Professional Documents
Culture Documents
1 SP
1 SP
2, décembre 2019
ة من8ل بجمل8بح يحف8 حيث أص،ون8عر الملح8بها الش8تي اكتس8ة ال8ة النوعي8د على القيم8 تهدف هذه الدراسة إلى التأكي:ملخص
ئلة88رح بعض األس8تدعى ط88ذي اس88ر ال88 األم. أهمها ظاهرة التصوف،القضايا والمضامين األكثر تأثيرا في الوجدان المغربي
ل88ّات المتخي8ا هي تجلي8يح؟ م8امي والفص8ون بين الع8عراء الملح88ة ش8ركت مخيّل8ف تح88 كي:والقضايا للتأمل والدرس من قبيل
الجمعي المغربي في مجال التصوف من خالل الشعر الملحون؟ كيف تتجلى خصوصيات أدب العا ّمة الذي ينتمي إلى الثقافة
.الشفهية؟ هذه األسئلة تغري بالبحث في لغة الملحون التي تفصح عن الوجدان الجمعي للمغاربة
أولياء التصوف في الشعر الملحون من خالل الدواوين الشعرية الصادرة عن/تسعى الدراسة إلى رصد تجليات مدح أقطاب
د88يخ عب88 الش:ال8 أمث8،يزين8عراء متم88د ش8ا عن88 بعدما تأ ّكدنا أن تجربة اإلبداع الصوفي بلغت ذروته،أكاديمية المملكة المغربية
.القادر العلمي والشيخ أحمد الگندوز والشيخ التهامي المدغري والشيخ ادريس السنّاني والسلطان موالي عبد الحفيظ
Résumé : Cette étude a pour but d’insister sur la valeur spécifique de la poésie de
Almalhoun. Cette poésie regorge de sujets et contenus qui ont influencé l’existentiel
marocain, en particulier le phénomène du soufisme. Ce qui suggère certaines questions telles
que : Comment L’imagination des poètes a basculé du familier au classique ? Quelles sont les
manifestations de l’existentiel collectif des Marocains dans le soufisme par la poésie de
Almalhoun ? Comment se manifestent les particularités socioculturelles de la culture orale ?
Ces questions suscitent la recherche dans le langage de Almalhoun qui révèle l’existentiel
communautaire des Marocains.
Cette étude tend à déceler les manifestations de l’éloge des pôles soufis de la poésie de
Almalhoun à travers les œuvres poétiques publiées par l’Académie du Royaume du Maroc
après avoir confirmé que l’expérience de la créativité poétique soufis avait atteint son apogée
parmi les poètes les plus distingués comme : Cheikh Abdel Kader El Alami, Cheikh Ahmed
El Kandouz, Cheikh Touhami Lamdaghri, Cheikh Driss Snnani et le sultan Moulay Abdel
Hafid.
Abstract: The objective of this study is to highlight the typical value which Al-malhoun
poetry has obtained, as it addresses the cases and the contents that touch the Moroccans’ soul,
one of these topics is the mystical phenomenon. As a result, the following questions have
been asked: How Al-malhoun poets’ imaginations have switched from the vernacular
language to the eloquent one? What are the manifestations of the Moroccan collective
imaginary in the field of Almalhoun poetry? How do the socio-cultural specificities related to
oral culture manifest? These questions tempt us to search more in Al-malhoun language
which mirrors the collective soul of Moroccans.
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
This study tends to detect the manifestations of the eulogy of the Sufi poles of the Almalhoun
poetry through the poetic works that are published by the Moroccan Kingdom Academy after
having confirmed that the experience of the Sufi had reached its apex among the most
distinguished poets as: Sheikh Abdel Kader El Alami, Sheikh Ahmed El Kandouz, Sheikh
touhami Lamdaghri, Sheikh Driss Snnani and the Soult Moulay Abdel Hafid.
توطـــئــــة
يزخر الشعر الملحون بجملة من القضايا والمضامين األكثر تأثيرا في الوجدان المغربي ،أهمها ظ8اهرة التص8وف ،إذ تفاع8ل
شاعر الملحون في المجتمع المغربي مع أغراض شعرية شتى ،وتجاوب معها وهالته عظمتها ،فانساب مع جماليتها وس88بر
أغوارها ،ليصل إلى ما تحمله من جمال وجالل وتفرد .أسعفته في بلوغ هذا المرام العسير ق8درات إبداعي8ة متم88يزة و َملَ َك88ات
فنية هائلة ،زيادة على رقة العاطفة وصفاء المشاعر والروح.
ومن هذا المنطلق تهدف هذه الدراسة إلى التأكيد على القيمة النوعية التي اكتسبها الشعر الملح88ون المغ88ربي من خالل رص88د
تجليات مدح أقطاب التصوف وفحص آليات الخطاب الصوفي ،ال من منطلق التجاوز والتخطي ،وإنما من مبدأ االمتص88اص
والتمثل لمفردات المتصوفة ومعجمهم الخاص ،وذلك عن طريق الدواوين الشعرية الصادرة عن أكاديمية 8المملك8ة المغربي8ة.
األمر الذي استدعى طرح بعض األسئلة والقضايا للتأمل والدرس من قبيل :كيف يشتغل االص88طالح اللغ88وي الع88امي ض88من
مناخ التجربة الصوفية عند شعراء الملح88ون وأش88ياخه؟ م88ا هي تجلي88ات المتخي88ل الجمعي المغ88ربي في مج88ال التص88وف من
خالل الشعر الملحون؟ كيف تتجلى خصوص88يات أدب العام88ة ال88ذي ينتمي إلى الثقاف88ة الش88فهية ويختل88ف عن األدب بالعربي88ة
المعيار؟ وهي أسئلة تغري بالبحث في الشعر الملحون الذي يفصح عن الوجدان الجمعي للمغاربة.
شكلت ظاهرة التصوف العمود الفقري للبنية الحضارية المغربية وجسدت إحدى مقوماتها الروحية والثقافية ،وحس88بنا أن88ه ال
تكاد تخلو فترة زمنية من تاريخ المغرب دون أن تلم8ع أس8ماء شخص8يات وأعالم في ع8الم الص8الح والوالي8ة ،ح8تى قي8ل إن
«أرض المغرب تنبث األولياء كما تنبث األرض الكأل .»1وهو أمر ال تخفى حقيقته على ك88ل من س88بر غ88ور ت88اريخ المق88دس
بالمغرب ،مما يسمح بالقول إن التصوف يعد مفتاحا ضروريا للقيام بحفري88ات في ت88راث ه88ذا البل88د بك88ل عناص88ره ومكونات88ه
المادية والمثالية وعاداته المتجذرة ،وفهم كنه آليات العقل المغربي ،واس8تيعاب ثقافت8ه ومجال8ه المع8رفي على اختالف ألوان8ه
وتشعب مناحيه.
