Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 53

‫حمارضات يف وحدة‬

‫اترخي الفكر الس يايس‬


‫السدايس السادس قانون عام‬

‫ا ألس تاذ رش يد السعيد‬

‫الس نة اجلامعية ‪2019.2020‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الفكر الس يايس احلديث‬
‫الليربالية والاشرتاكية الطوابوية والاشرتاكية العلمية‬

‫املبحث ا ألول‪ :‬الفكر الس يايس الليربايل‬


‫ظهر الفكر الس يايس الليربايل عىل شلك مشاريع س ياس ية اصالحية مث التعبري عهنا من خالل كتاابت جون‬
‫لوك وجون جاك روسو ومونتيسكيو حيث قدم لك واحد مهنم بطريقته اخلاصة مجموعة من ا ألفاكر الس ياس ية هتدف اىل‬
‫ادخال اصالحات دميقراطية عىل العالقة بني احلامكني واحملكومني أأي بني ادلوةل واملواطنني‪ ،‬ومع ظهور الصناعة وتطور‬
‫اجملمتعات ا ألوربية تطور كذكل الفكر الس يايس بعد أأن اكنت الليربالية تعمتد عىل نظرية التعاقد الاجامتعي‪ ،‬أأصبحت تعمتد‬
‫ابدلرجة ا ألوىل عىل روح العرص عىل العلوم وعىل العقل‪.‬‬
‫وانطالقا من الثورة الفرنس ية لس نة ‪ 1789‬س تعطى الليربالية مضموان جديدا يرتكز عىل التطور اذلي عرفه‬
‫اجملمتع واذلي أأدى اىل ظهور طبقات جديدة أأصبحت تلعب دورا أأساس يا يف امليدان الاجامتعي والاقتصادي‪ ،‬ولهذا فقد‬
‫أأخذت الطبقات الربجوازية حتل تدرجييا حمل الطبقات ا ألرس تقراطية عىل صعيد السلطة الس ياس ية‪.‬‬
‫ويعترب ا ألب سيس يف فرنسا من اذلين دافعوا بكتاابهتم وخالل نشاطاهتم الس ياس ية عىل هذه الطبقة‬
‫اجلديدة‪ ،‬أأما ادموند بورك الاجنلزيي فس يعارض تيار روح العرص‪ ،‬وس يدافع بكتاابته عىل امتيازات الطبقات‬
‫ا ألرس تقراطية‪.‬‬
‫مث يف أأملانيا س يظهر مفكران كبريان هجان خفته وهيجل ا ألول ركز يف خطاابته عىل الثقافة اجلديدة ابعتبارها‬
‫فكرا ليرباليا يسعى اىل التحرير وبناء ادلوةل القومية ا ألملانية‪ ،‬والثاين س يقدم لالنسانية تصورا جديد لدلوةل مبين عىل‬
‫أأسس الفسلفة املثالية اليت تعطي ا ألولوية للفكر وليس للامدة‪.‬‬
‫و أأخريا هناك أألكس دوتكفيل اذلي يعترب فكره خالصة الفكر ادلميقراطي الليربايل يف هذه الفرتة التارخيية‪،‬‬
‫وس يقدمه من خالل دراس ته للتجربة املعاشة يف الوالايت املتحدة ا ألمريكية‪.‬‬
‫اذن فان اكن من خصائص الفكر الس يايس الليربايل الرصاع بني تيار روح التارخي وتيار روح العرص‪ ،‬فان‬
‫الامنذج اليت سوف نتعرض لها‪ ،‬تدور لكها حول حمور واحد وهو بناء ادلوةل احلديثة يف اطار مؤسسات ليربالية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫املطلب ا ألول‪ :‬الفكر الس يايس عند ا ألب سيس‬
‫نبذة عن حياته‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ودل سيس يف فرجييس ‪ FREJUS‬بفرنسا يف س نة ‪ ،1748‬ودخل اىل سكل الرهبان حيث تكون تكوينا‬
‫متينا يف خمتلف العلوم اليت اكنت متداوةل يف عرصه‪ ،‬واعتىل عدة مناصب هممة داخل السكل الكنيس‪ ،‬كام انتخب عدة‬
‫مرات مكثل للكنس ية داخل اجملالس احمللية واالقلميية والوطنية‪ ،‬لكن ابتداء من س نة ‪ 17885‬بد أأ سيس يف مناهضة‬
‫ا ألرشاف ورجال ادلين‪ ،‬و أأخذ يدافع عن الطبقة املتوسطة اليت اكن يطلق علهيا حينذاك الطبقة الثالثة‪ ،‬ويف هذا الاجتاه‪،‬‬
‫كتب الكتب التالية‪:‬‬
‫‪ ‬نظرة حول الوسائل التنفيذية اليت ميكن اس تعاملها من طرف ممثيل فرنسا يف س نة ‪.1789‬‬
‫‪ ‬حماوةل حول الامتيازات‪.‬‬
‫‪ ‬ما يه الطبقة الثالثة؟‬
‫ان ا حملور الرئييس لهذه الكتب يدور حول حقوق ا ألمة اليت يشخصها سيس يف الطبقة الثالثة‪.‬‬
‫أأما من الناحية العملية‪ ،‬اكن سيس نش يطا من الناحية الس ياس ية‪ ،‬فاكن تأأثريه يف امجلعية التأأسيس ية همام يف‬
‫جلنة ادلس تور‪ ،‬فأأصبح رئيسا للجمعية‪ ،‬لكن رسعان ما سكت يف عهد الكونفس يون ‪ Convention‬واكن من اجلرنديني‬
‫ضد الفرقة املسامة برجال اجلبل ‪ ،Compagnords‬واكن قد ارتأأى الغاء انتخاابت ابريس بسبب الغش والزتوير اذلي‬
‫رافق تكل الانتخاابت‪.‬‬
‫أأما يف عهد ادلركتوار ‪ Drectoir‬فقد اكنت هل مناصب رشف ونفوذ اذ أأصبح سفريا يف برلني مث عضوا يف‬
‫ادلركتوار‪ ،‬وعندئذ هيأأ ونفذ الانقالب ضد امللكية اذلي اس توىل فيه انبليون بونبارت عىل السلطة‪.‬‬
‫وقد أأصبح سيس قنصال مؤقتا يف بداية الانقالب‪ ،‬مث أأحدث نظام القنصلية هل ولنابليون‪ ،‬وانزتع منه انبليون‬
‫املاكن ا ألعىل و أأبعده من السلطة و أأعطاه انبليون قرصا خفام و أأموالا كثرية‪.‬‬
‫كام مسي سيس عضوا يف أأاكدميية العلوم ا ألخالقية والس ياسة و أأخذ لقب كونت يف عهد االمرباطورية ولكن‬
‫هذا اللقب الباهت مل خيفف من نقمته عىل انبليون فشارك عام ‪ ،1814‬كتابة صك سقوط انبليون اذلي انزتعت منه‬
‫السلطة‪ ،‬واكنت امللكية قد عادت من جديد اىل فرنسا فطرد من جملس الش يوخ موصوما بأأنه من قتةل املكل لويس ‪،16‬‬
‫فلجأأ اىل بروكس يل مث عاد بعد ثورة عام ‪ 1830‬ومات عام ‪.1836‬‬

‫‪3‬‬
‫أأفاكر سيس من خالل كتابه ما يه الطبقة الثالثة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ان الكتيب اذلي نرشه سيس عام ‪ 1789‬اثر دعوة جملس الطبقات اىل الانعقاد‪ ،‬جاء عنوانه كسؤال‪ :‬ما يه‬
‫الطبقة الثالثة؟ ولقد أأاثر هذا العنوان ا انتباه املفكرين وعامة الناس‪ ،‬وانترش بيهنم برسعة‪ ،‬واش هتر سيس عش ية الثورة‬
‫وجييب سيس من خالل كتابة عىل ثالثة أأس ئةل‪:‬‬
‫‪ ‬ما يه الطبقة الثالثة؟‬
‫‪ ‬ماذا اكنت اىل الآن يف النظام الس يايس؟‬
‫‪ ‬ماذا تطلب؟‬
‫ففي معرض جوابه عىل السؤال ا ألول‪ :‬ما يه الطبقة الثالثة‪ ،‬يقول سيس‪" :‬ان الطبقة الثالثة يه لك يشء‪،‬‬
‫اهنا أأمة اكمةل" ان تعبري ا ألمة هذا يلتصق ابمس سيس يف الثورة الفرنس ية‪ ،‬فلقد أأعطى هذا املؤلف الس يايس مدلوال‬
‫واقعيا ملموسا ل ألمة‪ ،‬فهو مل يذهب اىل ما وراء الطبيعة‪ ،‬وال غاص يف الفلسفة وال تعمق يف حبث نظري حمض وامنا‬
‫وصف ا ألمة وصفا حيا‪.‬‬
‫يقول سيس‪" :‬من ذا اذلي جيرؤ عىل لقول أأن الطبقة الثالثة ال جتد يف ذاهتا لكام ينبغي لتكوين أأمة اكمةل أأو‬
‫ليست متثل االنسان القوي الشديد اذلي مايزال مغلوال يف ذراعيه‪ ،‬اننا لو انزتعنا الطبقة املمتازة من اجملمتع‪ ،‬فاننا لن‬
‫ننقص من ا ألمة شيئا‪ ،‬بل اهنا تغدو شيئا أأكرث ألهنا لك يشء‪ ،‬ويه لك مقيد مظلوم‪ ،‬فاذا ذهبت الطبقة املمتازة بقيت‬
‫الطبقة الثالثة‪ ،‬ولك يشء جيري عىل خري وجه بغري الطبقة املمتازة"‪.‬‬
‫ان ا ألعامل اليت يقوم علهيا اجملمتع من زراعة وجتارة وصناعة وهمن خمتلفة تهنض هبا الطبقة الثالثة وحدها‪ ،‬ولها‬
‫‪ 95‬يف املئة من ا ألعامل املش بعة اليت يأأىب أأن يقوم هبا أأحصاب الامتياز‪ ،‬فتبقى هلم مركز الرشف وحدها‪ ،‬ولهذا فان‬
‫الطبقة املمتازة غريبة يف احلقيقة عىل ا ألمة‪ ،‬وعبئا ثقيال علهيا‪ ،‬ألهنا ال تؤلف جزءا من ا ألمة‪ ،‬وامنا يه طبقة الكساىل اليت‬
‫جتعل من امتيازات شعب "منعزل" يعيش يف دوةل داخل ادلوةل وخاصة من حيث حقوقهم الس ياس ية‪ ،‬فاذا اكنوا‬
‫جيمتعون يف جملس الطبقات مع الطبقة الثالثة فان رسالهتم ال تس متد من ا ألمة‪ ،‬وامنا مه يدافعون عن املصلحة اخلاصة‪.‬‬
‫ولهذا فان الطبقة الثالثة ويه اليت يعود اىل ا ألمة‪ ،‬ولهذا فان لك من ال يكون من الطبقة الثالثة ال يس تطيع‬
‫أأن يعترب نفسه من ا ألمة‪.‬‬
‫ويف معرض جوابه عن السؤال الثاين املتعلق مباكنة الطبقة الثالثة يف النظام الس يايس جييب‪ ،‬اليشء فأأفرادها‬
‫خضعوا اىل القانون العام‪ ،‬بوصفهم جامعة من ا ألشخاص ال ينمتون اىل الطبقة املمتازة‪.‬‬
‫واذا اكن جملس الطبقات يضم الطبقة الثالثة‪ ،‬فالواقع أأن هذه الطبقة مل تكن ممثةل يف هذا اجمللس متثيال‬
‫حصيحا‪ ،‬بل اكن متثيلها يمت عىل بد أأشخاص يأأخذون هذا الوصف فامتيازمه مؤقت حبمك وظائفهم‪ ،‬وهكذا اكنت احلقوق‬
‫‪4‬‬
‫الس ياس ية لهذه الطبقة معدومة فهيي مل تكن حرة وليس لغريها أأن يزمع بدوره أأنه حر‪ ،‬اذا مل تكن هذه احلرية موجودة يف‬
‫الطبقة الثالثة نفسها‪ ،‬فاحلرية ال تكون ابالمتيازات وامنا يه ابحلقوق اليت تعود اىل اجملمتع‪.‬‬
‫واذا اكنت الطبقة الثالثة اليشء بواقع احلقيقة الس ياس ية مع أأهنا لك يشء يف ا ألرض‪ ،‬فذكل ألن الطبقة‬
‫ا ألرس تقراطية اليت ال ينبغي أأن تكون شيئا يه اليت تبدو الآن و أكهنا اللك‪ ،‬وهذا هو الاغتصاب الاكمل‪ ،‬اغتصاب‬
‫النبالء اذلين حيمكون فعال‪ ،‬يف حني أأن احلمك جيب أأن يعود للطبقة الثالثة وحدها‪ ،‬مث أأن احلمك يف فرنسا ليس يف يد‬
‫املكل‪ ،‬بل يف يد ا ألرس تقراطية املمتثةل يف البالط‪.‬‬
‫وعن جوابه عىل السؤال الثالث يرى سيس أأن الطبقة الثالثة تطلب أأن تكون شيئا مذكورا يف النظام‬
‫الس يايس‪ ،‬اهنا تطلب القليل املمكن‪ ،‬وذكل بأأن يكون لها أأشخاص ميثلوهنا حقا يف جملس الطبقات أأي أأشخاص‬
‫مأأخوذون من صفها ابذلات‪ ،‬و أأن ال يقل عددمه عن العدد احلاصل يف اجامتع ممثيل الكنيسة وطبقة النبالء‪ ،‬مث أأن يمت‬
‫التصويت يف اجمللس عىل يد هؤالء ا ألعضاء من حيث أأفرادمه وعددمه ال من حيث طبقهتم‪،‬واال مل يكن مثة معىن‬
‫للمساواة العددية بل تكون أأمرا ومهيا اذا اس متر التصويت عىل أأساس ثالث طبقات للك مهنا صوت واحد‪ ،‬ان الطبقة‬
‫الثالثة تقدر ب ‪ 25‬مليون تقريبا مقابل ‪ 200‬أألف من الطبقة املمتازة تقريبا‪ ،‬فكيف ميكن القول يف مثل هذه احلاةل أأن‬
‫القانون تعبريا عن االرادة العامة‪.‬‬
‫كام أأن العدد ليس وحده احلجة‪ ،‬بل ان الطبقة الثالثة تقدمت يف خمتلف اجملاالت وعىل اخلصوص التجارية‬
‫والصناعية‪ ،‬و أأصبحت تضم عددا من العائالت امليسورة واليت تضم بدورها أأشخاص يتعلقون ابليشء العام‪ ،‬ذلكل مفن‬
‫حق أأبناء الطبقة أأن يطلبوا املساواة العددية يف جملس الطبقات مع الآخرين‪.‬‬
‫مث يتساءل سيس‪ ،‬فهل يليق ابلنبالء اليوم أأن يس متروا وينطقون بلغة العصور البائدة‪ ،‬وهل يليق ابلطبقة‬
‫الثالثة ويه يف القرن ‪ 18‬أأن تبقى عىل ا ألوضاع احلزبية الوضعية اليت تتصف هبا العبودية القدمية‪ ،‬ذلكل ال ينبغي للطبقة‬
‫الثالثة أأن تنىس أأهنا يه اليوم احلقيقة الوطنية يف حني مل تكن اب ألمس اال ظاللها‪ ،‬و أأن طبقة النبالء مل تعد تكل احلقيقة‬
‫االقطاعية الظاملة قد غدت جمرد ظل لها‪ ،‬و أأن هذا الظل حياول عبثا أأن خييف أأمه بأأرسها‪.‬‬
‫موقف الطبقة الثالثة من ادلس تور‬ ‫‪‬‬
‫لقد دعا جملس الطبقات اىل الاجامتع‪ ،‬بعد فشل احلكومة يف حتقيق االصالح املايل‪ ،‬توزيع الرضائب ابلقسط‬
‫توزيعا متساواي‪ ،‬ففي ظل أأي دس تور يس تعملون ويتداركون ويناقشون‪ ،‬فهل حيتاج الفرنس يون يف ذكل أأن ينقلوا عن‬
‫االجنلزي أأو أأن يقدموا مثال ل ألمم‪.‬‬
‫يقول سيس‪ ،‬ان فرنسا بني أأمرين اما أأهنا ال متكل دس تورا وعندئذ ينبغي وضع هذا ادلس تور أأو أأهنا متكل‬
‫دس تورا‪ ،‬وا ألعراف ادلس تورية السابقة للثورة كام يزمع بعض الناس املعاندين ولكن هذا ادلس تور املزعوم يقبل التقس مي‬
‫‪5‬‬
‫بني الطبقات‪ ،‬وما دامت احدى هذه الطبقات ويه الطبقة الثالثة قد اندت بطلب رئييس (املساواة العددية وطريقة‬
‫التصويت) فقد أأصبح من الواجب النظر يف طلهبا وا ألمة وحدها يه اليت تس تطيع أأن حتمك يف طلهبا عن طريق ممثلني‬
‫اس تثنائيني ينتدبون خصيصا لهذا الغرض ويعربون عن االرادة الوطنية‪ ،‬ويس تطيع س يد ادلوةل بوصفه املواطن ا ألول أأن‬
‫يدعومه لهذه الغاية – فاذا اكن ال ميكل أأن يقرر شيئا يف أأمر ادلس تور‪ ،‬فانه ال ميكل القول بأأنه غري قابل هذا القرار من‬
‫ا ألمة‪ ،‬وذكل ما اكن ينبغي معهل‪ ،‬ولكن ما دام أأن هذا العمل مل يمت فقد اكتفى بدعوة جملس الطبقات حفسب"‪ ،‬ولكن‬
‫سيس جييب عام ميكن معهل ابلقول‪ " :‬أأما الطبقة الثالثة من أأجل أأن تأأخذ ماكهنا املرشوع فعلهيا الاعامتد عىل قوهتا‬
‫اخلاصة"‪ ،‬وذكل اما أأن تعترب نفسها بأأهنا يه ا ألمة‪ ،‬أأو أأن تظل كطبقة بني الطبقات متنازةل عن حقها للممتازين‪ ،‬وتكتفي‬
‫بأأن تطلب من ا ألمة أأن تنيب عهنا ممثلني اس تثنائيني ينظرون يف طلهبا‪ ،‬ولكن سيس يعترب اىل حني دعوة هؤالء املمثلني‬
‫واصدار قرارمه‪ ،‬فان الطبقة الثالثة سوف تقبل الشك يف نفسها‪ ،‬وتعرتف بطبقتني ممتزيتني عهنا‪ ،‬وذلكل يعترب سيس أأن‬
‫احلل ا ألول هو اذلي جيب أأن يكون بأأن تعترب الطبقة الثالثة نفسها املعربة عن االرادة العامة وعي اليت لها حق التحدث‬
‫ابمس ا ألمة‪ ،‬كام جيب أأن جتمتع ابلطبقتني ا ألخريني‪ ،‬ألن ا ألمر يعود الهيا وحدها ابعتبارها ا ألمة يف وضع ادلس تور‪ ،‬وهذا‬
‫ما سوف يقع فعال‪ ،‬وس يصبح هذا التغيري ذا أأمهية يف فرنسا اذ سوف تشلك الطبقة الثالثة مجعية وطنية ما لبث أأن‬
‫أأضافت اىل امسها وصف تأأسيس ية و أأخذت تنادي مببد أأ الس يادة ل ألمة‪ ،‬اال أأن ذكل تطلب دماء كثرية يف ثورة عارمة‬
‫أأريد لها أأن تبين بنياان جديدا‪.‬‬
‫وقد اكن لكتيب أأشار سيس من دون شك دورا أأساس يا يف تبس يط ا ألفاكر الس ياس ية اليت س بقته وللعقد‬
‫الاجامتعي‪ ،‬كاملعب دورا يف التأأكيد عىل ارادة ا ألمة الواحدة اليت تستبعد المتيزي مما أأثر عىل مقدمة حقوق االنسان‬
‫وروح ادلس تور‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الفكر الس يايس عند ادموندبورك‬
‫‪ -1‬مقدمة عامة‪:‬‬
‫ودل بورك يف دوبالن ‪ Dublin‬من أأب بروتس تانيت و أأم اكثوليكية يف س نة ‪ ،1729‬وبد أأ حياته أكديب‪ ،‬مث‬
‫انرصف عىل الس ياسة‪ ،‬مث أأصبح عضوا يف جملس العموم عام ‪ ،1766‬يعترب بورك عضوا اثئرا يف حزب ا ألحرار مع‬
‫أأعضاء من حزبه ضد احملاوةل اليت اكنت تريم اىل اعادة السلطة الشخصية اىل املكل جورج الثالث‪ ،‬بعد حموها اثر ثورة‬
‫ا ألحرار س نة ‪ ،1688‬وجتلت ثورته كذكل يف دفاعه عن حرية الوالايت املتحدة عند ثورهتا من أأجل الاس تقالل امياان‬
‫ابحلرية وبأأن اعطاهئا حلريهتا سوف يبقهيا عىل صةل ابلوطن ا ألم ا ألمر اذلي جلب عليه التجرحي والكره‪ ،‬ألن امجليع (الر أأي‬
‫العام‪ ،‬الربملان‪ ،‬البالط‪ ،‬حزبه‪ )...‬اكنوا ضد تكل الثورة‪ .‬ورمغ اميان بورك ابحلرية‪ ،‬اال أأن موقفه من الثورة الفرنس ية اكن‬
‫مغايرا‪ ،‬اذ أأن بورك سكت يف أأايم الثورة ا ألوىل ومل يتلكم اال بعد حوايل أأربعة أأشهر من أأحداهثا‪ ،‬وذكل اثر احتفال‬
‫"مجعية الثورة" ويه أأكرثية من املنشقني عن حزب ا ألحرار اذ يف هذه احلفةل تعاقب اخلطباء يف متجيد حزب ا ألحرار ‪،‬‬
‫ولكن أأحد القساوسة ادلكتور برايس ‪ price‬وهو اكتب س يايس معروف عرب يف خطابه عن رسوره ملا أأحرزته قضية‬
‫احلرية من أأشواط جديدة عىل طريق التقدم بفضل فرنسا‪ ،‬وهمينت أأصداء الثورة عىل الاحتفال طيةل اليوم‪ .‬فلام عمل‬
‫بورك بذكل غضب من أأن يوجد من بني قومه الاجنلزي جامعة يضعون يف نفس الكفة ثورة عام ‪ 1688‬الاجنلزيية الواقعة‬
‫الوطنية احملدودة الربوتس تانتية والثورة الفرنس ية الفاجرة‪ ،‬اجملردة‪ ،‬املنطلقة الاكفرة‪ ،‬فقام يكتب خواطره يف رساةل اثنية اىل‬
‫صديق هل من نبالء امجلعية الفرنس ية "دومونغيل"‪ ،‬واكن بورك قد كتب رساةل أأوىل يعلق فهيا عىل أأحداث فرنسا‪ ،‬فأأراد‬
‫ابلرساةل الثانية أأن حيدثه عن الاحتفال الاجنلزيي والعدوى املؤسفة اليت تأأيت من فرنسا واس تطالت الرساةل ولك يوم‬
‫يضيف الهيا شيئا جديدا حىت بلغت ‪ 356‬صفحة‪.‬‬
‫وعن نرش الكتاب لقي جناحا عاما وأأعيد طبعه احدى عرش مرة يف أأقل من اثين عرش شهرا وبيع منه ‪39‬‬
‫أألف نسخة حىت وفاة بورك س نة ‪.1797‬‬

