Professional Documents
Culture Documents
تاريخ الفكر السياسي - ذ.رشيد السعيد
تاريخ الفكر السياسي - ذ.رشيد السعيد
1
الفصل الثالث
الفكر الس يايس احلديث
الليربالية والاشرتاكية الطوابوية والاشرتاكية العلمية
2
املطلب ا ألول :الفكر الس يايس عند ا ألب سيس
نبذة عن حياته: -1
ودل سيس يف فرجييس FREJUSبفرنسا يف س نة ،1748ودخل اىل سكل الرهبان حيث تكون تكوينا
متينا يف خمتلف العلوم اليت اكنت متداوةل يف عرصه ،واعتىل عدة مناصب هممة داخل السكل الكنيس ،كام انتخب عدة
مرات مكثل للكنس ية داخل اجملالس احمللية واالقلميية والوطنية ،لكن ابتداء من س نة 17885بد أأ سيس يف مناهضة
ا ألرشاف ورجال ادلين ،و أأخذ يدافع عن الطبقة املتوسطة اليت اكن يطلق علهيا حينذاك الطبقة الثالثة ،ويف هذا الاجتاه،
كتب الكتب التالية:
نظرة حول الوسائل التنفيذية اليت ميكن اس تعاملها من طرف ممثيل فرنسا يف س نة .1789
حماوةل حول الامتيازات.
ما يه الطبقة الثالثة؟
ان ا حملور الرئييس لهذه الكتب يدور حول حقوق ا ألمة اليت يشخصها سيس يف الطبقة الثالثة.
أأما من الناحية العملية ،اكن سيس نش يطا من الناحية الس ياس ية ،فاكن تأأثريه يف امجلعية التأأسيس ية همام يف
جلنة ادلس تور ،فأأصبح رئيسا للجمعية ،لكن رسعان ما سكت يف عهد الكونفس يون Conventionواكن من اجلرنديني
ضد الفرقة املسامة برجال اجلبل ،Compagnordsواكن قد ارتأأى الغاء انتخاابت ابريس بسبب الغش والزتوير اذلي
رافق تكل الانتخاابت.
أأما يف عهد ادلركتوار Drectoirفقد اكنت هل مناصب رشف ونفوذ اذ أأصبح سفريا يف برلني مث عضوا يف
ادلركتوار ،وعندئذ هيأأ ونفذ الانقالب ضد امللكية اذلي اس توىل فيه انبليون بونبارت عىل السلطة.
وقد أأصبح سيس قنصال مؤقتا يف بداية الانقالب ،مث أأحدث نظام القنصلية هل ولنابليون ،وانزتع منه انبليون
املاكن ا ألعىل و أأبعده من السلطة و أأعطاه انبليون قرصا خفام و أأموالا كثرية.
كام مسي سيس عضوا يف أأاكدميية العلوم ا ألخالقية والس ياسة و أأخذ لقب كونت يف عهد االمرباطورية ولكن
هذا اللقب الباهت مل خيفف من نقمته عىل انبليون فشارك عام ،1814كتابة صك سقوط انبليون اذلي انزتعت منه
السلطة ،واكنت امللكية قد عادت من جديد اىل فرنسا فطرد من جملس الش يوخ موصوما بأأنه من قتةل املكل لويس ،16
فلجأأ اىل بروكس يل مث عاد بعد ثورة عام 1830ومات عام .1836
3
أأفاكر سيس من خالل كتابه ما يه الطبقة الثالثة: -2
ان الكتيب اذلي نرشه سيس عام 1789اثر دعوة جملس الطبقات اىل الانعقاد ،جاء عنوانه كسؤال :ما يه
الطبقة الثالثة؟ ولقد أأاثر هذا العنوان ا انتباه املفكرين وعامة الناس ،وانترش بيهنم برسعة ،واش هتر سيس عش ية الثورة
وجييب سيس من خالل كتابة عىل ثالثة أأس ئةل:
ما يه الطبقة الثالثة؟
ماذا اكنت اىل الآن يف النظام الس يايس؟
ماذا تطلب؟
ففي معرض جوابه عىل السؤال ا ألول :ما يه الطبقة الثالثة ،يقول سيس" :ان الطبقة الثالثة يه لك يشء،
اهنا أأمة اكمةل" ان تعبري ا ألمة هذا يلتصق ابمس سيس يف الثورة الفرنس ية ،فلقد أأعطى هذا املؤلف الس يايس مدلوال
واقعيا ملموسا ل ألمة ،فهو مل يذهب اىل ما وراء الطبيعة ،وال غاص يف الفلسفة وال تعمق يف حبث نظري حمض وامنا
وصف ا ألمة وصفا حيا.
يقول سيس" :من ذا اذلي جيرؤ عىل لقول أأن الطبقة الثالثة ال جتد يف ذاهتا لكام ينبغي لتكوين أأمة اكمةل أأو
ليست متثل االنسان القوي الشديد اذلي مايزال مغلوال يف ذراعيه ،اننا لو انزتعنا الطبقة املمتازة من اجملمتع ،فاننا لن
ننقص من ا ألمة شيئا ،بل اهنا تغدو شيئا أأكرث ألهنا لك يشء ،ويه لك مقيد مظلوم ،فاذا ذهبت الطبقة املمتازة بقيت
الطبقة الثالثة ،ولك يشء جيري عىل خري وجه بغري الطبقة املمتازة".
ان ا ألعامل اليت يقوم علهيا اجملمتع من زراعة وجتارة وصناعة وهمن خمتلفة تهنض هبا الطبقة الثالثة وحدها ،ولها
95يف املئة من ا ألعامل املش بعة اليت يأأىب أأن يقوم هبا أأحصاب الامتياز ،فتبقى هلم مركز الرشف وحدها ،ولهذا فان
الطبقة املمتازة غريبة يف احلقيقة عىل ا ألمة ،وعبئا ثقيال علهيا ،ألهنا ال تؤلف جزءا من ا ألمة ،وامنا يه طبقة الكساىل اليت
جتعل من امتيازات شعب "منعزل" يعيش يف دوةل داخل ادلوةل وخاصة من حيث حقوقهم الس ياس ية ،فاذا اكنوا
جيمتعون يف جملس الطبقات مع الطبقة الثالثة فان رسالهتم ال تس متد من ا ألمة ،وامنا مه يدافعون عن املصلحة اخلاصة.
ولهذا فان الطبقة الثالثة ويه اليت يعود اىل ا ألمة ،ولهذا فان لك من ال يكون من الطبقة الثالثة ال يس تطيع
أأن يعترب نفسه من ا ألمة.
ويف معرض جوابه عن السؤال الثاين املتعلق مباكنة الطبقة الثالثة يف النظام الس يايس جييب ،اليشء فأأفرادها
خضعوا اىل القانون العام ،بوصفهم جامعة من ا ألشخاص ال ينمتون اىل الطبقة املمتازة.
واذا اكن جملس الطبقات يضم الطبقة الثالثة ،فالواقع أأن هذه الطبقة مل تكن ممثةل يف هذا اجمللس متثيال
حصيحا ،بل اكن متثيلها يمت عىل بد أأشخاص يأأخذون هذا الوصف فامتيازمه مؤقت حبمك وظائفهم ،وهكذا اكنت احلقوق
4
الس ياس ية لهذه الطبقة معدومة فهيي مل تكن حرة وليس لغريها أأن يزمع بدوره أأنه حر ،اذا مل تكن هذه احلرية موجودة يف
الطبقة الثالثة نفسها ،فاحلرية ال تكون ابالمتيازات وامنا يه ابحلقوق اليت تعود اىل اجملمتع.
واذا اكنت الطبقة الثالثة اليشء بواقع احلقيقة الس ياس ية مع أأهنا لك يشء يف ا ألرض ،فذكل ألن الطبقة
ا ألرس تقراطية اليت ال ينبغي أأن تكون شيئا يه اليت تبدو الآن و أكهنا اللك ،وهذا هو الاغتصاب الاكمل ،اغتصاب
النبالء اذلين حيمكون فعال ،يف حني أأن احلمك جيب أأن يعود للطبقة الثالثة وحدها ،مث أأن احلمك يف فرنسا ليس يف يد
املكل ،بل يف يد ا ألرس تقراطية املمتثةل يف البالط.
وعن جوابه عىل السؤال الثالث يرى سيس أأن الطبقة الثالثة تطلب أأن تكون شيئا مذكورا يف النظام
الس يايس ،اهنا تطلب القليل املمكن ،وذكل بأأن يكون لها أأشخاص ميثلوهنا حقا يف جملس الطبقات أأي أأشخاص
مأأخوذون من صفها ابذلات ،و أأن ال يقل عددمه عن العدد احلاصل يف اجامتع ممثيل الكنيسة وطبقة النبالء ،مث أأن يمت
التصويت يف اجمللس عىل يد هؤالء ا ألعضاء من حيث أأفرادمه وعددمه ال من حيث طبقهتم،واال مل يكن مثة معىن
للمساواة العددية بل تكون أأمرا ومهيا اذا اس متر التصويت عىل أأساس ثالث طبقات للك مهنا صوت واحد ،ان الطبقة
الثالثة تقدر ب 25مليون تقريبا مقابل 200أألف من الطبقة املمتازة تقريبا ،فكيف ميكن القول يف مثل هذه احلاةل أأن
القانون تعبريا عن االرادة العامة.
كام أأن العدد ليس وحده احلجة ،بل ان الطبقة الثالثة تقدمت يف خمتلف اجملاالت وعىل اخلصوص التجارية
والصناعية ،و أأصبحت تضم عددا من العائالت امليسورة واليت تضم بدورها أأشخاص يتعلقون ابليشء العام ،ذلكل مفن
حق أأبناء الطبقة أأن يطلبوا املساواة العددية يف جملس الطبقات مع الآخرين.
مث يتساءل سيس ،فهل يليق ابلنبالء اليوم أأن يس متروا وينطقون بلغة العصور البائدة ،وهل يليق ابلطبقة
الثالثة ويه يف القرن 18أأن تبقى عىل ا ألوضاع احلزبية الوضعية اليت تتصف هبا العبودية القدمية ،ذلكل ال ينبغي للطبقة
الثالثة أأن تنىس أأهنا يه اليوم احلقيقة الوطنية يف حني مل تكن اب ألمس اال ظاللها ،و أأن طبقة النبالء مل تعد تكل احلقيقة
االقطاعية الظاملة قد غدت جمرد ظل لها ،و أأن هذا الظل حياول عبثا أأن خييف أأمه بأأرسها.
موقف الطبقة الثالثة من ادلس تور
لقد دعا جملس الطبقات اىل الاجامتع ،بعد فشل احلكومة يف حتقيق االصالح املايل ،توزيع الرضائب ابلقسط
توزيعا متساواي ،ففي ظل أأي دس تور يس تعملون ويتداركون ويناقشون ،فهل حيتاج الفرنس يون يف ذكل أأن ينقلوا عن
االجنلزي أأو أأن يقدموا مثال ل ألمم.
يقول سيس ،ان فرنسا بني أأمرين اما أأهنا ال متكل دس تورا وعندئذ ينبغي وضع هذا ادلس تور أأو أأهنا متكل
دس تورا ،وا ألعراف ادلس تورية السابقة للثورة كام يزمع بعض الناس املعاندين ولكن هذا ادلس تور املزعوم يقبل التقس مي
5
بني الطبقات ،وما دامت احدى هذه الطبقات ويه الطبقة الثالثة قد اندت بطلب رئييس (املساواة العددية وطريقة
التصويت) فقد أأصبح من الواجب النظر يف طلهبا وا ألمة وحدها يه اليت تس تطيع أأن حتمك يف طلهبا عن طريق ممثلني
اس تثنائيني ينتدبون خصيصا لهذا الغرض ويعربون عن االرادة الوطنية ،ويس تطيع س يد ادلوةل بوصفه املواطن ا ألول أأن
يدعومه لهذه الغاية – فاذا اكن ال ميكل أأن يقرر شيئا يف أأمر ادلس تور ،فانه ال ميكل القول بأأنه غري قابل هذا القرار من
ا ألمة ،وذكل ما اكن ينبغي معهل ،ولكن ما دام أأن هذا العمل مل يمت فقد اكتفى بدعوة جملس الطبقات حفسب" ،ولكن
سيس جييب عام ميكن معهل ابلقول " :أأما الطبقة الثالثة من أأجل أأن تأأخذ ماكهنا املرشوع فعلهيا الاعامتد عىل قوهتا
اخلاصة" ،وذكل اما أأن تعترب نفسها بأأهنا يه ا ألمة ،أأو أأن تظل كطبقة بني الطبقات متنازةل عن حقها للممتازين ،وتكتفي
بأأن تطلب من ا ألمة أأن تنيب عهنا ممثلني اس تثنائيني ينظرون يف طلهبا ،ولكن سيس يعترب اىل حني دعوة هؤالء املمثلني
واصدار قرارمه ،فان الطبقة الثالثة سوف تقبل الشك يف نفسها ،وتعرتف بطبقتني ممتزيتني عهنا ،وذلكل يعترب سيس أأن
احلل ا ألول هو اذلي جيب أأن يكون بأأن تعترب الطبقة الثالثة نفسها املعربة عن االرادة العامة وعي اليت لها حق التحدث
ابمس ا ألمة ،كام جيب أأن جتمتع ابلطبقتني ا ألخريني ،ألن ا ألمر يعود الهيا وحدها ابعتبارها ا ألمة يف وضع ادلس تور ،وهذا
ما سوف يقع فعال ،وس يصبح هذا التغيري ذا أأمهية يف فرنسا اذ سوف تشلك الطبقة الثالثة مجعية وطنية ما لبث أأن
أأضافت اىل امسها وصف تأأسيس ية و أأخذت تنادي مببد أأ الس يادة ل ألمة ،اال أأن ذكل تطلب دماء كثرية يف ثورة عارمة
أأريد لها أأن تبين بنياان جديدا.
وقد اكن لكتيب أأشار سيس من دون شك دورا أأساس يا يف تبس يط ا ألفاكر الس ياس ية اليت س بقته وللعقد
الاجامتعي ،كاملعب دورا يف التأأكيد عىل ارادة ا ألمة الواحدة اليت تستبعد المتيزي مما أأثر عىل مقدمة حقوق االنسان
وروح ادلس تور.
6
املطلب الثاين :الفكر الس يايس عند ادموندبورك
-1مقدمة عامة:
ودل بورك يف دوبالن Dublinمن أأب بروتس تانيت و أأم اكثوليكية يف س نة ،1729وبد أأ حياته أكديب ،مث
انرصف عىل الس ياسة ،مث أأصبح عضوا يف جملس العموم عام ،1766يعترب بورك عضوا اثئرا يف حزب ا ألحرار مع
أأعضاء من حزبه ضد احملاوةل اليت اكنت تريم اىل اعادة السلطة الشخصية اىل املكل جورج الثالث ،بعد حموها اثر ثورة
ا ألحرار س نة ،1688وجتلت ثورته كذكل يف دفاعه عن حرية الوالايت املتحدة عند ثورهتا من أأجل الاس تقالل امياان
ابحلرية وبأأن اعطاهئا حلريهتا سوف يبقهيا عىل صةل ابلوطن ا ألم ا ألمر اذلي جلب عليه التجرحي والكره ،ألن امجليع (الر أأي
العام ،الربملان ،البالط ،حزبه )...اكنوا ضد تكل الثورة .ورمغ اميان بورك ابحلرية ،اال أأن موقفه من الثورة الفرنس ية اكن
مغايرا ،اذ أأن بورك سكت يف أأايم الثورة ا ألوىل ومل يتلكم اال بعد حوايل أأربعة أأشهر من أأحداهثا ،وذكل اثر احتفال
"مجعية الثورة" ويه أأكرثية من املنشقني عن حزب ا ألحرار اذ يف هذه احلفةل تعاقب اخلطباء يف متجيد حزب ا ألحرار ،
ولكن أأحد القساوسة ادلكتور برايس priceوهو اكتب س يايس معروف عرب يف خطابه عن رسوره ملا أأحرزته قضية
احلرية من أأشواط جديدة عىل طريق التقدم بفضل فرنسا ،وهمينت أأصداء الثورة عىل الاحتفال طيةل اليوم .فلام عمل
بورك بذكل غضب من أأن يوجد من بني قومه الاجنلزي جامعة يضعون يف نفس الكفة ثورة عام 1688الاجنلزيية الواقعة
الوطنية احملدودة الربوتس تانتية والثورة الفرنس ية الفاجرة ،اجملردة ،املنطلقة الاكفرة ،فقام يكتب خواطره يف رساةل اثنية اىل
صديق هل من نبالء امجلعية الفرنس ية "دومونغيل" ،واكن بورك قد كتب رساةل أأوىل يعلق فهيا عىل أأحداث فرنسا ،فأأراد
ابلرساةل الثانية أأن حيدثه عن الاحتفال الاجنلزيي والعدوى املؤسفة اليت تأأيت من فرنسا واس تطالت الرساةل ولك يوم
يضيف الهيا شيئا جديدا حىت بلغت 356صفحة.
وعن نرش الكتاب لقي جناحا عاما وأأعيد طبعه احدى عرش مرة يف أأقل من اثين عرش شهرا وبيع منه 39
أألف نسخة حىت وفاة بورك س نة .1797
-2فلسفة وأأفاكر بورك الس ياس ية من خالل نظرة عامة اىل خواطره
يظهر ألول وهةل من خالل خواطر بورك ظاهرة انعدام التكوين املس بق ل ألفاكر ،وانعدام التصممي العام،
والتفصيل املرتب ،والسبب أأن خواطره ليست كتااب بل رساةل ،اذ ال يبدو فهيا عنوان ما وال أأقسام وال فصول...
