المولد العلي لمولانا الإمام أ د علي جمعة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 56

‫ا‪ْ ‬‬‫ْ ََ ُ ّ‬ ‫َ ْ ُ‬

‫ﻛﺘﻮر‬ ‫ﺄ‪‬ﻒ اﻷ‪‬ﺎذ‬ ‫ﺗ‬


‫‪‬‬
‫ﱵ ﭐﱢ ﱣﱤﱥﱦﱧﱨ‬
‫ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱴ‬
‫[األحزاب‪]56 :‬‬

‫***‬
‫الحمد هلل الذي أنار الوجود بالمولد العلي لسيدنا محمد‬
‫وخاتما‪ ،‬فختم به األنبياء ومن قبل ذلك‬
‫ً‬ ‫فاتحا‬
‫المحمود‪ ،‬وجعله ً‬
‫قد فتح به الوجود‪ ،‬وجعل إرساله رحمة للعالمين‪ ،‬فوجب علينا‬
‫شكره على هذا الكرم والجود‪ ،‬وجعله مصدر الفضائل‪ ،‬وط ّيب‬
‫عنصره‪ ،‬وطيب أصله من اآلباء واألمهات والجدود‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ٍ‬
‫عظيم تنزه‬ ‫ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬فسبحانه من ٍ‬
‫رب‬
‫عن األشباه‪ ،‬وتقدس عن األوهام‪ ،‬وإدراك األفهام‪ ،‬فحار يف‬
‫ٍ‬
‫عارف ولهان‪ ،‬و أشهد‬ ‫معرفته ُ‬
‫كل حكيم‪ ،‬وهام يف محبته كل‬
‫أن سيدنا وموالنا محمدً ا عبده ورسوله ومصطفاه‪ ،‬فالصالة‬
‫والسالم األكمالن األتمان على النعمة العظمى‪ ،‬التي تحققت‬
‫هبا النعم لهذا الوجود‪ ،‬والواسطة الكربى فلم تكن النبوة‬
‫والرسالة إال من واسطته لألنبياء والمرسلين‪ ،‬وهو الواسطة‬
‫يف نيل الوالية لألولياء والمقربين‪ ،‬والوسيلة للخلق يف الدنيا‬

‫‪5‬‬
‫و اآلخرة‪ ،‬فهوصخرة الكونين والمالذ اآلمن للعالمين‪ ،‬خير‬
‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬المنتقل من خير الظهور إلى خير البطون‪،‬‬
‫نورا ساطعا وشجر ًة مضيئ ًة طيب ًة أصلها ثابت‬
‫جعله اهلل تعالى ً‬
‫على التوحيد‪ ،‬وفرعها من ذريته يف ذروة سماء الشرف التليد‪،‬‬
‫وهو الحبيب الذي لواله لم تكن أرض وال سماء‪ ،‬والمحسن‬
‫وشرف‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫إحسان‪،،‬‬ ‫الذي ال يماثل إحسانه‬
‫ومجد وع َّظم ‪.‬‬
‫وكرم َّ‬
‫َّ‬

‫أ َّما بعد‪ ،‬فاعلم جعلني اهلل وإياك من أهل السعادة يف الدارين‬


‫آمين أن يوم مولده الشريف ‪ ‬أفضل األيام‬
‫على اإلطالق‪ ،‬بل هو عيد لإلسالم والمسلمين‪ ،‬كما نص على‬
‫ِ‬
‫اإلسالمية‬ ‫ِ‬
‫الممالك‬ ‫ذلك شيخ اإلسالم وشيخ القراء و ُم ِ‬
‫قرئ‬
‫والمسلمين‪ ،‬شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الشهير‬
‫الجزري يف كتابه «عرف التعريف بالمولد الشريف» فقال‬
‫ِّ‬ ‫بابن‬
‫قدس اهلل سره‪« :‬والحقيقة أن يوم مولده ‪ ‬عيد‬
‫لإلسالم»(((‪ ،‬كما أن ليلة المولد أفضل الليالي على اإلطالق‪،‬‬
‫كما نص على ذلك شيخ اإلسالم اإلمام المدقق الفقيه المتكلم‬

‫((( «عرف التعريف بالمولد الشريف»‪ ،‬محمد بن محمد بن محمد الشهير بابن‬
‫الجزري الدمشقي‪ ،‬تحقيق محمد سيد أحمد األزهري‪ ،‬ص ‪( ،237‬وقف العالمة‬
‫ِّ‬
‫المقرئ عبد الغفار شحاته)‪ ،‬الطبعة األولى ‪1440‬هـ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫إبراهيم الباجوري فقال رضي اهلل عنه يف حاشيته على شرح‬
‫الغزي على متن الشيخ أبي شجاع‪« :‬وأفضل‬ ‫َّ‬
‫العلمة ابن القاسم ِّ‬
‫الليالي على اإلطالق ليلة المولد الشريف لما ترتب على ظهوره‬
‫‪ ‬فيها من النفع العميم و الخير العظيم »(((‪.‬‬

‫فكلما هبت نسائم يوم مولده الشريف قام أهل المحبة‬


‫والوداد على قدم االتباع وساق الجد واالجتهاد يحتفلون هبذا‬
‫نزول عند أمر اهلل‪ :‬ﱵﭐﲧﲨﲩﱴ‬ ‫اليوم المشهود‪ً ،‬‬
‫ِ‬
‫المذكور‬ ‫ِ‬
‫المولد‬ ‫خواص عم ِل‬ ‫[إبراهيم‪ ،]٥ :‬فهم يعلمون أن من‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫«األمان التام يف ذلك العامِ‪ ،‬و ُب ْشرى بتعجي ِل ني ِل ما ُيبتغى ويرا ُم‪،‬‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪،‬‬ ‫وسرور أه ِل‬ ‫ِ‬
‫الشيطان‪،‬‬ ‫ولو لم يكن يف ذلك َّإل إرغا ُم‬
‫ُ‬
‫لكفى»(((‪.‬‬

‫وقد سئل اإلمام األلمعي أبو زرعة العراقي عن عمل‬


‫المولد‪ :‬هل هو مستحب أو مكروه‪ ،‬وهل ورد فيه شيء عمن‬

‫((( انظر‪ :‬حاشية الشيخ إبراهيم الباجوري على شرح العالَّمة ابن القاسم الغزّ ي‬
‫على متن الشيخ أبي شجاع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم‬
‫شاهين‪ ،‬ص ‪ ،404‬ط‪ :‬العاشرة‪2013 ،‬م‪1434-‬هـ‪.‬‬

‫((( انظر‪ « :‬هبجة السامعين والناظرين بمولد سيد األولين واآلخرين» تأليف‬
‫الغيطي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اإلمام المحدِّ ث الفقيه شيخ اإلسالم وشيخ الجامع األزهر نجم الدِّ ين‬
‫ص‪ ،117 :‬تحقيق‪ :‬مكتب إحياء الرتاث اإلسالمي بمشيخة األزهر الشريف‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ُيقتدى به‪ ،‬فأجاب رحمه ﷲ بـ‪« :‬أن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام‬
‫مستحب يف كل وقت‪ ،‬فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور‬
‫النبوة يف هذا الشهر الشريف وال نعلم غير ذلك عن‬
‫بظهور نور َّ‬
‫مكروها فكم من بدعة‬
‫ً‬ ‫السلف واليلزم من كونه بدعة كونه‬
‫(((‬
‫مستحبة بل واجبة»‬

‫وقال اإلمام الرباين شهاب الدين القسطالين‪ « :‬فرحم اهلل‬


‫امرأ اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيا ًدا‪ ،‬ليكون أشد علة على‬
‫(((‬
‫من يف قلبه مرض وإعياء داء»‬

‫فاالحتفال بذكرى مولده من أفضل األعمال وأعظم‬


‫القربات؛ ألنه تعبير عن الفرح والحب له‪ ،‬ومحبة النبي أصل‬
‫من أصول اإليمان‪.‬‬

‫ب أحمدا‬ ‫أح َّ‬ ‫واعلم َّ‬


‫بأن َم ْن َ‬ ‫ْ‬
‫ال ُبدَّ ْ‬
‫أن َي ْه َوى اسمه مر ِّد َدا‬

‫النبي الكريم»‪ ،‬لإلمام المحدِّ ث الفقيه المالكي المقدم‬


‫((( « شفاء السقيم بمولد ِّ‬
‫سيدي الحسن بن عمر بن الحاج إدريس‪ ،‬ضمن مجموع لطيف أنسي يف صيغ‬
‫المولد النبوي القدسي‪ ،‬دار الكتب العلمية تحقيق د‪/‬عاصم إبراهيم الكيالي‪،‬‬
‫ص‪136:‬ـ ط‪ :‬الثانية عام ‪2010‬م‪.‬‬

‫((( المواهب اللدنية بالمنح المحمدية‪ ،‬أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطالين‪،‬‬
‫أبو العباس شهاب الدين‪ ،‬المكتبة التوفيقية‪ ،‬ص ‪.90‬‬

‫‪8‬‬
‫الم ْولِدا‬ ‫ِ‬
‫العلم َسنُّوا َ‬ ‫َ‬
‫لذاك ُ‬
‫أهل‬
‫أمرا َر َشدا‬ ‫ِ‬
‫من بعده فكان ً‬
‫أرضى الورى إال غُوا َة ِ‬
‫نجد‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫المختار‬ ‫زل مِن أ َّم ِة‬
‫ولم َي ْ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫خمسة أعصار‬ ‫ِ‬
‫نحو‬ ‫مِن َبعد‬

‫ِ‬
‫األمصار‬ ‫ِ‬
‫سائر‬ ‫ُم ْست َْحسنًا يف‬
‫ٍ‬
‫عالم وقاري‬ ‫يجمع َّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬

‫سبيل ُر ْش ِد‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫سالك‬ ‫َّ‬
‫وكل‬

‫الجموعا‬
‫جمعوا يف ُح ِّبه ُ‬
‫كم َّ‬
‫وفرقوا يف ح ِّبه المجموعا‬

‫والربوعا‬
‫ُ‬ ‫الديار‬
‫َ‬ ‫وزينوا‬
‫ُ‬
‫والشموعا‬ ‫وأكثروا األضوا َء‬
‫ِ‬
‫بعرف الندِّ‬ ‫َّ‬
‫الكل‬ ‫و َط َّيبوا‬

‫ِ‬
‫وطربوا‬ ‫ِ‬
‫بذكره‬ ‫و َف ِرحوا‬
‫ِ‬
‫وشربوا‬ ‫ِ‬
‫اسمه‬ ‫وأكلوا على‬

‫و َطلبوا‬ ‫لِرهبم‬ ‫وابتَهلوا‬


‫واستَش َفعوا ل ُه ِبه وانتَسبوا‬
‫ْ‬
‫‪9‬‬
‫ِ‬
‫قصد‬ ‫ُمعت َِقدين َ‬
‫نيل ِّ‬
‫كل‬
‫ِ‬
‫الديارا‬ ‫اهلل ِبه‬ ‫عم َر‬ ‫كم‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫واليسارا‬ ‫رور‬
‫الس َ‬
‫ُ‬ ‫و َي َّسر‬

‫الدرهم والدِّ ينارا‬


‫َ‬ ‫إذ َبذلوا‬
‫و َذكروا الرحم َن والمختارا‬
‫ِ‬
‫وحمد‬ ‫ٍ‬
‫صالة و ُدعا‬ ‫بين‬
‫َ‬