يعد الملحون في المغرب إبداعا شعريا يعبر عن الذات والمجتمع؛ إذ يهدف إلى تفسير جوانب الحي88اة ،وله88ذا فه88و ق88ادر على
اس88تغالل اللغ88ة في وظيفتيه88ا اإلبداعي8ة 8والتفس88يرية .فاإلب88داع بش88كل ع8ام يتط88ور ت88دريجيا بفع88ل ال8وعي المع88رفي والثق8افي
المتراكم ،وبفعل الحركات اإلبداعية المتوالي88ة .وه88ذا التط88ور الخ88اص باإلب88داع عموم88ا ،ال ب88د أن يرافق88ه تط88ور في طريق88ة
التناول والدرس واالهتمام ،وتتطور وفقا لذلك ،اآلليات التي يس88تخدمها الب88احث لمقارب88ة ذل88ك التط88ور .أم88ا ش88اعر الملح88ون
الصوفي فقد تأثر بالثقافة الديني88ة وبالوس88ط الش88عبي ال88ذي يعايش88ه .وه88ذه الثقاف88ة تع88د زادا معرفي88ا متنوع88ا ،تقدم88ه "الجامع88ة
الشعبية" التي كانت ممثلة في المساجد والزواي88ا ،وفي المحاف88ل الش88عبية ال88تي ك88انت تنظم من حين آلخ88ر ،بمناس88بة المواس88م
الدينية وغيرها.
1ابراهيم القادري بوتشيش ( »،)2013ثقافة الوسطية في التصوف السني بالمغرب» ،القادري بوتشيش (تنسيق) ،التصوف
السني في تاريخ المغرب -نسق نموذجي للوسطية واالعتدال ،الرباط ،منشورات الزمن ،ص.16 .
2عبد العزيز اعمار (» 8،)2010معجم مصطلحات الملحون» ،ضمن ليلى المسعودي ،حفيظة العم8راني ،اب8راهيم الكع88اك،
توفيق هللا أفكينيش (تنسيق) ،حول القواميس ،القنيطرة ،منشورات مختبر اللغة والمجتمع ،CNRST- URAC56 ،كلية
اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن طفيل ،ص.13 .
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
اللسان الدارج المتداول ،وأن تقتبس بعض ما يجعلها تق88ترب من اللغ88ة المعي88ار ،م88ع التص88رف في الص88يغ واعتم88اد ج88وانب
بالغية ،واالرتقاء بفنية األسلوب.
وسعيا وراء توثيق بعض المظاهر الدينية 8ال88تي ال ي88زال البحث فيه88ا جاري88ا ،وال ت88زال تأخ88ذ من الدارس88ين والمهتمين جانب88ا
كبيرا من الرعاية والعناية هناك مظاهر من التصوف قد اختفت من المجتمع المغربي ،هذه المظاهر التي تغ88نى به88ا الش88يوخ
ورددها المريدون .وقد ذكر عبد الرحمان الملحوني أن أحد شيوخ التصوف قال مشيرا إلى هذه المظاهر الروحية التي كانت
موجودة باألمس القريب:
3 ي ْتبَ ْع ْ
ط ِري ْق ال َّسنِّة ،يَا بَابَا اللِّي ْبغَى ِإ ْي َغنِّي و ْي ُك ْ
ون منَّا
وإذا ارتبط الفكر المغربي بالزوايا التي لعبت دورا هاما في نشر ال8وعي ال88ديني والص8وفي ،ف8إن ذل8ك أظه8ر بجالء العقلي8ة
المغربية التي تناسب الواقع االجتماعي ،وتستجيب لمتطلباته الفكرية ،حيث عمدت الزوايا إلى تقويم نفسية الف88رد ،كم88ا لعبت
دور الوسيط بين الرعية والسلطة ،لكونها اس8تطاعت كس8ب ثق88ة الن88اس وال8دفاع عن مص8الحهم ،فض8ال عن تعمي88ق الش88عور
الديني ومحاربة التشاؤم والقلق.
وفي هذا اإلطار ،نستطيع القول إن االتجاه الصوفي ال ُّسنِّي هو الذي ميز التصوف المغ88ربي ،فك88انت الحي88اة الص8وفية مبني88ة
على نوعين من التصوف ،هما :تصوف العلماء ،ثم تصوف الزوايا أو الرباطات «ويندرج ضمن ه88ذا الن88وع الث88اني نم88وذج
آخر من العناصر الصوفية وهم المجاذيب والبهاليل ،وهؤالء يتم األخذ عنهم بحكم أن الجذب ظاهرة ال إرادية ،يفسرونه بأنه
يهبط من هللا ويستقر في قلوب هؤالء ،وهذا يعني أنهم مخصوصون بالبركة.»5
هذه صورة عن البيئة الدينية 8والعلمية التي كانت الظاهرة الصوفية أهم طابع يميزها ،تلك البيئة التي رسمت شخصية شعراء
الملحون وطبعتها بروحانيتها التي انعكست على دواوينهم الش88عرية ،وس8اهمت في تحدي88د الهوي8ة األدبي8ة للخط8اب الص88وفي
الذي يروم تمثل العناصر التي أفرزها التصوف المشرقي أو األندلسي على حد سواء.
يختلف المدح في الشعر الملحون عن االصطالح المعروف في القص88يدة العربي88ة ،ويتض88من أش88عار المواع88ظ والتص88ليات،
والذكر والحكم والوص88ايا ،والغ88زوات والمالحم ،وقص88ص األنبي88اء .وه88و من أك88ثر المج88االت إنتاج88ا وإب88داعا ل88دى ش88عراء
الملحون .امتاز بصدق العاطفة ،وفرط الوجد ،وشدة التعلق برسول هللا صلى هللا عليه وسلم وآل بيته ،كم88ا ك88ان وس88يلة لني88ل
القرب من هللا سبحانه وتعالى ،وهو فن من فنون الشعر التي أذاعها التصوف .ويعد مدح أقطاب التصوف ورجاالت88ه من بين
الموضوعات الشعرية التي استأثرت باهتمام شاعر الملحون في المغرب ،فقد هاله جمال شخوص8هم وم8ا طبعه8ا من ص8الح
وطهر وجالل ،باإلضافة إلى زعامتهم الصوفية كمربين وشيوخ ،أط88روا المغارب88ة وقوم88وا س8لوكاتهم ،وأس88هموا في رعاي88ة
العمل الفكري والنشاط المعرفي في زواياهم التي كانت منارات علمية فاعلة.