ويبد أأ بورك رسالته ابلرد عىل خطاب ادلكتور برايس يقابل بني الثورة الاجنلزيية لس نة 1688وبني ثورة
فرنسا لس نة ،1789مث ينتقد يف الشطر الثاين املؤسسات اجلديدة للجمعية الوطنية يف فرنسا ،يف قواعد المتثيل
الس يايس ويف وضع السلطة التنفيذية ويف التنظمي القضايئ والعسكري واملايل ،وما هيمنا هو الرتكزي عىل فلسفة بورك
7
الس ياس ية واليت يركز فهيا عىل روح العرص ،اليت تريد أأن تقمي اجملمتع املدين عىل املفهوم اجملرد العقيل احملض الفردي
حفسب اذلي يعترب املفاهمي السابقة مناقضة للعقل والطبيعة ،لكن بورك س يبين فلسفته عىل أأساس مناهضة روح العرص
مدافعا عن تيار روح التارخي وخملفاته والامتيازات والالمساواة والتسلسل والطبقات وادلين اخل ...هذه اجلوانب اليت
تريد أأن هتدهما الثورة الفرنس ية ،ويقمي بورك دفاعه عىل ا ألسس الآتية:
أأ -التحرر من املفاهمي اجملردة ومفهوم حقوق االنسان:
منذ أأن دعا بورك يف خطاابته عن الثورة ا ألمريكية اىل تأأييد احلرية أأعلن أأنه ال يدافع عن احلرية مكفهوم جمرد،
بل اكن يدافع عن احلرايت الواقعية أأي احلرايت الاجنلزيية املنتقةل اىل العامل اجلديد ،يقول بورك" :انين ال أأدخل يف هذه
المترينات امليتافزييقية ،فانين أأكره حىت وقع هذه اللكمة عىل ا ألسامع" ،من أأجل هذا يرفض بورك لك مناقشة يف العمل
جمردة عن مناس بات الزمان واملاكن وا ألشخاص.
أأما ابلنس بة ملفهومه عن حقوق االنسان فقد انتقدها بورك يف شلكها اجملرد املطلق كام جاءت عىل لسان
الثوريني الفرنس يني وعىل لسان ادلكتور برايس اذلي امتدهحا يف اجنلرتا وبورك اعتربها مبثابة لغم هميأأ حتت ا ألرض حىت
اذا ما انفجر نسف دفعة واحدة ما جاءت به العصور القدمية وا ألعراف واملواثيق ،ذلكل يتساءل بورك كيف يطلب منه
أأن هيئن فرنسا عىل حريهتا قائال" :كيف أأس تطيع اليوم اذن أأن أأهئن هذه ا ألمة عىل حريهتا ،نرى الآن احلرية يف معناها
اجملرد ينبغي أأن توضع بني خريات البرشية ،فيذهب يب الر أأي بلك جد اىل مباركة اجملنون اذلي ينطلق من قرص امحلاقة
وظلمة العزةل يف الزنزانة مبجرد ألنه اس تعاد الضياء واحلرية ،وهل يذهب ذكل يب اىل مباركة السارق أأو القاتل اذلي
حطم القيود اليت اكنت مفروضة عليه ابعتباره أأن هذه القيود اكنت حترمه من حقوقه الطبيعية".
أأي مفهوم خاطئ اذن هو مفهوم حقوق االنسان يف شلكها اجملرد املطلق فلو أأردان احلقوق احلقيقية لالنسان
فان من الأكيد أأن الناس مجيعا أأحصاب حق يف طلب العداةل يف حمصول صناعهتم ويف لك الوسائل ا ألخرى اليت ينتجوهنا
احلق يف الانتساب اىل أآابهئم و أأن ينشؤوا وينفقوا عىل أأبناهئم.
ان من حق االنسان أأن يسعى ألي يشء سعيا مس تقال من أأجل مصلحته دون أأن يتعدى عىل مصلحة
الآخرين.
لكن اذلي اكن يطلبه الثوريون هو قبل لك يشء حق اقتسام احلمك والسلطة وتس يري شؤون ادلوةل ،فيقول
بورك "انين سأأنفي دامئا وبشلك مطلق أأن يكون هذا احلق بني احلقوق املثارة ا ألولية لالنسان يف اجملمتع املدين ،ان احلمك
ال يقوم ابالس تثناء عىل احلقوق الطبيعية ،فهذه ميكن أأن توجد بل يه موجودة فعال بشلك مس تقل عن احلمك ،و أأن هذه
احلقوق وان اكنت أأكرث وضوحا وكامال يف شلكها اجملرد ،فان هذا الكامل اجملرد هو عيهبا العميل ،اذ أأنه حيامث يكون ذكل
احلق يف لك يشء فانك تفقد لك يشء".
8
ويس تطرد بورك 'ان احلمك هو من ابداع العقل البرشي من أأجل تلبية حاجات الناس وال جدال يف أأن أأول
حاجة يه احلد بشلك اكف من ا ألهواء".
فا ألهواء واملصاحل البرشية كثرية ومعقدة = اليشء اذلي يؤدي اىل ظهور اجتاهات كثرية ومتنوعة حلقوق
االنسان = ولكن بقدر ما تكون النظرايت حصيحة يف شلكها امليتافزييقي ،فاهنا تكون خاطئة أأخالقيا وس ياس يا ،بسبب
ا ألهواء واملصاحل = حىت ألنه ملن الصعب تعريف حقوق االنسان ،ولكن ليس من املس تحيل أأن نلمس هذه احلقوق.
ب -الطابع الشخيص للمؤسسات ومفهوم الطبيعة:
= يرى بورك أأنه من اخلطأأ البالغ نزع الطابع الشخيص عن املؤسسات يف ادلوةل.
= مفؤسسات ادلوةل مجيعها اكنت ترتبط ابملكل = جفاء الثوار ونسفوا هذا الطابع الشخيص = وهذا ما أأاثر
بورك ،اذلي أأصبح خيىش تغري لك يشء = لك ا ألوهام ا ألخاذة اليت اكنت جتعل السلطة حمبوبة.
= فمل يعد يف احلياة العامة الس ند اذلي اكن يدمعها ابلود = كام غدا املكل خشص اكلآخرين وامللكة جمرد امر أأة.
= ان حمو التشخيص عن مؤسسات ادلوةل حيول دون تودل احلب والتقديس واالجعاب والتواصل بني
املواطنني ،وس يذهب بلك هذه ا ألحاسيس النبيةل لالنسان عن االنسان.
= أأما مفهومه عن الطبيعة = فيعتربها تساوي التارخي = أأي التجربة التارخيية = اذ أأن الطبيعي هو اذلي
يتكون كنتيجة لامنء اترخيي طويل ولعادة قدمية العهد = أأي عادة أأنشأأها التارخي.
= فا ألش ياء يف نظر بورك جتري بصورة طبيعية ويكشفها لنا التارخي = ذلكل جيب أأن نرتكها جترى دون أأن
نتدخل يف سريها ،ألهنا بصورة عامة جتد بنفسها النظام اذلي يالمئها = ان هذا املفهوم للطبيعة يقود اىل تثبيت خملفات
السلف واىل دمع ا ألفاكر السابقة واىل احليلوةل دون حمو املايض برمته دفعة واحدة.
= فاجنلرتا يف أأعرافها ادلس تورية مل تفعل شيئا سوى أأهنا طبقت يف الس ياسة هذا املفهوم ،وهو جد طبيعي =
وعىل هذا املفهوم أأقام بورك تفسريه لثورة عام .1688
= ويفتخر مبا حققته هذه الثورة يف موضوع احلمك ،اذلي جاء بطريقة واحدة = يه ارث ا ألسالف = ويقول
بورك بأأهنم عنوا بأأن ال جيعلوا فو ق هذا املرياث شيئا غريبا عن طبيعته = فنحن كام يقول بورك – منكل اتجا مورواث
وكذكل ا ألمر ابلنس بة جمللس اللوردات ودلينا كذكل جملس العموم وشعب هلام حبمك التارخي امتيازاهتام وحرايهتام.
= وهذه الس ياسة يه مثرة تفكري معيق = أأي نتيجة لهذا التقليد عن الطبيعة هبذه الس ياسة ادلس تورية اليت
تعمل وفقا لمنوذج الطبيعة.
فالهنج االجنلزيي هو هنج طبيعي ،ما دام مثرة الامنء التارخيي.
9
ج -بورك بني املساواة املطلقة والالمساواة ومفهومه للعقل العام أأو العقل الس يايس:
ان روح العرص واملنطق اجملرد ،يكرهان اىل حد بعيد ا ألفاكر السابقة = لكن بورك يراها طبيعية لكام اكنت
نتيجة لهذا التارخي = ويرى أأن من الطبيعي قيام النبل عىل املودل ،و أأن اس هتجان الثائرين هبذه الفكرة هو ا ألمر
الاصطناعي غري الطبيعي.
= كذكل من الطبيعي ما بذهل لك فرد من هجد لدلفاع عن حيازة أأمالكه والامتيازات املنتقةل اليه
(الاس متساك هبا أأمر غريزي) ويشء طبيعي أأكرث من الغريزة = أأما ا ألمر غري الطبيعي ،فهو املساواة الغالبة عىل الثوريني
الفرنس يني ويه مساواة مرغومة /ألنه يف لك اجملمتعات اليت تتأألف ابلرضورة من طبقات متباينة من املواطنني ينبغي أأن
توجد بيهنا طبقة من الطبقة املهمينة = لهذا فاذلين يريدون التسوية بني الطبقات امنا يبدلون الوضع الطبيعي للأش ياء =
وهذا يرهق بنيان اجملمتع.
وهكذا يغتصب الثائرون ممزيات الطبيعة اليت تعرف وحدها ما ينبغي وضعه يف ا ألسفل وما ينبغي أأن يكون
يف ا ألعىل" :ان ادلوةل تكون مظلومة اذا ما مسحنا ألفراد الطبقات مجيعا فرادى حبمك ادلوةل ،فنحن ال نتغلب يف ذكل
عىل فكرة سابقة عىل العكس حنن نعلن احلرب عىل الطبيعة.
وعرب بورك عن التحدي الشنيع للطبيعة من قبل الثوار الفرنس يني = ذكل هبدم لك يشء العادة بناء لك يشء
= ويرى أأن خطأأ الثورة يف التعجل السخيف اناكرا لسري الطبيعة = فيقول بورك" :ان الطريقة االجنلزيية التجريبية ال
تعمل للتغيري اال عن طريق احملافظة وال حتافظ اال عن طريق التغيري".
= فالتجديد ابلطريقة الفرنس ية أأمر ال يوامئ الطبيعة = أأما اذلي مث يف اجنلرتا فهو اذلي يوامئها" :ان الاجنلزي
بفضل مقاومهتم العديدة للتجديد وبرودة الطابع الوطين ما يزالون حيملون طابع ا ألجداد ،فهم ال بأأتباع روسو ،وال أأنصار
فولتري ،فليس امللحدون مبفكرين هلم ،وال اجملنونني مرشعني هلم ،ومه يعرفون أأهنم مل يكشفوا فن احلمك ،ألهنم يعتقدون بأأنه
ليس مثة اكتشاف يف موضوع أأخاليق وال يف مبادئ احلمك أأو يف أأفاكر احلرية ...ومه مل يفرغوا بعد من أأحشاهئم وال
أأعيدت خياطهتم".
= وهكذا يضع بورك بكربايء طابع احملافظة االجنلزيية القامئة عىل احرتام الطبيعة من حيث مناء التارخي يف سري
طبيعي .
أأما خبصوص العقل فيقول بورك" :حنن الاجنلزي خنىش أأن نعرض بين االنسان اىل أأن تكون حياهتم قامئة عىل
العقل وحده ،ألننا نعتقد أأنه ر أأسامل ضعيف دلى لك فرد".
فبورك ال ينكر قمية العقل الفردي ،وامنا يعتربه قليل ا ألثر = فهو وحده ر أأسامل ضعيف = ومن اخلري للناس
ا ألخذ من البنك العام ومن ر أأسامل ا ألمم والعصور = أأي ا ألفاكر السابقة العامة املوروثة عن ا ألسالف.
10
= فاذا اكن الفرنس يون مل يشاءوا ا ألخذ مهنا الصطداهما مع العقل الفردي.،
= فان الاجنلزي يفكرون بطريقة أأخرى = مففكرومه يسعون للكشف عن احلمكة اخلفية اليت هتمين عىل لك من
تكل ا ألفاكر املس بقة العامة = فاذا ولوا اىل هدفهم ومن النادر أأن خيطئوا ،فاهنم يعتقدون أأن احلمكة يف احلفاظ عىل
الفكرة السابقة مع قاعدهتا العقلية اليت حتتوهيا.
= وهكذا فالعقل العام هو مثرة اجامتع التجارب الطويةل لذلين س بقوان.
()1762-1824
مقدمة عامة
امتد لهيب الثورة الفرنس ية اىل أأوراب ،وذكل بقيام زعامء الثورة بتصديرها اىل خارج فرنسا ابمس نرش احلرية،
مدعيا لدلول اليت يغزوها جيشه بأأنه ليس مبحتل وامنا يسعى اىل نرش احلرية وحتقيق اململكة العاملية ،ورمغ أأن هذه
ادلعوة لالمرباطورية وجدت بعض الصدى عند بعض ا ألعيان ا ألملان ،فان أأحد الفالسفة الكبار سيتصدى لها ليوحض
ل ألملان نواايها احلقيقية ،مدافعا عىل حتقيق ادلوةل ا ألمة ا ألملانية أأوال ،وعندما تتحقق تؤدي بدورها رسالهتا احلضارية يف
العامل.
هذا الفيلسوف هو خفته ،اذلي نلمس أأفاكره تكل من خالل خطاابته اىل ا ألمة ا ألملانية واليت بد أأ يلقهيا يف
برلني ابتداء من يوم 13دجنرب 1807ولقد مضهنا عصارة فكره الس يايس ،واكن من أأوائل املنتقدين لالحتالل الفرنيس
ودعا برصاحة لالس تقالل وبناء ادلوةل القومية ا ألملانية.
اكن خفته جامعيا اثئرا وقد س ببت هل أأفاكره متاعب كثرية ،حىت أأضاع كرس يه اجلامعي ،فاضطر بأأن يرتك
تدريس الفلسفة يف جامعة "ايينه " عام 1799وأأقام يف برلني بال مال وال معل ،ومل يفقد احليوية وتقبل الرصاع ،و ألنه
اكن واثقا أأيضا يف أأنه سوف يلقى (بعد 10س نني) الاحرتام االجامعي من الشعب ا ألملاين ،مث س تطلب منه احلكومة
11
الربوس ية ليشغل كرس يا للفلسفة يف "أأنلكن ،"Enlangenاال أأن احلرب اندلعت بني انبليون وبروس يا انهتت يف أأسابيع
هبزمية الشعب الرويس ،فاضطر اىل الهرب اىل مدينة كونكس – بورغ " Koenigs –Bergاليت مل يصلها الاحتالل
الفرنيس ،وهناك درس خفته كتاب ا ألمري وأأخذ حيث الشعب الربويس عىل مقاومة الاحتالل.
فقرر خفته التنديد بأأفاكره التحررية ابملس تعمر ،فسافر اىل برلني احملتةل "ليخطب من أأجل توعية ا ألمة
ا ألملانية.
ورمغ أأن خفته بدأأ يف انتقاد الثورة الفرنس ية ،وخصوصا جانهبا التوسعي واليت اكن يصفها ابلثورة الكربى ،فانه
مل يعترب ذكل تناقضا منه ،وامنا سعى يف البداية اىل ادلعوة اىل الوحدة ا ألملانية أأوال ،بعد ذكل حتقق أأملانيا يه نفسها أكمة
ادلعوة العاملية االنسانية.
ورمغ أأن دعوته يف البداية مل جتد اذاان صاغية ،فانه مل ييأأس اذ يقول" :ان أأاي اكن من بني أآالف املفكرين
ا ألملانيني يس تطيع أأن يتخذ لنفسه هذا احلق ...،التدخل اليقاظ الشعب من غفةل الهزمية ،ولكن أأحدا مل يتقدم لهذه
املهمة ،فاذا تقدم علهيا خفته ،ف ألن أأحدا غريه مل يفعل شيئا قبهل والبد يف لك شأأن من أأول ،وأأي انسان يس تطيع أأن
يكون هذا ا ألول عليه أأن يكون".
ففي الوقت اذلي اكن فيه خفته يلقى منه خطبه ،اكنت السلطة الفرنس ية تتجسس حتت نوافذ الأاكدميية،
ورمغ ذكل فان ذكل مل حيبط من عزميته بقضيته يف حترير وطنه اذ يقول" :امنا أأفعل ما أأعتقد أأنه واجب عيل ليس غري"،
أأما السلطات الفرنس ية ،فاكنت ال تعرف يف الغالب اال عناوين تكل اخلطب اليت تدور حول حتسني الثقافة ويه جمرد
دروس تعطى يف برلني عىل يد أأس تاذ أأملاين شهري ،اال أأن السلطات الربوس ية اكنت ختىش عليه من الفرنس يني ،ذلكل
اكنت ترتدد يف اعطاء االذن بطبع تكل اخلطب ،حىت لقد زمع املراقبون الربوس يون أأنه قد طاع اخلطاب الثالث عرش،
واذلي ندد فيه خفته ابلعبقري الكبري اذلي يزمع أأنه يسري شؤون الكون ويقصد بذكل "انبليون" بدون ذكر الامس وكذا
يف خمتلف اخلطاب اليت طبعت مل يذكر فهيا امس فرنسا رصحيا.
12
ادلعوة اىل ثقافة جديدة -1
دعا خفته يف أأوىل خطبه اىل عامل جديد ،ينتظر من جميئه انقاذ ا ألمة ا ألملانية وجيب أأن يتودل مع التحول
املطلق للهنج التثقيفي املطبق حىت ذكل احلني ،يقول خفته" :لقد أأضعنا لك يشء ولكن بقيت دلينا الثقافة".
