Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 35

‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‬

‫‪DOI: 10.12816/0033173‬‬

‫إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬


‫ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﷲ ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫جامعة الريموك ـ األردن‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﺎﻳﻒ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻴﺒﺮﻭﺩﻱ‪ ،‬ﺇﻧﺸﺮﺍﺡ ﺃﺣﻤﺪ ﺗﻮﻓﻴﻖ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫للنرش يف ‪٢٠١٤/٥/٢٤‬م‬ ‫قدم للنرش يف ‪ ...٢٠١٤/٣/٢٣‬وقبل‬
‫ﻣﺞ‪ ,32‬ﻉ‪67‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫امللخص‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫البحث إىل دراســة األمن النفيس يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن‬
‫‪2016‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫هيــدف الكريم‪ ،‬وذلك من خالل البحث يف مفهوم األمن النفيس يف العالقة مع‬
‫ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ ‪ /‬ﺭﺑﻴﻊ ﺍﻵﺧﺮ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫اهلل‪ ،‬وبيــان أنواعه وصوره وأبعاده يف ضوء العالقة مع اهلل‪ .‬وخلصت‬
‫‪163 - 194‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫الدراســة إىل أن مفهوم األمن النفيس لغة ويف ضوء القــرآن يرتبط بمفهوم اإليامن باهلل‬
‫‪865314‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫سبحانه‪ .‬وأن أنواع األمن النفيس وصوره تتسع لتشمل مجيع مراحل احلياة‪ .‬كام خلصت‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫الدراسة إىل أن اإليامن واألمن متالزمان يف حتقيق إجيابية املؤمن؛ ويعود ذلك إىل خصوصية‬
‫‪Arabic‬‬ ‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬
‫األمــن النفيس يف العالقة مع اهلل يف ظل التصور القرآين‪ .‬وقد أوصت الدراســة بإجراء‬
‫‪EcoLink‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫املزيد من البحوث املتعمقة يف جوانب العقيدة األخرى‪.‬‬
‫ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ،‬ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ‪ ،‬ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫الكلامت املفتاحية‪ :‬األمن‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲالنفيس‪ ،‬العالقة مع اهلل‪ ،‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/865314‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫© ‪ 2020‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫‪yinsherah@yahoo.com‬‬
‫ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ‬ ‫اليربودي‬
‫ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬ ‫توفيقﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ‬
‫أمحدﺍﻟﻨﺸﺮ‪،‬‬
‫ﺣﻘﻮﻕ‬‫إنرشاح‬
‫ﺃﺻﺤﺎﺏ‬‫ﻣﻊإىل‬
‫توجه‬ ‫البحث‬
‫ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ‬ ‫ﻋﻠﻰهبذا‬
‫ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ‬ ‫اخلاصة‬ ‫املراسالت‬
‫ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ‬ ‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬
‫ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‬
‫‪DOI: 10.12816/0033173‬‬

‫إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬


‫جامعة الريموك ـ األردن‬

‫قدم للنرش يف ‪ ...٢٠١٤/٣/٢٣‬وقبل للنرش يف ‪٢٠١٤/٥/٢٤‬م‬


‫امللخص‬
‫البحث إىل دراســة األمن النفيس يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن‬
‫هيــدف الكريم‪ ،‬وذلك من خالل البحث يف مفهوم األمن النفيس يف العالقة مع‬
‫اهلل‪ ،‬وبيــان أنواعه وصوره وأبعاده يف ضوء العالقة مع اهلل‪ .‬وخلصت‬
‫الدراســة إىل أن مفهوم األمن النفيس لغة ويف ضوء القــرآن يرتبط بمفهوم اإليامن باهلل‬
‫سبحانه‪ .‬وأن أنواع األمن النفيس وصوره تتسع لتشمل مجيع مراحل احلياة‪ .‬كام خلصت‬
‫الدراسة إىل أن اإليامن واألمن متالزمان يف حتقيق إجيابية املؤمن؛ ويعود ذلك إىل خصوصية‬
‫األمــن النفيس يف العالقة مع اهلل يف ظل التصور القرآين‪ .‬وقد أوصت الدراســة بإجراء‬
‫املزيد من البحوث املتعمقة يف جوانب العقيدة األخرى‪.‬‬
‫الكلامت املفتاحية‪ :‬األمن النفيس‪ ،‬العالقة مع اهلل‪ ،‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫املراسالت اخلاصة هبذا البحث توجه إىل إنرشاح أمحد توفيق اليربودي ‪yinsherah@yahoo.com‬‬

‫‪163‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫إن احلديث عن إنســان اليوم يفرض علينا عوملة اخلطاب لنتحدث عن إنســان ال‬ ‫ّ‬
‫حتده حدود املكان وال الفكر وال حتى العقيدة التي ينتمي إليها والثقافة التي كانت يو ًما‬
‫ألن هذا الزمان الذي نعيش‬ ‫ما ترســم مالمح شخصه فينظر إليه من اجتاه معني؛ وذلك ّ‬
‫فيه زمن يصعب فيه ترســيم احلدود ووضع الضوابط التي تتميز من خالهلا األفكار أو‬
‫األشخاص أو األشــياء واملصالح‪ .‬وعليه فإن احلديث عن إنسان هذا العرص يكتسب‬
‫صفــة عامة أو هو قريب منها وفق ما أريد لــه يف معايري «القرية الكونية» أو «العامل عىل‬
‫سطح املكتب أو نمذجة العامل يف نموذج واحد»‪.‬‬
‫وبعض البرش يف هذا العامل وفق إيديولوجيته املفروضة مريض يعاين أشــد أنواع‬
‫رضرا‬
‫ً‬ ‫األمراض اإلنسانية التي تصيب كيانه من الداخل والتي يعد الفناء اجلسدي أقل‬
‫منها‪...‬إنســان ال يعرف معنى االستقرار النفيس والطمأنينة‪ ،‬يتلمس سبيلها يف غري واد‬
‫وال يعود إال كالالهث وراء الرساب يريد الراحة‪ ،‬ويبحث عنها يف مستشفيات األمراض‬
‫النفســية أو النوادي الليلية أو املقاهي أو ملء اجليوب‪ ،‬ثم إذا خلد إىل نفسه امتدت يده‬
‫إىل جيبه ليلتقم بضع حبيبات هتدئ أعصابه وتريح فكره عىل حدّ زعمه!‬
‫جل جالله هو الطريق الشائك اليوم‪ ،‬وتكاد جتتمع العوارض‬ ‫إن االتصال الوثيق باهلل ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫ســبيل غريه تتحقق به‬ ‫لتصــد عنه‪ ،‬غري أن العاقل الفطن مل تندرس عنده املعامل‪ ،‬وال جيد‬
‫السعادة وحيصل من خالله عىل األمن النفيس لإلنسان بكل صوره ويف مجيع مراحل وجوده‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عقيدة صافية تؤمن بوجود‬ ‫لقد كفل منهج اإلســام الطمأنينة لإلنسان بام فيه من‬
‫اهلل ّ‬
‫جــل جالله‪ ،‬وتعتقد بربوبيته املطلقة يف هذا الكون‪ ،‬وال تشــك يف عبوديته فتتوجه‬
‫وأنسا وأمنًا‬
‫إليه بإخالص وصدق ملا يتصف به من صفات الكامل التي تفيض عليه ح ًبا ً‬
‫واستقرارا‪ ،‬فتكون هذه احلال باعثة عىل اهلم والسعي بانسجام تام بني مكونات الذات‪.‬‬
‫ً‬
‫وملا كانت حاجة اإلنسان ماسة إىل هذا النبع األصيل يزيح به ضنك العيش وضيق‬
‫الصدر‪ ،‬ويزيل عنه املخاوف واألوهام واالضطرابات النفســية‪ ،‬ويرد النفس إىل وحدة‬
‫كياهنا‪ ،‬وحيقق انســجام فطرهتا وعقلها مع منهج من خلقها‪ ،‬جاءت هذه الدراسة هبذا‬
‫العنوان‪ :‬األمن النفــي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم؛ حيث إن القرآن‬
‫مصدر هذا املنهج والسيام فيام يتعلق بعالقة العبد بخالقه‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫مشكلة الدراسة وأسئلتها‬


‫أمراضا نفسية خطرية مل تعرف فيام سلف من األزمان ًّ‬
‫كم‬ ‫ً‬ ‫يعاين إنســان هذا العرص‬
‫نوعــا‪ ،‬ومل تفلح مدنية هذا العرص يف عالج هذه األمراض النفســية عىل الرغم مما‬‫وال ً‬
‫وصلت إليه من القدرة املزعومة والســيطرة بقوة العلم واملال‪ .‬ويف إجابة عن تســاؤل‬
‫تطرحه الباحثة (اخلرايش)‪ :‬ملــاذا تعجز املجتمعات احلديثة ـ بالرغم مما لدهيا من تطور‬
‫هائل يف التكنولوجيا ويف مجيع وسائل احلياة ـ عن إجياد جمتمع آمن؟ وجتيب‪ :‬لقد حدث‬
‫هذا بناء عىل خطأ النظرية الغربية لدراسة علم النفس اإلنسانية واحلياة اإلنسانية بمعزل‬
‫عن اهلل‪ ...‬بعيدً ا عن الدين‪ ،‬فانحدرت الفضائل‪ ،‬وضاعت القيم واألخالق؛ ونتبني ذلك‬
‫من خالل هذه املقارنة بني علم النفس احلديث وعلم النفس اإلسالمي‪.‬‬
‫علم النفس اإلسالمي‬ ‫علم النفس احلديث‬ ‫عنرص املقارنة‬
‫عالمة صحة‬ ‫‪ 1‬ـ اإلحساس بالذنب مرض‬
‫موقف يدل عىل فطرة سوية‬ ‫نقص‬ ‫‪ 2‬ـ التوبة‬
‫موقف إجيايب يدل عىل فطرة سوية أدركت اهلل‬
‫تعقيد‬ ‫‪ 3‬ـ الندم‬
‫وعرفت أنه ً‬
‫دائم مع احلق واخلري والعدل‬
‫شاهد عىل سالمة النفس واقتدارها‬ ‫كبت له عواقب وخيمة‬ ‫‪ 4‬ـ قمع الشهوات‬
‫موقف علم وحال وعمل وجهاد للنفس‬
‫يدل عىل الصحة النفسية والقدرة عىل حتمل‬ ‫‪ 5‬ـ الصرب عىل املكاره برود‬
‫االبتالءات‬
‫نفث من الالشعور وحديث النفس يرى الدين أن النفس من املمكن أن تكون‬
‫‪ 6‬ـ الوسواس واخلواطر‬
‫ً‬
‫حمل ملخاطبة املالئكة أو وسوسة الشياطني‬ ‫إىل النفس‬
‫ال يرى علم النفس إمكانية تبديل‬
‫أما الدين فريى إمكانية تزكية النفس وتغيريها‬
‫النفس أو تغريها؛ ألن النفس تتشكل‬
‫جوهر ًّيا وإمكانية إخراجها من البهيمية إىل‬
‫يف السنوات اخلمس األوىل من‬ ‫‪ 7‬ـ تغري النفس‬
‫أنوار احلرضة اإلهلية ومن حضيض الشهوات‬
‫الطفولة وال يبقى للطبيب النفيس‬
‫إىل ذروة الكامالت اخللقية‬
‫سوى إخراج املكبوت إىل الوعي‬
‫قوة وإجيابية ويأمر بالصفح‬ ‫ختاذل وسلبية‬ ‫‪ 8‬ـ الطيبة‬

‫‪165‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫علم النفس اإلسالمي‬ ‫علم النفس احلديث‬ ‫عنرص املقارنة‬


‫خمتارا بني‬
‫حرا ً‬ ‫يقول الدين‪ :‬إن اإلنسان فطر ً‬ ‫‪ 9‬ـ العدوان وغريزة‬
‫النوازع السالبة واملوجبة‪ ،‬وخيتار ما يشاء بني‬ ‫التحطيم واهلدم‪ ،‬دوافع رئيسة يف اإلنسان‬
‫طريق اخلري وطريق الرش‬ ‫والطاقة الشهوانية‬
‫يرى الدين أنه إذا كان اهلل قد أودع يف اإلنسان‬
‫مسـتودع للشـهوات والرغبـات بعض الشهوات‪ ،‬فإنه سبحانه ً‬
‫أيضا وهبه‬
‫‪ 10‬ـ اإلنسان‬
‫ً‬
‫عقل راشدً ا‪ ،‬وقل ًبا واع ًيا‪ ،‬فإذا وقع اإلنسان‬ ‫واحلا جـا ت‬
‫يف اإلثم فعليه أن يبادر بالتوبة‪.‬‬

‫وقد بدأت تظهر حدي ًثا اجتاهات بعض علامء النفس يف العرص احلديث تنادي بأمهية‬
‫الدين يف عالج األمراض النفسية‪ ،‬وترى أن يف اإليامن باهلل قوة خارقة متد اإلنسان بطاقة‬
‫روحية تعينه عىل حتمل مشاق احلياة‪ ،‬وجتنبه القلق الذي يتعرض له كثري من الناس الذين‬
‫يعيشون يف هذا العرص الذي تغلب عليه احلياة املادية‪ .‬ومن هذه االجتاهات‪:‬‬
‫ـ وليم جيمس (عامل النفس األمريكي) يقول‪ :‬إن أعظم عالج للقلق هو اإليامن‪.‬‬
‫نفسيا‪.‬‬ ‫ـ بريل (املحلل النفيس) يقول‪ :‬إن املرء املتدين ال يعاين قط ً‬
‫مرضا ًّ‬
‫ـ ذكر هنري لينك (العامل األمريكي) يف كتابه‪( :‬العودة إىل اإليامن)‪ :‬أن الذين يرتددون عىل‬
‫دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن ال دين هلم‪ ،‬وال يقومون بالعبادة‪.‬‬
‫ـ الطبيــب توماس هايســلون يقول‪ :‬إن الصالة أهــم أداة عرفت حتى اآلن لبث‬
‫الطمأنينة يف النفوس وبث اهلدوء يف األعصاب‪.‬‬
‫وتأسيسا عىل ما سبق من أمهية املوضوع‪ ،‬جاءت الدراسة احلالية جتيب عن التساؤل‬
‫ً‬
‫الرئيس اآليت‪ :‬ما األمــن النفيس يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم؟ ويتفرع‬
‫منه األسئلة التالية‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ ما مفهوم العالقة مع اهلل؟ وما مفهوم األمن النفيس يف اللغة ويف القرآن الكريم؟‬
‫ومــا التعريف اإلجرائي ملفهوم األمن النفيس يف العالقة مع اهلل؟ وما املفاهيم‬
‫ذات العالقة؟‬
‫‪ ٢‬ـ ما أنواع األمن النفيس وصوره يف القرآن الكريم؟‬
‫‪ ٣‬ـ ما أبعاد األمن النفيس يف العالقة مع اهلل؟‬
‫‪166‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫أهـداف الدراسـة‬
‫وانطال ًقا من مشــكلة الدراسة وأسئلتها فإن هدفها الرئيس هو بيان األمن النفيس‬
‫يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ .‬ويتفرع منه األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ بيان مفاهيم الدراســة وهي‪ :‬مفهوم العالقة مع اهلل‪ ،‬ومفهوم األمن النفيس يف‬
‫اللغة ويف القرآن الكريم والتعريف اإلجرائي ملفهوم األمن النفيس يف العالقة‬
‫مع اهلل‪ ،‬واملفاهيم ذات العالقة‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ بيان أنواع األمن النفيس وصوره يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ ٣‬ـ بيان أبعاد األمن النفيس يف العالقة مع اهلل‪.‬‬