وهكذا أقبل الشعراء ،بصدق ،على مدح هذه الزمرة الطاهرة من الرجال الذين بصموا تاريخ المغرب وأثّروا في مساره مثل
الشيخ عبد السالم بن مشيش وإدريس األكبر وابنه األزهر وجد األشراف الوزانيين عبد هللا الشريف وحفيده م8والي الته8امي
وموالي الطيب وسيدي أبي العب8اس الس8بتي واإلم8ام الس8هيلي وغ8يرهم من أقط8اب الط8رق الص8وفية .ذل8ك أن الش8يخ -عن8د
المتصوفة -تولى بالوراثة الروحية مقام الوالية الذي يأتي في الدرجة الموالية لمقام النبوة.
يمدح شاعر الملحون الولي الصالح مدحا خالصا ،على اعتبار أن واليته تنحدر من األصل إلى الفرع .فالحديث عن األصل
هو حديث يخص الرسول ،صلى هللا عليه وسلم ،بكل دالالته وأبعاده الدينية 8واإلنسانية لكونه قطب الوالية ،وأما الحديث عن
الفرع فهو الذي غالبا ما ترتبط واليت88ه بانتمائ88ه إلى الدوح88ة النبوي88ة الش8ريفة .وه88ذا م88ا حفَّز ش8اعر الملح88ون الص88وفي على
إضفاء صفات التعظيم وإعالء شأن الممدوح .وبما أن األولياء هم أصفياء هللا س8بحانه من عب88اده وأتقي88اء الق88وم ،ف8إن م8دحهم
3عبد الرحمان الملحوني ( ،)2003أضواء على التصوف بالمغرب ،الرباط ،منشورات وزارة الثقافة ،مطبعة دار المناهل،
ص.124 .
4المرجع نفسه ،ص.124 .
5ابراهيم القادري بوتشيش ( ،)2013مرجع سابق ،ص.101 .
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
يغطي مساحة كبرى في ديوان الملحون ،ألنهم ملكوا قلب الشاعر واستحوذوا على عقله ،فأبدع في محبتهم وتغنى بش88مائلهم.
وهذا ما نستشعره من خالل العناصر التالية:
.1.2حب الولي
يذكر شوقي ض88يف على لس8ان ابن المعطي في التعري88ف باألولي88اء «األولي8اء جم88ع ولي فعي88ل بمع88نى فاع88ل ،ألن88ه والى هللا
ورسوله فلم يخرج عن أمرهما ونهيهما إلى ما يغضبهما ،وضابط الولي أنه المداوم على فعل الطاعات واجتناب المعاص88ي،
المعرض عن االنهماك في اللذات [ ]...وأن أصل الوالية لمن وجدت فيه صفة العدالة الباطنية بالشروط المعبرة ثم الكرامة،
ظهور أمر خارق للعادة غير مقارب لدعوى النبوة .»6والوالية ال يدركها من الن8اس إال من أراد هللا ب8ه خ8يرا واص8طفاه لم8ا
يحبه ويرضاه .واألولياء لم يحظوا بالمراتب العليا في أذهان الن88اس ،إال عن طري88ق مجاه88دة النفس ،وتطه88ير القلب وص88فاء
السريرة ،إلى جانب المواظبة على الصلوات ليال ونهارا والصيام أليام ،وكذا اإلفطار على القليل كثمرة مثال.7
وقد بوأ المغاربة األولياء منزلة رفيعة وأطلقوا عليهم ألقابا عديدة «درج المغاربة على إطالق لف88ظ م88والي [ ]...وس88يدي...
على ك88ل من يرتب88ط نس88به ويتص88ل ب88آل ال88بيت وأتباع88ه ،حيث يحظى نس88به بالش88رف ويلقب بالش88ريف .ويص88بح "م88والي"
والص 8الح ،ومنُّ و"سيدي" دليال على هذا الشرف ،كما تطلق على من عرفوا بالتقوى والصالح والزهد في عالقة باألولي88اء
يتصل بهم .»8وقد ورد في المثلْ " :
ط َعا ْم ال ُّشرْ فَا فِي ْه ال ْشفَا"؛ وهي دعوة الضيف لإلقبال على تناول طعام الشرفاء اعتقادا بما
يحمله هذا الطعام من شفاء ودواء .وينبني حب شاعر الملحون للولي الصالح على التعلق بالمحب والفناء في محبت88ه ،ويمثل88ه
الحقل المعجمي التالي الذي استقيناه من دواوين بعض أشياخ الملحون:
-جاء عند عبد القادر العلمي :مدح ،عشق ،مدح الهمام السلطان ،مدح بشعارك اللطيفة ،أنت مصباح ،أنت مسراج ،أنت قرة
9
بصري ،نمدح ونمجد ،مدح األولياء ،شوق المحبة ،اقبل مدحي ،يا بدر ،نسيم اهواه...
-ورد عند الجياللي امتيرد 8:رج88ال األفض88ال ،س88يدي يوس88ف ،ان88واره ،من ازه8اره تقط88ف ،من بح8ره ترش8ف ،لي88ه خ88ير
10
كثير...
11
-يذكر أحمد الگندوز :نعم الهمام ،نعم السلطان ،هيبتي وأمالي ،الشريف ،موالي...
تبرز هذه المادة المعجمية هيمنة صفة الجمال التي يتصف بها الممدوح /الولي الصالح .وتوضح هذه الص88فة بجالء اس88تلهام
الخطاب الشعري الصوفي للمرجعية الدينية ،ألن القرآن نبَّه إلى إحساس اإلنسان بالجمال في مظاهره الكثيرة التي ال حصر
لها وال حدود .يقول عبد القادر العلمي في مدح المولى ادريس:
وال يَعْــ َرضْ لي مع اسْنا ْه ْ
اظال ْم ا ْغليسْ يا بَ ْدرْ االَّ إيغيبْ َعنِّي ُحس ْْن اضْ يا ْه
12 ْ
دات لَيْلى ُم ْه َجة قيسْ كـيف ْ
اخ َرب حُبْ ْ ديوان ُمهْجْ تِــي بنسي ْم ا ْهـوا ْه
ْ اخ َرب ْ
يبدو أن المحب -كما يظهر من خالل هذه اإلشارات– مسكون بحب الولي تتجاذبه األش88واق فال تزي88ده إال تعلق88ا ورغب88ة
في االتصال به .إن الباحث في ديوان الملحون الصوفي ،يجد قصائده معبرة أصدق تعبير عن وقفات تأملية أمام مرآة الحي88اة
والنفس ،إلى جانب كونها وقفة ندامة واستغفار.
6شوقي ضيف ( ،)1999الحب العذري عند العرب ،شبرا ،مطبعة دار نوبار للطباعة ،ص.12 .
7المرجع نفسه ،ص.13 .
