Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 416

‫فقه‬

‫الهندسة المالية اإلسالمية‬


‫درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية‬

‫�إعداد‬
‫د‪.‬مرضي بن مشوح العنزي‬

‫الطبعة الأوىل‬
‫‪1436‬هـ ‪2015 /‬م‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪3‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫احلم ��د هلل رب العامل�ي�ن ‪ ،‬وال�ص�ل�اة وال�سالم عل ��ى نبينا حممد وعل ��ى �آله و�صحبه‬
‫�أجمعني‪ .‬وبعد ‪.‬‬
‫ف�إن العمل على ن�شر الر�سائل العلمية يف الدرا�سات ال�شرعية من الأمور ذات الأهمية‪،‬‬
‫والدرا�سات ال�شرعية يف خمتلف تخ�ص�صاتها تعالج ق�ضايا مهمة متعلقة مبختلف �شو�ؤن‬
‫احلي ��اة ‪ ،‬وحر�ص ًا م ��ن اللجنة املنظمة مللتق ��ى ( كلية ال�شريعة والدرا�س ��ات الإ�سالمية ‪،‬‬
‫م�س�ي�رة و�إجن ��از ) على �إبراز جه ��ود الكلية يف جمال الدرا�سات العلي ��ا فقد ر�أت طباعة‬
‫ع ��دد من الر�سائل العلمية يف مرحلتي املاج�ست�ي�ر والدكتوراه يف برامج الدرا�سات العليا‬
‫بالكلية‪ ،‬وقم مت اختيار الر�سائل التالية للطباعة وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬التف�س�ي�ر بالالزم عن ��د املف�سرين ( درا�سة نظرية تطبيقي ��ة ) ‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري يف‬
‫القر�آن ‪ ،‬وعلومه �إعداد‪�:‬أحمد بن حممد الربعي ‪.‬‬
‫‪ .2‬اال�شتب ��اه بني ال ��رواة يف الأ�سانيديف ع�صر الرواية‪ ،‬درا�س ��ة نظرية تطبيقية ‪ ،‬ر�سالة‬
‫ماج�ستري يف ال�سنة وعلومها ‪� ،‬إعداد اجلوهرة بنت �إبراهيم الدغي�شم‬
‫بع�ض و�أث ُره يف نق ��د املرويات ‪ ،‬درا�سة نظرية تطبيقية ‪،‬‬
‫بع�ضها على ٍ‬‫الروايات ِ‬
‫ِ‬ ‫‪َ .3‬ح ْم � ُ�ل‬
‫ر�سالة ماج�ستري يف ال�سنة وعلومها ‪� ،‬إعداد ‪ :‬غادة بنت عثمان احلميد ‪.‬‬
‫‪� .4‬أث ��ر الإمي ��ان يف تثبي ��ت رجال الأمن عن ��د مواجه ��ة الأخطار ‪ ،‬ر�سال ��ة ماج�ستري يف‬
‫العقيدة املذاهب املعا�صرة ‪� ،‬إعداد‪ /‬عقيل بن عبداهلل الراجحي ‪.‬‬
‫‪ .5‬توجي ��ه داللة العموم يف ن�صو�ص العقيدة بني منهج ال�سلف ومنهج املتكلمني ‪ ،‬درا�سة‬
‫ت�أ�صيلية تطبيقية ‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري يف العقيدة واملذاهب املعا�صرة ‪�،‬إعـــداد ‪� /‬أحمد‬
‫بن تركي املطريي ‪.‬‬
‫‪ .6‬فق ��ه الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪ ،‬درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية ‪ ،‬ر�سالة دكتوراه يف الفقه‬
‫املقارن ‪�،‬إعداد‪ /‬مر�ضي بن م�شوح العنزي ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ .7‬الف ��روق الفقهي ��ة يف املعامالت املالية املعا�ص ��رة (النـــــقـ ��ود) ‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري يف‬
‫الفقه املقارن �إعداد ‪ /‬عبد الرحيم بن مطرال�صاعدي ‪.‬‬
‫‪ .8‬الأح ��كام الأ�صولي ��ة املتعلقة بالتابعي ‪ ،‬ر�سال ��ة ماج�ستري يف �أ�ص ��ول الفقه ‪� ،‬إعداد‪/‬‬
‫بيداء بنت عبداهلل القويعي ‪.‬‬
‫‪ .9‬درا�س ��ة تخريج امل�سائ ��ل الطبيةعلى القواع ��د الفقهية ‪ ،‬ر�سال ��ة ماج�ستري يف �أ�صول‬
‫الفقه ‪� ،‬إعداد‪ /‬حممد بن مفتاح الفهمي ‪.‬‬
‫وقبل اخلتام �أ�شي ��د بجهود الزمالء يف جلنة املطبوعات وعلى ر�أ�سهم رئي�س اللجنة‬
‫د‪ .‬عبدالرحم ��ن بن �صالح املحيميد وكي ��ل الكلية للجودة والتخطي ��ط والتطوير‪� ،‬شاكر ًا‬
‫للباحثني تعاونهم ‪.‬‬
‫وختام� �اً �أ�شكر امل ��وىل ‪ -‬عز وجل ‪� -‬أن ي�سر هذا العم ��ل ‪ ،‬واهلل �أ�س�أل �أن يحفظ ويل‬
‫�أمرنا خادم احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز �أيده اهلل ‪ ،‬و�سمو ويل العهد‬
‫الأم�ي�ر مقرن ب ��ن عبدالعزيز �آل �سعود و�سمو ويل ويل العه ��د الأمري حممد بن نايف بن‬
‫عبد العزيز �آل �سعود ‪.‬‬
‫كما ي�سرين �أن �أتقدم بال�شكر ل�صاحب ال�سمو امللكي الأمري الدكتور ‪ /‬في�صل بن م�شعل‬
‫بن �سعود بن عبد العزيز �آل �سعود �أمري منطقة الق�صيم على دعمه للجامعة و�أن�شطتها ‪.‬‬
‫كم ��ا �أ�شكر �صاح ��ب املعايل وزير التعلي ��م الدكتور ‪ /‬عزام بن حمم ��د الدخيل على‬
‫رعاي ��ة امللتقى ‪ ،‬وال�شكر مو�صول ملع ��ايل مدير اجلامعة الذي ال يدخر و�سعا يف دعم هذه‬
‫الكلية ورعاية فعالياتها ‪ ،‬و�أخري ًا ال�شكر للزمالء العاملني يف جلان امللتقى ‪ ،‬و‪� ‬أ�س�أل اهلل‬
‫تعاىل �أن ي�ستعملنا جميعا يف طاعته ومرا�ضيه ‪،‬‬
‫و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبه �أجمعني ‪.‬‬
‫عميد كلية ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‬
‫أ‪.‬د‪ .‬وليد بن علي الحسين‬
‫رئي�س اللجنة املنظمة‬

‫‪6‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫احلم ��د هلل رب العامل�ي�ن‪ ،‬وال�صالة وال�سالم عل ��ى �أ�شرف الأنبي ��اء واملر�سلني نبينا‬
‫حممد‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه �أجمعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ففي ظل التطور االقت�صادي الذي ي�شهده العامل املعا�صر اليوم‪� ،‬أ�صبح من ال�صعوبة‬
‫�أمام امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية �أن تبقى حمبو�سة على �أدوات حمدودة‪� ،‬أو �أن حتاكي الأدوات‬
‫التقليدي ��ة دون مراع ��اة ل�ضوابط ال�ش ��رع وحدوده؛ ل ��ذا كان التحدي �أمامه ��ا �أن تتطور‬
‫وتغ�ي�ر من �أدواتها‪ ،‬وتط ��ور هذه الأدوات‪ ،‬جامعة بني الكف ��اءة االقت�صادية‪ ،‬وامل�صداقية‬
‫ال�شرعية‪ ،‬وهذا ال يكون �إال عن طريق ت�أ�صيل لهند�سة مالية �إ�سالمية؛ ولأهمية الهند�سة‬
‫املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬و�أهمية الكتابة فيها‪� ،‬أحببت �أن تك ��ون ر�سالتي لنيل درجة الدكتوراه‬
‫يف«فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬درا�سة ت�أ�صيلية تطبيقية»‪.‬‬
‫م�شكلة البحث‪:‬‬
‫تتمثل م�شكلة البحث يف الأ�سئلة التالية‪:‬‬
‫ما مفهوم الهند�سة املالية الإ�سالمية؟‬
‫ما احلاجة للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وما الذي �ستقدمه؟‬
‫ما مدى �شرعية الهند�سة املالية الإ�سالمية؟‬
‫ما هي �أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية؟‬
‫ما هي ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية؟‬
‫ما مدى موافقة التطبيقات املوجودة يف امل�صارف الإ�سالمية لل�ضوابط ال�شرعية؟‬
‫�أهمية البحث‪:‬‬
‫تكمن �أهمية البحث يف بيان مقدرة الهند�سة املالية الإ�سالمية يف تطوير �أدوات امل�ؤ�س�سات‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬وابتكار حلول ملا يواجهها من خماطر‪ ،‬من غري جتاوز لل�ضوابط ال�شرعية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أ�سباب اختيار املو�ضوع‪:‬‬


‫الأ�سباب التي دعتني للكتابة يف هذا املو�ضوع كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬وج ��ود احلاج ��ة للبحث يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة مع قلة الكتاب ��ة فيها‪ ،‬وعدم‬
‫وج ��ود ر�سالة علمي ��ة �شرعية �أكادميية فيها‪ ،‬يقول الدكت ��ور �سامي ال�سويلم بعد بيان‬
‫�أهمية احلاجة للهند�سة املالية الإ�سالمية‪«:‬واملو�ضوع بهذا الطرح فيما يبدو مل ت�سبق‬
‫الكتابة فيه على نحو �أكادميي»(‪.)1‬‬
‫‪� -2‬إن التح ��دي �أم ��ام امل�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية من قب ��ل امل�ؤ�س�سات التقليدي ��ة جعل بع�ض‬
‫مهند�سي امل�صارف الإ�سالمي ��ة يحومون حول حمى احلرام لبيان مقدرة امل�ؤ�س�سات‬
‫الإ�سالمي ��ة على املناف�سة‪ ،‬ق ��ال الدكتور عبداهلل ال�سكاك ��ر‪�«:‬إن �أي مهتم باالقت�صاد‬
‫الإ�سالم ��ي يدرك حجم التحدي وال�ضغط الذي تواجهه امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‬
‫م ��ن قب ��ل امل�ؤ�س�س ��ات املالية التقليدي ��ة التي ترتع بعي ��د ًا عن �ضواب ��ط ال�شرع‪ ،‬وهذا‬
‫التح ��دي الكبري هو الذي ا�ضطر كثري ًا من مهند�سي امل�صرفية الإ�سالمية لالقرتاب‬
‫م ��ن اخلطوط احلمراء بغي ��ة القدرة على املناف�س ��ة»(‪ ،)2‬مما ي�ستل ��زم على الفقهاء‬
‫بي ��ان ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة‪ ،‬وجتليتها لتكون وا�ضحة �أمام‬
‫مهند�سي امل�صارف الإ�سالمية؛ كي ت�ضبط عملهم ب�ضوابط ال�شرع‪.‬‬
‫‪� -3‬إن الكتاب ��ة يف الهند�س ��ة املالي ��ة م ��ن الناحي ��ة ال�شرعية يع ��د تعاون ًا ب�ي�ن ال�شرعيني‬
‫واالقت�صادي�ي�ن يف تطوير االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬وقدرته عل ��ى تلبية متطلبات احلياة‬
‫املعا�صرة‪ ،‬وحاجات املجتمع املعا�صر‪.‬‬

‫(( ( �صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم �ص‪.3‬‬


‫(( ( ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر �ص‪.3-2‬‬

‫‪8‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أهداف البحث‪:‬‬
‫يهدف البحث يف الهند�سة املالية الإ�سالمية �إىل‪:‬‬
‫‪ -1‬بي ��ان �أهمي ��ة الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة وخ�صائ�صه ��ا والعوائق الت ��ي حتول دون‬
‫تطبيقها‪.‬‬
‫‪ -2‬املقارنة بني الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬والهند�سة املالية التقليدية‪.‬‬
‫‪ -3‬الت�أ�صيل ال�شرعي للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬بي ��ان �أدوات الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية كاحلي ��ل‪ ،‬واملخارج ال�شرعي ��ة‪ ،‬والرخ�ص‬
‫ال�شرعية‪ ،‬واال�ستح�سان‪ ،‬و�سد الذرائع وفتحها‪ ،‬والتلفيق‪ ،‬وتركيب العقود‪.‬‬
‫‪ -5‬بيان ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪ -6‬درا�سة لبع�ض التطبيقات املعا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪:‬‬
‫�سب ��ق كالم الدكت ��ور �سامي ال�سويل ��م �أن املو�ضوع مل يكتب فيه عل ��ى نحو �أكادميي‪،‬‬
‫وقد بحث ��ت يف مكتبة امللك فهد الوطنية‪ ،‬ومكتبة امللك في�ص ��ل املركزية‪ ،‬واملعهد العايل‬
‫للق�ض ��اء‪ ،‬واالنرتن ��ت‪ ،‬فلم �أجد ر�سالة �أكادميية يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‪ ،‬ووجدت‬
‫ثالثة بحوث فيها‪ ،‬وكتا ًبا واحدً ا لأحد �أ�صحاب هذه البحوث‪ ،‬وهي على النحو التايل‪:‬‬
‫�أو ًال‪:‬بحث للدكتور �سامي ال�سويلم بعنوان«�صناعة الهند�سة املالية نظرات يف املنهج‬
‫الإ�سالم ��ي» وجدت هذا البح ��ث يف موقع �صيد الفوائد(‪ ،)1‬ويع ��د الدكتور �سامي �أول من‬
‫كت ��ب يف الهند�سة املالية من الناحية ال�شرعية‪ ،‬ويقع البحث يف �أربع وثالثني �صفحة دون‬
‫�صفح ��ات امل�صادر والعنوان‪ ،‬وقد ق�س ��م البحث ثالثة �أق�سام‪ ،‬ا�سته ��ل بذكر مقدمة عن‬

‫((( على الرابط التايل‪:‬‬


‫‪http://www.saaid.net/book/open.php?cat=102&book=6637‬‬

‫‪9‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية يف �صفحتني‪ ،‬ثم تكلم يف الق�س ��م الأول يف مفهوم ال�صناعة‬
‫املالي ��ة واحلاجة لل�صناعة املالية الإ�سالمية والفرق بني ال�صناعة الإ�سالمية والتقليدية‬
‫يف �سبع �صفحات‪ ،‬ويف الق�سم الثاين تكلم يف �أ�س�س الهند�سة املالية الإ�سالمية ويف الإبداع‬
‫واالبتداع واحللول ال�شرعية واحليل البدعي ��ة والعزمية والرخ�صة وخ�صائ�ص املنتجات‬
‫الإ�سالمية وحتدث فيها عن خم�س من التطبيقات يف ع�شر �صفحات‪ ،‬ويف الق�سم الثالث‬
‫تكلم يف الكفاءة االقت�صادية وال�شروط الع ْقدية‪ ،‬والكالم يف هذا الق�سم يدور حول قاعدة‬
‫بيعتني يف بيعة‪ ،‬وذكر يف خامتة البحث �أن هناك عددًا من اجلوانب التي مل ت�ستوفها هذه‬
‫الورق ��ة(‪ .)1‬وطلب «�أن تكون امللتقي ��ات والندوات الإ�سالمية جم ��ا ًال خ�صب ًا لإن�ضاج هذه‬
‫الت�صورات والأفكار»‪.‬‬
‫وكم ��ا ذكر الدكتور فالبحث يحت ��اج �إىل كتابة فيه و�إ�ضافة عليه‪ ،‬و�ستكون الإ�ضافة‪-‬‬
‫ب�إذن اهلل‪ -‬على بحث الدكتور �سامي ال�سويلم من عدة جوانب‪:‬‬
‫‪-1‬مل يبني الدكتور مفهوم الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وخ�صائ�صها وعوائقها و�أهدافها‪.‬‬
‫‪ -2‬مل يتو�سع الدكتور يف الت�أ�صيل ال�شرعي للهند�سة املالية الإ�سالمية‪� ،‬إمنا ذكر �أنها من‬
‫ال�س�ن�ن احل�سنة‪ ،‬و�س�أقوم بالتو�سع يف الت�أ�صي ��ل ال�شرعي للهند�سة املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫وبيان م�ستندات الهند�سة املالية من ال�سنة النبوية‪ ،‬وم�ستنداتها من جهود ال�صحابة‬
‫‪ ،y‬وم�ستنداتها من املقا�صد ال�شرعية‪ ،‬وم�ستنداتها من القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪-3‬تكل ��م الدكتور يف احليل البدعية‪ ،‬واحللول ال�شرعية‪ ،‬والرخ�ص‪ ،‬دون تو�سع‪ ،‬و�س�أتكلم‬
‫ع ��ن ه ��ذه الأدوات بتو�س ��ع‪ ،‬و�أ�ضيف عليها م ��ن الأدوات اال�ستح�س ��ان‪ ،‬و�سد الذرائع‬
‫وفتحها‪ ،‬والتلفيق‪ ،‬وتركيب العقود‪.‬‬
‫‪-4‬تكل ��م الدكت ��ور يف قاعدة بيعتني يف بيع ��ة و�أنها ال�ضابط للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫و�س�أتكلم يف غريها من ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬

‫انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.37‬‬ ‫(( (‬

‫‪10‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪�-5‬أ�ش ��ار الدكتور �إىل بع� ��ض التطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة يف الفقه الإ�سالمي‬
‫كبي ��ع العينة‪ ،‬والتورق‪ ،‬وبيع الوفاء‪ ،‬دون ذكر �صورها �أو درا�سة لها‪ ،‬و�س�أقوم ب�إ�ضافة‬
‫تطبيقات �أخرى من الفقه الإ�سالمي‪ ،‬مع درا�سة جلميع التطبيقات‪.‬‬
‫‪-6‬ذك ��ر الدكتور بع�ض �ص ��ور للتطبيقات املعا�صرة للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬كبطاقة‬
‫االئتمان‪ ،‬والت�أجري املنتهي بالتملي ��ك‪ ،‬و�س�أ�ضيف عليها تطبيقات معا�صرة للهند�سة‬
‫املالية الإ�سالمية‪ ،‬مع درا�سة جلميع التطبيقات‪.‬‬
‫ثاني� �اً‪ :‬بحث للأ�ستاذ عبدالك ��رمي قندوز بعنوان« الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية» وهو‬
‫من�ش ��ور يف جملة جامع ��ة امللك عبدالعزي ��ز‪ ،‬االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬املجل ��د ‪ ،20‬العدد‪،2‬‬
‫� ��ص‪2007( 46-3‬م‪1428/‬هـ)‪ ،‬ويقع البحث يف �أربع�ي�ن �صفحة �سوى �صفحات امل�صادر‬
‫والعنوان‪ ،‬وبحث الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز قريب من بحث الدكتور �سامي ال�سويلم‪ ،‬وقد‬
‫ق�س ��م البح ��ث ق�سمني‪ ،‬الق�سم الأول م ��ن ال�صفحة الثالثة �إىل ال�صفح ��ة التا�سعة ع�شرة‬
‫تكل ��م يف �أهمية وجود هند�س ��ة �إ�سالمية‪ ،‬ثم �أفا�ض يف تعريف الهند�سة املالية التقليدية‪،‬‬
‫ون�ش�أتها و�أ�سباب ظهورها‪ ،‬ويف الق�سم الثاين تكلم يف الهند�سة املالية الإ�سالمية وتعريفها‬
‫وذكر تطبيقني من التطبيقات التي ذكرها الدكتور �سامي ال�سويلم يف بحثه‪ ،‬ثم تكلم يف‬
‫�أ�س�س الهند�سة املالية الإ�سالمية الأ�س�س العامة واخلا�صة‪ ،‬ثم تكلم يف بيعتني يف بيعة ويف‬
‫الفرق بني الهند�سة املالية الإ�سالمية والتقليدية‪ ،‬و�أهمية وجود هند�سة مالية �إ�سالمية‪.‬‬
‫والإ�ضافة على بحث الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز كالإ�ضافة على بحث الدكتور �سامي‬
‫ال�سويلم‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬كتاب «الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق»‪ ،‬للأ�ستاذ عبدالكرمي‬
‫قندوز �صدر الكتاب عن م�ؤ�س�سة الر�سالة يف عام ‪2008‬م‪ ،‬وقد ق�سم الكتاب �أربعة ف�صول‪،‬‬
‫الف�ص ��ل الأول تكلم فيه يف الهند�سة املالية التقليدي ��ة من ال�صفحة اخلام�سة والع�شرين‬

‫‪11‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�إىل ال�صفحة الثانية والت�سعني‪ ،‬والف�صل الثاين تكلم فيه يف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية‬
‫م ��ن ال�صفحة الثال ��ة والت�سعني �إىل ال�صفح ��ة املائة وثمان وخم�س�ي�ن‪ ،‬وتكلم يف الف�صل‬
‫الثال ��ث يف �صناع ��ة الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة من ال�صفحة املائ ��ة وت�سع وخم�سني �إىل‬
‫ال�صفح ��ة املائتني و�أربع وثالثني‪ ،‬والف�صل الرابع ذك ��ر جتارب بع�ض الدول؛ كال�سودان‪،‬‬
‫واجلزائ ��ر‪ ،‬وماليزيا يف جمال �صناعة الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية من ال�صفحة املائتني‬
‫وخم�س وثالثني �إىل ال�صفحة الثالثمائة واثنتي ع�شرة‪.‬‬
‫وكالم الأ�ست ��اذ عبدالكرمي قن ��دوز عن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية كان يف الف�صل‬
‫الثال ��ث يف قرابة ال�سبعني �صفحة‪ ،‬تكلم يف هذا الف�صل عن ثالثة مباحث‪ :‬املبحث الأول‬
‫يف خ�صائ� ��ص و�أ�س�س الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‪ ،‬واملبحث الث ��اين يف منتجات �صناعة‬
‫الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة يف ع�شري ��ن �صفحة‪ ،‬تكل ��م فيه عن مطلب�ي�ن املطلب الأول‬
‫يف الأدوات والأوراق املالي ��ة ذك ��ر فيه بع� ��ض التطبيقات؛ كال�سلم امل ��وازي‪ ،‬واال�ست�صناع‬
‫املوازي‪ ،‬و�سندات الإجارة املو�صوفة يف الذمة والوكالة ب�أجر‪ ،‬وذكر �صور هذه التطبيقات‬
‫دون درا�سة لها‪ ،‬واملطلب الثاين تكلم يف امل�شتقات املالية والتوريق‪ ،‬وذكر حكم امل�شتقات‬
‫املالي ��ة‪ ،‬وحك ��م التوري ��ق دون تو�سع‪ ،‬واملبح ��ث الثالث يف دور الهند�س ��ة املالية يف حتقيق‬
‫�أه ��داف امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية تكلم فيه ع ��ن �أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية يف‬
‫حل امل�شاكل و�إدارة املخاطر وتطوير الأ�سواق النقدية الإ�سالمية‪.‬‬
‫والإ�ضافة على كتاب الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز �ستكون‪-‬ب�إذن اهلل‪ -‬من عدة جوانب‪:‬‬
‫‪ -1‬مل يتكل ��م الأ�ست ��اذ عبدالكرمي عن الت�أ�صي ��ل ال�شرعي للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية‪،‬‬
‫و�س�أتكلم عنها‪.‬‬
‫‪ -2‬مل يتكلم الأ�ستاذ عبدالكرمي عن �أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬و�س�أتكلم عنها‪.‬‬
‫‪-3‬مل يتكل ��م الأ�ست ��اذ عبدالكرمي عن ال�ضواب ��ط ال�شرعية للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية‪،‬‬
‫و�س�أتكلم عنها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪-4‬مل يتكل ��م الأ�ست ��اذ عبدالكرمي ع ��ن تطبيقات الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة يف الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬و�س�أتكلم عنها‪.‬‬
‫‪-5‬ذكر الأ�ستاذ عبدالكرمي بع�ض �صور للتطبيقات املعا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية‪،‬‬
‫كال�سل ��م املوازي‪ ،‬واال�ست�صناع املوازي‪ ،‬والإجارة املو�صوفة يف الذمة‪ ،‬و�س�أتكلم عنها‬
‫و�أ�ضي ��ف عليها تطبيق ��ات معا�صرة للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‪ ،‬م ��ع درا�سة جلميع‬
‫التطبيقات‪.‬‬
‫وقد �أُج ��ري حوار مع الأ�ستاذ عبدالكرمي قندوز يف املجل ��ة االقت�صادية عام‪2010‬م‬
‫ذكر فيه �أهمية البحث يف و�ضع �أ�س�س و�ضوابط للهند�سة املالية الإ�سالمية تكون وا�ضحة‪،‬‬
‫و�أن العبء الأكرب يقع على اجلامعات ومراكز التدريب(‪.)1‬‬
‫راب ًعا‪:‬بح ��ث للدكتور عبداهلل ال�سكاكر بعن ��وان «ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمي ��ة» والبح ��ث غ�ي�ر من�شور‪ ،‬وح�صلت عل ��ى ن�سخة منه من امل�ؤل ��ف‪ ،‬ويقع البحث‬
‫يف ع�شري ��ن �صفح ��ة دون �صفح ��ات امل�ص ��ادر والعن ��وان‪ ،‬والبحث عبارة ع ��ن مقدمة يف‬
‫�صفحت�ي�ن تكل ��م فيها عن الكتابة يف �ضواب ��ط الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬ثم متهيد يف‬
‫تعري ��ف الهند�س ��ة املالية يف �أربع �صفح ��ات‪ ،‬ثم املبحث الأول يف �أهمي ��ة الهند�سة املالية‬
‫يف �صفحت�ي�ن‪ ،‬واملبح ��ث الثاين يف الف ��رق بني الهند�سة املالية واحلي ��ل املحرمة يف ثالث‬
‫�صفح ��ات‪ ،‬واملبحث الثال ��ث يف �ضوابط الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة يف خم�س �صفحات‪،‬‬
‫واحد فقط وهو(احلكم ��ة) ور�أى �أنه ال�ضاب ��ط الوحيد الذي ي�ضبط‬ ‫وتكل ��م عن �ضاب ��ط ٍ‬
‫الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫والإ�ضاف ��ة على بحث الدكتور عبداهلل ال�سكاك ��ر �ستكون‪-‬ب�إذن اهلل‪-‬كالإ�ضافة على‬
‫((( االقت�صادية على الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://www.aleqt.com/2010/02/01/article_342415.html‬‬

‫‪13‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫البحوث ال�سابقة‪ ،‬مع درا�سة ال�ضابط الذي ر�آه الدكتور وبيان هل هذا ال�ضابط ين�ضبط‬
‫يف جميع ال�صور‪ ،‬وعليه يكون �ضابط ًا للهند�سة املالية الإ�سالمية‪� ،‬أو ال ين�ضبط‪ ،‬ودرا�سة‬
‫غريه من ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫يف البح ��ث �س�أعتمد على املنهج الو�صفي للهند�سة املالية الإ�سالمية الذي يقوم على‬
‫درا�س ��ة للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية و�أهميتها‪ ،‬و�أهدافه ��ا‪ ،‬وخ�صائ�صها‪ ،‬و�س�أعتمد على‬
‫املنه ��ج املقارن بني الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬والهند�س ��ة املالية التقليدية‪ ،‬وبني �أدوات‬
‫الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية كاحليل والذرائع‪ ،‬و�س�أعتمد على املنهج التحليلي النقدي يف‬
‫التطبيق ��ات للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية؛ بحي ��ث �أقوم بتحليل املعامل ��ة‪ ،‬ثم نقدها وبيان‬
‫موافقتها لل�شرع‪� ،‬أوخمالفتها له‪.‬‬
‫�إجراءات البحث‪:‬‬
‫�سرت يف هذا البحث على اخلطوات التالية‪:‬‬
‫‪� -1‬أق ��وم بعزو الآيات يف الهام�ش �إىل موا�ضعها من الق ��ر�آن الكرمي بذكر ا�سم ال�سورة‪،‬‬
‫ورقم الآية‪.‬‬
‫‪� -2‬أق ��وم بتخريج الأحاديث والآثار التي �أوردها‪ ،‬ف� ��إن كانت يف ال�صحيحني �أو �أحدهما‬
‫ف�أكتف ��ي بذك ��ر امل�صدر ال ��ذي ورد في ��ه احلديث‪ ،‬وا�س ��م الكتاب‪ ،‬والب ��اب‪ ،‬ثم رقم‬
‫احلديث‪.‬‬
‫‪� -3‬إذا مل تك ��ن الأحادي ��ث والآث ��ار الت ��ي �أورده ��ا يف ال�صحيح�ي�ن ف� ��إين �أخرجه ��ا من‬
‫م�صادره ��ا الأ�صلي ��ة‪ ،‬مع ذكر ا�س ��م الكتاب‪ ،‬والباب‪ ،‬ثم رق ��م احلديث �إن وجد‪ .‬مع‬
‫درا�س ��ة �أ�سانيد ه ��ذه الأحاديث م�ستن ًريا ب� ��آراء �أئمة ال�صنعة ث ��م �أثبت يف احلا�شية‬
‫النتيجة التي تو�صلت �إليها دون �إطالة احلوا�شي باخلالف احلديثي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -4‬وزي ��ادة يف التوثي ��ق �أقوم بالتن�صي�ص بني قو�سني م�ضاعف�ي�ن « » لكل ن�ص �أنقله من‬
‫مرجعه‪ ،‬و�أجعل رقم ًا على �آخر الن�ص‪ ،‬و�أهم�ش عليه بذكر ا�سم الكتاب‪ ،‬ورقم اجلزء‪،‬‬
‫وال�صفح ��ة‪ ،‬و�إذا ت�صرفت يف النقل‪� ،‬أو ذكرته باملعن ��ى ف�إين ال �أ�ضع قو�سني‪ ،‬و�أجعل‬
‫رقم� � ًا على �آخر ال ��كالم‪ ،‬و�أهم�ش عليه بقويل‪ :‬انظر‪ ،‬ثم اذكر ا�سم الكتاب‪ ،‬واجلزء‪،‬‬
‫وال�صفحة‪.‬‬
‫‪� -5‬أرج ��ع يف جمع امل ��ادة العلمية �إىل �أمهات املراجع يف التف�س�ي�ر‪ ،‬واحلديث‪ ،‬والأ�صول‪،‬‬
‫والقواع ��د الفقهية‪ ،‬والفقه‪ ،‬واللغ ��ة‪ ،‬واالقت�صاد الإ�سالم ��ي و�إىل الأبحاث واملقاالت‬
‫يف املج�ل�ات املتخ�ص�صة‪ ،‬وق ��رارات املجامع الفقهية‪ ،‬وغريها م ��ن املراجع مما هو‬
‫موجود يف قائمة م�صادر البحث‪.‬‬
‫‪ -6‬يف امل�سائ ��ل الفقهي ��ة القدمي ��ة اقت�صر عل ��ى �آراء املذاهب الفقهية املعتم ��دة‪ ،‬و�آراء‬
‫بع�ض الأئمة داخل املذهب‪� ،‬أما يف امل�سائل املعا�صرة ف�أذكر �آراء الفقهاء املعا�صرين‬
‫املعروفني‪ ،‬و�آراء املجامع‪ ،‬والهيئات ال�شرعية �إن وجدت‪.‬‬
‫‪� -7‬أذك ��ر حك ��م امل�س�ألة‪ ،‬مع ذكر �أقوال الفقهاء فيها‪ ،‬ثم �أنتق ��ل �إىل �إيراد الأدلة النقلية‬
‫والعقلية لكل قول‪ ،‬ووجه الداللة من كل دليل‪ ،‬كما �أذكر ما يرد عليها من مناق�شات‪،‬‬
‫وم ��ا يجاب على املناق�شة‪ ،‬و�إن كانت املناق�شة والإجاب ��ة مني �أقول‪ :‬يناق�ش‪ ،‬ويجاب‪،‬‬
‫و�إن كانت من غريي �أقول‪:‬نوق�ش‪ ،‬و�أجيب‪.‬‬
‫‪ -8‬بعد عر� ��ض الأدلة واملناق�شة والإجابات عليها‪� ،‬أبني الق ��ول الراجح ‪-‬ح�سب ما ظهر‬
‫يل‪-‬مع ذكر �سبب الرتجيح‪ ،‬معتمد ًا على قوة �أدلة القول الراجح‪.‬‬
‫‪� -9‬أحر�ص عل ��ى توثيق املعاين من معاجم اللغة املعتمدة‪ ،‬وتكون الإحالة عليها باجلزء‪،‬‬
‫وال�صفحة‪ ،‬والف�صل‪ ،‬والباب‪.‬‬
‫‪� -10‬أب�ّي نّ�ن يف احلا�شي ��ة معاين الألف ��اظ الغريبة الواردة يف م�ت�ن الر�سالة‪ ،‬ومراجع هذه‬
‫املعاين التي اعتمدت عليها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -11‬أحر�ص قدر الإمكان على العناية بقواعد اللغة العربية‪ ،‬والإمالء‪ ،‬وعالمات الرتقيم‪،‬‬
‫ومنه ��ا عالمات التن�صي�ص للآيات الكرمية‪ ،‬وللأحاديث ال�شريفة‪ ،‬وللآثار‪ ،‬ولأقوال‬
‫العلماء‪ ،‬ومتييز العالمات �أو الأقوا�س‪ ،‬فيكون لكل منها عالمته اخلا�صة‪.‬‬
‫‪� -12‬أترج ��م للأع�ل�ام بالقدر ال ��ذي ُيع ِّرف به ��م ما ع ��دا ال�صحابة‪ ،‬والأئم ��ة الأربعة؛‬
‫لغناه ��م عن التعري ��ف‪ ،‬ومل �أترجم للمعا�صرين؛ جر ًيا على الع ��ادة‪ ،‬وقد رجعت �إىل‬
‫كتب الرتاجم املعتمدة‪.‬‬
‫‪� -13‬أختم الر�سالة بخامتة �أخل�ص فيها �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها‪.‬‬
‫ذ ّيلت الر�سالة بالفهار�س الفنية املتعارف عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫فهر�س الآيات‪.‬‬ ‫ • ‬
‫فهر�س الأحاديث والآثار‪.‬‬ ‫ • ‬
‫فهر�س الأعالم‪.‬‬ ‫ • ‬
‫فهر�س امل�صادر واملراجع‪.‬‬ ‫ • ‬
‫فهر�س املو�ضوعات‪.‬‬ ‫ • ‬

‫***‬

‫‪16‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫تتكون خطة البحث من مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬وبابني‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وفهار�س‪،‬كالتايل‪:‬‬
‫مقدم ��ة‪ :‬وفيها م�شكلة البحث‪ ،‬و�أهمي ��ة البحث‪ ،‬و�أ�سباب اختيار املو�ضوع‪ ،‬و�أهداف‬
‫البحث‪ ،‬والدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬ومنهج البحث‪ ،‬و�إجراءات البحث‪ ،‬وخطة البحث‪.‬‬
‫متهيد‪:‬يف �أهمية االقت�صاد الإ�سالمي ودوره يف احلياة املعا�صرة‪.‬‬
‫الباب الأول‪:‬ت�أ�صيل الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وفيه �أربعة ف�صول‪:‬‬
‫الف�صل الأول‪:‬املفهوم‪ ،‬واخل�صائ�ص‪ ،‬والفروق‪ ،‬وفيه �ستة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ن�ش�أة م�صطلح الهند�سة املالية‬
‫املبحث الثالث‪�:‬أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬و�أهدافها‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬خ�صائ�ص الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬معوقات تطبيق الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫املبحث ال�ساد�س‪:‬الفروق بني الهند�سة املالية الإ�سالمية والهند�سة املالية التقليدية‬
‫الف�صل الثاين‪:‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وفيه �أربعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من ال�سنة النبوية‪.‬‬
‫املبح ��ث الثاين‪:‬امل�ستن ��دات ال�شرعي ��ة للهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية م ��ن اجتهادات‬
‫ال�صحابة‪.‬‬
‫املبح ��ث الثالث‪:‬امل�ستن ��دات ال�شرعي ��ة للهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة م ��ن املقا�صد‬
‫ال�شرعية‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من القواعد الفقهية‪.‬‬
‫الف�صل الثالث‪� :‬أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وفيه �ستة مباحث‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الأول‪ :‬احليل واملخارج ال�شرعية‪.‬‬


‫املبحث الثاين‪ :‬الرخ�ص ال�شرعية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اال�ستح�سان‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪� :‬سد الذرائع وفتحها‪.‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬التلفيق‪.‬‬
‫الف�صل الرابع‪�:‬ضوابط الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ال�ضوابط اخلا�صة باملهند�س املايل‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ال�ضوابط اخلا�صة بالهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫الباب الثاين‪:‬تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وفيه ف�صالن‪:‬‬
‫الف�ص ��ل الأول‪:‬تطبيقات للهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬وفيه �ستة‬
‫مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬بيع الوفاء‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪:‬بيع اال�ستجرار‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بيع العينة‪.‬‬
‫ال�س ْفتَجة‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ُ :‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬التورق‪.‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪.‬‬
‫الف�صل الثاين‪ :‬تطبيقات معا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬وفيه ثمانية مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ال�سلم املوازي‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬اال�ست�صناع املوازي‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ال�صكوك الإ�سالمية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الرابع‪ :‬التورق امل�صريف‪.‬‬


‫املبحث اخلام�س‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪.‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬الإجارة املنتهية بالتمليك‪.‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬امل�شاركة املنتهية بالتمليك‪.‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬بطاقات االئتمان‪.‬‬
‫اخلامتة‪ ،‬وفيها �أهم النتائج‪ ،‬والتو�صيات‪.‬‬
‫الفهار�س الفنية املتعارف عليها‪.‬‬
‫وبع ��د؛ فاحلم ��د هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي ل ��وال �أن هدانا اهلل‪ ،‬احلمدهلل‬
‫� اًأول‪ ،‬و�آخ� � ًرا‪ ،‬وظاه� � ًرا‪ ،‬وباط ًنا‪ ،‬فهو �أوىل من ذكر‪ ،‬و�أحق م ��ن �شكر‪� ،‬أهل الثناء واحلمد‬
‫الذي ال ينق�ضي‪.‬‬
‫لوالدي الكرميني على كل ما بذاله يل‪� ،‬أطال اهلل يف عمرهما على‬ ‫ّ‬ ‫ثم �أتقدم بال�شكر‬
‫طاعته‪ ،‬و�أطعمهما ب ّر �أوالدهما‪ ،‬و�أكرمهما مبقعد �صدق عند مليك مقتدر‪.‬‬
‫كم ��ا �أ�شكر زوجي �أم �أن�س فقد كن ��ت �أعتكف لبحث هذه الر�سالة ال�ساعات الطويلة‪،‬‬
‫ومل �أجد منها �إال ال�صرب‪ ،‬والت�شجيع‪ ،‬وفقها اهلل لكل خري يف الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫وال�شك ��ر مو�صول مل�شريف الفا�ضل الدكتور‪ /‬عب ��داهلل بن حمد ال�سكاكر حفظه اهلل‪،‬‬
‫فق ��د عرفته �أيام درا�ستي يف البكالوريو� ��س‪ ،‬وقد فتح يل قلبه ومنزله‪ ،‬و�أكرمني وبالغ يف‬
‫الإك ��رام‪ ،‬وزاد يف �إكرامه بتف�ضل ��ه للإ�شراف على ر�سالتي‪ ،‬فكان نع ��م املوجه‪ ،‬واملربي‪،‬‬
‫وقد �أفدت من توجيهاته‪ ،‬ومالحظاته القيمة على الر�سالة‪ ،‬وكنت يف فرتة البحث �أت�صل‬
‫ب ��ه كث�ي ً�را‪ ،‬و�أحيا ًنا �أكرر االت�صال ب ��ه يف اليوم مرات فال �أج ��د �إال طيب الكالم‪ ،‬وح�سن‬
‫اال�ستقب ��ال‪ ،‬مع خت ��ام بدعوات مباركات‪ ،‬ب ��ارك اهلل يف عمره‪ ،‬وعمل ��ه‪ ،‬ونفع به‪ ،‬ورزقه‬
‫الذرية ال�صاحلة املباركة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫كما �أ�شكر كل من قدم يل معرو ًفا المتام هذه الر�سالة‪� ،‬سواء كان هذا املعروف ر�أ ًيا‪،‬‬
‫أون�صحا‪� ،‬أوت�شجي ًعا‪� ،‬أودعوة يف ظهر الغيب‪� ،‬أو غريها‪ ،‬فجزاهم اهلل خ ًريا‪.‬‬
‫� ً‬
‫ويف اخلتام فالكتابة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية لي�ست بالأمر الي�سري‪ ،‬وقد بذلت‬
‫و�سع ��ي المت ��ام هذه الر�سالة‪� ،‬أرج ��و �أن يكون فيها من اجلدة والطراف ��ة ما ينفع القارئ‬
‫له ��ا‪ ،‬و�أن تكون هذه الر�سالة لبنة يف بناء ه ��ذا املو�ضوع املهم‪ ،‬ع�سى �أن ي�أتي من ي�ضيف‬
‫عليه ��ا م�ستدر ًكا �أو‪ ‬مكملاً ليبلغ البنيان ً‬
‫يوما متام ��ه‪� ،‬أ�س�أل اهلل �أن يكتب فيها الإخال�ص‬
‫والقب ��ول‪ ،‬هو ح�سب ��ي ونعم الوكيل‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه‬
‫�أجمعني‪.‬‬
‫كتبه‬
‫مر�ضي بن م�شوح العنزي‬
‫�إمييل‪Murdi100@hotmail.com /‬‬
‫جوال‪0503380332 /‬‬

‫***‬

‫‪20‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫أهمية االقتصاد اإلسالمي ودوره في الحياة المعاصرة‬


‫اهتماما بال ًغا‪ ،‬وحثت عل ��ى العمل والتك�سب‪،‬‬
‫ً‬ ‫�أول ��ت ال�شريع ��ة الإ�سالمية االقت�ص ��اد‬
‫وامل�ش ��ي يف مناك ��ب الأر� ��ض‪ ،‬ق ��ال اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﮊ (‪ ،)1‬كم ��ا قرن ��ت ب�ي�ن العاملني يف الن�ش ��اط االقت�صادي‬
‫واملجاهدي ��ن يف �سبيل اهلل‪ ،‬ق ��ال اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ (‪ ،)2‬وب��ي �نّ النب ��ي × �أن خري طع ��ام ي�أكله امل�سلم ما كان‬
‫نتيجة ل�سعيه‪ ،‬وح�صيلة لعمل يده‪ ،‬ففي �صحيح البخاري عن املقدام ‪ ‬عن النبي ×‬
‫ريا من �أن ي�أكل من عمل يده‪ ،‬و�إن نبي اهلل داود عليه‬ ‫قال‪ «:‬ما �أكل �أحد طعاماً قط‪ ،‬خ ً‬
‫ال�سالم‪ ،‬كان ي�أكل من عمل يده»(‪ ،)3‬ومن ترغيب ال�شريعة الإ�سالمية يف العمل والك�سب‬
‫كاف� ��أت من يحي ��ي الأر�ض امليتة ب�أن ملكت ��ه �إياها‪ ،‬جاء يف �صحيح البخ ��اري عن عائ�شة‬
‫ر�ضي اهلل عنها عن النبي × قال‪«:‬من �أعمر �أر�ضاً لي�ست لأحدٍ فهو �أحق»(‪.)4‬‬
‫ً‬
‫وحفاظ ��ا على االقت�ص ��اد الإ�سالم ��ي �أحاطته ال�شريع ��ة الإ�سالمية بقي ��م و�أخالق‪،‬‬
‫فحرمت االعتداء على �أموال الآخرين‪ ،‬ففي �صحيح م�سلم عن �أبي هريرة ‪ ‬قال ر�سول‬
‫اهلل ×‪«:‬كل امل�سل ��م عل ��ى امل�سلم حرام‪ ،‬دم ��ه‪ ،‬وماله‪ ،‬وعر�ضه»(‪ ،)5‬ومل جتعل االقت�صاد‬
‫مفتوحا دون �ضواب ��ط‪ ،‬بل �ضبطته؛ فمنعت الربا‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫ً‬

‫�سورة امللك‪ ،‬الآية ‪.15‬‬ ‫((( ‬


‫�سورة املزمل‪ ،‬الآية‪.20‬‬ ‫((( ‬
‫رواه البخاري‪،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب ك�سب الرجل وعمله بيده‪ ،‬برقم‪.2072‬‬ ‫(( (‬
‫رواه البخاري‪،‬كتاب احلرث واملزارعة‪ ،‬باب من �أحيا � ً‬
‫أر�ضا مواتًا‪ ،‬برقم‪.2335‬‬ ‫(( (‬
‫رواه م�سلم‪ ،‬كتاب الرب وال�صلة والأدب‪ ،‬باب حترمي ظلم امل�سلم وخذله واحتقاره ودمه وعر�ضه وماله‪،‬برقم‪.2564‬‬ ‫((( ‬

‫‪21‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ﭫ ﮊ (‪ ،)1‬ومنع ��ت االحت ��كار كم ��ا ورد يف �صحيح م�سلم �أن معم ًرا ق ��ال‪ :‬قال ر�سول اهلل‬
‫×‪َ «:‬م � ِ�ن ْاح َت َك� � َر َف ُه َو َخاطِ ٌئ»(‪)2‬؛ كي ال يكون املال دولة بني الأغنياء‪ ،‬وليحافظ املجتمع‬
‫امل�سلم على توازنه‪ ،‬وا�ستقراره(‪.)3‬‬
‫و�أما �أهمية االقت�صاد الإ�سالمي يف عاملنا املعا�صر فتتبني يف التايل‪:‬‬
‫‪�-1‬أن الدول الكربى تقوم على املال‪ ،‬ولأجل املال تقوم معظم ال�صراعات الدولية‪ ،‬و ُتدار‬
‫ح ��روب فتاكة‪ ،‬و ُي�ضح ��ى بالأنف�س يف �سبي ��ل احل�صول على املع ��ادن‪ ،‬واملواد اخلام‪،‬‬
‫والب�ت�رول‪ ،‬والغاز‪ ،‬وكما قي ��ل‪�:‬إن االقت�صاد وال�سيا�سة وجهان لعمل ��ة واحدة‪ ،‬ف�أقوى‬
‫ال ��دول اقت�ص ��ادًا ه ��ي التي مت�سك بزم ��ام القوة‪ ،‬وه ��ي �أكرث الدول ت�أث�ي ً�را يف عامل‬
‫ال�سيا�سة(‪.)4‬‬
‫‪-2‬وجود الأزمات االقت�صادية العاملية الكبرية‪ ،‬والتي كان لها �أ�سباب كثرية‪ ،‬منها ما يعود‬
‫�إىل جوهر النظام الر�أ�سمايل ال�سائد؛ كالتعامل بالربا‪ ،‬واالحتكار‪ ،‬وتو�سع امل�ضاربات‬
‫يف الأ�سواق املالية وغريه‪ ،‬ومنها ما يعود �إىل �أ�سباب �سيا�سية وع�سكرية (‪.)5‬‬
‫‪ -3‬ع ��دم ق ��درة الأنظمة الأخرى على مواجهة هذه الأزمات �أو حلها‪ ،‬بل كانت هي �إحدى‬
‫�أه ��م الأ�سب ��اب لوجوده ��ا‪ ،‬وا�ستمرارها؛ فالنظ ��ام ال�شيوعي انه ��ار بانهيار االحتاد‬
‫ال�سوفييت ��ي خمل ًفا �أ�سو�أ الآثار لل�شعوب الت ��ي كان يحكمها من حيث الفقر والتخلف‪،‬‬
‫و«النظ ��ام الر�أ�سمايل الذي ي�سوده الن�شاط اخلا�ص غري املن�سق‪ ،‬والذي ال توجد فيه‬
‫معر�ضا بال�ضرورة �إىل التقلبات الدورية‪،‬‬ ‫�أداة للتخطي ��ط االقت�صادي ال�سليم جتعله ً‬

‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬


‫(( ( رواه م�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب حترمي االحتكار يف الأقوات‪ ،‬برقم‪.1605‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬الن�شاط االقت�صادي م ��ن منظور �إ�سالمي‪ ،‬لعمر بن فيحان املرزوقي‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة ال�ساد�سة ع�شرة‪ ،‬العدد اخلام�س والأربعون‪1422،‬هـ‪� ،‬ص‪.294-251‬‬
‫(( ( انظر‪:‬املدخل �إىل االقت�صاد الإ�سالمي‪،‬للقره داغي ‪.5/1‬‬
‫((( املرجع ال�سابق ‪.93-92/1‬‬

‫‪22‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وه ��ذه حقيقة �أثبتها التاريخ االقت�ص ��ادي‪ ،‬وال �سبيل �إىل �إنكاره ��ا»(‪ ،)1‬مما �أدى �إىل‬
‫البح ��ث عن نظ ��ام اقت�صادي جديد يك ��ون �سب ًبا يف حل هذه الأزم ��ات‪ ،‬ويحقق كافة‬
‫املزاي ��ا االقت�صادي ��ة‪ ،‬والنظام الإ�سالمي لالقت�صاد هو البدي ��ل وهو احلل؛ حيث �إن‬
‫االقت�صاد الإ�سالمي رباين امل�صدر‪ ،‬هو الذي يحقق التوازن للحياة‪ ،‬وفيه �شفاء لكل‬
‫ما يحدث من �أزمات‪ ،‬ورحمة للعاملني‪.‬‬
‫وقد تنب� ��أ كبار االقت�صاديني الغربيني ب�أن النظ ��ام الإ�سالمي �سي�سود ‪-‬ب�إذن اهلل‪-‬‬
‫ق ��ال االقت�ص ��ادي الفرن�سي جاك �أو�س�ت�ري‪�«:‬إن هناك اقت�صادًا ثال ًثا غ�ي�ر ر�أ�سمايل‪� ،‬أو‬
‫ا�شرتاك ��ي‪ ،‬وه ��و االقت�ص ��اد الإ�سالم ��ي الذي يب ��دو �أنه �سي�س ��ود امل�ستقبل؛ لأن ��ه �أ�سلوب‬
‫كام ��ل للحي ��اة يحقق كافة املزاي ��ا االقت�صادي ��ة»(‪ ،)2‬و�صدر من الفاتي ��كان يف جملة «يل‬
‫�أو�سريفات ��وري رومان ��و»(‪ )3‬ب�ش� ��أن امل�صرفي ��ة الإ�سالمية‪«:‬نحن نعتق ��د �أن النظام املايل‬
‫الإ�سالم ��ي قادر على امل�ساهمة يف �إعادة ت�شكيل قواعد النظام املايل الغربي‪ ،‬ونحن نرى‬
‫�أنن ��ا نواجه �أزمة مالية‪ ،‬ال تقت�صر عل ��ى م�س�ألة �شح ال�سيولة لكنها تعاين من �أزمة انهيار‬
‫الثق ��ة بالنظام ذاته‪ ،‬يحتاج النظام امل�صريف العامل ��ي �إىل �أدوات متكن من �إرجاع القيم‬
‫الأخالقية �إىل مركز االهتمام مرة �أخرى‪� ،‬أدوات متكن من تعزيز ال�سيولة وكذلك �إعادة‬
‫بناء �سمعة منوذج نظام ر�أ�سمايل ثبت ف�شله»(‪.)4‬‬

‫((( مبادئ علم االقت�صاد‪ ،‬ملحمد يحيى عوي�س �ص‪.98‬‬


‫((( اقت�صاديون �أوروبيون يطالبون بتبني فكر امل�صارف الإ�سالمية بعد الأزمة العاملية‪ ،‬على الرابط‪:‬‬
‫&‪http://www.qaradaghi.com/portal/index.php?option=com_content&view=article‬‬
‫‪id=1681:2010-09-08-17-11-39&catid=9:2009-04-11-15-09-29&Itemid=7‬‬
‫((( وه ��ي املجل ��ة �شبه الر�سمية التي متثل البابا‪ ،‬وت�صدر ب�صفة �أ�سبوعي ��ة‪ ،‬وتغطي ن�شاطات البابا‪ ،‬وتن�شر فيها املقاالت‬
‫التي يحررها كبار رجال الكني�سة الكاثوليكية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‪  ‬الوثائق الر�سمية بعد �صدورها من الفاتيكان‪.‬‬
‫‪http://www.iifef.com/node/860‬‬ ‫(((‬

‫‪23‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫تأصيل الهندسة المالية اإلسالمية‬

‫وفيه �أربعة ف�صول‪:‬‬


‫الف�صل الأول‪:‬املفهوم‪ ،‬واخل�صائ�ص‪ ،‬والفروق‪.‬‬
‫الف�صل الثاين‪:‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫الف�صل الثالث‪� :‬أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫الف�صل الرابع‪�:‬ضوابط الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�صل الأول‬
‫المفهوم‪ ،‬والخصائص‪ ،‬والفروق‬
‫املبحث الأول‬
‫تعريف الهندسة المالية اإلسالمية‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف الهند�سة املالية‪.‬‬
‫م�صطلح الهند�سة املالية مركب من كلمتني‪ ،‬الهند�سة‪ ،‬واملال‪ ،‬وال بد من تعريفهما‬
‫قبل تعريف هذا امل�صطلح‪.‬‬
‫فالهند�سة يف اللغة كلمة فار�سية معربة من‪� :‬إندازة �أي املقادير(‪ ،)1‬واملهند�س‪ :‬الذي‬
‫يق ��در جماري القنى وموا�ضعها حيث حتفر(‪ ،)2‬والهند�سة م�شتقة من الهندزة‪ ،‬ف�صريت‬
‫الزاي �سين ًا يف الإعراب لأنه لي�س بعد الدال زاي يف كالم العرب(‪.)3‬‬
‫ف اخلط ��وط‪ ،‬والأبعاد‪،‬‬ ‫والهند�س ��ة يف اال�صطالح‪«:‬ا ْلعل ��م الريا�ض ��ي ا َّل � ِ�ذي ي ْب َحث ِ‬
‫وال�سط ��وح‪ ،‬والزواي ��ا والكمي ��ات‪� ،‬أَو ا َلْ َقا ِدي ��ر املادية من َح ْي ��ثُ خوا�صه ��ا‪ ،‬وقيا�سها‪� ،‬أَو‬
‫تقوميها وعالقة َب ْع�ض َها ِب َب ْع�ض»(‪.)4‬‬
‫�ال يف اللغة فهو ما ملكته من جميع الأ�شي ��اء‪ ،‬واجلمع �أموال‪ ،‬ويف الأ�صل ما‬ ‫و�أم ��ا امل � ُ‬
‫والف�ضة‪ّ ،‬ثم �أط ِلق على كل ما ُيقتنى وميلك من الأَعيان(‪.)5‬‬ ‫ميلك من ال ّذهب ّ‬
‫و�أما املال يف اال�صطالح فقد عرفه احلنفية ب�أنه‪«:‬ما مييل �إليه الطبع وميكن ادخاره‬

‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،252/6‬مفاتيح العلوم‪ ،‬للخوارزمي‪� ،‬ص‪.225‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للجوهري ‪ ،992/3‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬للرازي �ص‪.329‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للجوهري ‪ ،992/3‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور‪.252-251/6‬‬ ‫((( ‬
‫املعجم الو�سيط‪ ،‬لإبراهيم م�صطفى و�آخرين ‪.997/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور‪.636-635/11‬‬ ‫((( ‬

‫‪27‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لوق ��ت احلاج ��ة»(‪ ،)1‬فاحلنفية يقيدون املال يف تعريفهم له مبا ميك ��ن ادخاره؛ ل ُيخرجوا‬
‫املنافع من التعريف؛ لأنهم ال يعدون املنافع مالً(‪.)2‬‬
‫و�أما اجلمهور فتعريفاتهم للم ��ال متقاربة(‪ ،)3‬واملختار منها يف تعريف املال هو‪«:‬ما‬
‫يباح نفعه مطل ًقا‪ ،‬واقتنا�ؤه بال حاجة»(‪.)4‬‬
‫وا�صطالح اجلمهور �أوىل بالقبول؛ لأن املنافع «ي�صح متليكها يف حال احلياة‪ ،‬وبعد املوت‪،‬‬
‫وت�ضمن باليد والإتالف‪ ،‬ويكون عو�ضها عي ًنا ودي ًنا»(‪ ،)5‬فهي داخلة يف م�صطلح املال(‪.)6‬‬
‫و�أما م�صطلح الهند�سة املالية فهو م�صطلح اقت�صادي‪ ،‬وهو حديث ن�سب ًيا من حيث‬
‫اال�صط�ل�اح‪ ،‬وقدمي من حيث التعام ��ل قدم التعامالت املالية(‪ ،)7‬وله عدة تعريفات‪ ،‬فقد‬
‫عرف ��ه فيرنت ��ي ب�أنه‪«:‬ت�صميم وتطوير وتطبيق عملي ��ات و�أدوات مالية م�ستحدثة وتقدمي‬
‫حلول خالقة ومبدعة للم�شكالت املالية»(‪.)8‬‬
‫وعرفت ��ه اجلمعي ��ة الدولي ��ة للمهند�س�ي�ن املالي�ي�ن ب�أنه‪«:‬التطوير والتطبي ��ق املبتكر‬
‫الفر�ص‬
‫ِ‬ ‫للم�شاكل املالي ِة املع ّقد ِة وال�ستغالل‬
‫ِ‬ ‫حلول‬
‫للنظري ِة املالي ِة والأدوات املالي ِة لإيجاد ِ‬
‫املالي ِة»)‪.(9‬‬

‫((( حا�شية ابن عابدين ‪.501/4‬‬


‫((( انظر‪:‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي‪ ،79/11‬حا�شية ابن عابدين ‪.502/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفواكه الدواين‪ ،‬للنفراوي ‪� ،281/2‬أ�سنى املطالب‪ ،‬للأن�صاري ‪ ،301/2‬منتهى الإرادات‪ ،‬البن النجار ‪.244/1‬‬
‫((( منتهى الإرادات‪ ،‬البن النجار ‪.244/1‬‬
‫((( املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.322/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬للماوردي ‪392/7‬‬
‫(( ( �صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم �ص‪.5‬‬
‫((( الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪ ،10‬بحث من�ش ��ور يف جملة جامعة امللك عبدالعزيز‪ ،‬االقت�صاد‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬م‪،20‬ع‪2007 ،2‬م‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وعرف ��ه �شوق ��ي جب ��اري ب�أنه‪« :‬عملي ��ة القيام �أو ت�صمي ��م �أو تطوي ��ر �أدوات مالية �أو‬
‫ا�ستحداث �أدوات جديدة ق�صد التغلب على م�شكلة التمويل»(‪.)1‬‬
‫وكل ه ��ذه التعريفات مبعنى واحد‪ ،‬وهي ت�شري �إىل �أن الهند�سة املالية تت�ضمن ثالثة‬
‫�أنواع من الأن�شطة‪:‬‬
‫�أولً‪ :‬ابت ��كار وتطوي ��ر �أدوات مالي ��ة جديدة‪ ،‬لتلب ��ي ه ��ذه الأدوات املبتكرة حاجات‬
‫متويلي ��ة جديدة‪� ,‬أو التطوير يف العقود احلالية لزي ��ادة كفاءتها‪ ،‬مثل بطاقات االئتمان‪،‬‬
‫و�أنواع جديدة من ال�سندات والأ�سهم(‪.)2‬‬
‫ثان ًي ��ا‪ :‬ابت ��كار �آليات متويلية جدي ��دة من �ش�أنها �أن تكون منخف�ض ��ة التكلفة‪ ،‬ومرنة‬
‫وعملية‪ ،‬مثل التداول االلكرتوين للأوراق املالية(‪.)3‬‬
‫ثال ًثا ‪ :‬ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية‪ ،‬مثل �إدارة ال�سيولة �أو �إدارة الإئتمان(‪.)4‬‬
‫وعلي ��ه فيمكن �إجمال مفهوم الهند�س ��ة املالية ب�أنها ابتكار حللول مالية‪ ،‬فهي ترتكز‬
‫على عن�صر االبتكار والتجديد(‪.)5‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫ال يختلف تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية عن تعريف الهند�سة املالية التقليدية �إال‬
‫بقيد يجعل هذه الهند�سة املالية موافقة لل�شرع(‪ ،)6‬وقد ُعرفت الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫ب�أنه ��ا‪« :‬جمموعة الأن�شطة الت ��ي تت�ضمن عمليات الت�صميم والتطوي ��ر والتنفيذ لكل من‬
‫((( دور الهند�سة املالية يف ت�أجيج �شرارة الأزمة الراهنة‪ ،‬ل�شوقي جباري �ص‪ ،13‬بحث مقدم مل�ؤمتر الأزمة االقت�صادية‬
‫املعا�صرة‪� ،‬أ�سبابها‪ ،‬وتداعياتها‪ ،‬وعالجها‪ ،‬جامعة جر�ش‪ ،‬الأردن ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.14‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.14‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.161‬‬

‫‪29‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الأدوات والعمليات املالية املبتكرة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �صياغة حلول �إبداعية مل�شاكل التمويل‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وكل ذلك يف �إطار موجهات ال�شرع احلنيف»‪.‬‬
‫وعلى هذا التعري ��ف للهند�سة املالية الإ�سالمية ي�شرتط يف الأن�شطة التي تت�ضمنها‬
‫الهند�س ��ة املالي ��ة‪ -‬والتي �سب ��ق ذكرها‪ -‬من ابت ��كار وتطوي ��ر الأدوات والآليات واحللول‬
‫التمويلية �أن تكون يف �إطار ال�ضوابط ال�شرعية(‪.)2‬‬

‫***‬

‫(( ( مدخ ��ل للهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة‪ ،‬لفتح الرحمن علي‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة امل�صريف‪ ،‬بنك ال�س ��ودان‪2002 ،‬م‪ ،‬على‬
‫الرابط‪http://www.bankofsudan.org/arabic/period/masrafi/vol_26/masrafi_26.htm :‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.162‬‬

‫‪30‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫نشأة مصطلح الهندسة المالية‬
‫الهند�س ��ة املالية من حيث املمار�سة والتعامل قدمية قدم املعامالت املالية(‪ ،)1‬فعلى‬
‫مر التاريخ هناك الكثري من التعامالت التي ي�صدق عليها �أنها من قبيل الهند�سة املالية‪،‬‬
‫فبعد ما كان النا�س يتبادلون ال�سلع بع�ضها ببع�ض يف مبايعاتهم �أ�صبحت النقود املعدنية‬
‫م ��ن ذه ��ب وف�ضة ً‬
‫و�سيط ��ا يف املب ��ادالت املالية‪ ،‬ثم حل ��ت الأوراق النقدية حم ��ل النقود‬
‫املعدنية(‪ ،)2‬و�أخذ النا�س بعدها يبتكرون العقود التي تخدم م�صاحلهم‪ ،‬فربزت منتجات‬
‫جدي ��دة كالأ�سه ��م وال�سندات ففي عام ‪1599‬م ت�أ�س�ست �شرك ��ة الهند ال�شرقية وطرحت‬
‫�أ�سهمه ��ا للت ��داول‪ ،‬ويف الق ��رن ال�ساد�س ع�شر املي�ل�ادي �أخذت احلكوم ��ات تقرت�ض من‬
‫اجلماهري‪ ،‬وجل� ��أت ال�شركات �إىل االقرتا�ض عن طريق �إ�صدار ال�سندات(‪ ،)3‬ثم تو�سعت‬
‫االبتكارات حتى �صار حتويل عمليات الدفع اليدوية �إىل بطاقات دفع يف عام ‪1914‬م‪ ،‬ثم‬
‫ب ��د�أ العمل بالبطاقات االئتمانية يف ع ��ام ‪1950‬م‪ ،‬ويف الربع الأخري من القرن الع�شرين‬
‫فاج�أت الهند�سة املالي ��ة �أ�صحاب الأموال بامل�شتقات املالية التي �صنعت عهدً ا جديدً ا يف‬
‫مفتوحا �أمام‬
‫ً‬ ‫الهند�سة املالية(‪� ،)4‬إىل غري ذلك من املنتجات واالبتكارات‪ ،‬وال زال املجال‬
‫الهند�سة املالية لتبتكر وتطور �أدواتها و�آليتها املالية‪.‬‬
‫�أما من حيث م�صطلح الهند�سة املالية فهو م�صطلح حادث‪ ،‬ففي بداية ال�سبعينات‬
‫من القرن الع�شرين ح�صلت �أ�سباب كثرية �أدت �إىل ن�ش�أة م�صطلح الهند�سة املالية‪ ،‬ومن‬
‫هذه الأ�سباب‪:‬‬
‫انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.5‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الورق النقدي‪ ،‬لعبداهلل بن منيع‪� ،‬ص‪.26-23‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الأ�سهم وال�سندات‪ ،‬لأحمد اخلليل‪� ،‬ص‪.39-38‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬ليحيى النعيمي‪� ،‬ص‪.18-16‬‬ ‫(( (‬

‫‪31‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪-1‬ح�ص ��ول �أح ��داث عاملي ��ة كانهي ��ار اتفاقي ��ة بريت ��ون وودز(‪ )1‬الت ��ي �أدت �إىل التقلبات‬
‫العنيفة يف �أ�سعار ال�صرف‪ ،‬وانهيار �أ�سواق الأوراق املالية العاملية املتتابعة‪ ،‬وحماولة‬
‫امل�ؤ�س�سات املالية وامل�صرفية جتاوز قيود ال�سيا�سات النقدية(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬التقلب ��ات الكبرية وغري املتوقعة يف حميط االقت�صاد العاملي‪ ،‬مما �شكل خط ًرا كب ًريا‬
‫على امل�ؤ�س�سات املالية‪ ،‬وهدد وجودها‪ ،‬ترتب على ذلك �ضرورة ابتكار منتجات مالية‬
‫جديدة‪ ،‬وتطوير قدرات عالية لل�سيطرة على هذه املخاطر(‪.)3‬‬
‫‪-3‬تط ��ور تقني ��ة املعلومات مم ��ا �أدى �إىل حتوي ��ل الأ�س ��واق العاملية واملتع ��ددة �إىل �سوق‬
‫م ��ايل كبري‪ ،‬و�أدى ذل ��ك �إىل زيادة ع ��دد امل�شاركني‪ ،‬وتتطلب زيادة ع ��دد امل�شاركني‬
‫م ��ن املهند�سني املاليني العمل ب�صورة اقت�صادية مقبولة‪ ،‬فكلما ابتكروا �أداة متويلية‬
‫جديدة وجدوا من يطلبها وي�أخذها(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬زي ��ادة عدد الأ�سواق املالي ��ة‪� ،‬أدت �إىل املناف�سة يف ابتكار �أدوات مالية جديدة ب�آليات‬
‫�أقل تكلفة لك�سب �أكرث عدد من طالبي التمويل(‪.)5‬‬
‫‪-5‬االحتياج ��ات املختلفة للم�ستثمرين‪ ،‬فلم تع ��د الأدوات التمويلية القدمية تلبي رغبات‬
‫امل�ستثمرين‪ ،‬مما �أدى �إىل احلاجة �إىل االبتكار والتجديد فيها(‪.)6‬‬

‫((( اتفاقية بريتون وودز هو اال�سم ال�شائع للمكان الذي انعقد فيه م�ؤمتر النقد الدويل يف ‪1944‬م‪ ،‬وقد و�ضعوا اخلطط‬
‫من �أجل ا�ستقرار النظام العاملي املايل وت�شجيع �إمناء‪ ‬التجارة‪ ‬بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وظل هذا النظام متما�سك ًا‬
‫�إىل �أوائل ال�سبعينات‪.‬انظر‪http://www.borsaat.com/vb/t427837.html:‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬امل�شتقات املالية‪ ،‬ل�سمري ر�ضوان‪� ،‬ص‪.78-77‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬البور�صات والهند�سة املالية‪ ،‬لفريد النجار‪� ،‬ص‪.244‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية‪ ،‬ملحمد �أحمد اجللي‪ ،‬مقال من�شور على الرابط‪:‬‬
‫‪htp://www.abofru.net/vb/archive/index.php/t-2019.html‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪�،‬ص‪.33‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪ ،3‬الهند�سة املالية‪ ،‬ملحمد �أحمد اجللي‪ ،‬مقال من�شور يف االنرتنت‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪-6‬مع تط ��ور الأدوات التمويلية‪ ،‬يحت ��اج طالب التمويل احل�صول عليه ��ا ب�أقل التكاليف؛‬
‫مم ��ا �أدى �إىل احلاج ��ة �إىل تطوير الآلي ��ات التمويلية؛ ليتم احل�ص ��ول على الأدوات‬
‫ب�سهولة‪ ،‬وبتكلفة قليلة‪.‬‬
‫‪ -7‬وج ��ود بع�ض امل�ش ��اكل يف الإدارة التمويلية ا�ستوجب ابتكار حل ��ول ملعاجلتها‪ ،‬و�إعداد‬
‫�صيغ متويلية تالئم الظروف املحيطة ببع�ض امل�شاريع(‪.)1‬‬
‫‪-8‬ظه ��ور مفهوم ��ي الكفاءة والفاعلي ��ة‪ :‬ويق�صد بالكفاءة �أن يت ��م مقابلة هذه احلاجات‬
‫بتكلف ��ة قليلة‪ ،‬وب�سرعة ودقة عاليتني‪ ،‬ويق�صد بالفاعلي ��ة املقدرة على تلبية حاجات‬
‫طالبي التمويل (‪.)2‬‬
‫ه ��ذه ه ��ي �أبرز الأ�سب ��اب التي جعل ��ت ال�سوق امل ��ايل الأمريكي ي�ستع�ي�ن ببع�ض من‬
‫ح ��ازوا درجات علمية عالية من الأكادمييني وغريهم ليقوم ��وا بتطوير املنتجات املالية‪،‬‬
‫ث ��م يف منت�ص ��ف الثمانينات �أطلق على عملية ابتكار املنتج ��ات وتطويرها ا�سم الهند�سة‬
‫دارجا‬
‫م�صطلحا ً‬
‫ً‬ ‫املالي ��ة(‪ ،)3‬ومنذ ذلك الوقت انت�شر م�صطلح الهند�س ��ة املالية‪ ،‬و�أ�صبح‬
‫تخ�ص�صا يدر�س يف اجلامعات‪ ،‬وت�ؤخذ‬ ‫ً‬ ‫يف مراكز الأبحاث‪ ،‬وبني �أهل االقت�صاد‪ ،‬بل �صار‬
‫فيه ال�شهادات(‪.)4‬‬
‫ولأن الهند�س ��ة املالية التقليدية ولدت من رحم النظام الر�أ�سمايل كانت هي �إحدى‬
‫الأ�سباب يف ت�أجيج �شرارة الأزمات املالية التي ي�شاهدها العامل املعا�صر(‪،)5‬حتى �إن بع�ض‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية‪ ،‬ملحمد �أحمد اجللي‪ ،‬مقال من�شور يف االنرتنت‪.‬‬
‫(( ( انظر‪:‬امل�شتقات املالية‪ ،‬ل�سمري ر�ضوان‪� ،‬ص‪.93-92‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬ليحيى النعيمي‪� ،‬ص‪.19‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪ ،3‬دور الهند�سة املالية يف ت�أجيج �شرارة الأزمة الراهنة‪ ،‬ل�شوقي‬
‫جب ��اري �ص‪ ،2‬بحث مق ��دم مل�ؤمتر الأزم ��ة االقت�صادية املعا�صرة‪� ،‬أ�سبابه ��ا‪ ،‬وتداعياتها‪ ،‬وعالجه ��ا‪ ،‬جامعة جر�ش‪،‬‬
‫الأردن ‪1432‬هـ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الكت ��اب الغربي�ي�ن �سماها‪ :‬عب ًثا مال ًيا بدلً من هند�سة مالي ��ة(‪ ،)1‬و�أدى ذلك �إىل �ضرورة‬
‫�أن تكون الهند�سة املالية وفق املنهج الإ�سالمي جتمع بني امل�صداقية ال�شرعية‪ ،‬والكفاءة‬
‫االقت�صادي ��ة العملية‪ ،‬ولعل البح ��ث الذي كتبه الدكتور �سام ��ي ال�سويلم بعنوان«�صناعة‬
‫الهند�س ��ة املالية‪-‬نظ ��رات يف املنه ��ج الإ�سالمي»‪ ،‬وال ��ذي ن�شره مركز البح ��وث ب�شركة‬
‫الراجح ��ي امل�صرفية لال�ستثمار يف عام ‪1421‬ه� �ـ‪2000-‬م‪� ،‬أوىل املحاوالت اجلادة التي‬
‫ا�ستعر�ض ��ت مالمح م�صطل ��ح الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬وحاولت �س�ب�ر عنا�صره‪ ،‬ثم‬
‫ظه ��رت بعد ذلك بع�ض البحوث‪ ،‬و�أقيمت بع� ��ض الندوات وامل�ؤمترات يف الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمي ��ة‪� ،‬إال �أنه ��ا قليلة مقابل ما ُخدمت ب ��ه الهند�سة املالية التقليدي ��ة‪ ،‬وامل�أمول �أن‬
‫ت�أخ ��ذ الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية حقها م ��ن الت�أ�صيل‪ ،‬والتطوي ��ر‪ ،‬والتطبيق‪ ،‬كفرع من‬
‫ف ��روع التموي ��ل الإ�سالمي‪ ،‬و�أن تك ��ون �إح ��دى التخ�ص�صات التي تدر� ��س يف اجلامعات‪،‬‬
‫وتكتب فيها الر�سائل البحوث الأكادميية املتخ�ص�صة(‪.)2‬‬

‫***‬

‫(( ( انظر‪:‬احل ��وار ال ��ذي �أج ��ري م ��ع الدكتور عبدالك ��رمي قندوز‪� ،‬ص ��در يف العدد الأخ�ي�ر ملجلة امل�صرفي ��ة الإ�سالمية‪،‬‬
‫العدد‪� ،10‬شهر فرباير‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬ليحيى النعيمي‪� ،‬ص‪.40‬‬

‫‪34‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثالث‬
‫أهمية الهندسة المالية اإلسالمية‪،‬وأهدافها‬
‫املطلب الأول‪� :‬أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫تتبني �أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الأمور التالية‪:‬‬
‫‪� -1‬أن معظ ��م الأدوات التمويلية املوجودة هي تلك الت ��ي مت تطويرها منذ قرون‪ ،‬وكانت‬
‫تفي بحاج ��ة املجتمعات يف ذاك الوقت‪ ،‬ويف الوقت احلا�ضر تتزايد حاجات املجتمع‬
‫ب�شكل م�ستم ��ر‪ ،‬ويتطلب ذلك �إيجاد �أدوات متويلية من�ضبط ��ة بال�ضوابط ال�شرعية؛‬
‫ك ��ي ت�ساهم يف حتقيق مر�ض ��اة اهلل �سبحانه وتعاىل‪ ،‬وتعبيد العباد خلالقهم بالتزام‬
‫�أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬واقتفاء �شرعه فيما يتعلق باملعامالت املالية(‪.)1‬‬
‫بدل من حماربتها‪ ،‬واتخاذ‬ ‫‪ -2‬اال�ستف ��ادة من التطورات التي ت�شهدها الأ�سواق العاملية‪ ،‬اً‬
‫موق ��ف الع ��داء منها‪ ،‬وت�صحيح م ��ا يحتاج منه ��ا �إىل ت�صحيح لتتواف ��ق مع �ضوابط‬
‫ال�شريعة الإ�سالمية(‪.)2‬‬
‫‪� -3‬أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية ت�ساهم يف ك�سر حلقة التبعي ��ة للعامل الغربي؛ وذلك‬
‫بابت ��كار الأن�شطة الأكرث مالءمة لظروف التنمية االجتماعية‪ ،‬دون الوقوع يف الديون‬
‫الربوية و�أعبائها الثقيلة(‪.)3‬‬
‫‪� -4‬أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية هي البدي ��ل والعالج للأزمات املالي ��ة التي ي�شهدها‬
‫العامل ب�سبب املعامالت غري املن�ضبطة ب�ضوابط ال�شرع احلنيف(‪.)4‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪ ،39‬ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪،‬‬
‫�ص‪.11‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.39‬‬
‫((( انظر‪ :‬دور الهند�سة املالية يف زيادة فاعلية ال�سيا�سة النقدية يف النظام النقدي الإ�سالمي‪ ،‬ل�شهناز مدين‪� ،‬ص‪.12‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬ال�ضوابط ال�شرعي ��ة للهند�سة املالية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪� ،‬ص‪ ،11‬دور الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية يف معاجلة‬

‫‪35‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -5‬أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية بجمعها لعن�ص ��ري امل�صداقية ال�شرعي ��ة‪ ،‬والكفاءة‬
‫االقت�صادي ��ة العملية‪ ،‬ت�ضم ��ن ا�ستمرارية النظام الإ�سالم ��ي‪ ،‬وحماية اقت�صاده من‬
‫الت�أثر بالأزمات االقت�صادية اخلانقة املتتابعة(‪.)1‬‬
‫‪� -6‬أن جمه ��ور امل�سلمني ممن يتعامل ��ون بالعقود املالية يقعون يف ح ��رج وم�شقة؛ لوجود‬
‫كثري من املعامالت املنافية لل�شرع‪ ،‬ويف الهند�سة املالية الإ�سالمية رفع لذلك احلرج‪،‬‬
‫وامل�شقة؛ حيث �إنها تبتكر لهم �أو تطور عقودًا مالية متوافقة مع ال�شرع(‪.)2‬‬
‫‪� -7‬أن م ��ن مقا�ص ��د املكلف�ي�ن االكت�ساب وطل ��ب الرزق وتنمي ��ة امل ��ال‪ ،‬والو�سائل تتغري‬
‫وتختلف باختالف الع�صور والعادات‪ ،‬والهند�سة املالية الإ�سالمية ت�ستخدم الو�سائل‬
‫التي تتواكب مع كل ع�صر وجمتمع‪ ،‬مع املحافظة على الأ�صالة الإ�سالمية(‪.)3‬‬
‫‪� -8‬أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية حتتاج �إىل اجتهاد �سواء يف تكييف العقود املوجودة‪،‬‬
‫�أو‪ ‬تطويره ��ا‪� ،‬أو ا�ستحداث عقود جديدة‪ ،‬مما يجعل الفق ��ه الإ�سالمي حا�ض ًرا على‬
‫ال�ساحة االقت�صادية‪ ،‬ومما يعني على ا�ستمرار االجتهاد الفقهي(‪.)4‬‬
‫‪� -9‬أن يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �إبرا ًزا للنظام االقت�صادي الإ�سالمي‪ ،‬وهذا ي�شكل‬
‫دعوة عظيمة لهذا الدين ب�سموه و�شموله وعالجه مل�شاكل العامل االقت�صادية(‪.)5‬‬

‫الأزمات املالية‪ ،‬لهناء احلنيطي‪ ،‬على الرابط‪http://www.aliftaa.jo/index.php/research/show/id/53:‬‬


‫((( انظر‪�:‬صناع ��ة الهند�س ��ة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪�� �،‬ص‪ ،3‬ال�ضوابط ال�شرعي ��ة للهند�سة املالية‪ ،‬لعب ��داهلل ال�سكاكر‪،‬‬
‫�ص‪.11‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.40‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.459‬‬
‫((( انظر‪�:‬ضواب ��ط االجتهاد يف املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬لأحم ��د ال�ضويحي‪ ،‬بحث من�شور يف م�ؤمتر امل�ؤ�س�سات املالية‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬كلية ال�شريعة والقانون‪ ،‬جامعة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬امل�ؤمتر العلمي ال�سنوي الرابع ع�شر‪� ،‬ص‪.32‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪� ،‬ص‪.11‬‬

‫‪36‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثاين‪� :‬أهداف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬


‫للهند�سة املالية الإ�سالمية �أهداف كثرية‪ ،‬ميكن �إجمالها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪�-1‬إيج ��اد امل�ؤ�س�سات امل�صرفية اخلالية م ��ن املخالفات ال�شرعية‪ ،‬والتي متكن من تنفيذ‬
‫معامالت امل�سلمني وف ًقا ملعتقداتهم الدينية(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬امل�ساهم ��ة يف �إنعا� ��ش االقت�ص ��اد؛ وذلك مب�شارك ��ة كثري ممن ت ��رك امل�شاريع ب�سبب‬
‫خمالفتها لل�شرع(‪.)2‬‬
‫‪-3‬توف�ي�ر منتجات مالية �إ�سالمية ذات ج ��ودة عالية‪ ،‬ومتتاز بامل�صداقية‪ ،‬كبديل �شرعي‬
‫للمنتجات املالية املحرمة(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬امل�ساع ��دة يف تطوي ��ر الأ�س ��واق املالي ��ة املحلية والعاملي ��ة؛ من خ�ل�ال الأدوات املالية‬
‫الإ�سالمية املبتكرة(‪.)4‬‬
‫‪-5‬حتقيق الكفاءة االقت�صادية؛ عن طريق تو�سيع الفر�ص اال�ستثمارية‪ ،‬وتخفي�ض تكاليف‬
‫املعامالت‪ ،‬وتخفي�ض تكاليف احل�صول على معلومات وعموالت الو�ساطة وال�سم�سرة‬
‫وتتميز هذه الكفاءة االقت�صادية مبوافقتها لل�شريعة الإ�سالمية(‪.)5‬‬
‫‪ -6‬حتقيق احل�صول على االعتبار والتقدير من قبل بع�ض امل�ؤ�س�سات الدولية(‪.)6‬‬
‫‪-7‬مناف�س ��ة امل�صارف الإ�سالمية للم�ص ��ارف التقليدية‪ ،‬عن طريق تقدمي �أدوات و�آليات‬
‫وحلول متوافقة مع ال�شريعة الإ�سالمية(‪.)7‬‬

‫انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.11‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬دور الهند�سة املالية الإ�سالمية يف معاجلة الأزمات املالية‪ ،‬لهناء احلنيطي‪ ،‬بحث من�شور يف االنرتنت‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.16‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬دور الهند�سة املالية الإ�سالمية يف معاجلة الأزمات املالية‪ ،‬لهناء احلنيطي‪ ،‬بحث من�شور يف االنرتنت‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬دور الهند�سة املالية يف زيادة فاعلية ال�سيا�سة النقدية يف النظام النقدي الإ�سالمي‪ ،‬ل�شهناز مدين‪� ،‬ص‪.49‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬دور الهند�سة املالية الإ�سالمية يف معاجلة الأزمات املالية‪ ،‬لهناء احلنيطي‪ ،‬بحث من�شور يف االنرتنت‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬احل ��وار ال ��ذي �أج ��ري م ��ع الدكتور عبدالك ��رمي قندوز‪� ،‬ص ��در يف العدد الأخ�ي�ر ملجلة امل�صرفي ��ة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫(( (‬

‫‪37‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -8‬تقليل خماطر اال�ستثمار‪ ،‬بتنويع �صيغه‪ ،‬وقطاعاته ال�شرعية (‪.)1‬‬


‫‪ -9‬توفري حلول �شرعية مبتكرة للإ�شكاالت التمويلية(‪.)2‬‬
‫‪-10‬حتقيق عوائد جمزية لطالبي التمويل‪ ،‬وتنويع امل�صادر الربحية الإ�سالمية(‪.)3‬‬
‫‪-11‬امل�ساع ��دة يف املواءم ��ة بني العوائد واملخاط ��ر وال�سيولة لدى ال�ش ��ركات وامل�ؤ�س�سات‬
‫املالية(‪.)4‬‬
‫‪-12‬توف�ي�ر متوي ��ل م�ستق ��ر وحقيق ��ي‪ ،‬ومن م ��وارد موج ��ودة �أ�ص�ًلماً مما يقلل م ��ن �آثار‬
‫الت�ضخم(‪.)5‬‬

‫***‬

‫العدد‪� ،10‬شهر فرباير‪.‬‬


‫(( ( انظ ��ر‪ :‬نحو منتج ��ات مالية �إ�سالمية مبتك ��رة‪ ،‬ملحمد عمر اجلا�س ��ر‪ ،‬بحث مقدم �إىل م�ؤمتر امل�ص ��ارف الإ�سالمية‬
‫اليمنية حتت عنوان‪« :‬الواقع وحتديات امل�ستقبل»‪ ،‬مار�س ‪� ،2010‬ص‪.8‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬دور الهند�سة املالية الإ�سالمية يف معاجلة الأزمات املالية‪ ،‬لهناء احلنيطي‪ ،‬بحث من�شور يف االنرتنت‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الرابع‬
‫خصائص الهندسة المالية اإلسالمية‬
‫متتاز الأدوات التي تبتكرها �أو تطورها الهند�سة املالية الإ�سالمية مبيزتني‪:‬‬
‫املي ��زة الأوىل‪ :‬امل�ص ��داقية ال�ش ��رعية‪ :‬ويق�ص ��د بامل�صداقي ��ة ال�شرعي ��ة �أن تك ��ون‬
‫املنتج ��ات الإ�سالمية متوافقة م ��ع ال�شرع‪ ،‬ويت�ضمن ذلك اخل ��روج من اخلالف الفقهي‬
‫ق ��در امل�ستطاع(‪ ،)1‬فلي�س الهدف الأ�سا�س من ال�صناعة الإ�سالمية ترجيح الآراء الفقهية‬
‫عل ��ى بع�ضها‪� ،‬إمنا اله ��دف الو�صول �إىل حل ��ول مبتكرة تكون حمل اتف ��اق قدر الإمكان‪،‬‬
‫فكلم ��ا كان ��ت حمل اتفاق من الفقه ��اء �أو كان اخلالف فيه ناد ًرا كان ��ت �أكرث م�صداقية‬
‫�شرعية(‪.)2‬‬
‫املي ��زة الثاني ��ة‪ :‬الكف ��اءة االقت�ص ��ادية‪ :‬واملق�ص ��ود بالكف ��اءة االقت�صادية �أن حتقق‬
‫مقا�ص ��د املتعامل�ي�ن ب�أقل ق ��در ممكن م ��ن التكاليف الإجرائي ��ة �أو التعاقدي ��ة‪ ،‬فيتطلب‬
‫م ��ع ت�سارع وت�ي�رة احلي ��اة االقت�صادية املعا�ص ��رة‪ ،‬والتقدم التقني يف ع ��امل االت�صاالت‬
‫واملعلوم ��ات تطوي ��ر �أ�ساليب التعام ��ل االقت�ص ��ادي �إىل �أقل قدر ممكن م ��ن االلتزامات‬
‫والقيود(‪.)3‬‬
‫وهات ��ان امليزت ��ان لي�ستا منعزلتني ع ��ن بع�ضهما البع�ض‪ ،‬ب ��ل مرتابطتني‪ ،‬فلي�س كل‬

‫((( من الأمثلة على اخلروج من اخلالف الفقهي الر�سوم التي ي�أخذها امل�صرف من التاجر يف بطاقة االئتمان؛ فقد اختلف‬
‫الفقهاء املعا�صرون يف حكمها بني مبيح لها؛ لأنها عبارة عن �سم�سرة �أو عمولة‪ ،‬وبني حمرم لها؛ لأنها �أجرة على ال�ضمان‬
‫�أو م ��ن ب ��اب ح�سم الكمبيالة‪ ،‬وميك ��ن اخلروج من هذا اخلالف ب�أن ُتبنى عالقة م�شاركة ب�ي�ن امل�صرف والتاجر‪ ،‬فتكون‬
‫الن�سب ��ة الت ��ي يخ�صمها امل�صرف عل ��ى التاجر ح�صة يف ال�سلع ��ة املباعة‪ ،‬وي�صبح التاجر �شري� � ًكا للم�صرف يف الأرباح‪،‬‬
‫وبذلك نخرج من اخلالف الفقهي فيها‪ .‬انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.19‬‬
‫(( ( انظر‪�:‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.18-17‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.164-163‬‬

‫‪39‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م ��ا هو مباح يف دائرة ال�شرع يكون ذا كف ��اءة اقت�صادية؛ فال�شرع جاء لكل زمان ومكان‪،‬‬
‫وظ ��روف النا�س تختلف بح�سب اختالف الأزمن ��ة والأمكنة‪ ،‬والهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫تطم ��ح �إىل منتج منوذجي مبقيا�س الع�صر احلا�ضر‪ ،‬ولي�س كل ما هو منوذجي يف ع�صر‬
‫م�ض ��ى يك ��ون منوذج ًيا يف ع�صرنا احلا�ض ��ر‪ ،‬فينبغي اختيار �أكف�أ النم ��اذج االقت�صادية‬
‫لع�صرنا مع احلفاظ على امل�صداقية ال�شرعية(‪.)1‬‬

‫***‬

‫(( ( انظر‪�:‬صناع ��ة الهند�س ��ة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪�� � ،‬ص‪ ،18-17‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ب�ي�ن النظرية والتطبيق‪،‬‬
‫لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.164-163‬‬

‫‪40‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫معوقات تطبيق الهندسة المالية اإلسالمية‬
‫وعل ��ى الرغ ��م م ��ن �أهمية الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة والإجن ��ازات الكبرية التي‬
‫حتققه ��ا للم�ؤ�س�سات‪ ،‬والبنوك الإ�سالمية‪� ،‬إال �أن ا�ستفادة امل�ؤ�س�سات والبنوك الإ�سالمية‬
‫من الهند�سة املالية الإ�سالمية يف جمال �أعمالها مازالت متدنية‪ ،‬وذلك لوجود املعوقات‬
‫�أمامها‪ ،‬وكل ما يعيق امل�ؤ�س�سات والبنوك الإ�سالمية يكون معي ًقا لتطبيق الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬و�أبرز هذه املعوقات‪:‬‬
‫‪-1‬املعوقات املتعلقة باجلانب امل�ؤ�س�سي‪:‬‬
‫�أ‪-‬البن ��وك الإ�سالمي ��ة حتت ��اج �إىل ع ��دد م ��ن الرتتيب ��ات الداعمة لها بغي ��ة القيام‬
‫بوظائفه ��ا املتع ��ددة‪ ،‬وهي حت ��اول اال�ستفادة م ��ن الإط ��ار امل�ؤ�س�سي ال ��ذي يدعم العمل‬
‫خ�صو�صا خلدمة‬
‫ً‬ ‫امل�صريف التقليدي‪ ،‬لكنها تعاين من انعدام الدعم امل�ؤ�س�سي الذي ُي َ‬
‫وظف‬
‫حاجاته ��ا‪ .‬كما �أن بناء كي ��ان م�ؤ�س�سي �سليم يعد �أخطر حتد يواج ��ه التمويل الإ�سالمي؛‬
‫وذل ��ك لأن قوان�ي�ن التجارة وامل�ص ��ارف وال�شركات ف ��ى معظم البل ��دان الإ�سالمية على‬
‫أحكاما ت�ضيق من مدى ن�شاطات العمل امل�صريف‬ ‫النمط الغربي‪ ،‬وحتتوى ه ��ذه القوانني � ً‬
‫وحت�صره يف حدود تقليدية(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬ع ��دم وجود �إطار �إ�شرايف ف ّعال يع ��د �أحد نقاط �ضعف النظام القائم‪ ،‬وي�ستحق‬
‫الإطار الإ�شرايف اهتماما بال ًغا‪ ،‬وهناك حاجة ما�سة لتن�سيق وتقوية الأدوار التي تقوم بها‬
‫كل من هيئات الرقابة ال�شرعية والبنوك املركزية يف الدول الإ�سالمية(‪.)2‬‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬الهند�سة املالي ��ة مدخل لتطوير ال�صناعة املالي ��ة‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪ .25-24‬واق�ت�رح الدكتور �صالح‬
‫ال�سلطان‪�-‬أثناء املناق�شة‪� :-‬أنه لو كان هناك رابطة مثل احتاد عاملي للم�صارف الإ�سالمية ُيعنى ب�صياغة ال�سيا�سات‬
‫العامة‪ ،‬ويكون حلقة و�صل بني امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬وبينها وبني البنوك وامل�ؤ�س�سات املالية التقليدية‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.26-25‬‬

‫‪41‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -2‬املعوقات املتعلقة باجلانب الت�شغيلي‪:‬‬


‫�أ‪-‬البن ��وك وامل�ؤ�س�سات الإ�سالمية تواج ��ه مناف�سة م�ستمرة من البن ��وك التقليدية‪،‬‬
‫وم�ؤخ� � ًرا ق ��ام عدد من البنوك التقليدي ��ة يف �أنحاء العامل مبمار�س ��ة النظام الإ�سالمي‪،‬‬
‫جناحا‬
‫ويف ذل ��ك مناف�سة للبنوك وامل�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪ ،‬لقد حققت البنوك الإ�سالمية ً‬
‫كب�ي ً�را يف املا�ض ��ي يف ح�شد الودائع‪ ،‬والكثري من هذه الودائ ��ع لدى البنوك الإ�سالمية مل‬
‫ت�أت ب�سبب جاذبية العوائد املرتفعة‪ ،‬بل ب�سبب االلتزام الديني للعمالء‪ ،‬وحيث �إن البنوك‬
‫وامل�ؤ�س�س ��ات التقليدية ت�ستخدم خربتها الوا�سع ��ة يف �إن�شاء �أدوات مالية تتفق مع ال�صيغ‬
‫الإ�سالمي ��ة‪ ،‬وذات كفاءة عالية‪ ،‬ف�إن املدخري ��ن امل�سلمني �سيودعون �أموالهم فيها‪ ،‬وهذا‬
‫الأمر يتطلب املزيد من اجلهود امل�ضنية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية كي حتافظ على ا�ستمرار‬
‫منوه ��ا‪ ،‬وتزداد املناف�سة بزيادة االعتماد االقت�ص ��ادي املتبادل للبلدان على نطاق عاملي‬
‫م ��ن خ�ل�ال تزايد حجم وتنوع املعام�ل�ات التي تتم عرب احل ��دود يف الب�ضائع واخلدمات‬
‫والتدفق الدويل لر�ؤو�س الأموال‪ ،‬وكذلك من خالل االنت�شار املتزايد لو�سائل االت�صاالت‬
‫واملعلومات (‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬قل ��ة التموي ��ل ع ��ن طريق تقا�س ��م الأرباح؛ لقد عل ��ق املخت�ص ��ون االقت�صاديون‬
‫الإ�سالمي ��ون �آمالهم عل ��ى البنوك الإ�سالمية لتقدمي قدر معترب م ��ن التمويل عن طريق‬
‫تقا�س ��م الأرباح‪ ،‬وينتج عن هذا �آثار اقت�صادية مماثلة لال�ستثمار املبا�شر‪ ،‬والتي حتدث‬
‫ت�أث�ي ً�را قو ًيا على �صعي ��د التنمية االقت�صادية‪� ،‬إال �أنه فعل ًيا ظل متويل امل�شاركة يف الأرباح‬
‫�ضئي�ًل�ااً يف املعام�ل�ات الإ�سالمي ��ة؛ ويعزى ذلك �إىل وج ��ود تكاليف ناجم ��ة عن توظيف‬
‫الأموال على �أ�سا�س امل�شاركة يف الأرباح؛ حيث �إن اختيار امل�شروع املنا�سب لتمويله يتطلب‬

‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.28-27‬‬

‫‪42‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫درا�سات جادة وتقو ًميا فن ًيا مال ًيا‪ ،‬وعادة ما تتجاوز تكلفة هذه اجلهود تكلفة الإيداعات‬
‫بعوائ ��د ثابتة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أن ترتيبات امل�شاركة يف الأرباح تتطلب متابعة وتقدمي دعم‬
‫فني‪ ،‬و�أحيا ًنا دع ًما مال ًيا �إ�ضاف ًيا للمتعهدين‪ ،‬والبنوك ال تريد ذلك(‪.)1‬‬
‫ج‪ -‬انت�شار �صيغ التمويل القائمة على �أ�سا�س الدين �سبب م�شكلة؛ وهى �صعوبة حتويل‬
‫ه ��ذه ال�صي ��غ التمويلية �إىل �أدوات مالية ميكن التفاو� ��ض ب�ش�أنها‪ ،‬فمجرد �إحداث الدين‬
‫ال ميك ��ن حتويل ��ه �إىل �أي �شخ�ص �إال بقيمت ��ه اال�سمية‪ ،‬ويجعل ذلك هي ��كل ال�سوق املالية‬
‫الإ�سالمية غري قابل للت�سييل بدرجة عالية‪ ،‬وميثل ذلك عقبة يف تطوير �أ�سواق ثانوية يف‬
‫الأدوات املالية الإ�سالمية؛ لإنه مامل ت�صبح ال�صيغ القائمة على الأ�سهم �أكرث �شعبية‪� ،‬أو‬
‫يتم تطوير �أدوات �أخرى قابلة للتداول‪ ،‬ف�إن ال�سوق املالية الإ�سالمية لن تتطور(‪.)2‬‬
‫ه ��ذه هي �أبرز املعوقات التي تعيق ا�ستمرار امل�ؤ�س�سات والبنوك الإ�سالمية‪ ،‬وبالتايل‬
‫تعيق تطبيق الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫ومن العوائق �أمام الهند�سة املالية الإ�سالمية على وجه اخل�صو�ص غياب الكفاءات‬
‫الب�شري ��ة الت ��ي تتمتع مبعرف ��ة �أ�سا�سي ��ات العل ��وم املالية امل�صرفي ��ة‪ ،‬مع الإمل ��ام بالفقه‬
‫الإ�سالمي(‪.)3‬‬
‫ويرى بع�ض الباحثني يف االقت�صاد الإ�سالمي �أن مما يعيق الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫االختالف ��ات الفقهية‪ ،‬و�أنها حتد من انت�شار التمويل الإ�سالمي‪ ،‬وعلى الوجه املقابل يرى‬
‫بع�ضهم �أن االختالفات الفقهية ت�ؤدي �إىل التنوع و�إثراء جتربة ال�صناعة الإ�سالمية‪ ،‬و�أن‬
‫ق�ضي ��ة اخلالفات الفقهية ال ينبغي �أن تكون �سدً ا مان ًع ��ا النت�شار التمويل الإ�سالمي‪ ،‬ويف‬

‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.26‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.27‬‬
‫(( ( انظر‪:‬احل ��وار ال ��ذي �أج ��ري م ��ع الدكتور عبدالك ��رمي قندوز‪� ،‬ص ��در يف العدد الأخ�ي�ر ملجلة امل�صرفي ��ة الإ�سالمية‪،‬‬
‫العدد‪� ،10‬شهر فرباير‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الوقت نف�سه يجب عدم الت�ضييق على النا�س يف معامالتهم املالية(‪ ،)1‬ويقرتح بع�ضهم �أن‬
‫يكون احلل �أن تلزم جميع امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية بقرارات املجامع الفقهية(‪.)2‬‬
‫و�إل ��زام امل�ؤ�س�سات الإ�سالمية بق ��رارات املجامع الفقهية‪� ،‬أو غريها من دور الإفتاء‪،‬‬
‫�أو الهيئ ��ات ال�شرعي ��ة(‪ ،)3‬فيه �ضبط للتوج ��ه ال�شرعي للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪ ،‬وحد من‬
‫ت�ضارب املمار�سات الفعلية لها الذي ي�ؤدي �إىل زعزعة ثقة النا�س الذين يريدون التعامل‬
‫معه ��ا‪ ،‬ولي� ��س يف هذا الإل ��زام ت�ضييق عليها‪� ،‬أو ح ��د من ثراء الفق ��ه �أو تنوعه؛ لأن هذه‬
‫املجامع الفقهية والهيئات ال�شرعية تراعي هذا التنوع الفقهي‪ ،‬وت�ستفيد منه‪.‬‬

‫***‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪� ،‬ص‪ ،33‬واحلوار الذي �أجري مع الدكتور‬
‫عبدالكرمي قندوز‪� ،‬صدر يف العدد الأخري ملجلة امل�صرفية الإ�سالمية‪ ،‬العدد‪� ،10‬شهر فرباير‪.‬‬
‫(( ( من املهم �أال يكون للبنك ت�أثري على هذه الهيئات ال�شرعية يف اختيارها الفقهي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫الفروق بين الهندسة المالية اإلسالمية‬
‫والهندسة المالية التقليدية‬
‫تتف ��ق الهند�سة املالية الإ�سالمية م ��ع الهند�سة املالية التقليدية ب� ��أن كلتيهما تبتكر‬
‫وتط ��ور �أدوات مالية‪ ،‬لك ��ن الهند�سة املالية الإ�سالمية ملتزم ��ة بالأحكام ال�شرعية؛ مما‬
‫�أدى �إىل وجود بع�ض الفروق بينهما‪ ،‬وهي كالتايل‪:‬‬
‫‪-1‬االن�ضباط يف الهند�سة املالية الإ�سالمية �أكرب منه يف الهند�سة املالية التقليدية؛ وذلك‬
‫�أن حافز التدين لدى امل�سلمني عميق‪ ،‬ومن �ش�أنه �أن يحد من حماوالت االلتفاف على‬
‫الأنظم ��ة الإ�سالمية‪ ،‬بعك�س الهند�سة املالية التقليدي ��ة التي ال متتلك حوافز داخلية‬
‫لاللت ��زام واملحافظة على روح الأحكام واللوائح القانونية‪ ،‬مما يجعلها تتحايل عليها‬
‫كلما �سنحت لها فر�صة كافية للربح(‪.)1‬‬
‫‪� -2‬إن املحافظ ��ة عل ��ى الأح ��كام ال�شرعية �أي�سر م ��ن املحافظة على الأح ��كام الو�ضعية؛‬
‫إحكاما وتنا�س ًقا‪� ،‬أما‬ ‫ً‬
‫ان�ضباطا و� ً‬ ‫وذل ��ك �أن النظام الإ�سالمي نظام رب ��اين‪ ،‬فهو �أكرث‬
‫الأح ��كام الو�ضعية فيتطرق �إليها اخللل والق�صور والتناق�ض مبا ال ي�سمح للمتعاملني‬
‫بها �أن يحافظوا عليها(‪.)2‬‬
‫‪� -3‬إن الأح ��كام ال�شرعية ته ��دف مل�صلحة املتعاملني بها وفق �إط ��ار ال�شريعة‪ ،‬فااللتزام‬
‫به ��ا يحقق ر�ضا املتعامل�ي�ن وقناعتهم ملا يحققون من هذه امل�صال ��ح‪ ،‬بينما الأنظمة‬
‫الو�ضعي ��ة ال تفرق بني امل�صالح اجلزئية‪ ،‬وامل�صالح الكلي ��ة‪ ،‬وتب ًعا لذلك يتم التنافر‬
‫بني هذه الأنظمة وم�صلحة املتعاملني(‪.)3‬‬

‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.11‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�صل الثاين‬
‫المستندات الشرعية للهندسة المالية اإلسالمية‬
‫وفيه �أربعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‬
‫المستندات الشرعية للهندسة المالية‬
‫اإلسالمية من السنة النبوية‬
‫�أت ��ى النبي × �إىل املدينة النبوية وللنا�س تعامالته ��م الدنيوية املختلفة‪ ،‬وكان من‬
‫هدي ��ه × �أن يدع �أمور الدني ��ا للنا�س يديرون �ش�ؤونها‪ ،‬فعن راف ��ع بن خديج ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هلل× المْ َ ِدي َن� � َة‪َ ،‬وهُ ْم َي�أْ ُب� � ُرونَ ال َّن ْخ َل‪َ ،‬ي ُقو ُل ��ونَ ُي َل ِّق ُحونَ ال َّن ْخ � َ�ل‪َ ،‬ف َق َال‪َ «:‬ما‬ ‫( َق � ِ�د َم َن ِب � ُّ�ي ا ِ‬
‫ل َت ْف َع ُلوا َكا َن َخيرْ ً ا» َفترَ َ ُكو ُه‪َ ،‬ف َن َف َ�ض ْت �أَ ْو‬ ‫َت ْ�ص َن ُعو َن؟» َقا ُلوا‪ُ :‬ك َّنا َن ْ�ص َن ُعهُ‪َ ،‬ق َال‪َ «:‬ل َع َّل ُك ْم َل ْو مَ ْ‬
‫نا �أَ َنا َب َ�ش ٌر‪� ،‬إِ َذا َ�أ َم ْر ُت ُك ْم ِب َ�ش ْي ٍء مِ نْ دِي ِن ُك ْم َف ُخ ُذوا‬‫َف َن َق َ�ص ْت‪َ ،‬ق َال َف َذ َك ُروا َذ ِل َك َل ُه َف َق َال‪�«:‬إِ مَّ َ‬
‫نا �أَ َنا َب َ�ش� � ٌر»)رواه م�سلم(‪ ،)1‬قال النووي(‪« :)2‬قال‬ ‫ِب� �هِ‪َ ،‬و�إِ َذا �أَ َم ْر ُت ُك� � ْم ِب َ�ش � ْ�ي ٍء مِ نْ َر�أْ ِي ��ي‪َ ،‬ف�إِ مَّ َ‬
‫العلم ��اء قوله × من ر�أيي �أي يف �أم ��ر الدنيا ومعاي�شها»(‪ ،)3‬ويف رواية �أخرى عند م�سلم‬
‫�أي�ض ��ا عن �أن�س ‪ ‬قال النبي ×‪�«:‬أَ ْن ُت ْم �أَ ْعلَ ُم ِب�أَ ْم� � ِر ُد ْن َيا ُك ْم»(‪ ،)4‬ومن �ضمن التعامالت‬
‫الدنيوي ��ة الت ��ي كان يتعامل بها �أهل املدينة املعامالت املالي ��ة‪ ،‬وقد �أقر النبي × النا�س‬
‫(( ( كتاب الف�ضائل‪ ،‬باب وجوب امتثال ما قاله �شرعا دون ما ذكره × من معاي�ش الدنيا على �سبيل الر�أي‪ ،‬برقم‪.2362‬‬
‫(( ( ه ��و حمي ��ي الدين �أبو زكريا يحي بن �شرف بن مري النووي الدم�شقي‪ ،‬ولد يف نوى يف �سنة ‪ 631‬هـ‪� ،‬شافعي املذهب‪،‬‬
‫ول ��ه ع ��دة ت�صانيف منها‪« :‬ريا�ض ال�صاحل�ي�ن»‪ ،‬و«الأذكار»‪ ،‬و«رو�ض ��ة الطالبني وعمدة املفت�ي�ن»‪ ،‬و«املنهاج يف �شرح‬
‫�صحي ��ح م�سل ��م»‪ ،‬و«املجموع �شرح امله ��ذب» وغريها‪ ،‬ت ��ويف �سنة ‪676‬هـ‪ .‬انظ ��ر‪ :‬طبقات ال�شافعية الك�ب�رى‪ ،‬لل�سبكي‬
‫‪ ،395/8‬طبقات ال�شافعية‪ ،‬البن قا�ضي �شهبة ‪.153/2‬‬
‫(( ( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬للنووي ‪.116 /15‬‬
‫(( ( كتاب الف�ضائل‪ ،‬باب وجوب امتثال ما قاله �شرعا دون ما ذكره × من معاي�ش الدنيا على �سبيل الر�أي‪ ،‬برقم‪.2363‬‬

‫‪47‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫عل ��ى معامالتهم الت ��ي وجدهم عليها‪� ،‬إال ما ا�شتمل منها على �ض ��رر‪ ،‬فكان موقفه منها‬
‫�إما التعديل(‪� ،)1‬أو الإلغاء(‪)2‬؛ ليحافظ على م�صالح النا�س يف معا�شهم ومعادهم‪ ،‬ولتدوم‬
‫رواب ��ط الأخوة واملحبة بني امل�سلم�ي�ن‪ ،‬وليدفع عنهم �أ�سباب الع ��داوة والبغ�ضاء‪ ،‬وليقوم‬
‫النا� ��س بالعدل» ف�إن ال�شريع ��ة مبناها و�أ�سا�سها على احلكم وم�صال ��ح العباد يف املعا�ش‬
‫واملع ��اد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪ ،‬وم�صال ��ح كلها‪ ،‬وحكمة كلها؛ فكل م�س�ألة خرجت‬
‫ع ��ن الع ��دل �إىل اجلور‪ ،‬وع ��ن الرحم ��ة �إىل �ضدها‪ ،‬وع ��ن امل�صلح ��ة �إىل املف�سدة‪ ،‬وعن‬
‫احلكمة �إىل العبث؛ فلي�ست من ال�شريعة‪ ،‬و�إن �أدخلت فيها بالت�أويل؛ فال�شريعة عدل اهلل‬
‫ب�ي�ن عباده‪ ،‬ورحمته بني خلقه‪ ،‬وظله يف �أر�ضه‪ ،‬وحكمته الدالة عليه‪ ،‬وعلى �صدق ر�سوله‬
‫×�أمت داللة و�أ�صدقها»(‪.)3‬‬
‫و�إذا كان م ��ن �ضم ��ن الأن�شط ��ة التي تقوم به ��ا الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية تطوير‬
‫املعام�ل�ات املالي ��ة وف ًقا لل�شريع ��ة الإ�سالمية(‪)4‬؛ ك ��ي يح�صل النا�س عل ��ى �أكرب قدر من‬
‫امل�صال ��ح‪ ،‬و ُيدر�أ عنهم �أكرب قدر م ��ن الأ�ضرار واملفا�سد التي ميك ��ن ح�صولها‪ ،‬وتطوير‬
‫املعامالت املالية عبارة عن تعديلها‪ ،‬ف�إنه ميكن القول �إن كل معاملة كانت يف ع�صر النبي‬
‫× و�أجرى لها تعديلاً ‪� ،‬أو نهى عنها و�أوجد لها بديلاً ‪ ،‬ف�إن هذا التعديل‪ ،‬وذلك التبديل‪،‬‬

‫ا�س َت ْع َم َل َر ُجلاً َع َلى َخيْبرَ َ ‪َ ،‬ف َجا َء ُه‬ ‫ول اللهَّ ِ × ْ‬ ‫(( ( مثل حديث �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬و�أبي هريرة ر�ضي اهلل عنهما‪� :‬أَنَّ َر ُ�س َ‬
‫ال�صا َع ِمنْ هَ َذا‬ ‫ول اللهَّ ِ ِ�إ َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ‬
‫ب َه َك� � َذا؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َواللهَّ ِ َيا َر ُ�س َ‬‫ول اللهَّ ِ ×‪�« :‬أَ ُك ُّل تمَ ْ ِر َخ ْي رَ َ‬ ‫ِب َت ْم � ٍ�ر َج ِني � ٍ�ب‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫جل ْم َع بِال َّد َراهِ ِم‪ُ ،‬ث َّم ا ْب َت ْع بِال َّد َراهِ ِم َجنِي ًبا»‪.‬‬ ‫ول اللهَّ ِ ×‪َ « :‬ال َت ْف َع ْل‪ِ ،‬ب ْع ا َ‬ ‫ال�ص َاعينْ ِ ِبال َّث َال َث ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫ال�ص َاعينْ ِ ‪َ ،‬و َّ‬‫ِب َّ‬
‫رواه البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب �إذا �أراد بيع متر بتمر خري منه‪ ،‬برقم‪ ،2201‬وم�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب‬
‫بيع الطعام مثال مبثل‪ ،‬برقم‪.1592‬‬
‫هلل × َعنْ َب ْي ِع الحْ َ َ�صا ِة‪َ ،‬و َعنْ َب ْي ِع ا ْل َغ َررِ»‪.‬رواه م�سلم‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‬ ‫ول ا ِ‬ ‫(( ( مثل حديث �أبي هريرة‪ ،‬قال‪َ « :‬ن َهى َر ُ�س ُ‬
‫بطالن بيع احل�صاة والبيع الذي فيه غرر‪ ،‬برقم‪.1513‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.11/3‬‬
‫((( انظر �ص‪ 22‬من هذا البحث‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يع ��د هند�سة مالية �إ�سالمية لهذه املعاملة‪ ،‬وي�صلح دليلاً على م�شروعية الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬ومن �أمثلة املعامالت التي قام النبي × بتعديلها‪� ،‬أو‪ ‬تبديلها‪ ،‬وتعد م�ستندً ا‬
‫�شرع ًيا للهند�سة املالية الإ�سالمية الأمثلة التالية‪:‬‬
‫املثال الأول‪:‬عن ابن عبا�س‪ ،‬قال‪َ ( :‬ق ِد َم ال َّن ِب ُّي × ا َمل ِدي َن َة َوهُ ْم ُي ْ�س ِل ُفونَ ِبال َّت ْم ِر‬
‫ال�س َن َتينْ ِ َوال َّث َال َث‪َ ،‬ف َق َال‪َ «:‬منْ �أَ ْ�س� �لَ َف يِف َ�ش � ْ�يءٍ‪َ ،‬ففِي َك ْيلٍ َم ْع ُل ��و ٍم‪َ ،‬و َو ْزنٍ َم ْع ُلو ٍم‪�ِ ،‬إلىَ �أَ َجلٍ‬
‫َّ‬
‫َم ْع ُلو ٍم») متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن النبي × ملا قدم املدينة وجد من �ضمن معامالتهم‬
‫املالي ��ة عقد ال�سلم‪ ،‬وكان عقد ال�سلم على الطريقة الت ��ي يتعامل بها �أهل املدينة ي�شتمل‬
‫عل ��ى م�صال ��ح ومفا�س ��د؛ فم ��ن امل�صال ��ح التي ي�شتم ��ل عليه ��ا �أن«امل�ش�ت�ري يحتاج �إىل‬
‫�ازل عن القيمة‪،‬‬ ‫اال�سرتب ��اح لنفق ��ة عياله‪ ،‬وهو بال�سلم �أ�سه ��ل؛ �إذ ال بد من كون املبيع ن � اً‬
‫فريبح ��ه امل�ش�ت�ري‪ ،‬والبائع قد يكون له حاجة يف احلال �إىل ال�سل ��م‪ ،‬وقدرة يف امل�آل على‬
‫املبيع ب�سهولة‪ ،‬فتندفع به حاجته احلالية �إىل قدرته امل�آلية»(‪ ،)2‬ومن املفا�سد التي ي�شتمل‬
‫عليه ��ا اخلالف الذي ين�ش� ��أ بني امل�سلمني ب�سبب عدم العلم باملقدار الذي مت بيعه‪ ،‬وعدم‬
‫حتدي ��د �أجل الت�سليم؛ لذل ��ك قام النبي × ب�إج ��راء تعديل �أو‪ ‬هند�س ��ة مالية �إ�سالمية‬
‫عل ��ى عقد ال�سلم فا�شرتط على من �أراد التعامل ب ��ه �أن يعلم مقدار املبيع و�صفته‪ ،‬و�أجل‬
‫الت�سلي ��م؛ كي ال يحدث بني امل�سلمني �أي خالف ب�سب ��ب اجلهل باملقدار‪� ،‬أو‪ ‬الأجل‪ ،‬وبهذه‬
‫الهند�سة املالية الإ�سالمية اجلديدة لعقد ال�سلم يحقق عقد ال�سلم م�صاحله كاملة‪ ،‬دون‬
‫ح�صول �أي مفا�سد منه بني املتعاقدين به �إذا التزموا مبا �أمرهم به ر�سول ×‪.‬‬
‫ول اللهَّ ِ‬
‫املث ��ال الثاين‪:‬عن �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬و�أبي هريرة ر�ضي اهلل عنهما‪� :‬أَنَّ َر ُ�س َ‬
‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب ال�سلم‪ ،‬باب ال�سلم يف وزن معلوم‪ ،‬برقم‪ ،2240‬وم�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب ال�سلم‪،‬‬
‫برقم‪.1604‬‬
‫((( فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪.71/7‬‬

‫‪49‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ول اللهَّ ِ ×‪�« :‬أَ ُك ُّل تمَ ْ ِر َخ ْي رَ َ‬


‫ب‬ ‫يب‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬‫ا�س َت ْع َم َل َر ُجلاً َع َلى َخيْبرَ َ ‪َ ،‬ف َجا َء ُه ِب َت ْم ٍر َج ِن ٍ‬ ‫× ْ‬
‫ال�ص َاعينْ ِ‬
‫ال�ص َاعينْ ِ ‪َ ،‬و َّ‬ ‫ال�صا َع ِمنْ َه � َ�ذا ِب َّ‬ ‫�ول اللهَّ ِ ِ �إ َّنا َل َن ْ�أ ُخ ُذ َّ‬
‫�ال‪َ :‬ال َواللهَّ ِ َيا َر ُ�س � َ‬
‫َه َك� � َذا؟»‪َ ،‬ق � َ‬
‫�ول اللهَّ ِ ×‪َ « :‬ال َت ْف َع � ْ�ل‪ِ ،‬ب ْع ا َ‬
‫جل ْم� � َع ِبال َّد َراهِ ِم‪ُ ،‬ث� � َّم ا ْب َت� � ْع ِبال َّد َراهِ ِم‬ ‫�ال َر ُ�س � ُ‬ ‫ِبال َّث َال َث� � ِة‪َ ،‬ف َق � َ‬
‫َجنِي ًبا» متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن الرجل ال ��ذي ا�ستعمله النبي × على خيرب ملا بني‬
‫للنب ��ي × �أنهم ي�أخذون ال�صاع م ��ن التمر بال�صاعني‪ ،‬وال�صاع�ي�ن بالثالثة‪ ،‬ويف ذلك‬
‫مف�س ��دة الوق ��وع يف ربا الف�ضل الذي نه ��ى النبي × عنه ملا ي�سببه م ��ن �آثار �سلبية على‬
‫املجتم ��ع(‪ ،)2‬قام النبي × ب�إيجاد عقد مايل مباح بديلاً عن العقد املايل املحرم‪ ،‬وهذا‬
‫يعد هند�سة مالية �إ�سالمية على هذا املعاملة ب�أن �أر�شد الرجل �إىل �أن يبيع التمر الرديء‬
‫بالدراه ��م‪ ،‬وي�ش�ت�ري بالدراه ��م مت ًرا جي ��دًا‪ ،‬ويف ذلك اجتن ��اب للتعامل برب ��ا الف�ضل‪،‬‬
‫ودف ��ع للمفا�سد التي حت�صل من ج ��راء مبادلة ال�صاع بال�صاع�ي�ن‪ ،‬وال�صاعني بالثالثة‬
‫م ��ن التم ��ر‪ ،‬وقد يكون من مقا�صد هذه الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية لهذه املعاملة حتقيق‬
‫م�صلح ��ة رواج ال�سلعة يف ال�سوق كما ق ��ال الدكتور �سام ��ي ال�سويلم‪«:‬فهو‪�-‬أي احلديث‪-‬‬
‫دال عل ��ى منع مبادلة ربوي بجن�س ��ه مع التفا�ضل‪ ،‬واملق�صود بذل ��ك واهلل �أعلم‪ ،‬الف�صل‬
‫ب�ي�ن عمليتي بيع التمر اجلنيب(اجليد) وبيع التم ��ر اجلمع(الرديء) من خالل تو�سيط‬
‫ال�سوق‪ ،‬ف�إذا حتق ��ق الف�صل بني هاتني العمليتني حتقق مق�صود ال�شارع‪ ،‬ومن حكم هذا‬

‫(( ( رواه البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب �إذا �أراد بيع متر بتمر خري منه‪ ،‬برقم‪ ،2201‬وم�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب‬
‫بيع الطعام مثال مبثل‪ ،‬برقم‪.1592‬‬
‫ب بِا ْل رُ ِّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ِ�ضةِ‪َ ،‬وا ْل رُ ُّ‬ ‫((( كما جاء يف حديث عبادة بن ال�صامت‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪« :‬ال َّذه َُب بِال َّذهَبِ ‪َ ،‬وا ْلف َّ‬
‫ِ�ض ُة بِا ْلف َّ‬
‫اف‪،‬‬‫ال ْ�ص� � َن ُ‬ ‫ب ْثلٍ ‪�َ ،‬س� �وَا ًء ب َِ�س� �وَاءٍ‪َ ،‬يدًا ِب َيدٍ ‪َ ،‬ف�إِ َذا اخْ َتلَ َفتْ هَذِ ِه ْ َ أ‬
‫ِال�ش� � ِعريِ‪َ ،‬وال َّت ْم ُر بِال َّت ْمرِ‪َ ،‬والمْ ِ ْل ُح ِبالمْ ِ ْل ِح‪ ،‬مِ ثْلاً مِ ِ‬
‫ري ب َّ‬ ‫َو َّ‬
‫ال�ش� � ِع ُ‬
‫َفبِي ُعوا َك ْي َف �شِ � � ْئ ُت ْم‪�ِ ،‬إ َذا َكا َن َيدًا ِب َيدٍ »‪ .‬رواه م�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب ال�صرف وبيع الذهب بالورق نقدً ا‪،‬‬
‫برقم‪.1587‬‬

‫‪50‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�ص ��ل عدم تركيز القوت ال�ضروري ل ��دى الأقلية‪ ،‬ف�إن تو�سيط ال�س ��وق ي�ستلزم تداول‬
‫متاحا للجميع»(‪.)1‬‬ ‫القوت عرب ال�سوق‪ ،‬في�صبح ً‬
‫املثال الثالث‪:‬عن جابر ‪�( :‬أَ َّن ُه َكانَ َي ِ�س ُري َع َلى َج َم ٍل َل ُه َق ْد �أَ ْع َيا‪َ ،‬ف َم َّر ال َّن ِب ُّي ×‪،‬‬
‫َف َ�ض َر َب ُه َف َد َعا َلهُ‪َ ،‬ف َ�سا َر ِب َ�سيرْ ٍ َل ْي َ�س َي ِ�س ُري ِم ْث َلهُ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ِ « :‬ب ْعنِي ِه ِب َو ِق َّيةٍ»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ال‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬
‫ا�س َت ْث َن ْي ُت ُح ْم َال َن ُه �إِلىَ �أَ ْه ِل ��ي‪َ ،‬ف َل َّما َق ِد ْم َنا �أَ َت ْي ُت ُه ِبالجْ َ َم ِل َو َن َق َدنيِ‬
‫« ِب ْع ِني� � ِه ِب َو ِق َّي� �ةٍ»‪َ ،‬ف ِب ْع ُتهُ‪َ ،‬ف ْ‬
‫َث َم َن� �هُ‪ُ ،‬ث َّم ا ْن َ�ص َر ْف ُت‪َ ،‬ف�أَ ْر َ�س َل َع َلى ِ�إ ْث ِري‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ما ُكنْتُ ِل ُآخ َذ َج َملَ َك‪َ ،‬ف ُخ ْذ َج َملَ َك َذل َِك‪،‬‬
‫َف ُه َو َما ُل َك»)‪.‬متفق عليه(‪.)2‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن الأ�صل يف البيع �أن يتم الت�سلي ��م مبا�شرة يدً ا بيد‪،‬‬
‫وم ��ا �سم ��ي البي ��ع بي ًع ��ا �إال لأن كل واحد م ��ن املتبايعني مي ��د باعه ل�صاحب ��ه وقت الأخذ‬
‫والإعط ��اء(‪� ،)3‬إال �أن جاب ��ر ب ��ن عبداهلل ‪ ‬ا�ش�ت�رط يف هذا البي ��ع �أال ي�سلم النبي ×‬
‫اجلم ��ل �إال بعد الو�صول �إىل �أهل ��ه‪ ،‬ويف ذلك يحقق م�صلحة ا�ستثناء املنفعة فرتة معينة‪،‬‬
‫م ��ع �ضمان بيعها‪ ،‬وقد �أقره النبي × على هذا ال�شرط‪ ،‬ولو كان يف هذا ال�شرط منافاة‬
‫ملق�ص ��ود العق ��د لكان لغ ًوا‪ ،‬وباطلاً ‪ ،‬ومل ��ا �أقره النبي × عليه‪ ،‬قال اب ��ن تيمية(‪« :)4‬ف�إذا‬
‫كان ال�ش ��رط مناف ًيا ملق�صود العقد كان العقد لغ ًوا‪ ،‬و�إذا كان مناف ًيا ملق�صود ال�شارع كان‬

‫(( ( �صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.23‬‬


‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب ال�شروط‪ ،‬باب �إذا ا�شرتط البائع ظهر الدابة �إىل مكان م�سمى جاز‪ ،‬برقم‪ ،2718‬وم�سلم‪ ،‬كتاب‬
‫امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب بيع البعري وا�ستثناء ركوبه‪ ،‬برقم‪.715‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.480/3‬‬
‫((( ه ��و �أحم ��د بن عب ��د احلليم بن عبد ال�سالم بن تيمية احل ��راين الدم�شقي‪ ،‬ولد �سنة ‪661‬ه‪ ،‬الع ��امل املجاهد املجدد‪،‬‬
‫حنبل ��ي املذه ��ب‪ ،‬و�أمده اهلل ب�سرع ��ة احلفظ‪ ،‬وكرثة ت�ألي ��ف الكتب‪ ،‬ومنه ��ا‪« :‬ال�سيا�سة ال�شرعي ��ة»‪ ،‬و«منهاج ال�سنة»‬
‫وغريه ��ا‪ ،‬وقد جمعها عبدالرحمن بن قا�سم يف جمموع فتاوى ابن تيمية‪ ،‬و�سجن ب�سبب بع�ض الفتاوى‪ ،‬وتويف ب�سجن‬
‫القلعة بدم�شق �سنة‪728‬ه‪.‬انظر‪ :‬ذيل طبقات احلنابلة‪ ،‬لل�سالمي ‪ ،491/4‬الدرر الكامنة يف �أعيان املائة الثامنة‪ ،‬البن‬
‫حجر الع�سقالين‪.168/1‬‬

‫‪51‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫خمال ًف ��ا هلل ور�سوله»(‪ ،)1‬وقال‪«:‬ولهذا اتفق العلماء على �أن من �شرط يف عقد من العقود‬
‫�شرطا يناق�ض حكم اهلل ور�سوله فهو باطل»(‪ ،)2‬وهذا ال�شرط من جابر ‪ ‬يعد تعديلاً ‪،‬‬ ‫ً‬
‫وتطوي ًرا‪ ،‬وهند�س ًة مالي ًة �إ�سالمي ًة لعقد البيع‪ ،‬وقد �أقر النبي × هذه الهند�سة ملا حتققه‬
‫من م�صلحة‪ ،‬فقد يحتاج البائع �أن يبيع �سلعة وي�ستثني منفعتها زم ًنا معي ًنا‪،‬ك�سكنى الدار‬
‫�شه� � ًرا‪� ،‬أو رك ��وب الدابة مد ًة معين ًة‪� ،‬أو �إىل ٍ‬
‫بلد بعينه‪ ،‬ف� ��إذا ر�ضي امل�شرتي‪ ،‬وكانت مدة‬
‫اال�ستثناء معلومة‪ ،‬حتققت امل�صلحة دون منافاة ملق�صود العقد‪� ،‬أو خمالفة هلل ور�سوله‪.‬‬
‫فهذه الأمثلة الثالثة التي قام النبي × بتطوير العقود فيها‪� ،‬أو �أقر على تطويرها‪،‬‬
‫تع ��د �أدل ��ة على م�شروعي ��ة الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬وه ��ي من امل�ستن ��دات ال�شرعية‬
‫للهند�سة املالية الإ�سالمية من ال�سنة النبوية‪.‬‬

‫***‬

‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.156 /29‬‬


‫((( نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.23‬‬

‫‪52‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫المستندات الشرعية للهندسة المالية‬
‫اإلسالمية من اجتهادات الصحابة‬
‫م ��ن قواع ��د احلياة �أنها ال ت ��دوم على وترية واح ��دة‪ ،‬بل هي يف تغ�ي�ر دائم‪ ،‬وتطور‬
‫م�ستم ��ر‪ ،‬وه ��ذه �إح ��دى ال�س�ن�ن الكونية‪ ،‬قال اب ��ن خل ��دون(‪�«:)1‬إن �أحوال الع ��امل والأمم‬
‫وعوائده ��م ونحلهم‪ ،‬ال تدوم على وترية واحدة‪ ،‬ومنه ��اج م�ستقر‪� ،‬إمنا هو اختالف على‬
‫الأي ��ام والأزمن ��ة‪ ،‬وانتقال من حال �إىل ح ��ال‪ ،‬وكما يكون ذل ��ك يف الأ�شخا�ص والأوقات‬
‫والأم�ص ��ار‪ ،‬فكذل ��ك يقع يف الآفاق والأقطار والأزمنة وال ��دول �سنة اهلل التي قد خلت يف‬
‫عباده»(‪.)2‬‬
‫وق ��د �أدرك النبي × �سنة التغري يف احلياة ف�شجع �أ�صحابه على االجتهاد؛ ليعرفوا‬
‫ول‬ ‫حك ��م الوقائع امل�ستجدة م ��ع جتدد احلياة‪ ،‬فعن عمرو بن العا� ��ص‪�( :‬أَ َّن ُه َ�س ِم َع َر ُ�س َ‬
‫�اب َفلَ ُه �أَ ْج َرانِ ‪َ ،‬و ِ�إ َذا َح َك َم َف ْ‬
‫اج َت َه َد ُث َّم‬ ‫اج َت َه َد ُث َّم َ�أ َ�ص � َ‬
‫حلا ِك ُم َف ْ‬
‫�ول‪�« :‬إِ َذا َح َك� � َم ا َ‬‫اللهَّ ِ × َي ُق � ُ‬
‫�أَ ْخ َط� � َ�أ َفلَ� � ُه �أَ ْج� � ٌر»)‪ .‬متف ��ق عليه(‪ ،)3‬وقد �أقر النبي × ال�صحاب ��ة الذين بعثهم �إىل بني‬
‫قريظ ��ة على اجتهادهم يف �أداء وقت �صالة الع�صر‪ ،‬مع االختالف بني االجتهادين‪ ،‬فعن‬
‫ي َ�أ َح ٌد ال َع ْ�ص� � َر‬ ‫اب‪َ « :‬ال ُي َ�ص� � ِّل نَ َّ‬ ‫�ال ال َّن ِب ُّي × َل َنا لمَ َّا َر َج َع ِمنَ الأَ ْحزَ ِ‬
‫اب ��ن عمر‪ ،‬قال‪َ «:‬ق � َ‬
‫�ال َب ْع ُ�ض ُه ْم‪َ :‬ال ُن َ�ص ِّلي َحتَّى‬ ‫�إِلاَّ يِف َب ِن ��ي ُق َر ْي َظ� � َة» َف� ��أَ ْد َر َك َب ْع َ�ض ُه ُم ال َع ْ�ص ُر فيِ َّ‬
‫الط ِر ِيق‪َ ،‬ف َق � َ‬
‫احل�ضرمي الإ�شبيلي‪ ،‬الفيل�سوف امل�ؤرخ‪ ،‬العامل االجتماعي‪� ،‬أ�صله‬
‫ّ‬ ‫(( ( هو عبد الرحمن بن حممد بن حممد‪ ،‬ابن خلدون‬
‫م ��ن �إ�شبيلية‪ ،‬ومولده ومن�ش�أه بتون�س عام‪732‬ه‪ ،‬ا�شتهر بكتابه «املقدمة» وهي تعد من �أ�صول علم االجتماع‪ ،‬تويف عام‬
‫‪808‬ه‪.‬انظر‪ :‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.330 /3‬‬
‫((( مقدمة ابن خلدون‪� ،‬ص‪.23‬‬
‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب االعت�صام بالكتاب وال�سنة‪ ،‬باب �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب �أو �أخط�أ‪ ،‬برقم‪ ،7352‬وم�سلم‪،‬‬
‫كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب بيان �أجر احلاكم �إذا اجتهد ف�أ�صاب �أو �أخط�أ‪ ،‬برقم ‪.1716‬‬

‫‪53‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫َن�أْ ِت َي َه ��ا‪َ ،‬و َق � َ‬


‫�ال َب ْع ُ�ض ُه ْم‪َ :‬ب ْل ُن َ�ص ِّلي‪ ،‬لمَ ْ ُي َر ْد ِم َّنا َذ ِل َك‪َ ،‬ف ُذ ِك� � َر ِلل َّن ِب ِّي ×‪َ ،‬ف َل ْم ُي َع ِّن ْف َو ِاحدً ا‬
‫ِم ْن ُه ْم»متفق عليه(‪ ،)1‬ويف �إقراره لهم× على هذا االختالف ت�شجيع لهم على االجتهاد‪،‬‬
‫ب ��ل �إن النب ��ي × مل يب�ي�ن �أي الطائفتني كانت عل ��ى �صواب‪ ،‬ويف ذل ��ك ت�شجيع للفقهاء‬
‫الذي ��ن جا�ؤوا من بع ��د ال�صحابة ليجتهدوا �أي الطائفتني كان ��ت �أقرب لل�صواب(‪،)2‬‬
‫للحكم‪ ،‬قال النووي‪« :‬قال‬ ‫فمنهج ر�سول × الت�شجيع على االجتهاد ملن كان عالـ ًما �أهلاً ُ‬
‫العلم ��اء‪� :‬أجمع امل�سلمون على �أن هذا احلديث‪�-‬أي حديث �إذا اجتهد احلاكم‪ -‬يف حاكم‬
‫عامل �أهل للحكم»(‪.)3‬‬
‫ولق ��د �س ��ار ال�صحابة على النهج الذي ر�سمه له ��م ر�سول اهلل ×‪ ،‬وكانوا �أوىل‬
‫النا� ��س باتب ��اع نهجه‪ ،‬واقتفاء �سريته‪ ،‬فكان لهم الكثري م ��ن االجتهادات يف �شتى نواحي‬
‫يخل �أحد من علماء ال�صحابة من االجتهاد يف م�سائل‪ ،‬و�إن‬ ‫احلياة‪ ،‬يقول اجلويني(‪«:)4‬مل ُ‬
‫مل ينقل عنهم االجتهاد يف م�س�ألة واحدة‪ ،‬فقد �صح النقل املتواتر يف م�صري كل واحد منهم‬
‫�إىل �أ�صل االجتهاد يف م�سائل ق�ضى فيها‪� ،‬أو �أفتى بها»(‪ ،)5‬وكان منهجهم �أنهم يتفاعلون‬
‫مع الق�ضايا التي حتتاج ال�ستخراج حكم فيها‪� ،‬سواء كانت هذه الق�ضايا يف ال�سيا�سة‪� ،‬أو‬

‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب �صالة اخلوف‪ ،‬باب �صالة الطالب واملطلوب راك ًبا و�إمي ��ا ًء‪ ،‬برقم‪ ،946‬وم�سلم‪ ،‬كتاب اجلهاد‬
‫وال�سري‪ ،‬باب املبادرة بالغزو وتقدمي �أهم الأمرين املتعار�ضني‪ ،‬برقم ‪.1770‬‬
‫((( قال ابن القيم‪« :‬واختلف الفقهاء �أيهما كان �أ�صوب؟ فقالت طائفة‪ :‬الذين �أخروها هم امل�صيبون‪ ،... ،‬وقالت طائفة‬
‫�أخرى‪ :‬بل الذين �صلوها يف الطريق يف وقتها حازوا ق�صب ال�سبق» زاد املعاد ‪.131 /3‬‬
‫(( ( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬للنووي ‪.240 /12‬‬
‫(( ( هو �أبو املعايل اجلويني‪ ،‬عبدامللك بن عبداهلل بن يو�سف‪ ،‬الفقيه ال�شافعي‪ ،‬ولد �سنة ‪419‬ه‪ ،‬وتف ّقه على والده‪ ،‬وجاور‬
‫مبك ��ة يف �شبيبت ��ه �أربعة �أعوام‪ ،‬ومن ثم قيل له �إمام احلرمني‪ ،‬وكان �أحد �أوعية العلم‪ ،‬ومن ت�صانيفه‪« :‬نهاية املطلب‬
‫يف دراي ��ة املذه ��ب»‪ ،‬و«الربهان»‪ ،‬و«غياث الأمم»‪ ،‬تويف �سنة ‪478‬ه‪ .‬انظر‪� :‬شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد ‪� ،338/5‬سري‬
‫�أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.468/18‬‬
‫((( الربهان‪ ،‬للجويني ‪.14 /2‬‬

‫‪54‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الق�ض ��اء‪� ،‬أو العبادات‪� ،‬أو‪ ‬املعامالت‪� ،‬أو الأحوال ال�شخ�صية(‪ ،)1‬فما كانوا ي�ؤجلون النظر‬
‫يف معاجل ��ة النازلة ال�ستخ ��راج حكمها‪ ،‬وفق ما و�ضعوه من مع ��امل لالجتهاد(‪ ،)2‬وفتحوا‬
‫بذل ��ك ملن بعدهم م ��ن العلماء باب االجتهاد‪ ،‬يقول اب ��ن القيم(‪«:)3‬فال�صحابة مثلوا‬
‫الوقائ ��ع بنظائره ��ا‪ ،‬و�شبهوها ب�أمثاله ��ا‪ ،‬وردوا بع�ضها �إىل بع� ��ض يف �أحكامها‪ ،‬وفتحوا‬
‫للعلماء باب االجتهاد‪ ،‬ونهجوا لهم طريقه‪ ،‬وبينوا لهم �سبيله»(‪.)4‬‬
‫ويف الق ��راءة يف اجتهادات ال�صحابة يف جان ��ب االقت�صاد‪ ،‬واملعامالت املالية‪،‬‬
‫جند بع�ض االجتهادات التي ت�صلح �أن تكون �أمثلة للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫املثال الأول‪:‬عن عبداهلل بن الزبري ‪-‬يف ق�صة دين �أبيه و�سداده له‪ -‬قال‪َ «:‬و�إِنمَّ َ ا‬
‫َكانَ َد ْي ُن� � ُه ا َّل ِذي َع َل ْي ِه‪� ،‬أَنَّ ال َّر ُج َل َكانَ َي ْ�أ ِتي ِه ِبالمْ َ ِال‪َ ،‬ف َي ْ�س َت ْو ِد ُع ُه ِ�إ َّيا ُه‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول ال ُّز َبيرْ ُ ‪َ :‬ال َو َل ِك َّن ُه‬
‫ال�ض ْي َع َة» رواه البخاري(‪.)5‬‬ ‫َ�س َل ٌف‪َ ،‬ف ِ�إنيِّ �أَ ْخ َ�شى َع َل ْي ِه َّ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪ :‬يف هذا احلديث مل ��ا خ�شي الزبري �ضياع مال امل�ستو ِدع‪،‬‬
‫قر�ضا‪ ،‬ويف ذلك م�صلحة‬ ‫فبدل من �أن يكون وديعة‪ ،‬جعله ً‬ ‫ق ��ام ب�إجراء تعديل على العقد اً‬
‫لل ُمقر� ��ض بحي ��ث ي�ضمن بقاء ماله يف ذم ��ة الزبري‪ ‬حتى لو �ض ��اع‪ ،‬وم�صلحة للزبري‬
‫(( ( يف كتاب اجتهادات ال�صحابة‪ ،‬ملحمد معاذ اخلن‪ ،‬كثري من الأمثلة الجتهادات ال�صحابة يف �شتى املجاالت‪.‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬أ�صول الفقه عند ال�صحابة معامل يف املنهج‪ ،‬لعبدالعزيز العويد‪� ،‬ص‪.215‬‬
‫(( ( هو حممد بن �أبي بكر بن �أيوب بن �سعد الزرعي املعروف بابن القيم‪ ،‬ولد �سنة ‪691‬ه‪ ،‬حنبلي املذهب‪ ،‬كان من كبار‬
‫الفقهاء‪ ،‬تتلمذ على ابن تيمية وانت�صر له كث ًريا‪ ،‬و�سجن معه بدم�شق‪ ،‬من ت�صانيفه‪« :‬الطرق احلكمية»‪ ،‬و«زاد املعاد‬
‫يف ه ��دي خري العباد»‪ ،‬و«�إعالم املوقع�ي�ن»‪ ،‬تويف �سنة ‪751‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ذيل طبقات احلنابل ��ة‪ ،‬لل�سالمي‪ ،171/5‬الدرر‬
‫الكامنة يف �أعيان املائة الثامنة‪ ،‬البن حجر الع�سقالين ‪.137/5‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.166/1‬‬
‫(( ( كت ��اب فر� ��ض اخلم�س‪ ،‬باب بركة الغازي يف ماله ح ًيا وميتا مع النبي × ووالة الأمر‪ ،‬برقم‪ .3129‬يف حديث طويل‪،‬‬
‫وذك ��ر في ��ه ال�سبب ال ��ذي �أعانه على �سداد دين ��ه‪َ ،‬ق َال َع ْب ُد اللهَّ ِ عن �أبي ��ه‪« :‬فجعل يو�صيني بدينه‪ ،‬ويق ��ول‪ :‬يا بني �إن‬
‫عج ��زت عن ��ه يف �شيء‪ ،‬فا�ستعن عليه موالي‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل ما دريت م ��ا �أراد حتى قلت‪ :‬يا �أبة من موالك؟ قال‪« :‬اهلل»‪،‬‬
‫قال‪ :‬فواهلل ما وقعت يف كربة من دينه‪� ،‬إال قلت‪ :‬يا موىل الزبري اق�ض عنه دينه‪ ،‬فيق�ضيه»‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بحي ��ث يك�سب ثقة املتعام ��ل معه‪ ،‬وي�ستطيع الت�صرف بهذا املال يف التجارة ونحوها‪ ،‬قال‬
‫اب ��ن حجر(‪«:)1‬وكان غر�ضه بذلك �أنه كان يخ�شى على املال �أن ي�ضيع فيظن به التق�صري‬
‫يف حفظ ��ه‪ ،‬ف ��ر�أى �أن يجعله م�ضمون ��ا فيكون �أوث ��ق ل�صاحب املال‪ ،‬و�أبق ��ى ملروءته‪ .‬زاد‬
‫اب ��ن بطال(‪ :)2‬وليطيب له ربح ذل ��ك املال»(‪ ،)3‬وهذا التعديل عل ��ى العقد من الزبري‪‬‬
‫يع ��د هند�س ًة مالي� � ًة �إ�سالمي ًة �ضمنت امل�صلحة لكال الطرف�ي�ن‪ ،‬وحققت هد ًفا اقت�صاد ًيا‬
‫للمجتم ��ع ب� ��أن يبقى املال يف دائرة التداول‪ ،‬قال الدكت ��ور النعيمي‪«:‬والذي يظهر هنا �أن‬
‫الزب�ي�ر‪ ‬ال يري ��د لهذا املال �أن يتعطل ع ��ن دائرة التداول فهو هنا حق ��ق مطل ًبا مال ًيا‬
‫معت ًربا»(‪.)4‬‬
‫املثال الثاين‪:‬عن �أبي هريرة‪�« ،‬أَ َّن ُه َق َال لمِ َ ْر َوانَ (‪� :)5‬أَ ْح َل ْل َت َب ْي َع ال ِّر َبا‪َ ،‬ف َق َال َم ْر َوانُ ‪:‬‬
‫هلل× َعنْ َب ْي ِع‬ ‫�ول ا ِ‬ ‫اك‪َ ،‬و َق ْد َن َهى َر ُ�س � ُ‬ ‫ال�ص� � َك ِ‬ ‫�ال �أَ ُبو هُ َر ْي� � َر َة‪�« :‬أَ ْح َل ْل َت َب ْي َع ِّ‬
‫َم ��ا َف َع ْل ُت؟ َف َق � َ‬

‫(( ( هو �أحمد بن علي بن حممد الع�سقالين ال�شافعي ويعرف بابن حجر‪ ،‬ولد يف ‪773‬هـ يف م�صر‪ ،‬وحفظ القران وهو ابن‬
‫ت�س ��ع‪� ،‬ش ��رح �صحيح البخاري و�سماه فتح الباري‪ ،‬مل ي�ؤلف �أحد مثله حتى �أنه يقال« ال هجرة بعد الفتح» وله كثري من‬
‫امل�صنف ��ات تويف رحمه اهلل �سنة ‪ 852‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ال�ض ��وء الالمع لأهل القرن التا�سع‪ ،‬لل�سخاوي‪ ،36 / 2‬البدر الطالع‪،‬‬
‫لل�شوكاين ‪.87/1‬‬
‫(( ( ه ��و عل ��ي بن خلف بن بطال البكري‪ ،‬القرطبي‪ ،‬مالكي املذهب‪ ،‬كان م ��ن �أهل العلم واملعرفة‪ ،‬عني باحلديث العناية‬
‫�شرحا لكتاب البخ ��اري كبري ًا‪،‬كثري الفائدة‪ ،‬تويف �سنة ‪449‬هـ‪ ،‬وقيل‪474 :‬ه� �ـ‪ .‬انظر‪ :‬ترتيب املدارك‪،‬‬‫التام ��ة‪ ،‬و�ألف ً‬
‫للقا�ضي عيا�ض ‪� ،160/8‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.47/18‬‬
‫((( فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.230/6‬‬
‫(( ( الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬ليحيى النعيمي‪� ،‬ص‪.38‬‬
‫((( ه ��و م ��روان بن احلكم بن �أبي العا�ص بن �أمية‪� ،‬أبو عبد امللك‪ ،‬الأم ��وي ‪ .‬ولد مبكة عام ‪ 2‬للهجرة‪ ،‬ون�ش�أ بالطائف‪ ،‬ال‬
‫يثب ��ت ل ��ه �صحبة‪ ،‬وكان يعد من الفقهاء‪ ،‬وروى عن غري واحد من ال�صحاب ��ة‪ ،‬وملا كانت �أيام عثمان جعله يف خا�صته‬
‫واتخذه كات ًبا له‪ ،‬ويل �إمرة املدينة �أيام معاوية‪ ،‬وبويع له باخلالفة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية‪ ،‬ومدة حكمه‬
‫يوما‪ ،‬تويف عام ‪65‬ه‪.‬انظر‪�:‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،476/3‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة‪ ،‬البن‬ ‫ت�سع ��ة �أ�شهر و‪ً 18‬‬
‫حجر ‪.388/10‬‬

‫‪56‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ا�س‪َ « ،‬ف َن َهى َعنْ َب ْي ِع َها»‪َ ،‬ق َال ُ�س َل ْي َمانُ (‪:)1‬‬ ‫�ام َحتَّى ُي ْ�س َت ْو َفى»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َخ َط َب َم� � ْر َوانُ ال َّن َ‬ ‫َّ‬
‫الط َع � ِ‬
‫ا�س» رواه م�سلم(‪.)2‬‬ ‫َف َن َظ ْرتُ ِ�إلىَ َح َر ٍ�س َي ْ�أ ُخ ُذو َن َها ِمنْ َ�أ ْي ِدي ال َّن ِ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أنه يف ع�صر ال�صحاب ��ة مت ابتكار ال�صكوك‪ ،‬وهو‬
‫منت ��ج م ��ايل جديد‪ ،‬وهو عبارة عن الرق ��اع‪� ،‬أو الأوراق التي يكتب فيه ��ا ويل الأمر برزق‬
‫م ��ن الطع ��ام للنا�س(‪ ،)3‬وه ��ي عطاء م�ؤج ��ل الدفع �إىل مو�س ��م احل�ص ��اد(‪ ،)4‬ويف ابتكار‬
‫ال�صك ��وك حل لأزمة ال�سيولة لدى الدول ��ة(‪ ،)5‬وهذا االبتكار يعد هند�سة مالية �إ�سالمية؛‬
‫�إذ م ��ن �أن�شطة الهند�سة املالية الإ�سالمية ابتكار املنتج ��ات املالية املتوافقة مع ال�شريعة‬
‫الإ�سالمي ��ة‪ ،‬وقد منع ال�صحابة بيع ه ��ذا ال�صكوك ممن ملكها قبل �أن يقب�ضها؛ كي‬
‫حتاف ��ظ عل ��ى م�صداقيته ��ا ال�شرعية‪ ،‬كما �سب ��ق يف احلديث �أن �أبا هري ��رة نهى عن بيع‬
‫ال�صك ��وك‪ ،‬وج ��اء يف م�صنف عبدالرزاق‪ ،‬وم�صنف ابن �أبي �شيب ��ة عن الزهري(‪�« :)6‬أَنَّ‬
‫ا ْبنَ ُع َم َر‪َ ،‬و َز ْي َد ْبنَ َثا ِب ٍت ر�ضي اهلل عنهما َكا َنا اَل َي َر َي ِان َب�أْ ً�سا ِب ِ�ش َرى ال ِّر ْز ِق‪�ِ ،‬إ َذا �أُ ْخ ِر َج ِت‬
‫أي�ضا عن‬ ‫اك‪َ ،‬و َي ُقو ُل ��ونَ ‪ :‬اَل َت ِب ْع ُه َحتَّى َت ْق ِب َ�ضهُ»(‪ ،)8‬وورد عندهما � ً‬ ‫ال�ص َك ُ‬ ‫�وط(‪َ ،)7‬و ِه َي ِّ‬ ‫ا ْل ُق ُط � ُ‬
‫(( ( ه ��و �سليم ��ان بن ي�سار‪� ،‬أ ُبو �أيوب‪ ،‬موىل ميمونة �أم امل�ؤمنني‪ ،‬من كبار التابعني‪ ،‬و�أحد الفقهاء ال�سبعة باملدينة‪ ،‬ولد يف‬
‫خالفة عثمان �سنة ‪34‬ه‪،‬كان �سعيد بن امل�س ّيب �إذا اتاه م�ستفت يقول له‪ :‬اذهب �إىل �سليمان فانه �أعلم من بقي اليوم‪،‬‬
‫تويف �سنة‪107‬ه‪.‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪ ،444/4‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.138/3‬‬
‫((( كتاب البيوع‪ ،‬باب بطالن بيع املبيع قبل قب�ضه‪ ،‬برقم‪.1528‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي‪� ،285 /4‬شرح الزرقاين على موط�أ مالك‪.433/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬النظام امل�صريف الإ�سالمي‪ ،‬ملحمد �سراج‪� ،‬ص‪.28‬‬
‫(( ( انظر‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬ليحيى النعيمي‪� ،‬ص‪.40‬‬
‫((( ه ��و حممد ب ��ن م�سلم بن عبد اهلل بن �شهاب الزهري‪ ،‬من كبار التابعني احلف ��اظ والفقهاء‪ ،‬ولد �سنة ‪50‬ه‪ ،‬وهو �أول‬
‫من دون الأحاديث النبوية‪ ،‬ودون معها فقه ال�صحابة‪ ،‬قال �أبو داود ‪ :‬جميع حديث الزهري «‪ »2200‬حديث‪ ،‬تويف �سنة‬
‫‪ 124‬ه‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪� .419/26‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.326/5‬‬
‫((( القطوط‪ :‬اجلوائز والأرزاق‪� ،‬سميت قطوطا؛ لأنها كانت تخرج مكتوبة يف رقاع و�صكاك مقطوعة‪.‬انظر‪� :‬شرح ال�سنة‪،‬‬
‫للبغوي ‪ ،142/8‬غريب احلديث‪ ،‬البن اجلوزي ‪.252/2‬‬
‫((( م�صن ��ف عبدال ��رزاق ال�صنعاين‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب الأرزاق قبل �أن تقب� ��ض‪ ،‬برقم‪ ،14168‬وم�صنف ابن �أبي �شيبة‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫َناف ��ع م ��وىل ابن عمر‪ ،)1(‬قال‪ُ « :‬ن ِّب ْئ � ُ�ت َ�أنَّ َح ِك َيم ْبنَ ِح ��زَ ٍام ‪َ ‬كانَ َي ْ�شترَ ِ ي َ�ص َّك َ‬
‫اك‬
‫ال ِّر ْز ِق‪َ ،‬ف َن َهى ُع َم ُر‪� ‬أَنْ َي ِبي َع َحتَّى َي ْق ِب َ�ض»(‪.)2‬‬
‫الكربى‪«:‬عنْ َع ِل ٍّي ‪� ‬أَ َّن ُه َكانَ ُي َ�ض ِّمنُ‬
‫َ‬ ‫املثال الثالث‪ :‬ما جاء عند البيهقي يف ال�سنن‬
‫أي�ضا‪� « :‬أَنَّ َع ِل ًّيا ‪‬‬ ‫اك»(‪ ،)3‬وج ��اء عنده � ً‬ ‫ال�صا ِئ� � َغ َو َق َال‪ :‬اَل َي ْ�ص ُل ُح ِلل َّن ِ‬
‫ا�س ِ�إ اَّل َذ َ‬ ‫ال�ص َّب ��ا َغ َو َّ‬
‫َّ‬
‫ال ِج َري»(‪.)4‬‬ ‫َكانَ َي ْ�ض َمنُ َْ أ‬
‫وجه الداللة من الأثرين‪�:‬أن الأجراء يدهم على املال يد �أمانة‪ ،‬والأمني‪ :‬هو احلائز‬
‫للم ��ال ب�إذن ال�شارع‪� ،‬أو �إذن مالكه‪ ،‬بغري ق�صد متلكه(‪ .)5‬وهذا ينطبق على الأجراء فقد‬
‫�أخذوا املال ب�إذن من مالكه‪ ،‬والأمني ال ي�ضمن ما تلف بيده بغري تعد‪� ،‬أو تفريط(‪� ،)6‬إال �أن‬
‫علي بن �أبي طالب ‪ ‬ر�أى �أن امل�صلحة يف ت�ضمينهم‪ ،‬فلو مل ي�ضمنوا لأدى بهم احلال‪-‬‬
‫=كتاب البيوع والأق�ضية‪ ،‬باب يف بيع �صكاك الرزق‪ ،‬برقم‪ .21078‬والأثر منقطع؛ فالزهري مل يدرك زيدً ا ‪ ‬فقد‬
‫ولد يف نف�س ال�سنة التي تويف فيها زيد ‪ ،‬ومل ي�سمع الزهري من ابن عمر ‪ ،‬فقد جاء عن ابن معني �أحمد و�أبي‬
‫ح ��امت‪� :‬أن الزهري مل ي�سمع من اب ��ن عمر‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للم ��زي‪ ،440 /26 ،31 /10‬تهذيب التهذيب‪،‬‬
‫البن حجر‪.450/9‬‬
‫(( ( هو نافع املدين �أبو عبد اهلل موىل عبد اهلل بن عمر‪ ،‬من �أئمة التابعني باملدينة‪ ،‬كان عالمة يف فقه الدين‪ ،‬متف ًقا على‬
‫ريا�ست ��ه‪،‬كان كث�ي�ر الرواية للحديث‪ ،‬وال يعرف له خط�أ يف جميع ما رواه‪� ،‬أر�سله عمر بن عبد العزيز �إىل م�صر ليعلم‬
‫�أهلها ال�سنن‪ ،‬تويف عام‪117‬ه‪.‬انظر‪ :‬تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر‪ ،412/10‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.5/8‬‬
‫((( م�صن ��ف عبدال ��رزاق ال�صنعاين‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب الأرزاق قبل �أن تقب� ��ض‪ ،‬برقم‪ ،14170‬وم�صنف ابن �أبي �شيبة‪،‬‬
‫كتاب البيوع والأق�ضية‪ ،‬باب يف بيع �صكاك الرزق‪ ،‬برقم‪ .21079‬والأثر منقطع؛ جلهالة الذي نب�أ ناف ًعا‪ ،‬وقد جاء يف‬
‫م�صنف ابن �أبي �شيبة‪،‬برقم‪ ،21080‬عن نافع عن ابن عمر عن عمر‪ ،‬بنحو هذا الأثر و�إ�سناده �صحيح‪.‬‬
‫(( ( كت ��اب الإج ��ارة‪ ،‬باب ما جاء يف ت�ضم�ي�ن الأجراء‪ ،‬برقم‪.11666‬والأث ��ر منقطع‪ ،‬قال �أحمد‪ :‬منقط ��ع بني �أبي جعفر‬
‫وعلي‪ ،‬وقال ال�شافعي‪ :‬ال يثبت عند �أهل احلديث‪ .‬انظر‪ :‬معرفة ال�سنن والآثار‪ ،‬للبيهقي ‪.338/8‬‬
‫((( كتاب الإجارة‪ ،‬باب ما جاء يف ت�ضمني الأجراء‪ ،‬برقم‪ .11667‬والأثر من رواية خال�س عن علي‪ ،‬وخال�س مل ي�سمع من‬
‫علي‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،366/8‬تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر ‪.176/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،87/6‬الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪ ،112/8‬ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬مل�ساعد احلقيل‪� ،‬ص‪.100‬‬
‫((( انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،320 /3‬نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪ ،160/8‬املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.258/28‬‬

‫‪58‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫جر ًي ��ا وراء الك�سب ال�سري ��ع‪� -‬إىل الإقدام على �إهالك �أم ��وال امل�ؤجرين دون حتفظ(‪،)1‬‬
‫أي�ضا يف‬‫و�سبب � ً‬
‫�سبب ل�ضياع �أموال النا�س‪ ،‬والتهاون يف حفظها‪ٌ ،‬‬‫والقول بعدم ت�ضمينهم ٌ‬
‫عدم انتفاع النا�س ب�أعمال الأجراء؛ خو ًفا على �أموالهم‪ ،‬مع حاجتهم جمي ًعا �إىل ذلك(‪،)2‬‬
‫ويف ذل ��ك مف�س ��دة‪ ،‬وال ي�صلح النا�س �إال ت�ضمني الأجراء كما ق ��ال علي ‪ ،‬خا�ص ًة �إذا‬
‫ف�سد النا�س‪ ،‬فقد«كان ال�شافعي رحمه اهلل يذهب �إىل �أنه ال �ضمان على الأجري‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يفت ��ى به لف�ساد النا�س»(‪ ،)3‬ويف ت�ضمني الأجراء من علي ‪ ‬تعديل على العقد‪ ،‬وتطوير‬
‫له؛ كي يحمي �أموال النا�س‪ ،‬وهو عبارة عن هند�سة مالية �إ�سالمية‪.‬‬
‫ويف ه ��ذه الأمثلة الثالثة بيان �أن ال�صحابة كانوا يجتهدون يف هند�سة العقود املالية‬
‫ابت ��كا ًرا‪ ،‬وتطوي ًرا؛ ليحققوا م�صالح للنا� ��س‪ ،‬ويدر�ؤوا عنهم املفا�سد قدر الإمكان‪ ،‬وفيها‬
‫م�ستن ��دات �شرعي ��ة للهند�سة املالية الإ�سالمية من اجته ��ادات ال�صحابة ‪ ،‬وهم خري‬
‫قدوة بعد ر�سول اهلل ×‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( انظر‪ :‬تطوير الأعمال امل�صرفية‪ ،‬ل�سامي حمود‪� ،‬ص‪.402‬‬


‫(( ( انظر‪� :‬أحكام املعامالت ال�شرعية‪ ،‬لعلي اخلفيف‪� ،‬ص‪.447‬‬
‫((( املهذب‪ ،‬لل�شريازي‪.267 /2‬‬

‫‪59‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثالث‬
‫المستندات الشرعية للهندسة المالية‬
‫اإلسالمية من المقاصد الشرعية‬
‫�شرع اهلل الدين ملقا�صد وحكم؛ فاملقا�صد هي الركن يف بناء ال�صرح الت�شريعي(‪،)1‬‬
‫وال ينك ��ر م�سلم ما ا�شتملت عليه ال�شريعة من امل�صال ��ح واملحا�سن واملقا�صد التي للعباد‬
‫يف املعا� ��ش واملع ��اد(‪ ،)2‬فاهلل تعاىل ال يفعل �شي ًئ ��ا عب ًثا‪�-‬سبحانه‪ -‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﮊ (‪ ،)3‬وقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ (‪ ،)4‬ومن �أعظم ما ا�شتمل عليه خلق الإن�سان قبوله التمدن الذي‬
‫�أعظم ��ه و�ض ��ع ال�شريعة ل ��ه(‪ ،)5‬فالإن�سان ما خل ��ق �إال لعبادة اهلل وامتث ��ال ال�شريعة التي‬
‫و�ضعه ��ا اهلل ل ��ه ليعمر هذه الأر�ض الت ��ي يعي�ش عليها(‪ ،)6‬قال تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ (‪ ،)7‬ولي� ��ؤدي الإن�سان هذه العب ��ادة البد له من فهم مق�صد ال�شارع‬
‫منه ��ا؛ لأن ��ه من غري فهم ملق�صد ال�شارع يف هذه العبادة ق ��د ي�ؤديها على غري ما �شرعت‬
‫لأجله‪ ،‬وبذلك يكون كالفاعل لغري ما �أمر به‪� ،‬أو التارك ما �أمر به‪ ،‬يقول ال�شاطبي(‪�« :)8‬إن‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،8/2‬مناظرات يف �أ�صول ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬لعبدالرحمن تركي‪� ،‬ص‪.517‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.180-179 /8‬‬
‫((( �سورة الدخان‪ ،‬الآية ‪.38‬‬
‫((( �سورة امل�ؤمنون‪ ،‬الآية ‪.115‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.179‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬لعالل الفا�سي‪� ،‬ص‪.112‬‬
‫((( �سورة الذاريات‪ ،‬الآية ‪.56‬‬
‫إماما حمق ًقا �أ�صول ًيا فقي ًها ً‬
‫بارعا يف‬ ‫(( ( هو �إبراهيم بن مو�سى بن حممد‪� ،‬أبو �إ�سحاق‪ ،‬ال�شهري بال�شاطبي املالكي‪ ،‬كان � ً‬
‫العلوم‪ ،‬من ت�صانيفه‪« :‬املوافقات»‪ ،‬و«االعت�صام»‪ ،‬تويف �سنة ‪790‬ه‪ .‬انظر‪ :‬تذكرة املح�سنني بوفيات الأعيان وحوادث‬
‫ال�سنني‪ ،‬للفا�سي ‪� ،703/2‬شجرة النور الزكية‪ ،‬ملحمد خملوف‪� ،‬ص‪.231‬‬

‫‪60‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الآخذ بامل�شروع من حيث مل يق�صد به ال�شارع ذلك الق�صد �آخذ يف غري م�شروع حقيقة؛‬
‫لأن ال�ش ��ارع �إمن ��ا �شرعه لأمر معل ��وم بالفر�ض‪ ،‬ف�إذا �أخذ بالق�ص ��د �إىل غري ذلك الأمر‬
‫املعلوم؛ فلم ي�أت بذلك امل�شروع �أ�صال‪ ،‬و�إذا مل ي�أت به ناق�ض ال�شارع يف ذلك الأخذ‪ ،‬من‬
‫حيث �صار كالفاعل لغري ما �أمر به والتارك ملا �أمر به»(‪.)1‬‬
‫ويف الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية حتقيق مقا�صد �شرعي ��ة‪ ،‬ويف فهمها �إعانة للم�سلم‬
‫عل ��ى �أداء امل�ش ��روع يف املال كما �شرع اهلل تع ��اىل‪ ،‬ومن املقا�ص ��د ال�شرعية التي حتققها‬
‫الهند�سة املالية الإ�سالمية‪:‬‬
‫ ‪� -1‬أنها حتقق م�صالح للنا�س‪.‬‬
‫ ‪� -2‬أنها ترفع احلرج عن النا�س‪ .‬و�س�أفرد كل مق�صد من هذه املقا�صد مبطلب‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حتقيق امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫م ��ن مقا�ص ��د ال�شريعة حتقي ��ق امل�صلحة للمكل ��ف‪ ،‬فمبنى ال�شريع ��ة على حت�صيل‬
‫امل�صال ��ح وتكميله ��ا‪ ،‬وتعطيل املفا�س ��د وتقليلها(‪ ،)2‬يق ��ول العز ب ��ن عبدال�سالم(‪«:)3‬من‬
‫مار� ��س ال�شريعة وفهم مقا�صد الكتاب وال�سنة َع ِلم �أن جميع ما �أمر به جللب م�صلحة �أو‬
‫م�صال ��ح‪� ،‬أو ل ��درء مف�سدة �أو مفا�سد‪� ،‬أو للأمري ��ن‪ ،‬و�أن جميع ما نهي عنه �إمنا نهي عنه‬
‫لدف ��ع مف�سدة �أو مفا�سد‪� ،‬أو جل ��ب م�صلحة �أو‪ ‬م�صالح‪� ،‬أو للأمري ��ن‪ ،‬وال�شريعة طافحة‬
‫بذلك»(‪.)4‬‬

‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.30/3‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.512/10‬‬
‫(( ( ه ��و عبد العزيز بن عبد ال�س�ل�ام بن �أبي القا�سم بن ح�سن ال�سلمي امللقب ب�سلطان العلماء‪ ،‬ولد �سنة ‪577‬هـ‪ ،‬برع يف‬
‫املذه ��ب ال�شافعي‪ ،‬وجمع بني فن ��ون العلم من التف�سري واحلديث والفقه والأ�صول والعربية‪ ،‬ومن ت�صانيفه‪« :‬القواعد‬
‫الك�ب�رى»‪ ،‬و«الفوائد يف اخت�صار املقا�صد(القواعد ال�صغرى) »‪ ،‬تويف �سنة ‪660‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات ال�شافعية الكربى‪،‬‬
‫لل�سبكي ‪ ،209/8‬طبقات ال�شافعية البن قا�ضي �شهبة ‪.109/2‬‬
‫الفوائد يف اخت�صار املقا�صد‪ ،‬للعز بن عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.53‬‬ ‫(( (‬

‫‪61‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الفرع الأول‪ :‬تعريف امل�صلحة‪.‬‬


‫امل�صلحة يف اللغة‪ :‬امل�صلحة �ضد املف�سدة‪ ،‬وهي واحدة امل�صالح(‪« ،)1‬فال�صاد والالم‬
‫واحلاء �أ�صل واحد يدل على خالف الف�ساد»(‪.)2‬‬
‫ويف اال�ص ��طالح‪ :‬عرفه ��ا الغزايل(‪)3‬بــ�أنه ��ا ‪«:‬املحافظ ��ة على مق�ص ��ود ال�شرع»(‪.)4‬‬
‫وقال‪«:‬ومق�صود ال�شرع من اخللق خم�سة‪ :‬وهو �أن يحفظ عليهم دينهم ونف�سهم وعقلهم‬
‫ون�سلهم ومالهم‪ ،‬فكل ما يت�ضمن حفظ هذه الأ�صول اخلم�سة فهو م�صلحة‪ ،‬وكل ما يفوت‬
‫هذه الأ�صول فهو مف�سدة‪ ،‬ودفعها م�صلحة»(‪.)5‬‬
‫وعرفه ��ا الدكتور البوطي بــ�أنها‪« :‬املنفعة الت ��ي ق�صدها ال�شارع احلكيم لعباده‪ ،‬من‬
‫حفظ دينهم‪ ،‬ونفو�سهم‪ ،‬وعقولهم‪ ،‬ون�سلهم‪ ،‬و�أموالهم‪ ،‬طبق ترتيب معني فيما بينها»(‪.)6‬‬
‫فالغ ��زايل ع ��رف امل�صلح ��ة ب�أ�سبابها‪ ،‬بينم ��ا جل�أ البوط ��ي يف تعريف ��ه �إىل حقيقة‬
‫امل�صلح ��ة ‪-‬وهي املنفع ��ة‪ -‬ال �إىل �أ�سبابها(‪ ،)7‬لكن ابن تيمي ��ة ينتقد من ح�صر امل�صلحة‬
‫بحف ��ظ الأم ��ور اخلم�س ��ة‪ ،‬فيقول‪«:‬لكن بع� ��ض النا�س يخ� ��ص امل�صال ��ح املر�سلة بحفظ‬
‫النفو� ��س والأموال والأعرا�ض والعق ��ول والأديان‪ ،‬ولي�س كذلك‪ ،‬ب ��ل امل�صالح املر�سلة يف‬
‫جل ��ب املنافع ويف دف ��ع امل�ضار وما ذكروه م ��ن دفع امل�ضار عن هذه الأم ��ور اخلم�سة فهو‬

‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،517/2‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬للرازي‪� ،‬ص‪.187‬‬
‫((( معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.303/3‬‬
‫((( ه ��و حممد ب ��ن حممد بن حممد بن �أحمد الطو�سي الغ ��زايل ال�شافعي‪ ،‬ولد �سنة ‪ 450‬ه‪ ،‬ت ��وىل التدري�س يف املدر�سة‬
‫النظامي ��ة ببغداد‪ ،‬ومن ت�صانيفه‪�« :‬إحياء علوم الدين»‪ ،‬و«الوجي ��ز»‪ ,‬و«امل�ست�صفى»‪ ،‬تويف �سنة ‪ 505‬ه‪.‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫ال�شافعية الكربى‪ ،‬لل�سبكي ‪� ،191/6‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.323/19‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬
‫((( �ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.37‬‬
‫(( ( رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.246-245‬‬

‫‪62‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أحد الق�سمني»(‪)1‬؛ لذا يعرف ابن تيمية امل�صلحة بــ«�أن يرى املجتهد �أن هذا الفعل يجلب‬
‫منفعة راجحة؛ ولي�س يف ال�شرع ما ينفيه»(‪.)2‬‬
‫وكالم اب ��ن تيمي ��ة يف عدم ح�ص ��ر امل�صلحة بحفظ ه ��ذه الأم ��ور اخلم�سة �صحيح؛‬
‫فامل�صلح ��ة ت�شتمل على امل�صلحة املعتربة التي ن�ص ال�شرع عليها‪ ،‬وت�شتمل على امل�صلحة‬
‫املر�سل ��ة التي ال يوجد ن�ص عليها‪ ،‬وه ��ي حمققة ملق�صوده‪ ،‬وح�صر امل�صلحة بهذه الأمور‬
‫اخلم�س ��ة يخرج ق�سم امل�صلحة املر�سلة؛ فال�شرع ن� ��ص على اعتبار هذه الأمور اخلم�سة‪،‬‬
‫وهن ��اك كثري من امل�صال ��ح املر�سلة التي مل ين�ص ال�شرع عليه ��ا‪ ،‬وهي حمققة ملق�صوده‪،‬‬
‫وتعري ��ف امل�صلحة البد �أن ي�شتم ��ل على الق�سمني جمي ًعا‪ ،‬وتعريف اب ��ن تيمية للم�صلحة‬
‫تعري ��ف للو�سيل ��ة املو�صلة �إليه ��ا‪ ،‬ولي�س تعري ًفا له ��ا‪ ،‬فنظر املجتهد و�سيل ��ة للتعرف على‬
‫امل�صلحة‪ ،‬وميكن �أن يتم تعريف امل�صلحة عن طريق الدمج بني تعريف البوطي‪ ،‬وتعريف‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فيكون تعريف امل�صلحة‪ :‬هي املنفعة التي ق�صدها ال�شارع احلكيم لعباده‪ ،‬يف‬
‫�أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬ولي�س يف ال�شرع ما ينفيها‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أق�سام امل�صلحة‪.‬‬
‫أق�ساما عدة باعتب ��ارات خمتلفة‪ ،‬ولهذا التق�سيم ت�أثري يف املوازنة‬
‫تنق�س ��م امل�صلحة � ً‬
‫بينها‪ ،‬وترجيح بع�ضها على بع�ض يف حالة التعار�ض(‪ ،)3‬وهذه الأق�سام كما يلي‪:‬‬
‫�أولاً ‪ :‬تق�سيم امل�صلحة من حيث اعتبار ال�شارع لها‪:‬‬
‫تنق�سم امل�صلحة من حيث اعتبار ال�شارع لها ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫‪-1‬امل�ص ��لحة املعت�ب�رة‪ :‬وه ��ي امل�صلح ��ة الت ��ي �شهد ال�ش ��ارع باعتباره ��ا؛ كم�صلحة‬

‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.343/11‬‬


‫((( املرجع ال�سابق ‪.343-342/11‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اعتبار م�آالت الأفعال و�أثرها الفقهي‪ ،‬لوليد احل�سني ‪.285/1‬‬

‫‪63‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫اجلهاد‪ ،‬وم�صلحة قطع يد ال�سارق‪ ،‬وم�صلحة النظر �إىل املخطوبة وغريها(‪.)1‬‬


‫‪ -2‬امل�صلحة امللغاة‪ :‬وهي امل�صلحة التي �شهد لها ال�شرع بالبطالن(‪)2‬؛ مثل م�صلحة‬
‫املراب ��ي يف زي ��ادة مال ��ه‪ ،‬فق ��د �ألغ ��اه ال�ش ��ارع‪ ،‬ق ��ال اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﮊ(‪ ،)3‬وامل�صلح ��ة املوج ��ودة يف اخلم ��ر واملي�س ��ر‪ ،‬والتي ذكرها اهلل تع ��اىل يف قوله‪:‬‬
‫ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﮊ (‪ ،)4‬وم ��ع ذل ��ك �ألغى ال�شارع ه ��ذه امل�صلحة لوجود املفا�س ��د الكبرية يف اخلمر‬
‫واملي�س ��ر‪ ،‬ق ��ال اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ (‪ ،)5‬ومث ��ل «ق ��ول بع�ض العلم ��اء لبع�ض امللوك ملا جامع يف‬
‫نه ��ار رم�ض ��ان‪� :‬إن عليك �صوم �شهري ��ن متتابعني‪ ،‬فلما �أنكر عليه حي ��ث مل ي�أمر ب�إعتاق‬
‫رقب ��ة مع ات�ساع ماله‪ ،‬قال‪ :‬ل ��و �أمرته بذلك ل�سهل عليه‪ ،‬وا�ستحق ��ر �إعتاق رقبة يف جنب‬
‫ق�ض ��اء �شهوته‪ ،‬فكانت امل�صلحة يف �إيجاب ال�صوم لينزجر به»(‪ ،)6‬قال ال�شاطبي‪« :‬وهذه‬
‫الفتي ��ا باطلة»(‪ ،)7‬ق ��ال الغزايل‪«:‬فهذا قول باطل وخمالف لن� ��ص الكتاب بامل�صلحة»(‪،)8‬‬
‫وبط�ل�ان هذه الفتيا من جهة �أن هذا الع ��امل مل يبني للملك �أن كفارة اجلماع يف رم�ضان‬
‫لها ثالثة مراتب؛ عتق رقبة‪� ،‬أو�صيام �شهرين متتابعني‪� ،‬أو�إطعام �ستني م�سكي ًنا‪ ،‬كما ورد‬

‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪ ،173‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪ ،248-246‬اعتبار‬
‫م�آالت الأفعال و�أثرها الفقهي‪ ،‬لوليد احل�سني ‪.285/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.219‬‬
‫((( �سورة املائدة‪ ،‬الآية ‪.90‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬
‫((( االعت�صام‪ ،‬لل�شاطبي‪� ،‬ص‪.610‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬

‫‪64‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بذلك الن�ص(‪ ،)1‬بل �ألزمه بنوع واحد من الكفارات‪ ،‬وهو �صيام �شهرين متتابعني؛ ليزجر‬
‫املل ��ك‪ ،‬وهذه امل�صلح ��ة ملغاة ملخالفتها ما ج ��اء به الن�ص من التن ��وع يف الكفارة‪� ،‬سواء‬
‫كان ��ت هذه الكفارة على الرتتي ��ب‪� ،‬أو على التخيري(‪ ،)2‬ف�ضلاً على �أن امل�صلحة التي ر�آها‬
‫الع ��امل يف �صوم امللك �شهرين متتابعني تقابلها م�صلحة �أرجح منها‪ ،‬وهي اعتاق الرقبة‪،‬‬
‫فهذه م�صلحة متعدية النفع‪ ،‬وتلك قا�صرة النفع على امللك؛ لذلك قدم النبي × كفارة‬
‫عتق الرقبة على كفارة �صيام �شهرين متتابعني‪« ،‬وفتح هذا الباب ي�ؤدي �إىل تغيري جميع‬
‫ح ��دود ال�شرائ ��ع ون�صو�صها ب�سبب تغ�ي�ر الأحوال‪ ،‬ثم �إذا عرف ذلك م ��ن �صنيع العلماء‬
‫مل حت�ص ��ل الثقة للمل ��وك بفتواهم‪ ،‬وظن ��وا �أن كل ما يفتون به فه ��و حتريف من جهتهم‬
‫بالر�أي»(‪.)3‬‬
‫‪-3‬امل�ص ��لحة املر�س ��لة‪ :‬وه ��ي امل�صلح ��ة الت ��ي مل ي�شه ��د له ��ا ال�ش ��ارع باالعتبار‪ ،‬وال‬
‫بالإلغاء(‪ ،)4‬ولكنها حمققة ملق�صود ال�شارع(‪)5‬؛ مثل جمع القر�آن يف زمن ال�صحابة‪ ،‬فهذه‬

‫هلل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬و َما‬ ‫�ول ا ِ‬ ‫«ج ��ا َء َر ُج ٌل �إِلىَ ال َّن ِب � ِّ�ي ×‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬هَ َل ْكتُ ‪َ ،‬يا َر ُ�س � َ‬ ‫((( والن� ��ص ال ��ذي ورد‪ :‬ع ��ن �أبي هريرة ‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫ت ُد َم ��ا ُت ْعت ُِق َر َق َب� � ًة؟» َق َال‪ :‬اَل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فه َْل َت ْ�س� � َتطِ ي ُع َ�أنْ‬ ‫�ال‪َ :‬و َق ْع ��تُ َع َلى ْام َر َ�أ ِتي فيِ َر َم َ�ض ��انَ ‪َ ،‬ق َال‪« :‬ه َْل جَ ِ‬ ‫�أَ ْه َل� � َك َك؟» َق � َ‬
‫ني مِ ْ�سكِي ًنا؟» َق َال‪ :‬اَل‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َج َل َ�س‪َ ،‬ف�أُ ِت َي ال َّن ِب ُّي‬ ‫ت ُد مَا ُت ْط ِع ُم �سِ � � ِّت َ‬ ‫َت ُ�ص ��و َم َ�ش� � ْه َر ْي ِن ُم َت َتا ِب َع نْيِ؟» َق َال‪ :‬اَل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فه َْل جَ ِ‬
‫× ِب َع� � َرقٍ ِفي� � ِه تمَ ْ ٌر‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ت َ�ص� �د َّْق ِب َه َذا» َق َال‪� :‬أَ ْف َق َر ِم َّن ��ا؟ َف َما بَينْ َ اَل َب َت ْي َها َ�أ ْه ُل َب ْي ٍت �أَ ْح� � َو ُج ِ�إ َل ْي ِه ِم َّنا‪َ ،‬ف َ�ض ِح َك ال َّن ِب ُّي‬
‫× َحتَّى بَدَ تْ �أَ ْن َيا ُبهُ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬ا ْذه َْب َف�أَ ْط ِع ْم ُه �أَهْ لَ َك» » رواه البخاري‪ ،‬كتاب ال�صيام‪ ،‬باب �إذا جامع يف رم�ضان ومل‬
‫يك ��ن ل ��ه �شيء فت�صدق عليه‪ ،‬فليكفر‪ ،‬برق ��م‪ ،1936‬وم�سلم‪ ،‬كتاب ال�صيام‪ ،‬باب ب ��اب تغليظ حترمي اجلماع يف نهار‬
‫رم�ض ��ان عل ��ى ال�صائم‪ ،‬ووجوب الكف ��ارة الكربى فيه وبيانها‪ ،‬و�أنها جتب على املو�س ��ر واملع�سر وتثبت يف ذمة املع�سر‬
‫حتى ي�ستطيع‪ ،‬برقم‪.1111‬‬
‫((( اجلمه ��ور عل ��ى �إن الكفارة على الرتتيب‪ ،‬وعند الإمام مالك على التخيري‪ .‬انظ ��ر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪،327/1‬‬
‫بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،67/2‬مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني ‪ ،377/5‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.140/3‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪ ،174‬االعت�صام‪ ،‬لل�شاطبي‪� ،‬ص‪.611‬‬
‫((( انظر‪� :‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.342‬‬

‫‪65‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م�صلحة مل يرد فيها ن�ص على اعتبارها �أو �إلغائها‪ ،‬وهي حمققة ملق�صود ال�شارع‪ ،‬فجمع‬
‫القر�آن حفظ لل�شريعة‪ ،‬وهي مق�صودة لل�شارع(‪.)1‬‬
‫والب ��د �أن تك ��ون امل�صلحة املر�سل ��ة م�ستندة �إىل دليل قد اعت�ب�ره ال�شارع‪ ،‬غري �أنه ال‬
‫دليل يتناولها بخ�صو�صها‪ ،‬و�إمنا يتناول اجلن�س البعيد لها(‪.)2‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تق�سيم امل�صلحة من حيث قوتها يف ذاتها‪:‬‬
‫تنق�سم امل�صلحة من حيث قوتها يف ذاتها ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫‪-1‬امل�ص ��لحة ال�ض ��رورية‪ :‬وه ��ي امل�صلحة التي تتوقف عليها حي ��اة النا�س‪ ،‬بحيث ال‬
‫ي�ستقي ��م النظ ��ام باختاللها‪ ،‬ف�إذا اختلت ت�ؤول حالة الأم ��ة �إىل ف�ساد‪ ،‬وتكون حياة �أ�شبه‬
‫بحي ��اة الأنعام‪ ،‬وال تكون على احلالة التي �أرادها اهلل من خلق الإن�سان‪ ،‬وقد يف�ضي هذا‬
‫االخت�ل�ال �إىل ا�ضمحالل الأمة ب�أن يقت ��ل بع�ضهم ً‬
‫بع�ضا‪� ،‬أو بت�سلي ��ط الأعداء عليها(‪،)3‬‬
‫يق ��ول ال�شاطب ��ي‪« :‬ف�أم ��ا ال�ضرورية‪ ،‬فمعناه ��ا �أنها ال ب ��د منها يف قي ��ام م�صالح الدين‬
‫والدني ��ا‪ ،‬بحيث �إذا فق ��دت مل جتر م�صالح الدنيا على ا�ستقامة‪ ،‬ب ��ل على ف�ساد وتهارج‬
‫وف ��وت حي ��اة‪ ،‬ويف الأخرى ف ��وت النجاة والنعي ��م‪ ،‬والرجوع باخل�سران املب�ي�ن»(‪ ،)4‬ومثل‬
‫الغزايل للم�صلحة ال�ضرورية بحفظ ال�ضروريات اخلم�سة‪ ،‬قال‪« :‬وهذه الأ�صول اخلم�سة‬
‫حفظها واقع يف رتبة ال�ضرورات‪ ،‬فهي �أقوى املراتب يف امل�صالح»(‪.)5‬‬
‫‪-2‬امل�ص ��لحة احلاجي ��ة‪ :‬وه ��ي امل�صلح ��ة التي حتتاجه ��ا الأمة القتن ��اء م�صاحلها‪،‬‬
‫وانتظ ��ام �أموره ��ا على وجه ح�س ��ن‪ ،‬بحيث ل ��وال مراعاته لكانت يف حال ��ة غري منتظمة‪،‬‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬اعتب ��ار م�آالت الأفع ��ال و�أثرها الفقه ��ي‪ ،‬لوليد احل�س�ي�ن ‪ ،285/1‬امل�صال ��ح املر�سلة و�أثره ��ا يف املعامالت‪،‬‬
‫لعبدالعزيز العمار‪� ،‬ص‪.109‬‬
‫((( انظر‪� :‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.230‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.300‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.18-17/2‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.174‬‬

‫‪66‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لكنه ��ا ال تبلغ مرتب ��ة امل�صلحة ال�ضرورية(‪ ،)1‬قال ال�شاطب ��ي‪« :‬و�أما احلاجيات‪ ،‬فمعناها‬
‫�أنه ��ا مفتقر �إليها م ��ن حيث التو�سعة ورفع ال�ضيق امل� ��ؤدي يف الغالب �إىل احلرج وامل�شقة‬
‫الالحقة بفوت املطلوب‪ ،‬ف�إذا مل تراع دخل على املكلفني‪ -‬على اجلملة‪ -‬احلرج وامل�شقة‪،‬‬
‫ولكن ��ه ال يبل ��غ مبلغ الف�ساد الع ��ادي املتوقع يف امل�صال ��ح العامة»(‪ ،)2‬ويمُ ث ��ل لها بالبيوع‪،‬‬
‫والإج ��ارات‪ ،‬والقر�ض‪ ،‬والنكاح ال�شرعي‪ ،‬والرخ�ص املخفف ��ة بالن�سبة �إىل حلوق امل�شقة‬
‫باملر�ض وال�سفر‪ ،‬وغريها(‪.)3‬‬
‫‪-3‬امل�ص ��لحة التح�س ��ينية‪ :‬وه ��ي امل�صلحة الت ��ي تكون من قبي ��ل التح�سني والتزيني‬
‫والتي�س�ي�ر حلياة النا� ��س‪ ،‬ورعاية �أح�س ��ن املناهج يف الع ��ادات واملعام�ل�ات(‪ ،)4‬قال ابن‬
‫عا�شور‪« :‬هي عندي ما كان بها كمال الأمة يف نظامها حتى تعي�ش �آمنة مطمئنة ولها بهج ُة‬
‫منظر املجتمع يف مر�أى بقية الأمم‪ ،‬حتى تكون الأمة الإ�سالمية مرغو ًبا يف االندماج فيها‬
‫�أو التق ��رب منها»(‪ ،)5‬ومن �أمثلتها‪� :‬سرت العورة‪ ،‬والتقرب بنوافل العبادات‪ ،‬و�آداب الأكل‪،‬‬
‫وغريها من مكارم الأخالق(‪.)6‬‬
‫ثالثا‪ :‬تق�سيم امل�صلحة من حيث ال�شمول‪:‬‬
‫تنق�سم امل�صلحة من حيث �شمولها ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫‪-1‬م�ص ��لحة عامة‪ :‬وهي امل�صلحة التي تتعل ��ق بحق اخللق كافة؛ مثل حماية الدين‪،‬‬
‫وحفظ القر�آن من التال�شي العام(‪.)7‬‬
‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.306‬‬ ‫(( (‬
‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.21/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي‪ ،22-21/2‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.307-306‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.175‬‬ ‫((( ‬
‫مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.307‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي‪.23-22/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬شفاء الغليل‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪ ،99‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.313‬‬ ‫((( ‬

‫‪67‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -2‬م�صلحة تتعلق بجماعات‪ :‬وهي امل�صلحة املتعلقة بحق جماعة من الأمة‪ ،‬ولي�س‬
‫عامة لكل الأمة؛ كامل�صالح املتعلقة ببلد معني‪� ،‬أو امل�صالح املتعلق ب�أ�صحاب مهنة معينة‪،‬‬
‫كت�أم�ي�ن التجارة للتجار امل�سلمني يف البالد غ�ي�ر الإ�سالمية(‪ ،)1‬وكاالحتكام للق�ضاء غري‬
‫ال�شرعي يف البالد التي ال يوجد فيها ق�ضاء �شرعي‪.‬‬
‫‪-3‬م�ص ��لحة خا�ص ��ة‪ :‬وهي امل�صلحة التي تخ�ص فردًا معي ًنا(‪)2‬؛ كم�صلحة ف�سخ بيع‬
‫فيه غ�ش ل�شخ�ص‪� ،‬أو م�صلحة تطليق امر�أة من زوجها ب�سبب ال�ضرر الواقع عليها‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪� :‬أدلة اعتبار امل�صلحة‬
‫اعتب ��ار امل�صلح ��ة ه ��و الأ�سا�س الذي بني ��ت عليه ال�شريع ��ة‪ ،‬يقول اب ��ن القيم‪«:‬ف�إن‬
‫ال�شريع ��ة مبناه ��ا و�أ�سا�سها على احلكم وم�صال ��ح العباد يف املعا� ��ش واملعاد‪ ،‬وهي عدل‬
‫كله ��ا‪ ،‬ورحمة كله ��ا‪ ،‬وم�صالح كله ��ا‪ ،‬وحكمة كلها؛ ف ��كل م�س�ألة خرجت ع ��ن العدل �إىل‬
‫اجل ��ور‪ ،‬وعن الرحم ��ة �إىل �ضدها‪ ،‬وعن امل�صلحة �إىل املف�سدة‪ ،‬وعن احلكمة �إىل العبث؛‬
‫فلي�ست من ال�شريعة»(‪.)3‬‬
‫و�أدلة اعتبار ال�شريعة الإ�سالمية للم�صلحة كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآية‪�:‬أنه لو مل تكن ال�شريعة التي بع ��ث اهلل نبيه × بها مبنية‬
‫عل ��ى امل�صلح ��ة‪ ،‬مل يكن �إر�سال الر�سول × رحمة‪ ،‬بل نقمة عليه ��م؛ �إذ لو �أر�سله بحكم‬
‫ال م�صلح ��ة له ��م فيها‪ ،‬ل ��كان تكلي ًفا بال فائ ��دة‪ ،‬وم�شق ًة تخالف الرحمة الت ��ي �أر�سل بها‬
‫الر�سول ×؛ فتعقل املعنى‪ ،‬ومعرفة �أنه بني على م�صلحة �أقرب �إىل االنقياد والقبول(‪.)5‬‬

‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.314‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪� :‬شفاء الغليل‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪ ،99‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.314‬‬ ‫((( ‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.11/3‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الأنبياء‪ ،‬الآية ‪.107‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬رفع احلاجب عن خمت�صر ابن احلاجب‪ ،‬لل�سبكي ‪.329/4‬‬ ‫(( (‬

‫‪68‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الثاين‪:‬من خالل ا�ستق ��راء ال�شريعة وجد الكثري م ��ن الأدلة املعللة مبا هو‬
‫�أ�صلح للعباد‪ ،‬ففي ختام �آية فر�ض الو�ضوء‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮊ (‪ ،)1‬وف َر�ض اهلل ال�صالة‪ ،‬وعلل ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫(‪)2‬‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﮊ‪.‬‬
‫وفر� ��ض اهلل ال�صيام‪ ،‬ويف ختام الآية ق ��ال‪ :‬ﮋﭯ ﭰ ﮊ (‪� ،)3‬إىل جانب الكثري‬
‫م ��ن الآيات الت ��ي يثبت مبجموعها على دلي ��ل اال�ستقراء �أن ال�شريع ��ة مبنية على حتقيق‬
‫م�صالح العباد‪� ،‬آتية ب�إ�سعادهم يف حياتهم الدنيا‪ ،‬وحياتهم الأخرى(‪.)4‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن املجتهدين من ال�صحابة عملوا �أمو ًرا ملجرد حتقق امل�صلحة‪،‬‬
‫دون تق ��دم �شاهد باالعتبار‪ ،‬من ذلك قول عم ��ر بن اخلطاب‪ ‬لأبي بكر‪ ‬ملا اقرتح‬
‫علي ��ه جمع القر�آن‪« :‬هُ َو َواللهَّ ِ َخيرْ ٌ »(‪ ،)5‬وكذلك ق ��ال �أبو بكر‪ ‬لزيد عندما �أمره بجمع‬
‫اَ‬
‫ال�صناع‪«:‬ل‬ ‫القر�آن‪«:‬هُ � � َو َواللهَّ ِ َخ�ْي رْ ٌ�ر»(‪ ،)6‬وق ��ال علي بن �أب ��ي طالب‪ ‬ملا �أمر بت�ضم�ي�ن‬
‫اك»(‪ ،)7‬وغريها كثري(‪ ،)8‬فتبني من ذلك �أن املتقرر عندهم بناء‬ ‫َي ْ�ص ُل � ُ�ح ِلل َّنا� � ِ�س �إِ اَّل َذ َ‬
‫ال�شريعة على امل�صلحة‪ ،‬و�أنه متى وجدت امل�صلحة فثم �شرع اهلل‪ ،‬ودينه(‪.)9‬‬

‫((( �سورة املائدة‪ ،‬الآية ‪.6‬‬


‫((( �سورة العنكبوت‪ ،‬الآية ‪.45‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪،183‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪� ،13-12/2‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.89‬‬
‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب التف�س�ي�ر‪ ،‬ب ��اب قول ��ه‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ ‪ ،‬برقم ‪.4679‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.52‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح تنقيح الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪� ،446‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف ‪.213/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الطرق احلكمية‪ ،‬البن القيم ‪.31/1‬‬

‫‪69‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن م ��ن قواعد ال�شريع ��ة الكربى‪ ،‬قاعدة‪« :‬ال �ض ��رر وال �ضرار»(‪،)1‬‬
‫امل�ستن ��دة �إىل احلديث الذي رواه ابن ماجه‪ ،‬عن ابن عبا�س ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ر�سول اهلل ×‪« :‬لاَ َ�ض� � َر َر َولاَ ِ�ض� � َرا َر»(‪ ،)2‬وهذا احلديث و�إن مل ي�صح ف�إن الأمة جممعة‬
‫عل ��ى معناه امل�ستفاد من �أدلة كث�ي�رة‪ ،‬ف�إذا نفى ال�شرع ال�ضرر‪ ،‬لزم منه �إثبات امل�صلحة؛‬
‫لأنهما نقي�ضان ال وا�سطة بينهما(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل اخلام�س‪� :‬أن الأ�صول حم�ص ��ورة‪ ،‬والوقائع غري حم�صورة(‪ ،)4‬و«نعلم قط ًعا‬
‫�أن ��ه ال تخلو واقعة ع ��ن حكم اهلل تعاىل معزو �إىل �شريعة حمم ��د×»(‪ ،)5‬فالبد �أن تبنى‬
‫ه ��ذه الوقائع على حتقي ��ق امل�صلحة للنا�س فيما يتوافق مع مقا�ص ��د ال�شريعة‪ ،‬و�أهدافها‬
‫الكلية؛ كي يتحقق خلود ال�شريعة‪ ،‬و�صالحيتها الدائمة لكل زمان ومكان(‪.)6‬‬
‫هذه هي �أبرز الأدلة يف اعتبار ال�شريعة الإ�سالمية للم�صلحة‪ ،‬وقد اتفق العلماء على‬
‫اعتبارها‪ ،‬قال القرايف(‪«:)7‬و�إذا افتقدت املذاهب وجدتهم �إذا قا�سوا وجمعوا وفرقوا بني‬

‫((( انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي‪� ،‬ص‪ ،7‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪.72‬‬
‫((( كتاب الأحكام‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما ي�ضر بجاره‪ ،‬برقم ‪ .2341‬واحلديث �ضعيف؛ فقد جاء عند ابن ماجه و�أحمد‬
‫م ��ن طريق جابر اجلعفي ع ��ن عكرمة عن ابن عبا�س‪ ،‬وجابر اجلعفي ترك الأئمة حديث ��ة‪ ،‬واتهمه بع�ضهم بالكذب‪،‬‬
‫أي�ضا من طريق �إ�سحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن ال�صامت‪ ،‬و�إ�سحاق‬ ‫وج ��اء احلدي ��ث عند ابن ماجة و�أحمد � ً‬
‫مل يدرك عبادة بن ال�صامت‪ .‬وقال ابن عبدالرب عن هذا احلديث‪�«:‬إن هذا احلديث ال ي�ستند من وجه �صحيح» وقال‬
‫اب ��ن رجب‪«:‬وق ��ال خالد بن �سع ��د الأندل�سي احلافظ‪ :‬مل ي�صح حديث‪« :‬ال �ض ��رر وال �ض ��رار» م�سندا»‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،465/4 ،493/2‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪ ،380 ،204/1‬تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر ‪ ،256/1‬التمهيد‪،‬‬
‫البن عبدالرب ‪ ،158/20‬جامع العلوم واحلكم‪ ،‬البن رجب ‪.208/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬التعيني يف �شرح الأربعني‪ ،‬للطويف‪� ،‬ص‪.238‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنخول‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.457‬‬
‫((( الربهان‪ ،‬للجويني ‪.162/2‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي ‪.43/2‬‬
‫(( ( ه ��و �أحم ��د بن �إدري�س القرايف املالكي‪ ،‬كان �إمام ًا يف الفقه والأ�صول‪،‬م ��ن م�صنفاته‪«:‬الفروق»‪ ،‬و«الذخرية» يف الفقه‬