‫أمهية الدراسة‬
‫تكمن أمهية الدراسة يف جانبني مهمني مها‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ األمهية العلمية‬


‫تستمد الدراسة احلالية أمهيتها من أمهية موضوعها واملقصود منها‪ ،‬أي أمن اإلنسان‬
‫جل جالله يف ضوء القرآن‬ ‫وسعادته‪ .‬فالبحث يف موضوع األمن النفيس يف العالقة مع اهلل ّ‬
‫كل أشكال األمن األخرى‬ ‫الكريم يســهم يف حتقيق األمن النفيس لإلنسان والباعث عىل ّ‬
‫عامليا‪ .‬كام تسهم‬
‫االجتامعية والثقافية والفكرية والسياسية‪ ...‬وغريها مما هو حديث الساعة ًّ‬
‫هذه الدراسة يف عالج كثري من األمراض النفسية التي يعانيها إنسان اليوم‪ ،‬وال جيد هلا ح ًّ‬
‫ال‬
‫يف األطروحات املعارصة البعيدة عن الطرح القرآين أو تلك التي ال تؤسس يف ضوء الطرح‬
‫القرآين‪ ،‬وتتأكد أمهية هذه الدراسة بأهنا تقدم جتربة إنسانية تؤكد عاملية الرسالة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ ٢‬ـ األمهية العملية‬


‫عمليا كل من‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫هذه الدراسة إضافة علمية يفيد منها‬
‫‪ ١‬ـ مجيع املؤسســات الرتبوية التي تعنى بتنشئة جيل آمن مطمئن خال من أمراض‬
‫القلق واخلوف واالضطراب‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫‪ ٢‬ـ مراكز ومؤسســات الصحة النفسية والعالج النفيس التي هتتم برد املريض إىل‬
‫حالة الصحة النفسية املطمئنة‪.‬‬
‫‪ ٣‬ـ املرشدون والرتبويون الربانيون يف ميدان التوجيه واإلرشاد‪.‬‬
‫‪ ٤‬ـ الباحثون يف جمال التخصص الرتبوي والنفيس الصادر عن الرتبية اإلسالمية‪.‬‬

‫منهج الدراسة‬
‫تقوم هذه الدراسة عىل املنهج الوصفي بشقيه االستقرائي والتحلييل‪ ،‬حيث عمدت‬
‫الباحثة إىل استقراء النصوص القرآنية ذات العالقة بمفردات الدراسة‪ ،‬وتشخيصها وحتليلها‬
‫والربط بينها يف ضوء أقوال املفرسين وبعض تطبيقات السنة الرشيفة‪ ،‬واستخالص القيم‬
‫واملبادئ التي تشكل معايري األمن النفيس القادرة عىل حتقيق سعادة اإلنسان مطل ًقا‪.‬‬

‫مصطلحات الدراسة‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ اإليامن‪« :‬اإليامن قول باللســان وعمل باألركان واعتقاد بالقلب يزيد بالطاعة‬
‫وينقص باملعصية ويقوى بالعلم ويضعف باجلهل وبالتوفيق يقع‪ .‬كام أن اإليامن‬
‫اسم يتناول مسميات كثرية من أفعال وأقوال» (ابن حنبل‪)117/ 1 :1408 ،‬‬
‫ً‬
‫وعمل‪.‬‬ ‫وبتعبري آخر اإليامن‪ :‬التزام رشع اهلل اعتقا ًدا‬
‫‪ ٢‬ـ العبودية‪ :‬تعني العبادة‪ ،‬وهي اســم جامع لكل ما حيبه اهلل ويرضاه من األقوال‬
‫واألعامل الباطنة والظاهرة‪ .‬فالصالة والزكاة والصيام واحلج وصدق احلديث‬
‫وبر الوالدين وصلــة األرحام والوفاء بالعهود واألمر باملعروف‬‫وأداء األمانة ّ‬
‫والنهي عن املنكر واجلهاد للكفار واملنافقني واإلحسان للجار واليتيم واملسكني‬
‫وابن السبيل واململوك من اآلدميني والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال‬
‫ذلك من العبادة‪.‬‬
‫وكذلك حب اهلل ورســوله وخشــية اهلل واإلنابة إليه وإخالص الدين له والصرب‬
‫حلكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرمحته واخلوف من عذابه‬
‫وأمثال ذلك هي من العبادة هلل‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫وذلــك أن العبادة هلل هي الغاية املحبوبة له واملرضية التي َخلق اخللق هلا‪ ،‬والعبادة‬
‫أصل معناها الذل‪ ،‬لكن العبادة املأمور هبا تتضمن معنى الذل ومعنى احلب‪ ،‬فهي تتضمن‬
‫غاية الذل هلل بغاية املحبة له (ابن تيمية‪.)2005 ،‬‬
‫والتزكية‪ :‬تطهري النفس‪ ،‬وهي مشتقة من الزكاة‪ ،‬وهي النامء‪ ،‬وذلك ألن يف أصل‬
‫تعرتضها أرجاس ناشئة عن ضالل أو تضليل‪ ،‬فتهذيب‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وطهارات‬ ‫ٍ‬
‫كامالت‬ ‫خلقة النفوس‬
‫النفوس وتقويمها يزيدها من ذلك اخلري املودع فيها (ابن عاشور‪ .)1997 ،‬وال تقترص‬
‫التزكية عىل النفوس‪ ،‬بل هي «عملية تطهري وتنمية شــاملني هدفها اســتبعاد العنارص‬
‫املوهنة إلنسانية اإلنســان وما ينتج عن هذا الوهن من فساد وختلف وخرسان‪ ،‬وتنمية‬
‫كاملة للعنارص املحققة إلنســانية اإلنســان وما ينتج عن هذه التنمية من صالح وتقدم‬
‫وفالح يف حياة األفراد واجلامعات» (الكيالين‪.)2005 ،‬‬

‫الدراسات السابقة‬
‫يف حدود اطالع الباحثة ال يوجد دراســة علمية متخصصة بنفس عنوان الدراسة‬
‫احلالية ومضموهنا‪ ،‬غري أن هناك بعض الدراســات ذات العالقة بموضوعها من بعض‬
‫اجلوانب منها‪:‬‬
‫ـ دراسة‪ :‬جان‪ ،‬نادية رساج (‪ ،)2008‬بعنوان‪« :‬الشعور بالسعادة وعالقته بالتدين‬
‫والدعم االجتامعي والتوافق الزواجي واملستوى االقتصادي واحلالة الصحية»‪.‬‬
‫ ومن بني أهداف هذه الدراسة املتعلقة بموضوع البحث‪ :‬الكشف عن العالقة بني‬
‫الشعور بالسعادة ومستوى التدين‪ .‬وكان من النتائج املتعلقة هبذا اهلدف‪ :‬توجد‬
‫ارتباطات دالة موجبة بني الســعادة ومســتوى التدين‪ .‬وهذا ما بحثته الدراسة‬
‫احلالية بتعمق‪ ،‬يف حني كان أحد املحاور يف الدراسة املذكورة‪.‬‬
‫ـ دراسة اجليويس (‪1430‬هـ)‪ ،‬بعنوان‪« :‬األمن النفيس يف القرآن الكريم وأثره عىل‬
‫فكر اإلنسان»‪ .‬وتناولت الدراســة مفهوم األمن النفيس ومظاهره ومرتكزاته‪،‬‬
‫معززة دور اإليامن يف حتقيقه‪ ،‬وتركز الدراســة عىل مــا قدمه القرآن الكريم من‬
‫نــاذج برشية عرب القصة القرآنية كان األمن مطلبهــا‪ ،‬وأخرى فقدت مقومات‬

‫‪169‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫األمن فانقلبت حياهتا‪ .‬كام عرضت الدراسة مقومات األمن النفيس التي تكمن‬
‫يف الترشيعات التي فصلها القرآن الكريم‪ .‬وتركز عىل العقيدة الصحيحة يف حتقيق‬
‫عمليا هلذا االستقرار من خالل اجليل‬
‫نموذجا ًّ‬ ‫ً‬ ‫االستقرار النفيس‪ ،‬وتقدم الدراسة‬
‫الذي أوجده القرآن الكريم‪ .‬ويالحظ من خالل مفردات هذه الدراسة أهنا بحثت‬
‫يف األمن النفيس عامة يف القرآن الكريم مربز ًة أثره يف الناحية الفكرية‪ ،‬بينام اختصت‬
‫الدراســة احلالية بإبراز األمن النفيس من حيث اإليامن باهلل سبحانه‪ ،‬أي جانب‬
‫عقيدة التوحيد‪ ،‬وإن كانت دراسة اجليويس قد أبرزت اجلانب االعتقادي عامة‪،‬‬
‫وهو ما فصلته الدراسة احلالية‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مدخل مفاهيمي‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬مفهوم عالقة اإلنسان مع اهلل يف القرآن الكريم‬
‫يشري مفهوم العالقة مع اهلل جل جالله إىل تلك التصورات واملبادئ والترشيعات‬
‫التي تربط اإلنسان بخالقه واملنبثقة عن القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل الرؤية القرآنية بأن اهلل جل جالله هو الواحد األحد‪ ،‬الذي شاء أن خيلق‬
‫هذا اإلنسان لغايات واضحة بعيدة عن العبثية؛ يوضح لنا القرآن الكريم أن عالقة اإلنسان‬
‫خالصا ال خيالطه‬
‫ً‬ ‫باهلل سبحانه عالقة خالق بمخلوق‪ ،‬توجب اإليامن به َ‬
‫جل شأنه‪ ،‬إيام ًنا‬
‫غيبيا بالوجود واأللوهية والفاعلية املطلقة وبكل ما يتصف به من‬‫شك وال ريب‪ ،‬إيام ًنا ًّ‬
‫صفات الكامل املطلق التي تليق بجالله‪.‬‬
‫ب‬ ‫إل ْق َر ُار ِض ْم َن َق ْو ِل ال َق ْل ِ‬
‫يق‪َ .‬وا ِ‬‫َــر ُد ال َّت ْص ِد ِ‬
‫إل ْق َر ُار؛ َل ُم َّ‬
‫إل َيم َن ُه َو ا ِ‬ ‫ــوم َأ َّن ا ِ‬
‫«و َم ْع ُل ٌ‬ ‫َ‬
‫اف بِ ِه‬‫ت ُ‬ ‫اللِ ُه َو ْ‬
‫االع ِ َ‬ ‫إل ْق َر َار بِ َّ‬ ‫الذي ُه َو االن ِْق َي ُ‬
‫ــاد‪ ...‬وا ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫الــذي ُه َو ال َّت ْص ِد ُ‬
‫يق َو َع َملِ ال َق ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫الع َبا َد ُة» (ابن تيمية‪1422 ،‬هـ‪.)184/1:‬‬ ‫َو ِ‬

‫ومــن هنا كانت الطاعة هلل ســبحانه دليل صدق اإليامن‪ ،‬يقول ســبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ﴾ (النســاء‪ ،)59 :‬وقال‬

‫‪170‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫تعــاىل‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫وس ُه ْم‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [النســاء‪ .]65 :‬أي « ُت ْذ ِع ُن ُن ُف ُ‬
‫اض ِم ْن َق ُبولِ ِه‬ ‫يق َو َل ا ْمتِ َع ٌ‬ ‫ون ِف َيها ِض ٌ‬ ‫ــج َر َب ْين َُه ْم بِ َح ْي ُث َل َي ُك ُ‬ ‫لِ َق َضائِ َك َو ُح ْك ِم َك ِف َيم َش َ‬
‫س ْت‬ ‫احل َر ُج إِ َذا َخ ِ َ‬ ‫ــبقَ إليها األ ُمل َو َ‬ ‫ــان َل َي ْم ِل ُك َن ْف َس ُه َأ ْن َي ْس ِ‬ ‫إلن َْس ُ‬ ‫ان ا ِ‬ ‫الع َملِ بِ ِه‪َ ،‬و َلَّا َك َ‬
‫َو َ‬
‫احل َر ِج‬ ‫اهلل تعاىل َع ِن َ‬ ‫يه‪َ ،‬ع َفــا ُ‬ ‫احلقِّ ا ُمل ْخت ََص ِم ِف ِ‬‫احل ْك ِم َ َلا بِ َ‬ ‫ــو ِز‪َ ،‬و ُ‬ ‫َمــا َكا َن ْت َت ْر ُجو ِم َن ال َف ْ‬
‫اخي َف َع َط َف ُه بِـ ُث َّم‬ ‫الت ِ‬‫الش َط َع َل َّ َ‬ ‫ول َو َج َع َل َه َذا َّ ْ‬ ‫األ َ‬ ‫الصدْ َم ِة ُ‬‫ــس ِع ْندَ َّ‬ ‫الذي ُي َف ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُئ ال َّن ْف َ‬
‫احل ُّق‪،‬‬‫ــول ِم ْــن َأ َّو ِل َو ْه َل ٍة لِ ِع ْل ِم ِه َأ َّن ُه َ‬
‫الر ُس ِ‬ ‫ل ْك ِم َّ‬ ‫ش ُح َصدْ ُر ُه ِ ُ‬ ‫إل َيم ِن َي ْن َ ِ‬
‫ام ُل ا ِ‬ ‫الك ِ‬
‫َوا ُمل ْؤ ِم ُن َ‬
‫اق َصدْ ُر ُه‬ ‫ان ِف إِ َيمنِ ِه َض ْع ٌف َما َض َ‬ ‫ــإ َذا َك َ‬‫ان َل ُه‪َ ،‬ف ِ‬ ‫إل ْذ َع ِ‬ ‫الس َــعا َد َة ِف ا ِ‬ ‫يه‪َ ،‬و َّ‬ ‫ــر َل ُه ِف ِ‬ ‫َو َأ َّن َ‬
‫اخل ْ َ‬
‫الذ ْك َرى َو َي ْن َحى َع َل ْي َها بِال َّل ْو ِم َح َّتى َ ْت َش َــع‬ ‫ــه بِ ِّ‬ ‫ود َع َل َن ْف ِس ِ‬‫ول‪ُ ،‬ث َّم َي ُع ُ‬ ‫الصدْ َم ِة ُ‬
‫األ َ‬ ‫ِع ْنــدَ َّ‬
‫ــول ﷺ َع َل ا َهل َوى‪ .‬و َق ْو ُل ُه تعاىل‪:‬‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫الذي َح َك َم بِ ِه َّ‬ ‫احلقِّ ِ‬
‫إل َيم ِن َوإِي َثا ِر َ‬ ‫ش َح بِنُو ِر ا ِ‬ ‫َو َت ْن َ ِ‬
‫الف ْعلِ (احلسيني‪.)193 ،1990 ،‬‬ ‫يم ُهنَا‪ :‬االن ِْق َي ُاد بِ ِ‬ ‫﴿و ُي َس ِّل ُموا َت ْس ِل ًيم ﴾ ال َّت ْس ِل ُ‬
‫َ‬
‫وعــى هذا اإليامن تنبني وترتقي عالقة (العبودية) اخلالصة بني اخلالق واملخلوق‪،‬‬
‫﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮦ ﮧ‬
‫ﮨ﴾ (البينة‪ )5:‬والعبودية هلل أساســها وحقيقتها صدق التوجه إىل اهلل ســبحانه يف‬
‫مجيع أقواله وأفعاله‪ ،‬مع إيامنه اجلازم بأن اهلل غني عن العاملني‪ ،‬وأن هذه العبودية إنام هي‬
‫لتحقيق أمن اإلنسان وسعادته‪ .‬يقول سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ (إبراهيم‪ .)8 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ (العنكبوت‪.)6 :‬‬
‫موضعا يف كتاب‬
‫ً‬ ‫وقد وردت مشتقات (اإليامن) فيام يزيد عىل ثامين مئة وأحد عرش‬
‫اهلل إشــار ًة إىل مصدرية اإليامن يف حتقيق األمن النفيس عند اإلنســان يف عالقة واضحة‬
‫بينهــا كام يرصح قوله تعــاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﴾ (األنعام‪.)82 :‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مفهوم األمن يف اللغة‬