8حنان بندحمان (" ،)2010قاموس الشعر المغربي المعاصر -مقاربة أولي88ة" ،ض88من ليلى المس88عودي ،حفيظ88ة العم88راني،
ابراهيم الكعاك ،توفيق هللا أفكينيش (تنسيق) ،حول القواميس ،القنيطرة ،منشورات مختبر اللغة والمجتمعCNRST- ،
،URAC56كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن طفيل ،ص.26 -25 .
9عبد القادر العلمي ( 8،)2009الديوان ،الرباط ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف
وتقديم عباس الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية 8المملكة المغربية ،س .التراث ،موسوعة الملحون ،ص.138 .
10الجياللي امتيرد ( 8،)2008الديوان ،الرباط ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف
وتقديم عباس الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية 8المملكة المغربية ،س .التراث ،موسوعة الملحون ،ص.45 .
11أحمد الگندوز ( 8،)2011الديوان ،الرباط ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف وتقديم
عباس الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية 8المملكة المغربية 8،س .التراث ،موسوعة الملحون ،ص.72 .
12عبد القادر العلمي ( ،)2009مرجع سابق ،ص.88.
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
يعرف المغرب باحتضانه للزوايا واألضرحة والمزارات ،حيث تكاد ال تخلو قرية أو مدينة من ضريح أو مزار ،حتى س88مي
ببلد األلف ولي .ونجد الشاعر عبد القادر العلمي يخاطب المتلقي ويحثه على زيارة "السبعة رجال" حص88ون بهج88ة م88راكش
قائال:
ُوسف ْ
بن علِي ْ ال َوالِي ِسي ِدي ي طُ ْ
وف ع َْن َس ْب َعة رْ َجالْ
الك ْ
ان قبَ ْ
بن سلِي َم ْ
ضي عيّاضْ هَا ال ّس ْبتِي هَا ْ حْ دَا ْه القَا ِ
بن احْ َمد هَا َعبْد هللا َرا التبَّا ْع هَا ْ
13
هَا السهيلي
وزائ88ر الض88ريح يجب علي88ه االمتث88ال آلداب الزي88ارة من ت88أدب وخفض الص88وت لم88ا تقتض88يه زي88ارة األولي88اء ،في المعتق88د
الجمعي ،من ضرورة احترامهم وعدم المساس بحرمة فضائهم .وفي هذا المعنى يقول موالي عب88د الحفي88ظ في م88دح م88والي
علي الشريف:
من ال ّزي
ُك ْ بخفِيضْ قولَ ْك وا ْتر ْ بِي ْنهُم أ ْتَأدّبْ ْ
ض ْخ للرّيوارْ َ ِغيرْ زيي زَاي ْد ت ْن َسا ِمي
اَل ت َحا ِشي نَاجــ ْم هُو ا ْش ِهيرْ م ْنسُـوبْ لـ ْقصي
ْ 14 ْ
ولد النبِي عي ْنهُ ْم ا ْت َشاهد لل َحا ِمي
يضعنا الشاعر في هذه األبيات أمام صفات ومزايا يتحلى بها الولي كونه نجم ،ومعروف بصالحه وورعه ،مما يشهد بنسبه
للرسول صلى هللا عليه وسلم .وفي هذا تحفيز للناس على زيارة الولي واإلقامة بضريحه طلبا للطمأنينة وراحة النفس .ولهذا
دأب شعراء الملحون على تعظيم األولياء ومدحهم لما يحققه ذلك من طاقة للجسد وغذاء للروح ،ومن ثمة نقف على م88ا ج88اء
عند عبد القادر العلمي في قوله:
وهذا الحب الذي يكنّه الشاعر للولي هو ما يسوغ له طلب عونه ومساعدته جرَّاء إحساسه بالض88عف واالنكس88ار .كم88ا تمثل88ه
المادة المعجمية التالية:
يظهر ،من خالل هذا المستوى المعجمي ،أن الشاعر /المحب ال يقدر على مجابهة األخطار التي تتربص به ،فيج88د مالذه في
الولي المحبوب واالحتماء به ،فيبث88ه آالم8ه وأحزان88ه .ولنض8رب مث88اال على ذل8ك بق8ول الش88يخ أحمد الگن88دوز مادح8ا م88والي
إدريس:
اك و َو َّد ْك ن ْع َم الجْ لِيلْمن ا ْن َش ْ ان ْ َأ ُمواَل يَا ُسب َْح ْ
بال ْسرُورْ ا ْت َرقَّى َمجْ دَك ضل والرَّافَة َو َّد ْك ْ
بالحلم وال ْف َ
لل ْسبِيلْ الصَّافِي َر ْشد ْ
َك
ا ْتجُو ْد له بو َّد ْك لمن ِإيقَصْ ْ
دك ْ
َك َمالِي لن ْب َحر جُود ْ من ا ْس َرارْ ال َعالِي ْ
يظفَرْ بمنَا ْه ْ
يك ع ْ
َيط من ا ْعلِ ْيت وا ْت َحا ِمي ْ ا ْت ِغيرْ وا ْت ِغ ْ
20 َّ
و ْت َعالجْ علة اله ِْريسْ
يمثل األولياء القدوة الحسنة لدى المتصوفة ،ألن هللا أنار بهم للعباد سبل الهداية وانتشلهم من س88بل الغي والفس88اد ،فت88برك بهم
الن88اس ،وقص88دوهم إب88ان الض88وائق طلب88ا للمخ88رج الس88ليم ،ألنهم يعتق88دون أن دع88اء األولي88اء مس88تجاب لص88الحهم وورعهم،
فيتوسلون بهم ،ومن هؤالء الشيخ أحمد الگندوز الذي يقول في مدح موالي ادريس:
َأ ُمواَل يَا ا ْك َسى ال ِّشيبْ دَاتِي و ْعلَ ْمنِي بالرْ ِحيلْ
طايلْ والحْ َمل ع َْن َك ْهلِي َمايلْ اَل زَ ا ْد اَل ا ْع َوانِي و َس ْف ِري َ
وال ْعثَل فِي ْ
اخطَايَا َجايلْ
يَا َسام ْع الوْ َسايلْ َس ْ
رت قَايلْ
الِّلي ا ْم َراقبْ َحالِي ض ْعفِي ِإاَل اوْ فَى ِمي َجالِي
تَرْ َح ْم َ
ْ لِ ْ
يك نـَت َوسَّلْ بِالهَا ِدي ِإيـــ َما ْم الــو َرى
21
من اليُبسْضي ْ ِ و ر َ قْ ْت
ع َ ت
نجد لمثل هذه الصرخة أصداء في دواوين شعرية أخرى تعبر بجالء عن الفساد المستش88ري في المجتم88ع وانهي88ار القيم ،كم88ا