فالثقافة القدمية غدت باكملها يف غري حملها ،ويه تستند بصورة مطلقة اىل اذلاكرة فتشحهنا بلكامت ،وببعض
التعابري وتطبع اخليال البائد الفاقد احلس ،ببعض الصور املهمة الباهتة ويه ال تسمح أأبدا يف تصوير النظام ا ألخاليق للعامل
مبا يكفي من ادلئف لتغرس يف نفوس الطلبة التعلق القوي هبذا الناظم ا ألخاليق ،أأي الشعور العميق اذلي تسحب بفضهل
ا ألاننية من عقول الناش ئة ،ولهذا فان هذه الثقافة مل تس تطع أأن تصل اىل جذور احلياة النفس ية والطبيعية ،ذلكل مل يكن
بوسعها أأن تسامه يف تكوين الرجال ،هذا ابالضافة اىل كوهنا حمدودة يف أأقلية ضئيةل تسمى ابلطبقة املثقفة.
أأما الثقافة اجلديدة ،فيجب أأن تتجه اىل الأكرثية الكربى ،أأي اىل الشعب ويه ثقافة وطنية ،س تكون اذن
فن تكوين الرجال ،وستنفذ اىل اجلذور احلقيقية للحياة النفس ية والطبيعية ،وتكون الثقافة من العنارص املنش ئة لالنسان،
وليس خارجة عنه ،وعلهيا أأن تمني يف الطالب فعال نشاط الفكر اخلالق ،كام تمني مواهبه اجلسمية ،وتوهجه اىل ا ألعامل
اليدوية وعلهيا أأن ختلق فيه االرادة ،وتوجهيه الوهجة ادلينية الصحيحة فتلمه أأن ينظر بعني الاحرتام والاعتبار اىل حياته
اخلاصة واىل أأي حياة زوجية أأخرى كحلقة يف سلسةل اكتشاف احلياة االلهية ،وهذه املفاهمي لكها ال تبقى ابردة ميتة،
وأأهنا جتد يف لك حلظة صداها يف احلياة احلقيقية للطالب وتغدو حية مبجرد احتياهجا يف احلياة الهيا ،غري أأن مثل هذه
النتاجئ تتطلب مثل هذه الرشوط الرضورية أأمهها شأأان أأن ا ألطفال جيب أأن يكونوا جامعة مس تقةل ذات عن جممتع
الش باب املصابني اب ألاننية ،أأما أأساتذهتم اخملتارون فيعيشون معهم ،وأأما أأهلهم فيبعدون عهنم ،وتكون هذه امجلاعة مكونة
من اذلكور واالانث ،ميكن لهذه امجلاعة احملدودة املعزوةل ،أأن حتول ا ألطفال اىل أأانس ،قد نقشت يف أأفاكرمه بشلك أآيل
صورة النظام الاجامتعي للحياة العامة ،وادلوةل يه اليت تس تطيع أأن تضع موضوع التطبيق العميل ملثل هذا الهنج اجلديد
يف الثقافة الفعاةل ،ألن ادلوةل يه اليت تس تطيع ذكل ألن أأهل الطالب س يقاومون ،ألنه البد من القسوة النشاء احليل
13
ا ألول عىل ا ألقل ،مث تأأيت هذه الثقافة اجلديدة مثارها ا ألوىل والبد من موارد واسعة عىل االنفاق عىل الهنج اجلديد ،وتكل
احدى الس بل اذ تنفق فهيا ادلوةل أأموالها ألهنا س تكسب أأجياال نشأأت عىل حسب احلياة اجملمتعة وعىل العمل والنظام
ا ألخاليق.
ذكل أأمه ما يف اخلطب الثالث ا ألوىل ،مث بدأأ خفته يف صدر خطبته الرابعة ميس السلطة احملتةل ،وذكل
ابعتباره أأن هذا الهنج ال ميكن أأن تطبقه اال العبقرية ا ألملانية مدافعا عىل الطابع اخلصويص للشعب ا ألملاين.
يقول خفته" :ان هذه الثقافة اجلديدة ال يس تطيع أأن يتلقاها اال ا ألملاين املأأخوذ بذاته وذلاته" ،فهو القادر عىل
أأخذ هذه الثقافة بني بقية ا ألمم ا ألوربية وذكل بسبب الطابع ا ألسايس اذلي يمتزي به".
ان ا ألملاين اذلي ظل يف املوطن ا ألول للقبائل اجلرمانية اليت احتلت أأوراب قد حافظ عىل لغاته كيشء أأويل،
وبدايئ وخشيص ،وهذه اللغة جاءت انجتة عن احلياة املشرتكة اليت تأأىب قبول فكرة ال تتفق وبقية ا ألفاكر يف ا ألمة أأما بقية
القبائل اجلرمانية ،فهيي عىل العكس حيامث ذهبت اىل ايطاليا أأو فرنسا أأو اس بانيا .قد أأخذت لغات جديدة من أأصل
التيين غريب عن لغهتا ا ألصلية ،وقد جاءت اللغات اجلديدة الصادرة عن الالتينية تقطع بدورها صلهتا ابللغة اليت أأخذت
عهنا ،واذا يه يف احلقيقة ال حتىي اال حياة سطحية ،ويه لغات ميتة ،ان هذه الشعوب ال متكل لغات أأصلية ،وأأن
الفرق بني ا ألملاين وبني الآخرين هو أأن احلياة يف جانب واملوت يف اجلانب الآخر ،ذلكل فان ا ألملاين اذلي ميكل لغة حية
هو ا ألقدر حىت عىل فهم الالتيين ويه لغة أأصلية ميتة وهو أأقدر عىل ذكل من أأحصاب اللغات اجلديدة اليت أأخذت
عهنا ،فقد غدا هؤالء أأرسى لغة ال جذور لها.
ذكل يف الطابع ا ألسايس للفرد ا ألملاين أأما نتاجئه فال حرص لها يف نظر خفته وهو يدرسها وينقب عهنا يف
مجموعها من خالل اخلطبة اخلامسة والسادسة والسابعة والثامنة.
14
ان الشعب اذلي ميكل اللغة احلية (ا ألملاين) هو اذلي تتغلغل الثقافة يف حياته الاكمةل ،أأما عند الآخرين ،فان
ثقافة الفكر وثقافة احلياة تنفصل احداها عن ا ألخرى بشلك جذري ،فا ألملاين يعىن بلك ما يتصل بثقافة الفكر يف حني
أأن هذا جمرد تسلية علوية يف نظر الآخرين يرسلون أأنفسهم مع الطبيعة السحرية ،وابختصار فان العبقرية ا ألجنبية
التنرش الورود يف الطريق اليت اختطها ا ألقدمون ،وتنسج معطفا لطيفا حتيكه احلياة ،وتقول بلك يرس هذه يه الفلسفة.
أأما الفكر ا ألملاين فهو عىل العكس يفتح منامج جديدة ،وينفد الضياء والنور اىل الهوى ويفجر مجموعات خضمة
من ا ألفاكر تبين مهنا ا ألجيال نزال لها ،ان العبقرية ا ألجنبية اكلنحةل املاهرة الصناعة اليت تنشئ العسل ،أأما الفكر ا ألملاين
فس يصبح اكلنرس اذلي يهنض جبناحه القوي حامال جسام ثقيال ويصعد بطريانه القوي اذلي مارسه طويال من ا ألعىل اىل
ا ألعايل حني يقارب الشمس اليت يشغفه تأأملها.
ما ابل ا ألملان اذن؟ يبلغ هبم الشغف حدا أأن يقدلوا ا ألجنيب وأأن يعجبوا بأآداب اللغات الآخذة عن
الالتينية (يقصد الفرنس ية) اليت ال يسمهيا ابمسها مع أأهنا أآداب ميتة و أأزهار اصطناعية ،يسعى وراء
حتصيلها أأولئك اذلين يسمون ابلطبقة املثقفة ومه أأقلية ضئيةل ،وهنا تربز نتيجة اثنية جديدة للطابع
ا ألسايس اذلي يمتزي به ا ألملان" :ان أأكرثية ا ألمة قادرة عىل تلقي الثقافة ،أأما الآخرون فان الطبقة املثقفة
وحدها يه القادرة عىل تلقي الثقافة ،ويف نظرها أأن الشعب ليس اال أآةل معياء يف خدمة كربايهئا
وتفوقها".
ان الشعب ا ألملاين وحده هو اذلي اس تطاع أأن يتحىل بفكر متدين بصورة جديدة حقيقية ،لوثر ،وهو
ا ألملاين بلك معىن اللكمة هو اذلي قام ابلعمل العظمي اذلي هو االصالح ادليين (الربوتس تانتية) ،فتوجه
اىل الشعب ا ألملاين هو وحده اذلي اس تطاع أأن يوفق بني ادلين والفلسفة بيامن هام عند غري ا ألملان
متعاداين.
15
لقد حاول ا ألجانب عبثا انشاء ادلوةل الاكمةل العقالنية ،منذ أأن تصدى أأفالطون لدلعوة اىل مثل هذه
ادلوةل ،ومن مت ختلوا عن هذا ألن هذه ادلوةل ال ميكن أأن تنشأأ اصطناعيا بأأي مادة من املواد ،وامنا تمت
ببناء وتكوين الشعب وال يقدر عىل انشاء ادلوةل الاكمةل اال ا ألمة اليت تس تطيع معليا حل معضةل
التثقيف االنساين الاكمل ،وهذه العصور احلديثة شاهدة عىل أأن ا ألملان مه ادلين حققوا تقدم املعرفة ،كام
تشهد عىل ذكل الصةل الوثيقة بني ا ألمة ا ألملانية وبني مظاهر التقدم البرشي.
وابمجلةل فان الطابع ا ألسايس ل ألملان يرحج اىل أأن ا ألمة ا ألملانية اليت مل تنفصل عن طابعها ا ألول كام
حدث لبقية القبائل اجلرمانية تؤلف عرقا أأوليا ،شعبا هل احلق من أأن يتخذ لنفسه بلك يرس وصفا،
وصف الشعب جتاه تكل القبائل ،وهنا يقول خفته يف خطابه الثامن حني يتحدث عن الشعب يف أأرفع
معاين هذه اللكمة يه من خالل مفهوم الوطنية.
يقول خفته أأن ا ألملاين وحده أأي االنسان ا ألول اذلي مل يربط نفسه مببادئ اعتباطية هو اذلي ميكل حبق وطنا
ألن الشعب الوحيد اذلي يس تطيع أأن يكن ألمته حبا حقيقيا متوافقا مع العقل وهذا احلب هو الوطنية.
لهذا ينبغي أأن يس يطر الشعب عىل ادلوةل نفسها ،فادلوةل ليست شيئا أأوليا حيمل غايته يف ذاته وامنا ادلوةل
وس يةل لتحقيق الغاايت الآنفة اذلكر.
هذه يه الوطنية ا ألملانية احلقيقة القوية وعلهيا املعول ما دامت متنع ا ألمة من أأن تبقى حمرومة من الوصول اىل
حتقيق غايهتا نظرا لالحتالل ا ألجنيب وهذه الوطنية ينبغي أأن تغرس بعمق وثبات يف لك ا ألفاكر عىل يد الثقافة ابعتبار
أأن الشعب ا ألملاين خادل وأأن أأبناءمه مواطنو اخللود.
ان أأمه ما يف خطب خفته ،مرامهيا البعيدة ،اذ مل يكن يوهجها للمس تعملني اليه يف قاعة احملارضات الكربى يف
أأاكدميية برلني حفسب وامنا اكن يتجه هبا اىل سائر ا ألمة ا ألملانية دون تفريق بني طبقاهتم أأو دوهلم.
16
فعىل الثقافة اجلديدة أأن تنشئ يف مجيع ا ألملان جامعة وحدية فيقول" :ان نفحة احلياة يف عامل الروح مل تتوقف
بعد ،وامنا س تتناول عظام جسمنا الوطين وتضمها فامي بيهنا لتعطهيا وجودا جديدا متبدال" ،فهو ينتقد تش تيت ا ألملان
وخضوعهم اىل الاس تعامر ويطالهبم ابلوحدة ،كام ندد ابالجعاب اب ألجنيب وبلغته وأآدابه وشعره ،ومل ينرش يف حديثه اىل
ذكر فرنسا رصاحة ،كام أأنه خسر من العبقري الكبري اذلي يزمع أأنه يسري الشؤون البرشية ،دون أأي ذكر المس انبليون.
يف اخلطبة الثالثة عرش صاغها بأأسلوب من الثورية ،ال ختتفي ا ألفاكر ا ألساس ية املقصودة منه ،مما اضطر
دائرة الرقابة الربوس ية اىل الادعاء بضياع خمطوط اخلطاب ،وكذكل مل يعط االذن بنرش اخلطبة الرابعة عرش ويه
اخلامتة ،اال بعد ادخال بعض التعديل علهيا ،ألهنا اكنت دعاء اىل املعركة الروحية ،واكنت دعوة اىل محل السالح واحضة
بني سطورها.
لقد اجته خفته اىل الش باب والش يوخ ورجال ا ألعامل واملفكرين والعلامء كذكل اىل ا ألمراء ا ألملان اذلين اكن هلم
نصيب يف الآالم اليت أأصابهتم مثلام أأصابت شعوهبم ،مث يتوجه اىل ا ألملان مجيعا أأاي اكن ماكهنم يف اجملمتع ،فيذكرمه بأأجدادمه
ا ألبعدين اذلين قاموا مبحاوةل حتقيق اململكة العاملية عىل يد روما ،فأأخذوا بدماهئم اجلبال والسهول وا ألهنار اليت غدت الآن
فرنس ية ،ويذكرمه كذكل ابلتضحية اليت بذلوها من أأجل االصالح ادليين ،كام دعامه اىل تلبية دعوة العناية االالهية اليت
ترعى اجلنس البرشي ،فهيي نفسها هتيب هبم ،لهذا ينبغي أأن يقف الفكر ا ألملاين أأمام ا ألجنيب يف هذه اللحظة الفاصةل
يف حياة ا ألمة ا ألملانية ،ويقول خماطبا ا ألمة ا ألملانية" :انه جيب اخليار فهل يريدون أأن تكونوا نقطة الهناية ،أآخر املمثلني
لعنرص خمتفي اىل أأبعد حد أأم تريدون أأن تكونوا نقطة أأولية وبداية عهد جديد يتجاوز ضياؤه أأكرث ا ألحالم جرأأة ،فكروا
يف أأنمك أآخر من يس تطيع أأن يأأيت هبذا التحول العظمي" ،ويضيف "ان سالمتمك تتوقف عليمك وحدمك ،وانين ال أأعتقد أأنه
من الرضوري أأن أأعيد هذا القول حىت اللحظة ا ألخرية أأن ا ألمطار والندى والس نني اخلاصبة والس نوات العجاف ،ميكن
أأن تأأيت من قوة جمهوةل ال تقبل التأأثري علهيا ،ولكن الوجود اخلاص للناس ووضع اجلنس البرشي ال يتوقف اال عىل الناس
17
وأأن الناس ال يعدون أألعوبة يف يد هذه القوة اخلفية اال اذا اكنوا مجيعا معيا وهجاال عىل حد سواء غري أأن يف وسعهم أأن ال
يكونوا معيا وال هجاال.
وعند ا ألسطر ا ألخرية من اخلامتة يبدو بلك وضوح ،الوضع الفكري الرويح اجلديد دلى خفته ،انه يرى العامل
من خالل أأملانيا ،فأأملانيا يه وحدها الوطن احلق ،والشعب ا ألملاين هو وحده الشعب بأأنبل معاين اللكمة فأأملانيا أأوال
واالنسانية اثنيا.
ان أأملانيا حسب خفته وحدها قادرة عىل حتقيق االنسانية ،وأأن تكون بني الشعوب ما ينبغي أأن يكونه
الفيلسوف احلق والعامل الصحيح بني الناس ،فان زالت أأملانيا ضاعت االنسانية ،ويف هذا الاجتاه يقول خفته" :اذا اكن مثة
جزء من احلقيقة فامي عرضناه اىل الآن يف خطبنا فهو أأنمك أأنمت بني مجيع الشعوب احلديثة متلكون بأأكرث الوضوح قابلية
الكامل البرشي ،واليمك يعود املاكن ا ألول يف مناء االنسانية ،فاذا زلمت فان البرشية لكها س تفقد ا ألمل يف اجياد العالج
ألمراضها ،كام أأنه ال جيب أأن يعيشوا عىل أأمل مبين عىل ا ألوهام ،فانه يف حاةل ذهاب حضارتنا هذه ،فانه س تحل حملها
حضارة أأخرى ال يوجد خمرج أآخر ،فاذا دخلمت اىل عرص الظلامت ،فان االنسانية س تتبعمك بدون أأي أأمل للعودة اىل
احلضارة."...
مل يكن خلطب خفته يف البداية تأأثري يف نفوس ا ألملان اال بعد طبعها والاطالع علهيا ،حيث بدأأت الشجاعة
تدب يف النفوس وبدأأت القلوب مت أل ابالميان والوطنية ،حىت أأن أأعداء خفته أأخذوا يعرتفون بأأن أأي أأحد مل يتلكم عن
ا ألمة ا ألملانية هبذه العظمة والعمق.
ففخته وحده بني الرجال ،اكن ال ييأأس يف اللحظة اليت اكنت بروس يا تهنار ،واكن 15مليون أأملاين يفاخرون
بأأهنم حلفاء انبليون ،اال أأنه اس تطاع أأن يزرع يف النفوس الاعتقاد بأأن أأملانيا ابماكهنا اصالح ما أأصاهبا من خراب ،وقد
اكن وراء نداء اىل حترير الوطن ،ا ألمر اذلي حصل يف شهر مارس 1813عىل اثر هزامئ ما اكن يسمى ابجليش العظمي
يف سهوب بروس يا ،فأأعلن مكل بروس يا احلرب عىل فرنسا فأأراد خفته أأن يشارك بنفسه يف احلرب ،اال أأن مرض
18
"التيفوس" أأمل به يف 29يناير ،1818وامنا مل تغمض عينه الغمظة ا ألخرية اال واكنت جيوش بروس يا تدخل ظافرة اىل
فرنسا.