‫‪ -2‬فلسفة وأأفاكر بورك الس ياس ية من خالل نظرة عامة اىل خواطره‬
‫يظهر ألول وهةل من خالل خواطر بورك ظاهرة انعدام التكوين املس بق ل ألفاكر‪ ،‬وانعدام التصممي العام‪،‬‬
‫والتفصيل املرتب‪ ،‬والسبب أأن خواطره ليست كتااب بل رساةل‪ ،‬اذ ال يبدو فهيا عنوان ما وال أأقسام وال فصول‪...‬‬
‫ويبد أأ بورك رسالته ابلرد عىل خطاب ادلكتور برايس يقابل بني الثورة الاجنلزيية لس نة ‪ 1688‬وبني ثورة‬
‫فرنسا لس نة ‪ ،1789‬مث ينتقد يف الشطر الثاين املؤسسات اجلديدة للجمعية الوطنية يف فرنسا‪ ،‬يف قواعد المتثيل‬
‫الس يايس ويف وضع السلطة التنفيذية ويف التنظمي القضايئ والعسكري واملايل‪ ،‬وما هيمنا هو الرتكزي عىل فلسفة بورك‬
‫‪7‬‬
‫الس ياس ية واليت يركز فهيا عىل روح العرص‪ ،‬اليت تريد أأن تقمي اجملمتع املدين عىل املفهوم اجملرد العقيل احملض الفردي‬
‫حفسب اذلي يعترب املفاهمي السابقة مناقضة للعقل والطبيعة‪ ،‬لكن بورك س يبين فلسفته عىل أأساس مناهضة روح العرص‬
‫مدافعا عن تيار روح التارخي وخملفاته والامتيازات والالمساواة والتسلسل والطبقات وادلين اخل‪ ...‬هذه اجلوانب اليت‬
‫تريد أأن هتدهما الثورة الفرنس ية‪ ،‬ويقمي بورك دفاعه عىل ا ألسس الآتية‪:‬‬
‫أأ‪ -‬التحرر من املفاهمي اجملردة ومفهوم حقوق االنسان‪:‬‬
‫منذ أأن دعا بورك يف خطاابته عن الثورة ا ألمريكية اىل تأأييد احلرية أأعلن أأنه ال يدافع عن احلرية مكفهوم جمرد‪،‬‬
‫بل اكن يدافع عن احلرايت الواقعية أأي احلرايت الاجنلزيية املنتقةل اىل العامل اجلديد‪ ،‬يقول بورك‪" :‬انين ال أأدخل يف هذه‬
‫المترينات امليتافزييقية‪ ،‬فانين أأكره حىت وقع هذه اللكمة عىل ا ألسامع"‪ ،‬من أأجل هذا يرفض بورك لك مناقشة يف العمل‬
‫جمردة عن مناس بات الزمان واملاكن وا ألشخاص‪.‬‬
‫أأما ابلنس بة ملفهومه عن حقوق االنسان فقد انتقدها بورك يف شلكها اجملرد املطلق كام جاءت عىل لسان‬
‫الثوريني الفرنس يني وعىل لسان ادلكتور برايس اذلي امتدهحا يف اجنلرتا وبورك اعتربها مبثابة لغم هميأأ حتت ا ألرض حىت‬
‫اذا ما انفجر نسف دفعة واحدة ما جاءت به العصور القدمية وا ألعراف واملواثيق‪ ،‬ذلكل يتساءل بورك كيف يطلب منه‬
‫أأن هيئن فرنسا عىل حريهتا قائال‪" :‬كيف أأس تطيع اليوم اذن أأن أأهئن هذه ا ألمة عىل حريهتا‪ ،‬نرى الآن احلرية يف معناها‬
‫اجملرد ينبغي أأن توضع بني خريات البرشية‪ ،‬فيذهب يب الر أأي بلك جد اىل مباركة اجملنون اذلي ينطلق من قرص امحلاقة‬
‫وظلمة العزةل يف الزنزانة مبجرد ألنه اس تعاد الضياء واحلرية‪ ،‬وهل يذهب ذكل يب اىل مباركة السارق أأو القاتل اذلي‬
‫حطم القيود اليت اكنت مفروضة عليه ابعتباره أأن هذه القيود اكنت حترمه من حقوقه الطبيعية"‪.‬‬
‫أأي مفهوم خاطئ اذن هو مفهوم حقوق االنسان يف شلكها اجملرد املطلق فلو أأردان احلقوق احلقيقية لالنسان‬
‫فان من الأكيد أأن الناس مجيعا أأحصاب حق يف طلب العداةل يف حمصول صناعهتم ويف لك الوسائل ا ألخرى اليت ينتجوهنا‬
‫احلق يف الانتساب اىل أآابهئم و أأن ينشؤوا وينفقوا عىل أأبناهئم‪.‬‬
‫ان من حق االنسان أأن يسعى ألي يشء سعيا مس تقال من أأجل مصلحته دون أأن يتعدى عىل مصلحة‬
‫الآخرين‪.‬‬
‫لكن اذلي اكن يطلبه الثوريون هو قبل لك يشء حق اقتسام احلمك والسلطة وتس يري شؤون ادلوةل‪ ،‬فيقول‬
‫بورك "انين سأأنفي دامئا وبشلك مطلق أأن يكون هذا احلق بني احلقوق املثارة ا ألولية لالنسان يف اجملمتع املدين‪ ،‬ان احلمك‬
‫ال يقوم ابالس تثناء عىل احلقوق الطبيعية‪ ،‬فهذه ميكن أأن توجد بل يه موجودة فعال بشلك مس تقل عن احلمك‪ ،‬و أأن هذه‬
‫احلقوق وان اكنت أأكرث وضوحا وكامال يف شلكها اجملرد‪ ،‬فان هذا الكامل اجملرد هو عيهبا العميل‪ ،‬اذ أأنه حيامث يكون ذكل‬
‫احلق يف لك يشء فانك تفقد لك يشء"‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ويس تطرد بورك 'ان احلمك هو من ابداع العقل البرشي من أأجل تلبية حاجات الناس وال جدال يف أأن أأول‬
‫حاجة يه احلد بشلك اكف من ا ألهواء"‪.‬‬
‫فا ألهواء واملصاحل البرشية كثرية ومعقدة = اليشء اذلي يؤدي اىل ظهور اجتاهات كثرية ومتنوعة حلقوق‬
‫االنسان = ولكن بقدر ما تكون النظرايت حصيحة يف شلكها امليتافزييقي‪ ،‬فاهنا تكون خاطئة أأخالقيا وس ياس يا‪ ،‬بسبب‬
‫ا ألهواء واملصاحل = حىت ألنه ملن الصعب تعريف حقوق االنسان‪ ،‬ولكن ليس من املس تحيل أأن نلمس هذه احلقوق‪.‬‬
‫ب‪ -‬الطابع الشخيص للمؤسسات ومفهوم الطبيعة‪:‬‬
‫= يرى بورك أأنه من اخلطأأ البالغ نزع الطابع الشخيص عن املؤسسات يف ادلوةل‪.‬‬
‫= مفؤسسات ادلوةل مجيعها اكنت ترتبط ابملكل = جفاء الثوار ونسفوا هذا الطابع الشخيص = وهذا ما أأاثر‬
‫بورك‪ ،‬اذلي أأصبح خيىش تغري لك يشء = لك ا ألوهام ا ألخاذة اليت اكنت جتعل السلطة حمبوبة‪.‬‬
‫= فمل يعد يف احلياة العامة الس ند اذلي اكن يدمعها ابلود = كام غدا املكل خشص اكلآخرين وامللكة جمرد امر أأة‪.‬‬
‫= ان حمو التشخيص عن مؤسسات ادلوةل حيول دون تودل احلب والتقديس واالجعاب والتواصل بني‬
‫املواطنني‪ ،‬وس يذهب بلك هذه ا ألحاسيس النبيةل لالنسان عن االنسان‪.‬‬
‫= أأما مفهومه عن الطبيعة = فيعتربها تساوي التارخي = أأي التجربة التارخيية = اذ أأن الطبيعي هو اذلي‬
‫يتكون كنتيجة لامنء اترخيي طويل ولعادة قدمية العهد = أأي عادة أأنشأأها التارخي‪.‬‬
‫= فا ألش ياء يف نظر بورك جتري بصورة طبيعية ويكشفها لنا التارخي = ذلكل جيب أأن نرتكها جترى دون أأن‬
‫نتدخل يف سريها‪ ،‬ألهنا بصورة عامة جتد بنفسها النظام اذلي يالمئها = ان هذا املفهوم للطبيعة يقود اىل تثبيت خملفات‬
‫السلف واىل دمع ا ألفاكر السابقة واىل احليلوةل دون حمو املايض برمته دفعة واحدة‪.‬‬
‫= فاجنلرتا يف أأعرافها ادلس تورية مل تفعل شيئا سوى أأهنا طبقت يف الس ياسة هذا املفهوم‪ ،‬وهو جد طبيعي =‬
‫وعىل هذا املفهوم أأقام بورك تفسريه لثورة عام ‪.1688‬‬
‫= ويفتخر مبا حققته هذه الثورة يف موضوع احلمك‪ ،‬اذلي جاء بطريقة واحدة = يه ارث ا ألسالف = ويقول‬
‫بورك بأأهنم عنوا بأأن ال جيعلوا فو ق هذا املرياث شيئا غريبا عن طبيعته = فنحن كام يقول بورك – منكل اتجا مورواث‬
‫وكذكل ا ألمر ابلنس بة جمللس اللوردات ودلينا كذكل جملس العموم وشعب هلام حبمك التارخي امتيازاهتام وحرايهتام‪.‬‬
‫= وهذه الس ياسة يه مثرة تفكري معيق = أأي نتيجة لهذا التقليد عن الطبيعة هبذه الس ياسة ادلس تورية اليت‬
‫تعمل وفقا لمنوذج الطبيعة‪.‬‬
‫فالهنج االجنلزيي هو هنج طبيعي‪ ،‬ما دام مثرة الامنء التارخيي‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ج‪ -‬بورك بني املساواة املطلقة والالمساواة ومفهومه للعقل العام أأو العقل الس يايس‪:‬‬
‫ان روح العرص واملنطق اجملرد‪ ،‬يكرهان اىل حد بعيد ا ألفاكر السابقة = لكن بورك يراها طبيعية لكام اكنت‬
‫نتيجة لهذا التارخي = ويرى أأن من الطبيعي قيام النبل عىل املودل‪ ،‬و أأن اس هتجان الثائرين هبذه الفكرة هو ا ألمر‬
‫الاصطناعي غري الطبيعي‪.‬‬
‫= كذكل من الطبيعي ما بذهل لك فرد من هجد لدلفاع عن حيازة أأمالكه والامتيازات املنتقةل اليه‬
‫(الاس متساك هبا أأمر غريزي) ويشء طبيعي أأكرث من الغريزة = أأما ا ألمر غري الطبيعي‪ ،‬فهو املساواة الغالبة عىل الثوريني‬
‫الفرنس يني ويه مساواة مرغومة ‪ /‬ألنه يف لك اجملمتعات اليت تتأألف ابلرضورة من طبقات متباينة من املواطنني ينبغي أأن‬
‫توجد بيهنا طبقة من الطبقة املهمينة = لهذا فاذلين يريدون التسوية بني الطبقات امنا يبدلون الوضع الطبيعي للأش ياء =‬
‫وهذا يرهق بنيان اجملمتع‪.‬‬
‫وهكذا يغتصب الثائرون ممزيات الطبيعة اليت تعرف وحدها ما ينبغي وضعه يف ا ألسفل وما ينبغي أأن يكون‬
‫يف ا ألعىل‪" :‬ان ادلوةل تكون مظلومة اذا ما مسحنا ألفراد الطبقات مجيعا فرادى حبمك ادلوةل‪ ،‬فنحن ال نتغلب يف ذكل‬
‫عىل فكرة سابقة عىل العكس حنن نعلن احلرب عىل الطبيعة‪.‬‬
‫وعرب بورك عن التحدي الشنيع للطبيعة من قبل الثوار الفرنس يني = ذكل هبدم لك يشء العادة بناء لك يشء‬
‫= ويرى أأن خطأأ الثورة يف التعجل السخيف اناكرا لسري الطبيعة = فيقول بورك‪" :‬ان الطريقة االجنلزيية التجريبية ال‬
‫تعمل للتغيري اال عن طريق احملافظة وال حتافظ اال عن طريق التغيري"‪.‬‬
‫= فالتجديد ابلطريقة الفرنس ية أأمر ال يوامئ الطبيعة = أأما اذلي مث يف اجنلرتا فهو اذلي يوامئها‪" :‬ان الاجنلزي‬
‫بفضل مقاومهتم العديدة للتجديد وبرودة الطابع الوطين ما يزالون حيملون طابع ا ألجداد‪ ،‬فهم ال بأأتباع روسو‪ ،‬وال أأنصار‬
‫فولتري‪ ،‬فليس امللحدون مبفكرين هلم‪ ،‬وال اجملنونني مرشعني هلم‪ ،‬ومه يعرفون أأهنم مل يكشفوا فن احلمك‪ ،‬ألهنم يعتقدون بأأنه‬
‫ليس مثة اكتشاف يف موضوع أأخاليق وال يف مبادئ احلمك أأو يف أأفاكر احلرية‪ ...‬ومه مل يفرغوا بعد من أأحشاهئم وال‬
‫أأعيدت خياطهتم"‪.‬‬
‫= وهكذا يضع بورك بكربايء طابع احملافظة االجنلزيية القامئة عىل احرتام الطبيعة من حيث مناء التارخي يف سري‬
‫طبيعي ‪.‬‬
‫أأما خبصوص العقل فيقول بورك‪" :‬حنن الاجنلزي خنىش أأن نعرض بين االنسان اىل أأن تكون حياهتم قامئة عىل‬
‫العقل وحده‪ ،‬ألننا نعتقد أأنه ر أأسامل ضعيف دلى لك فرد"‪.‬‬
‫فبورك ال ينكر قمية العقل الفردي‪ ،‬وامنا يعتربه قليل ا ألثر = فهو وحده ر أأسامل ضعيف = ومن اخلري للناس‬
‫ا ألخذ من البنك العام ومن ر أأسامل ا ألمم والعصور = أأي ا ألفاكر السابقة العامة املوروثة عن ا ألسالف‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫= فاذا اكن الفرنس يون مل يشاءوا ا ألخذ مهنا الصطداهما مع العقل الفردي‪.،‬‬
‫= فان الاجنلزي يفكرون بطريقة أأخرى = مففكرومه يسعون للكشف عن احلمكة اخلفية اليت هتمين عىل لك من‬
‫تكل ا ألفاكر املس بقة العامة = فاذا ولوا اىل هدفهم ومن النادر أأن خيطئوا‪ ،‬فاهنم يعتقدون أأن احلمكة يف احلفاظ عىل‬
‫الفكرة السابقة مع قاعدهتا العقلية اليت حتتوهيا‪.‬‬
‫= وهكذا فالعقل العام هو مثرة اجامتع التجارب الطويةل لذلين س بقوان‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ :‬الفكر الس يايس عند كوتليب خفته‬

‫(‪)1762-1824‬‬

‫مقدمة عامة‬

‫امتد لهيب الثورة الفرنس ية اىل أأوراب‪ ،‬وذكل بقيام زعامء الثورة بتصديرها اىل خارج فرنسا ابمس نرش احلرية‪،‬‬
‫مدعيا لدلول اليت يغزوها جيشه بأأنه ليس مبحتل وامنا يسعى اىل نرش احلرية وحتقيق اململكة العاملية‪ ،‬ورمغ أأن هذه‬
‫ادلعوة لالمرباطورية وجدت بعض الصدى عند بعض ا ألعيان ا ألملان‪ ،‬فان أأحد الفالسفة الكبار سيتصدى لها ليوحض‬
‫ل ألملان نواايها احلقيقية‪ ،‬مدافعا عىل حتقيق ادلوةل ا ألمة ا ألملانية أأوال‪ ،‬وعندما تتحقق تؤدي بدورها رسالهتا احلضارية يف‬
‫العامل‪.‬‬

‫هذا الفيلسوف هو خفته‪ ،‬اذلي نلمس أأفاكره تكل من خالل خطاابته اىل ا ألمة ا ألملانية واليت بد أأ يلقهيا يف‬
‫برلني ابتداء من يوم ‪ 13‬دجنرب ‪ 1807‬ولقد مضهنا عصارة فكره الس يايس‪ ،‬واكن من أأوائل املنتقدين لالحتالل الفرنيس‬
‫ودعا برصاحة لالس تقالل وبناء ادلوةل القومية ا ألملانية‪.‬‬

‫اكن خفته جامعيا اثئرا وقد س ببت هل أأفاكره متاعب كثرية‪ ،‬حىت أأضاع كرس يه اجلامعي‪ ،‬فاضطر بأأن يرتك‬
‫تدريس الفلسفة يف جامعة "ايينه " عام ‪ 1799‬وأأقام يف برلني بال مال وال معل‪ ،‬ومل يفقد احليوية وتقبل الرصاع‪ ،‬و ألنه‬
‫اكن واثقا أأيضا يف أأنه سوف يلقى (بعد ‪ 10‬س نني) الاحرتام االجامعي من الشعب ا ألملاين‪ ،‬مث س تطلب منه احلكومة‬
‫‪11‬‬
‫الربوس ية ليشغل كرس يا للفلسفة يف "أأنلكن ‪ ،"Enlangen‬اال أأن احلرب اندلعت بني انبليون وبروس يا انهتت يف أأسابيع‬
‫هبزمية الشعب الرويس‪ ،‬فاضطر اىل الهرب اىل مدينة كونكس – بورغ‪ " Koenigs –Berg‬اليت مل يصلها الاحتالل‬
‫الفرنيس‪ ،‬وهناك درس خفته كتاب ا ألمري وأأخذ حيث الشعب الربويس عىل مقاومة الاحتالل‪.‬‬

‫فقرر خفته التنديد بأأفاكره التحررية ابملس تعمر‪ ،‬فسافر اىل برلني احملتةل "ليخطب من أأجل توعية ا ألمة‬
‫ا ألملانية‪.‬‬

‫ورمغ أأن خفته بدأأ يف انتقاد الثورة الفرنس ية‪ ،‬وخصوصا جانهبا التوسعي واليت اكن يصفها ابلثورة الكربى‪ ،‬فانه‬
‫مل يعترب ذكل تناقضا منه‪ ،‬وامنا سعى يف البداية اىل ادلعوة اىل الوحدة ا ألملانية أأوال‪ ،‬بعد ذكل حتقق أأملانيا يه نفسها أكمة‬
‫ادلعوة العاملية االنسانية‪.‬‬

‫ورمغ أأن دعوته يف البداية مل جتد اذاان صاغية‪ ،‬فانه مل ييأأس اذ يقول‪" :‬ان أأاي اكن من بني أآالف املفكرين‬
‫ا ألملانيني يس تطيع أأن يتخذ لنفسه هذا احلق‪ ...،‬التدخل اليقاظ الشعب من غفةل الهزمية‪ ،‬ولكن أأحدا مل يتقدم لهذه‬
‫املهمة‪ ،‬فاذا تقدم علهيا خفته‪ ،‬ف ألن أأحدا غريه مل يفعل شيئا قبهل والبد يف لك شأأن من أأول‪ ،‬وأأي انسان يس تطيع أأن‬
‫يكون هذا ا ألول عليه أأن يكون"‪.‬‬

‫ففي الوقت اذلي اكن فيه خفته يلقى منه خطبه‪ ،‬اكنت السلطة الفرنس ية تتجسس حتت نوافذ الأاكدميية‪،‬‬
‫ورمغ ذكل فان ذكل مل حيبط من عزميته بقضيته يف حترير وطنه اذ يقول‪" :‬امنا أأفعل ما أأعتقد أأنه واجب عيل ليس غري"‪،‬‬
‫أأما السلطات الفرنس ية‪ ،‬فاكنت ال تعرف يف الغالب اال عناوين تكل اخلطب اليت تدور حول حتسني الثقافة ويه جمرد‬
‫دروس تعطى يف برلني عىل يد أأس تاذ أأملاين شهري‪ ،‬اال أأن السلطات الربوس ية اكنت ختىش عليه من الفرنس يني‪ ،‬ذلكل‬
‫اكنت ترتدد يف اعطاء االذن بطبع تكل اخلطب‪ ،‬حىت لقد زمع املراقبون الربوس يون أأنه قد طاع اخلطاب الثالث عرش‪،‬‬
‫واذلي ندد فيه خفته ابلعبقري الكبري اذلي يزمع أأنه يسري شؤون الكون ويقصد بذكل "انبليون" بدون ذكر الامس وكذا‬
‫يف خمتلف اخلطاب اليت طبعت مل يذكر فهيا امس فرنسا رصحيا‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ادلعوة اىل ثقافة جديدة‬ ‫‪-1‬‬