أنها تفصح عن الشعور باليأس ،حيال وضع ساد فيه البغي والظلم .وها هو السلطان موالي عب88د الحفي88ظ يتوج88ه إلى ض88ريح
الولي المولى إدريس ،فيطلق صرخة متوسلة وزفرة مذهول في قصيدة عنوانها "في مدح موالي ادريس":
يطلب الش88اعر الحماي88ة من ال88ولي الم88ولى إدريس ،ويتوس88ل إلي88ه به88دف إنق88اذه من الض88الل والبغي ،وص88يانته من ال88وهن
واالنكسار .وقد ورد عند الحسن شوقي «أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ألنهم عبيد هللا القائمون ب88أمره ونهي88ه ال88دالون
عليه ،فالمقص8ود من تعظيمهم تعظيم هللا ومن الثن8اء عليهم الثن8اء على هللا ،ف8ألحقوا ب8ه وحكم لهم بحكم8ه من ن8زول الرحم8ة
ق وتفيضُ الكرام8ات ،فيس8طع ن8ورُه ليض8يء والسكينة عنده .»23ومرد ذلك إلى أن جسد الولي الصالح «تصدر عن8ه الخ8وار ُ
أركان الكون ،ويمتل8ك ق8درة خارق8ة تجعل8ه يقط8ع الفي8افي والبح8ا َر إلغاث8ة من ن8اداه والذ ب8ه من اإلنس والجن .»24ومن ثمة
نستشف أن الخطاب الصوفي يتخذ نسقا متكامال بواسطة:
مــدعُــــو داع
مطلوب طــالب
يمثل شاعر الملحون الصوفي في هذه الثنائية ،جانب الضعف ،فهو الطالب ،بينما يشكل ال88ولي الص88الح ج88انب الق88وة ،وه88و
المطلوب ،ولهذا يلجأ الطرف الضعيف إلى الطرف القوي ،ويتوسل به إلى هللا إلزالة غمه وعالج سقمه .ويثبت هذا المع88نى
ضل والرَّافَ88ة َو َّد ْك َ -أ ُم 8واَل ي ا ْد ِريسْ يَ88ا ْهالَل ال َعْ 8
8ز ْ
(بالحلم وال ْف َ سياق حضور صفات الولي الصالح الجليلة في خطاب المدح
من ا ْعدَايَا ْ
من اليُبسْ ِ -غيتنِي واحْ ِمينِي ْ ضي ْ ض ْعفِي ِإاَل اوْ فَى ِمي َجالِي -تَعْت ْق َرو ِ
وال ْسعُو ْد ،) ...أو عن طريق األفعال (تَرْ َح ْم َ
،)...بينم8ا يس8تعمل الش8اعر ض8مير المتكلم للدالل8ة على ض88عفه وانكس8اره ،مب8ديا عج8زه وتوس8له ،طالب88ا الرض8ا والمغف8رة
ض ْعفِي؛ َحالِي .)... والشفاعة (دَاتِي؛ َك ْهلِي؛ ْ
اخطَايَا؛ َ
إن ظاهرة التقرب إلى األولياء وجد فيها الخيال الشعبي ارتياحا كبيرا ،وكانت تعتقد فيه العامة اعتقادا راس88خا ،ف88ترتب عنه88ا
التوسل بهؤالء األولياء الصلحاء إلى هللا .وهكذا ،يسعى ه88ذا الخط88اب الش88عري إلى معانق88ة نم88وذج غ88ائب متمث88ل في ش88عر
النبويات والتوسالت .والمتأمل في هذين البيتين ،يقف على اتصال األصل بالفرع ،حيث يقول التهامي المدغري:
إن "القطب" هو أعلى مراتب األولياء ويحيط ب88ه النقب88اء واألوت88اد واألب88رار واألب88دال واألولي88اء المحققين .وفي ه88ذا الس88ياق
ينبغي استحض88ار الص88ورة الص88وفية للش88يخ بك88ل الخصوص88يات ال88تي تنص عليه88ا األدبي88ات في كتب الق88وم .ومنه88ا أن
الشيخ/المربي وهو على قيد الحياة ،يعتبر "الطبيب المداوي" لعالج المريد الذي يعاني ،والولي/الغائب (في ضريحه) يت88نزل
منزلة الطبيب بكراماته ،مما يدخل في قضاء الحاجات .ومن باب قضاء الحاجة أن ينزل الولي الصالح ،والذي وقع اإلجماع
على قطبانيته 8،بمنزلة الطبيب المعالج ألدواء الحيرة وأمراض النفس.
لقد كان شاعر الملحون الصوفي يؤمن بأن الشخصية السوية عن88د أف88راد جماعت88ه العريض88ة ،هي تل88ك الشخص88ية ال88تي تثبت
على عقيدتها 8،وتناهض غيرها دوما من أجل هذه العقي88دة وترس88يخها .وثب88ات العقي88دة -في رأي ش88اعر الملح88ون الص88وفي –
يحتاج إلى كثير من الرياضة الروحية ال88تي ال تت8وفر له8ذه الجماع8ة إال بواس8طة النص8وص ذات الط8ابع ال88ديني واألخالقي.
ومفتاح هذه المعالجة ،يراه شاعر الملحون في رجوع الفرد إلى ضميره ،وإلى محاربة نفسه األمارة بالسوء .هذه النفس ال88تي
يحاورها ،بين الفينة واألخرى ،لتستعد استعدادا صادقا إلى التوبة والغفران الخالص الدائم ال88ذي ي88أتي بع88د التوب88ة النص88وح.
فبالتوبة واإلخالص تسمو نفس الفرد ،سالكة في ذلك مسالك العارفين الواصلين من رج88ال هللا ال88ذين يعيش88ون بنفس راض88ية
مطمئنة .وفي هذا المعنى نجد أحمد الغرابلي يقول:
وباإلضافة إلى هذا كله ،فإن الشعراء المادحين لشيوخ الطريقة الصوفية إنما كانوا يبدعون أشعارهم ،وهم يتمثلون المرجعية
السابقة عليهم ،والمتمثلة باألساس في الوراثة العرفانية لمقام النبوة.
25التهامي المدغري ( ،)2010الديوان ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف وتقديم عباس
الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ،س .التراث ،موسوعة الملحون ،ص.71 .
26أحمد الغرابلي ( 8،)2012الديوان ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف وتقديم عباس
الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ،س .التراث ،موسوعة الملحون ،ص.616 .