وصفت املثالية ا ألملانية بأأهنا نظرية الثورة الفرنس ية ...وال يعين ذكل أأن (اكنت وخفتة وشليخ وهيغل) قدموا
تفسريا نظراي للثورة الفرنس ية ،يل يعين أأن ادلافع الأكرب هلم اىل كتابة فلسفهتم هو رد الفعل عىل التحدي القادم من
فرنسا ،بغية اعادة تنظمي ادلوةل واجملمتع عىل أأساس عقيل ،حبيث ميكن التوفيق بني النظم الاجامتعية والس ياس ية وبني
حرية الفرد ومصاحله ...وعىل الرمغ مما وهجه املثاليون ا ألملان من نقد شديد اىل عهد االرهاب عن الثورة فاهنم أأمجعوا عىل
الرتحيب ابلثورة ذاهتا ،ووصفوها بأأهنا جفر عهد جديد ،ومعلوا مجيعا عىل ربط مبادهئم الفلسفية ابملثل العليا اليت دعت
الهيا الثورة.
وهكذا تظهر أأفاكر الثورة الفرنس ية من مصمي املذاهب املثالية وحتدد بناءها الفكري اىل حد بعيد ،فالثورة
الفرنس ية كام رأآها املثاليون ا ألملان مل تقترص عىل الغاء الزنعة االقطاعية املطلقة ،واحالل النظام الاقتصادي والس يايس
للطبقة الوسطى حملها ،بل اهنا مكلت ما بد أأته حركة االصالح ادليين يف أأملانيا ،حفررت الفرد وجعلت منه س يدا حلياته،
يعمتد فهيا عىل نفسه حفسب.
ولهذا مل يعد من احملمت أأن يظل مركز االنسان يف العامل ،وطريقة معهل واس متتاعه بأأوقات فراغه متوقفا عىل
سلطة خارجية ،بل أأصبح يتوقف عىل نشاطه العقيل احلر ،فأأصبح االنسان هو اذلات املس تقةل اليت تتحمك يف تطورها
اخلاص ...ومنذ ذكل احلني أأصبح تقدمه يف املعرفة هو اذلي يوهجه يف رصاعه مع الطبيعة ومع التنظمي الاجامتعي و أأصبح
19
العامل نظاما عقليا ،عىل أأن املس تقر اذلي انهتت اليه املثل العليا للثورة الفرنس ية اكن معليات الر أأساملية الصناعية،
وجاءت امرباطورية انبليون فعملت عىل تصفية الاجتاهات املتطرفة ،ودمعت يف الوقت ذاته النتاجئ الاقتصادية للثورة،
وفرس الفالسفة الفرنس يون عن هذه الفرتة حتقيق العقل بأأنه اطالق الصناعة من عقالها ...وبدا االنتاج الصناعي قادرا عىل
تقدمي لك الوسائل الالزمة الش باع احلاجات البرشية ...وهكذا ففي نفس الوقت اذلي يشد هيغل فيه مذهبه اكن سان
س ميون يف فرنسا ميتدح الصناعة بوصفها القوة الوحيدة القادرة عىل أأن تقود البرشية اىل احلرية واىل تكوين جممتع عاقل.
ولقد اكن المنو الاقتصادي يف أأملانيا متخلفا اىل حد بعيد عام هو عليه يف فرنسا واجنلرتا .ومل يكن يف وسع
الطبقة الوسطى ا ألملانية أأن تتطلع للثورة لكوهنا اكنت مشتتة وضعيفة ،وهكذا فبيامن اكنت الثورة الفرنس ية قد بد أأت
ابلفعل يف تأأكيد حقيقة احلرية ،اكنت املثالية ا ألملانية ال يشغلها اال البحث عن فكرة احلرية حفسب ...ومعىن ذكل أأهنا
نقلت اجلهود التارخيية العينية اليت بذلت القامة شلك معقول من أأشاكل احلمك ،اىل املس توى الفلسفي ،حبيث جتلت هذه
اجلهود يف احملاوالت اليت بذلت من أأجل ايضاح معامل فكرة العقل.
وحيتل مفهوم العقل ماكنة مركزية يف فلسفة هيغل ،فقد اكن من ر أأيه أأن التفكري الفلسفي ال يفرتض مقدما أأي
يشء عداه ،و أأن التارخي يبحث يف العقل ،وفيه وحده ،و أأن ادلوةل امنا يه حتقيق العقل ...عىل أأن هذه العبارات لن
تكون مفهومة لو فرس العقل عىل أأنه تصور ميتافزييقي حمض ،اذ أأن فكرة هيغل عن العقل قد ظلت حمتفظة اب ألماين
املادية يف حتقيق نظام عقيل حر للحياة ،وان اكنت قد احتفظت هبا بصورة مثالية.
فلب الفلسفة الهيغلية امنا هو بناء تس متد تصوراته – ويه احلرية واذلات ،واذلهن والفكرة – من فكرة
العقل ...وما مل تنجح يف الكشف عن مضمون هذه ا ألفاكر والارتباط الباطن بينه ،فسوف يظل مذهب هيغل يبدو
ميتافرييقيا غامضا ،مع أأنه يف الواقع مل يكن كذكل.
لقد ربط هيغل بني تصوره للعقل وبني الثورة الفرنس ية ،و أأكد هذه الرابطة أأعظم تأأكيد ..فالثورة طالبت "بأأال
يعرتف ببصمة أأي يشء عن أأي دس تور سوى ما يتعني الاعرتاف به وفقا حلقوق العقل".
20
ولقد اكن هيغل يرى أأن القول احلامس اذلي طر أأ عىل التارخي مع الثورة الفرنس ية اكن انتقال االنسان اىل
الاعامتد عىل عقهل ،وجتارسه عىل اخضاع الواقع ملعايري العقل" ..فال يشء يعقل ما مل يكن نتيجة تفكري ،ولقد أأخذ
االنسان عىل عاتقه أأن ينظم الواقع وفقا ملتطلبات تفكريه العقيل بدال من الاكتفاء بتشكيل أأفاكره وفقا للنظام القامئ والقمي
السائدة".
ان االنسان اكئن مفكر ..وعقهل يتيح هل أأن يتعرف عىل اماكانته اخلاصة ،وعىل اماكانت عامله..ومن مت فهو
ليس واقعا حتت رمحة الواقع احمليط به ،وامنا هو قادر عىل اخضاعها ملعيار أأرفع ،هو معيار العقل..ولكن الواقع الفعيل هو
أأن العبودية و الالمساواة يه السائدة ،و أأن معظم الناس يفتقرون افتقارا اتما اىل احلرية ،وحمرومون من لك ما اكنوا
ميلكون ..ومن مت مفن الواجب تغيري الواقع "غري املعقول" اىل أأن يصبح ممتش يا مع العقل..
ويف ر أأي هيغل أأن الثورة الفرنس ية يه اليت أأعلنت السلطان املطلق للعقل عىل الواقع ..وهو جيمل ر أأيه
ابلقول أأن مبد أأ الثورة الفرنس ية قد أأكد أأن الفكر ينبغي أأن حيمك الواقع ..احلق أأن هذا القول ينطوي عىل مضامني تصل
يف معقها اىل لب فلسفته ذاهتا ..فالفكر ينبغي أأن حيمك الواقع ..ومايعتقد الناس بفكرمه أأنه صواب وحق وخري ينبغي أأن
يتحقق يف التنظمي الفعيل حلياهتم الاجامتعية والفردية..
ويعتقد هيغل ،متش يا مع تراث الفلسفة الغربية أأن مثل هذه التصورات واملبادئ املوضوعية موجودة ،وهو
يطلق عىل مجموعها اللكي امس العقل.
يف عام 1793كتب هيغل اىل ش يلنغ يقول" :ان العقل واحلرية س يظالن هام املبدأآن الذلان نؤمن هبام" ،ولقد
اس تخدم لغة ثورية اذ يقول أأن "الهاةل اليت أأحاطت بكبار الغاصبني وأآلهة ا ألرض قد اختفت ..فالفالسفة يربهنون عىل
كرامة االنسان ،وسوف يتعمل الناس كيف يشعرون هبا ولن يكتفوا ابملطالبة حبقوقهم ،اليت مترغت يف الوحل ،بل اهنم
سوف ينزتعون هذه احلقوق بأأيدهيم وجيعلوهنا ملاك هلم ..لقد لعب ادلين والس ياسة لعبة واحدة ،اىل أأن عمل الناس ما أأراد
الطغيان أأن يلقهنم اايه وهو احتقار االنسانية وجعز االنسان عن بلوغ اخلري وحتقيق ماهيته جبهوده اخلاصة" بل اننا جند
21
عنده أأفاكرا أأكرث تطرفا ،تذهب اىل أأن حتقيق العقل يقتيض نظاما اجامتعيا يقلب النظام القامئ ...يصل فيه اىل حمتية
جتاوز ادلوةل وفناءها.
عىل أأن هيغل أأخذ يتخىل ابلتدرجي عن املضمون الثوري للمفاهمي املثالية ا ألساس ية و أأخذ حياول أأن يالمئ بيهنا
عىل حنو مزتايد ،وبني الشلك الاجامتعي السائد ،وتكل معلية حيمتلها البناء الفكري للمثالية ا ألملانية ،اليت حتتفظ ابملبادئ
احلامسة للمجمتع ذي الزنعة الليربالية وحتول دون أأن جتاوز لها .ومع ذكل فان الشلك اخلاص اذلي اختذه التوفيق بني
الفلسفة والواقع يف مذهب هيغل قد حيمك فيه املوقف الفعيل يف أأملانيا خالل الفرتة اليت وضع فهيا مذهبه ،ذكل ألن
مفاهمي هيغل الفلسفية املبكرة ،صيغت يف عهد اكنت فيه ادلوةل ا ألملانية (الراخي) يف حال احنالل.
كام أأن امجلاهري يف أأملانيا قد اعتادت منذ عهد االصالح ادليين الفكرة القائةل أأن احلرية يه "قمية ابطنة" ال
تتعارض مع أأي نوع من العبودية و أأن الطاعة الواجبة للسلطة القامئة رشط رضوري للخالص ا ألبدي ،و أأن الكد والفقر
نعمة من نعم هللا ..اذ اكن من الوظائف الرئيس ية للربوتس تانتية أأن حتت ا ألفراد اذلين حترروا عىل قبول النظام الاجامتعي
اذلي ظهر حديثا يف ذكل احلني بتحويل مطالهبم من العامل اخلاريج اىل حياهتم الباطنة ،وقد أأكد "لوثر" احلرية املس يحية
بوصفها قمية داخلية تتحقق عىل حنو مس تقل عن أأي رشط خاريج ..وهكذا أأصبح الواقع الاجامتعي أأمرا ال أأمهية هل
ابلنس بة اىل املاهية احلقة لالنسان...
والواقع أأن الثقافة ا ألملانية ترتبط ارتباطا ال ينفصم بأأصلها الربوتس تانيت ،فبفضل هذه ا ألخرية ظهر عامل من
امجلال واحلرية وا ألخالقية ال تؤثر فيه احلقائق والرصاعات اخلارجية ،واكن ذكل العامل منعزال عن العامل الاجامتعي التعس،
اكمنا يف "روح" الفرد ،ولقد اكن هذا التطور أأصال الجتاه ظاهر بوضوح يف املثالية ا ألملانية ،هو الاس تعداد ملهادنة الواقع
الاجامتعي ...واكن هذا الاجتاه للمهادنة دلى املثاليني يتعارض عىل ادلوام مع نزعهتم العقلية النقدية ،ولكن ا ألمر انهتيى اىل
احباط املثل ا ألعىل اذلي اندت به اجلوانب النقدية يف تفكريمه وهو اعادة التنظمي س ياس يا واجامتعيا عىل أأساس عقيل،
فتحول هذا املثل ا ألعىل اىل قمية روحية.
22
ولقد اكنت الطبقات املتعلمة تعزل نفسها عن الشؤون العلمية ,وملا اكنت بذكل قد حمكت عىل نفسها ابلعجز
عن اس تخدام عقلهيا اس تخداما تطبيقيا من أأجل اعادة تشكيل اجملمتع ،فاهنا معلت عىل حتقيق ذاهتا يف عامل العمل والفن
والفلسفة وادلين ،و أأصبح هذا العامل يف نظرها هو "الواقع احلقيقي" اذلي يعلو عىل تعاسة ا ألوضاع الاجامتعية القامئة ،كام
أأنه اكن ميالدا للحقيقة ،واخلري وامجلال ،والسعادة ،وا ألمه من ذكل ،للمزاج النقدي اذلي مل يكن يس تطيع أأن جيد هل
منفذا يف اجملال الاجامتعي.
وهكذا اكنت الثقافة مثالية يف أأساسها ،هتمت بفكرة ا ألش ياء بدال من ا ألش ياء ذاهتا ،ويه قد وضعت حرية
الفكر قبل حرية الفعل ،وقدمت ا ألخالق عىل العداةل العلمية ،وحياة االنسان الباطنة عىل حياته الاجامتعية .ومع ذكل
فان هذه الثقافة ذات الطابع املثايل ،نظرا اىل كوهنا قد وقفت مبعزل عن واقع ال يطاق ،واحتفظت نتيجة ذلكل بنفسها
سلمية نقية ،فاهنا لهذا السبب ذاته ،وبرمغ ما اكنت تنطوي عليه من عزاء ابطل ومتجيد زائف ،قد أأفادت يف كوهنا ظلت
حتافظ بأأمانة عىل حقائق مل تكن قد حتققت من قبل اترخي البرشية.
ولقد اكن مذهب هيغل أآخر حماوةل هممة جلعل الفكر ملجأأ للعقل واحلرية ،عىل أأن القوة ادلافعة النقدية
ا ألصلية يف تفكريه اكنت من القوة حبيث حفزته عىل التخيل عن الانعزالية التقليدية للمثالية عن التارخي ،ومن مت فقد
جعل الفلسفة عنرصا اترخييا عينيا وجذب التارخي اىل نطاق الفلسفة عىل أأن التارخي عندما حيرص عىل هذا النحو ،حيطم
جدران االطار املثايل.
ان مذهب هيغل لريتبط ارتباطا رضوراي بفلسفة س ياس ية حمددة املعامل وبنظام اجامتعي وس يايس خاص ...ومل
يكن اجلدل (ادلايلكتييك) القامئ بني اجملمتع املدين وادلوةل يف عهد عودة امللكية شيئا عارضا يف فلسفة هيغل ،وال اكن جمرد
قسم من أأقسام كتابة "فلسفة القانون" بل ان مبادئه اكن لها ابلفعل تأأثريها يف البناء الفكري ملذهبه ،ومن هجة أأخرى
فان مفاهميه ا ألساس ية ليست اال اذلروة اليت بلغها تراث الفكر الغريب بأأمكهل ،ويه ال تفهم اال عندما تفرس يف اطار هذا
الرتاث.
23
مفاذا عن فلسفة هيغل الس ياسة؟
ظهر اجملدل ا ألول من كتاب "عمل املنطق" يف س نة 1812والثاين وا ألخري يف س نة 1816وخالل الس نوات
ا ألربعة الواقعة بن االثنني نشبت حرب التحرير الربوس ية ،وعقد احللف املقدس ضد انبليون ،ونشبت معركتا ليزبج
وبرلو ،ودخل احللفاء ابريس ظافرين ،ويف س نة 1816عني هيغل اذلي اكن عندئذ انظرا ملدرسة اثنوية يف نورمريج،
أأس تاذا للفلسفة جبامعة هيدلربج ،ويف العام التايل نرش الطبعة ا ألوىل من "موسوعة العلوم الفلسفية" واختري خليفة لفخته
يف جامعة برلني ...وهكذا حتقق الهدف الهنايئ حلياته الأاكدميية يف نفس الوقت اذلي بلغ فيه تطوره ومنوه الفلسفي منهتاه،
فأأصبح الفيلسوف الرمسي – كام يقولون – لدلوةل الربوس ية وادلكتاتور الفسلفي ألملانيا.
ففلسفة هيغل اكن لها وظيفة اجامتعية وس ياس ية ،نرى من الواجب تفسريها كام أأن هناك رابطة وثيقة بني
فلسفته وبني عهد عودة امللكية من خالل الوضع اخلاص اذلي أأصبح اجملمتع احلديث مير به عند هناية العرص النابليوين.
لقد ر أأى هيغل يف انبليون البطل التارخيي اذلي حيقق رساةل الثورة الفرنس ية فهو كام تصور هيغل ،الرجل
الوحيد القادر عىل حتويل اجنازات ثورة ،1789اىل نظام دوةل ،وعىل ربط احلرية الفردية ابلعقل اللكي لنظام اجامتعي
اثبت ومل يكن ما يعجب به يف انبليون عظمة جمردة ،بل صفة التعبري عن احلاجة التارخيية ذلكل العرص فنابليون اكن
"روح العامل" اذلي يتجسد فيه الهدف اللكي للعرص.
هذا الهدف هو دمع الشلك اجلديد للمجمتع ،اذلي اكن يعرب عن مبد أأ العقل يف اجملمتع ،يعين عند هيغل نظاما
اجامتعيا مبنيا عىل الاس تقالل العقيل اذلي للفرد ،غري أأن احلرية الفردية اكنت قد اختذت شلك نزعة فردية غامشة،
ودخلت حرية لك فرد يف رصاع حياة أأو موت ضد حرية لك فرد أآخر ..واكن االرهاب يف عام 1793هو املثل املمزي
لهذه الزنعة الفردية ،وهو نتيجهتا احلمتية ..واذا اكن الرصاع بني املقاطعات االقطاعية قد أأثبت من قبل أأن االقطاع مل يعد
قادرا عىل التوحيد بني الصاحل الفردي والصاحل العام ،فان حرية ا ألفراد الشامةل القامئة عىل التنافس تشهد الآن بأأن جممتع
24
الطبقة الوسطى بدوره عاجز عن هذا التوحيد ..وهكذا يرى هيغل يف س يادة ادلوةل املبد أأ الوحيد القادر عىل حتقيق هذه
الوحدة.