‫‪70‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫امل�س�ألت�ي�ن ال يطلبون �شاه ��د ًا باالعتبار لذلك املعنى الذي به جمع ��وا وفرقوا‪ ،‬بل يكتفون‬
‫مبطل ��ق املنا�سبة(‪ ،)1‬وهذا هو امل�صلحة املر�سلة‪ ،‬فهي حينئذ يف جميع املذاهب»(‪ ،)2‬وقال‬
‫أي�ض ��ا‪�«:‬إن امل�صلحة املر�سلة يف جميع املذاهب عند التحقيق»(‪ ،)3‬وقال الطويف(‪�«:)4‬أجمع‬ ‫� ً‬
‫العلم ��اء‪� ،‬إال م ��ن ال يعتد به من جام ��دي الظاهرية‪ ،‬على تعليل الأح ��كام بامل�صالح ودرء‬
‫املفا�س ��د‪ ،‬و�أ�شدهم يف ذل ��ك مالك حيث قال بامل�صلحة املر�سلة‪ ،‬ويف احلقيقة مل يخت�ص‬
‫بها‪ ،‬بل اجلميع قائلون بها‪ ،‬غري �أنه قال بها �أكرث منهم»(‪.)5‬‬
‫وق ��د ا�شتهر عن الإمام ال�شافعي ومذهبه �إن ��كار اعتبار امل�صلحة يف الت�شريع‪� ،‬إال �أن‬
‫املحقق�ي�ن يف املذهب‪ ،‬بين ��وا �أن ال�شافعي ال ينكر اعتبار امل�صلحة يف الت�شريع‪ ،‬لكنه ينكر‬
‫البع ��د فيها‪ ،‬والإف ��راط‪ ،‬واتباع الأهواء با�س ��م امل�صلحة‪ ،‬وبينوا �أن ��ه ال وجه للخالف يف‬
‫اعتبارها‪ ،‬قال اجلويني‪« :‬وذهب ال�شافعي ومعظم �أ�صحاب �أبي حنيفة ر�ضي اهلل عنهما‬
‫�إىل اعتم ��اد اال�ستدالل(‪ ،)6‬و�إن مل ي�ستند �إىل حكم متفق عليه يف �أ�صل‪ ،‬ولكنه ال ي�ستجيز‬
‫الن� ��أي والبعد والإف ��راط‪ ،‬و�إمنا ي�سوغ تعلي ��ق الأحكام مب�صالح يراه ��ا �شبيهة بامل�صالح‬

‫وهو من �أجل كتب املالكية‪ ،‬تويف �سنة ‪ 684‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الديباج املذهب‪ ،‬البن فرحون‪� ،‬ص ‪ .62‬معجم امل�ؤلفني‪ ،‬لعمر بن‬
‫عبدالغني ‪.158/1‬‬
‫(( ( «املنا�سب عبارة عن و�صف ظاهر من�ضبط يلزم من ترتيب احلكم على وفقه ح�صول ما ي�صلح �أن يكون مق�صودًا من‬
‫�شرع ذلك احلكم» الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬للآمدي ‪.270/3‬‬
‫((( �شرح تنقيح الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪.394‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.446‬‬
‫(( ( ه ��و �سليم ��ان بن عبد القوي بن عب ��د الكرمي‪� ،‬أبو الربيع‪ ،‬جنم الدي ��ن‪ ،‬الطويف‪ ،‬حنبلي املذهب‪ ،‬ع ��امل �أ�صويل‪ ،‬ولد‬
‫ع ��ام ‪657‬ه‪ ،‬وله عدة ت�صانيف‪ ،‬منها‪�« :‬شرح خمت�صر الرو�ضة»‪ ،‬و«التعيني يف �شرح الأربعني»‪ ،‬تويف عام‪716‬ه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪ ،128-127/3‬امل�صلحة يف الت�شريع‪ ،‬مل�صطفى زيد‪� ،‬ص‪.105-81‬‬
‫((( التعيني يف �شرح الأربعني‪ ،‬للطويف‪� ،‬ص‪.244‬‬
‫((( وق ��د ع� � ّرف اجلويني اال�ستدالل ب�أن ��ه ‪«:‬معنى م�شعر باحلكم منا�سب له فيما يقت�ضي ��ه الفكر العقلي من غري وجدان‬
‫�أ�صل متفق عليه والتعليل املن�صوب جار فيه»‪.‬الربهان‪ ،‬للجويني ‪.161/2‬‬

‫‪71‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املعتربة وفا ًقا وبامل�صالح امل�ستندة �إىل �أحكام ثابتة الأ�صول قارة يف ال�شريعة»(‪.)1‬‬
‫وق ��ال الغ ��زايل‪«:‬و�إذا ف�سرن ��ا امل�صلح ��ة باملحافظة عل ��ى مق�صود ال�ش ��رع فال وجه‬
‫(‪)2‬‬
‫للخالف يف اتباعها‪ ،‬بل يجب القطع بكونها حجة»‪.‬‬
‫وقال الزرك�شي(‪«:)3‬ف�إن العلماء يف جميع املذاهب يكتفون مبطلق املنا�سبة‪ ،‬وال معنى‬
‫(‪)4‬‬
‫للم�صلحة املر�سلة �إال ذلك»‪.‬‬
‫ويف ثنايا كتب املذاهب الفقهية الكثري من الفروع التي بنى علماء املذاهب فتاواهم‬
‫على حتقيق امل�صلحة(‪.)5‬‬
‫وبعدما تبني ذلك‪ ،‬فال ينبغي الرتدد يف �صحة اال�ستناد �إىل امل�صلحة(‪ ،)6‬واعتبارها‬
‫يف الت�شري ��ع‪ ،‬ف� ��إن امل�صلحة هي «�أخ�صب الطرق الت�شريعي ��ة فيما ال ن�ص فيه»(‪ ،)7‬وفيها‬
‫املت�سع للفقيه يف تدبري �أمور الأمة عند نوازلها‪ ،‬ونوائبها �إذا التب�ست عليه امل�سالك(‪.)8‬‬
‫الفرع الرابع‪� :‬ضوابط امل�صلحة‬
‫امل�صلح ��ة ه ��ي �أو�سع الطرق‪ ،‬وه ��ذا االت�ساع فيها ق ��د يغري �أهل الأه ��واء بالدخول‬
‫ع ��ن طريقه ��ا �إىل حتقيق رغباتهم م�ستدلني بتحقيق امل�صلح ��ة‪ ،‬منادين بها‪ ،‬لذلك البد‬
‫((( الربهان‪ ،‬للجويني ‪.161/2‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.179‬‬
‫((( ه ��و حمم ��د بن بهادر بن عبد اهلل الزرك�شي ال�شافعي‪ ،‬عنى بالفق ��ه والأ�صول واحلديث‪ ،‬جمع يف الأ�صول كتابا �سماه‬
‫البحر يف ثالثة �أ�سفار‪ ،‬و�شرح علوم احلديث البن ال�صالح‪ ،‬وجمع اجلوامع لل�سبكى‪ ،‬تويف �سنة ‪794‬هـ‪.‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫ال�شافعية‪ ،‬البن قا�ضي �شهبة ‪� ،167/3‬شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد ‪.572/8‬‬
‫((( البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪.275/7‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬امل�صلحة يف الت�شريع‪ ،‬مل�صطفى زيد‪� ،‬ص‪،75-56‬امل�صالح املر�سلة و�أثرها يف املعامالت‪ ،‬لعبدالعزيز العمار‪،‬‬
‫�ص‪.152-138‬فقد ذكرا كث ًريا من الأمثلة لفتاوى علماء املذاهب التي ُبنيت على امل�صلحة‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.309‬‬
‫(( ( م�صادر الت�شريع الإ�سالمي فيما ال ن�ص فيه‪ ،‬لعبدالوهاب خالف‪� ،‬ص‪.85‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.315‬‬

‫‪72‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫للم�صلحة من �ضوابط ت�ضبطها‪ ،‬وقد ذكر العلماء �ضوابط للم�صلحة‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫‪�-1‬أن تك ��ون امل�صلحة موافقة ملق�ص ��ود ال�شارع‪ ،‬ب�أن تكون من جن� ��س امل�صالح التي جاء‬
‫بها‪ ،‬ولي�ست غريبة عنها(‪.)1‬‬
‫‪� -2‬أن ترج ��ع �إىل حف ��ظ �أمر �ض ��روري‪ ،‬ورفع حرج الزم يف الدين(‪ ،)2‬ق ��ال الغزايل‪�«:‬أما‬
‫الواق ��ع من املنا�سبات يف رتبة ال�ض ��رورات �أو احلاجات‪-‬كما ف�صلناها‪ -‬فالذي نراه‬
‫فيها‪� :‬أنه يجوز اال�ستم�ساك بها‪� ،‬إن كان مالئ ًما لت�صرفات ال�شرع»(‪.)3‬‬
‫‪� -3‬أن تك ��ون م�صلحة حقيقية ال م�صلحة وهمي ��ة؛ فالوهمية هي التي ُيتخيل فيها منفعة‬
‫وهي عند الت�أمل م�ضرة‪ ،‬وذلك خلفاء ال�ضرر فيها(‪.)4‬‬
‫‪-4‬ع ��دم تفويته ��ا م�صلحة �أه ��م منها‪ ،‬وذلك بالنظ ��ر لها من حيث قوته ��ا‪ ،‬وبالنظر لها‬
‫م ��ن حيث �شموله ��ا‪ ،‬فال تق ��دم امل�صلح ��ة احلاجية عل ��ى امل�صلح ��ة ال�ضرورية‪ ،‬وال‬
‫تق ��دم امل�صلح ��ة التح�سينية عل ��ى امل�صلحة احلاجي ��ة‪ ،‬وال تق ��دم امل�صلحة اخلا�صة‬
‫ب�أف ��راد على امل�صلحة املتعلق ��ة بجماعات‪ ،‬وال تقدم امل�صلحة املتعلقة بجماعات على‬
‫امل�صلحة العامة لكل الأمة(‪ ،)5‬قال ابن القيم‪« :‬وقاعدة ال�شرع والقدر حت�صيل �أعلى‬
‫امل�صلحتني و�إن فات �أدناهما»(‪.)6‬‬
‫وق ��د ذكر بع�ض العلماء من �ضوابط امل�صلح ��ة �أال تعار�ض ال�شرع(‪ ،)7‬وقد �سبق بيان‬
‫�أن ما يعار�ض ال�شرع ال يدخل يف مفهوم امل�صلحة‪ ،‬فال داعي لو�ضعه من ال�ضوابط‪.‬‬
‫انظر‪ :‬االعت�صام‪ ،‬لل�شاطبي‪� ،‬ص‪ ،627‬امل�صالح املر�سلة و�أثرها يف املعامالت‪ ،‬لعبدالعزيز العمار‪� ،‬ص‪.119‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬االعت�صام‪ ،‬لل�شاطبي‪� ،‬ص‪.632‬‬ ‫((( ‬
‫�شفاء الغليل‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.99‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬علم �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبدالوهاب خالف‪� ،‬ص‪ ،76‬مقا�صد ال�شريعة‪ ،‬البن عا�شور‪�،‬ص‪.315‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.266-260‬‬ ‫((( ‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.217/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬علم �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبدالوهاب خالف‪� ،‬ص‪.76‬‬ ‫(( (‬

‫‪73‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫والب ��د �أن ي�ض ��اف �إىل ه ��ذه ال�ضواب ��ط �أن يكون املق ��رر لهذه امل�صلحة ه ��م العلماء‪،‬‬
‫فالعلماء هم الذين يعرفون موافقة امل�صلحة ملقا�صد ال�شارع‪ ،‬وهم الذين مييزون امل�صلحة‬
‫احلقيقة من امل�صلحة الوهمية‪ ،‬ويدركون م�آالت الأمور‪ ،‬وهم الذين مييزون بني امل�صالح‬
‫فال يقدمون امل�صلحة على م�صلحة �أهم منها‪ ،‬وهم �أهل الذكر يف معرفة امل�صالح الذين‬
‫�أمر اهلل ب�س�ؤالهم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ (‪.)1‬‬
‫الفرع اخلام�س‪ :‬امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫امل�صلح ��ة يف الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية م ��ن حيث اعتب ��ار ال�شارع له ��ا‪ ،‬تعد من‬
‫امل�صال ��ح املر�سلة التي مل ي�أمر ال�شرع بها‪ ،‬ومل يلغها‪ ،‬وهي مالئمة ملق�صود ال�شارع‪ ،‬وقد‬
‫دل ��ت الأدلة عل ��ى جن�سها‪ ،‬ومل تن�ص عليها بخ�صو�صها‪ ،‬فق ��د ورد عن النبي × تطوير‬
‫بع� ��ض العق ��ود‪ ،‬كما يف عق ��د ال�سلم‪ ،‬وقد ورد ع ��ن ال�صحابة ابت ��كار ال�صكوك‪ ،‬و�إن‬
‫كان م ��ن �ضمن امل�صالح التي تقوم بها الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية م�صالح معتربة‪ ،‬كما‬
‫تقوم بتطوير املعامالت التي ت�شتمل على الزيادة الربوية‪ ،‬ب�إلغاء هذه الزيادة‪ ،‬وهذه من‬
‫امل�صال ��ح الت ��ي اعتربها ال�شارع‪ ،‬لكن ال ��كالم عن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية من حيث‬
‫العموم من حيث هي ابتكار وتطوير ملنتجات مالية‪.‬‬
‫وم�صلحة الهند�سة املالية الإ�سالمية من حيث قوتها تعد من امل�صالح احلاجية التي‬
‫يقع على النا�س حرج و�ضيق يف عدم وجودها‪ ،‬ولكنها ال ت�صل �إىل قوة امل�صالح ال�ضرورية‬
‫التي ت�ؤدي �إىل هالكهم وا�ضمحاللهم بعدم وجودها‪ ،‬فالنا�س ت�سري �أمورهم على العقود‬
‫القدمي ��ة‪ ،‬لكن يق ��ع عليهم م�شقة وح ��رج يف ظل هذه التط ��ورات الت ��ي ي�شهدها العامل‪،‬‬
‫ووجود الكثري من العقود امل�ستحدثة من الغرب‪ ،‬والتي ال توافق ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬وهم‬
‫يريدون املتاجرة ب�أموالهم‪ ،‬فالهند�سة املالية ترفع عنهم احلرج‪ ،‬مبا تقوم به من تطوير‬

‫((( �سورة النحل‪ ،‬الآية ‪.43‬‬

‫‪74‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫للعقود القدمية‪ ،‬وما تقوم به من تطوير للعقود امل�ستحدثة من الغرب كي توافق ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬وبذلك حتقق لهم املتاجرة وفق ال�ضوابط ال�شرعية‪.‬‬
‫وم�صلحة الهند�سة املالية الإ�سالمية من حيث ال�شمول تعد من امل�صالح العامة التي‬
‫يحتاجها عامة النا�س‪ ،‬فامل�صارف وامل�ؤ�س�سات املالية يف كل بلد‪ ،‬والنا�س يتعاملون معها‪،‬‬
‫وه ��م بحاجة �إىل الأدوات‪ ،‬والآليات اجلديدة التي جتمع له ��م بني امل�صداقية ال�شرعية‪،‬‬
‫والكفاءة االقت�صادية‪.‬‬
‫وم�صلح ��ة الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة ال تخال ��ف ال�ضوابط التي و�ضعه ��ا العلماء‬
‫الزم ��ا يف الدين من‬
‫حرجا ً‬‫للم�صلح ��ة‪ ،‬فه ��ي متوافقة م ��ع مق�صود ال�شارع بحي ��ث ترفع ً‬
‫اجلان ��ب االقت�صادي‪ ،‬وهي من امل�صال ��ح احلقيقية‪ ،‬ولي�ست م ��ن امل�صالح املتوهمة‪ ،‬وال‬
‫يوج ��د فيها تفويت م�صالح �أهم منها‪ ،‬بل يف تطبيقه ��ا حتقيق لأهم امل�صالح يف اجلانب‬
‫االقت�ص ��ادي‪ ،‬كتقوي ��ة اقت�صاد الأم ��ة‪ ،‬ومناف�سة االقت�صاد الر�أ�سم ��ايل‪ ،‬و�إبراز حما�سن‬
‫الدين الإ�سالمي يف اجلانب االقت�صادي‪ ،‬وتوفري منتجات خالية من املخالفات ال�شرعية‪،‬‬
‫وتوفري متويل حقيقي وم�ستمر مما يقلل املخاطر التي يقع فيها النا�س‪ ،‬وغريها كثري‪.‬‬
‫وعل ��ى هذا فال ينبغي ال�ت�ردد يف قبول الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة؛ ملا حتققه من‬
‫م�صلح ��ة للنا�س يف حياته ��م الدنيا‪ ،‬ومعادهم الأخروي‪ ،‬متالئم ��ة مع مقا�صد ال�شريعة‪،‬‬
‫غري منافية لها‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رفع احلرج والتي�سري يف الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫من الأ�صول التي بنيت عليها ال�شريعة رفع احلرج عن املكلفني(‪ ،)1‬فال�شارع مل يكلف‬
‫عب ��اده بال�شاق ومل يعنته ��م يف التكلي ��ف(‪)2‬ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ(‪ ،)3‬وعند الت�أمل يف‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪،192/3‬حجة اهلل البالغة‪ ،‬للدهلوي ‪.310 /1‬‬
‫((( انظر‪ :‬املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.284 /22‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.220‬‬

‫‪75‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫القواع ��د اخلم� ��س الكربى التي عليها مدار الفقه الإ�سالمي جن ��د �أنها كلها تندرج حتت‬
‫�أ�ص ��ل رفع احلرج؛ فال عمل دون نية‪ ،‬ولو مل يت ��م اعتبار هذه النية لوقع النا�س يف حرج‪،‬‬
‫ف�إعمال قاعدة«الأمور مبقا�صدها» يرفع ذلك احلرج‪ ،‬ويف �إعمال قاعدة «اليقني ال يزول‬
‫بال�ش ��ك» ثب ��ات حلياة النا�س بثبات اليقني‪ ،‬ولو زال اليق�ي�ن بال�شك ملا ا�ستقرت حياتهم‪،‬‬
‫ولوقع ��وا يف حرج؛ لعدم ثب ��ات ال�شكوك‪ ،‬وكرثته ��ا‪ ،‬ويف �إعم ��ال قاعدة‪«:‬العادة حمكمة»‬
‫مرج ��ع يتحاكم النا�س �إلي ��ه يف معامالتهم‪ ،‬ولوال �إعمالها لطال ��ت خ�صوماتهم‪ ،‬ولوقعوا‬
‫يف احل ��رج‪ ،‬ويف �إعم ��ال قاعدة«امل�شقة جتل ��ب التي�سري» رفع حلرج امل�شق ��ة غري املعتادة‪،‬‬
‫وكذل ��ك يف �إعم ��ال قاعدة «ال �ض ��رر وال �ضرار» حماي ��ة حلياة النا�س م ��ن ال�ضرر الذي‬
‫يوقعه ��م يف احل ��رج‪ ،‬قال اب ��ن العربي(‪«:)1‬ولو ذهبت �إىل تعديد نع ��م اهلل يف رفع احلرج‬
‫لطال املرام»(‪ ،)2‬فرفع احلرج«من �أعظم مقا�صد الت�شريع»(‪.)3‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬تعريف رفع احلرج‬
‫رف ��ع احلرج يتكون من كلمت�ي�ن (رفع) و(احلرج)‪ ،‬والبد م ��ن تعريف كل كلمة على‬
‫حدة حتى نتو�صل عن طريق تعريفهما �إىل تعريف رفع احلرج مرك ًبا‪.‬‬
‫فالرف ��ع يف اللغ ��ة يطلق على خالف الو�ضع‪ ،‬فال ��راء والفاء والعني �أ�صل واحد‪ ،‬يدل‬
‫عل ��ى خالف الو�ضع(‪ ،)4‬ومن معاين الرفع الإزالة‪ ،‬فرفع ال�شيء �إذا �أزيل عن مو�ضعه(‪،)5‬‬
‫ومعنى الإزالة هو املق�صود هنا‪.‬‬
‫(( ( هو حممد بن عبداهلل‪ ،‬ابن العربي الأندل�سي‪ ،‬الإ�شبيلي‪ ،‬املالكي‪ ،‬ولد �سنة ‪468‬هـ‪ ،‬من م�صنفاته‪« :‬عار�ضة الأحوذي‬
‫يف �ش ��رح جام ��ع �أبي عي�س ��ى الرتمذي»‪ ،‬و«�أحكام القر�آن»‪ ،‬ت ��ويف �سنة ‪543‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الديب ��اج املذهب‪ ،‬البن فرحون‪،‬‬
‫�ص‪� .281‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.198/20‬‬
‫((( �أحكام القر�آن‪ ،‬البن العربي ‪.309 /3‬‬
‫(( ( تي�سري علم �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبداهلل اجلديع‪� ،‬ص‪.48‬‬
‫((( انظر‪:‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.423/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.87/8‬‬

‫‪76‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫والرفع يف اال�صطالح ال يخرج عن املعنى اللغوي فهو مبعنى الإزالة(‪.)1‬‬


‫�أم ��ا احل ��رج يف اللغة‪ :‬فيدل على ال�ضيق(‪ ،)2‬فاحل ��اء والراء واجليم �أ�صل واحد يدل‬
‫على جتمع ال�شيء و�ضيقه(‪.)3‬‬
‫و�أم ��ا يف اال�ص ��طالح فل ��م �أجد للحرج تعري ًفا عند العلم ��اء املتقدمني مما يدل على‬
‫�أنهم يكتفون مبعناه اللغوي‪ ،‬وقد وجدت للمعا�صرين من العلماء عدة تعريفات للحرج يف‬
‫اال�صطالح‪ ،‬منها‪:‬‬
‫تعريف الدكتور يعقوب الباح�سني‪«:‬ما �أوقع على العبد م�شقة زائدة عن املعتاد‪ ،‬على‬
‫حال �أو م� اًآل‪ ،‬غري‬
‫بدن ��ه �أو عل ��ى نف�سه‪� ،‬أو عليهم ��ا م ًعا يف الدنيا والآخرة‪� ،‬أو فيهما م ًع ��ا‪ ،‬اً‬
‫معار�ض مبا هو �أ�شد منه‪� ،‬أو مبا يتعلق به حق للغري م�ساو له �أو �أكرث منه»(‪.)4‬‬
‫ومنه ��ا تعريف الدكت ��ور �صالح بن حميد‪ «:‬كل م ��ا �أدى �إىل م�شقة زائدة يف البدن �أو‬
‫حال �أو م� اًآل»(‪.)5‬‬
‫النف�س �أو املال اً‬
‫ومنها تعريف الدكتور عثمان �شبري‪«:‬ما فيه م�شقة فوق املعتاد»(‪.)6‬‬
‫وي�ؤخ ��ذ على تعري ��ف الباح�سني �أنه �أطال التعريف بذكر ع ��دد مواقع وجود احلرج‪،‬‬
‫ووقت ��ه‪ ،‬مع �إمكانه االخت�صار‪ ،‬فاحل ��رج عام لكل م�شقة زائدة مهما كان موقعها بالن�سبة‬
‫لل�شخ�ص �أو زمان وقوعها �إذا كان يلحقه �ضيق منها‪.‬‬
‫وتعري ��ف اب ��ن حميد قريب م ��ن تعريف الباح�س�ي�ن‪ ،‬و�أ�ضاف امل ��ال يف مواقع وجود‬
‫احلرج‪ ،‬واحلرج �أعم كما �سبق بيانه‪.‬‬

‫انظر‪ :‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.25‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،305/1‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.234/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.50/2‬‬ ‫((( ‬
‫رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.38‬‬ ‫(( (‬
‫رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ل�صالح بن حميد‪� ،‬ص‪.47‬‬ ‫(( (‬
‫القواعد الكلية وال�ضوابط الفقهية يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬لعثمان �شبري‪� ،‬ص‪.188‬‬ ‫(( (‬

‫‪77‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وتعريف �شبري �أقرب تعريف للحرج فامل�شقة فوق املعتاد هي احلرج الذي يحتاج �إىل‬
‫رفع‪ ،‬مهما كان موقعها �أو زمان وقوعها‪.‬‬
‫وبعدما متت معرفة معنى الرفع‪ ،‬ومعنى احلرج منفردين‪ ،‬نبني تعريفهما مركبني‪.‬‬
‫فرف ��ع احلرج عرف ��ه الدكتور يعقوب الباح�سني ب�أنه‪«:‬منع وق ��وع �أو بقاء احلرج على‬
‫العباد مبنع ح�صوله ابتدا ًء‪� ،‬أو بتخفيفه‪� ،‬أو تداركه بعد حتقق �أ�سبابه»(‪.)1‬‬
‫وهذا التعريف يلزم منه الدور‪ ،‬ولكي يخرج الدكتور الباح�سني من هذا الدور �أ�شار‬
‫يف احلا�شي ��ة �إىل الرجوع �إىل معنى احلرج الذي ق ��رره �ساب ًقا‪ ،‬ويف �إ�ضافة معنى احلرج‬
‫�إىل هذا التعريف ي�صبح تعريف رفع احلرج‪« :‬منع وقوع �أو بقاء ما �أوقع على العبد م�شقة‬
‫زائ ��دة عن املعتاد‪ ،‬على بدن ��ه �أو على نف�سه‪� ،‬أو عليهما م ًعا يف الدني ��ا والآخرة‪� ،‬أو فيهما‬
‫حال �أو م� �� اًآل‪ ،‬غري معار�ض مبا هو �أ�شد منه‪� ،‬أو مبا يتعل ��ق به حق للغري م�ساو له �أو‬
‫م ًع ��ا‪ ،‬اً‬
‫�أكرث منه على العباد مبنع ح�صوله ابتدا ًء‪� ،‬أو بتخفيفه‪� ،‬أو تداركه بعد حتقق �أ�سبابه»‪.‬‬
‫وه ��ذا التعري ��ف طويل‪ ،‬ومن �شروط احلد(التعري ��ف)‪�« :‬أن يوجز احلا ُّد يف احلدِّ‬
‫عل ��ى ح�سب اال�ستطاع ��ة»(‪ ،)2‬ق ��ال الغزايل حني كالم ��ه عن �ش ��روط احلد‪«:‬واجتهد يف‬
‫أي�ضا زيادة «مبنع ح�صوله‬ ‫الإيجاز ما قدرت»(‪ ،)3‬ف�ضلاً عن امل�آخذ على تعريف احلرج‪ ،‬و� ً‬
‫ابتدا ًء‪� ،‬أو بتخفيفه‪� ،‬أو تداركه بعد حتقق �أ�سبابه» ال حاجة لذكرها يف التعريف؛ لأن منع‬
‫وق ��وع احلرج ي�شم ��ل منع ح�صوله ابتدا ًء �أو يخففه قبل الوق ��وع‪ ،‬ومنع بقاء احلرج ي�شمل‬
‫تداركه بعد حتقق �أ�سبابه �أو يخففه‪.‬‬
‫وبع ��د ذلك ميك ��ن تعريف رفع احلرج بـ�أن ��ه‪ :‬منع وقوع �أو بق ��اء امل�شقة الزائدة عن‬
‫املعتاد‪.‬‬
‫(( ( رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.48‬‬
‫((( املهذب‪ ،‬لعبدالكرمي النملة ‪.86/1‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.14‬‬

‫‪78‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الفرع الثاين‪ :‬الأدلة على رفع احلرج‪.‬‬


‫الأدلة على رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية كثرية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪:‬الآيات القر�آنية الدالة على رفع احلرج‪ ،‬والتي�سري‪ ،‬والتخفيف‪ ،‬ونفي‬
‫التكليف مبا لي�س يف الو�سع؛ كقول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮊ (‪.)1‬‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ (‪.)2‬‬
‫وقوله‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ (‪.)3‬‬
‫وقوله‪ :‬ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وقوله‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ (‪.)5‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الآيات‪� :‬أن هذه الآيات تدل عل ��ى �أن اهلل نفى احلرج عن الدين‪،‬‬
‫ومل ُي ��رد اهلل ليجع ��ل على عباده م ��ن حرج‪ ،‬و�أنه يري ��د الي�سر بعباده‪ ،‬ويري ��د �أن يخفف‬
‫عنه ��م‪ ،‬وال يكلفه ��م �إال ما يف و�سعهم‪ ،‬وقد ت�ضمن ��ت الآيات �أن جميع م ��ا كلفهم به �أم ًرا‬
‫�أونه ًي ��ا فه ��م مطيقون له قادرون عليه‪ ،‬و�أن اهلل مل يكلفه ��م ما ال يطيقون‪ ،‬و�أنهم يف �سعة‬
‫ومنحة من تكاليفه‪ ،‬ال يف �ضيق وحرج وم�شقة؛ ف�إن الو�سع يقت�ضي �أن ما كلفهم به مقدور‬
‫له ��م من غ�ي�ر ع�سر لهم وال �ضي ��ق وال حرج(‪«،)6‬وذلك عام مط ��رد؛ لأن اهلل عز وجل مل‬

‫�سورة احلج‪ ،‬الآية ‪.78‬‬ ‫((( ‬


‫�سورة املائدة‪ ،‬الآية ‪.6‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.185‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.28‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.286‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.138-137/14‬‬ ‫((( ‬

‫‪79‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ي�ش ��رع حك ًم ��ا �إال و�أو�سع الطريق �إليه‪ ،‬وي�س ��ره حتى مل يبق من دونه ح ��رج وال ع�سر»(‪،)1‬‬
‫والآي ��ات التي تدل على رفع احلرج �أك�ث�ر من �أن حت�صر‪ ،‬قال ال�شاطبي‪« :‬الن�صو�ص على‬
‫رفع احلرج فيه –�أي القر�آن‪-‬كافية»(‪.)2‬‬
‫الدلي ��ل الثاين‪:‬الأحادي ��ث النبوية الكث�ي�رة الدالة على التي�س�ي�ر وال�سماحة‪ ،‬كقول‬
‫ال�س ْم َح ُة» رواه البخاري(‪.)3‬‬ ‫حلنِي ِف َّي ُة َّ‬ ‫ِّين �إِلىَ اللهَّ ِ ا َ‬ ‫النبي×‪�« :‬أَ َح ُّب الد ِ‬
‫ِّين �أَ َح ٌد‬ ‫وع ��ن �أبي هري ��رة ‪ ‬عن النبي × قال‪�«:‬إِ َّن الد َ‬
‫ِّين ُي ْ�س� � ٌر‪َ ،‬و َلنْ ُي َ�ش ��ا َّد الد َ‬
‫ِ�إلاَّ َغلَ َب ُه‪َ ،‬ف َ�س� � ِّددُوا َو َقا ِر ُبوا‪َ ،‬و�أَ ْب�شِ ُروا‪َ ،‬و ْا�س َتعِي ُنوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْي ٍء مِ َن الدُّ لجْ َ ةِ»‬
‫رواه البخاري(‪.)4‬‬
‫�ول اللهَّ ِ × َب�ْيأنْ َ �أَ ْم َر ْي ِن ِ�إلاَّ‬
‫وع ��ن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪� ،‬أنها قالت‪َ « :‬ما ُخيرِّ َ َر ُ�س � ُ‬
‫ا�س مِ ْن ُه‪َ ،‬و َما ا ْن َت َق َم َر ُ�س � ُ‬
‫�ول‬ ‫ل َي ُك ��نْ �إِ ْث ًما‪َ ،‬ف�إِ ْن َكا َن ِ�إ ْث ًما َكا َن �أَ ْب َع َد ال َّن ِ‬‫�أَ َخ� � َذ �أَ ْي َ�س� � َرهُ َما‪َ ،‬ما مَ ْ‬
‫اللهَّ ِ × ِل َن ْف�سِ ِه �إِلاَّ �أَ ْن ُت ْن َته ََك ُح ْر َم ُة اللهَّ ِ‪َ ،‬ف َي ْن َت ِق َم للِهَّ ِ ِبهَا» متفق عليه(‪.)5‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأحادي ��ث‪ :‬يف هذه الأحاديث بيان �أن دي ��ن اهلل ي�سر‪ ،‬و�أن �أحب‬
‫الدي ��ن �إىل اهلل احلنيف ��ة ال�سمح ��ة‪ ،‬و�أن النبي × �إذا خري بني �أمري ��ن اختار �أي�سرهما‬
‫مناق�ضا‬‫ً‬ ‫م ��امل يكن �إث ًما‪ ،‬واحلرج يناق�ض الي�س ��ر‪ ،‬ويناق�ض احلنيفية ال�سمحة‪ ،‬ف�إذا كان‬
‫لهما فهو مناق�ض للدين‪ ،‬ومناق�ض ملا يحبه اهلل‪ ،‬واهلل ال ي�أمر به‪ ،‬والنبي × ال يختاره‪،‬‬
‫وه ��و من �أبعد النا�س عنه‪ ،‬و«كل �أوامره يراعي فيها التو�سيع على الأمة‪ ،‬وعدم امل�شقة‪ ،‬ال‬

‫(( ( الإ�شارات الإلهية �إىل املباحث الأ�صولية‪ ،‬للطويف ‪.104/2‬‬


‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.350/4‬‬
‫(( ( رواه البخاري معل ًقا يف كتاب الإميان‪ ،‬باب الدين ي�سر‪.‬‬
‫((( كتاب الإميان‪ ،‬باب الدين ي�سر‪ ،‬برقم ‪.39‬‬
‫((( رواه البخاري‪،‬كت ��اب املناق ��ب‪ ،‬باب �صفة النبي ×‪ ،‬برق ��م ‪ ،3560‬وم�سلم‪ ،‬كتاب الف�ضائ ��ل‪ ،‬باب مباعدته ×‬
‫للآثام واختياره من املباح‪� ،‬أ�سهله وانتقامه هلل عند انتهاك حرماته‪ ،‬برقم ‪.2327‬‬

‫‪80‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يح ��ب لهم امل�شقة �أبدً ا‪ ،‬ويحب لهم دائ ًما التي�س�ي�ر عليهم‪ ،‬ولذلك جاءت �شريعته �سمحة‬
‫�سهلة»(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬الأحاديث التي تدل على بعد النبي × عن كل ما ي�شق على �أمته‪،‬‬
‫فعن �أبي هريرة ‪‬عن النبي × قال‪َ «:‬و َل ْو َال �أَ ْن �أَ ُ�ش َّق َعلَى �أُ َّمتِي َما َق َعد ُْت َخ ْل َف َ�س ِر َّيةٍ‪،‬‬
‫َو َل َو ِد ْد ُت �أَنيِّ �أُ ْق َت ُل يِف َ�س ِبيلِ اللهَّ ِ ُث َّم �أُ ْح َيا‪ُ ،‬ث َّم �أُ ْق َت ُل ُث َّم �أُ ْح َيا‪ُ ،‬ث َّم �أُ ْق َت ُل»‪.‬متفق عليه(‪.)2‬‬
‫وعن �أبي هريرة ‪� ‬أن ر�سول اهلل× قال‪َ «:‬ل ْو َال �أَ ْن �أَ ُ�ش َّق َعلَى �أُ َّمتِي �أَ ْو َعلَى ال َّن ِ‬
‫ا�س‬
‫الةٍ»‪.‬متفق عليه(‪.)3‬‬ ‫ال�س َواكِ َم َع ُك ِّل َ�ص َ‬ ‫َ ألَ َم ْر ُت ُه ْم ِب ِّ‬
‫وعن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها قالت‪� :‬أعتم النبي × ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل‪،‬‬
‫وحت ��ى نام �أه ��ل امل�سجد‪ ،‬ثم خرج ف�صلى‪ ،‬فقال‪�« :‬إِ َّن ُه َل َو ْق ُتهَا َل ْولاَ �أَ ْن َ �أ ُ�ش � َّ�ق َعلَى �أُ َّمتِي»‪.‬‬
‫متفق عليه(‪.)4‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الأحاديث‪� :‬أن النب ��ي × ترك الأمر بهذه الأمور مع ما فيها من‬
‫الف�ضل لكي ال ي�شق على �أمته‪ ،‬ويف هذا «دليل على �أن احلرج وامل�شقة مرفوعان عن هذه‬
‫الأمة»(‪.)5‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬الأحاديث النبوية التي تدل على نهي النبي × �أ�صحابة عن الت�شدد‬
‫والتعمق‪ ،‬و�أمرهم ب�أن يكلفوا من الأعمال ما يطيقون‪ ،‬كما جاء عن �أبي م�سعود الأن�صاري‬
‫‪ ،‬ق ��ال‪( :‬جاء رجل �إىل ر�سول اهلل × فقال‪� :‬إين لأت�أخر عن �صالة ال�صبح من �أجل‬
‫�إعانة امل�ستفيد ب�شرح كتاب التوحيد‪ ،‬ل�صالح الفوزان ‪.312/1‬‬ ‫(( (‬
‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب اجلهاد من الإميان‪ ،‬برقم‪ ،36‬وم�سلم‪ ،‬كتاب الإمارة‪ ،‬باب ف�ضل اجلهاد واخلروج‬
‫يف �سبيل اهلل‪ ،‬برقم ‪.1876‬‬
‫(( ( رواه البخاري‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب ال�سواك يوم اجلمعة‪،‬برقم‪ ،887‬وم�سلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب ال�سواك‪،‬برقم‪.252‬‬
‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كتاب مواقيت ال�صالة‪ ،‬باب النوم قبل الع�شاء ملن غلب‪ ،‬برقم‪ ،569‬وم�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساجد وموا�ضع‬
‫ال�صالة‪ ،‬برقم‪.638‬‬
‫((( فتح الباري‪ ،‬البن رجب ‪.375/5‬‬

‫‪81‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ف�ل�ان‪ ،‬مما يطيل بنا فما ر�أيت النبي × غ�ضب يف موعظة قط �أ�شد مما غ�ضب يومئذ‬
‫ِيف‬‫ال�ض� �ع َ‬ ‫ِين‪َ ،‬ف َمنْ �أَ َّم ال َّن َ‬
‫ا�س َف ْل َي َت َج َّو ْز‪َ ،‬ف�إِ َّن َخ ْل َف ُه َّ‬ ‫فقال‪َ «:‬يا �أَ ُّيهَا ال َّن ُ‬
‫ا�س‪� ،‬إِ َّن مِ ْن ُك ْم ُم َن ِّفر َ‬
‫اجةِ»)متفق عليه(‪.)1‬‬ ‫حل َ‬ ‫ري َو َذا ا َ‬ ‫َوال َك ِب َ‬
‫وعن‪ ‬عب ��د اهلل ‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�س ��ول اهلل ×‪َ « :‬هلَ َك المْ ُ َت َن ِّط ُع ��و َن» قالها ثالثا‪.‬رواه‬
‫م�سلم(‪.)2‬‬
‫وع ��ن عائ�ش ��ة‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه ��ا‪� :‬أن النبي × كان يحتجر ح�ص�ي�را بالليل في�صلي‬
‫علي ��ه‪ ،‬ويب�سط ��ه بالنه ��ار فيجل�س علي ��ه‪ ،‬فجعل النا� ��س يثوبون �إىل النب ��ي × في�صلون‬
‫ا�س‪ُ ،‬خ ُذوا مِ َن الأَ ْع َمالِ َما ُتطِ ي ُقو َن‪َ ،‬ف�إِ َّن‬ ‫ب�صالت ��ه حتى كرثوا‪ ،‬ف�أقبل فقال‪َ « :‬يا َ�أ ُّيهَا ال َّن ُ‬
‫ي ُّل َح َّتى تمَ َ ُّلوا‪َ ،‬و�إِ َّن �أَ َح َّب الأَ ْع َمالِ �إِلىَ اللهَّ ِ َما دَا َم َو�إِ ْن َق َّل»‪.‬متفق عليه(‪.)3‬‬ ‫اللهَّ َ َال مَ َ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأحادي ��ث‪ :‬هذه الأحادي ��ث وغريها كثري يف نف� ��س معناها تدل‬
‫على �سري النبي × على طريق الي�سر‪ ،‬ومت�سكه باحلنيفية ال�سمحة‪ ،‬ونهيه �أ�صحابة عن‬
‫التنطع والتكلف الذي ي�سبب لهم احلرج يف الدين‪ ،‬وال�ضيق من �أحكامه‪ ،‬و�أال يوقع بع�ضهم‬
‫بع�ضا يف احلرج وال�ضيق خا�صة �إذا كان متول ًيا �أم ًرا من �أمورهم ك�إمامة ال�صالة‪.‬‬ ‫ً‬
‫الدلي ��ل اخلام� ��س‪ :‬الرخ� ��ص ال�شرعي ��ة كلها �أدل ��ة على �أن احلرج مرف ��وع عن هذه‬
‫الأمة‪«،‬كرخ� ��ص الق�ص ��ر‪ ،‬والفطر‪ ،‬واجلمع‪ ،‬وتناول املحرم ��ات يف اال�ضطرار‪ ،‬ف�إن هذا‬
‫(‪)4‬‬
‫منط يدل قطعا على مطلق رفع احلرج وامل�شقة»‪.‬‬

‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب الآذان‪ ،‬ب ��اب من �ش ��كا �إمامه �إذا طول‪ ،‬برق ��م‪ ،704‬وم�سلم‪ ،‬كتاب ال�صالة‪ ،‬ب ��اب �أمر الأئمة‬
‫بتخفيف ال�صالة يف متام‪ ،‬برقم‪.466‬‬
‫((( كتاب العلم‪ ،‬باب هلك املتنطعون‪ ،‬برقم‪.2670‬‬
‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب اللبا� ��س‪ ،‬باب اجللو�س عل ��ى احل�صري ونحوه‪ ،‬برق ��م‪ ،5861‬وم�سلم‪ ،‬كتاب �ص�ل�اة امل�سافرين‬
‫وق�صرها‪ ،‬باب ف�ضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغريه‪ ،‬برقم‪.782‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.212/2‬‬

‫‪82‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل ال�س ��اد�س‪� :‬أن العق ��ل ال�سليم مفط ��ور على عدم التناق�ض‪ ،‬فل ��و كان ال�شارع‬
‫قا�صدً ا للم�شقة واحلرج ملا كان مريدً ا للي�سر والتخفيف‪ ،‬وذلك باطل عقل(‪.)1‬‬
‫الدليل ال�سابع‪� :‬إجماع علماء امل�سلمني منذ عهد ال�صحابة �إىل يوم النا�س هذا على‬
‫�أن احلرج مرفوع عن هذه الأمة‪ ،‬ومل يعلم يف ذلك خمالف(‪.)2‬‬
‫هذه بع�ض الأدلة على رفع احلرج‪ ،‬و�إال فالأدلة على رفعه عن هذه الأمة كثرية‪ ،‬قال‬
‫ال�شاطبي‪�« :‬إن الأدلة على رفع احلرج يف هذه الأمة بلغت مبلغ القطع»(‪.)3‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬رفع احلرج يف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫الهند�سة املالية الإ�سالمية ترفع احلرج عن الأمة يف �أمور كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪�-1‬أن �أك�ث�ر املعامالت املالية املوجودة فيها خمالف ��ات �شرعية‪ ،‬ويف ذلك حرج على‬
‫امل�سلم�ي�ن يف التعام ��ل به ��ا‪ ،‬والهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ترفع هذا احل ��رج بتطوير هذا‬
‫املعامالت املالية مبا يتوافق مع ال�شرع احلنيف‪.‬‬
‫‪�-2‬أن املجتمعات يف تطور كما هي �سنة احلياة‪ ،‬واملعامالت القدمية ال تفي بحاجات‬
‫حرج ��ا يف عدم تلبية ه ��ذه املعامالت‬
‫النا� ��س وف ��ق هذا التط ��ور املتزايد‪ ،‬ويج ��د النا�س ً‬
‫حلاجاته ��م‪ ،‬ويف الهند�سة املالية الإ�سالمية رف ��ع لهذا احلرج بتطوير هذا املعامالت مع‬
‫املحافظة على م�صداقيتها ال�شرعية‪.‬‬
‫‪�-3‬أن النظ ��ام ال�سائد يف عامل اليوم هو النظام الر�أ�سمايل‪ ،‬وهو نظام ال يتوافق مع‬
‫ال�شريع ��ة الإ�سالمي ��ة‪ ،‬ويف تغلب هذا النظام حرج على امل�ص ��ارف الإ�سالمية يف تعاملها‬
‫مع ��ه‪ ،‬وحرج على امل�سلمني يف ت�أخ ��ر نظامهم االقت�صادي وع ��دم مناف�سته لهذا النظام‬
‫الغرب ��ي‪ ،‬ويف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة مناف�سة لهذه النظ ��ام الر�أ�سمايل‪ ،‬وفك لقيد‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،212/2‬القواعد الكلية وال�ضوابط الفقهية‪ ،‬لعثمان �شبري‪� ،‬ص‪.195‬‬
‫((( انظر‪ :‬رفع احلرج‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪ ،68‬القواعد الكلية وال�ضوابط الفقهية‪ ،‬لعثمان �شبري‪� ،‬ص‪.195‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.520/1‬‬

‫‪83‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫التبعية للغرب‪ ،‬وفر�ض للنظام االقت�صادي الإ�سالمي ب�إذن اهلل‪.‬‬


‫‪ -4‬يف حال ��ة ع ��دم توف ��ر املعام�ل�ات املالي ��ة الإ�سالمية يبتع ��د كثري م ��ن امل�سلمني‬
‫ع ��ن املتاج ��رة ب�أموالهم‪ ،‬ويف ذلك حرج عليه ��م‪ ،‬ويف الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية توفري‬
‫املعامالت الإ�سالمية التي متكنهم من املتاجرة ب�أموالهم دون خمالفة لل�شرع‪.‬‬
‫‪� -5‬أن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية توف ��ر م�صارف �إ�سالمية تلب ��ي حاجات النا�س‪،‬‬
‫وف ًق ��ا لل�شريع ��ة الإ�سالمية‪ ،‬ويف ذل ��ك رفع للحرج ال ��ذي ي�صيب امل�سلم�ي�ن بتعاملهم مع‬
‫البنوك التقليدية‪.‬‬
‫‪� -6‬أن الهند�سة املالية الإ�سالمية تفتح للم�صارف الإ�سالمية �آفاق املناف�سة وحتقيق‬
‫�أهدافها وفق الأطر ال�شرعية‪ ,‬وتك�سبها �صفة امل�صداقية‪.‬‬
‫‪� -7‬أن الهند�سة املالية الإ�سالمية هي العالج املنا�سب للأزمات املالية التي ي�شهدها‬
‫العامل‪ ،‬وال يخفى ما ت�سببه هذه الأزمات من حرج على م�ستوى الدول والأفراد‪.‬‬
‫‪� -8‬أن الهند�سة املالية الإ�سالمية ترفع احلرج عن امل�ستثمرين بتقليل املخاطر التي‬
‫يواجهونها‪.‬‬
‫وعلى هذا فينبغي قبول الهند�سة املالية الإ�سالمية وتطبيقها‪ ،‬وتطويرها؛ ملا حتققه‬
‫من رفع للحرج عن النا�س‪ ،‬والتي�سري عليهم مبا تقدمهم لهم من نظام اقت�صاد �إ�سالمي‪،‬‬
‫ال يتبع النظم الغربية‪ ،‬ويجمع لهم بني امل�صداقية ال�شرعية‪ ،‬والكفاءة االقت�صادية‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الرابع‬
‫المستندات الشرعية للهندسة المالية‬
‫اإلسالمية من القواعد الفقهية‬
‫للقواع ��د الفقهية �أهمية كربى يف �ضبط الفقه‪ ،‬وجمع منثور امل�سائل يف �سلك واحد‪،‬‬
‫و ُتطلع الفقيه على ما غاب عنه من م�آخذ الفقه‪ ،‬و ُتقرب عليه كل متباعد(‪ ،)1‬فهي«عظيمة‬
‫النفع‪ ،‬وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه‪ ،‬وي�شرف ويظهر رونق الفقه ويعرف‪ ،‬وتت�ضح‬
‫مناه ��ج الفت ��اوى وتك�شف»(‪ ،)2‬يقول ابن جنيم(‪ )3‬عن قواع ��د الفقه‪«:‬هي �أ�صول الفقه يف‬
‫احلقيقة‪ ،‬وبها يرتقي الفقيه �إىل درجة االجتهاد»(‪ ،)4‬ويقول ال�سبكي(‪« :)5‬حق على طالب‬
‫التحقي ��ق ومن يت�ش ��وق �إىل املقام الأعلى يف الت�صور والت�صديق �أن يحكم قواعد الأحكام‬
‫لريجع �إليها عند الغمو�ض‪ ،‬وينه�ض بعبء االجتهاد �أمت نهو�ض»(‪.)6‬‬
‫وم ��ن القواعد الفقهية التي تندرج حتتها الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬قاعدة الأ�صل‬
‫يف العق ��ود ال�صح ��ة �إال ما دل الدلي ��ل على منعه‪ ،‬وقاع ��دة الأ�صل يف ال�ش ��روط ال�صحة‬
‫والل ��زوم �إال م ��ا دل الدلي ��ل على منعه؛ لأن م ��ن الأن�شطة التي تقوم به ��ا الهند�سة املالية‬
‫((( انظر‪ :‬القواعد‪ ،‬البن رجب‪� ،‬ص‪.3‬‬
‫((( الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.3/1‬‬
‫((( هو زين الدين بن �إبراهيم بن حممد‪ ،‬ال�شهري بابن جنيم‪ ،‬فقيه حنفي‪ ،‬ولد �سنة ‪926‬ه‪ ،‬كان على خلق عظيم‬
‫م ��ع جريانه‪ ،‬وغلمانه‪ ،‬ل ��ه ت�صانيف‪ ،‬منها‪« :‬الأ�شباه والنظائ» و«البحر الرائ ��ق يف �شرح كنز الدقائق»‪ ،‬تويف‬
‫�سنة ‪970‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪ ،64/3‬ك�شف الظنون‪ ،‬حلاجي خليفة ‪.1516/2 ،81/1‬‬
‫((( الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪.14‬‬
‫((( ه ��و عبدالوه ��اب بن علي بن عبدالكايف بن علي ال�سبكي‪ ،‬فقيه �شافعي‪ ،‬ولد �سنة ‪ ،727‬توىل من�صب قا�ضي الق�ضاة‪،‬‬
‫وامتح ��ن ف�صرب‪ ،‬له م�ؤلفات نافع ��ة‪ ،‬منها‪«:‬جمع اجلوامع»‪ ،‬و«وطبقات ال�شافعية الكربى»‪ ،‬و«الأ�شباه والنظائر»‪ ،‬تويف‬
‫�سنة ‪771‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات ال�شافعية‪ ،‬البن قا�ضي �شهبة ‪ ،104/3‬مقدمة الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سبكي ‪.6/1‬‬
‫((( الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سبكي ‪.10/1‬‬

‫‪85‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الإ�سالمي ��ة ابتكا َر عقود جدي ��دة‪� ،‬أو‪ ‬تعدي ًال وتطوي ًرا لعقود قدمي ��ة‪� ،‬أو عقود م�ستوردة‪،‬‬
‫وم ��ن التطوير �إ�ضافة بع�ض ال�شروط على هذه العق ��ود‪ ،‬ويف املطلبني التاليني بيان حكم‬
‫هاتني القاعدتني‪ ،‬ومدى �صحة اال�ستناد عليهما‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬الأ�صل يف العقود ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه‬
‫اختل ��ف العلماء يف الأ�صل يف العقود‪ ،‬هل هو ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه‪� ،‬أو‬
‫الف�ساد �إال ما دل الدليل على �صحته؟‪ ،‬على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫الق ��ول الأول‪ :‬الأ�صل يف العقود ال�صح ��ة �إال ما دل الدليل على منعه‪ .‬وهو قول �أكرث‬
‫احلنفية(‪ ،)1‬ومذهب املالكية(‪ ،)2‬وال�شافعية(‪ ،)3‬واحلنابلة(‪ ،)4‬بل حكي عليه الإجماع(‪.)5‬‬
‫الق ��ول الث ��اين‪ :‬الأ�ص ��ل يف العقود الف�س ��اد �إال ما دل الدليل عل ��ى �صحته‪ .‬وهو قول‬
‫الظاهرية(‪.)6‬‬
‫الق ��ول الثال ��ث‪ :‬ال يحكم على العقد ب�صحة وال ف�ساد �إال بدليل من ال�شرع‪ .‬وهو قول‬
‫تقي الدين ال�سبكي(‪)7‬من ال�شافعية(‪.)8‬‬

‫((( انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،87/4‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪ ،3/7‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪.57‬‬
‫((( انظر‪ :‬الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪ ،155/1‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪.61/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪ ،3/3‬احلاوي الكبري‪ ،‬للماوردي ‪.3/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪ ،299/3‬القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.261‬‬
‫((( ق ��ال ابن رجب‪«:‬وا�ستق ��ر �أن الأ�صل يف الأ�شياء الإباح ��ة ب�أدلة ال�شرع‪ .‬وقد حكى بع�ضه ��م الإجماع على ذلك» جامع‬
‫العلوم واحلكم ‪.166/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.2/5‬‬
‫(( ( ه ��و تق ��ي الدين علي بن عبدالكايف بن علي بن متام ال�سبكي‪ ،‬فقيه �شافعي‪ ،‬ولد �سنة ‪683‬ه‪ ،‬توىل ق�ضاء ال�شام‪ ،‬ومن‬
‫م�ؤلفات ��ه‪« :‬الدر النظيم يف تف�سري القر�آن العظيم»‪ ،‬و«ال�سيف امل�سلول على من �سب الر�سو» و«االبتهاج �شرح املنهاج»‪،‬‬
‫تويف �سنة‪756‬هـ‪ .‬انظر‪:‬طبقات ال�شافعية الكربى‪ ،‬لل�سبكي ‪ ،139/10‬طبقات املف�سرين‪ ،‬للأدنوي‪� ،‬ص‪.285‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سبكي ‪.253/1‬‬

‫‪86‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫الدلي ��ل الأول‪ :‬الآي ��ات الت ��ي فيها الأمر بوف ��اء العقود والعهود‪ ،‬كق ��ول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮊ (‪ ،)1‬وقول ��ه تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﮊ (‪ ،)2‬وقوله تعاىل‪ :‬ﮋﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮊ (‪.)3‬‬
‫وج ��ه الداللة م ��ن الآيات‪� :‬أن الآيات جاءت بالأمر بالوف ��اء بالعقود والعهود‪ ،‬وهذا‬
‫ي�شم ��ل كل العقود والعه ��ود التي تخلو من املخالف ��ات ال�شرعية‪ ،‬فدل عل ��ى �أن الأ�صل يف‬
‫العقود ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬قال ابن تيمية‪«:‬و�إذا كان جن�س الوفاء ورعاية‬
‫العه ��د م�أمو ًرا به‪ :‬عل ��م �أن الأ�صل �صحة العقود وال�ش ��روط؛ �إذ ال معنى للت�صحيح �إال ما‬
‫ترت ��ب عليه �أثره‪ ،‬وح�صل به مق�ص ��وده‪ ،‬ومق�صود العقد‪ :‬هو الوفاء به‪ ،‬ف�إذا كان ال�شارع‬
‫قد �أمر مبق�صود العهود دل على �أن الأ�صل فيها ال�صحة والإباحة»(‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن هذه الن�صو� ��ص لي�ست على عمومه ��ا‪ ،‬بل هي خم�صو�ص ��ة يف العقود‬
‫والعهود التي جاء يف الكتاب وال�سنة الإلزام بها(‪.)5‬‬
‫�أجيب‪ :‬ب�أنه ال وجه لهذا التخ�صي�ص؛ لإنه يبطل داللة العموم دون دليل(‪.)6‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ (‪.)7‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ة‪� :‬أن لفظ البيع لفظ ع ��ام يتناول كل بي ��ع‪ ،‬ويقت�ضي �إباحة‬
‫جميعها‪� ،‬إال ما خ�صه الدليل‪ ،‬والنبي × نهى عن بيوع كانوا يعتادونها‪ ،‬ومل يبني اجلائز‪،‬‬
‫�سورة املائدة‪ ،‬الآية ‪.1‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الإ�سراء‪ ،‬الآية ‪.34‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة النحل‪ ،‬الآية ‪.91‬‬ ‫((( ‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.146 /29‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.15-14/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم‪.262/1‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬ ‫((( ‬

‫‪87‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ف ��دل عل ��ى �أن الآية الكرمي ��ة تناولت �إباحة جمي ��ع البيوع �إال ما خ�ص منه ��ا(‪ ،)1‬قال ابن‬
‫ر�شد(‪«:)2‬ين ��درج حتت قوله تع ��اىل‪ :‬ﮋﭧ ﭨ ﭩﮊ كل بيع‪� ،‬إال ما خ�ص منه بالدليل‪،‬‬
‫وق ��د خ� ��ص منه ب�أدلة ال�شرع بيوع كثرية؛ فبقي ما عداها على �أ�صل الإباحة‪ ،‬ولذلك قلنا‬
‫يف البيوع اجلائزة‪� :‬إنها جائزة‪ ،‬ما مل يحظرها ال�شرع‪ ،‬وال ورد فيها النهي»(‪.)3‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وجه الداللة من الآية‪� :‬أن اهلل ف�صل لنا ما حرم علينا‪ ،‬فكل ما مل يف�صل حترميه‬
‫فال يجوز حترميه‪ ،‬وكما �أنه ال يجوز �إباحة ما حرمه اهلل‪ ،‬فكذلك ال يجوز حترمي ما عفا‬
‫عنه ومل يحرمه(‪.)5‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪ :‬ق ��ول اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ (‪.)6‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ة‪� :‬أن لف ��ظ التج ��ارة يف الآي ��ة ع ��ام ي�شم ��ل �إباح ��ة �سائ ��ر‬
‫التج ��ارات(‪ ،)7‬و«الأ�ص ��ل املقطوع به فيها اتباع ترا�ضي امل�ل�اك»(‪ ،)8‬و�إذا كان كذلك ف�إذا‬

‫((( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.146/9‬‬


‫مقدما يف الفقه على جميع‬
‫(( ( هو �أبوالوليد‪ ،‬حممد بن �أحمد بن �أحمد بن ر�شد القرطبي‪ ،‬من كبار فقهاء املالكية‪ ،‬كان ً‬
‫�أه ��ل ع�ص ��ره‪ ،‬عار ًفا بالفتوى‪ ،‬معرت ًفا له ب�صحة النظر‪ ،‬وجودة الت�أليف‪ ،‬ودقة الفقه‪ ،‬وكان �إليه املفزع يف امل�شكالت‪،‬‬
‫صريا بالأ�صول والفروع والفرائ�ض والتفنن يف العلوم‪ .‬ومن ت�صانيفه‪« :‬املقدمات املمهدات»‪ ،‬و«البيان والتح�صيل»‪،‬‬ ‫ب� ً‬
‫تويف �سنة ‪520‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الديباج املذهب‪ ،‬البن فرحون ‪� .278‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.501/19‬‬
‫((( املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪.62/2‬‬
‫((( �سورة الأنعام‪ ،‬الآية ‪.119‬‬
‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم‪.262/1‬‬
‫((( �سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.29‬‬
‫((( انظر‪� :‬أحكام القر�آن‪ ،‬للج�صا�ص ‪� ،131/3‬أحكام القر�آن‪ ،‬للكيا الهرا�سي ‪.438/2‬‬
‫((( غياث الأمم يف الثياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص ‪.494‬‬

‫‪88‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ترا�ض ��ى املتعاق ��دان بتج ��ارة‪ ،‬ثبت حلها بدالل ��ة الق ��ر�آن‪� ،‬إال �أن يت�ضمن م ��ا حرمه اهلل‬
‫ور�سوله؛ كالتجارة يف اخلمر ونحو ذلك(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل اخلام� ��س‪ :‬الآيات التي فيها ح�صر املحرمات؛كق ��ول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮊ (‪.)2‬‬
‫وقول ��ه تعاىل‪ :‬ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﮊ (‪.)3‬‬
‫وقول ��ه تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الآيات‪� :‬أن يف ح�صر الآي ��ات للمحرمات دلي ًال على �أن ما عداها‬
‫على الإباحة‪« ،‬فما ال يعلم فيه حترمي يجري على حكم احلل؛ وال�سبب فيه �أنه ال يثبت هلل‬
‫حكم على املكلفني غري م�ستند �إىل دليل»(‪.)5‬‬
‫الدليل ال�س ��اد�س‪ :‬عن �سعد بن �أبي وقا�ص‪� ،‬أن النبي × قال‪�«:‬إِ َّن �أَ ْع َظ َم امل ُ ْ�س� �لِمِ َ‬
‫ني‬
‫ل ُي َح َّر ْم‪َ ،‬ف ُح ِّر َم مِ نْ �أَ ْجلِ َم ْ�س�أَ َل ِتهِ»متفق عليه(‪.)6‬‬
‫ُج ْر ًما‪َ ،‬منْ َ�س َ�أ َل َعنْ َ�ش ْي ٍء مَ ْ‬

‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.155/29‬‬


‫((( �سورة الأنعام‪ ،‬الآية ‪.145‬‬
‫((( �سورة الأنعام‪ ،‬الآية ‪.151‬‬
‫((( �سورة الأعراف‪ ،‬الآية ‪.33‬‬
‫((( غياث الأمم يف الثياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص ‪.490‬‬
‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب االعت�صام بالكتاب وال�سنة‪ ،‬ب ��اب ما يكره من كرثة ال�س�ؤال وتكلف م ��ا ال يعنيه‪ ،‬برقم ‪،7289‬‬
‫وم�سل ��م‪ ،‬كت ��اب الف�ضائ ��ل‪ ،‬باب توقريه �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وت ��رك �إكثار �س�ؤاله عما ال �ض ��رورة �إليه‪� ،‬أو ال يتعلق به‬
‫تكليف وما ال يقع‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬برقم ‪.2358‬‬

‫‪89‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن النبي × بني يف احلديث عظم جرم من ي�س�أل عن‬
‫�ش ��يء فيحرم ب�سبب م�س�ألته‪ ،‬ويف ذلك داللة على �أن الأ�صل يف الأ�شياء احلل‪ ،‬و�أن النبي‬
‫× يري ��د املحافظة على هذا الأ�صل‪ ،‬فنه ��ى �أ�صحابة عن ال�س�ؤال‪ ،‬قال ابن حجر‪ « :‬ويف‬
‫احلديث بيان �أن الأ�صل يف الأ�شياء الإباحة حتى يرد ال�شرع بخالف ذلك»(‪.)1‬‬
‫الدليل ال�س ��ابع‪� :‬إن اال�ستق ��راء دل على �أن الأ�صل يف العادات االلتفات �إىل املعاين‪،‬‬
‫وال�شريعة جاءت مل�صالح العباد(‪ ،)2‬ومن م�صاحلهم �أن يتبايعوا كيف �شا�ؤا‪ ،‬مامل حترمه‬
‫ال�شريع ��ة‪ ،‬ق ��ال ابن تيمية‪« :‬ف� ��إن ال�شريعة قد جاءت يف هذه الع ��ادات بالآداب احل�سنة‪،‬‬
‫فحرمت منها ما فيه ف�ساد‪ ،‬و�أوجبت ما ال بد منه‪ ،‬وكرهت ما ال ينبغي‪ ،‬وا�ستحبت ما فيه‬
‫م�صلح ��ة راجحة يف �أنواع هذه العادات ومقاديرها و�صفاته ��ا‪ ،‬و�إذا كان كذلك‪ :‬فالنا�س‬
‫يتبايعون وي�ست�أجرون كيف �شاءوا‪ ،‬ما مل حترم ال�شريعة»(‪.)3‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬الآي ��ات التي تدل على اكتمال الدين‪ ،‬وتنه ��ى عن تع ّدي حدود اهلل؛‬
‫كق ��ول اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ (‪ ،)4‬وقول ��ه تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ (‪ ،)5‬وقوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ (‪.)6‬‬
‫وبي الوعيد‬
‫وجه الداللة من الآيات‪� :‬أن اهلل عز وجل نّبي يف الآيات اكتمال الدين‪ ،‬نّ‬

‫فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.269/13‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.520/2‬‬ ‫((( ‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.18 /29‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة املائدة‪ ،‬الآية ‪.3‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.229‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.14‬‬ ‫((( ‬

‫‪90‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫تعد حلدود اهلل وزيادة يف الدين»(‪.)1‬‬ ‫ملن يتعدى حدود اهلل‪« ،‬والعقود التي مل ت�شرع ٍّ‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن من كمال الدي ��ن �أن اهلل بني في ��ه «�شريعة تتناول حي ��اة الإن�سان من‬
‫جمي ��ع �أطرافه ��ا‪ ،‬ويف كل جوانب ن�شاطها‪ ،‬وت�ضع لها املبادئ الكلي ��ة والقواعد الأ�سا�سية‬
‫فيما يتطور فيها ويتحور بتغري الزمان واملكان»(‪ ،)2‬ومن الأمور التي تتطور يف هذه احلياة‬
‫العق ��ود التي يتعامل بها النا�س‪ ،‬ومن القواعد الأ�سا�سية التي بينها الدين‪ ،‬قاعدة الأ�صل‬
‫�صح ��ة العقود التي يتعامل بها النا�س مامل يدل الدليل على منعها(‪« ،)3‬وتعدي حدود اهلل‬
‫هو حترمي ما �أحله اهلل‪� ،‬أو �إباحة ما حرمه‪� ،‬أو‪� ‬إ�سقاط ما �أوجبه‪ ،‬ال �إباحة ما �سكت عنه‪،‬‬
‫وعفا عنه‪ ،‬بل حترميه هو نف�س تعدي حدوده»(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬عن عائ�شة‪� ،‬أن ر�س ��ول اهلل × قال‪َ « :‬منْ عَمِ َل َع َم�ًللاً َل ْي َ�س َعلَ ْي ِه‬
‫�أَ ْم ُر َنا َف ُه َو َردٌّ» متفق عليه(‪.)5‬‬
‫وجه الداللة من احلديث‪ :‬يف احلديث بيان«بطالن كل عقد عقده الإن�سان والتزمه‬
‫�إال م ��ا �ص ��ح �أن يكون عق ��دً ا جاء الن� ��ص �أو الإجماع ب�إلزام ��ه با�سم ��ه �أو ب�إباحة التزامه‬
‫بعين ��ه»(‪)6‬؛ وذل ��ك �أن ما مل ي� ��أت به الن� ��ص �أو الإجماع فلي�س عليه �أم ��ر النبي ×‪ ،‬وهو‬
‫مردود على �صاحبه‪.‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب� ��أن احلدي ��ث يدل على رد العق ��ود املخالفة ملا جاء ب ��ه النبي ×؛ وذلك‬

‫((( الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.79/4‬‬


‫((( انظر‪ :‬يف ظالل القر�آن‪ ،‬ل�سيد قطب ‪.843-842/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬القواعد وال�ضوابط الفقهية للمعامالت املالية عند ابن تيمية‪ ،‬لعبدال�سالم احل�صني ‪.161/2‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.262/1‬‬
‫اً‬
‫ومو�صول بلفظ‪« :‬من �أحدث يف �أمرنا هذا ما لي�س فيه‪ ،‬فهو رد»‪،‬‬ ‫(( ( رواه البخ ��اري معل ًق ��ا يف كتاب البيع‪ ،‬باب النج�ش‪،‬‬
‫كت ��اب ال�صل ��ح‪ ،‬باب �إذا ا�صطلحوا على �صلح جور فال�صلح مردود‪ ،‬برق ��م‪ ،2697‬وم�سلم‪ ،‬كتاب الأق�ضية‪ ،‬باب نق�ض‬
‫الأحكام الباطلة ورد حمدثات الأمور‪ ،‬باللفظني‪ ،‬برقم‪.1718‬‬
‫((( الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.32 /5‬‬

‫‪91‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ملخالفته ��ا �أم ��ره‪� ،‬أما العقود الت ��ي مل ينه عنها النبي × فلم يتط ��رق لها احلديث‪ ،‬فال‬
‫ي�ص ��ح االحتج ��اج بهذا احلديث على م ��ا �أراد‪ ،‬بل �إن يف احلديث حج ��ة لأ�صحاب القول‬
‫الأول؛ وذل ��ك �أن النب ��ي × مل َي ُرد من العقود �إال العق ��ود املخالفة لأمره‪ ،‬مما يدل على‬
‫قبول ما عداها من العقود‪ ،‬و�أن �أ�صلها اجلواز‪.‬‬
‫دليل القول الثالث‪� :‬أن ال�صحة حكم �شرعي يحتاج �إىل دليل‪ ،‬وكذلك الف�ساد حكم‬
‫�شرع ��ي يحت ��اج �إىل دليل‪ ،‬فال نق ��ول عنه عقد �صحيح �أو عق ��د فا�سد‪«،‬بل نقول‪:‬باق على‬
‫حكم الأ�صل»(‪.)1‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب� ��أن �أ�صحاب القول الأول ي ��رون �أن الأدلة دلت عل ��ى �أن الأ�صل يف العقود‬
‫ال�صحة‪� ،‬إال ما دل الدليل على ف�ساده‪ ،‬وكذلك �أ�صحاب القول الثاين يرون �أن الأدلة دلت‬
‫عل ��ى �أن الأ�ص ��ل يف العقود الف�ساد �إال ما دل الدليل على �صحت ��ه‪ ،‬و� ً‬
‫أي�ضا ما الأ�صل الذي‬
‫بقيت عليه العقود؟ �ألي�س هذا الأ�صل حكم �شرعي يحتاج �إىل دليل؟‬
‫وق ��د اختار ال�سبك ��ي تقوية «قول مدع ��ي ال�صح ��ة �إذا تعار�ضا‪ ،‬ولي�س م ��ع �أحدهما‬
‫مرج ��ح»(‪ ،)2‬ويف ذل ��ك داللة على �أن مدع ��ي ال�صحة معه الأ�ص ��ل‪ ،‬و�أن الأ�صل يف العقود‬
‫ال�صحة‪.‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلة كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الأول‪ ،‬القائل ب�صحة العقود �إال ما دل الدليل‬
‫عل ��ى ف�ساده؛ وذلك لقوة �أدلته‪ ،‬و�ضعف �أدل ��ة القولني الآخرين �أمام املناق�شة التي وردت‬
‫عليها‪ ،‬و�أن القول بف�ساد العقود �إال ما دل الدليل على �صحته يجعل النا�س«مقيدين بعدد‬
‫العق ��ود الت ��ي تذكرها الكتب‪ ،‬ووردت بها الآثار‪ ،‬ودلت عليه ��ا امل�صادر ال�شرعية‪ ،‬والأدلة‬

‫((( الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سبكي ‪.253 /1‬‬


‫((( املرجع ال�سابق ‪.255 /1‬‬

‫‪92‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الفقهي ��ة‪ ،‬فما مل يقم عليه الدليل فهو ممنوع‪ ،‬والوفاء به غري الزم؛ لأنه ال التزام �إال مبا‬
‫�أل ��زم به ال�ش ��رع‪ ،‬فما مل يرد دليل على وج ��وب الوفاء فال وفاء‪ ،‬فلي� ��س للنا�س �إذن على‬
‫هذا القول �أن يعقدوا ما �شاءوا من العقود‪� ،‬إال �إذا وجد من الأدلة الفقهية ما يدل عليه‪،‬‬
‫ويوج ��ب الوفاء به»(‪)1‬؛ ويف ذلك ح ��رج ال تر�ضاه ال�شريعة التي بنيت على حتقيق م�صالح‬
‫النا�س‪ ،‬ورفع احلرج عنهم‪.‬‬
‫وعلى هذا الأ�صل فالعقود التي تبتكرها الهند�سة املالية الإ�سالمية جائزة‪ ،‬وال مينع‬
‫منها �إال ما ا�شتمل على حمظور �شرعي‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الأ�صل يف ال�شروط ال�صحة واللزوم �إال ما دل الدليل على‬
‫منعه‬
‫يف قاع ��دة «هل الأ�صل يف ال�ش ��روط ال�صحة واللزوم �إال م ��ا دل الدليل على منعه؟»‬
‫ح�ص ��ل ا�ضطراب عند بع� ��ض الباحثني يف ن�سب ��ة الأقوال �إىل املذاه ��ب‪ ،‬فبع�ضهم ن�سب‬
‫الق ��ول ب�أن الأ�ص ��ل يف ال�شروط ال�صح ��ة �إىل املذاهب الأربع ��ة(‪ ،)2‬وبع�ضهم على العك�س‬
‫ن�سب القول له ��م باملنع(‪ ،)3‬وبع�ضهم ن�سب القول باملنع �إىل احلنفية واملالكية وال�شافعية‪،‬‬
‫واحلنابل ��ة بال�صح ��ة(‪ ،)4‬وبع�ضه ��م �أ�ض ��اف م ��ع احلنابل ��ة املالكي ��ة فن�سب له ��م القول‬
‫بال�صحة(‪ ،)5‬وال�سبب يف ذلك عدة �أمور‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الأم ��ر الأول‪� :‬أن املذاه ��ب الفقهية مل يبينوا الأ�ص ��ل يف ال�شروط عندهم‪� ،‬إمنا كان‬
‫ذل ��ك ع ��ن طريق تخريج بع�ض الباحثني حكم �أ�صل ال�ش ��روط عند املذاهب من فروعهم‬

‫امللكية ونظرية العقد يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.259‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬مبد�أ الر�ضا يف العقود‪ ،‬للقره داغي ‪.1188/2‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬ضوابط العقود‪ ،‬للبعلي‪� ،‬ص‪ ،297‬ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود‪ ،‬لليمني‪� ،‬ص‪.121‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬نظرية ال�شرط‪ ،‬لل�شاذيل‪� ،‬ص‪ ،337‬ابن حنبل حياته وع�صره‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.260‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية يف املعامالت املالية‪ ،‬للعنزي ‪.61/1‬‬ ‫(( (‬

‫‪93‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الفقهي ��ة يف ال�ش ��روط(‪ ،)1‬و�إذا كان الأمر كذلك ف�إن احتماالت اخلط�أ يف تخريج الأ�صول‬
‫�أمر ممكن‪ ،‬وال ميكن القطع بن�سبة هذا الأ�صل �إىل املذهب‪ ،‬ال�سيما �إذا كانت مبنية على‬
‫ف ��روع جزئية حمدودة‪� ،‬أو ا�ستق ��راء جزئي‪ ،‬وهذا ما جعل بع� ��ض العلماء ينكر مثل هذه‬
‫التخريجات(‪.)2‬‬
‫الأم ��ر الث ��اين‪� :‬أن �أول م ��ن تكلم عن الأ�صل يف ال�شروط هو اب ��ن حزم(‪ )3‬وتبعه ابن‬
‫تيمي ��ة ثم ابن القيم‪ ،‬وق ��د اختلفوا � ً‬
‫أي�ضا يف ن�سبة الأق ��وال �إىل املذاهب‪ ،‬فابن حزم وهو‬
‫يناق� ��ش �أدل ��ة املخالفني له الذي ��ن قالوا ب�صحة العق ��ود وال�ش ��روط‪ ،‬قال‪«:‬فوجدناهم ال‬
‫حجة لهم فيه �أول ذل ��ك احلنفيني واملالكيني املخالفني لنا»(‪ ،)4‬وبعدما ناق�ش �أدلة �صحة‬
‫ال�ش ��روط‪ ،‬ق ��ال‪« :‬والعجب كله من احتجاج احلنفيني واملالكيني به ��ذه الأخبار»(‪ .)5‬وهذا‬
‫ي ��دل عل ��ى �أن احلنفي ��ة واملالكية يقول ��ون ب�أن الأ�ص ��ل يف ال�شروط ال�صح ��ة‪ .‬وابن تيمية‬
‫يق ��ول‪« :‬الأ�صل يف العقود وال�شروط فيها ونحو ذلك‪ :‬احلظر‪� ،‬إال ما ورد ال�شرع ب�إجازته‪،‬‬
‫فه ��ذا قول �أه ��ل الظاهر‪ ،‬وكثري من �أ�صول �أبي حنيفة تنبن ��ي على هذا‪ ،‬وكثري من �أ�صول‬
‫ال�شافع ��ي‪ ،‬و�أ�ص ��ول طائفة م ��ن �أ�صحاب مال ��ك و�أحمد»(‪ .)6‬وهذا الكالم م ��ن ابن تيمية‬

‫(( ( انظر‪ :‬ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة‪ ،‬لليمني‪� ،‬ص‪.121‬‬


‫(( ( انظر‪:‬التخريج عند الفقهاء والأ�صوليني‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.40‬‬
‫(( ( هو علي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الظاهري‪ ،‬ولد �سنة ‪384‬هـ‪ ،‬كانت البن حزم الوزارة وتدبري اململكة‪ ،‬فان�صرف‬
‫عنه ��ا �إىل الت�ألي ��ف والعلم‪ ،‬كان حافظ ��ا ي�ستنبط الأحكام من الكت ��اب وال�سنة على طريقة �أه ��ل الظاهر‪ ،‬بعيدا عن‬
‫امل�صانع ��ة حت ��ى �شبه ل�سانه ب�سيف احلجاج‪ ،‬من م�صنفاته‪« :‬الإح ��كام يف �أ�صول الأحكام»‪ ،‬و «املحلى يف �شرح املجلى‬
‫باحلجج والآثار»‪ ،‬طارده امللوك حتى تويف مبعدا عن بلده �سنة ‪456‬هـ‪ .‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪،184/18‬‬
‫البداية والنهاية‪ ،‬البن كثري ‪.795/15‬‬
‫((( الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.19/5‬‬
‫((( الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.24/5‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪.127-126/29‬‬

‫‪94‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يخال ��ف ما قاله ابن حزم يف ن�سبة قول اجلواز �إىل احلنفيني واملالكيني‪ .‬وابن القيم وهو‬
‫يع ��دد الأخطاء الت ��ي وقع فيها الظاهري ��ة قال‪«:‬اخلط�أ الرابع له ��م‪ :‬اعتقادهم �أن عقود‬
‫امل�سلم�ي�ن و�شروطهم ومعامالتهم كلها على البطالن حتى يقوم دليل على ال�صحة‪ ،‬ف�إذا‬
‫مل يق ��م عندهم دليل على �صحة �شرط �أو عق ��د �أو معاملة ا�ست�صحبوا بطالنه‪ ،‬ف�أف�سدوا‬
‫بذلك كث ًريا من معامالت النا�س وعقودهم و�شروطهم بال برهان من اهلل بنا ًء على هذا‬
‫الأ�صل‪ ،‬وجمه ��ور الفقهاء على خالفه»(‪ .)1‬وهذا القول من ابن القيم يخالف قول �شيخه‬
‫ابن تيمية؛ حيث ن�سب القول بال�صحة �إىل جمهور الفقهاء خال ًفا للظاهرية‪ ،‬وابن تيمية‬
‫ن�س ��ب الق ��ول باملنع �إىل كثري م ��ن �أ�صول الأئم ��ة‪ ،‬وهذا اخلالف بني ه� ��ؤالء الأئمة �سبب‬
‫ا�ضطرا ًبا ملن بعدهم يف ن�سبة الأقوال �إىل املذاهب‪ ،‬خا�ص ًة فيمن يكتفي بالنقل عن ه�ؤالء‬
‫الأئمة يف ن�سبة الأقوال للمذاهب‪.‬‬
‫الأم ��ر الثال ��ث‪� :‬أن العقود وال�ش ��روط بنف�س املعنى‪ ،‬قال اب ��ن حزم«العقود والعهود‬
‫والأوع ��اد �شروط وا�سم ال�شرط يقع على جميع ذلك»(‪ .)2‬وهذا �أحد الأ�سباب التي حملت‬
‫بع� ��ض الباحث�ي�ن يف ن�سبة القول ب�أن الأ�صل يف ال�شروط اجل ��واز �إىل املذاهب الأربعة(‪،)3‬‬
‫ق ��ال الدكتور حمم ��د اليمني‪�«:‬إن الأ�ص ��ل يف املعامالت‪ ،‬والعقود عن ��د �أ�صحاب املذاهب‬
‫الأربع ��ة الإباح ��ة‪� ،‬إال ما دل الدليل على حترميه‪ ،‬وال�ش ��روط عقود ومعامالت فما الفرق‬
‫أي�ضا هو �سبب اخلالف بني ابن حزم‪ ،‬واب ��ن تيمية‪ ،‬وابن القيم يف‬ ‫� ًإذا؟»(‪ .)4‬ولع ��ل ه ��ذا � ً‬
‫ن�سب ��ة الأق ��وال للمذاهب الفقهية؛ لذل ��ك يتكلمون عن حكم العق ��ود وال�شروط يف �سياق‬
‫واح ��د‪ ،‬فمنه ��م من غلب جانب الأ�صل يف العقود كابن ح ��زم‪ ،‬وابن القيم‪� ،‬أما ابن تيمية‬

‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم‪.259 /1‬‬ ‫((( ‬


‫الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.13/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬مبد�أ الر�ضا يف العقود‪ ،‬للقره داغي ‪ ،1188/2‬ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة‪ ،‬لليمني‪� ،‬ص‪.122‬‬ ‫(( (‬
‫ال�شرط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�صرة‪ ،‬لليمني‪� ،‬ص‪.122‬‬ ‫(( (‬

‫‪95‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فغل ��ب جان ��ب ال�شروط عند الأئم ��ة يف كالمه عن الأ�صل يف العق ��ود وال�شروط‪ ،‬فقد قال‬
‫أحمد قد يعل ��ل �أحيا ًنا بطالن‬
‫بع ��د النقل ال�ساب ��ق يف الأ�صل يف العق ��ود وال�شروط‪«:‬ف�إن � َ‬
‫العقد بكونه مل يرد فيه �أثر وال قيا�س‪ ،‬كما قاله يف �إحدى الروايتني يف وقف الإن�سان على‬
‫نف�س ��ه»(‪ .)1‬فالرواية التي نقلها اب ��ن تيمية عن الإمام �أحمد لي�ست يف بطالن �أ�صل العقد‬
‫�إمن ��ا يف بطالن ال�شرط‪ ،‬فالإمام مل يبطل الوقف لكونه وق ًفا فالأ�صل عنده جواز الوقف‪،‬‬
‫لك ��ن �أبط ��ل هذا العقد لبط�ل�ان ال�شرط عنده وه ��و �أن يكون الوقف عل ��ى نف�سه‪ ،‬ثم قال‬
‫اب ��ن تيمية بعد هذه الرواية‪«:‬كذلك طائفة من �أ�صحابه قد يعللون ف�ساد ال�ش ��روط ب�أنها‬
‫تخالف مقت�ضى العقد»(‪ .)2‬مما يدل على �أن ابن تيمية يتكلم عن حكم ال�شرط يف الرواية‬
‫الت ��ي نقلها ع ��ن الإمام �أحمد‪ ،‬ولي�س عن العق ��د‪ ،‬وقال ابن تيمية عن �أ�ص ��ول الإمام �أبي‬
‫حنيفي ��ة يف العق ��ود وال�شروط‪ « :‬و�أما �أبو حنيفة ف�أ�صوله تقت�ضي �أنه ال ي�صحح يف العقود‬
‫�روطا يخالف مقت�ضاه ��ا يف املطلق‪ .)3( »...‬وهذا يدل على �أن ��ه يغلب جانب ال�شروط‪،‬‬ ‫�ش � ً‬
‫ث ��م نقل ابن تيمية القول الث ��اين‪ ،‬وهو �أن الأ�صل يف العقود وال�ش ��روط ال�صحة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«و�أ�ص ��ول �أحمد املن�صو�صة عن ��ه‪� :‬أكرثها يجري على هذا القول‪ .‬ومالك قريب منه‪ ،‬لكن‬
‫ت�صحيحا لل�شروط منه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ت�صحيحا لل�شروط‪ .‬فلي�س يف الفقهاء الأربعة �أكرث‬
‫ً‬ ‫�أحمد �أكرث‬
‫وعامة ما ي�صححه �أحمد من العقود وال�شروط فيها يثبته بدليل خا�ص من �أثر �أو‪ ‬قيا�س‪،‬‬
‫�رطا يخالف‬‫لكن ��ه ال يجع ��ل حجة الأول�ي�ن مان ًعا من ال�صح ��ة‪ ،‬وال يعار�ض ذلك بكونه �ش � ً‬
‫مقت�ض ��ى العق ��د»(‪ .)4‬وهذا يدل على �أنه يغل ��ب جانب ال�شروط عن ��د الأئمة يف نظره �إىل‬
‫الأ�صل يف العقود وال�شروط‪ ،‬ثم قال‪« :‬وما اعتمده غريه يف �إبطال ال�شروط‪ .)5( »...‬وهذا‬

‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.127/29‬‬ ‫((( ‬


‫املرجع ال�سابق ‪.127/29‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.133-132/29‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.133/29‬‬ ‫((( ‬

‫‪96‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يدل على �أنه يتكلم عن حكم ال�شروط عند الأئمة غري الإمام �أحمد‪ ،‬ثم قال‪« :‬وقد يعتمد‬
‫طائفة م ��ن �أ�صحابه عمومات الكتاب وال�سنة التي �سنذكرها يف ت�صحيح ال�ش ��روط»(‪.)1‬‬
‫كل ه ��ذه الن�صو� ��ص من ابن تيمية تبني �أنه يغلب جانب ال�شروط يف كالمه عن الأ�صل يف‬
‫العق ��ود وال�ش ��روط عند الأئمة‪ ،‬ولعل مما جعل ابن تيمية يغل ��ب جانب ال�شروط يف ن�سبة‬
‫الأقوال �إىل الأئمة عند كالمه عن الأ�صل يف العقود �أن ال�شروط الباطلة ت�ؤثر على العقود‬
‫ال�صحيحة؛ قال وهو يناق� ��ش الأدلة‪«:‬العقود توجب مقت�ضياتها بال�شرع‪ .‬فيعترب تغيريها‬
‫تغي�ي ً�را مل ��ا �أوجبه ال�شرع؛ مبنزلة تغي�ي�ر العبادات‪ .‬وهذا نكتة القاع ��دة؛ وهي �أن العقود‬
‫م�شروعة على وجه‪ ،‬فا�ش�ت�راط ما يخالف مقت�ضاها تغيري للم�شروع»(‪ .)2‬فالعقد م�شروع‬
‫عند اجلمهور وله مقت�ضى‪ ،‬وال�شرط الذي يخالف املقت�ضى ي�ؤثر على م�شروعية العقد‪.‬‬
‫الأمر الرابع‪� :‬أن ال�شروط تنق�سم �إىل �شروط يقت�ضيها العقد‪ ،‬و�شروط تالئم العقد‬
‫وم ��ن م�صلحة العق ��د و�إن كان ال يقت�ضيها العقد‪ ،‬و�شروط فيه ��ا م�صلحة للمتعاقدين �أو‬
‫لأحدهم ��ا وال يقت�ضيه ��ا العقد‪ ،‬ولي�ست من م�صلحته‪ ،‬وق ��د اتفقت املذاهب الفقهية على‬
‫�صحة ال�شروط يف الق�سمني الأول�ي�ن‪ ،‬التي يقت�ضيها العقد(‪ ،)3‬والتي فيها م�صلحة للعقد‬
‫و�إن كان ال يقت�ضيه ��ا(‪ ،)4‬واختلفوا يف الق�سم الثالث من ال�شروط وهي التي فيها م�صلحة‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.131/29‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬املحيط الربهاين‪ ،‬البن مازه ‪� ،389/6‬شرح خمت�صر خلي ��ل‪ ،‬للخر�شي ‪ ،80/5‬املجموع �شرح املهذب‪ ،‬للنووي‬
‫‪ ،364/9‬ك�ش ��اف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪ .189 /3‬قال النووي‪«:‬فهذا ال يف�سد العقد بال خالف» املجموع ‪ .364/9‬وا�شرتاط‬
‫�شرطا حقيقة؛ لأن العقد �إذا مت ترتبت عليه �أحكامه و�آثاره دون حاجة ل�شرط‪ .‬انظر‪ :‬نظرية‬ ‫ما يقت�ضيه العقد ال يعد ً‬
‫ال�شرط‪ ،‬لل�شاذيل‪� ،‬ص‪.207‬‬
‫(( ( كا�ش�ت�راط الره ��ن والكفيل‪ .‬انظر‪ :‬بدائ ��ع ال�صنائع‪ ،‬للكا�س ��اين ‪ ،171 /5‬فتح العلي املالك‪ ،‬لعلي� ��ش ‪ ،338/1‬نهاية‬
‫املحت ��اج‪ ،‬للرملي ‪ ،453/3‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪ .340/4‬قال ابن قدامة‪«:‬وال نعلم يف �صحة هذين الق�سمني خال ًفا»‪.‬‬
‫املغني ‪.170/4‬‬

‫‪97‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫للمتعاقدي ��ن �أو لأحدهم ��ا ولي�س ��ت من مقت�ضى العق ��د‪ ،‬وال من م�صلحت ��ه‪ ،‬ومل يرد نهي‬
‫يف ال�ش ��رع عنه ��ا‪ .‬وعدم التفري ��ق بني �أق�سام ال�ش ��روط �أحد الأ�سباب الت ��ي جعلت بع�ض‬
‫الباحث�ي�ن ين�سبون القول ب�صحة ال�شروط للمذاه ��ب الفقهية‪ ،‬وي�ستدلون ب�أمثلة من كتب‬
‫ه ��ذه املذاهب ل�ش ��روط يقت�ضيها العقد �أو‪ ‬هي من م�صلحة العق ��د‪ ،‬دون نظر �إىل الدليل‬
‫ال ��ذي ا�ستدل به �أ�صحاب هذا املذهب على جواز هذا ال�شرط‪ ،‬وهل اجلواز كان ا�ستثنا ًء‬
‫لدليل �أو �أن الأ�صل عندهم �صحة ال�شروط‪.‬‬
‫وخالل اال�ستقراء لل�شروط عند املذاهب الفقهية وجدت‪:‬‬
‫‪�-1‬أن ��ه و�إن كانت ال�شروط كالعق ��ود‪� ،‬إال �أن احلنفية‪ ،‬وال�شافعي ��ة يرون �أن ال�شريعة‬
‫فرقت بينهما‪ ،‬فالأ�صل عندهم يف ال�شروط احلديث الذي رواه الطرباين �أن النبي ×‪:‬‬
‫« َن َه ��ى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش� � ْر ٍط»(‪ ،)1‬قال ال�سرخ�سي(‪«:)2‬وال�صحيح م ��ا ا�ستدل به �أبو حنيفة ف�إنه‬
‫حديث م�شهور‪-‬النهي عن بيع و�شرط‪ ،-‬ومطلق النهي يوجب ف�ساد املنهي عنه»(‪ ،)3‬وقال‬
‫ال�شريازي(‪«:)4‬ف� ��إن �شرط ما �س ��وى ذلك من ال�شروط‪ ...‬بطل البي ��ع؛ ملا روي عن النبي‬

‫((( املعجم الأو�سط‪ ،‬للطرباين ‪ ،325/4‬برقم‪ .4361‬واحلديث �ضعيف‪ ،‬ومل يخرجه �أحد من �أ�صحاب ال�سنن وامل�سانيد‪،‬‬
‫وقال ابن تيمية‪«:‬هذا حديث باطل لي�س يف �شيء من كتب امل�سلمني و�إمنا يروى يف حكاية منقطعة»‪ ،‬وقال ابن القيم‪«:‬ال‬
‫يعلم له ا�سناد ي�صح» ‪.‬انظر‪ :‬البدر املنري‪ ،‬البن امللقن ‪ ،497/6‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،63/18‬إعالم املوقعني‪،‬‬
‫البن القيم ‪.249/2‬‬
‫((( ه ��و حمم ��د بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي‪ ،‬من �أئمة احلنفية‪� ،‬أ�شه ��ر م�ؤلفاته‪«:‬املب�سوط» �أملأه نحو خ�سمة ع�شر‬
‫جمل ��دا وهو فى ال�سج ��ن‪ ،‬و«�شرح ال�س�ي�ر الكبري»‪ ،‬تويف �سن ��ة ‪483‬ه‪.‬انظر‪ :‬اجلواه ��ر امل�ضية‪ ،‬للقر�ش ��ي ‪،29-28/2‬‬
‫الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.315/5‬‬
‫((( املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪.14/13‬‬
‫((( ه ��و �إبراهي ��م بن علي بن يو�سف ال�شريازي‪ ،‬من �أئمة ال�شافعية‪ ،‬بنى له الوزير نظام امللك املدر�سة النظامية ببغداد‪،‬‬
‫ف ��كان يدر� ��س فيها �إىل �أن مات‪ ،‬م ��ن م�صنفاته‪«:‬املهذب»‪ ،‬و«التب�ص ��رة»‪ ،‬و«اللمع»‪ ،‬تويف �سن ��ة ‪476‬ه‪ .‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫ال�شافعية الكربى‪ ،‬لل�سبكي ‪ ،215/4‬طبقات ال�شافعية‪ ،‬البن قا�ضي �شهبة ‪.238/1‬‬

‫‪98‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫×�أن ��ه « َن َه ��ى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش� � ْر ٍط» »(‪� .)1‬أما املالكية فهم م ��ع احتجاجهم بهذا احلديث �إال‬
‫(‪)2‬‬
‫�أنه ��م حملوه على �شرط يناق�ض مقت�ضى العقد‪� ،‬أو يعود بخلل يف الثمن؛ قال احلطاب‬
‫بع ��د ذكر احلديث‪ «:‬وحمل ��ه �أهل املذهب على وجه�ي�ن‪� ،‬أحدهما ال�ش ��رط الذي يناق�ض‬
‫مقت�ض ��ى العقد‪ ،‬والث ��اين ال�شرط الذي يعود بخلل يف الثم ��ن»(‪ .)3‬فلم ي�ستدلوا باحلديث‬
‫على ف�ساد كل ال�شروط‪� ،‬أما احلنابلة فال ي�صححون احلديث‪ ،‬قال ابن قدامة(‪:)4‬‬
‫«ومل ي�صح �أن النبي × نهى عن بيع‪ ،‬و�شرط»(‪.)5‬‬
‫‪�-2‬أن احلنفي ��ة يجي ��زون ال�ش ��روط الت ��ي جرى تعام ��ل النا� ��س به ��ا(‪ ،)6‬وي�ستدلون‬
‫للجواز بدلي ��ل اال�ستح�سان؛ قال ابن عابدين(‪« :)7‬ي�صح البي ��ع ويلزم لل�شرط ا�ستح�سا ًنا‬
‫للتعام ��ل»(‪ .)8‬مما يدل على �أن الأ�صل عنده ��م يف ال�شروط عدم اجلواز‪ ،‬و�إال ملا ا�ستدلوا‬

‫((( املهذب‪ ،‬لل�شريازي‪.23/2‬‬


‫(( ( ه ��و حمم ��د ب ��ن حممد ب ��ن عبدالرحم ��ن الرعين ��ي‪ ،‬املع ��روف باحلط ��اب‪ ،‬مالك ��ي املذهب‪ ،‬ول ��د �سن ��ة ‪902‬ه‪ ،‬من‬
‫م�صنفاته‪«:‬مواه ��ب اجلليل»‪ ،‬و«حترير ال ��كالم يف م�سائل االلتزام»‪ ،‬تويف �سنة ‪954‬ه‪ .‬انظر‪ :‬الأعالم للزركلي ‪،58/7‬‬
‫ال�ضوء الالمع لأهل القرن التا�سع‪ ،‬لل�سخاوي ‪.288/7‬‬
‫((( مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.373/4‬‬
‫(( ( ه ��و موف ��ق الدين �أبو حممد عبد اهلل بن �أحم ��د بن حممد بن قدامة املقد�سي‪ ،‬من �أئم ��ة احلنابلة‪ ،‬ولد عام ‪541‬هـ‪،‬‬
‫حف ��ظ القر�آن وهو �صغري‪ ،‬وانتهت �إلي ��ه معرفة فروع املذهب و�أ�صوله‪ ،‬ومن م�صنفات ��ه ‪« :‬املغني»‪ ،‬و«رو�ضة الناظر»‪،‬‬
‫تويف عام ‪620‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ذيل على طبقات احلنابلة‪ ،‬لل�سالمي ‪� ،281/3‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.166/22‬‬
‫((( املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.73/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،196 /12‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي‪.57/4‬‬
‫((( ه ��و حمم ��د �أمني بن عمر بن عبد العزي ��ز عابدين‪ ،‬ولد �سن ��ة ‪1198‬ه‪ .‬كان فقيه الديار ال�شامي ��ة‪ ،‬وكان �شافعي املذهب‬
‫ث ��م حت ��ول �إىل مذهب احلنفية على يد �شيخه �شاكر العقاد‪ ،‬ف�صار �إمام احلنفي ��ة يف ع�صره‪ ،‬من ت�صانيفه‪« :‬رد املحتار‬
‫عل ��ى ال ��در املختار» امل�شهورة بحا�شية ابن عابدين ولكنه تويف قبل �أن يكملها‪ ،‬ف�أكملها ابنه حممد عالء الدين‪ ،‬تويف �سنة‬
‫‪1252‬ه‪ .‬انظر‪ :‬حلية الب�شر يف تاريخ القرن الثالث ع�شر‪ ،‬للبيطار‪� ،‬ص ‪ ،1238‬معجم امل�ؤلفني‪ ،‬البن عبدالغني ‪.77/9‬‬
‫((( حا�شية ابن عابدين ‪.88/5‬‬

