Professional Documents
Culture Documents
ضوابط ومنطلقات لفهم المواقف السياسية للإخوان
ضوابط ومنطلقات لفهم المواقف السياسية للإخوان
ضوابط ومنطلقات
لفهم المواقف السياسية لإلخوان
د .محمد عبد الرحمن المرسي -عضو مكتب اإلرشاد بجماعة اإلخوان المسلمين
يهاجم البعض سياسات جماعة اإلخوان ومواقفها ،والبعض قد يضع لها تفسيرات وتأويالت من عنده ،وآخرون
يسارعون في الوصول الستنتاجات بناء على إشاعات أو فهم ملتبس عندهم.
لهذا أحب أن أوضح في تلك النقاط ،بعض القواعد العامة التي توضح تلك السياسات ،وخطأ بعض التأويالت
واالتهامات ،في محاولة ألن يفهمنا اآلخرون بميزان العدل واإلنصاف.
ال استهدف من هذا التوضيح أن يتفق اآلخرون أو يقتنعوا بصحة مواقفها ،فلكل رؤيته وقناعاته الخاصة به ،وال
مساحة من االختالف وتباين الرؤى ،لكنني استهدف أن يضعوا هذه الضوابط في اعتبارهم عند التعامل مع مواقف
الجماعة أو محاولة فهمها:
–1جماعة اإلخوان لها أسلوبها وضوابطها في مسألة المعارضة السياسية ومواجهة الخصوم ممن يختلف معها من
أبناء الوطن ،حتى ولو كان صاحب سلطة فيها تجاوز وانحراف.
وهذه الضوابط هي األخالق اإلسالمية التي ال يمكن تجاوزها ،وقد أكد اإلمام الشهيد على هذه الضوابط ،بمراعاة
شرف الخصومة ،والحرص على عدم تجريح األشخاص والهيئات ،ومراعاة آداب الخطاب الموجه لصاحبه ،والتعميم عند
النقد ،والرد بالمثل على من تجاوز في حقها ،أو االنصراف عنه مع االلتزام بآداب القول وأخالق اإلسالم.
وأال نبخس أحدا حقه حتى لو كان مختلفا معنا ومخاصما لنا.
نحن ال ندعي المثالية ،أو أننا فوق الجميع ،ولكننا نؤمن بهذه الضوابط ،ونجاهد لاللتزام بها ،ونتمنى أن تكون هي
المناخ السائد بين مختلف القوى الوطنية والسياسية.
وقد قال اإلمام الشهيد( :وصيتي لكم – أيها اإلخوان – أن تحرصوا على شرف الخصومة منصفين لخصومكم ،ال
تدعوكم الخصومة – أيها اإلخوان – إلى إنكار فضل خصومكم ،وال تدعوكم لتلمس العيب لهم) (من مقالة لإلمام الشهيد
عام 1946في مجلة االعتصام).
–2نرى بعض اللذين يتكلمون عن الجماعة ومواقفها ،يريدون منها أن تجاري اآلخرين في أسلوبهم وهجومهم
وانتقادهم .هناك فرق بين االلتزام بأدب الخطاب ،وبين الموقف العملي المعارض للنظام ،فهو موقف واضح محدد تتحمل
الجماعة فيه تبعاته بصبر وثبات.
واإلخوان في طبعهم ،وكما رباهم اإلمام الشهيد ليسوا بوق خطابة ،وإلقاء حديث صباحا ومساء ،إال إذا اقتضى األمر،
ولكنهم قوم عمليون ،ينهجون النهج العملي المثمر.
وأذكر موقفا تاريخيا – كمثال – أنه في أواخر عام 1951م ،عندما ألغيت معاهدة 1936م ،وتعالت أصوات الجهاد
موجز مختصرا ،فهاجموا اإلخوان
ا من كل األحزاب والقوى السياسية ،كان حديث فضيلة المرشد العام حسن الهضيبي
وأنهم متأخرون ،في حين كان اإلعداد والتنظيم يجري على قدم وساق لترتيب معارك القناة ،والتي كان عمودها األساسي
هم اإلخوان المسلمون.