بعد أأن حسق انبليون بقااي االقطاع يف أأملانيا و أأدخل القانون املدين يف أأرجاء عديدة من الراخي ا ألملاين السابق،
اس تعيض عنه بعدد من ادلول ذات الس يادة والس امي يف جنوب أأملانيا .فادلوةل اجلديدة يف أأملانيا اكنت عىل ا ألقل وحدات
اقتصادية أأكرب ،واكنت فهيا بريوقراطية مركزية ونظام أأبسط للقضاء وطريقة عن مجع الرضائب تمتزي بأأهنا أأرشد ،وبأأهنا
خاضعة لنوع من االرشاف الشعيب ..اكنت هذه التجديدات تبدو ممتش ية مع دعوة هيغل اىل مزيد من التنظمي العقيل
الرش يد ل ألشاكل الس ياس ية ،من أأجل ااتحة منو القوى اذلهنية واملادية اجلديدة اليت أأطلقهتا الثورة الفرنس ية من عقالها،
فال جعب اذن ان ر أأيناه يف البداية ينظر اىل الرصاع ضد انبليون عىل أأنه معارضة رجعية ..ومن هنا اكنت اشارته اىل
حرب التحرير حتمل معىن السخرية والازدراء ..بل لقد ذهب اىل حد أأنه مل يس تطع الاعرتاف بأأن هزمية انبليون قد
أأصبحت هنائية حىت بعد أأن دخل احللفاء ابريس ظافرين.
ولقد اكن ذكل ،موقفا غريبا ،وذكل ألن فلسفة هيغل الس ياس ية اليت أأصبحت بعد عام واحد فقط
االيديولوجية لدلوةل الربوس ية ،و أأعلنت عندئذ أأن حقوق ادلوةل يه حقوق العقل ذاته.
وس نالحظ أأن موقف هيغل اجلديد ظل مالزما هل ،أأما عن انتقاهل من موقف أأقرب اىل أأن يكون مضادا
للقومية اىل موقف قويم ،فان ذكل يتشابه مع منوذج ظهر يف العهود ا ألوىل لكتابة الفلسفة احلديثة ،ويتعلق ا ألمر بفلسفة
هوبز – اذلي يوصف بأأنه أأقوى الفالسفة متثيال للبورجوازية الصاعدة -اذ وجد فلسفته الس ياس ية ممتش ية مع ملكية
شارل ا ألول مث مع دوةل كرومويل الثورية ،و أأخريا مع رجعية أأرسة ستيوارت.
ومل يكن هيمت بكون ادلوةل ذات الس يادة تتخذ شلك ادلميقراطية أأو الاليغارش ية ،وحتتفظ بسلطهتا ابلنس بة
ملواطنهيا ،كذكل اكنت الفوارق يف الشلك الس يايس بني ادلول غري هامة يف نظر هيغل ،ما دامت حتافظ عىل هوية
25
العالقات الاجامتعية والاقتصادية الاكمنة من وراهئا عىل النحو املطلوب يف جممتع الطبقة الوسطى ،لقد بدا أأن امللكية
ادلس تورية احلديثة تصلح متاما للمحافظة عىل هذا البناء الاقتصادي .ومن مت فانه ،بعد اهنيار نظام انبليون يف أأملانيا ،اكن
عىل اس تعداد اتم للرتحيب ابمللكية ذات الس يادة اليت أأعقبته ،بوصفها الوريث احلقيقي لنظام انبليون.
لقد اكنت س يادة ادلوةل يف نظر هيغل أأداة رضورية للمحافظة عىل جممتع الطبقة الوسطى ،ذكل ألن ادلوةل
ذات الس يادة تزيل عنرص املنافسة الهدام من ا ألفراد وجتعل املنافسة مصلحة اجيابية للحقيقة اللكية ،فادلوةل قادرة عىل
الس يطرة عىل املصاحل املتعارضة ألفرادها ..والنقطة اليت ينطوي علهيا ر أأيه يه أأنه حني يقتيض النظام الاجامتعي أأن
يتوقف وجود الفرد عىل التنافس مع الآخرين ،يكون الضامن الوحيد لتحقيق املصلحة املشرتكة ،عىل نطاق حمدود عىل
ا ألقل ،هو وضع حريته يف اطار ال تتعداه داخل النظام اللكي لدلوةل..
وهكذا فان س يادة ادلوةل تفرتض مقدما التنافس ادلويل بني وحدات س ياس ية متعارضة ،تمكن قوة لك مهنا
أأساسا يف سلطهتا ،اليت ال تنازع عىل أأفرادها.
وقد اكن هذا املوقف عند وضع املكل مسودة دس تور ،وقدمه اىل جمالس الوالايت من أأجل تغيري القانون
اذلي وضعه انبليون ابالضافة اىل مض ا ألقالمي املكتس بة حديثا ،حيث مث رفض هذا املرشوع من قبل تكل اجملالس ،أأما
هيغل فانه من دفاعه احلار عن املرشوع ضد معارضة الوالايت ،قد فرس الزناع بني الفريقني عىل أأنه نضال بني املبد أأ
الاجامتعي القدمي واجلديد ،بني الامتياز االقطاعي والسلطة احلديثة.
ويظهر يف كتابة هيغل حول هذا املفهوم ،ضبط واحد يوهجه ،هو مبد أأ الس يادة وهو يرى أأنه البد من
الاس تعاضة عن فكرة العقد الاجامتعي بفكرة ادلوةل بوصفها الك موضوعيا ،اذ أأصبحت النغمة اليت تتحمك يف تشكيل
فلسفة هيغل يه أأن ادلوةل منفصةل عن اجملمتع.
26
-2مفهوم ادلوةل عند هيغل:
ادلوةل عند هيغل يه عالقة موضوعية رضورية مس تقةل أأساسا عن احلاجات اذلاتية ،ويف ر أأي هيغل أأن
اجملمتع املدين البد أأن يتودل عنه أآخر ا ألمر نظام قامئ عىل السلطة ،وهو تغري ينبثق من ا ألسس الاقتصادية للمجمتع ذاته،
ويس تخدم يف احملافظة عىل اطاره ..واملفروض أأن يؤدي التغري يف الشلك اىل انقاذ املضمون املهدد ابخلطر.
فهيغل اكن قد حدد معامل نظام قامئ عىل السلطة عندما حتدث عن "حكومة النظام الصارم" عن هناية
"مذهب يينا" ا ألخاليق ،ومل يكن هذا الشلك من أأشاكل احلكومة يعين نظاما جديدا ،بل اكن يقترص عىل فرض مهنج
عىل النظام الفردي السائد.
كذكل حني جيعل هيغل ادلوةل فوق اجملمتع فانه يسري عىل نفس الهنج ،اذ جيعل لدلوةل أأرفع ماكنة ،وهو يدرك
التناقضات داخل اجملمتع احلديث ،ذكل ألن املصاحل الفردية املتنافسة عاجزة عن أأن تودل نظاما يضمن اس مترار اللك،
ومن هنا اكن البد من أأن تفرض علهيا سلطة ال معقب علهيا ،وهو يبعد عالقة احلكومة ابلشعب من نطاق العقد ،وجيعلها
"وحدة جوهرية أأصلية" .فالفرد تربطه ابدلوةل أأساسا عالقة واجبة وحقه خاضع لهذه العالقة ،وادلوةل ذات الس يادة
تتحدد معاملها بوصفها دوةل نظام صارم.
عىل أأن سلطهتا ينبغي أأن تكون خمتلفة عن سلطة دوةل احلمك املطلق ،فال بد أأن يصبح الشعب جزءا ماداي
من قوة ادلوةل ،ذكل ألنه ملا اكن اجملمتع احلديث قامئا عىل نشاط الفرد املتحرر من قيوده ،فالبد من تأأكيد نضجه
الاجامتعي وتشجيعه ،ويف هذا الصدد وجه هيغل نقدا خاصا لدلس تور املليك يف النقطة املتعلقة بتقييد حق الاقرتاع
(املكل نص عىل أأن موظفي ادلوةل ،اجليش ،رجال الكنيسة واملهنة الطبية ال ينتخبون) .ألن هيغل يعترب املوظفني مه
الس ياس يون ا ألقدر حبمك همنهتم وتدريهبم عىل ادلفاع عن املصاحل العامة ،يف مقابل املصاحل اخلاصة اليت ليست عىل
اس تعداد ألن تبذل يف سبيل الصاحل العام اال أأقل القليل ،ذلكل فوجود البريوقراطية البعيدة عن نطاق املنافسة
الاقتصادية من املمكن أأن تقيض عىل تأأثريها.
27
كام انتقد الرشط الثاين حلق الاقرتاع (املكل نص عىل أأن يكون احلد ا ألدىن دلخل الشخص ).................
اذ اعترب أأن امللكية يه عامل جيعل الفرد يعارض املصلحة اللكية ويتقيد مبصلحته بدال مهنا ،ويعترب هيغل أأن التأأثري
الس يايس لمكية املمتلاكت ،هو مرياث سليب من الثورة الفرنس ية ،ومن الواجب جتاوزها من حيث معيار الامتيازات
وينبغي عىل ا ألقل أأال تصبح يه "الرشط الوحيد اذلي يوضع لوظيفة من أأمه الوظائف الس ياس ية".
يعترب هيغل حمك القانون هو الشلك الس يايس السلمي الوحيد للمجمتع احلديث ،فاجملمتع احلديث يف ر أأيه ليس
جامعة طبيعية ،وليس نظاما من الامتيازات املمنوحة من مصدر الهيي ،وامنا يقوم عىل املناقشة العامة ملالك أأحرار
يكتس بون مركزمه يف العملية الاجامتعية وحيتفظون به عن طريق نشاطهم اذلي يعمتدون فيه عىل أأنفسهم ،انه جممتع ال
حيرص فيه الناس عىل الصاحل العام ،وال حيققون مصلحة "اللك" اال ابدلفة العمياء ،ذلكل البد من قوة تعلو عىل تعارض
املصاحل اخلاصة وحتافظ علهيا لكها ،هو الكفيل بتحويل ذكل اجملموع اللكي الفوضوي ل ألفراد اىل جممتع قامئ عىل أأسس
عاقةل والوس يةل اليت حتقق هذا التحول يه حمك القانون.
ويف الوقت ذاته رفض هيغل النظرية الاجامتعية يف ذاهتا و أأنكر أأن تكون لها أأية قمية يف احلياة الس ياس ية،
حفمك القانون يف متناول أأيدينا ،وهو متجسد ويشلك التحقق التارخيي السلمي للعقل ،وما أأن يقبل املرء النظام القامئ عىل
هذا النحو ،حىت تصبح النظرية الس ياس ية بال جدوى اذ أأن "النظرايت تضع نفسها الآن يف مقابل النظام املوجود،
وتدعي أأهنا حصيحة ورضورية بصفة مطلقة".
مفنذ دياكرت اكن املفكرون يزمعون أأن النظرية تس تطيع اصالح البناء العقيل للكون ،و أأن العقل يس تطيع
جبهوده اخلاصة أأن يصبح معيارا للحياة الاجامتعية ،وهكذا اكنت املعرفة النظرية والعقلية تتضمن اعرتافا بأأن الواقع اذلي مل
يصل بعد اىل املس توى املطلوب مفتقر اىل احلقيقة.
28
فالطبيعة الناقصة للواقع املوجود أأرمغت النظرية عىل أأن تتجاوزه ،وعىل أأن تصبح مثالية ..ولكن التارخي كام
يقول هيغل ،مل يقف ساكنا ،فقد وصلت البرشية اىل مرحةل أأصبحت فهيا لك وسائل حتقيق العقل متوافرة.
وادلوةل احلديثة يه التجس يد الفعيل لهذا التحقيق ،ومن هنا فان أأي اس مترار يف تطبيق النظرية عىل
الس ياسة بعد الآن جيعل النظرية خيالية طوابوية .أأي أأنه حني ينظر اىل النظام القامئ عىل أأنه عقيل ،تكون املثالية قد
بلغت غايهتا وهنايهتا ،ومنذ ذكل احلني يتعني عىل الفلسفة الس ياس ية أأن متتنع عن تعلمي الناس ما ينبغي أأن تكون عليه
ادلوةل ،أأن ادلوةل موجودة ،ويه عقلية ،ويضيف هيغل أأن فلسفته سوف تدعو ،اىل وجوب الاعرتاف ابدلوةل بوصفها
عاملا أأخالقيا اكمال ..وهنا تصبح هممة الفلسفة يه "املواءمة بني الناس وبني ما هو
متحقق".
يعترب هيغل أأن امللكية ال توجد اال بفضل قدرة اذلات احلرة ،ويه مس متدة من ماهية الشخص احلر ،و أأبعد
نظام امللكية عن أأية رابطة ..و أأكد هيغل مرارا أأهنا قد ال يكون لها مربرا بوصفها وس يةل الش باع حاجات االنسان" ..ان
مربر امللكية ال ينحرص يف ارضاهئا للحاجات ،وامنا يف كون هذا النظام يتجاوز اذلاتية البحثة للشخص ،وحيقق يف الوقت
ذاته تعيني هذا ا ألخري ..فالشخص ال يوجد بوصفه عقال اال يف امللكية ،فامللكية سابقة عىل احلاجات العارضة للمجمتع"..
ويه التجسد ا ألول للحرية ،وابلتايل فهيي غاية جوهرية يف ذاهتا".
"ان العنرص العاقل يف عالقة االنسان ابملوضوعات اخلارجية ينحرص يف الاس تحواذ عىل امللكية" ،غري أأن ما
ميلكه املرء ومقدار ما ميلكه ،هو مسأأةل اتفاق أأو حظ" ،ويعرتف هيغل رصاحة بأأن التوزيع السائد للملكية هو نتاج
ظروف عارضة ،تتنافر متاما مع مقتضيات العقل ..ومن هجة أأخرى فانه يعفي العقل من هممة اصدار حمك عىل هذا
التوزيع ،فمل يبدل هيغل هجدا لتطبيق املبد أأ الفلسفي اذلي يقيض ابملساواة بني الناس ،وعىل مظاهر الالمساواة يف
امللكية ،بل انه يرفض هذه اخلطوط يف الواقع واملساواة الوحيدة اليت ميكن أأن تس متد من العقل يه "رضورة حصول لك
29
خشص عىل ملكية" .أأما نوع امللكية ومقدارها فأأمر ال يكرتث به العقل عىل االطالق ،ويف هذا الصدد يقدم هيغل تعريفه
اذلي يدعو اىل ادلهشة" :ان احلق ال يعبأأ ابلفوارق بني ا ألفراد".
ان مرحةل احلاةل الطبيعية ،وومرحةل اجملمتع املدين ،تعلو علهيا مرحةل اثلثة ،يه ادلوةل ..ويرى هيغل أأن نظرية
القانون الطبيعي قارصة ألهنا جتعل من اجملمتع املدين غاية يف ذاته..
وحىت يف فلسفة هوبز الس ياس ية ،اكنت الس يادة املطلقة خاضعة للحاجة اىل صون مصاحل اجملمتع املدين
وممتلاكته ،و أأصبح حتقيق هذا الرشط ا ألخري يكون غاية يف ذاته ،ألن متناقضاته الاكمنة حتول بينه وبني حتقيق وحدة
وحرية حقيقية ..وذلكل رفض هيغل اس تقالل اجملمتع املدين ،وجعهل خاضعا لدلوةل املمتتعة ابالس تقالل اذلايت.
وينقل هيغل هممة جتس يد نظام العقل من اجملمتع املدين اىل ادلوةل غري أأن هذه ا ألخرية ال حتل حمل اجملمتع املدين
بل يه حتافظ عىل حركته ،وتصون مصاحله دون أأن تغري مضمونه.
وهكذا فان اخلطوة اليت تتجاوز اجملمتع املدين ،تؤدي اىل نظام س يايس تسلطي حيفظ املضمون املادي للمجمتع
سلامي ..أأي أأن الاجتاه التسلطي اذلي يظهر يف فلسفة هيغل الس ياس ية يصبح رضوراي بسبب التعارض والتضارب اذلي
يتسم به بنيان اجملمتع املدين.
يبين هيغل حتليهل للمجمتع املدين عىل املبد أأين املاديني للمجمتع احلديث وهام :أأن الفرد ال يس هتدف اال مصاحله،
اليت يسكل يف سعيه وراءها بوصفه "مزجيا من الرضورة املادية والزنوة التلقائية" .ان املصاحل الفردية مرتبطة بعضها
ببعض عىل حنو جيعل تأأكيد أأحدها وحتقيقها متوقفا عىل تأأكيد ا ألخرى وحتقيقها.
فهيغل اكن يؤمن منذ البداية بأأن اجملمتع احلقيقي اذلي هو املصدر احلر لتقدم منوه اخلاص ،ال ميكن تصوره اال
عىل أأنه جممتع تتجسد فيه احلرية الواعية.
30
ونتيجة الفتقار اجملمتع املدين اىل مثل هذه احلرية ،فان هيغل يأأىب أأن يصفه بأأنه هو التحقق الهنايئ للعقل،
فهيغل شأأنه شأأن ماركس يؤكد تاكمل املصاحل الشخصية يف هذا اجملمتع ،امنا يكون نتاجا للصدفة ال لقرار عقيل حر ..ومن
مت فان امللكية ال تظهر فيه بوصفها حرية بل "بوصفها رضورة" ففي اجملمتع املدين ال تكون امللكية اال رضورة ويه تبين
نظاما عىل معلية انتاج ال يتحدد ماكن الفرد فهيا تبعا حلاجاته وقدراته بل تبعا "لر أأسامهل" ،وهنا ال يدل لفظ "ر أأس املال"
فقط عىل القدرة الاقتصادية اخلاصة للفرد بل يدل أأيضا عىل ذكل اجلزء من قوته املادية أأي عىل معهل..
فاحلاجات اخلاصة ل ألفراد تش بع بواسطة العمل اجملرد اذلي هو "مكل عام دامئ" للبرش ،وكام اكنت اماكنية
املشاركة يف الرثوة العامة متوقفة عىل ر أأس املال ،فان هذا النظام يؤدي اىل تزايد الالمساواة.
