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا"......
فهذا الحديث فيه إثبات صفة النزول هلل سبحانه وتعالى.
فاهلل سبحانه وتعالى ينزل نزوال حقيقيا يليق به ال يشبه نزول المخلوقين في الثلث األخير من الليل.
وقد أجمع السلف على ذلك.
31
فيجب علينا أن نثبت هلل سبحانه وتعالى صفة النزول من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل].
أهل التعطيل فسروا النزول بأنه نزول أمره ،أو نزول رحمته ،أو نزول ملك من مالئكته سبحانه وتعالى.
ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بأربعة أوجه ،الثالثة أوجه المتقدمة:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
-والوجه الرابع :وهو أن األمر والرحمة والملك ال يمكن أن يقولوا" :من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني
فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟" يستحيل أن يكون هذا.
فدل ذلك على أن اهلل سبحانه وتعالى ينزل نزوال حقيقيا يليق به ،ال يعرف أحد كيفية نزوله عز وجل ،ألنه لم يخبرنا
عن كيفية نزوله ،وإنما أخبرنا فقط أنه ينزل.
فيجب علينا أن نثبت النزول وأال نطمع في إدراك كيفية نزوله سبحانه وتعالى.
فقال( :يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة) ،أي يعجب اهلل تعالى من الشاب الذي لم يوقعه الشيطان في
المعاصي.
هذا الحديث فيه إثبات صفة العجب هلل سبحانه وتعالى ،وقد أجمع السلف على ذلك.
فيجب علينا أن نثبت ذلك هلل عز وجل من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل].
وقد قال lكما في صحيح البخاري" :عجب اهلل من قوم يدخلون الجنة في السالسل".
وأهل التعطيل فسروا هذه الصفة [بالمجازاة].
ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
-وأن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
وهنا فائدة وهي أن العجب نوعان:
األول :عجب صادر عن خفاء األسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه .وهذا النوع مستحيل في حق
اهلل تعالى ألن اهلل سبحانه وتعالى ال يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى.
الثاني :أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب .وهذا الثابت في حق اهلل تعالى.
32
تعجب اهلل من الشاب ألجل أن الشاب -في الغالب – يوقعه الشيطان في المعاصي .فهذا الشاب الذي يعجب اهلل
تعالى منه خرج عن نظائره من الشباب ،ليست له صبوة ،لم يستجره ولم يوقعه الشيطان في المعاصي.
ثم ذكر 6صفة أخرى هلل تعالى وهي صفة [الضحك] فقال:
قال سبحانه وتعالى[ :يضحك اهلل تعالى إلى رجلين قتل أحدهما اآلخر ثم يدخالن الجنة].
يقتل الظالم المظلوم ،ثم يتوب اهلل عز وجل على الظالم ،فيموت ،فيدخالن الجنة.
اهلل سبحانه وتعالى يضحك إلى هذين الرجلين ،وهذا الحديث فيه إثبات صفة الضحك هلل سبحانه وتعالي وقد أجمع
السلف على ذلك ،فيجب علينا أن نثبت هذ الصفة هلل سبحانه وتعالى من غير [تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل]
فاهلل تعالى يضحك ضحكا حقيقيا يليق به سبحانه وتعالي.
أهل التعطيل فسروا هذه الصفة ب((الثواب)).
ثم ذكر المصنف 6كالما عاما فقال :فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته نؤمن به وال نرده وال نجحده وال نتأوله
بتأويل يخالف ظاهره وال نشبهه بصفات المخلوقين وال بسمات المحدثين.
يعني كل األحاديث التي صحت عن النبي صلى اهلل عليه وسلّم في صفات اهلل سبحانه وتعالي يجب علينا أن نؤمن بها وأال
نكذب بشيء منها وأال نجحدها وأال نتأولها بتأويل يخالف ظاهرها وأال نشبهها بصفات المخلوقين وال بسمات المحدثين أي
(عالمات المخلوقين) ،فاهلل عز وجل اليشبهه شيء.
َ َ َ
س ْكمثل ِ ْهِْشىءْ ِْ ْ َو ُه َْو ْ َّ
يع ْال َب ِص ُْ
ير﴾ [الشورى،]١١ : الس ِم ُْ ثم قال( :ونعلم أن اهلل سبحانه وتعالى ال شبيه له ،وال نظير له﴿ ،لي َ ْ ِ
وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال ،فإن اهلل تعالى بخالفه).
يعني كل ما خطر ببالك فاهلل عز وجل على خالفه ،فال يستطيع أح ٌد أن يتخيل كيفية صفات اهلل سبحانه وتعالى.
َ
شْاستَ َو َْٰ
ى﴾ [طه)]٥ : الرح َم َٰ ُْ
نْعَلىْال َعر ِ ْ ثم قال :ومن ذلك قوله تعالىَّ ﴿ :
أي من صفات اهلل سبحانه وتعالى التي يجب أن نثبتها له سبحانه وتعالى صفة االستواء.
وقد أجمع السلف على إثبات هذه الصفة هلل سبحانه وتعالى.
استواء حقيقيًا يليق به ،ال يشبه استواء المخلوقين.
ً (واالستواء) :معناه العلو واالرتفاع ،فاهلل عز وجل استوى
33
َ
شْاستَ َو َْٰ
ى﴾ أي استولى. الرح َم َٰ ُْ
نْعَلىْال َعر ِ ْ أهل التعطيل فسروا هذه الصفة باالستيالء .فقالوا معنى قوله تعالىَّ ﴿ :
وأهل السنة والجماعة ردوا عليهم بخمسة أوجه ،الثالثة أوجه المتقدمة وهي:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
دليل صحيح.
-وأن قولهم ليس عليه ٌ
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
-والوجه الرابع أن هذا التفسير ال يعرف في اللغة العربية .يعني لم ِ
يأت قط في لغة العرب أن االستواء بمعنى االستيالء.
-الوجه الخامس أنه يلزم على هذا التفسير لوازم باطلة ،ومن ذلك أن العرش لم يكن مل ًكا هلل سبحانه وتعالى ثم استولى
عليه بعد ذلك.
(والعرش) :هو سرير الملك ،وال يعلم أح ٌد كيفيته إال اهلل سبحانه وتعالى ،وقد ذكر لنا النبي lأنه أكبر المخلوقات ،وأما
الكرسي فهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى.
وقول النبي " :lربنا اهلل الذي في السماء تقدس اسمك" ،وقال lللجارية :أين اهلل؟ قالت :في السماء .قال :أعتقها
قال :الذي في السماء .قال :فاترك الستة واعبد الذي في السماء ،وأنا أعلمك دعوتين ،فأسلم وعلمه النبي lأن
يقول :اللهم ألهمني رشدي ،وقني شر نفسي" .ولكن هذا الحديث ضعيف.
وقد أجمع السلف على إثبات صفة العلو هلل سبحانه وتعالى.
ٍ
تكييف ،وال ٍ
تمثيل ،وال فيجب علينا أن نثبت العلو هلل سبحانه وتعالى على الوجه الذي يليق به ،من غير تحر ٍ
يف ،وال
تعطيل.
34
َ َّ َّ ُ ََ
وأهل التعطيل أنكروا كون اهلل سبحانه وتعالى بذاته في السماء ،وقالوا :معنى قوله تعالى﴿ :أأمِنتمْمنْفِيْالسما ِْء﴾ [الملك:
]١٦في السماء ملك اهلل وسلطانه ونحوه.
ولكن أهل السنة والجماعة ردوا عليهم بستة أوجه األوجه الثالثة المتقدمة وهي:
-أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
دليل صحيح.
-وأن قولهم ليس عليه ٌ
-وأن قولهم خالف طريقة السلف.
ضا.
-الوجه الرابع أن ملك اهلل وسلطانه في السماء وفي األرض أي ً
-الوجه الخامس أن العقل يدل على أن اهلل سبحانه وتعالى فوق السماوات؛ وذلك ألن هذا فيه صفة كمال ،أما إذا
قلنا بقول من يقول :أن اهلل يحل في كل مكان ،هذا نقص ليس فيه كمال.
-الوجه السادس أن الفطرة تدل على أن اهلل سبحانه وتعالى في السماء ،فالخلق مفطورون على أن اهلل سبحانه
وتعالى في السماء .ومعنى كون اهلل عز وجل في السماء :أن اهلل على السماء.
ثم قال :6وفيما نقل من عالمات النبي lوأصحابه في الكتب المتقدمة أنهم يسجدون باألرض ،ويزعمون أن
إلههم في السماء ،وروى أبو داود في سننه أن النبي lقال" :إن ما بين ٍ
سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا" ،وذكر
الخبر إلى قوله" :وفوق ذلك العرش ،واهلل سبحانه فوق ذلك".
هذه األخبار ضعيفة ويغني عنها ما سبق ،وكأن المصنف 6ذكرها لكي يعضد بها األدلة السابقة.
ثم قال : 6فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم اهلل تعالى على نقله وقبوله ولم يتعرضوا لرده وال تأويله وال
تشبيهه وال تمثيله ،وقد نقل اإلجماع على ذلك أيضا ابن بطة وابن تيمية رحمهم اهلل تعالى.
ثم قال :سئل اإلمام مالك بن أنس 6فقيل :يا أبا عبد اهلل﴿ :الرحمنْعلىْالعرشْاستوى﴾ كيف استوى؟ فقال:
[االستواء غير مجهول] أي؛ معلوم.
[والكيف غير معقول] يعني الكيفية ال يستطيع أحد أن يدركها بعقله.
[واإليمان به واجب] أي؛ اإليمان باالستواء واجب
[والسؤال عنه بدعة] أي؛ السؤال عن الكيفية بدعة.
ثم أمر بالرجل فأُخرج ،وذلك خشية أن يفتن الناس في عقيدتهم.
35
ثم قال [ :6فصل في كالم اهلل سبحانه وتعالى]
ومن صفات اهلل تعالى أنه متكلم بكالم قديم يسمعه منه من شاء من خلقه.
سمعه موسى jمنه من غير واسطة.
وسمعه جبريل jومن أذن له من مالئكته ورسله.
وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في اآلخرة ويكلمونه ويأذن لهم فيزورونه.
وسىْْتَكل ً
ْم َ ََََ َ
ْاَّلل ُ
ِيما﴾ قال اهلل تعالى﴿ :وْكلم
هذا فيه إثبات صفة الكالم هلل سبحانه وتعالى ،وأنه يتكلم سبحانه وتعالى بكالم حقيقي يليق به سبحانه وتعالى ال
يشبه كالم المخلوقين.
ومعنى قوله[ :متكلم بكالم قديم] أي قديم النوع حادث اآلحاد.
اآلحاد :هو الكالم الذي يتكلم به سبحانه وتعالى ..هذا حادث .أما صفة الكالم فهي قديمة.
كْفَاستَمعْْل َِماْي ُ َ
وح ْي﴾َٰ َََ َ ُ َ
ِ والدليل على قوله[ :سمعه موسى jمنه من غير واسطة] قوله تعالى﴿ :وأناْاخترت ْ
والدليل على قوله[ :ومن أذن له من مالئكته] أي؛ في سماع كالمه سبحانه قول النبي " :lولكن ربنا تبارك وتعالى
اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا،
ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم؟"
فهذا يدل على أنهم سمعوا كالم اهلل سبحانه وتعالى.
وقوله[ :ورسله] :أي؛ من الرسل من سمع كالم اهلل سبحانه وتعالى ،وكلم اهلل سبحانه وتعالى ومنهم :آدم .j
َ َ
ابْ َعلي ْهِْإن ُْهْ ُه َْوْ َ َ َ َ َََ
الرح ُْ
ِيم﴾. الت َو ُ ْ
ابْ َ ِ والدليل قوله تعالى﴿ :فتَلقيْْآد ُْمْمِنْْ َرب ِ ْهِْكل َِماتْْفتَ َْ
وكذلك كلم اهلل سبحانه وتعالى نبيه محمدا lوكلم النبي lربه سبحانه وتعالى كما في رحلة اإلسراء والمعراج
حينما افترض اهلل عز وجل الصالة.
وقوله[ :وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في اآلخرة ويكلمونه]
كما في قول النبي " :lإن اهلل تبارك وتعالى يقول ألهل الجنة يا أهل الجنة ،فيقولون :لبيك ربنا وسعديك".
وقوله[ :ويأذن لهم فيزورونه]
هذا ليس عليه دليل صحيح وإنما ورد في ذلك حديث ضعيف.
36
َ َكْعَلىْ ََ
َ ثم قال :وقال سبحانه﴿ :يَاْ ُم َ
اسْب ِ ِر َسالاتِيْ َوبِكلام ِ ْي﴾.
الن ِ ْ وسىْْإِن ِيْاص َطفيتُ ْ
َ ََ
وقال سبحانهِ ﴿ :من ُهمْ َمنْكل َْمْ ْ
اَّلل﴾.
َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َُ َُ َ َ َ ً َ
انْل ِبشرْْأنْيكل ِم ْهْاَّللْإِلاْوحياْأوْمِنْوراءْحِجابْ﴾ وقال سبحانه﴿ :وماْك ْ
َ ََ َُ َ َ َ َ َ َ َ َ ِيْيَاْ ُم َ ََ ََ َ ُ
كْبِال َوادِْْال ُمق َد ِ ْ
سْ ُط ًوى﴾ كْإِن ْ وسىْْْ١١إِن ِيْأناْرب ْ
كْفاخلعْْنعلي ْ وقال تعالى﴿ :فل َماْأتاهاْنود َْ
َ ََ َ َ َ َ ََ َ
اَّللْلاْإِل َْهْإِلاْأناْفاعبُدْن ِي﴾
وقال سبحانه﴿ :إِننِىْأناْ ْ
وغير جائز أن يقول هذا أحد غير اهلل تعالى.
وقال عبد اهلل بن مسعود " :Eإذا تكلم اهلل بالوحي سمع صوته أهل السماء" .روى ذلك عن النبي .l
فكل هذه النصوص تدل على أن اهلل سبحانه وتعالى يتكلم كالما حقيقيا.
ثم قال :6وروى عبد اهلل بن أنيس Eعن النبي lأنه قال" :يحشر اهلل الخالئق يوم القيامة عراة حفاة غُ ْرال
هما فيناديهم بصوت يسمعه َمن بَـعُد كما يسمعه من قَـ ُرب :أنا الملك أنا الديان" .رواه األئمة واستشهد به البخاري.
بُ ً
هذا أيضا فيه دليل على أن اهلل سبحانه وتعالى يتكلم كالما حقيقيا.
وقوله[ :غرال] أي؛ غير مختونين.
وقوله[ :بـُ ْه ًما] أي؛ ليس معهم من حطام الدنيا شيء.
ثم قال :6وفي بعض اآلثار (أي في كتب أهل الكتاب) أن موسى jليلة رأى النار فهالته ففزع منها ناداه ربه:
"يا موسى! فأجاب سريعا استئناسا بالصوت :لبيك ،لبيك ،أسمع صوتك ..وال أرى مكانك .فأين أنت؟ فقال :أنا
فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك.
فعلم أن هذه الصفة ال تنبغي إال هلل تعالى .قال :فكذلك أنت يا إلهي أفكالمك أسمع أم كالم رسولك؟ قال :بل
كالمي يا موسى" .وهذا الحديث من اإلسرائيليات وهو ضعيف ويغني عنه ما تقدم.
وكأن المصنف 6ذكره ليدل على أن كتب أهل الكتاب فيها أن اهلل عز وجل يتكلم بكالم حقيقي.
أسئلة الدرس:
37
-السؤال األول :اذكر المعنى الحق والمعنى الباطل ،والدليل على المعنى الحق ،وبما يُرد على المعنى
الباطل على كل صفة من الصفات اآلتية :الوجه – اليدان – المجيء – الغضب – النزول -الضحك.
-السؤال الثاني :العجب نوعان ،وضح ذلك ..وما الذي يستحيل على اهلل سبحانه وتعالى؟ ولماذا؟
-السؤال الثالث :كيف نجمع بين األوجه التي وردت في صفة اليدين؟
األسئـ ــلة -السؤال الرابع :العلو نوعان ..وضح ذلك.
-السؤال الخامس :اشرح قول المصنف [ :6ومن صفات اهلل تعالى أنه متكلم بكالم قديم يسمعه
منه من شاء من خلقه].
38
المحاضرة الحاديــة والعشـرون
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
ً الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة الحادية والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الخامسة من محاضرات كتاب [االعتماد شرح
لمعة االعتقاد].
وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على :مذهب أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم ،ورؤية المؤمنين لربهم يوم
القيامة.
ََ َ َ َ ُ
ض ُهمْْل َِبعضْْ َظهيراًْ َ َ ُ َ َ َٰ َ ُ َ َ َٰ َ َ ُ ُ َّ
ِ ان ْبع
ونْب ِ ِمثل ِ ْهِْولوْْك ْ
نْلاْيأت ْ
لْهذاْالقرْآ ِْنسْ َوال ِجنْْعل ْىْأنْيأتوا ْب ِ ِمث ِْ نْاجتَ َم َع ِْ
تْال ِإ ُ ْ وقوله تعالى﴿ :قلْلئ ِ ِْ
[ ﴾٨٨اإلسراء]
قوله [ :6ومن كالم اهلل تعالى القرآن العظيم] أي :من جملة كالم اهلل سبحانه وتعالى القرآن العظيم.
فالقرآن بعض كالم اهلل سبحانه وتعالى.
فاهلل تكلم بالتوراة واإلنجيل والزبور وكلم أنبياءه .ومن كالمه القرآن العظيم.
39
وقوله[ :وحبله المتين] أي؛ من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى.
وقوله[ :تنزيل من رب العالمين نزل به الروح األمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين] أي أن القرآن الكريم تنزيل
من اهلل سبحانه وتعالى ،نزل به جبريل jعلى النبي lوهو سيد المرسلين.
َ َ َ َٰ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ َ ُ
َ َ َ
ينْ(*)ْبِل ِسانْْعربِيْْ ُ َ
ِنْالمنذِرِ ْ
ونْم ْ
كْل ِتك ْ ُ
ِينْ(*)ْعل ْىْقلب ِ ْ
وحْالأم ْ بْال َعال ِم َْ
ينْ(*)ْن َز ْلْب ِ ْهِْالر ْ يلْ َر ِْ
نز ْ
كما قال تعالى﴿ :إِن ْهْلت ِ
مبِينْ﴾ [الشعراء]
وقوله[ :منزل غير مخلوق ،منه بدأ وإليه يعود] أي أن القرآن الكريم منزل من عند اهلل سبحانه وتعالى غير مخلوق من اهلل
سبحانه وتعالى ،بدأ ألنه تكلم به ،وإليه يعود ويرجع فى آخر الزمان ،فال يبقى في األرض منه آية.
وذلك كما قال عبد اهلل بن مسعود " : Eلينتزعن هذا القرآن من بين أظهركم ،قيل :يا أبا عبد الرحمن ،كيف ينتزع وقد
أثبتناه في مصاحفنا؟ قال :يسرى عليه في ليلة فال يبقى في قلب عبد وال مصحف منه شيء ويصبح الناس فقراء كالبهائم ،ثم
ً َ َ
َ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ
كْب ِ ْهِْ َعلينَاْ َوك ِيلا﴾" [اإلسراء]٨٦ : قرأ عبد اهلل بن مسعود َ ﴿ :Eولئِنْشِئنَاْل َنذهب َ َّْ
نْبِالذِيْأو َحينَاْإِلي ْ
كْث َّْمْلاْت ِج ُْدْل ْ
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية [ :6وأما إليه يعود] ،فإنه يُسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصور فال يبقى فى
الصدور منه كلمة وال يبقى في المصاحف منه كلمة.
وقوله[ :وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات] أي؛ القرآن الكريم عبارة عن :سور متقنات.
وآيات واضحات في الداللة ،وحروف وكلمات.
كالما بغير حروف وال صوت.
وهذا خالفًا لمن يقول إن اهلل عز وجل يتكلم ً
فمذهب أهل السنة والجماعة في القرآن أنه حروف وكلمات ،وأن اهلل عز وجل تكلم به.
كالما حقيقيًا يليق بجالله سبحانه وتعالى ،ال يشبه كالم المخلوقين ،وكالم اهلل عز وجل بحرف وصوت.
واهلل يتكلم ً
وقوله [ :6من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات] أي من قرأ القرآن تالوة صحيحة ولم يلحن فيه
فله بكل حرف يقرأه عشر حسنات.
وكما قال النبي " :lمن قرأ حرفًا من كتاب اهلل فله به حسنة ،والحسنة بعشر أمثالها ،ال أقول ألم حرف ،ولكن ألف حرف
والم حرف وميم حرف".
40
وقوله[ :له أول وآخر وأجزاء وأبعاض]
أي؛ القرآن الكريم له أول وله آخر ،فأوله سورة الفاتحة وآخره سورة الناس.
جزءا.
وكذلك القرآن الكريم أجزاء ،عدد أجزائه ثالثون ً
وهذا فيه رد على من يزعم أن كالم اهلل واحد ال يتبعض وال يتجزأ.
وقوله [فيه محكم ومتشابه] أي؛ القرآن الكريم فيه آيات محكمة وآيات متشابهة.
والمحكم :ما كانت داللته على المعنى واضحة.
والمتشابه :ما كانت داللته على المعنى غير واضحة.
ويرد المتشابه إلى المحكم حتى يفهم.
ُ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ ََ ََ َ ُ َّ
ن ْأمْ ْالكِتَ ِْ
اب ْ َوأخ ُْر ْ ُمتشاب ِ َهاتْ ك ْالك َِت َْ
اب ْمِن ُْه ْآيَاتْ ْمحك َماتْ ْه ْ نز ْل ْعلي ْ وقد قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :ه َْو ْالذِي ْأ
َ َ َ َ ُ َ َ ُ َّ َّ ُ َ َّ ُ َ َ
الراسِخونْ
َ َ َ َ َ
اء ْتأوِيل ِ ْهِْوماْيعلم ْتأوِيله ْإِلاْاَّلل ْواء ْالفِتنةِْوابتِغ ْماْت َ َشاب َ َه ْمِن ُه ْابت ِ َغ َ
ون َ َ َ َ َّ ُ َ ُُ فَأ َّماْالَّذ َ
ِين ْفِيْقلوب ِ ِهم ْزيغ ْفيتبِع
َ َ َ َ َ َّ َّ َّ ُ ُ َ ُ ُ ُ َ
ابْ([ ﴾)٧ءال عمران] فِيْالعِل ِم َْيقولونْآ َم َّناْب ِ ْهِْكلْْمِنْْعِن ِْدْ ْربِناْْوماْيذك ُْرْإِلاْأولوْالألب ِْ
َ
وقوله[ :وناسخ ومنسوخ] أي أن القرآن الكريم فيه آيات ناسخة وآيات منسوخة.
أما الناسخ :فهو الرافع لما قبله.
والمنسوخ :هو المرفوع.
يعني قد ينزل في بداية اإلسالم حكم شرعي ،ثم يأتي بعد ذلك حكم آخر يرفع هذا الحكم األول.
ومن ذلك أن في بداية اإلسالم كان يجب على المسلم أال يفر في القتال من أمام عشرة ثم نسخ هذا الثنين.
ِن ْ ْال َّذ َ َ ً َ ُ ُ ََ َ َ ُ ُ
ِينْ ن ْ َوِإن ْيَكن ْمِنكم ْمِائةْ ْ َيغل ِبُوا ْألفا ْم َْ ون ْ َصاب ِ ُر ْ
ون ْ َيغل ِبُوا ْمِائتي ِْ قال تعالى﴿ :إِن ْيَكن ْمِنكمْ ْعِش ُر ْ
َ َ ُ َ َّ ُ َ َّ َ َ َ
اْيفق ُهونْ([ ﴾)٦٥األنفال] كفرواْبِأنهمْقومْل
هذه اآلية فيها المنسوخ وهو وجوب مصابرة العشرين أمام المائتين .أي؛ كل واحد يصبر على عشرة.