1
يقول اإلمام الشهيد (في مذكرات الدعوة والداعية ص( :)264وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم ،فإن
خير فاشكروا لها في أنفسكم ،وال يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم ،وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير،
كان الحديث ا
وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق ،وال تقابلوا هذا الذنب بذنب مثله ،وال يشغلنكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم
بسبيله).
–3يصدر اإلخوان في تحديد نهجهم ومواقفهم السياسية عن عمل وموقف مؤسسي ،أي بالرجوع لمؤسساتهم ،واستعمال
الشورى في كل أمورهم ،وليس بموقف أو قرار فردي ،وهذا يأخذ وقته وله ضوابطه ،فهي ليست متحفظة أو بطيئة في
اتخاذ القرار ،وإنما هي لها مؤسسات ترجع إليها ،وتدرس ما يترتب على ذلك ،وهي تراعي رؤية أفراد صفها على مستوى
القاعدة أيضا.
كما أنه ليس معنى السكوت عن أمر لم يحن بعد وقت إعالنه أو التأكد من كافة جوانبه ،أن ذلك رضى وموافقة على
الخطأ ،فليس كل ما يعرف يُقال ،وليس كل ما يُقال جاء أوان قوله.
واإلخوان تزن كل كلمة تقولها ألنها تعبر عن جماعة كبيرة ،ومشروع كبير ،وليس عن مجرد تجمع صغير ،وما يسع
الفرد قد ال يسع الجماعة ،لكن المبادئ والثوابت والقضايا الرئيسية الهامة ال يجوز للجماعة السكوت فيها حتى ولو
ضرر وأذى في ذلك.
ا تحملت
–4وهم يتحركون ويعملون وفق استراتيجية ثابتة واضحة ،مع مرونة في تقدير المستجدات والتعامل معها.
وهذه االستراتيجية مبنية على معرفة الواقع والموازين التي تحكمه ،وعلى أهدافهم الواضحة والمحددة ،وهي غير قاصرة
على مجال واحد ،أو لمدى قصير ،فالجماعة تحمل مشروعا إسالميا متكامال لألمة كلها ،تسير فيه بخطى حثيثة وثبات،
إلى أن يتحقق وتنهض أمتنا بإذن هللا ،فهي تزن األمور بهذا الميزان ،والذين ال يدركون ذلك يحاولون أن يقارنوا بين
مواقف الجماعة ومواقف غيرها ممن ال يحمل نفس األهداف وعمق المشروع.
نحن ال نسوق تبريرات لتأخر أو تخلف الجماعة ،فالواقع والتاريخ يشير بوضوح إلى مواقفها القوية الثابتة ،وأنها بصفة
عامة لم تتأخر في يوم من األيام عن قضايا الوطن الهامة ،أما الطريقة أو األسلوب الذي تُعبر به عن موقفها فقد ال
يعجب البعض وهو ال يدرك تلك الموازين.
–5تدرس الجماعة المحيط الخارجي الذي تواجهه ،والموازين التي تحكم هذا الواقع ،وتدرك حجم المعوقات ،وأن
المشروع الصهيوني – األمريكي ،هو خط العداء الرئيسي لمشروعها اإلسالمي.
جائز أو مسكوتا عنه في تعامل تلك القوى مع أفراد واتجاهات أخرى ،ال يُسمح به في حق الجماعة.
ا وبالتالي ما يكون
فهناك اختالف في الموازين والقواعد التي تحكم سياسة وتصرفات الجهات الحاكمة (السلطة) مع اإلخوان عن غيرهم.
فالجماعة تراعي الحكمة في خطواتها ،والتدرج في منهجها وعملها ،وال تخدعها المظاهر عن معايير القوة الحقيقية،
وتضبط الحماس بأشعة العقول ،وتأخذ بالنفس الطويل حرصا على استمرار مشروعها ،وال يقعدها ذلك عن تقديم
التضحيات الالزمة ،فكانت أكثر فصيل وطني قدم مختلف أنواع التضحيات عبر تاريخها كله.