‫دعا خفته يف أأوىل خطبه اىل عامل جديد‪ ،‬ينتظر من جميئه انقاذ ا ألمة ا ألملانية وجيب أأن يتودل مع التحول‬
‫املطلق للهنج التثقيفي املطبق حىت ذكل احلني‪ ،‬يقول خفته‪" :‬لقد أأضعنا لك يشء ولكن بقيت دلينا الثقافة"‪.‬‬

‫فالثقافة القدمية غدت باكملها يف غري حملها‪ ،‬ويه تستند بصورة مطلقة اىل اذلاكرة فتشحهنا بلكامت‪ ،‬وببعض‬
‫التعابري وتطبع اخليال البائد الفاقد احلس‪ ،‬ببعض الصور املهمة الباهتة ويه ال تسمح أأبدا يف تصوير النظام ا ألخاليق للعامل‬
‫مبا يكفي من ادلئف لتغرس يف نفوس الطلبة التعلق القوي هبذا الناظم ا ألخاليق‪ ،‬أأي الشعور العميق اذلي تسحب بفضهل‬
‫ا ألاننية من عقول الناش ئة‪ ،‬ولهذا فان هذه الثقافة مل تس تطع أأن تصل اىل جذور احلياة النفس ية والطبيعية‪ ،‬ذلكل مل يكن‬
‫بوسعها أأن تسامه يف تكوين الرجال‪ ،‬هذا ابالضافة اىل كوهنا حمدودة يف أأقلية ضئيةل تسمى ابلطبقة املثقفة‪.‬‬

‫أأما الثقافة اجلديدة‪ ،‬فيجب أأن تتجه اىل الأكرثية الكربى‪ ،‬أأي اىل الشعب ويه ثقافة وطنية‪ ،‬س تكون اذن‬
‫فن تكوين الرجال‪ ،‬وستنفذ اىل اجلذور احلقيقية للحياة النفس ية والطبيعية‪ ،‬وتكون الثقافة من العنارص املنش ئة لالنسان‪،‬‬
‫وليس خارجة عنه‪ ،‬وعلهيا أأن تمني يف الطالب فعال نشاط الفكر اخلالق‪ ،‬كام تمني مواهبه اجلسمية‪ ،‬وتوهجه اىل ا ألعامل‬
‫اليدوية وعلهيا أأن ختلق فيه االرادة‪ ،‬وتوجهيه الوهجة ادلينية الصحيحة فتلمه أأن ينظر بعني الاحرتام والاعتبار اىل حياته‬
‫اخلاصة واىل أأي حياة زوجية أأخرى كحلقة يف سلسةل اكتشاف احلياة االلهية‪ ،‬وهذه املفاهمي لكها ال تبقى ابردة ميتة‪،‬‬
‫وأأهنا جتد يف لك حلظة صداها يف احلياة احلقيقية للطالب وتغدو حية مبجرد احتياهجا يف احلياة الهيا‪ ،‬غري أأن مثل هذه‬
‫النتاجئ تتطلب مثل هذه الرشوط الرضورية أأمهها شأأان أأن ا ألطفال جيب أأن يكونوا جامعة مس تقةل ذات عن جممتع‬
‫الش باب املصابني اب ألاننية‪ ،‬أأما أأساتذهتم اخملتارون فيعيشون معهم‪ ،‬وأأما أأهلهم فيبعدون عهنم‪ ،‬وتكون هذه امجلاعة مكونة‬
‫من اذلكور واالانث‪ ،‬ميكن لهذه امجلاعة احملدودة املعزوةل‪ ،‬أأن حتول ا ألطفال اىل أأانس‪ ،‬قد نقشت يف أأفاكرمه بشلك أآيل‬
‫صورة النظام الاجامتعي للحياة العامة‪ ،‬وادلوةل يه اليت تس تطيع أأن تضع موضوع التطبيق العميل ملثل هذا الهنج اجلديد‬
‫يف الثقافة الفعاةل‪ ،‬ألن ادلوةل يه اليت تس تطيع ذكل ألن أأهل الطالب س يقاومون‪ ،‬ألنه البد من القسوة النشاء احليل‬

‫‪13‬‬
‫ا ألول عىل ا ألقل‪ ،‬مث تأأيت هذه الثقافة اجلديدة مثارها ا ألوىل والبد من موارد واسعة عىل االنفاق عىل الهنج اجلديد‪ ،‬وتكل‬
‫احدى الس بل اذ تنفق فهيا ادلوةل أأموالها ألهنا س تكسب أأجياال نشأأت عىل حسب احلياة اجملمتعة وعىل العمل والنظام‬
‫ا ألخاليق‪.‬‬

‫ذكل أأمه ما يف اخلطب الثالث ا ألوىل‪ ،‬مث بدأأ خفته يف صدر خطبته الرابعة ميس السلطة احملتةل‪ ،‬وذكل‬
‫ابعتباره أأن هذا الهنج ال ميكن أأن تطبقه اال العبقرية ا ألملانية مدافعا عىل الطابع اخلصويص للشعب ا ألملاين‪.‬‬

‫الطابع ا ألسايس للفرد ا ألملاين ونتاجئه‪:‬‬

‫يقول خفته‪" :‬ان هذه الثقافة اجلديدة ال يس تطيع أأن يتلقاها اال ا ألملاين املأأخوذ بذاته وذلاته"‪ ،‬فهو القادر عىل‬
‫أأخذ هذه الثقافة بني بقية ا ألمم ا ألوربية وذكل بسبب الطابع ا ألسايس اذلي يمتزي به"‪.‬‬

‫ان ا ألملاين اذلي ظل يف املوطن ا ألول للقبائل اجلرمانية اليت احتلت أأوراب قد حافظ عىل لغاته كيشء أأويل‪،‬‬
‫وبدايئ وخشيص‪ ،‬وهذه اللغة جاءت انجتة عن احلياة املشرتكة اليت تأأىب قبول فكرة ال تتفق وبقية ا ألفاكر يف ا ألمة أأما بقية‬
‫القبائل اجلرمانية‪ ،‬فهيي عىل العكس حيامث ذهبت اىل ايطاليا أأو فرنسا أأو اس بانيا‪ .‬قد أأخذت لغات جديدة من أأصل‬
‫التيين غريب عن لغهتا ا ألصلية‪ ،‬وقد جاءت اللغات اجلديدة الصادرة عن الالتينية تقطع بدورها صلهتا ابللغة اليت أأخذت‬
‫عهنا‪ ،‬واذا يه يف احلقيقة ال حتىي اال حياة سطحية‪ ،‬ويه لغات ميتة‪ ،‬ان هذه الشعوب ال متكل لغات أأصلية‪ ،‬وأأن‬
‫الفرق بني ا ألملاين وبني الآخرين هو أأن احلياة يف جانب واملوت يف اجلانب الآخر‪ ،‬ذلكل فان ا ألملاين اذلي ميكل لغة حية‬
‫هو ا ألقدر حىت عىل فهم الالتيين ويه لغة أأصلية ميتة وهو أأقدر عىل ذكل من أأحصاب اللغات اجلديدة اليت أأخذت‬
‫عهنا‪ ،‬فقد غدا هؤالء أأرسى لغة ال جذور لها‪.‬‬

‫ذكل يف الطابع ا ألسايس للفرد ا ألملاين أأما نتاجئه فال حرص لها يف نظر خفته وهو يدرسها وينقب عهنا يف‬
‫مجموعها من خالل اخلطبة اخلامسة والسادسة والسابعة والثامنة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ان الشعب اذلي ميكل اللغة احلية (ا ألملاين) هو اذلي تتغلغل الثقافة يف حياته الاكمةل‪ ،‬أأما عند الآخرين‪ ،‬فان‬
‫ثقافة الفكر وثقافة احلياة تنفصل احداها عن ا ألخرى بشلك جذري‪ ،‬فا ألملاين يعىن بلك ما يتصل بثقافة الفكر يف حني‬
‫أأن هذا جمرد تسلية علوية يف نظر الآخرين يرسلون أأنفسهم مع الطبيعة السحرية‪ ،‬وابختصار فان العبقرية ا ألجنبية‬
‫التنرش الورود يف الطريق اليت اختطها ا ألقدمون‪ ،‬وتنسج معطفا لطيفا حتيكه احلياة‪ ،‬وتقول بلك يرس هذه يه الفلسفة‪.‬‬

‫أأما الفكر ا ألملاين فهو عىل العكس يفتح منامج جديدة‪ ،‬وينفد الضياء والنور اىل الهوى ويفجر مجموعات خضمة‬
‫من ا ألفاكر تبين مهنا ا ألجيال نزال لها‪ ،‬ان العبقرية ا ألجنبية اكلنحةل املاهرة الصناعة اليت تنشئ العسل‪ ،‬أأما الفكر ا ألملاين‬
‫فس يصبح اكلنرس اذلي يهنض جبناحه القوي حامال جسام ثقيال ويصعد بطريانه القوي اذلي مارسه طويال من ا ألعىل اىل‬
‫ا ألعايل حني يقارب الشمس اليت يشغفه تأأملها‪.‬‬

‫‪ ‬ما ابل ا ألملان اذن؟ يبلغ هبم الشغف حدا أأن يقدلوا ا ألجنيب وأأن يعجبوا بأآداب اللغات الآخذة عن‬
‫الالتينية (يقصد الفرنس ية) اليت ال يسمهيا ابمسها مع أأهنا أآداب ميتة و أأزهار اصطناعية‪ ،‬يسعى وراء‬
‫حتصيلها أأولئك اذلين يسمون ابلطبقة املثقفة ومه أأقلية ضئيةل‪ ،‬وهنا تربز نتيجة اثنية جديدة للطابع‬
‫ا ألسايس اذلي يمتزي به ا ألملان‪" :‬ان أأكرثية ا ألمة قادرة عىل تلقي الثقافة‪ ،‬أأما الآخرون فان الطبقة املثقفة‬
‫وحدها يه القادرة عىل تلقي الثقافة‪ ،‬ويف نظرها أأن الشعب ليس اال أآةل معياء يف خدمة كربايهئا‬
‫وتفوقها"‪.‬‬
‫‪ ‬ان الشعب ا ألملاين وحده هو اذلي اس تطاع أأن يتحىل بفكر متدين بصورة جديدة حقيقية‪ ،‬لوثر‪ ،‬وهو‬
‫ا ألملاين بلك معىن اللكمة هو اذلي قام ابلعمل العظمي اذلي هو االصالح ادليين (الربوتس تانتية)‪ ،‬فتوجه‬
‫اىل الشعب ا ألملاين هو وحده اذلي اس تطاع أأن يوفق بني ادلين والفلسفة بيامن هام عند غري ا ألملان‬
‫متعاداين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ ‬لقد حاول ا ألجانب عبثا انشاء ادلوةل الاكمةل العقالنية‪ ،‬منذ أأن تصدى أأفالطون لدلعوة اىل مثل هذه‬
‫ادلوةل‪ ،‬ومن مت ختلوا عن هذا ألن هذه ادلوةل ال ميكن أأن تنشأأ اصطناعيا بأأي مادة من املواد‪ ،‬وامنا تمت‬
‫ببناء وتكوين الشعب وال يقدر عىل انشاء ادلوةل الاكمةل اال ا ألمة اليت تس تطيع معليا حل معضةل‬
‫التثقيف االنساين الاكمل‪ ،‬وهذه العصور احلديثة شاهدة عىل أأن ا ألملان مه ادلين حققوا تقدم املعرفة‪ ،‬كام‬
‫تشهد عىل ذكل الصةل الوثيقة بني ا ألمة ا ألملانية وبني مظاهر التقدم البرشي‪.‬‬
‫‪ ‬وابمجلةل فان الطابع ا ألسايس ل ألملان يرحج اىل أأن ا ألمة ا ألملانية اليت مل تنفصل عن طابعها ا ألول كام‬
‫حدث لبقية القبائل اجلرمانية تؤلف عرقا أأوليا‪ ،‬شعبا هل احلق من أأن يتخذ لنفسه بلك يرس وصفا‪،‬‬
‫وصف الشعب جتاه تكل القبائل‪ ،‬وهنا يقول خفته يف خطابه الثامن حني يتحدث عن الشعب يف أأرفع‬
‫معاين هذه اللكمة يه من خالل مفهوم الوطنية‪.‬‬

‫يقول خفته أأن ا ألملاين وحده أأي االنسان ا ألول اذلي مل يربط نفسه مببادئ اعتباطية هو اذلي ميكل حبق وطنا‬
‫ألن الشعب الوحيد اذلي يس تطيع أأن يكن ألمته حبا حقيقيا متوافقا مع العقل وهذا احلب هو الوطنية‪.‬‬

‫لهذا ينبغي أأن يس يطر الشعب عىل ادلوةل نفسها‪ ،‬فادلوةل ليست شيئا أأوليا حيمل غايته يف ذاته وامنا ادلوةل‬
‫وس يةل لتحقيق الغاايت الآنفة اذلكر‪.‬‬

‫هذه يه الوطنية ا ألملانية احلقيقة القوية وعلهيا املعول ما دامت متنع ا ألمة من أأن تبقى حمرومة من الوصول اىل‬
‫حتقيق غايهتا نظرا لالحتالل ا ألجنيب وهذه الوطنية ينبغي أأن تغرس بعمق وثبات يف لك ا ألفاكر عىل يد الثقافة ابعتبار‬
‫أأن الشعب ا ألملاين خادل وأأن أأبناءمه مواطنو اخللود‪.‬‬

‫خطاب اىل ا ألمة ا ألملانية‬ ‫‪-2‬‬

‫ان أأمه ما يف خطب خفته‪ ،‬مرامهيا البعيدة‪ ،‬اذ مل يكن يوهجها للمس تعملني اليه يف قاعة احملارضات الكربى يف‬
‫أأاكدميية برلني حفسب وامنا اكن يتجه هبا اىل سائر ا ألمة ا ألملانية دون تفريق بني طبقاهتم أأو دوهلم‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫فعىل الثقافة اجلديدة أأن تنشئ يف مجيع ا ألملان جامعة وحدية فيقول‪" :‬ان نفحة احلياة يف عامل الروح مل تتوقف‬
‫بعد‪ ،‬وامنا س تتناول عظام جسمنا الوطين وتضمها فامي بيهنا لتعطهيا وجودا جديدا متبدال"‪ ،‬فهو ينتقد تش تيت ا ألملان‬
‫وخضوعهم اىل الاس تعامر ويطالهبم ابلوحدة‪ ،‬كام ندد ابالجعاب اب ألجنيب وبلغته وأآدابه وشعره‪ ،‬ومل ينرش يف حديثه اىل‬
‫ذكر فرنسا رصاحة‪ ،‬كام أأنه خسر من العبقري الكبري اذلي يزمع أأنه يسري الشؤون البرشية‪ ،‬دون أأي ذكر المس انبليون‪.‬‬

‫يف اخلطبة الثالثة عرش صاغها بأأسلوب من الثورية‪ ،‬ال ختتفي ا ألفاكر ا ألساس ية املقصودة منه‪ ،‬مما اضطر‬
‫دائرة الرقابة الربوس ية اىل الادعاء بضياع خمطوط اخلطاب‪ ،‬وكذكل مل يعط االذن بنرش اخلطبة الرابعة عرش ويه‬
‫اخلامتة‪ ،‬اال بعد ادخال بعض التعديل علهيا‪ ،‬ألهنا اكنت دعاء اىل املعركة الروحية‪ ،‬واكنت دعوة اىل محل السالح واحضة‬
‫بني سطورها‪.‬‬

‫لقد اجته خفته اىل الش باب والش يوخ ورجال ا ألعامل واملفكرين والعلامء كذكل اىل ا ألمراء ا ألملان اذلين اكن هلم‬
‫نصيب يف الآالم اليت أأصابهتم مثلام أأصابت شعوهبم‪ ،‬مث يتوجه اىل ا ألملان مجيعا أأاي اكن ماكهنم يف اجملمتع‪ ،‬فيذكرمه بأأجدادمه‬
‫ا ألبعدين اذلين قاموا مبحاوةل حتقيق اململكة العاملية عىل يد روما‪ ،‬فأأخذوا بدماهئم اجلبال والسهول وا ألهنار اليت غدت الآن‬
‫فرنس ية‪ ،‬ويذكرمه كذكل ابلتضحية اليت بذلوها من أأجل االصالح ادليين‪ ،‬كام دعامه اىل تلبية دعوة العناية االالهية اليت‬
‫ترعى اجلنس البرشي‪ ،‬فهيي نفسها هتيب هبم‪ ،‬لهذا ينبغي أأن يقف الفكر ا ألملاين أأمام ا ألجنيب يف هذه اللحظة الفاصةل‬
‫يف حياة ا ألمة ا ألملانية‪ ،‬ويقول خماطبا ا ألمة ا ألملانية‪" :‬انه جيب اخليار فهل يريدون أأن تكونوا نقطة الهناية‪ ،‬أآخر املمثلني‬
‫لعنرص خمتفي اىل أأبعد حد أأم تريدون أأن تكونوا نقطة أأولية وبداية عهد جديد يتجاوز ضياؤه أأكرث ا ألحالم جرأأة‪ ،‬فكروا‬
‫يف أأنمك أآخر من يس تطيع أأن يأأيت هبذا التحول العظمي"‪ ،‬ويضيف "ان سالمتمك تتوقف عليمك وحدمك‪ ،‬وانين ال أأعتقد أأنه‬
‫من الرضوري أأن أأعيد هذا القول حىت اللحظة ا ألخرية أأن ا ألمطار والندى والس نني اخلاصبة والس نوات العجاف‪ ،‬ميكن‬
‫أأن تأأيت من قوة جمهوةل ال تقبل التأأثري علهيا‪ ،‬ولكن الوجود اخلاص للناس ووضع اجلنس البرشي ال يتوقف اال عىل الناس‬

‫‪17‬‬
‫وأأن الناس ال يعدون أألعوبة يف يد هذه القوة اخلفية اال اذا اكنوا مجيعا معيا وهجاال عىل حد سواء غري أأن يف وسعهم أأن ال‬
‫يكونوا معيا وال هجاال‪.‬‬

‫وعند ا ألسطر ا ألخرية من اخلامتة يبدو بلك وضوح‪ ،‬الوضع الفكري الرويح اجلديد دلى خفته‪ ،‬انه يرى العامل‬
‫من خالل أأملانيا‪ ،‬فأأملانيا يه وحدها الوطن احلق‪ ،‬والشعب ا ألملاين هو وحده الشعب بأأنبل معاين اللكمة فأأملانيا أأوال‬
‫واالنسانية اثنيا‪.‬‬

‫ان أأملانيا حسب خفته وحدها قادرة عىل حتقيق االنسانية‪ ،‬وأأن تكون بني الشعوب ما ينبغي أأن يكونه‬
‫الفيلسوف احلق والعامل الصحيح بني الناس‪ ،‬فان زالت أأملانيا ضاعت االنسانية‪ ،‬ويف هذا الاجتاه يقول خفته‪" :‬اذا اكن مثة‬
‫جزء من احلقيقة فامي عرضناه اىل الآن يف خطبنا فهو أأنمك أأنمت بني مجيع الشعوب احلديثة متلكون بأأكرث الوضوح قابلية‬
‫الكامل البرشي‪ ،‬واليمك يعود املاكن ا ألول يف مناء االنسانية‪ ،‬فاذا زلمت فان البرشية لكها س تفقد ا ألمل يف اجياد العالج‬
‫ألمراضها‪ ،‬كام أأنه ال جيب أأن يعيشوا عىل أأمل مبين عىل ا ألوهام‪ ،‬فانه يف حاةل ذهاب حضارتنا هذه‪ ،‬فانه س تحل حملها‬
‫حضارة أأخرى ال يوجد خمرج أآخر‪ ،‬فاذا دخلمت اىل عرص الظلامت‪ ،‬فان االنسانية س تتبعمك بدون أأي أأمل للعودة اىل‬
‫احلضارة‪."...‬‬

‫مل يكن خلطب خفته يف البداية تأأثري يف نفوس ا ألملان اال بعد طبعها والاطالع علهيا‪ ،‬حيث بدأأت الشجاعة‬
‫تدب يف النفوس وبدأأت القلوب مت أل ابالميان والوطنية‪ ،‬حىت أأن أأعداء خفته أأخذوا يعرتفون بأأن أأي أأحد مل يتلكم عن‬
‫ا ألمة ا ألملانية هبذه العظمة والعمق‪.‬‬

‫ففخته وحده بني الرجال‪ ،‬اكن ال ييأأس يف اللحظة اليت اكنت بروس يا تهنار‪ ،‬واكن ‪ 15‬مليون أأملاين يفاخرون‬
‫بأأهنم حلفاء انبليون‪ ،‬اال أأنه اس تطاع أأن يزرع يف النفوس الاعتقاد بأأن أأملانيا ابماكهنا اصالح ما أأصاهبا من خراب‪ ،‬وقد‬
‫اكن وراء نداء اىل حترير الوطن‪ ،‬ا ألمر اذلي حصل يف شهر مارس ‪ 1813‬عىل اثر هزامئ ما اكن يسمى ابجليش العظمي‬
‫يف سهوب بروس يا‪ ،‬فأأعلن مكل بروس يا احلرب عىل فرنسا فأأراد خفته أأن يشارك بنفسه يف احلرب‪ ،‬اال أأن مرض‬

‫‪18‬‬
‫"التيفوس" أأمل به يف ‪ 29‬يناير ‪ ،1818‬وامنا مل تغمض عينه الغمظة ا ألخرية اال واكنت جيوش بروس يا تدخل ظافرة اىل‬
‫فرنسا‪.‬‬