ثم نزل بعد ذلك نسخ وهو:
41
َ ََ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ ً َ َ ُ َّ ُ َ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ
ن ْفِيكمْ ْضعفا ْفإِنْيكنْمِنكمْمِائة ْصابِرة ْيغل ِبواْمِائتي ِن ْوِإنْ اَّلل ْعنكمْ ْوعل ِْم ْأ ْ فْ ْ ن ْخف ْ قوله تعالى ﴿الْآ ْ
ْم َع َّ ِْو َّ ُ
اَّلل َ َّ َ ُ َ َ ُ َ ُ
ينْ([ ﴾)٦٦األنفال] ْالصابر َ
ِِ
ْاَّلل َن ذ إْب
ِ ِِ ِ ن يف ل واْأ ِب لغ ْي ف ل ْأيَكنْمِنكم
َ َ َ َ َ َ َّ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ وقد قال اهلل سبحانه وتعالى في النسخَ ﴿ :ما ْن َ َ
اَّلل ْعَل ْىَْٰ
نْ ْ ت ْ ِبخير ْمِنهاْأو ْمِثل ِهاْ ْألمْ ْتعلمْ ْأ ْ
سها ْنأ ِْ
نسخْ ْمِنْ ْآيةْ ْأوْ ْنن ِ
َ ُ َ
ك ِْلْشىءْْقدِيرْ([ ﴾)١٠٦البقرة]
وقوله [هو خاص وعام] أي أن من آيات القرآن آيات عامة ومنه آيات خاصة.
والمراد بالخاص:
ᛜما كان خاصا بالنبي .l
ᛜأو خاصا ببعض األشخاص.
ᛜأو ببعض األحوال.
والعام :ما كان يشمل جميع األمة.
وقوله[ :وأمر ونهي] أي :من آيات القرآن الكريم ما هو مأمور به ومنه ما هو منهي عنه .فيه آيات تأمرنا بفعل أشياء وفيه آيات
تنهانا عن فعل أشياء.
وقوله [ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكيم حميد]3
أي؛ يستحيل أن يأتي الباطل على كتاب اهلل سبحانه وتعالى ،وذلك ألن اهلل سبحانه وتعالى تكفل بحفظه.
ُ َ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َّ
انْ َبعض ُهمْْل َِبعضْْ نْلاْيَأت ْ
ونْب ِ ِمثل ِ ْهِْ َولوْْك ْ نسْ َوال ِجنْْعَل َْٰىْأنْيَأتواْب ِ ِمث ِْ
لْهَٰذاْالقرْآ ِْ نْاجتَ َم َع ِْ
تْال ِإ ُ ْ وقوله تعالى ﴿قلْلئ ِ ِْ
َ
يراْ[ ﴾٨٨اإلسراء] أي؛ إلن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال يستطيعون ذلك ولو كان ظ ِه ًْ
يأتي بمثله.
بعضهم لبعض مساعدا ومعاونا ،وذلك ألنه كالم اهلل سبحانه وتعالى فال يستطيع أحد أن َ
ثم قال [ :6وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا "لن نؤمن بهذا القرآن"]
أي أن هذا القرآن المتلو باألحرف العربية هو كالم اهلل تعالى.
وهو يدل على أن اهلل تعالى تكلم به بحرف وصوت.
ولهذا قال الكفار﴿ :لنْنؤمنْبهذاْالقرآن﴾
َ ُ
وقال [ :6وقال بعضهم﴿ :إنْهذاْإلاْقولْالبشر﴾ ،فقال اهلل سبحانهَ ﴿ :سأصل ِي ْهِْ َسق َْر﴾]
أي؛ لما قال الوليد بن المغيرة هذا القرآن من قول البشر.
42
ُ ُ َّ َ َ َّ
الشع َْر ْ َو َما ْيَنبَ ِغيْ ْل ُْه ْإِنْ ْه َْو ْإِلا ْذِكرْ ْ َوقرْآنْ ْمبِينْ﴾ ثم قال [ :6وقال بعضهم :هو شعر .وقال اهلل تعالىَ ﴿ :و َما ْعلمنَ ْ
اهُ ْ ِ
[يس]٦٩ :
فلما نفى عنه أنه شعر ،وأثبته قرآنا لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات
وحروف وآيات..
ألن ما ليس كذلك ال يقول أحد إنه شعر ،ألن اهلل سبحانه وتعالى لما نفى عن القرآن أنه شعر وأثبته قرآنا ،دل ذلك
على أنه هو هذا الكتاب العربي ،الذي هو [كلمات وحروف وآيات].
َ ُ ُ َ َ َ ُ
اءكم ْمِنْ ثم قال [ :6وقال اهلل عز وجلَ ﴿ :وِإن ْ ُكنتُمْ ْفي ْ َريبْ ْم َِّما ْن َ َّزل َنا ْعَل َ َْٰى ْ َعبدِنَا ْفَأتُوا ْب ُس َ
ورةْ ْمِن ْمِثل ِ ْهِْوادعوا ْشهد ِ ِ
ُ َّ ُ
اَّلل ِْإِنْكنتُمْْ َصادِق َْ
ِين﴾ [البقرة]٢٣ : ونْ ْ د ِْ
وال يجوز أن يتحداهم باإلتيان بمثل ما هو ال يدرى وال يعقل .أي :تحدى اهلل عز وجل العرب أن يأتوا بسورة من مثل
القرآن .وال يمكن أن يتحداهم اهلل عز وجل إال بشيء يفهمون ويسمعونه ،وهو من جنس ما يعهدونه من الكالم.
فهذا يدل على أن القرآن من كالم اهلل سبحانه وتعالى وكالم اهلل عز وجل بحرف وصوت.
ثم قال [ :6وقال اهلل تعالى﴿ :إنهْلقرآنْكريمْفيْكتابْمكنونْلاْيمسهْإلاْالمطهرون﴾ بعد أن أقسم على ذلك]
َ ً َُ َ َ َ َ َ ُ ِ َ َّ َ َ َ ُ
نَهُْلقرْآنْْكرِيمْْفِيْكِتَابْْ َّمكنُونْ﴾
ْوِإن ُهْلق َسمْلوْتعل ُمونْع ِظيمْإ ِ ِ س ُْمْب ِ َم َواق ِعِ ْالنجوم
أي كما قال سبحانه ﴿فلاْأق ِ
ثم قال [ :6وقال تعالى﴿ :كهيعصْ ،حمْ ،عسق﴾ ،وافتتح تسعا وعشرين سورة بالحروف المقطعة ،وقد ذكر اهلل سبحانه
وتعالى هذه اآليات للتحدي.
ثم قال [ :6وقال النبي " : lمن قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف
حسنة"].
أي :من قرأ القرآن فجوده فله بكل حرف منه عشر حسنات ،ومن قرأ القرآن وأخطأ فله بكل حرف حسنة.
43
ولكن هذا الحديث ضعيف و يغني عنه قوله " :lمن قرأ حرفا من كتاب اهلل فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ،ال
أقول ألم حرف ولكن ألف حرف والم حرف وميم حرف".
ثم قال [ :6وقال عليه الصالة والسالم" :اقرأوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم ال يجاوز تراقيهم،
يتعجلون أجره وال يتأجلونه"].
هذا فيه حث على قراءة القرآن قبل أن يأتي قوم يقرؤونه قراءة موجودة صحيحة ال يجاوز حلقهم ،أي يتلونه هلل
سبحانه وتعالى وإنما يريدون بذلك األجر والثواب في الدنيا ،إما عن طريق أخذ األجرة وإما عن طريق المدح.
وال يتأجلونه :أي ال يقصدون بقراءته وجه اهلل سبحانه وتعالى.
ثم قال [ :6قال أبو بكر وعمر رضى اهلل عنهما :إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه].
أي؛ الذي يقرأ القرآن قراءة جيدة أحب ممن يحفظه حفظا خطأ.
ولكن هذا األثر ضعيف.
ثم قال [ :6وقال علي :Eمن يكفر بحرف منه فقد كفر به كله].
أي :من كفر بحرف من القرآن الكريم مجمع عليه فقد كفر بالقرآن كله.
ثم قال [ :6واتفق المسلمون على عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ،وال خالف بين المسلمين في أن من جحد من
القرآن سورة أو آية أو كلمة أوحرفا متفق عليه أنه كافر].
وفى هذا حجة قاطعة على أنه حروف.
أما الحروف المختلف فيها في القراءات فهذه تخرج من هذا اإلجماع.
لقوله تعالى﴿ :جناتْتجريْمنْتحتهاْالأنهار﴾ ،وفي قراءة أخرى﴿ :تجريْتحتهاْالأنهار﴾.
وأيضا قوله تعالى ﴿مالكْيومْالدين﴾ ،وفي قراءة أخرى ﴿ملكْْيومْالدين﴾
فهذه الحروف المختلف فيها ال تدخل في اإلجماع السالف.
ثم قال [ :6فصل في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ،والمؤمنون يرون ربهم في اآلخرة بأبصارهم ويزورونه و يكلمهم
ويكلمونه ،قال تعالى ﴿وجوهْيومئذْناضرةْإليْربهاْناظرة﴾
44
وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية ،ال للمرئي بالمرئي ،فإن اهلل تعالى ال شبيه له وال نظير.
في هذا الفصل يبين المصنف 6عقيدة أهل السنة والجماعة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
فقد أجمع السلف على أن المؤمنين يرون ربهم عز وجل في القيامة ،وأن الكفار ال يرون ربهم سبحانه وتعالى..
فيجب أن نثبت ذلك من غير تحريف وال تعطيل وال تكييف وال تمثيل..
ونثبت أنها رؤية حقيقية تليق باهلل سبحانه وتعالى.
وأما أهل التعطيل فقالوا :المراد بالرؤية الثواب.
وقال بعضهم :المراد بالرؤية العلم واليقين.
ورد عليهم أهل السنة والجماعة بأربعة أوجه:
األول :أن قولهم خالف ظاهر النصوص.
الثاني :أن قولهم خالف طريقة السلف.
الثالث :أن قولهم ليس عليه دليل صحيح.
الرابع :أن العلم واليقين حاصل لألبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في اآلخرة فكيف نفسر الرؤية.
وذكر المصنف 6بعض األدلة على إثبات الرؤية في اآلخرة ،ومن ذلك :قوله تعالى﴿ :وجوهْيومئذْناضرةْإليْربهاْناظرة﴾.
وناضرة :من النضرة والبهاء والنور.
وقد أجمع أهل اللغة على أن النظر إذا عدي ب(إلى) فإن المراد به نظر العين.
وهنا قال تعالى :إلى ربها ناظرة .فعدي النظر بحرف الجر (إلى) فدل بذلك على أن المراد بالنظر نظر العين.
ومن األدلة أيضا التي ذكرها المصنف 6قوله تعالى ﴿كلاْإنهمْعنْربهمْيومئذْلمحجوبون﴾
وذكر وجه الداللة في هذه اآلية فقال[ :فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا وإال
لم يكن بينهما فرق] .وهذا من كالم اإلمام الشافعي .6
وذكر أيضا من أدلة رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة قول النبي " :lإنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ال تضامون في
رؤيته" .أي؛ ال ينضم بعضكم إلى بعض وال يقول :أرنيه ،بل كل ينفرد برؤيته سبحانه وتعالى.
أسئلة الدرس:
45
األسئـ ــلة
-السؤال األول :اشرح قول المصنف [ :6منزل غير مخلوق ،منه بدأ وإليه يعود وهو سور محكمات وآيات
بينات وحروف وكلمات من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات].
-السؤال الثاني :ما حكم من أنكر حرفا أو كلمة أو آية من القرآن الكريم؟
-السؤال الثالث :ما عقيدة أهل السنة والجماعة في رؤية اهلل عز وجل في القيامة؟ مع ذكر دليلين على ما تقول.
46
المحاضرة الثـاني ــة والعشـرون
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين،
ً بسم اهلل الرحمن الرحيم .الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة الثانية والعشرون من محاضرات العقيدة للفرقة الثانية ،وهي السادسة من دروس كتاب (االعتماد شرح
لمعة االعتقاد)
وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على :اعتقاد أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر ،ومذهب أهل السنة والجماعة
في اإليمان.
((هذا مجمل وإليكم التفصيل))
في هذا الفصل ذكر المصنف :6عقيدة أهل السنة والجماعة في(( :اإليمان بالقضاء بالقدر))
واإليمان بالقضاء والقدر أصل من أصول اإليمان الستة عند أهل السنة والجماعة ..ال يتم إيمان عبد حتى يؤمن
بالقضاء والقدر.
واألدلة على وجوب اإليمان بالقدر كثيرة منها:
َ َ َّ ُ َّ َ
قوله تعالى﴿ :إِناْك ْلْشىءْْ َخلقنَ ْاهُْبِق َدرْ﴾ [القمر.]49 :
وقول النبي " :lال يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ،حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم
يكن ليصيبه".
يعنى ال يتم إيمان أحد باهلل سبحانه وتعالى حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ،وحتى يعلم أن ما أصابه من شر لم يكن
ليخطئه وأن ما أخطأه (يعني لم يصبه) من خير لم يكن ليصيبه ،ألن األمور مقدرة ،قدر اهلل عز وجل كل شيء.
وهذا من مقتضى علمه سبحانه وتعالى ..فاهلل عز وجل يعلم ما الخلق فاعلون ،وكتب أعمارهم وأرزاقهم وآجالهم.
47
وأنا كثيرا ما أضرب مثاال بهذا :الرجل الذي يعمل مدرسا ،في نهاية العام قال للطالب :أيها الطالب أعددت اختبارا
وأعددت كشفا فيه أسماؤكم ..وكل طالب كتبت درجته بجوار اسمه ،وسأعطيكم االختبار ،وننظر فسنجد درجة كل
طالب في االختبار هي التي كتبتها في الكشف قبل أن تجيبوا على االختبار.
وبالفعل اختبر الطالب وكانت المفاجأة أن كل طالب حصل على الدرجة التي كتبها له المعلم أو المدرس.
هل يمكن أن يقال إن هذا المدرس أو هذا المعلم ظلم الطالب؟
ال يمكن أن يقال هذا .وإنما يقال :إن هذا المعلم أو هذا المدرس خبير بأحوال الطالب أو عليم بأحوالهم.
لذا علم أن فالنا سيجيب عن جميع األسئلة وسيحصل على الدرجة النهائية ،وأن فالنا لم يستطع أن يجيب إال على
نصف األسئلة ،وأن فالنًا سيجيب على ربع األسئلة ،وأن فالنًا سيجيب على ستين في المئة ،إلى آخر ذلك فكتب
درجته فال يمكن أن يقال إن هذا المدرس ظالم.
لماذا؟ ألنه لم يجبر أحدا على كتابة إجابة معينة.
اهلل عز وجل له المثل األعلى ،اهلل سبحانه وتعالى يعلم ما الخلق فاعلون..
لذا كتب أعمالهم وأرزاقهم وآجالهم إلى غير ذلك.
وقد ضلت في القدر طائفتان :الجبرية والقدرية:
أما الجبرية فقالت إن اإلنسان مجبور على فعل نفسه ،يعني كالريشة في مهب الريح.
وأما القدرية فقالت إن اإلنسان يخلق فعل نفسه وال عالقة هلل بفعله.
وأما أهل السنة والجماعة فقالت :إن العبد له مشيئة وإن اهلل له مشيئة..
ومشيئة العبد قاصرة (يعني قد تحدث وقد ال تحدث).
أما مشيئة اهلل سبحانه وتعالى فهي مشيئة نافذة ال بد أن تقع.
َ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ
ين﴾ [التكوير.]29 :
اَّللْربْْالعال ِم ْ
اءْ ْ ونْإِلاْأنْيش ْ
كما قال اهلل تعالى﴿ :وماْتشاء ْ
وال يتم إيمان عبد حتى يؤمن بمراتب القدر األربعة وهي :العلم والكتابة والمشيئة والخلق.
ومعنى العلم :أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء.
ومعنى الكتابة :أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات واألرض
بخمسين ألف سنة.
ومعنى المشيئة :أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى إذا شاء شيئا قال له "كن" فيكون.
ومعنى الخلق بأن تؤمن بأن اهلل خلق كل شيء.
وإذا تأملت كالم المصنف 6وجدت أنه ضمن كالمه هذه المراتب األربع.
48
وقوله [ :6ومن صفات اهلل تعالى أنه الفعال لما يريد ال يكون شيء إال بإرادته ،وال يخرج شيء عن مشيئته] يريد هنا
بالمشيئة اإلرادة الكونية.
وقال أهل العلم :لم ترد المشيئة في كتاب اهلل سبحانه وتعالى إال كونية ،فالمشيئة واحدة .أما اإلرادة فنوعان :إرادة
كونية وإرادة شرعية.
أما اإلرادة الكونية فهي :إرادة عامة ال تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه.
ومن ذلك :حدوث المصائب ،هذه إرادة كونية ال تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه ..ال بد أن تقع.
أما اإلرادة الشرعية :فهي إرادة خاصة تتعلق بما يحبه اهلل ويرضاه..
وهذه إرادة قد تقع وقد ال تقع ،بخالف اإلرادة الكونية ،فإنها ال بد أن تقع.
فاهلل عز وجل أراد من العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ..فمنهم من آمن ،ومنهم من كفر.
لذلك اإلرادة الشرعية :تختص بعباد اهلل المؤمنين الذين امتثلوا أمر اهلل واجتنبوا نهيه.
أما اإلرادة الكونية :فيدخل فيها المؤمن والكافر.
وفي كالمه 6إشارة إلى مرتبتي العلم والمشيئة.
وقوله [ :6وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ،وال يصدر إال عن تدبيره وال محيد ألحد عن القدر المقدور] أي ال بد
أن يقع قدر اهلل سبحانه وتعالى.
وإذا آمن العبد بذلك سعد ولم يفزع ولم يخف من أحد إال اهلل سبحانه وتعالى.
لماذا؟ ألنه يوقن أنه لن يحدث شيء إال بقدر اهلل سبحانه وتعالى .لذلك أهل اإليمان أسعد الناس.
النبي lقال البن عباس معلما له هذه العقيدة" :يا غالم أني أعلمك كلمات :احفظ اهلل يحفظك ،احفظ اهلل تجده
تجاهك .إذا سألت فاسأل اهلل وإذا استعنت فاستعن باهلل ،واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم
ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك".
وشيء :نكرة في سياق اإلثبات تفيد العموم.
أي لم ينفعوك بشيء إال بشيء قد كتبه اهلل لك..
لذلك ال تستعن إال باهلل ،وال تطلب إال من اهلل سبحانه وتعالى..
فاهلل عز وجل بيده كل شيء .لذلك إذا أردت شيئا فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى ثم اعمل باألسباب.
قال " :lولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إال بشيء قد كتبه اهلل عليك".
يعني لو اجتمع العالم كله ..دول العالم كلها اجتمعت على أن يضروا إنسانا بشيء واهلل ثم واهلل ثم واهلل ما استطاعوا
ذلك إال إذا شاء سبحانه وتعالى ذلك.
49
((هذه عقيدة) ) إذا حققها العبد سعد ،فلم يحزن إذا أصابه الضر ،ولم يفعل شيئا محرما للحصول على عرض من
أعراض الدنيا ألنه يوقن أن كل شيء بيد اهلل سبحانه وتعالى.
وقوله[ :ولو عصمهم لما خالفوه ،ولو شاء أن يطيعوه جميعا ألطاعوه]
بمعنى :لو عصم اهلل عز وجل الخلق ما فعلوا معصية وما تهاونوا في طاعته ،ولو شاء أن يطيعوه جميعا ألطاعوه.
َ
كما قال تعالى﴿ :فعالْْل َِماْيُرِ ُْ
يد﴾.
50
وقد قال النبي " : lإن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ،ثم يكون علقة مثل ذلك( ،أي في األربعين
الثانية يكون علقة)،
ثم يكون مضغة مثل ذلك( ،أي في األربعين الثالثة يكون مضغة ،أي قطعة لحم صغيرة قدر ما يمضغ) ثم يبعث اهلل
ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له :اكتب عمله ،ورزقه ،وأجله وشقي أم سعيد .ثم ينفخ فيه الروح ،فإن الرجل منكم
ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ،ويعمل حتى ما يكون بينه
وبين النار إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة".
يعني :قد يعمل اإلنسان بعمل أهل الجنة (أي طاعة) ثم يختم له بعمل أهل النار قبل الموت فيموت عليه فيدخل
النار ..وذلك ألجل أنه كان يعمل بعمل أهل الجنة رياء وسمعة ،لذا ختم له بعمل أهل النار.
ورجل آخر يعمل بعمل أهل النار طيلة حياته وقبل أن يموت يختم له بعمل أهل الجنة فيموت عليه فيدخل الجنة.
فالخواتيم ال يعلمها إال اهلل سبحانه وتعالى..
لذلك علينا أال نستحقر عاصيا ربما يختم له بعمل أهل الجنة فيموت عليه فيدخل الجنة ،وربما يختم للذي نراه
محافظا على الفرائض بعمل أهل النار فيموت عليه فيدخل النار.
لذلك على اإلنسان أن يسأل اهلل عز وجل العافية.
يَسِيرْ﴾ [الحديد ]22 :أي ما يصيب أحدا مصيبة إال واهلل عز وجل كتبها في اللوح المحفوظ.
َ َ َّ َ ً َ َ ُ َ ُ َّ َ َ َّ ُ َ َ
ضل ُْه ْيج َعلْ ْ َصد َرْهُ ْضيِقا ْ َح َر ًجا ْكأن َماْ اَّلل ْأن ْ َيهدِي َ ُْه ْيَش َرحْ ْ َصد َرْهُ ْل ِل ِإسل ِْ
ام ِْ ْومن ْي ِردْ ْأن ْي ِ وقال تعالى﴿ :ف َمن ْيُرِدِْ ْ ْ
َ َ َ َ َّ َ َ لْ َّ ُ َ َ َٰ َ َ َ ُ ي َ َّص َّع ُْدْفيْ َّ
ون﴾ [األنعام]125 : ِينْلاْيُؤمِنُ ْ
سْعلىْالذ ْ الرج ِْ ْ ْ
اَّلل ْ ِكْيجع الس َما ِْء ِْْكذل ْ ِ
أي إذا أراد اهلل سبحانه وتعالى أن يهدي عبدا شرح صدره لإلسالم .وإذا أراد إضالل ٍ
عبد جعل صدره ضيقا حرجا.
51
((وهذا فيه إشارة إلى اإلرادة الكونية))
وروى ابن عمر "أن جبريل jقال للنبي :lما اإليمان؟ قال :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر
وبالقدر خيره وشره ،فقال جبريل :صدقت"[ .رواه مسلم]
وخير القدر هو ما يسعد اإلنسان به من الطاعة واألعمال واألقوال المحببة للنفس.
والمراد بشر القدر :شر المقدور ،ألن قدر اهلل سبحانه وتعالى كله خير ال شر فيه البتة.
ومعنى ذلك :أن اهلل سبحانه ال يُنسب الشر إليه.
لذا قال النبي " :lوالشر ليس إليك".
فمثال :خلق اهلل عز وجل ذوات السموم ،فهي شر بالنسبة إلى اإلنسان.
أما باعتبار نسبتها إلى اهلل سبحانه وتعالى فهي خير محض.