‫‪99‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫باال�ستح�سان‪ ،‬والكتفوا بالأ�صل �إذا كان الأ�صل عندهم اجلواز‪� ،‬أما ال�شافعية ف�إذا �أرادوا‬
‫ج ��واز �شرط ذكروه على وجه اال�ستثناء مما يدل على �أن الأ�صل عندهم عدم اجلواز(‪)1‬؛‬
‫ق ��ال الغزايل‪«:‬فاقت�ضى مطلقه امتن ��اع كل �شرط يف البيع ‪ ...‬وي�ستثن ��ى من هذا الأ�صل‬
‫ح ��ال الإطالق �ستة �ش ��روط» (‪� ،)2‬أما املالكية فيخ�صون ال�ش ��روط الفا�سدة بالتي تناق�ض‬
‫مقت�ضى العقد‪� ،‬أو تعود بخلل يف الثمن(‪� ،)3‬أو بالتي يكرث فيها الغرر‪� ،‬أو يوجد فيها الربا‪،‬‬
‫فبعدم ��ا ذك ��ر ابن ر�شد(‪� )4‬أق�سام ال�ش ��روط عند الإمام مالك ب�ي�ن �أن �ضابط الف�ساد يف‬
‫ال�ش ��روط يرجع «�إىل ك�ث�رة ما يت�ضمن ال�ش ��روط من �صنفي الف�ساد ال ��ذي يخل ب�صحة‬
‫البي ��وع وهم ��ا الرب ��ا والغرر‪ ،‬و�إىل قلت ��ه‪ ،‬و�إىل التو�سط ب�ي�ن ذلك»(‪ .)5‬مما ي ��دل على �أن‬
‫ت�صحيحا لل�شروط»(‪.)6‬‬
‫ً‬ ‫الباق ��ي من ال�شروط على �أ�صل ال�صحة‪� ،‬أما احلنابلة فهم «�أكرث‬
‫مم ��ا ي ��دل على �أن الأ�صل عندهم يف ال�ش ��روط ال�صحة‪ ،‬ولو كان الأ�ص ��ل الف�ساد‪ ،‬لقلت‬
‫�شروطهم ال�صحيحة‪.‬‬
‫‪�-3‬أن احلنفية �أجازوا �شرط الرهن �أوالكفالة و�شرط الرهن �أو الكفيل يالئم العقد‪،‬‬
‫وم ��ن م�صلح ��ة العقد‪ ،‬و�إن كان ال يقت�ضي ��ه العقد‪ ،‬وا�ستدلوا على اجل ��واز باال�ستح�سان‪،‬‬
‫والقيا� ��س عنده ��م �أنه ال يج ��وز(‪)7‬؛«لأن ال�ش ��رط الذي يخالف مقت�ض ��ى العقد مف�سد يف‬

‫((( انظر‪ :‬منهاج الطالبني‪ ،‬للنووي‪� ،‬ص‪ ،97‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي ‪ ،297/4‬مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني‪.382/2‬‬
‫((( الو�سيط‪ ،‬للغزايل‪.73/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪� ،373/4‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي ‪ ،80/5‬منح اجلليل‪ ،‬لعلي�ش‪.52/5‬‬
‫((( ه ��و حممد ب ��ن �أحمد بن ر�شد‪� ،‬أبو الوليد املالكي‪ ،‬ول ��د �سنة ‪520‬ه‪ ،‬عني بالفل�سفة ومبنط ��ق �أر�سطو‪ ،‬كان متوا�ضعا‪،‬‬
‫منخف� ��ض اجلناح‪ ،‬قيل عنه‪�:‬إنه ما ترك اال�شتغال مذ عقل �سوى ليلتني‪ :‬ليلة موت �أبيه‪ ،‬وليلة عر�سه‪� .‬أبرز م�صنفاته‪:‬‬
‫«بداية املجتهد ونهاية املقت�صد»‪ ،‬تويف �سنة ‪595‬ه‪.‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،307/21‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.318/5‬‬
‫((( بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪.178/3‬‬
‫((( القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.261‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،171 /5‬الهداية يف �شرح البداية‪ ،‬للمرغيناين ‪.424/4‬‬

‫‪100‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫أي�ضا وا�ستدلوا على اجلواز باحلاجة(‪)2‬؛ مما‬ ‫الأ�ص ��ل»(‪ ،)1‬وال�شافعية �أجازوا ا�شرتاطهما � ً‬
‫يدل على �أن الأ�صل عند احلنفية وال�شافعية يف ال�شروط املنع‪ ،‬و�إال ملا احتاجوا لال�ستدالل‬
‫�شرط ��ا �إذا كان الأ�صل عندهم يف ال�شروط ال�صحة‬ ‫باال�ستح�س ��ان �أو‪ ‬احلاجة لي�صححوا ً‬
‫ال�سيما �أن هذا ال�شرط يالئم العقد ومن م�صلحته‪.‬‬
‫وبع ��د هذا اال�ستقراء تب�ي�ن يل ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الفقهاء اختلفوا يف حكم الأ�صل يف‬
‫ال�شروط(‪ )3‬على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن الأ�صل يف ال�شروط ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه‪ .‬وهو مذهب‬
‫املالكية(‪ ،)4‬واحلنابلة(‪.)5‬‬
‫الق ��ول الث ��اين‪� :‬أن الأ�ص ��ل يف ال�شروط الف�س ��اد �إال ما دل الدليل عل ��ى جوازه‪ .‬وهو‬
‫مذهب احلنفية(‪ ،)6‬وال�شافعية(‪ ،)7‬والظاهرية(‪.)8‬‬

‫((( بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪.171 /5‬‬


‫((( انظر‪ :‬نهاية املحتاج‪ ،‬للرملي ‪ ،453/3‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي ‪.298-297/4‬‬
‫(( ( ال ��كالم هن ��ا عن الأ�صل يف ال�شروط‪ ،‬وال يعار�ض هذا اتفاق الفقه ��اء على جواز ال�شروط التي يقت�ضيها العقد‪،‬‬
‫ً‬
‫�شروطا حقيقة‬ ‫�أو‪ ‬ال�ش ��روط التي ال يقت�ضيها العقد وهي من م�صلحته؛ لأن ال�شروط التي يقت�ضيها العقد ال تعد‬
‫ً‬
‫�شروطا من باب املجاز؛ لأن العق ��د �إذا مت ترتبت عليه �آثاره و�أحكام ��ه‪ ،‬وال�شروط التي من م�صلحة‬ ‫ب ��ل ت�سم ��ى‬
‫العق ��د وال يقت�ضيها �أجازها احلنفية وال�شافعية �أ�ستثنا ًء ب�أدلة �أخرى‪ ،‬و�إال فالأ�صل عندهم ف�ساد ال�شروط‪ ،‬وقد‬
‫�سبق بيان ذلك‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪� ،373/4‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي ‪ ،80/5‬منح اجلليل‪ ،‬لعلي�ش‪.52/5‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪� :‬شرح منته ��ى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪ ،30 /2‬ك�ش ��اف القناع‪ ،‬للبهوتي‪ .191/3‬الأ�ص ��ل يف ال�شروط عند احلنابلة‬
‫ال�صح ��ة‪ ،‬واملذهب عندهم �أنه ال ي�ص ��ح �أكرث من �شرط‪ ،‬والرواية الأخرى عن الإمام �أحمد �أنه ي�صح �أكرث من �شرط‬
‫اختارها ابن تيمية وابن القيم‪ .‬انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪� ،348/4‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.259/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين‪ ،175/5‬الهداية يف �شرح البداية‪ ،‬للمرغيناين ‪.228/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬للماوردي ‪ ،313/5‬فتح العزيز‪ ،‬للرافعي ‪.195/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.324/7‬‬

‫‪101‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫وط‬ ‫ال�ش� � ُر ِ‬ ‫الدليل الأول‪ :‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪�« :‬أَ َح ُّق ُّ‬
‫�أَ ْن ُتو ُفوا ِب ِه َما ْا�س َت ْحلَ ْل ُت ْم ِب ِه ال ُف ُرو َج»متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن يف احلديث داللة على �أن ال�شروط م�ستحقة الوفاء‪،‬‬
‫و�أن �أحقه ��ا بالوفاء �شروط النكاح؛ ملا فيها م ��ن ا�ستحالل الفروج‪ ،‬ولو مل يكن الأ�صل يف‬
‫ال�شروط ال�صحة ملا ا�ستحقت الوفاء بها(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن املراد باحلديث ال�شروط اجلائزة‪� ،‬أو ال�شروط املوافقة ملقت�ضى العقد‪،‬‬
‫ولي�س فيه داللة على جواز كل ال�شروط(‪.)3‬‬
‫�أجيب‪ :‬ب�أنا ن�سلم �أن املراد يف احلديث هي ال�شروط اجلائزة‪� ،‬أما ال�شروط املحرمة‬
‫ف�ل�ا يجوز الوفاء بها‪ ،‬ونرى �أن الأ�صل يف ال�شروط اجلواز؛ وذلك �أن «مقت�ضى احلديث‪:‬‬
‫وط» تقت�ضي‪� :‬أن يكون بع�ض ال�شروط يقت�ضي الوفاء‪ ،‬وبع�ضها �أ�شد‬ ‫ال�ش ُر ِ‬ ‫�أن لفظة « �أَ َح ُّق ُّ‬
‫اقت�ض ��اء له‪ ،‬وال�شروط التي هي مقت�ضى العقود‪ :‬م�ستوية يف وجوب الوفاء‪ ،‬ويرتجح على‬
‫ما عدا النكاح‪ :‬ال�شروط املتعلقة بالنكاح من جهة حرمة الأب�ضاع‪ ،‬وت�أكيد ا�ستحاللها»(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬عن جاب ��ر ‪�( :‬أَ َّن ُه َكانَ َي ِ�س ُري َع َلى َج َم ٍل َل ُه َق � ْ�د �أَ ْع َيا‪َ ،‬ف َم َّر ال َّن ِب ُّي‬
‫×‪َ ،‬ف َ�ض َر َب� � ُه َف َد َعا َلهُ‪َ ،‬ف َ�سا َر ِب َ�س�ْي رٍْ َل ْي َ�س َي ِ�س ُري ِم ْث َلهُ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ِ « :‬ب ْع ِني� � ِه ِب َو ِق َّيةٍ»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ال‪،‬‬
‫ا�س َت ْث َن ْي � ُ�ت ُح ْم َال َن ُه ِ�إلىَ َ�أ ْه ِلي‪َ ،‬ف َل َّما َق ِد ْم َنا �أَ َت ْي ُت ُه ِبالجْ َ َم ِل‬
‫ُث � َّ�م َق َال‪ِ « :‬ب ْعنِي ِه ِب َو ِق َّيةٍ»‪َ ،‬ف ِب ْع ُتهُ‪َ ،‬ف ْ‬
‫َو َن َق َدنيِ َث َم َنهُ‪ُ ،‬ث َّم ا ْن َ�ص َر ْف ُت‪َ ،‬ف�أَ ْر َ�س َل َع َلى �إِ ْث ِري‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ما ُكنْتُ ِل ُآخ َذ َج َملَ َك‪َ ،‬ف ُخ ْذ َج َملَ َك‬

‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب ال�شروط‪ ،‬ب ��اب ال�شروط يف املهر عند عق ��دة النكاح‪ ،‬برقم‪ ،2721‬كتاب الن ��كاح‪ ،‬باب الوفاء‬
‫بال�شروط يف النكاح‪ ،‬برقم ‪.1418‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪،‬البن تيمية ‪.146/29‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬طرح الترثيب يف �شرح التقريب‪ ،‬للعراقي ‪� ،36/7‬إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام‪ ،‬البن دقيق العيد‪.174/2‬‬
‫(( ( �إحكام الأحكام �شرح عمدة الأحكام‪ ،‬البن دقيق العيد‪.174/2‬‬

‫‪102‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫َذل َِك‪َ ،‬ف ُه َو َما ُل َك»)‪.‬متفق عليه(‪.)1‬‬


‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أن جاب ًرا ‪ ‬ا�شرتط مع البي ��ع �أن يحمله البعري �إىل‬
‫�أهل ��ه‪ ،‬و�أق ��ره النبي × على ذل ��ك‪ ،‬ولو كان الأ�صل يف ال�شروط الف�س ��اد‪ ،‬ملا �أقره النبي‬
‫×‪.‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أنه مل يكن بي ًعا مق�صودًا‪ ،‬و�إمنا �أراد النبي × الرب جلابر ‪ ‬والإح�سان‬
‫�إليه بالثمن على وجه ال ي�ستحي من �أخذه(‪.)2‬‬
‫�أجيب‪ :‬ب�أن هذه جمرد دعوى حتتاج �إىل دليل‪ ،‬وقوله ×‪ِ «:‬ب ْعنِي ِه ِب َو ِق َّيةٍ»‪ ،‬يدل على‬
‫�إرادة البيع حقيقة(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬عن عمرو بن ع ��وف املزين‪� ،‬أن ر�سول اهلل × قال‪ُّ :‬‬
‫«ال�ص� � ْل ُح‬
‫ني‪� ،‬إِلاَّ ُ�ص� � ْل ًحا َح َّر َم َحلاَلاً ‪� ،‬أَ ْو َ�أ َح َّل َح َرا ًما‪َ ،‬وامل ُ ْ�س ِل ُمو َن َعلَى ُ�ش ُروطِ ِه ْم‪،‬‬
‫ي امل ُ ْ�س� �لِمِ َ‬
‫َجا ِئ ٌز َب نْ َ‬
‫�إِلاَّ َ�ش ْر ًطا َح َّر َم َحلاَلاً ‪� ،‬أَ ْو �أَ َح َّل َح َرا ًما» رواه الرتمذي وغريه(‪.)4‬‬

‫((( �سبق تخريجه �ص‪.40‬‬


‫((( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.377/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬املماطلة يف الديون‪ ،‬للدخيل‪� ،‬ص‪.500‬‬
‫((( رواه الرتمذي‪ ،‬كتاب الأحكام‪ ،‬باب ما ذكر عن ر�سول اهلل × يف ال�صلح بني النا�س‪ ،‬برقم ‪ ،1352‬و�أبو داود‪ ،‬كتاب‬
‫الأق�ضية‪ ،‬باب ال�صلح‪ ،‬برقم ‪ .3594‬و�أحمد‪ ،‬م�سند �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬برقم ‪ .8784‬واحلديث �ضعيف؛ فقد‬
‫ج ��اء عن ��د الرتمذي م ��ن طريق كثري بن عبد اهلل بن عمرو ب ��ن عوف املزين‪ ،‬عن �أبيه‪ ،‬عن ج ��ده‪ ،‬وكثري بن عبداهلل‬
‫جمم ��ع عل ��ى �ضعفه‪ ،‬بل رم ��اه بع�ض الأئمة بالكذب‪ ،‬وق ��د �صحح الرتمذي هذا احلديث وان ُتق ��د على ت�صحيحه‪ ،‬قال‬
‫اب ��ن حج ��ر معل ًقا على ت�صحيح الرتمذي‪« :‬و�أنكروا عليه؛ لأن روايه كثري بن عبداهلل بن عمر بن عوف �ضعيف»‪ ،‬وقال‬
‫ال�شوكاين‪«:‬وهذا الت�صحيح من الرتمذي هو مما انتقد عليه؛ ف�إن يف �إ�سناده كثري بن عبد اهلل بن عمرو بن عوف وقد‬
‫ق ��ال ال�شافعي و�أب ��و داود فيه �إنه ركن من �أركان الكذب»‪ ،‬وقال الذهبي عن ه ��ذا احلديث الذي رواه الرتمذي‪«:‬واه»‪.‬‬
‫وج ��اء احلدي ��ث عند �أبي داود و�أحم ��د من طريق كثري بن زيد‪ ،‬ع ��ن الوليد بن رباح‪ ،‬عن �أبي هري ��رة‪ ،‬وكثري بن زيد‬
‫�ضعي ��ف؛ �ضعف ��ه ابن معني يف رواية‪ ،‬واب ��ن املديني‪ ،‬و�أبو ح ��امت‪ ،‬والن�سائي‪ ،‬وقال �أبو جعف ��ر الطربي‪«:‬وكثري بن زيد‬
‫عنده ��م ممن ال يحتج بنقل ��ه»‪ ،‬وقال الذهبي عن هذا احلديث ال ��ذي رواه �أبو داود‪«:‬منكر»‪ .‬انظ ��ر‪ :‬تهذيب الكمال‪،‬‬

‫‪103‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن يف احلدي ��ث بيا ًنا لوجوب الوف ��اء بال�شروط �إال ما‬
‫حرمه ��ا ال�شرع؛ مما يدل على �أن �أ�صلها اجلواز‪« ،‬وامل�شرتط له �أن يوجب بال�شرط ما مل‬
‫حراما»(‪.)1‬‬ ‫يكن واج ًبا بدونه‪ ،‬فمق�صود ال�شروط وجوب ما مل يكن واج ًبا وال ً‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذا احلديث �ضعيف‪ ،‬ال ي�صلح لالحتجاج به(‪.)2‬‬
‫الدلي ��ل الرابع‪� :‬أن ال�ش ��روط من باب الأفعال العادية‪ ،‬والأ�صل فيها عدم التحرمي‪،‬‬
‫حراما مل تكن‬
‫في�ست�صحب عدم التحرمي فيها حتى يدل دليل على التحرمي‪ ،‬و�إذا مل تكن ً‬
‫فا�سدة؛ لأن الف�ساد �إمنا ين�ش�أ من التحرمي‪ ،‬و�إذا مل تكن فا�سدة كانت �صحيحة(‪.)3‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن عمرو بن العا�ص‪� ،‬أن النبي×‪َ «:‬نهَى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش� � ْر ٍط»رواه‬
‫الطرباين(‪.)4‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن النبي × نهى ع ��ن اقرتان ال�شرط بالبيع‪ ،‬والنهي‬
‫ي ��دل على ف�ساد املنهي عنه‪ ،‬ف ��دل على ف�ساد ال�شروط املقرتنة بالعق ��د �إال ما دل الدليل‬
‫على جوازه(‪.)5‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذا احلديث �ضعيف‪ ،‬ال ي�صلح لالحتجاج به(‪.)6‬‬

‫=للمزي ‪ ،138 ،115/24‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪ ،407 ،404/3‬تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر ‪� ،422 ،414 /8‬سنن‬
‫الرتم ��ذي‪ ،28/3‬بلوغ املرام‪ ،‬البن حجر‪� ،‬ص‪ ،260‬ال�سيل اجلرار‪ ،‬لل�شوكاين‪� ،‬ص‪ ،809‬التلخي�ص بحا�شية امل�ستدرك‬
‫للحاكم ‪.113/4‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.148/29‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،150/29‬القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.276‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.80‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،175/5‬احلاوي الكبري‪ ،‬للماوردي‪.313/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬املبدع‪ ،‬البن مفلح‪ ،53/4‬بيان الوهم والإيهام‪ ،‬البن القطان ‪ .527/3‬وانظر تخريج احلديث‬

‫‪104‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدليل الثاين‪ :‬عن عائ�شة ‪� ‬أن النبي ×‪ ،‬قال‪�« :‬أَ َّما َب ْعدُ‪ ،‬مَا َب ُال ر َِجالٍ َي ْ�شترَ ِ ُطو َن‬
‫وطا َل ْي َ�ستْ يِف ِك َت ِاب اللهَّ ِ‪ ،‬مَا َكا َن مِ ْن َ�ش ْر ٍط َل ْي َ�س يِف ِك َت ِاب اللهَّ ِ َف ُه َو بَاطِ ٌل‪َ ،‬و ِ�إ ْن َكا َن مِ ا َئ َة‬ ‫ُ�ش ُر ً‬
‫نا ال َو َال ُء لمِ َ ْن �أَ ْع َت َق»متفق عليه(‪.)1‬‬ ‫َ�ش ْر ٍط‪َ ،‬ق َ�ضا ُء اللهَّ ِ �أَ َح ُّق‪َ ،‬و َ�ش ْر ُط اللهَّ ِ �أَ ْو َث ُق‪َ ،‬و�إِ مَّ َ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪ :‬دل احلديث عل ��ى �أن كل �شرط ا�شرتطه الإن�سان على‬
‫نف�س ��ه‪� ،‬أو له ��ا على غريه فهو باطل‪ ،‬ال يلزم من التزم ��ه �أ�صال‪� ،‬إال �أن يكون يف كتاب اهلل‬
‫الأمر به �أو الن�ص على �إباحته(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن«معن ��ى كونه لي� ��س يف كتاب اهلل �أي يخالف كت ��اب اهلل‪ ،‬فال يجب كونه‬
‫مذكو ًرا فيه‪ ،‬بل يجب كونه غري خمالف لقواعد ال�شرع»(‪ ،)3‬وقد ف�سره البخاري(‪)4‬بذلك؛‬
‫فرتج ��م ل ��ه بباب «املكاتب وما ال يحل م ��ن ال�شروط التي تخالف كت ��اب اهلل تعاىل»؛ لأن‬
‫املراد بكتاب اهلل حكمه‪ ،‬وكل ما مل يكن من ذلك فهو خمالف ملا يف كتاب اهلل(‪.)5‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن ال�شرط املقرتن بالعقد ي�ؤدي �إىل الربا؛ وذلك �أنه التزام منفعة‬
‫زائدة يف البيع‪ ،‬وزيادة منفعة م�شروطة يف البيع ربا؛ لأنها زيادة عارية عن العو�ض(‪.)6‬‬
‫نوق�ش‪ :‬بعدم الت�سليم �أن ال�شرط منفعة عارية عن العو�ض‪ ،‬بل لكل �شرط مقابل من‬
‫أي�ضا هذا القول ي�ؤدي �إىل بطالن كل ال�شروط‪ ،‬حتى تلك ال�شروط‬ ‫ونق�صا‪ ،‬و� ً‬ ‫الثمن زيادة ً‬
‫التي اتفق العلماء على جوازها‪،‬كا�شرتاط �صفة يف املعقود عليه‪� ،‬أو ا�شرتاط توثيق الثمن‬
‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب البيوع‪ ،‬باب �إذا ا�شرتط ً‬
‫�شروطا يف البيع ال حت ��ل‪ ،‬برقم‪ ،2168‬وم�سلم‪ ،‬كتاب العتق‪ ،‬باب �إمنا‬
‫الوالء ملن �أعتق‪ ،‬برقم‪.1504‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.13،31/5‬‬
‫(( ( في�ض الباري على �صحيح البخاري‪ ،‬للديوبندي ‪.40-39/4‬‬
‫((( ه ��و حمم ��د بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم بن املغرية البخاري‪� ،‬أبو عبداهلل‪� ،‬أم�ي�ر امل�ؤمنني يف احلديث‪� ،‬أكرث من الرحلة‬
‫وطلب العلم‪ ،‬و�صنف الت�صانيف النافعة ومنها‪�« :‬صحيح البخاري»‪ ،‬و«الأدب املفرد»‪ ،‬تويف �سنة ‪ 255‬هـ‪.‬انظر‪ :‬تهذيب‬
‫الكمال‪ ،‬للمزي ‪� ،430/24‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.391/12‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬للعيني ‪.20/14‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهداية يف �شرح البداية‪ ،‬للمرغيناين‪ ،48/3‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي ‪.442/6‬‬

‫‪105‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بكفيل‪ ،‬و�أنتم ال تقولون بذلك(‪.)1‬‬


‫الدليل اخلام�س‪� :‬أن ال�شرط ال ينفك �ضرورة من �أحد �أربعة �أمور ال خام�س لها‪� :‬إما‬
‫�أن يكون فيه �إباحة ملا حرم اهلل‪� ،‬أو حترمي ما �أحل اهلل‪� ،‬أو التزام �إ�سقاط ما �أوجبه اهلل‪،‬‬
‫�أو التزام �إيجاب ما مل يوجبه‪ ،‬وكل هذا عظيم ال يحل(‪.)2‬‬
‫خام�سا‪ ،‬وهو ما �أب ��اح اهلل ‪ ۵‬للمكلف من تنويع �أحكامه‬ ‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن هناك ق�س ًما ً‬
‫حراما عليه‪� ،‬أو‬
‫بالأ�سب ��اب التي ملكه �إياها‪ ،‬فيبا�شر من الأ�سباب ما يحله له بعد �أن كان ً‬
‫حالل له‪� ،‬أو يوجبه بعد �أن مل يكن واج ًبا‪� ،‬أو ي�سقط وجوبه بعد‬‫يحرم ��ه علي ��ه بعد �أن كان اً‬
‫وجوبه‪ ،‬ولي�س يف ذلك تغيري لأحكامه‪ ،‬بل كل ذلك من �أحكامه‪ ،‬فكما �أن نكاح املر�أة يحل‬
‫حراما عليه قبله‪ ،‬وطالقها يحرمها عليه وي�سقط عنه ما كان واج ًبا عليه من‬ ‫ل ��ه م ��ا كان ً‬
‫حقوقها‪ ،‬كذلك التزامه بال�شرط‪ ،‬ف�إذا ملك تغيري احلكم بالعقد ملكه بال�شرط الذي هو‬
‫تابع له(‪ ،)3‬فـــ«ال�شرط يرفع موجب اال�ست�صحاب لكن ال يرفع ما �أوجبه كالم ال�شارع»(‪.)4‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلة كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني‬
‫يل‪-‬واهلل �أعل ��م‪� -‬أن الراج ��ح ه ��و القول الأول‪ ،‬القائ ��ل ب�صحة ال�شروط �إال م ��ا دل الدليل على‬
‫ف�س ��اده؛ وذلك لقوة �أدلته‪ ،‬و�ضعف �أدلة القولني الآخرين �أمام املناق�شة التي وردت عليهما‪ ،‬و�أن‬
‫ال�ش ��روط كالعق ��ود‪ ،‬ومل ي�صح دليل يف التفريق بينها‪ ،‬ف�إذا كان الأ�صل يف العقود ال�صحة �إال ما‬
‫دل الدليل على منعه فال�شروط مثلها‪ ،‬والنا�س يحتاجون �إليها يف عقودهم‪ ،‬ويف منعهم عن ذلك‬
‫ت�ضييق عليهم‪ ،‬وحرج لهم‪ ،‬وال�شريعة جاءت مب�صالح العباد‪ ،‬ومبا يرفع عنهم احلرج وال�ضيق‪.‬‬
‫وعل ��ى هذا الأ�ص ��ل يف ال�شروط‪ ،‬ف�إن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية يجوز لها �أن تطور‬
‫العقود ب�إ�ضافة بع�ض ال�شروط عليها‪� ،‬إال �أن يكون هذا ال�شرط من ال�شروط املحرمة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬نظرية ال�شرط‪ ،‬لل�شاذيل‪� ،‬ص‪.555‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬البن حزم ‪.14-13/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.263-262/1‬‬ ‫((( ‬
‫القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.275‬‬ ‫((( ‬

‫‪106‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�صل الثالث‬
‫أدوات الهندسة المالية اإلسالمية‬
‫وفيه �ستة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‬
‫الحيل والمخارج الشرعية‬
‫�أه ��م غاي ��ات االقت�ص ��اد الإ�سالمي حتقي ��ق مقا�صد ال�شريع ��ة يف امل ��ال‪ ،‬وامل�صارف‬
‫الإ�سالمي ��ة من �أهم و�سائل حتقيق االقت�صاد الإ�سالم ��ي‪ ،‬ولتحقيق ذلك تبحث امل�صارف‬
‫الإ�سالمية يف هند�ستها املالية الإ�سالمية عن حلول �شرعية البتكار منتجات مالية �إ�سالمية‪،‬‬
‫�أو تطوير منتجاتها؛ للتو�سع يف خدمات التمويل‪ ،‬وتقليل املخاطر �إىل �أق�صى درجة ممكنة؛‬
‫وللتو�ص ��ل لهذه احللول ال�شرعية ا�ستخدمت امل�صارف الإ�سالمية فقه احليل واملخارج‪ ،‬بل‬
‫قيل‪�«:‬إنها نفخت فيه الروح بعد دهر من ال�سبات»(‪ .)1‬وحلداثة جتربة امل�صارف الإ�سالمية‪،‬‬
‫ورغبته ��ا يف مناف�س ��ة البنوك الربوية‪ ،‬واخللط ب�ي�ن احليل املمنوعة واملخ ��ارج امل�شروعة‪،‬‬
‫وع ��دم وجود اخللفي ��ة ال�شرعية �أحيا ًنا عند بع� ��ض املهند�سني املالي�ي�ن(‪ ،)2‬واحلر�ص على‬
‫الرب ��ح دون �أي خماط ��ر‪ ،‬جل�أت بع�ض امل�ص ��ارف الإ�سالمية عن ق�ص ��د �أو‪ ‬غري ق�صد �إىل‬
‫احلي ��ل املمنوعة‪ ،‬فتو�صلت عن طريقها �إىل املحرمات بحجة �أنها خمارج �شرعية‪ ،‬هذا مع‬
‫وج ��ود جهود م�شكورة للفقهاء املعا�صرين‪ ،‬واملجامع الفقهية‪ ،‬والهيئات ال�شرعية لتخلي�ص‬
‫امل�صارف الإ�سالمية من هذه احليل املمنوعة‪ ،‬والبحث لها عن خمارج م�شروعة(‪� ،)3‬إال �أنه‬

‫(( ( احليل الفقهية يف املعامالت‪ ،‬لعي�سى اخللويف‪� ،‬ص‪.347‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.349-348‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.343‬‬

‫‪107‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لدق ��ة احليل وغمو�ضها ا�ضطربت فيها �أنظ ��ار النظار(‪ ،)1‬ويف هذا املبحث درا�سة للحيل‬
‫بق�سميه ��ا‪ ،‬احليل املمنوعة‪ ،‬واملخارج امل�شروعة حتى ي�سهل‪-‬ب�إذن اهلل‪«-‬تنزيلها منازلها‬
‫و�إبداء الفروق بينها»(‪.)2‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف احليل واملخارج ال�شرعية‬
‫احلي ��ل يف اللغ ��ة‪ :‬جمع حيل ��ة وتطلق على«احلذق وج ��ودة النظر والق ��درة على دقة‬
‫الت�صرف»(‪.)3‬‬
‫واملخ ��ارج يف اللغة‪ :‬جمع خم ��رج‪ ،‬وهو مو�ضع اخلروج‪ ،‬ويراد ب ��ه النفاذ من ال�شيء‬
‫واخللو�ص منه(‪.)4‬‬
‫واحلي ��ل واملخارج يف اال�صط�ل�اح مبعنى واحد؛ قال اب ��ن جنيم‪«:‬واختلف م�شايخنا‬
‫رحمه ��م اهلل تعاىل يف التعبري عن ذلك؛ فاختار كثري التعبري بكتاب احليل‪ ،‬واختار كثري‬
‫كتاب املخارج»(‪ .)5‬مما يدل على ترادفهما يف املعنى‪� ،‬إال �أن ا�صطالح احليل ُغ ّلب �إطالقه‬
‫على اجلانب املمن ��وع منها‪ ،‬واملخارج ُغ ّلب �إطالقها على اجلانب امل�شروع منها؛ قال ابن‬
‫تيمية عن احليل‪�«:‬صارت يف عرف الفقهاء �إذا �أطلقت ق�صد بها احليل التي ي�ستحل بها‬
‫املح ��ارم»(‪ .)6‬وال�سبب يف ذلك نفور النا�س من م�صطلح احليل؛ قال ابن القيم‪«:‬ون�سميه‬
‫وجوه املخارج من امل�ضائق‪ ،‬وال ن�سميه باحليل التي ينفر النا�س من ا�سمها»(‪.)7‬‬

‫انظر‪ :‬الفكر ال�سامي‪ ،‬للحجوي ‪.436/1‬‬ ‫((( ‬


‫مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.361‬‬ ‫((( ‬
‫ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.185/11‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪ ،175/2‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.515/3‬‬ ‫((( ‬
‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪.350‬‬ ‫((( ‬
‫بيان الدليل على بطالن التحليل‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.175‬‬ ‫(( (‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.149/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪108‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وعل ��ى ذلك جن ��د �أن تعريف احليلة يختلف عند العلم ��اء بح�سب الزاوية التي ينظر‬
‫منها العامل �إىل احليلة‪ ،‬فاختلفت �أنظارهم �إىل ثالث اجتاهات‪:‬‬
‫االجت ��اه الأول‪ :‬النظ ��ر �إىل احليلة م ��ن جانبها املمنوع‪ ،‬ومن ذل ��ك تعريف احليل‪:‬‬
‫حمرما؛ خمادع� � ًة وتو�سلاً �إىل فعل م ��ا حرم اهلل‪،‬‬
‫مباحا يريد ب ��ه ً‬‫بـــ� �ـ«�أن ُيظه ��ر عق ��دً ا ً‬
‫وا�ستباحة حمظوراته‪� ،‬أو �إ�سقاط واجب‪� ،‬أو دفع حق‪ ،‬ونحو ذلك»(‪.)1‬‬
‫االجت ��اه الث ��اين‪ :‬النظر �إىل احليلة من جانبها امل�شروع(املخ ��ارج ال�شرعية)‪ ،‬ومن‬
‫ذل ��ك تعري ��ف احليل‪ :‬بــ«جمع حيلة وه ��ي احلذق وجودة النظر وامل ��راد بها هنا ما يكون‬
‫خمل�ص ��ا �شرع ًيا ملن ابتل ��ي بحادثة دينية ولكون املخل�ص من ذل ��ك ال يدرك �إال باحلذق‬‫ً‬
‫وجودة النظر �أطلق عليه لفظ احليلة»(‪.)2‬‬
‫االجتاه الثالث‪ :‬النظر �إىل احليلة من جانبيها املمنوع وامل�شروع‪ ،‬ومن ذلك تعريف‬
‫احلي ��ل‪ :‬بـــ«جم ��ع حيلة وهي ما يتو�صل به �إىل مق�صود بطريق خفي»(‪� ،)3‬أو تعريفها بقول‬
‫ال�شاطبي‪« :‬التحيل بوجه �سائغ م�شروع يف الظاهر �أو غري �سائغ على �إ�سقاط حكم �أو قلبه‬
‫�إىل حك ��م �آخر‪ ،‬بحيث ال ي�سقط �أو ال ينقلب �إال مع تلك الوا�سطة‪ ،‬فتفعل ليتو�صل بها �إىل‬
‫ذلك الغر�ض املق�صود‪ ،‬مع العلم بكونها مل ت�شرع له»(‪.)4‬‬
‫وه ��ذا االخت�ل�اف يف تعريف احليل ��ة �أدى �إىل االختالف يف حكمه ��ا‪ ،‬و�أف�ضل اجتاه‬
‫يف تعري ��ف احليل ��ة هو االجتاه الأخري ال ��ذي عرف احليلة بالنظ ��ر �إىل جانبيها امل�شروع‬
‫واملمنوع؛ فاحليلة ت�شتمل على احليل امل�شروعة �أو املخارج ال�شرعية‪ ،‬وت�شتمل على احليل‬
‫املمنوعة‪ ،‬والتعريف البد �أن يكون جام ًعا لهما‪.‬‬

‫املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.43/4‬‬ ‫((( ‬


‫غمز عيون الب�صائر‪ ،‬للحموي ‪.38/1‬‬ ‫((( ‬
‫فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.326/12‬‬ ‫((( ‬
‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.106/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪109‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام احليل‬


‫تنق�سم احلي ��ل ثالثة �أق�سام‪ :‬حيل حمرمة‪ ،‬وحيل جائ ��زة‪ ،‬وحيل خمتلف فيها‪ ،‬قال‬
‫احلج ��وي‪« :‬فاحليل ثالثة �أق�سام‪ :‬ملغ ��اة باالتفاق‪...‬وغري ملغ ��اة اتفا ًقا‪...‬والثالث مامل‬
‫يتب�ي�ن بدليل قطعي �إحلاقه بالأول وال بالثاين‪ ،‬وفي ��ه ا�ضطربت �أنظار النظار‪ ،‬وهو حمل‬
‫التنازع»(‪.)1‬‬
‫وهن ��اك اجتاه ��ان �سلكهما العلم ��اء يف تق�سيمهم للحي ��ل‪ ،‬االجت ��اه الأول‪ :‬تق�سيمها‬
‫بالنظ ��ر �إىل املق�صد الذي حتققه احليلة‪ ،‬واالجتاه الثاين‪ :‬تق�سيمها بالنظر �إىل املق�صد‬
‫و�إىل الو�سيلة املو�صلة �إىل هذه املق�صد‪.‬‬
‫االجتاه الأول‪� :‬أق�سام احليل باعتبار املق�صد‪.‬‬
‫وهذا االجت ��اه �سار عليه ال�شاطبي‪ ،‬وابن عا�ش ��ور(‪ ،)2‬فاحليل تنق�سم عندهما ثالثة‬
‫�أق�سام‪:‬‬
‫الق�س ��م الأول‪ :‬احلي ��ل اجلائ ��زة‪ :‬ذكر ال�شاطبي �أن احليل اجلائزة هي التي ال تهدم‬
‫�أ�ص�ًل اً �شرع ًي ��ا‪ ،‬وال تناق� ��ض م�صلحة �شهد ال�ش ��رع باعتبارها؛ مثل النط ��ق بكلمة الكفر‬
‫�إكراهً ��ا(‪ ،)3‬ثم قال‪�«:‬إن هذا م�أذون في ��ه؛ لكونه م�صلحة دنيوية ال مف�سدة فيها ب�إطالق‪،‬‬
‫ال يف الدنيا وال يف الآخرة»(‪.)4‬‬
‫�أما ابن عا�شور فقد ذكر نوعني من �أنواع احليل التي تدخل يف احليل اجلائزة‪:‬‬
‫م�شروعا على وجه ينق ��ل �إىل م�شروع �آخر‪،‬‬
‫ً‬ ‫الن ��وع الأول‪ :‬احليل ��ة التي تعطل �أم� � ًرا‬
‫مث ��ل التج ��ارة باملال املتجمع خ�شية �أن تنق�صه الزكاة‪ ،‬فانتق ��ل من الزكاة امل�شروعة �إىل‬
‫الفكر ال�سامي‪ ،‬للحجوي ‪.436/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،124/3‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.356‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪110‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫التج ��ارة امل�شروعة(‪ ،)1‬ثم قال‪«:‬وهذا النوع على اجلملة جائز؛ لأنه ما انتقل من حكم �إال‬
‫�إىل حكم‪ ،‬وما فوت مق�صدً ا �إال وقد ح�صل مق�صدً ا �آخر»(‪.)2‬‬
‫م�شروعا هو‬
‫ً‬ ‫م�شروع ��ا على وجه ي�سلك به �أم ًرا‬
‫ً‬ ‫الن ��وع الث ��اين‪ :‬احليلة التي تعطل �أم ًرا‬
‫�أخف عليه من املنتقل منه؛ كمن �أن�ش�أ �سف ًرا يف رم�ضان قا�صدًا الفطر؛ ل�شدة ال�صيام عليه‬
‫يف احل ��ر‪ ،‬متنقلاً من ��ه �إىل ق�ضائه يف وقت �أرفق به(‪ ،)3‬وقد ذكر الدكتور عي�سى اخللويف �أن‬
‫ه ��ذا النوع الثاين الذي ذكره ابن عا�شور لي�س من جن� ��س احليل الفقهية‪ ،‬بل بابه الرخ�ص‬
‫م�شروعا ابتدا ًء(‪ ،)4‬وهذا الكالم فيه نظر؛ لأن من �سلك �سبيلاً‬
‫ً‬ ‫ال�شرعية؛ لأنه �سلك �سبيلاً‬
‫م�شروعا �إىل حكم �آخر يعد متحايلاً على املق�صد بهذا ال�سبيل الذي‬ ‫ً‬ ‫م�شروع ��ا ليغري حك ًما‬
‫ً‬
‫�سلك ��ه‪ ،‬ولعل ال�سبب ال ��ذي جعل الدكتور اخللويف يعد هذا النوع من قبيل الرخ�ص ال احليل‬
‫الفقهي ��ة‪� ،‬أن اب ��ن عا�شور ذك ��ر من �أمثلة هذا الن ��وع امل�سح على اخلفني‪ ،‬فم ��ن م�سح انتقل‬
‫م ��ن حك ��م م�شروع �إىل حكم م�ش ��روع �أخف عليه(‪ ،)5‬وهذا املث ��ال يف احلقيقة يدخل يف باب‬
‫الرخ� ��ص ال�شرعية‪ ،‬ولي�س يف باب احليل الفقهية‪ ،‬والفرق بني الرخ�ص ال�شرعية وبني هذا‬
‫النوع من احليل‪� ،‬أن الرخ�ص ال�شرعية فيها دليل من ال�شارع على جواز �سلوك هذه ال�سبيل‬
‫لالنتق ��ال من حكم �شرعي �إىل حكم �شرعي �أخف من ��ه‪� ،‬أما احليل الفقهية فال يوجد دليل‬
‫ين�ص على جواز �سلوك هذا ال�سبيل لتغيري احلكم الذي يريد االنتقال منه‪.‬‬
‫الق�س ��م الث ��اين‪ :‬احلي ��ل املحرمة‪ :‬ذكر ال�شاطبي �أن احلي ��ل الباطلة هي التي تهدم‬
‫�أ�ص�ًل اً �شرع ًي ��ا وتناق�ض م�صلح� � ًة �شرعي ًة مث ��ل حيل املنافق�ي�ن‪ ،‬وحيل املرائ�ي�ن(‪ ،)6‬ثم‬

‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.357‬‬ ‫(( (‬


‫مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.358‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.358‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬احليل الفقهية يف املعامالت‪ ،‬لعي�سى اخللويف‪� ،‬ص‪.241‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪358‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪111‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫قال‪«:‬ف�إنه غري م�أذون فيه؛ لكونه مف�سدة �أخروية ب�إطالق‪ ،‬وامل�صالح واملفا�سد الأخروية‬
‫مقدم ��ة يف االعتبار عل ��ى امل�صالح واملفا�سد الدنيوية باتفاق؛ �إذ ال ي�صح اعتبار م�صلحة‬
‫دنيوي ��ة تخ ��ل مب�صالح الآخرة‪ ،‬فمعلوم �أن ما يخل مب�صال ��ح الآخرة غري موافق ملق�صود‬
‫ال�شارع‪ ،‬فكان باطال»(‪.)1‬‬
‫�أما ابن عا�شور فذكر نوعني من �أنواع احليل التي تدخل يف احليل املحرمة‪:‬‬
‫الن ��وع الأول‪ :‬احليل ��ة التي تفوت مق�صدً ا �شرع ًي ��ا وال تعو�ضه مبق�صد �شرعي �آخر؛‬
‫مث ��ل من وهب ماله قب ��ل م�ضي احلول بيوم لئال يعطي زكاته‪ ،‬وا�سرتجعه من املوهوب له‬
‫من غد(‪ ،)2‬ثم قال‪«:‬وهذا النوع ال ينبغي ال�شك يف ذمه وبطالنه»(‪.)3‬‬
‫الن ��وع الث ��اين‪ :‬احليلة التي ال تنايف مق�ص ��د ال�شارع �أو تعني على حت�صيل مق�صده‪،‬‬
‫لك ��ن فيها �إ�ضاعة حق لآخر �أو مف�سدة �أخرى؛ مثل تزوج املر�أة املبتوتة قا�صدً ا �أن يحللها‬
‫ملن بتها(‪« ،)4‬ف�إن فعله جار على ال�شرع يف الظاهر وخادم للمق�صد ال�شرعي من الرتغيب‬
‫زوجا غ�ي�ره‪� ،‬إال �أنه جرى لعن فاعله على‬ ‫يف املراجع ��ة‪ ،‬ويف تواف ��ر ال�شرط وهو �أن تنكح ً‬
‫ل�سان ر�سول اهلل× »(‪.)5‬‬
‫الق�س ��م الثال ��ث‪ :‬احليل املختلف فيها‪ :‬ذكر ال�شاطب ��ي �أن احليل املختلف فيها هي‬
‫الت ��ي ال يتبني لل�شارع فيه ��ا مق�صد يتفق على �أنه مق�صود ل ��ه‪ ،‬وال ظهر �أنها على خالف‬
‫امل�صلح ��ة التي و�ضعت له ��ا ال�شريعة‪ ،‬وذكر �أنها حمل الإ�ش ��كال‪ ،‬وفيها ا�ضطربت �أنظار‬
‫النظار(‪.)6‬‬

‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪357-356‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.356‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪360-359‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.360‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.125/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪112‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوعا واحدً ا من �أنواع احلي ��ل املختلف فيها‪ ،‬وهو التحيل يف‬ ‫�أم ��ا ابن عا�ش ��ور فذكر ً‬
‫�أعمال لي�ست م�شتملة على معان عظيمة مق�صودة لل�شارع‪ ،‬ويف التحيل فيها حتقيق ملماثل‬
‫مق�ص ��د ال�ش ��ارع من تل ��ك الأعمال‪ ،‬مثل التحي ��ل يف الأميان التي ال يتعل ��ق بها حق للغري‬
‫كمن حلف �أال يلب�س ثو ًبا‪ ،‬ف�إن الرب بيمينه هو احلكم ال�شرعي‪ ،‬واملق�صد هو تعظيم ا�سم‬
‫اهلل‪ ،‬فيتحي ��ل على ه ��ذا اليمني بوجه ي�شبه الرب فيح�صل مق�صود ال�شارع من تهيب ا�سم‬
‫اهلل(‪ ،)1‬ث ��م قال‪«:‬وللعلم ��اء يف ه ��ذا النوع جمال من االجته ��اد؛ ولذلك كرث اخلالف بني‬
‫العلماء يف �صوره وفروعه»(‪.)2‬‬
‫ه ��ذه هي �أق�سام احليل بالنظر �إىل املق�صد ال ��ذي حتققه‪ ،‬ذكر ال�شاطبي لها ثالثة‬
‫�أق�س ��ام‪ ،‬وذكر ابن عا�ش ��ور خم�سة �أنواع‪ ،‬كله ��ا تعود �إىل هذه الأق�س ��ام الثالثة‪ ،‬فنوعان‬
‫يدخالن يف الق�سم الأول‪ ،‬ونوعان يف الق�سم الثاين‪ ،‬ونوع يف الق�سم الثالث‪.‬‬
‫االجتاه الثاين‪� :‬أق�سام احليل باعتبار املق�صد والو�سيلة‪.‬‬
‫وهذا االجتاه �سار عليه ابن تيمية وابن القيم(‪ ،)3‬فاحليل عندهم تنق�سم ق�سمني‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬حيل مق�صدها �شرعي‪ ،‬ويق�سم هذا الق�سم باعتبار الو�سائل املف�ضية‬
‫�إليه ثالثة �أنواع‪:‬‬
‫م�شروعا؛ مثل من كان له حق‬
‫ً‬ ‫النوع الأول‪� :‬أن تكون الو�سيلة حمرمة‪ ،‬واملق�صود بها‬
‫عن ��د �آخر‪ ،‬فيجحده‪ ،‬فيقيم �شاهدي زور ليتو�صل حلقه(‪ ،)4‬وقد ر�أى ابن القيم �أن فاعله‬
‫ي�أث ��م عل ��ى الو�سيلة دون املق�ص ��د(‪� ،)5‬أما ابن تيمية فريى �أن ذلك حم ��رم كله؛ لأنه �إمنا‬

‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.358‬‬ ‫(( (‬


‫مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.359‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،108/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.259/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،109/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.260/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.260/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪113‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يتو�ص ��ل �إليه بكذب منه(‪ .)1‬وهذا النوع حمل خ�ل�اف بني الفقهاء؛ وذلك بالنظر ملف�سدة‬
‫الو�سيلة املحرمة مقابل م�صلحة املق�صد امل�شروع‪ ،‬ومنه م�س�ألة الظفر باحلق فقد منعها‬
‫قوم‪ ،‬و�أجازها �آخرون‪ ،‬و�أجازها ابن القيم �إذا كان �سبب احلق فيها ظاه ًرا(‪.)2‬‬
‫م�شروعا‪«،‬وهذه هي‬ ‫ً‬ ‫الن ��وع الث ��اين‪� :‬أن تك ��ون الو�سيل ��ة م�شروع ��ة‪ ،‬واملق�ص ��ود به ��ا‬
‫الأ�سباب التي ن�صبها ال�شارع مف�ضية �إىل م�سبباتها‪،‬كالبيع والإجارة وامل�ساقاة واملزارعة‬
‫والوكالة»(‪.)3‬‬
‫وهذا النوع ال يعد من احليل عند الفقهاء‪ ،‬لأن احليل فيها مهارة وحذق للتو�صل �إىل‬
‫املق�ص ��ود بالأ�سباب اخلفي ��ة(‪ .)4‬فالبيع والإجارة �أ�سباب ظاه ��رة للو�صول ملق�صود امللك‬
‫امل�شروع‪.‬‬
‫الن ��وع الثالث‪� :‬أن تكون الو�سيل ��ة م�شروعة‪ ،‬لكنها مل تو�ضع لهذا املق�صد‪ ،‬فيتخذها‬
‫املتحيل و�سيلة �إىل هذا املق�صد امل�شروع‪« ،‬فهي يف الفعال كالتعري�ض اجلائز يف املقال»(‪.)5‬‬
‫وه ��ذا الن ��وع جائز عند الفقهاء‪ ،‬ويعد م ��ن املخارج ال�شرعي ��ة؛ فالو�سيلة م�شروعة‪،‬‬
‫م�شروعا(‪.)6‬‬
‫ً‬ ‫واملق�صود‬
‫الق�س ��م الثاين‪:‬حيل مق�ص ��دها غري �ش ��رعي‪ ،‬ويق�سم هذا الق�س ��م باعتبار الو�سائل‬
‫املف�ضية �إليه ثالثة �أنواع‪:‬‬
‫حمرما؛ كالبائ ��ع �إذا �أراد‬
‫ً‬ ‫الن ��وع الأول‪� :‬أن تك ��ون الو�سيل ��ة حمرمة‪ ،‬واملق�ص ��ود بها‬

‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.109/6‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم‪.21/4‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.260/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬بيع العينة والتورق‪ ،‬لهناء احلنيطي‪� ،‬ص‪.58‬‬ ‫(( (‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.261/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬احليل الفقهية يف املعامالت‪ ،‬لعي�سى اخللويف‪� ،‬ص‪.77‬‬ ‫(( (‬

‫‪114‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ف�س ��خ البيع‪ ،‬فيحتال على ذلك �أنه كان حمجو ًرا علي ��ه وقت العقد(‪ .)1‬وهذا النوع حمرم‬
‫باالتفاق(‪.)2‬‬
‫حمرم ��ا‪ ،‬كال�سفر لقطع‬
‫ً‬ ‫الن ��وع الث ��اين‪� :‬أن تك ��ون الو�سيلة مباح ��ة‪ ،‬واملق�ص ��ود بها‬
‫الطريق(‪.)3‬‬
‫وه ��ذا النوع حمرم �سدً ا للذريعة‪ ،‬وال يع ��د عند الفقهاء من احليل الفقهية؛ فاحليلة‬
‫فيه ��ا مهارة وحذق وخفاء لتغي�ي�ر الأحكام‪� ،‬أما هذه الو�سيلة فلي� ��س فيها مق�صد لتغيري‬
‫حكم‪ ،‬وهي ظاهرة للتو�صل للمق�صود املحرم‪ ،‬ولي�س فيها �أي خفاء‪.‬‬
‫الن ��وع الثال ��ث‪� :‬أن تكون الو�سيلة مل تو�ضع للإف�ض ��اء �إىل املحرم‪ ،‬فيتخذها املتحيل‬
‫طري ًقا �إىل احلرام‪ ،‬كمن ينكح امر�أة ليحللها لزوجها الأول بعد التطليقة الثالثة(‪.)4‬‬
‫و�أك�ث�ر كالم الفقه ��اء ع ��ن احلي ��ل �إمن ��ا يق�ص ��دون به ه ��ذا الن ��وع منها؛ ق ��ال ابن‬
‫تيمية‪«:‬وه ��ذا الق�سم ه ��و الذي كرث فيه ت�صرف املحتالني مم ��ن ينت�سب �إىل الفتوى وهو‬
‫�أك�ث�ر ما ق�صدنا ال ��كالم فيه»(‪ .)5‬وقال ابن القيم‪«:‬وهذا مع�ت�رك الكالم يف هذا الباب‪،‬‬
‫وهو الذي ق�صدنا الكالم فيه بالق�صد الأول»(‪.)6‬‬
‫ه ��ذه هي �أق�سام احليل بالنظ ��ر �إىل املق�صد والو�سيلة‪ ،‬فهي تنق�سم ق�سمني باعتبار‬
‫مق�صدها‪ ،‬ثم يتفرع كل ق�سم �إىل ثالثة �أنواع باعتبار الو�سيلة املو�صلة �إىل ذلك املق�صد‪،‬‬
‫ومنها ما ال يدخل يف مفهوم احليل عند الفقهاء كما �سبق بيانه‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،109-108/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم‪.259/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.108/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،109/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.260-259/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،110/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.260/3‬‬ ‫((( ‬
‫الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.110/6‬‬ ‫((( ‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.260/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪115‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وميكن �أن ن�ستخل�ص من هذا التق�سيم للحيلة‪� ،‬أن احليل تنق�سم ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫م�شروعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الق�سم الأول‪:‬حيل جائزة‪ ،‬وهي ما كانت و�سيلتها م�شروعة واملق�صد منها‬
‫حمرما‪.‬‬
‫ً‬ ‫الق�سم الثاين‪:‬حيل حمرمة‪ ،‬وهي ما كانت و�سيلتها حمرمة‪ ،‬واملق�صد منها‬
‫الق�سم الثالث‪:‬حيل حمتلف فيها‪ ،‬وتنق�سم �إىل نوعني‪:‬‬
‫م�شروعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫النوع الأول‪:‬حيل و�سيلتها ممنوعة‪ ،‬واملق�صد منها‬
‫الن ��وع الثاين‪:‬حيل و�سيلتها م�شروعة‪ ،‬واملق�ص ��د منها تغيري احلكم ال�شرعي‪ .‬وهذا‬
‫النوع هو الذي اختلف فيه الفقهاء كث ًريا‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم احليل‪.‬‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم الق�سم الثالث من �أق�سام احليل الذي �سبق ذكره على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬حترمي احليل‪ .‬وهو قول املالكية(‪ ،)1‬واحلنابلة(‪.)2‬‬
‫القول الثاين‪ :‬جواز احليل‪ .‬وهو قول احلنفية(‪ ،)3‬وال�شافعية(‪ ،)4‬والظاهرية(‪.)5‬‬
‫و�سب ��ب االخت�ل�اف بينه ��م «اختالفه ��م ه ��ل املعت�ب�ر يف �صي ��غ العق ��ود �ألفاظه ��ا �أو‬
‫معانيها؟»(‪.)6‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬

‫انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،109/3‬حا�شية ال�صاوي ‪.623/3‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،43/4‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪.121/9‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،210/30‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬للعيني ‪.387/11‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪ ،115/5‬املنثور يف القواعد‪ ،‬للزرك�شي‪ ،93/2‬فتاوى ابن ال�صالح‪� ،‬ص‪.47‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.554/7‬‬ ‫((( ‬
‫فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.326/12‬‬ ‫((( ‬

‫‪116‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮊ (‪.)1‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ات‪� :‬أن �أهل القري ��ة «احتالوا على انته ��اك حمارم اهلل مبا‬
‫تعاط ��وا من الأ�سباب الظاهرة التي معناها يف الباطن تعاطي احلرام»(‪ ،)2‬ف�أخذهم اهلل‬
‫بالعذاب وم�سخهم �إىل قردة؛ مما يدل على حرمة التحايل على �أحكام اهلل(‪.)3‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وج ��ه الداللة من الآي ��ة‪� :‬أن املنافقني«حتيلوا مبالب�سة الدين و�أهله �إىل �أغرا�ضهم‬
‫الفا�س ��دة»(‪)5‬؛ فذمهم اهلل على هذه املخادعة‪ ،‬فاحليل مذمومة؛ لأنها خمادعة هلل‪ ،‬قال‬
‫�أيوب ال�سختياين(‪« :)6‬يخادعون اهلل ك�أمنا يخادعون �آدم ًيا‪ ،‬لو �أتوا الأمر عيا ًنا كان �أهون‬
‫علي»(‪.)7‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬بالفرق بني حي ��ل املنافقني‪ ،‬وحيل الفقهاء؛ فمق�ص ��د املنافقني يف حيلهم‬
‫الف ��رار من الدي ��ن‪ ،‬وخمادعة اهلل والذين �آمن ��وا‪� ،‬أما الفقهاء ك�أب ��ي حنيفة وحممد بن‬
‫احل�س ��ن فمق�صدهم البحث ع ��ن خمارج �شرعي ��ة للم�ضايق التي يبتلى به ��ا النا�س‪ ،‬وال‬

‫((( �سورة الأعراف‪ ،‬الآيات ‪.166-163‬‬


‫((( تف�سري القر�آن العظيم‪ ،‬البن كثري ‪.493/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.28/6‬‬
‫((( �سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.142‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.109/3‬‬
‫إماما‪ً ،‬‬
‫حافظا‪ ،‬ثق ًة‪ ،‬كثري التب�سم يف وجوه‬ ‫((( ه ��و �أب ��و بكر �أيوب بن �أبي متيمة‪ ،‬كي�سان ال�سختي ��اين‪ ،‬ولد �سنة ‪66‬ه‪ ،‬كان � ً‬
‫الرجال‪ ،‬تويف �سنة ‪131‬ه‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪� ،457/3‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.15/6‬‬
‫(( ( رواه البخاري معل ًقا يف كتاب احليل‪ ،‬باب ما ينهى من اخلداع يف البيوع‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ي�صح �أن يو�صفوا ب�أنهم يخادعون اهلل ك�أمنا يخادعون �آدم ًيا‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ (‪.)1‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الآية‪� :‬أن �أ�صحاب اجلنة مل ��ا �أرادوا االحتيال على حق امل�ساكني‪،‬‬
‫عاقبهم اهلل ب�إهالك مالهم؛ مما يدل على حترمي احليل امل�سقطة للحقوق(‪.)2‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪ :‬ع ��ن جابر بن عبد اهلل ر�ضي اهلل عنهما‪� ،‬أَ َّن� �هُ‪�َ :‬س ِم َع َر ُ�س َول اللهَّ ِ ×‪،‬‬
‫خل ْن ِزي ِر َوالأَ ْ�ص َنا ِم»‪،‬‬ ‫َي ُق ُول َع َام ال َفت ِْح َوهُ َو بمِ َ َّك َة‪�« :‬إِ َّن اللهَّ َ َو َر ُ�سو َل ُه َح َّر َم َب ْي َع ا َ‬
‫خل ْم ِر‪َ ،‬وامل َ ْي َت ِة َوا ِ‬
‫جل ُلودُ‪،‬‬ ‫ال�س ُفنُ ‪َ ،‬و ُيدْهَ ��نُ ِب َها ا ُ‬ ‫�ول اللهَّ ِ ‪� َ ،‬أ َر�أَ ْيتَ ُ�ش ُح � َ‬
‫�وم ا َمل ْي َت ِة‪َ ،‬ف ِ�إ َّن َها ُي ْط َل ��ى ِب َها ُّ‬ ‫َف ِقي � َ�ل‪َ :‬يا َر ُ�س � َ‬
‫ا�س؟ َف َق َال‪َ « :‬ال‪ُ ،‬ه َو َح َرامٌ»‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُ�س ُول اللهَّ ِ × ِع ْندَ َذ ِل َك‪َ « :‬قا َت َل اللهَّ ُ‬ ‫َو َي ْ�س َت ْ�ص ِب � ُ�ح ِب َها ال َّن ُ‬
‫ال َيهُو َد �إِ َّن اللهَّ َ لمَ َّا َح َّر َم ُ�ش ُحو َمهَا َج َم ُلوهُ‪ُ ،‬ث َّم َباعُوهُ‪َ ،‬ف�أَ َك ُلوا َث َم َن ُه» متفق عليه(‪.)3‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلديث‪� :‬أن اليه ��ود ملا حرم اهلل عليهم �شح ��وم امليتة‪ ،‬حتايلوا‬
‫عل ��ى ذلك ب�إذابة ال�شحوم‪ ،‬ثم �أكل ��وا ثمنها‪ ،‬فلعنهم اهلل على هذه احليلة(‪ ،)4‬و«فيه دليل‬
‫على بطالن كل حيلة حتتال للتو�صيل �إىل حمرم‪ ،‬و�أنه ال يتغري حكمه بتغري هيئته وتبديل‬
‫ا�سمه»(‪.)5‬‬
‫ال�ص َد َق ِة ا َّل ِتي َف َر َ�ض‬
‫ي�ض َة َّ‬ ‫الدلي ��ل اخلام� ��س‪ :‬عن �أن�س ‪� :‬أَنَّ �أَ َبا َب ْك ٍر‪َ ،‬كت ََب َل� � ُه َف ِر َ‬
‫ال�ص� � َد َقةِ» رواه‬ ‫م َتمِ ٍع‪َ ،‬خ ْ�ش� � َي َة َّ‬ ‫ي جُ ْ‬ ‫ول اللهَّ ِ ×‪َ « :‬و َال ُي ْج َم ُع َب نْ َ‬
‫ي ُم َت َف ِّرقٍ ‪َ ،‬و َال ُي َف َّر ُق َب نْ َ‬ ‫َر ُ�س ُ‬
‫البخاري(‪.)6‬‬
‫((( �سورة القلم‪ ،‬الآية ‪.17‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬تذكرة الأريب يف تف�سري الغريب‪ ،‬البن اجلوزي‪� ،‬ص‪.410‬‬
‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كتاب البي ��وع‪ ،‬باب بيع امليتة والأ�صنام‪ ،‬برقم‪ ،2236‬وم�سلم‪ ،‬كت ��اب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب حترمي‬
‫اخلمر وامليتة واخلنزير والأ�صنام‪ ،‬برقم ‪.1581‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح الزرقاين على موط�أ مالك ‪.491/4‬‬
‫((( حتفة الأحوذي‪ ،‬للمباركفوري ‪.435/4‬‬
‫(( ( كتاب احليل‪ ،‬باب يف الزكاة و�أال يفرق بني جمتمع وال يجمع بني متفرق خ�شية ال�صدقة‪ ،‬برقم‪.6955‬‬

‫‪118‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪ :‬يف احلديث داللة على النهي عن اتخ ��اذ احليلة التي‬
‫تنق� ��ص الزكاة �أو‪ ‬ت�سقطها(‪ ،)1‬قال ابن بطال‪« :‬ق ��ال املهلب(‪ :)2‬و�إمنا ق�صد البخارى فى‬
‫هذا الباب �أن يعرفك �أن كل حيلة يتحيل بها �أحد فى �إ�سقاط الزكاة‪ ،‬ف�إن �إثم ذلك عليه؛‬
‫لأن النب ��ى × ملا منع من جمع الغن ��م �أو تفريقها خ�شية ال�صدقة؛ فهم منه هذا املعنى‪،‬‬
‫وفه ��م من قوله‪�( :‬أفل ��ح �إن �صدق)(‪� )3‬أنه من رام �أن ينق�ص �شي ًئا من فرائ�ض اهلل بحيلة‬
‫يحتالها �أنه ال يفلح»(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل ال�س ��اد�س‪� :‬أن اهلل �أوج ��ب الواجب ��ات‪ ،‬وح ��رم املحرم ��ات؛ لتحقي ��ق حكم‪،‬‬
‫وم�صال ��ح‪ ،‬ولدفع مفا�سد‪ ،‬ويف التحايل على �إ�سقاط الواجب ��ات‪� ،‬أو فعل املحرمات تزول‬
‫احلكم‪ ،‬وامل�صالح‪ ،‬ويقع الف�ساد يف الأر�ض(‪.)5‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ (‪.)6‬‬
‫خمرجا‪ ،‬وال ريب �أن‬
‫ً‬ ‫وجه الداللة من الآية‪ :‬بني اهلل تعاىل �أن من يتق اهلل يجعل له‬
‫هذه احليل خمارج مما �ضاق على النا�س(‪.)7‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬للعيني ‪.110/24‬‬


‫((( ه ��و املهل ��ب بن �أحمد بن �أبي �صف ��رة �أ�سيد بن عبداهلل الأ�سدي‪ ،‬كان �أحد الأئم ��ة الف�صحاء‪ ،‬املو�صوفني بالذكاء‪ ،‬له‬
‫م�صنف ��ان‪�« :‬شرح �صحي ��ح البخاري»‪ ،‬و«املخت�صر الن�صي ��ح يف تهذيب الكتاب اجلامع ال�صحي ��ح»‪ ،‬تويف �سنة ‪435‬ه‪.‬‬
‫انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،975/17‬املخت�صر الن�صيح‪ ،‬للمهلب ‪.12/1‬‬
‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب الزكاة من الإ�س�ل�ام‪ ،‬برقم ‪ ،46‬وم�سلم‪ ،‬كتاب الإميان‪ ،‬باب بيان ال�صلوات التي‬
‫هي �أحد �أركان الإ�سالم‪ ،‬برقم ‪.11‬‬
‫((( �شرح �صحيح البخاري‪ ،‬البن بطال ‪.315-314/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،167-166/6‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.121/3‬‬
‫((( �سورة الطالق‪ ،‬الآية ‪.2‬‬
‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.153/3‬‬

‫‪119‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق� ��ش‪� :‬أن ه ��ذه الآي ��ة ال عالقة لها باحلي ��ل(‪)1‬؛ فالآية تدل عل ��ى �أن اهلل َي ْج َعل ملن‬
‫يتقي ��ه مخَ ْ َرج ًا مما هو فيه من الغموم والوقوع يف امل�ضاي ��ق‪ ،‬ويفرج عنه وينف�س ويعطيه‬
‫اخلال� ��ص َو َي ْر ُزق ُه من وجه ال يخطره بباله وال يحت�سب ��ه(‪� ،)2‬أما احليل فهي بحث الفقيه‬
‫ع ��ن خمرج ملن وقع يف �ضيق‪ ،‬ولي�س من التقوى التحاي ��ل على �إ�سقاط الواجبات‪� ،‬أو فعل‬
‫املحرمات‪ ،‬بحجة �إخراج النا�س من ال�ضيق‪ ،‬بل قد يكون التحايل على الأحكام ال�شرعية‬
‫�سب ًبا يف الوقوع يف امل�ضايق‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ (‪.)3‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الآي ��ة‪� :‬أن �أيوب ڠ �أق�سم لي�ضربن زوجته مئة �ضربة‪ ،‬ف�أمره‬
‫اهلل �أن ي�أخ ��ذ حزمة من ح�شي�ش في�ضربها �ضربة واحدة‪ ،‬وتلك و�سيلة �شرعها اهلل لنبيه‬
‫ليتحلل عن ميينه‪ ،‬وفيها داللة على جواز احليل(‪.)4‬‬
‫�شرعا لنا‪ ،‬وعلى فر�ض الت�سليم ب�أنه �شرع لنا ف�إن‬ ‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن �شرع م ��ن قبلنا لي�س ً‬
‫عاما مل يكن يف اقت�صا�ص ��ه علينا كبري عربة؛ ويدل‬ ‫ه ��ذا احلكم خا� ��ص ب�أيوب؛ فلو كان ً‬
‫عل ��ى االخت�صا�ص قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﮊ ‪ ،‬وهذه اجلملة خرجت خمرج التعليل؛‬
‫فعلم �أن اهلل ‪� ۵‬إمنا �أفتاه بهذا جزاء له على �صربه(‪.)5‬‬
‫ول‬ ‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬عن �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬و�أبي هري ��رة ر�ضي اهلل عنهما‪� :‬أَنَّ َر ُ�س َ‬
‫�ول اللهَّ ِ ×‪�« :‬أَ ُك ُّل‬ ‫اللهَّ ِ × ْ‬
‫ا�س َت ْع َم � َ�ل َر ُج�ًل�ااً َع َلى َخ ْي�َب�ررَ َ ‪َ ،‬ف َجا َء ُه ِب َت ْم ٍر َج ِني � ٍ�ب‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س � ُ‬
‫ول اللهَّ ِ �إِ َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ‬
‫ال�صا َع ِم ��نْ َه َذا ِب َّ‬
‫ال�ص َاعينْ ِ ‪،‬‬ ‫تمَ ْ � � ِر َخ ْي�َب�رَ َ َه َك� � َذا؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َواللهَّ ِ َي ��ا َر ُ�س َ‬

‫انظر‪ :‬احليل الفقهية يف املعامالت املالية‪ ،‬ملحمد �إبراهيم‪� ،‬ص‪.86‬‬ ‫(( (‬


‫الك�شاف‪ ،‬للزخم�شري ‪.555/4‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة �ص‪ ،‬الآية ‪.44‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬اللباب يف اجلمع بني ال�سنة والكتاب‪ ،‬للمنبجي ‪� ،602/2‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.316‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،187/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.165/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪120‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�ول اللهَّ ِ ×‪َ « :‬ال َت ْف َع ْل‪ِ ،‬ب ْع ا َ‬


‫جل ْم� � َع ِبال َّد َراهِ � ِ�م‪ُ ،‬ث َّم ا ْب َت ْع‬ ‫ال�ص َاع�ْي نِْ�ن ِبال َّث َال َث� � ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س � ُ‬ ‫َو َّ‬
‫ِبال َّد َراهِ ِم َجنِي ًبا»متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن النبي × �أمر الرج ��ل �أن يتو�سط �إىل ما �أراده من‬
‫�أخ ��ذ اجليد بالرديء بالطريق امل�ش ��روع يف الأ�صل‪ ،‬وهو �أن يبيع ال ��رديء بالدراهم‪ ،‬ثم‬
‫ي�ش�ت�ري بالدراه ��م مت ًرا جي ��دً ا‪ ،‬وهذه الوا�سطة حيل ��ة‪ ،‬فهي ال تتخذ لذاته ��ا‪� ،‬إمنا تتخذ‬
‫لغر�ض �آخر توقف نيله عليها‪ ،‬وقد �أمر النبي × بها مما يدل على جواز احليل(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن يف احلديث ق�صدً ا �سلي ًم ��ا‪ ،‬ومب ًنى متخل ًفا عنه‪ ،‬ف�أر�شد النبي × �إىل‬
‫�إحل ��اق املبنى باملق�صد ال�سليم(‪ ،)3‬واحليلة التي �أر�شد له ��ا النبي × م�شروعة للو�صول‬
‫�إىل مق�ص ��د م�شروع‪ ،‬فه ��ي من احليل اجلائ ��زة باالتفاق‪ ،‬قال ابن تيمي ��ة‪�« :‬أن حت�صيل‬
‫املقا�ص ��د بالط ��رق امل�شروعة �إليها لي� ��س من جن�س احليل �سواء �سم ��ي حيلة‪� ،‬أو مل ي�سم‪،‬‬
‫فلي�س النزاع يف جمرد اللفظ‪ ،‬بل الفرق بينهما ثابت من جهة الو�سيلة واملق�صود»(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪ :‬ع ��ن �سعيد بن �سعد ب ��ن عبادة قال‪َ :‬كانَ َب�ْيَنْ َ �أَ ْب َيا ِت َن ��ا َر ُج ٌل مخُ ْ َد ٌج‬
‫َ�ض ِعي � ٌ�ف‪َ ،‬ف َل ْم ُي َر ْع ِ�إ اَّل َوهُ َو َع َل ��ى َ�أ َم ٍة ِمنْ ِ�إ َما ِء ال َّدا ِر َي ْخ ُبثُ ِب َها‪َ ،‬ف َر َف َع َ�ش�أْ َن ُه َ�س ْع ُد ْبنُ ُع َبا َد َة‬
‫«اج ِلدُو ُه َ�ض ْر َب مِ ا َئ ِة َ�س ْو ٍط»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َن ِب َّي اللهَّ ِ ‪ ،‬هُ َو �أَ ْ�ض َع ُف ِمنْ‬ ‫�إِلىَ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ × َف َق َال‪ْ :‬‬
‫ا�ض� � ِر ُبو ُه‬ ‫َذ ِل َك‪َ ،‬ل ْو َ�ض َر ْب َنا ُه ِما َئ َة َ�س ْو ٍط َماتَ ‪َ ،‬ق َال‪َ «:‬ف ُخ ُذوا َل ُه عِ ْث َكالاً فِي ِه مِ ا َئ ُة �شِ � � ْم َرا ٍخ َف ْ‬
‫َ�ض ْر َب ًة َواحِ َد ًة» رواه �أبو داود وغريه(‪.)5‬‬

‫((( �سبق تخريجه �ص‪.39‬‬


‫((( �ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.318-317‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املخارج ال�شرعية �ضوابطها و�أثرها يف تقومي �أن�شطة امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حل�سني العبيديل‪� ،‬ص‪.7‬‬
‫((( الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.134/6‬‬
‫((( رواه �أب ��و داود‪ ،‬كت ��اب احل ��دود‪ ،‬باب يف �إقامة احلد عل ��ى املري�ض‪ ،‬برقم‪ ،4472‬وابن ماج ��ه‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب‬
‫الكب�ي�ر واملري�ض يجب علي ��ه احلد‪،‬برقم ‪ ،2574‬و�أحمد‪ ،‬حديث �سعيد بن �سعد ب ��ن عبادة‪ ،‬برقم‪ .21935‬وقد =‬

‫‪121‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن ال�ضرب بالعثكال لي�س هو احلد الواجب يف الأ�صل؛‬
‫بدليل قوله × قبل �أن ير�شدهم �إىل هذا‪ْ :‬‬
‫«اج ِلدُو ُه َ�ض ْر َب مِ ا َئ ِة َ�س ْو ٍط»‪ ،‬وهذه الوا�سطة‬
‫حيلة للتو�صل �إىل �إ�سقاط احلد يف حق مثل هذا الرجل‪ ،‬وفيها داللة على جواز احليل(‪.)1‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن احلديث �ضعيف ال ي�صح االحتجاج به(‪ ،)2‬وعلى فر�ض �صحته فاحلديث‬
‫لي� ��س من احليل‪ ،‬ومل ي�سق ��ط النبي × احلد‪ ،‬بل �أمر بجلده مئة �س ��وط‪ ،‬فلما �أُخرب �أنه‬
‫مري� ��ض‪� ،‬أمر بجلده بعثكال فيه مئة �شمراخ �ضربة واحدة‪ ،‬فاحلديث بيان حلد املري�ض‪،‬‬
‫إ�سقاطا للح ��د؛ قال ابن‪ ‬قدامة‪« :‬املري� ��ض الذي ال يرجى بر�ؤه‪ ،‬فه ��ذا يقام عليه‬ ‫ولي� ��س � ً‬
‫احلد يف احلال وال ي�ؤخر‪ ،‬ب�سوط ي�ؤمن معه التلف؛ كالق�ضيب ال�صغري‪ ،‬و�شمراخ النخل‪،‬‬
‫ف� ��إن خيف عليه م ��ن ذلك‪ ،‬جمع �ضغث فيه مئ ��ة �شمراخ‪ ،‬ف�ضرب به �ضرب ��ة واحدة»(‪،)3‬‬
‫ولي�س يف احلديث داللة على جواز احليل‪.‬‬
‫الدلي ��ل اخلام� ��س‪� :‬أن النا�س لي�س لهم �إال احلكم بالظاه ��ر‪ ،‬و�أما املقا�صد والنيات‬
‫فحكمه ��ا �إىل اهلل‪ ،‬ولو �أوقفت ال�شريعة �صحة العق ��ود �إىل �أن ينقطع كل احتمال خمالف‬
‫للظاه ��ر‪ ،‬لتعطلت معظم املعامالت‪ ،‬ولعادت على النا�س �أ�ضعاف املفا�سد التي ميكن �أن‬
‫تعود عليهم جراء االحتماالت املحجوبة عن الظاهر(‪ ،)4‬قال ال�شافعي‪«:‬ولو كان لأحد من‬
‫اخلل ��ق �أن يحك ��م على خالف الظاهر ما كان ذلك لأحد �إال لر�سول اهلل × مبا ي�أتيه به‬
‫الوحي ومبا جعل اهلل تعاىل فيه مما مل يجعل يف غريه من التوفيق‪ ،‬ف�إذا كان ر�سول اهلل‬

‫=اختل ��ف يف �إ�سن ��اد هذا احلديث‪ ،‬وال�ص ��واب فيه �أنه من رواية �أبي �أمامة عن النب ��ي �صلى اهلل عليه و�سلم مر�سلاً ‪.‬‬
‫انظر‪:‬العلل‪ ،‬للدارقطني ‪ ،277-276/12‬ال�سنن الكربى‪ ،‬للبيهقي ‪.401/8‬‬
‫((( انظر‪� :‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.321‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث‪.‬‬
‫((( املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.48/9‬‬
‫((( انظر‪� :‬ضوابط امل�صلحة‪ ،‬للبوطي‪� ،‬ص‪.310‬‬

‫‪122‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫× مل يتول �أن يق�ضي �إال على الظاهر‪ ،‬والباطن ي�أتيه وهو يعرف من الدالئل بتوفيق اهلل‬
‫�إياه ما ال يعرف غريه فغريه �أوىل �أن ال يحكم �إال على الظاهر»(‪.)1‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب� ��أن من ��ع احليل ال يعني �إف�س ��اد العقود التي ظهرت �صحته ��ا‪ ،‬بل ال يف�سد‬
‫منه ��ا �إال م ��ا كان ظاه ��ر الف�س ��اد‪� ،‬أو كان املق�صد الفا�س ��د فيها ظاه ًرا قب ��ل التقاب�ض‪،‬‬
‫�أم ��ا بعد التقاب�ض فل ��و تبني �أن املعاملة ربوي ��ة‪ ،‬و�أن املتعامل بها مم ��ن يبيح احليل‪ ،‬فال‬
‫ُتنق� ��ض‪ ،‬ق ��ال ابن تيمي ��ة‪ « :‬كل عقد اعتقد امل�سل ��م �صحته بت�أويل من اجته ��اد �أو تقرير‪،‬‬
‫مث ��ل املعامالت الربوي ��ة التي يبيحها جموزو احلي ��ل‪ ،‬ومثل بيع النبي ��ذ املتنازع فيه عند‬
‫م ��ن يعتقد �صحته‪ ،‬ومثل بيوع الغ ��رر املنهي عنها عند من يجوز بع�ضها‪ ،‬ف�إن هذه العقود‬
‫�إذا ح�ص ��ل فيه ��ا التقاب�ض مع اعتق ��اد ال�صحة مل ُتنق�ض بعد ذل ��ك‪ ،‬ال بحكم وال برجوع‬
‫ع ��ن ذلك االجته ��اد»(‪ .)2‬ومعاملة النا�س على الظاهر ال يعني جواز ما �أخفوا يف الباطن‪،‬‬
‫فالنب ��ي × قب ��ل من املنافق�ي�ن ظواهرهم مع �أنه ��م يرتكبون كف� � ًرا يف بواطنهم‪ ،‬ومنع‬
‫احلي ��ل عن امل�سلم لك ��ي يتوافق ظاهره مع باطن ��ه‪ ،‬وجوازها ي�ساعد عل ��ى التناق�ض بني‬
‫الظاهر والباطن‪.‬‬
‫الرتجيح‪:‬‬
‫بع ��د عر�ض القولني و�أدلة كل ق ��ول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة تبني يل‪-‬‬
‫واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الأول‪ ،‬القائل بتحرمي احليل؛ وذلك لقوة �أدلته‪ ،‬و�ضعف‬
‫�أدل ��ة القول الث ��اين �أمام املناق�شة الت ��ي وردت عليها‪ ،‬ومع �أن الأ�ص ��ل يف احليل املنع‪� ،‬إال‬
‫�أن ��ه �إذا كان يف احليل ��ة حتقيق م�صلحة �أكرب من مف�س ��دة احليلة فتجوز يف هذه احلالة‬
‫تغلي ًب ��ا جلانب امل�صلحة‪ ،‬وهذا الذي ُيفهم من كالم ال�شاطبي وابن عا�شور يف احليل‪� ،‬أن‬

‫((( الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.86/7‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.413-412/29‬‬

‫‪123‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الأ�صل فيها عندهم البطالن �إال �إذا كان فيها حتقيق م�صلحة مق�صودة لل�شارع �أكرب من‬
‫مف�س ��دة احليلة(‪ ،)1‬وهذا م ��ا ُيفهم من الأمثلة التطبيقية للحيل اجلائزة عند ابن القيم‪،‬‬
‫فف ��ي الق ��راءة يف احليل التي �أجازها ابن القيم جند �أن ��ه �أجاز حيلاً لنوعي ق�سم احليل‬
‫املختلف فيها‪ ،‬و�أذكر اً‬
‫مثال لكل نوع‪:‬‬
‫الن ��وع الأول‪:‬حي ��ل و�سيلته ��ا ممنوعة‪ ،‬واملق�صد منه ��ا م�شروع‪ ،‬قال اب ��ن القيم يف‬
‫م�س�أل ��ة الظفر باحلق بعد ذكر القولني فيها‪ ،‬املن ��ع‪ ،‬واجلواز‪« :‬وتو�سط �آخرون وقالوا‪�:‬إن‬
‫كان �سب ��ب احلق ظاه ًرا كالزوجية والأبوة والبنوة ومل ��ك اليمني املوجب للإنفاق فله �أن‬
‫ي�أخذ قدر حقه من غري �إعالمه‪...‬وهذا �أعدل الأقوال يف امل�س�ألة‪ ،‬وعليه تدل ال�سنة داللة‬
‫�صريحة‪ ،‬والقائلون به �أ�سعد»(‪.)2‬‬
‫النوع الثاين‪:‬حيل و�سيلتها م�شروعة‪ ،‬واملق�صد منها تغيري احلكم ال�شرعي‪ ،‬قال ابن‬
‫القي ��م يف حيلة التحليل من الطالق بعد الث�ل�اث‪�« :‬إذا وقع الطالق الثالث باملر�أة‪ ،‬وكان‬
‫دينها ودين وليها وزوجها املطلق �أعز عليهم من التعر�ض للعنة اهلل ومقته بالتحليل الذي‬
‫ال يحله ��ا‪ ،‬وال يطيبها بل يزيده ��ا خب ًثا فلو �أنها �أخرجت من ماله ��ا ثمن مملوك فوهبته‬
‫لبع� ��ض من تثق به فا�شرتى ب ��ه مملو ًكا ثم خطبها على مملوك ��ه فزوجها منه فدخل بها‬
‫اململوك ثم وهبها �إياه انف�سخ النكاح‪ ،‬ومل يكن هناك حتليل م�شروط‪ ،‬وال منوي ممن ت�ؤثر‬
‫نيته و�شرطه‪ ،‬وهو الزوج»(‪.)3‬‬
‫فابن القيم مع ت�شديده النكري على املجيزين للحيل �إال �أنه �أجاز احليلة يف املثالني‬
‫ال�سابق�ي�ن‪ ،‬وال يوج ��د ت�أويل له �إال �أن ��ه ر�أى يف احليلة حتقيق م�صلح ��ة مق�صودة لل�شارع‬
‫�أعظم من مف�سدة احليلة‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،123-109/3‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.359-355‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.21/4‬‬
‫((( املرجع ال�سابق ‪.36/4‬‬

‫‪124‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فعلى هذا فالأ�صل يف احليل املنع والبطالن‪ ،‬و�إبطالها لي�س � اً‬


‫إبطال لكل احليل‪ ،‬فال‬
‫«ميك ��ن �إقامة دليل يف ال�شريع ��ة على �إبطال كل حيلة‪ ،‬كما �أنه ال يقوم دليل على ت�صحيح‬
‫كل حيلة؛ ف�إمنا يبطل منها ما كان م�ضادًا لق�صد ال�شارع خا�صة»(‪ ،)1‬فمتى كان يف احليلة‬
‫حتقي ��ق م�صلحة �أكرب من مف�س ��دة احليلة فتجوز يف هذه احلالة تغلي ًبا جلانب امل�صلحة‪،‬‬
‫وحتقي ًقا ملق�صد ال�شارع‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬ضوابط املخارج ال�شرعية‬
‫الب ��د للحيل اجلائزة �أو املخارج ال�شرعية م ��ن �ضوابط ت�ضبطها حتى ت�ؤدي دورها‪،‬‬
‫وحتى ال يقع امل�سلم يف احليل املحرمة‪ ،‬وهذه ال�ضوابط هي‪:‬‬
‫‪� -1‬أن تك ��ون احليل ��ة متوافقة مع مق�صد ال�شارع‪ ،‬وفيها حتقي ��ق م�صلحة �شهد ال�شرع‬
‫باعتباره ��ا‪ ،‬و�أال ته ��دم �أ�ص�ًلشاً �شرع ًيا‪ ،‬ق ��ال ال�شاطبي‪«:‬ف�إن فر�ضن ��ا �أن احليلة ال‬
‫ته ��دم �أ�صلاً �شرع ًيا‪ ،‬وال تناق�ض م�صلحة �شه ��د ال�شرع باعتبارها؛ فغري داخلة يف‬
‫النهي»(‪.)2‬‬
‫‪� -2‬أن يكون النظر يف تقرير م�صالح احليل وموافقتها ملق�صود ال�شارع للعلماء ال�شرعيني؛‬
‫«ليك ��ون الناظر متكي ًفا ب�أخ�ل�اق ال�شريعة‪ ،‬فينبو عقله وطبعه عم ��ا يخالفها»(‪ ،)3‬وال‬
‫يفت ��ح املجال لغريه ��م؛ لأن من كان جاه�ًل�ااً بالأ�صول يكون بعي ��د الطبع عن �أخالق‬
‫ال�شريعة‪ ،‬فيقع يف خمالفتها بق�صد �أو دون ق�صد(‪.)4‬‬
‫‪�-3‬أال تت�ضم ��ن �إ�سق ��اط حق‪� ،‬أو حترمي ح�ل�ال‪� ،‬أو حتليل حرام‪ ،‬قال اب ��ن القيم‪«:‬وهكذا‬
‫احليل ��ة يف جميع ه ��ذا الباب‪ ،‬وهي حيلة جائ ��زة؛ ف�إنها ال تت�ضم ��ن �إ�سقاط حق‪ ،‬وال‬

‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.33/3‬‬ ‫((( ‬


‫املرجع ال�سابق ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬
‫نفائ�س الأ�صول يف �شرح املح�صول‪ ،‬للقرايف ‪.4092/9‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.4092/9‬‬ ‫((( ‬

‫‪125‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫حت ��رمي حالل‪ ،‬وال حتليل حرام»(‪ .)1‬وقد ذكر ابن القيم من هذه احليل اجلائزة مئة‬
‫و�ستة ع�شر مثال(‪.)2‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬احليل والهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫احلي ��ل هي �أكرث الأدوات الت ��ي ت�ستخدمها امل�صارف الإ�سالمية يف هند�ستها للعقود‬
‫حتى ل ُيخيل للناظر �أن عمل بع�ض اجلهات اال�ست�شارية للبنوك هو �صناعة احليل الفقهية‬
‫الت ��ي تنمي �أعم ��ال البنوك(‪)3‬؛ حتى ق ��ال �أحدهم‪«:‬على من ين�شئ م�صر ًف ��ا �إ�سالم ًيا �أن‬
‫يطب ��ع مناذج خم�صو�ص ��ة للقرو�ض‪ ،‬ومناذج �أخ ��رى للحيلة ال�شرعية‪ ،‬حت ��ى يكون عقد‬
‫القر� ��ض خال ًي ��ا م ��ن ذكر املنفع ��ة‪ ،‬وهو �أمر �سه ��ل ج ��دً ا»(‪ .)4‬و ُيعرب بع�ضه ��م عن احليل‬
‫وتدلي�سا عليهم‪ ،‬فا�سم املخ ��ارج ال�شرعية‬
‫ً‬ ‫الفقهي ��ة باملخارج ال�شرعي ��ة تغري ًرا بالنا� ��س‬
‫�أق ��رب للقلوب من ا�سم احلي ��ل(‪)5‬؛ مما نتج عن هذه املعامالت التي بنيت على احليل �أن‬
‫قرب ��ت بني البنوك الربوية وامل�صارف الإ�سالمي ��ة يف حقيقة الأمر(‪ ،)6‬والذي ينبغي على‬
‫امل�صارف الإ�سالمية �أن تبتعد كل البعد عن احليل الفقهية املحرمة؛ وذلك لتحافظ على‬
‫�أمانته ��ا و�سمعتها؛ فالنا�س مل يتعامل ��وا معها �إال للظفر باملعامالت ال�شرعية التي تر�ضي‬
‫اهلل عنه ��م‪ ،‬و�أكرثه ��م يثق بهذه امل�ص ��ارف وبهيئاتها‪ ،‬وال ي�س�ألون ع ��ن حكم املعاملة �إذا‬
‫�ص ��درت من امل�صارف الإ�سالمية ثق� � ًة بها(‪ ،)7‬وهم يف�ضلون امل�ص ��ارف الإ�سالمية على‬
‫غريها من البنوك حتى لو كانت خدماتها �أقل جودة؛ لأجل ان�ضباط معامالتها ب�ضوابط‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.17/4‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.37/4-261/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬التطبيقات امل�صرفية لبيع املرابحة‪ ،‬لعطية فيا�ض‪� ،‬ص‪.188‬‬ ‫(( (‬
‫اجلامع يف �أ�صول الربا‪ ،‬لرفيق امل�صري‪� ،‬ص‪.179‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬احليل الفقهية يف املعامالت‪ ،‬لعي�سى اخللويف‪� ،‬ص‪.329‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬بحوث يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬لرفيق امل�صري‪� ،‬ص‪.12‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬جتربة البنوك التجارية ال�سعودية يف بيع املرابحة‪ ،‬لعبدالرحمن احلامد‪� ،‬ص‪.446‬‬ ‫(( (‬

‫‪126‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�شريعة(‪ ،)1‬ف�إذا فوجئوا �أن املعاملة مل تكن �شرعية‪ ،‬و�أنه ال فرق بني معامالت امل�صارف‬
‫الإ�سالمية والبنوك التقليدية؛ ف�ستخ�سر امل�صارف الإ�سالمية �سمعتها وعمالءها‪ ،‬وهذا‬
‫يخل باملقا�صد التي لأجلها �أن�شئت امل�صارف الإ�سالمية(‪.)2‬‬
‫و�إذا �أرادت امل�ص ��ارف الإ�سالمي ��ة احلي ��ل اجلائ ��زة �أو املخ ��ارج ال�شرعي ��ة فينبغي‬
‫عليه ��ا �أن تراع ��ي ال�ضوابط التي ت�ضبطه ��ا‪ ،‬وعليها �أن جتعل احلك ��م يف املعامالت التي‬
‫متت هند�سته ��ا للعلماء ال�شرعيني �أو املجامع الفقهية‪� ،‬أو الهيئات ال�شرعية التي ال ت�أثري‬
‫للم�صرف عليها‪ ،‬وال تكتفي بر�أي املهند�سني املاليني �أو غريهم من االقت�صاديني‪� ،‬إذا مل‬
‫يكون ��وا من �أه ��ل االجتهاد‪ ،‬وكل ذلك ي�صب يف م�صلحة امل�ص ��ارف الإ�سالمية‪ ،‬ويحافظ‬
‫على �شرعيتها‪ ،‬ويحميها من الوقوع يف الأزمات املالية التي وقعت فيها البنوك التقليدية؛‬
‫يق ��ول الدكت ��ور رفيق امل�ص ��ري‪�«:‬إن بع� ��ض الباحثني الذي ��ن يو�صفون ب�أنه ��م باحثون يف‬
‫االقت�صاد الإ�سالمي كتبوا قبل الأزمة مطالبني ب�إباحة امل�شتقات املالية وبيع الديون‪ ،‬ولو‬
‫بطريق احليل‪ ،‬ثم ما لبثت الأزمة �أن وقعت‪ ،‬وتبني �أن امل�شتقات والديون كانتا من �أعظم‬
‫�أ�سباب وقوعها‪ ،‬فهل ي�ؤمتن ه�ؤالء الباحثون و�أمثالهم على �إيجاد اقت�صاد �إ�سالمي �سليم‬
‫وفقه مايل �صحيح»(‪.)3‬‬

‫(( ( انظر‪:‬امل�صرفية الإ�سالمية الأزمة واملخرج‪ ،‬ليو�سف كمال حممد‪� ،‬ص‪.162‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬احليل الفقهية يف املعامالت‪ ،‬لعي�سى اخللويف‪� ،‬ص‪.342-340‬‬
‫(( ( احليل الفقهية بني البوطي وابن قيم اجلوزية‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من‬
‫مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪2009-2008 ،‬م‪� ،‬ص‪.258‬‬

‫‪127‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫الرخص الشرعية‬
‫م ��ن �أبرز خ�صائ�ص الت�شري ��ع الإ�سالمي �أنه دين ال�سهول ��ة والي�سر وال�سماحة؛ قال‬
‫ال�س� � ْم َح ُة»‬ ‫النب ��ي ×‪�«:‬إِ َّن ال ِّدي � َ�ن ُي ْ�س� � ٌر»‪ ،‬وق ��ال ×‪�« :‬أَ َح � ُّ�ب ال ِّدي � ِ�ن �إِلىَ اللهَّ ِ ا َ‬
‫حلنِي ِف َّي ُة َّ‬
‫رواهما البخاري(‪ ،)1‬ومن الي�سر وال�سماحة يف الدين الإ�سالمي �أن اهلل يخفف عن عباده‬
‫عند مظنة امل�شقة العار�ضة على املكلف(‪ ،)2‬فالأحكام التي ين�ش�أ عن تطبيقها م�شقة على‬
‫املكل ��ف يف نف�س ��ه �أو مال ��ه‪ ،‬ف�إن ال�شريعة ترخ� ��ص له وتخفف عنه مب ��ا يقع حتت قدرته‬
‫دون ع�س ��ر �أو �إحراج(‪ ،)3‬وجميع هذه الرخ�ص ال�شريع ��ة وتخفيفاتها متفرعة عن قاعدة‬
‫«امل�شق ��ة جتلب التي�سري»(‪)4‬؛ «قال العلماء‪ :‬يتخرج على هذه القاعدة جميع رخ�ص ال�شرع‬
‫وتخفيفاته»(‪.)5‬‬
‫وقاع ��دة «امل�شقة جتلب التي�سري» م ��ن القواعد الكربى التي ترتك ��ز عليها ال�شريعة‬
‫الإ�سالمي ��ة‪ ،‬ف�ل�ا غرابة بع ��د ذل ��ك �أن تكون الرخ� ��ص ال�شرعي ��ة �إح ��دى الأدوات التي‬
‫ي�ستخدمه ��ا العلم ��اء ال�شرعيون وهم يبحثون ع ��ن حلول مالية لرفع امل�شق ��ة التي تواجه‬
‫امل�صارف الإ�سالمية يف �سريها لتحقيق مقا�صدها‪ ،‬ويف هذا املبحث درا�سة لهذه الأداة‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الرخ�ص ال�شرعية‬
‫الرخ�ص يف اللغة جمع رخ�صة‪ ،‬وتدل على التخفيف والتي�سري واللني وخالف ال�شدة‪،‬‬

‫�سبق تخريجهما �ص‪.66‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬امل�شقة على النف�س ال�صادرة من ذات املكلف‪ ،‬لعبدالعزيز العويد‪� ،‬ص‪.23-19‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬القواعد الكلية وال�ضوابط الفقهية‪ ،‬لعثمان �شبري‪� ،‬ص‪.191‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬القواعد والأ�صول اجلامعة‪ ،‬لعبدالرحمن ال�سعدي‪� ،‬ص‪.19‬‬ ‫(( (‬
‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي‪� ،‬ص‪ ،77‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪.64‬‬ ‫((( ‬

‫‪129‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫قال ابن فار�س(‪«:)1‬الراء واخلاء وال�صاد �أ�صل يدل على لني وخالف �شدة»(‪ ،)2‬وقال ابن‬
‫منظور(‪«:)3‬والرخ�صة‪ :‬ترخي�ص اهلل للعبد يف �أ�شياء خففها عنه»(‪.)4‬‬
‫�أما الرخ�صة يف اال�صطالح فلها عدة تعريفات؛ فقد عرفها البزدوي احلنفي(‪:)5‬بــــ«ما‬
‫ي�ستب ��اح بعذر م ��ع قيام املحرم»(‪ ،)6‬وان ُتق ��د هذا التعريف ب�أنه غري جام ��ع؛ لعدم �شموله‬
‫الرخ�ص ��ة الثابتة على خ�ل�اف دليل الن ��دب(‪ ،)7‬وب�أنه متناق�ض؛ لأن ال ��ذي �أبيح ال يكون‬
‫حراما(‪.)8‬‬
‫ً‬
‫وعرفه ��ا الغزايل‪:‬بــــ«مب ��ا و�س ��ع للمكلف يف فعل ��ه لعذر وعجز عنه م ��ع قيام ال�سبب‬
‫املحرم»(‪.)9‬‬
‫وان ُتقد هذا التعريف ب�أنه غري جامع؛ لأنه اقت�صر على الفعل‪ ،‬والرخ�صة كما قد تكون‬