–6الجماعة دائما تجعل الحفاظ على الوطن ،ونشر الخير فيه ،وتحريره من كل سلطان أجنبي ،من أهدافها الرئيسية
– راجع المرتبة الثانية والثالثة والرابعة من مراتب العمل في رسالة التعاليم – وهي في سبيل ذلك تجعل مصلحة الوطن
واألمة فوق مصلحة الجماعة ،ما لم يتعارض األمر مع هذه األهداف العليا .وهذه بعض األمثلة من التاريخ:
2
*لقد كان في مصلحة الجماعة حسب رؤية البعض عام 1948م عدم خوض القتال في فلسطين ،وإرسال المتطوعين
ضد الصهاينة ،ألن هذا لفت ألنظار القوى الكبرى إليها ،وألن الجماعة لم تكن بلغت درجة المواجهة ،لكن مصلحة
الوطن واألمة العربية واألهداف العليا التي تعمل لها كانت تقتضي هذا الموقف الحاسم ،والجماعة تعلم جيدا ما سيترتب
عليه من توجيه ضربة شديدة لها .لكنها المبادئ وتقديم مصلحة الوطن ،فتم قتل مرشدها ،والزج بالمئات من أفرادها
بالسجون.
*وكذلك موقفها من معاهدة الجالء 1954م ،والتي قضت بفصل مصر عن السودان نهائيا ،وإمكان عودة القوات
اإلنجليزية لقواعدها في مصر ،فكان البد أن تعلن الموقف الذي يعبر عن المبادئ ،وقد تصاعد بسبب ذلك غضب
مجلس الثورة عليها.
*وكذلك موقفها الرافض لكامب ديفيد ،وكان مطلوبا منها أن تسكت فقط ليستمر التعامل الهادئ معها ،لكن الجماعة
رفضت التنازل عن المبدأ أو األخذ بالرخصة.
–7هناك فرق كبير بين مبدأ الحوار غير المشروط ،وبين مبدأ التفاوض .إننا على استعداد للتحاور والتواصل مع
أي طرف ،أو أي جهة تنتمي ألوطاننا مهما كانت مساحة التباعد في الرؤى بيننا وبينها ،مادام األمر في شأن من شئون
الوطن ،ويساعد على تحقيق نهضته وحريته.
أما التفاوض فال يجوز ألحد أن ينوب عن الشعب ،أو عن تياراته وقواه الوطنية ،ليتحدث ويفاوض ويقرر باسمها،
ألن هذا أمر يتطلب التوافق الوطني على األهداف والمطالب ،وعلى التمثيل الحقيقي الشامل لكل قوى المجتمع ،ثم تبقى
المرجعية لعموم الشعب في هذا الشأن.
وليس معنى رغبة أحد أن يتصل باإلخوان وأن يسمع منهم وأن يوضحوا له موقفهم ويرفعوا طلباتهم – حتى مع من
يخاصمهم – ال يعني هذا أن ذلك تفاوضا وبداية عمل صفقة ،فالحوار مبدأ إسالمي حتى مع المخالفين.
–8دائما مع كل انتخابات أو مكاسب تحرزها الجماعة ،تنطلق دعاوى الصفقات ،الصفقة تعني ثمنا مدفوعا لمقابل
تأخذه به ،فأين هذا الثمن الذي دفعته الجماعة ،وخطوط دعوتها وأهدافها ومبادئها ثابتة لم تتغير ،بل ودفعت تضحيات
واعتقاالت ،وتحملت أذى كثيرا ،فإذا أحرزت تقدما بجهدها وحسن تخطيطها ،أليس هذا حقا لها في إطار الحقوق ،متاح
لكل القوى العاملة على الساحة.
ادعاء الصفقات هذا مغالطة واضحة في رؤية حقائق األحداث ،وقراءة معكوسة ومقلوبة للواقع وما يحدث فيه.
لألسف يقول ذلك من يدعون أنهم يفهمون في السياسة إال إذا كان إدعائهم هذا سياسة مقصودة للتشويه واالستعداء.
–9وإذا قيل :مادام هناك عداء بين مشروعين :المشروع الصهيوني – الغربي ،والمشروع اإلسالمي ،وأن المشروع
الغربي وما يتبعه من أنظمة الحكم يملك من القوة والتأثير ما يستطيع سحق أصحاب المشروع اإلسالمي ،فلماذا ال يفعل
ذلك ،فهذه سذاجة ،وصاحب هذا القول يجب أن يوجهه ألصحاب المشروع الغربي ،حيث لهم موازينهم وحساباتهم
وخبرتهم التاريخية ،في مواجهة اإلسالم ،وهم يبذلون جهودا متنوعة في هذا الشأن..