‫املطلب الرابع ‪ :‬الفكر الس يايس عند هيغل‬

‫االطار التارخيي (‪)1770-1831‬‬

‫وصفت املثالية ا ألملانية بأأهنا نظرية الثورة الفرنس ية‪ ...‬وال يعين ذكل أأن (اكنت وخفتة وشليخ وهيغل) قدموا‬
‫تفسريا نظراي للثورة الفرنس ية‪ ،‬يل يعين أأن ادلافع الأكرب هلم اىل كتابة فلسفهتم هو رد الفعل عىل التحدي القادم من‬
‫فرنسا‪ ،‬بغية اعادة تنظمي ادلوةل واجملمتع عىل أأساس عقيل‪ ،‬حبيث ميكن التوفيق بني النظم الاجامتعية والس ياس ية وبني‬
‫حرية الفرد ومصاحله‪ ...‬وعىل الرمغ مما وهجه املثاليون ا ألملان من نقد شديد اىل عهد االرهاب عن الثورة فاهنم أأمجعوا عىل‬
‫الرتحيب ابلثورة ذاهتا‪ ،‬ووصفوها بأأهنا جفر عهد جديد‪ ،‬ومعلوا مجيعا عىل ربط مبادهئم الفلسفية ابملثل العليا اليت دعت‬
‫الهيا الثورة‪.‬‬

‫وهكذا تظهر أأفاكر الثورة الفرنس ية من مصمي املذاهب املثالية وحتدد بناءها الفكري اىل حد بعيد‪ ،‬فالثورة‬
‫الفرنس ية كام رأآها املثاليون ا ألملان مل تقترص عىل الغاء الزنعة االقطاعية املطلقة‪ ،‬واحالل النظام الاقتصادي والس يايس‬
‫للطبقة الوسطى حملها‪ ،‬بل اهنا مكلت ما بد أأته حركة االصالح ادليين يف أأملانيا‪ ،‬حفررت الفرد وجعلت منه س يدا حلياته‪،‬‬
‫يعمتد فهيا عىل نفسه حفسب‪.‬‬

‫ولهذا مل يعد من احملمت أأن يظل مركز االنسان يف العامل‪ ،‬وطريقة معهل واس متتاعه بأأوقات فراغه متوقفا عىل‬
‫سلطة خارجية‪ ،‬بل أأصبح يتوقف عىل نشاطه العقيل احلر‪ ،‬فأأصبح االنسان هو اذلات املس تقةل اليت تتحمك يف تطورها‬
‫اخلاص‪ ...‬ومنذ ذكل احلني أأصبح تقدمه يف املعرفة هو اذلي يوهجه يف رصاعه مع الطبيعة ومع التنظمي الاجامتعي و أأصبح‬

‫‪19‬‬
‫العامل نظاما عقليا‪ ،‬عىل أأن املس تقر اذلي انهتت اليه املثل العليا للثورة الفرنس ية اكن معليات الر أأساملية الصناعية‪،‬‬
‫وجاءت امرباطورية انبليون فعملت عىل تصفية الاجتاهات املتطرفة‪ ،‬ودمعت يف الوقت ذاته النتاجئ الاقتصادية للثورة‪،‬‬
‫وفرس الفالسفة الفرنس يون عن هذه الفرتة حتقيق العقل بأأنه اطالق الصناعة من عقالها‪ ...‬وبدا االنتاج الصناعي قادرا عىل‬
‫تقدمي لك الوسائل الالزمة الش باع احلاجات البرشية‪ ...‬وهكذا ففي نفس الوقت اذلي يشد هيغل فيه مذهبه اكن سان‬
‫س ميون يف فرنسا ميتدح الصناعة بوصفها القوة الوحيدة القادرة عىل أأن تقود البرشية اىل احلرية واىل تكوين جممتع عاقل‪.‬‬

‫ولقد اكن المنو الاقتصادي يف أأملانيا متخلفا اىل حد بعيد عام هو عليه يف فرنسا واجنلرتا‪ .‬ومل يكن يف وسع‬
‫الطبقة الوسطى ا ألملانية أأن تتطلع للثورة لكوهنا اكنت مشتتة وضعيفة‪ ،‬وهكذا فبيامن اكنت الثورة الفرنس ية قد بد أأت‬
‫ابلفعل يف تأأكيد حقيقة احلرية‪ ،‬اكنت املثالية ا ألملانية ال يشغلها اال البحث عن فكرة احلرية حفسب‪ ...‬ومعىن ذكل أأهنا‬
‫نقلت اجلهود التارخيية العينية اليت بذلت القامة شلك معقول من أأشاكل احلمك‪ ،‬اىل املس توى الفلسفي‪ ،‬حبيث جتلت هذه‬
‫اجلهود يف احملاوالت اليت بذلت من أأجل ايضاح معامل فكرة العقل‪.‬‬

‫وحيتل مفهوم العقل ماكنة مركزية يف فلسفة هيغل‪ ،‬فقد اكن من ر أأيه أأن التفكري الفلسفي ال يفرتض مقدما أأي‬
‫يشء عداه‪ ،‬و أأن التارخي يبحث يف العقل‪ ،‬وفيه وحده‪ ،‬و أأن ادلوةل امنا يه حتقيق العقل‪ ...‬عىل أأن هذه العبارات لن‬
‫تكون مفهومة لو فرس العقل عىل أأنه تصور ميتافزييقي حمض‪ ،‬اذ أأن فكرة هيغل عن العقل قد ظلت حمتفظة اب ألماين‬
‫املادية يف حتقيق نظام عقيل حر للحياة‪ ،‬وان اكنت قد احتفظت هبا بصورة مثالية‪.‬‬

‫فلب الفلسفة الهيغلية امنا هو بناء تس متد تصوراته – ويه احلرية واذلات‪ ،‬واذلهن والفكرة – من فكرة‬
‫العقل‪ ...‬وما مل تنجح يف الكشف عن مضمون هذه ا ألفاكر والارتباط الباطن بينه‪ ،‬فسوف يظل مذهب هيغل يبدو‬
‫ميتافرييقيا غامضا‪ ،‬مع أأنه يف الواقع مل يكن كذكل‪.‬‬

‫لقد ربط هيغل بني تصوره للعقل وبني الثورة الفرنس ية‪ ،‬و أأكد هذه الرابطة أأعظم تأأكيد‪ ..‬فالثورة طالبت "بأأال‬
‫يعرتف ببصمة أأي يشء عن أأي دس تور سوى ما يتعني الاعرتاف به وفقا حلقوق العقل"‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ولقد اكن هيغل يرى أأن القول احلامس اذلي طر أأ عىل التارخي مع الثورة الفرنس ية اكن انتقال االنسان اىل‬
‫الاعامتد عىل عقهل‪ ،‬وجتارسه عىل اخضاع الواقع ملعايري العقل‪" ..‬فال يشء يعقل ما مل يكن نتيجة تفكري‪ ،‬ولقد أأخذ‬
‫االنسان عىل عاتقه أأن ينظم الواقع وفقا ملتطلبات تفكريه العقيل بدال من الاكتفاء بتشكيل أأفاكره وفقا للنظام القامئ والقمي‬
‫السائدة"‪.‬‬

‫ان االنسان اكئن مفكر‪ ..‬وعقهل يتيح هل أأن يتعرف عىل اماكانته اخلاصة‪ ،‬وعىل اماكانت عامله‪..‬ومن مت فهو‬
‫ليس واقعا حتت رمحة الواقع احمليط به‪ ،‬وامنا هو قادر عىل اخضاعها ملعيار أأرفع‪ ،‬هو معيار العقل‪..‬ولكن الواقع الفعيل هو‬
‫أأن العبودية و الالمساواة يه السائدة‪ ،‬و أأن معظم الناس يفتقرون افتقارا اتما اىل احلرية‪ ،‬وحمرومون من لك ما اكنوا‬
‫ميلكون‪ ..‬ومن مت مفن الواجب تغيري الواقع "غري املعقول" اىل أأن يصبح ممتش يا مع العقل‪..‬‬

‫ويف ر أأي هيغل أأن الثورة الفرنس ية يه اليت أأعلنت السلطان املطلق للعقل عىل الواقع‪ ..‬وهو جيمل ر أأيه‬
‫ابلقول أأن مبد أأ الثورة الفرنس ية قد أأكد أأن الفكر ينبغي أأن حيمك الواقع‪ ..‬احلق أأن هذا القول ينطوي عىل مضامني تصل‬
‫يف معقها اىل لب فلسفته ذاهتا‪ ..‬فالفكر ينبغي أأن حيمك الواقع‪ ..‬ومايعتقد الناس بفكرمه أأنه صواب وحق وخري ينبغي أأن‬
‫يتحقق يف التنظمي الفعيل حلياهتم الاجامتعية والفردية‪..‬‬

‫ويعتقد هيغل‪ ،‬متش يا مع تراث الفلسفة الغربية أأن مثل هذه التصورات واملبادئ املوضوعية موجودة‪ ،‬وهو‬
‫يطلق عىل مجموعها اللكي امس العقل‪.‬‬

‫يف عام ‪ 1793‬كتب هيغل اىل ش يلنغ يقول‪" :‬ان العقل واحلرية س يظالن هام املبدأآن الذلان نؤمن هبام"‪ ،‬ولقد‬
‫اس تخدم لغة ثورية اذ يقول أأن "الهاةل اليت أأحاطت بكبار الغاصبني وأآلهة ا ألرض قد اختفت‪ ..‬فالفالسفة يربهنون عىل‬
‫كرامة االنسان‪ ،‬وسوف يتعمل الناس كيف يشعرون هبا ولن يكتفوا ابملطالبة حبقوقهم‪ ،‬اليت مترغت يف الوحل‪ ،‬بل اهنم‬
‫سوف ينزتعون هذه احلقوق بأأيدهيم وجيعلوهنا ملاك هلم‪ ..‬لقد لعب ادلين والس ياسة لعبة واحدة‪ ،‬اىل أأن عمل الناس ما أأراد‬
‫الطغيان أأن يلقهنم اايه وهو احتقار االنسانية وجعز االنسان عن بلوغ اخلري وحتقيق ماهيته جبهوده اخلاصة" بل اننا جند‬

‫‪21‬‬
‫عنده أأفاكرا أأكرث تطرفا‪ ،‬تذهب اىل أأن حتقيق العقل يقتيض نظاما اجامتعيا يقلب النظام القامئ‪ ...‬يصل فيه اىل حمتية‬
‫جتاوز ادلوةل وفناءها‪.‬‬

‫عىل أأن هيغل أأخذ يتخىل ابلتدرجي عن املضمون الثوري للمفاهمي املثالية ا ألساس ية و أأخذ حياول أأن يالمئ بيهنا‬
‫عىل حنو مزتايد‪ ،‬وبني الشلك الاجامتعي السائد‪ ،‬وتكل معلية حيمتلها البناء الفكري للمثالية ا ألملانية‪ ،‬اليت حتتفظ ابملبادئ‬
‫احلامسة للمجمتع ذي الزنعة الليربالية وحتول دون أأن جتاوز لها‪ .‬ومع ذكل فان الشلك اخلاص اذلي اختذه التوفيق بني‬
‫الفلسفة والواقع يف مذهب هيغل قد حيمك فيه املوقف الفعيل يف أأملانيا خالل الفرتة اليت وضع فهيا مذهبه‪ ،‬ذكل ألن‬
‫مفاهمي هيغل الفلسفية املبكرة‪ ،‬صيغت يف عهد اكنت فيه ادلوةل ا ألملانية (الراخي) يف حال احنالل‪.‬‬

‫كام أأن امجلاهري يف أأملانيا قد اعتادت منذ عهد االصالح ادليين الفكرة القائةل أأن احلرية يه "قمية ابطنة" ال‬
‫تتعارض مع أأي نوع من العبودية و أأن الطاعة الواجبة للسلطة القامئة رشط رضوري للخالص ا ألبدي‪ ،‬و أأن الكد والفقر‬
‫نعمة من نعم هللا‪ ..‬اذ اكن من الوظائف الرئيس ية للربوتس تانتية أأن حتت ا ألفراد اذلين حترروا عىل قبول النظام الاجامتعي‬
‫اذلي ظهر حديثا يف ذكل احلني بتحويل مطالهبم من العامل اخلاريج اىل حياهتم الباطنة‪ ،‬وقد أأكد "لوثر" احلرية املس يحية‬
‫بوصفها قمية داخلية تتحقق عىل حنو مس تقل عن أأي رشط خاريج‪ ..‬وهكذا أأصبح الواقع الاجامتعي أأمرا ال أأمهية هل‬
‫ابلنس بة اىل املاهية احلقة لالنسان‪...‬‬

‫والواقع أأن الثقافة ا ألملانية ترتبط ارتباطا ال ينفصم بأأصلها الربوتس تانيت‪ ،‬فبفضل هذه ا ألخرية ظهر عامل من‬
‫امجلال واحلرية وا ألخالقية ال تؤثر فيه احلقائق والرصاعات اخلارجية‪ ،‬واكن ذكل العامل منعزال عن العامل الاجامتعي التعس‪،‬‬
‫اكمنا يف "روح" الفرد‪ ،‬ولقد اكن هذا التطور أأصال الجتاه ظاهر بوضوح يف املثالية ا ألملانية‪ ،‬هو الاس تعداد ملهادنة الواقع‬
‫الاجامتعي‪ ...‬واكن هذا الاجتاه للمهادنة دلى املثاليني يتعارض عىل ادلوام مع نزعهتم العقلية النقدية‪ ،‬ولكن ا ألمر انهتيى اىل‬
‫احباط املثل ا ألعىل اذلي اندت به اجلوانب النقدية يف تفكريمه وهو اعادة التنظمي س ياس يا واجامتعيا عىل أأساس عقيل‪،‬‬
‫فتحول هذا املثل ا ألعىل اىل قمية روحية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ولقد اكنت الطبقات املتعلمة تعزل نفسها عن الشؤون العلمية ‪,‬وملا اكنت بذكل قد حمكت عىل نفسها ابلعجز‬
‫عن اس تخدام عقلهيا اس تخداما تطبيقيا من أأجل اعادة تشكيل اجملمتع‪ ،‬فاهنا معلت عىل حتقيق ذاهتا يف عامل العمل والفن‬
‫والفلسفة وادلين‪ ،‬و أأصبح هذا العامل يف نظرها هو "الواقع احلقيقي" اذلي يعلو عىل تعاسة ا ألوضاع الاجامتعية القامئة‪ ،‬كام‬
‫أأنه اكن ميالدا للحقيقة‪ ،‬واخلري وامجلال‪ ،‬والسعادة‪ ،‬وا ألمه من ذكل‪ ،‬للمزاج النقدي اذلي مل يكن يس تطيع أأن جيد هل‬
‫منفذا يف اجملال الاجامتعي‪.‬‬

‫وهكذا اكنت الثقافة مثالية يف أأساسها‪ ،‬هتمت بفكرة ا ألش ياء بدال من ا ألش ياء ذاهتا‪ ،‬ويه قد وضعت حرية‬
‫الفكر قبل حرية الفعل‪ ،‬وقدمت ا ألخالق عىل العداةل العلمية‪ ،‬وحياة االنسان الباطنة عىل حياته الاجامتعية‪ .‬ومع ذكل‬
‫فان هذه الثقافة ذات الطابع املثايل‪ ،‬نظرا اىل كوهنا قد وقفت مبعزل عن واقع ال يطاق‪ ،‬واحتفظت نتيجة ذلكل بنفسها‬
‫سلمية نقية‪ ،‬فاهنا لهذا السبب ذاته‪ ،‬وبرمغ ما اكنت تنطوي عليه من عزاء ابطل ومتجيد زائف‪ ،‬قد أأفادت يف كوهنا ظلت‬
‫حتافظ بأأمانة عىل حقائق مل تكن قد حتققت من قبل اترخي البرشية‪.‬‬

‫ولقد اكن مذهب هيغل أآخر حماوةل هممة جلعل الفكر ملجأأ للعقل واحلرية‪ ،‬عىل أأن القوة ادلافعة النقدية‬
‫ا ألصلية يف تفكريه اكنت من القوة حبيث حفزته عىل التخيل عن الانعزالية التقليدية للمثالية عن التارخي‪ ،‬ومن مت فقد‬
‫جعل الفلسفة عنرصا اترخييا عينيا وجذب التارخي اىل نطاق الفلسفة عىل أأن التارخي عندما حيرص عىل هذا النحو‪ ،‬حيطم‬
‫جدران االطار املثايل‪.‬‬

‫ان مذهب هيغل لريتبط ارتباطا رضوراي بفلسفة س ياس ية حمددة املعامل وبنظام اجامتعي وس يايس خاص‪ ...‬ومل‬
‫يكن اجلدل (ادلايلكتييك) القامئ بني اجملمتع املدين وادلوةل يف عهد عودة امللكية شيئا عارضا يف فلسفة هيغل‪ ،‬وال اكن جمرد‬
‫قسم من أأقسام كتابة "فلسفة القانون" بل ان مبادئه اكن لها ابلفعل تأأثريها يف البناء الفكري ملذهبه‪ ،‬ومن هجة أأخرى‬
‫فان مفاهميه ا ألساس ية ليست اال اذلروة اليت بلغها تراث الفكر الغريب بأأمكهل‪ ،‬ويه ال تفهم اال عندما تفرس يف اطار هذا‬
‫الرتاث‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مفاذا عن فلسفة هيغل الس ياسة؟‬

‫الفرع ‪ : 2‬احملاور ا ألساس ية لفلسفة هيغل الس ياس ية‪:‬‬

‫ظهر اجملدل ا ألول من كتاب "عمل املنطق" يف س نة ‪ 1812‬والثاين وا ألخري يف س نة ‪ 1816‬وخالل الس نوات‬
‫ا ألربعة الواقعة بن االثنني نشبت حرب التحرير الربوس ية‪ ،‬وعقد احللف املقدس ضد انبليون‪ ،‬ونشبت معركتا ليزبج‬
‫وبرلو‪ ،‬ودخل احللفاء ابريس ظافرين‪ ،‬ويف س نة ‪ 1816‬عني هيغل اذلي اكن عندئذ انظرا ملدرسة اثنوية يف نورمريج‪،‬‬
‫أأس تاذا للفلسفة جبامعة هيدلربج‪ ،‬ويف العام التايل نرش الطبعة ا ألوىل من "موسوعة العلوم الفلسفية" واختري خليفة لفخته‬
‫يف جامعة برلني‪ ...‬وهكذا حتقق الهدف الهنايئ حلياته الأاكدميية يف نفس الوقت اذلي بلغ فيه تطوره ومنوه الفلسفي منهتاه‪،‬‬
‫فأأصبح الفيلسوف الرمسي – كام يقولون – لدلوةل الربوس ية وادلكتاتور الفسلفي ألملانيا‪.‬‬

‫ففلسفة هيغل اكن لها وظيفة اجامتعية وس ياس ية‪ ،‬نرى من الواجب تفسريها كام أأن هناك رابطة وثيقة بني‬
‫فلسفته وبني عهد عودة امللكية من خالل الوضع اخلاص اذلي أأصبح اجملمتع احلديث مير به عند هناية العرص النابليوين‪.‬‬

‫لقد ر أأى هيغل يف انبليون البطل التارخيي اذلي حيقق رساةل الثورة الفرنس ية فهو كام تصور هيغل‪ ،‬الرجل‬
‫الوحيد القادر عىل حتويل اجنازات ثورة ‪ ،1789‬اىل نظام دوةل‪ ،‬وعىل ربط احلرية الفردية ابلعقل اللكي لنظام اجامتعي‬
‫اثبت ومل يكن ما يعجب به يف انبليون عظمة جمردة‪ ،‬بل صفة التعبري عن احلاجة التارخيية ذلكل العرص فنابليون اكن‬
‫"روح العامل" اذلي يتجسد فيه الهدف اللكي للعرص‪.‬‬

‫هذا الهدف هو دمع الشلك اجلديد للمجمتع‪ ،‬اذلي اكن يعرب عن مبد أأ العقل يف اجملمتع‪ ،‬يعين عند هيغل نظاما‬
‫اجامتعيا مبنيا عىل الاس تقالل العقيل اذلي للفرد‪ ،‬غري أأن احلرية الفردية اكنت قد اختذت شلك نزعة فردية غامشة‪،‬‬
‫ودخلت حرية لك فرد يف رصاع حياة أأو موت ضد حرية لك فرد أآخر‪ ..‬واكن االرهاب يف عام ‪ 1793‬هو املثل املمزي‬
‫لهذه الزنعة الفردية‪ ،‬وهو نتيجهتا احلمتية‪ ..‬واذا اكن الرصاع بني املقاطعات االقطاعية قد أأثبت من قبل أأن االقطاع مل يعد‬
‫قادرا عىل التوحيد بني الصاحل الفردي والصاحل العام‪ ،‬فان حرية ا ألفراد الشامةل القامئة عىل التنافس تشهد الآن بأأن جممتع‬
‫‪24‬‬
‫الطبقة الوسطى بدوره عاجز عن هذا التوحيد‪ ..‬وهكذا يرى هيغل يف س يادة ادلوةل املبد أأ الوحيد القادر عىل حتقيق هذه‬
‫الوحدة‪.‬‬

‫‪ -1‬س يادة ادلوةل‪:‬‬

‫بعد أأن حسق انبليون بقااي االقطاع يف أأملانيا و أأدخل القانون املدين يف أأرجاء عديدة من الراخي ا ألملاين السابق‪،‬‬
‫اس تعيض عنه بعدد من ادلول ذات الس يادة والس امي يف جنوب أأملانيا‪ .‬فادلوةل اجلديدة يف أأملانيا اكنت عىل ا ألقل وحدات‬
‫اقتصادية أأكرب‪ ،‬واكنت فهيا بريوقراطية مركزية ونظام أأبسط للقضاء وطريقة عن مجع الرضائب تمتزي بأأهنا أأرشد‪ ،‬وبأأهنا‬
‫خاضعة لنوع من االرشاف الشعيب‪ ..‬اكنت هذه التجديدات تبدو ممتش ية مع دعوة هيغل اىل مزيد من التنظمي العقيل‬
‫الرش يد ل ألشاكل الس ياس ية‪ ،‬من أأجل ااتحة منو القوى اذلهنية واملادية اجلديدة اليت أأطلقهتا الثورة الفرنس ية من عقالها‪،‬‬
‫فال جعب اذن ان ر أأيناه يف البداية ينظر اىل الرصاع ضد انبليون عىل أأنه معارضة رجعية‪ ..‬ومن هنا اكنت اشارته اىل‬
‫حرب التحرير حتمل معىن السخرية والازدراء‪ ..‬بل لقد ذهب اىل حد أأنه مل يس تطع الاعرتاف بأأن هزمية انبليون قد‬
‫أأصبحت هنائية حىت بعد أأن دخل احللفاء ابريس ظافرين‪.‬‬