ويتكهن هيغل بظهور جيش صناعي خضم ويلخص التناقضات احلادة للمجمتع املدين يف العبارة القائةل أأن "هذا
اجملمتع برمغ ثروته الفائضة ،ليس ثراي اىل احلد اذلي يكفي للقضاء عىل الفقر الزائد وعىل ظهور املزيد من الفقر.
فنظام الفئات املتباينة اذلي حيدد هيغل معامله بوصفه التنظمي املمزي للمجمتع املدين ،ليس قادرا بذاته عىل رفع
التناقض ..ذكل ألن الوحدة اخلارجية اليت حياول هيغل حتقيقها بني ا ألفراد املتنافسني من خالل الفئات الثالث :الفالحني
واحلرفيني والبريوقراطية ،هذه الوحدة ال تزيد عن كوهنا تكرارا حملاوالت هيغل السابقة يف هذا الاجتاه ،وهذه الفكرة
أأحضت أأقل اقناعا من السابق.
فهيغل يرى أأن تنظاميت اجملمتع املدين ونظمه هتدف اىل حامية امللكية و أأن احلرية يف هذا اجملمتع ال تعين اال
"حق امللكية" وال بد أأن تنظم الفئات بقوى خارجية أأقوى من ا ألهجزة الاقتصادية ،وتؤدي هذه اىل متهيد الطريق
لالنتقال اىل التنظمي الس يايس للمجمتع ،ويمت هذا الانتقال يف ا ألقسام اليت يعاجل فهيا هيغل ممارسة العداةل والرشطة
والنقاابت.
31
-6مفهوم العدل:
ان ممارسة العداةل جتعل من احلق اجملرد قانوان وتدخل نطاقا شامال واعيا يف معليات اجملمتع املدين العريضة .ان
نظرية هيغل الترشيعية تنحاز عىل حنو قاطع اىل الاجتاهات التقدمية يف اجملمتع احلديث ..فهو يرفض لك النظرايت اليت
جتعل احلق متوقفا عىل قرار القايض ال عىل مشول القانون – واكن يف ذكل مستبقا الجتاهات الحقة يف الترشيع – وهو
ينتقد النظرة اليت جتعل القضاة "مرشعني دامئني ،أأو جتعل القرار الهنايئ فامي يتعلق ابحلق والباطل مرتواك لتقديرمه".
ومل تكن القوى الاجامتعية املس يطرة عىل السلطة يف عهده قد اعرتفت بعد بأأن الشمول اجملرد للقانون ،شأأنه
شأأن سائر ظواهر الزنعة الليربالية ،يقف يف وجه مرشوعاهتا ،و أأن احلاجة اىل أأداة للحمك أأكرث فعالية و أأقرب اىل الطابع
املبارش ،فتصور هيغل للقانون يالمئ مرحةل أأس بق يف تطور اجملمتع املدين ،تتسم ابلتناسق احلر بني أأفراد تتساوى مواردمه
املادية اىل حد معقول ،حبيث يكون "لك فرد غاية يف ذاته" ويكون الآخرون ابلنس بة اىل لك فرد بعينه وس يةل لبلوغ
غايته" يف مثل هذا النظام يبدو الصاحل املشرتك ذاته يف نظر هيغل جمرد وس يةل.
هذا هو النظام الاجامتعي اذلي ودل اجملمتع املدين ..وال ميكن أأن يس متر هذا النظام اال اذا وفق بني املصاحل
املتعارضة اليت تؤلف هو ذاته مهنا حبيث جيعل مهنا شالك أأكرث عقالنية ،أأي شالك ميكن التنبؤ مبساره وبسهوةل أأكرب،
ابلقياس اىل معليات سوق السلع اليت تتحمك فيه ...فاملنافسة غري املقيدة تقتيض حدا أأدى من امحلاية املتساوية
للمتنافسني ،وضامان يعمتد عليه للعقود واخلدمات.
وتنطوي فكرة هيغل عىل الرأأي القائل أأن الكيان القانوين هو ما يش يده الناس ا ألحرار أأنفسهم بعقوهلم
اخلاصة ،وهو يفرتض متش يا مع تراث الفلسفة الس ياس ية ادلميقراطية أأن الفرد احلر هو املرشع ا ألصيل اذلي أأعطى
القانون لنفسه ولكن هذا الافرتاض ال مينع هيغل من القول أأن القانون يتجسد يف "حامية امللكية عن طريق ممارسة
العداةل".
32
هذا الاستبصار ابالرتباط املادي بني حمك القانون وحمك امللكية يرمغ هيغل ،عىل خالف لوك و أأتباعه
الالحقني عىل جتاوز النظرية الليربالية ،فبسبب هذا الارتباط اكن من املس تحيل أأن يكون القانون هو النقطة الهنائية
للتاكمل ابلنس بة اىل اجملمتع املدين ،أأو أأن ميثل الشمول احلقيقي يف هذا اجملمتع.
"ووظيفة الهيئة تقترص عىل اجلانب اجملرد من احلرية الشخصية يف اجملمتع املدين وجعل هذا اجلانب رضورة من
رضوراته.
ففهيا ال تكون الرضورة العمياء لنظام احلاجات قد ارتفعت بعد اىل مرتبة الوعي ابللكي ،وال تكون قد طبقت
من وهجة النظر هذه" ،ذلكل اكن من الواجب اكامل القانون ،بقوة أأشد منه فعالية ورصامة ،حتمك ا ألفراد عىل حنو أأقرب
اىل الطابع املبارش احملسوس ..وهنا تظهر الرشطة.
تظهر يف مفهوم الرشطة عند هيغل كثري من سامت النظرية اليت اكن احلمك املطلق يس تخدهما يف تربير التنظمي
اذلي تقيد به احلياة الاجامتعية والاقتصادية.
فالرشطة ال تتدخل فقط يف معلية االنتاج والتوزيع وال تقيد فقط حرية التجارة والرحب وتراقب ا ألسعار
والفقراء واملرشدين ،بل يه أأيضا ترشف عىل احلياة اخلاصة ل ألفراد لكام اكن لها تأأثري يف الصاحل العام.
ويضيف هيغل بأأنه مل يعد عىل الرشطة أأن تنظم معلية االنتاج نظرا اىل اىل عدم وجود قوة ومعرفة خاصة
حتقق ذكل ..بل ان هممة الرشطة يه هممة سلبية ،و أأعين هبا صون " أأمن الشخص وامللكية" يف ذكل اجملال العارض
اذلي ال ترسي عليه النصوص الشامةل للقانون.
33
عىل أأن أأقوال هيغل عن وظيفة الرشطة توحض أأنه جتاوز جتاوز النظرية اليت اكنت سائدة يف وقت عودة
امللكية ،والس امي حني أأكد أأن ازدايد التعارض والتشاحن داخل اجملمتع املدين جيعل الاكئن العضوي والاجامتعي ،عىل حنو
مزتايد ،مجموعة متخبطة معياء ،من املصاحل ا ألاننية ،وحيمت اجياد نظام قوي للس يطرة عىل هذه الفوىض...
كام قدم هيغل يف مناقش ته هذه للرشطة أأقوى مالحظاته و أأوسعها مدى حيث يقول" :اجملمتع املدين مدفوع
بواسطة جدهل اخلاص ،اىل جتاوز حدوده اخلاصة بوصفه جممتعا حمدد املعامل مكتفيا بذاته".
فالبد هل أأن يبحث عن أأسواق جديدة تس توعب االنتاج الفائض املزتايد ،و أأن يتبع س ياسة توسع اقتصادي
واس تعامر منظم.
فهيغل يعترب أأن الرشطة يه نتاج للتعارضات املزتايدة داخل النظام املدين ،ويه نظام اس تحدث ليك يتحدى
هذه املتناقضات ،ومن مت فان اخلط الفاصل بني الرشطة وبني ادلوةل (اليت تمكل ما تبد أأه الرشطة) ليس حادا ويتصور
هيغل وضعا هنائيتا يكون فيه "معل اللك خاضعا لتنظمي اداري" .هذا الوضع يؤدي ،كام يقول اىل "تقصري أأجل القالقل
اخلطرية" اليت يتعرض لها اجملمتع املدين ،وختفيفها.
غري أأن الرشطة ليست يه العالج الوحيد فهناك نظام أآخر ميكن بواسطته كبح جامح اجملمتع املدين ،وهو نظام
النقاابت.
يتصور هيغل النقاابت عىل مثال نظام الطوئف احلرفية القدمي مع اضافة بعض سامت النقاابت احلديثة.
ان النقابة وحدة اقتصادي ،فضال عن كوهنا س ياسة لها الوظيفة املزدوجة الآتية:
بعث الوحدة يف املصاحل و أأوجه النشاط الاقتصادي املتنافسة بني الفئات اخملتلفة. أأ-
34
ب -وادلفاع عن املصاحل املنظمة للمجمتع املدين يف مقابل ادلوةل ،وتتوىل ادلوةل االرشاف عىل
النقابة.
ولكن النقابة هتدف اىل صيانة املصاحل املادية للتجارة والصناعة ..ففي النقابة يلتقي ر أأس املال والعمل ،واملنتج
واملس هتكل والرحب واملصلحة العامة ،وفهيا تنقى املصاحل اخلاصة للمشرتكني يف احلياة الاقتصادية من ا ألاننية البحثة ،حبيث
ميكهنم ادلخول يف النظام الشامل لدلوةل.
وال يرشح هيغل كيف يكون ذكل ممكنا ،ويبدو أأن النقابة ختتار أأعضاءها تبعا ملؤهالهتم الفعلية ،و أأهنا تضمن
عامهلم ومواردمه ولكن يظهر أأن هذا لك ما يف ا ألمر.
"فالنقابة تظل قبل لك يشء هيئة اديولوجية ،وكياان حيث الفرد عىل العمل من أأجل مثل أأعىل ال يوجد بعد،
هو الغاية غري ا ألاننية لللك".
35
هذه ادلعوة سيتصدى لها أألكيس دوتكفيل يف كتاب حول "ادلميقراطية يف أأمرياك" اذلي نرشه يف ابريس بني
عام 1835وعام .184 0
رحةل دوتكفيل اىل أأمرياك :
يوم 10ماي 1831اكن شاابن فرنس يان وهام قاضيان يطأآن الشاطئ ا ألمرييك يف نييويورك وهام دوتكفيل
وبومون اذلي اكن معاوان للنيابة .
اس تعراض ظروف الهجرة ( ثورة )1838عودة أأرسة أأل بوبون /عدم منارصة عائةل دو تكفيل ) .
-طلب بعثة دراسة اىل أأمرياك حول موضوع اصالح السجون
-بعد العودة من الو.م اس تقال دوتكفيل احتجاجا عىل ترسحي بومون.
-واجته يف الكتابة عن رحلته وانطباعاته يف أأمرياك يف أأسلوب خاص .
-واختار بني املواد مواضيع لها عالقة مبا تسعى هل بالده فرنسا يف امليدان الاجامتعي والس يايس وهو حتقيق احلرية
واملساواة :حيث جاء عنوان كتابه جيمل " ادلميقراطية يف أأمرياك ".
-يف يناير 1835نرش اجلزء Iمن كتابه – فانترش اكلربق ( موقف االقراء – كام ترمج الكتاب خارج فرنسا اىل
أأكرث اللغات ،و أأجعب ا ألمريكيون بدوتكفيل اذلي قىض بيهنم أأقل من س نة واس تطاع أأن يمل بأأفاكرمه وطبيعة
مؤسساهتم.
-أأما الاجنلزي فأأغد قوا عليه الثناء ر أأوا أأنه مكثل مونتسكيو واحد من أأولئك الارس تقراطيني ا ألحرار كام تلقوه
ابحلفاوة عند وفوده علهيم س نة .1835
-ويف س نة 1836تلقى جازة كربى من اجملمع الفرنيس
-ويف عام 1832انتخب عضوا يف جامعة العلوم ا ألخالقية والس ياس ية يف اجملمتع العلمي .
-وبعد ظهور اجلزء الثاين عام 1840فقد عد عضوا يف اجملمع العلمي س نة 1841واكن شااب بني اخلادلين العلامء
ومعره ال يتجاوز 35س نة .
-ففي القسم iمن الكتاب فقد حبث عن تأأثري ادلميقراطية يف املؤسسات وا ألحداث الس ياس ية ل ألمريكيني .
-أأما يف القسم iiاملنشور عام 1840فقد حبث يف تأأثري ادلميقراطية عىل ا ألفاكر وا ألحاسيس وا ألخالق اخلاصة
ل ألمريكيني.
-مث مض اىل ذكل لكه مثانية فصول اختمت هبا الكتاب ،فأأوجز
-تأأثري ا ألفاكر وا ألحاسيس ادلميقراطية عىل امجلاعة الس ياس ية بوجه عام حيث يدرس ادلميقراطية بصفة عامة
-ان هذه النظرة اليت جاء هبا دوتكفيل اىل اجملمتعات الس ياس ية جاءت متطابقة مع سري التارخي عن الظروف اليت
اكن يعيش فهيا حيث أأن أأوراب و أأمرياك بد أأت تعرف ظهور اجملمتعات ادلميقراطية املتساوية.
36
-فدوتكفيل يعترب أأن املساواة ال احلرية يه املبد أأ احلقيقي لدلميقراطية – وتعترب أأن احلرية يه السعي املفاوض
الرضوري للمساواة القصوى .
-فاكن يعين الرشوراليت تمكن يف املساواة القصوى وا ألخطار اليت أأجنزها عىل البرشية ،ويكشف بلك جترد عىل
هذه الرشور وا ألخطار ،يبدو و أكهنا تدمع أأعداء ادلميقراطية لوال أأنه ال ينساق مع التشكك وال مع التشاؤم .
-ألنه اكن ذا اميان س يايس ابحلرية ابالضافة اىل اميانه ادليين ابلنرصانية.
-فاحلرية عنده يه رمز الكرامة البرشية ،و أأن ا ألشاكل احلكومية يف نظره ال تعد أأن تكون وسائل تتقارب من
الكامل أأو تتباعد عنه ابرضاء هذا املبد أأ ( احلرية ).
-كام يرى أأنه رمغ الارشار املتأأتية من ادلميقراطية واملساواة وا ألخطار اليت تلحقها ابلنوع البرشي فانه توجد
عالجات ،انكشفت هل طبيعهتا من خالل مشاهداته يف أأمرياك حيث مىض يعرف هبا .
-ادلميقراطية وليدة سري التارخي
يف ر أأي دوتكفيل أأن التارخي يسري بوازع من تيار دميقراطي جارف فالتارخي خيضع منذ 700عام س بقت صدور -
الكتاب اىل ما يش به قانون التسوية الن ا ألحداث الكربى منذ احلروب الصليبية اىل ظهور الربوتيس تانية
وأآاثرهام وان لك املكتشفات أأيضا قد أآلت اىل مصلحة املساواة ضد الامتياز ,ان ادلميقراطية وليدة التارخي .
ان لك ا ألحداث اليت ترتأآى و أكهنا تشري يف صاحل ادلميقراطية. -
والناس مجعا يعيشون ادلميقراطية جبهودمه سواء أأاكنوا هيدفون اىل اجنازها فعال أأم اذلين مل يفكروا يف خدمهتا -
وسواء اذلين حاربوا من أأجلها أأو ضدها – فان لك هؤالء اكنوا مدفوعني كآالت معياء يف يد هللا ،وقد معلوا
لكهم معا يف الطريق نفسها – فامنء املساواة يف الرشوط هو اذن من أأحداث العناية االلهية .
فادلميقراطية كام يرى دوتكفيل واليت انترصت عىل امللوك وهو من االقطاعية سوف ترتاجع أأمام البورجوازيني -
وا ألغنياء خصوصا و أأهنا أأصبحت قوية و أأعداهئا أأصبحوا ضعفاء .
فا ألمر اذلي أأثر يف دوتكفيل يف الو .م هو املساواة يف الرشوط ،حىت لقد سامها ابحلادث املودل اذلي ينحدر -
منه لك حادث خاص .
-غري أأن هذه املساواة مل تكن قد بلغت هذه احلدود القصوى يف أأوراب وان اكنت أأوراب قد بد أأت جتري حنوها
برسعة ال تقاوم ( فالثورة اليت تؤول اىل املساواة واليت انطبع هبا سري التارخي واليت معل سفر دوتكفيل يف
ادراكه لها وتكوين أأفاكره عهنا ) ,السري حنو املساواة يف الرشوط ويدعو الشعوب النرصانية اىل الاجهتاد قبل
فوات الآوان يف توجيه حركة ادلميقراطية ( احلرب علها حرب عىل هللا) .
-وسيرشع يف وصف العامل اجلديد اذلي توجه فيه ادلميقراطية توجهيا جديدا واذلي حيتاج اىل عمل س يايس جديد
يعيد النظر يف اجملمتع ادلميقراطي بغية تكوينه وتوجهيه حىت جيلب للناس سعادة أأمسى – ويطلب أأن ينظم وضع
37
التساوي بني ا ألفراد بناء عىل القانون اذلي ينظر اليه ا ألفراد كعمل مث عىل أأيدهيم ويتعلقون حبريهتم وبواهجهتم
املدنية املقابةل – ووعهيم ادليين املضمون حبريهتم ادلاخلية ,و لك ذكل يقاومون به أأعامل ادلوةل الاستبدادية.
-هذا التوجيه العلمي يف اجملمتع ادلميقراطي هو اذلي س يجلب للناس سعادة أأمسى كام ان هناءة العيش س تكون
أأكرث مشوال مقارنة مع اجملمتعات الارس تقراطية .
هذه اللوحة اليت رمسها دوتكفيل لدلميقراطية مل تكن يف أأوراب اال جمرد فكرة اذ تركت ادلميقراطية لغرائزها -
الوحش ية – تنشأأ أأطفال يف شوارع املدينة بدون أأب وال أأم ،ال يعرفون من اجملمتع اال عبوديته ومصائبه .