والذين يعادون المشروع اإلسالمي يتخذون وسائال وخططا بأسلوب آخر لتحقيق أهدافهم أشد وأخطر ،فهم يستهدفون
أساسا األمة اإلسالمية وتقدمها ،هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى ننسى أن هللا سبحانه وتعالى هو صاحب األمر،
وناصر دعوته ألنها دعوة اإلسالم وأمة اإلسالم ،بصرف النظر عن األشخاص ،فهم عليهم الثبات وبذل أقصى الجهد
البشري.
3
–10كذلك ليس معنى استفادة اإلخوان من القوانين والواقع الموجود حولها ومستجداته ،أن هذا يعني مماألة أنظمة
الحكم أو رضاهم عنها ،وسكوتهم عليها ،فهذا حق لها لم يخصها به أحد ويمنعه عن اآلخرين ،وليس األصل في العالقة
مع الحكام هو الصدام الساخن ،وإنما النصيحة وإعالن الموقف الواضح ،ونقول لمن أخطأ أخطأت ،ونحن ال نستهدف
از أو استعداء ألحد.
استفز ا
فهذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يستفيد من قانون اإلجارة ،فيطلب جوار المطعم بن عدي – وهو كافر – عند
عودته من الطائف ليتمكن من دخول مكة ،وواجه صلى هللا عليه وسلم في هذه السنين أشد أنواع األذى حينها.
–11الجماعة في تعاملها مع الواقع تجمع بين الرؤية الكلية لإلصالح ،وبين منهجية اإلصالح العملي المتدرج.
وليس أن ما تحققه وتتعاون فيه من مواقف أو وسائل وأنشطة في هذا اإلصالح المتدرج أن هذا رجوعا عن النظرة الكلية
والتخطيط لها ،فاألمر متكامل يصب في النهاية في مسارات األهداف العليا.
والشرط أن هذه الخطوات الجزئية ال تعطل أو تؤثر سلبا على التخطيط االستراتيجي والمشروع الرئيسي.
لكن ال يطالبها أحد أن تركز جهدها أو تحصر نفسها في هذه األنشطة الجزئية على حساب مشروعها الكلي ،فهناك
لديها توازن وتكامل في ذلك األمر.
–12اإلخوان ترفض – كقاعدة حاكمة – إحداث الفوضى أو التخريب في المجتمع ،ألن هذه ضد منهج اإلسالم في
اإلصالح ،وضد أهدافها العليا من الحفاظ على الوطن والنهوض به.
لهذا فهي ترفض كل األنشطة والوسائل التي تؤدي لذلك ،وإذا حدثت فوضى فلن تكون من صنع اإلخوان ،ولن يشارك
فيها اإلخوان ،لكن ال يمكن أن تُطالب الجماعة – وهي ال تملك صالحيات القرار في المجتمع – أن تمنع هذه الفوضى.
أما كل وسائل النضال السلمي والسياسي فتأخذ بها الجماعة ،وبالمشاركة مع اآلخرين ،إلعالن موقفها ،والمطالبة بالحقوق
والحريات.
وهي تعتبر أن الحريات وإقرارها في المجتمع ،واحترام إرادة األمة ،محور أساسي في اإلصالح ال يمكن تجاوزه أو
تأخيره .يقول اإلمام البنا( :ندعو إلى اإلسالم ،والحكومة جزء منه ،والحرية فريضة من فرائضه).
–13اإلخوان تدعو للتعاون والتوافق والوحدة ،ما كان إلى ذلك من سبيل ،ألن ذلك يصب في مصلحة الوطن،
وتحقيق نهضته وتقدمه ،لكن يرفض اإلخوان أن ِّ
يحول أحد هذا المبدأ الجميل إلى طلب تنازل اإلخوان عن ثوابتهم
وأصول دعوتهم ،أو العمل لها ،فاإلخوان تحترم الخصوصية ،ورسالة كل طرف يتعامل أو يتعاون معها ،وليس بيننا
وبينهم إال الحوار والتفاهم والنشاط الذي نتوافق عليه ،نتفق فيه على مظهره وصبغته العامة الشاملة للجميع.