‫ولقد اكن ذكل‪ ،‬موقفا غريبا‪ ،‬وذكل ألن فلسفة هيغل الس ياس ية اليت أأصبحت بعد عام واحد فقط‬
‫االيديولوجية لدلوةل الربوس ية‪ ،‬و أأعلنت عندئذ أأن حقوق ادلوةل يه حقوق العقل ذاته‪.‬‬

‫وس نالحظ أأن موقف هيغل اجلديد ظل مالزما هل‪ ،‬أأما عن انتقاهل من موقف أأقرب اىل أأن يكون مضادا‬
‫للقومية اىل موقف قويم‪ ،‬فان ذكل يتشابه مع منوذج ظهر يف العهود ا ألوىل لكتابة الفلسفة احلديثة‪ ،‬ويتعلق ا ألمر بفلسفة‬
‫هوبز – اذلي يوصف بأأنه أأقوى الفالسفة متثيال للبورجوازية الصاعدة‪ -‬اذ وجد فلسفته الس ياس ية ممتش ية مع ملكية‬
‫شارل ا ألول مث مع دوةل كرومويل الثورية‪ ،‬و أأخريا مع رجعية أأرسة ستيوارت‪.‬‬

‫ومل يكن هيمت بكون ادلوةل ذات الس يادة تتخذ شلك ادلميقراطية أأو الاليغارش ية‪ ،‬وحتتفظ بسلطهتا ابلنس بة‬
‫ملواطنهيا‪ ،‬كذكل اكنت الفوارق يف الشلك الس يايس بني ادلول غري هامة يف نظر هيغل‪ ،‬ما دامت حتافظ عىل هوية‬
‫‪25‬‬
‫العالقات الاجامتعية والاقتصادية الاكمنة من وراهئا عىل النحو املطلوب يف جممتع الطبقة الوسطى‪ ،‬لقد بدا أأن امللكية‬
‫ادلس تورية احلديثة تصلح متاما للمحافظة عىل هذا البناء الاقتصادي‪ .‬ومن مت فانه‪ ،‬بعد اهنيار نظام انبليون يف أأملانيا‪ ،‬اكن‬
‫عىل اس تعداد اتم للرتحيب ابمللكية ذات الس يادة اليت أأعقبته‪ ،‬بوصفها الوريث احلقيقي لنظام انبليون‪.‬‬

‫لقد اكنت س يادة ادلوةل يف نظر هيغل أأداة رضورية للمحافظة عىل جممتع الطبقة الوسطى‪ ،‬ذكل ألن ادلوةل‬
‫ذات الس يادة تزيل عنرص املنافسة الهدام من ا ألفراد وجتعل املنافسة مصلحة اجيابية للحقيقة اللكية‪ ،‬فادلوةل قادرة عىل‬
‫الس يطرة عىل املصاحل املتعارضة ألفرادها‪ ..‬والنقطة اليت ينطوي علهيا ر أأيه يه أأنه حني يقتيض النظام الاجامتعي أأن‬
‫يتوقف وجود الفرد عىل التنافس مع الآخرين‪ ،‬يكون الضامن الوحيد لتحقيق املصلحة املشرتكة‪ ،‬عىل نطاق حمدود عىل‬
‫ا ألقل‪ ،‬هو وضع حريته يف اطار ال تتعداه داخل النظام اللكي لدلوةل‪..‬‬

‫وهكذا فان س يادة ادلوةل تفرتض مقدما التنافس ادلويل بني وحدات س ياس ية متعارضة‪ ،‬تمكن قوة لك مهنا‬
‫أأساسا يف سلطهتا‪ ،‬اليت ال تنازع عىل أأفرادها‪.‬‬

‫وقد اكن هذا املوقف عند وضع املكل مسودة دس تور‪ ،‬وقدمه اىل جمالس الوالايت من أأجل تغيري القانون‬
‫اذلي وضعه انبليون ابالضافة اىل مض ا ألقالمي املكتس بة حديثا‪ ،‬حيث مث رفض هذا املرشوع من قبل تكل اجملالس‪ ،‬أأما‬
‫هيغل فانه من دفاعه احلار عن املرشوع ضد معارضة الوالايت‪ ،‬قد فرس الزناع بني الفريقني عىل أأنه نضال بني املبد أأ‬
‫الاجامتعي القدمي واجلديد‪ ،‬بني الامتياز االقطاعي والسلطة احلديثة‪.‬‬

‫ويظهر يف كتابة هيغل حول هذا املفهوم‪ ،‬ضبط واحد يوهجه‪ ،‬هو مبد أأ الس يادة وهو يرى أأنه البد من‬
‫الاس تعاضة عن فكرة العقد الاجامتعي بفكرة ادلوةل بوصفها الك موضوعيا‪ ،‬اذ أأصبحت النغمة اليت تتحمك يف تشكيل‬
‫فلسفة هيغل يه أأن ادلوةل منفصةل عن اجملمتع‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -2‬مفهوم ادلوةل عند هيغل‪:‬‬

‫ادلوةل عند هيغل يه عالقة موضوعية رضورية مس تقةل أأساسا عن احلاجات اذلاتية‪ ،‬ويف ر أأي هيغل أأن‬
‫اجملمتع املدين البد أأن يتودل عنه أآخر ا ألمر نظام قامئ عىل السلطة‪ ،‬وهو تغري ينبثق من ا ألسس الاقتصادية للمجمتع ذاته‪،‬‬
‫ويس تخدم يف احملافظة عىل اطاره‪ ..‬واملفروض أأن يؤدي التغري يف الشلك اىل انقاذ املضمون املهدد ابخلطر‪.‬‬

‫فهيغل اكن قد حدد معامل نظام قامئ عىل السلطة عندما حتدث عن "حكومة النظام الصارم" عن هناية‬
‫"مذهب يينا" ا ألخاليق‪ ،‬ومل يكن هذا الشلك من أأشاكل احلكومة يعين نظاما جديدا‪ ،‬بل اكن يقترص عىل فرض مهنج‬
‫عىل النظام الفردي السائد‪.‬‬

‫كذكل حني جيعل هيغل ادلوةل فوق اجملمتع فانه يسري عىل نفس الهنج‪ ،‬اذ جيعل لدلوةل أأرفع ماكنة‪ ،‬وهو يدرك‬
‫التناقضات داخل اجملمتع احلديث‪ ،‬ذكل ألن املصاحل الفردية املتنافسة عاجزة عن أأن تودل نظاما يضمن اس مترار اللك‪،‬‬
‫ومن هنا اكن البد من أأن تفرض علهيا سلطة ال معقب علهيا‪ ،‬وهو يبعد عالقة احلكومة ابلشعب من نطاق العقد‪ ،‬وجيعلها‬
‫"وحدة جوهرية أأصلية"‪ .‬فالفرد تربطه ابدلوةل أأساسا عالقة واجبة وحقه خاضع لهذه العالقة‪ ،‬وادلوةل ذات الس يادة‬
‫تتحدد معاملها بوصفها دوةل نظام صارم‪.‬‬

‫عىل أأن سلطهتا ينبغي أأن تكون خمتلفة عن سلطة دوةل احلمك املطلق‪ ،‬فال بد أأن يصبح الشعب جزءا ماداي‬
‫من قوة ادلوةل‪ ،‬ذكل ألنه ملا اكن اجملمتع احلديث قامئا عىل نشاط الفرد املتحرر من قيوده‪ ،‬فالبد من تأأكيد نضجه‬
‫الاجامتعي وتشجيعه‪ ،‬ويف هذا الصدد وجه هيغل نقدا خاصا لدلس تور املليك يف النقطة املتعلقة بتقييد حق الاقرتاع‬
‫(املكل نص عىل أأن موظفي ادلوةل‪ ،‬اجليش‪ ،‬رجال الكنيسة واملهنة الطبية ال ينتخبون)‪ .‬ألن هيغل يعترب املوظفني مه‬
‫الس ياس يون ا ألقدر حبمك همنهتم وتدريهبم عىل ادلفاع عن املصاحل العامة‪ ،‬يف مقابل املصاحل اخلاصة اليت ليست عىل‬
‫اس تعداد ألن تبذل يف سبيل الصاحل العام اال أأقل القليل‪ ،‬ذلكل فوجود البريوقراطية البعيدة عن نطاق املنافسة‬
‫الاقتصادية من املمكن أأن تقيض عىل تأأثريها‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫كام انتقد الرشط الثاين حلق الاقرتاع (املكل نص عىل أأن يكون احلد ا ألدىن دلخل الشخص ‪).................‬‬
‫اذ اعترب أأن امللكية يه عامل جيعل الفرد يعارض املصلحة اللكية ويتقيد مبصلحته بدال مهنا‪ ،‬ويعترب هيغل أأن التأأثري‬
‫الس يايس لمكية املمتلاكت‪ ،‬هو مرياث سليب من الثورة الفرنس ية‪ ،‬ومن الواجب جتاوزها من حيث معيار الامتيازات‬
‫وينبغي عىل ا ألقل أأال تصبح يه "الرشط الوحيد اذلي يوضع لوظيفة من أأمه الوظائف الس ياس ية"‪.‬‬

‫‪ -3‬س يادة القانون‪:‬‬

‫يعترب هيغل حمك القانون هو الشلك الس يايس السلمي الوحيد للمجمتع احلديث‪ ،‬فاجملمتع احلديث يف ر أأيه ليس‬
‫جامعة طبيعية‪ ،‬وليس نظاما من الامتيازات املمنوحة من مصدر الهيي‪ ،‬وامنا يقوم عىل املناقشة العامة ملالك أأحرار‬
‫يكتس بون مركزمه يف العملية الاجامتعية وحيتفظون به عن طريق نشاطهم اذلي يعمتدون فيه عىل أأنفسهم‪ ،‬انه جممتع ال‬
‫حيرص فيه الناس عىل الصاحل العام‪ ،‬وال حيققون مصلحة "اللك" اال ابدلفة العمياء‪ ،‬ذلكل البد من قوة تعلو عىل تعارض‬
‫املصاحل اخلاصة وحتافظ علهيا لكها‪ ،‬هو الكفيل بتحويل ذكل اجملموع اللكي الفوضوي ل ألفراد اىل جممتع قامئ عىل أأسس‬
‫عاقةل والوس يةل اليت حتقق هذا التحول يه حمك القانون‪.‬‬

‫ويف الوقت ذاته رفض هيغل النظرية الاجامتعية يف ذاهتا و أأنكر أأن تكون لها أأية قمية يف احلياة الس ياس ية‪،‬‬
‫حفمك القانون يف متناول أأيدينا‪ ،‬وهو متجسد ويشلك التحقق التارخيي السلمي للعقل‪ ،‬وما أأن يقبل املرء النظام القامئ عىل‬
‫هذا النحو‪ ،‬حىت تصبح النظرية الس ياس ية بال جدوى اذ أأن "النظرايت تضع نفسها الآن يف مقابل النظام املوجود‪،‬‬
‫وتدعي أأهنا حصيحة ورضورية بصفة مطلقة"‪.‬‬

‫مفنذ دياكرت اكن املفكرون يزمعون أأن النظرية تس تطيع اصالح البناء العقيل للكون‪ ،‬و أأن العقل يس تطيع‬
‫جبهوده اخلاصة أأن يصبح معيارا للحياة الاجامتعية‪ ،‬وهكذا اكنت املعرفة النظرية والعقلية تتضمن اعرتافا بأأن الواقع اذلي مل‬
‫يصل بعد اىل املس توى املطلوب مفتقر اىل احلقيقة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فالطبيعة الناقصة للواقع املوجود أأرمغت النظرية عىل أأن تتجاوزه‪ ،‬وعىل أأن تصبح مثالية‪ ..‬ولكن التارخي كام‬
‫يقول هيغل‪ ،‬مل يقف ساكنا‪ ،‬فقد وصلت البرشية اىل مرحةل أأصبحت فهيا لك وسائل حتقيق العقل متوافرة‪.‬‬

‫وادلوةل احلديثة يه التجس يد الفعيل لهذا التحقيق‪ ،‬ومن هنا فان أأي اس مترار يف تطبيق النظرية عىل‬
‫الس ياسة بعد الآن جيعل النظرية خيالية طوابوية‪ .‬أأي أأنه حني ينظر اىل النظام القامئ عىل أأنه عقيل‪ ،‬تكون املثالية قد‬
‫بلغت غايهتا وهنايهتا‪ ،‬ومنذ ذكل احلني يتعني عىل الفلسفة الس ياس ية أأن متتنع عن تعلمي الناس ما ينبغي أأن تكون عليه‬
‫ادلوةل‪ ،‬أأن ادلوةل موجودة‪ ،‬ويه عقلية‪ ،‬ويضيف هيغل أأن فلسفته سوف تدعو‪ ،‬اىل وجوب الاعرتاف ابدلوةل بوصفها‬
‫عاملا أأخالقيا اكمال‪ ..‬وهنا تصبح هممة الفلسفة يه "املواءمة بني الناس وبني ما هو‬

‫متحقق"‪.‬‬

‫‪ -4‬مفهوم امللكية عند هيغل‪:‬‬

‫يعترب هيغل أأن امللكية ال توجد اال بفضل قدرة اذلات احلرة‪ ،‬ويه مس متدة من ماهية الشخص احلر‪ ،‬و أأبعد‬
‫نظام امللكية عن أأية رابطة‪ ..‬و أأكد هيغل مرارا أأهنا قد ال يكون لها مربرا بوصفها وس يةل الش باع حاجات االنسان‪" ..‬ان‬
‫مربر امللكية ال ينحرص يف ارضاهئا للحاجات‪ ،‬وامنا يف كون هذا النظام يتجاوز اذلاتية البحثة للشخص‪ ،‬وحيقق يف الوقت‬
‫ذاته تعيني هذا ا ألخري‪ ..‬فالشخص ال يوجد بوصفه عقال اال يف امللكية‪ ،‬فامللكية سابقة عىل احلاجات العارضة للمجمتع"‪..‬‬
‫ويه التجسد ا ألول للحرية‪ ،‬وابلتايل فهيي غاية جوهرية يف ذاهتا"‪.‬‬

‫"ان العنرص العاقل يف عالقة االنسان ابملوضوعات اخلارجية ينحرص يف الاس تحواذ عىل امللكية"‪ ،‬غري أأن ما‬
‫ميلكه املرء ومقدار ما ميلكه‪ ،‬هو مسأأةل اتفاق أأو حظ"‪ ،‬ويعرتف هيغل رصاحة بأأن التوزيع السائد للملكية هو نتاج‬
‫ظروف عارضة‪ ،‬تتنافر متاما مع مقتضيات العقل‪ ..‬ومن هجة أأخرى فانه يعفي العقل من هممة اصدار حمك عىل هذا‬
‫التوزيع‪ ،‬فمل يبدل هيغل هجدا لتطبيق املبد أأ الفلسفي اذلي يقيض ابملساواة بني الناس‪ ،‬وعىل مظاهر الالمساواة يف‬
‫امللكية‪ ،‬بل انه يرفض هذه اخلطوط يف الواقع واملساواة الوحيدة اليت ميكن أأن تس متد من العقل يه "رضورة حصول لك‬
‫‪29‬‬
‫خشص عىل ملكية"‪ .‬أأما نوع امللكية ومقدارها فأأمر ال يكرتث به العقل عىل االطالق‪ ،‬ويف هذا الصدد يقدم هيغل تعريفه‬
‫اذلي يدعو اىل ادلهشة‪" :‬ان احلق ال يعبأأ ابلفوارق بني ا ألفراد"‪.‬‬

‫‪ -5‬اجملمتع املدين عند هيغل‬

‫ان مرحةل احلاةل الطبيعية‪ ،‬وومرحةل اجملمتع املدين‪ ،‬تعلو علهيا مرحةل اثلثة‪ ،‬يه ادلوةل‪ ..‬ويرى هيغل أأن نظرية‬
‫القانون الطبيعي قارصة ألهنا جتعل من اجملمتع املدين غاية يف ذاته‪..‬‬

‫وحىت يف فلسفة هوبز الس ياس ية‪ ،‬اكنت الس يادة املطلقة خاضعة للحاجة اىل صون مصاحل اجملمتع املدين‬
‫وممتلاكته‪ ،‬و أأصبح حتقيق هذا الرشط ا ألخري يكون غاية يف ذاته‪ ،‬ألن متناقضاته الاكمنة حتول بينه وبني حتقيق وحدة‬
‫وحرية حقيقية‪ ..‬وذلكل رفض هيغل اس تقالل اجملمتع املدين‪ ،‬وجعهل خاضعا لدلوةل املمتتعة ابالس تقالل اذلايت‪.‬‬

‫وينقل هيغل هممة جتس يد نظام العقل من اجملمتع املدين اىل ادلوةل غري أأن هذه ا ألخرية ال حتل حمل اجملمتع املدين‬
‫بل يه حتافظ عىل حركته‪ ،‬وتصون مصاحله دون أأن تغري مضمونه‪.‬‬

‫وهكذا فان اخلطوة اليت تتجاوز اجملمتع املدين‪ ،‬تؤدي اىل نظام س يايس تسلطي حيفظ املضمون املادي للمجمتع‬
‫سلامي‪ ..‬أأي أأن الاجتاه التسلطي اذلي يظهر يف فلسفة هيغل الس ياس ية يصبح رضوراي بسبب التعارض والتضارب اذلي‬
‫يتسم به بنيان اجملمتع املدين‪.‬‬

‫يبين هيغل حتليهل للمجمتع املدين عىل املبد أأين املاديني للمجمتع احلديث وهام‪ :‬أأن الفرد ال يس هتدف اال مصاحله‪،‬‬
‫اليت يسكل يف سعيه وراءها بوصفه "مزجيا من الرضورة املادية والزنوة التلقائية"‪ .‬ان املصاحل الفردية مرتبطة بعضها‬
‫ببعض عىل حنو جيعل تأأكيد أأحدها وحتقيقها متوقفا عىل تأأكيد ا ألخرى وحتقيقها‪.‬‬

‫فهيغل اكن يؤمن منذ البداية بأأن اجملمتع احلقيقي اذلي هو املصدر احلر لتقدم منوه اخلاص‪ ،‬ال ميكن تصوره اال‬
‫عىل أأنه جممتع تتجسد فيه احلرية الواعية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ونتيجة الفتقار اجملمتع املدين اىل مثل هذه احلرية‪ ،‬فان هيغل يأأىب أأن يصفه بأأنه هو التحقق الهنايئ للعقل‪،‬‬
‫فهيغل شأأنه شأأن ماركس يؤكد تاكمل املصاحل الشخصية يف هذا اجملمتع‪ ،‬امنا يكون نتاجا للصدفة ال لقرار عقيل حر‪ ..‬ومن‬
‫مت فان امللكية ال تظهر فيه بوصفها حرية بل "بوصفها رضورة" ففي اجملمتع املدين ال تكون امللكية اال رضورة ويه تبين‬
‫نظاما عىل معلية انتاج ال يتحدد ماكن الفرد فهيا تبعا حلاجاته وقدراته بل تبعا "لر أأسامهل"‪ ،‬وهنا ال يدل لفظ "ر أأس املال"‬
‫فقط عىل القدرة الاقتصادية اخلاصة للفرد بل يدل أأيضا عىل ذكل اجلزء من قوته املادية أأي عىل معهل‪..‬‬

‫فاحلاجات اخلاصة ل ألفراد تش بع بواسطة العمل اجملرد اذلي هو "مكل عام دامئ" للبرش‪ ،‬وكام اكنت اماكنية‬
‫املشاركة يف الرثوة العامة متوقفة عىل ر أأس املال‪ ،‬فان هذا النظام يؤدي اىل تزايد الالمساواة‪.‬‬

‫ويتكهن هيغل بظهور جيش صناعي خضم ويلخص التناقضات احلادة للمجمتع املدين يف العبارة القائةل أأن "هذا‬
‫اجملمتع برمغ ثروته الفائضة‪ ،‬ليس ثراي اىل احلد اذلي يكفي للقضاء عىل الفقر الزائد وعىل ظهور املزيد من الفقر‪.‬‬

‫فنظام الفئات املتباينة اذلي حيدد هيغل معامله بوصفه التنظمي املمزي للمجمتع املدين‪ ،‬ليس قادرا بذاته عىل رفع‬
‫التناقض‪ ..‬ذكل ألن الوحدة اخلارجية اليت حياول هيغل حتقيقها بني ا ألفراد املتنافسني من خالل الفئات الثالث‪ :‬الفالحني‬
‫واحلرفيني والبريوقراطية‪ ،‬هذه الوحدة ال تزيد عن كوهنا تكرارا حملاوالت هيغل السابقة يف هذا الاجتاه‪ ،‬وهذه الفكرة‬
‫أأحضت أأقل اقناعا من السابق‪.‬‬

‫فهيغل يرى أأن تنظاميت اجملمتع املدين ونظمه هتدف اىل حامية امللكية و أأن احلرية يف هذا اجملمتع ال تعين اال‬
‫"حق امللكية" وال بد أأن تنظم الفئات بقوى خارجية أأقوى من ا ألهجزة الاقتصادية‪ ،‬وتؤدي هذه اىل متهيد الطريق‬
‫لالنتقال اىل التنظمي الس يايس للمجمتع‪ ،‬ويمت هذا الانتقال يف ا ألقسام اليت يعاجل فهيا هيغل ممارسة العداةل والرشطة‬
‫والنقاابت‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -6‬مفهوم العدل‪:‬‬