‫يا هل ُترى هذا يسو ُء أحمدا‬


‫الص َمدا‬
‫ليس ُيرضي َ‬
‫أم هل ترا ُه َ‬

‫الر َدى‬ ‫اعمل وال َ‬


‫تخش َ‬ ‫دتك ن َِفسي ْ‬
‫َف َ‬
‫وك َِّرر المولِدَ ثم المولدا‬
‫ت يف س ِ‬ ‫ِ‬
‫عد(((‬ ‫تَع ْش سعيدً ا وت َُم ْ َ‬

‫فالفرح برسول اهلل ‪ ،‬وبمولده المبارك‬


‫سمة المحبين لهذا النبي األمين‪ ،‬ومن أفعال عباد اهلل الطائعين‬
‫الذين ألوامر رهبم منفذين قال اهلل تعالى يف كتابه الكريم‪:‬‬

‫((( قائل األبيات هو‪ :‬سيدي يوسف النبهاين‪ .‬جواهر النظم البديع يف مولد‬
‫الهادي الشفيع لسيدي يوسف بن إسماعيل النبهاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬تحقيق‬
‫د‪/‬عاصم إبراهيم الكيالي‪ ،‬ص‪ ،375 ،374‬ط‪ :‬الثانية عام ‪.2010‬‬

‫‪10‬‬
‫ﱵﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉﲊﱴ [يونس‪.]58 :‬‬

‫ِ‬
‫بمولد ِ‬
‫خير العا َلمي َن َم َس َّريت‬
‫يج كُر َبتي‬ ‫وأعظم أفراحي ِ‬
‫وتفر ُ‬ ‫ُ‬

‫وراحتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وذكري وفكري وانش َراحي َ‬
‫وعزي وسلطاين وج ِ‬
‫اهي ون ُْص َريت‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫كر ُه‬ ‫ِ‬


‫شاع ذ ُ‬
‫َ‬ ‫وأسعدُ أوقايت إذا‬
‫ألذذ سمعي من حالله بفكريت‬

‫َس ِعدْ نَا بِ َمن َ‬


‫نال الشفاع َة يف َ‬
‫الو َرى‬
‫ِ (((‬ ‫و ُأ ِ‬
‫رس َل ح ًقا لألنا ِم َبرحمة‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫((( األبيات للشيخ أحمد الصياد الطيبي‪ ،‬ذكرت يف المولد المنسوب لإلمام‬
‫القسطالين كشف األسرار يف مولد سيدنا محمد المختار ‪ ،‬نسخة مكتبة الله لي‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬
‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫َح ِقيقَة‬
‫ٍ‬
‫كائن‬ ‫أعظم‬ ‫رسول اهللِ‬
‫ُ‬ ‫فأنت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫مرسل‬ ‫ِ‬
‫بالحق‬ ‫ِ‬
‫الخلق‬ ‫وأنت ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬

‫أنت ُقطب ُه‬ ‫ِ‬


‫الخلق إ ْذ َ‬ ‫مدار‬
‫إليك ُ‬
‫ُ‬
‫وتعدل‬ ‫الحق تعلو‬
‫مدار ِّ‬
‫وأنت ُ‬

‫رت‬
‫تفج ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫علم اهلل من ُه َّ‬ ‫ينابيع‬
‫ُ‬
‫للحق َم ُ‬
‫دخل‬ ‫ِّ‬ ‫كل ٍ‬
‫طي من ُه‬ ‫ففي ِّ‬

‫منحتبفيضالفضلكلمفضل‬
‫فكل له فضل به منك َي ُ‬
‫فضل‬

‫فتاجهم‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫نظمت نثار‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكمال ُمك َّل ُل‬ ‫َ‬
‫لديك بأنوا ِع‬

‫اإلمداد نقطة خ ِّط ِه‬


‫ِ‬ ‫فيا مد َة‬
‫ِ‬
‫اإلطالق إ ْذ يتس َّل ُل‬ ‫ويا ذرو َة‬

‫‪12‬‬
‫ِ‬
‫عنك‬ ‫القلب‬ ‫ُ‬
‫يحول‬ ‫ُم ٌ‬
‫حال‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫أتحول‬ ‫وإنني وح ِّق َك ال ْ‬
‫أسلو وال‬

‫عليك صال ُة اهللِ منه تواصل‬


‫ُ (((‬ ‫ٍ‬
‫اتصال عنك ال َت َّ‬
‫تنصل‬ ‫صال ُة‬

‫اعلم ‪-‬رحمك اهلل‪ -‬أن سيدنا محمدً ا ‪‬‬


‫ْ‬
‫هو المقصود من خلق النوع اإلنساين‪ ،‬وهو عينه وخالصته‬
‫وواسطة عقده‪ ،‬كما نص على ذلك الحافظ ابن رجب‬
‫الحنبلي(((‪ ،‬ولواله ما خلق اهلل شيء من المخلوقات‪ ،‬فكان‬
‫يف أوليته ‪ ‬القبضة النورانية األولى التي‬
‫هي بذرة الوجود‪ ،‬والتي ترعرع منها كل موجود‪ ،‬وآخر وأعظم‬
‫ما تخرجه هذه الشجرة هي الثمرة‪ ،‬فكان يف ِ‬
‫آخ ِر َّيته هو ثمرة‬
‫الوجود من حيث الوجود والظهور‪ ،‬وهبذا تفهم حقيقة كونه‬
‫وخاتما‪ ،‬ومنه تصل إلى الخلق‬
‫ً‬ ‫فاتحا‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫قاسما لعطاياه‪ ،‬وهذا شيء يسير من‬
‫ً‬ ‫عطايا اإلله‪ ،‬ولهذا جعله اهلل‬
‫حقيقته المحمدية التي ال يحيط هبا وال يعرفها على حقيقتها إال‬

‫((( قائل هذه األبيات هو سيدي محمد وفا‪.‬‬

‫((( لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد‬
‫السالمي‪ ،‬البغدادي‪ ،‬ثم الدمشقي‪ ،‬الحنبلي‪ ،‬دار ابن حزم‬
‫بن رجب بن الحسن‪َ ،‬‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ص ‪ ،81‬ط‪ :‬األولى‪1424 ،‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫رب الربية‪.‬‬

‫وكيف ُي ُ‬
‫درك يف الدنيا حقي َق َت ُه‬ ‫َ‬
‫بالح ُل ِم‬
‫ُ‬ ‫قو ٌم نيا ٌم َتس َّلوا عن ُه‬

‫بشـر‬ ‫العلم ِ‬
‫فيه أ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فمبلغ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫كلهم‬ ‫خلق اهللِ‬
‫ِ‬ ‫خير‬ ‫وأنَّه‬
‫(((‬
‫ُ‬

‫وأخرج ابن ماجه عن عبد اهلل مسعود أن سيدنا رسول اهلل‬


‫(((‬
‫‪ ‬قال‪« :‬إن صاحبكم خليل اهلل»‬
‫(((‬
‫ويقول اهلل آلدم‪َ « :‬و َل ْو َل ُم َح َّمدٌ َما َخ َل ْقت َُك »‬

‫َس َك َن الفؤا ُد َف ِع ْش هني ًئا يا جسدْ‬


‫قيم إلى األبدْ‬
‫الم ُ‬
‫النعيم هو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذاك‬

‫((( قائل هذه األبيات هو اإلمام البوصيري يف الربدة‪.‬‬

‫((( أخرجه ابن ماجه ‪ .93‬وأصله يف صحيح مسلم ‪.)2383(3‬‬

‫((( أخرج الحاكم يف المستدرك يف تواريخ المتقدمين ‪ )4228 /672/2(:‬من‬


‫حديث عمر‪ ،‬بلفظ‪( :‬صدقت يا آدم‪ ،‬إنه ألحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت‬
‫لك ولوال محمد ما خلقتك) وقال الحاكم عقبه‪« :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‬
‫وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يف هذا الكتاب» ‪ ،‬وقد ورد‬
‫يف هذا المعني أربعة أحاديث ال تخلوا من الضعف‪ ،‬والضعيف ينجرب إلى الحسن‬
‫بالتعدد والضعيف جدا ينجرب بالكثرة ‪ ،‬وهي متحققة هنا‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ِ‬
‫الوجود حيا ُة َمن هو واجدٌ‬ ‫روح‬
‫ُ‬
‫تم الوجو ُد ل ِ َمن ُو ِجدْ‬
‫لوال ُه ما َّ‬

‫هم‬
‫والصدور جمي ُع ْ‬
‫ُ‬ ‫عيسى وآد ُم‬
‫(((‬
‫لما َور ْد‬
‫نورها َّ‬
‫هـــم أعي ٌن هو ُ‬
‫ْ‬

‫خير‬
‫فهو سيد ولد آدم‪ ،‬بل هو سيد األكوان وصفوهتا‪ ،‬فهو ٌ‬
‫وخير من العرش‪ ،‬وال يعرف حقيقته وعظيم قدره‬
‫ٌ‬ ‫من المالئكة‪،‬‬
‫إال خالقه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫إلهى ما الضيا ُء الذي َأرى‬


‫جنـود الســما تعشو إليه ترددا‬

‫فقال نبي خيـر َمن َوطِئ الثرى‬


‫(((‬
‫راح أو ا ْغتَدى‬ ‫ِ‬
‫الخير َ‬ ‫ُ‬
‫وأفضل من يف‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫((( األبيات لسيدي علي وفا‪ ،‬كما يف سبل الهدى والرشاد للصالحي ‪.75/1‬‬

‫((( ذكر القسطالين يف المواهب ‪ 47/1‬هذه األبيات‪ ،‬ولم يذكر قائلها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬
‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫ظهور الحقيقة‬
‫قال اإلمام القسطالين قدس سره النوراين ‪« :‬لما تعلقت‬
‫إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه‪ ،‬وتقدير رزقه‪ ،‬أبرز الحقيقة‬
‫المحمدية من األنوار الصمدية يف الحضرة األحدية‪ ،‬ثم سلخ‬
‫منها العوالم كلها‪ ،‬علوها وسفلها‪ ،‬على صورة حكمه‪ ،‬كما‬
‫سبق يف سابق إرادته وعلمه‪ ،‬ثم أعلمه تعالى بنبوته‪ ،‬وبشره‬
‫برسالته‪ ،‬هذا وآدم لم يكن إال كما قال‪ ،‬بين الروح والجسد‪ ،‬ثم‬
‫انبجست منه ‪ ‬عيون األرواح‪ ،‬فظهر بالمأل‬
‫األعلى‪ ،‬وهو بالمنظر األجلى‪ ،‬فكان لهم المورد األحلى‪،‬‬
‫فهو ‪ ‬الجنس العالي على جميع األجناس‪،‬‬
‫الزمان‬ ‫واألب األكربُ لجمي ِع الموجودات والناس‪َّ .‬‬
‫ولما انتهى ّ‬ ‫ُّ‬
‫باالسم الباطن يف حقه ‪ ‬إلى وجود جسمه‪،‬‬
‫انتقل إلى ُح ِ‬
‫كم الزمان إلى االسم الظاهر‪،‬‬ ‫وارتباط الروح به‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫وروحا‪ ،‬فهو‬
‫ً‬ ‫جسما‬
‫ً‬ ‫فظهر محمدٌ ‪ ‬بكليته‬
‫‪ ‬وإن تأخرت طينته‪ ،‬فقد عرفت قيمته‪ ،‬فهو‬

‫‪16‬‬
‫أمر إال منه‪ ،‬وال ُينقل‬
‫خزانة السر‪ ،‬وموضع نفوذ األمر‪ ،‬فال ينفذ ٌ‬
‫(((‬
‫خير إال عنه‪.‬‬
‫ٌ‬