لكن ليس معنى ذلك أن تقبل الجماعة أن يهمشها أحد ،أو يتجاوز على حقوقها ووزنها ،وال يكون معناه أيضا أننا
نحب السيطرة أو االستعالء ،فهذا ليس من العدل واإلنصاف ،كما أنه ليس من شيمتنا االستعالء والتباهي ،وإننا نقابل
الجميع بكل احترام ،ونحسن االستماع ،ونمد يد العون ،وال نمن على أحد بشيء .فالبد أن يلتزم الجميع بآداب التعاون
والتواصل بين القوى الوطنية ،وهي أمور ليست غامضة ،وقبل أن أهاجم أو أتهم طرف بالسماع عنه البد أن اتصل به
وأستوضح وأسمع منه ،وهذه قواعد أساسية.
أما اللجوء إلى أسلوب الشتائم والهجوم والتخوين ،فهو أمر مرفوض مهما كانت مساحة االختالف في الرأي .وليس
من المعقول أن يستمر التعاون مع فصيل وهو في نفس الوقت يخرج بالشتائم واالتهامات والتسفيه لفصيل آخر.
4
ولألسف نجد هذا يحدث مع اإلخوان ،وإذا كان اإلخوان يصفحون مرة أو مرات ،لكن ال يمكن أن يستمر هذا التجاوز
في حق الجماعة وتسكت عنه.
يقول لنا اإلمام الشهيد( :وهذا الصنف من الهيئات واألفراد إن تجاوزوا معنا في الحوار ،فإن سبيلنا معهم أن ندعوهم
إن قبلوا النداء ،ونحاورهم دون الجدال ،وال نتهم إخالصهم ،وال نرد على خصومتهم ،وال نترك منهج دعوتنا وندعو هللا
لنا ولهم بالهداية).
(ونحن ال نهاجمهم ،ألننا في حاجة إلى الجهد الذي يُبذل في الخصومة والكفاح السلبي ،لننفقه في عمل نافع وكفاح
إيجابي ،وندع حسابهم للزمن معتقدين أن البقاء دائما لألصلح).
هذا مع قيامنا بتوضيح الحقائق إذا لزم األمر.
–14وإذا كانت الجماعة من سياستها التعاون والمشاركة مع القوى األخرى في الحراك السياسي الذي يستهدف
مصلحة الوطن ،فإن هذا المبدأ يحكمه من وجهة نظرها هذه القواعد األساسية:
(أ) أنه تعاون في الجزء المشترك – وهو كثير – فيما بين األطراف( ،نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا
فيما اختلفنا فيه).
(ب) أنه إذا طلب منى المشاركة ،فالبد أوال أن أكون شريكا في اتخاذ القرار قبل إعالنه وإال أصبح األمر أنه مطلوب
منى أن أسير وراء كل صاحب نداء مهما كان وضعه ومهما كانت ظروفي ،وهذا ال يصح في حق جماعة لها مشروعها
ومؤسساتها ولها خطتها .فإذا تجاوز أحد هذه القاعدة في المشاركة ،أصبح من حق الجماعة أن تدرس وأن تقرر المشاركة
من عدمها وال يلومها أحد على ذلك بل يلوم من لم يشركها فى اتخاذ القرار ابتداء.
(ج) أن اتخاذ القرار بالتشاور بين األطراف يكون بالتوافق وليس بمعنى التصويت ألن لكل طرف مؤسساته واستقالليته،
وال يوجد إرغام أو تخوين ألحد إذا لم يحدث هذا التوافق.
(د) أن الجماعة مسئولة عن أفرادها في إنفاذ ما اتفق عليه ،واتباع الضوابط ،وليست مسئولة عن غيرها .وهى تلتزم
بما تقرره في حين أن غيرها – في مواقف متعددة – كان يخرج عن ذلك االلتزام.
(هـ) أنها ما دامت شريكة في اتخاذ القرار ،وفى الفعل الميداني فيجب أن تكون موجودة في المشهد وليست متوارية
فيه ،وشانها مثل شأن اآلخرين المشاركين فال يصح أن يكون حجم الفعل والحشد النسبة الكبيرة فيه للجماعة والذي يتكلم
ويتحدث فقط هو من اآلخرين أو يتم تهميشها وإقصائها ،أو يعلن اآلخرون عن هويتهم وال تعلن هي عن هويتها.
