Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫محمد عبده‬

‫مقدمة‬
‫محمد عبده واسمه بالكامل محمد عبده حسن خير هللا (‪1266‬هـ – ‪1323‬هـ ‪1849 /‬م – ‪1905‬م)‬
‫مفكر وعالم دين وفقيه وقاضي وكاتب ومجدد إسالمي مصري‪ ،‬يعد أحد دعاة النهضة واإلصالح في‬
‫العالم العربي واإلسالمي ورموز التجديد في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين‬
‫األفغانيـ في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسالمية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‬
‫تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء األمة اإلسالمية لتواكب متطلبات‬
‫العصر‪.‬‬
‫وصفه الكاتب الكبير محمود عباس العقاد "بعبقري التنوير‪ "،‬ووصفه الكاتب السيد يوسف "برائد‬
‫االجتهاد والتجديد للفكر الديني‪ "،‬ووصفه آخرون بباعث الدولة المدنية وإمام المجددين‪ ،‬وقال عنه‬
‫الكاتب والمفكر محمد عمارة إنه مجدد الدنيا بتجديد الدين‪.‬‬
‫لم يكن اإلمام الراحل محمد عبده يعلم أن ما نادى به قبل قرن ونصفـ من الزمن يمكن أن يتحقق‪ ،‬وأن‬
‫ما خشي منه تحقق‪ ،‬فقد كان بفكره الثاقب يرى أن استخدام الدين مطية للسياسة يضر بالدين والسياسة‬
‫معاً‪ ،‬وأن وصولـ التيارات التي تستخدم الدين وسيلة للحكم في بعض الدول يضر بالدين وبالسياسة‬
‫وبالحياة‪.‬‬
‫وكانت نظرته المطالبة بإبعاد رجال الدين عن حكم الشعوب‪ ،‬مبنية على أساس أنهم قد يعتبرون رأيهم‬
‫صواباًـ يتماشى مع الدين‪ ،‬دون أن يدركواـ أنه خطأ يجافي الدين‪.‬‬
‫نفي وتشريد*‬
‫في منتصف القرن التاسع عشر نادى اإلمام الراحل باإلصالح الديني‪ ،‬وتجديدـ الفكر اإلسالمي‪ ،‬وكما‬
‫يقول أقاربه الذين التقت بهم" العربية‪.‬نت" في مسقط رأسه بقرية محلة نصر بمركز شبراخيت محافظة‬
‫لبحيرة ‪ ،‬فإن تلك المطالبات كانت سببا ً في نفيه وتشريده ودافعة له للعزلة والرغبة في االبتعاد عن‬
‫مصر‪.‬‬
‫وتحقق له ما أراد حيث نفي إلى لبنان وفرنسا وهناك التقى بأستاذه جمال الدين األفغاني ‪.‬‬
‫كان جمال الدين األفغاني سببا ً في تحول محمد عبده من الصوفية إلى الفلسفة‪ ،‬ودافعا ً له إلى اإلصالح‪،‬‬
‫لكنهما اختلفا في األسلوب والوسيلة ومازال حديثهما ونقاشهما عن اإلصالح يثير اإلعجاب والجدل معا ً‪.‬‬
‫عبده واألفغاني‪ ..‬جدل وحديث نادر‬
‫ففي الحديث النادر بينهما‪ ،‬قال محمد عبده لألفغاني‪ :‬أرى أن نترك السياسة ونذهب إلى مجهل من‬
‫مجاهل األرض‪ ،‬ال يعرفنا فيه أحد‪ ،‬نختار من أهله عشرة غلمان أو أكثر من األذكياء‪ ،‬سليمي الفطرة‪،‬‬
‫فنربيهم على منهجنا ونوجه وجوههم إلى مقصدنا‪ ،‬فإذا ُأتيح لكل واحد منهم تربية ‪ 10‬آخرين ال تمضي‬
‫بضع سنين أخرى‪ ،‬إال ولدينا ‪ 100‬قائد من قادة الجهاد في سبيل اإلصالح‪ ،‬ومن أمثال هؤالء يرجى‬
‫الفالح‪.‬‬
‫ورد جمال الدين األفغاني قائالً‪ :‬إنما أنت مثبط نحن قد شرعنا في العمل‪ ،‬والبد من المضي فيه‪ ،‬ما دمنا‬
‫نرى منفذا‪.‬‬