وكذلك اهلل عز وجل قدر األمراض :فهي شر بالنسبة لإلنسان الذي تصيبه .أما باعتبار نسبتها إلى اهلل سبحانه وتعالى
فهي خير محض .فاهلل عز وجل يصيب المؤمن باألمراض والمصائب حتى يرفع درجته.
بالء األنبياء ثم األمثل فاألمثل".
لذلك النبي lيقول" :أكثر الناس ً
وقال " :lيبتلى المرء على قدر دينه".
وقال " : lعجبا ألمر المؤمن ،إن أمره كله خير ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ،وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيرا له".
ثم قال :6وقال النبي " :lآمنت بالقدر خيره وشره ،وحلوه ومره".
وقوله" :وحلوه ومره" :أي يجب أن نؤمن بالقدر حلوه ومره ،فكله من عند اهلل سبحانه وتعالى ،سواء أحبه العبد ورضي عنه ،أو
يرض .فيجب على العبد أن يؤمن بقدر اهلل كله.
لم يحبه ولم َ
والفرق بين( :الخير والشر) وبين (الحلو والمر)
-أن الخير والشر :باعتبار المآل.
-أما الحلو والمر :فباعتبار العاجل.
كالطعام :اإلنسان يتذوق حالوته أو مرارته في بداية األمر ..فإذا استفاد الجسم منه أو تضرر منه فهذا يسمى :الخير أو الشر.
ثم قال :6ومن دعاء النبي lالذي علمه الحسن بن علي Gيدعو به في قنوط الوتر" :وقني شر ما قضيت".
فهنا أضاف الشر إلى ما قضاه ال إلى قضائه ،فكما تقدم :الشر ال ينسب إلى اهلل سبحانه وتعالى.
ثم قال [ :6وال نجعل قضاء اهلل وقدره حجة لنا في ترك أوامره وفعل نواهيه]
بل يجب أن نؤمن ونعلم أن هلل علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل.
52
َّ
اَّلل ِْ ُح َّ َ
ونْل َّ ُ َ َّ
جةْْ َبع َْدْالر ُس ِْ
ل﴾ [النساء.]165 : اسْعَلىْ ْ
ِلن ِ ْ قال اهلل تعالى﴿ :ل َِئلاْيَك ْ
ونعلم أن اهلل سبحانه ما أمر وما نهى إال المستطيع للفعل والترك ،وأنه لم يجبر أحدا على معصية ،وال اضطره إلى ترك
الطاعة.
َّ َ
قال اهلل تعالى﴿ :لاْيُكل ِف َّ ُ َ ُ َ
اْوس َع َها﴾ [البقرة]286 :
ْاَّللْنف ًساْإل ُ
ِ
َّ َ َّ ُ
اَّللْ َماْاستَ َطعتُمْ﴾ [التغابن.]16 :
وقال تعالى﴿ :فاتقواْ َْ
َ َ َ ُ ُ
وقال تعالى﴿ :ال َيو َْمْتج َزىْكلْْنفسْْب ِ َماْك َسبَتْْلاْ ُظل َْمْال َيو َْم﴾ [غافر.]17 :
فدل على :أن للعبد فعال وكسبا ،يجزى على حسنه بالثواب ،وعلى سيئه بالعقاب ..وهو واقع بقضاء اهلل وقدره.
كأن المصنف 6يرد بهذا الكالم على من زعم أن اإلنسان مجبور على فعل المعاصي.
وإنما عقيدة أهل السنة والجماعة:
أن كل إنسان يفعل ما يفعله باختياره ..فالذي يفعل الطاعة والذي يفعل المعصية يفعلها باختياره.
َ َ َ َ
وقد قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :ل َهاْ َماْك َسبَتْْ َو َعلي َهاْ َماْاكت َسبَتْ﴾ [البقرة]286 :
وذكر أدلة على ذلك منها :اآلية التي تقدمت ،وأيضا قال:
وقال رسول اهلل " :lاإليمان بضع وسبعون شعبة ،أعالها شهادة أن ال إله إال اهلل ،وأدناها إماطة األذى عن الطريق".
فجعل القول والعمل من اإليمان.
وأيضا هذا الحديث فيه :أن اإليمان يزيد وينقص :فأعلى شعب اإليمان شهادة أن ال إله إال اهلل ،وأدنى شعب اإليمان
إماطة (أي إزالة) األذى عن الطريق.
53
َ ً َ َ ُ ََ َ ُ َ ً
يمانا﴾وقال :6وقال تعالى﴿ :فزادتهمْْإِيمانا﴾ ،وقال﴿ :ل ِيزدادواْإ ِ
هاتان اآليتان فيهما أن اإليمان يزيد.
وقال :6وقال رسول اهلل " :lيخرج من النار من قال :ال إله إال اهلل وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من اإليمان".
فجعله متفاضال.
والمراد بالبرة :حبة القمح.
والمراد بالخردلة :نبات صغير ،يضرب به المثل في الصغر.
وهذا الحديث فيه أن اإليمان ينقص.
أسئلة الدرس:
األسئـ ــلة
-السؤال األول :اذكر دليلين عل وجوب اإليمان بالقضاء والقدر.
-السؤال الثاني :ما هي مراتب اإليمان بالقضاء والقدر األربعة التي ال يتحقق اإليمان بالقضاء والقدر إال بها؟
-السؤال الثالث :ضلت في القدر طائفتان .اذكرهما ،مع ذكر مذهب أهل السنة والجماعة في القدر.
-السؤال الرابع :ما عقيدة أهل السنة والجماعة في اإليمان؟
54
المحاضـرة الثـالث ــة والعشـرون
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
ً الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة الثالثة والعشرون من محاضرات العقيدة وهو الدرس السابع من دروس كتاب (االعتماد شرح لمعة
االعتقاد) ،وفي هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على جملة من المسائل الغيبية ،ومن ذلك:
-وعذاب القبر ونعيمه. -وأشراط الساعة. -اإلسراء والمعراج.
-والحشر يوم القيامة. -والبعث. -وفتنة القبر.
-والشفاعة في القيامة. -والصراط. -وحوض نبينا .l
-والجنة والنار.
قال [ :6ويجب اإليمان بكل ما أخبر به النبي lوصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا ،نعلم أنه حق وصدق،
سواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ،ولم نطلع على حقيقة معناه].
مثل :حديث اإلسراء والمعراج ،وكان يقظة ال مناما .فإن قريشا أنكرته ،وأكبرته ،ولم تكن تنكر المنامات.
ومن ذلك :أن ملك الموت لما جاء إلى موسى jليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فرد عليه عينه".
قوله[ :ويجب اإليمان بكل ما أخبر به النبي lوصح به النقل] أي :كل ما ثبت عن النبي lبحديث صحيح يجب علينا
أن نؤمن به.
وقوله[ :فيما شهدناه أو غاب عنا]
أي :يجب علينا أن نؤمن بكل ما أخبر به النبي ،lسواء شاهدناه بأعيننا أو لم نشاهده وكان غيبا علينا ،ألن النبي
lال يخبر إال بالصدق وال يخبر إال عن اهلل سبحانه تعالى.
كما قال تعالى﴿ :إنْْ ُه َْوْإل َاْ َوحيْْي ُ َ
وح َْٰي﴾ ِ ِ
وقوله[ :نعلم أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه]
أي :يجب االعتقاد أن كل ما أخبر به النبي lحق وصدق ،ال كذب فيه ،سواء عقلناه بعقولنا أو جهلناه ولم نطلع
على حقيقة معناه ،وهذا من تمام اإليمان.
ثم ذكر أمثلة 6على ذلك فقال :مثل "حديث اإلسراء والمعراج".
55
واإلسراء :هو سير جبريل jبالنبي lمن المسجد الحرام إلى بيت المقدس.
والمعراج :هو صعود النبي lمن بيت المقدس إلى السماء بصحبة جبريل .j
ام ْإلَي ْال َمسج ِْد ْالأَق َصى ْال َذِي ْب َ َ
اركناَْ ِ َ َ َ َ َ ً َ َ َ
ان ْالذِي ْأسرى ْبِعب ِد ْه ِْليلا ْ ِم ْ
ُ َ َ َ
ِ ج ِْد ْالحر ْ ِ
ن ْالمس ِ قال ربنا سبحانه وتعالى﴿ :سبح ْ
ير﴾ [اإلسراء]1 : ص ُْ َحول َ ُْهْل ِنُريَ ُهْمِنْآيَات ِنَا ِْْإنَ ُْهْ ُه َو َ
ْالس ِم ُ
يعْال َب ِ ِ ِ
وقوله[ :وكان يقظة ال مناما ،فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تكن تنكر المنامات] يعني كان اإلسراء والمعراج في اليقظة وليس
في المنام ،وذاك ألن قريشا أنكرته وأكبرته ..ولو كان مناما لما أنكرته ولما أكبرته.
ثم ذكر 6مثاال آخر وهو قوله[ :ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى jليقبض روحه لطمه ففقأ عينه فرجع
إلى ربه فرد عليه عينه] .فيجب علينا أن نؤمن بهذا ألجل أن النبي lأخبرنا به ولم يعرف موسى jأنه ملك الموت لذا
لطمه ففقأ عينه.
والساعة :هي القيامة .وأشراط الساعة قسمان :أشراط صغرى ،وأشراط كبرى.
-أما الصغرى فهي التي تحدث وال تزال تتجدد.
-وأما الكبرى فال تحدث إال عند قيام القيامة.
وقد قال " :lإنها لن تقوم (أي القيامة) حتى تروا قبلها عشر آيات ،فذكر الدخان ،والدجال ،والدابة ،وطلوع الشمس من
مغربها ،ونزول عيسى بن مريم ،lويأجوج ومأجوج ،وثالثة خسوف :خسف بالمشرق ،وخسف بالمغرب ،وخسف في جزيرة
العرب ،وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".
ذكر 6من أشراط الساعة الكبرى(( :خروج الدجال))
وسمي بالدجال لكثرة كذبه.
والدجال :رجل يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبيةُ .
والدجل هو :الكذب.
والدجال معه جنة ونار ،فجنته نار وناره جنة ،ويأمر الناس أن يطيعوه ويتبعوه ..فمن لم يطعه ألقاه في ناره وهي في
الحقيقة جنة.
56
وقوله[ :ونزول عيسى بن مريم jفيقتله] أي :ينزل عيسى jفي آخر الزمان فيقتل الدجال.
قال النبي " : lوالذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ،فيكسر الصليب ،ويقتل الخنزير،
ويضع الجزية (أي ال يقبل الجزية) ،وإنما يخير الكفار بين الدخول في اإلسالم وبين القتال".
قال " :lويفيض المال حتى ال يقبله أحد" .أي :يكثر المال حتى ال يقبله أحد.
وقال lعن عيسى " :jفيطلبه (أي :يطلب الدجال) حتى يدركه بباب لد فيقتله".
وباب (لد) هذا في بيت المقدس ..أي :يقتل عيسى jالدجال عند باب "لد".
وقوله [ :6وخروج الدابة] أي :يجب علينا أن نؤمن بخروج الدابة في آخر الزمان.
وهذه الدابة تنير وجه المؤمن وتقطع أنف الكافر.
َ َ َ َُ ُُ ََ َ َ َ ُ َ َ َ َ َُ َ ًَ َ ُ ََ َ َ
قال اهلل سبحانه وتعالىَ ﴿ :وِإذا ْ َوق َْع ْالقو ْل ْعلي ِهمْ ْأخرجنا ْلهم ْدابة ْمن ْالأرض ْتكل ِمهم ْأن ْالناس ْكان ِْ
واْبآيات ِنا ْلاْ ِ َ ِ
َ
يُوق ِنُ ْ
ون﴾.
قال المفسرون :تكلمهم أي تخاطبهم.
وقال بعض المفسرين :تكلمهم أي :تجرحهم.
57
وقوله[ :وأشباه ذلك مما صح به النقل]
أي :يجب علينا أن نؤمن كذلك بكل شيء غيبي أخبر به النبي ،lكالخسوفات الثالثة التي تحدث عند قرب قيام
الساعة وهي :خسف بالمشرق ،وخسف بالمغرب ،وخسف في جزيرة العرب.
والخسف هو :تصدع األرض وابتالع ما عليها.
ثم قال [ :6وعذاب القبر ونعيمه حق ،وقد استعاذ النبي lمنه وأمر به في كل صالة] أي :عذاب القبر ونعيمه حق
يجب اإليمان به.
وْأيدِيهم ْأَخر ُ
جواْ
َ ََ َُ َ ُ َ
ِط
س اْب ةك ئ ا لم الْو ت
ِ و ات ْال َ
م ِ ر
َ
يْغ َم َ ْف
َّ ُ َ
نو ِم ل االظ ْ ِ ْ
ذ إ ْ ْ
ىَٰ ومن األدلة على ذلك :قول اهلل تعالىَ ﴿ :ولَوْ ْت َ َ
ر
ِ ِ ِ ِ ِ
ُ َ َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ َ
ابْالهون﴾.
نْعذ ْ أنفسكمْْاليو ْمْتجزو ْ
قال العلماء :هذه اآلية في عذاب القبر.
َِ َُ ُ َ َ ِ َ ََ َُ َ
اَّللْ َماْ
لْ ْ ين ِْْويفع ْ
اَّللْالظال ِم ْ
لْ ْ ضْ تْفيْالحَيَا ْة ِْ ُ
الدنيَاْ َوفِيْالْآخِرْة ِْْوي ِ ِْ با
َ
الث ْْ
ل و
َ
ق ال ب ْوا ْاَّللْال َذ َ
ِينْآ َمنُ َُ ُ َ
تْ ْ وقال تعالى﴿ :يثب ِ ْ
ِ ِ ِ ِ
َ
يَش ُْ
اء﴾.
قال العلماء :هذه اآلية في عذاب القبر ونعيمه.
وقوله[ :وقد استعاذ النبي lمنه وأمر به في كل صالة] أي :استعاذ النبي lمن عذاب القبر وأمرنا أن نستعيذ منه في كل
صالة.
وذلك كما في حديث أبي هريرة :Eأن النبي lكان يدعو في الصالة قبل أن يسلم منها[[ :اللهم إني أعوذ
بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال]].
وفتنة الممات :هي عذاب القبر. وفتنة المحيا :هي الشهوات والشبهات.
كما في حديث أبي هريرة Eأن النبي lقال" :إذا قُبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان ،يقال ألحدهما
المنكر ولآلخر النكير ،فيقوالن :ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول (أي :ما كان يقول في الدنيا) هو
عبد اهلل ورسوله أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمد عبده ورسوله.
فيقوالن :قد كنا نعلم أنك تقول هذا .ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه.
58
ثم يقال :له نم.
فيقول :أرجع إلى أهلي فأخبرهم (يريد أن يبشر أهله بهذه المنزلة التي بلغها).
فيقوالن :نم كنومة العروس الذي ال يوقظه إال أحب أهله إليه ،حتى يبعثه اهلل من مضجعه ذلك.
وإن كان منافقا قال :سمعت الناس يقولون فقلت مثله ،ال أدري.
فيقوالن :قد كنا نعلم أنك تقول ذلك.
فيقال لألرض :التئمي عليه ،فتلتئم عليه ،فتختلف فيها أضالعه (يعني تدخل أضالعه بعضها في بعض) فال يزال فيها
معذبا حتى يبعثه اهلل من مضجعه ذلك".
وهنا فائدة :هل العذاب في القبر يقع على الروح أو على الجسد؟
مذهب أهل السنة والجماعة :أن العذاب والنعيم لروح الميت وبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة
وأيضا تتصل بالبدن أحيانا فيحصل له معها النعيم أو العذاب.
َ َ َ ُ َُ َ
ن ْالأج َد ِْ
اثْ ورِْفإِذا ْهم ْ ِم َْ خ ْفي ْ ُ
الص ْ ثم قال [ :6والبعث بعد الموت حق ،وذلك حين ينفخ إسرافيل jفي الصور﴿ :ونفِ ْ ِ
ُ َ َ
إِليْ َرب ِ ِهمْْيَنسِل ْ
ون﴾].
أي :يجب علينا أن نؤمن بالبعث بعد الموت.
والبعث :هو إخراج الناس من قبورهم للحساب والجزاء ،وذلك حين ينفخ إسرافيل jفي الصور.
والصور :قرن عظيم ال يعلم قدره إال اهلل سبحانه وتعالى.
هما ،فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد l
ثم قال [ :6ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرال بُ ً
ََ
ويحاسبهم اهلل تبارك وتعالى ،وتُنصب الموازين ،وتُنشر الدواوين ،وتتطاير صحائف األعمال إلى األيمان والشمائل﴿ :فأ َّما ْ َمنْْ
َ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ ً ُ َ ََ َ ُ َ َ ً َ ً َ ُ َ َ َ َ َُ َ ُ َ َ َ
ُ
ِب ْإِلي ْأهلِهِْمسروراْ(*)ْوأماْمن ْأوتِي ْكِتابه ْوراء ْظه ِره ِْ
ب ْحِسابا ْيسِيرا ْ(*)ْوينقل ْ
ف ْيحاس ْ أوت ِْي ْكِتاب ْه ْبِي ِمين ِ ْهِ ْ(*)ْفسو ْ
)ْويَصل َ َ
ىْسعِ ً َ َ َ َ ُ ُ
وْثبُ ً
وراْ(* َ
يرا﴾] [االنشقاق]12-7 : (*)ْفسوفْيدع
أي :يجب علينا أن نؤمن بحشر الناس يوم القيامة.
والحشر :هو جمع الخالئق في موقف القيامة للحساب والجزاء.
59
هما] أي :ال نعال لهم وال ثياب لهم غير مختونين ليس معهم من حطام
وقوله[ :ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرال بُ ً
الدنيا شيء.
وقوله" :فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد "l
أي :يقف الناس في المحشر حتى يشفع النبي lفيهم وهذه هي الشفاعة العظمى.
الناس يذهبون إلى آدم jيطلبون منه الشفاعة فيقول :إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن
يغضب بعده مثله ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ،فيذهبون إلى نوح فيقول :مثلما قال آدم jويقول اذهبوا إلى
غيري اذهبوا إلى إبراهيم ،فيذهبون إلى إبراهيم ،ثم يذهبون إلى موسى ،ثم يذهبون إلى عيسى .كلهم يعتذرون عن
الشفاعة إلى أن يأتوا نبينا .lفيخر ساجدا عند العرش.
فيقال :يا محمد ارفع رأسك وسل تُعط واشفع تُ َشفع ،فيذهب نبينا lويشفع في بدء الحساب.
شرا
فخيرا وإن كانت ً
وقوله[ :ويحاسبهم اهلل تبارك وتعالى] أي :على أعمالهم يحاسب كال على قدر عمله إن كانت خيرا ً
فشرا.
ً
وقوله[ :وتُنصب الموازين] أي :توضع الموازين لتوزن بها األعمال.
َ َ ََ َ ً َ َ َ َ َ َ َ ِ َ َ ََ ُ َ َ َ َ
الْ َحبَةْْمِنْْخردلْْأتينَاْ امةِْفلاْ ْتظل ُمْنفسْشيئاْْوِإنْْك ْ
انْمِثق ْ طْل ِيو ْمْالقِي كما قال تعالىَ ﴿ :ونض ُْعْال َم َوازِ َْ
ينْالقِس ْ
ََ
ين﴾. ب ِ َها ِْْ َوكف َٰيْْبِنَاْ َحا ِسب ِ َْ
وقوله[ :وتُنشر الدواوين] أي :صحائف األعمال.
والدواوين :جمع ديوان ،والديوان هو الصحيفة التي تكتب فيها األعمال.
وقوله[ :وتتطاير صحائف األعمال إلى األيمان والشمائل :فَأ ََّما َم ْن أُوتِ َي كِتَابَهُ بِيَ ِمينِ ِه]
َ بْح َِسابًاْيَس ً ف ْ ُيحَ ََ َ
ِيرا ْ(َ ْ)8ويَنقل ُْ
ِبْ اس ُ ْ (هذا القسم األول من الناس يأخذون كتابهم بيمينهم وهم أهل اإليمان﴿ ،ف َسو ْ
إلَيْأَهل ِ ْهِْ َمس ُر ً
وراْ(.﴾)9 ِ
أي :سعيدا فرحا.
اء ظَ ْه ِرهِ" (هذا القسم الثاني) الذي يأخذ كتابه بشماله. ِ ِ
"وأ ََّما َم ْن أُوت َي كتَابَهُ َوَر َ
َ
ورا" يدعو على نفسه بالهالك والويل.
ف يَ ْدعُو ثـُبُ ً
س ْو َ
"فَ َ
صلَى َس ِع ًيرا" أي :يعذب في النار.
"ويَ ْ
َ
َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َٰ َ ُ ُ ُ ُ َ
)ْو َمن ْخفتْ
ون ْ(َ 102 ثم قال " :6والميزان له كفتان ولسان توزن به األعمال﴿ :فمن ْثقلتْ ْموازِين ْه ْفأولئِك ْهم ْالمفل ِح
َ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ ُ َ َٰ َ َّ َ َ ُ َ ُ
ون﴾ [المؤمنون"]103-102 : موازِينهُْفأولئِكْالذِينْخ ِسرواْأنفسهمْفِيْجهنمْخال ِد ْ
60
هذا الميزان توزن األعمال فيه بعد أن تصير أجساما..
واللسان هو العمود الذي يوضع بين الكفتين.
َُ َ َ
ْم َوازِينُ ُْه" أي :حسناته.
قوله" :ف َمنْثقلت َ
َ ُ
"فأولئكْه ُمْال ُمفل ُِح ْ
ون" أي :الفائزون.
ََ ََّ
ْم َوازِينُه" أي :قلت حسناته.
ْخفت َ "ومن
َ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ َٰ َ َّ َ َ ُ َ ُ
ون" أي :هم الخاسرون يوم القيامة.
"فأولئِكْالذِينْخ ِسرواْأنفسهمْفِيْجهنمْخال ِد ْ
ثم قال [ :6ولنبينا محمد lحوض في القيامة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأباريقه عدد نجوم السماء،
من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أب ًدا]
أي :مما يجب علينا اإليمان به من األمور الغيبية :اإليمان بحوض نبينا .l
والحوض :هو مورد ماء عظيم يؤتاه النبي lفي القيامة تشرب منه أمة نبينا .l
ولكل نبي حوض وأعظم الحيضان حوض نبينا .l
َ َ َ َ َ َ َ
اك ْالكوث َْر﴾ فقالت :هو نهر أعطيه نبيكم lشاطئاه
وقد سئلت السيدة عائشة Iعن قوله تعالى﴿ :إِنا ْأعطين ْ
عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم.
وقال " :lأنا فرطكم على الحوض" يعني أنا أول من يصل إلى الحوض.
وقال " :lفإنكم سترون بعدي أثرة (يعني استئثار باألموال والمناصب ونحو هذا) فاصبروا حتى تلقوني على
الحوض".
علي ناس من أصحابي الحوض (أصحابي يعني :أتباعي) حتى عرفتهم اختُلِجوا دوني (أي :أخذوا
وقال " :lلَيَ ِر َد َّن َّ
إلي) فأقول :أصحابي ،فيقول :ال تدري ما أحدثوا بعدك".
عني حتى ال يصلوا َّ
أي :اتركهم فإنك ال تدري ما أحدثوا بعدك من التغيير والتبديل والتحريف لدين اهلل وعدم امتثال أمر اهلل سبحانه
وتعالى وأمرك .فيقول حينذاك :lسحقا سحقا لمن غير وبدل".
أي :يستحق العذاب من غير دين اهلل سبحانه وتعالى وبدل.
وقد ورد في وصف الحوض:
-وأن لونه أبيض من اللبن. -أنه مربع الشكل.