والجماعة ليست متعهد توريد أنفار ألوعية اآلخرين مع كامل االحترام لهم ،وإنما هي تتحرك وتحشد للوطن وللمجتمع
صر أن يكون لكل المشاركين دور وظهوروقضاياه ،وبالتالي ترفض استغالل تلك الروح الوطنية لحسابات أخرى .ولهذا ن ِّ
ُ
في المشهد حسبما تسمح به الظروف أو على األقل للنسبة المؤثرة منهم.
(و) إن تعاون أو تحالف اإلخوان مع بعض فصائل الحراك الوطني دون أخرى ال يعنى الوقوف ضد فريق آخر ،أو
أن طرفا معينا سوف يستخدمنا لصالحه ضد طرف آخر ،فنحن نقف على مساحة متساوية من الجميع.
يقول اإلمام البنا( :وأما موقفنا من األحزاب السياسية فلسنا نفاضل بينها وال ننحاز إلى واحد منها).
ويرد على اتهامات بعض األحزاب – في رسالة المؤتمر الخامس – فيقول« :يظن رجال بعض األحزاب أننا نقصد
بهذه التعاليم هدم حزبهم ،وخدمة لغيره من األحزاب ،وجريا وراء منفعة خاصة ،وليس أدل على خطأ هذه النظرة من أن
هذا الوهم قد سرى إلى نفوس األحزاب جميعا.
5
أحب أن أقول إلخواننا من دعاةة األحزاب ورجالها :أن اليوم الذي يُستخدم فيه اإلخوان المسلمون لغير فكرتهم
اإلسالمية البحتة لم يجئ بعد ولن يجئ أبدا ،وإن اإلخوان ال يضمرون لحزب من األحزاب – أيا كان – خصومة خاصة
به».
(ز) هناك ضوابط عامة وأخالقيات ،الخروج عليها ال نوافق عليه في أي مشاركة مثل الفوضى – التخريب – الشتائم
والتجريح ..الخ ،وهذا يضطرنا إلى التوقف واتخاذ إجراءات ألنه يخالف عقيدتنا وأخالقياتنا.
–15واإلخوان تزن خطواتها بميزان الواقع وليس بالعواطف والحماس ،وتفرق بين الممكن والمتاح وبين المستحيل أو
الذي يترتب عليه ضرر أكبر من نفعه وتنظر لمآالت األمور ،ال يدفعها إلى ذلك التردد والخوف من التضحية ،فالتضحية
عندها أحد أركان البيعة – وقد ترجمت ذلك عمليا عبر تاريخها كله حتى اليوم – لكنه النظرة المتزنة والتقدير الشامل
الواقعي.
وهى إذا كانت تحسن استقبال النصيحة من اآلخرين وتهتم بها ،لكن ليس على شرط االستجابة لها – فآليات اتخاذ
القرار وتقدير األمور من مؤسساتها ال يمكن تجاوزها ،وقديما قال اإلمام ابن حزم( :ال تنصح على شرط اإلجابة ،وال
تهب على شرط اإلثابة) ،وليس معنى االختالف في الرأي والمواقف هو القطيعة والخصام.
–16لسنا معصومين ،وال ندعى ذلك ،وأخطاء األفراد وعدم انضباطهم بهذه الضوابط أمر وارد ،وتتم المراجعة
والتصحيح داخل الصف وخارجه أوال بأول ،والذي يعبر عن الجماعة ومؤسساتها ومواقفها ليس جهة غامضة ،أو على
المشاع ،وتلك الجهة المحددة هي المرجعية المعتمدة في التعرف على رأى الجماعة وموقفها.
–17إذا كان ألحد – وهذا حق للجميع – أن يكون له رؤيته الخاصة عن الجماعة ومواقفها ،فنحن نريد لمن يتكلم
عن ذلك أن يسأل أوال ويستفسر منهم ويستمع لهم ال أن يسمع فقط عنهم من غيرهم .وهذا هو المنهج العلمي في التعامل
مع األمور والتثبت من األخبار.