‫(( ( هو �أحمد بن فار�س بن زكريا القزويني �أبو احل�سني‪ ،‬العالمة اللغوي‪ ،‬من �أئمة اللغة والأدب‪ ،‬ولد �سنة ‪329‬هـ‪� ،‬أ�صله‬
‫من قزوين و�أقام بهمذان وانتقل �إىل الري‪ ،‬له ت�صانيف من �أ�شهرها‪« :‬املجمل»‪ ،‬و «معجم مقايي�س اللغة»‪ ،‬تويف بالري‬
‫�سنة‪395‬هـ‪.‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي‪ ،103/13‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.193/1‬‬
‫((( معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.500/2‬‬
‫(( ( ه ��و حممد ب ��ن مكرم بن على‪� ،‬أبو الف�ضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور الأن�صاري االفريقى‪ ،‬الإمام اللغوي احلجة‪ ،‬ولد‬
‫مب�صر �سنة ‪ ،630‬وخدم يف ديوان الإن�شاء بالقاهرة‪ ،‬ثم ويل الق�ضاء يف طرابل�س‪ ،‬وعاد �إىل م�صر‪ ،‬ترك بخطه نحو‬
‫خم�سمائة جملد‪ ،‬من �أ�شهر م�ؤلفاته‪« :‬ل�سان العرب«‪ ،‬توفى مب�صر �سنة ‪ 711‬هـ‪.‬انظر‪ :‬بغية الوعاة يف طبقات اللغويني‬
‫والنحاة‪ ،‬لل�سيوطي ‪ ،248/1‬الأعالم للزركلي ‪.108/7‬‬
‫((( ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.40/7‬‬
‫(( ( ه ��و عل ��ي بن حممد ب ��ن احل�سني‪� ،‬أبو احل�سن الب ��زدوي‪ ،‬ولد �سن ��ة ‪400‬ه‪ ،‬وكان �إمام احلنفية مب ��ا وراء النهر‪ ،‬ومن‬
‫�أب ��رز م�ؤلفاته‪ « :‬املب�س ��وط»‪ ،‬و«كنز الأ�صول �إىل معرفة الأ�صول» املعروف ب�أ�صول البزدوي‪ ،‬وهو من �أف�ضل ما كتب يف‬
‫الأ�صول‪ ،‬تويف �سنة ‪482‬هـ‪ .‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،602/18‬اجلواهر امل�ضية‪ ،‬للقر�شي ‪.372/1‬‬
‫(( ( التقرير لأ�صول فخر الإ�سالم البزدوي‪ ،‬للبابرتي ‪.467/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬نهاية ال�سول �شرح منهاج الأ�صول‪ ،‬للأ�سنوي ‪.34/1‬‬
‫((( انظر‪:‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل ‪ ،79/1‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬للآمدي ‪.132/1‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل ‪.78/1‬‬

‫‪130‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بالفعل قد تكون بالرتك(‪ ،)1‬ولعدم �شموله الرخ�صة الثابتة على خالف دليل الندب(‪.)2‬‬
‫وكل تعريف ��ات الرخ�صة قريبة من هذين التعريفني‪ ،‬و�إن اختلفت قليلاً يف الألفاظ‪،‬‬
‫وعليها من االنتقادات ما على هذين التعريفني(‪.)3‬‬
‫و�أج ��ود تعريف للرخ�ص ��ة تعريف ال�سبكي‪ ،‬وهو‪«:‬ما تغري م ��ن احلكم ال�شرعي لعذر‬
‫�إىل �سهولة وي�سر مع قيام ال�سبب للحكم الأ�صلي»(‪.)4‬‬
‫وق ��د ج ّوده ال�شنقيطي‪ ،‬فقال‪«:‬ومن �أجود تعاريف الرخ�صة‪ ،‬ما عرفها به بع�ض �أهل‬
‫الأ�ص ��ول من �أنها ه ��ي احلكم ال�شرعي الذي غ�ي�ر من �صعوبة �إىل �سهول ��ة لعذر اقت�ضى‬
‫ذلك‪ ،‬مع قيام �سبب احلكم الأ�صلي»(‪.)5‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام الرخ�ص ال�شرعية‬
‫لقد ق�سم العلماء الرخ�صة عدة تق�سيمات‪ ،‬من �أهمها‪:‬‬
‫�أوال‪:‬تق�سيم الرخ�صة باعتبار الفعل والرتك‪:‬‬
‫تنق�سم الرخ�صة باعتبار الفعل والرتك ق�سمني‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬رخ�صة فعل؛ ك�إجراء كلمة الكفر على الل�سان مع اطمئنان القلب �إىل‬
‫الإميان عند الإكراه‪ ،‬وكامل�ضطر اىل اكل امليتة(‪.)6‬‬
‫الق�س ��م الثاين‪ :‬رخ�ص ��ة ترك؛ كالفط ��ر والق�صر للم�سافر‪ ،‬وت ��رك الأمر باملعروف‬
‫والنهي عن املنكر حالة اخلوف(‪.)7‬‬
‫انظر‪ :‬االبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لل�سبكي ‪.82/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬نهاية ال�سول �شرح منهاج الأ�صول‪ ،‬للأ�سنوي ‪.34/1‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الرخ�ص ال�شرعية و�إثباتها بالقيا�س‪ ،‬لعبدالكرمي النملة‪� ،‬ص‪.44-10‬‬ ‫(( (‬
‫رفع احلاجب عن خمت�صر ابن احلاجب‪ ،‬لل�سبكي ‪.26/2‬‬ ‫((( ‬
‫مذكرة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لل�شنقيطي‪� ،‬ص‪.60‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬أ�صول ال�شا�شي‪� ،‬ص‪ ،385‬الأ�صول وال�ضوابط‪ ،‬للنووي‪� ،‬ص‪.37‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الأ�صول وال�ضوابط‪ ،‬للنووي‪� ،‬ص‪ ،38‬الرخ�ص يف املعامالت وفقه الأ�سرة‪ ،‬ملحمد �أبا اخليل‪� ،‬ص‪.76‬‬ ‫((( ‬

‫‪131‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ثان ًيا‪ :‬تق�سيم الرخ�ص باعتبار احلكم‪:‬‬


‫تنق�سم الرخ�ص باعتبار احلكم ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫الق�س ��م الأول‪ :‬رخ�ص ��ة واجبة؛ ك�إ�ساغة اللقمة باخلمر ملن غ�ص باللقمة‪ ،‬وكتناول‬
‫امليتة للم�ضطر(‪.)1‬‬
‫الق�س ��م الث ��اين‪ :‬رخ�ص ��ة مندوب ��ة؛ كق�صر ال�ص�ل�اة للم�سافر‪ ،‬والإب ��راد يف �صالة‬
‫الظهر يف �شدة احلر(‪.)2‬‬
‫الق�سم الثالث‪ :‬رخ�صة مباحة؛ كاجلمع بني ال�صالتني يف غري عرفة ومزدلفة‪ ،‬وبيع‬
‫العرايا(‪.)3‬‬
‫أق�ساما للرخ�صة‪ ،‬وهي‪ :‬رخ�صة حمرمة‪ ،‬ورخ�صة مكروهة‪،‬‬ ‫وقد زاد بع�ض الأ�صوليني � ً‬
‫ورخ�ص ��ة خالف �أوىل(‪� ،)4‬إال �أن �أكرث الأ�صوليني يكتف ��ون بالأق�سام الثالثة الأوىل(‪ ،)5‬بل‬
‫َن�س ��ب الزرك�شي هذا التق�سيم �إىل جمي ��ع الأ�صوليني‪ ،‬فقال‪«:‬اعل ��م �أن جميع الأ�صوليني‬
‫يق�سم ��ون الرخ�صة �إىل الأق�س ��ام الثالثة املذكورة»(‪ .)6‬فالرخ�ص ��ة «ال تكون حمرمة‪ ،‬وال‬
‫مكروهة»(‪ ،)7‬وال خالف �أوىل؛ لأن الرخ�صة م�شروعة‪ ،‬وهذه الأو�صاف غري م�شروعة‪ ،‬وال‬
‫اجتماع بينها‪ ،‬وال توجد �أمثلة �صحيحة عند من ذكر هذه الأق�سام‪.‬‬
‫والأ�ص ��ل يف الرخ�صة �أال يو�صف به ��ا �إال الإباحة‪ ،‬ولكن قد يعر�ض للحكم املو�صوف‬
‫ب�أن ��ه رخ�صة م ��ا يجعله واج ًبا‪� ،‬أو مندو ًب ��ا(‪ ،)8‬قال ال�سبكي‪«:‬واعل ��م �أن الإيجاب والندب‬

‫انظر‪:‬البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪� ،34/2‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف ‪.465/1‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬التمهيد‪ ،‬للإ�سنوي‪� ،‬ص‪ ،73-72‬املهذب‪ ،‬للنملة ‪.456/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬التمهيد‪ ،‬للإ�سنوي‪� ،‬ص‪� ،73‬شرح الكوكب املنري‪ ،‬البن النجار ‪.480/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬غاية الو�صول‪ ،‬لل�سنيكي‪� ،‬ص‪ ،19‬التمهيد‪ ،‬للإ�سنوي‪� ،‬ص‪ ،73‬املهذب‪ ،‬للنملة ‪.459-458/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬نهاية ال�سول‪ ،‬للإ�سنوي ‪ ،34/1‬بيان املخت�صر‪ ،‬للأ�صفهاين ‪.412/1‬‬ ‫((( ‬
‫البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪.36/2‬‬ ‫((( ‬
‫التحبري �شرح التحرير‪ ،‬للمرداوي ‪.1122/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪�:‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله‪ ،‬لل�سلمي‪� ،‬ص‪.63‬‬ ‫(( (‬

‫‪132‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وا�ستواء الطرفني �أو‪ ‬رجحان �أحدهما �أمر زائد على معنى الرخ�صة؛ لأن معناها التي�سري؛‬
‫وذلك بح�صول اجلواز للفعل �أو الرتك‪ ،‬يرخ�ص يف احلرام بالإذن يف فعله‪ ،‬ويف الواجب‬
‫بالإذن يف تركه‪ ،‬و�أدلة الوجوب والندب وغريها ت�ؤخذ من �أدلة �أخرى»(‪.)1‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬تق�سيم الرخ�صة باعتبار العموم واخل�صو�ص‪:‬‬
‫تنق�سم الرخ�صة باعتبار العموم واخل�صو�ص �إىل رخ�صة عامة‪ ،‬ورخ�صة خا�صة(‪،)2‬‬
‫�إال �أن ابن عا�شور ق�سمها باعتبار عمومها وخ�صو�صها مع اطرادها وتوقيتها ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪:‬رخ�صة عامة مطردة؛ كانت �سبب ت�شريع عام‪ ،‬م�ستثناة من �أ�صل كان‬
‫�ش�أنه املنع؛ كال�سلم(‪.)3‬‬
‫الق�س ��م الثاين‪ :‬رخ�صة خا�ص ��ة م�ؤقتة؛ وهذه �أكرث الرخ�ص التي يكتفي الأ�صوليون‬
‫ب�ضرب الأمثلة لها؛ كمن ا�ضطر لأكل امليتة(‪.)4‬‬
‫الق�س ��م الثال ��ث‪ :‬رخ�ص ��ة عام ��ة م�ؤقت ��ة؛ «وذل ��ك �أن يعر� ��ض اال�ضط ��رار للأمة �أو‬
‫طائفة عظيمة منه ��ا‪ ،‬ي�ستدعي �إباحة الفعل املمنوع لتحقيق مق�صد �شرعي؛ مثل �سالمة‬
‫الأم ��ة‪ ،‬و�إبق ��اء قوتها‪� ،‬أو نح ��و ذلك»(‪ ،)5‬ومثل الك ��راء امل�ؤبد الذي جرت ب ��ه فتوى بع�ض‬
‫علم ��اء الأندل� ��س يف �أر�ض الوقف عندما زهد النا� ��س يف كرائها لق�صر املدة التي تكرتي‬
‫�أر�ض الوقف ملثلها‪ ،‬وكرثة التكلفة التي حتتاجها الأر�ض للعمل فيها‪ ،‬ف�أفتى بع�ض العلماء‬
‫بالكراء امل�ؤبد‪ ،‬ور�أوا �أن الت�أبيد ال غرر فيه؛ لأنها باقية غري زائلة(‪.)6‬‬

‫الإبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لل�سبكي ‪.82/1‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬قواعد ابن رجب‪� ،‬ص‪.9‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.380‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.381‬‬ ‫((( ‬
‫مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.381‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور ‪� ،‬ص‪.382-381‬‬ ‫(( (‬

‫‪133‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثالث‪� :‬أ�سباب الرخ�ص ال�شرعية‬


‫�أك�ث�ر الكتب الأ�صولية تذكر �أمثل ��ة للرخ�ص دون ح�صر لأ�سباب الرخ�ص ال�شرعية‪،‬‬
‫فتُمث ��ل باملر�ض‪ ،‬وال�سف ��ر‪ ،‬والإكراه عل ��ى كلمة الكف ��ر‪ ،‬واال�ضطرار لأكل امليت ��ة(‪ ،)1‬وقد‬
‫ح ��اول بع�ض الأ�صوليني ح�صر �أ�سباب الرخ� ��ص‪ ،‬فذكر ال�سيوطي وابن جنيم �أن �أ�سباب‬
‫التخفي ��ف يف العبادات وغريها �سبع ��ة‪ :‬ال�سفر‪ ،‬واملر�ض‪ ،‬والإك ��راه‪ ،‬والن�سيان‪ ،‬واجلهل‪،‬‬
‫وعم ��وم البل ��وى‪ ،‬والنق� ��ص(‪ ،)2‬وزاد بع�ضه ��م عليه ��ا ثالث ��ة �أ�سب ��اب‪ ،‬وه ��ي‪ :‬ال�ضرورة‪،‬‬
‫وامل�شق ��ة‪ ،‬واخلط� ��أ(‪ ،)3‬وزاد بع�ضهم عليها �سب ًبا راب ًعا وه ��و‪ :‬احلاجة(‪ ،)4‬وذكر ال�سيوطي‬
‫�أن الأ�سباب التي ترخ�ص يف ترك اجلماعة نحو �أربعني �سب ًبا(‪ ،)5‬وكل هذه الأ�سباب التي‬
‫ذكره ��ا العلماء وغريها تعود �إىل امل�شق ��ة‪ ،‬قال ال�شاطبي‪�«:‬إن �سبب الرخ�صة امل�شقة»(‪،)6‬‬
‫فامل�شق ��ة ه ��ي �سبب الرخ�صة‪ ،‬وهي �إم ��ا �أن ت�صل �إىل درجة ال�ض ��رورة‪� ،‬أو ال ت�صل �إليها‬
‫فتك ��ون حاجية‪ ،‬قال الطويف‪«:‬قد يكون �سبب الرخ�ص ��ة اختيار ًيا؛ كال�سفر‪ ،‬وا�ضطرار ًيا؛‬
‫كاالغت�صا�ص باللقمة املبيح ل�شرب اخلمر»(‪.)7‬‬
‫وعلى ذلك ميكن تق�سيم �أ�سباب الرخ�صة �إىل ق�سمني رئي�سني‪:‬‬
‫الق�س ��م الأول‪ :‬ال�ض ��رورة؛ ويدخ ��ل في ��ه النط ��ق بكلم ��ة الكفر ملن �أك ��ره على ذلك‪،‬‬
‫واملري� ��ض �إذا كان املر�ض ي�ؤدي ب ��ه �إىل الهالك �إن مل يرتخ�ص‪ ،‬و�شرب اخلمر ملن غ�ص‬

‫انظر‪ :‬التقرير لأ�صول فخر الإ�سالم البزدوي‪ ،‬للبابرتي ‪� ،44-12/4‬شرح تنقيح الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪.85‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي‪� ،‬ص‪ ،80-77‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪.70-64‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الرخ�ص ال�شرعية‪ ،‬لأ�سامة ال�صالبي‪� ،‬ص‪.333-144‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الرخ�ص يف املعامالت املالية وفقه الأ�سرة‪ ،‬ملحمد �أبا اخليل‪� ،‬ص‪.75-48‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي‪� ،‬ص‪.439‬‬ ‫((( ‬
‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.484/1‬‬ ‫((( ‬
‫�شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف ‪.466/1‬‬ ‫((( ‬

‫‪134‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫باللقم ��ة ومل يكن عنده �إال اخلمر(‪ ،)1‬وكل م�شقة ت�ؤدي �إىل الهالك �إن مل يرتخ�ص تدخل‬
‫حتت هذا الق�سم‪.‬‬
‫الق�س ��م الث ��اين‪ :‬احلاج ��ة؛ ويدخ ��ل في ��ه ال�سف ��ر‪ ،‬والن�سي ��ان‪ ،‬واجله ��ل‪ ،‬واخلط� ��أ‪،‬‬
‫والنق� ��ص‪ ،‬وعموم البلوى‪ ،‬ومن كان مر�ضه ال ي�ؤدي به �إىل الهالك �إذا مل يرتخ�ص‪ ،‬فكل‬
‫هذه الأ�سباب يقع على النا�س م�شقة لو مل يرخ�ص لهم بها‪ ،‬وهذه امل�شقة ال ت�صل بهم �إىل‬
‫درج ��ة الهالك وال�ضرورة‪ ،‬وكل ما ي� ��ؤدي �إىل م�شقة وحرج وال ي�صل �إىل درجة ال�ضرورة‬
‫يدخل حتت هذا الق�سم‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬أدلة الرخ�ص ال�شرعية‬
‫للرخ�ص ال�شرعية �أدلة كثرية من الكتاب وال�سنة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬الآيات الكثرية التي تدل على التي�سري‪ ،‬والتخفيف‪ ،‬ورفع احلرج عن‬
‫الأمة؛ كقول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ (‪.)2‬‬
‫وقوله‪ :‬ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ (‪.)3‬‬
‫وقوله‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وجه الداللة من الآيات‪� :‬أن الآيات تدل على �أن اهلل يريد �أن يي�سر وي�سهل على عباده‬
‫الط ��رق املو�صلة �إىل ر�ضوانه �أعظم تي�سري؛ لي�سهل �سلوكه ��ا‪ ،‬ولهذا ف�إن جميع الأوامر ال‬
‫ت�شق على املكلفني‪ ،‬و�إذا ح�صل بع�ض امل�شاق والعجز خفف ال�شارع من الواجبات بح�سب‬
‫ما ينا�سب ذلك‪ ،‬فيدخل يف هذا جميع التخفيفات‪ ،‬والرخ�ص ال�شرعية(‪.)5‬‬

‫انظر‪� :‬شرح تنقيح الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪.85‬‬ ‫(( (‬


‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.185‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.28‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.286‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تي�سري اللطيف املنان‪ ،‬لل�سعدي‪� ،‬ص‪.94-93‬‬ ‫(( (‬

‫‪135‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الثاين‪:‬الأحادي ��ث النبوية الكث�ي�رة الدالة على التي�س�ي�ر والتخفيف؛ كقول‬
‫ال�س ْم َح ُة» رواه البخاري(‪.)1‬‬ ‫حلنِي ِف َّي ُة َّ‬ ‫ِّين �إِلىَ اللهَّ ِ ا َ‬ ‫النبي×‪�« :‬أَ َح ُّب الد ِ‬
‫ِّين �أَ َح ٌد �إِلاَّ‬ ‫وعن �أبي هريرة ‪ ‬عن النبي × قال‪�«:‬إِ َّن الد َ‬
‫ِّين ُي ْ�س ٌر‪َ ،‬و َلنْ ُي َ�شا َّد الد َ‬
‫َغلَ َب ُه‪َ ،‬ف َ�س ِّددُوا َو َقا ِر ُبوا‪َ ،‬و�أَ ْب�شِ ُروا‪َ ،‬و ْا�س َتعِي ُنوا ِبا ْل َغ ْد َو ِة َوال َّر ْو َح ِة َو َ�ش ْي ٍء مِ َن الدُّ لجْ َ ةِ»رواه‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫�ول اللهَّ ِ × َب�ْيأنْ َ �أَ ْم َر ْي ِن ِ�إلاَّ‬
‫وع ��ن عائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪� ،‬أنها قالت‪َ « :‬ما ُخيرِّ َ َر ُ�س � ُ‬
‫ا�س مِ ْن ُه‪َ ،‬و َما ا ْن َت َق َم َر ُ�س � ُ‬
‫�ول‬ ‫ل َي ُك ��نْ �إِ ْث ًما‪َ ،‬ف�إِ ْن َكا َن ِ�إ ْث ًما َكا َن �أَ ْب َع َد ال َّن ِ‬‫�أَ َخ� � َذ �أَ ْي َ�س� � َرهُ َما‪َ ،‬ما مَ ْ‬
‫اللهَّ ِ × ِل َن ْف�سِ ِه �إِلاَّ �أَ ْن ُت ْن َته ََك ُح ْر َم ُة اللهَّ ِ‪َ ،‬ف َي ْن َت ِق َم للِهَّ ِ ِبهَا» متفق عليه(‪.)3‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الأحاديث‪ :‬يف هذه الأحاديث يبني النبي × �سماحة هذا الدين‬
‫وي�سره‪ ،‬وتبني عائ�شة ر�ضي اهلل عنها �أن هدي النبي × اختيار الأي�سر ما مل يكن �إث ًما‪،‬‬
‫والرخ�ص ال�شرعية م ��ن ال�سماحة والتي�سري على عباد اهلل(‪ ،)4‬بل يف الأحاديث «الإ�شارة‬
‫�إىل الأخذ بالرخ�صة ال�شرعية ف�إن الأخذ بالعزمية يف مو�ضع الرخ�صة تنطع»(‪.)5‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬الأدلة الكثرية من الكتاب وال�سنة الت ��ي تدل على بع�ض الرخ�ص‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪-1‬الرخ�صة للمكره على النطق بكلمة الكفر؛ قال اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ (‪.)6‬‬

‫�سبق تخريجه �ص‪.65‬‬ ‫((( ‬


‫�سبق تخريجه �ص‪.65‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه �ص‪.66‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن رجب ‪.281/2‬‬ ‫((( ‬
‫فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.94/1‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة النحل‪ ،‬الآية ‪.106‬‬ ‫((( ‬

‫‪136‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -2‬الرخ�ص ��ة للم�ضط ��ر بالأكل من املحرمات؛ ق ��ال اهلل تعاىل ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬


‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮊ (‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الرخ�ص ��ة للمري�ض وامل�سافر بالإفطار يف رم�ضان؛ قال اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ (‪.)2‬‬
‫‪ -4‬الرخ�ص ��ة للم�سافر بق�ص ��ر ال�صالة؛ قال اهلل تع ��اىل ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﮊ (‪.)3‬‬
‫‪ -5‬الرخ�ص ��ة مل ��ن �أكل وهو نا� ��س يف رم�ضان �أن يت ��م �صومه؛ عن �أب ��ي هريرة ‪‬‬
‫ن ��ا �أَ ْط َع َم ُه اللهَّ ُ‬
‫ق ��ال‪ ،‬ق ��ال ر�سول اهلل ×‪�«:‬إِ َذا َن�سِ � َ�ي َف� ��أَ َك َل َو َ�ش� �ر َِب‪َ ،‬ف ْل ُي ِت� � َّم َ�ص� � ْو َم ُه‪َ ،‬ف�إِ مَّ َ‬
‫َو َ�س َقاهُ»متفق عليه(‪.)4‬‬
‫�ص يِف‬ ‫‪ -6‬الرخ�ص ��ة يف العراي ��ا؛ ع ��ن زيد ب ��ن ثاب ��ت ‪�« :‬أَ َّن َر ُ�س ��و َل اللهَّ ِ × َر َّخ َ‬
‫ال َع َرا َيا �أَ ْن ُت َبا َع ِب َخ ْر ِ�صهَا َك ْيلاً » متفق عليه(‪.)5‬‬
‫�ص‬ ‫‪ -7‬الرخ�ص ��ة للحائ�ض �أن ترتك طواف الوداع؛ عن اب ��ن عبا�س‪ ،‬قال‪ُ « :‬ر ِّخ َ‬
‫ا�ضتْ » رواه البخاري(‪.)6‬‬ ‫ِ�ض �أَ ْن َت ْن ِف َر ِ�إ َذا َح َ‬
‫ِل ْل َحائ ِ‬
‫�ص ال َّن ِب ُّي‬ ‫‪ -8‬الرخ�ص ��ة يف لب� ��س احلرير ملن احتاج �إليه؛ عن �أن�س ‪ ،‬ق ��ال‪َ « :‬ر َّخ َ‬

‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.173‬‬


‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.184‬‬
‫((( �سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.101‬‬
‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب ال�صوم‪ ،‬باب ال�صائم �إذا �أكل �أو �شرب نا�س ًيا‪ ،‬برق ��م‪ ،1933‬وم�سلم‪ ،‬كتاب ال�صيام‪ ،‬باب �أكل‬
‫النا�سي و�شربه وجماعه ال يفطر‪ ،‬برقم‪.1155‬‬
‫((( رواه البخ ��اري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب تف�س�ي�ر العرايا‪ ،‬برقم‪ ،2192‬وم�سلم‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب حترمي بيع الرطب بالتمر‬
‫�إال يف العرايا‪ ،‬برقم‪.1539‬‬
‫(( ( كتاب احلي�ض‪ ،‬باب املر�أة حتي�ض بعد الإفا�ضة‪ ،‬برقم‪.328‬‬

‫‪137‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫× لِل ُّز َبيرْ ِ َو َع ْبدِ ال َّر ْح َم ِن يِف ُل ْب ِ�س ا َ‬


‫حلرِيرِ‪ ،‬لحِ ِ َّك ٍة ِب ِه َما» متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن هذه الأدلة‪ :‬كل ه ��ذه الأدلة تدل على م�شروعي ��ة الرخ�ص‪ ،‬و�أن‬
‫ال�شريعة تخفف على امل�سلم وترخ�ص له متى ما وجدت امل�شقة‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬عن ابن عمر‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪� « :‬إِ َّن َ‬
‫اهلل ُيحِ ُّب �أَ ْن ُت�ؤْ َتى‬
‫ُر َخ ُ�ص ُه‪َ ،‬ك َما َي ْك َر ُه �أَ ْن ُت�ؤْ َتى َم ْع ِ�ص َي ُت ُه» رواه �أحمد(‪.)2‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪ :‬يف احلديث داللة على م�شروعي ��ة الرخ�ص‪ ،‬و«�أن اهلل‬
‫يح ��ب �إتيان ما �شرعه من الرخ�ص‪ ،‬ويف ت�شبيه تلك املحبة بكراهته لإتيان املع�صية دليل‬
‫على �أن يف ترك �إتيان الرخ�صة ترك طاعة‪ ،‬كالرتك للطاعة احلا�صل ب�إتيان املع�صية»(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل اخلام�س‪ :‬الإجماع القائم من ع�صر ال�صحابة �إىل ع�صرنا على م�شروعية‬
‫الرخ�ص التي جاءت بها ال�شريعة‪ ،‬دون �إنكار من �أحد من العلماء‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬العالقة بني الرخ�ص ال�شرعية وتتبع رخ�ص املذاهب‬
‫يق�ص ��د بتتبع رخ�ص املذاه ��ب �أن ي�أخذ ال�شخ�ص من كل مذه ��ب ما هو �أهون عليه‬
‫نظر يف الأدلة(‪.)4‬‬
‫و�أي�سر فيما يطر�أ عليه من امل�سائل دون ٍ‬
‫والرخ�ص ال�شرعية جتتمع‪ ،‬مع تتبع رخ�ص املذاهب‪ ،‬يف �أن كلاً منهما �أخذ بالأ�سهل‪،‬‬

‫(( ( رواه البخاري‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب ما يرخ�ص للرجال من احلرير للحكة‪ ،‬برقم‪ ،5839‬وم�سلم‪ ،‬كتاب اللبا�س والزينة‪،‬‬
‫باب �إباحة لب�س احلرير للرجل �إذا كان به حكة �أو نحوها‪ ،‬برقم ‪.2076‬‬
‫(( ( م�سند عبداهلل بن عمر ‪ ،‬برقم‪ .5866‬واحلديث من رواية عمارة بن غزية عن حرب بن قي�س عن نافع‪ ،‬ومل �أجد‬
‫متاب ًع ��ا لعم ��ارة وال حلرب‪ ،‬وقد جاء يف �أطراف الغرائب والأفراد عن هذا احلديث‪«:‬تفرد به حرب بن قي�س عنه‪�-‬أي‬
‫ع ��ن ناف ��ع‪ ،»-‬ومثلهم ��ا ال يحتمل التفرد‪ ،‬وح ��رب بن قي�س جمهول احل ��ال؛ فلم يوثقه غري ابن حب ��ان‪ .‬انظر‪ :‬اجلرح‬
‫والتعدي ��ل البن �أبي ح ��امت ‪� ،368/6‬أطراف الغرائب والأف ��راد‪ ،‬البن القي�سراين ‪ ،446/3‬مي ��زان االعتدال‪ ،‬للذهبي‬
‫‪ ،178/3‬الثقات‪ ،‬البن حبان ‪.230/6‬‬
‫((( نيل الأوطار‪ ،‬لل�شوكاين ‪.244/3‬‬
‫((( �أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي ‪ .431/2‬وانظر‪ :‬التقرير والتحبري‪،‬البن �أمري احلاج ‪.351/3‬‬

‫‪138‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�إال �أنهم ��ا يختلفان يف �أن الرخ�ص ال�شرعية يكون الأخ ��ذ بالأ�سهل فيها مبن ًيا على دليل‪،‬‬
‫�أم ��ا تتب ��ع رخ�ص املذاهب فال يكون الأخذ بالأ�سهل فيها مبن ًيا على دليل‪ ،‬بل يكون الأخذ‬
‫بالق ��ول الأ�سهل ملجرد البحث عن التي�س�ي�ر والتخفيف دون نظر يف الأدلة؛ لذلك حرمها‬
‫كثري من العلماء‪ ،‬بل ُنقل الإجماع على حترميها(‪.)1‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪:‬الرخ�ص ال�شرعية والهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫ت�ستخدم امل�صارف الإ�سالمية يف هند�ستها للعقود الرخ�ص ال�شرعية؛ وذلك عندما‬
‫ترى �أن هناك م�شقة تواجه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬وال ميكن جتاوزها �إال بهذه الرخ�صة؛‬
‫وم ��ن ذل ��ك �أن هيئة الرقابة ال�شرعي ��ة لبنك في�صل الإ�سالم ��ي يف ال�سودان ترى حترمي‬
‫الت�أم�ي�ن التج ��اري؛ لكونه من الغرر‪ ،‬ومع ذلك يف الفتوى رق ��م ‪16‬و‪� ،17‬أجازت ل�شركات‬
‫الت�أم�ي�ن التعاوين �إعادة الت�أمني لدى �شركات الت�أم�ي�ن التجاري؛ لوجود احلاجة املتعينة‬
‫كم ��ا قدر خرباء البن ��ك‪ ،‬وا�شرتطت بع� ��ض ال�ش ��روط لت�ضبط هذه الرخ�ص ��ة(‪ ،)2‬وهذه‬
‫الرخ�صة عامة م�ؤقتة‪ ،‬و�سببها احلاجة‪ ،‬فمتى وجدت �شركات �إعادة ت�أمني تعاوين تزول‬
‫هذه احلاجة‪ ،‬ويعود احلكم للمنع‪.‬‬
‫�إال �أن هن ��اك تو�س ًعا يف دعوى احلاجة عن ��د بع�ض العلماء مما جعلهم يرخ�صون يف‬
‫الرب ��ا ا�ستنادًا على احلاج ��ة(‪ ،)3‬دون مراعاة ل�ضوابط احلاج ��ة؛ فاحلاجة لي�ست جمرد‬
‫(( ( اختلف العلماء يف حكم تتبع رخ�ص املذاهب على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن تتبع رخ�ص املذاهب يجوز مطل ًقا‪ ،‬اختاره ابن الهمام‪ ،‬والعز بن عبدال�سالم‪.‬‬
‫القول الثاين‪�:‬أن تتبع رخ�ص املذاهب جائز ب�شروط‪ ،‬اختاره القرايف‪ ،‬و�صدر به قرار جممع الفقه الإ�سالمي‪.‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أن تتبع رخ�ص املذاهب ال يجوز مطل ًقا‪ ،‬اختاره الأكرث‪ ،‬بل نقل الإجماع على ذلك ابن حزم وابن عبدالرب‪.‬‬
‫انظ ��ر‪ :‬فتاوى �شيخ الإ�سالم عز الدين ب ��ن عبدال�سالم‪� ،‬ص‪ ،288‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪� ،258/7‬شرح تنقيح الف�صول‪،‬‬
‫للق ��رايف � ��ص‪ ،432‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،99/5‬قرار جممع الفقه الإ�سالمي التاب ��ع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي بجدة‪،‬‬
‫العدد ‪ ،8‬رقم ‪ ،1/74‬مراتب الإجماع‪ ،‬البن حزم‪� ،‬ص‪ ،175‬جامع بيان العلم وف�ضله البن عبدالرب ‪.927/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الت�أمني و�إعادة الت�أمني‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين‪� ،‬ص‪.381‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى حممد ر�شيد ر�ضا ‪ ،608-607/2‬الفتاوى‪ ،‬ملحمود �شلتوت‪� ،‬ص‪.308-306‬‬

‫‪139‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫التطلع �إىل ال�شيء �أو الرغبة فيه �أو الت�شوف له(‪ ،)1‬بل البد من �ضوابط ت�ضبطها‪ ،‬والذي‬
‫ينبغي عل ��ى الفقهاء الذين يراعون م�صلحة امل�ص ��ارف الإ�سالمية‪ ،‬ويبحثون عن �أدوات‬
‫حت ��ل م�شاكله ��ا �أن يراعوا �أمو ًرا قبل �أن يرخ�صوا يف عقد حم ��رم ا�ستنادًا على احلاجة‪،‬‬
‫وهذه الأمور هي‪:‬‬
‫الأم ��ر الأول‪ :‬النظ ��ر �إىل مرتبة الأمر املنهي عنه‪ ،‬فم ��ا كان يف مرتبة عليا؛ كالربا‬
‫ف�ل�ا ت�ؤث ��ر فيه احلاج ��ة‪ ،‬وال جتيز منه ال قلي�ًل�ااً وال كث ًريا(‪ ،)2‬وم ��ا كان يف مرتبة و�سطى؛‬
‫كالغ ��رر فت�ؤثر فيه احلاجة ب�شروط(‪ ،)3‬فاحلاجة ال ت�ؤثر فيما ثبت النهي عنه ب�أدلة قوية‪،‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص‪.480‬‬


‫(( ( انظ ��ر‪ :‬الت ��اج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪ .230/6‬يرى بع�ض �أهل العل ��م �أن احلاجة جتيز ربا الف�ضل م�ستدلني ب�أن حترمي ربا‬
‫الف�ض ��ل من باب حترمي الو�سائل ال املقا�صد‪ ،‬وحترمي الو�سائل يج ��وز للحاجة‪ ،‬و�أن ال�شريعة �أجازت العرايا للحاجة؛‬
‫وه ��ي م ��ن ربا الف�ض ��ل‪ ،‬وال ي�سلم لهم ذلك؛ فتحرمي رب ��ا الف�ضل من باب حترمي املقا�ص ��د ال الو�سائل؛ وقد جاء عند‬
‫‪«:‬منْ �أَ ْينَ‬
‫البخ ��اري م ��ن حديث �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬قال‪َ :‬جا َء ِب�ل َ�ا ٌل ِ�إلىَ ال َّن ِب ِّي × ِب َت ْم ٍر َب ْرنيِ ٍّ ‪َ ،‬ف َق َال َل� � ُه ال َّن ِب ُّي × ِ‬
‫�ال ِب َال ٌل‪َ :‬كانَ ِع ْندَ َنا تمَ ْ ٌر َر ِد ٌّي‪َ ،‬ف ِب ْعتُ ِم ْن� � ُه َ�ص َاعينْ ِ ِب َ�ص ٍاع‪ِ ،‬ل ُن ْط ِع َم ال َّن ِب َّي × ‪َ ،‬ف َق َال ال َّن ِب ُّي × ِع ْندَ َذ ِل َك‪:‬‬
‫هَ � َ�ذا؟» ‪َ ،‬ق � َ‬
‫«�أَ َّو ْه �أَ َّو ْه‪َ ،‬ع�ْيُنْ ُ ال ِّر َب ��ا َعينْ ُ ال ِّر َبا‪َ ،‬ال َت ْف َع ْل»‪ ،‬ون�ص النبي × على �أنه عني الربا مع الت�أوه وهو من ربا الف�ضل داللة على‬
‫�أن حترمي ��ه حترمي مقا�صد ال و�سائ ��ل‪ ،‬و�أما اال�ستدالل بالعرايا‪ ،‬فالنبي × مع حاجة النا�س لها مل يرخ�ص �أن يباع‬
‫الرط ��ب بالتم ��ر مع العلم بالتفا�ضل‪ ،‬بل رخ�ص يف العرايا �أن تب ��اع بخر�صها‪ ،‬واخلر�ص يكون عن طريق �أهل اخلربة‬
‫وقلم ��ا يخطيء اخلار�ص ‪�-‬إن كان من �أه ��ل اخلربة‪ -‬يف تقديرها‪ ،‬خا�صة �أن النبي × حددها بخم�سة �أو�سق‪ ،‬وهذا‬
‫الق ��در قلي ��ل عند �أهل اخل�ب�رة يندر خط�أهم يف تقديره‪ ،‬ويغل ��ب على الظن �أن البيع يتم متماث�ل�ا‪ ،‬وهذه القيود التي‬
‫و�ضعه ��ا النب ��ي × للعرايا مع حاجة النا�س تدل على �أن حترمي ربا الف�ضل من باب حترمي املقا�صد‪ ،‬وعلى فر�ض �أن‬
‫معلوما‪ ،‬فالعرايا تدل على �أن ��ه �إذا كانت هناك حاجة وتعذر العلم بالتماثل ف�إنه يجوز التبادل‬ ‫هن ��اك تفا�ضلاً فلي�س ً‬
‫بني اجلن�س الربوي مبثله �إذا غلب على الظن وجود التماثل‪ ،‬وال داللة يف العرايا على جواز التبادل بني اجلن�س الربوي‬
‫مبثله مع العلم بالتفا�ضل‪ .‬ومن �أراد �أن يقي�س غري العرايا على العرايا فلرياع هذه القيود التي و�ضعها النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�سلم‪ .‬انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،428/29 ،109/25‬تف�سري �آيات �أ�شكلت‪ ،‬البن تيمية ‪� ،625/2‬إعالم‬
‫املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪ ،107 ،104/2‬مقا�صد الأحكام املالية عند ابن القيم‪ ،‬ملحمد اليحيى‪� ،‬ص‪.504‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الفتوى وفقه الأقليات‪ ،‬البن بيه‪� ،‬ص‪.225‬‬

‫‪140‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بحي ��ث تع ��د مرتبة قوية م ��ن مراتب النهي‪ ،‬فال ت�ؤث ��ر يف حتليل اخلم ��ر‪ ،‬وامليتة‪ ،‬والدم‪،‬‬
‫ب ��ل ت�ؤث ��ر يف عموم �ضعيف كرثت �أفراده‪ ،‬وتناوله التخ�صي� ��ص‪ ،‬وت�ؤثر يف مرتبة املنهيات‬
‫التي ال تو�صف ب�أنها يف �أعلى درجات املنهيات‪ ،‬فمن املعلوم �أن حمرمات املقا�صد لي�ست‬
‫كمحرم ��ات الو�سائ ��ل‪ ،‬ف ��الأوىل ال تبيحه ��ا �إال ال�ض ��رورة اخلا�صة‪ ،‬بينم ��ا تت�أثر الأخرية‬
‫باحلاج ��ة املنزل ��ة منزلة ال�ضرورة‪ ،‬وت�ؤث ��ر احلاجة يف بع�ض العموم ��ات وبع�ض املنهيات‬
‫الأق ��ل قوة‪ ،‬وهذه فروق دقيق ��ة توزن مبيزان دقيق‪ ،‬بحيث يالح ��ظ الفقيه �أن ال�شارع مل‬
‫ي�ش ��دد فيها‪ ،‬فلي�ست حرم ��ة الربا كحرمة القمار‪ ،‬واملي�سر‪ ،‬والغ ��رر‪ ،‬فالربا �أ�شد(‪ ،)1‬قال‬
‫اب ��ن تيمية‪«:‬وحترمي الرب ��ا �أ�شد من حترمي املي�سر الذي هو القم ��ار»(‪ .)2‬وقال‪«:‬وقد �أباح‬
‫أنواعا من الغرر للحاجة ‪...‬و�أما الربا فلم يبح من ��ه»(‪ .)3‬وقال‪« :‬ومف�سدة الغرر‬ ‫ال�ش ��ارع � ً‬
‫�أق ��ل من الربا‪ ،‬فلذل ��ك رخ�ص فيما تدعو �إليه احلاجة منه‪ ،‬ف�إن حترميه �أ�شد �ضر ًرا من‬
‫�ضرر كونه غر ًرا»(‪.)4‬‬
‫الأم ��ر الث ��اين‪� :‬أن تتواف ��ر احلاجة �إىل ه ��ذا العقد؛ بحيث تف ��وت م�صلحة �شرعية‬
‫بفواته‪ ،‬ولو مل يبا�شر النا�س هذا العقد لوقعوا يف م�شقة وحرج(‪.)5‬‬
‫الأم ��ر الثال ��ث‪� :‬أن تكون احلاجة �إىل هذا العقد متعين ��ة؛ بحيث ال يتمكن اخلال�ص‬
‫من حاجته ب�أمر م�شروع(‪ ،)6‬فعلى الت�سليم ب�أنه‪�«:‬إن كانت هناك حاجة �إىل العقد مل ي�ؤثر‬

‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الفتوى وفقه الأقليات‪ ،‬البن بيه ‪� ،‬ص‪.231-230‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪.341/20‬‬
‫((( املرجع ال�سابق ‪.236 /32‬‬
‫((( القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.172‬‬
‫((( انظر‪ :‬عقد الت�أمني‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪� ،‬ص‪.53‬‬
‫((( انظ ��ر‪� :‬ضواب ��ط احلاجة التي تنزل منزلة ال�ضرورة‪ ،‬لوليد الزير‪ ،‬من�شور يف جملة جامعة دم�شق للعلوم االقت�صادية‬
‫والقانونية‪ ،‬املجلد ‪ ،26‬العدد الأول‪2010،‬م‪� ،‬ص‪.683‬‬

‫‪141‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الغ ��رر فيه مهم ��ا كانت �صفة الغرر‪ ،‬و�صفة العقد»(‪ ،)1‬ف� ��إن مراعاة �أن تكون احلاجة �إىل‬
‫العق ��د متعين ��ة ُتبني ُبعد ر�أي من ر�أى �أن«عقد الت�أمني ينطوي على غرر كثري‪ ،‬و�أن الأ�صل‬
‫في ��ه التحرمي‪ ،‬ولكن �أباحته احلاجة امللحة العامة»(‪)2‬؛ ف�إن احلاجة �إىل الت�أمني التجاري‬
‫غ�ي�ر متعينة مع وجود الت�أم�ي�ن التعاوين‪ ،‬قال الدكتور ال�صديق ال�ضري ��ر‪« :‬وقد ر�أينا �إن‬
‫الت�أم�ي�ن التعاوين ال �شبهة يف ج ��وازه‪...‬؛ ولذا ف�إين �أرى �أن احلاج ��ة �إىل الت�أمني بق�سط‬
‫ثاب ��ت يف �صورته احلا�ض ��رة‪ ،‬و�إن كانت عامة‪� ،‬إال �أنها غري متعينة‪ ،‬وعلى هذا ف�إن قواعد‬
‫الفقه الإ�سالمي تق�ضي مبنعه؛ لأنه عقد معاو�ضه فيه غرر كثري من غري حاجة»(‪.)3‬‬
‫الأمر الرابع‪� :‬أن يكون تقدير الغرر‪ ،‬والقمار‪ ،‬واخلطر يف العقد‪ ،‬لأهل االخت�صا�ص‬
‫م ��ن االقت�صادي�ي�ن‪ ،‬و�ش�أن الفقي ��ه �أن يبني احلك ��م الفقهي فيها‪ ،‬قال اب ��ن القيم‪«:‬وقول‬
‫القائ ��ل‪� :‬إن هذا غرر وجمه ��ول فهذا لي�س حظ الفقيه‪ ،‬وال هو م ��ن �ش�أنه‪ ،‬و�إمنا هذا من‬
‫�ش� ��أن �أهل اخلربة بذلك‪ ،‬ف� ��إن عدوه قما ًرا �أو غر ًرا فهم �أعل ��م بذلك‪ ،‬و�إمنا حظ الفقيه‬
‫يح ��ل كذا؛ لأن اهلل �أباحه‪ ،‬ويحرم كذا؛ لأن اهلل حرمه‪ ،‬وقال اهلل وقال ر�سوله×‪ ،‬وقال‬
‫ال�صحاب ��ة ‪ ،‬و�أما �أن يرى هذا خط ًرا وقما ًرا �أو‪ ‬غر ًرا‪ ،‬فلي�س من �ش�أنه بل �أربابه �أخرب‬
‫به ��ذا من ��ه‪ ،‬واملرجع �إليهم فيه‪ ،‬كم ��ا يرجع �إليهم يف كون هذا الو�ص ��ف عي ًبا �أم ال‪ ،‬وكون‬
‫مربح ��ا �أم ال‪ ،‬وكون هذه ال�سلعة نافقة يف وقت ك ��ذا وبلد كذا‪ ،‬ونحو ذلك من‬ ‫ه ��ذا البيع ً‬
‫الأو�صاف احل�سية‪ ،‬والأمور العرفية‪ ،‬فالفقهاء بالن�سبة �إليهم فيها مثلهم بالن�سبة �إىل ما‬
‫يف الأحكام ال�شرعية»(‪.)4‬‬

‫الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.600‬‬ ‫(( (‬


‫املعامالت املالية‪ ،‬لدبيان الدبيان ‪.153/4‬‬ ‫((( ‬
‫الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.658‬‬ ‫(( (‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.5-4/4‬‬ ‫((( ‬

‫‪142‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثالث‬
‫االستحسان‬
‫ق ��ال الإمام مالك رحمه اهلل‪«:‬ت�سعة �أع�شار العل ��م اال�ستح�سان»(‪ .)1‬بل بالغ بع�ضهم‬
‫يف اال�ستح�س ��ان حتى ع ��ده عماد العلم‪ ،‬و�أن الذي ال ي�ستح�سن ي ��كاد �أن يفارق ال�سنة(‪،)2‬‬
‫والعلم ��اء متفق ��ون على �أ�صل الأخذ ب ��ه يف معناه الأ�سا�س‪ ،‬و�إن كان ��ت طرائقهم خمتلفة‬
‫يف الو�ص ��ول �إىل حتقي ��ق هذا املعنى(‪ ،)3‬ويعد اال�ستح�سان م ��ن الأدوات التي ت�ستخدم يف‬
‫الهند�سة املالية الإ�سالمية للعقود‪ ،‬ويف هذا املبحث درا�سة له‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف اال�ستح�سان‬
‫اال�ستح�سان يف اللغة م�شتق من احل�سن‪ ،‬واحل�سن �ضد القبح‪ ،‬وا�ستح�سن ال�شيء �أي‬
‫عده ح�س ًنا(‪.)4‬‬
‫واال�ستح�س ��ان يف اال�صطالح له عدة تعريفات؛ منها‪ :‬التعري ��ف الأول‪ :‬اال�ستح�سان‬
‫هو «دليل ينقدح يف نف�س املجتهد وتق�صر عنه عبارته‪ ،‬فال يقدر على �إظهاره»(‪ .)5‬و ُن�سب‬
‫ه ��ذا التعريف �إىل بع�ض احلنفية(‪ .)6‬وانتقد هذا التعري ��ف انتقادًا �شديدً ا(‪)7‬؛ «لأن ما ال‬
‫يقدر على التعبري عنه ال يدري �أنه وهم وخيال �أو حتقيق وال بد من ظهوره»(‪.)8‬‬

‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.198/5‬‬


‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.199/5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.277‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬القامو�س املحيط‪ ،‬للفريوز �أبادي‪� ،‬ص‪ ،1189‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬للرازي‪� ،‬ص‪.73‬‬
‫((( نهاية ال�سول‪ ،‬للإ�سنوي‪� ،‬ص‪.366‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪ ،‬للآمدي‪.157/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪� ،173‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف ‪.190/3‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.173‬‬

‫‪143‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫التعريف الثاين‪ :‬اال�ستح�سان «ما ي�ستح�سنه املجتهد بعقله»(‪ .)1‬و ُن�سب هذا التعريف‬
‫�إىل �أبي حنيفة(‪« ،)2‬ولكن �أ�صحابه ينكرون هذا التف�سري عنه»(‪.)3‬‬
‫وان ُتقد هذا التعريف ب�أنه يفو�ض الأحكام �إىل �آراء الرجال(‪ ،)4‬و«لو فتح هذا الباب لبطلت‬
‫احلجج وادعى كل من �شاء ما �شاء»(‪ ،)5‬يقول ال�شنقيطي منتقدًا التعريفني ال�سابقني‪«:‬وبطالن‬
‫هذي ��ن التعريفني ظاهر؛ لأن املجتهد لي�س له اال�ستناد �إىل جمرد عقله يف حت�سني �شيء‪ ,‬وما‬
‫مل يعرب عنه ال ميكن احلكم له بالقبول حتى يظهر ويعر�ض على ال�شرع»(‪.)6‬‬
‫التعريف الثالث‪ :‬اال�ستح�سان «هو العدول يف م�س�ألة عن مثل ما حكم به يف نظائرها‬
‫�إىل خالفه بوجه هو �أقوى»(‪.)7‬‬
‫وهذا �أب�ي�ن التعريفات حلقيقة اال�ستح�سان؛ لأنه ي�شم ��ل كل �أنواعه(‪ ،)8‬قال الغزايل‬
‫عن هذا التعريف‪«:‬وهذا مما ال ينكر»(‪.)9‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أنواع اال�ستح�سان‬
‫لال�ستح�سان عند القائلني به �أنواع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫النوع الأول‪ :‬اال�ستح�سان بالن�ص؛ كال�سلم‪ ،‬فالقاعدة العامة تق�ضي ببطالن بيع ما ال‬
‫ميلك الإن�سان‪ ،‬ولكن ا�ستثني ال�سلم ا�ستح�سا ًنا للن�ص الوارد يف جوازه عن النبي ×(‪.)10‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.171‬‬


‫((( انظر‪ :‬التحبري �شرح التحرير‪ ،‬للمرداوي ‪.3822/8‬‬
‫((( التحبري �شرح التحرير‪ ،‬للمرداوي ‪ .3822/8‬وانظر‪ :‬ك�شف الأ�سرار �شرح �أ�صول البزدوي‪ ،‬للبخاري احلنفي ‪.3/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬التحبري �شرح التحرير‪ ،‬للمرداوي ‪.3822/8‬‬
‫((( االعت�صام‪ ،‬لل�شاطبي‪� ،‬ص‪.654‬‬
‫((( مذكرة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لل�شنقيطي‪� ،‬ص‪.200‬‬
‫((( �شرح التلويح على التو�ضيح‪ ،‬للتفتازاين ‪.163/2‬وانظر‪ :‬الف�صول يف الأ�صول‪ ،‬للج�صا�ص ‪.234/4‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬أ�صول الفقه‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.232‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.173‬‬
‫(‪ ( (1‬انظ ��ر‪ :‬اال�ستح�س ��ان‪ ،‬لعجيل الن�شمي‪ ،‬بحث من�ش ��ور يف جملة ال�شريعة والدرا�س ��ات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من‬

‫‪144‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الن ��وع الث ��اين‪ :‬اال�ستح�س ��ان بالإجم ��اع؛ كاال�ست�صن ��اع‪ ،‬فالقاع ��دة العام ��ة تق�ضي‬
‫ببطالنه؛ لأنه عقد معدوم‪ ،‬و�إمنا جاز «للإجماع على التعامل به فيما بني النا�س»(‪.)1‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬اال�ستح�سان بالقيا�س اخلفي؛ كاحلقوق االرتفاقية للأر�ض الزراعية‪،‬‬
‫عن ��د احلنفية ال تدخ ��ل يف عقد البيع دون ن� ��ص عليها‪ ،‬لكنهم ا�ستح�سن ��وا دخولها دون‬
‫ن�ص؛ وذلك �أن وقف الأر�ض الزراعية يتجاذبه قيا�سان‪ ،‬الأول قيا�سه على البيع‪ ،‬والثاين‬
‫قيا�س ��ه على الإجارة‪ ،‬والقيا� ��س الأول هو الأظهر وهو قيا�س جل ��ي؛ التفاق البيع والوقف‬
‫يف �إخ ��راج املل ��ك من مالكه‪ ،‬وعلى ذل ��ك ال تدخل احلقوق االرتفاقي ��ة �إال بالن�ص عليها‪،‬‬
‫والقيا� ��س الثاين مبناه �أن كلاً من الإجارة والوقف يفيد ملك االنتفاع بالعني دون متلكها‬
‫وه ��ذا قيا�س خفي‪ ،‬ومقت�ضى هذا القيا�س دخ ��ول احلقوق االرتفاقية يف الوقف تب ًعا دون‬
‫حاجة للن�ص عليها كما هو احلكم يف الإجارة‪ ،‬فرجح القيا�س اخلفي على القيا�س اجللي‬
‫ا�ستح�سا ًن ��ا؛ لأن املق�ص ��ود م ��ن الوقف االنتفاع ال متل ��ك الرقبة‪ ،‬واالنتف ��اع ال يت�أتى دون‬
‫احلقوق االرتفاقية(‪.)2‬‬
‫الن ��وع الرابع‪ :‬اال�ستح�س ��ان بالع ��رف؛ كال�شروط املقرتنة بعق ��د البيع فالأ�صل عند‬
‫احلنفية منعها‪� ،‬إال �أنهم يجيزون ال�شروط التي جرى العرف بها ا�ستح�سا ًنا(‪.)3‬‬
‫النوع اخلام�س‪ :‬اال�ستح�س ��ان بامل�ص ��لحة؛ كت�ضمني الأج�ي�ر امل�شرتك عند املالكية‪،‬‬
‫و�إن مل يك ��ن �صان ًع ��ا‪ ،‬ف� ��إن الأ�صل عندهم ع ��دم ت�ضمينه؛ لأن ��ه م�ؤمت ��ن‪� ،‬إال �أنهم قالوا‬
‫بت�ضمينه ا�ستح�سا ًنا للم�صلحة(‪.)4‬‬

‫جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد الأول‪1404 ،‬ه‪� ،‬ص‪.122‬‬


‫((( �أ�صول ال�سرخ�سي ‪.203/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الوجيز يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبدالكرمي زيدان‪� ،‬ص‪.232‬‬
‫((( حا�شية ابن عابدين ‪.88/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬االعت�صام‪ ،‬لل�شاطبي‪� ،‬ص‪.641‬‬

‫‪145‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫النوع ال�س ��اد�س‪ :‬اال�ستح�س ��ان لل�ض ��رورة؛ كتطه�ي�ر الآبار التي تق ��ع فيها النجا�سة‬
‫بنزح قدر معني من املاء منها ا�ستح�سا ًنا لل�ضرورة(‪.)1‬‬
‫هذه �أنواع اال�ستح�سان عند القائلني به‪ ،‬واكتفيت مبثال واحد لكل نوع‪ ،‬و�إال فالأمثلة‬
‫التي ذكروها كثرية‪ ،‬واملالحظ �أن بع�ض الأمثلة ت�صلح لأكرث من نوع من �أنواع اال�ستح�سان؛‬
‫مثال لال�ستح�سان بالإجماع‪ ،‬ولال�ستح�سان بالعرف‪،‬‬ ‫كاال�ست�صناع ف�إنه ي�صل ��ح �أن يكون اً‬
‫ولال�ستح�س ��ان بامل�صلح ��ة‪ ،‬ولي�س يف ذل ��ك تعار�ض؛ فقد يثبت ال�ش ��يء عر ًفا‪ ،‬وتكون فيه‬
‫م�صلحة راجحة‪ ،‬وقد يتم الإجماع عليه(‪.)2‬‬
‫وق ��د اعترُ �ض عل ��ى بع�ض �أنواع اال�ستح�س ��ان؛ كاال�ستح�سان بالن� ��ص‪ ،‬واال�ستح�سان‬
‫بالإجم ��اع‪ ،‬ب�أن ثبوت ه ��ذه الأحكام بالن� ��ص والإجم ��اع‪ ،‬ال باال�ستح�سان‪«،‬ف�إطالق ا�سم‬
‫اال�ستح�سان على هذين النوعني هو ح�شر لل�شيء يف غري زمرته»(‪.)3‬‬
‫و�أجي ��ب علي ��ه‪ :‬ب�أنه ال ن ��زاع يف �أن الأحكام الثابت ��ة بالن�ص �إمنا �أثبته ��ا الن�ص‪ ،‬وكذلك‬
‫الأح ��كام الثابت ��ة بالإجماع‪ ،‬والقائل ��ون باال�ستح�سان �إمنا �أرادوا تعزي ��ز نظرية �شرعية عامة‬
‫تتعلق بالفروع امل�ستثناة من حكم نظائرها‪ ،‬وبالأدلة التي ت�صلح �سندًا لال�ستثناء‪ ،‬وا�صطلحوا‬
‫على ت�سميته باال�ستح�سان‪ ،‬وال م�شاحة يف اال�صطالح‪ ،‬وهذا ال يعار�ض �أن احلكم ثابت بالن�ص‪،‬‬
‫�أو‪ ‬الإجم ��اع‪ ،‬واال�ستح�س ��ان مل يثبت به حكم؛ لأن �إثبات الأحكام واق ��ع بوجوه اال�ستح�سان‪ ،‬ال‬
‫قيا�سا �أو عر ًفا �أو غريها(‪.)4‬‬
‫إجماعا �أو ً‬
‫ن�صا �أو � ً‬
‫باال�ستح�سان نف�سه‪� ،‬سواء كانت تلك الوجوه ً‬
‫وم ��ع هذا ف ��الأوىل �أن ي�سمي احلكم الثاب ��ت ا�ستح�سا ًنا بالن�ص حك ًم ��ا ثاب ًتا بالن�ص‪ ،‬ال‬
‫باال�ستح�سان‪ ،‬ولكن احلنفية ا�صطلحوا على ت�سميته ا�ستح�سا ًنا‪ ،‬وال م�شاحة يف اال�صطالح(‪.)5‬‬

‫انظر‪ :‬الوجيز يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبدالكرمي زيدان‪� ،‬ص‪.232‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.321‬‬ ‫(( (‬
‫املدخل الفقهي العام‪ ،‬مل�صطفى الزرقا ‪.95/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.305‬‬ ‫(( (‬
‫الوجيز يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبدالكرمي زيدان‪� ،‬ص‪.235‬‬ ‫(( (‬

‫‪146‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثالث‪ :‬حكم اال�ستح�سان‬


‫اتف ��ق احلنفي ��ة واملالكية واحلنابل ��ة على الق ��ول باال�ستح�س ��ان(‪ ،)1‬وخالف يف ذلك‬
‫ال�شافعية فلم يقولوا به‪ ،‬و ُنقل عن ال�شافعي‪�«:‬أن من ا�ستح�سن فقد �شرع»(‪.)2‬‬
‫وعن ��د التحقي ��ق جند �أن �إنكار ال�شافعي ��ة �إمنا كان على اال�ستح�س ��ان مبجرد الهوى‬
‫والت�شه ��ي والتلذذ دون دليل؛ قال ال�شافعي‪�«:‬إمن ��ا اال�ستح�سان تل ُّذذ»(‪ .)3‬و َنقل ال�شريازي‬
‫عن ال�شافعي تعريف اال�ستح�سان عند �أبي حنيفة وهو‪«:‬ترك القيا�س ملا ا�ستح�سنه الإن�سان‬
‫من غري دليل»(‪ .)4‬فال�شافعي«�إمنا �أنكر ا�ستح�سا ًنا بال دليل»(‪ ،)5‬وقد نقل الزرك�شي قري ًبا‬
‫م ��ن ع�شرين م�س�أل ��ة فقهية قال بها ال�شافع ��ي و�أ�صحابة باال�ستح�س ��ان؛ مما يبني �أن ما‬
‫ا�ستنكروه من اال�ستح�سان هو ما كان من غري دليل(‪.)6‬‬
‫((( انظر‪� :‬أ�صول ال�سرخ�سي ‪ ،201/2‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،194/5‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪.473/1‬‬
‫((( تنق ��ل �أكرث كت ��ب الأ�صول هذا القول عن ال�شافعي‪.‬انظر‪ :‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغ ��زايل‪� ،‬ص‪ ،171‬الإحكام‪ ،‬للآمدي‪،156/4‬‬
‫الف ��روق‪ ،‬للق ��رايف ‪ .145/4‬وقد قال الدكتور عجيل الن�شمي بعدما ذكر �أنه ا�ستق ��ر�أ كتب ال�شافعي‪«:‬فنكاد جنزم �أن‬
‫ال�شافع ��ي مل يقله ��ا‪ ،‬ولو قالها لذكرت يف موا�ضعها من مبحث اال�ستح�س ��ان» وذكر يف احلا�شية ان ابن ال�سبكي �سبقه‬
‫لذل ��ك‪ ،‬ونقل كالم اب ��ن ال�سبكي من حا�شية ابن العطار‪ ،‬قال ابن العطار‪«:‬ولكن ق ��ال امل�صنف‪�-‬أي ابن ال�سبكي‪ -‬يف‬
‫ن�صا ولكن وجدت يف الأم �أن من قال باال�ستح�سان فقد قال قوال‬ ‫الأ�شباه والنظائر �أنا مل �أجد �إىل الآن هذا يف كالمه ً‬
‫عظي ًم ��ا وو�ضع نف�س ��ه يف ر�أيه وا�ستح�سانه على غري كتاب وال �سنة مو�ضعها يف �أن يتبع ر�أيه»‪ ،‬و�صحيح �أن ال�شافعي مل‬
‫يقله ��ا به ��ذا اللفظ‪ ،‬لكنها معنى كالمه؛ فف ��ي �آخر الكالم الذي نقله ال�سبكي عن ال�شافع ��ي يف الأم �أن من ا�ستح�سن‬
‫و�ض ��ع ر�أي ��ه مو�ضع الكت ��اب وال�سنة‪ ،‬قال ال�شافعي بعد هذا النق ��ل‪ ...« :‬يف �أن يتبع ر�أيه كما اتبع ��ا‪ ،‬ويف �أن ر�أيه �أ�صل‬
‫ثال ��ث �أم ��ر النا�س باتباعه»‪ ،‬فما معنى �أن امل�ستح�سن يجعل ر�أيه مو�ضع الكتاب وال�سنة‪ ،‬ويريد �أن يتبع ر�أيه كما اتبعا‪،‬‬
‫و�أن ر�أيه �أ�صل ثالث �إال «�أن من ا�ستح�سن فقد �شرع»!‪.‬انظر‪:‬اال�ستح�سان‪ ،‬للن�شمي‪� ،‬ص‪ ،129‬حا�شية العطار على جمع‬
‫اجلوامع ‪ ،395/2‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.216/6‬‬
‫((( الر�سالة‪ ،‬لل�شافعي‪� ،‬ص‪.507‬‬
‫((( التب�صرة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لل�شريازي‪� ،‬ص‪.492‬‬
‫((( التحبري �شرح التحرير‪ ،‬للمرداوي ‪.3822/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪ ،109-106/8‬الوا�ضح يف �أ�صول الفقه‪ ،‬للأ�شقر‪� ،‬ص‪.145‬‬

‫‪147‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫واال�ستح�س ��ان دون دليل ينكره القائلون باال�ستح�سان(‪ ،)1‬وحتى �أ�صحاب �أبي حنيفة‬
‫ينكرون ما ُين�سب له من �أن اال�ستح�سان ما ا�ستح�سنه الإن�سان من غري دليل(‪.)2‬‬
‫�أم ��ا اال�ستح�سان على املعنى املختار‪ ،‬وهو‪ :‬العدول يف م�س�ألة عن مثل ما حكم به يف‬
‫نظائره ��ا �إىل خالفه بوجه هو �أق ��وى‪ ،‬فقد اتفق العلماء على قبوله(‪ ،)3‬و�إمنا اخلالف يف‬
‫ت�سميت ��ه ا�ستح�سا ًنا(‪ ،)4‬قال الغزايل بعدما ذكر هذا التعري ��ف لال�ستح�سان‪«:‬وهذا مما‬
‫ال ينك ��ر‪ ،‬و�إمن ��ا يرجع اال�ستن ��كار �إىل اللفظ وتخ�صي�ص هذا النوع م ��ن الدليل بت�سميته‬
‫ا�ستح�سا ًن ��ا م ��ن بني �سائ ��ر الأدل ��ة»(‪ .)5‬فاخلالف � ًإذا لفظ ��ي‪ ،‬قال الزرك�ش ��ي‪« :‬نبه ابن‬
‫ال�سمع ��اين(‪ )6‬عل ��ى �أن اخلالف بيننا وبينه ��م لفظي؛ ف�إن تف�س�ي�ر اال�ستح�سان مبا ي�شنع‬
‫عليه ��م ال يقولون به‪ ،‬وال ��ذي يقولون به �إنه العدول يف احلكم من دليل �إىل دليل هو �أقوى‬
‫من ��ه‪ ،‬فهذا مم ��ا مل ينكره‪ ،‬لكن هذا اال�سم ال نعرفه ا�س ًما ملا يق ��ال به مبثل هذا الدليل‪،‬‬
‫وقريب منه قول القفال»(‪.)8()7‬‬
‫وعند النظر يف �أنواع اال�ستح�سان يتبني �أن اال�ستح�سان ال يعد دليلاً قائ ًما بذاته(‪،)9‬‬
‫((( انظر‪� :‬أ�صول ال�سرخ�سي ‪ ،201/2‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ ،194/5‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪.473/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ك�شف الأ�سرار �شرح �أ�صول البزدوي‪ ،‬للبخاري احلنفي ‪.3/4‬‬
‫((( انظر‪� :‬إر�شاد الفحول‪ ،‬لل�شوكاين‪ ،183-182/2‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.277‬‬
‫((( املهذب‪ ،‬لعبدالكرمي النملة ‪.982/3‬‬
‫((( امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪.173‬‬
‫((( ه ��و من�صور بن حممد عبد اجلبار‪� ،‬أب ��و املظفر‪ ،‬املعروف بابن ال�سمعاين‪ ،‬من فقهاء ال�شافعية‪ ،‬ولد عام ‪426‬ه‪ ،‬كان‬
‫فقي ًه ��ا �أ�صول ًيا مف�س ًرا حمد ًثا متكل ًما‪ ،‬تفقه على مذهب �أب ��ي حنيفة‪ ،‬ثم انتقل �إىل مذهب ال�شافعي‪ ،‬ومن م�صنفاته‪:‬‬
‫«تف�س�ي�ر الق ��ر�آن»‪ ،‬و«القواطع يف �أ�صول الفقه»‪ ،‬تويف ع ��ام ‪489‬ه‪ .‬انظر‪ :‬طبقات ال�شافعي ��ة‪ ،‬لل�سبكي ‪ ،335/5‬معجم‬
‫امل�ؤلفني‪ ،‬لعمر بن عبدالغني ‪.20/13‬‬
‫(( ( ه ��و حمم ��د بن عل ��ي ال�شا�شي القفال‪� ،‬أب ��و بكر‪ ،‬ولد عام ‪291‬ه‪ ،‬م ��ن �أكابر علماء ال�شافعية يف ع�ص ��ره‪ ،‬وعنه انت�شر‬
‫مذه ��ب ال�شافعي يف بالده‪ ،‬م ��ن ت�صانيفه‪� «:‬شرح ر�سالة ال�شافعي»‪ ،‬و«�أ�صول الفق ��ه»‪ .‬تويف عام‪365‬ه‪ .‬انظر‪ :‬طبقات‬
‫ال�شافعية‪ ،‬لل�سبكي ‪ ،200/3‬طبقات ال�شافعيني‪ ،‬البن كثري‪� ،‬ص‪.299‬‬
‫((( البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪.99/8‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬رفع احلرج يف ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪� ،‬ص‪.333‬‬

‫‪148‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فاال�ستح�س ��ان بالن� ��ص دليل ��ه الن� ��ص‪ ،‬واال�ستح�سان بالإجم ��اع دليله الإجم ��اع‪ ،‬وكذلك‬
‫اال�ستح�س ��ان بالقيا� ��س‪ ،‬والعرف‪ ،‬وامل�صلح ��ة‪ ،‬وال�ضرورة‪ ،‬ف�إن الذي يق ��ول به �إمنا يقول‬
‫بهذه الأدلة(‪.)1‬‬
‫فم ��ن �أراد �أن ي�ستح�س ��ن ف�ل�ا يكتف ب ��ه‪ ،‬بل البد �أن يذك ��ر الدليل ال ��ذي بنى عليه‬
‫ا�ستح�سانه‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العالقة بني اال�ستح�سان والرخ�ص ال�شرعية‬
‫يتفق اال�ستح�سان م ��ع الرخ�ص ال�شرعية يف �أن كلاً منهما ا�ستثناء من حكم �أ�صلي‪،‬‬
‫�إال �أن اال�ستح�س ��ان �أعم من الرخ� ��ص ال�شرعية؛ فالرخ�صة ال�شرعي ��ة خا�صة ب�أن يكون‬
‫احلك ��م امل�ستثنى �أخ ��ف و�أي�سر من احلكم الأ�صل ��ي له‪� ،‬أما اال�ستح�س ��ان فال ي�شرتط له‬
‫ذلك‪ ،‬فقد يكون احلكم امل�ستثنى �أي�سر من حكم نظائره وهو الغالب‪ ،‬كجواز اال�ست�صناع‪،‬‬
‫وقد يكون �أ�شد كت�ضمني الراعي امل�شرتك(‪ ،)2‬فالأ�صل �أن الراعي امل�شرتك �أمني‪ ،‬والأمني‬
‫ال ي�ضم ��ن �إال بتع ��د �أو تفري ��ط(‪� ،)3‬إال �أن املت�أخرين م ��ن املالكية قال ��وا بت�ضمني الراعي‬
‫امل�شرتك ا�ستح�سا ًنا(‪.)4‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬اال�ستح�سان والهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫يع ��د اال�ستح�سان م ��ن الأدوات التي ت�ستخ ��دم ا�ستخدا ًما وا�س ًع ��ا يف الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية؛ ومن ذلك قول الدكتور عبداللطيف الفرفور عن عقد الإجارة املنتهية بالتمليك‬
‫يف جمل� ��س جممع الفقه الإ�سالمي الدويل املنبثق عن منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي يف دورته‬
‫الثاني ��ة ع�ش ��رة‪« :‬فهذا العقد من جهة القواعد العامة لل�شريع ��ة الإ�سالمية عقد مرفو�ض‬

‫انظر‪ :‬الوا�ضح يف �أ�صول الفقه‪ ،‬للأ�شقر‪� ،‬ص‪.145‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬تب�صرة احلكام‪ ،‬البن فرحون ‪.331/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬فتح العلي املالك‪ ،‬لعلي�ش ‪.226/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬الأ�صول االجتهادية التي يبنى عليها املذهب املالكي‪ ،‬حلامت باي‪� ،‬ص‪.397‬‬ ‫(( (‬

‫‪149‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ومردود بجميع �صوره و�أ�شكاله �إال �أن ي�صحح على القاعدة العامة التي ذكرتها‪ ،‬وخمالف‬
‫�ش ��ك ًال ومو�ضوع� � ًا لأ�صول الت�شري ��ع الإ�سالمي‪ ،‬وللحدي ��ث وللمعقول واملنق ��ول‪ ،‬وال ي�صح‬
‫اعتم ��اده‪� ،‬إال �إذا ر�أى جممعن ��ا املوقر بفقهائه حاجة �أو‪� ‬ضرورة‪ ،‬وم ��ا �أرى ذلك‪ ،‬فحينئذ‬
‫ي�صح ��ح ا�ستح�سا ًن ��ا»(‪ .)1‬مما يدل عل ��ى �أن اال�ستح�سان ي�ستخ ��دم ك�أداة للهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية يف هند�سته ��ا للعقود‪ ،‬والذي ذكره الدكتور يعد من اال�ستح�سان بال�ضرورة‪� ،‬أو‬
‫احلاجة‪ ،‬وهن ��اك �أمثلة ال�ستخدام اال�ستح�سان بالقيا� ��س(‪ ،)2‬واال�ستح�سان للم�صلحة(‪،)3‬‬
‫وقد �صححت عقود بحجة اال�ستح�سان(‪ ،)4‬وردت ا�ستح�سانات لعدم �إ�سنادها بدليل(‪.)5‬‬
‫ومع �إعطاء اال�ستح�سان هذا االعتبار والدور الوا�سع يف �إعطاء الق�ضايا �أحكامها‪ ،‬ف�إن مما‬
‫ينبغي �أن ندركه �أن اال�ستح�سان يحتاج �إىل دقة نظر بالغة من املجتهدين(‪ ،)6‬و�أن ا�ستخداماته‬
‫الفعلية ينبغي �أن تكون بحذر وتر ّو بالغني‪ ،‬فال بد للناظر فيه من �إدراك �أمرين هامني‪:‬‬
‫الأم ��ر الأول‪ :‬معرفة مدى معار�ضة مو�ضوع احلك ��م للأدلة ال�صحيحة‪� ،‬أو القواعد‬
‫العامة لل�شريعة(‪.)7‬‬
‫الأم ��ر الثاين‪� :‬إ�سناد اال�ستح�سان بدليل م ��ن �أدلة ال�شرع‪ ،‬فال يقبل ا�ستح�سان دون‬
‫دليل(‪.)8‬‬

‫((( مداخل ��ة الدكتور عبداللطيف الفرفور يف مناق�شات بحوث الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد‪� ،12‬ص‪.430-429‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬وجه اال�ستح�سان و�ضوابطه يف ربط العمالت متغرية القيمة بالقيمة‪ ،‬لعبداللطيف الفرفور‪ ،‬من�شور يف جملة‬
‫جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪� ،5‬ص‪.1340‬‬
‫((( انظر‪ :‬مناق�صات العقود الإدارية‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪� ،9‬ص‪.835‬‬
‫((( انظر‪ :‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪� ،12‬ص‪.430-429‬‬
‫((( انظر‪ :‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪� ،2‬ص‪ ،1012،1020‬العدد ‪� ،6‬ص‪ ،1570 ،1480‬العدد‪� ،9‬ص‪.888‬‬
‫((( انظر‪ :‬اال�ستح�سان‪ ،‬لعجيل الن�شمي‪� ،‬ص‪.133‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.134‬‬

‫‪150‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الرابع‬
‫سد الذرائع وفتحها‬
‫وطرق تف�ضي �إليه ��ا كانت طرقها‬
‫�اب ٍ‬ ‫«مل ��ا كان ��ت املقا�صد ال يتو�ص ��ل �إليها �إال ب�أ�سب � ٍ‬
‫و�أ�سبابه ��ا تابعة له ��ا معتربة بها؛ فو�سائ ��ل املحرمات واملعا�ص ��ي يف كراهتها واملنع منها‬
‫بح�س ��ب �إف�ضائها �إىل غاياتها وارتباطاتها بها‪ ،‬وو�سائ ��ل الطاعات والقربات يف حمبتها‬
‫والإذن فيه ��ا بح�سب �إف�ضائه ��ا �إىل غايتها؛ فو�سيلة املق�صود تابع ��ة للمق�صود‪ ،‬وكالهما‬
‫مق�ص ��ود»(‪ ،)1‬وق ��د اهتم العلماء قد ًمي ��ا وحدي ًثا بو�صف الذرائ ��ع‪ ،‬وتو�سعوا يف الأخذ بها‬
‫وفتحا يف معظم �أبواب الفقه‪ ،‬بل اعتربها ابن القيم �أحد �أرباع التكليف(‪.)2‬‬ ‫�سدً ا ً‬
‫ويف الع�صر احلديث كرثت امل�ستجدات والنوازل خا�صة يف املعامالت املالية‪ ،‬ويتطلب‬
‫هذا الأمر �إبراز حكم ال�شرع يف تلك الق�ضايا بعد درا�سة م�آالتها والطرق املو�صلة �إليها؛‬
‫إحلاحا (‪.)3‬‬
‫لذلك �أ�صبحت احلاجة �إىل فقه الذرائع �أكرث � ً‬
‫فالذرائ ��ع تعد من الأدوات املهمة التي ت�ستخ ��دم للو�صول �إىل عقود �إ�سالمية جتمع‬
‫ب�ي�ن امل�صداقية ال�شرعية‪ ،‬والكفاءة االقت�صادية‪ ،‬وحتقق هند�سة مالية �إ�سالمية للعقود‪،‬‬
‫ويف هذا املبحث درا�سة لها‪ ،‬وتبيني ر�أي العلماء فيها‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الذرائع‬
‫الذرائ ��ع يف اللغة جمع ذريعة‪ ،‬وتطلق على الو�سيلة(‪ ،)4‬فـــ«الذال والراء والعني �أ�صل‬
‫واح ��د ي ��دل على امتداد وحترك �إىل قدم‪ ،‬ث ��م ترجع الفروع �إىل ه ��ذا الأ�صل»(‪ ،)5‬يقال‪:‬‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.108/3‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.126/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.27‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪.1211/3‬‬ ‫((( ‬
‫معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.350/2‬‬ ‫((( ‬

‫‪151‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫تذرع فالن بذريعة‪� ،‬أي تو�سل بو�سيلة(‪.)1‬‬


‫وللعلماء يف تعريف الذرائع اجتاهان‪:‬‬
‫االجت ��اه الأول‪ :‬النظ ��ر �إىل الذرائ ��ع من جه ��ة �سدها فق ��ط‪ ،‬دون النظر �إىل جانب‬
‫فتحه ��ا‪ ،‬ومن ذلك تعريفه ��ا‪ :‬ب�أنها«الأ�شياء التي ظاهرها الإباح ��ة ويتو�صل بها �إىل فعل‬
‫املحظور»(‪ .)2‬و�أكرث العلماء على هذا االجتاه‪ ،‬يعرفون الذرائع مبعناها اخلا�ص ب�سدها(‪،)3‬‬
‫قال ابن تيمية بعدما عرف الذريعة‪«:‬لكن �صارت يف عرف الفقهاء عبارة عما �أف�ضت �إىل‬
‫فعل حمرم»(‪.)4‬‬
‫االجتاه الثاين‪ :‬النظر �إىل الذرائع مبعناها العام؛ ومن ذلك تعريف القرايف‪ ،‬وابن‬
‫تيمية‪ ،‬وابن القيم للذريعة‪ :‬ب�أنها«ما كان و�سيلة وطريقا �إىل ال�شيء»(‪.)5‬‬
‫وه ��ذا االجت ��اه يف تعريف الذريعة ه ��و املختار؛ لأنه يجمع بني نوع ��ي الذريعة‪ ،‬فكما‬
‫يج ��ب �سد الذرائ ��ع املف�ضية �إىل املحرم‪ ،‬يج ��ب فتح الذرائع املف�ضي ��ة �إىل الواجب‪ ،‬قال‬
‫القرايف‪«:‬واعل ��م �أن الذريع ��ة كما يجب �سده ��ا يجب فتحها‪...‬ف� ��إن الذريعة هي الو�سيلة‬
‫فكم ��ا �أن و�سيل ��ة املحرم حمرمة‪ ،‬فو�سيلة الواجب واجب ��ة»(‪ .)6‬وقد اختار هذا االجتاه يف‬
‫تعريف الذريعة عدد من املعا�صرين(‪.)7‬‬

‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.96/8‬‬


‫((( املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪.39/2‬‬
‫((( انظر‪� :‬أحكام القر�آن‪ ،‬البن العربي ‪ ،331/2‬اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬للقرطبي ‪ ،58-57/2‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.183/5‬‬
‫(( ( بيان الدليل على بطالن التحليل‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.283‬‬
‫(( ( بي ��ان الدلي ��ل على بطالن التحليل‪ ،‬البن تيمية‪�� � ،‬ص‪� ،283‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القي ��م ‪ .109/3‬وانظر‪� :‬شرح تنقيح‬
‫الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪.449‬‬
‫((( الفروق‪ ،‬للقرايف‪.33/2‬‬
‫((( منه ��م‪ :‬حممد �أب ��و زهرة‪ ،‬ووهبة الزحيلي‪ ،‬وعبداهلل اجلديع‪.‬انظر‪� :‬أ�صول الفق ��ه‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪� ،253‬أ�صول‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬للزحيلي ‪ ،173/2‬تي�سري علم �أ�صول الفقه‪ ،‬للجديع‪� ،‬ص‪.203‬‬

‫‪152‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�سب ��ق تعري ��ف �سد الذرائ ��ع يف االجتاه الأول‪� ،‬أم ��ا تعريف فتح الذرائ ��ع‪ ،‬فهو‪«:‬طلب‬
‫الو�سيلة اجلائزة �إذا كانت طري ًقا �إىل م�صلحة راجحة»(‪.)1‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام الذرائع‬
‫تنق�سم الذرائع ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫الق�س ��م الأول‪ :‬ذرائ ��ع معتربة اتفا ًق ��ا؛ وهي ما تف�ضي �إىل املق�صود قط ًعا(‪)2‬؛ كحفر‬
‫الآبار يف طرق امل�سلمني‪ ،‬و�إلقاء ال�سم يف �أطعمتهم(‪ ،)3‬فهذه يجب �سدها‪ ،‬وكجلب الب�ضائع‬
‫�إىل ال�سوق(‪ ،)4‬و�إن�شاء البنوك الإ�سالمية حلفظ �أموال امل�سلمني(‪ ،)5‬فهذه يجب فتحها‪.‬‬
‫الق�سم الثاين‪ :‬ذرائع ملغاة اتفا ًقا؛ وهي ما تف�ضي �إىل املق�صود ناد ًرا(‪)6‬؛ كاملنع من‬
‫زراع ��ة العنب خ�شية اخلمر‪ ،‬و�أكل الأغذية الت ��ي غالب �أ�صولها ال ت�ضر(‪ ،)7‬فهذه ال يجوز‬
‫�سدها‪.‬‬
‫الق�سم الثالث‪ :‬ذرائع خمتلف فيها؛ وهي ما تف�ضي �إىل املق�صود كث ًريا(‪)8‬؛ كالتورق‪،‬‬
‫فقد اختلف فيه العلماء بني من ي�سده‪ ،‬ومن يفتحه(‪.)9‬‬
‫وهذا الق�سم مو�ضع نظر والتبا�س عند العلماء(‪ ،)10‬واالختالف فيه يرجع �إىل حتقيق‬
‫((( قواعد الو�سائل‪ ،‬مل�صطفى خمدوم‪� ،‬ص‪.366‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.54/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.32/2‬‬
‫((( انظر‪� :‬أ�صول الفقه‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.255‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.85‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.54/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪ ،32/2‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.54/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.54/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املمتع‪ ،‬البن عثيمني ‪.221-219/8‬‬
‫(‪ ((1‬انظ ��ر‪ :‬قاع ��دة �سد الذرائع وتطبيقاتها املعا�صرة‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة‬
‫من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،26‬العدد ‪1433 ،87‬هـ‪� ،‬ص‪.158‬‬

‫‪153‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املن ��اط ال ��ذي يتحقق به التذرع‪ ،‬ولي� ��س �إىل �أ�صل العمل بالذرائ ��ع(‪)1‬؛ وذلك بالنظر �إىل‬
‫م ��كان العامل‪ ،‬وع ��ادات النا�س يف زمانه‪ ،‬فقد يختلف الإف�ض ��اء �إىل املق�صود كرثة وقلة‪،‬‬
‫من مكان �إىل مكان‪ ،‬ومن زمان �إىل زمان‪.‬‬
‫ويالح ��ظ �أن �أك�ث�ر الأمثلة الت ��ي يذكرها العلم ��اء للذرائع �إمنا ه ��ي يف الذرائع �إىل‬
‫املحرم(‪.)2‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬م�شروعية اعتبار الذرائع‬
‫ن� ��ص املالكية واحلنابلة عل ��ى �أن اعتبار �سد الذرائع �أ�ص ٌل م ��ن �أ�صولهم(‪ ،)3‬قال �أبو‬
‫زهرة‪«:‬ه ��ذا �أ�صل من الأ�صول التي �أكرث من االعتماد عليها يف ا�ستنباطه الفقهي الإمام‬
‫مالك ‪ ،‬وقاربه يف ذلك الإمام �أحمد بن حنبل ‪.)4(»‬‬
‫�أم ��ا احلنفي ��ة‪ ،‬فلم ين�صوا عل ��ى اعتبارها م ��ن �أ�صولهم‪� ،‬إال �أن م ��ن املقرر عندهم‬
‫�أن«الو�سيل ��ة �إىل ال�ش ��يء حكمها حكم ذل ��ك ال�شيء»(‪ ،)5‬فهذا �إعم ��ال للذرائع يف مذهب‬
‫احلنفية‪ ،‬وقد �أعملوها يف فروعهم الفقهية(‪ ،)6‬فقد منعوا ال�شابة من اخلروج للجماعات؛‬
‫«لأن خروجه ��ن �إىل اجلماع ��ة �سب ��ب الفتنة‪ ،‬والفتنة ح ��رام‪ ،‬وم ��ا �أدى �إىل احلرام فهو‬
‫ح ��رام»(‪ ،)7‬ومنع ��وا املظاهر من مل�س زوجت ��ه‪ ،‬وتقبيلها حتى ُيك ّفر؛ «لأن ��ه ملا حرم الوطء‬
‫�إىل �أن يك ّف ��ر ح ��رم الدواعي للإف�ض ��اء �إلي ��ه؛ ولأن الأ�صل �أن �سبب احل ��رام حرام»(‪،)8‬‬

‫انظر‪ :‬اعتبار م�آالت الأفعال و�أثرها الفقهي‪ ،‬لوليد احل�سني ‪.328/1‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬أ�صول الفقه‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.255‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد‪� ،39/2‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف ‪.214/3‬‬ ‫((( ‬
‫مالك‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪� ،‬ص‪.345‬‬ ‫((( ‬
‫بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪.106/7‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق �شرح كنز الدقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،352/1‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪.317/2‬‬ ‫(( (‬
‫بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪.157/1‬‬ ‫((( ‬
‫فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪.47/10‬‬ ‫((( ‬

‫‪154‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وذك ��ر ال�شاطبي �أن ��ه ال يلزم من خالف �أبي حنيفة يف بع� ��ض التفا�صيل«تركه لأ�صل �سد‬
‫الذرائع»(‪.)1‬‬
‫�أما ال�شافعية فقد ن�صوا على عدم اعتبارها �أ�صل(‪� ،)2‬إال �أنهم �أعملوها يف فروعهم‬
‫الفقهي ��ة(‪)3‬؛ فقد منعوا مبا�ش ��رة احلائ�ض ما بني ال�سرة والركبة؛ ق ��ال ال�سيوطي‪« :‬قال‬
‫الأئم ��ة‪ :‬و�إمن ��ا كان التحرمي �أحب؛ لأن في ��ه ترك مباح الجتناب حم ��رم»(‪ .)4‬ومنعوا من‬
‫قر� ��ض اجلاري ��ة؛ لأن«جتويز ذل ��ك يف�ض ��ي �إىل �أن ي�صري ذريع ��ة �أن يط�أه ��ا وهو ميلك‬
‫ردها‪...‬وفيه منع الذرائع»(‪ ،)5‬وجاء عن ال�شافعي‪«:‬ويف منع املاء ليمنع به الكلأ الذي هو‬
‫م ��ن رحمة اهلل عام يحتمل معني�ي�ن‪� :‬أحدهما‪�:‬أن ما كان ذريع ��ة �إىل منع ما �أحل اهلل مل‬
‫يحل‪ ،‬وكذلك ما كان ذريعة �إىل �إحالل ما حرم اهلل تعاىل‪ ،‬ف�إن كان هذا هكذا ففي هذا‬
‫ما يثبت �أن الذرائ ��ع �إىل احلالل واحلرام ت�شبه معاين احلالل واحلرام‪...‬واملعنى الأول‬
‫�أ�شب ��ه»(‪ .)6‬وهذا الن�ص من ال�شافعي ي ��دل على اعتباره للذرائع‪ ،‬وقد حمل ال�سبكي كالم‬
‫ال�شافع ��ي على«حترمي الو�سائل‪ ،‬ال �سد الذرائع‪ ،‬و�أن الو�سائل ت�ستلزم املتو�سل �إليه»(‪ ،)7‬و‬
‫ال ي�سلم له؛ لأنه بالرجوع �إىل م�صطلح الذريعة والذرائع عند ال�شافعي يف كتابه الأم جند‬
‫�أن ��ه ا�ستخدمه ��ا �ست ع�شرة مرة(‪ ،)8‬وكله ��ا باملعنى املعروف لها وال ��ذي ي�ستخدمه غريه‬
‫م ��ن املذاه ��ب؛ مما يدل على �أن امل ��راد بها هنا الذريعة مبعناها املع ��روف‪ .‬وعلى فر�ض‬

‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.68/4‬‬ ‫((( ‬


‫الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪ ،152/5‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪.75/8‬‬ ‫((( ‬
‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي‪� ،‬ص‪.106‬‬ ‫((( ‬
‫البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪.94/8‬‬ ‫((( ‬
‫الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.51/4‬‬ ‫((( ‬
‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سبكي ‪.12/1‬‬ ‫((( ‬
‫الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.312 /7 ،149/6 ،233 ،232 ،230 ،121 ،120 ،51 /4 ،124/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪155‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الت�سليم فقد ذكر ال�سبكي بعد كالمه ال�سابق �أن«الذريعة ثالثة �أق�سام‪�:‬أحدها‪ :‬ما يقطع‬
‫بتو�صله �إىل احلرام؛ فهو حرام عندنا وعند املالكية»(‪ ،)1‬فهذا دليل منه �أن الو�سيلة التي‬
‫يق�صده ��ا ق�سم م ��ن �أق�سام الذريعة‪ ،‬و�أن ال�شافعية يعتدون ب�أ�ص ��ل الذرائع‪ ،‬و�إن اختلفوا‬
‫م ��ع غريهم يف الأق�س ��ام الأخرى للذريعة‪ ،‬وجاء عن ال�سبك ��ي يف مو�ضع �آخر �أن«الذرائع‬
‫حراما‪ ،‬وقد تك ��ون مكروهة‪ ،‬ومندوبة‪،‬‬ ‫ه ��ي الو�س ��ائ» و�أنها «قد تكون واجب ��ة‪ ،‬وقد تكون ً‬
‫ومباحة»(‪ ،)2‬فالو�سائل التي ذكر ال�سبكي عن ال�شافعي حترميها هي الذرائع‪� ،‬أو ق�سم من‬
‫�أق�سام الذرائع‪ ،‬وفيه داللة على �إعمالها يف املذهب ال�شافعي‪.‬‬
‫وق ��د نقل ال�شافعي يف الأم حماورة رجل له عن ف ��روع �أعمل ال�شافعي فيها الذريعة‪،‬‬
‫وذكر ال�شافعي �أن دليله القيا�س‪ ،‬ثم ملا �س�أله الرجل‪� :‬أفتقول بالذريعة؟ قال‪ :‬ال‪« .‬وال معنى‬
‫يف الذريع ��ة‪� ،‬إمن ��ا املعنى يف اال�ستدالل باخلرب ال�ل�ازم‪� ،‬أو القيا�س عليه‪� ،‬أو املعقول»(‪،)3‬‬
‫فال�شافعي ُيعمل الذرائع لكنه ال يجعلها دليلاً بل ي�ستدل ب�أدلة �أخرى؛ كاخلرب‪ ،‬والقيا�س‪،‬‬
‫واملعقول‪ ،‬والفقهاء الذين ي�ستدلون بالذريعة ال تخرج �أدلتهم عن هذه الأدلة التي ذكرها‬
‫ال�شافع ��ي‪� ،‬إال �أنهم‪ ،‬اً‬
‫بدل م ��ن �أن يقولوا يف كل و�سيلة ت�ؤول ملحرم ب�أن اخلرب‪� ،‬أو‪ ‬القيا�س‪،‬‬
‫دل عل ��ى �أن للو�سيلة حكم ما ت�ؤول �إليه‪ ،‬يقت�صرون على النهي «�سدً ا للذريعة»‪.‬‬ ‫�أو العق ��ل‪ّ ،‬‬
‫فالنتيج ��ة واحدة وهي �إعمال الذرائع عند ال�شافعية وعند غريهم‪ ،‬والتطبيقات الفقهية‬
‫عند املذاهب الفقهية تدل على اعتبارهم للذرائع‪ ،‬و�إن اختلفوا يف امل�صطلح فال م�شاحة‬
‫يف اال�صطالح‪.‬‬
‫لق ��د تبني«�أن قاع ��دة الذرائع متفق عل ��ى اعتبارها يف اجلمل ��ة»(‪ ،)4‬واخلالف بني‬

‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سبكي ‪.12/1‬‬ ‫((( ‬


‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.124/3‬‬ ‫((( ‬
‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.185/5‬‬ ‫((( ‬

‫‪156‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫العلماء �إمنا ه ��و اختالف يف املناط الذي يتحقق فيه التذرع(‪)1‬؛ قال القرايف‪«:‬فلي�س �سد‬
‫خا�صا مبالك‪ ،‬بل قال بها هو �أكرث من غريه‪ ،‬و�أ�صل �سدها جممع عليه»(‪.)2‬‬ ‫الذرائع ً‬
‫والأدل ��ة عل ��ى اعتبار الذرائع كث�ي�رة‪ ،‬وقد ذكر ابن القيم يف �إع�ل�ام املوقعني ت�سعة‬
‫وت�سعني دليل على املنع من فعل ما ي�ؤدي �إىل احلرام‪ ،‬ولو كان جائزً ا يف نف�سه (‪ ،)3‬ومن‬
‫هذه الأدلة‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬ق ��ول اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﮊ (‪.)4‬‬
‫وج ��ه الداللة م ��ن الآية‪� :‬أن اهلل منع امل�ؤمنني من �سب �آلهة امل�شركني‪ ،‬مع �أنه حمية‬
‫هلل و�إهان ��ة لآلهتهم؛ لأن �سب �آلهتهم ذريع ��ة �إىل �سبهم اهلل تعاىل‪ ،‬وكانت م�صلحة ترك‬
‫م�سبته تعاىل �أرجح من م�صلحة ال�سب لآلهتهم‪ ،‬ويف هذا منع من املباح؛ لئال يكون �سب ًبا‬
‫يف فعل ما ال يجوز(‪ ،)5‬قال ابن عا�شور‪«:‬وقد احتج علما�ؤنا بهذه الآية على �إثبات �أ�صل من‬
‫�أ�صول الفقه عند املالكية؛ وهو امللقب مب�س�ألة �سد الذرائع»(‪.)6‬‬
‫الدلي ��ل الثاين‪:‬ق ��ول اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﮊ (‪.)7‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ة‪� :‬أن اهلل نهى امل�ؤمنني من قول ه ��ذه الكلمة‪ ،‬مع ق�صدهم‬
‫به ��ا اخل�ي�ر؛ لئال يكون ذل ��ك ذريعة �إىل �أن يقوله ��ا اليهود للنبي × ت�شب ًه ��ا بامل�سلمني‪،‬‬
‫تعليق ال�شيخ عبداهلل دراز على املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.185/5‬‬ ‫(( (‬
‫الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.33/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.126-110/3‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الأنعام‪ ،‬الآية‪.108‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.110/3‬‬ ‫((( ‬
‫التحرير والتنوير‪ ،‬البن عا�شور ‪.431/7‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.104‬‬ ‫((( ‬

‫‪157‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ويق�ص ��دون بها �سب النب ��ي ×‪ ،‬وهذا غري ما يق�ص ��ده امل�سلمون(‪)1‬؛ فه ��ذا النهي«�سدً ا‬
‫للذرائع‪ ،‬حتى ال يتخذ اللفظ املحتمل ذريعة ل�شيء قبيح»(‪.)2‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬ق ��ول اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫(‪)3‬‬
‫ﭛﮊ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الآية‪� :‬أن اهلل نه ��ى يف هذه الآية عن القرب من مال اليتيم الذي‬
‫يعم وجوه الت�صرف‪ ،‬وفيه �سد للذريعة؛ لكيال يتو�صل �إىل �أكل مال اليتيم(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪ :‬عن ابن عم ��ر ر�ضي اهلل عنهم ��ا‪ ،‬قال‪َ «:‬ل َق ْد َر�أَ ْي ُت ال َّنا� � َ�س فيِ َع ْه ِد‬
‫�ام‪ُ ،-‬ي ْ�ض َر ُبونَ �أَنْ َي ِبي ُعو ُه فيِ َم َكا ِن ِه ْم‪َ ،‬حتَّى‬ ‫�ول اللهَّ ِ ×‪َ ،‬ي ْبت ُ‬
‫َاعونَ ِجزَ ا ًفا ‪َ -‬ي ْع ِني َّ‬
‫الط َع � َ‬ ‫َر ُ�س � ِ‬
‫ُي�ؤْ ُوو ُه �إِلىَ ِر َحا ِل ِه ْم»‪.‬رواه البخاري(‪.)5‬‬
‫وج ��ه الداللة م ��ن احلديث‪� :‬أن يف احلديث نهي امل�شرتي عن بيع الطعام حتى ي�ؤيه‬
‫�إىل رحله؛ لئال يكون البيع ذريعة �إىل جحد البائع البيع‪ ،‬وعدم �إمتامه له �إذا ر�أى امل�شرتي‬
‫قد ربح فيه‪ ،‬فيغره الطمع‪ ،‬وت�شح نف�سه بالت�سليم(‪.)6‬‬
‫الدلي ��ل اخلام�س‪ :‬ع ��ن زينب‪ ،‬امر�أة عبد اهلل بن م�سعود‪ ،‬ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫قال لنا ر�سول اهلل ×‪�« :‬إِ َذا َ�ش ِه َدتْ �إِ ْحدَا ُك َّن المْ َ ْ�سجِ َد َفلاَ تمَ َ َّ�س طِ ي ًبا» » رواه م�سلم(‪.)7‬‬
‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن يف احلديث نه ًيا للمر�أة �أن تتطيب �إذا �أرادت اخلروج‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.110/3‬‬ ‫((( ‬
‫التف�سري املنري‪ ،‬للزحيلي ‪.258/1‬‬ ‫((( ‬
‫�سورة الأنعام‪ ،‬الآية ‪.152‬‬ ‫((( ‬
‫املحرر الوجيز‪ ،‬البن عطية ‪.362/2‬‬ ‫((( ‬
‫كتاب البيوع‪ ،‬باب من ر�أى‪� :‬إذا ا�شرتى طعاما جزافا‪� ،‬أن ال يبيعه حتى ي�ؤويه �إىل رحله‪ ،‬والأدب يف ذلك‪ ،‬برقم‪.2137‬‬ ‫((( ‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.119/3‬‬ ‫((( ‬
‫كتاب ال�صالة‪ ،‬باب خروج الن�ساء �إىل امل�ساجد �إذا مل يرتتب عليه فتنة و�أنها ال تخرج مطيبة‪ ،‬برقم‪.443‬‬ ‫(( (‬