‫و عن أبى هريرة رضي اهلل عنه أهنم قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪َ ،‬متَى‬
‫ِ (((‬
‫الروحِ َو َ‬
‫الج َسد »‬ ‫َو َج َب ْت َل َك النُّ ُب َّوةُ؟ َق َال‪َ :‬‬
‫«وآ َد ُم َب ْي َن ُّ‬

‫كان َملكا وس ّيدا‬‫َ‬ ‫أال بأبي َمن‬


‫واقف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والطين‬ ‫ِ‬
‫الماء‬ ‫وآد ُم بيـ َن‬

‫األبطحي محمدٌ له يف‬ ‫ُ‬


‫الرسول‬ ‫فذاك‬
‫ُّ‬
‫وطارف‬
‫ُ‬ ‫تليدٌ‬ ‫مجدٌ‬ ‫ال ُعال‬

‫المدَ ى‬ ‫ِ‬
‫السعد يف ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر َ‬ ‫بزمان‬ ‫أتى‬
‫مواقف‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عـصر‬ ‫وكـان له يف ِّ‬
‫كل‬

‫ِ‬
‫الدهر يجربُ صد َع ُه‬ ‫ِ‬
‫النكسار‬ ‫أتى‬
‫وعوارف‬
‫ُ‬ ‫فأثنـت علـيه ألس ٌن‬

‫((( المواهب اللدنية بالمنح المحمدية‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫((( أخرجه الرتمذي يف السنن يف كتاب المناقب‪ -‬باب فضل النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،)3609 /585/5(:‬وقال عقبه‪« :‬هذا حديث حسن غريب من‬
‫حديث أبي هريرة ال نعرفه إال من هذا الوجه»‬

‫‪17‬‬
‫يكون ِخال ُف ُه‬
‫ُ‬ ‫أمرا ال‬
‫إذا را َم ً‬
‫(((‬
‫صارف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫لذاك ِ‬
‫األمر يف‬ ‫وليس َ‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫األصل الرشيف الطاهر‬

‫أخرج مسلم يف صحيحه من طريق أبي عمار شداد أنه سمع‬


‫واثلة بن األسقع يقول‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪‬‬
‫يقول ‪« :‬إن اهلل اصطفى كنانة من ولد إسماعيل‪ ،‬واصطفى ً‬
‫قريشا‬
‫من كنانة‪ ،‬واصطفى من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاين من بني‬
‫هاشم»(((‪.‬‬

‫((( ذكر القسطالين هذه األبيات يف المواهب ‪.40/1‬‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب فضل نسب النبي ‪‬‬
‫(‪/1782/4‬ح‪.)2276‬‬

‫‪18‬‬
‫وأخرج الطرباين عن ابن عمر قال‪« :‬إن اهلل اختار خلقه‬
‫واختار منهم بنى آدم‪ ،‬ثم اختار بنى آدم‪ ،‬فاختار منهم العرب‪،‬‬
‫خيارا من خيار‪،‬‬
‫ثم اختار من العرب‪ ،‬فاختارين منهم‪ ،‬فلم أزل ً‬
‫أال من أحب العرب فبحبى أحبهم‪ ،‬ومن أبغض العرب فببغضي‬
‫أبغضهم»(((‪.‬‬

‫تختار‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫ضمائر‬ ‫لم َتز ْل يف‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫(((‬
‫األمهـــات واآلبـــا ُء‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫لـــك‬

‫عن سيدنا علي رضي اهلل عنه أن النبي ‪‬‬


‫قال‪« :‬خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن‬
‫ولدين أبي وأمي ‪ ,‬لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء» (((‪.‬‬

‫ال َل ُه ك ََرا َم ًة ل ِ ُم َح َّم ٍد‬


‫َح ِف َظ ْ ِ‬

‫آ َبا َء ُه ْالَ ْم َجا َد َص ْونًا ِل ْس ِم ْه‬

‫((( أخرجه الطرباين يف المعجم الكبير يف ‪ ،)13650 /455/12(:‬وفيه ‪ :‬حماد‬


‫بن واقد الصفار‪ ،‬وهو‪ :‬ضعيف‪ .‬تقريب التهذيب‪(:‬ص ‪.)1508 /179‬‬

‫((( البيت لإلمام البوصيري من الهمزية‪.‬‬

‫((( أخرجه الطرباين يف المعجم األوسط ‪/80/5‬ح‪ ،4728‬واآلجري يف الشريعة‬


‫‪/1417/3‬ح‪ .957‬وانظر‪ :‬البدر المنير البن الملقن ‪.673/7‬‬

‫‪19‬‬
‫اح فلم ُي ِص ْب ُهم َع ُار ُه‬
‫الس َف َ‬
‫تركوا ِّ‬
‫من آدم وإلى أبيه وأ ّمه‬

‫لم ْ‬
‫يزل تحمي ل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من عهد آد َم ْ‬
‫األصالب واألرحا ُم‬
‫ُ‬ ‫يف نسلِها‬

‫ٍ‬
‫طاهر‬ ‫حتى تن َّقل يف نكاحٍ‬
‫ما ضم م ِ‬
‫جتمعين فيه حرا ُم‬ ‫َّ ُ‬
‫ِ‬
‫وضعه‬ ‫ِ‬
‫كبدر الت ِِّم ليل َة‬ ‫فبدا‬
‫المنير ظال ُم‬
‫َ‬ ‫شان مط َل َع ُه‬
‫َ‬ ‫ما‬

‫ِ‬
‫أنواره‬ ‫فانجابت ال َّظلما ُء مِن‬
‫ّور ال َيبقى عليه قِتا ُم‬
‫والن ُ‬

‫شكرا لمهديه إلينا نعم ًة‬


‫ً‬
‫(((‬
‫األو َها ُم‬ ‫حيط ب ُك ِ‬
‫نهها ْ‬ ‫ليست ُت ُ‬
‫ْ‬

‫وأخرج ابن سعد عن الكلبى قال‪ :‬كتبت للنبي‬


‫نكاحا فيه‬
‫ً‬ ‫‪ ‬خمسمائة ُأ ًّما‪ ،‬فما وجدت فيهن‬
‫(((‬
‫شيء من أمر الجاهلية‪.‬‬

‫((( وذكر السيوطي يف الحاوي ‪ 268/2‬أهنا البن ناصر الدين الدمشقي‪.‬‬

‫((( الطبقات الكربى‪ ،‬محمد بن سعد بن منيع‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬المعروف بابن‬

‫‪20‬‬
‫وعن السيدة عائشة رضي اهلل عنها عن سيدنا‬
‫‪ ‬عن جربيل قال‪« :‬قلبت مشارق األرض‬
‫ومغارهبا‪ ،‬فلم أر رجال أفضل من محمد ‪،‬‬
‫قال الحافظ شيخ‬ ‫(((‬
‫ولم أر بني أب أفضل من بنى هاشم»‬
‫(((‬
‫اإلسالم ابن حجر‪ :‬لوائح الصحة ظاهرة على هذا المتن‪.‬‬

‫نور المصطفى ُمتن ِّقالً‬ ‫ما َ‬


‫زال ُ‬
‫يفالطيبي َنالطاهري َنذويال ُعــال‬

‫حتى لعبد اهلل أوىف ُمعلِنًا‬


‫بطن آمنـــــة بدا ُمته ِّلال‬‫ِ‬ ‫يف‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫سعد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ، ،‬ط‪ :‬األولى ‪1410‬هـ‪،‬‬
‫‪1990‬م‪.‬‬

‫((( أخرجه الطرباين يف األوسط يف ‪ ،)6285 /237 /6(:‬وإسناده فيه موسى‬


‫بن عبيدة‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬

‫((( اآلمالي المطلقة‪ ،‬أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقالين‪ ،‬المكتب‬


‫اإلسالمي‪-‬بيروت‪ ،-‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد السلفي ‪،‬ص‪ ، 72‬ط‪ :‬األولى‬
‫‪1416‬هـ‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬
‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬
‫النسب الرشيف‬

‫هو سيدنا وموالنا محمد بن السيد عبد اهلل‪ ،‬بن السيد عبد‬
‫المطلب واسمه شيبة الحمد بن السيد هاشم واسمه َعمرو‪ ،‬بن‬
‫السيد عبد َمناف واسمه المغيرة‪ ،‬بن السيد ُق َصي واسمه ُم ّ‬
‫جمع‪،‬‬
‫بن السيد كِ َلب واسمه َحكيم‪ ،‬بن السيد مرة‪ ،‬بن السيد كعب‪،‬‬
‫بن السيد ُل َؤي‪ ،‬بن السيد َغالب‪ ،‬بن السيد فهر واسمه ُقريش‪ ،‬بن‬
‫السيد مالك‪ ،‬بن السيد الن ََّضر‪ ،‬بن السيد كِنَانةَ‪ ،‬بن السيد ُخزيمة‪،‬‬
‫بن السيد ُمدْ ِركَة‪ ،‬بن السيد إلياس‪ ،‬بن السيد ُم َضر‪ ،‬بن السيد‬
‫ن ََزار‪ ،‬بن السيد َم َعدّ ‪ ،‬بن السيد عدنان‪.‬‬

‫َفأعظِم ِبه مِن شرف ومن َف َخار كان لهم أعظم هدية‪ ،‬و‬
‫السيد عدنان من ذرية سيدنا الذبيح إسماعيل بن سيدنا إبراهيم‬
‫الخليل عليهما الصالة والسالم‪ ،‬الذي خرج من ذريته هذه‬
‫الكواكب الدرية‪.‬‬

‫ٍ‬
‫هاشم‬ ‫وشمس ُه من‬
‫ُ‬ ‫نسب أضا َء‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ونزار‬ ‫ٍ‬
‫يعرب‬ ‫وسماؤه من‬

‫‪22‬‬
‫معشر َو ِرثوا السياد َة ً‬
‫كابـرا‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫كبار‬ ‫كبار‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كابـر فهم‬ ‫عــن‬
‫ٍ‬
‫أندية أســـــــــو ُد وقائ ٍع‬ ‫أقمـار‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫قطار‬ ‫سحاب‬
‫ُ‬ ‫أطوا ُد أعال ٍم‬
‫طول تي ّق ٍ‬
‫ظ‬ ‫ِ‬ ‫عار فيهم غير‬
‫ال َ‬
‫طيف ِ‬
‫العار‬ ‫ضـيق ِ‬
‫زال ينـفي َ‬ ‫مـا َ‬
‫ِ‬ ‫أهل الر ِ‬
‫والحجابة والحجا‬ ‫فادة‬ ‫ُ ّ‬
‫والز َّو ِار‬
‫ُّ‬ ‫الحجاجِ‬ ‫ِ‬
‫وسقاية‬
‫َّ‬

‫َ‬
‫المطعمون إذا البال ُد مجيع ٌة‬
‫ِ‬
‫باإليسار‬ ‫ِ‬
‫اإلعسار‬ ‫ومبدّ لو‬

‫وه ْم‬
‫هم ُ‬ ‫خيار ُ‬
‫والمجتبى الهادي ُ‬
‫ِ (((‬ ‫خيار ِّ‬ ‫ِ‬
‫كل خيار‬ ‫ُ‬ ‫بين األنا ِم‬

‫وأما نسبه من أمه ‪ ‬فيقول شيخ اإلسالم‬


‫الصفاء خليل بن أيبك‬
‫اإلمام الحافظ األديب صالح الدين أبو َّ‬
‫افعي يف كتابه الفضل المنيف يف المولد‬
‫الش ّ‬‫مشقي َّ‬
‫ّ‬ ‫فدي الدِّ‬
‫الص ّ‬
‫َّ‬

‫((( ذكر الصالحي هذه األبيات يف سبل الهدى والرشاد‪.240/1 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫(((‬
‫الشريف ‪« :‬فأ ُّمه ‪ ‬آمنة‪ ،‬وله أ َّم ٌة به آمنة»‬