‫يشار إلى أن التجديد الديني كان سالح االثنين‪ ،‬لكن محمد عبده كان يرى أن اإلصالح يبدأ في الفكر‬
‫ومحاربة الجهل‪ ،‬والتخلف دون رفض أصل حضارتنا العربية وهو اإلسالم‪.‬‬
‫وكان الخالف بين األفغاني ومحمد عبده يقتصر على اإلصالح والنهوض بالوطن‪ ،‬فاألفغاني من أنصارـ‬
‫الثورة ضد االستبدادـ والقهر‪ ،‬بينما يرى محمد عبده أن تغيير المجتمع وإصالحه يجب أن يكون تدريجياً‪،‬ـ‬
‫وعن طريق التعليم ومواجهة الجمود والتخلف‪.‬‬
‫إصالح األزهر‬
‫لخص محمد عبده منهجه في اإلصالح الديني واللغوي‪،‬ـ وكان ال يرى طريقا ً لإلصالح الديني سوى‬
‫بإصالح األزهر‪ ،‬وقال في ذلك جملته الشهيرة إن بقاء األزهر متداعيا ً على حاله محال‪ ،‬فهو إما أن‬
‫يعمر‪ ،‬أو أن يتم خرابه‪.‬‬
‫كان اإلمام الراحل قد وصف األزهر بأوصاف قاسية‪ ،‬إذ كان يراه باعثا على الجمود‪ .‬ولم تتح لمحمد‬
‫عبده فرصة إصالح األزهر إال بعد أن تولى الخديويـ عباس الثاني الحكم‪ ،‬حيث أصدر مرسوما ً يقضي‬
‫بإنشاء مجلس إلدارة األزهر ويضمـ بين أعضائه محمد عبده‪ ،‬فجدد اإلمام بعض األشياء في األزهر‬
‫وحاولـ اإلصالح حتى رحل الخديوي واستقال معه محمد عبده‪.‬‬
‫ويقول الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه "عبقري اإلصالح محمد عبده" إن اإلمام كان ثائراً‪،‬‬
‫ولكنه لم يكن عرابياً‪ ،‬كان يؤيد الثورة العرابية في أمرين هما تنبيه الرأي العام وجمع كلمته للمطالبة‬
‫برفع المظالم وإصالح الحكم وإسناد المناصب الكبرى ووظائفـ الحكومة عامة إلى الوطنيين‪.‬‬
‫وثانيهماـ هو التعويل على إنهاض األمة وإقامة نهضتها على أسس التربية والتعليمـ وإعدادها للحكم النيابي‬
‫المستقل برغبتها الصادقة وقدرتها علي صيانته من عبث الوالة المتسلطين‪.‬‬
‫توقع محمد عبده أن تنهض أوروباـ وتسبق دول العرب والمسلمين ألنهم يطبقون اإلسالم دون أن يعتنقوه‬
‫من حيث االلتزام واإلتقان واالنضباط الخلقي والسلوكي وأخذهم باألسباب في إقامة حضارة دون انغالق‬
‫فكري‪ ،‬أو جمود عقلي أو االنصياع لحكم الباباوات‪ .‬وكان يقول إن الحاكم ليس له سلطة دينية فيحكم‬
‫على عقائد الناس بالفساد أو الصالح‪ ،‬كما كان يفعل الباباوات في أوروبا‪،‬ـ وإنما الحاكم سلطته مدنية‬
‫ويحكمـ بالشرع اإلسالمي كسلطة تنفذ هذا الشرع‪.‬‬
‫هنا كان محمد عبده يتلقى بطالبه‬
‫هنا كان محمد عبده يتلقى بطالبه‬
‫وجدت إسالما ً ولم أجد مسلمين‬
‫وفيـ رحلته إلى فرنساـ انبهر اإلمام الراحل بما رآه من نهضة وتنمية وحضارة‪ .‬وقال جملته الشهيرة‬
‫وجدت هنا إسالما ً ولم أجد مسلمين‪ ،‬وفي ديار اإلسالم وجدت المسلمين ولم أجد اإلسالم‪ ،‬ويضيف‬
‫وجدت المبادئ والقيم والمثل العليا‪ ،‬وكلها صفات يطالبناـ بها اإلسالم ووجدت أمانة وإتقانا وإخالصا‪،‬‬
‫وكلها سمات يحثنا عليها ديننا‪ ،‬وبذلك فهم مسلمون بال إسالم‪.‬‬
‫وفاته‬
‫كان محمد عبده موقناـ بأن المشكلة ليست في الدين‪ ،‬وإنما في الفهم الخاطئ له‪ ،‬وما تراكم على هذا الفهم‬
‫من أفكار استمرت في الوجود واكتسبت قداسة طمست حقيقة اإلسالم التي تدعو للبناء والرقي المادي‬
‫والروحي‪ ،‬باتساع المكان والزمان ووفقـ متطلبات كل عصر‪.‬‬
‫وعندما توفيـ عبده فى‪ ‬الاسكندريه‪ ‬يوم ‪ 11‬يوليه سنة ‪ 1905‬كان الخبر صادما ً للمصريين والعرب‬
‫وكل عشاق التنويرـ والحضارة وتجديد الفكر‪.‬‬
‫ورثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم قائالً ‪:‬‬
‫بكى الشرق فارتجت له األرض رجة‬
‫ضاقت عيون الكون بالعبرات‬
‫ففي الهند محزون وفي اليمن جازع‬
‫وفيـ مصر باك دائم الحسرات‬
‫وفيـ الشام مفجوع وفي الفرس نادب‬
‫وفيـ تونس ما شئت من زفراتـ‬
‫بكى عالم اإلسالم عالم عصره‬
‫سراج الدياجي هادم الشبهات‪.‬‬

You might also like