‫‪158‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�إىل امل�سج ��د؛ لأن ذلك ذريعة �إىل ميل الرجال وت�شوفهم �إليها‪ ،‬فنهاها عن التطيب �سدً ا‬
‫للذريعة‪ ،‬وحماية عن املف�سدة(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل ال�س ��اد�س‪� :‬أن ��ه �إذا«حرم الرب تع ��اىل �شي ًئا وله طرق وو�سائ ��ل تف�ضي �إليه‬
‫ف�إن ��ه يحرمها ومينع منها؛ حتقي ًقا لتحرمي ��ه‪ ،‬وتثبيتًا له‪ ،‬ومن ًعا �أن يقرب حماه‪ ،‬ولو �أباح‬
‫نق�ضا للتحرمي‪ ،‬و�إغرا ًء للنفو�س به‪ ،‬وحكمته‬ ‫الو�سائ ��ل والذرائع املف�ضية �إليه لكان ذل ��ك ً‬
‫تعاىل وعلمه ي�أبى ذلك كل الإباء»(‪.)2‬‬
‫ه ��ذه بع�ض الأدلة على اعتبار الذرائع‪ ،‬وكلها يف جان ��ب �سد الذرائع‪ ،‬وال�شريعة كما‬
‫�سدت ذرائع فتحت ذرائع �أخرى‪ ،‬فقد عمدت �إىل ذرائع امل�صالح ففتحتها ب�أن جعلت لها‬
‫حك ��م الوجوب‪ ،‬و�إن كانت ممنوعة‪� ،‬أو مباحة يف الأ�ص ��ل‪ ،‬وهذا ما يلقب عند الأ�صوليني‬
‫مب ��ا ال يتم الواجب �إال به فهو واجب(‪)3‬؛ ق ��ال القرايف‪«:‬اعلم �أن الذريعة كما يجب �سدها‬
‫يج ��ب فتحها‪ ،‬وتك ��ره وتندب وتباح‪ ،‬ف� ��إن الذريعة ه ��ي الو�سيلة فكم ��ا �أن و�سيلة املحرم‬
‫حمرم ��ة فو�سيلة الواجب واجبة كال�سعي للجمع ��ة واحلج»(‪ .)4‬بل «قد تكون و�سيلة املحرم‬
‫غ�ي�ر حمرم ��ة �إذا �أف�ض ��ت �إىل م�صلحة راجح ��ة كالتو�سل �إىل فداء الأ�س ��ارى بدفع املال‬
‫للكفار»(‪ ،)5‬والنظر �إىل املخطوبة‪ ،‬وكلمة احلق عند �سلطان جائر‪ ،‬ونحو ذلك(‪ ،)6‬قال ابن‬
‫القيم‪«:‬فال�شريعة جاءت ب�إباحة هذا الق�سم‪� ،‬أو ا�ستحبابه‪� ،‬أو �إيجابه‪ ،‬بح�سب درجاته يف‬
‫امل�صلحة»(‪.)7‬‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.118/3‬‬ ‫((( ‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.109/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.369‬‬ ‫(( (‬
‫الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.33/2‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.110/3‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.110/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪159‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الرابع‪ :‬العالقة بني الذرائع واحليل‬


‫تتف ��ق الذرائع م ��ع احلي ��ل يف �أن كلاً منهما و�سائ ��ل �إىل حت�صيل مق�ص ��ود(‪ ،)1‬لكن‬
‫الذرائ ��ع تفارق احليل يف ق�صد الفاع ��ل(‪)2‬؛ فالذرائع ت�شمل الو�سيلة التي ق�صد �صاحبها‬
‫تغيري احلكم ال�شرع ��ي‪ ،‬والو�سيلة التي مل يق�صد �صاحبها تغيري احلكم ال�شرعي(‪� ،)3‬أما‬
‫احلي ��ل فهي خا�ص ��ة مبا ق�صد �صاحبها تغيري احلكم ال�شرع ��ي مبهارة وحذق وخفاء(‪،)4‬‬
‫ق ��ال ابن تيمية‪�«:‬إن احليلة تكون مع ق�صد �صاحبها ما ه ��و حمرم يف ال�شرع‪ ...‬و�أما �سد‬
‫الذرائ ��ع‪ ،‬فيك ��ون م ��ع �صحة الق�ص ��د»(‪« .)5‬فالفرق ب�ي�ن الذرائع واحلي ��ل يتلخ�ص يف �أن‬
‫الذرائ ��ع �أعم من احليل‪ ،‬و�أن وجه �أهميته ��ا هو �أنها ت�شتمل املق�صود وغري املق�صود مما‬
‫تف�ضي �إليه‪� ،‬أما احليل فتخت�ص باملق�صود ابتدا ًء»(‪.)6‬‬
‫وق ��د ذك ��ر بع� ��ض الباحثني م ��ن الفروق ب�ي�ن احلي ��ل والذرائ ��ع‪� ،‬أن احلي ��ل جتري يف‬
‫العق ��ود خا�ص ��ة‪ ،‬والذرائع تعم العق ��ود وغريها(‪ ،)7‬وال ُي�سل ��م له ذلك؛ فقد َذ َك� � َر من �أمثلة‬
‫احليل‪«:‬احتيال امل�سلم على هزمية الكفار‪،‬كما فعل نعيم بن م�سعود ‪ ‬يوم اخلندق(‪.)9()8‬‬
‫(( ( انظر‪:‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.107‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬أ�صول مذهب الإمام �أحمد‪ ،‬للرتكي‪� ،‬ص‪.501‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.173/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.215-214/23‬‬
‫((( تف�سري �آيات �أ�شكلت‪ ،‬البن تيمية ‪.682/2‬‬
‫(( ( الفروق يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبداللطيف احلمد‪� ،‬ص‪.443‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬فتح الذرائع و�أثره يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملحمد الطبقجلي‪� ،‬ص‪.319‬‬
‫(( ( ق�صة نعيم بن م�سعود ‪ ‬يوم اخلندق يف تخذيل امل�شركني يوم الأحزاب ذكرها ابن ه�شام يف كتاب ال�سرية النبوية‬
‫‪ ،229/2‬واب ��ن القي ��م يف زاد املعاد ‪ ،244/3‬وه ��ي من الق�ص�ص التي انت�شرت ومل تثبت م ��ن الناحية احلديثية؛ قال‬
‫الألب ��اين يف تخريجه لأحاديث كت ��اب فقه ال�سرية للغزايل‪«:‬ذكر ه ��ذه الق�صة ابن �إ�سحاق ب ��دون �إ�سناد»‪.‬انظر‪:‬فقه‬
‫ال�سرية‪ ،‬للغزايل‪� ،‬ص‪ ،236‬ما �شاع ومل يثبت يف ال�سرية النبوية‪ ،‬للعو�شن‪� ،‬ص‪.170‬‬
‫(( ( فتح الذرائع و�أثره يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملحمد الطبقجلي‪� ،‬ص‪.320‬‬

‫‪160‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وه ��ذه احليلة لي�ست يف العق ��ود‪ ،‬وكذلك احليلة بال�سفر يف رم�ض ��ان للفطر(‪ ،)1‬وقد ذكر‬
‫ابن القيم حيلاً فقهية يف امل�سح على اخلفني(‪ ،)2‬واحلج (‪ ،)3‬وهي لي�ست من العقود‪.‬‬
‫املطلب اخلام�س‪� :‬ضوابط العمل بالذرائع‬
‫بعدم ��ا تب�ي�ن م�شروعية اعتبار الذرائ ��ع و�أهميتها‪ ،‬خا�صة يف االجته ��اد املعا�صر؛ ملا‬
‫ي�شه ��ده م ��ن كرثة يف امل�ستجدات والن ��وازل‪ ،‬فال بد من �ضوابط ت�ضب ��ط العمل بالذرائع‬
‫حت ��ى ال يح�صل من جراء �إعمالها ت�ضييق على النا� ��س‪� ،‬أو جتاوز حلدود امل�شروع‪ ،‬وهذه‬
‫ال�ضوابط‪:‬‬
‫‪�-1‬أن تف�ضي الو�سيلة �إىل املق�صود غال ًبا‪ ،‬و�أال ُيبالغ يف �إعمال الذرائع؛ ف�إن «املبالغة‬
‫يف �س ��د الذرائع‪ ،‬قد حترم النا�س من خريات كثرية‪ ،‬وم�صالح كبرية‪ ،‬كما �أن املبالغة يف‬
‫فتحها قد ت�ؤدي �إىل �شر م�ستطري‪ ،‬وف�ساد كبري»(‪.)4‬‬
‫‪� -2‬أال يعار� ��ض العم ��ل بالذرائع الن� ��ص(‪)5‬؛ كالنهي عن �صيام �ست م ��ن �شوال �سدً ا‬
‫لذريع ��ة ظن بع�ض النا�س �إحلاقها برم�ضان(‪ ،)6‬ف� ��إن ذلك معار�ض لن�ص احلديث الذي‬
‫رواه م�سل ��م عن �أبي �أيوب الأن�صاري ‪� ،‬أنه حدثه‪� ،‬أن ر�سول اهلل × قال‪َ « :‬منْ َ�ص ��ا َم‬
‫َر َم َ�ضا َن ُث َّم �أَ ْت َب َع ُه �سِ ًّتا مِ نْ َ�ش َّوالٍ ‪َ ،‬كا َن َك ِ�ص َيا ِم الدَّهْ رِ»(‪ .)7‬وكفتح ذرائع الربا بحجة �أنه‪«:‬ال‬
‫دول ��ة بال اقت�ص ��اد‪ ،‬وال اقت�صاد بغري بنوك‪ ،‬وال بنوك بغري رب ��ا»(‪ ،)8‬وبحجة �إمداد بع�ض‬

‫انظر‪ :‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬البن عا�شور‪� ،‬ص‪.358‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.287/3‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.272/3‬‬ ‫((( ‬
‫االجتهاد املعا�صر‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.71‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.169‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬املوط�أ‪ ،‬ملالك بن �أن�س ‪.447/3‬‬ ‫((( ‬
‫كتاب ال�صيام‪ ،‬باب ا�ستحباب �صوم �ستة �أيام من �شوال �إتباعا لرم�ضان‪ ،‬برقم ‪.1146‬‬ ‫(( (‬
‫فتاوى معا�صرة‪ ،‬للقر�ضاوي ‪.430/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪161‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املن�ش� ��آت احلكومية بزيادة ر�أ�س مالها بفائ ��دة؛ ليت�سع نطاق معامالتها‪ ،‬وتكرث �أرباحها‪،‬‬
‫فينتف ��ع العمال واملوظفون‪ ،‬وتنتفع احلكومة بفا�ضل الأرب ��اح(‪)1‬؛ ف�إن ذلك معار�ض لقول‬
‫اهلل تع ��اىل‪ :‬ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ (‪ ،)2‬ولغريها من الآيات والأحاديث التي تنهى‬
‫عن الربا‪.‬‬
‫‪� -3‬أال يعار� ��ض العمل بالذرائ ��ع املقا�صد ال�شرعية(‪)3‬؛ فم ��ن املقا�صد ال�شرعية رفع‬
‫احل ��رج‪ ،‬ف�ل�ا ينبغي �أن ت�سد ذريعة يلح ��ق النا�س حرج يف �سده ��ا‪ ،‬وال تفتح ذريعة يلحق‬
‫النا� ��س ح ��رج يف فتحها‪ ،‬فمراع ��اة املقا�صد مقدم عل ��ى مراعاة الو�سائ ��ل‪ ،‬قال العز بن‬
‫عبدال�سالم‪« :‬الو�سائل ت�سقط ب�سقوط املقا�صد»(‪.)4‬‬
‫‪� -4‬أال ُتنق ��ل الفت ��وى الت ��ي �أُعملت فيه ��ا الذرائع من زم ��ان �إىل زمان �آخ ��ر‪� ،‬أو من‬
‫م ��كان �إىل م ��كان �آخر؛ الختالف ع ��ادات النا�س وتغري �أحوالهم‪ ،‬فما يك ��ون �إف�ضا�ؤه �إىل‬
‫املق�ص ��ود كث ًريا �أو غال ًبا يف زمان �أو مكان قد يك ��ون �إف�ضا�ؤه يف زمان �أو مكان �آخر قليلاً‬
‫�أو ن ��اد ًرا؛ قال القرايف‪« :‬فمهما جتدد يف العرف اعتربه‪ ،‬ومهما �سقط �أ�سقطه‪ ،‬وال جتمد‬
‫عل ��ى امل�سطور يف الكتب طول عمرك‪ ،‬بل �إذا جاءك رجل من غري �أهل �إقليمك ي�ستفتيك‬
‫ال جت ��ره على ع ��رف بلدك‪ ،‬وا�س�أله ع ��ن عرف بلده‪ ،‬و�أَ ْج � ِ�ره عليه‪ ،‬و�أفت ��ه به دون عرف‬
‫بل ��دك‪ ،‬واملقرر يف كتبك‪ ،‬فهذا ه ��و احلق الوا�ضح‪ ،‬واجلمود عل ��ى املنقوالت �أبدً ا �ضالل‬
‫يف الدي ��ن‪ ،‬وجهل مبقا�صد علماء امل�سلمني‪ ،‬وال�سلف املا�ضني»(‪ ،)5‬وقد عقد ابن القيم يف‬

‫((( الفت ��اوى‪ ،‬ل�شلت ��وت‪� ،‬ص‪ .305‬وانظر‪ :‬فوائد البنوك هي الربا احلرام‪ ،‬للقر�ض ��اوي‪� ،‬ص‪ .84‬فقد نقل القر�ضاوي عن‬
‫ال�شيخ �شلتوت تراجعه عن الفتوى ب�إباحة عائد �صندوق التوفري‪.‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.174‬‬
‫(( ( قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام‪ ،‬للعز بن عبدال�سالم ‪.128/1‬‬
‫((( الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.177-176/1‬‬

‫‪162‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫كتاب ��ه �إعالم املوقعني ف�صلاً ‪« :‬يف تغيري الفتوى واختالفها بح�سب تغري الأزمنة والأمكنة‬
‫والأح ��وال والني ��ات والعوائد»(‪ ،)1‬وق ��ال يف مقدمته‪« :‬هذا ف�صل عظي ��م النفع جدً ا‪ ،‬وقع‬
‫ب�سبب اجلهل به غلط عظيم على ال�شريعة‪� ،‬أوجب من احلرج وامل�شقة وتكليف ما ال �سبيل‬
‫�إليه ما يعلم �أن ال�شريعة الباهرة التي يف �أعلى رتب امل�صالح ال ت�أتي به»(‪.)2‬‬
‫ه ��ذه �ضوابط العمل بالذرائع التي ينبغي من الع ��امل واملجتهد مراعاتها قبل �إعمال‬
‫وفتحا‪.‬‬
‫الذرائع �سدً ا ً‬
‫املطلب ال�ساد�س‪ :‬الذرائع والهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫�إعم ��ال الذرائع من �أه ��م الأدوات امل�ستخدمة يف الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية للعقود؛‬
‫فال تكاد جتد عقدًا من العقود امل�ستحدثة متت هند�سته‪ ،‬واختلف فيه العلماء‪� ،‬إال كان من‬
‫�ضمن �أدلة املانعني �سد الذرائع‪ ،‬ومن �ضمن �أدلة املجيزين فتح الذرائع‪ ،‬وعلى �سبيل املثال‬
‫عق ��ود الإذع ��ان(‪ ،)3‬فقد كان من �ضم ��ن �أدلة املانعني لها �سد الذريع ��ة(‪)4‬؛ لأنها ذريعة من‬
‫ذرائع اجلور والظلم وعدم امل�ساواة؛ ملا فيها من عدم تعادل املراكز االقت�صادية‪ ،‬و�سيطرة‬
‫الط ��رف القوي على العقد‪ ،‬و�إذع ��ان الطرف الآخر له‪ ،‬من دون ح ��ق يف امل�ساومة احلرة‪،‬‬
‫املذعن �إىل‬
‫وفيه ��ا اختالل الر�ض ��ا الذي يعد من �أهم �شروط التعاق ��د(‪ ،)5‬ب�سبب ا�ضطرار ِ‬
‫�شروط الطرف القوي‪ ،‬فعقود الإذعان على ذلك ينبغي �أن ت�سد ملا فيها من املفا�سد(‪.)6‬‬

‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.11/3‬‬


‫((( املرجع ال�سابق ‪.11/3‬‬
‫(( ( عق ��د الإذع ��ان هو‪«:‬العقد الذي ي�ضط ��ر �أحد طرفيه لقبول ��ه دون م�ساومة �أو تغي�ي�ر يف �شروطه»‪.‬انظر‪� :‬أحكام عقد‬
‫الإذعان يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملنال جهاد‪� ،‬ص‪.41‬‬
‫((( ن�س ��ب الفرفور منع عقود الإذع ��ان �إىل جمهور الفقهاء املعا�صرين‪.‬انظر‪ :‬جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‪،14‬‬
‫‪.241/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬االقناع‪ ،‬للحجاوي ‪.57/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.227‬‬

‫‪163‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ويف الط ��رف الآخ ��ر الذي ��ن �أجازوها(‪ )1‬نظ ��روا �إىل �أنه ��ا ذريعة لتحقي ��ق م�صالح‬
‫اقت�صادي ��ة‪ ،‬ففيها �سرعة �إجناز العقود و�إمتامه ��ا‪ ،‬وهذا ما تتطلبه احلركة االقت�صادية‬
‫الدائب ��ة يف التط ��ور‪ ،‬وبذلك ال ي�ضيع الوقت والنفقة يف امل�ساوم ��ات‪ ،‬وميكن عن طريقها‬
‫ت�سوي ��ق املنتج ��ات ب�سرعة و�سهول ��ة وب�أدنى النفق ��ات‪ ،‬فعقود الإذعان ذريع ��ة من ذرائع‬
‫حتقيق مقا�صد الرواج والتك�سب واال�ستثمار‪ ،‬ومن ثم يجب فتحها وت�شجيعها(‪.)2‬‬
‫وقد ق�سم جممع الفقه الإ�سالمي عقود الإذعان ق�سمني‪:‬‬
‫عادل‪ ،‬ومل تت�ضمن �شروطه ظل ًم ��ا بالطرف املذعن‪ ،‬فهو‬ ‫الأول‪ :‬م ��ا كان الثم ��ن فيه اً‬
‫�شرعا(‪.)3‬‬
‫�صحيح ً‬
‫الث ��اين‪ :‬م ��ا انط ��وى على ظل ��م بالط ��رف املذع ��ن؛ لأن الثم ��ن فيه غري ع ��ادل‪� ،‬أو‬
‫�شروطا تع�سفية‪ ،‬فهذا يج ��ب تدخل الدولة‪ ،‬بالت�سعري‪� ،‬أو بتعديل و�إلغاء ال�شروط‬ ‫ت�ضم ��ن ً‬
‫التع�سفية(‪.)4‬‬
‫وه ��ذا القرار يجمع بني فت ��ح ذرائع امل�صالح التي ت�شتمل عليها عقود الإذعان‪ ،‬و�سد‬
‫ذرائع املفا�سد التي ت�شتمل عليها‪.‬‬
‫وال ��ذي يالحظ عل ��ى كثري م ��ن معام�ل�ات امل�ص ��ارف الإ�سالمية وج ��ود مبالغة يف‬
‫فت ��ح الذرائع بحج ��ة «ت�شجيع امل�صارف الإ�سالمية القائمة ودع ��م �إن�شاء املزيد من هذه‬
‫امل�ص ��ارف لتع ��م منافعها على جمي ��ع امل�ستوي ��ات»(‪)5‬؛ فمن �ضمن �أدلة م ��ن �أجاز التورق‬

‫(( ( ذهب بع�ض املعا�صرين �إىل جواز عقود الإذعان‪ ،‬منهم‪ :‬اجلواهري‪ ،‬والفرفور‪ ،‬والندوي‪ ،‬وغريهم‪.‬انظر‪ :‬جملة جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ‪� ،417 ،241 ،447/3 ،14‬أحكام عقد الإذعان يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملنال جهاد‪� ،‬ص‪.59‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت عبدالعزيز‪� ،‬ص‪.227‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن عقود الإذعان رقم ‪.)14/6(132‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ‪� ،3‬ص‪.893‬‬

‫‪164‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫امل�صريف املنظم فتح الذرائع؛ لأنه يحقق الغر�ض املن�شود من التورق الفردي غري املنظم‬
‫بتكلفة �أقل‪ ،‬ودون م�شقة وعناء‪ ،‬وال�شريعة جاءت لتح�صيل امل�صالح وتكميلها(‪.)1‬‬
‫وم ��ن �ضمن �أدلة م ��ن �أجاز بيع املرابحة للآمر بال�ش ��راء بوعده امللزم للطرفني فتح‬
‫الذرائ ��ع؛ لأن «جمه ��ور النا�س يف ع�صرن ��ا �أحوج ما يكونون �إىل التي�س�ي�ر والرفق؛ رعاي ًة‬
‫لظروفه ��م‪ ،‬وما غلب على �أكرثهم من رقة الدين‪ ،‬و�ضعف اليقني‪ ،‬وما ابتلوا به من كرثة‬
‫املغريات بالإثم‪ ،‬واملعوقات عن اخلري‪...‬وهذا يجعل الفقيه ي�ستح�ضر الرخ�ص‪ ،‬ف�إن اهلل‬
‫يحب �أن ت�ؤت ��ى رخ�صه‪ ،‬ويقدر الأعذار وال�ضرورات‪ ،‬ويبح ��ث عن التي�سري ورفع احلرج‪،‬‬
‫والتخفيف عن العامة»(‪.)2‬‬
‫وه ��ذه املبالغة يف فتح الذرائ ��ع للمعامالت امل�صرفية قرب ��ت امل�سافة بني امل�صارف‬
‫الإ�سالمي ��ة‪ ،‬والبنوك الربوية‪ ،‬وه ��ذا لي�س من �صالح امل�ص ��ارف الإ�سالمية‪ ،‬بل �إنه �أحد‬
‫�أ�سب ��اب ح�صول البلبلة واحلرية بني امل�سلمني‪ ،‬و�ضعف الثق ��ة يف رجال الفقه املخت�صني‬
‫بالفت ��وى‪ ،‬والت�شكيك يف قدراتهم ونزاهته ��م‪ ،‬ف�ضلاً عن الوقوع يف خمالفات �شرعية(‪،)3‬‬
‫والذي ينبغي على العلماء املهتمني يف دعم امل�صارف الإ�سالمية �أن يراعوا �أن املبالغة يف‬
‫فتح الذرائع ال يدعم امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬بل يكون �سب ًبا يف ت�أخرها‪ ،‬و�ضعف الثقة بها‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( انظر‪ :‬يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.179‬‬
‫(( ( بيع املرابحة للآمر بال�شراء كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.25‬‬
‫((( انظر‪�:‬أث ��ر م�ستقب ��ل اختالف الفتوى على تطبي ��ق املنتجات املالي ��ة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬ملحم ��ود �إدري�س‪ ،‬بحث‬
‫من�شور يف م�ؤمتر الفتوى وا�ست�شراف امل�ستقبل يف جامعة الق�صيم‪ ،‬يف الفرتة ‪1434/6 /21-20‬هـ‪.492/5 ،‬‬

‫‪165‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫التلفيق‬
‫بع ��د تدوين املذاهب الفقهي ��ة خرجت �آراء تلزم النا�س مبذه ��ب واحد‪ ،‬وحترم عليهم‬
‫اخل ��روج من ��ه‪ ،‬و�سبب هذا الأمر ت�ضيي ًقا على النا�س؛ لأنه م ��ن الع�سري على املرء �أن يلتزم‬
‫مذه ًب ��ا معي ًنا‪� ،‬أو‪ ‬يلتزم بقول �إمام واحد ال يخرج عنه‪ ،‬حتى بع�ض �أئمة املذاهب من يحتاج‬
‫�إىل الأخذ بقول غريه من الأئمة؛ فقد «روي عن �أبي يو�سف(‪� )1‬أنه �صلى اجلمعة مغت�سلاً من‬
‫احلمام ثم �أخرب بف�أرة ميتة يف بئر احلمام فقال ن�أخذ بقول �إخواننا من �أهل املدينة»(‪ .)2‬مما‬
‫دعا ذلك بع�ض العلماء �أن يرفعوا عن النا�س هذا ال�ضيق‪ ،‬وي�سمحوا للنا�س �أن ي�أخذوا بقول‬
‫�أي ع ��امل يثقون بدينه وعلمه‪ ،‬ولهم �أال يلتزموا مبذهب معني(‪ ،)3‬فخرج ما ي�سمى مب�صطلح‬
‫التلفي ��ق‪ ،‬فلم يكن التلفيق معرو ًفا كم�صطلح يف القرون الأوىل‪ ،‬فال يوجد م�صطلح التلفيق‬
‫يف كت ��ب �أئمة املذاهب وال �أ�صحابه ��م‪� ،‬إمنا حدث يف القرون املت�أخرة(‪ ،)4‬وال يبعد �أن يكون‬
‫((( ه ��و يعقوب بن �إبراهيم بن حبيب الأن�ص ��اري‪� ،‬أبو يو�سف‪ ،‬ولد �سنة ‪113‬ه‪� ،‬صاحب الإمام �أبي حنيفة‪ ،‬وتلميذه‪ ،‬و�أول‬
‫م ��ن ن�شر مذهب ��ه‪ ،‬كان فقيه ًا عامل ًا‪ ،‬وهو �أول من دع ��ي قا�ضي الق�ضاة‪ ،‬وله م�صنفات منه ��ا ‪« :‬اخلراج»‪ ،‬و«النوادر»‪،‬‬
‫و«الأمايل يف الفقه»‪ ،‬مات �سنة ‪182‬هـ ‪.‬انظر‪ :‬اجلواهر امل�ضية‪ ،‬للقر�شي ‪ ،220 /2‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.193/8‬‬
‫((( حا�شية ابن عابدين ‪.75/1‬‬
‫((( اختل ��ف العلم ��اء يف حكم �إل ��زام امل�سلم مبذهب معني‪ ،‬وعدم اخل ��روج منه على ثالثة �أقوال‪ :‬الق ��ول الأول‪� :‬أنه يجب‬
‫التمذه ��ب‪ ،‬وال يج ��وز اخلروج من املذه ��ب‪ ،‬القول الثاين‪� :‬أنه ال يج ��ب التمذهب‪ ،‬وال يجوز اخل ��روج من املذهب ملن‬
‫الت ��زم مذه ًبا‪ ،‬القول الثالث‪� :‬أنه ال يج ��ب التمذهب‪ ،‬ويجوز اخلروج من املذهب ملن التزم مذهبا‪،‬والراجح هو القول‬
‫الثال ��ث؛ وذل ��ك لأنه ال واجب �إال ما �أوجب ��ه اهلل ور�سوله‪ ،‬ومل يوجب اهلل وال ر�سوله على �أح ��د من النا�س �أن يتمذهب‬
‫مبذه ��ب رجل من الأم ��ة فيقلده دون غريه‪ ،‬ومل يرد عن ال�صحابة �أنهم �أوجبوا على العوام تعيني املجتهدين‪ ،‬ووجوب‬
‫االقت�ص ��ار على مفت واح ��د دون غريه‪.‬انظر‪:‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغ ��زايل‪ ،154/4‬البحر املحي ��ط‪ ،‬للزرك�شي‪ ،375/8‬عقد‬
‫اجلي ��د يف �أحكام االجتهاد والتقليد‪ ،‬لويل اهلل الدهلوي � ��ص‪� ،31‬إر�شاد الفحول‪ ،‬لل�شوكاين‪ ،252/2‬جمموع الفتاوى‪،‬‬
‫البن تيمية‪ ،222/20‬مطالب �أوىل النهى‪ ،‬للرحيباين ‪.390/1‬‬
‫(( ( انظر‪:‬عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين‪� ،‬ص‪.94‬‬

‫‪167‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ح ��دوث البحث يف التلفي ��ق يف القرن اخلام�س ب�سبب �ش ��دة التع�صب والتحزب‪ ،‬ودخلول‬
‫ال�سيا�سة يف التمذهب(‪.)1‬‬
‫ه ��ذا ال ��كالم يف الع�صور املتقدمة‪� ،‬أما يف ع�صرنا فق ��د ا�ستحدث فيه الكثري من‬
‫املعام�ل�ات‪ ،‬وتعق ��دت فيه كثري م ��ن �أمور احلياة الت ��ي كانت ب�سيطة و�سهل ��ة يف الع�صور‬
‫الأوىل‪ ،‬وخ ��ف التع�ص ��ب للمذاه ��ب‪ ،‬وق� � َّل م ��ن ي�سري على مذه ��ب واح ��د يف كل �ش�ؤونه‪،‬‬
‫و�أ�صبح ��ت احلاج ��ة ملحة لال�ستف ��ادة من ال�ت�راث الفقهي الكبري ب�شت ��ى مذاهبه‪ ،‬ومن‬
‫ط ��رق اال�ستف ��ادة من هذا الرتاث الفقه ��ي التلفيق بني �أقوال الفقه ��اء و�ضم بع�ضها �إىل‬
‫بع� ��ض‪ ،‬فالتلفيق له �أهمية يف �شتى الأب ��واب الفقهية‪ ،‬وتزداد �أهميته يف �أبواب املعامالت‬
‫املالية؛ لكرثة امل�ستجدات والنوازل فيها‪ ،‬وحاجة كثري من هذه العقود �إىل هند�سة مالية‬
‫�إ�سالمية ال تتم �إال عن طريق التلفيق بني �أقوال الفقهاء‪ ،‬ويف هذا املبحث تبيني لذلك‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف التلفيق‬
‫التلفي ��ق لغة‪:‬م�صدر َلفَقَ َي ْل ِفقُ ‪ ،‬وت ��دور مادته على معنى ال�ضم‪ ،‬فلفق الثوب �ضم‬
‫�أحد �شقيه �إىل الآخر بخياطة‪ ،‬ونحوها(‪.)2‬‬
‫وا�صطالح ��ا‪ُ :‬ع ��رف التلفي ��ق بع ��دة تعريف ��ات‪ ،‬منها‪«:‬الإتي ��ان بكيفي ��ة ال يقول بها‬
‫ً‬
‫جمتهد»(‪.)3‬‬
‫وي�ؤخ ��ذ على ه ��ذا التعريف �أنه بيان لنتيجة التلفيق‪ ،‬دون بيان للطريقة التي يتم بها‬
‫أي�ضا قد ي�أت ��ي ال�شخ�ص بكيفية ال يق ��ول بها جمتهد‪ ،‬دون‬ ‫الو�ص ��ول له ��ذه النتيج ��ة(‪ ،)4‬و� ً‬
‫تلفيق بني قولني �أو �أكرث من �أقوال الأئمة(‪.)5‬‬

‫((( الفتوى يف الإ�سالم‪ ،‬للقا�سمي‪� ،‬ص‪.170‬‬


‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪ ،330/10‬القامو�س املحيط‪ ،‬للفريوز �أبادي‪� ،‬ص‪.922‬‬
‫(( ( عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين‪� ،‬ص‪.183‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التلفيق يف االجتهاد والتقليد‪ ،‬لنا�صر امليمان‪� ،‬ص‪.5‬‬
‫(( ( انظر‪:‬التلفيق بني املذاهب الفقهية‪ ،‬لغازي العتيبي‪� ،‬ص‪.9‬‬

‫‪168‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫أي�ض ��ا ب�أنه‪«:‬الأخذ يف الأح ��كام الفقهية بقول �أك�ث�ر من مذهب يف‬ ‫وع ��رف التلفي ��ق � ً‬
‫ُ‬
‫�أبواب متفرقة‪� ،‬أو باب واحد‪� ،‬أو يف �أجزاء احلكم الواحد»(‪.)1‬‬
‫وي�ؤخذ على هذا التعريف �أنه �أدخل يف التلفيق ما لي�س منه يف قوله يف �أبواب متفرقة‪،‬‬
‫فالعلم ��اء يعدون اجلم ��ع بني �أكرث من مذه ��ب يف �أبواب متفرقة تنقل ب�ي�ن املذاهب‪ ،‬وال‬
‫يعدونه من التلفيق؛ لأنهم ي�شرتطون للتنقل بني املذاهب �أال ي�أتي بكيفية ال يقول بها �أحد‬
‫م ��ن املذاهب‪ ،‬وهذا هو التلفيق‪ ،‬فهم � ًإذا يفرقون ب�ي�ن التنقل بني املذاهب‪ ،‬والتلفيق(‪،)2‬‬
‫أي�ضا �أنه �أخرج بع� ��ض �صور التلفيق؛ لأن من �صور التلفيق الأخذ بقول �أكرث‬ ‫وي�ؤخ ��ذ عليه � ً‬
‫م ��ن �إمام داخل املذهب الواحد‪ ،‬وهو اقت�صر يف تعريفه على الأخذ من املذاهب‪ ،‬و�أخرج‬
‫منه الأخذ من الأئمة داخل املذاهب الواحد‪.‬‬
‫أي�ضا ب�أنه‪«:‬التقليد املركب من مذهب�ي�ن ف�أكرث يف عبادة �أو معاملة‬ ‫وع ��رف التلفي ��ق � ً‬‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫واحدة»‪.‬‬
‫وي�ؤخ ��ذ على هذا التعريف �أنه اقت�صر على التلفي ��ق ال�صادر من املقلد‪ ،‬و�أخرج منه‬
‫التلفي ��ق ال�ص ��ادر من املجته ��د‪ ،‬فاملجتهد قد يلفق ب�ي�ن قولني �أو �أكرث م ��ن �أقوال الأئمة‪،‬‬
‫والف ��رق بني املجتهد واملقلد يف التلفيق �أن املقلد يلفق دون نظر يف الأدلة �أو معرفة مل�آخذ‬
‫الأئم ��ة‪ ،‬واملجتهد يلفق بعد بذل الو�سع يف درا�سة م�آخ ��ذ الأئمة‪ ،‬ودرا�سة �أدلتهم‪ ،‬وي�ؤخذ‬
‫أي�ضا ما �أخذ على التعريف ال�سابق م ��ن �أنه �أخرج التلفيق بني �أقوال‬ ‫عل ��ى هذا التعريف � ً‬
‫الأئمة يف املذهب الواحد‪.‬‬
‫و عل ��ى ذلك ميكن �أن يعرف التلفي ��ق ب�أنه ‪:‬اجلمع بني �أكرث من قول يف ق�ضية فقهية‬
‫واحدة ذات جزئيات‪.‬‬
‫(( ( التلفيق يف االجتهاد والتقليد‪ ،‬للميمان‪� ،‬ص‪.5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لعبداهلل ال�سعيدي‪� ،‬ص‪.11‬‬
‫((( التلفيق بني املذاهب الفقهية‪ ،‬للعتيبي‪� ،‬ص‪.10‬‬

‫‪169‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام التلفيق‬


‫أق�ساما؛ وذلك باعتبار ال�شخ�ص امللفق‪� ،‬أو باعتبار الق�ضية الفقهية‬ ‫ينق�سم التلفيق � ً‬
‫امللفقة‪.‬‬
‫�أولاً ‪:‬تق�سيم التلفيق باعتبار ال�شخ�ص امللفق‪.‬‬
‫ينق�سم التلفيق باعتبار ال�شخ�ص امللفق ق�سمني‪ :‬تلفيق املجتهد‪ ،‬وتلفيق املقلد(‪� ،)1‬إال‬
‫�أن �أكرث‬
‫نوعا واح ��دً ا‪ ،‬وهو تلفيق املقل ��د‪ ،‬وال يذكرون‬
‫الذي ��ن كتب ��وا يف التلفي ��ق ال يعدونه �إال ً‬
‫التلفيق �إال حيث يذكرون التقليد باعتباره فرعا من فروعه؛ وذلك ل�سببني‪:‬‬
‫ال�س ��بب الأول‪� :‬أن م�صطل ��ح التلفي ��ق حدث يف الع�ص ��ور املت�أخرة‪-‬وق ��د �أقفل باب‬
‫االجتهاد من قرون(‪ -)2‬فال يوجد فيها �أهل االجتهاد املطلق(‪.)3‬‬
‫ال�س ��بب الث ��اين‪� :‬أن �أهل االجتهاد «�أرباب ا�ستدالل وا�ستنب ��اط‪ ،‬ولي�سوا �أهل تقليد‪،‬‬
‫وا�ست�سالم حتى ي�ضطروا �إىل التلفيق الذي ا�ستنبطه اخللف»(‪.)4‬‬

‫((( انظر‪�:‬أ�ص ��ول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهل ��ه‪ ،‬لعيا�ض ال�سلمي‪� ،‬ص‪ ،333‬التلفيق يف التقليد‪ ،‬لعارف ح�سونة‪،‬من�شور‬
‫يف املجلة الأردنية يف الدرا�سات الإ�سالمية التابعة جلامعة �آل البيت‪ ،‬املجلد‪-7‬العدد‪�-4‬صفر‪1433‬هـ‪� ،‬ص‪.203‬‬
‫((( «�إن ت�شدي ��د �أن�ص ��ار التقلي ��د يف �إقفال باب االجتهاد‪ ،‬وحظ ��ره مطلقا‪ ،‬و�إقامة احلواجز املنيع ��ة دون تلم�سه‪ ،‬ولو من‬
‫بع�ض املنافذ يف اجلملة‪ ،‬وتع�صبهم لأقوال فقهائهم ومتفقهتهم بدون �إعمال روية وال تدبر �أدى �إىل �ضرر حم�سو�س‪،‬‬
‫وج ��ر عل ��ى امل�سلمني ما هو م�شه ��ود من اجلمود واالنحط ��اط والتقهقر‪ .‬على �أن هذا الت�شدي ��د املفرط خمالف لدين‬
‫اهلل تع ��اىل‪ ،‬ويكفي ��ه معرة ما جن ��م عنه من هجر الكتاب وال�سن ��ة‪ ،‬وتعطيل اال�ستفادة منهما‪ ،‬وع ��دم التب�صر ب�أنوار‬
‫هديهما‪� ،‬سوى التعبد بتالوة الكتاب‪ ،‬والتربك برواية احلديث‪ ،‬فحال بني �أنوار ال�شريعة الغراء وبني املدارك الب�شرية‬
‫�آراء رج ��ال غ�ي�ر مع�صومني‪ ،‬وال من ال�سل ��ف ال�صاحلني امل�شهود لهم‪ ،‬ف�ضعفت مدارك العق ��ول‪ ،‬وا�ستخذت النفو�س‬
‫العتيادها على التقليد واجلمود» عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين �ص‪.150‬‬
‫(( ( انظر‪:‬التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�سعيدي‪� ،‬ص‪.13‬‬
‫(( ( عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين‪� ،‬ص‪.229‬‬

‫‪170‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وال�صحيح �أن �أهل االجتهاد موجودون يف كل ع�صر‪�« ،‬أما دعوى �إقفال باب االجتهاد‬
‫فه ��ي ق�ضية غ�ي�ر م�سلمة‪ ،‬بل هي من مهمالت الدعاوى الت ��ي ال ت�سمع‪ ،‬وال يعتد بها؛ لأن‬
‫من مقت�ضيات خامتة ال�شرائع التي ختمت ب�صاحبها النبوات فتح باب االجتهاد �إىل قيام‬
‫ال�ساع ��ة»(‪ ،)1‬و�أن املجتهد ق ��د يلفق بني �أراء العلماء عن طري ��ق النظر‪ ،‬واال�ستدالل دون‬
‫ا�ضطرار‪� ،‬أو ا�ست�سالم للتقليد‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬تق�سيم التلفيق باعتبار الق�ضية الفقهية امللفقة‬
‫ينق�سم التلفيق باعتبار الق�ضية الفقهية امللفقة ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫الق�س ��م الأول‪ :‬ق�ض ��ية فقهي ��ة ملفق ��ة م ��ن مذاه ��ب فقهية؛ كمن حج فمك ��ث يف مزدلفة‬
‫مبق ��دار ح ��ط رحله كما هو عند املالكي ��ة(‪ ،)2‬وقلم �أظفاره كما هو عن ��د الظاهرية(‪ ،)3‬ثم طاف‬
‫راكبا كما هو عند ال�شافعية(‪ ،)4‬ورمى يوم النفر قبل الزوال كما هو عند احلنفية(‪ ،)5‬فهذا احلج‬
‫ملفق من مذاهب خمتلفة‪ ،‬وكل مذهب ال يقول بر�أي املذهب الآخر يف امل�س�ألة التي قلده فيها‪.‬‬
‫الق�س ��م الثاين‪ :‬ق�ض ��ية فقهية ملفقة من مذهبني فقهيني؛ كمن تو�ض�أ فلم يدلك‬
‫كم ��ا هو عند ال�شافعية(‪ ،)6‬ثم مل�س امر�أة بال �شهوة كما هو عند املالكية(‪ ،)7‬فهذا الو�ضوء‬
‫ملف ��ق من مذهبني وهو باطل على املذهب املالكي لع ��دم الدلك‪ ،‬وعلى املذهب ال�شافعي‬
‫للم�س املر�أة(‪.)8‬‬

‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.151‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪.263/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.278/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.190/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪.68/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الغاية والتقريب‪ ،‬لأبي �شجاع‪� ،‬ص‪.3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬البن عبدالرب ‪.148/1‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬تي�سري التحرير‪ ،‬لأمري باد�شاه احلنفي ‪.254/4‬‬ ‫(( (‬

‫‪171‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الق�س ��م الثالث‪ :‬ق�ض ��ية فقهية ملفقة من ر�أيني فقهيني يف املذهب الواحد؛ كمن‬
‫وق ��ف الدراه ��م كما هو عند زفر(‪ ،)1‬وكان وقفه على نف�سه كما هو عند �أبي يو�سف‪ ،‬فهذا‬
‫الوق ��ف ملفق من قولني يف مذه ��ب واحد‪ ،‬وهو باطل عند الإمام�ي�ن‪ ،‬ف�أبو يو�سف ال يرى‬
‫وقف الدراهم‪ ،‬وزفر ال يرى الوقف على النف�س(‪.)2‬‬
‫والكالم عن حكم التلفيق ي�شمل كل هذه ال�صور‪ ،‬حتى التلفيق بني ر�أيني يف مذهب‬
‫واح ��د‪ ،‬فقد جاء يف العقود الدرية بعد ذكر املثال ال�سابق امللفق بني قولني داخل املذهب‬
‫احلنفي‪«:‬فنقول النفاذ مبني على القول ب�صحة احلكم امللفق»(‪.)3‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم التلفيق‬
‫التلفي ��ق �إم ��ا �أن ي�صدر من �شخ�ص جمتهد �أو �شخ�ص مقلد كما �سبق بيانه‪ ،‬ولكل‬
‫ق�س ��م من هذين الق�سمني حكم يختلف عن الآخر‪ ،‬ويف الفرعيني التاليني بيان حلكم كل‬
‫منهما‪.‬‬
‫الفرع الأول‪:‬تلفيق املجتهد‬
‫تلفيق املجتهد‪ :‬هو �أن يجتهد املجتهد يف م�س�ألة في�ؤديه اجتهاده �إىل اجلمع بني‬
‫قول�ي�ن ملجتهدي ��ن قبله يف نف� ��س امل�س�ألة(‪ ،)4‬و ي�سم ��ى هذا عند الأ�صولي�ي�ن «�إحداث قول‬
‫ثالث»(‪ ،)5‬وقد اختلفوا فيه على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن �إحداث قول ثالث ال يجوز مطل ًقا‪ ،‬وهو قول جمهور الأ�صوليني(‪.)6‬‬
‫(( ( ه ��و زف ��ر بن الهذيل بن قي�س العنربي‪� ،‬أبو الهذيل‪ ،‬ولد �سنة ‪110‬ه‪ ،‬من �أ�صحاب الإمام �أبي حنيفة‪ ،‬ومن كبار فقهاء‬
‫املذهب احلنفي‪ ،‬تويف �سنة‪.158‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،38/8‬تاج الرتاجم‪ ،‬للجمايل احلنفي ‪.169/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية‪ ،‬البن عابدين ‪.109/1‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التلفيق يف التقليد‪ ،‬لعارف ح�سونة �ص‪.207‬‬
‫(( ( انظر‪�:‬أ�صول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله‪ ،‬لل�سلمي �ص‪ ،333‬التلفيق يف التقليد‪ ،‬لعارف ح�سونة �ص‪.207‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح القدير‪،‬البن الهمام ‪ ،487/1‬املح�صول‪ ،‬البن العربي‪� ،‬ص‪� ،123‬شرح تنقيح الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪،328‬‬

‫‪172‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫القول الثاين‪� :‬أن �إحداث قول ثالث جائز مطل ًقا‪ ،‬وهو قول بع�ض الأ�صوليني(‪.)1‬‬
‫الق ��ول الثال ��ث‪� :‬أن �إح ��داث قول ثال ��ث جائز ب�شرط �أال يرفع م ��ا اتفق عليه القوالن‬
‫ال�سابقان‪ ،‬وهو قول بع�ض الأ�صوليني(‪.)2‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪� :‬أن �إجم ��اع العلماء على قولني دلي ��ل على بطالن ما عداهما‪ ،‬كما �أن‬
‫الإجماع على قول واحد دليل على بطالن ما عداه(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن اختالفهم على قولني �إجماع على ج ��واز القولني‪ ،‬و�إقرار �أن هذه امل�س�ألة‬
‫اجتهادية‪ ،‬ولي�ست قطعية‪ ،‬وال يكون القول الثالث باطلاً ‪� ،‬إال �إذا ا�شرتطوا عدم �إحداثه (‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن ذلك يوجب ن�سبة الأمة �إىل اخلط�أ‪ ،‬و�إىل ت�ضييع احلق‪ ،‬والغفلة‬
‫عن ��ه؛ ف�إنه لو كان احل ��ق يف القول الثالث‪ ،‬كانت الأمة قد �أخط�أته‪ ،‬و�ضيعته وغفلت عنه‪،‬‬
‫وخال الع�صر من قائم هلل بحجته‪ ،‬ومل يبق منهم عليه �أحد وذلك حمال(‪.)5‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�إن ��ه �إمنا يلزم من ذل ��ك ن�سبة الأمة �إىل اخلط� ��أ‪ ،‬وت�ضييع احلق‪ ،‬والغفلة‬
‫عن ��ه‪� ،‬أن لو كان احلق يف امل�س�أل ��ة معي ًنا‪ ،‬و�أجمعوا فيه على قول واحد‪ ،‬و�أما فيما اختلفوا‬
‫=الإح ��كام‪ ،‬للآم ��دي ‪ ،268/1‬البحر املحي ��ط‪ ،‬للزرك�شي ‪ ،516/6‬اللم ��ع‪ ،‬لل�شريازي‪� ،‬ص‪ ،93‬رو�ض ��ة الناظر‪ ،‬البن‬
‫قدامة ‪ ،430/1‬امل�سودة‪ ،‬لآل تيمية �ص‪ ،326‬العدة‪ ،‬لأبي يعلى ‪.1113/4‬‬
‫(( ( روي ع ��ن بع�ض احلنفية‪ ،‬والظاهرية‪.‬انظر‪:‬الإحكام‪ ،‬البن ح ��زم ‪ ،560/1‬التب�صرة‪ ،‬لل�شريازي‪� ،‬ص‪ ،387‬الإحكام‪،‬‬
‫للآمدي ‪ ،268/1‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪� ،430/1‬إر�شاد الفحول‪ ،‬لل�شوكاين‪.229/1‬‬
‫((( روي ع ��ن الإمام ال�شافع ��ي‪ ،‬واختاره الآمدي‪ ،‬وابن احلاج ��ب‪ ،‬والرازي‪ ،‬وابن اللحام‪ ،‬والط ��ويف‪ .‬انظر‪� :‬شرح تنقيح‬
‫الف�صول‪ ،‬للقرايف‪� ،‬ص‪ ،228‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪ ،268،430/1‬املح�صول‪ ،‬للرازي‪ ،128/4‬بيان املخت�صر‪ ،‬للأ�صفهاين‬
‫‪ ،590/1‬املخت�صر يف �أ�صول الفقه‪ ،‬البن اللحام‪� ،‬ص‪� ،79‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف‪.92/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬العدة‪ ،‬لأبي يعلى ‪ ،1113/4‬املعتمد‪ ،‬لأبي احل�سني الب�صري‪.45/2‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬الإح ��كام‪ ،‬للآمدي ‪� ،269/1‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬للطويف‪� ،89/3‬أ�ص ��ول الفقه الذي ال ي�سع الفقيه جهله‪،‬‬
‫لل�سلمي‪� ،‬ص‪.133‬‬
‫((( انظر‪:‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪ ،431/1‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪.268/1‬‬

‫‪173‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫في ��ه فال؛ لأن غاي ��ة ذلك تخطئة بع�ضه ��م يف �أمر‪ ،‬وتخطئة البع� ��ض الآخر يف غري ذلك‬
‫الأمر(‪.)1‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪� :‬أن ال�صحاب ��ة اجته ��دوا يف هذي ��ن القول�ي�ن‪ ،‬ومل ي�صرحوا بتحرمي‬
‫�إحداث قول ثالث(‪.)2‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن ال�صحابة كذلك لو اجتمعوا على قول واحد مل ي�صرحوا بتحرمي �إحداث‬
‫القول الثاين‪ ،‬مع �أنه ال يجوز ملخالفته لإجماعهم(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن االخت�ل�اف عل ��ى قولني دلي ��ل ت�سويغ االجتهاد‪ ،‬والق ��ول الثالث‬
‫حادث عن االجتهاد فكان جائزًا(‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن االختالف على قولني دلي ��ل ت�سويغ االجتهاد �إذا كان االجتهاد يف طلب‬
‫احل ��ق من القولني‪ ،‬ف�أما �إح ��داث القول الثالث من غريهما ف�ل�ا؛ لأنهم قد �أجمعوا على‬
‫بطالن ��ه‪ ،‬وهذا كما لو �أجمعوا يف حادثة على �إبطال حكم فيها فينقطع االجتهاد يف ذلك‬
‫احلكم‪ ،‬وال مينع ذلك من االجتهاد فيها على غري ما �أجمعوا على بطالنه(‪.)5‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�سلم �أن اخلالف على قولني �إجماع منه ��م على �إبطال �إحداث قول‬
‫ثال ��ث مامل ين�صوا عل ��ى �إبطاله‪ ،‬وقيا�س �إح ��داث قول ثالث على �إبط ��ال حكم يف حادثة‬
‫قيا� ��س م ��ع الفارق؛ لأنهم ن�ص ��وا على �إبطال احلك ��م يف احلادثة خال ًف ��ا لإحداث القول‬
‫الثالث الذي مل ين�صوا على �إبطاله‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪ ،269/1‬نهاية ال�سول‪ ،‬للأ�سنوي �ص‪.292‬‬


‫((( انظر‪ :‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪.430/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪� ،430/1‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬لللطويف‪.90/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪ ،269/1‬التب�صرة‪ ،‬لل�شريازي‪� ،‬ص‪.388‬‬
‫((( انظر‪ :‬التب�صرة‪ ،‬لل�شريازي‪� ،‬ص‪.388‬‬

‫‪174‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أن ال�صحاب ��ة �إذا ا�ستدل ��وا بدلي ��ل‪ ،‬وعللوا بعلة‪ ،‬ج ��از ملن بعدهم‬
‫اال�ست ��دالل بدليل �آخر‪ ،‬والتعلي ��ل بعلة �أخرى‪ ،‬فكذلك �إذا كان له ��م قول جاز ملن بعدهم‬
‫�إحداث قول �آخر(‪.)1‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن الدلي ��ل يختلف عن احلك ��م؛ فالدليل ي�ؤيد احلك ��م ال�سابق ال يخالفه‪،‬‬
‫بعك� ��س احلكم اجلدي ��د‪ ،‬ف�إذا �أجمعوا عل ��ى �أمر وا�ستدل ��وا بدليل من الق ��ر�آن‪ ،‬جاز ملن‬
‫بعده ��م �أن ي�ست ��دل بدلي ��ل �آخر م ��ن ال�سنة ي�ؤيد م ��ا �أجمعوا عليه‪ ،‬وال يج ��وز خمالفة ما‬
‫�أجمعوا عليه ب�إحداث حكم �آخر(‪.)2‬‬
‫الدليل الرابع‪� :‬أن �إحداث قول ثالث وقع يف هذه الأمة من غري نكري(‪.)3‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن عدم نقل الإنكار ال يدل على عدم الإنكار(‪.)4‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب�أن ��ه حتى مع وج ��ود الإنكار؛ ف�إن الإنكار لي�س لأن ه ��ذا قول ثالث‪ ،‬بل ينكر‬
‫العلماء القول الذي يخالف الن�ص‪� ،‬أو الإجماع‪.‬‬
‫�أدلة القول الثالث‪:‬‬
‫�أ�صح ��اب الق ��ول الثالث جمعوا بني �أدلة القول الأول و�أدلة القول الثاين‪ ،‬وا�ستدلوا‬
‫ب�أن القول الثالث �إذا رفع ما اتفق عليه القوالن ال�سابقان خالف ما �أجمعوا عليه‪ ،‬و�إذا مل‬
‫يرفع ما اتفق عليه القوالن مل يخالفه‪ ،‬بل وافق كل واحد من القولني من وجه وخالفه من‬
‫وجه‪ ،‬فهو جائز �إذ لي�س فيه خرق للإجماع(‪.)5‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن اختالفه ��م على قولني �إجماع منه ��م على �أن ه ��ذه امل�س�ألة اجتهادية‪،‬‬

‫((( انظر‪:‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪ ،431/1‬العدة‪ ،‬للقا�ضي �أبي يعلى‪.1114/4‬‬


‫((( انظر‪ :‬العدة‪ ،‬للقا�ضي �أبي يعلى ‪.1114/4‬‬
‫((( انظر‪:‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪ ،269/1‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪.431/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪.272/1‬‬
‫((( انظر‪:‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪� ،269/1‬إر�شاد الفحول‪ ،‬لل�شوكاين‪.229/1‬‬

‫‪175‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ولي�ست من الأمور القطعية‪ ،‬فمجال االجتهاد فيها �سائغ‪ ،‬حتى و�إن رفع هذا االجتهاد ما‬
‫إجماعا قطع ًيا فريد‪.‬‬
‫ن�صا‪� ،‬أو � ً‬‫اتفق عليه القوالن ال�سابقان‪ ،‬مامل يخالف هذا االجتهاد ً‬
‫الرتجي ��ح‪ :‬بع ��د عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلة كل قول‪ ،‬ومناق�ش ��ة الأدلة‪ ،‬تبني يل �أن الأدلة‬
‫متكافئ ��ة‪ ،‬والأق ��رب ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح �أن �إحداث ق ��ول ثالث جائز‪ ،‬ما مل يخالف‬
‫إجماعا قطع ًيا؛ لأن يف اختالف العلماء �إقرا ًرا منهم ب�أن هذه امل�س�ألة‬
‫ن�صا �أو‪ً � ‬‬‫هذا القول ً‬
‫اجتهادي ��ة‪ ،‬واالجته ��اد �سائ ��غ فيها‪ ،‬فال يرد ه ��ذا االجتهاد لأنه قول جدي ��د‪ ،‬بل يرد �إذا‬
‫إجماعا قطع ًيا‪.‬‬
‫ن�صا‪� ،‬أو‪ً � ‬‬ ‫خالف ً‬
‫إجماعا‬
‫ن�صا‪� ،‬أو � ً‬ ‫وبنا ًء على هذا الرتجيح يكون تلفيق املجتهد جائ ًزا‪� ،‬إال �إذا خالف ً‬
‫قطعيا‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪:‬تلفيق املقلد‬
‫ق ��د يلف ��ق املقلد ب�ي�ن قولني ملجتهدي ��ن دون اجتهاد �أو نظر منه‪� ،‬إم ��ا للجهل‪� ،‬أو‬
‫لظن ��ه جواز التلفيق‪� ،‬أو لل�ض ��رورة‪� ،‬أو لتتبع رخ�ص املذاهب وغريه ��ا من الأ�سباب‪ ،‬وقد‬
‫اتف ��ق الأ�صوليون عل ��ى �أن هذا التلفيق ال يك ��ون يف م�سائل الأ�صول‪ ،‬وم ��ا علم من الدين‬
‫بال�ض ��رورة(‪� ،)1‬أم ��ا �إن كان يف م�سائل الفروع االجتهادي ��ة املختلف فيها‪ ،‬فقد اختلفوا يف‬
‫حكمه على قولني‪:‬‬
‫الق ��ول الأول‪ :‬من ��ع تلفي ��ق املقلد مطل ًقا‪ ،‬وه ��و قول جمهور الأ�صولي�ي�ن(‪ ،)2‬بل حكي‬

‫((( �أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي ‪ ،428/2‬الفتوى يف الإ�سالم‪ ،‬للقا�سمي‪� ،‬ص‪.170‬‬
‫((( انظر‪ :‬القول ال�سديد يف بع�ض م�سائل االجتهاد والتقليد‪ ،‬للموروي‪� ،‬ص‪ ،79‬حا�شية الد�سوقي ‪� ،20/1‬إعانة الطالبني‪،‬‬
‫للدمياط ��ي ‪ ،25/1‬التحقيق يف بطالن التلفيق‪ ،‬لل�سفاريني‪� ،‬ص‪ ،171‬التلفيق يف التقليد‪ ،‬لعارف ح�سونه �ص‪.212‬قال‬
‫احلل ��واين ال�شافعي‪« :‬وهذا الذي تقرر من ا�شرتاط عدم التلفيق ه ��و املعتمد عندنا وعند احلنفية واحلنابلة» الو�سم‬
‫يف حكم الو�شم‪ ،‬للحلواين �ص‪ 133‬نق ًال من التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�سعيدي �ص‪.22‬‬

‫‪176‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الإجماع على منع تلفيق املقلد(‪.)1‬‬


‫القول الثاين‪ :‬جواز تلفيق املقلد ب�شروط‪ ،‬وهو قول بع�ض الأ�صوليني(‪ ،)2‬ومنهم من‬
‫ا�شرتط �شرطا‪ ،‬ومنهم من ا�شرتط �أكرث من �شرط‪ ،‬ومن هذه ال�شروط‪:‬‬
‫• �أن تدعو �إىل التلفيق ال�ضرورة �أو احلاجة(‪.)3‬‬
‫• �أن يكون التلفيق يف غري ما عمل به تقليدا(‪.)4‬‬
‫• �أال يكون التلفيق للتتبع رخ�ص العلماء(‪.)5‬‬
‫• و�أال ي�ؤدي التلفيق �إىل نق�ض حكم احلاكم(‪.)6‬‬
‫• و�أال يرتتب على التلفيق خرق للإجماع(‪.)7‬‬
‫• و�أال ي�ؤدي �إىل حال ٍة مركب ٍة ال يقرها �أحد من املجتهدين(‪.)8‬‬
‫((( حك ��ى الإجماع احل�صكف ��ي‪ ،‬وابن عابدين‪ ،‬وابن حج ��ر الهيتمي‪ .‬انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدي ��ن‪،508/3 ،383 ،75/1‬‬
‫الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬البن حجر الهيتمي‪.330/3‬‬
‫((( منه ��م اب ��ن الهمام من احلنفية‪ ،‬واملغاربة من املالكية‪ ،‬والعز ب ��ن عبدال�سالم من ال�شافعية‪.‬انظر‪ :‬فتح القدير‪ ،‬البن‬
‫الهمام ‪ ،258/7‬حا�شية الد�سوقي ‪ ،20/1‬فتاوى �شيخ الإ�سالم عز الدين بن عبدال�سالم‪� ،‬ص‪.288‬‬
‫(( ( م ��ن الذي ��ن ن�صوا على هذا ال�شرط‪ :‬وهبة الزحيلي‪ ،‬وعبدالق ��ادر ال�شف�شاوين‪.‬انظر‪� :‬أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة‬
‫الزحيلي ‪ ،428/2‬عمدة التحقيق‪ ،‬للباين �ص‪.212‬‬
‫((( من الذين ن�صوا على هذا ال�شرط‪ :‬ابن الهمام‪ ،‬وابن �أمري احلاج‪ ،‬و�أمري باد�شاه‪ ،‬والعز بن عبد ال�سالم‪.‬انظر‪:‬التقرير‬
‫والتحبري‪ ،‬البن �أمري احلاج ‪،351/3‬تي�سري التحري‪ ،‬لأمري باد�شاه‪ ،254/4‬نفائ�س الأ�صول‪ ،‬للقرايف‪.3963/9‬‬
‫(( ( من الذين ن�صوا على هذا ال�شرط‪ :‬الرحيباين‪ ،‬ومرعي الكرمي‪ ،‬وح�سن ال�شطي‪.‬انظر‪ :‬مطالب �أوىل النهى ‪،390/1‬‬
‫عمدة التحقيق‪ ،‬للباين �ص‪.210‬‬
‫((( م ��ن الذين ن�ص ��وا على هذا ال�شرط‪ :‬الب ��اين‪ ،‬وامليمان‪.‬انظر‪ :‬عمدة التحقيق‪ ،‬للباين � ��ص ‪،224‬التلفيق يف االجتهاد‬
‫والتقلي ��د‪ ،‬للميمان �ص‪ .11‬بل نقل الزرك�شي �أنه حت ��ى املجتهد يرتك اجتهاده �إذا خالف حكم احلاكم‪ ،‬فاملقلد امللفق‬
‫من باب �أوىل‪ ،‬قال‪ «:‬لو كان ملجتهد حكومة‪ ،‬فحكم حاكما فيها يخالف اجتهاده‪ ،‬ف�إنه يتدين يف الباطن بحكم احلاكم‬
‫وبرتك اجتهاده‪� ،‬سواء كان احلكم له �أو عليه» البحر املحيط‪.337-336/8‬‬
‫(( ( م ��ن الذين ن�صوا على هذا ال�شرط‪ :‬القرايف‪ ،‬وابن دقيق العيد‪ ،‬والروياين‪.‬انظر‪ :‬نفائ�س الأ�صول‪ ،‬للقرايف‪،3964/9‬‬
‫التقرير والتحبري‪ ،‬البن �أمري احلاج ‪.352/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ‪ ،8‬رقم ‪ ،1/ 74‬وقد ن�ص القرار على ال�شروط اخلم�س الأخرية‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫الدلي ��ل الأول‪�:‬أن العلماء �أجمع ��وا على �أن التلفيق باطل(‪ ،)1‬ق ��ال احل�صكفي‪«:‬و�أن‬
‫احلكم امللفق باطل بالإجماع»(‪.)2‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذه امل�س�ألة خالفية‪ ،‬وال �إجماع فيها(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن التلفيق ي�ؤدي �إىل اخلب ��ط واخللط‪ ،‬وفتح باب احلرام‪ ،‬و�إف�ساد‬
‫ال�شريعة(‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن التلفيق ال ��ذي ي�ؤدي �إىل اخلبط واخللط‪ ،‬وفتح ب ��اب احلرام‪ ،‬و�إف�ساد‬
‫مباحا مطل ًقا دون �شروط‪ ،‬ونحن ال نق ��ول بذلك‪ ،‬بل ال بد من �شروط‬ ‫ال�شريع ��ة‪ ،‬م ��ا كان ً‬
‫للتلفيق ت�ضبطه(‪.)5‬‬
‫يجاب‪ :‬ب�أن املقلد لن يتقيد بهذه ال�شروط؛ وذلك لأنه ال علم عنده مب�سائل الإجماع‪،‬‬
‫�أو رخ� ��ص املذاهب‪� ،‬أو غريه ��ا من ال�شروط‪ ،‬وال �إدراك له بح ��االت ال�ضرورة واحلاجة‪،‬‬
‫فمتى فتح له الباب فلن يتقيد ب�شرط؛ وذلك �إف�ساد لل�شريعة‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن هذه امل�س�ألة امللفقة مل يقل �أحد من املذاهب بجوازها(‪.)6‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن كل مذهب يحكم ببطالنها بالنظر �إىل املذهب ذاته‪ ،‬ولكن لو نظر �إىل‬
‫املذهب الآخر فال يحكم ببطالنها(‪.)7‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن املقلد التزم مذه ًبا معي ًنا‪ ،‬وم ��ن التزم مذه ًبا معي ًنا ال يجوز له‬
‫انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين‪ ،508/3 ،383 ،75/1‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬البن حجر الهيتمي‪.330/3‬‬ ‫((( ‬
‫حا�شية ابن عابدين‪.75/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬عمدة التحقيق‪ ،‬للباين‪� ،‬ص‪� ،200‬أ�صول الفقه‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪.425/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬التحقيق يف بطالن التلفيق‪ ،‬لل�سفاريني‪� ،‬ص‪171‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�سعيدي‪� ،‬ص‪40‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الفقهية الكربى‪ ،‬البن حجر الهيتمي‪ ،330/3‬مطالب �أويل النهى‪ ،‬للرحيباين ‪.390/1‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬القول ال�سديد يف بع�ض م�سائل االجتهاد والتقليد‪ ،‬للموروي احلنفي‪� ،‬ص‪.94‬‬ ‫(( (‬

‫‪178‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫اخلروج منه يف ما يعر�ض له من امل�سائل(‪.)1‬‬


‫نوق�ش‪ :‬ب�أنه ال واجب �إال ما �أوجبه اهلل ور�سوله‪ ،‬ومل يوجب اهلل وال ر�سوله على �أحد‬
‫من النا�س �أن يتمذهب مبذهب رجل من الأمة فيقلده دون غريه (‪.)2‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدليل الأول‪� :‬أن التلفيق هو عني التقليد‪ ،‬فمن قال بالتقليد فالبد له �أن يقول بالتلفيق(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن التلفي ��ق يختلف عن التقلي ��د‪ ،‬فاملقلد ملذهب يف عبادة الب ��د �أن يلتزم‬
‫�شروط هذه العبادة و�أركانها وواجباتها كما هي يف املذهب‪ ،‬وامللفق ال يلتزم ذلك(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أنه مل يرد عن �أحد من ال�صحابة �أنه �ألزم �أحدً ا من النا�س باتباع‬
‫�صحابي معني دون غريه(‪.)5‬‬
‫نوق� ��ش م ��ن وجهني‪ :‬الوجه الأول‪� :‬أن مذاهب الأئمة مل تكن معلومة‪ ،‬وال مدونة يف‬
‫عه ��د ال�صحابة ‪ ،‬و�أئمة املذاهب دونوا املذاهب بعد ال�س�ب�ر والنظر‪ ،‬وبوبوا الأبواب‪،‬‬
‫وهذبوا امل�سائل وبينوها وجمعوها‪ ،‬ف�أ�صبحت املذاهب وافية بجميع الأحكام(‪.)6‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن املقلد يف عهد ال�صحابة مل يكن يلفق بني �آراء املجتهدين من‬
‫ال�صحاب ��ة من عند نف�سه دون معرفة لأدلته ��م حتى نعرف حكم ال�صحابة فيه‪،‬‬
‫بل كان ي�س�أل �أهل العلم من ال�صحابة يف امل�س�ألة التي يحتاجها‪.‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أن م ��ن مقا�صد ال�شريع ��ة الي�سر وال�سماحة‪ ،‬ورف ��ع احلرج‪ ،‬ومنع‬
‫التلفيق فيه حرج وم�شقة‪ ،‬وهذا ينايف مق�صدً ا من مقا�صد ال�شريعة(‪.)7‬‬

‫انظر‪:‬امل�ست�صفى‪ ،‬للغزايل‪ ،154/4‬البحراملحيط‪ ،‬للزرك�شي‪� ،375/8‬إر�شاد الفحول‪ ،‬لل�شوكاين‪.252/2‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪ ،222/20‬مطالب �أوىل النهى‪ ،‬للرحيباين ‪.390/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين‪� ،‬ص‪182‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬التحقيق يف بطالن التلفيق‪ ،‬لل�سفاريني �ص‪.171‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪ ،222/20‬مطالب �أوىل النهى‪ ،‬للرحيباين ‪.390/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬نهاية ال�سول‪ ،‬للأ�سنوي �ص‪ ،406‬التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�سعيدي‪� ،‬ص‪.41‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين ‪� ،193‬أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪.426/2‬‬ ‫(( (‬

‫‪179‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن ي�س ��ر ال�شريعة املعترب هو م ��ا كان على وفق دالئ ��ل ال�شريعة و�أ�صولها‪،‬‬
‫ولي�س التلفيق طري ًقا من طرق التي�سري املعتد بها‪ ،‬وكما �أن من مقا�صد ال�شريعة التي�سر‪،‬‬
‫ورف ��ع احلرج‪ ،‬ف�إن من مقا�صدها �أي�ضا حفظ ال�شريعة م ��ن �أن ترد �إىل الأهواء‪ ،‬وتقحم‬
‫اجلهالء‪ ،‬فال ت�ضرب املقا�صد باملقا�صد(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن منع التلفيق ي� ��ؤدي �إىل �إف�ساد لكثري من عب ��ادات العامة؛ �إذ ال‬
‫تكاد جتد عام ًيا يفعل عبادة موافقة ملذهب معني(‪.)2‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أننا نفرق ب�ي�ن التلفيق قبل الفعل وبعده‪ ،‬فنحن منن ��ع العامة من التلفيق‬
‫ابت ��دا ًء‪ ،‬ونلزمهم ب�أن ي�س�أل ��وا �أهل العلم ويتقيدوا بالر�أي الذي �أخذوه‪ ،‬ومن جاءنا منهم‬
‫بعد الفعل وقد لفق يف عبادته بني �آراء العلماء املعتربة فال نف�سدها؛ تي�س ًريا عليه‪ ،‬ورف ًعا‬
‫للحرج(‪.)3‬‬
‫الرتجي ��ح‪ :‬بعد عر� ��ض الأقوال و�أدلتها‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني‬
‫يل �أن �أك�ث�ر الأدل ��ة للفريقني ال ت�سل ��م من املناق�شة‪ ،‬و�أن �أقرب الأق ��وال‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬هو‬
‫القول الأول‪ ،‬و�أن املقلد ال يجوز له التلفيق بني �أراء العلماء‪ ،‬بل فر�ض املقلد �أن ي�س�أل �أهل‬
‫العلم‪ ،‬ويلتزم الر�أي الذي �أخذه‪ ،‬وله �أن ي�س�أل من �شاء من �أهل العلم وي�أخذ بر�أيه‪ ،‬دون‬
‫�أن يلتزم ر�أي عامل معني‪ ،‬وال يجوز له التلفيق بني هذه الآراء؛ لأنه لي�س �أهلاً لال�ستنباط‪،‬‬
‫ومعرفة الأدلة التي يبني عليها الأئمة اختياراتهم وترجيحاتهم فيلفق بينها‪.‬‬
‫(( ( انظر‪:‬التلفيق بني املذاهب الفقهية‪ ،‬للعتيبي �ص‪ ،31‬التلفيق وحكمه يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�سعيدي �ص‪.42‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عمدة التحقيق يف التقليد والتلفيق‪ ،‬للباين ‪� ،192‬أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪.426/2‬‬
‫(( ( ج ��اء يف حا�شي ��ة ابن عابدين‪�«:‬أن له التقليد بعد العمل كما �إذا �صلى ظا ًن ��ا �صحتها على مذهبه ثم تبني بطالنها يف‬
‫مذهب ��ه و�صحتها على مذهب غريه فله تقليده‪ ،‬ويجتزي بتلك ال�صالة»‪ ،‬وقال ابن عثيمني‪«:‬وكذلك �إذا كان الأمر قد‬
‫وق ��ع وكان يف �إفتائ ��ه ب�أح ��د القولني م�شقة و�أفتى بالق ��ول الثاين فال حرج‪ ...‬وكان �شيخنا عب ��د الرحمن بن �سعدي‪-‬‬
‫رحمه اهلل‪ -‬يفعل ذلك �أحيا ًنا ويقول يل‪ :‬هناك فرق بني من فعل ومن �سيفعل‪ ،‬وبني ما وقع وما مل يقع»‪.‬انظر‪ :‬حا�شية‬
‫ابن عابدين ‪ ،75/1‬جمموع فتاوى ور�سائل العثيمني ‪.401/26‬‬

‫‪180‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الرابع‪ :‬التلفيق وتتبع رخ�ص املذاهب‬


‫�سب ��ق التعريف بتتبع رخ�ص املذاهب‪ ،‬وه ��و �أن ي�أخذ ال�شخ�ص من كل مذهب ما هو‬
‫نظر يف الأدلة(‪.)1‬‬
‫�أهون عليه و�أي�سر فيما يطر�أ عليه من امل�سائل دون ٍ‬
‫وق ��د عرف بع�ض امل�ؤلفني التلفي ��ق ب�أنه«تتبع الرخ�ص عن هوى»(‪)2‬؛ ور�أى �أنهما �شيء‬
‫واحد‪ ،‬ومع �أن التلفيق وتتبع الرخ�ص قد يجتمعان فيما لو كان التلفيق عن هوى‪� ،‬إال �أنهما‬
‫أي�ضا يف �أن ال�شخ�ص قد يتتبع رخ�ص‬ ‫يختلفان فيما لو مل يكن التلفيق عن هوى‪ ،‬ويختلفان � ً‬
‫املذاه ��ب يف م�سائل خمتلفة لي�س بينها ارتباط‪ ،‬فبني التلفيق وتتبع رخ�ص املذاهب عموم‬
‫وخ�صو� ��ص من وج ��ه(‪ ،)3‬ومما يدل على اختالفهم ��ا �أن كث ًريا من العلم ��اء الذين �أجازوا‬
‫(‪)4‬‬
‫التلفيق ي�شرتطون فيه �أال يكون عن تتبع رخ�ص املذاهب؛ فقد نقل القرايف عن الزناتي‬
‫م ��ن �أ�صحابه ��م �أن التلفيق جائز بثالثة �ش ��روط‪ ،‬ذكر منها الثالث ��ة‪«:‬و�أن ال يتتبع رخ�ص‬
‫املذاه ��ب»(‪ .)5‬وقال املعلمي‪« :‬وق�ضي ��ة التلفيق �إمنا �شددوا فيه ��ا �إذا كانت ملجرد الت�شهي‬
‫وتتبع الرخ�ص‪ ،‬ف�أما �إذا اتفقت ملن يتحرى احلق و�إن خالف هواه ف�أمرها هني»(‪.)6‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬التلفيق والهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫التلفي ��ق بني الأق ��وال الفقهية م ��ن الأدوات الت ��ي ي�ستخدمها الفقه ��اء يف الهند�سة‬
‫املالي ��ة الإ�سالمية؛ ومن ذل ��ك ما جاء يف فتوى الهيئة ال�شرعي ��ة لبنك في�صل الإ�سالمي‬
‫يف ال�سودان رقم ‪ ،22‬واملتعلقة بال�شراكة التي حتدث بني امل�صرف الإ�سالمي وال�شريك‪،‬‬

‫((( �أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي ‪ .431/2‬وانظر‪ :‬التقرير والتحبري‪،‬البن �أمري احلاج ‪.351/3‬‬
‫((( قواعد الفقه‪ ،‬ملحمد الربكتي‪�،‬ص‪.236‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التلفيق بني املذاهب الفقهية‪ ،‬للعتيبي �ص‪.18‬‬
‫((( ه ��و مو�س ��ى بن عي�سى بن �أبي احلاج �أبو عمران‪ ،‬الزنات ��ي‪ ،‬الفا�سي‪ ،‬من فقهاء املالكية‪ ،‬ولد �سنة‪368‬ه‪ ،‬قال حامت بن‬
‫حمم ��د‪ :‬كان �أبو عمران من �أعلم النا�س و�أحفظهم‪ ،‬من ت�صانيف ��ه‪« :‬الفهر�ست»‪ ،‬و«التعاليق على املدونة» ومل يكمله‪،‬‬
‫تويف �سنة‪430‬ه‪.‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،545/17‬الأعالم‪ ،‬للزركلي ‪.326/7‬‬
‫((( �شرح تنقيح الف�صول‪ ،‬للقرايف �ص‪.232‬وانظر‪:‬البحر املحيط‪ ،‬للزرك�شي ‪.378/8‬‬
‫((( التنكيل‪ ،‬للمعلمي‪.585/2‬‬

‫‪181‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وخال�صته ��ا �أنه يج ��وز للم�صرف �أن يطلب من �شريكه �ضما ًن ��ا ي�ضمن ما ي�ضيع من مال‬
‫ال�شركة بتعد �أو تق�صري من ال�شريك‪ ،‬عملاً مبذهب احلنفية واملالكية واحلنابلة(‪ ،)1‬كما‬
‫يج ��وز ل ��ه �أن ي�أخذ ره ًنا م ��ن �شريكه‪ ،‬عملاً مبذه ��ب املالكية(‪ ،)2‬والغر� ��ض من ال�ضمان‬
‫والرهن توثيق احلق واالطمئنان �إىل ا�ستيفائه(‪.)3‬‬
‫ففت ��وى الهيئة عبارة عن هند�سة مالية �إ�سالمية ا�ستخ ��دم فيها التلفيق ك�أداة لهذه‬
‫الهند�سة‪.‬‬
‫وكذل ��ك بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء مع الوعد امللزم هو عب ��ارة عن هند�سة مالية‬
‫ا�ستخ ��دم فيها التلفيق بني ق ��ول ال�شافعي بجواز املرابحة مع الوعد(‪ ،)4‬وقول ابن �شربمة‬
‫(‪)5‬بالإلزام بالوعد(‪.)6‬‬
‫وال ��ذي ينبغ ��ي مراعاته يف التلفيق ب�ي�ن الأقوال الفقهية لأج ��ل الهند�سة الإ�سالمية‬
‫للعق ��ود �أن يكون املهند�س من �أهل االجته ��اد‪ ،‬ف�إن مل يكن فعليه �أن يعر�ض ما قام به من‬
‫تلفي ��ق لهند�س ��ة العقود على �أهل االجته ��اد‪� ،‬أو �أن يلتزم ال�شروط الت ��ي و�ضعها �أ�صحاب‬
‫القول الذين �أجازوا تلفيق املقلد؛ كي يبتعد عن التلفيق املمنوع(‪.)7‬‬

‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،4-3/6‬بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،82/4‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.382/3‬‬
‫((( انظر‪� :‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي ‪.249/5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الفتاوى االقت�صادية‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني‪� ،‬ص‪.1166‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.39/3‬‬
‫(( ( ه ��و عب ��داهلل بن �شربمة بن عمر بن �شربمة ب ��ن الطفيل ال�ضبي‪� ،‬أبو �شربمة‪ ،‬من فقه ��اء املالكية‪ ،‬ولد �سنة‪72‬ه‪،‬كان‬
‫�صارما‪ ،‬عاقلاً ‪ ،‬خ ًريا‪ ،‬ي�شبه الن�ساك‪ ،‬وكان �شاع ًرا‪ ،‬كر ًميا‪ ،‬جوادًا‪ ،‬توىل ق�ضاء الكوفة‪ ،‬تويف �سنة‬
‫ابن �شربمة عفي ًفا‪ً ،‬‬
‫‪144‬ه‪.‬انظر‪� :‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪ ،347/6‬فقه الإمام ابن �شربمة الكويف‪ ،‬ملحمد العاين‪� ،‬ص‪.26-9‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪ ،278/6‬فقه الإمام ابن �شربمة الكويف‪ ،‬ملحمد العاين‪� ،‬ص‪.93‬‬
‫ممنوعا يف الأحوال التالية‪:‬‬
‫ً‬ ‫((( جاء يف قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي العدد ‪ ،8‬رقم ‪«: 1/74‬يكون التلفيق‬
‫�أ ‪� -‬إذا �أدى �إىل الأخ ��ذ بالرخ� ��ص ملج ��رد الهوى‪....‬ب‪� -‬إذا �أدى �إىل نق�ض حكم الق�ض ��اء‪.‬ج ‪� -‬إذا �أدى �إىل نق�ض‬
‫م ��ا عم ��ل به تقليدً ا يف واقعة واحدة‪.‬د ‪� -‬إذا �أدى �إىل خمالف ��ة الإجماع �أو ما ي�ستلزمه‪.‬هـ ‪� -‬إذا �أدى �إىل حالة‬
‫مركبة ال يقرها �أحد من املجتهدين»‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫تركيب العقود‬
‫تطورت املعامالت املالية يف الع�صر احلا�ضر‪ ،‬وتزايدت عوامل املخاطرة؛ مما جعل‬
‫االحتياط ��ات االقت�صادي ��ة معقدة ومت�شعبة‪ ،‬خا�صة مع التو�س ��ع العلمي واملعريف والتقني‬
‫يف احلا�س ��ب‪ ،‬واالنرتن ��ت(‪ ،)1‬و�أدى ذل ��ك �إىل انت�شار العقود املالي ��ة املركبة و�شيوعها يف‬
‫الأ�سواق املحلية‪ ،‬والعاملية‪ ،‬و�أقبلت امل�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية على التعامل بها(‪)2‬؛ حيث‬
‫حلول ملا تواجهه من خماطر‪ ،‬و�صي ًغا ذات كفاءة اقت�صادية عالية‪ .‬ويف هذا‬ ‫وجدت فيها اً‬
‫املبحث درا�سة لرتكيب العقود املالية‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف العقود املالية املركبة‬
‫قبل تعريف العقود املالية املركبة البد من تعريف كل م�صطلح منها منفردًا‪ ،‬وميكن‬
‫بعدها التو�صل لتعريف العقود املالية املركبة‪.‬‬
‫فالعق ��ود يف اللغة جمع عق ��د‪ ،‬ويدل على ال�شد‪ ،‬والتوثيق(‪ ،)3‬ق ��ال ابن فار�س‪«:‬العني‬
‫والقاف والدال �أ�صل واحد يدل على �شد و�شدة وثوق‪ ،‬و�إليه ترجع فروع الباب كلها»(‪.)4‬‬
‫و�أم ��ا العقد يف اال�صطالح‪ ،‬فهو‪«:‬التزام املتعاقدي ��ن وتعهدهما �أم ًرا وهو عبارة عن‬
‫ارتباط الإيجاب بالقبول»(‪.)5‬‬
‫وا�صطالحا(‪.)6‬‬
‫ً‬ ‫وقد �سبق تعريف املال لغة‬

‫انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.7-6‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.6‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س‪ ،86/4‬القامو�س املحيط‪ ،‬للفريوز �أبادي‪� ،‬ص‪.300‬‬ ‫((( ‬
‫معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س‪.86/4‬‬ ‫((( ‬
‫جملة الأحكام العدلية‪� ،‬ص‪.29‬‬ ‫((( ‬
‫انظر �ص ‪ 20‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪183‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫و�أم ��ا تعري ��ف املركبة يف اللغة فه ��ي م�ؤنث مرك ��ب‪ ،‬واملركب ا�سم مفع ��ول من ركب‬
‫يركب تركي ًبا‪ ،‬والرتكيب يف اللغة و�ضع ال�شيء بع�ضه على بع�ضه‪ ،‬و�ضمه �إليه(‪ ،)1‬فـ«الراء‬
‫والكاف والباء �أ�صل واحد مطرد منقا�س‪ ،‬وهو علو �شيء �شيئا»(‪.)2‬‬
‫و�أم ��ا املركب يف اال�صطالح‪ ،‬فهو‪«:‬جمم ��وع الأ�شياء املتعددة بحيث يطلق عليها ا�سم‬
‫الواحد»(‪.)3‬‬
‫وبعد تعريف هذه امل�صطلحات ميكن تعريف العقود املالية املركبة؛ وقد عرف الدكتور‬
‫نزيه حماد العقود املركبة ب�شكل عام‪ ،‬وهي‪�«:‬أن يتفق الطرفان على �إبرام معاملة(�صفقة)‬
‫ت�شتمل على عقدين ف�أكرث‪)4(...‬بحيث تعد موجبات تلك العقود املجتمعة‪ ،‬وجميع احلقوق‬
‫وااللتزام ��ات املرتتبة عليها جملة واح ��دة‪ ،‬ال تقبل التفريق والتجزئة واالنف�صال‪ ،‬مبثابة‬
‫�آثار العقد الواحد»(‪.)5‬‬
‫يعم جميع العقود املركبة‪� ،‬سواء كانت عق ��ودًا مالية‪� ،‬أو غري مالية‪،‬‬
‫وه ��ذا التعري ��ف ّ‬
‫ومن �أمثلته التي ذكرها الدكتور‪ :‬البيع‪ ،‬والهبة‪ ،‬والزواج(‪ ،)6‬والزواج عقد غري مايل‪.‬‬
‫و�أما الدكتور العمراين فقد عرف العقود املالية املركبة ب�شكل خا�ص‪ ،‬ب�أنها‪«:‬جمموع‬
‫العقود املالية املتعدد التي ي�شتمل عليها العقد –على �سبيل اجلمع والتقابل‪ -‬بحيث تعترب‬
‫جميع احلقوق وااللتزامات املرتتبة عليها مبثابة �آثار العقد الواحد»(‪.)7‬‬

‫((( انظر‪� :‬أ�سا�س البالغة‪ ،‬للزخم�شري ‪ ،379 /1‬القامو�س املحيط‪ ،‬للفريوز �أبادي‪� ،‬ص‪.91‬‬
‫((( معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.432/2‬‬
‫((( العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.46‬‬
‫(( ( ذكر الدكتور �أمثلة هنا‪ ،‬وحذفتها رغبة يف االخت�صار‪.‬‬
‫((( العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪ .7‬وانظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪،‬‬
‫�ص‪.263‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.263‬‬
‫(( ( انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.46‬‬

‫‪184‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وه ��ذا التعريف هو املخت ��ار؛ لأنه خا�ص بالعقود املالية املركبة‪ ،‬وال يدخل فيه العقود‬
‫املركبة غري املالية‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أنواع العقود املالية املركبة‬
‫للعقود املركبة نوعان‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫الن ��وع الأول‪ :‬العقود املجتمعة؛ وه ��ي العقود املركبة املجتمعة يف عقد واحد‪ ،‬وذلك‬
‫ب� ��أن يجتمع عق ��دان �أو �أكرث يف عقد واحد(‪ ،)1‬مث ��ل �أن يقول‪ :‬بعتك ه ��ذه الدار و�أجرتك‬
‫الأخرى ب�ألف(‪.)2‬‬
‫الن ��وع الث ��اين‪ :‬العقود املتقابلة؛ وهي العقود املركبة التي يكون فيها العقد الثاين يف‬
‫مقابل ��ة العق ��د الأول(‪ ،)3‬وهي ما يعرب عنها الفقه ��اء مب�س�ألة‪«:‬ا�شرتاط عقد يف عقد»(‪،)4‬‬
‫مثل �أن يقول‪ :‬بعتك داري بكذا على �أن ت�ؤجرين دارك بكذا(‪.)5‬‬
‫أنواعا �أخرى للعقود املركبة؛ كالعقود املختلفة‪ ،‬وهي‪� :‬أن يجتمع‬
‫وق ��د ذكر العمراين � ً‬
‫عق ��دان بينهما اختالف يف الأحكام(‪ ،)6‬والعقود املتجان�سة‪ ،‬وهي‪� :‬أن يجتمع عقدان دون‬
‫اختالف يف الأحكام(‪ ،)7‬وكلها ترجع للنوعني ال�سابقني‪ ،‬فالعقود املجتمعة �أو املتقابلة �إما‬
‫�أن تك ��ون ب�ي�ن عقدين فيهما اخت�ل�اف يف الأحكام‪� ،‬أو بني عقدي ��ن ال تختلف �أحكامهما‪،‬‬
‫ق ��ال العمراين‪«:‬ميكن ح�صر العقود املركبة يف النوع�ي�ن املتقدمني‪ ،‬وهي العقود املركبة‬

‫انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.58‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.178/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.57‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي ‪� ،660/3‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪.288/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.176/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.65‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.66‬‬ ‫((( ‬

‫‪185‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املتقابل ��ة‪ ،‬والعقود املركبة املجتمع ��ة»(‪ ،)1‬وجاء يف تعريف نزيه حماد‪«:‬بحيث تعترب �سائر‬
‫موجب ��ات تلك العقود املجتمعة �أو‪ ‬املتقابلة»(‪ ،)2‬وج ��اء يف تعريف العمراين‪« :‬التي ي�شتمل‬
‫عليه ��ا العقد على �سبيل اجلمع �أو‪ ‬التقابل»(‪ ،)3‬فاقت�صرا يف تعريفهما للعقود املركبة على‬
‫النوعني ال�سابقني داللة على �أن كل الأنواع الأخرى تدخل فيها‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم تركيب العقود املالية‬
‫اتفق الفقهاء املعا�صرون على جواز تركيب العقود املالية(‪)4‬؛ ومما ي�ؤيد ذلك‪:‬‬
‫‪-1‬اتفاق الفقهاء املتقدمني على جواز اجتماع �أكرث من عقد يف معاملة(‪ ،)5‬مامل يكن‬
‫دلي ��ل �شرعي حاظر(‪ ،)6‬ومل �أجد خال ًفا يف ذلك؛ وذلك لأن املعاملة م�شتملة على عقدين‬
‫كل واحد منهما جائز حال االنفراد‪ ،‬فكذلك حالة االجتماع(‪.)7‬‬
‫‪�-2‬أن «الأ�ص ��ل مبقت�ضى دالئل ن�صو�ص ال�شريعة هو حري ��ة التعاقد‪ ،‬ووجوب الوفاء‬
‫ب ��كل ما يرتا�ض ��ى املتعاقدان عليه ويلتزمانه‪ ،‬ما مل يكن ن� ��ص �أو قيا�س �صحيح مينع من‬
‫ذل ��ك‪ ،‬فعندئذ مين ��ع بخ�صو�صه على خالف القاع ��دة املط ��ردة»(‪)8‬؛ فالأ�صل يف العقود‬

‫((( العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.58‬‬


‫(( ( ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.263‬‬
‫(( ( انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.46‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬الأوراق املقدم ��ة لندوة ا�شرتاط الربط بني عقود امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬املنعقدة يف املعهد الإ�سالمي للبحوث‬
‫والتدري ��ب التابع للبنك الإ�سالمي بج ��دة‪ ،‬يف ‪1425 /8 /23-22‬هـ‪ ،‬العقود امل�ستجدة‪ ،‬ملحمد علي القري‪ ،‬من�شور يف‬
‫جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد العا�شر‪� ،‬ص‪ 970‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪ ،8‬العقود‬
‫املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪ ،91‬فقه الأولويات يف املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للعايدي �ص‪.97‬‬
‫((( انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،174/4‬املدونة‪ ،‬للإمام مالك ‪ ،168/3‬البيان يف مذهب الإمام ال�شافعي‪ ،‬للعمراين‬
‫‪ ،148 /5‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.178/4‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.8‬‬
‫((( انظر‪:‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪� ،58/6‬أ�سنى املطالب‪ ،‬للأن�صاري ‪ ،45/2‬املبدع‪ ،‬البن مفلح ‪.389/4‬‬
‫(( ( فقه الأولويات يف املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للعايدي‪� ،‬ص‪.97‬‬

‫‪186‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وال�شروط ال�صحة واجلواز‪� ،‬إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬وقد �سبق بيان ذلك(‪.)1‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬ضوابط تركيب العقود املالية‬
‫�إذا كان الأ�ص ��ل يف تركي ��ب العقود املالي ��ة ال�صحة واجلواز‪� ،‬إال م ��ا دل ال�شرع على‬
‫حترميه فالبد من �ضوابط لها؛ كي تبقى على �أ�صل ال�صحة واجلواز‪ ،‬وتبتعد عن الوقوع‬
‫يف املحظور ال�شرعي‪ ،‬وهذه ال�ضوابط‪:‬‬
‫‪�-1‬أال يك ��ون اجلمع بني العقود املالية حمل نهي �شرعي(‪)2‬؛ كا�شرتاط اجلمع بني القر�ض‬
‫والبي ��ع(‪ ،)3‬فق ��د جاء عن ��د �أبي داود وغريه ع ��ن عبد اهلل بن عمرو ب ��ن العا�ص ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪« :‬لاَ َيحِ ُّل َ�س� �لَ ٌف َو َب ْي ٌع»(‪ .)4‬وقد �أجمع الفقهاء على املنع من‬
‫ذلك(‪ ،)5‬ج ��اء يف مو�سوعة الإجماع‪«:‬مل يوقف على خالف �أحد من العلماء على هذا‬
‫الإجماع ال�سالف‪ ،‬وهو املنع من ا�شرتاط القر�ض مع البيع»(‪.)6‬‬
‫((( انظر �ص‪ 87 ،75‬من هذا البحث‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪ ،13‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.179‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.268‬‬
‫(( ( رواه �أب ��و داود‪ ،‬كت ��اب البيع‪ ،‬باب يف الرج ��ل يبيع ما لي�س عنده‪ ،‬برقم‪ ،3504‬والرتمذي‪ ،‬كت ��اب البيوع‪ ،‬باب ما جاء يف‬
‫كراهي ��ة بي ��ع ما لي�س عنده‪ ،‬برق ��م‪ ،1234‬والن�سائي‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب �شرطان يف بي ��ع‪ ،‬برقم‪ .4631 ،4630‬واحلديث‬
‫�ضعيف؛ فهو من رواية عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده‪ ،‬وعمرو بن �شعيب فيه خالف بني املحدثني؛ فقد �ضعفه يحيى‬
‫القط ��ان‪ ،‬واب ��ن معني يف رواية‪ ،‬و�أحمد‪ ،‬و�أب ��و داود‪ ،‬وذكره البخاري يف ال�ضعفاء ال�صغري وذك ��ر �أن مما يعاب عليه �أنه‬
‫كان ال ي�سم ��ع ب�ش ��يء �إال حدث به‪ ،‬وقال عنه ابن معني‪ «:‬لي�س بذاك»‪ ،‬وقال �أحمد‪ «:‬له �أ�شياء مناكري‪ ،‬و�إمنا يكتب حديثه‬
‫يعترب به‪ ،‬ف�أما �أن يكون حجة فال»‪ .‬ولعل ت�ضعيف ه�ؤالء الأئمة له من�صب على روايته عن �أبيه عن جده؛ ف�أكرث مروايته‬
‫هي عن �أبيه عن جده‪ ،‬و�سل�سة عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده ح�صل خالف بني الأئمة فيها‪ ،‬والراجح �أنها �ضعيفة؛‬
‫أي�ضا ابن معني‪ ،‬وابن املديني‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وابن عدي‪.‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪،64/22‬‬ ‫وممن ن�ص على �ضعفها � ً‬
‫ال�ضعفاء ال�صغري‪ ،‬للبخاري‪� ،‬ص‪ ،84‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪ ،263/3‬تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر ‪.48/8‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬املنتق ��ى �ش ��رح املوط� ��أ‪ ،‬للباجي ‪ ،29/5‬جمم ��وع الفتاوى‪ ،‬الب ��ن تيمي ��ة ‪ ،83/30‬مو�سوعة الإجم ��اع يف الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.163/4‬‬
‫(( ( مو�سوعة الإجماع يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.163/4‬‬