‫مانة بِ َم ْعنًى‪َ .‬و َقدْ َأ ِم ْن ُت َفأنا َأ ِم ٌن‪ ،‬وآ َم ْن ُت َغ ْ ِ‬
‫يي‬ ‫مان َ‬
‫واأل ُ‬ ‫األمن لغة مصدر أمن‪َ :‬‬
‫واأل ُ‬

‫‪171‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫الك ْف ِر‪.‬‬‫يامن‪ :‬ضدُّ ُ‬ ‫إل ُ‬ ‫اخليانة‪ .‬وا ِ‬ ‫مانة‪ :‬ضدُّ ِ‬ ‫واأل ُ‬ ‫ف‪َ .‬‬ ‫اخل ْو ِ‬
‫واأل ْم ُن‪ :‬ضدُّ َ‬ ‫واألمان‪َ .‬‬ ‫األ ْمن َ‬ ‫ِم َن َ‬
‫قوم‪َ ،‬فأما آ َم ْن ُته‬ ‫وكذب بِ ِه ٌ‬ ‫قوم َّ‬ ‫يب‪ُ .‬ي َقال‪ :‬آ َم َن بِ ِه ٌ‬ ‫يق‪ ،‬ضدُّ ه ال َّت ْك ِذ ُ‬ ‫إليامن‪ :‬بِ َم ْعنَى ال َّت ْص ِد ِ‬ ‫وا ِ‬
‫يح‪،‬‬‫ول املَ ِس ِ‬ ‫يث ُن ُز ِ‬ ‫ف َو ِف َح ِد ِ‬ ‫ا ُملت ََعدِّ ي َف ُه َو ضدُّ َأ َخ ْف ُته‪َ .‬و ِف ال َّت ْن ِزيلِ َ‬
‫الع ِزي ِز‪َ :‬وآ َمن َُه ْم ِم ْن َخ ْو ٍ‬
‫األرض َ ْتت َِل ُئ‬ ‫األ ْم ُن‪ُ ،‬ي ِريدُ َأن َ‬ ‫األرض َأي َ‬ ‫األ َم ُنة ِف َ‬ ‫الص َل ُة َوالس َل ُم‪َ :‬و َت َق ُع َ‬ ‫َع َل َنبِ ِّينَا َو َع َل ْي ِه َّ‬
‫َّ‬
‫ان (ابن منظور‪1414 ،‬هـ‪ .)21 :‬وقال تعاىل‬ ‫ــاس َو َ‬
‫احل َي َو ِ‬ ‫اف َأحدٌ ِم َن ال َّن ِ‬ ‫باأل ْمن َف َل َ َي ُ‬ ‫َ‬
‫آم ٍن أي‬ ‫ي وأنت يف ِ‬ ‫﴿ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾ (الدخــان‪ ،)51 :‬أي قد َأ ِمنُوا فيه ِ‬
‫الغ َ َ‬
‫أحد وقيل‪ :‬يأمنه الناس وال خيافون‬ ‫وأ َمن ٌَة أي يأ َم ُن ُك َّل ٍ‬ ‫يف َأ ْم ٍن اسم كال َفالج ورجل ُأ َمن ٌَة َ‬
‫ل َّن ُه (آ َم َن)‬‫الل َت َعاىل (ا ُمل ْؤ ِم ُن) ِ َ‬
‫أيضا موثوق به (املريس‪١٤٢١ ،‬هـ ‪َ .)492 :‬و َّ ُ‬ ‫وأ َمن ٌَة ً‬‫غائلته ُ‬
‫الذي َيثِ ُق بِ ُك ِّل َأ َح ٍد (الرازي‪١٤٢٠ ،‬هـ‪.)22 :‬‬ ‫ِعبا َد ُه ِم ْن َأ ْن َي ْظ ِل َم ُهم‪َ .‬‬
‫واأل َمن َُة َأ ْي ًضا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقد يشــار إىل مجاع اخلري باألمن‪ ،‬وإىل انعدامه بجامع الرش‪ ،‬كام جاء يف لسان العرب‬
‫وأنا َأ َم ٌنة‬ ‫وعد‪َ ،‬‬ ‫النجوم َأتى السام َء َما ُت َ‬ ‫ُ‬ ‫الس َم َء‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َب ِ‬
‫ت‬ ‫جوم أ َم ُنة َّ‬
‫يث‪« :‬ال ُّن ُ َ‬ ‫احل ِد ِ‬ ‫«و ِف َ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ذهب َأ ْص َح ِاب‬ ‫وأصحايب َأ َم ٌنة ُأل َّمتي َفإِ َذا َ‬ ‫وعدون‪َ ،‬‬ ‫ذهبت َأتى َأصحايب َما ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫َألصحــايب َفإِ َذا‬
‫الس َم ِء‬ ‫َ‬ ‫َأتى ُ‬
‫األ َّم َة َما ُت َ‬
‫وعد» (ابن حبان‪ ،‬باب ‪ ،2‬حديث ‪ 7249‬صححه األلباين)‪ ،‬أراد بِ َو ْعد َّ‬
‫وأراد َبو ْعد‬ ‫دامها‪َ ،‬‬ ‫وإع ُ‬ ‫دارها ْ‬ ‫وانك ُ‬‫وذهاب ال ُّن ُجو ِم‪ :‬تك ِو ُيرها ِ‬ ‫ُ‬ ‫الق َيا َم ِة‪.‬‬
‫وذهابا َي ْو َم ِ‬ ‫انشقا َقها‬
‫َ‬
‫يء‬‫م ِ‬ ‫اجل ْم َل ِة إىل َ ِ‬ ‫إلشــار ُة ِف ُ‬ ‫األ ّمة‪ ،‬وا ِ‬ ‫بوعد ُ‬ ‫الفتَن‪َ ،‬و َك َذلِ َك أراد ْ‬ ‫َأصحابه َما َو َق َع َب ْين َُه ْم ِم َن ِ‬
‫وف‬ ‫ون ِف ِيه‪َ ،‬ف َل َّم ُت ِّ‬
‫ان ُي َب ِّي َ ُل ْم َما َ ْيت َِل ُف َ‬
‫اس َك َ‬‫ي ال َّن ِ‬ ‫ي‪َ ،‬فإِ َّن ُه َلَّا َك َ‬
‫ان َب ْ َ‬ ‫ذهاب َأهــل َ‬
‫اخل ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِع ْندَ‬
‫َّ ِّ‬
‫ول ِف َق ْو ٍل َأو ِف ْعلٍ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫حابة ُيسنِ َ َ‬ ‫األ ْهواء‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫ت َ‬ ‫اآلراء َواخْ َت َل َف ِ‬ ‫َج ِ‬
‫مر إىل َّ‬ ‫دون األ َ‬ ‫الص ُ ْ‬ ‫ان َّ‬ ‫ُ‬ ‫الت‬
‫الس َم ِء ِع ْندَ َذ َه ِ‬ ‫لة َحال‪َ ،‬ف َل َّم ُف ِقدَ َق َّلت َ‬ ‫َأو َد َل ِ‬
‫اب ال ُّن ُجو ِم؛‬ ‫الظ َل ُم‪َ ،‬و َك َذلِ َك حال َّ‬ ‫نوار و َقو َيت ُّ‬ ‫األ ُ‬
‫احل ِاف ُظ (ابن منظور‪1414 ،‬هـ‪.)21 :‬‬ ‫ني َو ُه َو َ‬‫ج ُع َأم ٍ‬ ‫يث َ ْ‬‫احل ِد ِ‬ ‫واأل َم ُنة ِف َه َذا َ‬ ‫األثري‪َ :‬‬ ‫َقال ا ْب ُن َ‬
‫يالحظ من التفصيل اللغوي ملفهوم األمن ما ييل‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ التالزم بني داللة األمن واإليامن‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ النقيض املبارش لألمن هو اخلوف‪.‬‬
‫‪ ٣‬ـ مجاع اخلري هي صور لألمن‪ ،‬وصور الرش دالئل انعدامه‪.‬‬
‫‪ ٤‬ـ التالزم بني األمن ومسبباته؛ فهو حيتاج إىل حراسة حتى يدوم‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫ثال ًثا‪ :‬مفهوم األمن النفيس يف القرآن الكريم‬


‫وردت كلمت (األمن) ومشــتقاهتا باملعنى النفيس املرتبط بالعالقة مع اهلل يف عدة‬
‫مواضع يرصح بعضها بالزم العالقة بني الشعور باألمن النفيس واإليامن القلبي‪ ،‬ويوجه‬
‫بعضها إىل استحقاق العبودية بثمرة نعمة األمن‪.‬‬

‫ومثال األول قوله تعاىل يف ســورة األنعام‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬


‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛ﴾‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه‪،‬‬ ‫ون َ‬ ‫ين َي ْع ُبدُ َ‬ ‫اء ِ‬
‫الذ َ‬ ‫احل َن َف ِ‬
‫ين ُ‬ ‫يق ا ُمل َو ِّح ِد َ‬ ‫ي َف ِر ُ‬ ‫(األنعام‪81:‬ـ‪« .)82‬وا ُمل َر ُاد بِال َف ِري َق ْ ِ‬
‫اب‬ ‫ــب َ‬ ‫ي ُه ِم ْن ُدونِ ِه‪َ ،‬وإِ َّن َم ُي َعا ِر ُض َ َ‬ ‫ون َغ ْ َ‬ ‫ون َو َل َي ْر ُج َ‬ ‫َو َ َيا ُفو َنــه َو َي ْر ُجو َن ُه َو َل َ َيا ُف َ‬
‫ون األ ْس َ‬
‫وع َها‪َ ،‬و ُمدَ ا َف َعتِ َها‬
‫اض َق ْب َل ُو ُق ِ‬ ‫األ ْم َر ِ‬‫اب َ‬ ‫اء َأ ْس َب ِ‬ ‫األ ْقدَ َار بِ َ‬
‫األ ْقدَ ا ِر‪َ ،‬كا ِّت َق ِ‬ ‫ون َ‬ ‫اب‪َ ،‬و ُيدَ ِاف ُع َ‬ ‫األ ْس َب ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ات ُذوا‬ ‫اب‪َ ،‬ف َّ َ‬ ‫ض َ‬
‫األ ْس َب ِ‬ ‫بوا َت ْأثِ َ‬
‫ري َب ْع ِ‬ ‫است َْك َ ُ‬ ‫ش ِكنيَ ِ‬ ‫يق ا ُمل ْ ِ‬‫األ ْد ِو َي ِة َب ْعدَ اال ْبتِ َل ِء ِ َبا‪َ ،‬و َف ِر ُ‬ ‫بِ َ‬
‫ين ْ‬ ‫الذ َ‬
‫ات‬‫اع ا ُمل َصا َد َف ِ‬ ‫الض بِ ِخدَ ِ‬
‫اب‪َ ،‬ب ْل َن َس ُبوا إىل َب ْع ِض َها ال َّن ْف َع َو ُّ َّ‬ ‫ات ُذوا ِم َن اآل َهل ِة َو َ‬
‫األ ْر َب ِ‬ ‫ِم ْن َها َما َّ َ‬
‫ــه‪،‬‬ ‫األ ْم ِن َع َل َن ْف ِس ِ‬ ‫ي َأ َح ُّق َو َأ ْجدَ ُر بِ َ‬ ‫ول َ ُل ْم‪َ :‬أ ُّي َه َذ ْي َن ال َف ِري َق ْ ِ‬ ‫األ ْو َها ِم‪َ ،‬ف ُه َو َي ُق ُ‬ ‫اع َ‬ ‫ــر ِ‬ ‫اخ َ ِ‬ ‫َو ْ‬
‫األ ْم ِن‪ ،‬إىل َق ْولِ ِه‪َ ( :‬ف َأ ُّي‬ ‫ــه؟ َو ُن ْكت َُة ُعدُ ولِ ِه َع ْن َقو ِل‪َ :‬ف َأ ُّينَا َأ َح ُّق بِ َ‬
‫ْ‬ ‫اق َب ِة َع ِقيدَ تِ ِه َو ِع َبا َدتِ ِ‬ ‫ِم ْن َع ِ‬
‫إن َأ َحدَ ال َف ِري َق ْ ِ‬
‫ي‬ ‫ش ٍك‪ِ ،‬م ْن َح ْي ُث َّ‬ ‫ان َأ َّن َه ِذ ِه ا ُمل َقا َب َل َة َع َّام ٌة لِ ُك ِّل ُم َو ِّح ٍد َو ُم ْ ِ‬‫ي) ِه َي َب َي ُ‬ ‫ال َف ِري َق ْ ِ‬
‫األ ْم ِن» (احلسيني‪1990 ،‬م‪،‬‬ ‫اص َة بِ ِه َو ِبِم‪َ ،‬ف ِهي ُمت ََض ِّمن ٌَة لِ ِع َّل ِة َ‬ ‫ش ٌك‪َ ،‬ل َخ َّ‬ ‫ُم َو ِّحدٌ َو ِ‬
‫اآلخ َر ُم ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪.)483/7‬‬
‫ومثال الثاين قوله تعاىل يف سورة قريش‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ (قريش‪ 3 :‬ـ ‪ .)4‬يقول هلم‪ :‬من أجل إيالف‬
‫قريش رحلة الشــتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيــت الذي كفل هلم األمن‪ ،‬فجعل‬
‫الذي َأ ْط َع َم ُه ْم‬
‫ت ِ‬ ‫هذا ال َب ْي ِ‬
‫نفوسهم تألف الرحلة‪ ،‬وتنال من ورائها ما تنال « َف ْل َي ْع ُبدُ وا َر َّب َ‬
‫ِم ْن ُجو ٍع» وكان األصل ـ بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حوهلم‬
‫ـ أن يكونوا يف خوف فآمنهم من هذا اخلوف﴾ (قطب‪ ،‬سيد ‪1412‬هـ‪. )406/5 :‬‬
‫وملا كان الكفر نقيض اإليامن‪ ،‬واخلوف نقيض األمن جاء االســتنكار حلالة األمن‬