-وأن رائحته أطيب من المسك. -وأن طعمه أحلى من العسل.
-من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا. -وأن أباريقه التي يُشرب بها منه كعدد نجوم السماء.
61
الوِر ِق (أي :الفضة) وريحه أطيب
ودليل ذلك قول رسول اهلل " :lحوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من َ
من المسك وكيزانه كنجوم السماء (أي :أكوابه التي يشرب بها منه) فمن شرب منه فال يظمأ بعده أبدا".
ثم قال [ :6والصراط حق يجوزه األبرار ويزل عنه الفجار ،ويشفع نبينا محمد lفيمن دخل النار من أمته من أهل
الكبائر ،فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحما وحمما ،فيدخلون الجنة بشفاعتي ،ولسائر األنبياء والمؤمنين
َ َ ُ ُ َ َ َ َٰ َ ُ َ َ َ ََ َ َُ ََ َ َ َ َ َ َ
ون﴾
ِْمشفِق ْ ْوهمْ ِمن ْخشيتِه ْولاْيَشف ُعون ْإِلاْل َِم ِن ْارتضى والمالئكة شفاعات قال تعالى﴿ :يعل ُْم ْما ْبي ْ
ن ْأيدِي ِهم ْوماْخلفهم
[األنبياء ]28 :وال تنفع الكافر شفاعة الشافعين]
هنا يتكلم المصنف 6عن الصراط.
والصراط :جسر ممدود على متن جهنم يمر عليه المؤمنون إلى جنات النعيم.
والمنافقون إذا ما أرادوا أن يمروا على الصراط سلب اهلل عزوجل أنوارهم فيتساقطون في النار.
وأما عصاة الموحدين فتأخذهم الكالليب إلى النار إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك.
فيجب علينا أن نؤمن بذلك كله ألن النبي lأخبر به.
قال " :lثم يؤتى بالجسر (أي :الصراط) فيجعل بين ظهري جهنم (أي :على متن جهنم) فقال الصحابة :يا رسول
اهلل وما الجسر؟ قال :مدحضة مزلة (أي :تزل عنه األقدام فتسقط في النار) عليه خطاطيف وكالليب وحسكة مفلطحة
لها شوكة عقيفاء (أي :شوكة صلبة عريضة معوجة) تكون بنجد (أي :مكان مرتفع) يقال لها السعدان (أي :تسمى
بالسعدان) المؤمن عليها كالطرف (أي :كسرعة طرف العين) وكالبرق (أي :كسرعة البرق) وكالريح (أي :كسرعة الريح)
وكأجاويد الخيل والركاب (أي :كسرعة أجود أنواع الخيل) والركاب (أي :اإلبل)".
هذه سرعات المؤمنين على الصراط؛ منهم من يسير على الصراط ،منهم من يمر كالطرف ومنهم كالبرق ومنهم كالريح،
ومنهم كأجاويد الخيل والركاب.
ناج ُم َسلَّ ٌم ،وناج مخدوش خدشته الكالليب والخطاطيف ،ومكدوس في نار جهنم (أي :ساقط في
"فالناس حينذاك ٍ
نار جهنم) حتى يمر آخرهم يُسحب سحبا".
وقوله[ :يجوزه األبرار ويزل عنه الفجار] أي :يجوز الصراط أهل الطاعة ويتساقط عنه الفجار وهم المنافقون إلى النار .أما
الكفار فال يأتون إلى الصراط وإنما يساقون إلى جهنم وردا.
ً ِينْإلَيْ َ
ج َهنَ َْمْوِردا﴾ َ كما قال تعالىَ ﴿ :ون َ ُس ُْ ُ
وقْالمجرِم ْ ِ
إذن الصراط ال يمر عليه إال أهل اإليمان فمن زادت حسناته اجتازه ومن زادت سيئاته أخذته الكالليب والخطاطيف
إلى النار إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك أو خدشته الكالليب على قدر سيئاته ثم اجتاز الصراط.
62
وقوله[ :ويشفع نبينا محمد lفيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعد ما احترقوا وصاروا فحما
وحمما فيدخلون الجنة بشفاعته ]l
(هذه شفاعة عامة) وهي الشفاعة في أهل الكبائر يشفع نبينا lفي أهل الكبائر الذين ماتوا على معصية كبيرة من
كبائر الذنوب ولم يتوبوا منها؛ كشرب الخمر والزنا والقتل ونحو ذلك...
ويشفع كذلك في أهل الكبائر :المالئكة واألنبياء والصالحون.
قال " :lيخرج قوم من النار بشفاعة محمد lفيدخلون الجنة يسمون الجهنميين"
ثم قال [ :6والجنة والنار مخلوقتان ال تفنيان ،فالجنة مأوى أوليائه ،والنار عقاب ألعدائه ،وأهل الجنة فيها مخلدون.
َ ُ َ ََ َ َ َ َ َ َ
ج َهنَ َْمْخال ُِد ْ
ونْ* لاْ ُيفت ُْرْعن ُهمْْ َوهمْْفِي ْهِْ ُمبل ُِس ْ
ون﴾ [الزخرف]75-74 : ابْ َ نْال ُمجرِم َْ
ِينْفِيْعذ ِْ ﴿إ ِ ْ
ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ،ثم يقال :يا أهل الجنة خلود وال موت ،ويا أهل النار
خلود وال موت] أي :مما يجب علينا أن نؤمن به من األمور الغيبية :اإليمان بالجنة والنار ،وأنهما مخلوقتان ال تفنيان.
َ ُ ُ
وقال في النار﴿ :أع َِدتْْل ِلكاف ِرِ َْ
ين﴾ قال تعالى في الجنة﴿ :أع َِدتْْل ِل ُمتَقِ َْ
ين﴾.
وقد قال " :lاطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء".
63
وقوله[ :فالجنة مأوى أوليائه] :أولياء اهلل سبحانه وتعالى هم المتقون الذين امتثلوا أمره واجتنبوا نهيه.
ََ ُ َ َُ َ ََ ََ َ َ َ َ َ َ َ
ون﴾ [يونس.]62 :
اءْاَّلل ِْلاْخوفْعلي ِهمْولاْهمْيحزن ْ
نْأول ِي ْ
قال تعالى﴿ :ألاْإ ِ ْ
ُ َ َ ُ َ
ون﴾ [يونس]63 : ِينْآ َمنُواْ َوكانواْ َيتَق ْ
من هم؟ ﴿الذ َْ
وقوله[ :والنار عقاب ألعدائه] أي :الكفار والمنافقون (النفاق االعتقادي) ومن شاء اهلل سبحانه وتعالى من عصاة الموحدين.
َ َ
بآيَات ِنَاْيج َ َ ُ ارْالخُل ِْدْ َ َ َ َ َ َ ََ
ح ُد ْ
ون﴾ [فصلت]28 : ج َز ًْ
اءْب ِ َماْكانواْ ِْ ِيهاْد ُْ ارْل ُهمْْف
الن ُْ اءْأع َدا ِْءْ ْ
اَّلل ِْ َ ِكْ َ
ج َز ُْ كما قال تعالى﴿ :ذل ْ
َ َ َ َ َ
ج َهنَ َْمْخال ُِد ْ
ون﴾ [الزخرف ]74 :أي :إن الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي ابْ َ نْال ُمجرِم َْ
ِينْفِيْعذ ِْ وقوله تعالى﴿ :إ ِ ْ
في جهنم خالدون ال يخرجون منها وال يموتون.
ُ َ َ َ َّ َ
وقوله تعالى﴿ :لاْ ُيفت ُْرْعن ُهمْْ َوهمْْفِي ْهِْ ُمبل ُِس ْ
ون﴾ [الزخرف ]75 :أي :ال يخفف عنهم العذاب وهم فيه ساكتون سكوت يأس.
وقوله[ :ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ،ثم يقال :يا أهل الجنة خلود وال موت ،ويا أهل النار
خلود وال موت].
ودليل ذلك قول النبي " :lيؤتى بالموت كهيئة كبش أملح (واألملح هو األبيض الخالص) فينادي مناد يا أهل الجنة،
فيشرئبون وينظرون (أي :يرفعون رؤوسهم إلى المنادي) فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون :نعم :هذا الموت ،وكلهم قد رآه .ثم
ينادي :يا أهل النار ،فيشرئبون وينظرون ،فيقول :هل تعرفون هذا؟ فيقولون :نعم هذا الموت ،وكلهم قد رآه ،فيُذبح ،ثم يقول:
يا أهل الجنة خلود فال موت ويا أهل النار خلود وال موت".
يعني كل خالد ،إما في النعيم ،وإما في العذاب.
أسئلة الدرس:
السؤال األول :اشرح قول المصنف [ :6وكان يقظة ال مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته ولم تنكر المنامات]
األسئـ ــلة السؤال الثاني :اذكر أشراط الساعة التي ذكرها المصنف .6
السؤال الثالث :ما عقيدة أهل السنة والجماعة في عذاب القبر ونعيمة والبعث والحشر بعد الموت والميزان؟
السؤال الرابع :صف حوض نبينا lمع ذكر الدليل على ما تقول.
السؤال الخامس :اشرح قول المصنف [ :6والجنة والنار مخلوقتان ال تفنيان] مع ذكر الدليل على ما تقول.
64
المحاضـرة الرابعـ ـة والعش ـرون
وسالما على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
ً الحمد هلل رب العالمين ،وصال ًة
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد.
وهذه هي المحاضرة الرابعة والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة الثامنة واألخيرة من محاضرات كتاب [االعتماد
شرح لمعة االعتقاد].
وفى هذا الدرس نتعرف إن شاء اهلل تعالى على:
-حقوق النبي علينا
-وبعض حقوق الصحابة رضى اهلل عنهم علينا.
-وحكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار.
-وحكم مرتكب الجريمة من أهل القبلة.
-والواجب علينا نحو والة األمور.
-والواجب علينا نحو آل بيت النبي .
-ووجوب االتباع ،وذم االبتداع.
65
أرسلت به إال
ُ وقال " :والذي نفس محمد بيده ،ال يسمع بي أحد من هذه األمة يهودي وال نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي
كان من أصحاب النار".
فكل من أتى بعد النبي وسمع به ولم يؤمن به ومات على ذلك فهو في النار.
وقوله [ :6وال يُقضى بين الناس في القيامة إال بشفاعتي] أي ،ال يحاسب اهلل عز وجل الناس يوم القيامة إال بعد أن يشفع
في بدء الحساب.
كما قال " :لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له فيؤتاها ،وإني اختبأت دعوتي شفاعة ألمتي يوم القيامة".
خمسا لم يُعطَ ُه َّن أح ٌد من قبلي" ،وذكر منها(( :الشفاعة))
وقال " :أُعطيت ً
وقوله[ :وال يدخل الجنة أمة إال بعد دخول أمتي] أي ،ال يدخل أحد الجنة من األمم السابقة إال بعد دخول أمة النبي الجنة.
ودليله :قول النبي " :نحن اآلخرون السابقون يوم القيامة".
وقوله[ :صاحب لواء الحمد] أي يحمل النبي الراية يوم القيامة ..ألنه هو قائد المرسلين وقائد األمم.
كما قال " :أنا سيد ولد آدم وال فخر ،وأنا أول من تنشق األرض عنه يوم القيامة وال فخر ،وأنا أول شافع وأول مشفع وال
فخر ،ولواء الحمد بيدي يوم القيامة وال فخر".
وقوله[ :والمقام المحمود] أي صاحب المقام المحمود .
ُ ً َّ
ْمق ً
ك َ َ
َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َّ َ َّ
وهو المذكور في قوله تعالىَ { :وم َِنْالليلْفتَ َه َّ
ودا}. اماْمحم جدْبِهِْناف ِلةْلكْع َسىْأنْيبعثكْرب ِ
والمقام المحمود هو كل مكرمة يؤتاها النبي في القيامة وأعظمها الشفاعة العظمى ،وهي الشفاعة في بدء الحساب :الناس
يذهبون إلى آدم ،ثم إلى نوح ،ثم إلى إبراهيم ،ثم إلى موسى ،ثم إلى عيسى عليهم السالم،
يرجون منهم الشفاعة في بدء الحساب .فكلهم يقولون :لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى غيرى حتى يأتوا النبي فيشفع فيهم.
وقوله[ :والحوض المورود] أي الذي ترده أمته يوم القيامة.
كما قال " :lأنا فرطكم على الحوض".
وقوله[ :وهو إمام النبيين وخطيبهم]
كما قال " :lأنا سيد ولد آدم يوم القيامة وال فخر".
وقوله[ :وصاحب شفاعتهم] أي هو الذي يشفع lلبدء الحساب يوم القيامة.
وقوله[ :أمته خير األمم]
َ َ َُ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ
ْوتؤمِنُونْب ِ ْ
اَّللِ}. ْوتن َهونْع ِنْال ُمنك ِر
وف َ جتْل ِلنَ ِ
اسْتأ ُم ُرونْبِالْ َمع ُر ِ ْخي َرْأ َمةْأخر َ
ِ كما قال اهلل سبحانه وتعالى{ :كنتم
ولكن الخيرية هنا مقيدة :باألمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،واإليمان باهلل.
فإذا انتفت هذه الثالثة انتفت الخيرية.
66
وقوله[ :وأصحابه خير أصحاب األنبياء عليهم السالم]
ودليل ذلك قوله " :lخير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
ثم قال المصنف [ :6وأفضل أمته أبو بكر الصديق ،ثم عمر الفاروق ،ثم عثمان ذو النورين ،ثم علي المرتضى F
أجمعين].
لما روى عبد اهلل بن عمر Gقال" :كنا نقول والنبي lحي :أفضل هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم
علي فيبلغ ذلك النبي lفال ينكره".
وصحت الرواية عن علي أنه قال" :خير هذه األمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت سميت الثالث".
وروى أبو الدرداء عن النبي lأنه قال" :ما طلعت الشمس وال غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر".
ولكن هذا الحديث ضعيف.
قال [ :6وهو أحق خلق اهلل تعالى بالخالفة بعد النبي lلفضله ،وسابقته ،وتقديم النبي lله في الصالة على جميع
الصحابة ،Fوإجماع الصحابة Fعلى تقديمه ومبايعته ،ولم يكن اهلل ليجمعهم على ضاللة ،ثم من بعده عمر لفضله
وعهد أبي بكر إليه ،ثم عثمان لتقديم أهل الشورى له ،ثم علي لفضله وإجماع أهل عصره عليه].
هؤالء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول اهلل lفيهم" :عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي
َعضُّوا عليها بالنواجذ".
وقال " :lالخالفة من بعدي ثالثون سنة" .فكان آخرها خالفة علي.
ذكر المصنف 6تعالى[ :أن أفضل أمة النبي lأبو بكر ،ثم عمر ،ثم عثمان ،ثم علي]
وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة.
67
[ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي lفقال" :أبو بكر في الجنة ،وعمر في الجنة ،وعثمان في الجنة ،وعلي في
الجنة ،وطلحة في الجنة ،والزبير في الجنة ،وسعد في الجنة ،وسعيد في الجنة ،وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ،وأبو عبيدة
بن الجراح في الجنة" .وكل من شهد له النبي lبالجنة شهدنا له بها كقوله" :الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "،
وقوله لثابت بن قيس " :إنه من أهل الجنة" .وال نجزم ألحد من أهل القبلة بجنة وال نار إال من جزم له الرسول .lلكنّا
نرجو للمحسن ونخاف على المسيء].
هنا ذكر 6تعالى حكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار.
هل يجوز أن نشهد لرجل معين بجنة أو بنار؟
ال يجوز لنا أن نشهد ألحد من أهل القبلة (أي من المسلمين) بجنة أو بنار إال من شهد له النبي ،lكالعشرة الذين نص
عليهم النبي .l
والحسن والحسين ،وثابت بن قيس .Fونحوهم...
وكذلك نشهد بالنار لمن شهد له النبي ،lأو شهد اهلل عز وجل له بالنار.
َ َ َ َ ً َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ُُ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ
اراْذات ْل َهب ْْ٣ اْك َس َ
ب ْْ ٢سيصل َٰى ْن ْوت َّ ْ
ب ْْ ١ماْأغن َٰى ْعنه ْماله ْوم كما قال تعالى في أبي لهب{ :تبت ْيداْأبِيْلهب
َ َ َ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ
بْ }٤فنشهد ألبي لهب وامرأته بالنار ألن اهلل سبحانه وتعالى ذكر ذلك. ْحمالةْالحط ِ وامرأته ْ
وقال " :lرأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار".
أي ،يجر أمعاءه في النار .فهذا نشهد له أيضا بالنار.
كذلك نشهد شهادة عامة ألهل اإليمان بالجنة ..فكل مؤمن في الجنة.
ونشهد شهادة عامة للكافرين بالنار فنقول :كل كافر مات على كفره في النار.
أما الشهادة لرجل معين بجنة أو بنار فال يجوز ..فربما يموت الذي نرى إيمانه على الكفر فيدخل النار ،وربما يموت الذي
نرى كفره على اإليمان فيدخل الجنة .لذلك ال يجوز أن نشهد ألحد بجنة أو بنار.
ثم تكلم المصنف 6تعالى عن حكم مرتكب الكبيرة من أهل القبلة فقال[ :وال نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ،وال
نخرجه عن اإلسالم بعمل]
يعني من عمل كبيرة من كبائر الذنوب وأصر عليها فإننا ال نكفره وال نخرجه عن اإلسالم.
وكذلك من مات وهو مصر على كبيرة من الكبائر فال نكفره وال نخرجه عن اإلسالم.
وذلك لقول النبي " :lيخرج قوم من النار بشفاعة محمد lفيدخلون الجنة يسمون :الجهنميين".
وهؤالء من المؤمنين دخلوا النار ألجل أنهم فعلوا كبائر الذنوب.
68
ثم تكلم 6تعالى عما يجب علينا نحو والة األمور فقال:
فاجرا ،وصالة الجمعة خلفهم جائزة].
[ونرى الحج والجهاد ماضيا مع طاعة كل إمام ،بَـ ًرا كان أو ً
قال أنس :قال النبي " : lثالث من أصل اإليمان :الكف عمن قال :ال إله إال اهلل وال نكفره بذنب وال نخرجه من
اإلسالم بعمل ،والجهاد ماض منذ بعثني اهلل عز وجل حتى يقاتل آخر أمتي الدجال ،ال يبطله جور جائر وال عدل
عادل واإليمان باألقدار" .رواه أبو داود .ولكن هذا الحديث ضعيف.
هنا تكلم 6تعالى عما يجب علينا نحو والة األمور ،يجب علينا:
أن نسمع لهم ونطيع وإن كانوا فُجارا.
إال إذا أمروا بمعصية اهلل سبحانه وتعالى فال سمع وال طاعة.
وصالة الجمعة خلفهم جائزة ،ألن األئمة في القديم كانوا هم الذين يؤمون الناس في الجمع.
نشطك ومكرهك وأثرةٍ عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك".
وأطع في عُس ِرك ويسرك وم ِ
َ ُ
ِ
وقد قال " :lاسمع ْ
ثم تكلم 6تعالى عن بعض حقوق الصحابة Fعلينا فقال[ :ومن السنة تولي أصحاب رسول اهلل lومحبتهم ،وذكر
محاسنهم ،والترحم عليهم ،واالستغفار لهم ،والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم ،واعتقاد فضلهم ،ومعرفة سابقتهم،
ً ُُ َ ََ َ ََ َ َ َ َ َ َ ُ َ َُ ُ َ قال اهلل تعالىَ { :وال َذ َ
ْولاْتج َعلْفِيْقلوبِنَاْغِلاْ انْسبَقوناْبِال ِإ ْ
يم ِ ْربَنَاْاغفِرْلناْول ِ ِإخوان ِناْالذِين
ون َ اءواْم َ
ِنْبع ِدهِم ْيقول ِين َ
ْج ُ
ْر ُءوف َ
ك ََ َ َُ َََ َ َ
ْرحِيمْ}. ل ِلذِينْآمنواْربناْإِن
ْر َحمَ ُ ََُ َُ ُ َ َ َ َ َ َُ َ َ ُ ََ ُ
ك َفار ُ
اءْبَينَ ُهمْ}. ِ وقال تعالى{ :محمدْرسولْاَّلل ِْْوالذِينْمعهْأشِداءْعلىْال
وقال النبي " :lال تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ ُم َّد أحدهم وال نصي َفهُ "]
69
ثم تكلم 6تعالى عما يجب علينا نحو آل بيت النبي lفقال[ :ومن السنة الترضي عن أزواج رسول اهلل lأمهات
المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء ،أفضلهن خديجة بنت خويلد ،وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها اهلل في
كتابه زوج النبي lفي الدنيا واآلخرة فمن قذفها بما برأها اهلل منه فقد كفر باهلل العظيم ،ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحي
اهلل أحد خلفاء المسلمين .]F
أي ،مما يجب علينا نحو آل بيت رسول اهلل :l
أن نترضى عن أزواجه .lوقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أزواج النبي lكلهن في الجنة.
وأفضل أزواج النبي :lخديجة وعائشة .G
وقوله[ :فمن قذفها بما برأها اهلل منه فقد كفر باهلل العظيم] أي ،من قذف عائشة Iبالزنا الذي برأها اهلل عز وجل منه في
أول سورة النور فهو كافر.
وقوله[ :ومعاوية خال المؤمنين] نص عليه ألن معاوية قاتل عليا فبعض الناس يخوضون فيه .وكان معاوية أخا ألم حبيبة زوج
النبي .l
وقوله[ :وكاتب وحي اهلل] أي ،لو لم يكن معاوية أمينا ما ائتمنه النبي lعلى أعظم أمر وهو كتابة الوحي.
ثم ختم 6تعالى كتابه بمسألة مهمة وهي :وجوب االتباع وذم االبتداع ،قال :6
[ومن السنة السمع والطاعة ألئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية اهلل فإنه ال طاعة ألحد في
معصية اهلل ،ومن ولي الخالفة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسمي أمير المؤمنين وجبت
طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين].
هنا ذكر 6تعالى أنه يجب علينا طاعة أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين سواء كانوا بارين أو فاجرين ما لم يأمروا بمعصية فإن
أمروا بمعصية فال سمع وال طاعة.
لقول النبي " :lال طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
ومن ولي الخالفة من الحكام واألمراء واجتمع عليه الناس (أي أهل العلم) ورضوا به أو تغلب عليهم بالسيف ونحوه حتى صار
خليفة وسمي أميرا للمؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته.
وال يجوز الخروج عليه وشق عصا المسلمين.
ثم قال [ :6ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين وترك النظر في كتب المبتدعة
واإلصغاء إلى كالمهم وكل محدثة في الدين بدعة وكل متسم بغير اإلسالم والسنة مبتدع ،كالرافضة ،والجهمية ،والخوارج،
والقدرية ،والمرجئة ،والمعتزلة ،والكرامية ،والكالبية ،والسالمية ،والكالمية ونظائرهم .فهذه فرق الضالل وطوائف البدع أعاذنا
اهلل منها]
70
قوله[ :ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم] أي من السنة هجر أهل البدع ومفارقتهم.
وقوله[ :وترك الجدال والخصومات في الدين] أي ال يجوز لعبد أن يجادل وأن يخاصم في دين اهلل سبحانه وتعالى.
وقوله[ :وترك النظر في كتب المبتدعة واإلصغاء إلى كالمهم] أي ال يجوز النظر في كتب المبتدعة واإلصغاء إلى كالمهم.
لماذا؟ ألن من فعل ذلك تأثر بهم إال العالِم.
فالعالم يجوز له أن ينظر في كتب المبتدعة حتى يرد عليهم ،أما غيره فال يجوز له النظر في كتبهم.
