Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫م‪26/04/2017‬‬ ‫باب انيانغ‬ ‫األمن االجتماعي‪ ..

‬مسؤولية الجميع‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫األمن االجتماعي‪ ...‬مسؤولية الجميع‬


‫عد نعمة األمن من النعم العظيمة التي يمنحها هللا ‪ ‬العباد؛ ألن األمن مطلب ضروري للوجود‬ ‫ُت ّ‬
‫وأمر أساس ي الستمرار الحياة اإلنسانية‪ ،‬فبانعدام األمن ينعدم رخاء العيش ويسود الفساد في األرض‪،‬‬
‫ويفقد اإلنسان الحياة املثمرة والسعيدة‪.‬‬
‫ولذلك ملا أسكن سيدنا إبراهيم ‪ ‬أهله بذلك الوادي كان من أول دعائه لربه لهم ما قصه هللا‬
‫علينا في قوله ‪ ‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆﭼ فدعا أن يكون هذا الوادي بلدا آمنا‪ ،‬ثم ملا صار الوادي بلدا عاد وطلب من هللا ثانية أن يجعله‬
‫آمنا فقال‪ :‬ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭼ‬
‫وهذا مما يؤكد أهمية األمن وضرورة استتبابه في الحياة البشرية‪ ،‬وإال ملا حرص سيدنا إبراهيم ‪‬‬
‫على تكرار سؤاله وتأكيد طلبه من هللا ‪ ‬أن يحقق األمن لهذا البلد‪.‬‬
‫ً ً‬
‫عالوة على ذلك فإن اإلسالم أولى اهتماما بالغا لألمن بأنواعه املختلفة –وخاصة األمن االجتماعي‪،-‬‬
‫حيث ّنوه به في تشريعاته وحث عليه وعمل على توفيره بطرق عديدة وأساليب متنوعة تجعل كل فرد‬
‫ّ‬
‫يحس في قرارة نفسه أنه املسئول املباشر عن أمن املجتمع وسالمته واستقراره‪.‬‬
‫واألمن االجتماعي من الدعائم األساسية لتحقيق الغاية التي من أجلها خلق هللا اإلنسان‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬
‫ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭼ فاآلية تشير إلى‬
‫أنه ال يمكن تحقيق العبادة على وجهها األكمل إال باألمن واالستقرار‪.‬‬
‫واليوم نرى أن جميع الدول تهدف إلى تحقيق مزيد من مظاهر األمن في بيئاتها االجتماعية‪ ،‬وفي‬
‫عالقات الناس بعضهم ببعض‪ ،‬تفاديا ملا يطرأ على املجتمعات من مفاجآت تخل بأمنها واستقرارها‪،‬‬
‫وتؤثر في حاضرها ومستقبلها‪ ،‬وذلك ألنها تدرك أن األمن هو الركيزة األساسية لبناء املجتمعات‬
‫الحديثة‪ ،‬والعامل الرئيس ي في حماية منجزاتها والسبيل إلى ر ّقيها وتقدمها؛ ألنه يوفر البيئة اآلمنة للعمل‬
‫ً‬
‫والبناء‪ ،‬ويبعث الطمأنينة في النفوس ويشكل حافزا لإلبداع واالنطالق إلى آفاق املستقبل‪.‬‬
‫ومن هنا نسلط الضوء على مسألة األمن االجتماعي في مجتمعنا السنغالي‪ ،‬حيث رصدت وسائل‬
‫ً‬
‫اإلعالم املحلية في اآلونة األخيرة أحداثا مشينة‪ ،‬وظواهر فظيعة‪ ،‬باتت تدق ناقوس الخطر في ربوع‬