‫‪173‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫مع الكفر‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬


‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ (اإلرساء‪67 :‬ـ‪.)69‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًقا باإليامن باهلل؛ ملا له من أثر يف شــفاء النفس من‬ ‫فاألمن النفيس مرتبط‬
‫أمراضها وحتقيق الطمأنينة واهلدوء وراحة البال‪ ،‬حيث إن فقدان اإليامن باهلل جيعل احلياة‬
‫خالية من املعاين الســامية‪ ،‬والقيم اإلنسانية النبيلة (عقل‪ ،)2009 ،‬التي تشكل مصدر‬
‫سعادته ورس وجوده‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬مفهوم النفس‬


‫ً‬
‫لقد تنوعت املدلوالت اللغويــة لكلمة النفس‪ ،‬كام تعددت أقوال العلامء ملفهوم‬
‫اصطالحا‪ ،‬غري أن ما يعني الدراســة من هذه التعريفات تلك التي تعنى بالنفس‬ ‫ً‬ ‫النفس‬
‫اجلزء غري املادي من اإلنسان املتعلق باملعنويات الذي يقابل اجلسد‪ .‬ولعل أقرب التعاريف‬
‫إىل هذا املعنى ما ذهب إليه اجلرجاين بأن النفس هي‪« :‬اجلوهر البخاري اللطيف احلامل‬
‫لقوة احلياة واحلس واحلركة اإلرادية» (اجلرجاين‪1405 ،‬هـ‪ .)312 ،‬غري أنه حس وحركة‬
‫الط َم ْأنِين َُة التِي‬‫ون َو ُّ‬ ‫الس ُك ُ‬ ‫«و َ‬
‫احل َر َك ُة َو ُّ‬ ‫خيتلف عن حس اجلسد وحركته‪ ،‬يقول ابن تيمية‪َ :‬‬
‫ص َس ِ‬
‫اكنًا َو َن ْف ُس ُه‬ ‫الش ْخ ِ‬ ‫ون َبدَ ُن َّ‬ ‫جل ْس ُم َو َقدْ َي ُك ُ‬ ‫وص ُف بِ ِه ا ِ‬ ‫س َل ْي َس ْت ُمَاثِ َل ًة ِلَا ُي َ‬ ‫وص ُف ِ َبا ال َّن ْف ُ‬ ‫ُت َ‬
‫َاق إليه‬ ‫لش ِء ا ُملشْ ت ُ‬
‫س َقدْ َي ْس ُك ُن َق ْل ُب ُه َو َبدَ ُن ُه ُمت ََح ِّر ٌك‪َ .‬وا ُمل ِح ُّب لِ َّ ْ‬ ‫الع ْك ِ‬‫ُمت ََح ِّر َك ًة َح َر َك ًة َق ِو َّي ًة َوبِ َ‬
‫س‬ ‫وص ُف بِ ِه َن ْف ُ‬ ‫س َفا ِر َغ ٌة ‪َ .‬و َما ُي َ‬ ‫العشْ ُق َح َر َك ُة َن ْف ٍ‬ ‫وص ُف بِ َأ َّن ُه ُمت ََح ِّر ٌك إليه ؛ َو ِ َل َذا ُي َقال ‪ِ :‬‬ ‫ُي َ‬
‫س ِم ْن َحال إىل‬ ‫ــان ِم ْن َإرا َد ٍة َو َم ََّب ٍة َو َك َر َاه ٍة َو َم ْيلٍ َو َن ْح ِو َذلِ َك ُك ُّل َها ِف َيها َ َت ُّو ُل ال َّن ْف ِ‬ ‫إلن َْس ِ‬ ‫ا ِ‬
‫احل َر َك ِة‬
‫اظ َ‬ ‫ان بِأل َف ِ‬ ‫ب َع ْن َه ِذ ِه املَ َع ِ‬ ‫ــب َها؛ َو ِ َل َذا ُي َع َّ ُ‬
‫س َو َذلِ َك َح َر َك ٌة َ َلا بِ َح َس ِ‬ ‫َحال َو َع َم ٌل لِل َّن ْف ِ‬
‫َف ُي َقال‪ُ :‬ف َل ٌن َ ْي ُفو إىل ُف َل ٍن» (ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى‪.)572/5 :2005 ،‬‬

‫خامسا‪ :‬التعريف اإلجرائي ملفهوم األمن النفيس يف العالقة مع اهلل‬


‫ً‬
‫يف ضوء ما سبق ّ‬
‫فإن املقصود باألمن النفيس يف العالقة مع اهلل هو الشعور النفيس‬

‫‪174‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫بالسعادة واالطمئنان بجميع صورها‪ ،‬التي تشكل معايري الصحة النفسية‪ ،‬وانتفاء الشعور‬
‫النفيس باملخاوف والشقاوة بجميع صورها‪ ،‬التي تشكل معايري املرض النفيس‪ .‬وإن هذا‬
‫الشــعور هو الزم اإليامن اجلازم باهلل معبو ًدا‪ ،‬ور ًّبا‪ ،‬وبأســائه وصفاته‪ ،‬كام يصور ذلك‬
‫القرآن الكريم والسنة»‪.‬‬
‫ويرتبط بمفهوم األمن مفردات أخرى تدل عليه بوجه من الوجوه مثل‪ :‬الطمأنينة‪،‬‬
‫واملحبــة‪ ،‬والرضا‪ ،‬والود‪ ،‬والتثبيت‪ ،‬والربط عىل القلب‪ ،‬والوعد‪ ،‬والفرح‪ ،‬والتمكني‪،‬‬
‫واملعية‪ ...‬كام أن هناك مفردات تنايف مفهوم األمن وردت يف القرآن الكريم‪ ،‬مثل‪ :‬اخلوف‪،‬‬
‫والفزع‪ ،‬واحلزن‪ ،‬وضنك العيش‪ ،‬والضيق واحلرج‪ ،‬وقارعة‪ ،‬ومرض القلب‪ ،‬والتذبذب‪،‬‬
‫والضالل‪ ،‬والوعيد‪ ...‬وسوف يفصل احلديث عن هذه املفردات يف حملها من هذا البحث‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أنواع األمن النفيس وصوره يف ضوء مراحل حياة اإلنسان‬
‫متر حياة اإلنسان بثالث مراحل‪ :‬مرحلة احلياة الدنيا ومرحلة القرب‪ ،‬ثم مرحلة احلياة‬
‫مرحلة من هذه املراحل صور‬‫ٍ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬وهي مرحلة االستقرار النهائي لإلنسان‪ ،‬ويف كل‬
‫من األمن النفيس بينها القرآن الكريم‪ ،‬عىل التفصيل اآليت‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬األمن النفيس يف احلياة الدنيا وصوره‬
‫خلق اهلل آدم عليه الســام وأسكنه وزوجه اجلنة‪ ،‬ثم شاء اهلل سبحانه أن خيتربمها‬
‫جل شأنه‪ ،‬وملا حصل العصيان‪ ،‬أمر ّ‬
‫جل‬ ‫اختبارا تتحقق فيه غاية اإلجياد بعبودية الطاعة له ّ‬
‫ً‬
‫جالله باهلبوط إىل دائرة أخرى من دوائر االبتالء املقنن بســنن ال تغيري فيها وال تبديل‪،‬‬
‫يقول سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ (البقرة‪35 :‬ـ ‪ .)38‬فسنة اهلل إذن أن تكون‬
‫تبعا هلدي اهلل ورسوله حيث ال خوف وال حزن‪ ،‬وإذا انتفى اخلوف واحلزن حتققت كل‬ ‫ً‬
‫معاين األمن وصوره‪ ،‬كام توضح وتفصل آيات القرآن‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫واالطمئنان‪ :‬وهو صورة من صور األمن النفيس يكون باستقرار اإليامن يف القلب؛‬
‫قال تعــاىل‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾‬
‫(الرعد‪.)28 :‬‬
‫وخصوصية الطمأنينة التي يثمرها اإليامن أهنا دائمة ومتجددة‪ ،‬قال األلويس‪« :‬والعدول‬
‫إىل صيغة املضارع إلفادة دوام االطمئنان وجتدده حسب جتدد املنزل من الذكر أال بِ ِذ ْك ِر َّ‬
‫اللِ‬
‫وب هلل دون غريه من األمور التي متيل إليها النفوس‪ .‬وفيه إشعار بأن الكفرة‬ ‫وحده َت ْط َمئِ ُّن ُ‬
‫الق ُل ُ‬
‫ال قلوب هلم وأفئدهتم هواء‪ ،‬حيث مل يطمئنوا به‪ ،‬واملراد بذكر اهلل دالئله سبحانه الدالة عىل‬
‫وجل واالطمئنان عن قلق الشك والرتدد» (األلويس‪1415 ،‬هـ‪.)142/7 ،‬‬ ‫عز ّ‬ ‫وحدانيته ّ‬
‫ومن أهم البواعث عىل الطمأنينة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حتديد غاية الوجود اإلنساين وأنشطته يف (العبودية) هلل سبحانه‪.‬‬
‫قال تعــاىل‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ (البينة‪ .)5 :‬وهذه العبودية تستغرق كل أفعاله وأقواله‬
‫وإراداتــه‪ ،‬قــال تعــاىل‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ان‬ ‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ (األنعــام‪162 :‬ـ‪ .)163‬قال يف املنار» َه َذا َب َي ٌ‬
‫الص َل ِة‬ ‫ان َأ ْصلِ ال َّت ْو ِح ِ‬
‫يد ا ُمل َج َّر ِد بِا ِ‬
‫إل َيم ِن‪َ ،‬وا ُمل َر ُاد بِ َّ‬ ‫يــد األهلِ َّي ِة بِ َ‬
‫الع َملِ ‪َ ،‬ب ْعدَ َب َي ِ‬ ‫جا ٌّيل لِت َْو ِح ِ‬
‫إِ ْ َ‬
‫الع َبا َد ُة َأ ْو َغا َي ُت َها» (احلسيني‪،‬‬ ‫األ ْصلِ ِ‬ ‫وض َوا ُملست ََح ِّب‪َ ،‬وال ُّنس ُك ِف َ‬ ‫ام ُل لِ ْل َم ْف ُر ِ‬
‫الش ِ‬
‫ِج ْن ُس َها َّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪1990‬م‪ .)213 /8 ،‬وقــال تعــاىل‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ (ال َّن ْحلِ ‪.)97 :‬‬
‫ي ا ُمل ْؤ ِمنِنيَ‬ ‫س ا ُمل َر ُاد ِم ْن َها َ‬
‫احل َيا َة ا ُملشْ َ َ‬
‫ــر َك َة َب ْ َ‬ ‫قــال ابن قيم اجلوزيــة (‪َ « :)184 ،1997‬ل ْي َ‬
‫ب َواملَ ْن َك ِح‪َ ،‬ب ْل ُر َّب َم َزا َد‬ ‫ش ِ‬ ‫يب املَ ْأ َكلِ َواملَ ْل َب ِــس َواملَ ْ َ‬‫الف َّجا ِر‪ِ ،‬م ْن ِط ِ‬ ‫الك َّفــا ِر‪َ ،‬و َ‬
‫األ ْب َرا ِر َو ُ‬ ‫َو ُ‬
‫ــب َحا َن ُه لِ ُك ِّل َم ْن َع ِم َل‬ ‫الل ُس ْ‬ ‫اع َف ًة‪َ ،‬و َقدْ َض ِم َن َّ ُ‬ ‫اللِ َع َل َأ ْولِ َيائِ ِه ِف َذلِ َك َأ ْض َعا ًفا ُم َض َ‬ ‫َأ ْعدَ ُاء َّ‬
‫اة َأ ْط َي ُب‬ ‫الذي َل ُ ْي ِل ُف َو ْعدَ ُه‪َ ،‬و َأ ُّي َح َي ٍ‬ ‫الو ْع ِد ِ‬ ‫احلــا َأ ْن ُ ْييِ َي ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة‪َ ،‬ف ُه َو َص ِ‬
‫ــاد ُق َ‬ ‫َص ً‬
‫اللِ؟ َو َ ْل َيت ََش َّع ْب َق ْل ُب ُه‪،‬‬‫اة َّ‬‫احدً ا ِف َم ْر َض ِ‬ ‫ها َو ِ‬ ‫ار ْت َ ًّ‬‫وم ُه ُك ُّل َها َو َص َ‬ ‫ه ُ‬ ‫اجت ََم َع ْت ُ ُ‬‫اة َم ِن ْ‬ ‫ِم ْن َح َي ِ‬
‫اجت ََم َع ْت إِ َرا َد ُت ُه َو َأ ْف َك ُار ُه التِي َكا َن ْت ُم َت َق ِّس َم ًة بِ ُك ِّل َو ٍاد ِم ْن َها ُش ْع َب ٌة َع َل‬
‫اللِ‪َ ،‬و ْ‬ ‫َب ْل َأ ْق َب َل َع َل َّ‬

‫‪176‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫ْس بِ ُق ْربِ ِه ُه َو ا ُمل ْس َ‬ ‫ُ‬ ‫ار ِذ ْكر ُه بِ َم ْحبوبِ ِه َ‬