‫فهي السيدة الطاهرة الشريفة النقية اآلمنة يف الدنيا واآلخرة‬


‫آمنة بنت السيد وهب‪ ،‬بن السيد عبد مناف‪ ،‬بن السيد زهرة‪ ،‬بن‬
‫السيد حكيم‪ ،‬بن السيد ُمرة‪ ،‬الذي هو الجد الخامس يف سلسلة‬
‫نسب الحضرة المحمدية‪ ،‬فوالده الشريف ووالدته الطاهرة من‬
‫أصل واحد‪ ،‬وهو شجرة النسب اإلبراهيمية فسبحان من خصهم‬
‫من بين البشرية‪ ،‬وهذا قليل من كثير يف حق من خصهم المولى‬
‫بحمل هذه األنوار السنية‪.‬‬

‫ب ال ُعال بِ ُحال ُه‬ ‫ِ‬


‫ب َت ْحس ُ‬‫ن ََس ٌ‬
‫َق َّلدَ ْت َها ن ُُجو َم َها الجـ ْ‬
‫َــــو َزا ُء‬
‫ار‬‫َح َّبذا ِع ْقدُ ُس ْؤ َد ٍد و َف َخ ٍ‬
‫(((‬ ‫أنـــــــت ِ‬
‫فيه اليتيم ُة ال َع ْص َما ُء‬ ‫َ‬

‫رسيان النور‬

‫ويف كتاب شرف المصطفى‪« :‬لما ولد عبد اهلل أبو النبي‬

‫((( الفضل المنيف يف المولد الشريف شيخ اإلسالم اإلمام الحافظ األديب‬
‫فدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫الص ّ‬
‫الصفاء خليل بن أيبك بن عبد اهلل‪َّ ،‬‬
‫صالح الدين أبو َّ‬
‫تحقيق محمد عايش ‪.‬‬

‫((( قائل هذه األبيات هو اإلمام البوصيري يف الهمزية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ ‬فرح به والده عبد المطلب‪ ،‬ولم يبق حرب‬
‫من األحبار بالشام إال علم بمولده‪ ،‬والسبب يف ذلك أنه كان‬
‫عندهم جبة من صوف‪ ،‬وكانت هذه الجبة مغموسة من الدم‬
‫الذي ليحيى بن زكريا ‪-‬عليهما السالم‪ -‬وكانوا يجدون عندهم‬
‫يف كتبهم‪ :‬إذا رأيتم الجبة البيضاء والدم يقطر منها‪ ،‬فاعلموا‬
‫أنه قد ولد عبد اهلل أبو النبي العربي ‪ ،‬ولما‬
‫انتقل نور سيدنا محمد ‪ ‬من ظهر جده عبد‬
‫المطلب إلى ظهر ولده عبداهلل زاد قدره واشتهر فضله‪ ،‬وكان‬
‫يتألأل يف جبينه كالكواكب الدرية‪ ،‬و كانت النساء من قريش‬
‫يتطيبن ويجلسن يف الطرقات‪ ،‬فإذا مر هبن عبد اهلل يقمن وكل‬
‫منهن يهرعن إليه وتعرض نفسها عليه‪ ،‬وتقول‪ :‬يا عبد اهلل ‪ ،‬تزوج‬
‫بي قال‪ :‬ف ُيعرض عنهن‪ ،‬ولما تزوج عبد اهلل بآمنة بنت وهب أم‬
‫النبي ‪ ‬صنع عبد المطلب وبنو هاشم وليمة‬
‫العرس‪ ،‬وكانت وليمة عظيمة الشأن‪ ،‬ثم بعد ذلك زفت آمنة بنت‬
‫وهب أم النبي ‪ ‬على عبد اهلل بن أبي طالب‬
‫فانتقل هذا النور وتلك الوديعة من األصالب الرفيعة إلى كنز‬
‫أحشاء آمنة المنيعة‪ ،‬وكانت قريش قد أصاهبم قحط وجدب‬
‫وغالء وفتنة‪ ،‬فلما كانت الليلة التي حملت فيها آمنة برسول‬
‫اهلل ‪ ‬أصبحت األرض مخضرة بعد جدهبا‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫واخضرت األشجار‪ ،‬وكثرت األمطار و الخيرات والربكات‬
‫وكل ذلك بربكة سيدنا محمد عليه أفضل الصالة والسالم»(((‪.‬‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬
‫األبوان الكرميان‬

‫اعلم ‪-‬رحمك اهلل‪ -‬أن محبة النبي ‪ ‬من‬


‫أفضل القربات‪ ،‬يقول ‪« : ‬والذي نفسي بيده‬
‫ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس‬
‫(((‬
‫أجمعين»‬

‫((( شرف المصطفى‪ ،‬عبد الملك بن أبي عثمان محمد بن إبراهيم النيسابوري‪،‬‬
‫أبو سعيد الواعظ‪ ،‬المشهور بالخركوشي‪ ،339 /1( :‬وما بعدها)‪ ،‬وانظر‪ :‬تاريخ‬
‫الخميس يف أحوال أنفس النفيس‪ ،‬حسين بن محمد بن الحسن بن الديار بكري‪،‬‬
‫دار صادر بيروت‪.182/1 ،‬‬

‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب‪ :‬حب رسول اهلل ‪‬‬

‫‪26‬‬
‫والحب يتناىف مع رغبة اإليذاء لمن يحب‪ ،‬وال شك كذلك‬
‫أن الحديث بسوء عن أبويه ‪ ‬يؤذي النبي‬
‫‪ ‬وقد قال تعالى ‪ :‬ﱵﭐﲿﳀﳁ‬
‫ﳂﳃﳄﳅﳆ ﱴ [التوبة‪.]61 :‬ﱵﱱﱲﱳﱴﱵ‬
‫‪،]57‬‬ ‫[األحزاب‪:‬‬ ‫ﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱴ‬
‫ولقد هنانا اهلل صراحة عن أذية رسول اهلل ‪‬‬
‫ومشاهبة اليهود ‪ - ‬لعنهم اهلل‪ -‬يف ذلك‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﱵﭐ ﲃ‬
‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ‬
‫ﲐﲑﲒﲓﱴ [األحزاب‪ ]69 :‬فنحن ال نقول إال ما يرضي‬
‫ربنا‪ ،‬ويرضي رسولنا ‪ ‬وال نتجرأ على مقامه‬
‫الشريف ونؤذيه ‪ ‬بالكالم بما ال يرضيه‬
‫‪.‬‬

‫ويعتقد أهل الرحمة واألمانة أهل السنة والجماعة‪ ،‬أن اهلل‬


‫نذيرا‪ ،‬وقد يقول‬
‫برحمته وفضله ال يعذب أحدً ا حتى ُيرسل إليه ً‬
‫قائل لعل أبوي النبي ‪ ‬أرسل إليهم نذير‪،‬‬
‫وهم أشركوا بعد بلوغ الحجة‪ ،‬فهذا ال يسعفه نقل‪ ،‬بل جاءت‬
‫النصوص تنفيه‪ ،‬وتؤكد عكس ذلك قال تعالى‪ :‬ﱵﭐﲓﲔﲕ‬

‫من اإليمان‪/13/1 ،‬ح‪.14‬‬

‫‪27‬‬
‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﱴ [سبأ‪.]44 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ :‬ﱵﭐﱭﱮ ﱯﱰﱱﱲﱳﱴ‬


‫‪ ،]٦‬وقال عز وجل ‪:‬ﱵﭐﭐﲽﲾﲿ ﳀ ﳁﳂ‬ ‫[يس‪:‬‬

‫ﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ‬
‫ﳎﳏﳐﳑﳒﱴ[القصص‪.]59 :‬‬

‫فدلــت النصــوص الســابقة علــى أن أبــوي النبــي‬ ‫‪       ‬‬

‫‪ ‬غيــر معذبيــن‪ ،‬ال ألهنمــا أبويــه‬


‫‪‬؛ بــل ألهنمــا مــن جملــة أهــل الفــرة ‪ ،‬قــال‬
‫القاســمي يف تفســيره لقولــه تعالــى‪ :‬ﱵﲷﲸﲹﲺ‬
‫ﲻﲼﲽﱴ [اإلســراء‪ ]15 :‬مــا نصــه ‪ :‬ومــا صـ َّ‬
‫ـح ‪ ،‬ومــا اســتقام‬
‫الحكــم البالغــة‪ ،‬أن‬‫منــا‪ ،‬بل‪ ‬اســتحال يف ســنَّتنا المبنيــة علــى ِ‬

‫إليهم‪ ‬رســول يهديهــم إلــى الحــق‪،‬‬


‫ً‬ ‫قومــا حتــى نبعــث‬ ‫ِّ‬
‫نعــذب ً‬
‫ويردعهــم عــن الضــال؛ إلقامــة الحجــة‪ ،‬وقط ًعــا للعــذر‪. ‬‬
‫(((‬

‫أما ما يدل على نجاة أبويه بخصوصهما دون الدليل الخاص‬


‫بأهل الفرتة فهو قول اهلل تعالى‪ :‬ﱵﲌﲍﲎﱴ [الشعراء‪:‬‬

‫((( محاسن التأويل‪ ،‬محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحالق‬
‫القاسمي‪ ،‬المحقق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،450/6 ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية – بيروت‪ ،‬ط‪ :‬األولى ‪ 1418 -‬هـ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ ]219‬عن ابن عباس رضي اهلل عنه ‪ -‬يف قوله تعالى‪ :‬وتقلبك يف‬
‫الساجدين ‪ -‬قال ‪ :‬أي يف أصالب اآلباء آدم ونوح وإبراهيم حتى‬
‫أخرجه نبيًا(((‪.‬‬
‫وعن واثلة بن األسقع أن النبي ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫« إن اهلل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل‪ ،‬واصطفى من ولد‬
‫إسماعيل بني كنانة ‪ ،‬واصطفى من بني كنانة قريشًا‪ ،‬واصطفى‬
‫من قريش بني هاشم‪ ،‬واصطفاين من بني هاشم»(((‪.‬‬

‫‪    ‬أما ما يثيره المخالفون‪ ،‬فبسبب ورود حديثي آحاد‬


‫يعارضان ما ذكر من اآليات القاطعة‪ ،‬وهما حديثا مسلم؛ األول‪:‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪« :‬استأذنت ربي أن استغفر‬
‫ألمي فلم يأذن لي‪ ،‬واستأذنته أن أزور قربها فأذن لي»(((‪.‬‬

‫والثاين ‪« :‬أن رجال قال ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أين أبي ؟ قال‪ :‬يف‬

‫((( انظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي بكر‪ ،‬أبو عبد اهلل‬
‫القرطبي‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الربدوين‪ ،‬وإبراهيم أطفيش‪،‬‬
‫‪ ،144/13‬ط‪ :‬الثانية ‪1384‬هـ‪1964 ،‬م‪.‬‬

‫((( سبق تخريجه‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب‪ :‬استئذان النبي ‪ ‬ربه عز‬
‫وجل يف زيارة قرب أمه‪/671/2 ،‬ح‪.967‬‬

‫‪29‬‬
‫النار‪ .‬فلما قضى دعاه‪ .‬فقال ‪ :‬إن أبي وأباك يف النار»(((‪.‬‬

‫‪ -‬فالرد عليهم‪:‬‬

‫أن الحديث األول ليس فيه تصريح بأن أمه صلي اهلل عليه‬
‫وسلم يف النار‪ ،‬وإنما عدم اإلذن يف االستغفار ال يدل على أهنا‬
‫مشركة‪ ،‬وإال ما جاز أن يأذن له ربه عز وجل أن يزور قربها‪ ،‬فال‬
‫يجوز زيارة قبور المشركين وبرهم‪.‬‬