‫‪1‬‬
‫م‪26/04/2017‬‬ ‫باب انيانغ‬ ‫األمن االجتماعي‪ ..‬مسؤولية الجميع‬

‫البالد‪ ،‬وتكشف عن وجود اضطراب اجتماعي خطير قد يقود السفينة إلى الهالك‪.‬‬
‫فقد تعددت حاالت القتل املتعمد‪ ،‬واالعتداء على املمتلكات‪ ،‬وحاالت التخريب والسرقة‪ ،‬وغيرها من‬
‫الجرائم واالنحرافات البشعة‪ ،‬التي تزعزع أمن املجتمع‪ ،‬وتثير القلق واالضطراب في األفراد والجماعات‪.‬‬
‫عل األسباب املؤدية لهذه الزعزعة تتجلى في ضعف الوازع الخلقي لدى كثير من أفراد املجتمع‪،‬‬ ‫ول ّ‬
‫وذلك نتيجة غياب التربية القرآنية الصحيحة التي تصلح الفرد وتغرس فيه املبادئ اإلسالمية األساسية‬
‫التي تصرفه عن االنحرافات الخلقية‪ .‬كما أن تدني مستوى الوعي والفكر السليم عند بعض أفراد‬
‫ً‬
‫الشعب‪-‬وخصوصا الشباب‪-‬له أثر كبير في تدهور األمن االجتماعي في وطننا الحبيب‪.‬‬
‫ولكن السؤال املطروح في هذا الصدد هو من املسؤول عن حفظ األمن في البالد؟‬
‫‪ o‬هل املسؤول هو السلطات العليا بالبالد؟‬
‫‪ o‬هل املواطنون هم املسؤولون بأنفسهم؟‬
‫‪ o‬أم أن املسؤولية تقع على كال الطرفين؟‬
‫لتدرك اإلجابة الصحيحة من هذه األسئلة تصور معي هذه القصة الخيالية‪..‬‬
‫هب أنك مسافر عبر البحر وفي رفقتك أناس آخرون‪ ،‬وبينما أنتم في السفينة وهي تجري بكم وسط‬
‫أمواج متالطمة‪ ،‬وتشق عباب املاء شقا‪ ،‬إذا ببصرك يقع على أحد الركاب وهو يحاول اختراق السفينة‬
‫من أسفلها‪ ،‬ولم يره أحد من الركاب غيرك‪ ،‬فماذا ستكون ردة فعلك في هذه الحالة؟ هل ستتركه يواصل‬
‫في محاوالته؟ أم أنك ستخبر قائد السفينة الذي هو املسؤول األول ألمنها؟‬
‫فال مراء أنك ستخبر القائد‪ ،‬بل ستصرخ بأعلى صوتك محتجا على ما يرتكبه ذلك السفيه‪.‬‬
‫ً‬
‫طيب‪ ..‬ملاذا لم تسكت وتحتج بأنك لست مسؤوال عن السفينة بل القائد هو املسؤول؟ ببساطة ألنك‬
‫تريد حماية نفسك من الهالك ومواصلة سفرك إلى بر األمان‪ ،‬فلو كتمت عنه وقام باختراق السفينة‬
‫ً‬
‫ربما لهلكتم جميعا‪ ،‬وتكون أنت سببا في هالك نفسك‪ ،‬وفي هالك اآلخرين؛ ألنك ساعدت املجرم على‬
‫تنفيذ جريمته بالسكوت عنه‪.‬‬
‫إذن فالقائد هو املسؤول األساس ي لحفظ أمن السفينة وإيصالها إلى بر األمان‪ ،‬لكن جميع الركاب‬
‫ً‬
‫أيضا تقع عليهم مسؤولية جزئية لدعم القائد على إتمام مهمته‪ ،‬وذلك بمنع أي تصرف يخل أمن‬
‫السفينة وسالمة ركابها‪ .‬فاملسؤولية إذن مشتركة بين الطرفين وليست منحصرة على واحد دون اآلخر‪.‬‬
‫وعلى هذا فقس مسألة األمن االجتماعي في البالد‪ ،‬فكما أنها مسؤولية الحكومة واألجهزة األمنية فهي‬
‫كذلك مسؤولية املواطنين؛ ألنها ليست وصفة أو مجموعة من اإلجراءات‪ ،‬وإنما هي عملية مجتمعية‬
‫متكاملة تقتض ي إنجازها تضافر الجهود من جميع شرائح املجتمع بدءا من األسرة التي هي اللبنة األولى‬
‫‪2‬‬
‫م‪26/04/2017‬‬ ‫باب انيانغ‬ ‫األمن االجتماعي‪ ..‬مسؤولية الجميع‬