حياربون احلرية وحياربون ادلين ،و أكن ادلين ويتابع دوتكفيل يف قراءة اللوحة ،واختلط ا ألمر أأن رجاال -
اذلي ساوى بني الناس ال يرىض أأن يرامه متساوين أأمام القانون ،وكذكل يزداد الفقري والغين كرها بيهنام –
ويرى أأن أأوراب قريبة من مسافة تثبيت احلقوق ،ويثق دوتكفيل بأأن هللا هيئي للمجمتعات ا ألوربية مصريا أأكرث
ثبات يقول ":اين أأفضل بأأن أأشك يف أأنواري عىل أأن أأشك بعداةل هللا".
ويعترب أأن الو .م تقدم للعامل صورة للامنء السلمي بيرس وسهوةل وتطرق دوتكفيل اىل أأن س يطرة هوى املساواة -
عىل هوى احلرية عند ا ألمريكيني فهم حيبون احلكومة اليت يسهرون عىل انتخاب رئيسها ويراقبون أأعاملها,
وحتدث عن املتعة اليت حتدهثا املساواة دلى لك انسان ,فالناس يطلبون املساواة يف احلرية ،وان مل يس تطيعوا
فاهنم يريدوهنا حىت يف العبودية .
ويعترب دوتكفيل أأن املساواة الاجامتعية تؤدي حامت اىل املساواة الس ياس ية – وهذه ا ألخرية تمتثل يف س يادة -
اجملمتع أأي التساوي يف احلمك أأو السلطة الواحدة عىل امجليع ,اال أأن ا ألمريكيني حسب دوتكفيل حالوا دون
اخلضوع لس يد واحد ،و أأسسوا ودمعوا س يادة الشعب اىل تكوين القوانني ابختيار املرشعني وتطبيقها ابنتخاب
السلطة التنفيذية .
ان الشعب هو اذلي حيمك يف أأمرياك – اهنا سلطة الأكرثية تقوم عىل أأساس املساواة – لكهنا سلطة مطلقة – -
طغيان الأكرثية .
-ا ألمر اذلي يدعو للنظر يف عيوب ادلميقراطية :واليت تظهر من خالل النظر يف :
-أأ -يف الفكرة والآراء " ا ألمرييك يرى السلطة يف الأكرثية اليت يقف عندها الاس تقالل الفردي ،هذا اجملموع (
الأكرثية ) مييل معتقداته ويعمق انفاذها اىل ا ألرواح بصورة الضغط الواسع لفكر امجليع عىل ذاكء لك فرد –
ا ألمر اذلي يشلك ضغطا عىل حرية الفكر ( احلرية يف حدود هذه ادلائرة)
-يف املشاعر :يف عصور املساواة يوجه لك فرد مشاعره حنو نفسه ولوحده وذكل راجع اىل الفردية ,هذه الفردية
جتعل لك مواطن ينعزل عن امحلاية مع عائلته و أأصدقائه هذا الشعور غريب عن اجملمتعات ا ألرس تقراطية اليت
يربط ا ألفراد سلسةل طويةل تتصاعد من الفالح اىل املكل .
38
-يف حني يف ادلميقراطية حتطم هذه السلسةل فتجعل الفرد املواطن يفرغ من لك جوهر ،فالفردية بنت املساواة
تؤول ابجملمتعات اىل استبداد جديد .
-ويقرتح دوتكفيل عالجات لعيوب ادلميقراطية ,واليت تتجه اىل املرض أأال وهو املساواة ،والعالج الفعال هو
احلرية الس ياس ية ,واال فان االنسانية تبقى همددة ابلوقوع يف الاستبدادية .
-وجيب أأن يكون احملرك هو الشعب ( العدد الأكرب) و اقامة املؤسسة احلرة اليت جترب املواطنني عىل نس يان
شؤوهنم احملضة والاجتاه اىل ا ألمور العامة ,وهذه املؤسسات يه احلرايت احمللية وامجلعيات اخلاصة اليت تتوىخ
املصلحة العامة ابالضافة اىل ادلين.يه ابلنس بة للحرية اكملدارس االبتدائية ابلنس بة للتعلمي تأأيت بعد احلرايت
وقد أأذهلت دوتكفيل يف الو .م ابختالف أأغراضها يف ش ىت ا ألعامل وسائر الرشوط .
الحظ دوتكفيل كذكل يف الو .م أأن الفكر املتجدد والفكر املتدين بيهنام توافق كبري عكس أأوراب. -
فاذا اكن القانون يسمح للشعب ا ألمرييك أأن يعمل لك يشء ،فان ادلين مينعه من أأن يقبل لك يشء و أأن يفعل -
لك يشء .
اذن ان ادلميقراطية يه ادلعامة ادلامئة للعامل الس يايس أأما ادلين فهو بنات العامل ا ألخاليق والتوازن اهنا يقوم -
ابجامتعهام.
وادلين يف الو .م مفصول عن الس ياسة وال يتدخل مبارشة يف احلمك الس يايس للمجمتع ،وامنا تكون ا ألرواح -
وحدها لدلين
-ان ادلميقراطية حتمت املساواة ويف يد الشعوب أأن ترتك املساواة نفوذها اىل العبودية أأو اىل احلرية ...
39
املبحث الثالث :الفكر الس يايس الاشرتايك العلمي
حملة عن حياة ماركس:
_ ودل يف 5مايو 1818ف مدينة ترين بأأملانيا = اكن أأبوه حماميا هيمت ابلفلسفة.
_ يف عام 1824اعتنق وادلاه الهيوداين املس يحية = أأصبحت أأرسته بروتس تانتية.
_ بعد أأن أأهنيى دراس ته االعدادية يف تريف ،أأمكل دراس ته العليا يف جامعات بون وبرلني ويينا.
_ درس التارخي والفلسفة وتأأثر هبيغل.
_ انضم يف جامعة برلني اىل رابطة الطلبة الثوريني (الهيجليني اليساريني).
_ اجته اىل الصحافة عام 1842وتزوج يف الس نة التالية من ابنة موظف حكويم كبري.
_ واهجت جملته بعض الصعوابت من جانب الرقابة ،فسافر اىل ابريس مع زوجته حيث تعرف عىل فالسفة
الاشرتاكية من الفرنس يني ،كام تعرف عىل فريديريك اجنلز.
_ لكن رسعان ما طرد من فرنسا فذهب اىل بلجياك.
_ كتب مع انلجز عام 1844و 1845كتايب "العائةل املقدسة" و "االيديولوجية ا ألملانية".
_ كام أأصدر عام 1847كتيبا ابمس "بؤس الفلسفة" يرد به عىل كتاب الفيلسوف الفرنيس برودون "فلسفة
البؤس) ،ويعترب هذا الكتاب بداية ألفاكره يف تفسريه الاقتصادي للتارخي ولتحديد ا ألساس العلمي لالشرتاكية.
_ يف فرباير 1848أأصدر مع اجنلز البيان الش يوعي ،اذلي حيتوي عىل خالصة فلسفهتام الاجامتعية ،وحيددان
الطابع الطبقي الاس تغاليل للنظام الر أأساميل ،ويدعوان العامل اىل الثورة عليه ،من أأجل اقامة اجملمتع الاشرتايك،
وقد اكن البيان مبثابة أأول برانمج ألول تنظمي للش يوعيني ،مث طرد ماركس من بلجياك بعد اندالع الثورة هناك،
40
فعاد اىل أأملانيا ،لكنه طرد مهنا كذكل ،فذهب اىل لندن ،حيث اس تقر هناك اىل أأن مات يف 14مارس
،1883بعد 15شهرا من وفاة زوجته.
_ ابالضافة اىل البحث وادلراسة والكتابة ،فان ماركس متزي كذكل ابملشاركة الفعاةل يف خمتلف أألوان النشاط
الس يايس والاجامتعي والفكري.
_ ففي عام 1859أأصدر كتابه نقد الاقتصاد الس يايس ،وهو دراسة نقدية لتارخي الفكر الاقتصادي.
_ ويف عام 1864جنح ماركس يف تأأسيس "الرابطة ادلولية للعامل".
_ فلقد صاغ هيغل املهنج اجلديل ،لكن ماركس أأقامه عىل قدميه ،فبدال من أأن يكون الواقع تعبريا عن الفكرة
(هيغل) ،أأصبحت الفكرة تعبريا عن الواقع وانعاكساته ،دون أأن يقلل من فاعلية الفكرة يف الواقع كذكل.
_ وهكذا أأقام ماركس أأسس املادية اجلدلية ،اليت تؤكد أأن وجود املادة سابق عىل وجود الفكر ،و أأن العامل
اخلاريج مس تقل عن اذلهن البرشي ،و أأن هذا العامل اخلاريج قابل ألن يعرف ابذلهن معرفة موضوعية يقينية،
يزداد يقيهنا ابزدايد التجربة البرشية وتطورها.
_ كام طبق ماركس قواعد املهنج اجلديل من تغري وتداخل وتناقض وحتول من المك اىل كيف ،عىل خمتلف
جماالت النشاط البرشي ،وعىل التارخي ،وانهتيى كذكل اىل اقامة املادية التارخيية ،اليت يه عمل قوانني التطور
الاجامتعي والرصاع الطبقي.
_ لقد اس تطاع ماركس أأن ميزي بفضل املادية التارخيية بني مراحل الاس تغالل اخملتلفة يف التارخي البرشي من
عبودية واقطاعية ور أأساملية ،وأأن يكشف قوانني الاس تغالل يف لك مرحةل ،و أأن يقف عند املرحةل الر أأساملية
فيفضح ابلتحليل العلمي متناقضاهتا ادلاخلية ،ويؤكد حمتية اهنيارها ،وحتدد طريق النضال الجناز هذه املهمة
التارخيية ،وهبذا وضع ماركس أأسس الاشرتاكية العلمية يف مواهجة خمتلف الاشرتاكيات اخليالية.
ومن أأمه مؤلفات ماركس:
مسامهة يف نقد فلسفة القانون عند هيغل .1844
41
حول املسأأةل الهيودية .1844
البيان الش يوعي (مع اجنلز) .1847
ر أأس املال (مل يمتمه يف حياته) .1864-1876
الاقتصاد الس يايس والفسلفة .1844
العائةل املقدسة .1845
االيديولوجية ا ألملانية()1845-1946
برومري ولويس بوانابرت (.)1852
الرصاعات الطبقية يف فرنسا (.)1850
مسامهة يف فقد الاقتصاد الس يايس ()1859
ا ألجور وا ألسعار وا ألرابح (.)1865
خطاب افتتاح ادلولية ا ألوىل (.)1864
احلرب ا ألهلية يف فرنسا (.)1871
اترخي املذاهب الاقتصادية (.)1861-1865
ابالضافة اىل مجموعة كبرية من الرسائل اليت تتناول خمتلف القضااي الس ياس ية والاقتصادية والفكرية السائدة أأثناء
حياته ،وتبادلها مع أأبرز الثوريني يف عرصه.
حملة عن حياة اجنلز:
_ ودل يف 28نونرب 1820يف "ابرمن" بأأملانيا ،وهو ابن أأحد أأحصاب رشاكت النس يج ،أأرشكه أأبوه يف أأعامهل،
وخاصة يف رشكة الغزل اليت أأنشأأها يف مانشيسرت ابجنلرتا ،ومع لك ذكل فان اجنلز مل حيرم من املشاركة يف
أأحداث عرصه الفكرية والس ياس ية.
42
_ وعندما بلغ سن 49س نة ختلص من لك الزتاماته العملية واالدارية ،وكرس حياته للنشاط الس يايس
والفكري.
_ اشرتك عام 1841يف رابطة الهيغليني اليساريني ،واكن مثل ماركس متأأثرا بفلسفة هيغل.
_ اشرتك مع ماركس يف عدة أأعامل فكرية ،يفضحان فهيا احملاوالت الفكرية لطمس الرصاع الطبقي ،وادلعوة اىل
املهادانت الطبقية ملصلحة البورجوازية.
_ ويف عام 1854أأصدر كتابه املشهور عن "حاةل الطبقة العامةل االجنلزيية عام ."1844
_ أأسهم مع ماركس يف النضال من أأجل انشاء الرابطة ادلولية للعامل عام .1864
_ ويف عام ،1878نرش كتابه املوسوعي "ضد دوهرنغ" اذلي يعترب أأمعق توضيح نظري للنظرية املاركس ية
سواء يف جوانهبا الفلسفية والاقتصادية أأو الاجامتعية ،كام عكف عىل دراسة العلوم الطبيعية والرايضية،
وخرج من هذه ادلراسة بكتابه عن جدليات الطبيعة" اذلي مات قبل أأن يمكهل.
_ وبعد موت ماركس معل عىل اصدار اجلزء الثاين ( )1885والثالث 1894من ر أأس املال.
_ كام أألف كتابه " أأصل العائةل وامللكية اخلاصة وادلوةل" ،اذلي يعترب من أأرىق التطبيقات دلراسة اجملمتعات
القدمية ونشأأة ادلوةل.
_ كام أأصدر س نة 1888كتابه "فيورابخ" (الفلسفة ا ألملانية التقليدية) اذلي مزي فيه بني القوانني املوضوعية يف
جمال الطبيعة ويف جمال التارخي ،وحدد ادلالةل العلمية للفلسفة وبلور املبادئ ا ألساس ية للامدية اجلدلية واملادية
التارخيية.
_ ولقد قام ماركس بكثري من التوضيحات البالغة ا ألمهية للنظرية ،ومن أأمه مؤلفاته:
_ حاةل الطبقة العامةل االجنلزيية .1878-1844
_ معارضة دوهرجن.
_ جدليات الطبيعة.
43
_ فيورابخ وهناية الفلسفة ا ألملانية التقليدية وابالشرتاك مع ماركس.
_ العائةل املقدسة .1844
_ االيديولوجية ا ألملانية .1845
حملة عن حياة لينني (فالدميري أأليتش):
_ ودل لينني يف 22أأبريل 1870يف "مسربسك" يف روس يا ،واكن وادله "اليانيكواليفتش أأوليانوفسك" انظر
مدرسة ،مث أأصبح مفتشا للمدرسة العامة يف منطقة مسربسك ،واكنت وادلته ابنة طبيب.
_ واكن أأخوه الأكرب الكس ندر طالبا يف اجلامعة ،وانضم اىل جامعة تعمل من أأجل احلرايت الس ياس ية
للشعب ،عن طريق الاغتيال الس يايس ،واشرتك الكس ندر لقتل القيرص فقبض عليه و أأعدم يف س نة .1887
_ فاهمت لنني ابلنضال الس يايس يف حياته اجلامعية ،لكنه مل يتجه اىل الاغتيال وامنا اىل النضال الثوري املنظم،
واكن قد التحق ابجلامعة دلراسة القانون عام 1887وفصل مهنا لنشاطه الطاليب ،اال أأنه متكن من احلصول عىل
درجة يف القانون عام 1891من جامعة سانت بطرسربج كطالب منتسب.
_ عكف لنني عىل دراسة املاركس ية حىت أأصبح متعمقا فهيا.
_ ولقد متكن عام 1895من جتميع احللقات املاركس ية ببطرس بريج يف تنظمي موحد هو "عصبة النضال من أأجل
حترير الطبقة العامةل" ،ويعترب هذا التنظمي هو البداية احلقيقية للحزب الش يوعي يف روس يا.
_ واكنت أأول اسهاماته الفكرية هو كتابه "من أأمه أأصدقاء الشعب" ،ويف هذا الكتاب يدحض طريق
الاغتيال ،ويدعو اىل طريق الثورة العلمية ،اذلي تقوم عىل توعية الطبقة العامةل ،وتنظميها تنظامي يكفل لها قيادة
مجيع القوى ادلميقراطية ا ألخرى.
_ ويف عام 1895قبض عىل لينني مث نفي اىل س يبرياي ،عىل أأن وجود لينني ابملنفى مل مينعه من االتصال
ابحلركة الثورية ومتابعهتا.
44
_ واكنت املشلكة اليت تواجه احلركة يه توحيدها فكراي وتنظميها ،ولهذا ففي مارس 1898اجمتع ممثلو
التنظاميت املاركس ية اخملتلفة من أأجل بناء تنظمي ماركيس موحد ،ولقد جنحوا يف انتخاب جلنة مركزية ،واصدار
بيان هام حيدد أأهدافه الرئيس ية.
_ ورمغ موافقة لينني ،اال أأنه بني فيه اجتاها حنو تغليب النضال الاقتصادي يف حركة الطبقة العامةل ،واغفال
النضال الس يايس ،كام أأنه مت القبض عىل أأعضاء اللجنة املركزية املنتخبة ،وبرزت احلاجة من جديد اىل قيادة
فكرية وتنظميية.
_ ويف فرباير عام 1900انهتت مدة النفي و أأفرج عن لينني ،فبد أأ مرحةل حامسة من حياته من أأجل توحيد
املاركس ية يف حزب طليعي جديد ،واحض ا ألهداف الثورية.
_ وغادر لينني روس يا ،و أأخذ ينتقل بني سويرسا و أأملانيا وابريس ولندن ،وتساءل لينني عن احللقة الرئيس ية
لتحقيق هذا احلزب ،واكنت االجابة يه "اجملةل" ،ولهذا قرر أأن تكون " أأسكرا" أأي الرشارة يه الوس يةل لدلعوة
اىل احلزب اجلديد ،وللربط بني خمتلف التنظاميت املاركس ية ،متهيدا لتوحيدها.
_ ويف هذه ا ألثناء اختذ لينني امسه الرسي "لينني" اذلي ارتبط به وغلب عىل امسه احلقيقي.
_ و أأمه ما كتبه لينني يف هذه الفرتة كتابه "ما العمل؟" اذلي ينتقد فيه أآراء الاقتصاديني ويؤكد فيه أأن القضية
ليست قضية حتقيق أأهداف اقتصادية للطبقة العامةل وامنا تغيري جذري للمجمتع وادلوةل ،فالبد من قيام حزب
يقوم عىل النظام اجلديد ،ويكون مكوان من الثوريني احملرتفني.