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
وعموما اشتهر مدح األولياء في حظيرة أهل الملحون ب"الجمهور" ،حيث تتناول القص88يدة ع88ددا من األولي88اء ال88ذين توج88د
أضرحتهم في المنطقة التي يقيم بها الشاعر أو تلك التي يقيم بها شيخه ،وقد تمتد إلى باقي المناطق المغربية ،كم88ا ه8و الح8ال
عند عبد القادر العلمي في جمه8وره المش8هور .27وفي ه8ذا الل8ون من الش8عر يرتب8ط ش8اعر الملح8ون بع8الم التص8وف وع8الم
األولياء والصالحين .وفيه يستعرض معارفه ومعلوماته عن الخريطة الصوفية لمجموعة من األولياء والص88الحين .مم88ا ي88دل
على أن شاعر الملحون الصوفي قد تأثر بالمناخ الديني واالجتماعي والثقافي السائد في بيئته.
اهتم شاعر الملحون الصوفي ب8ذكر من8اقب األولي8اء وكرام8اتهم ،ورج8ال التص8وف وإش8راقاتهم ،ف8أفرد لهم قص8ائد كامل8ة،
تعرف بقصائد الجمهور ،ذاكرا أسماء األولياء والصلحاء ،مبرزا ألقابهم وكراماتهم ومناقبهم ،وأحيان88ا أم88اكن دفنهم .ويتجلى
الخطاب الص88وفي –من خالل ه88ذا المس88توى -في ع88رض القيم الص88وفية ال88تي يجس88دها ال88ولي ،كاتص88اله ب88النبوة ،وإحاطت88ه
باألسرار ،وتحكمه في النفس وغيرها من القيم الصوفية .إذ يمتح شاعر الملح88ون من معين أه88ل التص88وف ويس88تلهم ط88رقهم
السنية ،مما يدل على أنه قد تبحر في معرفة األولياء والصالحين ،حيث ذكرهم بأسمائهم (ابن مرزوق؛ الغزالي؛ الش88عراني؛
السيد الغزواني؛ الشاذلي؛ ابن سليمان الجزولي؛ سيدي قدور؛ سيدي بُوزَ ْكـري؛ م8والي ادريس؛ س8بعة رج8ال؛ عب8د هللا ابن
احسين )...وح َّدد صفاتهم (فياض؛ مولى الخلوات؛ القطاب؛ الش8يخ؛ م8ولى البرك88ة؛ الص8الحين؛ غربته88ا االح8وال؛ مخم88ورة
غايبة؛ مع السكر اهبيلة؛ ارجال معتكفة )...وأبرز مناهجهم المستمدة من تع88اليم الش88ريعة اإلس88المية والس88لف الص88الح .ومن
هؤالء سيدي قدور العلمي الذي قال:
وانَا َجافِي ْ
اط ِري ْقهُ ْم يَا ليتَانِي قَ ْلبِي يب ِْغي ا ْهل ال ْف َرايضْ وال ْسن ْ
َان
28
وانَا م ْنهُ ْم ليس نَ ْن ُكر ج ْهاَل نِي ون َملْ ْ
اط ِري ْق هَلْ الب ْدعَة والبُهت ْ
َان
وتجدر اإلشارة إلى أن الزاوية لم تكن مج88رد مؤسس88ة ص8وفية ديني88ة معزول88ة عن الع88الم ،ب88ل ك88انت مؤسس88ة ديني88ة ص88وفية
تأطيرية ،تجمع بين المقدس والعبادة والتصوف ،وبين التقشف والتفلسف أحيانا ،والتش88وف الغي88بي ع88بر البرك88ة والكرام88ات
والخدمات وقراءة األحزاب واألوراد ودليل الخيرات لإلمام الجزولي .يقول عبد القادر العلمي في وصف الزاوية الصوفية:
ولذلك يعد 8التوسل باألولياء والصالحين ظاهرة مصاحبة للتصوف في صورته الطرقية؛ باعتبار الزوايا الصوفية قائمة على
أعمدة من فكرة الوالية وما ينتظمها من تصورات ال تنفصل عن قانون هو المنظم لمدين88ة األولي88اء .وق88د س88اد ه88ذا الل88ون من
الشعر التطهيري في المغرب والمشرق وأرجاء أخرى بفعل عوامل ثقافية ،وبفعل جدليتها م88ع واق88ع يتطلب التغي88ير .وهك88ذا
فإن الطريق الصوفي محفوف بالمخاطر ،ومن ثم ال بد للسالك المبتدئ 30من مرشد يهديه 8سواء الس8بيل .وي8برر الش8يخ أحم8د
الگندوز هذا االختيار الذي ال مناص منه لكل سالك مسترشد في األبيات التالية التي يخاطب فيها موالي ادريس:
لك فِي سبِيلْ من راَ ْم م ْنهُ ْم حُر َم ْك سا َ َْأ ُمواَل يَا ْ
ات ا ْتهَلّلْ تَ ْهلِيلْ ا ْس َواي ْع ال ْف َجرْ واصْ َحابْ الدلِيلْ واالصْ َو ْ
ان ا ْغفِيلْ َكي َس ْلبُوا ْ
من َك ْ
صاحبْ خلِيلْ َاك َو َكد ْ د ْ
ُون تَ ْع ِطيلْ
ْ
الح ِديث َكيزهَى لِي ْ ُ ْ
ِإي ْد َرسْ فِي االوْ َرا ْق َعقله َسالِي فِي َ
ُكلْ طَالبْ ي ْسبِي ْ
بالغَا ْه ِإاَل ِإيَ ْد َرسْ
31
االحْ زَابْ فِي غَايَة تَ ْد ِريسْ
27عبد الرحمان الملحوني ( 8،)2014المغرب من خالل قصيدة :منازه رياض التوبة ،الرباط ،دار أبي رقراق للطباعة
والنشر ،ص.126.
28عبد القادر العلمي ،)2009(،مرجع سابق ،ص.97 .
29المرجع نفسه ،ص.147 .
30السالك المبتدئ هو الذي يبتدئ بقوة العزم من سلوك طرقات المنقطعين إلى هللا ،انظر:
أبو نصر السراج الطوسي ( 8،)1960اللمع في التصوف ،ت .عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور ،مصر ،طبعة
القاهرة ،ص.417.
31أحمد الگندوز ( ،)2011مرجع سابق ،ص.73 .
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
ال يخل88و دي88وان الملح88ون الص88وفي من الم88دح المغ88دق على األولي88اء والص88الحين ،والتض88رع على عتب88اتهم وأب88وابهم ،حيث
يستعير الشاعر من معجم الخمرة األزلية صورا وألفاظا تضفي على الولي الصالح صفات التأثير والفاعلي88ة غ88ير المباش88رة.
ذلك أن الواقف بباب الصالحين ،يأتي وقد أنهكه العطش الروحي وهو يكابد لواعج األدواء والعل88ل ،ليج88د دواءه في المناج88اة
والتضرع.