وقوله[ :وكل متسم بغير اإلسالم فهو مبتدع] أي كل من اتصف بصفة غير اإلسالم فهو مبتدع.
ثم ذكر 6تعالى رؤوس أهل البدع
كالرافضة.
والجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان الذي أنكر جميع األسماء والصفات هلل تعالى.
والخوارج الذين نزعوا أيديهم عن طاعة السلطان من أئمة المسلمين.
والقدرية الذين أنكروا القدر.
والمرجئة الذين قالوا ال يضر مع اإليمان معصية كما ال ينفع مع الكفر طاعة.
والمعتزلة الذين قدموا عقولهم على النص الشرعي وكل ما يخالفه العقل من نصوص الكتاب والسنة يرد وال يعمل به.
والكرامية فرقة قالت بالتجسيم والتشبيه.
ضا فرقة منسوبة إلى عبد اهلل بن سعيد بن كالب.
والكالبية أي ً
والسالمية فرقة يغلب عليها التصوف والدفاع عن الصوفية.
والكالمية وهم الذين يردون النصوص الشرعية إن خالفت عقولهم.
وقوله[ :ونظائرهم] أي وأمثال هذه الفرق ممن ابتدع في اإلسالم.
ثم قال [ :6وأما بالنسبة إلى إمام في الفروع كالطوائف األربع فليس بمذموم فإن االختالف في الفروع رحمة والمختلفون
فيه محمودون في اختالفهم مثابون في اجتهادهم ،واختالفهم رحمة واسعة ،واتفاقهم حجة قاطعة ،نسأل اهلل أن يعصمنا من
البدع والفتنة ويحيينا على اإلسالم والسنة ويجعلنا ممن يتبع رسول اهلل lفي الحياة ،ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته
وفضله آمين ،وهذا آخر المعتقد والحمد هلل وحده وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما]
قوله [ :6وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف األربع] أي المذاهب األربعة وهي :المالكية والحنفية والشافعية
والحنابلة.
71
أسئلة الدرس:
األسئـ ــلة
-السؤال األول:من هم أفضل األمة؟ مع ذكر الدليل على ما تقول.
-السؤال الثاني :من هو أحق خلق اهلل بالخالفة بعد النبي l؟ ولماذا؟
-السؤال الثالث :ما حكم الشهادة للمعين بجنة أو بنار؟ مع ذكر الدليل على ما تقول.
-السؤال الرابع :ما حكم مرتكب الكبيرة من أهل القبلة؟
-السؤال الخامس :ما الواجب علينا نحو والة األمور؟
-السؤال السادس :ذكر المصنف 6تعالى جملة من حقوق الصحابة Fعلينا ،اذكرها بإجمال.
وبهذا نكون انتهينا بفضل اهلل تعالى من دراسة كتاب [االعتماد شرح لمعة االعتقاد]،
أسأل اهلل العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ،وأن يثبت أقدامنا على الحق،
وأن يثبت قلوبنا على دينه حتى نلقاه ،وأن يجعلنا من عباده المخلصين.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
72
المحاضرة الخامس ـة والعشـرون
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة الخامسة والعشرون من
محاضرات العقيدة ،وهي المحاضرة األولى من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني].
يد القيرواني .6 وفي هذا اللقاء الطيب سنتكلم إن شاء اهلل تعالى عن نبذةٍ مختصرةٍ عن المصنف ابن أبي ز ٍ
كما سنتكلم إن شاء اهلل تعالى عن أهم ما جاء في هذه الرسالة ،وهي مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني.
كذلك سأقرأ عليكم متن هذه المقدمة ،كذلك سنتعرف على أهم ما جاء في مقدمة هذه المقدمة.
ٍ
بمالك الصغير ،ولد 6سنة محمد عبد اهلل بن أبي ز ٍ
يد القيرواني المالكي ،وكان يلقب ٍ ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني :6هو أبو
كبارا منهم الرازي ،والطبراني ،والبربهاري ،والدارقطني وغيرهم.
ست عشرة وثالثمائة بالقيروان ،عاصر أئمة ً
وأخذ 6العلم عن كثي ٍر من العلماء منهم :محمد بن مسروٍر الحجام ،كذلك أخذ العلم عن العسال ،ومحمد بن الفتح.
جمع كثير منهم :الفقيه عبد الرحيم بن العجوز السبتي ،وكذلك الفقيه عبد اهلل بن ٍ
غالب السبتي وغيرهما. وأخذ عنه ٌ 6
يقول القاضي عياض " :6مألت البالد تواليفه (أي تآليفه وتصانيفه) وجملة تواليفه كلها مفيدة بديعة غزيرة العلم".
وقد بلغت مؤلفاته نحو ثالثين مؤل ًفا من أشهرها :النوادر والزيادات ومختصر المدونة وكتاب الرسالة.
كتاب الرسالة هذا قسمه ثالثة أقسام :القسم األول منه العقيدة هذا الذي سندرسه إن شاء اهلل تعالى.
وقد أثنى على ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني 6عُلَ َماءٌ كثيرون.
ٍ
محمد 6إمام المالكية في وقته وقدوتهم ،وجامع مذهب مالك وشارح أقواله، يقول عنه القاضي عياض " :6كان أبو
ٍ
ومعرفة بما يقولهَ ،ذابَا عن مذهب مالك، وكان واسع العلم ،كثير الحفظ والرواية ،وكتبه تشهد له بذلك ،فصيح القلم ،ذا ٍ
بيان
بصيرا بالرد على أهل األهواء ،وحاز رئاسة الدين والدنيا ،وإليه كانت الرحلة من األقطار ،ونجب أصحابه
قائما بالحجة عليهً ،
ً
وكثر اآلخذون عنه ،وهو الذي لخص المذهب (أي مذهب اإلمام مالك) ،وضم كسره وذب عنه ،ومألت البالد تواليفه ،عارض
كثير من الناس أكثرها ،فلم يبلغوا مداها مع فضل السبق وصعوبة المبتدأ ،وعرف قدره األكابر".
ٌ
مات 6سنة تس ٍع وثمانين وثالثمائة.
وقد كتب 6رسالته هذه استجاب ًة لرغبة مؤدب الصبية ومعلمهم في وقته ،6طلب منه أن يكتب رسال ًة يحفظها األطفال،
فكتب هذه الرسالة في التوحيد والفقه واآلداب ،ولكن سنأخذ منها فقط التوحيد ،أما الفقه فهو على مذهب اإلمام مالك
كثيرا حتى إنها كتبت بالذهب.
،6وقد اهتم العلماء بهذه الرسالة ً
73
ننتقل اآلن إلى قراءة متن مقدمة الرسالة:
يقول " : 6الحمد هلل الذي ابتدأ اإلنسان بنعمته ،وصوره في األرحام بحكمته ،وأبرزه إلى رفقه وما يسره له من رزقه ،وعلمه
عظيما ،ونبأه بآثار صنعته ،وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه ،فهدى من
ما لم يكن يعلم ،وكان فضل اهلل عليه ً
وفقه بفضله ،وأضل من خذله بعدله ،ويسر المؤمنين لليسرى ،وشرح صدورهم للذكرى ،فآمنوا باهلل بألسنتهم ناطقين ،وبقلوبهم
مخلصين ،وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين ،وتعلموا ما علمهم ووقفوا عند ما حد لهم ،واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم.
أما بعد؛ أعاننا اهلل وإياك على رعاية ودائعه ،وحفظ ما أودعنا من شرائعه ،فإنك سألتني أن أكتب لك جملةً مختصرةً من واجب
أمور الديانة ،مما تنطق به األلسنة ،وتعتقده القلوب ،وتعمله الجوارح ،وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها
ٍ
وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب اإلمام مالك بن أنس 6وطريقته ،مع ٍ
وشيء من اآلداب منها، ونوافلها ورغائبها،
ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين ،وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للولدان ،كما تعلمهم
حروف القرآن؛ ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين اهلل وشرائعه ما ترجى لهم بركته ،وتحمد لهم عاقبته ،فأجبتك إلى ذلك؛ لما
رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين اهلل ،أو دعا إليه ،واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير ،وأرجى القلوب للخير ما لم
يسبق الشر إليه ،وأولى ما عني به الناصحون ،ورغب في أجره الراغبون ،إيصال الخير إلى قلوب أوالد المؤمنين؛ ليرسخ فيها،
وتنبيههم على معالم الديانة ،وحدود الشريعة؛ ل يراضوا عليها ،وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم ،وتعمل به جوارحهم ،فإنه
روي أن تعليم الصغار لكتاب اهلل يطفئ غضب الرب ،وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر ،وقد مثلت لك من
ذلك ما ينتفعون إن شاء اهلل بحفظه ،ويشرفون بعلمه ،ويسعدون باعتقاده والعمل به ،وقد جاء أن يؤمروا بالصالة لسبع سنين،
ٍ
وعمل قبل بلوغهم؛ ويضربوا عليها لعشر ،ويفرق بينهم في المضاجع ،فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض اهلل العباد من ٍ
قول
ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم ،وسكنت إليه أنفسهم ،وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم.
عمال من الطاعات ،وسأفصل لك ما شردت
عمال من االعتقادات ،وعلى الجوارح الظاهرة ً
وقد فرض اهلل سبحانه على القلب ً
لك ذكره بابًا بابًا؛ ليقرب من فهمه ومتعلميه إن شاء اهلل تعالى ،وإياه نستخير ،وبه نستعين ،وال حول وال قوة إال باهلل العلي
كثيرا. ٍ
تسليما ً
ً محمد نبيه ،وآله وصحبه وسلم العظيم ،وصلى اهلل على سيدنا
باب ما تنطق به األلسنة وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات.
من ذلك اإليمان بالقلب والنطق باللسان أن اهلل إلهٌ واح ٌد ال إله غيره ،وال شبيه له ،وال نظير له ،وال ولد له ،وال والد له ،وال
صاحبة له ،وال شريك له ،ليس ألوليته ابتداء ،وال آلخريته انقضاء ،ال يبلغ كنه صفته الواصفون ،وال يحيط بأمره المتفكرون،
ِع ْ ُكرسِي ُْه ْ َّ َ َّ ََ ُ ُ َ َ
اتْ الس َم َ
او ِْ ون ْبِشىءْ ْمِنْ ْعِل ِم ْهِ ْإِلا ْب ِ َما ْش َْ
اء ِْ ْ َوس َْ يعتبر المتفكرون بآياته ،وال يتفكرون في ماهية ذاته﴿ .ولا ْيحِيط ْ
ُ ُ ُ َ َ َ
يم﴾ [البقرة.]٢٥٥ :ض ِْْ َولاْ َيئُود ْهُْحِفظ ُه َما ِْْ َوه َْوْال َعلِىْْال َع ِظ ُْ
َوالأر ْ
74
العالم الخبير ،المدبر القدير ،السميع البصير ،العلي الكبير ،وإنه فوق عرشه المجيد بذاته ،وهو في كل ٍ
مكان بعلمه ،خلق
ُ ُ
اْولاْح َّبة ْفِيْظل َم ِ
اتْ ِنْو َرقَة ْإل َّ َ
اْيعلَ ُم َه َ َ َ اإلنسان ،ويعلم ما توسوس به نفسه ،وهو أقرب إليه من حبل الوريدَ ﴿ ،و َما ْتَسْ ُق ُط ْم َ
ِ
َّ ََ
ْولاْيَابِسْإِلاْفِيْكِتَابْمبِينْ﴾ [األنعام.]٥٩ : ال َْأر ِض َ
ْول َ َ
اْرطب
على العرش استوى ،وعلى الملك احتوى ،وله األسماء الحسنى والصفات العلى ،لم يزل بجميع صفاته وأسمائه ،تعالى أن
تكون صفاته مخلوقةً وأسماؤه محدثة ،كلم موسى بكالمه الذي هو صفة ذاته ،ال خل ٌق من خلقه ،وتجلى للجبل فصار د ًكا من
ٍ
لمخلوق فينفد. ٍ
بمخلوق فيبيد ،وال صفةً جاللهن وأن القرآن كالم اهلل ليس
واإليمان بالقدر خيره وشره ،حلوه ومره ،وكل ذلك قد قدره اهلل ربنا ،ومقادير األمور بيده ،ومصدرها عن قضائه ،علم كل ٍ
شيء
َ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ ُ
قْ َوه َْوْالل ِط ْ
يفْ عمل إال وقد قضاه ،وسبق علمه به ﴿ألاْيعل ْمْمنْْخل ْ قبل كونه ،فجرى على قدره ،ال يكون من عباده ٌ
قول وال ٌ
َ
الخب ِ ُْ
ير﴾ [الملك.]١٤ :
شقي أو
ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من ٍّ
فكل ٌ يضل من يشاء فيخذله بعدله ،ويهدي من يشاء فيوفقه بفضلهٌّ ،
ٍ
لشيء إال هو ،رب العباد ورب أعمالهم، َح ٍد عنه غنى ،أو يكون خال ٌق ِ
سعيد ،تعالى أن يكون في ملكه ما ال يريد ،أو يكون أل َ
والمقدر لحركاتهم وآجالهم.
بشيرا ٍ
الباعث الرسل إليهم؛ إلقامة الحجة عليهم ،ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه ،lفجعله آخر المرسلين ً
منيرا ،وأنزل عليه كتابه الحكيم ،وشرح به دينه القويم ،وهدى به الصراط المستقيم.
اجا ًونذيرا وداعيًا إلى اهلل بإذنه وسر ً
ً
وأن الساعة آتية ال ريب فيها ،وأن اهلل يبعث من يموت كما بدأهم يعودون ،وأن اهلل سبحانه ضاعف لعباده المؤمنين
صائرا
الحسنات ،وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات ،وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر ،وجعل من لم يتب من الكبائر ً
َ َ ُ َ ُ َ َ َٰ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َّ َ َ
ُ
اء﴾ [النساء.]٤٨ :
ِكْل ِمنْيش ْ
ونْذل ْ اَّللْلاْ َيغفِ ُْرْأنْيشر ْ
كْب ِ ْهِْويغفِ ْرْماْد ْ َ نْ ْ إلى مشيئته﴿ .إ ِ ْ
َ َ َ َ
الْذ َّرةْْ َخي ًراْي َ َرْهُ﴾ [الزلزلة.]٧ :
ومن عاقبه اهلل بناره أخرجه منها بإيمانه ،فأدخله به جنته﴿ .ف َمنْ َيع َملْْمِثق ْ
ويخرج منها بشفاعة النبي lمن شفع له من أهل الكبائر من أمته.
وأن اهلل سبحانه قد خلق الجنة ،فأعدها دار ٍ
خلود ألوليائه ،وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم ،وهي التي أهبط منها آدم
نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق من سابق علمه ،وخلق النار فأعدها دار ٍ
خلود لمن كفر به ،وألحد في آياته وكتبه ورسله،
وجعلهم محجوبين عن رؤيته.
ُ ًّ ًّ َ
ك ْ َصفا ْ َصفا﴾ [الفجر ]٢٢ :لعرض األمم وحسابها ،وعقوبتها وثوابها ،وتوضع
وأن اهلل تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة ﴿ َوال َمل ْ
َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ َٰ َ ُ ُ ُ ُ َ
ون﴾ [المؤمنون.]١٠٢ :
كْه ْمْالمفل ِح ْ
الموازين لوزن أعمال العباد﴿ .فمنْثقلتْْموازِين ْهْفأولئ ِ ْ
يسيرا ،ومن أوتي كتاب وراء ظهره فأولئك يصلون
ويؤتون صحائفهم بأعمالهم ،فمن أوتي كتابه بيمينه ،فسوف يحاسب حسابًا ً
سعيرا.
ً
75
وقوم أوبقتهم فيها وأن الصراط ٌّ
حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم ،فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنمٌ ،
أعمالهم.
واإليمان بحوض رسول اهلل lترده أمته ،ويذاد عنه من بدل وغير.
وعمل بالجوارح ،يزيد بزيادة األعمال ،وينقص بنقصها ،فيكون فيها النقص وبها
ٌ وإخالص بالقلب،
ٌ وأن اإليمان ٌ
قول باللسان
وعمل ونيةٌ إال بموافقة السنة ،وأنه ال يكفر أح ٌد
ٌ وعمل إال بنية ،وال ٌ
قول ٌ الزيادة ،وال يكمل قول اإليمان إال بالعمل ،وال ٌ
قول
ٍ
بذنب من أهل القبلة.
َحيَاءٌ عند ربهم يرزقون ،وأرواح أهل السعادة باقيةٌ ناعمةٌ إلى يوم يبعثون ،وأرواح أهل الشقاوة معذبةٌ إلى يوم
وأن الشهداء أ ْ
َّ َ ُ َ ُ َّ ُ َّ
ِينْآ َمنُواْبِالقو ِْلْالثاب ِ ِْ
تْفِيْالحَيَا ْة ِْالدنيَاْ َوفِيْالْآخ َِرْة ِ﴾ اَّللْالذ َْ
تْ ْ الدين ،وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون﴿ .يثب ِ ْ
وأن على العباد حفظةً يكتبون أعمالهم ،وال يسقط شيءٌ من ذلك عن علم ربهم ،وأن ملك الموت يقبض األرواح بإذن ربه.
وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول اهلل ،lوآمنوا به ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،وأفضل الصحابة الخلفاء
الراشدون ،المهديون أبو بك ٍر ،ثم عمر ،ثم عثمان ،ثم ٌّ
علي Fأجمعين ،وأال يذكر أح ٌد من صحابة الرسول lإال
بأحسن ذكر ،واإلمساك عما شجر بينهم ،وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ،ويظن بهم أحسن المذاهب.
والطاعة ألئمة المسلمين من والة أمورهم وعلمائهم ،واتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم ،واالستغفار لهم ،وترك المراء
والجدال في الدين ،وترك ما أحدثه المحدثون.
كثيرا". ٍ
تسليما ً
ً محمد ،وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم وصلى اهلل على سيدنا
ٍ
عقدية مهمة منها: ٍ
موضوعات هذه هي مقدمة رسالة ابن أبي زي ٍد القيرواني ،6هذه المقدمة اشتملت على عدة
المنهج في إثبات أسماء اهلل وصفاته عند أهل السنة والجماعة.
وكالم اهلل سبحانه وتعالى غير مخلوق.
وبعض أصول اإليمان( :اإليمان بالقدر ،والمالئكة ،واليوم اآلخر).
كذلك حكم مرتكب الكبيرة.
وتعريف اإليمان عند أهل السنة والجماعة.
واالعتقاد في الصحابة .F
ووجوب طاعة والة األمور.
وحكم المراء والجدال في الدين.
ردودا على أهل البدع ،كلما أحدث أهل البدع شيئًا رد عليهم أهل السنة والجماعة؛ لذلك الكتب المتقدمة في
هذا كله يعد ً
قديما كانوا يذكرون المسائل التي
ردودا على أهل البدع واألهواء ،بخالف الكتب المتأخرة فإنها تقريرية ،فالعلماء ً
العقيدة تعد ً
حدث فيها انحراف وخلط ومخالفة ،كما فعل ابن أبي ٍ
زيد القيرواني 6في هذا الكتاب.
76
نبدأ اآلن إن شاء اهلل تعالى في شرح مقدمة المقدمة.
قال ( :6الحمد هلل الذي ابتدأ اإلنسان بنعمته).
يعني أُثني على اهلل سبحانه وتعالى بما له من المحامد؛ ألجل أنه خلق اإلنسان ،وتفضل عليه بنعمه التي ال تعد وال
تحصى.
َ َ َ
َ َ َ ََ َ َّ َ َ ُ َ
ك﴾ [االنفطار.]٧-٦ : كْف َس َّو َْ
اكْف َع َدل ْ يمْْ٦الذِيْخلق ْ
كْالكرِ ِْ انْ َماْغ َّر َْ
كْب ِ َرب ِ ْ قال ربنا سبحانه﴿ :يَاْأي َهاْالإ َ
نس ْ ِ
َ َ َ
وقال سبحانه﴿ :لقدْْ َخلقنَاْالإ َ َ ََ
انْفِيْأح َس ِْ
نْتقوِيمْ﴾ [التين.]٤ : نس ْ ِ
عظيما).
ثم قال( :وعلمه ما لم يكن يعلم ،وكان فضل اهلل عليه ً
يعني اإلنسان ولد جاهالً فعلمه اهلل سبحانه وتعالى ما لم يكن يعلمه.
َ َ ُ َ َ َ ُ
َ َّ ُ َ َ ُ َ
ونْأ َّم َهات ِكمْْلاْتعل ُم ْ
ونْشي ًئا﴾ [النحل.]٧٨ : جكمْمِنْ ُب ُط ِْ اَّللْأخر
كما قال سبحانه وتعالى﴿ :و ْ
عظيما بما أعطاه من النعم الكثيرة التي ال تعد وال تحصى.
وكان فضل اهلل عليه ً
َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ
ْع ِظ ً
يما﴾ كْماْلمْْتكنْتعل ْم ِْْوكانْفضلْاَّلل ِْعليك
وقد قال اهلل عز وجل لنبيه وهو سيد الخلق﴿ :وعلم ْ
77
ثم قال( :وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه ،فهدى من وفقه بفضله ،وأضل من خذله بعدله).
يعني اهلل عز وجل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين.
رسوال حتى نؤمن بك.
لماذا؟ حتى يقطع أعذار الناس؛ حتى ال يقول الناس لم ترسل إلينا ً
يز َ
اْحك ً َ َ َّ َ ُ َ َّ ِ َ َ َّ ُ َّ َ َ ُ َ َ َ َّ ُ َ
ْعز ً كما قال تعالى﴿ :ر ُسلًاْمبَ ِشر َ
ينْ َو ُ
ِيما﴾ ِ ْاَّلل ان كوْ ِ ْ ْ
لِ سالر ْ ْ
د ع ب ْ ة
ْ ج حِْ ْ
اَّلل ْ ى ل ع ْ ْ
اسِلن ل ْ ْ
ون ك ي ْ ا لِئ ل ْ ْ
ينِ ِر
ذ ن م ْ ِ
[النساء.]١٦٥ :
هؤالء الرسل هم خير خلق اهلل تعالى.
ً َ َّ َ
ِن ْ َّ
الن ِ ْ
اس﴾ [الحج .]٧٥ :يعني يختار ،ويختار سبحانه وتعالى اَّلل ْيَص َط ِفيْ ْم َْ
ِن ْال َملائِك ْةِ ْ ُر ُسلا ْ َوم َْ كما قال تعالىُْ ﴿ :
الصفوة ،فالناس نحو الرسل انقسموا فريقين:
الفريق األول :هداه اهلل سبحانه وتعالى إلى الخير ،وهذا بمحض ٍ
توفيق من اهلل سبحانه وتعالى ،وفق اهلل عز
وجل جماعةً وأرشدهم إلى العمل بطاعته.
والفريق الثاني :خذله اهلل عز وجل ،ولم يوفقه للهدى ،وهذا بمحض ٍ
عدل من اهلل سبحانه وتعالى ،اهلل عز
وجل يعلم أنهم ال يستحقون الهداية؛ لذلك خذلهم عن طاعته.
َ َّ َ
ِيْمنْيَش ُْ
اء﴾ [المدثر.]٣١ : اَّللْ َمنْيَش ُْ
اءْ َو ْيَهد َ
قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :ي ُ ِ
ضلْْ ُْ
ᛜالهداية العامة :التي يشترك فيها النبيون والعلماء والصالحون ،وتسمى بهداية الدعوة واإلرشاد والبيان.
َ َ َ َّ
كْل َتهدِيْإِل َْٰيْ ِص َراطْْمستَقِيمْ﴾ [الشورى.]٥٢ :
ومنها قول اهلل تعالىَ ﴿ :وِإن ْ
فالهداية المنفية عن النبي lهي هداية التوفيق ،أما المثبتة فهي هداية اإلرشاد.