‫‪187‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -2‬أال يكون اجلمع بني العقود و�سيلة للمحرم(‪ ،)1‬بحيث« تقوى التهمة‪ ،‬ويكرث الق�صد يف‬
‫التط ��رق‪ ،‬والتو�سل بها �إىل الأمر املحظور»(‪)2‬؛ كاالتف ��اق على العينة‪� ،‬أو التو�صل �إىل‬
‫الربا(‪.)3‬‬
‫‪� -3‬أال يكون اجلمع بني عقدين خمتلفني يف الأحكام �إذا ترتب على ذلك ت�ضاد يف املوجبات‬
‫والآثار‪ ،‬وذلك يف حالة توارد عقدين على حمل واحد يف وقت واحد(‪)4‬؛ كما يف اجلمع‬
‫بني هبة عني وبيعها‪� ،‬أو اجلمع بني امل�ضاربة و�إقرا�ض ر�أ�س املال للم�ضارب(‪.)5‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬تركيب العقود املالية والهند�سة املالية‬
‫يلج�أ املهند�س املايل �إىل تركيب العقود املالية ك�أداة ي�ستخدمها يف �صناعة الهند�سة‬
‫املالي ��ة‪ ،‬والعق ��ود املالي ��ة املركبة ه ��ي نتيجة له ��ذا الرتكيب‪ ،‬وه ��ي هند�س ��ة مالية‪ ،‬وكل‬
‫عق ��د مايل مركب ه ��و هند�سة مالية‪ ،‬ولي�س ��ت كل هند�سة مالية ه ��ي عقد مايل مركب‪،‬‬
‫فالهند�سة املالية �أعم من العقود املالية املركبة؛ فبيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬هو عبارة‬
‫ع ��ن معامل ��ة مركبة م ��ن وعد بال�شراء م ��ن العميل‪ ،‬ووع ��د من امل�ص ��رف بالبيع بطريق‬
‫املرابح ��ة‪ ،‬مع االلتزام بالوعد(‪ ،)6‬فهذه معاملة مركب ��ة باعتبار االلتزام املوجود يف هذه‬
‫املعاملة(‪ ،)7‬وهي هند�سة مالية‪� ،‬أما �إذا كانت على «�صيغة الوعد غري امللزم‪ ،‬فهي معاملة‬
‫ذات عالق ��ات متعددة‪� ،‬إال �أنه ��ا ال تدخل يف �أحكام العقود املالي ��ة املركبة»(‪ ،)8‬ومع ذلك‬

‫انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪ ،275‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.185‬‬ ‫(( (‬
‫العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.22‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪ ،19‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.185‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪ ،284‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.185‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.284‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.28‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.266‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.266‬‬ ‫((( ‬

‫‪188‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فهي هند�سة مالية‪ ،‬فالهند�سة املالية �أعم من العقود املالية املركبة‪.‬‬


‫وم ��ن العقود التي مت ��ت هند�ستها عن طريق تركيب العقود املالي ��ة الإجارة املنتهية‬
‫بالتملي ��ك؛ فهي عبارة عن هند�سة مالية اجتمع فيها عقد �إجارة‪ ،‬وعقد بيع معلق ب�سداد‬
‫الثم ��ن‪� ،‬إال �أن هذا االجتم ��اع �أدى �إىل ت�ضاد يف املوجبات والآث ��ار‪ ،‬مما دعا �إىل هند�سة‬
‫مالي ��ة �أخرى بف�صل العقدين(‪)1‬؛ «لي�ستقل كل واحد منهما عن الآخر‪ ،‬زما ًنا بحيث يكون‬
‫�إب ��رام عق ��د البيع بعد عقد الإج ��ارة‪� ،‬أو وجود وعد بالتمليك يف نهاي ��ة مدة الإجارة»(‪)2‬؛‬
‫لذل ��ك ينبغي على املهند� ��س املايل �أن يراعي �ضوابط تركيب العقود؛ لأن الجتماع العقود‬
‫املالي ��ة ت�أث ًريا ال يكون حالة االنفراد‪ ،‬قال ال�شاطب ��ي‪�«:‬أن اال�ستقراء من ال�شرع َع ّرف �أن‬
‫لالجتماع ت�أث ًريا يف �أحكام ال تكون حالة االنفراد‪...‬فقد نهى عليه ال�صالة وال�سالم‪ :‬عن‬
‫بيع و�سلف(‪ ،)3‬وكل منهما لو انفرد جلاز»(‪.)4‬‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬مقال العق ��ود املالية املركبة بني املخارج ال�شرعية واحليل الربوية‪ ،‬للعم ��راين‪ ،‬من�شور يف مو�سوعة االقت�صاد‬
‫والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬على الرابط‪http://iefpedia.com/arab/ :‬‬
‫((( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي رقم ‪.)12/4(110:‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.158‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.468/3‬‬

‫‪189‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪190‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�صل الرابع‬
‫ضوابط الهندسة المالية اإلسالمية‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫تحُ ق ��ق الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية غاي ًة �شرعي ًة نبيل ًة‪ ،‬وجناحه ��ا ي�شد من �أزر امل�صارف‬
‫الإ�سالمية وي�ساعدها على موا�صلة م�سريتها‪ ،‬وهي من الو�سائل املعينة على التعريف بالإ�سالم‪،‬‬
‫وج ��ذب غري امل�سلمني �إليه‪� ،‬إال �أنه مما يخ�ش ��ى منه ا�ستجابتها ل�ضغط الواقع املخالف لل�شرع‪،‬‬
‫ورغبته ��ا يف احل�ص ��ول على الربح من �أي�س ��ر الطرق‪ ،‬مع قوة املناف�سة م ��ن البنوك التقليدية؛‬
‫فتنزل ��ق بالهند�سة املالية �إىل منحدر املخالف ��ات ال�شرعية التي يفقدها م�صداقيتها‪ ،‬وي�سلبها‬
‫ال�سند الأقوى الذي يك�سبها ر�ضا اهلل � اًأول‪ ،‬ثم ر�ضا املتعاملني معها(‪ ،)1‬والذي يحمي امل�صارف‬
‫الإ�سالمية من ذلك هو االلتزام بال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪.‬‬
‫وللهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �ضواب ��ط تخ�ص املهند� ��س امل ��ايل‪ ،‬و�ضوابط تخ�ص‬
‫الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬ويف املبحثني التاليني بيان ذلك‪.‬‬
‫املبحث الأول‬
‫الضوابط الخاصة بالمهندس المالي‬
‫طال � َ�ب �أحد الباحثني يف الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أن يك ��ون املهند�س املايل مل ًما‬
‫بالعل ��وم املالي ��ة‪� ،‬إ�ضافة �إىل العلوم ال�شرعية(‪ ،)2‬وال�شك �أن ه ��ذا يعد من �أهم ال�ضوابط‬
‫للهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة‪ ،‬وهو وجود امل�ؤه�ل�ات العلمية عند املهند� ��س املايل خا�صة‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬ال�سلع الدولية و�ضوابط التعامل فيها‪ ،‬حلمزة ال�شريف‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث ندوة الربكة التا�سعة والع�شرون‬
‫لالقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪7-6 ،‬رم�ضان ‪1429‬ه‪� ،‬ص‪.50‬‬
‫(( ( انظر‪:‬احل ��وار ال ��ذي �أج ��ري م ��ع الدكتور عبدالك ��رمي قندوز‪� ،‬ص ��در يف العدد الأخ�ي�ر ملجلة امل�صرفي ��ة الإ�سالمية‪،‬‬
‫العدد‪� ،10‬شهر فرباير‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫العلوم ال�شرعية‪ ،‬والتي ذكرها علما�ؤنا بالتف�صيل عند تناولهم ل�شروط املجتهد من علم‬
‫بالكتاب وال�سنة‪ ،‬و�أ�صول الفقه‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬واملجمع عليه واملختلف فيه‪ ،‬وغريها(‪،)1‬‬
‫�أو كم ��ا قال ال�شيخ عبداهلل بن بيه‪�«:‬إن مهند�س هذه العملية الذي يقرر النتيجة يجب �أن‬
‫متمر�سا بتوازنات منظوماتها‪.‬‬
‫ً‬ ‫صريا بامل�صالح املعتربة فيها‪،‬‬‫مرتا�ضا يف ال�شريعة‪ ،‬ب� ً‬‫ً‬ ‫يكون‬
‫وق ��د �آثرنا م�صطلح االرتيا�ض على م�صطل ��ح االجتهاد؛ لئال ن�صطدم ب�شروط االجتهاد‬
‫ال�صعب ��ة التح�صي ��ل»(‪� ،)2‬إال �أن الواق ��ع ي�شه ��د �أن معظ ��م الك ��وادر الب�شري ��ة العاملة يف‬
‫امل�صارف الإ�سالمية وافدة �إليها من البنوك التقليدية فهم ال ميلكون امل�ؤهالت العلمية‪،‬‬
‫ويجهلون طبيعة العمل يف امل�صارف الإ�سالمية(‪)3‬؛ لذا البد �أن تتوفر يف املهند�س املايل‪-‬‬
‫على الأقل‪� -‬صفتان؛ وهما‪ :‬اخلربة بالعمل امل�صريف وال�ش�ؤون امل�صرفية‪ ،‬والعلم بال�سوق‬
‫وحاجاته‪ ،‬وبيانهما يف املطلبني التاليني‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬اخلربة بالعمل امل�صريف‪ ،‬وال�ش�ؤون امل�صرفية‬
‫م ��ن �أهم ال�صفات التي ينبغي للمهند�س املايل �أن ميتلكها اخلربة بالعمل امل�صريف‪،‬‬
‫وال�ش� ��ؤون امل�صرفي ��ة؛ فهناك فرق بني املعرف ��ة النظرية‪ ،‬واملمار�س ��ة التطبيقية لل�شيء‪،‬‬
‫فـ«املمار�س ��ة لل�شيء يفيد قوة عليه ال حمال ��ة»(‪ ،)4‬وقد بني اهلل تعاىل �أهمية املعلومة التي‬
‫ت�أتي من اخلبري بال�شيء؛ فقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ (‪ .)5‬وقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮊ (‪ .)6‬وقد رد النبي × العلم بت�أبري النخل �إىل �أهل اخلربة‪ ،‬فقال ×‪�«:‬أَ ْن ُت ْم‬
‫(( ( انظر‪ :‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪ ،334/2‬الإبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لل�سبكي ‪ ،8/1‬ففيهما تف�صيل ل�شروط املجتهد‪.‬‬
‫(( ( م�شاهد من املقا�صد‪ ،‬لعبداهلل بن بيه‪� ،‬ص‪.188‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪� :‬إدارة املخاطر يف امل�ص ��ارف الإ�سالمية‪ ،‬لف�ضل عبدالكرمي حممد‪ ،‬بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي‬
‫ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪2008-2007 ،‬م‪� ،‬ص‪.278‬‬
‫((( الرد على املنطقيني‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.21‬‬
‫((( �سورة فاطر‪ ،‬الآية‪.14‬‬
‫((( �سورة الفرقان‪ ،‬الآية ‪.59‬‬

‫‪192‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أَ ْعلَ� � ُم ِب َ�أ ْم� � ِر ُد ْن َيا ُك� � ْم»رواه م�سلم(‪ .)1‬وقال نبين ��ا يو�سف ڠ للملك‪ :‬ﮋﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ (‪ .)2‬ف�أ�ش ��ار �إىل م�ؤهالت ��ه اخلا�ص ��ة الت ��ي تر�شح ��ه له ��ذه‬
‫الوالية؛ ومنها العلم؛ واملراد به هنا‪ :‬اخلربة يف ذلك‪ ،‬والكفاية فيه(‪)3‬؛ فالأمر الذي يريد‬
‫�أن يت ��واله«يف حاجة �إىل اخلربة وح�س ��ن الت�صرف والعلم بكافة فروع ��ه ال�ضرورية»(‪،)4‬‬
‫حلكم فيه ��ا �إىل �أهل اخلربة(‪ ،)5‬وم ��ن ذلك قول ابن‬ ‫ويف م�سائ ��ل كث�ي�رة ُيرج ��ع العلماء ا ُ‬
‫القيم‪«:‬وق ��ول القائل‪� :‬إن هذا غ ��رر وجمهول‪ ،‬فهذا لي�س حظ الفقي ��ه‪ ،‬وال هو من �ش�أنه‪،‬‬
‫و�إمنا هذا من �ش�أن �أهل اخلربة بذلك»(‪ .)6‬فقول اخلبري �أوىل بالقبول؛ لأنه �أعلم ببواطن‬
‫الأمور(‪ .)7‬فالهند�سة املالية الإ�سالمية ال ميكن جناحها �إال باملهند�س املايل الأمني اخلبري‬
‫«العارف ب�أحوال االقت�ص ��اد‪ ،‬ودقائقه‪ ،‬و�صوره‪ ،‬وم�آالته‪ ،‬ودوافع ��ه‪ ،‬و�سائر متعلقاته»(‪،)8‬‬
‫والع ��ارف بالأزمات االقت�صادية‪ ،‬و�أ�سبابه ��ا‪ ،‬وحلولها‪ ،‬وبالتجارب الناجحة‪� ،‬أو الفا�شلة‪،‬‬
‫والنظري ��ات املتنوعة‪ ،‬فكل ذل ��ك يعود بفائدة كربى على املهند� ��س املايل‪ ،‬وعلى احللول‬
‫الت ��ي يقدمها(‪ ،)9‬واملهند�س املايل يف امل�صارف الإ�سالمية لكي يح�صل على هذه اخلربة‬

‫((( �سبق تخريجه �ص‪.37‬‬


‫((( �سورة يو�سف‪ ،‬الآية ‪.55‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن‪ ،‬للطربي ‪.150/16‬‬
‫((( يف ظالل القر�آن‪ ،‬ل�سيد قطب ‪.2005/4‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬للبابرت ��ي ‪ ،271/8‬الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪ ،397/10‬امله ��ذب‪ ،‬لل�شريازي ‪ ،250/2‬املغني‪،‬‬
‫البن قدامة ‪.203/6‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.4/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.31/18‬‬
‫(( ( ا�ستحداث العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لقنديل ال�سعدين‪� ،‬ص‪.270‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املقدمة يف منهج الفقه الإ�سالمي لالجتهاد والبحث‪ ،‬للقره داغي‪� ،‬ص‪.146-145‬‬

‫‪193‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يحت ��اج من امل�صرف القيام على عمل دورات تدريبية تنمي مهاراته‪ ،‬وتطور خرباته؛ كي‬
‫ي�ؤدي عمله على �أف�ضل م�ستوى(‪.)1‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العلم بال�سوق وحاجاته‬
‫م ��ن الأهداف التي حتققه ��ا الهند�سة املالية الإ�سالمية تلبي ��ة االحتياجات املختلفة‬
‫للم�ستفيدي ��ن‪ ،‬وعلى هذا يلزم «�أن تكون احلاجات التي يتطلبها ال�سوق معروفة ملن يقوم‬
‫باالبت ��كار والتطوي ��ر للأدوات والأوراق املالية»(‪ ،)2‬بالإ�ضاف ��ة �إىل معرفة كل ما ي�ؤثر على‬
‫عمل ��ه؛ كاملعلومات عن تقلبات �أ�سعار الأ�سهم‪ ،‬والعم�ل�ات‪ ،‬و�أحوال االقت�صاد‪ ،‬وتوجهات‬
‫ال�سوق‪ ،‬والت�شريعات والقوانني اجلديدة(‪.)3‬‬
‫واملهند� ��س املايل بعدما ميتلك هاتني ال�صفتني ل ��ه �أن يقوم بالهند�سة املالية‪ ،‬وهذا‬
‫ال يكف ��ي العتم ��اد هذه الهند�سة املالية‪ ،‬ب ��ل البد من الت�أكد م ��ن امل�صداقية ال�شرعية ملا‬
‫مت ��ت هند�ست ��ه‪ ،‬وه ��ذا ال يتم �إال بعر� ��ض ما قام به عل ��ى �أهل االجته ��اد‪� ،‬إن مل يكن من‬
‫املجتهدين؛ كاملجامع الفقهية‪ ،‬والهيئات ال�شرعية التي ال ت�أثري للم�صارف على �أحكامها‬
‫الفقهي ��ة‪ ،‬فاحلكم يحتاج �إىل نوعني م ��ن الفهم‪ ،‬كما يقول ابن القيم‪ :‬فهم الواقع‪ ،‬وفهم‬
‫الواج ��ب يف الواقع(‪ .)4‬والذي يقوم به املهند�س املايل هو النوع الأول‪ ،‬والنوع الثاين يقوم‬
‫ب ��ه الفقي ��ه املجتهد‪ ،‬فـــ«كل واحد منهما فيما يقيم من العم ��ل يكون معي ًنا لغريه فيما هو‬
‫قرب ��ة وطاعة»(‪ ،)5‬وباجتماعهما يجتم ��ع فهم الواقع‪ ،‬مع فهم الواجب يف الواقع‪ ،‬و ُيتو�صل‬
‫ب�إذن اهلل �إىل احلكم ال�صحيح‪.‬‬

‫انظر‪� :‬إدارة املخاطر‪ ،‬البن علي بلعزوز و�آخرين‪� ،‬ص‪.335‬‬ ‫(( (‬


‫الهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪� ،‬ص‪.34‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬إدارة املخاطر‪ ،‬البن علي بلعزوز و�آخرين‪� ،‬ص‪.369‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.69/1‬‬ ‫((( ‬
‫الك�سب‪ ،‬ملحمد بن احل�سن‪� ،‬ص‪.75‬‬ ‫((( ‬

‫‪194‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫الضوابط الخاصة بالهندسة المالية اإلسالمية‬
‫�أم ��ا ال�ضوابط التي تخ�ص الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‪ ،‬فهي عدم خمالفة الهند�سة‬
‫املالية لل�شرع‪ ،‬و�سالمتها من العيوب ال�شكلية للعقود‪ ،‬ويف املطلبني التاليني بيان ذلك‪.‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬عدم خمالفة الهند�سة املالية الإ�سالمية لل�شرع‬
‫من �أهم ال�ضوابط للهند�سة املالية الإ�سالمية �أال تخالف الهند�سة املالية الإ�سالمية‬
‫ال�ش ��رع‪ ،‬فمخالفته ��ا له يخرجها م ��ن كونها هند�س ��ة مالية �إ�سالمي ��ة �إىل هند�سة مالية‬
‫تقليدي ��ة؛ ف�أب ��رز الفروق ب�ي�ن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة والهند�سة املالي ��ة التقليدية‬
‫خمالف ��ة التقليدية لل�شرع احلنيف؛ ولكي تبقى الهند�سة املالية الإ�سالمية موافقة لل�شرع‬
‫يلزم مراعاة الفروع التالية‪.‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬عدم املخالفة للن�ص ال�شرعي‬
‫�إذا ورد يف ال�ش ��رع ن�صو�ص تنهى عن معامل ��ة معينة‪ ،‬فيجب على املهند�س املايل �أال‬
‫يق�ت�رب منها؛ ومما ورد النهي عنه مما له تعلق بالهند�سة املالية‪ :‬النهي عن الربا‪ ،‬وعن‬
‫الغرر‪ ،‬وعن بيعتني يف بيعة‪ ،‬وبيانها يف امل�سائل التالية‪.‬‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬عدم الوقوع يف الربا‬
‫الربا يف اللغة‪ :‬الزيادة‪ ،‬والنم ��و‪ ،‬والعلو(‪)1‬؛ قال ابن فار�س‪«:‬الراء‪ ،‬والباء‪ ،‬واحلرف‬
‫املعتل‪ ،‬وكذلك املهموز منه يدل على �أ�صل واحد؛ وهو‪ :‬الزيادة‪ ،‬والنماء‪ ،‬والعلو»(‪.)2‬‬
‫والرب ��ا يف اال�صطالح‪«:‬التفا�ض ��ل يف مبادلة كل ربوي بجن�س ��ه‪ ،‬وت�أخري القب�ض مما‬
‫يجب فيه القب�ض»(‪.)3‬‬
‫((( انظر‪:‬تهذيب اللغة‪ ،‬للأزهري ‪ 195/15‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪304 /14‬‬
‫((( معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س‪.483/2‬‬
‫((( الربا‪ ،‬ل�صالح ال�سلطان‪� ،‬ص‪.7‬‬

‫‪195‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وق ��د جاءت ن�صو� ��ص كثرية يف ال�شريعة تنهى عن الربا‪ ،‬وحتذر من التعامل به؛ قال‬
‫اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ (‪ .)1‬وقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﮊ (‪ .)2‬وع ��ن عب ��د اهلل ب ��ن م�سع ��ود ‪ ،‬قال‪َ « :‬ل َع َن‬
‫هلل ×�آ ِك َل ال ِّر َبا َو ُمو ِكلَ ُه» رواه م�سلم(‪ .)3‬وعن �أ ِبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل‬ ‫�ول ا ِ‬‫َر ُ�س � ُ‬
‫ب ْثلٍ ‪،‬‬ ‫ِ�ض ُة ِبا ْلف َّ‬
‫ِ�ض ِة َو ْز ًنا ِب َو ْزنٍ ‪ ،‬مِ ثْلاً مِ ِ‬ ‫×‪« :‬ال َّذه َُب ِبال َّذه َِب َو ْز ًنا ِب َو ْزنٍ ‪ ،‬مِ ثْلاً مِ ِ‬
‫ب ْثلٍ ‪َ ،‬وا ْلف َّ‬
‫َف َم ��نْ َزا َد �أَ ِو ْا�س� � َت َزا َد َف ُه� � َو ِر ًبا» رواه م�سلم(‪ .)4‬والربا الذي ج ��اءت الن�صو�ص بالنهي عنه‬
‫نوع ��ان‪ :‬ربا الن�ساء‪ ،‬وربا الف�ضل(‪ ،)5‬فلفظ الربا «يتناول كل ما نهي عنه من ربا الن�ساء‪،‬‬
‫ورب ��ا الف�ضل‪ ،‬والقر�ض الذي يجر منفعة‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فالن�ص متناول لهذا كله»(‪)6‬؛ ومن‬
‫�أمثلة التعامل بالربا يف البنوك‪ ،‬الفوائد على القر�ض �سواء يف بداية العقد‪� ،‬أو عند حلول‬
‫الأجل‪ ،‬وقد جاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ب�ش�أن حكم التعامل امل�صريف بالفوائد‪،‬‬
‫وحك ��م التعامل بامل�صارف الإ�سالمي ��ة‪�«:‬أن كل زيادة �أو فائدة على الدين الذي حل �أجله‬
‫وعجز عن الوفاء به مقابل ت�أجيله‪ ،‬وكذلك الزيادة (�أو الفائدة) على القر�ض منذ بداية‬
‫�شرعا»(‪ ،)7‬وجاء يف قرار جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬ ‫العق ��د‪ :‬هاتان ال�صورتان رب ��ا حمرم ً‬
‫ب�ش� ��أن بي ��ع التق�سيط‪�«:‬إذا ت�أخر امل�شرتي املدين يف دف ��ع الأق�ساط عن املوعد املحدد فال‬

‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية‪.275‬‬


‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية‪.278‬‬
‫(( ( كت ��اب امل�ساق ��اة واملزارعة‪ ،‬باب لعن �آكل الرب ��ا وموكله‪ ،‬برقم‪ ،1597‬وللبخاري نحوه م ��ن حديث �أبي جحيفة‪ ،‬كتاب‬
‫البيوع‪ ،‬باب �آكل الربا و�شاهده وكاتبه‪ ،‬برقم‪.2086‬‬
‫((( كت ��اب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب ال�صرف وبيع الورق نق ��دً ا‪ ،‬برقم‪ .1588‬وللبخاري نحوه من حديث �أبي �سعيد‪ ،‬كتاب‬
‫البيوع‪ ،‬باب بيع الف�ضة بالف�ضة‪ ،‬برقم‪.2177 ،2176‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،111/12‬خمت�صر خليل‪� ،‬ص‪.147‬‬
‫((( الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.155/1‬‬
‫(( ( جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬قرار رقم ‪.3‬‬

‫‪196‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يجوز �إلزامه �أي زيادة على الدين‪ ،‬ب�شرط �سابق‪� ،‬أو بدون �شرط؛ لأن ذلك ربا حمرم»(‪.)1‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬عدم الوقوع يف الغرر‬
‫الغ ��رر يف اللغ ��ة‪ :‬اخلطر(‪ ،)2‬وهو ال ��ذي ال ُيدري �أيك ��ون �أم ال(‪ ،)3‬وغرر بنف�سه وماله‬
‫تغري ًرا وتغرة‪ :‬عر�ضهما للهلكة(‪.)4‬‬
‫والغ ��رر يف اال�صطالح‪«:‬م ��ا يك ��ون م�ستور العاقب ��ة»(‪� ،)5‬أو«هو املجه ��ول العاقبة»(‪،)6‬‬
‫وكالهما بنف�س املعنى‪ ،‬و�إن اختلفت �ألفاظهما قليل(‪.)7‬‬
‫عاما؛ كم ��ا جاء عن �أبي‬ ‫وق ��د وردت ن�صو�ص م ��ن ال�سنة تنهى عن الغ ��رر؛ �إما نه ًيا ً‬
‫هلل × َعنْ َب ْي ِع الحْ َ َ�صاةِ‪َ ،‬و َعنْ َب ْي ِع ا ْل َغ َررِ» رواه م�سلم(‪.)8‬‬ ‫هريرة‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَى َر ُ�س ُ‬
‫ول ا ِ‬
‫�أو نه ًي ��ا ع ��ن معام�ل�ات خا�صة ملا فيها من الغ ��رر؛ كما جاء عن عب ��داهلل بن عمر ر�ضي‬
‫حل َبلَ� �ةِ»‪ .‬وكان بي ًعا يتبايعه �أهل‬ ‫�ول اللهَّ ِ ×‪َ « ،‬ن َه ��ى َعنْ َب ْي ِع َح َب ��لِ ا َ‬
‫اهلل عنهم ��ا‪� «:‬أَنَّ َر ُ�س � َ‬
‫اجلاهلي ��ة‪ ،‬كان الرجل يبتاع اجلزور �إىل �أن تنت ��ج الناقة‪ ،‬ثم تنتج التي يف بطنها» متفق‬
‫هلل × َع ��نْ َب ْي َع َت نْيِ‪،‬‬ ‫علي ��ه(‪ ،)9‬وج ��اء عن �أبي �سعيد اخل ��دري ‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَا َنا َر ُ�س � ُ‬
‫�ول ا ِ‬
‫َو ِل ْب َ�س� � َت نْيِ‪َ ،‬ن َه ��ى َع ِن المْ ُلاَ َم َ�س� �ةِ‪َ ،‬والمْ ُ َنا َب� � َذ ِة يِف ا ْل َب ْي ِع»‪ ،‬واملالم�س ��ة‪ :‬مل�س الرجل ثوب الآخر‬

‫(( ( جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬قرار رقم ‪.2/53‬‬
‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪ ،381/4‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.13/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.381/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.13/5‬‬
‫((( املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪.194/12‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،22/29‬القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.169‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.54‬‬
‫(( ( كتاب البيوع‪ ،‬باب بطالن بيع احل�صاة والبيع الذي فيه غرر‪ ،‬برقم‪.1513‬‬
‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب البيوع‪ ،‬باب بيع الغرر وحبل احلبلة‪ ،‬برقم‪ ،2143‬وم�سل ��م‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب حترمي بيع حبل‬
‫احلبلة‪ ،‬برقم‪.1514‬‬

‫‪197‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بي ��ده باللي ��ل �أو بالنهار‪ ،‬وال يقلبه �إال بذلك‪ ،‬واملناب ��ذة‪� :‬أن ينبذ الرجل �إىل الرجل بثوبه‪،‬‬
‫نظر وال ترا� ٍ��ض» متفق عليه(‪ .)1‬قال‬
‫وينب ��ذ الآخر �إليه ثوب ��ه ويكون ذلك بيعهما من غري ٍ‬
‫الن ��ووي‪� « :‬أم ��ا النهي عن بيع الغرر فهو �أ�صل عظيم من �أ�صول كتاب البيوع‪ ،‬ولهذا قدمه‬
‫م�سلم ويدخل فيه م�سائل كثرية غري منح�صرة‪،‬كبيع الآبق واملعدوم واملجهول وما ال يقدر‬
‫على ت�سليمه وما مل يتم ملك البائع عليه‪.)2(»...‬‬
‫والغرر املنهي عنه يعود �إىل �أمرين‪:‬‬
‫الأم ��ر الأول‪ :‬اجله ��ل ب�أحد عو�ضي البيع(‪)3‬؛ ويدخل فيه اجلهل بذات املحل مثل بيع‬
‫�ش ��اة م ��ن قطي ��ع(‪ ،)4‬واجلهل بجن�س املح ��ل مثل بيع املرء ما يف كم ��ه(‪ ،)5‬واجلهل بنوع‬
‫املح ��ل مث ��ل بيع حيوان مل يتبني ه ��ل هو بعري �أو �ش ��اة(‪ ،)6‬واجلهل ب�صف ��ة املحل مثل بيع‬
‫احل ِمل(‪ ،)7‬واجلهل مبقدار املحل مثل بيع اللنب يف ال�ضرع(‪.)8‬‬ ‫َ‬
‫الأم ��ر الث ��اين‪ :‬ال�ش ��ك يف ح�صول �أحد عو�ضي البيع(‪)9‬؛ ويدخ ��ل فيه اجلهل بالأجل‬

‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع املالم�سة‪ ،‬برقم‪ ،2144‬وم�سلم‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب �إبطال بيع املالم�سة واملنابذة‪،‬‬
‫برقم‪.1512‬‬
‫(( ( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬للنووي ‪.156/10‬‬
‫((( انظر‪ :‬قاعدة الغرر‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة‬
‫الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،22‬العدد ‪1428 ،69‬ه‪� ،‬ص‪.173‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.178‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.189‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.191‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.203‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.271‬‬
‫((( انظر‪ :‬قاعدة الغرر‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة‬
‫الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،22‬العدد ‪1428 ،69‬ه‪� ،‬ص‪.173‬‬

‫‪198‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫مثل بيع حبل احلبلة(‪ ،)1‬وعدم القدرة على ت�سليم املحل مثل بيع ال�سمك يف املاء(‪ ،)2‬وبيع‬
‫املعدوم مثل بيع الثمار قبل بدو �صالحها(‪.)3‬‬
‫والأ�ص ��ل �أن بي ��ع الغ ��رر باط ��ل(‪� ،)4‬إال �أنه ال ميكن �إبط ��ال كل غ ��رر؛ لأن ذلك ي�ؤدي‬
‫�إىل �إغ�ل�اق ب ��اب البيع(‪ ،)5‬فال يكاد يخلو عقد من الغ ��رر(‪ ،)6‬والغرر مكمل للبيع‪ ،‬و�شرط‬
‫كل تكمل ��ة «�أن ال يعود اعتبارها على الأ�صل بالإبط ��ال»(‪)7‬؛ لذا ا�ستثنى العلماء من الغرر‬
‫املمنوع �أمو ًرا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الأمر الأول‪� :‬أن يكون الغرر يف غري عقود املعاو�ضات املالية؛ فاحلديث جاء يف النهي‬
‫ع ��ن بيع الغرر؛ ملا فيه من �أكل املال بالباطل‪ ،‬ومل ��ا يحدثه من م�شاحنات وخ�صومات(‪،)8‬‬
‫و�أحلق العلماء جميع عقود املعاو�ضات بالبيع(‪)9‬؛ لتحقق املعنى الذي من �أجله منع الغرر‬
‫إجماعا يف عقود املعاو�ضات»(‪� ،)11‬أما‬
‫يف البيع فيها(‪ ،)10‬وقد ذكر القرايف �أن الغرر«ممنوع � ً‬
‫العق ��ود الأخ ��رى فال يتحقق املعن ��ى الذي من �أجله منع الغرر يف البي ��ع فيها؛ لذا فالغرر‬
‫الذي فيها غري م�ؤثر؛ لعدم وجود دليل على املنع(‪.)12‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.299‬‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.317‬‬ ‫(( (‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.374‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.258/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.26/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪.41/5‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.26/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.585‬‬
‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.8/2‬‬
‫انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.585‬‬ ‫(‪( (1‬‬
‫الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪.354/4‬‬ ‫(‪ ((1‬‬
‫انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.585‬‬ ‫(‪( (1‬‬

‫‪199‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫اً‬
‫ا�ستقالل»(‪ ،)2‬قال‬ ‫الأمر الثاين‪� :‬أن يكون الغرر تاب ًعا(‪)1‬؛ ف�إنه«يثبت تب ًعا ما ال يثبت‬
‫اب ��ن قدامة‪«:‬ويجوز يف التابع م ��ن الغرر ما ال يجوز يف املتب ��وع»(‪ .)3‬وقال النووي‪� «:‬أجمع‬
‫اً‬
‫جمهول؛ لأنه تابع»(‪ .)4‬فالغرر‬ ‫امل�سلمون على جواز بيع حيوان يف �ضرعه لنب و�إن كان اللنب‬
‫التابع غري املق�صود يف العقد م�ستثنى من الغرر املمنوع‪.‬‬
‫الأم ��ر الثال ��ث‪� :‬أن يك ��ون الغرر ي�س�ي ً�را؛ وقد �أجم ��ع العلماء عل ��ى �أن ي�سري الغرر ال‬
‫ي�ؤث ��ر(‪ ،)5‬وق ��د و�ضع بع�ض علماء املالكي ��ة ً‬
‫�ضابطا للغرر الكثري امل�ؤث ��ر؛ وهو ما غلب على‬
‫العق ��د حتى �صار يو�صف ب ��ه(‪� ،)6‬إال �أن العلماء اختلفوا يف م�سائ ��ل‪ ،‬فبع�ضهم يرى الغرر‬
‫ال ��ذي فيها م�ؤث ًرا‪ ،‬وبع�ضهم يراه غري م�ؤثر(‪)7‬؛ ق ��ال الباجي(‪«:)8‬و�إمنا يختلف العلماء يف‬
‫ف�س ��اد �أعيان العقود؛ الختالفهم فيما فيه من الغرر‪ ،‬وهل هو من حيز الكثري الذي مينع‬
‫ال�صحة‪� ،‬أو من حيز القليل الذي ال مينعها؟»(‪.)9‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية الد�سوقي ‪ ،173/3‬نهاية املحتاج‪ ،‬للرملي ‪ ،148/4‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.58/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬القواعد‪ ،‬البن رجب‪� ،‬ص‪ ،298‬مو�سوعة القواعد الفقهية‪ ،‬للبورنو ‪.283/12‬‬
‫((( املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.58/4‬‬
‫((( املجموع‪ ،‬للنووي ‪.326/9‬‬
‫((( مم ��ن نق ��ل الإجم ��اع اجل�صا�ص‪ ،‬وابن العربي‪ ،‬والن ��ووي‪ ،‬وابن قا�س ��م‪ ،‬وغريهم انظر‪� :‬أحكام الق ��ر�آن‪ ،‬للج�صا�ص‬
‫‪ ،189/2‬امل�سال ��ك يف �ش ��رح موط�أ مالك‪ ،‬البن العربي ‪ ،83/6‬املجموع‪ ،‬للن ��ووي ‪ ،258/9‬حا�شية الرو�ض املربع‪ ،‬البن‬
‫قا�سم ‪ ،351/4‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.228-222/2‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬املنتق ��ى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪ ،41/5‬امل�سالك يف �شرح موط�أ مالك‪ ،‬البن العربي ‪ ،83/6‬املقدمات املمهدات‪،‬‬
‫البن ر�شد ‪.71/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.258/9‬‬
‫(( ( ه ��و �أب ��و الوليد �سليمان بن خلف بن �سعد التُّجيبي الأندل�س ��ي القرطبي الباجي‪ ،‬ولد �سنة ‪ 403‬هـ‪ ،‬وارحتل فرجع �إىل‬
‫الأندل� ��س بعد ثالث ع�شرة �سنة بعلم غزير‪ ،‬وويل الق�ضاء مبوا�ضع من الأندل�س‪ ،‬وله م�صنفات عديدة منها‪«:‬املنتقى‬
‫�ش ��رح املوط� ��أ»‪ ،‬و«�إحكام الف�ص ��ول يف �أحكام الأ�صول»‪ ،‬تويف �سن ��ة ‪ 474‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ترتيب امل ��دارك‪ ،‬للقا�ضي عيا�ض‬
‫‪� ،117/8‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.536/18‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪.41/5‬‬

‫‪200‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫إجماعا‪...‬وقليل‬
‫فعلى هذا �أ�صبح الغرر ثالثة �أق�سام كما يقول القرايف«كثري ممتنع � ً‬
‫إجماعا ‪...‬ومتو�سط اختلف فيه هل يلحق بالأول �أو الثاين؟ فالرتفاعه عن القليل‬ ‫جائ ��ز � ً‬
‫�أحلق بالكثري‪ ،‬والنحطاطه عن الكثري �أحلق بالقليل»(‪.)1‬‬
‫فمو�ضع اخلالف و الإ�شكال هو الغرر املتو�سط(‪ ،)2‬قال الدكتور ال�صديق ال�ضرير‪�«:‬إن‬
‫و�ض ��ع �ضابط حمدد للغرر الكث�ي�ر‪ ،‬والغرر الي�سري يف وقت واحد �أم ��ر غري مي�سور؛ لأننا‬
‫مهم ��ا فعلن ��ا ف�سنجد �أنف�سنا قد حددن ��ا الطرفني‪ ،‬وتركنا الو�سط م ��ن غري حتديد مما‬
‫ي� ��ؤدي �إىل االختالف»(‪)3‬؛ وحلل هذا الإ�شكال ر�أى الدكتور ال�صديق ال�ضرير �سلوك �أحد‬
‫م�سلكني‪:‬‬
‫امل�س ��لك الأول‪� :‬أن ت�ت�رك معاي�ي�ر الغرر الكث�ي�ر‪ ،‬واملتو�سط‪ ،‬والي�س�ي�ر‪ ،‬مرنة ُتف�سر‬
‫ح�سب الظروف‪ ،‬والأحوال‪ ،‬واختالف الع�صور‪ ،‬والأنظار(‪.)4‬‬
‫امل�سلك الثاين‪� :‬أن يو�ضع �ضابط للغرر الكثري وحده؛ فيكون هو امل�ؤثر‪ ،‬وكل ما عداه‬
‫ف�ل�ا ت�أثري له‪ ،‬وخري �ضابط على ما ي ��رى الدكتور هو ال�ضابط ال�سابق الذي و�ضعه بع�ض‬
‫املالكية؛ وهو ما غلب على العقد حتى �صار يو�صف به(‪.)5‬‬
‫ويناق�ش هذا ال ��ر�أي ب�أن امل�سلك الأول �سيكون �سب ًبا يف زيادة االختالف بني النا�س‪،‬‬
‫فبينم ��ا كان خالف العلماء ال�سابقني على �صور من الغ ��رر‪ ،‬وهو الغرر املتو�سط‪� ،‬سيكون‬
‫خالفهم عل ��ى الغرر الكثري‪ ،‬والغرر املتو�سط‪ ،‬والغرر القلي ��ل؛ لعدم وجود �ضابط ب�سبب‬
‫اختالف الظروف‪ ،‬والأحوال‪ ،‬والع�صور‪ ،‬والأنظار‪.‬‬
‫((( الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.266-265/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬قاعدة الغرر‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة‬
‫الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،22‬العدد ‪1428 ،69‬ه‪� ،‬ص‪.182‬‬
‫(( ( الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.592‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.592‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.593‬‬

‫‪201‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أم ��ا امل�سلك الثاين ف�سي�ؤدي للنتيجة نف�سها التي خرجت للعلماء ال�سابقني؛ فالعلماء‬
‫و�ضعوا هذا ال�ضابط ليفرقوا بني الغرر امل�ؤثر‪ ،‬والغرر غري امل�ؤثر؛ قال ابن ر�شد يف �سياق‬
‫حديث ��ه عن حكم بع�ض الزروع التي فيها غرر‪«:‬هل هو من الغرر امل�ؤثر يف البيوع �أم لي�س‬
‫م ��ن امل�ؤث ��ر؟ وذلك �أنهم اتفقوا �أن الغرر ينق�سم بهذي ��ن الق�سمني»(‪ .)1‬ومع ذلك خرجت‬
‫لهم �صور فيها غرر كثري‪ ،‬فبع�ضهم ر�أى �أنه يغلب على العقد حتى يو�صف به فيكون غر ًرا‬
‫م�ؤث ًرا‪ ،‬وبع�ضهم ر�أى �أنه ال يغلب على العقد فيكون غر ًرا غري م� ٍؤثر‪ ،‬فاختلفوا فيه ف�صار‬
‫الغ ��رر ثالثة �أق�سام‪،‬كم ��ا يقول القرايف‪ :‬الغ ��رر الكثري‪ ،‬والغرر القلي ��ل‪ ،‬والغرر املتو�سط‬
‫امل�ت�ردد بينهم ��ا‪ ،‬وعلى هذا امل�سلك ال ��ذي ر�آه الدكتور ال�ضرير �سيك ��ون الغرر نف�س هذه‬
‫الأق�سام‪ ،‬ويبقى الإ�شكال قائ ًما‪.‬‬
‫�ضابطا للغرر‪ ،‬وهو‪� :‬أن املعاو�ضة �إذا ترددت نتيجتها‬‫واختار الدكتور �سامي ال�سويلم ً‬
‫ب�ي�ن حالتني‪ :‬نتيجة �صفرية يربح فيها �أحد الطرفني على ح�ساب الآخر‪ ،‬ونتيجة �إيجابية‬
‫ينتف ��ع فيه ��ا كال طريف العقد‪ ،‬ف� ��إن العربة يف احلكم عل ��ى العقد تتب ��ع النتيجة الأرجح‬
‫احتمال التي يق�صدها الطرفان‪ ،‬ف�إن كانت النتيجة الإيجابية هي الأرجح‪ ،‬وهي مق�صود‬ ‫اً‬
‫الطرفني‪ ،‬كانت املعاملة جائزة‪ ،‬واحتمال النتيجة ال�صفرية من الغرر الي�سري‪ ،‬و�إن كانت‬
‫ممنوعا(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫احتمال النتيجة ال�صفرية هي الأرجح‪ ،‬فهذا غرر فاح�ش‪ ،‬فيكون العقد‬
‫ويناق� ��ش ه ��ذا ال ��ر�أي مبا نوق� ��ش به ال ��ر�أي ال�سابق‪ ،‬و�أن ��ه �ستخرج لن ��ا عقود يكون‬
‫االحتمال فيها غري مرتجح لأحد الطرفني‪ ،‬و�ستُحدث اختال ًفا بني العلماء‪ ،‬ويكون عندنا‬
‫ثالث ��ة �أق�سام‪ :‬نتيج ��ة �إيجابية جائزة‪ ،‬ونتيجة �صفرية ممنوع ��ة‪ ،‬ونتيجة مرتددة بينهما‬
‫حمل اختالف بني العلماء‪.‬‬

‫((( بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪.175/3‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.266‬‬

‫‪202‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بيوعا منه ًيا عنها يف ال�شريعة للغرر واحتمال النتيجة الإيجابية �أرجح‬‫م ��ع �أن هناك ً‬
‫م ��ن احتم ��ال النتيجة ال�صفرية‪ ،‬مثل بي ��ع الثمار قبل بدو �صالحه ��ا‪ ،‬فالأرجح �أن الثمار‬
‫ت�صل ��ح‪ ،‬وينتفع الطرفان من البيع‪ ،‬وهناك معام�ل�ات جائزة يف ال�شريعة مع �أن احتمال‬
‫النتيج ��ة ال�صفري ��ة �أرجح م ��ن احتمال النتيج ��ة الإيجابية مثل اجلعال ��ة‪ ،‬ف�ضبط الغرر‬
‫بالأرج ��ح من النتيجة الإيجابية‪� ،‬أو النتيج ��ة ال�صفرية ي�سبب اختال ًفا �أكرث من ال�ضابط‬
‫ال�سابق‪.‬‬
‫واختار الدكتور عبداهلل ال�سكاكر ً‬
‫�ضابطا �آخر للغرر‪ :‬وهو �أن ُي�ضبط الغرر املمنوع �أو‬
‫امل�ؤثر بكرثة اخل�صومات‪ ،‬يقول الدكتور‪�«:‬إن كرثة اخل�صومات يف عقد من العقود ميكن‬
‫�شرعا‪ ،‬ف�إن املت�أمل يف بيع‬
‫�أن تك ��ون عالم ��ة على �أن الغرر املوجود فيه غري مت�سامح في ��ه ً‬
‫الثمار قبل بدو �صالحها‪ ،‬واملزارعة على نتاج �أ�شياء معينة من الزرع وال�شجر‪ ،‬يدرك �أن‬
‫ال�شارع مل ينه عنها حتى كرثت اخل�صومات ب�سببها»(‪.)1‬‬
‫ويناق� ��ش هذا االختيار ب�أن اخل�صومات ال تن�ضب ��ط‪ ،‬فقد تكرث اخل�صومات يف عقد‬
‫مب ��اح‪ ،‬وتقل يف عقد حم ��رم �إذا �سبقه �شرط واتفاق‪ ،‬ثم كم ع ��دد اخل�صومات التي �إذا‬
‫حدث ��ت ميك ��ن �أن ُيعلم �أن الغ ��رر املوجود يف العقد غري مت�سامح في ��ه؟‪ ،‬و�إذا نزلت نازلة‬
‫جدي ��دة وفيه ��ا غرر هل نق ��ول بجوازها ثم ننتظر حتى حت�ص ��ل اخل�صومات؟ وكم املدة‬
‫التي ينبغي �أن ننتظرها حتى نعرف هل اخل�صومات قليلة �أو كثرية؟‪.‬‬
‫ول ��و �سلمن ��ا �أن كرثة اخل�صومة عالمة عل ��ى �أن الغرر املوج ��ود يف العقد كثري وغري‬
‫مت�سامح فيه‪ ،‬فهل ي�سلم �أن عدم اخل�صومة �أو قلتها داللة على �أن الغرر املوجود يف العقد‬
‫قليل �أو مت�سامح فيه؟!‬

‫((( قاع ��دة الغ ��رر‪ ،‬لعب ��داهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث من�شور يف جمل ��ة ال�شريعة والدرا�س ��ات الإ�سالمية‪ ،‬ال�ص ��ادرة من جامعة‬
‫الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،22‬العدد ‪1428 ،69‬ه‪� ،‬ص‪.185‬‬

‫‪203‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فك�ث�رة اخل�صوم ��ة ال ت�صلح ً‬


‫�ضابط ��ا للتفريق بني الغرر املت�سام ��ح فيه‪ ،‬والغرر غري‬
‫املت�سامح فيه‪.‬‬
‫واختار الدكتور رفيق امل�صري �أن �ضابط الغرر املمنوع هو ما ال ميكن االحرتاز منه‪،‬‬
‫�أو ما ال ميكن اجتنابه(‪ ،)1‬وعلى هذا الر�أي يقول الدكتور‪«:‬مل نعد بحاجة �إىل عبارة غرر‬
‫كث�ي�ر �أو فاح�ش‪ ،‬ي�سري �أو قلي ��ل؛ لأننا ا�ستبدلنا بها عبارة‪ :‬غ ��رر ميكن اجتنابه‪ ،‬وغرر ال‬
‫ميكن اجتنابه»(‪.)2‬‬
‫ويف م ��كان �آخر �أ�ض ��اف الدكتور �إىل ال�ضابط ال�سابق �أن تك ��ون هناك حاجة للغرر‪،‬‬
‫فيقول‪�«:‬ضابط الغرر املحرم هو الغرر الذي ال ميكن اجتنابه مع احلاجة �إليه‪� ،‬أو ال ميكن‬
‫اجتنابه �إال مب�شقة‪� ،‬أي هو الغرر الذي يتعذر �أو يتع�سر اجتنابه»(‪.)3‬‬
‫و�أول من انتقد هذا االختيار الدكتور رفيق امل�صري نف�سه؛ حيث قال‪«:‬لكن قد تن�ش�أ‬
‫م�شكلة جديدة يف مقابل امل�شكلة القدمية؛ �إذ ننتقل من م�شكلة البحث عن �ضابط للكرثة‬
‫والقل ��ة �إىل �ضابط للع�سر والي�سر»(‪ .)4‬فنعود للنتيجة الأوىل‪ ،‬وهو �أن الغرر ينق�سم ثالثة‬
‫�أق�سام‪ :‬غرر ميكن اجتنابه‪ ،‬وغرر ال ميكن اجتنابه‪ ،‬وغرر مرتدد بينهما‪.‬‬
‫والدكت ��ور بهذا ال�ضابط جعل الغ ��رر الي�سري بحكم الغرر الكثري‪ ،‬ف�ل�ا يجوز �إال �إذا‬
‫دع ��ت له احلاجة‪ ،‬ومل ميك ��ن التحرز منه‪ ،‬مع �أن العلماء فرقوا بني الغرر الكثري‪ ،‬والغرر‬

‫((( انظر‪:‬فقه املعامالت املالية‪ ،‬لرفيق امل�صري‪� ،‬ص‪ ،141‬الغرر عر�ض ومناق�شة لكتاب ال�ضرير‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬بحث‬
‫من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪،‬‬
‫‪2010-2009‬م‪� ،‬ص‪.33‬‬
‫((( الغ ��رر عر�ض ومناق�شة لكت ��اب ال�ضرير‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز‬
‫�أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪2010-2009 ،‬م‪� ،‬ص‪.38‬‬
‫(( ( انظر‪:‬فقه املعامالت املالية‪ ،‬لرفيق امل�صري‪� ،‬ص‪.141‬‬
‫((( الغ ��رر عر�ض ومناق�شة لكت ��اب ال�ضرير‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز‬
‫�أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪2010-2009 ،‬م‪� ،‬ص‪.38‬‬

‫‪204‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الي�س�ي�ر؛ فالغرر الكثري هو الذي جتيزه احلاجة مع ع ��دم �إمكان التحرز منه �إال مب�شقة‪،‬‬
‫�أما الغرر الي�سري فيجوز و�إن مل تدع له حاجة‪� ،‬أو �أمكن التحرز منه؛ قال ابن ر�شد‪«:‬وذلك‬
‫�أنه ��م اتفقوا �أن الغرر ينق�سم بهذين الق�سم�ي�ن‪�-‬أي امل�ؤثر‪ ،‬وغري امل�ؤثر‪ ،-‬و�أن غري امل�ؤثر‬
‫ه ��و الي�سري‪� ،‬أو الذي تدعو �إليه ال�ضرورة‪� ،‬أو‪ ‬م ��ا جمع الأمرين»(‪ ،)1‬واملق�صود بال�ضرورة‬
‫هنا احلاجة(‪.)2‬‬
‫قال النووي‪�«:‬إذا دعت احلاجة �إىل ارتكاب الغرر وال ميكن االحرتاز عنه �إال مب�شقة‪،‬‬
‫�أو كان الغرر حق ًريا‪ ،‬جاز البيع‪ ،‬و�إال فال»(‪.)3‬‬
‫ق ��ال اب ��ن تيمية‪«:‬وما يظ ��ن �أن هذا نوع غ ��رر فمثله جائز يف غريه م ��ن البيوع؛ لأنه‬
‫ي�سري‪ ،‬واحلاجة داعية �إليه‪ ،‬وكل واحد من هذين يبيح ذلك‪ ،‬فكيف �إذا اجتمعا؟»(‪.)4‬‬
‫فهذه الن�صو�ص تبني �أن الغرر الي�سري معفو عنه‪� ،‬سواء �أمكن التحرز منه �أو ال‪ ،‬دعت‬
‫ل ��ه احلاجة �أو ال‪ ،‬وق ��د �سبق نقل �إجماع العلماء على �أن الغ ��رر الي�سري معفو عنه دون �أن‬
‫ً‬
‫�شروطا(‪.)5‬‬ ‫ي�ضعوا له‬
‫وبع ��د‪ ،‬فلن يكون هن ��اك �ضابط يح�سم اخل�ل�اف بني العلماء‪ ،‬فالعب ��ادات مع كرثة‬
‫الن�صو� ��ص م ��ن القر�آن وال�سنة‪ ،‬والقواع ��د وال�ضوابط الفقهية فيه ��ا‪� ،‬إال �أن اخلالف يف‬
‫م�سائله ��ا كث�ي�ر‪ ،‬وخري �ضابط ميك ��ن و�ضعه هو ال ��ذي يقلل من اخلالف ق ��در الإمكان‪،‬‬

‫((( بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪.175/3‬‬


‫(( ( يق ��ول الدكت ��ور ال�صدي ��ق ال�ضرير‪«:‬الحظ ��ت �أن كث�ي ً�را من الفقه ��اء يف حديثهم ع ��ن الغرر ال يفرق ��ون بني احلاجة‬
‫التزاما ال�ستعمال‬
‫ً‬ ‫وال�ض ��رورة‪ ،‬في�ستعملون كلمة ال�ض ��رورة يف مو�ضع احلاجة‪...‬و�أود �أن �أ�سجل هنا �أن �أك�ث�ر الفقهاء‬
‫اً‬
‫ا�ستعمال لكلمة ال�ضرورة» الغرر و�أثره‬ ‫كلم ��ة احلاجة هو ال�شريازي من فقهاء ال�شافعية‪...‬كما �أن فقهاء املالكية �أكرث‬
‫يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص ‪.602-601‬‬
‫((( املجموع‪ ،‬للنووي ‪.258/9‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.346/20‬‬
‫(( ( انظر‪:‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.228-222/2‬‬

‫‪205‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وال�ضاب ��ط ال ��ذي يقلل اخل�ل�اف هنا هو و�ض ��ع �ضابط للغ ��رر الي�سري‪ ،‬فيك ��ون هو الغرر‬
‫غ�ي�ر امل�ؤثر‪ ،‬وما عداه غرر م�ؤثر؛ فالأ�صل يف الغ ��رر �أنه حمرم وممنوع‪ ،‬و�أن الي�سري منه‬
‫معف ��و عنه‪ ،‬فو�ضع �ضابط للغرر الي�سري ثم يك ��ون الباقي على الأ�صل وهو املنع‪ ،‬يقلل من‬
‫اخل�ل�اف؛ لأن اال�ستثناء قليل‪ ،‬و�ضبطه �أ�سهل من �ضبط الكثري‪ ،‬فعندما �سئل رجل النبي‬
‫× ع ��ن م ��ا يلب�س املحرم ذك ��ر له املمنوعات وه ��ي قليلة(‪ )1‬وترك الباق ��ي على الأ�صل‪،‬‬
‫ف�ضبط القليل �أ�سهل‪.‬‬
‫والعلماء ملا تكلموا عن الغرر الي�سري ذكروا �أنه ما يت�سامح فيه النا�س(‪ ،)2‬واملت�سامح‬
‫في ��ه هو ما يقيد به املذهب احلنبلي اللقطة اجلائ ��ز التقاطها دون تعريف‪« :‬مبا ال تتبعه‬
‫هم ��ة �أو�ساط النا� ��س»(‪)3‬؛ فال�شريعة ملا �أج ��ازت �أخذ اللقطة الت ��ي ال تتبعها همة �أو�ساط‬
‫النا� ��س دون تعري ��ف دل ذلك عل ��ى �أن هذا هو القدر املت�سامح في ��ه‪ ،‬واخلالف يف تقدير‬
‫م ��ا ال تتبعه همة �أو�ساط النا�س قليل ب�ي�ن العلماء‪ ،‬في�صلح �أن يكون �ضابط الغرر الي�سري‬
‫املعفو عنه هو‪ :‬ما ال تتبعه همة �أو�ساط النا�س‪ ،‬وما عداه يبقى على �أ�صل املنع‪« ،‬ف�إن �شك‬
‫يف كون ��ه ي�س�ي ً�را فالأقرب املنع»(‪� )4‬إبق ��ا ًء على الأ�صل‪� ،‬إال �أن يكون ثم ��ة حاجة للغرر‪ ،‬وال‬
‫ميكن التحرز منه‪.‬‬

‫(( ( ن�ص احلديث عن عبد اهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪� ،‬أن رجال قال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬ما يلب�س املحرم من الثياب؟ قال‬
‫اف �إِ اَّل �أَ َح ٌد َال َي ِج ُد َن ْع َلينْ ِ ‪،‬‬ ‫ر�س ��ول اهلل ×‪َ « :‬ال َي ْل َب ُ�س ال ُق ُم َ�ص‪َ ،‬و َال ال َع َما ِئ � َ�م‪َ ،‬و َال َّ‬
‫ال�س َرا ِوي َال ِت‪َ ،‬و َال البرَ َ ا ِن َ�س‪َ ،‬و َال ِ‬
‫اخل َف َ‬
‫اب َ�ش ْي ًئا َم َّ�س� � ُه الز َّْع َف َرانُ �أَ ْو َو ْر ٌ�س» رواه البخاري‪،‬‬ ‫َف ْل َي ْل َب� � ْ�س ُخ َّفينْ ِ ‪َ ،‬و ْل َيق َْط ْع ُه َما �أَ ْ�س َف � َ�ل ِمنَ ال َك ْع َبينْ ِ ‪َ ،‬و َال َت ْل َب ُ�سوا ِمنَ ال ِّث َي ِ‬
‫كت ��اب احل ��ج‪ ،‬باب ما ال يلب�س املح ��رم من الثياب‪ ،‬برق ��م‪ ،1543‬وم�سلم‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب ما يب ��اح للمحرم بحج �أو‬
‫عمرة‪ ،‬وما ال يباح وبيان حترمي الطيب عليه‪ ،‬برقم‪.1177‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪ ،357 /4‬تكملة املجموع‪ ،‬للمطيعي ‪ ،28/13‬املمتع‪ ،‬البن عثيمني ‪.107/10‬‬
‫((( املبدع يف �شرح املقنع‪ ،‬البن مفلح ‪ ،119/5‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.209/4‬‬
‫((( حا�شية العدوي على �شرح خمت�صر خليل للخر�شي ‪.75/5‬‬

‫‪206‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الأمر الرابع‪� :‬أن تدعو �إليه احلاجة‪ ،‬وال ميكن التحرز منه �إال مب�شقة(‪)1‬؛ ف�إذا كانت‬
‫هناك حاجة للغرر‪ ،‬وال ميكن التحرز منه �إال مب�شقة‪ ،‬ف�إنه يجوز يف هذه احلالة‪ ،‬فتحرمي‬
‫الغ ��رر �أخف من حترمي الربا؛ لذا يجوز الغرر للحاجة‪ ،‬وال يجوز الربا �إال لل�ضرورة‪ ،‬قال‬
‫ابن تيمية‪« :‬ومف�سدة الغرر �أقل من الربا‪ ،‬فلذلك رخ�ص فيما تدعو �إليه احلاجة منه‪ ،‬ف�إن‬
‫حترمي ��ه �أ�شد �ضر ًرا من �ضرر كونه غ ��ر ًرا»(‪ .)2‬وقال‪«:‬وال�شارع ال يحرم ما يحتاج النا�س‬
‫�إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج �إليه يف ذلك»(‪ .)3‬وقال ابن ر�شد يف‬
‫و�ص ��ف الغ ��رر غري امل�ؤثر‪ «:‬و�أن غري امل�ؤثر هو الي�سري‪� ،‬أو الذي تدعو �إليه ال�ضرورة‪� ،‬أو ما‬
‫جمع الأمرين»(‪ .)4‬واملق�صود بال�ضرورة هنا احلاجة كما �سبق بيانه‪ ،‬وقد منع ابن قدامه‬
‫�صح ��ة عقد فيه غرر لعدم احلاجة له ��ذا الغرر(‪ ،)5‬ومنع �صحة عقد �آخر لأن الغرر الذي‬
‫في ��ه ميكن التحرز منه(‪ ،)6‬وقال النووي‪ «:‬ف�أم ��ا ما تدعو �إليه احلاجة وال ميكن االحرتاز‬
‫عنه ك�أ�سا�س الدار ‪...‬ونحو ذلك فهذا ي�صح بيعه بالإجماع‪...‬قال العلماء مدار البطالن‬
‫ب�سب ��ب الغ ��رر وال�صحة مع وجوده على ما ذكرناه‪ ،‬وهو �أنه �إذا دعت احلاجة �إىل ارتكاب‬
‫الغرر وال ميكن االحرتاز عنه �إال مب�شقة �أو كان الغرر حق ًريا‪ ،‬جاز البيع‪ ،‬و�إال فال»(‪.)7‬‬
‫واحلاجة هي التي يفتقر �إليها من «حيث التو�سعة ورفع ال�ضيق امل�ؤدي يف الغالب �إىل‬
‫احل ��رج وامل�شقة الالحقة بفوت املطلوب‪ ،‬ف�إذا مل تراع دخل على املكلفني‪ -‬على اجلملة‪-‬‬

‫((( انظر‪:‬قاعدة الغرر‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة‬
‫الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،22‬العدد ‪1428 ،69‬ه‪� ،‬ص‪.186‬‬
‫((( القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.172‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.227/29‬‬
‫((( بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪.175/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.212/4‬‬
‫((( املرجع ال�سابق ‪.301/5‬‬
‫((( املجموع‪ ،‬للنووي ‪.258/9‬‬

‫‪207‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫احلرج وامل�شقة‪ ،‬ولكنه ال يبلغ مبلغ الف�ساد العادي املتوقع يف امل�صالح العامة»(‪.)1‬‬
‫وي�ش�ت�رط للحاجة �أن تكون متعينة‪ ،‬و�أن تق ��در بقدرها(‪ ،)2‬ف�إذا «مل يجدوا �إىل طلب‬
‫احلالل �سبيلاً ‪ ،‬فلهم �أن ي�أخذوا منه‪�-‬أي احلرام‪ -‬قدر احلاجة»(‪.)3‬‬
‫وق ��د ق ��رر اجلوين ��ي قاع ��دة؛ وه ��ي‪� :‬أن«احلاج ��ة العامة تن ��زل منزل ��ة ال�ضرورة‬
‫اخلا�ص ��ة»(‪ ،)4‬ث ��م ذكرها كثري من امل�ؤلف�ي�ن بعده‪ ،‬ويتم اال�ستدالل به ��ا كث ًريا يف النوازل‬
‫املعا�ص ��رة‪ ،‬خا�ص ��ة يف نوازل املعام�ل�ات املالية‪ ،‬وقبل اال�ستدالل به ��ا نحتاج �إىل مراعاة‬
‫الأمور التالية‪:‬‬
‫الأم ��ر الأول‪� :‬أن اجلوين ��ي ق�س ��م ال�ض ��رورات ثالث ��ة �أق�س ��ام‪ :‬ق�س ��م‪ :‬ال ي�ستباح �إال‬
‫بال�ضرورة لفح�شه �أو‪ ‬بعده عن احلل‪ ،‬فريعى ال�شرع فيه حتقق وقوع ال�ضرورة‪ ،‬وال يكتفي‬
‫بت�صوره ��ا يف اجلن� ��س‪ ،‬ب ��ل يعترب حتققها يف كل �شخ� ��ص؛ ك�أكل امليتة وطع ��ام الغري(‪،)5‬‬
‫أي�ضا‪ ،‬ب ��ل يوجب ال�شرع‬ ‫وق�س ��م‪« :‬يتناه ��ى قبحه يف م ��ورد ال�شرع‪ ،‬فال تبيح ��ه ال�ضرورة � ً‬
‫االنقياد للتهلكة واالنكفاف عنه؛ كالقتل والزنا يف حق املجرب عليهما»(‪ ،)6‬والق�سم الثالث‪:‬‬
‫م ��ا يرتبط يف �أ�صله بال�ضرورة‪ ،‬ولكن ال ينظر ال�شرع يف الآحاد والأ�شخا�ص وهذا كالبيع‬
‫�شرع ��ا (‪ ،)7‬فال�ضرورة عند اجلويني‬ ‫وم ��ا يف معن ��اه‪ ،‬فلي�س البيع قبيحا يف نف�سه عر ًفا �أو ً‬
‫عل ��ى ه ��ذا التق�سيم هي كل م ��ا �أباح املح ��رم‪ ،‬واحلاجة تنزل منزلة ال�ض ��رورة يف �إباحة‬
‫املح ��رم القريب من احل ��ل‪� ،‬أو غري القبيح على ا�صطالحه‪� ،‬أما م ��ا كان بعيدً ا عن احلل‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.21/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.607-605‬‬
‫((( غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص‪.478‬‬
‫((( الربهان‪ ،‬للجويني ‪.82/2‬‬
‫((( املرجع ال�سابق ‪.86/2‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربهان‪ ،‬للجويني ‪.86/2‬‬

‫‪208‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فاح�شا‪ ،‬فاحلاجة ال جتيزة‪ ،‬و�أما الق�سم الثاين فال تبيحه ال�ضرورة‪ ،‬واحلاجة من‬ ‫�أو‪ ‬كان ً‬
‫باب �أوىل‪ ،‬فاحلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة يف ق�سم من �أق�سامها فقط‪ ،‬وال تنزل منزلتها‬
‫مطل ًقا‪.‬‬
‫الأمر الثاين‪� :‬أن هناك اختال ًفا وتداخلاً يف م�صطلح احلاجة وال�ضرورة‪ ،‬وقد تطور‬
‫مفهوم احلاجة وال�ضرورة من ع�صر اجلويني �إىل الع�صور التي بعده مما �أدى �إىل تطبيق‬
‫القاع ��دة يف غري حملها؛ فاحلاجة عن ��د اجلويني‪«:‬لفظة مبهم ��ة ال ي�ضبط فيها قول‪...‬‬
‫ولي�س من املمكن �أن ن�أتي بعبارة عن احلاجة ن�ضبطها �ضبط التخ�صي�ص والتمييز حتى‬
‫تتمي ��ز متيز امل�سميات واملتلقب ��ات بذكر �أ�سمائها و�ألقابها‪ ،‬ولكن �أق�صى الإمكان يف ذلك‬
‫م ��ن البيان تقريب وح�س ��ن ترتيب»(‪ .)1‬و�أق�صى الإمكان يف بي ��ان احلاجة عند اجلويني؛‬
‫ً‬
‫م�شروطا فيها ال�ضرورة وخروج الروح‪ ،‬وال يعني بها ت�شوف النا�س �إىل الطعام‪،‬‬ ‫�أنه لي�س‬
‫وت�شوقه ��ا �إليه‪ ،‬فاحلاجة � ًإذا بني ذلك(‪ ،)2‬وكل م ��ا بني ذلك مما هو قريب من ال�ضرورة‬
‫وخ ��روج ال ��روح‪� ،‬أو بعيد عنها �إىل درجة الت�شوف والت�ش ��وق فهو داخل يف مفهوم احلاجة‬
‫عند اجلويني‪ ،‬ولكن ما احلاجة التي تنزل منزلة ال�ضرورة عنده؟‬
‫احلاج ��ة الت ��ي تنزل منزل ��ة ال�ضرورة عند اجلوين ��ي هي التي يرتت ��ب عليها �ضرر‪،‬‬
‫والت ��ي �إذا �صرب النا�س كافة عليها وقعوا يف ال�ضرورة(‪ ،)3‬ومن ن�صو�صه التي تبني ذلك‪:‬‬
‫«احلاجة يف حق النا�س كافة تنزل منزلة ال�ضرورة‪ ،‬يف حق الواحد امل�ضطر‪ ،‬ف�إن الواحد‬
‫امل�ضطر لو �صابر �ضرورته‪ ،‬ومل يتعاط امليتة‪ ،‬لهلك‪ ،‬ولو �صابر النا�س حاجاتهم‪ ،‬وتعدوها‬
‫�إىل ال�ض ��رورة‪ ،‬لهلك النا�س قاطبة‪ ،‬ففي تعدي الكافة احلاجة من خوف الهالك‪ ،‬ما يف‬

‫((( غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص‪.480-479‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.480-479‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.483-481‬‬

‫‪209‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫تع ��دي ال�ضرورة يف حق الآحاد»(‪ .)1‬ومنه ��ا‪« :‬فاملرعي � ًإذا دفع ال�ضرار‪ ،‬وا�ستمرار النا�س‬
‫عل ��ى ما يقيم قواهم»(‪ .)2‬ومنها‪«:‬ف�إنا اعتمدنا ال�ضرار وتوقعه»(‪ .)3‬ومنها‪« :‬فليعترب فيها‬
‫درء ال�ضرار بها»(‪ .)4‬ومنها‪«:‬ويتح�صل من جمموع ما نفينا و�أثبتنا �أن النا�س ي�أخذون ما‬
‫ل ��و تركوه لت�ض ��رروا يف احلال �أو يف امل�آل‪ ،‬وال�ضرار الذي ذكرن ��اه يف �أدراج الكالم عنينا‬
‫به ما يتوقع منه ف�ساد البنية‪� ،‬أو �ضعف ي�صد عن الت�صرف والتقلب يف �أمور املعا�ش»(‪،)5‬‬
‫ث ��م ا�شرتط اجلويني لتنزيل احلاجة منزلة ال�ض ��رورة يف �إباحة املحرم �أن يكون احلرام‬
‫�أطب ��ق الزم ��ان و�أهله‪ ،‬فقال‪�«:‬إن جميع م ��ا ذكرناه فيه �إذا عم ��ت املحرمات‪ ،‬وانح�سمت‬
‫الط ��رق �إىل احلالل»(‪ .)6‬وقد ذكر يف بداية تقري ��ره لهذه القاعدة‪�« :‬أن احلرام �إذا طبق‬
‫الزم ��ان و�أهله‪ ،‬ومل يجدوا �إىل طلب احلالل �سبي�ًل اً ‪ ،‬فلهم �أن ي�أخذوا منه قدر احلاجة‪،‬‬
‫وال ت�شرتط ال�ضرورة التي نرعاها يف �إحالل امليتة يف حقوق �آحاد النا�س»(‪.)7‬‬
‫فاحلاج ��ة التي ذكر اجلويني �أنها تنزل منزلة ال�ض ��رورة هي ما يرتتب على فقدها‬
‫�ضرر‪� ،‬أو خوف هالك‪� ،‬أو ال جتري بفقدها م�صالح الدنيا على ا�ستقامة‪ ،‬واحلاجة بهذا‬
‫املفه ��وم ه ��ي مبعنى ال�ضرورة عن ��د كثري من �أهل العل ��م‪ ،‬فمن تعريف ��ات ال�ضرورة عند‬
‫احلنفية‪«:‬خوف ال�ضرر على نف�سه �أو بع�ض �أع�ضائه برتكه الأكل»(‪.)8‬‬

‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.479-478‬‬ ‫((( ‬


‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.480‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.482‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.487‬‬ ‫((( ‬
‫غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني ‪� ،‬ص‪.478‬‬ ‫((( ‬
‫�أحكام القر�آن‪ ،‬للج�صا�ص ‪.159/1‬‬ ‫((( ‬

‫‪210‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ومنها عند املالكية‪�«:‬أنها ال بد منها يف قيام م�صالح الدين والدنيا»(‪.)1‬‬


‫مر�ضا خمو ًفا‬
‫ومنه ��ا عند ال�شافعية‪«:‬ومن خاف من ع ��دم الأكل على نف�سه مو ًتا �أو ً‬
‫�أو زيادت ��ه‪� ،‬أو‪ ‬ط ��ول مدته‪� ،‬أو انقطاعه عن رفقته‪� ،‬أو خوف �ضعف عن م�شي �أو ركوب ومل‬
‫يجد اً‬
‫حالل ي�أكله»(‪.)2‬‬
‫ومنه ��ا عند احلنابلة‪«:‬ال�ضرورة املبيحة؛ هي الت ��ي يخاف التلف بها �إن ترك الأكل‪.‬‬
‫قال �أحمد‪� :‬إذا كان يخ�شى على نف�سه‪� ،‬سواء كان من جوع‪� ،‬أو يخاف �إن ترك الأكل عجز‬
‫عن امل�شي‪ ،‬وانقطع عن الرفقة فهلك‪� ،‬أو يعجز عن الركوب فيهلك»(‪.)3‬‬
‫وم ��ن تعريف ��ات املعا�صرين‪� «:‬أن تط ��ر�أ على الإن�س ��ان حالة من اخلط ��ر‪� ،‬أو امل�شقة‬
‫ال�شديدة‪ ،‬بحيث يخاف حدوث �ضرر‪� ،‬أو �أذى بالنف�س �أو الع�ضو‪� ،‬أو بالعر�ض‪� ،‬أو بالعقل‪،‬‬
‫�أو باملال‪ ،‬وتوابعها»(‪.)4‬‬
‫فمفه ��وم احلاج ��ة وال�ض ��رورة تطور من ع�ص ��ر اجلوين ��ي �إىل الع�صور الت ��ي تليه‪،‬‬
‫فاحلاج ��ة �صارت تعني جمرد امل�شقة دون �أن يرتتب عليها �ضرر‪ ،‬وال�ضرورة التي ق�سمها‬
‫اجلوين ��ي ثالثة �أق�س ��ام �أ�صبحت ق�س ًما واح ��دً ا‪ ،‬فالق�سم الذي تبيح ��ه احلاجة‪ ،‬والق�سم‬
‫ال ��ذي تبيحه ال�ضرورة‪� ،‬أ�صبح كله داخ�ًلفاً يف ال�ضرورة‪ ،‬و�إطالق قاعدة «احلاجة العامة‬
‫تنزل منزل ��ة ال�ضرورة اخلا�ص ��ة»‪ ،‬دون مراعاة للتطور يف مفه ��وم احلاجة‪ ،‬وال�ضرورة‪،‬‬
‫ودون مراع ��اة لأق�سام ال�ضرورة‪ ،‬يوقع يف �إ�شكال م ��ن حيث �إن احلاجة التي كانت بعيدة‬
‫م ��ن ال�ضرورة يف ع�صر اجلويني‪� ،‬صارت تتن ��زل منزلة ال�ضرورة يف ق�سمها الأول فتبيح‬
‫من احلرام ما ال تبيحه �إال ال�ضرورة‪ ،‬مع �أن اجلويني ذكر �أن احلاجة ‪-‬التي تنزل منزلة‬

‫املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.17/2‬‬ ‫((( ‬


‫مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني ‪.159-158/6‬‬ ‫((( ‬
‫املغني‪ ،‬البن قدامه ‪.415/9‬‬ ‫((( ‬
‫نظرية ال�ضرورة ال�شرعية‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪� ،‬ص‪.68-67‬‬ ‫(( (‬

‫‪211‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�ض ��رورة‪ ،‬والت ��ي هي داخلة يف مفهوم ال�ضرورة عند غ�ي�ره‪ ،‬ال تبيح ما تبيحه ال�ضرورة‬
‫مما ب ُعد عن احلل؛ك�أكل امليتة‪ ،‬و�أكل مال الغري‪.‬‬
‫الأم ��ر الثال ��ث‪� :‬أن اجلويني ذك ��ر �أمثل ًة للحاجة العامة التي تن ��زل منزلة ال�ضرورة‬
‫اخلا�ص ��ة يف �إباح ��ة املحظ ��ور‪ ،‬وه ��ي‪ :‬ت�صحي ��ح الإجارة(‪)1‬؛«ف�إنه ��ا مبنية عل ��ى م�سي�س‬
‫احلاج ��ة �إىل امل�ساك ��ن مع الق�صور ع ��ن متلكها و�ضنة مالكها بها عل ��ى �سبيل العارية‪...‬‬
‫م ��ن حيث �إن الكافة لو منعوا عم ��ا تظهر احلاجة فيه للجن�س لن ��ال �آحاد اجلن�س �ضرار‬
‫ال حمال ��ة»(‪ ،)2‬والبيع ذكر �أنه �ض ��رورة �أو حاجة منزلة منزلة ال�ضرورة(‪ ،)3‬وجواز النظر‬
‫�إىل املخطوب ��ة‪� ،‬إذا مل ُيخ ��ف الفتن ��ة؛ لعموم احلاجة يف بناء الن ��كاح على متييزه‪ ،‬ودوام‬
‫احلي ��اة الزوجية‪ ،‬واخللق ال ي�ستوون يف متييز اجلمال من عدمه(‪ ،)4‬وكذلك جواز النظر‬
‫�إىل وج ��ه امل ��ر�أة عند حت ّمل ال�شهادة عليها(‪ ،)5‬ووالية ال�سلطان للمر�أة التي ال ويل لها(‪،)6‬‬
‫واملر�أة املعتدة �إذا خافت �ضياع مالها‪ ،‬وله خطر وقدر يجوز لها اخلروج(‪ .)7‬وهذه الأمثلة‬
‫الت ��ي ذكره ��ا اجلويني يرتت ��ب على فواتها �ض ��رر �أو اختالل يف م�صال ��ح الدنيا والدين؛‬
‫ك�ضي ��اع املال‪� ،‬أو‪ ‬عدم ا�ستقرار الأ�سرة‪� ،‬أو �ضياع احلق ��وق‪� ،‬أو غريها‪ ،‬و�إن كانت تختلف‬
‫يف مقدار ال�ضرر‪ ،‬وبع�ضها يدخل يف مفهوم ال�ضرورة عند غريه‪ ،‬وبع�ضها ال يدخل‪ ،‬وكل‬
‫ه ��ذه الأمثلة التي ذكرها اجلويني للحاجة العامة تنزل مبنزلة ال�ضرورة يف �إباحة بع�ض‬
‫املحرم ��ات؛ كاملح ��رم القريب من احلل‪ ،‬كما ذكر يف خروج املعتدة ‪«:‬والرتب�ص و�إن كان‬
‫انظر‪ :‬نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪ ،67/8‬الربهان‪ ،‬للجويني ‪.79/2‬‬ ‫((( ‬
‫الربهان‪ ،‬للجويني ‪.79/2‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.83/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪.36/12‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.36/12‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.148/12‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.256-255/15‬‬ ‫((( ‬

‫‪212‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫واجب� � ًا؛ ف�إن ��ه من قبيل الأمو ِر التابعة‪ ،‬وال ِ‬


‫آداب املت�أكدة املرت ِّقية من نهاية الندب �إىل �أول‬
‫درج ��ة الوج ��وب»(‪� ،)1‬أو املحرم للذريعة كما يف ك�شف وجه املخطوب ��ة‪ ،‬ف�إن النظر للمر�أة‬
‫حمرم ��ا لذاته‪ ،‬ومل يذكر اجلوين ��ي �أمثلة لإباحة حمرمات ال تبيحه ��ا �إال ال�ضرورة‬
‫ً‬ ‫لي� ��س‬
‫اط ��رادًا مع ر�أي ��ه يف �أن احلاجة العامة ال تبيح كل املحرمات‪ ،‬ب ��ل تبيح املحرم القريب‪،‬‬
‫�أوغري القبيح كما �سبق بيانه يف الأمر الأول‪.‬‬
‫فاجلويني مع تقعيده لهذه القاعدة مل ينزل احلاجة العامة منزلة ال�ضرورة اخلا�صة‬
‫مطل ًقا يف �إباحة كل حمرم؛ ال من حيث تقعيدها‪ ،‬وال من حيث الأمثلة‪ ،‬فال تبيح احلاجة‬
‫العام ��ة عنده �أكل امليتة‪ ،‬و�أكل مال الغري‪ ،‬وم ��ا فح�ش من املحرمات‪� ،‬أو ب ُعد عن احلالل‪،‬‬
‫م ��ع �أن احلاج ��ة التي ينزلها منزل ��ة ال�ضرورة تدخل يف مفهوم ال�ض ��رورة عند غريه كما‬
‫�سب ��ق يف التعريفات ال�سابقة‪ ،‬فالأ�صل الذي بنى علي ��ه اجلويني قاعدته هو �أن‪«:‬كل باب‬
‫بن ��ي على مع ًنى‪ ،‬ثم فر�ض انخرام ذلك املعنى ب�شيء يق ��ع معتاد ًا؛ فذلك املعنى يقت�ضي‬
‫يطرد حتى ال ينخرم»(‪ ،)2‬وجواز املحرمات التي ال تبيحها �إال ال�ضرورة ك�أكل امليتة‪� ،‬أو‬ ‫�أن َّ‬
‫�أكل مال الغري‪ ،‬للحاجة‪ ،‬خرم للمعنى الذي بني عليه الباب‪.‬‬
‫الأمر الرابع‪� :‬أن الزرك�شي ذكر يف املنثور قاعدة‪«:‬احلاجة اخلا�صة تبيح املحظور»(‪.)3‬‬
‫وذك ��ر لها �أمثلة؛ كت�ضبيب الإناء‪ ،‬والأكل من طعام الكفار‪ ،‬ولب�س احلرير ملن به حكة(‪)4‬؛‬
‫وت ��دل هذه الأمثلة عل ��ى �أن احلاجة اخلا�صة تبيح بع�ض املحظ ��ورات‪ ،‬كما �سبق بيانه يف‬
‫حمرما من املحرمات التي ال تبيحها‬ ‫ً‬ ‫احلاجة العامة‪ ،‬وال يوجد فيها مثال حلاجة �أباحت‬
‫�إال ال�ض ��رورة‪ ،‬فالقاعدة لي�س ��ت على �إطالقها‪ ،‬لكن ال�سيوطي �أتى بعده وجمع بني قاعدة‬

‫املرجع ال�سابق ‪.256/15‬‬ ‫((( ‬


‫نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪.255/15‬‬ ‫((( ‬
‫املنثور‪ ،‬للزرك�شي ‪.25/2‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.25/2‬‬ ‫((( ‬

‫‪213‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫اجلوين ��ي‪ ،‬والزرك�شي‪ ،‬فقال‪« :‬احلاجة تنزل منزلة ال�ض ��رورة عامة كانت �أو خا�صة»(‪،)1‬‬
‫وذكر نف�س الأمثلة التي ذكرها الزرك�شي‪ ،‬وهذه ال�صيغة اجلديدة للقاعدة �سببت � اً‬
‫إ�شكال‬
‫م ��ن حي ��ث الإطالق‪ ،‬ومن حي ��ث املراد باحلاج ��ة اخلا�صة‪� ،‬أما الإطالق فق ��د �سبق بيان‬
‫�أن الإط�ل�اق يف القاع ��دة غري مراد‪ ،‬و�أما امل ��راد باحلاجة اخلا�صة‪ ،‬ف� ��إن كان املق�صود‬
‫باخلا�ص ��ة �أه ��ل حرفة معين ��ة‪� ،‬أو بلد معني(‪)2‬؛ فق ��د ذكر اجلويني �أنه ��م �إن تعذر عليهم‬
‫حت�صيل احل�ل�ال‪ ،‬ولو اقت�صروا على �سد الرمق‪ ،‬وانتظ ��روا انق�ضاء �أوقات ال�ضرورات‪،‬‬
‫النقطع ��وا عن مطالبه ��م‪ ،‬فحكمها حك ��م احلاجة العامة فه ��ي تنزل منزل ��ة ال�ضرورة‪،‬‬
‫فلي�أخذوا �أقدار حاجتهم كما �سبق بيانه(‪.)3‬‬
‫�أم ��ا �إن كان املق�ص ��ود باخلا�صة �آحاد النا�س(‪ ،)4‬ف�إن املق ��رر عند اجلويني �صاحب‬
‫القاع ��دة‪�«:‬أن املرعي يف حق الآح ��اد حقيقة ال�ضرورة»‪ ،‬وقد افرت� ��ض اجلويني يف نهاية‬
‫املطل ��ب �ص ��ورة نادرة حلاجة خا�صة ب�آحاد النا�س‪ :‬وهي ام ��ر�أة معتدة لو مل تخرج ل�ضاع‬
‫ماله ��ا‪ ،‬فرتدد اجلويني يف تركها للرتب�ص‪ ،‬وقارن بني الرتب�ص الذي هو من قبيل الأمو ِر‬
‫آداب املت�أكدة املرت ِّقية من نهاية الن ��دب �إىل �أول درجة الوجوب‪ ،‬وبني �ضياع‬ ‫التابع ��ة‪ ،‬وال ِ‬
‫امل ��ال وهو �شدي ��د(‪ ،)5‬واخت ��ار‪� «:‬أن امل ��ال �إذا كان ي�ضيع‪ ،‬ول ��ه خط ٌر وقدر‪ ،‬ف�ل�ا ب�أ�س لو‬
‫خرج ��ت‪ ،‬و�إن فر�ض ال�ضياع عل ��ى وجه الندور»(‪ .)6‬فهذه ال�صورة فيها �ضرر �ضياع املال‪،‬‬
‫وال�ضرر ُي ِنزل احلاجة العامة منزلة ال�ضرورة عند اجلويني‪ ،‬وعند غري اجلويني ح�صول‬

‫الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لل�سيوطي‪� ،‬ص‪.88‬‬ ‫((( ‬


‫ممن ذهب �إىل هذا املعنى ال�شيخ م�صطفى الزرقا‪.‬انظر‪:‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬للزرقا ‪.1005/2‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص‪.488‬‬ ‫(( (‬
‫ممن ذهب �إىل هذا املعنى الدكتور وهبة الزحيلي‪.‬انظر‪ :‬نظرية ال�ضرورة ال�شرعية‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪� ،‬ص‪.262‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪.256-255/15‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪.256/15‬‬ ‫((( ‬

‫‪214‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�ض ��رر داخل يف مفهوم ال�ضرورة‪ ،‬واملحرم الذي فيه ��ا لي�س من املحرمات التي تبيحها‬
‫ال�ض ��رورة‪ ،‬بل هو من املحرمات القريبة من احل ��ل‪ ،‬ومع ذلك مل ينزلها اجلويني منزلة‬
‫ال�ض ��رورة ب�إباحة ت ��رك الرتب�ص �إال بعد تردد‪ ،‬و�إعمال النظ ��ر الفقهي‪ ،‬فتنزيل احلاجة‬
‫اخلا�ص ��ة منزلة ال�ض ��رورة اخلا�صة مطل ًقا ه ��و �إلغاء لل�ضرورة‪ ،‬فتك ��ون العربة يف جواز‬
‫املحرمات هي احلاجة فقط‪.‬‬
‫�إن عدم مراعاة هذه الأمور يوقع يف �إ�شكاالت‪ ،‬و�إن الناظر للتطبيقات الفقهية التي‬
‫ت�ضرب مث � اً�ال للقاعدة‪ ،‬واال�ستدالل بالقاعدة على بع� ��ض الق�ضايا يدرك مدى الإ�شكال‬
‫الذي �سببه الإطالق يف القاعدة‪ ،‬دون مراعاة ملا ق�صده �صاحب القاعدة بها‪ ،‬وما مفهوم‬
‫احلاج ��ة وال�ضرورة عنده؟‪ ،‬وم ��ا التطور الذي ح�صل لهما مع الزم ��ن؟‪ ،‬ولي�ست امل�شكلة‬
‫يف التطبيق ��ات والأمثل ��ة الت ��ي ورد ال�شرع بجوازه ��ا‪ ،‬والتي ذكرها اجلوين ��ي والزرك�شي‬
‫عن ��د ذكرهم للقاعدة‪ ،‬والتي يذكرها �أكرث من كتب ع ��ن القاعدة‪ ،‬فهذه ال �إ�شكال فيها‪،‬‬
‫ومل يق ��رر اجلويني القاعدة لبيان جواز هذه الأمثل ��ة �أو‪ ‬لي�ستدل بالقاعدة لبيان جوازها‬
‫فال�سن ��ة كافي ��ة‪ ،‬و�إمنا وقع الإ�شكال يف التطبيقات التي مل ي ��رد جوازها يف ال�شرع‪� ،‬أو يف‬
‫اال�ستدالل بهذه القاعدة على جواز بع�ض النوازل‪ ،‬وامل�ستجدات‪.‬‬
‫وم ��ن التطبيقات التي ذكرها بع�ض امل�ؤلفني اً‬
‫مثال للحاج ��ة العامة التي تنزل منزلة‬
‫ال�ض ��رورة‪ ،‬وتبني م�شكلة الإطالق يف القاعدة بي ��ع الوفاء(‪ ،)1‬وهو«البيع ب�شرط �أن البائع‬
‫مت ��ى رد الثمن يرد امل�شرتي �إليه املبيع»(‪ .)2‬وه ��و احتيال على الربا(‪ ،)3‬فقد جوزه م�شايخ‬
‫بل ��خ بخارى احلنفي ��ة حلاجة النا�س العامة ل ��ه ب�سبب كرثة الدي ��ون(‪ ،)4‬ومعلوم �أن الربا‬

‫انظر‪ :‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬للزرقا ‪ ،1006/2‬نظرية ال�ضرورة ال�شرعية‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪� ،‬ص‪.266‬‬ ‫((( ‬
‫جملة الأحكام العدلية‪� ،‬ص‪30‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪.523/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪ ،68‬نظرية ال�ضرورة ال�شرعية‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪� ،‬ص‪.266‬‬ ‫((( ‬

‫‪215‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م ��ن �أكل �أم ��وال النا�س بالباطل‪ ،‬وهو من ق�سم ال�ضرورة الت ��ي ذكر اجلويني �أن احلاجة‬
‫ال تبيحه ��ا‪ ،‬وال تبيحه ��ا �إال ال�ضرورة بق�سمه ��ا الأول كما �سبق بيان ��ه‪ ،‬وقد منعه كثري من‬
‫العلم ��اء منهم بع� ��ض احلنفية(‪ )1‬ومل ينزلوا احلاجة العامة هنا منزلة ال�ضرورة‪ ،‬جاء يف‬
‫ق ��رار جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي ب�ش�أن بيع الوفاء‪�«:‬إن حقيق ��ة هذا البيع (قر�ض جر‬
‫نف ًع ��ا) فهو حتايل على الرب ��ا‪ ،‬وبعدم �صحته قال جمهور العلم ��اء»(‪ .)2‬ف�إدراج هذا البيع‬
‫مث � اً�ال للقاع ��دة يدل عل ��ى امل�شكلة التي �سببه ��ا الإطالق يف القاعدة‪ ،‬حي ��ث �أُدخل حتتها‬
‫هذا املثال كتطبيق لها‪ ،‬وم ْن ُع جمهور العلماء لهذا البيع يدل على �أن القاعدة لي�ست على‬
‫�إطالقه ��ا‪ ،‬فاحلاج ��ة موجودة‪ ،‬والرب ��ا جتيزه ال�ضرورة‪ ،‬ومع ذل ��ك ال تنزل هذه احلاجة‬
‫منزلة ال�ضرورة يف جوازها‪.‬‬
‫ومن �أمثلة اال�ستدالل بهذه القاعدة على جواز بع�ض النوازل‪ ،‬وامل�ستجدات ويبني مدى‬
‫امل�شكل ��ة التي �سببها الإطالق يف القاعدة‪ ،‬ما �أفت ��ى به املجل�س الأوربي للإفتاء والبحوث‬
‫بج ��واز �ش ��راء بيوت ال�سكن ��ى يف ديار غري امل�سلم�ي�ن بالقر�ض الرب ��وي‪ ،‬وكان من �ضمن‬
‫الركائ ��ز التي اعتمد عليه ��ا املجل�س قاعدة‪«:‬احلاجة تنزل منزل ��ة ال�ضرورة عامة كانت‬
‫�أو خا�ص ��ة«(‪ ،)3‬مع �أن الربا من املحرمات التي ال جتيزها �إال ال�ضرورة‪ ،‬وال تنزل احلاجة‬
‫مبنزلة ال�ضرورة يف جوازه‪ ،‬فقد جاء عن اجلويني �صاحب القاعدة‪«:‬ف�أما امل�ساكن‪ ،‬ف�إين‬
‫والكنُّ الذي ي�ؤوي ��ه وعيلته وذريته‪،‬‬
‫�أرى م�سك ��ن الرج ��ل من �أظهر ما مت� ��س �إليه حاجته‪ِ ،‬‬
‫مم ��ا ال غن ��اء به عنه»(‪ .)4‬ومع ذل ��ك مل ينزل هذه احلاجة منزلة ال�ض ��رورة يف �إباحة ما‬
‫تبيح ��ه ال�ضرورة(‪ ،)5‬وجاء يف قرار جمل ��ة جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن التمويل العقاري‬

‫انظر‪:‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪ 8/6‬الفتاوى الهندية ‪.209/3‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬رقم ‪.68/4‬‬ ‫(( (‬
‫انظر الرابط‪http://islamtoday.net/bohooth/artshow-32-5520.htm :‬‬ ‫((( ‬
‫غياث الأمم يف التياث الظلم‪ ،‬للجويني‪� ،‬ص‪.486‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الربهان‪ ،‬للجويني ‪.86/2‬‬ ‫((( ‬

‫‪216‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لبن ��اء امل�ساكن و�شرائها‪�«:‬إن امل�سكن من احلاج ��ات الأ�سا�سية للإن�سان‪ ،‬وينبغي �أن يوفر‬
‫بالط ��رق امل�شروعة مب ��ال حالل‪ ،‬و�إن الطريقة التي ت�سلكها البن ��وك العقارية والإ�سكانية‬
‫�شرع ��ا ملا فيها من‬
‫ونحوه ��ا‪ ،‬م ��ن الإقرا�ض بفائ ��دة قلت �أو كرثت‪ ،‬ه ��ي طريقة حمرمة ً‬
‫التعام ��ل بالربا»(‪ ،)1‬واال�ستدالل بهذه القاعدة على �إباح ��ة الربا يدل على الإ�شكال الذي‬
‫�سبب ��ه الإط�ل�اق يف القاعدة‪ ،‬ورف�ض العلم ��اء لهذه الفتوى م ��ع �أن امل�سكن من احلاجات‬
‫الأ�سا�سي ��ة‪ ،‬والربا تبيحه ال�ض ��رورة‪ ،‬يدل على �أن القاعدة لي�ست على �إطالقها‪ ،‬ف�إطالق‬
‫القاع ��دة مع عدم مراع ��اة التطور يف مفهوم احلاجة وال�ضرورة من ع�صر اجلويني �إىل‬
‫ع�صرنا �سبب يف بع�ض الإ�شكاالت‪.‬‬
‫فاحلاجة تنزل منزلة ال�ضرورة يف �إباحة بع�ض املحرمات؛ كاملحرم ل�سد الذريعة «ف�إن‬
‫م ��ا ح ��رم �سدًا للذريعة �أخف مما ح ��رم حترمي املقا�صد»(‪� ،)2‬أو م ��ا كان احلرام فيه قري ًبا‬
‫م ��ن احلل(‪� ،)3‬أو ما كان يف مرتبة و�سطى فتبيحه احلاجة ب�شروط(‪)4‬؛ كالغرر؛ فــــ«مف�سدة‬
‫الغ ��رر �أق ��ل من الربا»(‪� ،)5‬أما ما كان حمر ًما لذات ��ه(‪� ،)6‬أو كان احلرام بعي ًدا عن احلل(‪،)7‬‬
‫والنهي يف مرتبة عليا؛كالربا فال ت�ؤثر فيه احلاجة‪ ،‬وال جتيز منه ال قليلاً وال كث ًريا(‪ ،)8‬قال‬
‫أنواعا من الغرر للحاجة ‪...‬و�أما الربا فلم يبح منه»(‪.)9‬‬
‫ابن تيمية‪ «:‬وقد �أباح ال�شارع � ً‬

‫(( ( انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬رقم ‪.52/1‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.107/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربهان‪ ،‬للجويني ‪.86/2‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الفتوى وفقه الأقليات‪ ،‬البن بيه‪� ،‬ص‪.225‬‬
‫((( القواعد النورانية‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.172‬‬
‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.107/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربهان‪ ،‬للجويني ‪.86/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التاج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪� .230/6‬سبق يف حا�شية �ص‪ 116‬من هذا البحث ذكر قول بع�ض �أهل العلم ممن يرى‬
‫�إن احلاجة جتيز ربا الف�ضل مع مناق�شة هذا القول‪.‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪.236 /32‬‬

‫‪217‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ف�إذا كانت هناك حاجة فال بد للفقيه �أن ميعن النظر يف قوتها‪ ،‬وقوة احلرام الذي‬
‫�ستبيحه‪ ،‬ويقارن بينهما‪ ،‬ثم ينظر هل تنزل هذه احلاجة منزلة ال�ضرورة يف �إباحة هذا‬
‫املح ��رم‪� ،‬أو ال؟‪ ،‬ف�إن «كل ب ��اب بني على مع ًنى‪ ،‬ثم فر�ض انخرام ذلك املعنى ب�شيء‪ ،‬يقع‬
‫يطرد حتى ال ينخرم»(‪.)1‬‬ ‫معتاد ًا‪ ،‬فذلك املعنى يقت�ضي �أن َّ‬
‫وبع ��د‪ ،‬فالغ ��رر م ��ن العقود الت ��ي ورد الن�ص بالنهي عنه ��ا‪ ،‬وهو عقد باط ��ل‪� ،‬إال ما‬
‫ا�ستثن ��ي منه‪ ،‬قال الدكتور ال�صدي ��ق ال�ضرير‪«:‬ال�ضابط الذي ا�ستطعت ا�ستخال�صه من‬
‫الن�صو� ��ص الواردة يف الغرر‪ ،‬ومن �أقوال الفقهاء‪ ،‬ومن الف ��روع الفقهية الكثرية املتعلقة‬
‫ب�أحكام الغرر‪�...‬أن الغرر امل�ؤثر البد �أن تتوفر فيه ال�شروط الآتية‪:‬‬
‫‪�-1‬أن يكون يف عقود املعاو�ضات املالية‪.‬‬
‫‪�-2‬أن يكون كث ًريا‪.‬‬
‫‪�-3‬أن يكون يف املعقود عليه �أ�صالة‪.‬‬
‫‪� -4‬أال تدعو للعقد حاجة»(‪.)2‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪ :‬عدم الوقوع يف بيعتني يف بيعة‬
‫ومم ��ا ورد النهي عنه ما جاء عن ��د الرتمذي وغريه عن �أبي هريرة ‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَى‬
‫�ول اللهَّ ِ × َع ��نْ َب ْي َع َت�ْي�ننِْ يِف َب ْي َع� �ةٍ»(‪ .)3‬وق ��د �أجمع العلماء عل ��ى النهي عن بيعتني يف‬
‫َر ُ�س � ُ‬