‫ــت ْو ِل‬ ‫الش ْــو ُق إىل لِ َقائِ ِه‪َ ،‬واألن ُ‬ ‫األ ْع َل َو ُح ُّب ُه َو َّ‬ ‫ُ‬ ‫اللِ‪َ ،‬ف َص َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ات َق ْلبِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن َس َــك َت َس َك َت بِ َّ‬
‫اللِ‪،‬‬ ‫ود ُه بِ ُك ِّل َخ َط َر ِ‬
‫وم ُه َوإِ َرا َد ُت ُه َو ُق ُص ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ور ُ ُ‬ ‫َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َع َل ْي ِه َتدُ ُ‬
‫ش‪َ ،‬وبِ ِه َي ْم ِش‪،‬‬ ‫ص‪َ ،‬وبِ ِه َي ْب ِط ُ‬ ‫اللِ‪َ ،‬وإِ ْن َس ِــم َع َفبِ ِه َي ْس َم ُع‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْب َ َ‬
‫ص َفبِ ِه ُي ْب ِ ُ‬ ‫َوإِ ْن َن َطقَ َن َطقَ بِ َّ‬
‫وت‪َ ،‬وبِ ِه ُي ْب َع ُث»‪.‬‬ ‫َوبِ ِه َي ْس ُك ُن‪َ ،‬وبِ ِه َ ْي َيى‪َ ،‬وبِ ِه َي ُم ُ‬
‫وهذه العبودية هلل ســبحانه مبنية عىل احلب اخلالص له جل شأنه‪ ،‬بل والسمو هبذا‬
‫احلب عن كل العالقات التي تتعــارض معها‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ (البقرة‪.)165 :‬‬

‫وإحسان العبد يف عبوديته هلل سبحانه يثمر مرتبة حب اهلل له‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ (البقرة‪ ،)195 :‬التي‬
‫ومعاص‪ .‬قال‬
‫ٍ‬ ‫تعني رعاية اهلل لذلك العبد وحتصينه من مضادات األمن النفيس من كفر‬
‫تعــاىل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﴾ (املائدة‪ .)54 :‬ومجاع األمر كله يف ثمرة العالقة مع اهلل‪ ،‬فهي‬
‫حب اهلل عز وجل للعبــد ح ًبا حيفظه به ويقربه ويرقيه ويعطيه عطا ًء ممدو ًدا غري جمذوذ‪.‬‬
‫الل َقال َم ْن َعا َدى ِل َولِ ًّيا َف َقدْ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬إِ َّن َّ َ‬ ‫ويف الصحيح َع ْن َأ ِب ُه َر ْي َر َة َقال‪َ :‬قال َر ُس ُ‬
‫ت ْض ُت َع َل ْي ِه َو َما َيزَ ال َع ْب ِدي‬ ‫ش ٍء َأ َح َّب إ َّيل ِمَّــا ا ْف َ َ‬‫ب َو َما َت َق َّر َب ا َّيل َع ْب ِدي بِ َ ْ‬ ‫احل ْر ِ‬‫ــه بِ َ‬‫آ َذ ْن ُت ُ‬
‫ص‬ ‫الذي ُي ْب ِ ُ‬ ‫ص ُه ِ‬
‫الذي َي ْس َم ُع بِ ِه َو َب َ َ‬ ‫َي َت َق َّر ُب ا َّيل بِال َّن َو ِافلِ َح َّتى ُأ ِح َّب ُه َفإِ َذا َأ ْح َب ْب ُت ُه ُك ْن ُت َس ْم َع ُه ِ‬
‫است ََعا َذ ِن ُأل ِع َ‬
‫يذ َّن ُه‬ ‫ش ِ َبا َو ِر ْج َل ُه التِي َي ْم ِش ِ َبا َوإِ ْن َسألنِي ُأل ْع ِط َي َّن ُه َو َلئِ ِن ْ‬ ‫بِ ِه َو َيدَ ُه التِي َي ْب ُط ُ‬
‫س ا ُمل ْؤ ِم ِن َي ْك َر ُه املَ ْو َت َو َأ َنا َأ ْك َر ُه َم َســا َء َت ُه»‬ ‫اع ُل ُه َت َر ُّد ِدي َع ْن َن ْف ِ‬ ‫ش ٍء َأ َنا َف ِ‬
‫َو َما َت َر َّد ْد ُت َع ْن َ ْ‬
‫(صحيح البخاري‪١٤٢٢ ،‬هـ‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،38 ،‬حديث ‪)6501‬‬
‫‪ ٢‬ـ التوحد مع النفس من خالل تلبية حاجاهتا‬
‫«فحاجة العبد إىل أن يعبد اهلل وحده ال يرشك به شــيئًا يف حمبته وال يف خوفه‪ ،‬وال‬
‫يف رجائه وال يف التوكل عليه‪ ...‬وال يف اخلضوع له وال يف التذلل والتعظيم والســجود‬

‫‪177‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫والتقرب‪َ ،‬أعظم من حاجة اجلسد إىل روحه والعني إىل نورها‪ .‬بل ليس هلذه احلاجة نظري‬
‫تقاس به‪ ،‬فإِن حقيقة العبد روحه وقلبه وال صالح هلا إال بإهلها الذي ال إله إال هو‪ ،‬فال‬
‫كدحا فمالقيته‪ ،‬وال بد هلا من لقائه‪ ،‬وال‬
‫تطمئــن يف الدنيا إال بذكره‪ ،‬وهى كادحــة إليه ً‬
‫صالح هلا إال بمحبتها وعبوديتها له ورضــاه وإِكرامه هلا ولو حصل للعبد من اللذات‬
‫والــرور بغري اهلل ما حصل مل يدم له ذلك» (ابن قيــم اجلوزية‪1394 ،‬هـ‪ .)99 ،‬فهي‬
‫الفطرة التي فطــرت النفس عليها؛ قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾ (األعراف‪172 :‬ـ‪.)174‬‬
‫ثم إن اإلنســان بطبعه عاجز ضعيف وإحساسه باألمن من هذا الوجه إنام بإيامنه‬
‫بمصدر الكامل املطلق يف القوة والقدرة وامللك‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﴾ (البقرة‪115 :‬ـ‪ .)117‬وإذا انحرف اإلنســان عن هذا املسري‬
‫وحتول عن مصدر األمن؛ أدى ذلك إىل انفصام عرى النفس وضياعها وتشتتها وحريهتا‬
‫وقلقها‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾ (البقرة‪.)137 :‬‬
‫‪ ٣‬ـ اإليامن باصطفاء منهج عالقة اإلنسان مع اهلل ّ‬
‫جل جالله‬

‫فهوأدعىإىلسكونالنفسوانرشاحالصدربه‪،‬قالتعاىل‪﴿:‬ﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ﴾(البقرة‪،)132:‬وقالتعاىل‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﴾ (األنعام‪.)125 :‬‬

‫‪178‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫‪ ٤‬ـ التصور العام إلرادة اهلل سبحانه لإلنسان املؤمن‬


‫اهلل جل جالله حيب عبده املؤمن‪ ،‬ويريد له اخلري واليرس واهلداية والتوبة والتطهري وإمتام‬
‫النعمة والنرصة‪ ،‬كام أن اهلل جل جالله يريد للمؤمن حسن ثواب اآلخرة كام دلت عليه كثري من‬
‫نصوص القرآن‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ (البقرة‪،)185:‬‬
‫ويقول تعاىل‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾ (النساء‪ .)26:‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ (املائدة‪.)6:‬‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ﴾ (األنفال‪.)67:‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف حيصل الكفر أو الفســوق والعصيان والنفاق إذا كان اهلل ال حيبه وال يرضاه؟‬
‫قيل‪« :‬إن اإلرادة يف كتاب اهلل عىل نوعني‪ :‬أحدمها اإلرادة الكونية‪ ،‬وهي اإلرادة املســتلزمة‬
‫لوقوع املراد التي يقال فيها‪ :‬ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬وهذه اإلرادة يف مثل قوله ﴿‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾‬
‫(األنعام‪.)125:‬‬
‫وأمــا النوع الثاين فهو اإلرادة الدينية الرشعية‪ ،‬وهي حمبة املراد ورضاه وحمبة أهله‬
‫والرضا عنهم وجزاهم باحلسنى كام قال تعاىل‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ﴾ [البقرة‪(.]185 :‬ابن تيمية‪)528/2 ،1404 ،‬‬
‫‪ 5‬ـ معية اهلل للمؤمن‬
‫لقد وعد اهلل ســبحانه كل من دان له بالعبودية وصدق التوجه إليه ً‬
‫فعل ملا أمر به‬
‫وانرشاحا وتثبي ًتا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬‬
‫ً‬ ‫تركا ملا هنى عنه (بمعية) تنزل عــى القلب طمأنينة‬‫أو ً‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﴾ (النحــل‪ .)128 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ﴾ (األنفال‪ ،)19 :‬وابتالءات احلياة الدنيا بميادينها املتنوعة قد تقلق أمن‬
‫اإلنسان وتبث يف كيانه معاين اإلحباط وامللل والعجز‪ ،‬لكن معية اهلل للصابرين ترد تلك‬
‫واستقرارا‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫ً‬ ‫املشاعر إىل صواهبا‪ ،‬فتحيلها أمنًا‬
‫ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ (البقرة‪ .)153 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ‬

‫‪179‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﴾ (النحل‪127 :‬ـ ‪.)128‬‬
‫‪ ٦‬ـ تثبيت املؤمن والربط عىل قلبه‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﴾ (الكهف‪13 :‬ـ ‪ .)14‬قال املــاوردي‪ :‬قوله عز وجل‪( :‬وربطنا عىل قلوهبم) فيه‬
‫(و َر َب ْطنَا‬
‫ربا (املاوردي‪ .)289/3 ،‬وعن قتادة َ‬
‫وجهان‪ :‬أحدمها‪ :‬ثبتناها‪ .‬الثاين‪ :‬أهلمناها ص ً‬
‫وبِ ْم) يقول‪ :‬باإليامن (الطربي‪ .)615/17 ،2000 ،‬فقد أنعم اهلل عليهم بسبب‬ ‫َع َل ُق ُل ِ‬
‫إيامهنم ويقينهم بالتثبيت والصرب‪.‬‬
‫وتثبيــت املؤمن يقابله إلقاء الرعب يف قلب الكافر‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ (آل عمران‪ .)151 :‬أي سيلقى اهلل يف قلوب الذين‬
‫كفــروا «برهبم‪ ،‬وجحدوا نبوة حممد ﷺ اجلزع واهللع برشكهم باهلل وعبادهتم األصنام‪،‬‬
‫وطاعتهم الشيطان» (الطربي‪.)247 /2000،17 ،‬‬
‫‪ ٧‬ـ وعد اهلل للمؤمنني باالستخالف يف األرض والتمكني واألمن من األعداء‬
‫قال تعــاىل‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀ ﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﴾ (النور‪ .)55 :‬واالستخالف يف األرض قدرة عىل العامرة واإلصالح‪ ،‬وقدرة عىل‬
‫حتقيق العدل والطمأنينة‪ ،‬وعده اهلل الذيــن آمنوا وعملوا الصاحلات‪ ...‬وعدهم اهلل أن‬
‫يســتخلفهم يف األرض ـ كام استخلف املؤمنني الصاحلني قبلهم ـ ليحققوا النهج الذي‬
‫أراده اهلل‪ ،‬وبذا يتحقق متكني الدين ـ بعد متكينه يف القلوب ـ يف ترصيف احلياة وتدبريها‪...‬‬
‫مع التوجه بكل نشاط فيها إىل اهلل (قطب‪1412 ،‬هـ‪.)2529/17،‬‬
‫ومن صور التمكني اجلالبة لألمن حب أهل اإليامن ووضع القبول هلم يف األرض‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚ﴾ (مريم‪.)96 :‬‬

‫‪180‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫منهجا‪ ،‬فهم‬
‫أما أولئك الذين طمســوا حقائق اإليامن من فطرهم‪ ،‬ورضوا الكفر ً‬
‫بمنأى عن األمن والطمأنينة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ (الرعد‪.)31 :‬‬
‫‪ ٨‬ـ األمن عىل األجل والرزق‬
‫إيامن املؤمن بأن اهلل جل جالله بيده وحده اإلحياء واإلماتة‪ ،‬يبعث يف نفسه األمن‬
‫واالطمئنان‪ ،‬فال خيــاف أحدً ا‪ ،‬وال يتحرس عىل فقد أحد‪ ،‬ألنه يوقن بأن أحدً ا ال يملك‬
‫أن يقدم أو يؤخر شيئًا يف أجله‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ﴾‬
‫(األعــراف‪ .)158 :‬وهذا خالف الكافر الذي ال يؤمن بمــن بيده املوت واحلياة فيبقى يف احلرسة‬

‫واألمل‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬


‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ (آل عمران‪.)156 :‬‬
‫واملؤمــن كذلك يعلم أن الرازق هو اهلل‪ ،‬فال خياف اجلوع وال العطش‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ (األنعــام‪ .)151 :‬وقال‬
‫تعاىل ﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ (الذاريات‪56 :‬ـ ‪ .)58‬فإذا أيقن هبذا استقرت‬
‫نفســه وانشغل بام هو مطلوب منه فيها من السعي واألخذ بأسباب التحصيل‪ ،‬مع تعلق‬
‫قلبه بمن بيده األسباب ومســبباهتا؛ فيحصل له الرضا بام حتصل عليه‪ ،‬وإن كان ً‬
‫قليل‪،‬‬
‫ليقينه أن يف هذا القدر حقيقة السعادة‪.‬‬
‫‪ ٩‬ـ جعل الفرقان للمؤمن‬

‫قال تعاىل‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬


‫ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ﴾ (األنفال‪ .)29 :‬أي إِ ْن َت َّت ُقوا َ‬
‫اهلل ِف ُك ِّل‬