‫‪    ‬أما الحديث الثاين‪ ،‬فيمكن حمله على أنه كان يقصد‬


‫عمه؛ فإن أبا طالب مات بعد بعثته‪ ،‬ولم ُيعلن إسالمه‪ ،‬والعرب‬
‫يطلقون األب على العم‪.‬‬

‫‪ -‬ويف ختام هذه املسألة‪:‬‬

‫يقول اإلمام القسطالين قدس سره النوارين ‪ « :‬الحذر‬


‫الحذر من ذكرهما بما فيه نقص‪ ،‬فإن ذلك يؤذي النبي‬
‫‪‬؛ ألن العرف ٍ‬
‫جار إذا ذكر أبو الشخص‬
‫بما ينقصه أو وصف بوصف ف‪:‬يه ذلك تأذى ولده وقد قال‬

‫((( أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب‪ :‬بيان أن من مات على الكفر‪ ،‬فهو يف‬
‫النار‪/191/1 ،‬ح‪.347‬‬

‫‪30‬‬
‫(((‬ ‫‪« :‬التؤذوا األحياء ِ‬
‫بسب األموات»‪.‬‬

‫بالز ِم‬ ‫ُهما‬


‫إيمان َ‬ ‫أليس‬
‫َ‬
‫هدي العا َل ِم‬
‫ُ‬ ‫ومنهما َقدْ جا َء‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫العوالم‬ ‫ُ‬
‫يكون رحم ُة‬ ‫كيف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫راحم‬ ‫غير‬
‫َ‬ ‫هو‬‫َ‬ ‫لِوالِدَ ْي ِه‬

‫لسان ٍ‬
‫قائل بالضدِّ‬ ‫َ‬ ‫فاقطع‬
‫ْ‬

‫َروى لساين و َدرى َجنَاين‬


‫ِ‬
‫خالدان‬ ‫الخ ِ‬
‫لد‬ ‫ُ‬ ‫أن َُّهما يف‬

‫ِ‬
‫الرحمن‬ ‫ِ‬
‫بقدرة‬ ‫َقد َح َي َيا‬
‫العدْ نَانِي‬ ‫وآمنا بابن ِ ِهما‬
‫(((‬
‫َفـخرِ َمـعـدٍّ وبـنـي مـعـدِّ‬

‫يقول السيد الشريف العالَّمة محمد بن جعفر بن إدريس‬


‫الكتاين المحب للنبي العدناين‪ :‬إن اهلل أحيا له ‪‬‬
‫أبويه حتى آمنا به وركنا إليه خصوصية لهما وكرامة له عليه الصالة‬

‫((( المواهب اللدنية ‪.111/1‬‬

‫((( قائل األبيات هو‪ :‬سيدي يوسف النبهاين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫والسالم؛ ليحوزا بذلك الكون من هذه األمة المحمدية الرفيعة‬
‫المقام وليحصل لهما ما حصل لغيرهما من التخصيص برؤيته‬
‫والتنعم بكريم جماله وطلعته‪ ،‬وهذه منقبة سنية وفضيلة عظيمة‬
‫هبية‪ ...‬وكيف ال وقد م َّن اهلل عليهما بمزية خروجه من بينهما‬
‫رحمة للعالمين وشفي ًعا يف العاصين والمذنبين وأي تخصيص‬
‫(((‬
‫وكمال اتصال يكون هذه الخصلة التي هي أرف الخصال‪.‬‬

‫قال الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدمشقي ‪:‬‬

‫النبي مزيدَ فض ٍل‬


‫َّ‬ ‫اهلل‬
‫َح َبا ُ‬
‫وكان ِبه رؤوفا‬
‫َ‬ ‫على فض ٍل‬

‫أ َبا ُه‬ ‫وكذا‬ ‫أ َّم ُه‬ ‫فأحيا‬


‫لطيفا‬ ‫ً‬
‫فضل‬ ‫به‬ ‫ٍ‬
‫إليمان‬

‫قدير‬
‫ٌ‬ ‫فالقديم بذا‬
‫ُ‬ ‫فس ِّل ْم‬
‫(((‬
‫الحديث بِ ِه ضعيفا‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وإن كان‬

‫وقد سئل القاضي أبو بكر ابن العربي عمن قال‪ :‬أن أبويه‬

‫((( مولد «إسعاف الراغب الشائق بخرب والدة خير األنبياء وسيد الخالئق»‬
‫للعالمة السد محمد بن جعفر بن إدريس الكتاين‪ ،‬ضمن‪ :‬مجموع لطيف أنسي يف‬
‫صيغ المولد النبوي القدسي‪ ،‬ص ‪ .43‬بتصرف‪.‬‬

‫((( المورد الصادي يف مولد الهادي‪ ،‬ص ‪.83‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ ‬يف النار فأجاب‪ :‬بأنه ملعون ألن اهلل تعالى‬
‫قال ﱵﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ‬
‫ﱼﱽﱾﱿﱴ [األحزاب‪ ]57 :‬قال ‪ :‬وال أذى أعظم من أن‬
‫(((‬
‫يقال عن أبويه أهنما يف النار‪.‬‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫الحمل األطهر وأمارات وبشارات‬


‫ويف أول ليلة من ليالي حمله ‪ ‬أغلقت‬
‫أبواب الجحيم وفتحت أبواب الجنان‪ ،‬وا َّطلع الحي القيوم‬
‫وتجلى برحمته ورضوانه‪ ،‬واهتز العرش طر ًبا ومال الكرسي‬
‫عج ًبا وتنكست األصنام‪ ،‬ونطقت دواب قريش بالفصيح من‬
‫الكالم‪ ،‬وقالت‪ :‬حمل برسول اهلل ‪ ‬ورب‬

‫((( إسعاف الراغب الشائق بخرب والدة خير األنبياء وسيد الخالئق ‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫‪33‬‬
‫وفرت وحوش المشارق‬
‫الكعبة وهو إمام الدنيا وسراج أهلها‪َّ ،‬‬
‫إلى وحوش المغارب بالبشارات‪ ،‬وبشرت حيتان البحر بعضها‬
‫بعضا بظهور سيد السادات‪ ،‬ولم تجد السيدة آمنة يف حملها له‬
‫ثقل وال ً‬
‫هزال وال شي ًئا من اآلالم‬ ‫وحما وال تع ًبا وال كر ًبا وال ً‬
‫ً‬
‫(((‬
‫كما تجد النساء‪.‬‬

‫قال اإلمام القسطالين قدس سره النوارين‪« :‬وكانت آمنة عند‬


‫حملها بسيدنا محمد ‪ ‬تزداد يف كل يوم حسنًا‬
‫ووقارا‪ ،‬وتخطو يف ْأر ِد َية الجمال والكمال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وجمال وهيب ًة‬ ‫وهبًاء‬
‫ودالل ألجل حمل سيد الكونين‪ ،‬ونساء‬ ‫ً‬ ‫تيها‬
‫واالعتدال تتمايل ً‬
‫مكة يتعجبن من آمنة أمه‪ ،‬ويقلن‪ :‬إن المرأة إذا حملت بالولد‬
‫يتغير لوهنا وتضعف قوهتا ويعقر هبا منقم الوحم إال آمنة بنت‬
‫(((‬
‫وهب‪ ،‬لم َنر هبا يف حملها شيء من ذلك»‪.‬‬

‫تم ضياؤه‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ظهر عبد اهلل َّ‬ ‫ويف‬
‫حال ص ِ‬
‫حوة‬ ‫كالشمس يف ِ َ‬
‫ِ‬ ‫وكان ُيرى‬

‫((( انظر‪ :‬المقتفى من سيرة المصطفى ‪ ،‬الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب‪ ،‬أبو‬
‫محمد‪ ،‬بدر الدين الحلبي ‪ ،‬المحقق‪ :‬د مصطفى محمد حسين اذلهيب‪ ،‬ص‪، 34‬‬
‫الناشر‪ :‬دار الحديث ‪ -‬القاهرة – مصر‪ ،‬ط‪ :‬األولى‪1416 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬

‫((( كشف األسرار عن مولد المختار‪ ،‬ل ‪/18‬أ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫فاقت نسا َء زمانِها‬‫ْ‬ ‫وآمن ُة‬
‫ِ‬
‫المضيئة‬ ‫ِ‬
‫الحسان‬ ‫ِ‬
‫الحور‬ ‫وفاقت على‬
‫ْ‬

‫بوج ِه َها‬ ‫ِ‬


‫وصارت ُت َحاكي البدْ َر َ‬
‫وهو ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫منيرة‬ ‫ٍ‬
‫شمس‬ ‫يضي ُء سنا ُه ُ‬
‫مثل‬

‫حملت بأحمدَ‬
‫ْ‬ ‫قالت‬
‫ْ‬ ‫وعن ِ‬
‫نفسها‬
‫ِ (((‬
‫فوق ِص َّحة‬
‫صح ًة َ‬
‫ازددت إال َّ‬
‫ُ‬ ‫فما‬

‫وكان بدء حمله ‪ ‬يف ليلة جمعة من شهر‬


‫رجب وانتهاؤه يف شهر ربيع األول ليلة اإلثنين((( ‪.‬‬

‫يقول اإلمام المحدِّ ث الفقيه شيخ اإلسالم وشيخ الجامع‬


‫الغيطي‪« :‬فأطوار انتقاالته ‪‬‬
‫ِّ‬ ‫األزهر نجم الدِّ ين‬
‫خاص ًة بيو ٍم‬
‫َّ‬ ‫ونبوةً‪ ،‬وهجرةً‪ ،‬ووفاةً‪ ،‬وغير ذلك كانت‬
‫وجو ًدا‪َّ ،‬‬
‫واحد؛ وهو يوم االثنين‪ ،‬فيكون يف ح ِّقه ‪ ‬كيوم‬ ‫ٍ‬

‫السالم‪ :‬فيه ُخلق‪ ،‬وفيه ُأنزل إلى األرض‪،‬‬


‫حق آدم عليه َّ‬
‫الجمعة يف ِّ‬
‫وفيه تاب ﷲ عليه‪ ،‬وفيه مات‪ ،‬فكانت أطواره الوجود َّي ُة والدِّ ين َّي ُة‬
‫الجمعة‪ .‬وإذا كان يوم الجمعة الذي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحد وهو يوم‬ ‫خاص ًة بيو ٍم‬
‫َّ‬

‫((( قائل األبيات هو السيد أحمد الصيادي‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المواهب اللدنية ص‪ ،72‬وعزاه إلى سهل التسرتي‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ٍ‬
‫مسلم‬
‫ٌ‬ ‫بساعة ال يصادفها عبدٌ‬ ‫خص‬ ‫ُخلق فيه آدم عليه َّ‬
‫السالم َّ‬
‫بالساعة التي ولد فيها‬
‫خيرا إال أعطاه إ َّياه‪ ،‬فما بالك َّ‬
‫يسأل ﷲ فيها ً‬
‫س ِّيدُ المرسلين؟! وإنَّما لم يجعل ﷲ تعالى يف يوم االثنين يوم‬
‫مولده عليه الصالة والسالم من التكليف بالعبادات كما جعل‬
‫يف يوم الجمعة المخلوق فيه آدم عليه السالم من صالة الجمعة‬
‫والخطبة وغير ذلك إكرا ًما لنبينا محمد ‪‬‬
‫بالتخفيف عن أمته بسبب عناية وجوده ‪‬‬
‫قال ﷲ تعالى ﱵﭐﲀﲁﲂﲃﲄﲅﱴ [األنبياء‪:‬‬