يتحدث الشاعر عن الخمرة الصوفية والنشوة التي تثيرها في نفسية المريد ،فيغيب عن العالم المادي لينجلي له النور اإللهي،
وهذه هي أحوال المتصوفة التي قال عنها الشاعر سيدي قدور العلمي:
َم ْخ ُمو َرة غَا ْيبَة ْم َع ال ّس ْكر ا ْهبِيلَة وارْ َجالْ َجا ْدبَة غَرْ بَ ْتهَا االحْ ــــــــ َوالْ
32
وارْ َجالْ َم ْعتَ ْكفَة ْم َع ال ّد ْكر أ ْش ِغيلَة وارْ َجـــالْ َس ْال َكــة فِي غَايَة اال ْعتِ َدالْ
وتدل عبارة "ارْ َجالْ َجا ْدبَة" على معنى "الجذبة" التي يقصد بها عند المتصوفة كل ما يب8دو على القل8وب من أن8وار الهداي8ة،
وص8دقه وص8فائه من وج8ده ،وهي عب8ارة عن ممارس8ات وم8راتب ديني8ة 8وطق8وس ص8وفية، على مقدار قرب الرجل وبع8ده ِ
يجاه88د من خالله88ا المتص88وفة للوص8ول إلى المعرف88ة الص8وفية والمحب88ة اإللهية .وله88ذا اختلى المتص88وفة لل88ذكر والعب88ادة،
33
وامتثلوا ألوامر هللا عز وجل ،وتجنبوا نواهيه ،وراقبوه في السر والعلن ،وفي القول والفعل ،ألسنتهم ذاكرة ،وقلوبهم شاكرة،
وأجسامهم صابرة .34ومن ثم8ة فمحب8ة األولي8اء ليس8ت مج8رد س8لوك وج8داني توجه8ه المي8ول واأله8واء ،لكنه8ا واجب دي8ني
تفرضه آداب الطريق ،وتقتضيه قواعد صحبة الشيوخ .وفي هذا السياق يقول الشيخ محمد بن علي ولد أرزين:
وه َُو يَا ِسي ِدي َأ ْز َكى ال ْساَل ْم ع َْن نَاسْ ال ِع ْلم ال َعارْ فِ ْ
ين
ات ال َمو ُز ْ
ون ُون باال ْدكَارْ قَ ْد َو ْ ين الَمحْ س ْ ين نَهْج ال ّد ْال َحا ْف ِظ ْ
در ْكــــت ا ْفـــنُ ْ
ـــون َ ُوناوت اصْ َحابْ ال َم ْلح ْ مـن ا ْسقَ ْْ
ْ َّ ْ
الح ِديث و َجلْ التخبَارْ ْ
فِي انهَايت َْ ْ
ِدي َوا ْنـــهُــــ ْم َمشحُون
ْ
35
ُون الجْ حُو ْد نَهْج الجْ َحا ْد ا ْسيَا َرة د ْ بن ْعلِي َرا ْه فِي َج ْمعهُ ْم َم ْد ُكورْ ْ
إن محبة األولياء -كما يتصور معظم المتصوفة– تفضي بصاحبها إلى نصيب مما يناله األولياء من هللا تعالى «فإن قلوبهم
تشبه المرآة ،ومن أحبهم يظهر اسمه في تلك القلوب المحبوبة ،وهللا تعالى ينظر إلى قلوب أوليائه كل يوم نظرة رحم88ة ،فمن
كان اسمه مرقونا في قلوبهم ينال نص8يبه من الرحم8ة ال8تي يص8رفها إليهم بق8در محبت8ه إليهم .وقل8وب األولي8اء م8ع هللا ،ومن
أحبهم فهو مرافق لهم ،وإن لم يستطع الوصول إلى رتبتهم ،فإن المرء مع من أحب ،واألصل في محبتهم المحبة هلل ،ف88إن في
محبتهم رضوان هللا ،وصار المحب لهم كأنه لم يحب إال هللا ،ومن أهانهم فقد تعرض لسخط هللا.»36
ومن هنا ،ينهض الخطاب الصوفي على حب الولي واإلش88ادة بمناقب88ه .وإذا ك88ان البالغي88ون ق88د جعل88وا أرك88ان الم88دح أربع88ة
وهي :العقل والعفة والع8دل والش8جاعة ،بحيث من أل َّم به88ا في قص88يدة م8دح متجنب88ا عي88وب الكالم ،يك88ون ق88د أص8اب ال88ذروة
والتوفيق ،37فإن شاعر الملحون قد زاد على هذه الص8فات جمل88ة من المن8اقب المحم8ودة ال88تي يتحلى به88ا ال88ولي ،فه88و م8أوى
المساكين وملجأ المحرومين ومالذ العاجزين .يقول عبد القادر العلمي في مدح سيدي بوزكري:
َّف عن فَ ْق ِري
وتأس ْ ِسي ِدي في الصُّ الَّحْ من َوصَّلْ لي َمعْطا ْه
اللِّي ثَ ْمرُه يَحْ لى لي نَرْ َح ْم ْ
دات الغرَّاسْ
38
وا ْقبَــلْ لــــي ُع ِدري ونمجَّــد من جا ْد وغَطَّانِي تُوبْ ارْ ضـا ْه
خلع شعراء الملحون على الشيخ الصوفي/الممدوح ،جملة من الصفات الحمي88دة ،باعتب88اره قرب88ه من المق88ام النب88وي ،ومن ثم
فإن أهم ما يميز أولياء هللا الصالحين عن غيرهم من الناس – في المتخيل الشعبي للمغاربة -هو اتصافهم بالصالح والبرك88ة،
ويعرف المعجم العربي األساسي 39لفظة البركة بالخير والنماء واألمن والسالم .ويقال بارك هللا فيك؛ أي أحفك باليمن،
وتبرك بالشيء؛ أي التمس بركته ،وتبارك أي تقدس ،واستبرك بالشيء أي تفاءل به خ8يرا .وي8رى إدريس كم8ون أن البرك8ة
« تعني سر هللا والرسول واألولياء في األشياء .وهي بذلك ميزة لدنية من عند هللا ،يلهمها من يشاء من مخلوقاته أك88انت نعم88ا
(الماء والمأكوالت وباقي األرزاق) أو بشرا (الرسل وباقي األولياء) واألماكن (البق88اع المقدس88ة) واألزمن88ة والش88هور (كليل88ة
القدر واألشهر الحرم وبعض س8اعات وأط8راف النه8ار) .»40وتتص8ل البرك8ة في اللغ8ة العامي8ة المغربي8ة بالع8ادات والتقالي8د
واالعتقاد من جهة ،وبجاذبية الشخصية أو القدرة الخارقة على اإلقناع والشرف وك88ذا التمي88يز االجتم88اعي من جه88ة أخ88رى.