‫ان ممارسة العداةل جتعل من احلق اجملرد قانوان وتدخل نطاقا شامال واعيا يف معليات اجملمتع املدين العريضة‪ .‬ان‬
‫نظرية هيغل الترشيعية تنحاز عىل حنو قاطع اىل الاجتاهات التقدمية يف اجملمتع احلديث‪ ..‬فهو يرفض لك النظرايت اليت‬
‫جتعل احلق متوقفا عىل قرار القايض ال عىل مشول القانون – واكن يف ذكل مستبقا الجتاهات الحقة يف الترشيع – وهو‬
‫ينتقد النظرة اليت جتعل القضاة "مرشعني دامئني‪ ،‬أأو جتعل القرار الهنايئ فامي يتعلق ابحلق والباطل مرتواك لتقديرمه"‪.‬‬

‫ومل تكن القوى الاجامتعية املس يطرة عىل السلطة يف عهده قد اعرتفت بعد بأأن الشمول اجملرد للقانون‪ ،‬شأأنه‬
‫شأأن سائر ظواهر الزنعة الليربالية‪ ،‬يقف يف وجه مرشوعاهتا‪ ،‬و أأن احلاجة اىل أأداة للحمك أأكرث فعالية و أأقرب اىل الطابع‬
‫املبارش‪ ،‬فتصور هيغل للقانون يالمئ مرحةل أأس بق يف تطور اجملمتع املدين‪ ،‬تتسم ابلتناسق احلر بني أأفراد تتساوى مواردمه‬
‫املادية اىل حد معقول‪ ،‬حبيث يكون "لك فرد غاية يف ذاته" ويكون الآخرون ابلنس بة اىل لك فرد بعينه وس يةل لبلوغ‬
‫غايته" يف مثل هذا النظام يبدو الصاحل املشرتك ذاته يف نظر هيغل جمرد وس يةل‪.‬‬

‫هذا هو النظام الاجامتعي اذلي ودل اجملمتع املدين‪ ..‬وال ميكن أأن يس متر هذا النظام اال اذا وفق بني املصاحل‬
‫املتعارضة اليت تؤلف هو ذاته مهنا حبيث جيعل مهنا شالك أأكرث عقالنية‪ ،‬أأي شالك ميكن التنبؤ مبساره وبسهوةل أأكرب‪،‬‬
‫ابلقياس اىل معليات سوق السلع اليت تتحمك فيه‪ ...‬فاملنافسة غري املقيدة تقتيض حدا أأدى من امحلاية املتساوية‬
‫للمتنافسني‪ ،‬وضامان يعمتد عليه للعقود واخلدمات‪.‬‬

‫وتنطوي فكرة هيغل عىل الرأأي القائل أأن الكيان القانوين هو ما يش يده الناس ا ألحرار أأنفسهم بعقوهلم‬
‫اخلاصة‪ ،‬وهو يفرتض متش يا مع تراث الفلسفة الس ياس ية ادلميقراطية أأن الفرد احلر هو املرشع ا ألصيل اذلي أأعطى‬
‫القانون لنفسه ولكن هذا الافرتاض ال مينع هيغل من القول أأن القانون يتجسد يف "حامية امللكية عن طريق ممارسة‬
‫العداةل"‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫هذا الاستبصار ابالرتباط املادي بني حمك القانون وحمك امللكية يرمغ هيغل‪ ،‬عىل خالف لوك و أأتباعه‬
‫الالحقني عىل جتاوز النظرية الليربالية‪ ،‬فبسبب هذا الارتباط اكن من املس تحيل أأن يكون القانون هو النقطة الهنائية‬
‫للتاكمل ابلنس بة اىل اجملمتع املدين‪ ،‬أأو أأن ميثل الشمول احلقيقي يف هذا اجملمتع‪.‬‬

‫حفمك القانون ال جيسد اال "احلق اجملرد" يف امللكية‪.‬‬

‫"ووظيفة الهيئة تقترص عىل اجلانب اجملرد من احلرية الشخصية يف اجملمتع املدين وجعل هذا اجلانب رضورة من‬
‫رضوراته‪.‬‬

‫ففهيا ال تكون الرضورة العمياء لنظام احلاجات قد ارتفعت بعد اىل مرتبة الوعي ابللكي‪ ،‬وال تكون قد طبقت‬
‫من وهجة النظر هذه"‪ ،‬ذلكل اكن من الواجب اكامل القانون‪ ،‬بقوة أأشد منه فعالية ورصامة‪ ،‬حتمك ا ألفراد عىل حنو أأقرب‬
‫اىل الطابع املبارش احملسوس‪ ..‬وهنا تظهر الرشطة‪.‬‬

‫‪ -7‬مفهوم الرشطة عند هيغل‪:‬‬

‫تظهر يف مفهوم الرشطة عند هيغل كثري من سامت النظرية اليت اكن احلمك املطلق يس تخدهما يف تربير التنظمي‬
‫اذلي تقيد به احلياة الاجامتعية والاقتصادية‪.‬‬

‫فالرشطة ال تتدخل فقط يف معلية االنتاج والتوزيع وال تقيد فقط حرية التجارة والرحب وتراقب ا ألسعار‬
‫والفقراء واملرشدين‪ ،‬بل يه أأيضا ترشف عىل احلياة اخلاصة ل ألفراد لكام اكن لها تأأثري يف الصاحل العام‪.‬‬

‫ويضيف هيغل بأأنه مل يعد عىل الرشطة أأن تنظم معلية االنتاج نظرا اىل اىل عدم وجود قوة ومعرفة خاصة‬
‫حتقق ذكل‪ ..‬بل ان هممة الرشطة يه هممة سلبية‪ ،‬و أأعين هبا صون " أأمن الشخص وامللكية" يف ذكل اجملال العارض‬
‫اذلي ال ترسي عليه النصوص الشامةل للقانون‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫عىل أأن أأقوال هيغل عن وظيفة الرشطة توحض أأنه جتاوز جتاوز النظرية اليت اكنت سائدة يف وقت عودة‬
‫امللكية‪ ،‬والس امي حني أأكد أأن ازدايد التعارض والتشاحن داخل اجملمتع املدين جيعل الاكئن العضوي والاجامتعي‪ ،‬عىل حنو‬
‫مزتايد‪ ،‬مجموعة متخبطة معياء‪ ،‬من املصاحل ا ألاننية‪ ،‬وحيمت اجياد نظام قوي للس يطرة عىل هذه الفوىض‪...‬‬

‫كام قدم هيغل يف مناقش ته هذه للرشطة أأقوى مالحظاته و أأوسعها مدى حيث يقول‪" :‬اجملمتع املدين مدفوع‬
‫بواسطة جدهل اخلاص‪ ،‬اىل جتاوز حدوده اخلاصة بوصفه جممتعا حمدد املعامل مكتفيا بذاته"‪.‬‬

‫فالبد هل أأن يبحث عن أأسواق جديدة تس توعب االنتاج الفائض املزتايد‪ ،‬و أأن يتبع س ياسة توسع اقتصادي‬
‫واس تعامر منظم‪.‬‬

‫فهيغل يعترب أأن الرشطة يه نتاج للتعارضات املزتايدة داخل النظام املدين‪ ،‬ويه نظام اس تحدث ليك يتحدى‬
‫هذه املتناقضات‪ ،‬ومن مت فان اخلط الفاصل بني الرشطة وبني ادلوةل (اليت تمكل ما تبد أأه الرشطة) ليس حادا ويتصور‬
‫هيغل وضعا هنائيتا يكون فيه "معل اللك خاضعا لتنظمي اداري"‪ .‬هذا الوضع يؤدي‪ ،‬كام يقول اىل "تقصري أأجل القالقل‬
‫اخلطرية" اليت يتعرض لها اجملمتع املدين‪ ،‬وختفيفها‪.‬‬

‫غري أأن الرشطة ليست يه العالج الوحيد فهناك نظام أآخر ميكن بواسطته كبح جامح اجملمتع املدين‪ ،‬وهو نظام‬
‫النقاابت‪.‬‬

‫‪ -8‬مفهوم النقابة عند هيغل‪:‬‬

‫يتصور هيغل النقاابت عىل مثال نظام الطوئف احلرفية القدمي مع اضافة بعض سامت النقاابت احلديثة‪.‬‬

‫ان النقابة وحدة اقتصادي‪ ،‬فضال عن كوهنا س ياسة لها الوظيفة املزدوجة الآتية‪:‬‬

‫بعث الوحدة يف املصاحل و أأوجه النشاط الاقتصادي املتنافسة بني الفئات اخملتلفة‪.‬‬ ‫أأ‪-‬‬

‫‪34‬‬
‫ب‪ -‬وادلفاع عن املصاحل املنظمة للمجمتع املدين يف مقابل ادلوةل‪ ،‬وتتوىل ادلوةل االرشاف عىل‬
‫النقابة‪.‬‬

‫ولكن النقابة هتدف اىل صيانة املصاحل املادية للتجارة والصناعة‪ ..‬ففي النقابة يلتقي ر أأس املال والعمل‪ ،‬واملنتج‬
‫واملس هتكل والرحب واملصلحة العامة‪ ،‬وفهيا تنقى املصاحل اخلاصة للمشرتكني يف احلياة الاقتصادية من ا ألاننية البحثة‪ ،‬حبيث‬
‫ميكهنم ادلخول يف النظام الشامل لدلوةل‪.‬‬

‫وال يرشح هيغل كيف يكون ذكل ممكنا‪ ،‬ويبدو أأن النقابة ختتار أأعضاءها تبعا ملؤهالهتم الفعلية‪ ،‬و أأهنا تضمن‬
‫عامهلم ومواردمه ولكن يظهر أأن هذا لك ما يف ا ألمر‪.‬‬

‫"فالنقابة تظل قبل لك يشء هيئة اديولوجية‪ ،‬وكياان حيث الفرد عىل العمل من أأجل مثل أأعىل ال يوجد بعد‪،‬‬
‫هو الغاية غري ا ألاننية لللك"‪.‬‬

‫ويؤدي البحث يف النقابة اىل الانتقال من اجلزء اخلاص ابدلوةل‪...‬‬

‫املطلب اخلامس ‪ :‬أألكيس دوتكفيل‬


‫احتاد ادلول ا ألوربية ضد فرنسا بعد أأن ذهبت بثورهتا اىل خارج حدودها و اهنزاهما ‪،‬مث سوف تعرف‬
‫فرنسا أأحدااث جديدة بلغت يف عنفها أأشد ما بلغت اليه الثورة الفرنس ية ‪ -. i‬لكهنا ستنقلب اىل السعي اىل‬
‫الوصول اىل ادلميقراطية ( يف اطار ملكية دس تورية أأمت تأأسيسها عن طريق املنحة ‪ ,‬لكن هذا النظام نفسه‬
‫س يعرف الاستبداد مث الاطاحة به‪ ،‬والسؤال املطروح أآنذاك فالسعي اىل ادلميقراطية اصطبغت يف أأحداث‬
‫الثورة ابدلماء والتقلب ‪ ،‬فهل هذا يعين أأن فكرة ادلميقراطية سطحية ال تصل اىل اجلذور‪ ،‬و أأهنا مل تفرض بعد‬
‫وجودها رمغ التجارب ا ألوىل‪ ،‬وهذا ال يرجع النقص يف الفكر ادلميقراطي ذاته بل ألن ا ألرض يف أأوراب مل تهتيأأ‬
‫لها بعد؟‬
‫الفكر الس يايس مل يفقد اميانه ابدلميقراطية كهنج للحمك حيقق للفرد كامل وجوده يف ادلوةل‪ ,‬جفاء الفكر‬
‫الس يايس ليدرس مناء ادلميقراطية وحقيقهتا من الناحية التطبيقية ‪ ،‬خارج أأوراب للتعرف عىل الظروف‬
‫والوسائل اليت ساعدت عىل تطبيقها ‪ ,‬من أأجل تطبيقها من جديد يف أأوراب ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫هذه ادلعوة سيتصدى لها أألكيس دوتكفيل يف كتاب حول "ادلميقراطية يف أأمرياك" اذلي نرشه يف ابريس بني‬
‫عام ‪ 1835‬وعام ‪.184 0‬‬
‫رحةل دوتكفيل اىل أأمرياك ‪:‬‬
‫يوم ‪ 10‬ماي ‪ 1831‬اكن شاابن فرنس يان وهام قاضيان يطأآن الشاطئ ا ألمرييك يف نييويورك وهام دوتكفيل‬
‫وبومون اذلي اكن معاوان للنيابة ‪.‬‬
‫اس تعراض ظروف الهجرة ( ثورة‪ )1838‬عودة أأرسة أأل بوبون ‪ /‬عدم منارصة عائةل دو تكفيل ) ‪.‬‬
‫‪ -‬طلب بعثة دراسة اىل أأمرياك حول موضوع اصالح السجون‬
‫‪ -‬بعد العودة من الو‪.‬م اس تقال دوتكفيل احتجاجا عىل ترسحي بومون‪.‬‬
‫‪ -‬واجته يف الكتابة عن رحلته وانطباعاته يف أأمرياك يف أأسلوب خاص ‪.‬‬
‫‪ -‬واختار بني املواد مواضيع لها عالقة مبا تسعى هل بالده فرنسا يف امليدان الاجامتعي والس يايس وهو حتقيق احلرية‬
‫واملساواة‪ :‬حيث جاء عنوان كتابه جيمل " ادلميقراطية يف أأمرياك "‪.‬‬
‫‪ -‬يف يناير ‪ 1835‬نرش اجلزء ‪I‬من كتابه – فانترش اكلربق ( موقف االقراء – كام ترمج الكتاب خارج فرنسا اىل‬
‫أأكرث اللغات ‪ ،‬و أأجعب ا ألمريكيون بدوتكفيل اذلي قىض بيهنم أأقل من س نة واس تطاع أأن يمل بأأفاكرمه وطبيعة‬
‫مؤسساهتم‪.‬‬
‫‪ -‬أأما الاجنلزي فأأغد قوا عليه الثناء ر أأوا أأنه مكثل مونتسكيو واحد من أأولئك الارس تقراطيني ا ألحرار كام تلقوه‬
‫ابحلفاوة عند وفوده علهيم س نة ‪.1835‬‬
‫‪ -‬ويف س نة ‪ 1836‬تلقى جازة كربى من اجملمع الفرنيس‬
‫‪ -‬ويف عام ‪ 1832‬انتخب عضوا يف جامعة العلوم ا ألخالقية والس ياس ية يف اجملمتع العلمي ‪.‬‬
‫‪ -‬وبعد ظهور اجلزء الثاين عام ‪ 1840‬فقد عد عضوا يف اجملمع العلمي س نة ‪ 1841‬واكن شااب بني اخلادلين العلامء‬
‫ومعره ال يتجاوز ‪ 35‬س نة ‪.‬‬
‫‪ -‬ففي القسم ‪ i‬من الكتاب فقد حبث عن تأأثري ادلميقراطية يف املؤسسات وا ألحداث الس ياس ية ل ألمريكيني ‪.‬‬
‫‪ -‬أأما يف القسم ‪ ii‬املنشور عام ‪ 1840‬فقد حبث يف تأأثري ادلميقراطية عىل ا ألفاكر وا ألحاسيس وا ألخالق اخلاصة‬
‫ل ألمريكيني‪.‬‬
‫‪ -‬مث مض اىل ذكل لكه مثانية فصول اختمت هبا الكتاب ‪ ،‬فأأوجز‬
‫‪ -‬تأأثري ا ألفاكر وا ألحاسيس ادلميقراطية عىل امجلاعة الس ياس ية بوجه عام حيث يدرس ادلميقراطية بصفة عامة‬
‫‪ -‬ان هذه النظرة اليت جاء هبا دوتكفيل اىل اجملمتعات الس ياس ية جاءت متطابقة مع سري التارخي عن الظروف اليت‬
‫اكن يعيش فهيا حيث أأن أأوراب و أأمرياك بد أأت تعرف ظهور اجملمتعات ادلميقراطية املتساوية‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪ -‬فدوتكفيل يعترب أأن املساواة ال احلرية يه املبد أأ احلقيقي لدلميقراطية – وتعترب أأن احلرية يه السعي املفاوض‬
‫الرضوري للمساواة القصوى ‪.‬‬
‫‪ -‬فاكن يعين الرشوراليت تمكن يف املساواة القصوى وا ألخطار اليت أأجنزها عىل البرشية ‪ ،‬ويكشف بلك جترد عىل‬
‫هذه الرشور وا ألخطار ‪ ،‬يبدو و أكهنا تدمع أأعداء ادلميقراطية لوال أأنه ال ينساق مع التشكك وال مع التشاؤم ‪.‬‬
‫‪ -‬ألنه اكن ذا اميان س يايس ابحلرية ابالضافة اىل اميانه ادليين ابلنرصانية‪.‬‬
‫‪ -‬فاحلرية عنده يه رمز الكرامة البرشية ‪ ،‬و أأن ا ألشاكل احلكومية يف نظره ال تعد أأن تكون وسائل تتقارب من‬
‫الكامل أأو تتباعد عنه ابرضاء هذا املبد أأ ( احلرية )‪.‬‬
‫‪ -‬كام يرى أأنه رمغ الارشار املتأأتية من ادلميقراطية واملساواة وا ألخطار اليت تلحقها ابلنوع البرشي فانه توجد‬
‫عالجات ‪ ،‬انكشفت هل طبيعهتا من خالل مشاهداته يف أأمرياك حيث مىض يعرف هبا ‪.‬‬
‫‪ -‬ادلميقراطية وليدة سري التارخي‬
‫يف ر أأي دوتكفيل أأن التارخي يسري بوازع من تيار دميقراطي جارف فالتارخي خيضع منذ ‪ 700‬عام س بقت صدور‬ ‫‪-‬‬
‫الكتاب اىل ما يش به قانون التسوية الن ا ألحداث الكربى منذ احلروب الصليبية اىل ظهور الربوتيس تانية‬
‫وأآاثرهام وان لك املكتشفات أأيضا قد أآلت اىل مصلحة املساواة ضد الامتياز ‪,‬ان ادلميقراطية وليدة التارخي ‪.‬‬
‫ان لك ا ألحداث اليت ترتأآى و أكهنا تشري يف صاحل ادلميقراطية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والناس مجعا يعيشون ادلميقراطية جبهودمه سواء أأاكنوا هيدفون اىل اجنازها فعال أأم اذلين مل يفكروا يف خدمهتا‬ ‫‪-‬‬
‫وسواء اذلين حاربوا من أأجلها أأو ضدها – فان لك هؤالء اكنوا مدفوعني كآالت معياء يف يد هللا ‪ ،‬وقد معلوا‬
‫لكهم معا يف الطريق نفسها – فامنء املساواة يف الرشوط هو اذن من أأحداث العناية االلهية ‪.‬‬
‫فادلميقراطية كام يرى دوتكفيل واليت انترصت عىل امللوك وهو من االقطاعية سوف ترتاجع أأمام البورجوازيني‬ ‫‪-‬‬
‫وا ألغنياء خصوصا و أأهنا أأصبحت قوية و أأعداهئا أأصبحوا ضعفاء ‪.‬‬
‫فا ألمر اذلي أأثر يف دوتكفيل يف الو ‪.‬م هو املساواة يف الرشوط ‪ ،‬حىت لقد سامها ابحلادث املودل اذلي ينحدر‬ ‫‪-‬‬
‫منه لك حادث خاص ‪.‬‬
‫‪ -‬غري أأن هذه املساواة مل تكن قد بلغت هذه احلدود القصوى يف أأوراب وان اكنت أأوراب قد بد أأت جتري حنوها‬
‫برسعة ال تقاوم ( فالثورة اليت تؤول اىل املساواة واليت انطبع هبا سري التارخي واليت معل سفر دوتكفيل يف‬
‫ادراكه لها وتكوين أأفاكره عهنا )‪ ,‬السري حنو املساواة يف الرشوط ويدعو الشعوب النرصانية اىل الاجهتاد قبل‬
‫فوات الآوان يف توجيه حركة ادلميقراطية ( احلرب علها حرب عىل هللا) ‪.‬‬
‫‪ -‬وسيرشع يف وصف العامل اجلديد اذلي توجه فيه ادلميقراطية توجهيا جديدا واذلي حيتاج اىل عمل س يايس جديد‬
‫يعيد النظر يف اجملمتع ادلميقراطي بغية تكوينه وتوجهيه حىت جيلب للناس سعادة أأمسى – ويطلب أأن ينظم وضع‬
‫‪37‬‬
‫التساوي بني ا ألفراد بناء عىل القانون اذلي ينظر اليه ا ألفراد كعمل مث عىل أأيدهيم ويتعلقون حبريهتم وبواهجهتم‬
‫املدنية املقابةل – ووعهيم ادليين املضمون حبريهتم ادلاخلية ‪,‬و لك ذكل يقاومون به أأعامل ادلوةل الاستبدادية‪.‬‬
‫‪ -‬هذا التوجيه العلمي يف اجملمتع ادلميقراطي هو اذلي س يجلب للناس سعادة أأمسى كام ان هناءة العيش س تكون‬
‫أأكرث مشوال مقارنة مع اجملمتعات الارس تقراطية ‪.‬‬
‫هذه اللوحة اليت رمسها دوتكفيل لدلميقراطية مل تكن يف أأوراب اال جمرد فكرة اذ تركت ادلميقراطية لغرائزها‬ ‫‪-‬‬
‫الوحش ية – تنشأأ أأطفال يف شوارع املدينة بدون أأب وال أأم ‪ ،‬ال يعرفون من اجملمتع اال عبوديته ومصائبه ‪.‬‬
‫حياربون احلرية وحياربون ادلين‪ ،‬و أكن ادلين‬ ‫ويتابع دوتكفيل يف قراءة اللوحة ‪ ،‬واختلط ا ألمر أأن رجاال‬ ‫‪-‬‬
‫اذلي ساوى بني الناس ال يرىض أأن يرامه متساوين أأمام القانون ‪ ،‬وكذكل يزداد الفقري والغين كرها بيهنام –‬
‫ويرى أأن أأوراب قريبة من مسافة تثبيت احلقوق ‪ ،‬ويثق دوتكفيل بأأن هللا هيئي للمجمتعات ا ألوربية مصريا أأكرث‬
‫ثبات يقول ‪ ":‬اين أأفضل بأأن أأشك يف أأنواري عىل أأن أأشك بعداةل هللا"‪.‬‬
‫ويعترب أأن الو ‪ .‬م تقدم للعامل صورة للامنء السلمي بيرس وسهوةل وتطرق دوتكفيل اىل أأن س يطرة هوى املساواة‬ ‫‪-‬‬
‫عىل هوى احلرية عند ا ألمريكيني فهم حيبون احلكومة اليت يسهرون عىل انتخاب رئيسها ويراقبون أأعاملها‪,‬‬
‫وحتدث عن املتعة اليت حتدهثا املساواة دلى لك انسان ‪,‬فالناس يطلبون املساواة يف احلرية ‪ ،‬وان مل يس تطيعوا‬
‫فاهنم يريدوهنا حىت يف العبودية ‪.‬‬
‫ويعترب دوتكفيل أأن املساواة الاجامتعية تؤدي حامت اىل املساواة الس ياس ية – وهذه ا ألخرية تمتثل يف س يادة‬ ‫‪-‬‬
‫اجملمتع أأي التساوي يف احلمك أأو السلطة الواحدة عىل امجليع ‪ ,‬اال أأن ا ألمريكيني حسب دوتكفيل حالوا دون‬
‫اخلضوع لس يد واحد‪ ،‬و أأسسوا ودمعوا س يادة الشعب اىل تكوين القوانني ابختيار املرشعني وتطبيقها ابنتخاب‬
‫السلطة التنفيذية ‪.‬‬
‫ان الشعب هو اذلي حيمك يف أأمرياك – اهنا سلطة الأكرثية تقوم عىل أأساس املساواة – لكهنا سلطة مطلقة –‬ ‫‪-‬‬
‫طغيان الأكرثية ‪.‬‬
‫‪ -‬ا ألمر اذلي يدعو للنظر يف عيوب ادلميقراطية ‪ :‬واليت تظهر من خالل النظر يف ‪:‬‬
‫‪ -‬أأ‪ -‬يف الفكرة والآراء " ا ألمرييك يرى السلطة يف الأكرثية اليت يقف عندها الاس تقالل الفردي ‪ ،‬هذا اجملموع (‬
‫الأكرثية ) مييل معتقداته ويعمق انفاذها اىل ا ألرواح بصورة الضغط الواسع لفكر امجليع عىل ذاكء لك فرد –‬
‫ا ألمر اذلي يشلك ضغطا عىل حرية الفكر ( احلرية يف حدود هذه ادلائرة)‬
‫‪ -‬يف املشاعر ‪ :‬يف عصور املساواة يوجه لك فرد مشاعره حنو نفسه ولوحده وذكل راجع اىل الفردية ‪ ,‬هذه الفردية‬
‫جتعل لك مواطن ينعزل عن امحلاية مع عائلته و أأصدقائه هذا الشعور غريب عن اجملمتعات ا ألرس تقراطية اليت‬
‫يربط ا ألفراد سلسةل طويةل تتصاعد من الفالح اىل املكل ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -‬يف حني يف ادلميقراطية حتطم هذه السلسةل فتجعل الفرد املواطن يفرغ من لك جوهر ‪ ،‬فالفردية بنت املساواة‬
‫تؤول ابجملمتعات اىل استبداد جديد ‪.‬‬
‫‪ -‬ويقرتح دوتكفيل عالجات لعيوب ادلميقراطية ‪ ,‬واليت تتجه اىل املرض أأال وهو املساواة ‪ ،‬والعالج الفعال هو‬
‫احلرية الس ياس ية ‪ ,‬واال فان االنسانية تبقى همددة ابلوقوع يف الاستبدادية ‪.‬‬
‫‪ -‬وجيب أأن يكون احملرك هو الشعب ( العدد الأكرب) و اقامة املؤسسة احلرة اليت جترب املواطنني عىل نس يان‬
‫شؤوهنم احملضة والاجتاه اىل ا ألمور العامة ‪ ,‬وهذه املؤسسات يه احلرايت احمللية وامجلعيات اخلاصة اليت تتوىخ‬
‫املصلحة العامة ابالضافة اىل ادلين‪.‬يه ابلنس بة للحرية اكملدارس االبتدائية ابلنس بة للتعلمي تأأيت بعد احلرايت‬
‫وقد أأذهلت دوتكفيل يف الو ‪.‬م ابختالف أأغراضها يف ش ىت ا ألعامل وسائر الرشوط ‪.‬‬
‫الحظ دوتكفيل كذكل يف الو ‪ .‬م أأن الفكر املتجدد والفكر املتدين بيهنام توافق كبري عكس أأوراب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فاذا اكن القانون يسمح للشعب ا ألمرييك أأن يعمل لك يشء ‪ ،‬فان ادلين مينعه من أأن يقبل لك يشء و أأن يفعل‬ ‫‪-‬‬
‫لك يشء ‪.‬‬
‫اذن ان ادلميقراطية يه ادلعامة ادلامئة للعامل الس يايس أأما ادلين فهو بنات العامل ا ألخاليق والتوازن اهنا يقوم‬ ‫‪-‬‬
‫ابجامتعهام‪.‬‬
‫وادلين يف الو‪ .‬م مفصول عن الس ياسة وال يتدخل مبارشة يف احلمك الس يايس للمجمتع‪ ،‬وامنا تكون ا ألرواح‬ ‫‪-‬‬
‫وحدها لدلين‬
‫‪ -‬ان ادلميقراطية حتمت املساواة ويف يد الشعوب أأن ترتك املساواة نفوذها اىل العبودية أأو اىل احلرية ‪...‬‬