‫‪.]107‬‬

‫(((‬
‫ومن جملة ذلك عدم التكليف‪.‬‬

‫تم لحمله ‪ ‬شهران على أصح‬


‫ولما َّ‬
‫األقاويل المروية تويف والده سيدنا عبد اهلل‪ ،‬وهو راجع من الشام‬
‫وهو على حالة زاكية مرضية ودفن يف المدينة المنورة عظيمة‬
‫المقدار يف بيت من بيوت بني عدي بن النجار فقالت مالئكة‬
‫فقيرا ال مال له فقال اهلل‬
‫يتيما ال أب له ً‬
‫بقي نبيك ً‬
‫السماوات‪ :‬ربنا َ‬
‫عز وجل‪ :‬يا مالئكتي أنا أولى به من أ ِّمه وأبيه وأنا حافظه ومربيه‬

‫((( « هبجة السامعين والناظرين بمولد سيد األولين واآلخرين»‪ ،‬ص‪.105،106 :‬‬

‫‪36‬‬
‫(((‬
‫أنا ناصره وراعيه أنا رازقه وكافيه‪.‬‬

‫تم النبي‬ ‫ِ‬


‫وقد قيل لسيدنا جعفر الصادق رضي اهلل عنه‪ :‬ل َم ُي َ‬
‫(((‬
‫‪‬؟ فقال‪َّ :‬‬
‫«لئل يكون عليه حق لمخلوق»‪.‬‬

‫در القائل ‪:‬‬


‫وهلل ُّ‬

‫يزل‬ ‫ِ‬
‫بالرسول ولم ْ‬ ‫َ‬
‫أخذ اإلل ُه‬
‫اليتيم َر ِحيما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفرد‬ ‫برسول ِ ِه‬

‫فرد يف ُيت ِْم ِه‬


‫نفسي الفداء لم ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫(((‬
‫يكون َيتِيما‬
‫ُ‬ ‫والدر أحس ُن ما‬
‫ُّ‬

‫املولد الرشيف‬

‫ولد ‪ ،‬يوم اإلثنين‪ ،‬ثاين عشر شهر ربيع‬


‫األول‪ ،‬وهناك أقوال أنه ولد لليلتين خلتا من ربيع‪ ،‬وقيل‪ :‬ثامنه‪،‬‬

‫((( انظر‪« :‬سيرة ابن هشام‪ ،‬عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري‪،‬‬
‫أبو محمد‪ ،‬المحقق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،146 /1 ،‬شركة الطباعة الفنية‪،‬‬
‫و«الروض األنف»‪ ،‬عبد الرحمن بن عبد اهلل بن أحمد أبو القاسم السهيلي‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬عمر عبد السالم السالمي‪ ،99/2 ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ :‬األولى ‪1421 ،‬هـ‪2000 /‬م‪.‬‬

‫((( إسعاف الراغب‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫((( المرجع السابق‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫(((‬
‫وقيل غير ذلك‪ .‬والمشهور وعليه العمل هو األول‪.‬‬

‫يقول اإلمام المحدِّ ث الفقيه شيخ اإلسالم وشيخ الجامع‬


‫الغيطي‪« :‬وإنَّما كان مولده يف شهر ربي ٍع‬
‫ِّ‬ ‫األزهر نجم الدِّ ين‬
‫األول على ما هو المشهور‪ ،‬وقول الجمهور‪ ،‬ولم يكن يف‬ ‫َّ‬
‫األشهر الحرم وال يف رمضان إشار ٌة إلى أنَّه ‪‬‬
‫يتشرف به كاألماكن‪ ،‬فلو‬
‫الزمان هو الذي َّ‬
‫بالزمان‪ ،‬بل َّ‬
‫يتشرف َّ‬
‫ال َّ‬
‫الزمان‬
‫ف بذلك َّ‬
‫تشر َ‬
‫ُوهم أنَّه ‪َّ ‬‬
‫ولد يف ذلك لت ِّ‬
‫والسالم يف غيرها‬
‫الصالة َّ‬
‫الفاضل‪ ،‬فجعل ﷲ تعالى مولده عليه َّ‬
‫هر بمولد ذلك‬ ‫ف ذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫الش ُ‬ ‫ويتشر ُ‬
‫َّ‬ ‫ظه َر عنايته به‪ ،‬وكرامته عليه‪،‬‬
‫لت َ‬
‫النبي الكاملِ»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الحبيب وخدُّ ه متور ٌد‬
‫ُ‬ ‫ولدَ‬
‫والنور من َو َجنَاتِ ِه يتو َّقدُ‬
‫ُ‬

‫((( انظر‪ :‬مغازي الواقدي‪ ،‬محمد بن عمر الواقدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مارسدن جونسي‬
‫‪ ،2 /1‬ص‪ ، :‬دار األعلمي‪ -‬بيروت‪ -‬ط‪ :‬الثالثة‪1409 ،‬هـ‪1989 ،‬م‪ ،‬وسيرة ابن‬
‫هشام ‪ ،158/1‬والسيرة النبوية وأخبار الخلفاء‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد‪ ،‬أبو‬
‫حاتم البستي‪ ،34/1 ،‬الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة‪1417 ،‬هـ‪ .‬والروض‬
‫األنف‪.93/2 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫ِ‬
‫حكمه‬ ‫ِ‬
‫منصة‬ ‫ُ‬
‫جربيل نا َدى يف‬
‫ِ‬
‫اللون هذا أحمدُ‬ ‫مليح‬ ‫هذا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالعهد هذا الذي‬ ‫هذا الوفا‬
‫عن قده يا صاح غصن أملدُ‬

‫هذا الذي خلعت عليه مالبس‬


‫ونفائس فنظيره لم يوجدُ‬
‫ِ‬
‫السماء مرحبا‬ ‫قالت مالئك ُة‬
‫ْ‬
‫الحبيب ومثله ال يولدُ‬
‫ُ‬ ‫ولدَ‬

‫هذا الذي لوال ُه ما ُذكرت قِبا‬


‫كال وال كان المخصب يقصدُ‬
‫ِ‬
‫المختار كم لك من ثنا‬ ‫يا مولدَ‬
‫ومديح يعلوا عاليا ويمجدُ‬

‫إبراهيم ُأعطي رشدَ ُه‬


‫ُ‬ ‫إن كان‬
‫ِ‬
‫الربية ْأر َشدُ‬ ‫مثل أحمدَ يف‬‫من ُ‬

‫يا عاشقي َن توالهوا يف ح ِّب ِه‬


‫فبحبه من ِ‬
‫نار مالك ُتنقذوا‬ ‫ِ‬

‫‪39‬‬
‫كر ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ليت َّ‬
‫الدهر عندي ذ ُ‬ ‫كل‬ ‫يا َ‬
‫الدهر ِعندي َم ْولِدُ‬
‫ِ‬ ‫ليت َّ‬
‫كل‬ ‫يا َ‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫ولد الهدى فالكائنات ضياء‬

‫ولما كملت له ‪ ‬أشهر حمله بالتمام‬


‫نُشرت له يف جوانب األرض أعالم‪ ،‬فجاء شهر ربيع األول الذي‬
‫فتح اهلل فيه أبواب عطاياه‪ ،‬وطلعت فيه شموس اإليمان‪ ،‬ثم‬
‫حضرت ليلة مولده المنيرة القمرية واشتدَّ بالسيدة آمنة الطلق‬
‫بال وجع وال إسقام‪ ،‬ولم تزل السيدة تشاهد من غرائب معجزاته‬
‫أمورا نورانية ومن عجيب آياته ماال تحيط به العقول واألفهام‪،‬‬
‫ً‬
‫وذلك يف ليلة اإلثنين من بعد العشاء الي طلوع اللمعة الفجرية‬
‫علي ملك عظيم من‬
‫تقول السيدة آمنة‪ :‬فبينما أنا كذلك إذ نزل َّ‬

‫‪40‬‬
‫علما‬
‫أعظم مالئكة السماء‪ ،‬ومعه أربعة أعالم من نور‪ ،‬فنصب ً‬
‫وعلما على‬
‫ً‬ ‫وعلما على ظهر بيت المقدس‪،‬‬
‫ً‬ ‫على ظهر الكعبة‪،‬‬
‫وعلما على أقدامي‪ ،‬وامتد ذلك العلم فوق رأسي‪،‬‬
‫ً‬ ‫ظهر بيتي‪،‬‬
‫وذلك من الديباج األخضر واألبيض‪ ،‬قد أنار من نوره ما بين‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬حتى رأيت مشارق األرض ومغارهبا‪.‬‬

‫فمن كان له حاجة فليدعوا اهلل بما أحب فيجاب‪ ،‬فيقول‪:‬‬


‫يا قاضي الحاجات يا ملب الدعوات‪ ،‬فإن هذا الوقت شريف‬
‫ٌ‬
‫مبارك ُتجاب فيه الدعوات‬

‫تقول السيدة اآلمنة بولدها آمنة بنت وهب‪:‬‬

‫فأخذين الطلق بإذن خالق الخلق‪ ،‬ثم أخذين المخاض‪،‬‬


‫نورا يتألأل‪ ،‬كالبدر ليلة التمام‪.‬‬
‫فوضعته ‪ً ‬‬

‫***‬

‫محل القيام‬

‫السالم عليك يا أول خلق اهلل وآخر رسل اهلل‬

‫السالم عليك يا عنصر المعروف واإلحسان‬

‫السالم عليك يا مصدر الحقائق والعرفان‬

‫‪41‬‬
‫الســـام عليـــك يـــا هديـــة اهلل‬

‫الســـام عليـــك يـــا قاســـم لعطـــاء اهلل‬

‫طي قبضته‬
‫السالم عليك يا من العوالم كلها يف ِّ‬
‫السالم عليك يا من تشرف جربيل بخدمته‬

‫صلى اهلل عليك وعلى آل بيتك األطهار‬

‫ومجد وع َّظم ‪.‬‬


‫وكرم َّ‬
‫وشرف َّ‬
‫وسلم َّ‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫قال اإلمام المحدِّ ث الفقيه شيخ اإلسالم وشيخ الجامع‬


‫الغيطي‪ :‬جرت العادة بأنَّه إذا ساق الو َّعاظ‬
‫ِّ‬ ‫األزهر نجم الدِّ ين‬
‫والمدَّ اح مولده ‪ ،‬وذكروا وضع أ َّمه له‬
‫تعظيما له‬
‫ً‬ ‫‪ ‬قام أكثر الناس عند ذلك‬

‫‪42‬‬
‫‪ ،‬وهذا القيام بدع ٌة ال أصل لها‪ ،‬لكن ال‬
‫بأس به ألجل التعظيم‪ ،‬بل هو ٌ‬
‫فعل حس ٌن ممن غلب عليه الحب‬
‫النبي الكريم عليه أفضل الصالة وأشرف‬ ‫ِّ‬ ‫واإلجالل لذلك‬
‫حسان زمانه أبي زكريا‬
‫التسليم‪ ،‬وما أحسن قول اإلمام البليغ َّ‬
‫الصرصري الحنبلي رحمه اهلل يف بعض قصائده ‪:‬‬
‫يحيى َّ‬

‫بالذهب‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الخط‬ ‫ٌ‬
‫قليل لمدحِ المصطفى‬
‫َتب‬ ‫ِ‬ ‫فضة من ِ‬
‫أحسن من ك ْ‬ ‫خط‬ ‫على َّ‬
‫ِ‬
‫سماعه‬ ‫األشراف عند‬
‫ُ‬ ‫وأن تنهض‬
‫كب‬ ‫قيا ًما صفو ًفا أو جث َّيا على ُ‬
‫الر ْ‬