ويتميز مفهوم البركة بقوته النافذة في تشكيل االعتقاد في المغرب بكافة أنواعه.
لقد تواتر في القصائد الصوفية وفي تصورات شعرائها ،بأن "الشيخ" تولى بالوراثة الروحي88ة مق88ام "الوالي88ة" وال88ذي ه88و
مق88ام ي88أتي في الدرج88ة الموالي88ة لمق88ام النب88وة .والكرام88ات ال88تي تق88ع للص88وفي ،تج88د م88دلولها في المب88دأ القائ88ل« :اآلي88ات هلل
والمعجزات لألنبياء ،والكرامات لألولياء ولخيار المسلمين .»41ويرى المتص8وفة أن ه88ذه الكرام8ات نت88اج االس88تعانة باهلل في
جميع األشياء ،وهي بذلك تشبع كل الطموحات ،وطريق تحقيق كل الغايات ،لع َّل أهمها التصرف في األشياء والتأثير عليه88ا.
وقد تمظهرت الكرامة في البداية كسلوك عبر به المتصوفة عن مدى والئهم هلل قوال وعمال ،ثم تحولت إلى نصوص إبداعي88ة
تكتسي طاقات تخييلية ورمزية ،قد ال تتوفر في بعض النماذج التي ألفت خصيصا لهذا النوع من المتعة.
إن دواوين الملحون -موضوع هذه الدراسة -تفند الفرضية التي مفاده8ا أن موض8وعات الش8عر الص8وفي في أدبن8ا المغ8ربي
قليلة وشحيحة ،بالقياس إلى األدب المشرقي الذي احتضن الحالج والسهروردي وابن الفارض وغ88يرهم ،كم88ا ع88رف األدب
األندلسي ابن العربي الحاتمي ،وكلهم شعراء لهم نزوع صوفي يتسم باالستقاللية عن االتجاهات الشعرية التي عرفه88ا األدب
العربي.
على ضوء ما تقدم ذكره ،نستخلص أن الشعر الملحون الصوفي بالمغرب قابل ألن يجد في88ه المتلقي من االنج88ذاب والتفاع88ل
ما يجده في األنماط الشعرية األخرى .وذلك الرتباط هذا الشعر ب88القيم الجمالي88ة ولم88ا ينض88ح ب88ه من ش88فافية الرؤي88ة وص88دق
الموقف ،واالرتباط الحميم بواقع التجربة ،ولما فيه ،أيضا ،من عفوية الخطاب واستقاللية ال8روح وانعت8اق من فلس8فة العق8ل
وتحكمه.
كما نستنتج أن العبقرية الشعبية استطاعت أن تسمو بالشعر الملحون الصوفي إلى أعلى مراتب اإلبداع على الرغم من كون88ه
يمثل تجربة إبداعية انبثقت من وسط شعبي ،يشكل الحرفيون قاعدت88ه الواس88عة ،إنتاج88ا وتلقي88ا .إن الش88عر الملح88ون ي88دور في
معظمه حول الموضوعات التي عرفها الشعر الصوفي في عصوره المختلفة .ومن ثمة ينبغي االرتقاء بهذا الشعر ،باعتب88اره
ذاكرة المغاربة كما يعيشونها بتلقائيتهم اليومية .فهو أقرب من نبض العامة وألصق بواقعهم وتاريخهم.
مراجع
اعمار ،عبد العزيز (" ،)2011مس8احات الجس88د في دي8وان الملح8ون"،ض88من ليلى المس88عودي ،عب88د العزي88ز اعم8ار ،حن8ان
بندحمان ،زهرة البلغيثي (تنسيق) ،اللغة والجسد والمتخيل ،القنيطرة ،منشورات مختبر اللغة والمجتمعCNRST- ،
،URAC56كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن طفيل.
]»]AMAR, Abdelaziz (2011), « Misahatu ljasadi fi diwani lmalhuni
اعمار ،عبد العزيز ( " ،)2010معجم مصطلحات الملحون" ،ضمن ليلى المس88عودي ،حفيظ88ة العم88راني ،اب88راهيم الكع88اك،
توفيق هللا أفكينيش (تنسيق) حول القواميس ،القنيطرة ،منشورات مختبر اللغة والمجتمع ،CNRST- URAC56 ،كلية
اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن طفيل.
]»]AMAR, Abdelaziz (2010), «Muajamu mustalahati lmalhuni
بندحمان ،حنان (" ،)2010قاموس الشعر المغربي المعاص88ر ،مقارب88ة أولي88ة" ،ض88من ليلى المس88عودي ،حفيظ88ة العم88راني،
ابراهيم الكعاك ،توفيق هللا أفكينيش (تنسيق) ،حول القواميس ،القنيطرة منشورات مختبر اللغة والمجتمعCNRST- ،
،URAC56كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن طفيل.
39المعجم العربي األساسي ،الروس ( ،)1991بيروت ،ورد عند إدريس كمون (" ،)2015مفهوم البركة في الثقافة الشعبية
المغربية عند إدوارد فستر مارك" ،الثقافة الشعبية ،البحرين ،المنظمة الدولية للفن الشعبي ،ع ،28 .ص.126 ،
40إدريس كمون ( ،)2015مرجع سابق ،ص.126 .
41أبو نصر السراج الطوسي ( ،)1960مرجع سابق ،ص.390 .
Revue Langue, culture et société, Volume 5, n. 2, décembre 2019
المغراوي ،عبد العزيز ( 8،)2008الديوان ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف وتقديم
عباس الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية 8المملكة المغربية 8،س .التراث ،موسوعة الملحون.
][MAGHRAWI, Abdelaziz (2008), Diwan
الملحوني ،عبد الرحمان ( 8،)2014المغرب من خالل قصيدة :منازه رياض التوبة ،الرباط ،دار أبي رقراق للطباعة
والنشر.
[LMALHOUNI, Abderrahmane (2014), Almaghribu min khilali qassidati : manazihu riyadi
]tawbati
الملحوني ،عبد الرحمان ( ،)2003أضواء على التصوف بالمغرب ،الرباط ،منشورات وزارة الثقافة ،مطبعة دار المناهل.
][LMALHOUNI, Abderrahmane (2003), Adwaun ala attassawufi bilmaghribi
ولد أرزين ،محمد بن علي ( 8،)2009الديوان ،جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة ألكاديمية المملكة المغربية ،إشراف وتقديم
عباس الجراري ،الرباط ،مطبوعات أكاديمية 8المملكة المغربية 8،س .التراث ،موسوعة الملحون.
][WALD ARZINE, Mohamad bnu Ali (2009), Diwan