‫‪39‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬الفكر الس يايس الاشرتايك العلمي‬
‫‪ ‬حملة عن حياة ماركس‪:‬‬
‫_ ودل يف ‪ 5‬مايو ‪ 1818‬ف مدينة ترين بأأملانيا = اكن أأبوه حماميا هيمت ابلفلسفة‪.‬‬
‫_ يف عام ‪ 1824‬اعتنق وادلاه الهيوداين املس يحية = أأصبحت أأرسته بروتس تانتية‪.‬‬
‫_ بعد أأن أأهنيى دراس ته االعدادية يف تريف‪ ،‬أأمكل دراس ته العليا يف جامعات بون وبرلني ويينا‪.‬‬
‫_ درس التارخي والفلسفة وتأأثر هبيغل‪.‬‬
‫_ انضم يف جامعة برلني اىل رابطة الطلبة الثوريني (الهيجليني اليساريني)‪.‬‬

‫_ حصل عىل ادلكتوراه عام ‪ 1841‬من جامعة يينا‪.‬‬

‫_ اجته اىل الصحافة عام ‪ 1842‬وتزوج يف الس نة التالية من ابنة موظف حكويم كبري‪.‬‬
‫_ واهجت جملته بعض الصعوابت من جانب الرقابة‪ ،‬فسافر اىل ابريس مع زوجته حيث تعرف عىل فالسفة‬
‫الاشرتاكية من الفرنس يني‪ ،‬كام تعرف عىل فريديريك اجنلز‪.‬‬
‫_ لكن رسعان ما طرد من فرنسا فذهب اىل بلجياك‪.‬‬
‫_ كتب مع انلجز عام ‪ 1844‬و ‪ 1845‬كتايب "العائةل املقدسة" و "االيديولوجية ا ألملانية"‪.‬‬
‫_ كام أأصدر عام ‪ 1847‬كتيبا ابمس "بؤس الفلسفة" يرد به عىل كتاب الفيلسوف الفرنيس برودون "فلسفة‬
‫البؤس)‪ ،‬ويعترب هذا الكتاب بداية ألفاكره يف تفسريه الاقتصادي للتارخي ولتحديد ا ألساس العلمي لالشرتاكية‪.‬‬
‫_ يف فرباير ‪ 1848‬أأصدر مع اجنلز البيان الش يوعي‪ ،‬اذلي حيتوي عىل خالصة فلسفهتام الاجامتعية‪ ،‬وحيددان‬
‫الطابع الطبقي الاس تغاليل للنظام الر أأساميل‪ ،‬ويدعوان العامل اىل الثورة عليه‪ ،‬من أأجل اقامة اجملمتع الاشرتايك‪،‬‬
‫وقد اكن البيان مبثابة أأول برانمج ألول تنظمي للش يوعيني‪ ،‬مث طرد ماركس من بلجياك بعد اندالع الثورة هناك‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫فعاد اىل أأملانيا‪ ،‬لكنه طرد مهنا كذكل‪ ،‬فذهب اىل لندن‪ ،‬حيث اس تقر هناك اىل أأن مات يف ‪ 14‬مارس‬
‫‪ ،1883‬بعد ‪ 15‬شهرا من وفاة زوجته‪.‬‬
‫_ ابالضافة اىل البحث وادلراسة والكتابة‪ ،‬فان ماركس متزي كذكل ابملشاركة الفعاةل يف خمتلف أألوان النشاط‬
‫الس يايس والاجامتعي والفكري‪.‬‬
‫_ ففي عام ‪ 1859‬أأصدر كتابه نقد الاقتصاد الس يايس‪ ،‬وهو دراسة نقدية لتارخي الفكر الاقتصادي‪.‬‬
‫_ ويف عام ‪ 1864‬جنح ماركس يف تأأسيس "الرابطة ادلولية للعامل"‪.‬‬
‫_ فلقد صاغ هيغل املهنج اجلديل‪ ،‬لكن ماركس أأقامه عىل قدميه‪ ،‬فبدال من أأن يكون الواقع تعبريا عن الفكرة‬
‫(هيغل)‪ ،‬أأصبحت الفكرة تعبريا عن الواقع وانعاكساته‪ ،‬دون أأن يقلل من فاعلية الفكرة يف الواقع كذكل‪.‬‬
‫_ وهكذا أأقام ماركس أأسس املادية اجلدلية‪ ،‬اليت تؤكد أأن وجود املادة سابق عىل وجود الفكر‪ ،‬و أأن العامل‬
‫اخلاريج مس تقل عن اذلهن البرشي‪ ،‬و أأن هذا العامل اخلاريج قابل ألن يعرف ابذلهن معرفة موضوعية يقينية‪،‬‬
‫يزداد يقيهنا ابزدايد التجربة البرشية وتطورها‪.‬‬
‫_ كام طبق ماركس قواعد املهنج اجلديل من تغري وتداخل وتناقض وحتول من المك اىل كيف‪ ،‬عىل خمتلف‬
‫جماالت النشاط البرشي‪ ،‬وعىل التارخي‪ ،‬وانهتيى كذكل اىل اقامة املادية التارخيية‪ ،‬اليت يه عمل قوانني التطور‬
‫الاجامتعي والرصاع الطبقي‪.‬‬
‫_ لقد اس تطاع ماركس أأن ميزي بفضل املادية التارخيية بني مراحل الاس تغالل اخملتلفة يف التارخي البرشي من‬
‫عبودية واقطاعية ور أأساملية‪ ،‬وأأن يكشف قوانني الاس تغالل يف لك مرحةل‪ ،‬و أأن يقف عند املرحةل الر أأساملية‬
‫فيفضح ابلتحليل العلمي متناقضاهتا ادلاخلية‪ ،‬ويؤكد حمتية اهنيارها‪ ،‬وحتدد طريق النضال الجناز هذه املهمة‬
‫التارخيية‪ ،‬وهبذا وضع ماركس أأسس الاشرتاكية العلمية يف مواهجة خمتلف الاشرتاكيات اخليالية‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أأمه مؤلفات ماركس‪:‬‬
‫‪ ‬مسامهة يف نقد فلسفة القانون عند هيغل ‪.1844‬‬
‫‪41‬‬
‫‪ ‬حول املسأأةل الهيودية ‪.1844‬‬
‫‪ ‬البيان الش يوعي (مع اجنلز) ‪.1847‬‬
‫‪ ‬ر أأس املال (مل يمتمه يف حياته) ‪.1864-1876‬‬
‫‪ ‬الاقتصاد الس يايس والفسلفة ‪.1844‬‬
‫‪ ‬العائةل املقدسة ‪.1845‬‬
‫‪ ‬االيديولوجية ا ألملانية(‪)1845-1946‬‬
‫‪ ‬برومري ولويس بوانابرت (‪.)1852‬‬
‫‪ ‬الرصاعات الطبقية يف فرنسا (‪.)1850‬‬
‫‪ ‬مسامهة يف فقد الاقتصاد الس يايس (‪)1859‬‬
‫‪ ‬ا ألجور وا ألسعار وا ألرابح (‪.)1865‬‬
‫‪ ‬خطاب افتتاح ادلولية ا ألوىل (‪.)1864‬‬
‫‪ ‬احلرب ا ألهلية يف فرنسا (‪.)1871‬‬
‫‪ ‬اترخي املذاهب الاقتصادية (‪.)1861-1865‬‬
‫‪ ‬ابالضافة اىل مجموعة كبرية من الرسائل اليت تتناول خمتلف القضااي الس ياس ية والاقتصادية والفكرية السائدة أأثناء‬
‫حياته‪ ،‬وتبادلها مع أأبرز الثوريني يف عرصه‪.‬‬
‫‪ ‬حملة عن حياة اجنلز‪:‬‬
‫_ ودل يف ‪ 28‬نونرب ‪ 1820‬يف "ابرمن" بأأملانيا‪ ،‬وهو ابن أأحد أأحصاب رشاكت النس يج‪ ،‬أأرشكه أأبوه يف أأعامهل‪،‬‬
‫وخاصة يف رشكة الغزل اليت أأنشأأها يف مانشيسرت ابجنلرتا‪ ،‬ومع لك ذكل فان اجنلز مل حيرم من املشاركة يف‬
‫أأحداث عرصه الفكرية والس ياس ية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫_ وعندما بلغ سن ‪ 49‬س نة ختلص من لك الزتاماته العملية واالدارية‪ ،‬وكرس حياته للنشاط الس يايس‬
‫والفكري‪.‬‬
‫_ اشرتك عام ‪ 1841‬يف رابطة الهيغليني اليساريني‪ ،‬واكن مثل ماركس متأأثرا بفلسفة هيغل‪.‬‬
‫_ اشرتك مع ماركس يف عدة أأعامل فكرية‪ ،‬يفضحان فهيا احملاوالت الفكرية لطمس الرصاع الطبقي‪ ،‬وادلعوة اىل‬
‫املهادانت الطبقية ملصلحة البورجوازية‪.‬‬
‫_ ويف عام ‪ 1854‬أأصدر كتابه املشهور عن "حاةل الطبقة العامةل االجنلزيية عام ‪."1844‬‬
‫_ أأسهم مع ماركس يف النضال من أأجل انشاء الرابطة ادلولية للعامل عام ‪.1864‬‬
‫_ ويف عام ‪ ،1878‬نرش كتابه املوسوعي "ضد دوهرنغ" اذلي يعترب أأمعق توضيح نظري للنظرية املاركس ية‬
‫سواء يف جوانهبا الفلسفية والاقتصادية أأو الاجامتعية‪ ،‬كام عكف عىل دراسة العلوم الطبيعية والرايضية‪،‬‬
‫وخرج من هذه ادلراسة بكتابه عن جدليات الطبيعة" اذلي مات قبل أأن يمكهل‪.‬‬
‫_ وبعد موت ماركس معل عىل اصدار اجلزء الثاين (‪ )1885‬والثالث ‪ 1894‬من ر أأس املال‪.‬‬
‫_ كام أألف كتابه " أأصل العائةل وامللكية اخلاصة وادلوةل"‪ ،‬اذلي يعترب من أأرىق التطبيقات دلراسة اجملمتعات‬
‫القدمية ونشأأة ادلوةل‪.‬‬
‫_ كام أأصدر س نة ‪ 1888‬كتابه "فيورابخ" (الفلسفة ا ألملانية التقليدية) اذلي مزي فيه بني القوانني املوضوعية يف‬
‫جمال الطبيعة ويف جمال التارخي‪ ،‬وحدد ادلالةل العلمية للفلسفة وبلور املبادئ ا ألساس ية للامدية اجلدلية واملادية‬
‫التارخيية‪.‬‬
‫_ ولقد قام ماركس بكثري من التوضيحات البالغة ا ألمهية للنظرية‪ ،‬ومن أأمه مؤلفاته‪:‬‬
‫_ حاةل الطبقة العامةل االجنلزيية ‪.1878-1844‬‬
‫_ معارضة دوهرجن‪.‬‬
‫_ جدليات الطبيعة‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫_ فيورابخ وهناية الفلسفة ا ألملانية التقليدية وابالشرتاك مع ماركس‪.‬‬
‫_ العائةل املقدسة ‪.1844‬‬
‫_ االيديولوجية ا ألملانية ‪.1845‬‬
‫‪ ‬حملة عن حياة لينني (فالدميري أأليتش)‪:‬‬
‫_ ودل لينني يف ‪ 22‬أأبريل ‪ 1870‬يف "مسربسك" يف روس يا‪ ،‬واكن وادله "اليانيكواليفتش أأوليانوفسك" انظر‬
‫مدرسة‪ ،‬مث أأصبح مفتشا للمدرسة العامة يف منطقة مسربسك‪ ،‬واكنت وادلته ابنة طبيب‪.‬‬
‫_ واكن أأخوه الأكرب الكس ندر طالبا يف اجلامعة‪ ،‬وانضم اىل جامعة تعمل من أأجل احلرايت الس ياس ية‬
‫للشعب‪ ،‬عن طريق الاغتيال الس يايس‪ ،‬واشرتك الكس ندر لقتل القيرص فقبض عليه و أأعدم يف س نة ‪.1887‬‬
‫_ فاهمت لنني ابلنضال الس يايس يف حياته اجلامعية‪ ،‬لكنه مل يتجه اىل الاغتيال وامنا اىل النضال الثوري املنظم‪،‬‬
‫واكن قد التحق ابجلامعة دلراسة القانون عام ‪ 1887‬وفصل مهنا لنشاطه الطاليب‪ ،‬اال أأنه متكن من احلصول عىل‬
‫درجة يف القانون عام ‪ 1891‬من جامعة سانت بطرسربج كطالب منتسب‪.‬‬
‫_ عكف لنني عىل دراسة املاركس ية حىت أأصبح متعمقا فهيا‪.‬‬
‫_ ولقد متكن عام ‪ 1895‬من جتميع احللقات املاركس ية ببطرس بريج يف تنظمي موحد هو "عصبة النضال من أأجل‬
‫حترير الطبقة العامةل"‪ ،‬ويعترب هذا التنظمي هو البداية احلقيقية للحزب الش يوعي يف روس يا‪.‬‬
‫_ واكنت أأول اسهاماته الفكرية هو كتابه "من أأمه أأصدقاء الشعب"‪ ،‬ويف هذا الكتاب يدحض طريق‬
‫الاغتيال‪ ،‬ويدعو اىل طريق الثورة العلمية‪ ،‬اذلي تقوم عىل توعية الطبقة العامةل‪ ،‬وتنظميها تنظامي يكفل لها قيادة‬
‫مجيع القوى ادلميقراطية ا ألخرى‪.‬‬
‫_ ويف عام ‪ 1895‬قبض عىل لينني مث نفي اىل س يبرياي‪ ،‬عىل أأن وجود لينني ابملنفى مل مينعه من االتصال‬
‫ابحلركة الثورية ومتابعهتا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫_ واكنت املشلكة اليت تواجه احلركة يه توحيدها فكراي وتنظميها‪ ،‬ولهذا ففي مارس ‪ 1898‬اجمتع ممثلو‬
‫التنظاميت املاركس ية اخملتلفة من أأجل بناء تنظمي ماركيس موحد‪ ،‬ولقد جنحوا يف انتخاب جلنة مركزية‪ ،‬واصدار‬
‫بيان هام حيدد أأهدافه الرئيس ية‪.‬‬
‫_ ورمغ موافقة لينني‪ ،‬اال أأنه بني فيه اجتاها حنو تغليب النضال الاقتصادي يف حركة الطبقة العامةل‪ ،‬واغفال‬
‫النضال الس يايس‪ ،‬كام أأنه مت القبض عىل أأعضاء اللجنة املركزية املنتخبة‪ ،‬وبرزت احلاجة من جديد اىل قيادة‬
‫فكرية وتنظميية‪.‬‬
‫_ ويف فرباير عام ‪ 1900‬انهتت مدة النفي و أأفرج عن لينني‪ ،‬فبد أأ مرحةل حامسة من حياته من أأجل توحيد‬
‫املاركس ية يف حزب طليعي جديد‪ ،‬واحض ا ألهداف الثورية‪.‬‬
‫_ وغادر لينني روس يا‪ ،‬و أأخذ ينتقل بني سويرسا و أأملانيا وابريس ولندن‪ ،‬وتساءل لينني عن احللقة الرئيس ية‬
‫لتحقيق هذا احلزب‪ ،‬واكنت االجابة يه "اجملةل"‪ ،‬ولهذا قرر أأن تكون " أأسكرا" أأي الرشارة يه الوس يةل لدلعوة‬
‫اىل احلزب اجلديد‪ ،‬وللربط بني خمتلف التنظاميت املاركس ية‪ ،‬متهيدا لتوحيدها‪.‬‬
‫_ ويف هذه ا ألثناء اختذ لينني امسه الرسي "لينني" اذلي ارتبط به وغلب عىل امسه احلقيقي‪.‬‬
‫_ و أأمه ما كتبه لينني يف هذه الفرتة كتابه "ما العمل؟" اذلي ينتقد فيه أآراء الاقتصاديني ويؤكد فيه أأن القضية‬
‫ليست قضية حتقيق أأهداف اقتصادية للطبقة العامةل وامنا تغيري جذري للمجمتع وادلوةل‪ ،‬فالبد من قيام حزب‬
‫يقوم عىل النظام اجلديد‪ ،‬ويكون مكوان من الثوريني احملرتفني‪.‬‬
‫_ ويف يوليوز غشت ‪1903‬م انعقد املؤمتر الثاين للحزب الاشرتايك ادلميقراطي يف روس يا‪ ،‬ومت فيه اقرار الحئة‬
‫للحزب وبرانجمه‪ ،‬ويف هذا املؤمتر احتدمت أأوىل املعارك النظرية بني لينني وخصومه حول رشوط عضوية‬
‫احلزب وحول قيادة الطبقة العامةل للثورة‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫_ وبرز جناحان البولشفيك أأي ا ألغلبية ومه أأنصار لينني‪ ،‬وجناح املنشفيك أأي ا ألقلية‪ ،‬وقد ظلت هذه‬
‫اخلصومة وهذا الرصاع يف احلركة املاركس ية الروس ية حىت صفيت بأأنصار الثورة ‪ 1917‬واندحار أأفاكر‬
‫املنشفيك‪.‬‬
‫_ وقد أأصدر لينني طائفة من الكتب لتدعمي مفهوم احلزب اجلديد‪ ،‬وحتديد معامل البورجوازية ادلميقراطية اليت‬
‫متهد للثورة الاشرتاكية‪ ،‬ومن هذه الكتب‪" :‬تكتياكن" "وخطواتن اىل ا ألمام وخطوة اىل اخللف" مث كتابه‬
‫الفلسفي "املادية والنقدية التجريبية" اذلي أأصدره عام ‪ ،1909‬مطورا به املاركس ية يف ضوء منجزات العمل‬
‫احلديث‪ ،‬مطهرا هذه النظرية من لك حماوالت املراجعة والتحريف‪.‬‬
‫_ ومل يقف رصاع لينني الفكري داخل روس يا أأو داخل حزبه‪ ،‬بل امتد اىل جهبة الفكر االشرتايك يف أأوراب‪،‬‬
‫وقد احتدم الرصاع عند اعالن احلرب العاملية ا ألوىل‪ ،‬حيث رفع لينني شعار "احلرب ضد احلرب"‪ ،‬وفضح‬
‫حقيقة احلرب عىل املس توى الاقتصادي والس يايس‪ ،‬وحدد هبذا املرحةل اجلديدة من مراحل تطور الر أأساملية‬
‫ويه مرحةل الاحتاكر واالس تعامر‪ ،‬واكتشف قانون التطور بني ادلول الر أأساملية اخملتلفة‪ ،‬وهبذا تنبأأ ابماكنية قيام‬
‫الثورة الاشرتاكية وجناهحا يف دوةل واحدة يه أأضعف حلقات السلسةل الاس تعامرية‪.‬‬
‫_ واكن لينني خمتلفا مع تن ِبؤات ماركس واجنلز‪ ،‬وهكذا أأعلن لينني نضج ا ألوضاع الثورية يف روس يا‪ ،‬وقاد‬
‫الثورة برباعة فائقة عىل أأسس معلية وس ياس ية‪.‬‬
‫_ ولقد اكنت الثورة يف البداية بورجوازية دميقراطية عند قياهما يف فرباير ‪ 1917‬واكدت نتيجة ملؤامرات‬
‫املنشفيك أأن تتجمد عند هذا احلد‪ ،‬لوال يقظة لينني فدفع هبا اىل أأن تواصل طريقها حىت حتقق مرحلهتا الثانية‬
‫وتقمي أأول دوةل للعامل يف التارخي يف أأكتوبر من العام نفسه‪.‬‬
‫_ ولقد أأضاف لينني أأفاكرا كثرية لنظرية ماركس واجنلز‪ ،‬ومهنا مرحةل انتقال الر أأساملية اىل الاحتاكر‬
‫والاس تعامر‪ ،‬وتربز أأمه اضافاته يف نظرية احلزب‪ ،‬والتحالف بني العامل والفالحني‪ ،‬وحل مشلكة القوميات‬