‫اسم ُه‬
‫َتب َ‬ ‫تعظيما له ك َ‬
‫ً‬ ‫أما ﷲ‬
‫الر َت ْ‬
‫ب‬ ‫عرش ِه يا رتب ًة َس ْ‬
‫مت ُّ‬
‫على ِ‬

‫فيجب علينا معشر الحاضرين والسامعين القيام عند ذكر‬


‫تعظيما لقدوم ذاته البهية فيا سعادة من وقف‬
‫ً‬ ‫مولده الشريف‬
‫تعظيما له على األقدام ‪.‬‬

‫مسرورا(((‪َ ،‬م ْق ُب َ‬
‫وضة‬ ‫ً‬ ‫ولد نبينا ‪ ‬مختونًا‬

‫((( أخرجه أبو نعيم يف دالئل النبوة ‪ ،6148‬عن أنس بن مالك‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫‪ ،‬من كرامتي على ربي أين ولدت مختونا‪ ...‬الحديث‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫بالس َّبابة كالمس ِّبح هبَا(((‪ ،‬مكحول العينين‬ ‫ِ ِ‬
‫أصابع َيدَ ْيه‪ُ ،‬مشيرا َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالهيبة والجالل‪،‬‬ ‫مستورا‬ ‫بكحل العناية الربانية كامل الجمال‬
‫ً‬
‫ولما خرج من بطن أمه البهية سجد لمواله على األرض‪ ،‬وأومأ‬
‫(((‬
‫علو قدره‪.‬‬
‫بطرفه الى السماء ويف ذلك الرفع إشارة الى ِّ‬

‫عمه أبي لهب‪ ،‬وكانت قد‬


‫وأول من أرضعته ثويبة موالة ّ‬
‫عمه بميالده‪ ،‬فاعتقها عند ذلك‪ ،‬ولهذا لما رآه بعض‬
‫بشرت ّ‬
‫أهله‪ ،‬بعد ما مات ورآه يف شر حالة‪ ،‬فقال له‪ « :‬ما لقيت؟ فقال‪:‬‬
‫خيرا غير أين سقيت يف هذه بعتاقتي ثويبة »(((‪.‬‬
‫لم ألق بعدكم ً‬

‫النبي ‪ ‬من‬ ‫فلما كانت موالته قد سقت ِّ‬


‫لبنها عاد نفع ذلك علي عمه أبي لهب‪ ،‬فسقي بسبب ذلك مع أنه‬
‫الذي أنزل ﷲ يف ذمه سورة يف القران تامة‪ ،‬وقد ذكر السهيلي وغيره‬
‫أنه قال ألخيه العباس يف هذا المنام‪ :‬وإنه ليخفف عني يف مثل يوم‬
‫االثنين قالوا‪ :‬وذلك أهنا لما بشرته بمولده ‪، ‬‬

‫((( الروض األنف ‪.95/2‬‬

‫((( المواهب اللدنية ‪.338/2‬‬

‫{و ُأ َّم َها ُت ُك ُم اللَّتِي َأ ْر َض ْعنَ ُك ْم}‬


‫اب َ‬
‫((( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ‪َ :‬ب ُ‬
‫[النساء‪/9/7 ،]23 :‬ح‪،5101‬‬

‫‪44‬‬
‫(((‬
‫أعتقها عند ذلك‪ ،‬فهو يخفف عنه مثل تلك الساعة ‪.‬‬

‫كافرا جا َء ذ ُّم ُه‬


‫ً‬ ‫إذا َ‬
‫كان هذا‬
‫ح ِ‬
‫يم ُم َخ َّلدا‬ ‫بتبت يدَ اه يف الج ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬

‫دائما‬ ‫ِ‬
‫االثنين ً‬ ‫أتى أنَّه يف يو ِم‬
‫ٍ‬
‫للسرور بأحمدا‬ ‫ُي َخ َّف ُ‬
‫ف عن ُه‬

‫مر ِه‬ ‫ِ‬


‫بالعبدالذيطول ُع ِ‬ ‫فماالظ ُن‬
‫(((‬
‫وحدا‬
‫ومات ُم ِّ‬
‫َ‬ ‫مسرورا‬
‫ً‬ ‫بأحمدَ‬

‫وقيل‪ :‬ختنه جده عبد المطلب يوم سابع ميالده وصنع‬


‫وليمة وسماه محمدً ا فسئل عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬رجوت أن ُيحمد‬

‫((( «ذكر مولد رسول اهلل ورضاعه وأخالقه وأسمائه وصفته صلى اهلل عليه‬
‫وسلم» لشيخ اإلسالم اإلمام المفسر عماد الدين بن كثير الدمشقي تحقيق‬
‫محمد سيد أحمد األزهري صفحة ‪ 32-31‬طبع (وقف العالمة المقرئ عبد‬
‫الغفار شحاته) الطبعة األولى ‪1440‬هـ‪ ،‬والسيرة الحلبية= إنسان العيون يف سيرة‬
‫األمين المأمون‪ ،‬علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،124/1 ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪1427 ،‬هـ‪.‬‬

‫((( كتاب المورد الصادي يف مولد الهادي لإلمام الحافظ الناقد شمس الدين‬
‫محمد بن أبي بكر الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي تحقيق محمد سيد أحمد‬
‫األزهري صفحة ‪ 76‬طبع (وقف العالمة المقرئ عبد الغفار شحاته) الطبعة‬
‫األولى ‪1440‬هـ‬

‫‪45‬‬
‫يف السموات واالرض وقد حقق اهلل رجاءه وما رام‪.‬‬
‫(((‬

‫أمورا غريبة‬
‫ً‬ ‫وظهرت ليلة مولده ‪‬‬
‫ً‬
‫وإجالل لجنابه وإكرا ًما له أي إكرام‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫تعظيما لقدومه‬
‫ً‬ ‫عجيبة‬

‫ * َّ‬
‫أن السماء تزينت وحفظت من‬
‫اسرتاق السمع‪.‬‬
‫ * انصدع ايوان كسرى وسقطت‬
‫شرفاته المبنية وخمدت النيران التي كانت‬
‫تعبدها الفرس‪ ،‬وكانت لم تخمد ألف عام‪.‬‬
‫ * وغاضت بحيرة ساوة وفاض ماء‬
‫وادي سماوة‪.‬‬
‫ *وكان مولده ‪‬‬
‫بمكان يعرف بسوق الليل وعند مسقط رأسه‬
‫تنفح إلى اآلن رائحة عنربية‪ ،‬فيا سعادة من‬
‫حياه بالتقبيل وعظم‪.‬‬

‫قال ابن عباس‪ :‬فكان من دالالت حمل النبي‬


‫‪ ‬أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬حمل برسول اهلل ‪ ‬ورب الكعبة‪،‬‬

‫((( الروض األنف‪.150/2 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫وهو أمان الدنيا وسراج أهلها‪ ،‬ولم يبق كاهنة من قريش وال قبيلة‬
‫من قبائل العرب إال حجبت عن صاحبتها‪ ،‬وانتزع علم الكهنة‪،‬‬
‫ولم يكن سرير ملك من ملوك الدنيا إال أصبح منكوسا‪ ،‬والملك‬
‫مخرسا ال ينطق يومه ذلك‪ ،‬ومرت وحوش المشرق إلى وحوش‬
‫المغرب بالبشارات‪ ,،‬وكذلك البحار يبشر بعضهم بعضا به يف كل‬
‫شهر من شهوره نداء يف األرض ونداء يف السماء‪ :‬أن أبشروا؛ فقد‬
‫(((‬
‫آن ألبي القاسم أن يخرج إلى األرض ميمونا مباركا‪.‬‬

‫المقرئ المحدِّ ث شيخ اإلسالم ومدار‬


‫ُ‬ ‫يقول اإلما ُم‬
‫الجزري‪ « :‬وكان مو ُلده الشريف‬
‫ِّ‬ ‫مس اب ُن‬
‫الش ُ‬‫أسانيد القرآن َّ‬
‫متواتر‬
‫ٌ‬ ‫معروف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مكان‬ ‫ِ‬
‫بالشعب‪ ،‬وهو‬ ‫‪ ‬وسلم‬
‫أهل م َّك َة َّ‬
‫كل عام يوم المولد ويحتفلون‬ ‫عند أهل م َّكة‪ ،‬يخرج إليه ُ‬
‫أعظم من احتفالهم بيوم العيد‪ ،‬وذلك إلى يومنا هذا‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫بذلك‬
‫َّكت به عام حجتي سنة اثنتين وتسعين وسبعمئة‪،‬‬
‫زرته وترب ُ‬
‫رت زيارته يف مجاوريت سنة‬ ‫كر ُ‬
‫ثم َّ‬
‫عظيما‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ورأيت من بركته‬
‫ثالث وعشرين وثمانمائة‪ ،‬وكان قد هتدَّ م فرممته‪ ،‬و ُقرئ علي‬
‫كتابي‪ :‬التعريف بالمولد الشريف وسمعه خلق ال يحصون‪،‬‬
‫(((‬
‫وكان يوما مشهو ًدا‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو نعيم يف الدالئل ح‪.610 :‬‬

‫الشريف» تأليف اإلما ُم المقرئُ المحدِّ ث شيخ‬ ‫ِ‬


‫بالمولد َّ‬ ‫ف ال َّت ْعريف‬
‫((( «ع َْر ُ‬

‫‪47‬‬
‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‬

‫***‬

‫الوصف الرشيف‬

‫بعضا من سيرة هذا السيد الشريف وما ورد‬


‫وبعد أن ذكرنا ً‬
‫بعضا‬
‫يف مولده من مظاهر التشريف‪ ،‬تحركت األشواق لسماع ً‬
‫من أوصاف من كان ال ُي ُ‬
‫فارق مجلسه إال عن ذواق‪ ،‬وقبل سرد‬
‫ما تيسر من شمائل هذه الدرة اليتيمة ينبغي أن نشير إلى أمرين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬أن الكلمات والعبارات‪-‬وإن دقت‪ -‬تعجز عن‬


‫وصف هذه الكماالت‪ ،‬كما عجز الواصفون وأرباب الفراسة‬
‫عن إدراك حقيقة هذه الذات‪.‬‬

‫الجزري تحقيق مكتب إحياء الرتاث‬


‫ِّ‬ ‫مس اب ُن‬ ‫اإلسالم ومدار أسانيد القرآن َّ‬
‫الش ُ‬
‫اإلسالمي بمشيخة األزهر الشريف صفحة ‪ 56‬طبعة ‪1441‬هـ‬

‫‪48‬‬
‫ُ‬
‫أحاول وص َف ُه‬ ‫فيـا عجبـًا مني‬
‫والص ُحف‬ ‫فنيت ِ‬
‫القراطيس ُّ‬
‫ُ‬ ‫فيه‬ ‫وقدْ ْ‬

‫وثانيهما‪َّ :‬‬
‫أن اهلل سبحانه وتعالى خلقه على الكمال‪ ،‬فكانت‬
‫طينته الشريفة التي خلق منها على الكمال ممزوجة بالجمال مع‬
‫الجالل‪ ،‬فصورته الشريفة ‪ ‬على الكمال يف‬
‫كل أحواله ويف كل أطواره‪ ،‬فكان على الكمال يف عالم الذر ويف‬
‫بطن أمه الشريفة و يف حال صباه ويف شبابه‪ ،‬وحين نزول الوحي‬
‫عليه إلى انتقاله إلى جوار مواله‪ ،‬فكان ينتقل من كمال إلى كمال‬
‫ومازال يتدرج يف مراقي الكماالت اإللهية‪.‬‬