‫‪181‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫ش ِع ِه‪َ ،‬وبِ ُم ْقت ََض ُسنَنِ ِه ِف نِ َظا ِم َخ ْل ِق ِه‪َ ،‬ي َْع ْل َل ُك ْم بِ ُم ْقت ََض‬ ‫ي ُب َأ ْن ُي َّت َقى بِ ُم ْقت ََض ِدينِ ِه َو َ ْ‬ ‫َما َ ِ‬
‫ي َّ‬
‫الض ِّار‬ ‫اطلِ ‪َ ،‬و َت ْف ِص ُل َ‬
‫ون َب ْ َ‬ ‫احلقِّ َوال َب ِ‬ ‫ي َ‬ ‫احل ْك َم ِة ُت َف ِّر ُق َ‬
‫ون ِ َبا َب ْ َ‬ ‫الع ْل ِم َو ِ‬‫َه ِذ ِه ال َّت ْق َوى َم َل َك ًة ِم َن ِ‬
‫ض‬ ‫الش ْب َه ِة‪َ .‬و َقدْ ُر ِو َي َع ْن َب ْع ِ‬
‫احل َّج ِة َو ُّ‬ ‫ي ُ‬ ‫ون َب ْ َ‬‫الظ ْل َم ِة‪َ ،‬و ُت ِزي ُل َ‬
‫ي ال ُّنو ِر َو ُّ‬ ‫َوال َّن ِاف ِع‪َ ،‬و ُ َت ِّي ُز َ‬
‫ون َب ْ َ‬
‫اطلِ (احلسيني‪،‬‬ ‫احلقِّ َوال َب ِ‬
‫ي َ‬ ‫الذي ُي َف ِّر ُق َب ْ َ‬‫ري ِة ِ‬ ‫ان ُهنَا بِنُو ِر ال َب ِص َ‬ ‫الف ْر َق ِ‬ ‫ف َت ْف ِس ُ‬
‫ري ُ‬ ‫الس َل ِ‬ ‫سي َّ‬ ‫ُم َف ِّ ِ‬
‫‪ .)539/9 ،1990‬وال خيفى عىل ذي لب أثر هذه البصرية يف استقرار النفس وسعادهتا‬
‫وأمنها من شقاء الرتدد واحلرية والقلق يف السبيل إىل الصواب يف العلم أو العمل‪.‬‬
‫‪ ١٠‬ـ الوعد باجلزاء والنعيم املقيم يوم القيامة‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺ ﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ (الفتح‪.)29 :‬‬
‫وقال تعاىل ﴿ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ (الزمر‪ .)20 :‬ويبدأ حتقق صور النعيم اجلالبة للسعادة واألمن‬
‫للمؤمن عند أول منزل من منازل اآلخرة وهو القرب لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ (آل عمران‪)169 :‬؛ َو َقال َص َّل َّ ُ‬
‫الل‬
‫س ِم ْن ُه‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫َ‬ ‫ب َأ َّو ُل َم ْن ِز ٍل ِم ْن َمنَا ِز ِل ِ‬
‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬فإِ ْن َن َجا ِم ْن ُه َف َم َب ْعدَ ُه أ ْي َ ُ‬ ‫َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪« :‬إِ َّن ال َق ْ َ‬
‫َ ْل َي ْن ُج ِم ْن ُه َف َم َب ْعدَ ُه َأ َشدُّ ِم ْن ُه» (الرتمذي‪١٩٩٨ ،‬م‪ ،‬اجلامع الكبري‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،5 ،‬حيث‬
‫‪ .2308‬حسنه األلباين)‪ .‬وهو ما يفصل يف املراحل التالية للحياة الدنيا‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬األمن النفيس يف العالقة مع اهلل يف املرحلة الثانية من حياة اإلنسان‬
‫عند املوت ويف القرب‬
‫يطلق عىل املرحلة التي يمر هبا اإلنسان بعد هذه احلياة الدنيا عدة أسامء‪ ،‬منها ‪ :‬القيامة‬
‫الصغرى‪ ،‬والربزخ‪ ،‬واملوت‪« .‬واملوت معاد وبعث أول فإن اهلل سبحانه وتعاىل جعل البن‬
‫آدم معادين وبعثني جيزى فيهام الذين أساءوا بام عملوا وجيزى الذين أحسنوا باحلسنى‪.‬‬
‫فالبعــث األول مفارقة الروح للبدن ومصريها إىل دار اجلزاء األول‪ ،‬والبعث الثاين يوم‬

‫‪182‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫يرد اهلل األرواح إىل أجسادها ويبعثها من قبورها إىل اجلنة أو النار‪ ...‬واملوت ليس بعدم‬
‫حمض‪ ،‬وإنام هو انتقال من حال إىل حال» (ابن قيم اجلوزية‪ ،1975 ،‬ص‪.)74 ،36‬‬
‫يف هذه املرحلة يتحقق وعد اهلل ســبحانه للمؤمن بالثواب واجلزاء والنعيم‪ .‬ومن‬
‫أبرز صور األمن يف هذه املرحلة التثبيت والبرشى والنعيم‪ ،‬وضده اإلضالل والعذاب‬
‫ويستدل عىل هذا بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ (يونــس‪ ،)64 :‬وقد ورد يف البرشى يف‬
‫احلياة الدنيا ثالثة ٍ‬
‫معان‪ :‬البشارة عند املوت بأن يعلم أين هو من قبل أن يموت‪ ،‬والرؤيا‬
‫الصاحلة يراها الرجل الصالح أو ُترى له‪ ،‬والثناء الصالح (املارودي‪.)422/3 ،‬‬
‫ويســتدل عىل التثبيت بقوله تعــاىل‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﴾‬
‫ب ِه ُأ ِتَ‪ُ ،‬ث َّم َش ِــهدَ َأ ْن‬ ‫(إبراهيــم‪ .)27 :‬ويفرس ﷺ التثبيت بقوله‪« :‬إِ َذا ُأ ْق ِعدَ ا ُمل ْؤ ِم ُن ِف َق ْ ِ‬
‫ت)‬ ‫ين آ َمنُوا بِال َق ْو ِل الثَّابِ ِ‬ ‫الل ِ‬
‫الذ َ‬ ‫اللِ‪َ ،‬ف َذلِ َك َق ْو ُل ُه‪ُ ( :‬ي َث ِّب ُت َّ ُ‬ ‫الل َو َأ َّن ُم ََّمدً ا َر ُس ُ‬
‫ــول َّ‬ ‫ال ال َه اال َّ ُ‬
‫َ‬
‫الب ِاء‬
‫(البخاري‪1422،‬هـ‪ ،‬حديث رقم ‪ .)1369‬وتتسع صور األمن النفيس يف حديث َ َ‬
‫ان ِف ان ِْق َطا ٍع ِم َن الدُّ ْن َيا َوإِ ْق َبال ِم َن‬ ‫الع ْبدَ ا ُمل ْؤ ِم َن إِ َذا َك َ‬
‫ب الطويل‪ ،‬الذي جاء فيه «إِ َّن َ‬ ‫ْب ِن َعا ِز ٍ‬
‫س‪( ».....‬ابن‬ ‫وه ُه ُم َّ‬
‫الش ْم ُ‬ ‫وه‪َ ،‬ك َأ َّن ُو ُج َ‬ ‫الو ُج ِ‬ ‫يض ُ‬ ‫الس َــا ِء بِ ُ‬
‫الئِ َك ٌة ِم َن َّ‬
‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬نزَ َل إليه َم َ‬
‫ِ‬
‫حنبل‪ ،‬حديث ‪ .18534‬صححه األلباين)‪ .‬ومن هذه الصور‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ مجال الصورة للمالئكة التي تستقبل املؤمن عند موته‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ طريقة خروج روح املؤمن بلطف ورمحة‪ ،‬كام خترج القطرة من يف السقاء‪ ،‬وتطييبها‬
‫واستقباهلا بأحسن الكالم وأحاله‪.‬‬
‫‪ ٣‬ـ ترحيب أهل السامء به‪ ،‬ومناداته بأحب األسامء إليه‪ ،‬ثم التكريم اإلهلي له‪ ،‬وأمره‬
‫بأن تكتب روحه يف عليني‪.‬‬
‫‪ ٤‬ـ تثبيته عند السؤال عن إيامنه ومعتقداته‪.‬‬
‫‪ ٥‬ـ النعيم الذي يراه يف قربه‪ ،‬واملعد له يف اجلنة‪.‬‬
‫‪ ٦‬ـ الفرح الذي يغمر قلبه‪ ،‬فيقول من شدة فرحه رب أقم الساعة‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫ومما يزيــد املؤمن إيام ًنا وأمنًا‪ ،‬أنه إن مل يكن كذلك ـ كاملرشك‪ ،‬أو الكافر ـ فإن كل‬
‫نقائض األمن تنتظره عند املوت‪ ،‬وهي عكس ما ذكر من الصور السابقة‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬األمن يف احلياة اآلخرة وصوره‬


‫تبدأ هذه املرحلة بنهاية احلياة الدنيا وبداية اليوم اآلخر‪ ،‬وصور األمن ملن صحت‬
‫عالقته مع اهلل تتمثل يف الصور اآلتية‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ األمن من أهوال يــوم القيامة‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ (النمل‪.)89 :‬‬
‫‪ ٢‬ـ النعيم املقيم يف اجلنة واألمن من العذاب‪ ،‬والســعادة األبدية‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ﴾ (هود‪ .)108 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ (األعراف‪.)49 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ (سبأ‪.)37 :‬‬
‫واملؤمن يف اجلنة سليم الصدر من كل ما يشوب أمنه واستقراره النفيس‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾‬
‫(احلجر‪ 45 :‬ـ ‪.)48‬‬
‫ويف ضوء عالقة العبد مع اهلل يف الدنيا تكون درجة أمنه ونعيمه يف اجلنة‪ ،‬وقسم الناس‬
‫ضها َفوق بعض‬ ‫يف ضوء ذلك إىل مراتب ودرجات‪ ،‬قال ابن تيمية‪« :‬واحلســنات َد َر َجات َب ْع َ‬
‫احلسنَات ينقســمون إىل َ‬
‫األ ْب َرار ا ُمل ْقت َِص ِد َ‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ضها أكرب من بعض َف َك َم أن أهل َ َ‬
‫والســيئات َب ْع َ‬
‫الظاملني َوالك َّفار املكذبني‪ ،‬وكل من‬ ‫الس ِّيئَات ينقسمون إىل الفجار َّ‬
‫والسابقني املقربني َفأهل َّ‬
‫َهؤُ َل ِء هم َد َر َجات ِع ْند اهلل» (ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى‪ ،‬ص‪ .)461‬قال تعاىل‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖ‬
‫«وأهل اجل َّنة َن ْو َع ِ‬
‫ان‬ ‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ (الواقعة‪ 7 :‬ـ ‪َ .)12‬‬

‫‪184‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫ون مقربون وأبرار َأ ْص َحاب َي ِمني» (ابن تيمية‪« .)701/10 ،‬فاألبرار أصحاب اليمني‬ ‫َسابِ ُق َ‬
‫هم املتقربون إليه بالفرائض‪ ،‬يفعلون ما أوجب اهلل عليهم‪ ،‬ويرتكون ما حرم اهلل عليهم‪ ،‬وال‬
‫يكلفون أنفسهم باملندوبات‪ ،‬وال الكف عن فضول املباحات‪ .‬وأما السابقون املقربون فتقربوا‬
‫إليه بالنوافل بعد الفرائض‪ ،‬ففعلوا الواجبات واملستحبات‪ ،‬وتركوا املحرمات‪ ،‬واملكروهات‪،‬‬
‫فلام تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من حمبوباهتم أحبهم الرب ح ًبا تا ًما‪ ...‬فهؤالء املقربون‬
‫صارت املباحات يف حقهم طاعات يتقربون هبا إىل اهلل عز وجل‪ ،‬فكانت أعامهلم كلها عبادات‬
‫هلل‪ ،‬فرشبوا رص ًفا‪ ،‬كام عملوا له رص ًفا‪ .‬واملقتصدون كان يف أعامهلم ما فعلوه لنفوســهم‪ ،‬فال‬
‫يعاقبون عليه‪ ،‬وال يثابون عليه‪ ،‬فلم يرشبوا رص ًفا‪ ،‬بل مزج هلم من رشاب املقربني بحســب‬
‫مــا مزجوه يف الدنيا» (ابن تيمية‪1985 ،‬م‪ .)35/1:‬قــال تعاىل‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾ (الواقعــة‪:‬‬
‫‪ 88‬ـ ‪.)94‬‬
‫يضا به سبحانه وتعاىل‪ :‬برؤيته وسامع كالمه وقربه‬ ‫و«كامل النعيم يف الدار اآلخرة َأ ً‬
‫املأكول واملرشوب‬ ‫ورضوانه ال كام يزعم من يزعم َأنه ال لذة يف اآلخرة إال باملخلوق من ْ‬
‫وامللبوس واملنكوح‪ ،‬بل ال ّلذة والنعيم التام يف حظهم من اخلالق تعاىل أعظم وأعظم مما‬
‫إلمام َأمحد يف مسنده وابن‬ ‫دعاء النبي ﷺ الذي رواه ا ِ‬ ‫خيطر بالبال َأو يدور يف اخليال‪ ،‬ويف ِ‬
‫الش ْو ِق إىل لِ َقائِ َك‪ ،‬يف‬
‫ــألك َل َّذ َة ال َّن َظ ِر إىل َو ْج ِه َك‪َ ،‬و َّ‬
‫«أ ْس َ‬ ‫حبان واحلاكم يف صحيحيهام‪َ :‬‬
‫ــة» (احلنفي‪1414 ،‬هـ)‪ ،‬وهلذا قال تعاىل يف حق الكفار‪:‬‬ ‫ض ٍة‪َ ،‬و ِف ْتن ٍَة ُم ِض َّل ٍ‬ ‫َغ ْ ِ‬
‫ي َ َّ‬
‫ضا َء ُم ِ َّ‬
‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﴾ (املطففــن‪ 15 :‬ـ ‪،)16‬‬
‫فعذاب احلجاب مــن َأعظم َأنواع العذاب الذي يعذب به َأعدا َءه‪ ،‬ولذة النظر إىل وجه‬
‫اهلل الكريم َأعظــم َأنواع اللذات التي ينعم هبا َأولياؤه‪ ،‬وال تقوم حظوظهم من ســائر‬
‫املخلوقات مقام حظهم من رؤيته وسامع كالمه والدنو منه وقربه (اجلوزية‪1394 ،‬هـ‪،‬‬
‫‪ .)58‬قــال تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﴾ (القيامة‪ 22 :‬ـ ‪.)25‬‬

‫‪185‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أبعاد األمن النفيس يف العالقة مع اهلل‬


‫املطلب األول‪ :‬النظرة اإلجيابية‪ ،‬والدافعية لدى املؤمن‬
‫إن نفــس ا ِ‬
‫إليامن باهلل وعبادته وحمبته وإخالص العمل له وإفراده بالتوكل عليه هو‬
‫إلنسان وقوته وصالحه وقوامه‪...‬؛ فأوامر املحبوب قرة العيون ورسور القلوب‬ ‫غذاء ا ِ‬
‫ُ‬
‫ونعيــم األرواح ولذات النفوس‪ ،‬وهبا كامل النعيم‪ ،‬فقرة عني املحب يف الصالة واحلج‪،‬‬
‫وفرح قلبه ورسره ونعيمه يف َذلِ َك ويف الصيام والذكر (ابن قيم اجلوزية‪1394 ،‬هـ)‪ .‬وال‬
‫تنعكس إجيابية األمن عىل اجلوانب التعبدية الفردية فحســب‪ ،‬بل نرى أبعاده املجتمعية‬
‫ريا من عنارص الضعف والسقوط‪،‬‬ ‫واحلضارية فهو «أحد األسباب التي تذهب عن األمة كث ً‬
‫ألنه من ناحية يغرس فيها محية الوعي بأمهية توافر كل مصادر القوة املتاحة عىل ردع أي‬
‫ٍ‬
‫ناحية ثانية حركة دائبة وممارسة فاعلة ونشاط‬ ‫ٍ‬
‫حماولة النتهاك أمنها واستقرارها‪ ،‬وألنه من‬
‫متجدد‪ ،‬ألن تردده بــن االبتالء بالقوة واالبتالء بالضعف يتيح الفرصة ملراجعة الذات‬
‫وتدارك اخللل وإعادة ترتيب األوضاع‪ ،‬وما أحوج أمتنا إىل كل ذلك» (منجود‪.)1996 ،‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬علو مهة املؤمن وسعة قدراته‬