‫‪46‬‬
‫وديكتاتورية الربوليتاراي وربطه بني الثورة الاشرتاكية وحراكت التحرر الوطين‪ ،‬وحتليهل لالحتاكر فضال عن‬
‫حتليالته الفلسفية القمية‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أأمه مؤلفاته‪:‬‬
‫‪ ‬من مه أأصدقاء الشعب "‪."1894‬‬
‫‪ ‬تطور الر أأساملية يف روس يا "‪"1899‬‬
‫‪ ‬ما العمل؟‬
‫‪ ‬خطواتن اىل ا ألمام‪."1904" ...‬‬
‫‪ ‬املادية والنقد التجرييب ‪.1909‬‬
‫‪ ‬االمربايلية أأعىل مراحل الر أأساملية "‪."1917‬‬
‫‪ ‬ادلوةل والثورة ‪.1917‬‬
‫‪ ‬ديكتاتورية الربوليتاراي واملرتد اكوتسيك ‪.1919‬‬
‫‪ ‬اليسارية مرىض الطفوةل الش يوعي ‪.1920‬‬
‫‪ ‬رسائل اىل املؤمتر ‪.1923‬‬
‫‪ ‬كتاابت فلسفية‪.‬‬
‫‪ ‬ابالضافة اىل مجموعة كثرية من املقاالت والرسائل واخلطب والقرارات واملذكرات ويتلخص حمتوى الفكر املاركيس‬
‫يف‪:‬‬
‫‪ .1‬نظرية املادية اجلدلية‪.‬‬
‫‪ .2‬نظرية املادية التارخيية‪.‬‬
‫‪ .3‬نظرية الاقتصاد الس يايس (انظر مادة الاقتصاد الس يايس)‪.‬‬
‫‪ .4‬النظرايت الس ياس ية‪ :‬الربوليتاراي‪ ،‬نظرية احلزب‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫نظرية املادية اجلدلية ‪:‬‬ ‫‪-I‬‬
‫‪ -1‬املادية اجلدلية والفلسفة‪:‬‬
‫ان الفلسفة املاركس ية هتدف اىل اعطاء تفسري للعامل عىل ضوئه تنكشف املعايري املوضوعية لتطور‬
‫اجملمتع البرشي‪ ،‬وهتدف اىل الاس تعانة هبذا التفسري عىل تغيري العامل تغيريا ثوراي‪.‬‬
‫كام أأن الفلسفة املاركس ية تضع يف يد الربوليتاراي سالحا قواي‪ ،‬عندما تزودها مبعرفة قواعد التحويل الثوري‬
‫للواقع‪.‬‬
‫واذا اكن الفكر املاركيس اس تقى من الزناعات املادية الفلسفية ("لوسيب" و دميقريط" و"فيورابخ"‪ )...‬اال أأهنا‬
‫بقيت يف حدود نزعة مادية بدائية‪ ،‬أأخذ علهيا ماركس واجنلز ما ييل‪:‬‬
‫_ اهنا ال تعرف سوى شلك واحد من أأشاكل حركة املادة يه احلركة املياكنيكية واهنا حتاول ارجاع لك امليادين‬
‫الطبيعية مبا فهيا احلياة واجملمتع اىل س ياق مياكنييك‪.‬‬
‫_ اهنا ذات طابع ميتافزييقي ينظر اىل الطبيعة عىل أأهنا مجموعة متنوعة من ا ألشاكل الهنائية الثابتة‪.‬‬
‫_ اهنا اكتفت بتفسري الطبيعة من وهجة نظر مادية ومل تعمم ذكل عىل التارخي‪ ،‬فبقيت تعترب ا ألفاكر القوة اليت‬
‫حتدد تطور اجملمتع‪.‬‬
‫فاملادية اجلدلية جتاوزت هذه املادية البدائية بوضعها للمفهوم املادي للتارخي‪ ،‬ويفضل اعامتدها عىل‬
‫الطريقة اجلدلية‪ ،‬كام جتاوزت املفهوم املثايل عن العامل دلى الاشرتاكيني أأشاكل س ميون وبرودون وواوين‪،‬‬
‫وجعلت من الاشرتاكية مرحةل حمتية من املراحل املوضوعية لسري التارخي ال جمرد حتقيق ملثل أأعىل‪.‬‬
‫وجتاوزت كذكل نظرية الاقتصاد الس يايس الاجنلزيي دلى أآدم مسيت ورياكردو الذلين اكان ينظران اىل النظام‬
‫الر أأساميل عىل أأنه حقيقة ميتافزييقية‪ ،‬وشلك خادل جامد من أأشاكل اجملمتع البرشي‪ ،‬دون أأن ينتهبا اىل الطابع‬
‫املؤقت لهذا النظام‪.‬‬
‫من خالل هذا لكه نس تطيع أأن نتبني خاصيتني رئيس يتني للفلسفة املاركس ية‪:‬‬
‫‪48‬‬
‫_ الوحدة بني النظرية واملامرسة‪.‬‬
‫_ الالزتام الفكري والعلمي‪.‬‬

‫حفسب ماركس تكون الربوليتاراي يه الطبقة اليت متكل املس تقبل وتكون املصاحل اذلاتية للربوليتاراي‪ ،‬متطابقة مع‬
‫السري املوضوعي للتارخي‪ ،‬ذلكل فان لينني يف رده عىل بعض املاركس يني الروس يقول‪" :‬ان املاركس ية تتضمن الالزتام‬
‫والتحزب‪ ،‬فنحن حني حبمك عىل أأمهية ظاهرة ما‪ ،‬ننظر الهيا مبارشة من خالل وهجة نظر فئة اجامتعية حمددة"‪.‬‬

‫وهذا ما حيول والفكر البورجوازي دون رؤية حركة التارخي‪ ،‬وابلتايل دون فهم العامل فهام حصيحا‪ ،‬فالربجوازية‬
‫اليت ينرصف مهها اىل االبقاء عىل النظام الراهن للعامل جتنح ابجتاه عقلية ميتافزييقية تتجاهل احلقائق املوضوعية اليت تسري‬
‫ضد مصاحلها‪ ،‬وحتاول أأن تسخر فكرها ليك تغطي وتربر اس تغالل امجلاهري الاكدحة‪.‬‬

‫ذلكل فان الفلسفة املاركس ية يه فلسفة الطبقة الاكدحة‪ ،‬ويه ال تس تطيع أأن تتصور اماكنية قيام فلسفة حيادية‬
‫وغري متحزبة‪ ،‬ألن لك نظرية يف ر أأهيا تعكس مصاحل هذه أأو تكل من الطبقات والبد أأن تكون متحزبة‪.‬‬

‫والتحزب الوحيد املرشوع هو التحزب للربوليتاراي‪ ،‬بسبب تطابق مصاحلها اذلاتية مع التطور املوضوعي للواقع‪ ،‬فاملشلكة‬
‫احلقيقية ابلنس بة للفلسفة املاركس ية ليست مشلكة هامة يف ذاهتا‪ ،‬وال تصبح هامة اال مبقدار ما تسمح ابلعمل اجملدي‬
‫الفعال‪ ،‬ذلكل فاهنا ليست عقيدة بل يه دليل للعمل‪ ،‬وينجم عن هذا املبد أأ أأن املاركس ية ليست ذات طابع جامد‬
‫مطلق‪ ،‬بل يه قابةل ألن تمكل مبعارف جديدة مس متدة من التجارب اجلديدة‪ ،‬عىل أأن هذه التجارب اجلديدة ال ميكن أأن‬
‫تؤول اىل رفض املضامني ا ألساس ية للنظرية املاركس ية‪ ،‬بل تضع املبادئ املاركس ية موضوع التطبيق العميل وتكيفها مع‬
‫ا ألوضاع واملعطيات اجلديدة يف ا ألزمنة احلديثة‪ ،‬وتسمح لطبقة الربوليتاراي أأن جتابه برسعة لك موقف جديد‪ ،‬و أأن‬
‫تستبق اخلطوط العامة للتطور املقبل‪ ،‬وبذكل تشلك املاركس ية ا ألساس العلمي لس ياسة مؤزورة ابلنرص‪ ،‬قامئة عىل‬
‫معرفة القوانني املوضوعية لتطور التارخي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ان "املاركس ية" ترى أأخريا أأن املبادئ ا ألساس ية اليت تنطلق مهنا ال تصح فقط عىل التطور الاجامتعي‪ ،‬بل‬
‫تنطبق عىل تطور الطبيعة وتطور الفكر البرشي عىل الصعيد العلمي والفين‪.‬‬
‫‪ -2‬ثنائية املادية واملثالية‪:‬‬
‫ان القضية ا ألساس ية يف لك فلسفة وخاصة يف الفلسفة احلديثة‪ ،‬كام يقول اجنلز‪ ،‬يه قضية العالقة بني‬
‫الاكئن وبني الفكر‪.‬‬
‫فالفالسفة اذلين قالوا بأأس بقية الفكر عىل الطبيعة‪ ،‬يشلكون معسكر (املثالية) أأما الذلين اعتربوا الطبيعة‬
‫العنرص ا ألول ا ألصيل فقد ارتبطوا ابملدرسة املادية يف خمتلف أأشاكلها‪ ،‬فبالنس بة للزنعة املادية يشلك الاكئن‬
‫والطبيعة العنرص ا ألول‪ ،‬أأما الفكر فهو مظهر من مظاهر هذا العنرص ا ألول ومش تق من مش تقاته‪ ،‬أأما ابلنس بة‬
‫للمثالية فميثل الفكر املاكن ا ألول‪.‬‬
‫وهكذا فان للك من املادية واملثالية معنيني‪ ،‬فلكمة مادية لها مدلوالن فهيي ميكن أأن تعين النظرية اليت تقول بأأن‬
‫الطبيعة يه اليت تودل الفكر‪ ،‬وميكن أأن تعين (نظرية املعرفة) اليت تقول بأأن موضوع املعرفة ( أأي الوجود‬
‫املس تقل عن الفكر)‪ ،‬هو اذلي حيدد فعل املعرفة ( أأي الفكر)‪ ،‬كام أأن لكمة "مثالية" ميكن أأن تعين النظرية‬
‫اليت مبوجهبا يدل الفكر الطبيعة‪ ،‬كام تعين أأيضا النظرية اليت تقول بأأن الاكئن ( أأي موضوع املعرفة) امنا يتحدد‬
‫بفعل املعرفة أأي ابلفكر‪.‬‬
‫ان االيديولوجية املاركس ية ترجع مجيع الفلسفات اىل مصدرين املثالية واملادية وتلحق هبام احدى‬
‫اخلاصيتني‪ :‬اجلدلية أأو امليتافزييقية‪ ،‬فلك فلسفة تعترب ا ألش ياء من خالل حركهتا وس ياقها وتناقضاهتا‪ ،‬يه فلسفة‬
‫جدلية وعىل العكس فان لك فلسفة البد أأن تكون ميتافزييقية عندما تنظر اىل ا ألش ياء معزوةل عن بعضها‬
‫واثبتة ال تتحول‪.‬‬
‫وهكذا ميكن أأن نعرث حسب تصنيف الفلسفة املاركس ية عىل أأربعة مناذج ويه‪ :‬الفلسفة املثالية‬
‫امليتافزييقية واملثالية اجلدلية واملادية امليتافزييقية واملادية اجلدلية‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫أأما الفلسفة البورجوازية املعارصة ابجتاهاهتا الرئيس ية الثالثة‪ :‬الوجودية والوضعية والتوماتية اجلديدة ( أأي فلسفة توما‬
‫الاكويين)‪ ،‬فهيي تندرج حتت مفهوم الفلسفة املثالية‪.‬‬

‫‪ -3‬مفهوم املادة‪:‬‬
‫جند أأنفس نا داخل العامل اذلي حييط بنا‪ ،‬أأمام أأش ياء ميتة بعضضها صلب وبعضها رخو‪ ،‬مهنا ما هو ضئيل‬
‫ومهنا ما هو خضم‪ ،‬تؤلف مبجموعها ما نسميه الطبيعة‪ ،‬فعىل الرمغ من تنوع هذه ا ألجسام الطبيعية‪ ،‬فاهنا متكل‬
‫خطأأ عاما مشرتاك جيمعها وهو كوهنا موجودة وجودا مس تقال عن الشعور وخارجا عنه‪.‬‬

‫أأما شعور االنسان ووعيه‪ ،‬فقد وجد يف مرحةل من مراحل تطور الطبيعة‪ ،‬وهام يف ر أأي املاركس ية نتاج‬
‫الطبيعة نفسها‪ ،‬ذلكل فان الفلسفة املاركس ية تقول بأأولوية املادة عىل الشعور والوعي‪.‬‬

‫ولكن ما يه هذه املادة؟‬

‫لقد مزي ماركس بني اجتاهني داخل النظرايت املادية للقرن ‪:18‬‬
‫‪ ‬الاجتاه ا ألول يصدر عن دياكرت وحيمل تصورا أآليا مياكنيكيا عن العامل‪.‬‬
‫‪ ‬والآخر تيار اجامتعي يتعلق جبون لوك‪ ،‬يؤكد عىل أأمهية البيئة وعىل ا ألصل املادي لالحساسات وا ألفاكر‪،‬‬
‫وماركس يعترب نفسه ممكال للتيار ا ألخري‪.‬‬
‫فيؤكد أأولوية الاختيار احملسوس القامئ عىل العالقة اجلدلية بني االنسان والطبيعة ويف عهد مؤسيس املاركس ية‬
‫(ماركس واجنلز) مل يكن مفهوم املادة يثري اشاكال‪ ،‬اذ أأن علوم الطبيعة اكنت يف ذكل العرص تعترب املادة مؤلفة‬
‫من جواهر ساكنة غري قابةل لالنقسام أأو الاخرتاق‪ ،‬لكن تطور العلوم الطبيعية‪ ،‬كشف أأن اجلواهر نفسها‬
‫مؤلفة من جزئيات يه االلكرتوانت‪ ،‬وقد قاد هذا الاكتشاف اىل امليض يف دراسة تركيب املادة واىل التوصل‬
‫اىل اكتشاف مكوانت أأصغر من االلكرتوانت‪ ،‬وابلتايل اىل ارجاع تركيب املادة اىل طاقات ال حتمل من‬
‫ا ألوصاف املادية املأألوفة شيئا‪ ،‬فاكن البد أأن يؤدي ذكل اىل خلق أأزمة يف قلب الزناعات املادية الفلسفية‪ ،‬وأأن‬

‫‪51‬‬
‫يشري هذا الاجتاه اعادة النظر يف مفهوم املادة اهامتم لينني‪ ،‬و أأن ينرصف املفكرون املاركس يون اىل اجياد تعريف‬
‫جديد للامدة‪.‬‬
‫ففي كتابه "املادة والزنعة الاختيارية النقدية"‪ ،‬ينطلق لينني من أأن التطور احلديث يف الفزيايء قد‬
‫يشلك خطرا عىل املادية امليتافزييقية اليت تطرح مشلكة اجلوهر الصمميي والسكن للامدة وليس عىل املادية‬
‫اجلدلية‪ ،‬اليت ال تفتش عن ماهيات جامدة بل تفهم العامل عىل أأنه حركة مس مترة دامئة ختضع لتبدالت اثبتة‪.‬‬
‫ذلكل فان لينني يعترب أأن لك مبد أأ علمي خاص برتكيب املادة وخواصها ال ميكل اال قمية نسبية وتقريبية‪ ،‬ويعرف‬
‫املادة اكلتايل‪:‬‬
‫"ان املادة مقوةل فلسفية من شأأهنا أأن حتدد احلقيقة املوضوعية كام تبدو للحواس وتؤثر علهيا"‪ ،‬وهذه املادة‬
‫تؤخذ يف حقيقهتا املتحركة ال يف مظهرها الساكن ألن احلركة يه احدى اخلواص الرئيس ية الهامة للامدة‪ ،‬فهيي‬
‫تنطوي عىل جزئيات يف حاةل حركة دامئة‪ ،‬وا ألجسام توجد عىل ا ألرض اليت يه يف حاةل حركة دامئة ودوران‬
‫حول الشمس اليت تنتقل بدورها مع مجموعة النظام الكوكيب‪ ،‬فاحلركة ليست صفة عرضية للامدة بل يه خاصية‬
‫نوعية من خواصها‪ ،‬بل يه الصفة ا ألولية لوجود املادة‪.‬‬
‫واملادية ادلايليكتيكية ال تكتفي بتعريف احلركة بأأهنا جمرد التبدل يف املاكن بل تعتربها كام اعتربها أأرسطو‪ ،‬بأأهنا‬
‫عىل وجه العموم (لك حتول يطر أأ)‪ ،‬فهناك اىل جانب احلركة املياكنيكية ( أأي التحول يف املاكن)‪ ،‬احلركة‬
‫الفزيايئية (داخل اجلوهر)‪ ،‬واحلركة الكاميوية (التفاعالت)‪ ،‬واحلركة البيولوجية واحلركة الاجامتعية (العالقات‬
‫الاجامتعية واترخي اجملمتع البرشي)‪ ،‬وهذه ا ألشاكل اخملتلفة تشلك وحدة ال تنفصم دلى الاكئن احلي‪.‬‬
‫اذن فاملادة واحلركة تشالكن وحدة ال تنفصم دلى الاكئن احلي‪:‬‬
‫أأما اخلاصية الرئيس ية الثانية للامدة‪ ،‬فهيي (ال هنائيهتا) فاملادة ال متناهية واخلاصية الثالثة اليت متزي املادية‬
‫اجلدلية تتلخص يف كون املادة (غري قابةل للنفاذ)‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ان مفهوم املادة حسب املادية اجلدلية‪ ،‬جيعل مهنا وجودا مس تقال ال عن الشعور الفردي وحده‪ ،‬بل‬
‫عن لك شعور بوجه عام وهو يلزتم مبفهوم الوحدة املادية للعامل‪.‬‬
‫فالعامل واحد‪ ،‬وعاملنا يف نظر املادية اجلدلية هو وحده املوجود‪ ،‬فهيي من هجة تنكر الثنائية‪ ،‬ويه من هجة اثنية‬
‫ال تعرتف بوجود ما ليس ماداي‪.‬‬

‫‪53‬‬

You might also like