78
ثم قال( :ويسر المؤمنين لليسرى).
أي للجنة ،وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
َ ُ ُ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َ َ َّ َ َ َ َ َّ َ
قْبِالحسنىْْ٦فسني ِسرْهْل ِليسرى﴾ [الليل.]٧-٥ :
كما قال سبحانه وتعالى﴿ :فأماْمنْْأعطيْْواتقيْْْ٥وصد ْ
يْالس َما ِْء﴾ [األنعام.]١٢٥ : اْك َأ َّن َماْي َ َّص َّع ُدْف َّ
َ َ ً َ
حرج
ِ
ثم قال( :فآمنوا باهلل) :أي صدقوا ،وأقروا بربهم سبحانه وتعالى.
(بألسنتهم ناطقين) :أي نطقوا بذلك.
(وبقلوبهم مخلصين) :أي مذعنين ومؤمنين باهلل سبحانه وتعالى.
(وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين) :أي امتثلوا األوامر واجتنبوا النواهي التي جاءت بها الرسل عليهم السالم ،والكتب التي
أنزلها عليهم.
(وتعلموا ما علمهم ووقفوا عند ما حد لهم) .أي عند حدود اهلل سبحانه وتعالى ،وهي الحالل والحرام.
(واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم) :أي اكتفوا بالحالل عن الحرام ،ولم يرتكبوا المحرمات بل استغنوا عنها بفعل ما أُحل
له.
ثم قال( :أما بعد؛ أعاننا اهلل وإياك على رعاية ودائعه).
أي الجوارح ،جوارح اإلنسان ،وسميت ودائع؛ ألن اهلل عز وجل أودعها عند اإلنسان ،والمراد هنا أن يستعملها في
الطاعة ال في المعصية.
قال( :فإنك سألتني أن أكتب لك جملةً مختصرًة من واجب أمور الديانة مما تنطق به األلسنة ،وتعتقده القلوب ،وتعمله
ٍ
وجمل من أصول ٍ
وشيء من اآلداب منها، الجوارح ،وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ،ونوافلها ،ورغائبها،
الفقه وفنونه على مذهب اإلمام مالك بن ٍ
أنس 6وطريقته).
مختصرا ،هذا الكتاب يشمل العقيدة والفقه واآلداب.
ً يريد أن يقول أنت أيها المعلم طلبت مني أن أؤلف وأكتب لك كتابًا
79
وقوله( :من السنن) أي المستحبات.
(من مؤكدها) :أي ما داوم عليه النبي .l
(ونوافلها ،ورغائبها) :الفرق بين الرغائب والنوافل:
أن الرغائب ما داوم عليها النبي .l
أما النوافل :فما فعله ولم يداوم عليه ،أو داوم عليها ولم يحده بقد ٍر معين.
ضا هنا أن ما سيذكره من األحكام الفقهية على مذهب اإلمام مالك ،6كما قلت الرسالة مقسمة ثالثة
وذكر أي ً
أقسام :عقيدة ،وفقه ،وآداب.
الفقه على مذهب اإلمام مالك .6
ثم قال( :مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين ،وبيان المتفقهين).
يعني سألتني أن تكون هذه الجملة مصاحبة لما سهل من المذهب ،من تفسير الراسخين في العلم.
(وبيان المتفقهين) :أي الفقهاء من أصحاب اإلمام مالك ،6بعني أذكر لك جملةً من أقوال العلماء والفقهاء.
ثم قال" :واعلم "أيها المتعلم" ،أن خير القلوب أوعاها للخير).
أفضل القلوب هي التي تفهم الخير وتحفظه.
80
ثم قال( :وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه).
يعني أقرب القلوب إلى الخير ،القلوب التي لم ِ
تعص اهلل سبحانه وتعالى.
ثم قال( :وأولى ما عني به الناصحون ،ورغب في أجره الراغبون ،إيصال الخير إلى قلوب أوالد المؤمنين؛ ليرسخ فيها).
أي ليثبت في القلوب.
(وتنبيههم على معالم الديانة) :أي العقيدة.
(وحدود الشريعة) أي الحالل والحرام.
(ليُراضوا عليها) :يعني حتى يتمرنوا على ذلك.
(وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم) :أي ما يجب عليهم بعد البلوغ من العقائد.
(وتعمل به جوارحهم) :أي أعضاؤهم.
(فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب اهلل يطفئ غضب الرب).
ولكن هذا ضعيف ،لم يذكر في كتب السنة.
(وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر) :هذا صحيح ،يعني تعليم الشيء في الصغر يثبت بخالف التعليم في الكبر
ينسى بسرعة ،والطفل إذا علم شيئًا وهو صغير ،فإنه يشب عليه ،فإذا كبر ال يكون عليه غريبًا ،بخالف الذي لم يتعلم وهو
صغير ،يجد صعوبة في امتثال الخير.
ثم قال( :وقد مثلت لك "أي بينت لك" من ذلك ما ينتفعون إن شاء اهلل بحفظه ،ويشرفون بعلمه ،ويسعدون باعتقاده والعمل
به ،وقد جاء أن يؤمر بالصالة لسبع سنين ،ويضرب عليها لعشر ،ويفرق بينهم في المضاجع).
أي ثبت عن النبي lذلك.
كما في الحديث" :مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين".
"صل يا ولدي" ِ
"صل يا بني" كل صالة ،ولكن ال يضربوه. أي إذا بلغ الطفل سبع سنين على والديه أن يأمراه بالصالة ِ
قال " :lواضربوهم عليها وهم أبناء عشر".
يعني إذا بلغ عشر سنين ولم ِ
يصل يضرب ،وكذلك باقي الفرائض على الوالدين أن يعودوا أبناءهم عليها؛ حتى يتمرنوا
عليها ،وال يتركوها عند الكبر.
ثم قال " :lوفرقوا بينهم في المضاجع" .أي في أماكن نومهم.
ٍ
وعمل قبل بلوغهم؛ ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ثم قال ( :6فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض اهلل على العباد من ٍ
قول
ذلك من قلوبهم).
أي رسخ ذلك في قلوبهم.
81
(وسكنت إليه أنفسهم) :أي اطمأنت أنفسهم به فال يتركوه.
(وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم) :جوارحهم تعودت على ذلك ،فال تجد وحشة عند عمله بعد البلوغ.
كثيرا). ٍ
تسليما ً
ً محمد نبيه ،وآله وصحبه وسلم ثم ختم مقدمة المقدمة بقوله( :وصلى اهلل على سيدنا
نكتفي بهذا القدر ونأخذ أسئلة التكليف.
األسئـ ــلة
صفحة عن أهم معالم حياة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني .6 ٍ -السؤال األول :اكتب ما ال يقل عن
-السؤال الثاني :ما هي أهم الموضوعات التي جاءت في رسالة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني .6
يد القيرواني .6 بإجمال عن أهم ما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ
ٍ -السؤال الثالث :تكلم
نكتفي بهذا ِ
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
82
المحاضرة السـادســة والعشـرون
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات .وهذه هي المحاضرة السادسة والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة
الثانية من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني] .6
قال " :6باب ما تنطق به األلسنة وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات".
أي من األقوال واالعتقادات ،فال يصح ٌ
قول بال اعتقاد وال يصح اعتقا ٌد بال قول .يعني من نطق بالشهادتين ولم يعتقد بقلبه لم
ينفعه ذلك ،ومن اعتقد بقلبه ولم ينطق الشهادتين بلسانه لم ينفعه ذلك.
قال " :6من ذلك :اإليمان بالقلب والنطق باللسان أن اهلل إلهٌ واح ٌد ال إله غيره ،وال شبيه له ،وال نظير له ،وال ولد له ،وال
والد له ،وال صاحبة له ،وال شريك له".
أي من جملة واالعتقادات الواجبة اإليمان بالقلب ومعناه اإلقرار والتصديق الجازم بالقلب.
والنطق باللسان معناه االعتراف واإلقرار باللسان؛ أن اهلل إلهٌ واح ٌد ال إله غيره .يعني ينطق بلسانه أن ال إله إال اهلل .ويعتقد بقلبه
ذلك أال معبود ٍ
بحق سوى اهلل سبحانه وتعالى وهذا هو توحيد اإللهية.
وتوحيد اإللهية معناه :إفراد اهلل عز وجل بالعبادة؛ يعني ال يصرف شيئًا من العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى.
واألدلة على إفراد اهلل عز وجل بالعبادة كثيرة:
َُ َ َّ َّ ُ َ َ
ْالرح ُْ
ِيم﴾ [البقرة.]١٦٣ : ْالرحم ُن َّ
اْه َو َّ منها قول اهلل تعالىَ ﴿ :وِإل ُهكمْْإِلهْْ َواحِدْ ِْْلاْإِل َهْإِل
وقوله وال شبيه له يعني ال مثيل له.
سْكمثل ِ ْهِْشىءْ ِْْ َو ُه َو َّ َ َ َ
ص ُْ
ير﴾ [الشورى]١١ : ْالس ِم ُ
يعْال َب ِ قال تعالى﴿ :لي َ ْ ِ
وقوله وال نظير له يعني ال مسا ٍو له سبحانه وتعالى وال كفؤ له؛ وهذا معنى توحيد األسماء والصفات.
ٍ
تكليف وال ٍ
تمثيل وال تعطيل. توحيد األسماء والصفات معناه إفراد اهلل عز وجل بأسمائه وصفاته من غير تحر ٍ
يف وال
واألدلة على ذلك كثيرة:
َ
سْكمثل ِ ْهِْشىءْ ِْْ َو ُه َو َّ َ َ
يعْال َب ِص ُْ
ير﴾ [الشورى.]١١ : ْالس ِم ُ منها قول اهلل تعالى﴿ :لي َ ْ ِ
َ َ َ ُ َّ ُ ُ َ
كنْل ُْهْكف ًواْأ َحدْ﴾ [اإلخالص]٤ : وقوله تعالى﴿ :ولمْْي
وقوله وال ولد له وال والد له وال صاحبة له؛ يعني اهلل سبحانه وتعالى منزهٌ عن ذلك ألن هذه األشياء تستلزم النقص.
واهلل عز وجل منزهٌ عن كل نقص؛ فاهلل عز وجل ال يحتاج إلى ولد ليعينه أو نحو ذلك ،وال يحتاج إلى والد ،وال يحتاج
إلى صاحبة أي زوجة.
َّ
ُ َ َ َ ُ َ َُ ُ َ َ َّ
كنْل ُْهْ َصاحِبَةْ﴾ [األنعام.]١٠١ : وقد قال اهلل عز وجل﴿ :أنيْيَك ْ
ونْل ْهْولدْْولمْْت
83
وقوله :وال شريك له يعني اهلل عز وجل منزهٌ عن الشريك في الربوبية واأللوهية واألسماء والصفات ،وكذلك منزهٌ عن
الشريك في حكمه وشرعه وهذه أنواع الشريك.
اعتقادا أن غير اهلل يتصرف في الكون يخلق يرزق إلى آخر ذلك.
ً الشريك قد يكون في الربوبية
وقد يكون الشريك في األلوهية وذلك بصرف شيء من العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى.
وقد يكون الشريك في األسماء والصفات كأن يسمى غير اهلل ٍ
باسم من أسماء اهلل سبحانه وتعالى كما فعلت مشركي
سمت الالت من اهلل والعزى من العزيز ومناة من المنان إلى آخر ذلك.
قريش َّ
وقد يكون الشريك في الحكم هو أن يتحاكم إلى شرع اهلل سبحانه وتعالى.
وقد يكون الشريك في الشرع وهو أن يعمل بغير شرع اهلل سبحانه وتعالى كمن يضع القوانين الوضعية ونحو ذلك واهلل
عز وجل منزهٌ عن الشريك كله.
َ َ َ َ
يكْل ُْه﴾ [األنعام]١٦٣ :
قال اهلل سبحانه﴿ :لاْش ِر ْ
َ ُ َ ُ
وقال سبحانهَ ﴿ :ولاْتش ِركواْب ِ ْهِْشي ًئا﴾ [النساء]٣٦ :
وكالمه 6هذا يؤخذ منه أن أنواع التوحيد ثالثة:
توحيد الربوبية وتوحيد األسماء والصفات وتوحيد األلوهية.
فغضب اإلمام مالك 6غضبًا شدي ًدا ثم قال :الكيف غير معقول؛ (يعني ال أحد يعرف الكيف) ،واالستواء غير
مجهول (أي أن معنى االستواء معلوم) ،واإليمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة؛
يعني يجب علينا أن نؤمن وال نسأل عن الكيفية .وكذلك في جميع صفات اهلل سبحانه وتعالى.
قال " :6وال يحيط بأمره المتفكرون" .أي ال يحيط أح ٌد ِ
بح َكم اهلل سبحانه وتعالى وأسراره.
84
قال" :يعتبر المتفكرون بآياته ،وال يتفكرون في ماهية ذاته ،وَال يُ ِحيطُو َن بِ َ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
ش ْيء ِّم ْن علْمه إ َّال ب َما َش َ
اء". َ
يعني من تفكر في آيات اهلل سبحانه وتعالى الكونية الشمس والقمر وسائر المخلوقات علم أن اهلل سبحانه وتعالى هو
الذي يستحق العبادة.
وكذلك من تفكر وتأمل في آيات اهلل سبحانه وتعالى الشرعية فاآليات نوعان :شرعيةٌ وكونية.
شرعا القرآن الكريم.
اآليات الشرعية هي التي تضمنت ً
واآليات الكونية هي المخلوقات ،الشمس القمر السماء النجوم إلى آخره.
فكلما تفكر العبد في ذلك أوصله إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى وال يجوز ٍ
ألحد أن يتفكر في حقيقة ذاته سبحانه
وتعالى اهلل عز وجل حجب عنا ذلك وهذا مما استأثر اهلل عز وجل به.
وكذلك ال يستطيع أح ٌد أن يطلع على ٍ
شيء من علمه سبحانه وتعالى إال بما أعلمه اهلل عز وجل وأطلعه عليه.
َ َ ُ
كما قال تعالىَ ﴿ :ولاْيحِ ُ
ونْب ِ ْهِْعِل ًما﴾ [طه]١١٠ :
يط ْ
َ َّ َ َ َ ُ
ونْبِشىءْْمِنْْعِل ِم ْهِْإِلاْب ِ َماْش َْ
اء ِْ﴾ [البقرة.]٢٥٥ : وقال سبحانه وتعالىَ ﴿ :ولاْيحِ ُ
يط ْ
85
َّ
َ َ َ َ
اد ْة ِ﴾ [الرعد]٩ : كما قال سبحانه وتعالى﴿ :عَال ُِْمْالغي ِْ
بْوالشه
يعني سبحانه وتعالى يعلم ما غاب عنا وما شهدناه.
والخبير معناه العالم بمواضع األشياء فال يعطي إال لمن يستحق.
َ ُ َ
ِيمْالخب ِ ُْ
ير﴾ [األنعام]١٨ : كما قال سبحانه وتعالى﴿ :الحك ْ
فعال "يدبر".
اسما؛ وإنما أتى ً
ولكن المدبر ليس من أسماء اهلل سبحانه وتعالى .ألنه لم يأت ً
والفعل ال نأخذ منه االسم.
والقدير معناه الذي ال يعجزه شيء.
وأهل السنة والجماعة يقولون اهلل سبحانه وتعالى على كل ٍ
شيء قدير .ال يعجزه شيء.
َ َّ َ َ ُ
اَّللْعَلىْك ِْلْشىءْْقدِيرْ﴾ [آل عمران]١٨٩ :
قال تعالىَ ﴿ :و ُْ
السميع يعني الذي يسمع جميع األصوات.
البصير الذي يرى كل شيء ال يخفى عليه صوت وال فعل
َّ
كما قال تعالى﴿ :إن ُْهْ ُه َْوْ َّ
ص ُْ
ير﴾ [اإلسراء]١ : الس ِم ُْ
يعْال َب ِ ِ
وهذا يجعلك أيها المبارك ويجعلك أيتها المباركة أال تتكلم ال ترضي اهلل؛ ألنك تعلم أن اهلل يسمعك .وأن الذي
يسمعك اليوم سيحاسبك غ ًدا على ما تكلمت به.
كذلك يجعلك تقف عند حدود اهلل سبحانه وتعالى فال تفعل شيئًا ال يرضيه .ألنك تعلم أن اهلل يراك سبحانه وتعالى
مطلع عليك وأن الذي يراك اليوم سيحاسبك غ ًدا
ٌ
العلي الذي له العلو المطلق علو الذات ،والصفات ،والشأن ،والقهر
حقير بالنسبة إليه. الكبير الذي هو أكبر من كل شيء .فكل ٍ
خاضع ٌ
ٌ شيء
َ َّ َ ُ َ َّ
اَّللْه َْوْال َعلِىْْالكب ِ ُْ
ير﴾ [الحج]٦٢ : نْ ْ قال اهلل سبحانه وتعالىَ ﴿ :وأ ْ
86
المجيد سبحانه وتعالى أي المعظم العالي على جميع الخالئق.
ُ
كما قال سبحانه وتعالى﴿ :ذوْال َعر ِ ْ َ
ج ُْ
يد﴾ [البروج]١٥ : شْالم ِ
و"المجيد" فيها قراءتان :األولى الرفع والثانية الجر.
الرفع على أنه صفة للرب سبحانه وتعالى.
والجر على أنه صفة للعرش وكالهما صحيح.
وقوله "بذاته" فيه رٌد على الذين نفوا علو الذات .قالوا إن اهلل يحل في كل مكان .حاشا وكال .كالحلولية واالتحادية
ونحوها.
قال" :وهو في كل ٍ
مكان بعلمه".
وهذا أيضا فيه رٌد على الحلولية واالتحادية الذين يقولون إن اهلل في كل ٍ
مكان بذاته.
الصحيح أن اهلل سبحانه وتعالى معنا في كل ٍ
مكان بعلمه وإحاطته.
ُ ََُ َ َ ُ َ َ َ ُ
نْماْكنتمْ﴾ [الحديد.]٤ :
قد قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :وه ْوْمعكمْْأي ْ
87
كثيرا من اآليات القرآنية؛ وذلك حتى يسهل حفظه ،ال ٍ
والمالحظ على كالم ابن أبي زيد القيرواني 6أنه ضمنه ً
لفئة ٍ
معينة من الناس أن يكون سيما ومقصود هذا الكتاب الصبية الصغار حتى يحفظوه ،كذلك من أراد أن يعطي َدرسا ٍ
ًْ
بأ ٍ
سلوب يناسبه حتى يفهموا الكالم.
َ َ
شْاستَ َوى﴾ [طه.]٥ :
نْعَلىْال َعر ِ ْ
الرحم ُْ
قال تعالىَ ﴿ :
ثم قال" :لم يزل بجميع صفاته أسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقةً وأسماؤه محدثة".
يعني أسماء اهلل سبحانه وتعالى وصفاته أزلية ليست مخلوقة ،وال محدثة.
وهذا فيه رٌد على من زعم أن أسماء اهلل سبحانه وتعالى وصفاته محدثة أو مخلوقة ،وقد كفر أهل العلم من زعم ذلك.
كما قال اإلمام أحمد :6من زعم أن أسماء اهلل مخلوقة فهو كافر ،وكفره عندي أوضح من هذه الشمس.
ٍ
مسألة أخرى وهي[ :كالم اهلل سبحانه وتعالى] فقال" :كلم موسى بكالمه الذي هو صفة ذاته ال خل ٌق ثم انتقل 6إلى ذكر
من خلق".
يرد بهذا على الجهمية الذين يقولون :إن كالم اهلل مخلوق ،وأن اهلل سبحانه وتعالى خلق الكالم في موسى .j
وسىْْتَكل ً َ
اَّللْ ُم َ ََ
ِيما﴾ [النساء.]١٦٤ : قال اهلل سبحانه وتعالىَ ﴿ :وكل َْمْ ْ
تكليما) بنصب
ً الحافظ ابن كثير 6يقول :روي عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ (وكلم اللَّهَ موسى
لفظ الجاللة حتى ينفي الكالم عن اهلل سبحانه وتعالى.
88
َ َّ َ اءْ ُم َ َ
وسىْْل ِ ِميقات ِنَاْ َوكل َم ُْهْ َرب ُْه﴾ [األعراف.]١٤٣ : فقال له :يا ابن اللخناء فكيف تصنع بقوله تعالىَ ﴿ :ول َّماْ َج َْ
(يعني هذا ال يحتمل التحريف وال التأويل ،بخالف اآلية يجوز أن يتقدم المفعول على الفعل).
ثم قال" :وإن القرآن كالم اهلل ليس بمخلوق فيبيد وال صفة لمخلوق فينفد؛ يعني القرآن كالم اهلل سبحانه وتعالى .تكلم به
حقيقة.
َ َ َ ََ َ
اَّللِ﴾ [التوبة.]٦ :
لامْ ْجرْهُْ َح َتىْيَس َم َْعْك ْ ار َْ
كْفأ ِ
ج َِينْاستَ َ
ِنْال ُمش ِرك َْ
كما قال سبحانه وتعالىَ ﴿ :وِإنْْأ َحدْْم َْ
ليس بمخلوق.
لماذا؟ ألنه صفة من صفاته ،وصفات اهلل غير مخلوقة ،واهلل عز وجل غاير بين الخلق واألمر.
َ
َ َ َ
فقال﴿ :ألاْل ُْهْالخل ُْ
قْ َوالأم ُْر﴾ [األعراف.]٥٤ :
فالخلق شيءٌ واألمر شيء ،والقرآن من أمره سبحانه وتعالى.
لماذا القرآن غير مخلوق؟
ألنه إذا كان َم ْخلُوقًا لهلك وفني كما تفنى المخلوقات.
وقد َّ
كفر العلماء من قال بخلق القرآن.
قال اإلمام أحمد " :6من قال القرآن مخلو ٌق فهو عندنا كافر؛ ألن القرآن من علم اهلل عز وجل وفيه أسماء اهلل عز
وجل ،كذلك القرآن ليس صفةً لمخلوق".
وهذا فيه رٌد على من زعم أن القرآن صفةٌ لجبريل jأو صفة للنبي صلى اهلل عليه؛ ألنه إذا كان صفةً لمخلوق لنفد
وانتهى وكالم اهلل سبحانه وتعالى ال ينتهي وال ينفى.
َ ً َ ََ َ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ ً َ ُ َ َ َ
ِْم َددا﴾ جئنَاْب ِ ِْمثلِه
اتْرب ِيْولوْْ ِ
لْأنْتنف ْدْكل ِم ْ انْال َبح ُْرْم َِداداْل ِكل َِم ِْ
اتْرب ِيْلنفِ ْدْالبح ْرْقب ْ كما قال سبحانه﴿ :قلْلوْْك ْ
[الكهف.]١٠٩ :
يعني ال ينفد كالم اهلل سبحانه وتعالى وال ينتهي المداد الذي يكتب به.
89
ثم انتقل 6إلى بيان أصل من أصول اإليمان وهو :اإليمان بالقدر.
فقال" :واإليمان بالقدر خيره وشره".
حلوه ومره؛ يعني من أصول اإليمان عند أهل السنة والجماعة اإليمان بالقدر.
واإليمان بالقدر معناه :أن تؤمن بأن اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء ،وأنه كتب كل ٍ
شيء في اللوح المحفوظ قبل
خلق السماوات واألرض بخمسين ألف سنة ،وأنه خلق كل شيء ،وإذا شاء َش ْيئًا قال له كن فيكون.