‫املؤمن الذي تعلق قلبه باهلل ســبحانه وعرفه حق املعرفة من خالل صفاته وأسامئه‬
‫جل وعال ال بد أن ينعكس إيامنه يف مهته‪ ،‬فيســتنفد كل وســعه يف حتقيق غايات املعاش‬
‫واملعاد عىل أفضل وجه يريض اهلل؛ فهو ال يعرف الضعف وال العجز وال الكسل إال ً‬
‫عرضا‬
‫ريا‪ .‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ‬
‫يس ً‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﴾ (البقرة‪.)286 :‬‬
‫ريا ما‬
‫والوســع اإلنساين يف هذه اآلية متناســب مع التكليف الرباين‪« ،‬والناس كث ً‬
‫يستشهدون بألفاظ هذه اآلية لتربير عجزهم وكسلهم وصربهم عىل اهلوان والفقر واملذلة‪،‬‬
‫نفسا إال وسعها‪ .‬مع أن املعنى احلقيقي‬
‫فإذا ذكروا بقصورهم هذا أجابوا‪ :‬ال يكلف اهلل ً‬
‫‪186‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫ٍ‬
‫بيشء فوق الوسع الذي أودعه فيه» (الكيالين‪،2009 ،‬‬ ‫لآلية هو‪ :‬أن اهلل مل يكلف اإلنسان‬
‫‪ .)242‬وحني يستعمل املؤمن هذا الوسع فإن إنجازه يصبح عرشة أضعاف إنجاز غري‬
‫املؤمــن؛ ذلك أن املؤمنني تزداد قوهتم نتيجة االتصال بمصدر القوة وهو اهلل ســبحانه‬
‫وتعاىل‪ ،‬أما الكافرون فهم (ال يفقهون) ســنن استثامر الوسع اإلنساين وهم مقطوعون‬
‫عن اهلل مصدر القوة مجيعها‪ ،‬وإذا أصاب الضعف املؤمن نزلت درجة إنجازه إىل ِضعف‬
‫غري املؤمن (الكيالين‪)252 ،2009 ،‬؛ قال تعاىل‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢ‬
‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ (األنفال‪ 65 :‬ـ ‪.)66‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬ضبط مشاعر احلزن واحلرسة‪ ،‬واخلوف ومجيع املعاين املضادة‬
‫لألمن واالستقرار‬
‫موضعا يف أغلبها داللة واضحة‬‫ً‬ ‫ورد يف كتاب اهلل عز وجل ما يزيد عىل ســبعة عرش‬
‫عىل نفي اجتامع اخلوف واحلزن مطل ًقا يف نفوس املؤمنني الذين حتول إيامهنم إىل إجيابية يف‬
‫اتباعا وإنفا ًقا وجها ًدا‪ ،‬وقلوهبم قد استقرت عىل الوالء هلل عز‬
‫السلوك (العمل الصالح)‪ً :‬‬
‫وجــل واالنتامء إليه‪ ،‬قال تعــاىل‪ ﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ (البقــرة‪:‬‬
‫اب‬ ‫ين‪َ ،‬و َل ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫اح ِد َ‬ ‫اجل ِ‬
‫الذي َي ْن ِز ُل بِ َ‬ ‫اب الدُّ ْن َيا ِ‬ ‫ــا َخ ْو ٌف َع َل ْي ِه ْم ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫‪ .)277‬أي « َف َ‬
‫اتم؛ ِ َ‬ ‫ون َي ْو َم لِ َق ِ‬ ‫الذي َأ َعدَّ ُه ُ‬
‫اهلل لِ ْل َك ِاف ِر َ‬ ‫اآلخ َر ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َّن‬ ‫ش ٍء َف َ ُ ْ‬ ‫اء اهللِ تعاىل َع َل َ ْ‬ ‫ين‪َ ،‬و َل ُه ْم َيْزَ ُن َ‬
‫ون ِف الدُّ ْن َيا َأ ْي ًضا‬ ‫ول‪ :‬إِ َّن َهؤُ َل ِء َ‬
‫الك َم َل َة َل َيْزَ ُن َ‬ ‫اهلل تعــاىل َي ِقي ِه ْم ِم ْن ُك ِّل َفزَ ٍع‪َ .‬و َل َك َأ ْن َت ُق َ‬ ‫َ‬
‫ون ُح ْز ُ ُن ْم َك ُح ْز ِنِ ْم‬ ‫ات الدُّ ْن َيا َو َل َّذ ِاتَا‪َ ،‬أ ْو َل َي ُك ُ‬‫ات َش َه َو ِ‬ ‫اق َك َف َو ِ‬ ‫الف َّس ُ‬‫الك َّف ُار َو ُ‬ ‫ِمَّا َيْزَ ُن ِم ْن ُه ُ‬
‫يب‪،‬‬ ‫الو َل ِد‪َ ،‬وال َق ِر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫يح َك َم ْو ِ‬‫ص ٍ‬ ‫ب َ ِ‬ ‫احل ْز ُن لِ َس َب ٍ‬
‫ض َ ُل ُم ُ‬ ‫ول َأ َم ِد ِه‪َ ،‬فإِ َّ ُن ْم إِ َذا َع َر َ‬
‫ِف ِشدَّ تِ ِه َو ُط ِ‬
‫ب َو ُح ْس ِن‬ ‫ب ًة‪َ ،‬م ْق ُرو ًنا بِ َّ‬
‫الص ْ ِ‬ ‫ح ًة َو ِع ْ َ‬
‫ون ُح ْز ُ ُن ْم َر ْ َ‬ ‫ري ـ َي ُك ُ‬‫يق‪َ ،‬أ ْو َف ْق ِد املَال‪َ ،‬و ِق َّل ِة ال َّن ِص ِ‬ ‫الص ِد ِ‬‫َو َّ‬

‫‪187‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫إل َيم ُن‬‫ي َش ْيئًا ِم ْن َعا َد ِاتِ ْم َو َأ ْع َمهلِ ْم‪َ ،‬فا ِ‬ ‫ض ُه ْم ِف َأن ُْف ِس ِه ْم َو َل َأ ْبدَ ِانِ ْم‪َ ،‬و َل ُي َغ ِّ ُ‬ ‫ُ‬
‫األ ْس َو ِة‪َ ،‬ل َي ُ ُّ‬
‫الس ِاء َوال َّن ْع َم ِء‪َ ،‬ع َم ًل بِ َق ْولِ ِه َع َّز‬
‫الض ِاء‪َ ،‬و ِم ْن َب َط ِر َّ َّ‬ ‫ــاء َو َّ َّ‬ ‫اق ال َب ْأ َس ِ‬‫بِاهللِ َي ْع ِص ُم ُه ْم ِم ْن إِ ْر َه ِ‬
‫َو َج َّل‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ (احلديد‪ 22:‬ـ ‪( )23‬احلسيني‪. )350/7 ،1990 ،‬‬
‫واملؤمن يعلم أن «مجيع ما يف عامل الكون والفساد‪ ،‬غري ثابت وال باق فال يطمع يف‬
‫املحال وال يطلبه‪ ،‬وإذا مل يطمع فيه مل حيزن لفقده ما هيواه وال لفوت ما يتمناه يف هذا العامل‬
‫ورصف سعيه إىل املطلوبات الضافية‪ ،‬واقترص هبمته عىل طلب املحبوبات الباقية وأعرض‬
‫عــا ليس يف طبعه أن يثبت ويبقى‪ ،‬وإذا حصل لــه منه يشء بادر إىل وضعه يف موضعه‬
‫وأخذ منه مقدار احلاجة إىل دفع اآلالم التي أحصيناها من اجلوع والعرى والرضورات‬
‫التي تشبهها‪ ،‬وترك االدخار واالستكثار والتامس املباهات واالفتخار‪ ،‬ومل حيدث نفسه‬
‫باملكاثرة هبا والتمني هلا‪ .‬وإذا فارقته مل يأسف عليها ومل يبال هبا‪ .‬فإن من فعل ذلك أمن‬
‫فلم جيزع وفرح فلم حيزن وســعد فلم يشــق‪ .‬ومن مل يقبل هذه الوصية وملا يعالج نفسه‬
‫هبذا العالج مل يزل يف جزع دائم وحزن غري منتقص» (ابن مسكويه‪.)80 ،‬‬
‫ً‬
‫ساخطا‪،‬‬ ‫جزوعا‬
‫ً‬ ‫وكام ال يتحرس املؤمن عىل املايض باك ًيا حزينًا‪ ،‬وال يلقى احلارض‬
‫وجل‪ ،‬وال يعيش يف فزع منه‪ ،‬ورهبة من غموضه‪ ،‬وتوجس‬ ‫ال يواجه املســتقبل خائ ًفا ً‬
‫مــن جربوته‪ ،‬كأنه عدو رشير مرتبص‪ ،‬بــل يعيش آمن النفس كأنه يف اجلنة ‪ ...‬إن إيامنه‬
‫كان مصدر أمنه‪ ،‬واألمن من ثمرات الطمأنينة والســكينة‪ ،‬بل هو نوع منها‪ ،‬إنه طمأنينة‬
‫تتعلق باملســتقبل‪ ،‬بكل ما يتوقعه اإلنسان وخياف منه‪ ،‬أو خياف عليه‪ ،‬وال سعادة بدون‬
‫هذا األمن النفيس‪ ...‬وقد قيل حلكيم‪ :‬ما الرسور؟ فقال‪ :‬األمن‪ ...‬فإين وجدت اخلائف‬
‫ال عيش له (القرضاوي‪.)2001 ،‬‬

‫اخلامتــــة‬
‫توصلت الدراسة إىل النتائج اآلتية‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أن مفهــوم األمن لغة ويف ضوء القرآن يرتبط أشــد ارتبــاط بمفهوم اإليامن باهلل‬

‫‪188‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫ســبحانه‪ ،‬ويف ضــوء حقائق اإليامن ودرجــة حتققها يف قلب املؤمــن‪ ،‬يكون أمنه‬
‫واستقراره وطمأنينته‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أن أنواع األمن النفيس وصوره تتعدد وتتسع لتشمل مجيع مراحل احلياة‪ ،‬وتستوعب‬
‫مجيع معاين األمن النفيس وصوره بتداخالهتا العميقة‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬اإليامن واألمن متالزمان يف حتقيق إجيابية املؤمن بأبعادها وصورها التي جتعل منه‬
‫إنسا ًنا دائب احلركة واإلعامر‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الوحي بمصدريه ميلء بالرباهني والشــواهد الدالة عىل اقرتان األمن باإليامن‪ ،‬ما‬
‫ً‬
‫يؤكد سالمة العالقة وتأثريها يف األفراد واألمم‪.‬‬

‫التوصيات واالقرتاحات‬
‫يف ضوء نتائج الدراسة تويص الباحثة بام ييل‪:‬‬
‫‪ ١‬ـ تأسيس الفرد املسلم عىل العالقة الصحيحة مع اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬منذ نعومة‬
‫أظفاره‪ ،‬فتنمو هذه العالقة وتتكامل لتصبح جز ًءا من كيانه النفيس‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ اهتامم مؤسســات التعليم كاف ًة (األرسة ورياض األطفال واملدرسة واملجتمع‬
‫واجلامعة‪ ،)...‬بتنمية عالقة أفرادها مع اهلل ســبحانه‪ ،‬بطريقة ممنهجة فيها من‬
‫اجلدة واالبتكار ما يتالءم وحتديات الزمن الذي نعيش فيه‪ ،‬والتي تضاد األمن‬
‫النفيس‪.‬‬
‫‪ ٣‬ـ إعادة النظر يف مناهج الرتبية اإلســامية وإعطاء أولوية هلذا اجلانب اإليامين يف‬
‫وعمليا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫العالقة مع اهلل نظر ًّيا‬
‫‪ ٤‬ـ إعادة النظر يف مناهــج التعليم كاف ًة ويف خمتلف التخصصات وربطها باإليامن‬
‫باهلل عز وجل؛ إلنشاء جيل ال تفصله علوم الدنيا عن حقائق اإليامن وثامرها‪.‬‬
‫‪ ٥‬ـ مواجهة حتدي اإلعالم وذلك باجتاهني‪ :‬األول يتمثل بحضور موضوع الدراسة‬
‫عىل الســاحة اإلعالمية بقوة ووضوح‪ .‬والثاين الســعي ملحاربة كل ما يضاد‬
‫العالقة مع اهلل وجير األفراد واملجتمعات إىل اهلالك يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫‪ ٦‬ـ رضورة وجود املريب القدوة بشــخصيته اآلمنة املطمئنة واملتميزة بعالقتها مع‬
‫اهلل عز وجل‪.‬‬
‫ريا تقرتح الباحثة أن تتبع هذه الدراســة بدراسة الحقة تتضمن خصائص‬ ‫‪ ٧‬ـ وأخ ً‬
‫األمــن النفيس يف العالقة مع اهلل ومهدداته‪ ،‬وبيان النامذج التطبيقية من خالل‬
‫القرآن الكريم‪ .‬كام تقرتح إجراء املزيد من البحوث املتعمقة يف جوانب العقيدة‬
‫األخرى‪ً ،‬‬
‫مثل‪ :‬األمن النفيس يف اإليامن يف القضاء والقدر‪ ،‬ويف اليوم اآلخر‪.‬‬
‫ويف اإليامن باألسامء والصفات‪ .‬كام يمكن تقديم دراسات مقرتحة ملناهج يف‬
‫الرتبية اإلسالمية ملختلف املراحل التعليمية تعمق اجلانب اإليامين يف العالقة‬
‫مع اهلل‪ ،‬وتتضمن أنشط ًة عملي ًة ترتقي باملتعلم وحتقق أهداف املنهج‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫املراجـــع‬
‫املراجع باللغة العربية‬
‫األلويس‪ ،‬شهاب الدين حممود‪١٤١٥( .‬هـ)‪ .‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع‬
‫املثاين (ط‪ ،1‬ج‪ .)7‬حتقيق عيل عبد الباري عطية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫البخاري‪ ،‬حممد بن إسامعيل‪ .)1987( .‬اجلامع الصحيح (ج‪ ،)8‬القاهرة‪ :‬دار الشعب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1422( .‬هـ)‪ .‬اجلامع املســند الصحيح املخترص من أمور رســول‬
‫اهلل ﷺ وســننه وأيامه (ط‪،1‬ج‪ ،)4‬حتقيق حممــد زهري بن نارص النارص‪ ،‬دار‬
‫طوق النجاة‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1422( .‬هـ)‪ .‬صحيح البخاري (ج‪ ،)2‬حتقيق حممد زهري بن نارص‬
‫النارص‪ ،‬دار طوق النجاة‪.‬‬
‫البلخي‪ ،‬أبو احلســن مقاتل بن ســليامن‪1423( .‬هـ)‪ .‬تفسري مقاتل بن سليامن (ج‪،)1‬‬
‫حتقيق عبد اهلل حممود شحاته‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث‪.‬‬
‫الرتمذي‪ ،‬أبو عيســى حممد بن عيسى‪ .)1998( .‬اجلامع الكبري‪ ،‬سنن الرتمذي (ج‪)4‬‬
‫حتقيق أمحد شاكر وآخرون‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1998( .‬سنن الرتمذي (ج‪ )4‬حتقيق بشار عواد معروف‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم‪1422( .‬هـ)‪ .‬اإليامن األوسط (ج‪ ،)1‬حتقيق حممود أبوسن‪،‬‬
‫الرياض‪ :‬دار طيبة للنرش‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــ‪ .)2005( .‬جمموع الفتــاوى‪ .‬حتقيق‪ :‬أنور البــاز‪ ،‬عامر اجلزار‪،‬‬
‫(ط‪،3‬ج‪ ،)10‬دار الوفاء‪ ،‬ص‪.701‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1404 ( .‬دقائق التفسري‪( .‬ط‪ ،3‬ج‪ ،)2‬دمشق‪ :‬مؤسسة علوم القرآن‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1399( .‬هـ)‪ .‬أمراض القلب وشفاؤها (ط‪،2‬ج‪ ،)1‬القاهرة‪ :‬املطبعة‬
‫السلفية‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1985( .‬الفرقان بني أولياء الرمحن وأولياء الشيطان (ج‪ )1‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬دمشق‪ :‬مكتبة دار البيان‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫ـــــــــــــــــــ‪ .)2005( .‬العبودية‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد زهري الشــاويش‪( ،‬ط‪ ،7‬ج‪،)1‬‬