ومع سعة الصدر عند الجماعة لكل نصيحة أو نقد أو تعليق ،إال أن البحث التاريخي لمسار الجماعة ومواقفها يشهد
بنجاحها في المحافظة على مسار الدعوة وعدم وقوعها في الفخاخ أو استطاعة أحد أن يستدرجها وفى نفس الوقت نراها
تملك السرعة والقدرة على االستفادة من المتغيرات واألخذ بالفرص المتاحة وهذا كله بفضل هللا وتوفيقه فله وحده الحمد
والمنة.
–18الجماعة في رؤيتها وحركتها تميز بين المبادئ واألهداف وبين التطبيق العملي ،أي بين ذلك وبين االجتهاد
البشرى لتطبيق وتحقيق تلك األهداف.
وتعتقد أن مبادئ الدعوة وأهدافها التي جاء بها اإلسالم ،يتفق معنا الغالبية حولها وان مبادئ وقواعد اإلسالم قادرة
على تنظيم أمور الحياة ،وأن هوية أمتنا وطبيعتها اإلسالمية جزء أصيل من حضارتها ونهضتها ال يمكن أن تتقدم
بدونه.
أما ما تقدمه الجماعة من برامج ووسائل لتحقيق ذلك فهو رؤية خاصة بالجماعة يختلف معها اآلخرون ،بل والجماعة
نفسها تقوم بالمراجعة والتطوير لهذه الوسائل وتلك البرامج ،وبالتالي فإن هذا الجزء الذي يمثل االجتهاد البشرى ال نلقى
عليه قداسة أو عصمة ،فهو قابل للخطأ والمراجعة ،وآليات حراكها السياسي والمجتمعي تعتبرها حق لها ولآلخرين الذين
يختلفون معها أيضا.
6
ومثال ذلك االنتخابات النقابية والبرلمانية ..الخ ،فهي وسائل للممارسة السياسية والمجتمعية الستطالع رأى األمة أو
شريحة منها لحسن تمثيلها.
فهو حراك وطني وليس ديني أو له أي صبغة دينية ،وتبقى نية اإلنسان الداخلية في هدفه من تلك المشاركة ال دخل
لنا بها ،وال نتهم النوايا.
ومن أراد أن يصبغ ذلك الحراك بصبغة دينية وصراع ديني بين الحق والباطل فقد أخطأ ألن معناه أن تتوزع األمة
والمجتمع إلى صنفين في هذا الحراك المجتمعي أهل الباطل وأهل الحق ،رغم حب الجميع لإلسالم وحرصهم عليه.
أما مبدأ اإليجابية كقيمة وسلوك وأن أشارك كمواطن فى إبداء الرأي في أمور الوطن ،فإن هذا يحث عليه اإلسالم
ويدعو إليه الوطن ،فتذكيرهم بهذا الواجب الديني والوطني أن أكون إيجابيا وأعبر عن رأيي بكل حرية واقتناع ،ال غبار
عليه لكن دون أن يمتد إلى وصف آليات االنتخابات بأي صفات دينية أو تؤدى إلى صراع ديني.
والذين خلطوا بين األمرين لم يفهموا الفرق فأساءوا التعبير.
ويحق لكل إنسان أو تيار أو تجمع أن يطرح مشروعا للنهضة والتقدم من وجهة نظره وأن يعتمد في تفاصيل مشروعه
مرجعية معينة – هي جهد بشرى – وال مشاحة في ذلك ،وأن يتخذ لها أي تسمية يريدها ما دامت لم تخرج على ثوابت
وقواعد اإلسالم التي ال خالف عليها (سواء كانت اشتراكية – رأسمالية – ليبرالية ..الخ) وال عبرة باألسماء وإنما بالمسميات
والمضمون.
ونفس الحق يكون أيضا لمن يطرحون لمشروعهم مرجعية إسالمية أى يقدمون فهمهم ورؤيتهم للقواعد والمبادئ الكلية
في اإلسالم ،وكيف يضعون على هذا األساس برامجهم وهو جهد بشري يجوز االختالف معه وانتقاده ،وبالتالي يكون
الحراك الوطني والسياسي بين كل تلك التيارات هو تفعيل آلراء األمة واجتهادات أفرادها المختلفة وفى النهاية يحتكم
الجميع إلى الشعب لينحاز إلى أي مشروع ،دون اتهامات التخوين أو إدعاء العصمة والقداسة أو اإلقصاء أو وضع قيود
عليه أو منع أي تيار من طرح مرجعيته بوضوح كامل سواء كانت مرجعية إسالمية أم غير ذلك.