األدلة على وجوب اإليمان بالقدر كثيرة:
َ َ َّ ُ َّ َ
منها قول اهلل تعالى﴿ :إِناْك ْلْشىءْْ َخلقنَ ْاهُْبِق َدرْ﴾ [القمر.]٤٩ :
ومنها حديث جبريل المشهور لما سأل النبي lعن اإليمان قال" :أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن
بالقدر خيره وشره".
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات قدر اهلل سبحانه وتعالى خيره وشره؛ يعني تؤمن بالقدر كله سواء كان َخ ْيـ ًرا
أو َش ًّرا ،الخير معروف ما يحبه اإلنسان والشر ما ال يحبه ،الغنى من الخير ،والفقر من الشر ،الصحة من الخير،
المرض من الشر ،ولكن قدر اهلل سبحانه وتعالى كله خير ،ال شر فيه أَبَ ًدا.
خير من
والشر باعتبار المقدور ال باعتبار القدر؛ معنى هذا الكالم اهلل سبحانه وتعالى قدر األمراض المرض هذا هو ٌ
حيث نسبته إلى اهلل سبحانه وتعالى ،وشر من حيث من وقع عليه وأصيب به.
خير له اهلل عز وجل يصيبه بذلك حتى
فمثَ ًال تجد المسلم يصاب بالباليا واألمراض هذه الباليا وهذه األمراض هي ٌ
َ
يرفع درجته ويكفر عنه خطيئته ،اهلل عز وجل شرع القصاص ،القصاص هذا فيه خير للمجتمع وفيه شر على من أقيم
عليه كذلك إقامة الحدود.
وقوله" :حلوه ومره" أي نؤمن بالقدر سواء كان ُحل ًْوا أو ُم ًّرا.
وم ًّرا:
خيرا و َش ًّرا ،وكونه ُحل ًْواُ ،
والفرق بين كونه ً
أن الخير باعتبار المنتهى والعاقبة ،وكذلك الشر.
طعاما تشعر بحالوةٍ أو مرارة فإذا انتفع الجسم به أو تضرر فهذا
أما الحالوة والمرارة فباعتبار المبدأ؛ فعندما تأكل ً
خير أو شر.
ثم قال " :6وكل ذلك قد قدره ربنا سبحانه وتعالى ومقادير األمور بيده ومصدرها عن قضاء".
يعني الخير والشر والحلو المر قدره اهلل سبحانه وتعالى ،فما شاء اهلل سبحانه وتعالى كان وما لم يشأ لم يكن ،وكل
صادر عن قضائه سبحانه وتعالى. ٍ
شيء ٌ
َ َ َ َ َ ً َ َّ َ َ ُ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ
ون﴾ [البقرة.]١١٧ :
ولْل ْهْكنْفيك ْ
كما قال تعالى﴿ :وِإذاْقضىْأمراْفإِنماْيق ْ
90
ثم قال" :علم كل ٍ
شيء قبل كونه".
هذا فيه رٌد على القدرية الغالة الذين أنكروا علم اهلل.
القدرية قالت :إن اهلل ال يعلم األشياء إال بعد حدوثه.
يما يقولون هذا. ِ
وهذا المذهب انقرض كما قال العلماء .كانوا قَد ً
عمل إال وقد قضاه وسبق علمه به". قال" :فجرى على قدره ال يكون من عباده ٌ
قول وال ٌ
َ ُ َ
َ ُ َ َ َ َُ َ َ ََ
ْوه َوْالل ِطيفْالخب ِ ُْ
ير﴾ [الملك.]١٤ : ﴿ألاْيعلمْمنْخلق
ضا فيه رٌد على القدرية الذين أنكروا علم اهلل سبحانه وتعالى باألشياء قبل حدوثها ،اهلل سبحانه وتعالى يعلم كل
هذا أَيْ ً
خبير بما فيها من السر والوسوسة.
لطيف علمه في القلوبٌ ،
شيء وهو اللطيف الخبير؛ يعني ٌ
91
إذا أصبت بمصيبة فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى أن يرفعه ال يستطيع أح ٌد أن يحدث شيئًا في هذا الكون إال بمشيئة
اهلل سبحانه وتعالى وإرادته؛ لذلك عليك أن تتعلق باهلل سبحانه وتعالى ،قلبك ال يتعلق إال باهلل سبحانه وتعالى إذا
خيرا فاطلبه من اهلل ،وإذا أردت دفع ش ٍر فاطلب من اهلل سبحانه وتعالى.
أردت ً
ٍ
بشيء قد كتبه اهلل لك" ٍ
بشيء لم ينفعوك إال وقد قال النبي " :lواعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك
لو اجتمع العالم كله على أن ينفعوك بشيء أي شيء وإن قل لن يستطيعوا ذلك إذا كتبه اهلل سبحانه وتعالى لك
فاطمئن.
ٍ
بشيء قد كتبه اهلل عليك". ٍ
بشيء لم يضروك إال "ولو اجتمعوا على أن يضروك
اطمئن ،لو اجتمع العالم كله على أن يضروك بشيء أي شيء لن يستطيعوا ذلك إال إذا شاء اهلل سبحانه وتعالى ذلك
خير لك،
وقدره؛ لذلك ال تخف إال اهلل ،ال تجزع ،إذا أصبت بمصيبة اعلم أن اهلل سبحانه وتعالى قدرها عليك ،وهي ٌ
أحسن الظن بربك ،فربك سبحانه وتعالى يريد أن يرفع درجتك ،يريد أن يحط عنك خطاياك ،يريد سبحانه وتعالى أن
يخرجك من هذه الدنيا بال ذنوب؛ لذلك استبشر ،عليك أن تعتقد أن كل خي ٍر بمحض ٍ
فضل من اهلل وكل شر أصبت
خير لك ،إن صبرت ولم تتسخط.
به هو ٌ
ثم قال " :6أو يكون ٍ
ألحد عنه غنى".
يعني ال يستطيع أح ٌد أن يستغني عن اهلل سبحانه وتعالى.
َ َ َ َ ُ َ َُ َ َ
اَّللْه َْوْالغن ِ ُْىْالحَ ِم ُْ
يد﴾ [فاطر.]١٥ : اءْإِليْاَّلل ِْْْو ْ الن ُ ْ
اسْأنتُ ُْمْالْفق َر ُ كما قال تعالى﴿ :يَاْأ ُي َهاْ َ
ٍ
لشيء إال هو رب العباد ورب أعمالهم". ثم قال" :أو يكون خال ٌق
يعني كل شيء هذا الكون هو من خلق اهلل سبحانه وتعالى.
َ ُ َ ُ
ْاَّلل﴾ [الرعد .]١٦ :سبحانه وتعالى. اتْ َوالأر ِ ْ
ضْق ِل ْ بْ َ
الس َم َ
او ِْ كما قال سبحانه وتعالى﴿ :قلْْ َمنْ َر ُ ْ
َ ُ
اَّللْ َخال ُِْقْك ِْلْشىءْ﴾ [الزمر.]٦٢ :
َ
وقال سبحانهْ ﴿ :
الحجة عليهم".
قال" :الباعث الرسل إليهم إقامة ّ
وال.
الحجة عليه حتّى ال يقول أحد لم ترسل إلينا َر ُس ً
الرسل إلى البشريّة حتّى يقيم ّ
يعني اهلل سبحانه وتعالى أرسل ّ
92
ََ َ َ َ َ ُ َ َ َ ً
اَّللْ
ان ْ ْ جةْ ْ َبع َْد ْ ُ
الر ُس ِْ
ل ِْ ْوك ْ اس ْعَلى ْ ْ
اَّلل ِ ْ ُح َ ون ْل ِلنَ ِ ْ وقد قال اهلل سبحانه وتعالىُ ﴿ :ر ُسلا ْ ُمبَ ِش ِر َْ
ين ْ َو ُمنذِرِ ْ
ين ْل َِئلا ْيَك ْ
َعز ً
يزاْ َحك ً
ِيما﴾ [النساء.]١٦٥ : ِ
األسئـ ــلة
-السؤال األول :اشرح باب ما تنطق به األلسنة وتعتقده األفئدة من واجب أمور الديانات َش ْر ًحا ُم ْج َم ًال.
يد القيرواني .6 -السؤال الثاني :تكلم عن القضاء والقدر كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ
93
المحاضرة السابعــة والعشـرون
الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين ،وعلى آله وصحبه أجمعين ،مرحبًا بكم أيها األكارم
وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المبارك .وهذه هي المحاضرة السابعة والعشرون من محاضرات العقيدة وهي المحاضرة
الثالثة من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني] .6
ثم قال[ :وأنزل عليه كتابه الحكيم ،وشرح به دينه القويم ،وهدى به الصراط المستقيم].
أي أنزل اهلل عز وجل على نبيه القرآن الكريم
َ ُ ً َ َ َ َ
كْالكِتَ َ ْ
ابْت ِبيَاناْل ِك ِْلْشىءْ﴾ [النحل.]٨٩ : كما قال سبحانهَ ﴿ :ون َّزل َناْعلي ْ
َ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ ُ َ َ ُ َ َ َّ َ َ ُ َ ََ َ َ َ َ
ون﴾ [النحل.]٤٤ : نْل ِلن ِ ْ
اسْماْنزِ ْلْإِلي ِهمْْولعلهمْْيتفكر ْ كْالذِك ْرْل ِتبي ِ ْ
وقال سبحانه وتعالى﴿ :وأنزلناْإِلي ْ
وموضحا عنه سبحانه وتعالى ،فبين اإلسالم خير بيان.
ً وجعله ربنا سبحانه وتعالى مبينًا
َ َّ ُ
كما قال ربنا سبحانه وتعالى﴿ :قلْْإِننِىْ َه َدانِيْ َربِيْإِليْ ِص َراطْْمستَقِيمْْدِينًاْقِيَ ًما﴾ [األنعام.]١٦١ :
(وهدى به) هداية إرشاد وبيان
(الصراط المستقيم) الذي ال اعوجاج فيه،
ََ َ َّ
كْل َتهدِيْإِليْ ِص َراطْْمستَقِيمْ﴾ [الشورى.]٥٢ :
كما قال تعالىَ ﴿ :وِإن ْ
94
ثم شرع المصنف 6في الحديث عن اليوم اآلخر فقال[ :وأن الساعة آتية ال ريب فيها].
أي يوم القيامة ٍ
آت ال محال ،ال شك في ذلك ومن أنكر ذلك كفر
َ َ
َّ َ َّ
اع ْةْ ْلآت ِيَةْ﴾ [الحجر.]٨٥ : قال ربنا سبحانهَ ﴿ :و ْ
ِإنْالس
بْف َ َّ َ َ َ َ َّ
ِيها﴾ [الكهف ،]٢١ :أي ال شك فيها. الساع ْةْلاْ َري َْ وقالَ ﴿ :وأ ْ
نْ
فيجب على كل مؤم ٍن أن يؤمن بذلك ،متى الساعة؟ ال يعلم وقتها إال اهلل سبحانه وتعالى.
َ َ َ َّ َّ َ َ َ ُ ُ َ َ َّ َّ َ ُ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ
ونْقرِيبًا﴾
لْالساع ْةْتك ْ اَّلل ِْ َو َماْيُدرِ ْ
يكْلع ْ ِندْ ْالساع ْةِ ِْْقلْْإِن َماْعِل ُم َهاْع ْ نْ
اسْع ِْ
كْالن ْ
كما قال تعالى﴿ :يسأل ْ
ثم قال [ :6وأن اهلل سبحانه وتعالى ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات].
يعني :من عمل حسنة فله عشر أمثالها ،كما قال سبحانه﴿ :منْجاءْبالحسنةْفلهْعشرْأمثالها﴾.
وهذا من عظيم فضل اهلل سبحانه وتعالى وإحسانه على عباده.
ٍ
بحسنة فلم يعملها كتبها اهلل له عنده حسن ًة وقال النبي " :lإن اهلل كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ،فمن هم
كاملة"
لم يعملها ألجل أنه عجز ،ال ألجل أنه رغب عنها ،أراد أن يعملها ولكن حالت األسباب بينه وبينها فهذا تكتب له حسنة.
قال" :فإن هو هم بها فعملها كتبها اهلل له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أَ ْ
ض َعاف كثيرة".
95
ثم قال[ :وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات ،وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر].
أي من تاب من المعصية فإن اهلل عز وجل يغفر له.
غضب أو عقوبة ،كالزنا والسرقة والغيبة
ٌ لعن أو
حد أو ٌ وقال بعض أهل العلم :الكبائر هي كل ٍ
ذنب قرن به وعي ٌد أو ٌّ
والنميمة ونحو ذلك.
َ َّ َّ َ َ
اَّلل ْلا ْ َيغفِ ُْر ْأنْيُش َر َك ْب ِ ْهِ﴾ ،من مات على الشرك ال يغفر اهلل عز وجل له ﴿ َويَغفِ ُْر ْ َماْ
نْ ْ وقال ربنا سبحانه وتعالى﴿ :إ ِ ْ
َ ُ َ َ َ
اء﴾ [النساء.]٤٨ : ِكْل َِمنْيَش ُْ
ونْذل ْ
د ْ
َُ
ً ُ ُ َّ َ ُ َّ َّ
ْالرح ُْ
ِيم﴾ [الزمر.]٥٣ : ور َّْه َوْالغف ُ اَّللْ َيغفِ ُْرْالذن َ ْ
وبْجمِيعا ِْْإِنه نْ َْ وقال سبحانه﴿ :إ ِ ْ
َ َّ َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ
ِكْل َِمنْيَش ُْ
اء﴾ ونْذل ْ
كْب ِ ْهِْويغفِ ْرْماْد ْ
اَّللْلاْيغفِ ْرْأنْيشر ْ
نْ ْ صائرا إلى مشيئته ﴿إ ِ ْ
ثم قال[ :وجعل من لم يتب من الكبائر ً
ص ًّرا على ٍ
كبيرة ولم يتب منها فهو تحت مشيئة اهلل إن شاء اهلل غفر له ،وإن شاء عذبه وعاقبه. أي من مات م ِ
ُ
َ َ َ َ
الْذ َّرةْْ َخي ًراْي َ َرْهُ﴾ [الزلزلة.]٧ :
ثم قال[ :ومن عاقبه اهلل بناره أخرجه منها بإيمانه فأدخله به جنته ﴿ف َمنْ َيع َملْْمِثق ْ
أي من عذبه اهلل عز وجل في النار بسبب الذنب الذي لم يتب منه فإنه تكون عاقبته الجنة؛ وذلك أن أهل الكبائر من
المؤمنين يعذبون على قدر ذنوبهم ثم يخرجون إلى الجنة
قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين".
كما قال النبي " :lيخرج ٌ
ثم قال[ :ويخرج منها بشفاعة النبي lمن شفع له من أهل الكبائر من أمته].
قوما من الموحدين يخرجون من النار بسبب شفاعة النبي l
معنى ذلك :أن ً
ٍ
محمد lفيدخلون الجنة". قوم من النار بشفاعة
كما قال النبي " :lيخرج ٌ
96
وقال " :lاطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ،واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء".
وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اآلن .هذه الجنة أعدها اهلل عز وجل دار
ٍ
خلود ألوليائه وهم أهل اإليمان والتقوى ،من دخل الجنة فال يخرج منها أب ًدا
َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ اَّلل ْ َو َر ُسول َ ُْه ْيُدخِل ُْه ْ َ
َّ
ِكْ
ِين ْفِيها ِْ ْوذل ْ ج َّناتْ ْتج ِري ْمِن ْتحتِها ْالأنه ْ
ار ْخالِد ْ كما قال ربنا سبحانه وتعالىَ ﴿ :و َمن ْي ُ ِطعِْ ْ َْ
َ
الفو ُزْال َع ِظ ُْ
يم﴾ [النساء.]١٣ :
وقال النبي " :lيقال ألهل الجنة :يا أهل الجنة خلو ٌد وال موت وألهل النار :يا أهل النار خلو ٌد وال موت".
َ ُ َ
ُ َ
َ َ َ َ َ َّ َ َ
اَّلل ِْلاْخوفْْعلي ِهمْْ َولاْهمْْيح َزن ْ
ون﴾ من هم يا رب؟ اءْ ْ ﴿أول ِي ْ
ُ َ َ ُ َّ
ِينْآ َمنُواْ َوكانواْ َي َّتق ْ
ون﴾ [يونس.]٦٣ : ﴿الذ َْ
آمنوا به سبحانه وتعالى وكانوا يتقون ،كانوا يمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه.
ٍ
معصوم من الخطأ قد يخطئ ولكنه يتوب؛ فكلما عصيت وأجمع أهل السنة على أن الولي ولي اهلل سبحانه وتعالى غير
ربك سبحانه وتعالى تب إليه فإنه تواب يحب التوابين المكثرين من التوبة.
ثم قال[ :وهي التي أهبط منها آدم نبيه وخليفته إلى أرضه بما سبق في سابق علمه].
يعني :هذه الجنة جنة الخلد هي التي كان يسكنها آدم jوخرج منها بسبب معصيته ،واهلل عز وجل يعلم أنه
سيخرج منها.
َ َ َ ُ َ َ َُ َ ُ َ َ ُ
ك ْالجَ َّن ْة ْ َوكلا ْمِن َها ْ َرغ ًدا ْ َحي ْ
ث ْشِئتُ َما ْ َولا ْتق َربَا ْه ِذ ْه ِْ قال اهلل سبحانه وتعالىَ ﴿ :وقلنَا ْيَا ْآد ُْم ْاسكنْ ْأ َْ
نت ْ َو َزو ُج ْ
ُ َ ُ ُ َ َُ َ َ َ َّ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ َّ
َ
ينْ(ْ)35فأ ْزلهماْالشيطانْعنهاْفأخرجهماْمِماْكاناْفِيهِْْوقلناْاهْبِطواْبعضكمْل ِبعضْ ِنْالظال ِ ِم َْ
الشجرْةْفتكوناْم ْ
َ َ َ َ ُ َ
ضْ ُمستَقرْْ َو َمتَاعْْإِليْحِينْ﴾ [البقرة.]٣٦-٣٥ : ع ُدوْْ َولكمْْفِيْالأر ِ ْ
97
وقوله( :وخليفته إلى أرضه) األولى أال يقال خليفته؛ ألن اهلل ليس له خليفة ،بل إن اهلل هو الخليفة كما قال النبي l
في دعاء السفر" :اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في األهل" .فاهلل سبحانه وتعالى ال يستخلف أح ًدا نياب ًة
عنه ،إنما البشر يخلف بعضهم بعضا.
98
َ َ َُ َ َ َ ُُ َُ َ َ ُ ُ ُ ُ َ
ون﴾ [المؤمنون.]١٠٢ :
كْه ْمْالمفل ِح ْ
ثم قال[ :وتوضع الموازين لوزن أعمال العباد﴿ ،فمنْثقلتْْموازِين ْهْفأولئ ِ ْ
توضع الموازين لوزن أعمال العباد بعد أن تجسد ،توزن الصالة وتوزن الزكاة والصيام والحج وبر الوالدين واإلحسان
إلى األقارب والفقراء ،يوزن الكذب والنميمة والغيبة والزنا والنظر إلى النساء ،كل هذه األشياء توزن ،فمن زادت
حسناته على سيئاته فاز.
َ َ ََ َ ً َ َ َ َ َ َ َ ِ َ َ ََ ُ َ َ َ َ
الْ َح َّبةْْمِنْْخردلْْأتينَاْ
انْمِثق ْ ام ْةِْفلاْتظل ُْمْنفسْْشيئا ِْْوِإنْك ْطْل ِيو ْمْالقِي
ينْالقِس ْقال ربنا سبحانهَْ ﴿ :ونض ُْعْال َم َوازِ َْ
ََ
ين﴾ [األنبياء.]٤٧ : ب ِ َها ِْْ َوكفيْْبِنَاْ َحا ِسب ِ َْ
َ َُ ُ َ ُ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ َّ َ َ ُ َ ُ ُ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ
اضيةْ(ْ)7وأماْمنْخفتْموازِينهْ(ْ)8فأمهْهاوِيةْ(ْ)9 وقال سبحانه﴿ :فأماْمنْثقلتْْموازِين ْهْ(ْ)6فهوْفِيْعِيشةْر ِ
ْحامِيَةْ﴾ [القارعة.]١١ -٦ : ْماْهِيَهْ(ْ)10نَار َ اك ََو َماْأَد َر َ
ٍ
عيشة راضية :يرضاه ،وأما من خفت موازينه :قلت حسناته وزادت فأما من ثقلت موازينه :حسناته طاعاته ،فهو في
نار حامية.
سيئاته ،فأمه هاوية :يسقط يوم القيامة في النار على أم رأسه ،وما أدراك ما هيه ٌ
َ َ َُ َ َ َ ُُ َُ َ َ ُ ُ ُ ُ َ
ون﴾ [المؤمنون ،]١٠٢ :الفائزون يوم القيامة.
كْه ْمْالمفل ِح ْ
﴿فمنْثقلتْْموازِين ْهْفأولئ ِ ْ
يوم القيامة توزن األعمال بعد أن تجسم ،وتوزن الصحائف صحائف األعمال ،ويوزن العامل نفسه ،كل إنسان يوزن.
ََ ُ ُ َ
يمْل ُهمْْ
كما في الحديث" :إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فال يزن عند اهلل جناح بعوضة ،واقرؤوا﴿ :فلاْنقِ ْ
ً يَو َْمْالقيَ َ
امةِْ َوزنا﴾"[ .الكهف]١٠٥ : ِ
سعيرا].
يسيرا ،ومن أوتي كتابه وراء ظهره فأولئك يصلون ً
قال[ :فمن أوتي كتابه بيمينه سوف يحاسب حسابًا ً
الناس قسمان :منهم من يأخذ كتابه بيمينه ،ومنهم من يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره.
َ َ َ َ ُ
ِنكمْْ َخافِيَةْ﴾ [الحاقة.]١٨ :
ُ ُ
كما قال ربنا سبحانه﴿ :يَو َمئِذْْتع َرض ْ
ونْلاْتخفيْْم
مصرا على معصية تب إلى اهلل سبحانه وتعالى فإن ربك
ال يخفى شيء يوم القيامة ،كل شيء يظهر؛ لذلك أن كنت ً
تواب ،أن كنت مقصرا في ٍ
طاعة تب إلى ربك سبحانه وتعالى فإن ربك تواب. ً
َ َ ُ ُ ََُ ُ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َّ َ ُ
َ
ولْهاؤ ْمْاقرءواْكِتابِيهْ﴾ [الحاقة.]١٩ : َ
﴿فأماْمنْْأوت ِْيْكِتاب ْهْبِي ِمين ِ ْهِْفيق ْ
تعالوا يا أحبابي يا أصدقائي يا أهلي يا قومي اقرؤوا كتابي ،لماذا؟
هو مسرور ،أخذ كتابه بيمينه ،فاز وأي فوٍز أعظم من أن يأخذ اإلنسان كتابه بيمينه؟ فوٌز ما بعده فوز ،الفوز الحقيقي
أن تفوز يوم القيامة.
99
َ َ َ َ ُ َ ُ َ
نتْأنِيْملاقْْحِسابِيهْ﴾ [الحاقة]٢٠ :
يقول﴿ :إِنِيْظن ْ
أيقنت أنني سأموت ثم أبعث ثم أحاسب؛ لذلك حسنت العمل ،تركت المعاصي ابتغاء مرضاة اهلل سبحانه وتعالى.