_ ويف يوليوز غشت 1903م انعقد املؤمتر الثاين للحزب الاشرتايك ادلميقراطي يف روس يا ،ومت فيه اقرار الحئة
للحزب وبرانجمه ،ويف هذا املؤمتر احتدمت أأوىل املعارك النظرية بني لينني وخصومه حول رشوط عضوية
احلزب وحول قيادة الطبقة العامةل للثورة.
45
_ وبرز جناحان البولشفيك أأي ا ألغلبية ومه أأنصار لينني ،وجناح املنشفيك أأي ا ألقلية ،وقد ظلت هذه
اخلصومة وهذا الرصاع يف احلركة املاركس ية الروس ية حىت صفيت بأأنصار الثورة 1917واندحار أأفاكر
املنشفيك.
_ وقد أأصدر لينني طائفة من الكتب لتدعمي مفهوم احلزب اجلديد ،وحتديد معامل البورجوازية ادلميقراطية اليت
متهد للثورة الاشرتاكية ،ومن هذه الكتب" :تكتياكن" "وخطواتن اىل ا ألمام وخطوة اىل اخللف" مث كتابه
الفلسفي "املادية والنقدية التجريبية" اذلي أأصدره عام ،1909مطورا به املاركس ية يف ضوء منجزات العمل
احلديث ،مطهرا هذه النظرية من لك حماوالت املراجعة والتحريف.
_ ومل يقف رصاع لينني الفكري داخل روس يا أأو داخل حزبه ،بل امتد اىل جهبة الفكر االشرتايك يف أأوراب،
وقد احتدم الرصاع عند اعالن احلرب العاملية ا ألوىل ،حيث رفع لينني شعار "احلرب ضد احلرب" ،وفضح
حقيقة احلرب عىل املس توى الاقتصادي والس يايس ،وحدد هبذا املرحةل اجلديدة من مراحل تطور الر أأساملية
ويه مرحةل الاحتاكر واالس تعامر ،واكتشف قانون التطور بني ادلول الر أأساملية اخملتلفة ،وهبذا تنبأأ ابماكنية قيام
الثورة الاشرتاكية وجناهحا يف دوةل واحدة يه أأضعف حلقات السلسةل الاس تعامرية.
_ واكن لينني خمتلفا مع تن ِبؤات ماركس واجنلز ،وهكذا أأعلن لينني نضج ا ألوضاع الثورية يف روس يا ،وقاد
الثورة برباعة فائقة عىل أأسس معلية وس ياس ية.
_ ولقد اكنت الثورة يف البداية بورجوازية دميقراطية عند قياهما يف فرباير 1917واكدت نتيجة ملؤامرات
املنشفيك أأن تتجمد عند هذا احلد ،لوال يقظة لينني فدفع هبا اىل أأن تواصل طريقها حىت حتقق مرحلهتا الثانية
وتقمي أأول دوةل للعامل يف التارخي يف أأكتوبر من العام نفسه.
_ ولقد أأضاف لينني أأفاكرا كثرية لنظرية ماركس واجنلز ،ومهنا مرحةل انتقال الر أأساملية اىل الاحتاكر
والاس تعامر ،وتربز أأمه اضافاته يف نظرية احلزب ،والتحالف بني العامل والفالحني ،وحل مشلكة القوميات
46
وديكتاتورية الربوليتاراي وربطه بني الثورة الاشرتاكية وحراكت التحرر الوطين ،وحتليهل لالحتاكر فضال عن
حتليالته الفلسفية القمية.
ومن أأمه مؤلفاته:
من مه أأصدقاء الشعب "."1894
تطور الر أأساملية يف روس يا ""1899
ما العمل؟
خطواتن اىل ا ألمام."1904" ...
املادية والنقد التجرييب .1909
االمربايلية أأعىل مراحل الر أأساملية "."1917
ادلوةل والثورة .1917
ديكتاتورية الربوليتاراي واملرتد اكوتسيك .1919
اليسارية مرىض الطفوةل الش يوعي .1920
رسائل اىل املؤمتر .1923
كتاابت فلسفية.
ابالضافة اىل مجموعة كثرية من املقاالت والرسائل واخلطب والقرارات واملذكرات ويتلخص حمتوى الفكر املاركيس
يف:
.1نظرية املادية اجلدلية.
.2نظرية املادية التارخيية.
.3نظرية الاقتصاد الس يايس (انظر مادة الاقتصاد الس يايس).
.4النظرايت الس ياس ية :الربوليتاراي ،نظرية احلزب.
47
نظرية املادية اجلدلية : -I
-1املادية اجلدلية والفلسفة:
ان الفلسفة املاركس ية هتدف اىل اعطاء تفسري للعامل عىل ضوئه تنكشف املعايري املوضوعية لتطور
اجملمتع البرشي ،وهتدف اىل الاس تعانة هبذا التفسري عىل تغيري العامل تغيريا ثوراي.
كام أأن الفلسفة املاركس ية تضع يف يد الربوليتاراي سالحا قواي ،عندما تزودها مبعرفة قواعد التحويل الثوري
للواقع.
واذا اكن الفكر املاركيس اس تقى من الزناعات املادية الفلسفية ("لوسيب" و دميقريط" و"فيورابخ" )...اال أأهنا
بقيت يف حدود نزعة مادية بدائية ،أأخذ علهيا ماركس واجنلز ما ييل:
_ اهنا ال تعرف سوى شلك واحد من أأشاكل حركة املادة يه احلركة املياكنيكية واهنا حتاول ارجاع لك امليادين
الطبيعية مبا فهيا احلياة واجملمتع اىل س ياق مياكنييك.
_ اهنا ذات طابع ميتافزييقي ينظر اىل الطبيعة عىل أأهنا مجموعة متنوعة من ا ألشاكل الهنائية الثابتة.
_ اهنا اكتفت بتفسري الطبيعة من وهجة نظر مادية ومل تعمم ذكل عىل التارخي ،فبقيت تعترب ا ألفاكر القوة اليت
حتدد تطور اجملمتع.
فاملادية اجلدلية جتاوزت هذه املادية البدائية بوضعها للمفهوم املادي للتارخي ،ويفضل اعامتدها عىل
الطريقة اجلدلية ،كام جتاوزت املفهوم املثايل عن العامل دلى الاشرتاكيني أأشاكل س ميون وبرودون وواوين،
وجعلت من الاشرتاكية مرحةل حمتية من املراحل املوضوعية لسري التارخي ال جمرد حتقيق ملثل أأعىل.
وجتاوزت كذكل نظرية الاقتصاد الس يايس الاجنلزيي دلى أآدم مسيت ورياكردو الذلين اكان ينظران اىل النظام
الر أأساميل عىل أأنه حقيقة ميتافزييقية ،وشلك خادل جامد من أأشاكل اجملمتع البرشي ،دون أأن ينتهبا اىل الطابع
املؤقت لهذا النظام.
من خالل هذا لكه نس تطيع أأن نتبني خاصيتني رئيس يتني للفلسفة املاركس ية:
48
_ الوحدة بني النظرية واملامرسة.
_ الالزتام الفكري والعلمي.
حفسب ماركس تكون الربوليتاراي يه الطبقة اليت متكل املس تقبل وتكون املصاحل اذلاتية للربوليتاراي ،متطابقة مع
السري املوضوعي للتارخي ،ذلكل فان لينني يف رده عىل بعض املاركس يني الروس يقول" :ان املاركس ية تتضمن الالزتام
والتحزب ،فنحن حني حبمك عىل أأمهية ظاهرة ما ،ننظر الهيا مبارشة من خالل وهجة نظر فئة اجامتعية حمددة".
وهذا ما حيول والفكر البورجوازي دون رؤية حركة التارخي ،وابلتايل دون فهم العامل فهام حصيحا ،فالربجوازية
اليت ينرصف مهها اىل االبقاء عىل النظام الراهن للعامل جتنح ابجتاه عقلية ميتافزييقية تتجاهل احلقائق املوضوعية اليت تسري
ضد مصاحلها ،وحتاول أأن تسخر فكرها ليك تغطي وتربر اس تغالل امجلاهري الاكدحة.
ذلكل فان الفلسفة املاركس ية يه فلسفة الطبقة الاكدحة ،ويه ال تس تطيع أأن تتصور اماكنية قيام فلسفة حيادية
وغري متحزبة ،ألن لك نظرية يف ر أأهيا تعكس مصاحل هذه أأو تكل من الطبقات والبد أأن تكون متحزبة.
والتحزب الوحيد املرشوع هو التحزب للربوليتاراي ،بسبب تطابق مصاحلها اذلاتية مع التطور املوضوعي للواقع ،فاملشلكة
احلقيقية ابلنس بة للفلسفة املاركس ية ليست مشلكة هامة يف ذاهتا ،وال تصبح هامة اال مبقدار ما تسمح ابلعمل اجملدي
الفعال ،ذلكل فاهنا ليست عقيدة بل يه دليل للعمل ،وينجم عن هذا املبد أأ أأن املاركس ية ليست ذات طابع جامد
مطلق ،بل يه قابةل ألن تمكل مبعارف جديدة مس متدة من التجارب اجلديدة ،عىل أأن هذه التجارب اجلديدة ال ميكن أأن
تؤول اىل رفض املضامني ا ألساس ية للنظرية املاركس ية ،بل تضع املبادئ املاركس ية موضوع التطبيق العميل وتكيفها مع
ا ألوضاع واملعطيات اجلديدة يف ا ألزمنة احلديثة ،وتسمح لطبقة الربوليتاراي أأن جتابه برسعة لك موقف جديد ،و أأن
تستبق اخلطوط العامة للتطور املقبل ،وبذكل تشلك املاركس ية ا ألساس العلمي لس ياسة مؤزورة ابلنرص ،قامئة عىل
معرفة القوانني املوضوعية لتطور التارخي.
49
ان "املاركس ية" ترى أأخريا أأن املبادئ ا ألساس ية اليت تنطلق مهنا ال تصح فقط عىل التطور الاجامتعي ،بل
تنطبق عىل تطور الطبيعة وتطور الفكر البرشي عىل الصعيد العلمي والفين.
-2ثنائية املادية واملثالية:
ان القضية ا ألساس ية يف لك فلسفة وخاصة يف الفلسفة احلديثة ،كام يقول اجنلز ،يه قضية العالقة بني
الاكئن وبني الفكر.
فالفالسفة اذلين قالوا بأأس بقية الفكر عىل الطبيعة ،يشلكون معسكر (املثالية) أأما الذلين اعتربوا الطبيعة
العنرص ا ألول ا ألصيل فقد ارتبطوا ابملدرسة املادية يف خمتلف أأشاكلها ،فبالنس بة للزنعة املادية يشلك الاكئن
والطبيعة العنرص ا ألول ،أأما الفكر فهو مظهر من مظاهر هذا العنرص ا ألول ومش تق من مش تقاته ،أأما ابلنس بة
للمثالية فميثل الفكر املاكن ا ألول.
وهكذا فان للك من املادية واملثالية معنيني ،فلكمة مادية لها مدلوالن فهيي ميكن أأن تعين النظرية اليت تقول بأأن
الطبيعة يه اليت تودل الفكر ،وميكن أأن تعين (نظرية املعرفة) اليت تقول بأأن موضوع املعرفة ( أأي الوجود
املس تقل عن الفكر) ،هو اذلي حيدد فعل املعرفة ( أأي الفكر) ،كام أأن لكمة "مثالية" ميكن أأن تعين النظرية
اليت مبوجهبا يدل الفكر الطبيعة ،كام تعين أأيضا النظرية اليت تقول بأأن الاكئن ( أأي موضوع املعرفة) امنا يتحدد
بفعل املعرفة أأي ابلفكر.
ان االيديولوجية املاركس ية ترجع مجيع الفلسفات اىل مصدرين املثالية واملادية وتلحق هبام احدى
اخلاصيتني :اجلدلية أأو امليتافزييقية ،فلك فلسفة تعترب ا ألش ياء من خالل حركهتا وس ياقها وتناقضاهتا ،يه فلسفة
جدلية وعىل العكس فان لك فلسفة البد أأن تكون ميتافزييقية عندما تنظر اىل ا ألش ياء معزوةل عن بعضها
واثبتة ال تتحول.
وهكذا ميكن أأن نعرث حسب تصنيف الفلسفة املاركس ية عىل أأربعة مناذج ويه :الفلسفة املثالية
امليتافزييقية واملثالية اجلدلية واملادية امليتافزييقية واملادية اجلدلية.
50
أأما الفلسفة البورجوازية املعارصة ابجتاهاهتا الرئيس ية الثالثة :الوجودية والوضعية والتوماتية اجلديدة ( أأي فلسفة توما
الاكويين) ،فهيي تندرج حتت مفهوم الفلسفة املثالية.
-3مفهوم املادة:
جند أأنفس نا داخل العامل اذلي حييط بنا ،أأمام أأش ياء ميتة بعضضها صلب وبعضها رخو ،مهنا ما هو ضئيل
ومهنا ما هو خضم ،تؤلف مبجموعها ما نسميه الطبيعة ،فعىل الرمغ من تنوع هذه ا ألجسام الطبيعية ،فاهنا متكل
خطأأ عاما مشرتاك جيمعها وهو كوهنا موجودة وجودا مس تقال عن الشعور وخارجا عنه.
أأما شعور االنسان ووعيه ،فقد وجد يف مرحةل من مراحل تطور الطبيعة ،وهام يف ر أأي املاركس ية نتاج
الطبيعة نفسها ،ذلكل فان الفلسفة املاركس ية تقول بأأولوية املادة عىل الشعور والوعي.
لقد مزي ماركس بني اجتاهني داخل النظرايت املادية للقرن :18
الاجتاه ا ألول يصدر عن دياكرت وحيمل تصورا أآليا مياكنيكيا عن العامل.
والآخر تيار اجامتعي يتعلق جبون لوك ،يؤكد عىل أأمهية البيئة وعىل ا ألصل املادي لالحساسات وا ألفاكر،
وماركس يعترب نفسه ممكال للتيار ا ألخري.
فيؤكد أأولوية الاختيار احملسوس القامئ عىل العالقة اجلدلية بني االنسان والطبيعة ويف عهد مؤسيس املاركس ية
(ماركس واجنلز) مل يكن مفهوم املادة يثري اشاكال ،اذ أأن علوم الطبيعة اكنت يف ذكل العرص تعترب املادة مؤلفة
من جواهر ساكنة غري قابةل لالنقسام أأو الاخرتاق ،لكن تطور العلوم الطبيعية ،كشف أأن اجلواهر نفسها
مؤلفة من جزئيات يه االلكرتوانت ،وقد قاد هذا الاكتشاف اىل امليض يف دراسة تركيب املادة واىل التوصل
اىل اكتشاف مكوانت أأصغر من االلكرتوانت ،وابلتايل اىل ارجاع تركيب املادة اىل طاقات ال حتمل من
ا ألوصاف املادية املأألوفة شيئا ،فاكن البد أأن يؤدي ذكل اىل خلق أأزمة يف قلب الزناعات املادية الفلسفية ،وأأن
51
يشري هذا الاجتاه اعادة النظر يف مفهوم املادة اهامتم لينني ،و أأن ينرصف املفكرون املاركس يون اىل اجياد تعريف
جديد للامدة.
ففي كتابه "املادة والزنعة الاختيارية النقدية" ،ينطلق لينني من أأن التطور احلديث يف الفزيايء قد
يشلك خطرا عىل املادية امليتافزييقية اليت تطرح مشلكة اجلوهر الصمميي والسكن للامدة وليس عىل املادية
اجلدلية ،اليت ال تفتش عن ماهيات جامدة بل تفهم العامل عىل أأنه حركة مس مترة دامئة ختضع لتبدالت اثبتة.
ذلكل فان لينني يعترب أأن لك مبد أأ علمي خاص برتكيب املادة وخواصها ال ميكل اال قمية نسبية وتقريبية ،ويعرف
املادة اكلتايل:
"ان املادة مقوةل فلسفية من شأأهنا أأن حتدد احلقيقة املوضوعية كام تبدو للحواس وتؤثر علهيا" ،وهذه املادة
تؤخذ يف حقيقهتا املتحركة ال يف مظهرها الساكن ألن احلركة يه احدى اخلواص الرئيس ية الهامة للامدة ،فهيي
تنطوي عىل جزئيات يف حاةل حركة دامئة ،وا ألجسام توجد عىل ا ألرض اليت يه يف حاةل حركة دامئة ودوران
حول الشمس اليت تنتقل بدورها مع مجموعة النظام الكوكيب ،فاحلركة ليست صفة عرضية للامدة بل يه خاصية
نوعية من خواصها ،بل يه الصفة ا ألولية لوجود املادة.
واملادية ادلايليكتيكية ال تكتفي بتعريف احلركة بأأهنا جمرد التبدل يف املاكن بل تعتربها كام اعتربها أأرسطو ،بأأهنا
عىل وجه العموم (لك حتول يطر أأ) ،فهناك اىل جانب احلركة املياكنيكية ( أأي التحول يف املاكن) ،احلركة
الفزيايئية (داخل اجلوهر) ،واحلركة الكاميوية (التفاعالت) ،واحلركة البيولوجية واحلركة الاجامتعية (العالقات
الاجامتعية واترخي اجملمتع البرشي) ،وهذه ا ألشاكل اخملتلفة تشلك وحدة ال تنفصم دلى الاكئن احلي.
اذن فاملادة واحلركة تشالكن وحدة ال تنفصم دلى الاكئن احلي:
أأما اخلاصية الرئيس ية الثانية للامدة ،فهيي (ال هنائيهتا) فاملادة ال متناهية واخلاصية الثالثة اليت متزي املادية
اجلدلية تتلخص يف كون املادة (غري قابةل للنفاذ).
52
ان مفهوم املادة حسب املادية اجلدلية ،جيعل مهنا وجودا مس تقال ال عن الشعور الفردي وحده ،بل
عن لك شعور بوجه عام وهو يلزتم مبفهوم الوحدة املادية للعامل.
فالعامل واحد ،وعاملنا يف نظر املادية اجلدلية هو وحده املوجود ،فهيي من هجة تنكر الثنائية ،ويه من هجة اثنية
ال تعرتف بوجود ما ليس ماداي.
53