-19الجماعة تعتبر كل من ينتمي لإلسالم – أي المواطنين – إسالميين وتحسن الظن بهم جميعا ،وال يقدح هذا
الظن إال دليل ثابت ال خالف عليه ،ولهذا فهي تعترض على وصف شريحة من المجتمع أنهم إسالميون وغيرهم غير
إسالمي ،والجماعة ترفض أسلوب اإلعالم الذي عندما يتكلم عن االنتخابات يقول اكتساح اإلسالميين ..فوز اإلسالميين..
الخ.
ومع هذا اإلطار الواضح في نظرة الجماعة ،فإن هناك إطا ار واضحا مكمال له وهو أن هناك مشروعا للنهضة تتبناه
الجماعة ويتخذ من مبادئ اإلسالم مرجعية له ويقدم كجهد بشرى رؤيته الفكرية والعملية بتفاصيل وبرامج ووسائل في
هذا المشروع ،وقد يقدم غيرهم مشروعا إسالميا آخر (أي يتخذ من المبادئ اإلسالمية أيضا مرجعية له) ويختلف معهم
في الرؤية والبرامج ألن كل هذه اجتهادات بشرية جائزة ما لم تخرج على أصول وثوابت اإلسالم.
لهذا قد نطلق عليه التيار اإلسالمي أو المشروع اإلسالمي أو الحزب ذو المرجعية اإلسالمية من هذا اإلطار في
التعبير حتى نميز بين المشاريع المختلفة والتي تتخذ أيضا مرجعيات أخرى يرى أصحابها أنها صحيحة وال تعارض
أصول ومبادئ اإلسالم.
فلكل فهمه واجتهاده وله نفس الحق في أن يتبنى أو يطرح ما يشاء من مشاريع ما دام داخل اإلطار الذي توافقت
عليه األمة.
7
وليس معنى المشروع اإلسالمي أن أصحابه يحتكرون مبادئ اإلسالم أو أنها تنزع صفة اإلسالم عن اآلخرين أو أن
مشاريعهم تخلو من المبادئ اإلسالمية.
فمن حقهم مثل اآلخرين ،تحديد الهوية والمرجعية للمشروع الذي تقدمه ،وللتوجه الذي ينتمي إليه أفرادها وتيارها،
وبهذا التوضيح يجوز االختالف معها في هذا االجتهاد البشرى والمنافسة ضدها في أي انتخابات ،وفى النهاية يحتكم
الجميع لرؤية الشعب وإرادته ،لكن ال يجوز أن يطالب أحد بمنع هذه المرجعية اإلسالمية أو تلك التسمية لهذا المشروع
أو ذاك ،فهذا اعتداء على الحرية والديمقراطية والميزان يجب أن يكون واحدا ،هناك أحزاب تسمى نفسها الحزب الوطني
أو الديمقراطي ،أو الليبرالي أو الوطني ..الخ ،فهل معنى ذلك أنه احتكر لنفسه صفة الحرية أو الديمقراطية أو الوطنية،
ونزعها عن اآلخرين أو أنه تبنى صفات يحبها ويتبناها الجميع ولها مكانها في النفوس ،فهل يجب منعه للمساواة بين
الجميع فيمن لم يتخذ هذا االسم أو تلك المرجعية ،بل إن أوربا نفسها فيها أحزاب مسيحية وتستخدم هذا االسم كعنوان
لها ولم يطالبها أحد بمنع استخدام ذلك.
أقصد بهذا التوضيح إزالة بعض اللبس وأن نخرج من إطار الشكليات في االختالف والكيل بمكيالين ،وأن نلتفت إلى
المضمون ونتحاور حوله ،وتتسع صدورنا للجميع ،ونحن نرحب أن يرفع كل حزب إعالنه وتمسكه بمبادئ وقواعد الشريعة
طَل َقهُ أيضا مع هوية برنامجه ومرجعيته ومشروعه المقترح للنهضة.
من َ
اإلسالمية وأنها ْ
وهللا الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
8