كلما سمعت نداء الرحمن قلت :لبيك ربنا لبيك ،كلما سمعت :قال اهلل وقال رسول اهلل lامتثلت أمرهما؛ فلذلك
َ ْدان ِيَة ْ(ْ )23كُلُوا َ
ْواش َربُوا ْهن ِيئًا ْب ِ َماْ
ُُ َُ َ
ْجنَّة ْعَال َِية ْ(ْ )22قطوفها
َ
ِيشةْ ْ َّراضيَةْ ْ(ْْ )21في َ
ِ
َ
أخذ كتابه بيمينه﴿ .ف ُه َْو ْفِي ْع
ِ
َ َ َ
أسلفتُمْفِيْالأيَّ ِامْالخَال َِيةِ﴾ [الحاقة.]٢٤-٢١ :
القسم الثاني من الناس من يأخذ كتابه بشماله ،لماذا؟
ألجل أنه كان بعي ًدا عن طاعة اهلل سبحانه وتعالى ،يسمع نداء الرحمن ويقول :عملي أهم ،شغلي أهم ،مصلحتي أهم،
سأصلي فيما بعد .يسمع قال اهلل وقال الرسول lفيقول :إن أكثر الناس يعملون بخالفه ،فيمشي مع الناس.
100
َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ َ ُ َ َ َ َ ً ََُ َ ُ َّ َ َ َ َ َ
َ
ك ْكدحا ْفملاقِي ْهِ ْ(*)ْفأماْمن ْأوتِي ْكِتابه ْبِي ِمينِهِْ(*)ْفسوفْك ْكادِحْ ْإِلي ْرب ِ ْان ْإِن ْ
وقال ربك﴿ :يا ْأيها ْال ِإنس ْ
حري بنا أيها الفضالء وأيتها الفضليات أن نحاسب أنفسنا على تقصيرنا في طاعة اهلل وعلي تجرؤنا على معصية اهلل
لذلك ٌّ
سبحانه وتعالى .واعلموا أن اهلل سبحانه وتعالى يتوب على عبده إذا تاب إليه ،ليس العيب أن تخطئ ولكن العيب أن تستمر
على الخطأ؛ فإن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
أكثر من التوبة واألوبة إلى ربك سبحانه وتعالى ،عاهده أال تعود ،تضرع إليه أن يعافيك من ذنبك فإنه سبحانه وتعالى يستجيب
دعوة الداعي إذا دعاه.
األسئـ ــلة
السؤال األول :تكلم عن رسالة النبي lكما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني .6
السؤال الثاني :اعرض لإليمان بالبعث يوم القيامة كما ذكر ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني .6
السؤال الثالث :الناس ينقسمون يوم القيامة فريقين اذكرهما مع ذكر ٍ
دليل على ما تقول.
السؤال الرابع :اذكر عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار كما جاء في مقدمة ابن أبي القيرواني .6
101
المحاضرة الثـامنـ ـة والعش ـرون
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وأصلي وأُسلم على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبًا بكم أيها األكارم وأيتها الكريمات في هذا اللقاء الطيب المتجدد ،وهذه هي المحاضرة الثامنة والعشرون من محاضرات
العقيدة.
وهي المحاضرة (الرابعة) من محاضرات كتاب [حرز األماني شرح مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني] .6
وقوم أوبقتهم
قال " :6وإن الصراط حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم ،فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنمٌ ،
فيها أعمالهم".
من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بالصراط.
جسر على ظهر جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف يمر عليه الناس يوم القيامة.
والصراطٌ :
َّ
ِنكمْْإِلاْ َوارِ ُد َها ِْ﴾ [مريم.]71 :
ُ
ودليله قول اهلل تعالىَ ﴿ :وِإنْم
قال العلماء" :المراد بالورود هنا المرور على الصراط".
وقد أجمع العلماء على إثبات الصراط.
هذا الصراط الناس عليه متفاوتون.
والمراد بالناس :المسلمون.
زمرا.
أما الكافرون فيساقون إلى جهنم ً
وأما المنافقون فال يستطيعون مجاوزة الصراط ،إذا أرادوا العبور على الصراط سلب اهلل عز وجل منهم األنوار
فيتساقطون في النار.
يبقى المسلمون ،المسلمون على الصراط متفاوتون.
كما قال النبي " :lثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم ،قالوا يا رسول اهلل وما الجسر؟ قال مدخضةٌ مزلة
(يعني تزل عليه اإلقدام) ،عليه خطاطيف وكالليبَ ،وحسكةٌ مفلطحةٌ لها شوكةٌ عقيفاء تكون بنجد يُقال لها السعدان،
المؤمن عليها كالطرف (أي طرف العين بعد انتباهها) ،وكالبرق (أي سرعة البرق) ،وكالريح (أي سرعة الريح)،
وكأجاويد الخيل والركاب (يعني كأفضل أنواع الخيل في السرعة واإلبل).
فناج ُم َسلَ ْم (بعض من يمر على الصراط ينجو وال تمسه الكالليب)،
ٍ
وناج مخدوش (يعني خدشته الخطاطيف والكالليب)
ٍ
مكدوس في نار جهنم (يعني مدفوع من ورائه في نار جهنم)
ٌ َو
حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا".
102
كل فريضة لها كلوب ،وكل معصية لها كلوب.
من قصر في الصالة أخذه كلوب الصالة ،ومن قصر في الزكاة أخذه كلوب الزكاة.
ومن كان يكذب أخذه كلوب الكذب ،ومن كان يغتاب أخذه كلوب الغيبة ،وهكذا.
ومن عظمت سيئاته سقط في النار.
وهذا يجعلك أيها المسلم الكريم أن تكثر من العمل الصالح ،وأن تجتنب المحرمات ،كلما فعلت شيئًا من المحرمات
تُب إليه سبحانه وتعالى؛ حتى تستطيع أن تنجو يوم القيامة من الصراط.
ثم قال :واإليمان بحوض رسول اهلل lترده أمته ال يظمأ من شرب منه ،ويزاد من بدل وغير.
من عقيدة أهل السنة والجماعة اإليمان بالحوض.
والحوض هذا :مورد ماء يعطاه النبي lيوم القيامة.
َ َ َّ َ
ومن األدلة عليه قول اهلل تعالى﴿ :إِناْأع َطينَ َْ
اكْالكوث َْر﴾ [الكوثر]1 :
در مجوف آنيته كعدد نجوم السماء".
نهر أعطيه نبيكم lشاطئاه عليه ٌّ
سئلت السيدة عائشة عن ذلك فقالتٌ " :
وقال " :lأنا فرطكم على الحوض" .يعني أول من يصل إلى الحوض هو النبي .l
وقال " :lحوضي مسيرة شهر وزواياه سواء (يعني شكله مربع) ،وماؤه أبيض من الوِرق (يعني أبيض من الفضة)،
وريحه أطيب من المسك ،كيزانه كنجوم السماء ،من شرب منه فال يظمأ بعده أب ًدا".
قوم ممن بدلوا وغيروا يريدون أن يشربوا من حوض النبي lفتزودهم المالئكة ،فيقول النبي " :lأصحابي
يأتي ٌ
قائال" :سح ًقا
أصحابي أتباعي" ،فتقول المالئكة" :دع فإنك ال تدري ما أحدثوا بعدك" ،فيدعو عليهم النبي ً l
سح ًقا لمن غير وبدل".
ٌ ᛜ
قول باللسان :المراد به :النطق بالشهادتين.
ُ ُ
ولواْآ َم َّنا﴾.
ومن األدلة على أن النطق بالشهادتين من اإليمان قول اهلل تعالى﴿ :ق ْ
وقول النبي " :lأمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل" ...إلى آخر
الحديث.
103
ᛜوأما قول القلب :وهو إخالصه يسمى بإخالص القلب ،فمعناه :أن يخلص العبد عمله هلل سبحانه وتعالى.
ومن األدلة على ذلك قول النبي " lإنما األعمال بالنيات ،وإنما لكل امر ٍئ ما نوى".
وأما عمل الجوارح ويدخل فيها عمل اللسان:
فالمراد به :األعمال التي تؤدى بالجوارح كالصالة ،والصيام ،والحج ونحو ذلك.
ََ ُ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ َّ َ ُ ُ َ َّ
س ِهم ْفِيْ
ْوأنف ِ واْو َجاه ُدواْبِأم َوال ِ ِهم ِين ْآ َمنُوا ْب ِ ْ
اَّللِْ َو َر ُسول ِ ْهِ ْث ْم ْلمْ ْيرتاب ون ْالذ َْ
قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :إِنما ْالمؤمِن ْ
َّ ُ َ َٰ َ ُ ُ َّ ُ َ َ
ون﴾ [الحجرات.]15 : يلْاَّلل ِْْأولئِكْهمْالصادِق ْ
سب ِ ِ
ثم قال" :وال يكمل قول اإليمان إال بالعمل" .يعني ال يكمل اإليمان الواجب إال بالعمل.
وعمل إال بموافقة السنة" .المطالب من العبد أن يوافق سنة النبي lفي أقواله وأفعاله حتى تقبل منه ،فمن
ٌ قال" :وال ٌ
قول
عمال مخال ًفا للسنة لم يُقبل منه.
قوال أو عمل ً
قال ً
عمال ليس عليه أمرنا فهو رد"( .أي :مردو ٌد عليه).
وذلك لقول النبي " :lمن عمل ً
ثم قال" :وإنه ال يكفر أحد بذنب من أهل القبلة" ،أهل القبلة :هم المسلمون.
من فعل منهم ذنبًا ال يكفر به إال إذا استحله .فالخروج عن اإلسالم يكون :بالكفر.
104
أو استحالل المعصية (يعني يعتقد حل المعصية)
َ َ ُ َ ُ َ َ َٰ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َّ َ َ
ُ
اء ِْ﴾ [النساء.]48 :
ِكْل ِمنْيش ْ
ونْذل ْ اَّللْلاْ َيغفِ ُْرْأنْيشر ْ
كْب ِ ْهِْويغفِ ْرْماْد ْ َ نْ ْ ومن األدلة على ذلك قول اهلل تعالى﴿ :إ ِ ْ
ُ ََ وقال سبحانه وتعالىَ ﴿ :وِإنْ َطائ َفتَانْم َِنْال ُمؤ ِمن َ
ِينْاقتَتَلواْفأصل ُِحواْبَينَ ُه َما﴾ [الحجرات]9 : ِ ِ
ُ
فسمى اهلل عز وجل كل طائفة مؤمنة ،مع أنه قال ﴿اقتَتَلوا﴾ والقتل كبيرة من الكبائر.
وأهل السنة والجماعة متفقون على أن مرتكب الكبيرة ال يخرج عن اإلسالم ،وإذا مات على ذلك فأمره إلى اهلل إن
شاء غفر له وإن شاء عذبه.
قال" :وأرواح أهل السعادة باقيةٌ ناعمةٌ إلى يوم يبعثون ،وأرواح أهل الشقاوة معذبةٌ إلى يوم الدين".
يعني أهل الطاعة واإليمان ينعمون في قبورهم.
وأهل المعصية والكفر يعذبون في قبورهم.
طائر في شجر الجنة حتى يبعثه اهلل عز وجل إلى جسده
وقد قال النبي ":lإنما نسمة المؤمن (يعني روح المؤمن) ٌ
يوم القيامة".
يعني يُنعم حتى يبعث يوم القيامة.
أما أهل المعصية والكفر فإنهم يعذبون في قبورهم.
َ َ َ َ َ َ َ َّ
ارْ وء ْال َعذ ِْ
اب ْ(َّ 45
)ْالن ُ ن ْ ُس ُْ
بآ ِْل ْف ِرعو ْ ات ْ َما ْ َمك ُروا ِْ ْ َو َح ْ
اق ْ ِْ اَّلل ْ َسيِئَ ِْ
ومن األدلة على ذلك قول اهلل تعالى﴿ :ف َوق ْاهُ ْ ُْ
ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ ًّ َ َ ًّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ
ابْ([ ﴾)46غافر]46-45 : نْأش ْدْالعذ ِْ ومْالساع ْةْأدخِلواْآ ْلْف ِرعو ْ يعرضونْعليهاْغدواْوعشِياْْْويو ْمْتق ْ
وقال النبي " :lإن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي (أي في قبره) إن كان من أهل الجنة فمن
أهل الجنة ،وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ،فيقال :هذا مقعدك حتى يبعثك اهلل يوم القيامة".
ثم قال " :6وإن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون يثبت اهلل الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة".
أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بفتنة القبر وسؤال الملكين.
نصوص كثيرة.
ٌ وقد دل على ذلك
المنكر ولآلخر النكير، قال ِ
ألحدهما ِ
أزرقان ،يُ ُ ِ
أسودان ِ
ملكان الميت (أي دفن) أتاه
ُ منها قول النبي " :lإذا قُبِ َر
ُ
ِ ِ ِ
فيقول :ما كان يقول في الدنيا" ،هو عب ُد اهلل ورسولُه أشه ُد أن ال إلهَ إال اهللُ
ُ الرجل؟ تقول في هذا كنت ُ
فيقوالن :ما َ
105
اعا في سبعي ِن ،ثم يُ َّنوُرفسح له في قب ِره سبعون ذر ً
تقول هذا ،ثم يُ ُ
نعلم أنك ُ وأن محم ًدا عبده ورسوله" فيقوالن :قد كنا ُ
أهله إليه أحب ِ ِ
العروس الذي ال يُوقظُه إال ُّ فيقول :أرجع إلى أهلِي فأخبرهم ،فيقوالن :نم ِ
كنومة قال له :نَ ْمُ ،
له فيه ،ثم يُ ُ
ْ ُ ُ
الناس يقولون فقلت مثلَهم ال أد ِري"، ضجعه ذلك ،وإن كان مناف ًقا قال" :سمعت (أي ووجه) حتى يبعثَه اهلل من م ِ
َ ُ َ
ال فيها معذبًا فتختلف فيها أضالعُه فال يز ُ
ُ فتلتئم عليه
ُ لألرض :التئِ ِمي عليه
ِ قال
أنكتقول ذلك ،فيُ ُ
ُ نعلم
فيقوالن :قد كنا ُ
مضج ِعه ذلك".
حتى يبعثَه اهللُ من َ
«يُثبت اهلل الذين آمنوا» أي على إيمانهم.
«بالقول الثابت» أي بشهادة أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل.
«في الحياة الدنيا وفي اآلخرة» أي في القبور عند السؤال.
ثم قال" :وإن على العباد حفظةً يكتبون أعمالهم وال يسقط شيءٌ من ذلك عن علم ربهم".
من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون أن على كل إنسان ملكين ،أحدهما يكتب الحسنات واآلخر يكتب
السيئات.
َ ُ َ َ
َ ُ َّ ُ َ َ ُ َ َ َ َّ َ َ َ َ
ىْو ُر ُسلنَاْل َدي ِهمْيَكتُبُ ْ
ون﴾ [الزخرف.]80 : اهم ِْْبَل َ كما قال سبحانه وتعالى﴿ :أمْْيح َسبُ ْ
ونْأناْلاْنسم ْعْ ِسرهمْْونجو
َ ْماْيَلفِ ُظ ْمِنْقَول ْإلَّاْل َ َديه َ
ِْرقِيب ْعتِيدْ الش َما ْل ْقَعيد ْ(*) َ
نْ ِ ِ ِ
َ
ين ْ َوع ِْ
ن ْال َي ِم ِْ
َ َ َ َّ
وقال سبحانه﴿ :إِذْ ْ َيتَلقيْ ْال ُمتَلقِيَ ِْ
ان ْع ِْ
ِ
([ ﴾)18ق.]18-17 :
ال يسقط شيء من ذلك عن علم ربهم سبحانه وتعالى ،فاهلل عز وجل يعلم كل شيء فهو السميع البصير العليم الخبير
سبحانه وتعالى.
َ َ
ِندْ َربيْفيْكِتَابْ ِْْلاْيَضلْْ َربيْ َولاْي َ َ
َ َ َ
قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :ق ْ ُ َ
نسى﴾ [طه.]52 : ِ ِ الْعِلمهاْع ْ ِ ِ
وهذا يجعلك أيها المسلم الكريم قبل أن تتكلم أي كلمةً تتفكر فيها إن كانت ال ترضي اهلل فال تتلفظ بها ستكتب
عليك.
كذلك قبل أن تعمل أي عمل تفكر فيه إن كان ال يرضي اهلل فال تفعله ألنه سيكتب عليك .كل شيء تفعله يكتب
عليك إما في سجل الحسنات ،وإما في سجل السيئات حسب نيتك.
106
قال" :وإن خير القرون القرن الذين رأوا رسول اهلل lوآمنوا به ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم".
أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أن أفضل األجيال جيل أصحاب النبي ،lثم جيل التابعين ،ثم تابعي التابعين.
َّ َ َ َ اب ْ َّ ُْ َ َ َّ َ ُ َ ََ َ
ِينَْ
ارِْالذ ْ جرِ َْ
ين ْوالأنص ْ اَّلل ْعلى ْالن ِب ِْى ْوالمها ِ ومن األدلة على تفضل الصحابة على غيرهم ،قول اهلل تعالى﴿ :لقدْ ْت َ ْ
َّ ُ ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُُ ُ َ َّ َ ُ ُ َ َ
ابْعلي ِهمْْإِن ُْهْب ِ ِهمْْ َر ُءوفْْ َرحِيم﴾ وبْفرِيقْمِنهمْثمْت يْساعةِْال ُعس َرة ِْمِنْبعدِْماْكادْيزِيغْقلات ْبعوهْف ِ
وقال " :lخير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
قال" :وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بك ٍر ،ثم عمر ،ثم عثمان ،ثم ٌّ
علي Fأجمعين".
أجمع أهل السنة والجماعة على أن أفضل األمة من بعد النبي lهو أبو بكر ،ثم عمر.
ثم العلماء اختلفوا في تقديم عثمان على علي في األفضلية.
أكثرهم على تقديم عثمان ثم علي.
وبعضهم قدم عليًا على عثمان.
وبعضهم توقف.
ولكن هذا كان في بادئ األمر.
واستقر األمر على أن (عثمان أفضل من علي .)F
ومن األدلة على تفضيل الخلفاء الراشدين األربعة قول النبي " :lعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين".
وقال ابن عمر" :كنا نخير بين الناس (أي نفاضل نقول فالنًا خير من فالن) في زمن النبي lفنخير أبا بك ٍر ،ثم
عمر بن الخطاب ،ثم عثمان بن عفان ."F
قال" :وأال يذكر أح ٌد من صحابة الرسول lإال بأحسن ذكر ،واإلمساك عما شجر بينهم".
أي :من حقوق الصحابة علينا أن نذكرهم بمحاسنهم ،وال نخوض فيما شجر بينهم ،بل علينا أن نعتقد أن للمصيب
أج ٌر واحد.
منهم أجران ،والمخطئ له ْ
قال النبي " :lال تسبوا أصحابي ،ال تسبوا أصحابي ،فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل ٍ
أحد ذهبًا ما أدرك
مد أحدهم وال نصيفه.
وقال " :lإذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ،وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".
ثم قال" :وإنهم أحق الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج ،ويظن بهم أحسن المذاهب".
فال ينبغي للمسلم أن يظن بالصحابة ظن السوء؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى رضي عنهم وشهد النبي lلهم بالخيرية.
كما تقدم في الحديث" :خير الناس قرني".
107
ثم قال" :والطاعة ألئمة المسلمين من والة أمورهم وعلمائهم ،واتباع السلف الصالح".
أي من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يطيعون أئمة المسلمين وهم [العلماء واألمراء] إال إذا أمروا بمعصية فال
سمع وال طاعة ،ويتبعون السلف الصالح.
ُ َ ُ َ َُ ُ َ ُ َ ُ َّ َ َ َ َ َ َ َّ
ولْوأولِيْالأم ْرِْمِنكمْ ِْ﴾ [النساء.]59 : َّ
اَّللْوأطِيعواْالرس ْ َ
ِينْآمنواْأطِيعواْ ْ
قال اهلل سبحانه وتعالى﴿ :ياْأيهاْالذ ْ
وقال النبي " :lعلى المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ،إال أن يؤمر بمعصية ،فإن أُمر بمعصية فال سمع
وال طاعة.
وقال " :lاسمع وأطع في عسرك ويسرك ،ومنشطك ومكرهك ،وأثرة عليك (يعني إن استأثروا باألموال والمناصب
دونك) وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك".
يعني أخذوا مالك وضربوك فاسمع وأطع حتى ال تحدث فتنة أعظم.
108
ُ ُ
َ
ِلْل ُِيدحِضواْب ِ ْهِْالحَ َّْ
ق﴾ [غافر.]5 : وذم اهلل عز وجل الجدال في كتابه :فقالَ ﴿ :و َجادلواْبِال َباط ِْ
ُ َّ َ َ َّ َُ ُ
ْمرِيدْ﴾ [الحج.]3 : اَّلل ِْبِغي ِْرْعِلمْْ َويَ َّتب ِ ُْعْك ْ
لْشي َطان َّ اسْ َمنْيجاد ِْلْفِيْ ْ ِنْ َّ
الن ِ ْ وقالَ ﴿ :وم َْ
قوم بعد ُه ًدى كانوا عليه إال أوتوا الجدل".
وقال " :lما ضل ٌ
ضا كما ذكر [ :6ترك ما أحدثه المحدثون] ،أي المبتدعون .من ابتدع شيئًا فال يجوز
ومن أصول أهل السنة أي ً
للمسلم أن يأخذ بهذه البدع.
عمال ليس عليه أمرنا فهو رد".
وقد قال " :lمن عمل ً
كثيرا".
تسليما ً
ً ثم ختم رسالته بقوله" :وصلى اهلل على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم
الصالة من اهلل ثناءٌ في المأل األعلى ومن العبد دعاء.
وذريته :هم بناته وأوالد فاطمة .F وآل النبي :lهم أتباعه على دينه.
كثيرا :يعني سلم هؤالء المذكورين من اآلفات والشرور في اآلخرة.
تسليما ً
ً وسلم
ِينْآ َمنُواْ َصلواْ َعلَي ْهِْ َو َسل ُِمواْتَسل ً َّ َ ونْعَلَىْ َّ
َ َّ َّ َ َ َ
ِيما﴾ الن ِب ِْى ِْْيَاْأي َهاْالذ َْ اَّللْ َو َملائِكتَ ُْهْي ُ َصل ْ
نْ ْ امتثال لقول اهلل تعالى﴿ :إ ِ ْ
وهذا ٌ
نأخذ أسئلة التكليف:
األسئـ ــلة
-السؤال األول :عرف اإليمان كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ
يد القيرواني 6
كل مما يأتي :األول :الصراط .الثاني :الحوض.
-السؤال الثاني :ما عقيدة أهل السنة والجماعة في ٍّ
الثالث :مرتكب الكبيرة؟
يد القيرواني .6 -السؤال الثالث :تكلم عن اإليمان بالمالئكة كما جاء في مقدمة ابن أبي ز ٍ
-السؤال الرابع :ما الواجب علينا نحو والة األمور؟
دليال على ذم المراء والجدال في الدين.
-السؤال الخامس :اذكر ً
109
الخاتـمـــة
وهنا تنتهى محاضرات مادة (العقيـــدة)
شرح فضيلة الشيخ :خالد الجهنـي (حفظه الله) ،ونفع الله به الإسـلام والمسلمين،
وجزاه الله عنا خير الجزاء ،وبهذا تنتهى محاضرات الفصل الدراسي الثاــني (الفرقـة الثاــنيـــة)
بالتوفيق لجميع طلبة الع ِلم ،نفع الله بكم ،وزادكم ع ِلماً ،وعملا ً (اللهم آميــن)
نسألـكم الدعاء لمن قام بجمع وتنسيق المحاضرات ،حتى خرجت إليكم بهذا الشكل البسيط الفريد.
"نسألـكم الدعاء"
110
فهـرس "تفر يـغ المحاضرات"
111