‫وصور ُته‬
‫َ‬ ‫تم معنا ُه‬
‫فهو الذي َّ‬
‫ِ‬
‫النسم‬ ‫بارئ‬
‫ُ‬ ‫ثم اصطفا ُه حبي ًبا‬
‫ِ‬
‫محاسنه‬ ‫ٍ‬
‫شريك يف‬ ‫منــــز ٌه عن‬
‫ِ‬
‫سم‬ ‫الح ْس ِن فيه ُ‬
‫غير ُمن َق ِ‬ ‫فجوهر ُ‬
‫ُ‬

‫فهو ‪ ‬أكمل الناس َخلقًا ُ‬


‫وخلقًا‪،‬‬
‫مناقبه ال تحصى ويقصر عن استيفائها يد االستقصاء‪ ،‬وصفه‬
‫الواصفوان ممن سعد بصحبته أنه ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫صاحب الوجه المليح والقد الرجيح وجهه أزهر ‪ ...‬أسر‬
‫القلوب بطلعته البهية‪ ،‬يتألأل وجهه الشريف تألأل القمر يف‬
‫هيئته البدرية‪ ،‬والحاجب أقمر ‪ ...‬هامت بحبه النفوس العلية‪،‬‬
‫كؤوسا‬
‫ً‬ ‫والطرف أحور ‪ ...‬سقى بنظرته من أحبه من محبته‬
‫هنية‪ ،‬واسع العينين أكحلهما يري هبما ما ال يرى سواه من قوته‬
‫البصرية‪ ،‬ويرى مِ ْن َخلفه كما يرى مِن َأمامه رؤية واضحة جلية‪،‬‬
‫واسع الفم مفلج األسنان إذا تكلم بدت أسنانه كالدر منظومة‬
‫لؤلؤية‪ ،‬أهدب األشفار واسع الجبين سهل الخدين ُيرى يف أنفه‬
‫عظيم الرأس‬
‫ُ‬ ‫اح ِديدَ اب‪ ،‬حسن العرنين أقناه ُّ‬
‫كث اللحية‪،‬‬ ‫بعض ْ‬
‫شعره الى الشحمة األذن َّية‪ ،‬مربوع القامة أبيض اللون ُمشر ًبا‬
‫بحمرة‪ ,‬بعيد ما بين المنكبين‪ ،‬بين كتفيه خاتم النبوة‪ ،‬ضخم‬
‫الكراديس‪ ،‬ال يماثله أحدً ا يف البشرية‪ ،‬سبط الكفين‪ ،‬وإذا صافح‬
‫بيده الشريفة أحدً ا يجد المصافح من أثر يده الشريفة سائر اليوم‬
‫قاسما‬
‫ً‬ ‫رائحة مسكية‪ ،‬ويف يده مفاتيح خزائن األرض وجعله اهلل‬
‫لكل عطية‪ ،‬قليل لحم العقب‪ ،‬ويتكفأ يف مشيته‪ ،‬كأنما ينحط من‬
‫صبب ال يدركه من ماشاه من مشيته الجدية‪ ،‬وعرقه كاللؤلؤ‬
‫ب بعرقه الشريف‬
‫المنضود‪ ،‬وعرفه أطيب من المسك ُيط َّي ُ‬
‫الطيب فيصير له رائحة زكية‪ ،‬يقول ناعته لم َأر قبله وال بعده مثله‬
‫يقاربه يف األوصاف والمزية‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وكان ‪ ‬شديد الحياء والتواضع‪،‬‬
‫يخصف نعله ويرقع ثوبه‪ ،‬ويحلب شاته‪ ،‬ويسير يف خدمة أهله‬
‫ويحب المساكين‪ ،‬ويجلس إليهم ويعود مرضاهم‪ ،‬ويشيع‬
‫فقيرا‪ ،‬ويقبل المعذرة‪ ،‬وال يقابل أحدً ا بما‬
‫جنائزهم وال يحقر ً‬
‫يكره‪ ،‬ويمشي مع األرملة والخدم والعبيد‪ ،‬وإذا غضب يغضب‬
‫هلل تعالى ال لنفسه‪ ،‬ويرضى لما يرضى به مواله‪ ،‬ومع شريف‬
‫مقامه كان يعصب على بطنه الحجر من الجوع‪ ،‬وتنام عينه وال‬
‫ينام قلبه الشريف ويبيت وقد أطعمه اهلل وسقاه‪ ،‬وكان صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يقل اللغو ويبدأ من لقيه بالسالم‪ ،‬ويتألف أهل‬
‫الشرف ويكرم أهل الفضل ويمزح وال يقول إال ح ًقا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فضيلة‬ ‫فسبحان من أعطاه كل‬
‫متطو َل‬
‫َّ‬ ‫وأثنى علي أخالقه‬

‫عيب ُي ِشيـنُه‬
‫ٍ‬ ‫ونزهه عن ِّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ومفعل‬ ‫ً‬
‫قول‬ ‫ِ‬
‫بعصمته إ َّياه‬
‫الكتاب بِـع ِ‬
‫مره‬ ‫ِ ُ‬ ‫وأقسم يف ِ‬
‫آي‬ ‫َ‬
‫بجال‬ ‫ِ‬
‫وخاط َب ُه عندَ النداء ُم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بمستغرب على من أدبه ربه فأحسن تأديبه فلم‬ ‫وليس ذلك‬
‫يكن ذلك باكتساب وإنما هبة ربانية‪ ،‬أرسله اهلل رحمة للعالمين‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫وجعله شفيع المذنبين‪ ،‬وختم به النبيين‪ ،‬حوضه ال يظمأ من‬
‫شرب من مائه‪ ،‬األنبياء والصالحون يوم القيامة تحت لوائه‪،‬‬
‫معجزاته تبلغ األلف وتزيد‪ ،‬وخصائص نبوته باقية ال تبيد‪ ،‬فلو‬
‫كان البحر مدادا‪ ،‬والسبع من االرض والسموات صفحات‪،‬‬
‫والبالغة والفصاحة حاضرة بما لها من أحسن الكلمات ووأجز‬
‫الجمل وأبلغ العبارات؛ لعجزت البالغة وفني المداد واكتملت‬
‫الصفحات ولم ِ‬
‫تف بذكر ما أعطاه له مواله من الكماالت‪،‬‬
‫يحسن به‬
‫ويحسن يف الختم بما ُ‬
‫ُ‬ ‫ف ُيكتفى مما ذكر دون االكتفاء‪،‬‬
‫االبتداء فنقول ‪:‬‬

‫***‬

‫عطر اللهم مجالسنا بالصالة على خير البرية واغفر لنا ما قد‬
‫كان و ما يكون بجاهه‪.‬‬

‫صل وس ِّلم على سيدنا ُم َّ‬


‫حمد النُّور الذاتي والسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫الساري يف سائر األسماء والصفات وعلى آله‪.‬‬

‫***‬

‫‪52‬‬
‫الدعاء‬

‫اللهم يا باسط اليدين بالعطية لك الحمد ولك الشكر‬


‫ولك الثناء الجميل‪ ،‬اللهم صل على نبيك ومصطفاك وحبيبك‬
‫ومجتباك‪ ،‬نسألك اللهم بشرف الذات المحمدية أن تجعلنا من‬
‫أكرب الصديقين‪ ..‬وأن تعاملنا معاملة المحبوبين‪ ..‬وارزقنا اللهم‬
‫إنابة الصادقين ويقين المتوكلين‪ ..‬وقنا شر الفتن ونجنا من كل‬
‫علما ناف ًعا ورز ًقا واس ًعا وقل ًبا خاش ًعا‬
‫المحن‪ ..‬اللهم نسألك ً‬
‫صالحا‪ ..‬اللهم امأل قلوبنا بمحبتك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعمل‬ ‫ونور ساط ًعا‪..‬‬
‫ً‬
‫ونورنا بأنوار معرفتك‪ ..‬وأغرقنا يف بحار وحدتك‪ ..‬و ُم َّن علينا‬
‫بمشاهدتك‪ ..‬وأدم علينا مشاهدتك ومعيتك‪ ..‬اللهم زدنا معرفة‬
‫بسيدنا محمد ‪ ‬وزدنا قر ًبا من سيدنا محمد‬
‫واجعل عليه تجمعنا‪ ..‬وارزقنا رؤيته وعطف قلبه الشريف‬
‫علينا‪ ..‬ومن علينا بزيارته هذا العام‪ ..‬وكل عام‪ ..‬وحل بيننا‬
‫وبين ما يحول يبننا وبينك وبيننا وبينه ‪..‬‬
‫واسقنا من يديه شربة ماء من حوضه‪ ..‬وشفعه فينا عند فصل‬
‫القضاء‪ ..‬وحرم أجسادنا على النار‪ ..‬واجعلنا معه يف مستقر‬
‫الجنان من غير سابقة عتاب وال عذاب وأخرجنا من دائرة‬
‫سخطك إلى دائرة رضاك ‪..‬واغفر لنا جملة واحدة‪ ..‬اللهم اغفر‬
‫عما تعلم إنك أنت األعز األكرم‪ ..‬اللهم اغفر‬
‫وارحم وتجاوز َّ‬

‫‪53‬‬
‫لي ولوالدي ولمشايخنا وكل من له حق علينا‪ ..‬ونسألك اللهم‬
‫أن تجازي عنا سيدنا محمد ‪ ‬خير ما جازيت‬
‫ً‬
‫ورسول عن دعوته‪ ..‬اللهم إنك تعلم أنه ال سبب‬ ‫نب ًيا عن أمته‬
‫لنا فنتعلق به وال ركن لنا نفزع إليه فليس لنا إال بابك األعظم‬
‫ورسولك األكرم‪ ..‬فاللهم إنا نتوجه إليك بنبيك سيدنا محمد‬
‫نبي الرحمة‪ ..‬يا سيدنا محمد‪ ..‬إنا توجهنا بك إلى ربنا‪ ..‬يا سيدنا‬
‫محمد إنا توسلنا بك إلي ربنا‪ ..‬يا سيدنا محمد إنا تشفعنا بك إلى‬
‫ربنا فتقضى لنا حوائجنا أجمعين آمين آمين آمين‪.‬‬

‫***‬

‫ٍ‬
‫صالة على أسعد مخلوقاتك سيدنا‬ ‫اللهم ِّ‬
‫صل أفضل‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد معلوماتك ومِداد كلماتك‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫ذكره الغافلون‪.‬‬ ‫ك َّلما َذك ََر َك َّ‬
‫الذاكرون و َغ َف َل عن‬

‫عما يصفون وسالم على المرسلين‬


‫سبحان ربك رب العزة َّ‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫***‬

‫‪54‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬استهالل ‪5 ......................................‬‬

‫‪ -‬حقيقة ‪12 ........................................‬‬

‫‪ -‬ظهور الحقيقة ‪16 ................................‬‬

‫‪ -‬األصل الشريف الطاهر ‪18 .......................‬‬

‫‪ -‬النسب الشريف ‪22 ...............................‬‬

‫‪ -‬ريان النور ‪25 .....................................‬‬

‫‪ -‬األبوان الكريمان ‪26 ..............................‬‬


‫‪ -‬الحمل األطهر وأمارات وبشارات ‪33 .............‬‬

‫‪ -‬المولد الشريف ‪37 ................................‬‬

‫‪ -‬ولد الهدى فالكائنات ضياء ‪40 ....................‬‬

‫‪ -‬محل القيام ‪41 ....................................‬‬

‫‪ -‬الوصف الشريف ‪48 ..............................‬‬

‫‪ -‬الدعاء ‪53 .........................................‬‬

You might also like