‫لإلصالح‪ ،‬وذلك بتحمل مسؤوليتها العظيمة املتمثلة في العناية بأبنائها‪ ،‬واالهتمام بالبعد التربوي‬
‫واألخالقي‪ ،‬ومراقبة سلوكهم وتصرفاتهم‪ ،‬ثم تأتي املدرسة واملؤسسات التعليمية والتربوية بدورها لتقوية‬
‫وتطوير هذا املشروع الذي بدأته األسرة‪ ،‬وذلك في مناهجها وأساتذتها واهتمامها برفع مستوى الوعي‪،‬‬
‫وغرس روح الوطنية لدى األفراد‪ ،‬ويأتي كذلك دور العلماء والشيوخ واملربين املتمثل في الوعظ واإلرشاد‬
‫ً‬
‫إلى ما فيه الخير للعباد والبالد‪ ،‬وبعد ذلك كله تأتي األجهزة األمنية تبعا لهذه الشرائح وتقوم بوظائف‬
‫أساسية ملنع الجريمة والحفاظ على األمن‪ ،‬ومالحقة املجرمين‪ ،‬والقبض عليهم لتطهير املجتمع منهم‪.‬‬
‫ومن هنا يأتي دورك املهم أنت‪-‬أيها املواطن الكريم‪-‬وهو دعم األجهزة األمنية وإعانتها في حفظ األمن‬
‫ً‬
‫والسالم‪ ،‬وذلك بتجنب كل تصرف يخل باألمن أوال‪ ،‬وعدم التردد في إبالغ أي مظهر يهدف إلى زعزعة‬
‫األمن واالستقرار للجهات األمنية؛ ألنك من ركاب السفينة‪ ،‬وإذا تركتها تغرق بأيدي املجرمين والسفهاء‪،‬‬
‫فستكون من املغرقين معها‪ ،‬فحافظ إذن على سالمتك وسالمة اآلخرين‪ ،‬وخذ بأيدي املجرمين وال تدعهم‬
‫يقومون بكل ما سولت لهم أنفسهم من املعاص ي واملخالفات التي قد تخل أمن البالد واملجتمع‪ ،‬وبهذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الواقع ف َيها‪َ ،‬ك َم َثل َق ْوم ْ‬ ‫القائم َع َلى ُح ُدود ه‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫اس َت َه ُموا َعلى َس ِفين ٍة‪،‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اَّلل َو َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تمثل قول الرسول ‪( ‬مث ُل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ ََ ََ ْ ُ ُ ْ َ ْ َََ َ َ َ ه َ َ ْ َ َ َ ْ ََ‬
‫استق ْوا ِم َن امل ِاء َم ُّروا َعلى َم ْن‬ ‫فأصاب بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها‪ ،‬فكان ال ِذين ِفي أسف ِلها ِإذا‬
‫َ‬
‫َ َ ْ ً ََ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َُُْ ُ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َه َ َ ْ َ َ‬
‫فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا ِفي ن ِص ِيبنا خرقا ولم نؤ ِذ من فوقنا‪ ،‬ف ِإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا‬
‫َ َ ََ َ َ ً‬ ‫َ ً َ ْ َ َ ُ ََ َ‬
‫ج ِميعا‪ ،‬و ِإن أخذوا على أ ْي ِد ِيه ْم نج ْوا‪ ،‬ونج ْوا ج ِميعا)‪ .‬رواه البخاري‬
‫فاعتبر نفسك من الفريق الذي أصاب أعلى السفينة‪ ،‬وال تسمح باختراقها من األسفل حتى ال تغرق‬
‫فتغرق معها وكل من فيها‪.‬‬
‫وقبل ذلك كله تذكر قول املولى ‪ ‬ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ‪،‬‬
‫واعلم بأن ذلك من باب التعاون على البر‪.‬‬
‫إذن فليكن شعارنا "األمن االجتماعي‪ ..‬مسؤولية الجميع" ولنمض جميعا نحو تحقيق األمن‬
‫الشامل في البالد بالتعاون والتآزر وتضافر الجهود‪ ،‬لبناء مجتمع يسوده السالم واالستقرار‪ ،‬وتطمئن‬
‫فيه النفوس لتنصرف إلى العمل املثمر واإلنتاج املزدهر‪.‬‬
‫بقلم‪ /‬باب انيانغ‬
‫جامعة إفريقيا العاملية‬
‫كلية الدراسات اإلسالمية‬

‫‪3‬‬

You might also like