‫املكتب اإلسالمي‪ :‬بريوت‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬االســتقامة (ج‪ )1‬حتقيق‪ :‬حممد رشاد سامل‪ ،‬املدينة املنورة‪:‬‬
‫جامعة اإلمام حممد بن سعود‪.‬‬
‫جان‪ ،‬نادية رساج‪« .)2008( ،‬الشــعور بالسعادة وعالقته بالتدين والدعم االجتامعي‬
‫والتوافق الزواجي واملســتوى االقتصادي واحلالة الصحية»‪ ،‬جملة دراسات‬
‫نفسية‪( ،‬مج‪/18‬عدد‪.)4‬‬
‫اجلرجاين‪ ،‬عيل بن حممد‪ .)1405( ،‬التعريفات حتقيق ابراهيم األبياري‪.‬‬
‫اجليــويس‪ ،‬عبد اهلل بن حممد‪1430(.‬هـ)‪« .‬األمن النفــي يف القرآن الكريم وأثره عىل‬
‫فكر اإلنسان»‪ ،‬املؤمتر الوطني األول لألمن الفكري‪ ،‬كريس األمري نايف بن‬
‫عبد العزيز لدراسات األمن الفكري بجامعة امللك سعود‪.‬‬
‫ابــن حبان‪ ،‬حممد بن حبان‪1414( .‬هـ)‪ .‬صحيح ابــن حبان برتتيب ابن بلبان‪( ،‬ط‪)2‬‬
‫حتقيق شعيب األرنؤوط‪ ،‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ .‬حديث رقم (‪.)7249‬‬
‫احلسيني‪ ،‬حممد رشــيد بن عيل‪ .)1990( .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار) (ج‪،)5‬‬
‫اهليئة املرصية العامة للكتاب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1990( .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار) (ج‪ ،)7‬اهليئة املرصية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1990( .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار) (ج‪ ،)8‬اهليئة املرصية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1990( .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار) (ج‪ ،)9‬اهليئة املرصية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1990( .‬م)‪ .‬تفسري القرآن احلكيم (تفسري املنار) (ج‪ ،)7‬اهليئة املرصية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫ابن حنبل‪ ،‬أمحد‪1408( .‬هـ)‪ .‬العقيدة رواية أيب بكر اخلالل‪( ،‬ج‪ ،)1‬دمشق‪ :‬دار ابن قتيبة‪.‬‬
‫احلنفي‪ ،‬عيل بن عيل‪1414( .‬هـــ)‪ .‬رشح العقيدة الطحاوية (ج‪ ،)1‬حتقيق حممد نارص‬
‫الدين األلباين‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫األمـن النفسـي يف العالقة مع اهلل كام يصورها القرآن الكريم‪ ...‬د‪ .‬إنرشاح أمحد توفيق اليربودي‬

‫اخلــرايش‪ ،‬ناهد عبد العال‪ ،‬األمن النفيس يف القرآن الكريم‪ ،‬عــى املوقع اإللكرتوين‪http:// :‬‬

‫‪select_page&763=m.com/firas/arabicold/?page=show_det&id- www.quran‬‬

‫الــرازي‪ ،‬زين الدين أبو عبد اهلل‪1420( .‬هـ)‪ .‬خمتار الصحاح (ط‪ ،)5‬حتقيق يوســف‬
‫الشيخ حممد‪ ،‬بريوت‪ :‬املكتبة العرصية ـ الدار النموذجية‪.‬‬
‫الشيباين‪ ،‬أبو عبد اهلل أمحد بن حنبل‪ .)1998( .‬مسند أمحد بن حنبل (ج‪ ،)4‬حتقيق السيد‬
‫أبو املعاطي النوري‪ ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪.‬‬
‫الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ .)2000( .‬جامع البيان يف تأويل القرآن (ج‪ ،)17‬حتقيق‪ :‬أمحد‬
‫حممد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر(‪.)1997‬التحرير والتنوير‪(.‬دط‪ ،‬ج‪ ،)2‬دار سحنون‪.‬‬
‫عقل‪ ،‬وفاء عيل‪ .)2009( .‬األمن النفيس وعالقته بمفهوم الذات لدى املعاقني برص ًّيا‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه غري منشورة‪ ،‬غزة‪ :‬اجلامعة اإلسالمية‪.‬‬
‫القريش‪ ،‬أبو حممد عبد اهلل بن وهب‪ .)1995( .‬اجلامع يف احلديث البن وهب (ط‪،1‬ج‪،)1‬‬
‫حتقيق د‪ .‬مصطفى حسن حسني حممد أبو اخلري‪ ،‬الرياض‪ :‬دار ابن اجلوزي‪.‬‬
‫القرضاوي‪ ،‬يوسف‪2001( .‬م)‪ .‬الرشيعة واحلياة‪ ،‬عىل املوقع‪http://www.qaradawi. :‬‬
‫‪html.2656/54/net/library‬‬
‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد‪1964( .‬م)‪ .‬اجلامع ألحكام القرآن (ط‪،2‬ج‪،)15‬‬
‫حتقيق أمحد الربدوين وإبراهيم أطفيش‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب املرصية‪.‬‬
‫قطب‪ ،‬سيد‪1412( .‬هـ)‪ .‬يف ظالل القرآن (ط‪ .)17‬بريوت‪ :‬دار الرشوق‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1412( .‬هـ)‪ .‬يف ظالل القرآن (ط‪،17‬ج‪ .)3‬بريوت‪ :‬دار الرشوق‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1412( .‬هـ)‪ .‬يف ظالل القرآن (ط‪،17‬ج‪ .)4‬بريوت‪ :‬دار الرشوق‪.‬‬
‫ابن قيم اجلوزيــة‪ ،‬حممد بن أيب بكر (‪ .)1975‬الروح يف الــكالم عىل أرواح األموات‬
‫واألحياء بالدالئل من الكتاب والسنة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بريوت‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪1394( .‬هـ)‪ .‬طريق اهلجرتني وباب السعادتني‪( ،‬ط‪،2‬ج‪ ،)1‬القاهرة‪:‬‬
‫دار السلفية‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1996( .‬مدارج الســالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نســتعني‬
‫(ط‪،3‬ج‪ ،)2‬حتقيق حممد املعتصم باهلل البغدادي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫املجلة العربية للدراسات األمنية ـ املجلد ‪ 32‬ـ العدد (‪ 163 )٦٧‬ـ ‪ 194‬الرياض (‪2016‬م) (‪143٨‬هـ)‬

‫ـــــــــــــــــــ‪ .)1997( .‬اجلواب الكايف ملن سأل عن الدواء الشايف أو الداء والدواء‬
‫(ط‪،1‬ج‪ ،)1‬املغرب‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬
‫الكيالين‪ ،‬ماجد عرسان‪.)2005( .‬مناهج الرتبية اإلسالمية (ط‪ :)1‬ديب‪ .‬دار القلم‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪ .)2009( .‬فلســفة الرتبية اإلســامية (ط‪ ،)1‬عــان‪ :‬دار الفتح‬
‫للدراسات والنرش‪.‬‬
‫املاوردي ‪ ،‬أبو احلســن عيل بن حممد‪( .‬د‪.‬ت) تفسري املاوردي (ج‪ ،)3‬حتقيق‪ :‬السيد بن‬
‫عبد املقصود بن عبد الرحيم‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــ‪( .‬د‪.‬ت) تفســر املاوردي (ج‪ ،)2‬حتقيق السيد ابن عبد املقصود بن‬
‫عبد الرحيم‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫املريس‪ ،‬أبو احلســن عيل بن إســاعيل‪1421( .‬هـ)‪ .‬املحكم واملحيط األعظم‪ ،‬حتقيق‬
‫عبد احلميد هنداوي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫ابن مســكويه‪ ،‬حممد بن يعقوب‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬هتذيب األخــاق وتطهري األعراق‪ ،‬مكتبة‬
‫الثقافة الدينية‪.‬‬
‫مســلم‪ ،‬مسلم بن احلجاج‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬املســند الصحيح املخترص بنقل العدل عن العدل‬
‫إىل رســول اهلل ﷺ (ج‪ ،)4‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬بريوت‪ :‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬
‫منجود‪ ،‬مصطفى حممود‪ .)1996( ،‬األبعاد اإلسالمية ملفهوم األمن النفيس يف اإلسالم‪،‬‬
‫(ط‪ ،)1‬القاهرة‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬حممد بن مكرم‪1414( .‬هـ)‪ .‬لســان العــرب (ط‪ ،)3‬بريوت‪ :‬دار صادر‪،‬‬
‫باب فصل األلف‪.‬‬
‫النيســابوري‪ ،‬أبو احلسن عيل بن أمحد‪( .‬د‪.‬ت)‪ .‬أسباب النزول (ج‪ ،)1‬مؤسسة احللبي‬
‫ورشكاه للنرش والتوزيع‪.‬‬

‫‪194‬‬
Arab Journal for Security Studies Volume 32. No. 67. 18 - 19 Riyadh 2016.

1.What is the concept of relationship with Allah? What is the concept of psychological
security in linguistic terms and in the Quran? What is the operational definition
of the concept of psychological security in relationship with Allah? What are the
related concepts?
2.What are the types and forms of psychological security in Quran?
3.What are the dimensions of psychological security in the relationship with Allah?
4.What are the characteristics of psychological security in the relationship with Allah?
5. Who threaten the psychological security in the relationship with Allah?
6.What are some models applied in the psychological security in the relationship with
Allah?
Research Methodology
This research is based on a descriptive approach with its two parts: the inductive
and analytical. The researcher resorts to study the Quranic verses associated with the
research vocabularies. Then, she has classified and analyzed such vocabularies, linking
them according to statements of the exegetes and some of the Sunnah applications.
In addition, it stresses on the values and principles that constitute the psychological
security standards. The latter can achieve the eternal happiness for human being.
Findings of the Research
The main findings of the research are in order:
1.The concept of security in linguistic context and Quran is closely associated with
the concept of belief in Allah Almighty. The truths of faith and their relative
realization by the heart of Believer shall provide Believers peace, stability and
tranquility;
2.The numerous types and forms of psychological security are comprehensive. It
includes all stages of life. It comprehends all meanings of psychological security
and its enormously complicated forms;
3.Belief goes hand-in-hand with security in achieving the believers positivity with its
various forms. The latter shall make him a diligent and active;
4.According to the Divine perception of Quran, the psychological security in the
relationship with Allah is characterized by comprehensiveness and the ability
to development and improvement. Therefore, such characteristics make the
psychological security able to take precedence and efficiency in the harmonious
development of balanced personality in all aspects;
5.Psychological security of human is contradictory to everything that conflicts with
his pure nature and innate mind. Such conflict brings him into instability and
trouble; and
6. The two sources of revelation are full of proofs and evidences that security is
associated with belief. The latter confirms the integrity of such relationship and its
impact on individuals and nations.

19
Psychological Security Inherent in the Relationship with
Allah as Depicted in the Holy Quran
DOI: 10.12816/0033173
Insherah Ahmed Tawfiq Yabroudi(*)
Yarmouk University, Jordan
Recieved 23 Mar. 2014;.... Available Online 24 Jun. 2014.

Abstract
Islamic approach has ensured a pure faith that believes in the existence of Allah
Almighty, the Lord of the worlds. Allah is unambiguously and undoubtedly worthy to
be sincerely worshipped in Islam. To Him we aspect the attributes of perfection that
let Believers get the feel of love, intimacy, security and stability. The latter status is
conducive to pursue the perfect harmony among the components of the self.
Man always has an urgent need for a reliable source of relieving his miserable
existence, sadness, fears and psychological disorders. In doing so, he shall recover
himself and achieve harmony between the instinct and mind by reposing his
confidence upon Allah. The present research is entitled Psychological Security
in the Relationship with Allah as Depicted in the Holy Quran. for Quran is the main
source of this approach, particularly with respect to the relationship between slave
and his Creator.
Research Problem
Recently there have been trends among psychologists, saying that religion is
significant in the mental health treatment. Also, they consider the belief in Allah is
superpower that provide man with spiritual power. The latter shall support man in
withstanding the rigors of life and avoiding the tribulation of material life experienced
by many people in this age. Most important trends are as under:
- Belief is the greatest treatment of anxiety, William James (American psychologist);
- Religious person shall never suffer from psychiatric illness, Brill (psychoanalyst);
- People who frequently go to the places of worship have stronger and better character
than the agnostics and they don’t practice worship, said Nihari link, American
Scientist, in his book “Return to Faith”; and
- Prayer is so far the significant tool known that keeps people calm and impassible,
said the physician Thomas Heisselon.
Based on the preceding discourse highlighting the importance of the present
research, the author addresses the following main questions: What is the psychological
security inherent in the relationship with Allah as projected in the Holy Quran? Based
on this main question, the other peripheral questions addressed are as under :

(*) yinsherah@yahoo.com

18

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

You might also like