‫((( نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪.255/15‬‬


‫(( ( الغرر و�أثره يف العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪� ،‬ص‪.584‬‬
‫((( رواه الرتم ��ذي‪ ،‬كت ��اب البي ��وع‪ ،‬باب ما جاء يف النه ��ي عن بيعتني يف بيع ��ة‪ ،‬برقم ‪ ،1231‬والن�سائ ��ي‪ ،‬كتاب البيوع‪،‬‬
‫ب ��اب بيعتني يف بيعة‪ ،‬برق ��م‪ ،4632‬و�أحمد‪ ،‬م�سند �أبي هريرة ‪ ،‬برق ��م‪ .9584‬واحلديث �صححه الرتمذي‪ ،‬وابن‬
‫عبدالرب‪ .‬وقد تفرد بهذا احلديث حممد بن عمرو عن �أبي �سلمة عن �أبي هريرة‪ ،‬وحممد بن عمرو �ضعفه غري واحد‬
‫من الأئمة‪ ،‬وذكره العقيلي وابن عدي يف ال�ضعفاء‪ ،‬وعلى �أح�سن �أحواله فمثله اليحتمل التفرد‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن روايته‬
‫عن �أبي �سلمة م�ضطربة كما ذكر ذلك ابن معني و�أحمد بن حنبل‪ ،‬قال ابن معني‪«:‬ما زال النا�س يتقون حديثه‪ .‬قيل‬
‫ل ��ه‪ ،‬وم ��ا علة ذلك؟ قال‪ :‬كان يحدث مرة عن �أبي �سلم ��ة بال�شئ من ر�أيه ثم يحدث به مرة �أخرى عن �أبي �سلمة عن=‬

‫‪218‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بيعة(‪ ،)1‬وقد وردت تف�سريات كثرية لهذا احلديث(‪� ،)2‬أ�شهرها‪:‬‬


‫‪�-1‬أن يقول‪� :‬أبيعك هذا الثوب بنقد بع�شرة‪ ،‬وبن�سيئة بع�شرين‪ ،‬وال يفارقه على �أحد‬
‫البيعتني‪ ،‬ف�إذا فارقه على �أحدهما فال ب�أ�س(‪ .)3‬وهو قول عند احلنفية(‪ ،)4‬وامل�شهور عند‬
‫املالكي ��ة(‪ ،)5‬وقول لل�شافعية(‪ ،)6‬وق ��ول عند احلنابلة(‪ ،)7‬وقول البن ح ��زم(‪ ،)8‬والعلة على‬
‫هذا التف�سري هي الغرر(‪.)9‬‬

‫=�أب ��ي هري ��رة»‪ ،‬وقد ج ��اء النهي عن بيعتني عن جمع من �أ�صح ��اب �أبي هريرة عند البخ ��اري وم�سلم وغريهما دون‬
‫زي ��ادة (يف بيع ��ة) مما يدل على �أنها زيادة منكرة‪ ،‬وف�سر احلديث البيعت�ي�ن املنهي عنهما ببيع املالم�سة‪ ،‬واملنابذة ‪.‬‬
‫وج ��اء النه ��ي عن بيعتني يف بيعة عند الرتمذي من طريق يون�س بن عبيد عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬ويون�س مل ي�سمع من‬
‫ناف ��ع كم ��ا ذكر ذلك ابن معني‪ ،‬و�أحمد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬و�أبو حامت‪ .‬وجاء النه ��ي عن بيعتني يف بيعة عند �أحمد من طريق‬
‫عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده‪ ،‬وقد �سبق الكالم عن �ضعف هذه ال�سل�سة يف �ص‪ 158‬من هذا البحث‪� .‬إ�ضافة �إىل‬
‫�أن ط ��رق احلدي ��ث �إىل عمرو ب ��ن �شعيب ال تخلو من �ضعف‪ ،‬وال يثبت منها �إال ما ج ��اء عند الرتمذي من طريق �أيوب‬
‫ال�سختياين عن عمرو بن �شعيب‪ ،‬ولي�س فيه النهي عن بيعتني يف بيعة‪ .‬انظر‪:‬اال�ستذكار‪ ،‬البن عبدالرب ‪،449-448/6‬‬
‫الطبق ��ات الكربى‪ ،‬الب ��ن �سعد‪� ،‬ص‪ ،363‬ال�ضعفاء الكب�ي�ر‪ ،‬للعقيلي ‪ ،109/4‬الكامل يف �ضعف ��اء الرجال‪ ،‬البن عدي‬
‫‪ ،456/7‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،216/26‬العلل ومعرفة الرجال‪ ،‬لأحمد رواية املروذي‪� ،‬ص‪ ،185‬املرا�سيل‪ ،‬البن �أبي‬
‫حامت‪� ،‬ص‪ ،249‬العلل ومعرفة الرجال‪ ،‬لأحمد رواية ابنه عبداهلل ‪ ،31/3 ،387/1‬العلل الكبري‪ ،‬للرتمذي‪� ،‬ص‪.194‬‬
‫((( ممن نقل الإجماع‪ :‬ابن هبرية‪ ،‬وابن ر�شد‪ ،‬والنووي‪ .‬انظر‪ :‬الإف�صاح‪ ،‬البن هبرية ‪ ،302/1‬بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد‬
‫‪ ،168-167/3‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪ ،338/9‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.343-340/2‬‬
‫(( ( اال�ست ��ذكار‪ ،‬الب ��ن عبدال�ب�ر ‪ .451/6‬وجاء فيه‪ «:‬قال عي�سى بن دينار‪� :‬س�ألت ب ��ن القا�سم عن تف�سري بيعتني يف بيعة‬
‫فقال يل‪:‬بيعتني يف بيعة �أكرث من �أن يبلغ لك تف�سريه»‪.‬‬
‫((( انظر‪� :‬سنن الرتمذي ‪.525/3‬‬
‫((( انظر‪:‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،158/5‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪.447/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬املدونة‪ ،‬للإمام مالك ‪� ،20/3‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي ‪.72/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬خمت�صر املزين ‪ ،186/8‬املهذب‪ ،‬لل�شريازي ‪.20/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف‪ ،‬البن قدامة ‪ ،11/2‬االن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪.350/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.501/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،158/5‬التاج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪.224/6‬‬

‫‪219‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪�-2‬أن ي�ش�ت�رط عق ��دً ا يف عق ��د(‪)1‬؛ ك�أن يق ��ول‪� :‬أبيع ��ك داري ه ��ذه بك ��ذا عل ��ى �أن‬
‫تبيعن ��ي �سيارتك بكذا‪ ،‬ف� ��إذا وجبت يل �سيارتك وجبت ل ��ك داري(‪ .)2‬وهو امل�شهور عند‬
‫احلنفية(‪ ،)3‬وقول لل�شافعية(‪ ،)4‬وامل�شهور عند احلنابلة(‪ ،)5‬وقول البن حزم(‪.)6‬والعلة على‬
‫ه ��ذا التف�س�ي�ر هي الغرر(‪� ،)7‬أو اال�ستغ�ل�ال(‪ .)8‬واختار بع�ض العلم ��اء �أن كال التف�سريين‬
‫ال�سابقني �صحيح(‪.)9‬‬
‫حال‪ ،‬وهي‬ ‫‪�-3‬أن يبي ��ع ال�سلعة بثمن م�ؤج ��ل‪ ،‬على �أن ي�شرتيها ممن باعها عليه ب�أقل اً‬
‫م�س�ألة العينة(‪ .)10‬وهذا �أحد تف�سريات الإمام مالك للحديث(‪ ،)11‬واختاره ابن تيمية(‪،)12‬‬

‫((( انظر‪� :‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي ‪.659/3‬‬


‫((( انظر‪� :‬سنن الرتمذي ‪.525/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي‪ ،16/13‬اجلوهرة النرية‪ ،‬للزبيدي ‪.203/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪ ،75/3‬احلاوي‪ ،‬للماوردي ‪.341/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪� ،176/4‬شرح الزرك�شي على خمت�صر اخلرقي ‪.659/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.501/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح العزيز‪ ،‬للرافعي ‪.194/8‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬لل�سويلم‪� ،‬ص‪ ،32‬حك ��م اجتماع العقود يف �صفقة واحدة‪ ،‬حلمد فخري عزام‪ ،‬بحث‬
‫من�ش ��ور يف املجلة الأردني ��ة يف الدرا�سات الإ�سالمية التابع ��ة جلامعة �آل البي ��ت‪ ،‬الأردن‪ ،‬املجلد‪-3‬العدد‪-1‬ربيع �أول‬
‫‪1428‬هـ‪� ،‬ص‪.72-71‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬امل�سالك يف �شرح موط�أ مالك‪ ،‬البن العربي ‪.146/6‬‬
‫(‪ ((1‬انظ ��ر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪�� � ،‬ص‪ .86‬قال ابن عبدالرب‪� «:‬أما بيع العينة‪ :‬فمعناه انه حتيل يف بيع دراهم‬
‫بدراهم �أكرث منها �إىل �أجل بينهما �سلعة حمللة» الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬البن عبدالرب ‪.672/2‬‬
‫(‪ ((1‬اال�ست ��ذكار‪ ،‬الب ��ن عبدال�ب�ر ‪.450/6‬قال ابن عبدالرب‪«:‬وق ��د ف�سر مالك مذهبه يف معنى النه ��ي عن بيعتني يف بيعة‬
‫واحدة‪ ،‬و�أن ذلك عنده على ثالثة �أوجه‪� :‬أحدها العينة»‪ .‬ويف هذا رد على بع�ض الباحثني الذين ذكروا �أن هذا التف�سري‬
‫للحدي ��ث مل يخ ��رج �إال مت�أخ ًرا‪ ،‬قال العمراين عن هذا التف�سري‪�:‬أنه«مل يظه ��ر �إال يف القرن الثامن»‪ ،‬وقال الدبيان عن‬
‫تف�س�ي�ر حدي ��ث بيعت�ي�ن يف بيعة‪«:‬وتف�سري ال�سلف‪ ،‬والذي عليه جماه�ي�ر �أهل العلم مل يف�سروه ��ا بالعينة‪ ،‬وحملها على‬
‫العينة �إمنا جاء مت�أخ ًرا»‪ .‬انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪ ،88‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪.412/11‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.51/6‬‬

‫‪220‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وابن القيم(‪ .)1‬والعلة على هذا التف�سري هي الربا(‪.)2‬‬


‫وتف�سريات احلديث كثرية كما �سبق بيانه‪ ،‬وقد اختار بع�ض الباحثني املعا�صرين �أن‬
‫احلديث ينهى عن اجلمع بني عقدين �أو �أكرث �إذا �أدى هذا اجلمع �إىل الوقوع يف املحذور‬
‫ال�شرعي‪� ،‬إما لوجود الغرر‪� ،‬أو الربا‪� ،‬أو اال�ستغالل(‪.)3‬‬
‫والأق ��رب يف تف�س�ي�ر احلدي ��ث‪-‬واهلل �أعل ��م‪ -‬هو �أن يق ��ال‪� :‬إن ح ��رف (يف) مبعنى‬
‫(عل ��ى)‪ ،‬و�إن لفظة (بيعة) يراد بها ال�سلع ��ة �أو املبيع؛ فيكون املراد هو النهي عن �إجراء‬
‫بيعت�ي�ن على ال�سلع ��ة يف وقت واحد بعقد واحد‪ ،‬وهذا ي�صدق عل ��ى بيعها بثمنني يف وقت‬
‫واحد دون حتديد لأحدهما؛ وهو التف�سري الأول الذي عليه �أكرث �أهل العلم؛ فعدم حتديد‬
‫�أح ��د الثمنني جعل ال�سلعة ك�أنها بيعت بيعتني يف وقت واحد بعقد واحد‪ ،‬وهذا فيه جهالة‬
‫للثمن ي�ؤدي �إىل النزاع‪.‬‬
‫�أم ��ا التف�سريات الأخرى للحديث فال ت�سلم م ��ن االعرتا�ض‪ ،‬فالتف�سري الثاين الذي‬
‫ف�س ��ر البيعت�ي�ن يف بيعة ب� ��أن ي�شرتط عقدً ا يف عق ��د‪ُ ،‬يعرت�ض عليه‪ :‬ب� ��أن الذي ح�صل يف‬
‫العق ��د الأول هو ال�شرط فق ��ط‪ ،‬والبيع الثاين مت على مبيع �آخر يف عقد �آخر‪ ،‬فال ي�صدق‬
‫ت�سمية هذا ال�شرط بي ًعا‪.‬‬
‫�أم ��ا التف�س�ي�ر الثالث الذي ف�سر البيعت�ي�ن يف بيعة بالعينة‪ ،‬فيعرت� ��ض عليه‪ :‬ب�أن بيع‬
‫العينة معروف زمن النبي × ويبعد �أن ياتي عن النبي × الذي �أوتي جوامع الكلم نهى‬
‫ع ��ن العين ��ة ب�ألفاظ تختلف الأمة يف تف�سريها اختال ًفا كث�ي ً�را‪ ،‬وهو يعلم �أن العينة �أجمع‬

‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.153/3‬‬


‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.52/6‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬لل�سويلم‪� ،‬ص‪ ،34‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪ ،90‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان‬
‫‪ ،417/11‬حك ��م اجتماع العق ��ود يف �صفقة واحدة‪ ،‬حلمد فخري عزام‪ ،‬بحث من�شور يف املجلة الأردنية يف الدرا�سات‬
‫الإ�سالمية التابعة جلامعة �آل البيت‪ ،‬الأردن‪ ،‬املجلد‪-3‬العدد‪-1‬ربيع �أول ‪1428‬هـ‪� ،‬ص‪.74‬‬

‫‪221‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لفظ ��ا و�أبني معنى‪ ،‬وكذا يبعد �أن يرتك ال�صحابة ر�ضي اهلل عنهم وهم �أهل البيان لفظ‬ ‫ً‬
‫العين ��ة الب�ي�ن‪ ،‬ويذهبوا �إىل �ألفاظ �أخرى حتتاج �إىل بيان و�إي�ض ��اح‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن البيع‬
‫الثاين لل�سلعة يف بيع العينة يتم يف عقد �آخر يف وقت �آخر‪ ،‬وهي م�ستقل عن العقد الأول‪،‬‬
‫فال ي�صدق عليها �أنها بيعتني يف بيعة‪.‬‬
‫�أم ��ا التف�س�ي�ر ال ��ذي اختاره بع� ��ض الباحث�ي�ن املعا�صري ��ن وهو تف�س�ي�ر البيعتني يف‬
‫بيع ��ة باجلمع بني عقدي ��ن �أو‪� ‬أكرث �أذا �أدى هذا اجلمع �إىل الوق ��وع يف املحذور ال�شرعي‪،‬‬
‫ف ُيعرت� ��ض عليه‪ :‬ب�أن هذا �إبطال ملعنى احلديث‪ ،‬فاحلديث على هذا املعنى مل ي�أت بحكم‬
‫جدي ��د‪ ،‬فاجلمع بني العقود �إذا �أدى �إىل حم ��ذور �شرعي فهو حمذور ومنهي عنه بالأدلة‬
‫الأخ ��رى الت ��ي تنهى عن الربا‪� ،‬أو الغ ��رر‪� ،‬أو‪ ‬اال�ستغالل‪ ،‬والأ�ص ��ل يف احلديث �أن ي�ؤ�س�س‬
‫حك ًما جديدً ا‪ ،‬وعلى افرتا�ض �أن هذا احلديث �أتى م�ؤكدًا حلكم موجود‪ ،‬فت�أكيد الأحكام‬
‫يك ��ون بنف�س �ألفاظ هذه الأحكام‪ ،‬ال ب�ألفاظ بعيدة عنها‪ ،‬حتتاج �إىل جهد كبري كي ُيتبني‬
‫�أن هذه الألفاظ م�ؤكدة لتلك الأحكام‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬عدم كونها حيلة للتو�صل �إىل احلرام‬
‫وم ��ن الأم ��ور املخالفة لل�ش ��رع ارتكاب احلي ��ل للتو�ص ��ل �إىل احلرام‪ ،‬ف� ��إن املفا�سد‬
‫املوج ��ودة يف املح ��رم موج ��ودة يف التحايل عليه مع زي ��ادة املكر واخلديع ��ة(‪)1‬؛ قال اهلل‬
‫تعاىل عن املنافقني‪ :‬ﮋﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮊ (‪.)2‬‬
‫ويلخ� ��ص ابن تيمية وجه الداللة من هذه الآية بقوله‪«:‬وتلخي�ص هذا الوجه‪� :‬أن خمادعة‬
‫اهلل حرام‪ ،‬واحليل خمادعة هلل»(‪.)3‬‬
‫و�إن معاملة العبد مع ربه مبناها على املقا�صد والنيات‪ ،‬فمن �أظهر اً‬
‫قول �سديدً ا‪ ،‬ومل‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.445/29‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.9‬‬
‫((( الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.21/6‬‬

‫‪222‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يك ��ن قد ق�صد به حقيقته‪� ،‬إمنا ليتحايل ب ��ه للو�صول للمحرم كان �آث ًما عا�ص ًيا لربه‪ ،‬و�إن‬
‫قبل النا�س منه الظاهر(‪ ،)1‬قال �أيوب ال�سختياين‪« :‬يخادعون اهلل ك�أمنا يخادعون �آدم ًيا‪،‬‬
‫لو �أتوا الأمر عيانـًا كان �أهون علي»(‪.)2‬‬
‫و�إن هدف الهند�سة املالية الإ�سالمية حتقيق ر�ضا اهلل � اًأول يف تطبيق �أحكام ال�شريعة‪،‬‬
‫ثم حتقيق ر�ضا النا�س ثان ًيا‪ ،‬ويف التحايل على املحرمات خمادعة هلل‪ ،‬تورث بغ�ض النا�س‬
‫للمتحايل‪ ،‬وهروبهم عنه‪ ،‬قال ابن حجر‪ «:‬ومن ثم كان �سالك املكر واخلديعة حتى يفعل‬
‫املع�صية �أبغ�ض عند النا�س ممن يتظاهر بها ويف قلوبهم �أو�ضع وهم عنه �أ�شد نفرة»(‪.)3‬‬
‫ومن �أبرز �صور التحايل على احلرام من يق�صد الو�صول للربا عن طريق بيع العينة‪،‬‬
‫�أو غريه ��ا(‪ ،)4‬قال ابن القيم‪«:‬و�أما ما تواط�آ في ��ه على الربا املح�ض‪ ،‬ثم �أظهرا بي ًعا غري‬
‫مق�ص ��ود لهما البتة‪ ،‬يتو�سالن به �إىل �أن يعطي ��ه مائة حا ّلة مبائة وع�شرين م�ؤجلة‪ ،‬فهذا‬
‫لي� ��س من التجارة امل�أذون فيها‪ ،‬بل من الربا املنهى عن ��ه»(‪ .)5‬وقال‪�«:‬إن ال�شارع مل ي�شرع‬
‫القر� ��ض �إال ملن ق�صد �أن ي�سرتجع مثل قر�ض ��ه‪ ،‬ومل ي�شرعه ملن ق�صد �أن ي�أخذ �أكرث منه‬
‫ال بحيلة وال بغريها»(‪.)6‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬عدم كونها ذريعة للتو�صل للحرام‬
‫الت ��ذرع للو�ص ��ول �إىل املحرم خمالف لل�ش ��رع؛ لأن للو�سائل حك ��م املقا�صد‪ ،‬فو�سيلة‬
‫املح ��رم حمرم ��ة‪ ،‬وو�سيلة الواجب واجبة؛ ق ��ال ابن القيم‪«:‬ملا كان ��ت املقا�صد ال يتو�صل‬

‫املرجع ال�سابق ‪.191-190/6‬‬ ‫((( ‬


‫رواه البخاري معل ًقا يف كتاب احليل‪ ،‬باب ما ينهى من اخلداع يف البيوع‪.‬‬ ‫(( (‬
‫فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.336/12‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬وبل الغمام‪ ،‬لل�شوكاين ‪.135/2‬‬ ‫((( ‬
‫�إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان‪ ،‬البن القيم ‪.105/2‬‬ ‫(( (‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.186/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪223‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�إليه ��ا �إال ب�أ�سب ��اب وط ��رق تف�ضي �إليها كان ��ت طرقه ��ا و�أ�سبابها تابعة له ��ا معتربة بها‪،‬‬
‫فو�سائ ��ل املحرم ��ات واملعا�ص ��ي يف كراهته ��ا واملنع منها بح�س ��ب �إف�ضائه ��ا �إىل غاياتها‬
‫وارتباطاته ��ا بها‪ ،‬وو�سائل الطاعات والقربات يف حمبته ��ا والإذن فيها بح�سب �إف�ضائها‬
‫�إىل غايته ��ا؛ فو�سيل ��ة املق�صود تابع ��ة للمق�صود‪ ،‬وكالهما مق�ص ��ود»(‪ .)1‬ومما يدل على‬
‫النه ��ي عن التذرع للو�صول �إىل املحرم ما جاء عند �أبي داود والرتمذي عن عبد اهلل ابن‬
‫عم ��رو بن العا�ص ر�ضي اهلل عنهم ��ا قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪« :‬لاَ َيحِ ُّل َ�س� �لَ ٌف َو َب ْي ٌع»(‪.)2‬‬
‫و�سر ذلك �أن اجلم ��ع بينهما ذريعة �إىل الربا(‪)3‬؛ قال القرايف‪«:‬وب�إجماع الأمة على جواز‬
‫البي ��ع وال�سلف مفرتقني‪ ،‬وحترميهما جمتمع�ي�ن لذريعة الربا»(‪ .)4‬ومن الأدلة على النهي‬
‫عن التذرع للو�صول �إىل املحرم قاعدة �سد الذرائع التي اتفق الفقهاء على اعتبارها(‪.)5‬‬
‫والق ��ول بج ��واز الذريعة مع الق ��ول بتحرمي ما ت� ��ؤول �إليه جمع ب�ي�ن النقي�ضني‪ ،‬قال‬
‫اب ��ن القيم‪«:‬الطري ��ق متى �أف�ضت �إىل احلرام ف�إن ال�شريعة ال ت�أت ��ي ب�إباحتها �أ�صلاً ؛ لأن‬
‫�إباحته ��ا وحترمي الغاية جمع بني النقي�ضني‪ ،‬فال يت�صور �أن يباح ويحرم ما يف�ضي �إليه‪،‬‬
‫بل البد من حترميها �أو �إباحتها‪ ،‬والثاين باطل قط ًعا فتعني الأول»(‪.)6‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬عدم منافاتها احلكمة التي حرمت لأجلها بع�ض العقود‬
‫بني ��ت ال�شريع ��ة حلكمة ومق�صد‪ ،‬ولتحق ��ق م�صالح العباد؛ فهي �إما ت ��در�أ مف�سدة‪،‬‬
‫�أو جتل ��ب م�صلح ��ة(‪ ،)7‬فـــــ«ال�ش ��ارع ق ��د ق�ص ��د بالت�شري ��ع �إقام ��ة امل�صال ��ح الأخروي ��ة‬
‫املرجع ال�سابق ‪.108/3‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه �ص‪.158‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تهذيب ال�سنن‪ ،‬البن القيم بحا�شية عون املعبود‪ ،‬للأبادي ‪.296-295/9‬‬ ‫(( (‬
‫الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.266/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪ ،33/2‬املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.185/5‬‬ ‫((( ‬
‫تهذيب ال�سنن‪ ،‬البن القيم بحا�شية عون املعبود‪ ،‬للأبادي ‪.243/9‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬قواعد الأحكام‪ ،‬للعز بن عبدال�سالم ‪.11/1‬‬ ‫(( (‬

‫‪224‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫والدنيوي ��ة»(‪)1‬؛ ق ��ال ابن القيم‪«:‬ف�إن ال�شريع ��ة مبناها و�أ�سا�سها عل ��ى احلكم‪ ،‬وم�صالح‬
‫العب ��اد يف املعا�ش واملعاد‪ ،‬وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪ ،‬وم�صالح كلها‪ ،‬وحكمة كلها»(‪.)2‬‬
‫فـــــ« كل ما �أمر اهلل به �أمر به حلكمة‪ ،‬وما نهى عنه نهى حلكمة»(‪)3‬؛ فاحلكمة هي الباعثة‬
‫عل ��ى �شرع احلكم(‪ ،)4‬ولكن لعدم ان�ضباط احلكم ��ة �أقيمت العلة مقامها(‪ ،)5‬والعلة‪ :‬هي‬
‫الو�صف الظاهر املن�ضب ��ط(‪ .)6‬ولأن العلة مرتبطة باحلكمة وهي مظنة حتقيقها(‪ ،)7‬ويف‬
‫ذل ��ك حماية لل�شريعة من الفو�ضى(‪ ،)8‬ق ��ال ال�شاطبي‪«:‬فن�صب ال�شارع املظنة يف مو�ضع‬
‫�ضبط ��ا للقوانني ال�شرعية»(‪ .)9‬ول ��و كانت احلكمة ظاه ��رة من�ضبطة يف جميع‬ ‫احلكم ��ة؛ ً‬
‫الأحكام لكانت هي العلة التي يناط بها احلكم(‪.)10‬‬
‫فالهند�سة املالية الإ�سالمية البد �أن تراعي العلة دون منافاة للحكمة‪ ،‬فمراعاة العلة‬
‫مع منافاة احلكمة �إبطال للأ�صل التي اعتربت العلة من �أجله‪ ،‬ففي املتفق عليه عن عمر‬
‫‪ ،‬ق ��ال‪ :‬ق ��ال ر�سول اهلل ×‪َ « :‬ل َع َن اللهَّ ُ ال َي ُه ��ودَ‪ُ ،‬ح ِّر َمتْ َعلَ ْي ِه ُم ُّ‬
‫ال�ش � ُ�حو ُم َف َج َّم ُلوهَا‪،‬‬
‫َف َبا ُعوهَا»(‪.)11‬‬

‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.62/2‬‬


‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.11/3‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.144/14‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ف�صول البدائع يف �أ�صول ال�شرائع‪ ،‬للرومي ‪.421/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأحكام‪ ،‬للآمدي ‪.204-203/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬بيان املخت�صر‪ ،‬للأ�صفهاين ‪.404/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬التقرير والتحبري‪ ،‬البن �أمري حاج ‪.141/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬نظرية املقا�صد عند ال�شاطبي‪ ،‬للري�سوين‪� ،‬ص‪.12‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪.396/1‬‬
‫احلكمة عند الأ�صوليني‪ ،‬لل�سامرائي‪� ،‬ص‪.94‬‬ ‫(‪( (1‬‬
‫(‪ ( (1‬رواه البخاري‪،‬كتاب �أحاديث الأنبياء‪ ،‬باب ما ذكر عن بني �إ�سرائيل‪ ،‬برقم ‪ ،3460‬وم�سلم‪،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪،‬‬
‫باب حترمي بيع اخلمر وامليتة واخلنزير والأ�صنام‪،‬برقم ‪.1581‬‬

‫‪225‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فاهلل لعن اليهود اهلل مع �أنهم مل ي�أكلوا ال�شحوم؛ نظ ًرا �إىل خمالفتهم للحكمة التي‬
‫م ��ن �أجلها ُ�شرع احلكم(‪)1‬؛ قال ابن تيمية‪« :‬لعنهم اهلل �سبحانه وتعاىل على ل�سان ر�سول‬
‫اهلل × عل ��ى ه ��ذا اال�ستحالل؛ نظ� � ًرا �إىل املق�صود‪ ،‬ف�إن ما حكم ��ه التحرمي ال يختلف‬
‫حراما ل�صورته‬
‫�س ��واء كان جام ��دً ا‪� ،‬أو‪ ‬مائ ًعا»(‪ .)2‬وق ��ال ابن القيم‪«:‬ف� ��إن الربا مل يك ��ن ً‬
‫حراما حلقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع؛ فتلك احلقيقة حيث‬ ‫ولفظ ��ه‪ ،‬و�إمنا كان ً‬
‫وج ��دت وج ��د التحرمي يف �أي �صورة ركبت وب�أي لفظ عرب عنها؛ فلي�س ال�ش�أن يف الأ�سماء‬
‫و�صور العقود‪ ،‬و�إمنا ال�ش�أن يف حقائقها ومقا�صدها وما عقدت له»(‪.)3‬‬
‫وعل ��ى ه ��ذا ف�إن من يراعي العل ��ة مع منافاة احلكمة له حظ م ��ن فعل اليهود الذين‬
‫لعنهم اهلل ‪ ۵‬على خمالفتهم للحكمة من التحرمي‪ ،‬و�إن مل يخالفوا علة التحرمي(‪.)4‬‬
‫وكذل ��ك ال ينبغي مراعاة احلكمة وحدها دون مراعاة العلة؛ لعدم ان�ضباط احلكمة‬
‫التي نهي عن بع�ض املعامالت لأجلها‪ ،‬وملا يرتتب عليها من فو�ضى‪ ،‬وخمالفات �شرعية‪.‬‬
‫وق ��د ر�أى الدكتور عب ��داهلل ال�سكاكر �أن ت�ضبط الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية باعتبار‬
‫احلكمة وحدها دون العلة‪ ،‬فقال‪�« :‬إن اعتبار احلكمة التي ُح ّرمت بع�ض املعامالت لأجلها‬
‫ميك ��ن �أن يك ��ون ً‬
‫�ضابطا جل ًيا ملا ي�سمى بالهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �أو املخارج ال�شرعية‬
‫يف املعامالت املالية‪ ,‬ف�إن العلة ميكن االلتفاف عليها كما يف بيع العينة‪ ,‬وكما فعل اليهود‬
‫حني ُحرمت عليهم ال�شحوم‪� ,‬أما احلكمة فيع�سر االلتفاف عليها»(‪.)5‬‬
‫وال ي�سلم للدكتور ال�سكاكر هذا الر�أي للأمور التالية‪:‬‬

‫انظر‪ :‬ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪� ،‬ص‪.18‬‬ ‫(( (‬
‫الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.36-35/6‬‬ ‫((( ‬
‫�إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.93/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪� ،‬ص‪.19‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫((( ‬

‫‪226‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الأمر الأول‪� :‬إن �أكرث العلماء منعوا التعليل باحلكمة؛ لعدم ان�ضباطها(‪ ،)1‬و�أما العلماء‬
‫الذي ��ن �أجازوا التعليل باحلكمة فقد ا�شرتطوا فيها �أن تكون من�ضبطة(‪ ،)2‬واملن�ضبط‪ :‬هو‬
‫املط ��رد ال ��ذي ال تتناق�ض فروع ��ه(‪ .)3‬والحِ كم التي حرمت لأجله ��ا بع�ض املعامالت غري‬
‫بحكمها ممنوع على الر�أيني‪ ،‬وبيانه‪� :‬أن �أ�صول املنهيات ال�شرعية يف‬ ‫من�ضبطة؛ فالتعليل ِ‬
‫املعام�ل�ات الربا والغ ��رر‪ ،‬وحكمة النهي عنهما‪ ،‬تدور حول‪ :‬الظل ��م‪ ،‬و�أكل املال بالباطل‪،‬‬
‫والبغ�ضاء والت�شاحن واخل�صومات(‪)4‬؛ قال اهلل تعاىل منب ًها على حكمة النهي عن الربا‪:‬‬
‫ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ (‪ ،)5‬ويف �أحادي ��ث النه ��ي‬
‫ع ��ن بي ��ع الثمار قبل بدو �صالحه ��ا �إ�شارة �إىل بع�ض احلكم التي نه ��ي لأجلها عن الغرر‪،‬‬
‫فنه ��ى النبي × عن بيع الثم ��ار قبل بدو �صالحها؛ كي ال تمُ نع الثمرة في�أكل امل�سلم مال‬
‫�أخي ��ه بغ�ي�ر حق؛ ففي املتفق عليه َع ��نْ �أَ َن ٍ�س ‪�« :‬أَنَّ ال َّن ِب َّي × َن َهى َع ��نْ َب ْي ِع َث َم ِر ال َّت ْم ِر‬
‫َح َّت ��ى َيزْ هُ َو»‪َ ،‬ف ُق ْل َنا ِ ألَ َن� � ٍ�س‪َ :‬ما َز ْه ُو َها؟ َق َال‪«:‬تحَ ْ َم� � ُّر َوت َْ�ص َف ُّر‪� َ ،‬أ َر َ�أ ْي � َ�ت ِ�إنْ َم َن َع اللهَّ ُ ال َّث َم َر َة‬
‫مِ َب ت َْ�ست َِح� � ُّل َم َال َ�أ ِخي � َ�ك»(‪ .)6‬وهذا بدوره ي�ؤدي �إىل التباغ� ��ض واخل�صومات‪ ،‬وهي �إحدى‬
‫احلك ��م الت ��ي لأجلها نهي عن بيع الثمار قبل بدو �صالحه ��ا؛ فعن زيد بن ثابت ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ا�ض ِيه ْم‪،‬‬ ‫ا�س َو َح َ�ض َر َت َق ِ‬ ‫ا�س فيِ َع ْه ِد َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ×‪َ ،‬ي َت َبا َي ُعونَ ال ِّث َما َر‪َ ،‬ف�إِ َذا َج َّد ال َّن ُ‬ ‫« َكانَ ال َّن ُ‬
‫ا�ض‪� ،‬أَ َ�صا َب ُه ُق َ�شا ٌم‪َ ،‬ع َاهاتٌ َي ْحت َُّجونَ ِب َها‪،‬‬ ‫اب ال َّث َم َر ال ُّد َمانُ ‪� ،‬أَ َ�صا َب ُه ُم َر ٌ‬
‫َق َال املُ ْبتَاعُ‪� :‬إِ َّن ُه �أَ َ�ص َ‬

‫((( انظر‪ :‬الأحكام‪ ،‬للآمدي ‪ ،203/3‬املهذب‪ ،‬للنملة ‪.2117/5‬‬


‫((( انظر‪ :‬الأحكام‪ ،‬للآمدي ‪ ،203/3‬الإبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لل�سبكي ‪.140/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬زاد املعاد‪ ،‬البن القيم ‪.393/5‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬املفه ��م‪ ،‬للقرطبي ‪ ،362/4‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمي ��ة ‪ ،23-22 /29 ،510 /20‬حا�شية العدوي على �شرح‬
‫خمت�صر خليل للخر�شي ‪.75/5‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية‪.279‬‬
‫(( ( رواه البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع املخا�ضرة‪ ،‬برقم‪ ،2208‬وم�سلم‪ ،‬كتاب امل�ساقاة واملزارعة‪ ،‬باب و�ضع اجلوائح‪،‬‬
‫برقم ‪.1555‬‬

‫‪227‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�ول اللهَّ ِ × لمَ َّا كَثرُ َ ْت ِع ْن � َ�د ُه ا ُ‬


‫خل ُ�ص َوم ُة فيِ َذ ِل َك‪َ « :‬ف�إِ َّما َال‪َ ،‬ف�ل َ�ا َت َت َبا َي ُعوا َح َّتى‬ ‫�ال َر ُ�س � ُ‬
‫َف َق � َ‬
‫ال ُح ال َّث َمرِ» َكالمْ َ ُ�شو َر ِة ُي ِ�ش ُري ِب َها ِلكَثرْ َ ِة ُخ ُ�ص َوم ِت ِه ْم» رواه البخاري(‪.)1‬‬ ‫َي ْب ُد َو َ�ص َ‬
‫وق ��ال ابن تيمية‪«:‬والأ�صل يف العقود جميعها ه ��و العدل‪...‬وال�شارع نهى عن الربا ملا‬
‫فيه من الظلم‪ ،‬وعن املي�سر ملا فيه من الظلم‪ ،‬والقر�آن جاء بتحرمي هذا وهذا‪ ،‬وكالهما‬
‫�أكل امل ��ال بالباطل‪ ،‬وما نهى عنه النبي × م ��ن املعامالت‪ :‬كبيع الغرر‪...‬هي داخلة �إما‬
‫يف الربا و�إما يف املي�سر»(‪.)2‬‬
‫وقال‪«:‬والأ�ص ��ل يف ذل ��ك‪� :‬أن اهلل حرم يف كتابه �أكل �أموالنا بينن ��ا بالباطل‪ ...‬و�أكل‬
‫امل ��ال بالباطل يف املعاو�ضة نوعان ذكرهم ��ا اهلل يف كتابه هما‪ :‬الربا‪ ،‬واملي�سر‪ ...‬والغرر‪:‬‬
‫هو املجهول العاقبة‪ ،‬ف�إن بيعه من املي�سر الذي هو القمار‪ ...‬فيف�ضي �إىل مف�سدة املي�سر‪:‬‬
‫الت ��ي ه ��ي �إيقاع الع ��داوة والبغ�ضاء‪ ،‬مع ما فيه م ��ن �أكل املال بالباطل ال ��ذي هو نوع من‬
‫الظلم‪ ،‬ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغ�ضاء»(‪.)3‬‬
‫وه ��ذه احلك ��م الت ��ي ُمنع لأجلها الرب ��ا والغ ��رر‪ ،‬ال تن�ضبط؛ فهناك �ص ��ور من الربا‬
‫تتخل ��ف فيها احلكمة مع وجود العلة؛ كبع�ض �صور ربا الف�ضل‪ ،‬كبيع �صاع من الرب اجليد‬
‫ب�صاع�ي�ن من الرب ال ��رديء‪ ،‬فال يوجد فيها ظلم �أو �أكل للم ��ال بالباطل‪ ،‬ومع ذلك حكم‬
‫التحرمي موجود مع تخلف احلكمة(‪.)4‬‬
‫وهن ��اك م�سائل جممع على حترميها‪ ،‬وي ��رى البع�ض �أنه ال ظلم فيها‪ ،‬كما لو �أعطى‬
‫امل�ص ��رف العميل امل ��ودع فائدة قليل ��ة‪ ،‬مقابل اخلدمة الت ��ي يقدمها العمي ��ل للم�صرف‬

‫كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع الثمار قبل �أن يبدو �صالحها‪ ،‬برقم‪.2193‬‬ ‫(( (‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.510/20‬‬ ‫((( ‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.23-22/29‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الربا يف املعامالت امل�صرفية املعا�صرة‪ ،‬لل�سعيدي ‪.269/1‬‬ ‫(( (‬

‫‪228‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م ��ن املتاج ��رة مباله‪ ،‬فهو من ب ��اب الت�شجيع والتع ��اون(‪ ،)1‬مع �أن هذا م ��ن الربا املحرم‬
‫بالإجم ��اع(‪ ،)2‬وكم ��ا ل ��و مت حتديد ج ��زء معني من الرب ��ح للم�شرتكني فال ظل ��م فيه‪ ،‬وال‬
‫أي�ضا حمرم بالإجماع(‪.)4‬‬ ‫ا�ستغالل(‪ ،)3‬وهو � ً‬
‫وهناك الكثري من املعامالت التي فيها خالف بني العلماء‪ ،‬ومن �ضمن �أدلة املانعني‬
‫وجود الظلم‪ ،‬ومن �ضمن �أدلة املجيزين عدم وجوده‪ ،‬كالعربون(‪ ،)5‬والربح فوق الثلث(‪،)6‬‬
‫و�س ��داد الدين بقيمته ال مبثل ��ه(‪ ،)7‬فالتعليل باحلكمة هن ��ا ال ين�ضبط؛ الختالف مقادير‬
‫الظلم يف رتبه‪ ،‬ومن �أ�سباب عدم االن�ضباط اختالف املقادير(‪.)8‬‬
‫وكذل ��ك البغ�ض ��اء �ش ��يء نف�سي خف ��ي ال ميك ��ن �ضبط ��ه(‪)9‬؛ فاخلفاء م ��ن �أ�سباب‬
‫ع ��دم ان�ضب ��اط احلكمة(‪ )10‬فهو كالر�ض ��ا يف العقود‪ ،‬مل يعلق ال�ش ��رع احلكم عليه لعدم‬
‫ان�ضباط ��ه(‪ ،)11‬فقد يغ�ضب الإن�سان ويخا�ص ��م غريه واملعاملة مباحة‪ ،‬وقد يتفق مع غريه‬
‫على معاملة ممنوعة‪ ،‬وهو را�ض غري غ�ضبان‪ ،‬ومع ذلك ر�ضاه وغ�ضبه ال يغري الأحكام؛‬
‫فالتعلي ��ل باحلكمة يف املعامالت غري من�ضبط وغري مطرد‪ ،‬والتعليل البد �أن يطرد‪ ،‬ومن‬

‫((( انظر‪ :‬الفتاوى‪ ،‬ملحمود �شلتوت‪� ،‬ص‪ ،305‬معامالت البنوك و�أحكامها ال�شرعية‪ ،‬ل�سيد طنطاوي‪� ،‬ص‪.143-142‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.169/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى‪ ،‬ملحمود �شلتوت‪� ،‬ص‪.302‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.623/4‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪.399/1‬‬
‫(( ( انظر‪:‬اتباع الآثار يف حكم حتديد �أرباح التجار‪ ،‬لأ�شرف الكناين‪� ،‬ص‪.94‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪.261/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.165 /2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬م�شاهد من املقا�صد‪ ،‬البن بيه‪� ،‬ص‪ ،166‬مقا�صد الأحكام املالية عند ابن القيم‪ ،‬ملحمد اليحيى‪� ،‬ص‪.138‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬مقا�صد الأحكام املالية عند ابن القيم‪ ،‬ملحمد اليحيى‪� ،‬ص‪.145‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪166/2‬‬

‫‪229‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وعدما»(‪.)1‬‬
‫القواعد املقررة «احلكم يدور مع علته وجودًا ً‬
‫الأم ��ر الث ��اين‪� :‬إن التعلي ��ل باحلكم ��ة �أحد �أ�سباب فت ��ح �أبواب الرب ��ا(‪ ،)2‬فقد اختار‬
‫الدكت ��ور عبداملنع ��م النمر ج ��واز التعليل باحلكم ��ة‪ ،‬و�أن احلكمة من حت ��رمي الربا ظلم‬
‫املدي ��ن وا�ستغالل ��ه(‪ ،)3‬وبن ��ا ًء على هذا االختي ��ار يقول‪«:‬ف�أن ��ا ومن �أي ��دين ال يرون ربح‬
‫ال�شه ��ادات مم ��ا ينطبق عليه مفهوم الربا؛ �إذ لي�س في ��ه ا�ستغالل الدائن حلاجة حمتاج‬
‫�أو م�ضط ��ر»(‪ ،)4‬وقال غريه‪�«:‬إن حكمة حت ��رمي الربا هي حماية ال�ضعيف من القوي‪ ،‬غري‬
‫�أن ��ه يوج ��د اليوم من القرو�ض ما يكون املقرت�ض هو الق ��وي‪ ،‬واملقر�ض هو ال�ضعيف‪ ،‬من‬
‫ذل ��ك القر�ض احلكومي املمثل يف ال�سن ��دات‪ ،‬وكذلك ال�سندات التي ت�صدرها البلديات‪،‬‬
‫وبقية الهيئات‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات احلكومية‪ ،‬وكذلك ال�سندات التي ت�صدرها ال�شركات الكربى‬
‫القوية‪...‬ف�أ�صب ��ح املدين هو الأق ��وى‪ ،‬و�أ�صبح الدائن هو ال�ضعي ��ف‪ ،‬و�أ�صبح هذا الأخري‬
‫ه ��و اجلدير باحلماي ��ة‪ ،‬ولي�س من املعقول بعد ذل ��ك �أن نعترب املدخر حام ��ل ال�سند ذي‬
‫الفائ ��دة مراب ًيا»(‪ ،)5‬و�أبرز م�ستند ملن قال بجواز الربا‪� ،‬إن مل يكن �أ�ضعا ًفا م�ضاعفة‪ ،‬هو‬
‫ع ��دم حتقق حكمة النهي عن الربا �إال �إذا كان �أ�ضعا ًفا م�ضاعفة(‪ ،)6‬ومن ذلك ما اختاره‬
‫((( انظر‪� :‬أ�صول ال�سرخ�سي ‪ ،178/2‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪.180/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربا يف املعامالت امل�صرفية املعا�صرة‪ ،‬لل�سعيدي ‪ ،264/1‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪ ،307/13‬فوائد البنوك‬
‫هي الربا احلرام‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.134‬‬
‫((( انظر‪ :‬االجتهاد‪ ،‬لعبداملنعم النمر‪� ،‬ص‪.293-292‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.282‬‬
‫((( �أح ��كام التعام ��ل يف الأ�سواق املالية املعا�صرة‪ ،‬ملب ��ارك �آل �سليمان ‪ ،227-226/1‬املعام�ل�ات املالية‪ ،‬لدبيان الدبيان‬
‫‪ .308-307/13‬وق ��د ن�س ��ب �أ�صحاب املرجعني ال�سابقني هذا الكالم �إىل الدكت ��ور علي عبدالر�سول يف كتابه املبادئ‬
‫االقت�صادي ��ة يف الإ�س�ل�ام‪ ،‬وق ��د ق ��ر�أت الكتاب كام�ًللاً ومل �أجد ه ��ذا الكالم‪ ،‬بل وج ��دت الدكتور عل ��ي عبدالر�سول‬
‫يح ��رم ال�سندات مطل ًق ��ا‪ ،‬فيقول‪�«:‬أما تداول ال�سندات فال يجوز؛ لأنها متثل ً‬
‫قرو�ض ��ا ذات فائدة ثابتة ربوية» املبادئ‬
‫االقت�صادية يف الإ�سالم‪ ،‬لعلي عبدالر�سول‪� ،‬ص‪.272‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬تف�سري املن ��ار‪ ،‬لر�شيد ر�ضا ‪� ،108-102/4‬أحكام الفوائد الربوية يف القان ��ون الكويتي وال�شريعة الإ�سالمية‪،‬‬

‫‪230‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫مقدما؛ خللو‬
‫الدكت ��ور �سي ��د طنطاوي من جواز التعامل م ��ع البنوك التي حتدد الأرب ��اح ً‬
‫املعامل ��ة من الظلم واال�ستغالل(‪ ،)1‬وكثري من مربرات �إباحة الفوائد الربوية ت�ستند على‬
‫ع ��دم حتقق احلكمة التي لأجلها نهي عن الرب ��ا(‪)2‬؛ فالتعليل باحلكمة �أحد الأبواب التي‬
‫يدخل منها املبيحون للربا‪.‬‬
‫الأم ��ر الثال ��ث‪� :‬إن اخلالف بني امل�صارف الإ�سالمية كثري مع ربط غالب امل�صارف‬
‫�أحكامها بالعلة املن�ضبطة‪ ،‬فمعاملة يجيزها م�صرف �إ�سالمي‪ ،‬وعينها يحرمها م�صرف‬
‫�آخ ��ر‪ ،‬وه ��ذا اخلالف �أحد �أ�سباب ت�شكيك النا�س يف �شرعي ��ة معامالتها‪ ،‬و�ضعف ثقتهم‬
‫به ��ا‪ ،‬فكيف لو كان التعليل باحلكم ��ة غري املن�ضبطة؟ �سيكون اخل�ل�اف �أكرث‪ ،‬ولن يكون‬
‫هن ��اك �أي فرق ب�ي�ن البنك الإ�سالمي والبنك التقليدي �إذا �أجيز التعامل بالربا الذي هو‬
‫�أعظم املنهيات؛ ب�سبب التعليل باحلكمة‪.‬‬
‫الأم ��ر الراب ��ع‪� :‬إن النبي × ذكر االلتف ��اف على العلة كما يف حديث حتايل اليهود‬
‫حني حرمت عليهم ال�شحوم‪ ،‬وكما يف حديث العينة‪ ،‬ومع ذلك مل ي�أمر بالتعليل باحلكمة‬
‫لتجن ��ب هذا االلتفاف‪ ،‬ولو كان التعليل بها حلاً لبين ��ه لأمته؛ ولكن لعدم ان�ضباطها هنا‬
‫مل يعل ��ل به ��ا‪ ،‬ولأن الذي يلتف عل ��ى العلة لن يراع ��ي احلكمة‪ ،‬ومعاجل ��ة االلتفاف على‬
‫العل ��ة يكون يف بيان حت ��رمي هذا االلتفاف والتحايل كما بني النبي × حترمي ذلك‪ ،‬ورد‬
‫املعامالت التي فيها التفاف وحتايل‪.‬‬
‫�إن مراع ��اة العل ��ة مع منافاة احلكم ��ة �إبطال للأ�صل التي اعت�ب�رت العلة من �أجله‪،‬‬
‫ومراع ��اة احلكمة وحده ��ا دون العلة‪ ،‬يرتتب عليه ��ا فو�ضى‪ ،‬وخمالف ��ات �شرعية؛ لعدم‬

‫للهاجري‪� ،‬ص‪.108-107‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬معامالت البنوك و�أحكامها ال�شرعية‪ ،‬ل�سيد طنطاوي‪� ،‬ص‪.144‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقد القر�ض وم�شكلة الفائدة‪ ،‬للجزائري‪� ،‬ص‪� ،354-336‬أحكام الفوائد الربوية يف القانون الكويتي وال�شريعة‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬للهاجري‪� ،‬ص‪.143-101‬‬

‫‪231‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ان�ضب ��اط احلكمة‪ ،‬وملا يرتتب عليه من خمالفات �شرعية‪ ،‬فالذي ينبغي هو مراعاة العلة‬
‫دون مناف ��اة للحكمة‪ ،‬قد تتخلف احلكمة يف بع� ��ض ال�صور كما �سبق بيانه‪ ،‬لكن املهم �أال‬
‫يكون هناك منافاة لها‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪�:‬سالمة الهند�سة املالية الإ�سالمية من العيوب ال�شكلية‬
‫للعقود‬
‫وم ��ن �ضواب ��ط الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �سالمته ��ا من العي ��وب ال�شكلية للعقود‪،‬‬
‫ويندرج حتتها الفروع التالية‪:‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬عدم اجلمع بني العقود املتناق�ضة‬
‫�إذا كان العق ��دان املكون ��ان للعق ��د املرك ��ب متناق�ض�ي�ن ف�ل�ا يج ��وز اجتماعهما يف‬
‫عق ��د واح ��د(‪)1‬؛ يقول القرايف‪� «:‬إن العق ��ود �أ�سباب ال�شتمالها عل ��ى حت�صيل حكمتها يف‬
‫م�سبباته ��ا بطريق املنا�سبة‪ ،‬وال�شيء الواحد باالعتبار الواحد ال ينا�سب املت�ضادين‪ ،‬فكل‬
‫عقدي ��ن بينهما ت�ضاد ال يجمعهما عقد واح ��د»(‪ .)2‬وهذا ال�ضابط‪ :‬وهو �أال يكون العقدان‬
‫مت�ضادي ��ن و�ض ًعا متناق�ضني حك ًما‪ ،‬حقيق باملراع ��اة(‪)3‬؛ «لأن العقود �أ�سباب تف�ضي �إىل‬
‫حت�صي ��ل حكمتها‪ ،‬وغايتها‪ ،‬ومق�صودها‪ ،‬يف م�سبباتها بطريق املنا�سبة‪ ،‬وال�شيء الواحد‬
‫باالعتبار الواحد ال ينا�سب املت�ضادين‪ ،‬واملتناق�ضني»(‪ ،)4‬و�سواء كان االجتماع بني عقدين‬
‫مت�ضادين‪� ،‬أو �شرطني مت�ضادين يف عقد واحد‪ ،‬فكل ذلك مبطل للعقد(‪)5‬؛ يقول الدكتور‬
‫�سام ��ي ال�سويلم‪�« :‬إن النهي عن �شرطني يف بيع‪ ،‬وعن بيعتني يف بيعة يدل على النهي عن‬

‫انظر‪ :‬املخارج ال�شرعية �ضوابطها و�أثرها يف تقومي �أن�شطة امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حل�سني العبيدي‪� ،‬ص‪.80‬‬ ‫(( (‬
‫الفروق‪ ،‬للقرايف ‪.142/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.281‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪30‬‬ ‫(( (‬

‫‪232‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�ش ��روط والعق ��ود املتنافية املت�ضادة‪ ،‬و�أقل ما ينطبق علي ��ه ذلك هو حمل العقد؛ بحيث‬
‫يتوارد �شرطان �أو عقدان على حمل واحد‪ ،‬ينايف �أحدهما مقت�ضى الآخر وي�ضاده»(‪.)1‬‬
‫فاملحظور � ًإذا �إمنا هو اجلمع بني عقدين خمتلفني يف ال�شروط والأحكام‪� ،‬إذا ترتب‬
‫عل ��ى ذل ��ك تناق� ��ض‪� ،‬أو ت�ضاد‪� ،‬أو تناف ��ر يف املوجب ��ات‪ ،‬والآثار(‪ ،)2‬وهذا يك ��ون يف حالة‬
‫ت ��وارد العقدين على حمل واحد يف وقت واحد(‪)3‬؛ وم ��ن �أمثلة ذلك‪ :‬اجلمع بني هبة عني‬
‫وبيعه ��ا للموهوب‪� ،‬أو هبتها و�إجارتها(‪� ،)4‬أو اجلمع بني امل�ضاربة و�إقرا�ض امل�ضارب ر�أ�س‬
‫ماله ��ا(‪� ،)5‬أو اجلمع بني الإج ��ارة والبيع يف ما ي�سمى بالإجارة املنتهية بالتمليك �إذا اتفق‬
‫الطرف ��ان على �إج ��ارة �سلعة معينة ب�أجرة معلومة �إىل �أجل حم ��دد‪ ،‬بحيث تنقلب تلقائ ًيا‬
‫بع ��د �أق�ساطها بي ًع ��ا‪ ،‬وتنتقل امللكية للم�ست�أجر مع �سداده الق�س ��ط الأخري‪ ،‬ويكون �ضمان‬
‫ال�سلعة خالل مدة الإجارة على امل�ست�أجر(‪.)6‬‬
‫الفرع الثاين‪:‬عدم كونها جمرد تغيري يف التكييف الفقهي للمعامالت املحرمة‬
‫من القواعد املقررة �أن«ا ْلعبرْ َ ة فيِ ا ْل ُع ُقود للمقا�صد واملعاين‪ ،‬اَل للألفاظ واملباين»(‪،)7‬‬
‫وجم ��رد تغي�ي�ر التكييف الفقهي للمعامل ��ة ال يغريها �إن مل تكن حقيقته ��ا متفقة مع هذا‬
‫التكيي ��ف اجلديد‪ ،‬وال�شرع لمَّا حرم بع�ض املعامالت حرمه ��ا لمِ ا يرتتب عليها من مفا�سد‬
‫عاجلة و�آجلة‪ ،‬وتغيري التكييف الفقهي لها ال يدفع هذه املفا�سد‪ ،‬بل يكون �سب ًبا يف زيادتها؛‬
‫لزي ��ادة املتعامل�ي�ن بها عندم ��ا ي�صدر الر�أي الفقه ��ي بجوازها؛ يقول اب ��ن القيم‪«:‬فاهلل‬
‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.31‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.31‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪:‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.185‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬العقود املركبة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.31‬‬ ‫(( (‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫�شرح القواعد الفقهية‪ ،‬للزرقا‪� ،‬ص‪ .55‬وانظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،298/32‬القواعد‪ ،‬البن رجب‪� ،‬ص‪.13‬‬ ‫((( ‬

‫‪233‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�سبحان ��ه �إمنا حرم هذه املحرمات وغريه ��ا ملا ا�شتملت عليه من املفا�سد امل�ضرة بالدنيا‬
‫والدي ��ن‪ ،‬ومل يحرمها لأجل �أ�سمائه ��ا و�صورها‪ ،‬ومعلوم �أن تلك املفا�سد تابعة حلقائقها‪،‬‬
‫ال ت ��زول بتب ��دل �أ�سمائها وتغ�ي�ر �صورتها‪...‬فتغيري �ص ��ور املحرمات و�أ�سمائه ��ا مع بقاء‬
‫مقا�صدها وحقائقها زيادة فى املف�سدة التى حرمت لأجلها»(‪.)1‬‬
‫وهناك بع�ض املعامالت املحرمة كالفائدة على الودائع امل�صرفية‪ ،‬التي ر�أى جمهور‬
‫العلم ��اء املعا�صرين‪ ،‬واملجامع الفقهية‪ ،‬والهيئ ��ات ال�شرعية �أنها عبارة عن فائدة مقابل‬
‫القر� ��ض فهي ربا حمرم(‪� ،)2‬إال �أنه من فرتة لأخرى تخ ��رج بع�ض الآراء الفقهية املبيحة‬
‫له ��ذه الفوائ ��د‪ ،‬عن طري ��ق تغيري تكييفه ��ا الفقهي‪ ،‬فمرة تكي ��ف ب�أنها وديع ��ة(‪ ،)3‬ومرة‬
‫م�ضارب ��ة(‪ ،)4‬و�أخرى جعالة(‪� ،)5‬أو تكيف على �أنها معامل ��ة جديدة والأ�صل يف املعامالت‬
‫احلل(‪�...)6‬إىل غري ذلك(‪.)7‬‬
‫وكل ه ��ذه التكييفات الفقهية ‪-‬بغ�ض النظر ع ��ن مق�صد �أ�صحابها‪ -‬ال تغري حقيقة‬
‫هذه املعاملة‪ ،‬وال املفا�سد التي ترتتب عليها‪ ،‬فالذي يقر�أ يف �أ�سباب الأزمات االقت�صادية‬

‫(( ( �إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان‪ ،‬البن القيم ‪.354-353/1‬‬


‫((( �ص ��در بذلك عدة ق ��رارات وتو�صيات وفتاوى من املجام ��ع‪ ،‬والهيئات الفقهية‪ ،‬منها‪ :‬ق ��رار امل�ؤمتر الإ�سالمي ملجمع‬
‫البح ��وث الإ�سالمية بالقاهرة عام ‪1385‬ه‪ ،‬وقرار جممع الفقه الإ�سالمي بجدة عام‪1406‬هـ‪ ،‬رقم‪ ،)2/10(10‬وعام‬
‫‪1415‬ه‪ ،‬رقم‪ ،)9/3(86‬وقرار جممع رابطة العامل الإ�سالمي القرار ال�ساد�س‪ ،‬وقرار جممع الفقه الإ�سالمي بالهند‬
‫ع ��ام ‪1410‬ه� �ـ‪ ،‬وتو�صيات امل�ؤمتر الثاين للم�ص ��رف الإ�سالمي بالكويت عام ‪1403‬ه‪ ،‬وفت ��وى اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية والإفتاء يف اململك ��ة العربية ال�سعودية رقم ‪.9410‬انظر‪:‬فقه النوازل‪ ،‬للجيزاين ‪ ،145-136/3‬فوائد البنوك‬
‫هي الربا احلرام‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪ ،122-106‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء ‪.200/9‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املنفعة يف القر�ض‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.385‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬فوائد البنوك هي الربا احلرام‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.139‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقد القر�ض وم�شكلة الفائدة‪ ،‬ملحمد اجلزائري‪� ،‬ص‪.349‬‬
‫((( انظر‪ :‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪.277/12‬‬
‫(( ( انظر‪:‬عقد القر�ض وم�شكلة الفائدة‪ ،‬ملحمد اجلزائري‪� ،‬ص‪ ،354-335‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪.280-262/12‬‬

‫‪234‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يج ��د �أن من �أه ��م �أ�سبابها الفوائد عل ��ى الودائع �أو القرو�ض(‪)1‬؛ فل ��ذا يجب على الفقيه‬
‫املهت ��م بهند�سة العقود املالية �أن ينظر �إىل ما ت�ؤول �إلي ��ه املعاملة(‪ ،)2‬و�أن يعطى الأ�سماء‬
‫حقيقته ��ا(‪ ،)3‬و�أال يتكل ��ف يف تلبي�سه ��ا اللبا�س ال�شرع ��ي‪ ،‬وهي لي�ست م ��ن ال�شرع‪ ،‬يقول‬
‫ال�ش ��وكاين مو�ص ًيا طالب العلم‪«:‬وم ��ن جملة ما ينبغي له ا�ستح�ض ��اره �أن ال يغرت مبجرد‬
‫اال�س ��م دون النظر يف مع ��اين امل�سميات وحقائقها فقد ي�سمى ال�ش ��يء با�سم �شرعي وهو‬
‫لي�س من ال�شرع»(‪.)4‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬عدم كونها جمرد قيود �شكلية‬
‫م ��ن مهام هيئات الفت ��وى والرقابة ال�شرعي ��ة الفح�ص عن مدى الت ��زام امل�صارف‬
‫الإ�سالمي ��ة بال�شريع ��ة الإ�سالمية يف جمي ��ع �أن�شطتها(‪ ،)5‬فهي تتابع �س�ي�ر �أعمال البنك‪،‬‬
‫وتت�أكد من �سالمة تطبيق الأحكام ال�شرعية‪ ،‬وتنبه العاملني على املخالفات ال�شرعية(‪)6‬؛‬
‫ج ��اء يف ق ��رارات الهيئ ��ة ال�شرعية مب�ص ��رف الراجح ��ي �أن �أب ��رز مه ��ام �إدارة الرقابة‬
‫ال�شرعية‪-1«:‬التحق ��ق م ��ن �أن �أي ن�ش ��اط‪� ،‬أو منتج‪� ،‬أو خدمة‪� ،‬أو عقد ج ��ا ٍر العمل به يف‬
‫امل�صرف جم ��از من الهيئة ال�شرعي ��ة‪ -2.‬مراجعة النماذج‪ ،‬والعق ��ود‪ ،‬واالتفاقيات قبل‬
‫ا�ستخدامه ��ا‪ ،‬ومراجع ��ة �إجراءات تنفي ��ذ العمليات قبل تنفيذها؛ للت�أك ��د من مطابقتها‬
‫للقرارات ال�صادرة ب�ش�أنها‪.)7( »...‬‬

‫(( ( انظر‪� :‬أ�سباب الأزمة املالية وجذورها‪ ،‬للجوزي جميلة‪ ،‬بحث من�شور على الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.jinan.edu.lb/conf/Money/1/dreldjouzi.pdf‬‬
‫انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.54/6‬‬ ‫((( ‬
‫املرجع ال�سابق ‪101/6‬‬ ‫((( ‬
‫�أدب الطلب ومنتهى الأدب‪ ،‬لل�شوكاين‪� ،‬ص‪.198‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬للقره داغي ‪.498/2‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬إدارة البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ل�شهاب العزعزي‪� ،‬ص‪.111‬‬ ‫(( (‬
‫قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪.16-15/1‬‬ ‫(( (‬

‫‪235‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�إال �أن ��ه يف بع�ض البن ��وك الإ�سالمية ب�سبب عدم وجود املراقب ��ة �أو �ضعفها‪ ،‬و�ضعف‬
‫احل�صيل ��ة ال�شرعية عند بع�ض العاملني فيها تقع �أخط ��اء يف تطبيق بع�ض العقود ب�سبب‬
‫عدم مراعاة ال�ضوابط ال�شرعية التي و�ضعتها هيئة الفتوى جلواز املعامالت‪ ،‬مما يجعل‬
‫املعاملة ال تختلف عن نظريتها يف البنك الربوي‪ ،‬ويفتح �أل�سنة بع�ض النا�س بنقد البنوك‬
‫الإ�سالمي ��ة‪ ،‬و�أنه ��ا ال تختلف عن البن ��وك الربوية‪ ،‬وي�شكك ��ون يف م�صداقية معامالتها‪،‬‬
‫ويف نزاه ��ة هيئته ��ا‪ ،‬فهم يتعاملون مع واق ��ع‪ ،‬وال يقر�ؤون الفتاوى الت ��ي �أخرجتها الهيئة‬
‫ال�شرعي ��ة‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن البنوك الإ�سالمي ��ة حماربة من قبل البنوك الربوية؛ وقد كتب‬
‫الدكت ��ور رفيق امل�صري بعد مرور �أكرث من ثالث�ي�ن �سنة على �إن�شاء امل�صارف الإ�سالمية‬
‫بح ًث ��ا بعنوان‪«:‬اختبار الفتاوى املالي ��ة‪ ،‬هل امل�شكلة يف الفت ��وى �أم يف التطبيق؟»(‪ .)1‬مما‬
‫ي ��دل على وج ��ود خلل يف التطبيق‪« ،‬ال �سيما و�أن اجلمه ��ور يت�ساءلون عن هذه امل�ؤ�س�سات‬
‫وامل�صارف ه ��ل تعمل وفق ال�شريعة �أم �أنها حتاكي امل�ؤ�س�س ��ات وامل�صارف التقليدية»(‪،)2‬‬
‫وق ��د �ض ��رب ال�شيخ ابن منيع مث � اً�ال ملعاملة ي�ساء تطبيقها يف البن ��وك الإ�سالمية؛ بحيث‬
‫تطب ��ق ب�شكل �صوري لمَّا ُ�س ِئل‪:‬هل ت ��رى �أن هناك عقودًا �صوري ��ة يف البنوك الإ�سالمية؟‪،‬‬
‫ف�أجاب‪:‬بــــ� �ـ«ال �شك �أن ��ه توجد عقود �صورية؛ ما ي�سمى الآن بالت ��ورق املنظم؛ حيث ي�أتي‬
‫العمي ��ل للبن ��ك‪ ،‬ويقول‪� :‬أنا يف حاج ��ة �إىل ‪� 100‬ألف ري ��ال فيقول البن ��ك‪ :‬تف�ضل‪ ،‬هذي‬
‫جمموعة �أوراق م�ستندية و ِّقعها‪ ،‬وغدً ا جتد ما تريد يف ح�سابك‪ ،‬فماذا عمل؟ هل ا�شرتى‬
‫�أو باع؟»(‪.)3‬‬

‫((( بح ��ث من�ش ��ور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز‬
‫بجدة‪2008-2007 ،‬م‪� ،‬ص‪.26-19‬‬
‫(( ( اختب ��ار الفتاوى املالية ه ��ل امل�شكلة يف الفتوى �أم يف التطبيق؟‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء‬
‫التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪2008-2007 ،‬م‪� ،‬ص‪.19‬‬
‫((( جريدة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬الثالثاء‪ 26 ،‬جمادى الثاين ‪ ،1431‬العدد‪.11515‬‬

‫‪236‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وكذل ��ك �أفتى الدكتور ال�صديق ال�ضرير بجواز االتف ��اق بني الدائن واملدين‪-‬البنك‬
‫والعميل‪ -‬على التعوي�ض عن ال�ضرر احلقيقي الفعلي م�سب ًقا �إذا ت�أخر املدين يف ال�سداد‪،‬‬
‫وا�شرتط �أن يكون تقديره على �أ�سا�س الربح الفعلي الذي حققه الدائن‪-‬البنك‪ -‬يف املدة‬
‫التي ت�أخر املدين فيها بالوفاء(‪ ،)1‬ثم �أوقف العمل بفتواه؛ لعدم مراعاة البنك لهذا القيد‬
‫�أو ال�ش ��رط‪ ،‬ق ��ال الدكتور‪«:‬البنك ال ��ذي �أ�صدرت له الفتوى مل ي�ستط ��ع تنفيذها التنفيذ‬
‫ال�صحي ��ح ال ��ذي ق�صدت ��ه؛ لأن ��ه �أراد �أن يعتمد على الرب ��ح التقريبي‪ ،‬ولي� ��س الفعلي يف‬
‫تقدي ��ر ال�ضرر‪ ،‬فوجهت بوق ��ف العمل بالفتوى خو ًفا من �أن ي� ��ؤدي تنفيذها �إىل ما ي�شبه‬
‫الفائدة(الربا») (‪.)2‬‬
‫فع ��دم مراع ��اة القيود وال�ش ��روط يف املعامالت الت ��ي يتم هند�سته ��ا هند�سة مالية‬
‫�إ�سالمي ��ة‪ ،‬يجعله ��ا جمرد قيود �شكلي ��ة‪ ،‬ويكون �سب ًبا يف الوق ��وع يف بع�ض املحرمات التي‬
‫م ��ا �أن�شئ ��ت الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة �إال للفرار منه ��ا‪ ،‬وهذا ي�ؤكد عل ��ى �أهمية الدور‬
‫الذي تقوم به هيئات املراقبة ال�شرعية يف البنوك الإ�سالمية‪ ،‬و�أنها تعزز من ثقة النا�س‬
‫به ��ذه امل�صارف‪� ،‬إذا مت اختيار املراقب بطريقة �صحيحة‪ ،‬ومتت املراقبة كذلك بطريقة‬
‫�صحيحة‪.‬‬

‫***‬

‫((( االتف ��اق على �إلزام املدين املو�س ��ر بتعوي�ض عن �ضرر املماطل‪ ،‬بحث من�شور يف جمل ��ة �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي‪،‬‬
‫ال�صادرة من جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬العدد الأول‪1405 ،‬ه‪� ،‬ص‪.112‬‬
‫(( ( جملة جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪ ،‬االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬املجلد اخلام�س‪1413 ،‬ه‪� ،‬ص‪.70‬‬

‫‪237‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪238‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫تطبيقات للهندسة المالية اإلسالمية‬

‫وفيه ف�صالن‪:‬‬
‫الف�صل الأول‪:‬تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالمي‬
‫الف�صل الثاين‪ :‬تطبيقات معا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪239‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪240‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م�صطل ��ح الهند�سة املالية م�صطلح حديث الن�ش�أة‪ ،‬و�إن كان من حيث الوجود قد ًميا‬
‫ق ��دم املعامالت املالية(‪ ،)1‬ويف الفق ��ه الإ�سالمي يوجد العديد م ��ن التطبيقات للهند�سة‬
‫املالي ��ة الإ�سالمية(‪ ،)2‬وكذلك يف املعامالت املالية املعا�صرة يوجد العديد من التطبيقات‬
‫للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‪ ،‬ويف الف�صل الأول درا�سة لبع� ��ض تطبيقات الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالم ��ي؛ وهذه التطبيقات هي‪:‬بيع الوفاء‪ ،‬وبيع اال�ستجرار‪ ،‬وبيع‬
‫وال�س ْفتَجة‪ ،‬والتورق‪ ،‬والإج ��ارة املو�صوفة يف الذم ��ة‪ ،‬ويف الف�صل الثاين درا�سة‬
‫العين ��ة‪ُ ،‬‬
‫لبع� ��ض التطبيقات املعا�ص ��رة للهند�سة املالية الإ�سالمية؛ وه ��ذه التطبيقات هي‪ :‬ال�سلم‬
‫املوازي‪ ،‬واال�ست�صناع املوازي‪ ،‬وال�صكوك الإ�سالمية‪ ،‬والتورق امل�صريف‪ ،‬واملرابحة للآمر‬
‫بال�ش ��راء‪ ،‬والإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬وامل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك‪ ،‬وبطاقات االئتمان‪.‬‬
‫وبيان ذلك يف الف�صلني التاليني‪.‬‬

‫((( �صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬لل�سويلم‪� ،‬ص‪.5‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.3‬‬

‫‪241‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪242‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�صل الأول‬
‫تطبيقات للهندسة المالية اإلسالمية‬
‫في الفقه اإلسالمي‬
‫وفيه �ستة مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‬
‫بيع الوفاء‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع الوفاء‬
‫بيع الوفاء مركب �إ�ضايف من كلمتني‪ :‬البيع‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والبد من تعريف كل كلمة على‬
‫حده‪ ،‬ثم يتم تعريفه مرك ًبا منهما‪.‬‬
‫أي�ضا‪ ،‬وه ��و من الأ�ضداد(‪ ،)1‬قال ابن‬ ‫فالبي ��ع يف اللغ ��ة �ضد ال�شراء‪ ،‬والبيع‪ :‬ال�شراء � ً‬
‫فار�س‪«:‬الباء والياء والعني �أ�صل واحد‪ ،‬وهو بيع ال�شيء‪ ،‬ورمبا �سمي ال�شرى بي ًعا‪ .‬واملعنى‬
‫واحد»(‪.)2‬‬
‫والبيع يف اال�صطالح هو‪«:‬مبادلة املال باملال‪ ،‬متلي ًكا‪ ،‬ومت ّل ًكا»(‪ .)3‬وله تعريفات �أخرى‬
‫قريبة من هذا املعنى(‪.)4‬‬
‫والوف ��اء يف اللغة يدل على �إكم ��ال ال�شيء و�إمتامه؛ ومن الوفاء‪� :‬إمتام العهد و�إكمال‬
‫ال�ش ��رط‪ .‬ويقال‪� :‬أوفيتك ال�شيء؛ �إذا ق�ضيته �إي ��اه واف ًيا‪ ،‬وتوفيت ال�شيء وا�ستوفيته‪� ،‬إذا‬
‫�أخذته كله حتى مل ترتك منه �شي ًئا(‪.)5‬‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب ‪ ،23/8‬امل�صباح املنري‪ ،‬للفيومي ‪.69/1‬‬ ‫((( ‬
‫معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.327/1‬‬ ‫((( ‬
‫املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.480/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،181/12‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،222/4‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.149/9‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س‪ ،129/6‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬للرازي‪� ،‬ص‪.343‬‬ ‫((( ‬

‫‪243‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫والوفاء يف اال�صطالح ال يخرج عن املعنى اللغوي‪.‬‬


‫وبعد تعريف البيع والوفاء‪ ،‬يتم تعريف بيع الوفاء؛ وهو‪«:‬البيع ب�شرط �أن البائع متى‬
‫رد الثمن يرد امل�شرتي �إليه املبيع»(‪.)1‬‬
‫وبي ��ع الوف ��اء م�صطل ��ح خا�ص باملذه ��ب احلنفي‪ ،‬وله ع ��دة م�سمي ��ات يف املذاهب‬
‫الفقهي ��ة في�سمى عن ��د احلنفي ��ة � ً‬
‫أي�ضا‪«:‬بيع الإطاع ��ة �أو الطاعة»(‪ ،)2‬و«بي ��ع الأمانة»(‪،)3‬‬
‫و«بيع اجلائز»(‪ ،)4‬و«بي ��ع املعاملة»(‪ ،)5‬و«الرهن املعاد»(‪ ،)6‬وي�سمى يف املذهب املالكي«بيع‬
‫الثنيا»(‪ ،)7‬وعند ال�شافعية ي�سمى«بيع العهدة»(‪ ،)8‬واحلنابلة ي�سمونه«بيع الأمانة»(‪.)9‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء‬
‫مقت�ض ��ى البيع �أن يكون امللك للم�شرتي‪ ،‬ويكون حر الت�صرف مبا ي�شرتيه‪� ،‬إال �أنه يف‬
‫بي ��ع الوفاء �أُجري تعديل على عقد البيع با�ستخدام احليلة‪� ،‬أو املخرج ال�شرعي‪ ،‬ف�أ�ضيف‬
‫�ش ��رط رد املبي ��ع متى م ��ا رد البائع الثمن؛ ليحق ��ق منفعة متبادل ��ة للمتعاقدين؛ فالبائع‬
‫يح�صل على القر�ض‪ ،‬وامل�شرتي يح�صل على االنتفاع بال�سلعة‪ ،‬مع �ضمان رد القر�ض(‪،)10‬‬
‫فامل�ش�ت�ري ال ميلك حرية الت�صرف مبا ا�شرتاه‪ ،‬و�أ�صبح من حق البائع �أن يرد املبيع متى‬

‫((( جملة الأحكام العدلية‪� ،‬ص‪.30‬‬


‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪.276/5 ،333/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،184/5‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪ ،8/6‬حا�شية ابن عابدين ‪.276/5 ،333/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬درر احلكام‪ ،‬ملال خ�سرو ‪ ،207/2‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪ ،190/7‬حا�شية ابن عابدين ‪.276/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحيط الربهاين‪ ،‬البن مازة ‪ ،139/7‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،276/5‬جممع ال�ضمانات‪ ،‬للبغدادي‪� ،‬ص‪.242‬‬
‫((( انظر‪:‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪. 8/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان والتح�صيل‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،336/7‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،373/4‬منح اجلليل‪ ،‬لعلي�ش ‪.52 /5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي مع حا�شية ال�شرواين ‪.296/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإقناع‪ ،‬للحجاوي ‪ ،58/2‬حا�شية الرو�ض املربع‪ ،‬البن قا�سم ‪.332/4‬‬
‫انظر‪ :‬عقد البيع‪ ،‬مل�صطفى الزرقا‪� ،‬ص‪.156‬‬ ‫(‪( (1‬‬

‫‪244‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م ��ا رد الثم ��ن للم�شرتي؛ فالهند�سة املالية يف العقد هي �إجراء تعديل على العقد من كون‬
‫امل�ش�ت�ري حر الت�صرف يف املبيع �إىل مقيد الت�صرف في ��ه‪ ،‬فمتى ما رد البائع الثمن يرد‬
‫امل�شرتي املبيع‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع الوفاء‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم بيع الوفاء على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن بيع الوفاء حمرم‪.‬‬
‫وهو قول بع�ض احلنفية(‪ ،)1‬ومذهب املالكية(‪ ،)2‬وال�شافعية(‪ ،)3‬واحلنابلة(‪.)4‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن بيع الوفاء جائز‪.‬‬
‫وهو املذهب عند احلنفية(‪.)5‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫هلل×‬ ‫الدليل الأول‪ :‬عن جابر بن عبداهلل ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَى َر ُ�س � ُ‬
‫�ول ا ِ‬
‫�ص يِف ا ْل َع َرا َيا» رواه م�سلم(‪.)6‬‬
‫َع ِن ال ُّث ْن َيا‪َ ،‬و َر َّخ َ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × نهى عن الثنيا‪ ،‬وه ��ي �أن ي�ستثني البائع‬
‫جمهول من املبيع؛ ملا فيه من الغرر(‪ ،)7‬ويف بيع الوفاء ا�شرتط البائع رد املبيع متى‬ ‫اً‬ ‫�شي ًئا‬

‫((( انظر‪ :‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي ‪ ،236/9‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،184 /5‬الفتاوى الهندية ‪.209/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،373/4‬ال�شرح الكبري‪ ،‬للدردير ‪.71/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي مع حا�شية ال�شرواين ‪ ،296/4‬بغية امل�سرت�شدين‪ ،‬للح�ضرمي‪� ،‬ص‪.133‬‬
‫((( انظر‪ :‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪ ،149/3‬مطالب �أويل النهى‪ ،‬للرحيباين ‪.4/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،184 /5‬حا�شية ابن عابدين ‪.277 /5‬‬
‫((( كتاب البيوع‪ ،‬باب النهي عن املحاقلة واملزابنة‪ ،‬وعن املخابرة‪ ،‬وبيع الثمرة قبل بدو �صالحها‪ ،‬وعن بيع املعاومة وهو‬
‫بيع ال�سنني‪ ،‬برقم ‪.1536‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬للنووي ‪ ،195/10‬حتفة الأحوذي‪ ،‬للمباركفوري ‪.426/4‬‬

‫‪245‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫م ��ا رد الثمن على امل�شرتي‪ ،‬واملدة التي يرد فيها الثمن جمهولة؛ فهي من الثنيا املمنوعة‬
‫بن�ص احلديث(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل الثاين‪ :‬ما ج ��اء عند �أبي داود والرتمذي عن عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص‬
‫‪ ‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪« :‬لاَ َيحِ ُّل َ�سلَ ٌف َو َب ْي ٌع»(‪.)2‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن النبي × نهى عن اجلم ��ع بني ال�سلف والبيع‪ ،‬وقد‬
‫�أجم ��ع الفقهاء على املنع من ذلك(‪ ،)3‬وبيع الوفاء يجمع بني ال�سلف والبيع(‪)4‬؛ «لأنه يكون‬
‫مرتددًا بني البيع وال�سلف; �إن جاء بالثمن كان �سل ًفا‪ ،‬و�إن مل يجئ كان بي ًعا»(‪.)5‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن املراد باحلدي ��ث �أن ال�سلف يتميز ع ��ن ثمن البيع‪� ،‬أم ��ا يف بيع الوفاء‬
‫فالثمن �إما يكون للبيع �أو يكون �سل ًفا؛ فهو غري متميز‪ ،‬فال يدخل يف معنى احلديث(‪.)6‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬عن عمرو بن العا�ص‪� ،‬أن النبي×‪َ «:‬نهَى َعنْ َب ْي ٍع َو َ�ش ْر ٍط»رواه‬
‫الطرباين(‪.)7‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن النبي × نهى ع ��ن اقرتان ال�شرط بالبيع‪ ،‬والنهي‬
‫يدل على ف�ساد املنهي عنه‪ ،‬ويف بيع الوفاء اقرتن البيع بال�شرط‪ ،‬فدل على ف�ساده(‪.)8‬‬
‫يناق�ش‪ :‬ب�أن هذا احلديث �ضعيف‪ ،‬ال ي�صلح لالحتجاج به(‪.)9‬‬

‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪ ،210/4‬ق�ضايا الفقه والفكر املعا�صر‪ ،‬لوهبة الزحيلي ‪.226-225 /1‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.158‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬املنتق ��ى �ش ��رح املوط� ��أ‪ ،‬للباجي ‪ ،29/5‬جمم ��وع الفتاوى‪ ،‬الب ��ن تيمي ��ة ‪ ،83/30‬مو�سوعة الإجم ��اع يف الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.163/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪ ،210/4‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،373/4‬منح اجلليل‪ ،‬لعلي�ش ‪.52/5‬‬
‫((( بداية املجتهد‪ ،‬البن ر�شد ‪.179/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪.210/4‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.80‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬حا�شية ال�شلبي على تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪.184/5‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.80‬‬

‫‪246‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن يف بي ��ع الوفاء �ش ��رط رد ال�سلعة متى ما رد البائ ��ع الثمن‪ ،‬وهو‬
‫�شرط ينايف مقت�ضى العقد‪ ،‬وال�شرط املنايف ملقت�ضى العقد باطل(‪.)1‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن هذا ال ��كالم لي�س عل ��ى �إطالقه‪ ،‬فـــ� �ـ«�إذا كان له غر� ��ض �صحيح ف�إن‬
‫ال�ش ��رط �صحي ��ح»(‪ ،)2‬و�إن كان يتنافى مع مقت�ضى العق ��د‪ ،‬ويف بيع الوفاء هناك م�صلحة‬
‫لأحد �أطراف العقد؛ فال ينبغي �إهدارها(‪.)3‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب�أن ال�شرط �إذا كان ين ��ايف مقت�ضى العقد ومق�صوده‪� ،‬أو يخالف ال�شرع فهو‬
‫باط ��ل(‪ ،)4‬وال عربه بامل�صلحة املتوهمة التي يحققها �أح ��د الأطراف يف خمالفة مق�صود‬
‫العق ��د‪� ،‬أو خمالف ��ة ال�ش ��رع‪ ،‬ويف بيع الوف ��اء منافاة ملق�ص ��ود العقد‪ ،‬وخمالف ��ة لل�شرع؛‬
‫فامل�ش�ت�ري ال ميلك ال�سلعة‪ ،‬وال يت�صرف فيها‪ ،‬وللبائ ��ع �أن يف�سخ البيع متى ما رد الثمن‪،‬‬
‫وه ��ذا ينايف مق�صود العقد‪ ،‬فالعقد مق�صوده امللك وحرية الت�صرف‪ ،‬ويخالف ال�شرع يف‬
‫�أن املعامل ��ة ت� ��ؤول �إىل الرب ��ا يف االنتفاع بال�سلعة مقابل القر� ��ض‪ ،‬ويف اجلهل يف وقت رد‬
‫البيع‪ ،‬واجلهالة نوع من الغرر‪ ،‬نهى ال�شارع عنه‪.‬‬
‫الدلي ��ل اخلام� ��س‪� :‬أن حقيق ��ة بي ��ع الوف ��اء قر�ض جر نف ًع ��ا(‪ ،)5‬فهو حيل ��ة للتو�صل‬
‫للربا(‪)6‬؛ قال ابن تيمية‪�«:‬أما بيع الأمانة الذي م�ضمونه اتفاقهما على �أن البائع �إذا جاءه‬
‫بالثمن �أعاد عليه ملكه ذلك ينتفع به امل�شرتي بالإجارة وال�سكن ونحو ذلك‪ :‬هو بيع باطل‬

‫(( ( انظ ��ر‪ :‬حا�شي ��ة ال�شلبي على تبي�ي�ن احلقائق‪ ،‬للزيلع ��ي ‪ ،184/5‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحط ��اب ‪ ،373/4‬حتفة املحتاج‪،‬‬
‫للهيتمي ‪.296/4‬‬
‫((( املمتع‪ ،‬البن عثيمني ‪.246/8‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع الوفاء و�آثاره بني ال�شريع ��ة والقانون الكويتي‪ ،‬خلالد العتيبي‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة‪ ،26‬العدد‪1432 ،84‬ه‪� ،‬ص‪.632‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.156/29‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى �شرح املوط�أ‪ ،‬للباجي ‪ ،210/4‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.334/29‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪.523/4‬‬

‫‪247‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫باتف ��اق العلم ��اء �إذا كان ال�شرط مقرتنـًا بالعق ��د‪ .‬و�إذا تنازعوا يف ال�ش ��رط املقدم على‬
‫العق ��د‪ :‬فال�صحيح �أن ��ه باطل بكل حال‪ ،‬ومق�صودهما �إمنا ه ��و الربا ب�إعطاء دراهم �إىل‬
‫�أجل ومنفعة الدراهم هي الربح»(‪.)1‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪� :‬أن عام ��ة النا� ��س بحاجة لبيع الوفاء‪ ،‬واحلاج ��ة العامة تنزل منزلة‬
‫ال�ضرورة اخلا�صة(‪ ،)2‬فهو كاال�ست�صناع �أبيح حلاجة النا�س(‪.)3‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن النهي عن بيع الوفاء؛ لأن ��ه قر�ض جر نف ًعا؛ فهو ربا‪ ،‬و�أما اال�ست�صناع‬
‫فالنهي عنه ملا فيه من الغرر‪ ،‬وفرق بني الربا والغرر؛ فاحلاجة ال تنزل منزلة ال�ضرورة‬
‫يف �إباح ��ة الرب ��ا‪ ،‬وتنزل منزل ��ة ال�ضرورة يف �إباح ��ة الغرر ب�شروط‪ ،‬فالرب ��ا ال تبيحه �إال‬
‫ال�ضرورة‪ ،‬وقد �سبق بيان ذلك(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن حقيقة بيع الوفاء عبارة ع ��ن رهن مقابل الدين‪ ،‬والرهن يجوز‬
‫االنتفاع به ب�إذن مالكه‪ ،‬وقد �أذن له يف ذلك(‪.)5‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن الره ��ن يختلف عن بيع الوف ��اء؛ فكل منهما عقد م�ستق ��ل‪ ،‬له �أحكامه‬
‫امل�ستقل ��ة؛ فغاية الرهن توثيقي ��ة فقط‪� ،‬أما بيع الوفاء فغايته توثيق الدين وانتفاع الدائن‬
‫بالعق ��ار (‪ ،)6‬وه ��و باط ��ل؛ لأنه �شرط ره ًنا ينتف ��ع به زيادة على الدي ��ن ف�صار قر�ضا جر‬
‫منفعة(‪.)7‬‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.36/30‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬البن جنيم‪� ،‬ص‪ ،68‬املدخل الفقهي العام‪ ،‬للزرقا ‪.1006/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪.184/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر �ص ‪ 183‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،183/5‬درر احلكام‪ ،‬ملال خ�سرو ‪� ،207/2‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬للزرقا‪� ،‬ص‪.210‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬درر احلكام‪ ،‬ملال خ�سرو ‪ ،207/2‬ق�ضايا الفقه والفكر املعا�صر‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪.226/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬للماوردي ‪.246/6‬‬ ‫((( ‬

‫‪248‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أن النا�س تعاملوا ببيع الوفاء‪ ،‬والقواعد ترتك بالتعامل(‪ ،)1‬وجرى‬
‫التعام ��ل به يف غالب ب�ل�اد امل�سلمني‪ ،‬وحكمت مبقت�ضاه احلكام‪ ،‬و�أق ��ره من يقول به من‬
‫العلماء(‪.)2‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�سل ��م ب�أن القواع ��د ترتك لأج ��ل التعامل‪ ،‬وتعام ��ل النا�س ال يبيح‬
‫املحظ ��ور‪ ،‬وق ��د �أنكر جمه ��ور العلماء بيع الوف ��اء على مر الع�ص ��ور‪ ،‬ومل يبيحوه جلريان‬
‫الع ��ادة به‪ ،‬بل ردوه ملخالفته لل�شرع؛ فالعادة حمكمة ما مل تخالف ال�شرع(‪ ،)3‬وبيع الوفاء‬
‫خمالف لل�شرع‪.‬‬
‫قيا�س ��ا على البيع ب�شرط اخلي ��ار امل�ؤبد الذي‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن بي ��ع الوفاء جائز ً‬
‫�أجازه احلنابلة(‪.)4‬‬
‫يناق�ش من وجهني‪ :‬الوجه الأول‪� :‬أن البيع ب�شرط اخليار امل�ؤبد خمتلف فيه‪ ،‬ومن‬
‫�شروط القيا�س �أن يكون الأ�صل متف ًقا عليه(‪.)5‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن �شرط اخليار امل�ؤبد ال ي�صح على ال�صحيح من املذهب احلنبلي(‪،)6‬‬
‫وكذل ��ك ال ي�صح عن ��د املذاهب الفقهية الأخرى(‪ ،)7‬بل نقل الإجم ��اع على منعه(‪)8‬؛ لأنها‬
‫م ��دة ملحقة بالعقد‪ ،‬فال جتوز مع اجلهالة؛ كالأج ��ل؛ ولأن ا�شرتاط اخليار �أبدً ا يقت�ضي‬
‫املنع من الت�صرف على الأبد‪ ،‬وذلك ينايف مقت�ضى العقد‪ ،‬فلم ي�صح(‪.)9‬‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪.184/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬بغية امل�سرت�شدين‪ ،‬للح�ضرمي‪� ،‬ص‪.133‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬للزرقا‪� ،‬ص‪ ،219‬القواعد الكلية‪ ،‬ل�شبري‪� ،‬ص‪.245‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬ا�ستحداث العقود يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لقنديل ال�سعدين‪� ،‬ص‪.577‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬رو�ضة الناظر‪ ،‬البن قدامة ‪ ،249/2‬الإحكام‪ ،‬للآمدي ‪.197/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،502/3‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪.373/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،174/5‬خمت�صر خليل‪� ،‬ص‪ ،152‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.225/9‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬بدائع ال�صنئع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،178/5‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬للعيني ‪ ،50/8‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪.6/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.502/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪249‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الرتجي ��ح‪ :‬بع ��د عر�ض القولني‪ ،‬و�أدلتهم ��ا‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منه ��ا �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن القول الراجح هو القول الأول القائل �إن بيع الوفاء حمرم؛ لقوة‬
‫�أدلت ��ه مقاب ��ل �ضعف �أدلة القول الثاين �أمام ما ورد عليها م ��ن املناق�شة؛ ولأن حقيقة بيع‬
‫الوف ��اء قر�ض جر نف ًعا‪ ،‬والبيع �صوري ال حقيقة له؛ ومما يدل على ذلك �أن الباعث لهذه‬
‫املعامل ��ة لي�س البيع‪� ،‬إمنا هو حاجة النا� ��س للقر�ض‪ ،‬ورف�ض �أ�صحاب الأموال القر�ض �إال‬
‫مبنفعة‪ ،‬فتعاملوا ببيع الوفاء ليحتالوا على نفع الدائن من طريق ال يعد ر ًبا يف نظرهم(‪،)1‬‬
‫«وهيه ��ات لهم ذلك؛ لأن احلرام حرام من �أي طريق و�صلوا �إليه»(‪ ،)2‬جاء يف قرار جملة‬
‫جمم ��ع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن بي ��ع الوفاء‪�«:‬إن حقيقة هذا البي ��ع (قر�ض جر نف ًعا) فهو‬
‫حتايل على الربا‪ ،‬وبعدم �صحته قال جمهور العلماء»(‪.)3‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بيع الوفاء‬
‫عل ��ى الق ��ول الذي يجيز بيع الوفاء ف� ��إن الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت بيع الوفاء‬
‫خمرج ��ا �شرع ًيا يحقق منفعة متبادل ��ة للمتعاقدين‪ ،‬فالبائع يح�صل على القر�ض‪ ،‬وامل�شرتي‬ ‫ً‬
‫يح�ص ��ل على االنتفاع بال�سلعة‪ ،‬مع �ضمان رد القر�ض(‪� ،)4‬أما على القول الراجح الذي يحرم‬
‫بي ��ع الوف ��اء ف�إن الهند�س ��ة املالية فيه ال تع ��د �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب لتحرمي ��ه؛ لأن الأ�صل يف‬
‫القر� ��ض �أن يرد املقرت�ض القر� ��ض نف�سه دون زيادة‪� ،‬إال �أنه يف بيع الوفاء ا�ستخدمت احليلة‬
‫ليتو�صل �إىل الزيادة على القر�ض ببيع �سلعة �صور ًيا ينتفع بها املقر�ض مدة القر�ض‪ ،‬فيح�صل‬
‫املقرت� ��ض على القر�ض‪ ،‬ويح�ص ��ل املقر�ض على القر�ض وزيادة علي ��ه االنتفاع بال�سلعة مدة‬
‫القر�ض‪ ،‬فالهند�سة املالية عبارة عن قر�ض جر نف ًعا‪ ،‬والبيع حيلة للتو�صل للربا‪.‬‬

‫(( ( انظ ��ر‪ :‬حا�شي ��ة ابن عابدين ‪� ،523 /4‬أحكام املعامالت املالية‪ ،‬لعل ��ي اخلفيف‪� ،‬ص‪ ،432‬نظرية ال�ضرورة ال�شرعية‪،‬‬
‫لوهبة الزحيلي‪� ،‬ص‪.266‬‬
‫((( �أحكام املعامالت املالية‪ ،‬لعلي اخلفيف‪� ،‬ص‪.432‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬رقم ‪.68/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬عقد البيع‪ ،‬مل�صطفى الزرقا‪� ،‬ص‪.156‬‬

‫‪250‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫بيع االستجرار‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع اال�ستجرار‬
‫وا�صطالحا(‪� .)1‬أما اال�ستج ��رار فهو يف اللغة م�أخوذ من جر‬
‫ً‬ ‫�سب ��ق تعريف البيع لغ ًة‬
‫يج ��ر ج ًرا‪ ،‬وهو مد ال�شيء و�سحبه(‪ ،)2‬وج ��ررت احلبل وغريه �أجره ج ًرا‪ .‬واجنر ال�شيء‪:‬‬
‫اجن ��ذب(‪ ،)3‬و�أجررت الدين �إذا مددت وقت ال�سداد وتركت الدين باق ًيا على املديون(‪.)4‬‬
‫وال يخرج معنى اال�ستجرار يف اال�صطالح عن معناه اللغوي‪.‬‬
‫و�أما بيع اال�ستجرار يف اال�صطالح‪ ،‬فهو‪«:‬ما ي�ستجره الإن�سان من البياع �إذا حا�سبه‬
‫عل ��ى �أثمانها بعد ا�ستهالكه ��ا»(‪� ،)5‬أو«�أخذ احلوائج من البياع �شي ًئ ��ا ف�شي ًئا‪ ،‬ودفع ثمنها‬
‫بع ��د ذلك»(‪ ،)6‬واملعن ��ى قريب‪ .‬وي�سمى هذا البيع بيع اال�ستج ��رار يف املذهب احلنفي(‪،)7‬‬
‫وال�شافعي(‪� ،)8‬أما املالكية في�سمونه«بيع �أهل املدينة»(‪ ،)9‬و�أما احلنابلة فيذكرون له �صو ًرا‬
‫دون �أن ترد له ت�سمية عندهم(‪.)10‬‬

‫((( انظر �ص‪ 204‬من هذا البحث‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.410/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.125/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�صباح املنري‪ ،‬للحموي ‪.96 /1‬‬
‫(( ( الدر املختار‪ ،‬للح�صكفي مع حا�شية ابن عابدين ‪.516/4‬‬
‫((( املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.43/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪ ،243/6‬الدر املختار مع حا�شية ابن عابدين ‪.516/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي ‪ ،217/4‬نهاية املحتاج‪ ،‬للرملي ‪� ،375/3‬إعانة الطالبني‪ ،‬للدمياطي ‪.7/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان والتح�صيل‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،208/7‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،538/4‬منح اجلليل‪ ،‬لعلي�ش ‪.384/5‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬م�سائل الإمام �أحمد‪ ،‬لأبي داود‪� ،‬ص‪ ،256‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪ ،108/4‬النكت‪ ،‬البن مفلح ‪.298 /1‬‬

‫‪251‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع اال�ستجرار‬


‫الأ�ص ��ل �أن البي ��ع يت ��م يدً ا بيد‪ ،‬وما �سم ��ي البيع بي ًعا �إال لأن كل واح ��د من املتبايعني‬
‫مي ��د باعه ل�صاحبه وق ��ت الأخذ والإعط ��اء(‪� ،)1‬إال �أنه يف بيع اال�ستج ��رار يتفق امل�شرتي‬
‫م ��ع البائع �أن ي�أخ ��ذ منه احلوائج �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬وي�سدده بعد م ��دة‪� ،‬إما عند ر�أ�س ال�شهر‪،‬‬
‫�أو ال�سن ��ة(‪)2‬؛ فالهند�س ��ة املالية يف بي ��ع اال�ستجرار تكون بالتعديل عل ��ى العقد ب�أن ي�أخذ‬
‫امل�ش�ت�ري حوائجه �شي ًئا ف�شي ًئ ��ا‪ ،‬وي�ؤخر دفع ثمنها‪ ،‬فينتفع امل�شرتي به ��ذه املهلة‪ ،‬وينتفع‬
‫البائع بكرثة املتعاملني معه‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع اال�ستجرار‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع اال�ستجرار‬
‫معلوما(‪،)3‬‬
‫اتف ��ق الفقهاء ‪-‬يف اجلمل ��ة‪ -‬على جواز بي ��ع اال�ستجرار �إذا كان الثم ��ن ً‬
‫اً‬
‫جمهول على قولني‪:‬‬ ‫واختلفوا يف حكمه �إذا كان الثمن‬
‫الق ��ول الأول‪� :‬أن ��ه بيع حمرم‪ .‬وهو مذهب احلنفية(‪ ،)4‬واملالكي ��ة(‪ ،)5‬وال�شافعية(‪،)6‬‬

‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.480/3‬‬


‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.5/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،516/4‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،538/4‬مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني ‪ ،326/2‬الإن�صاف‪،‬‬
‫للم ��رداوي ‪ .310/4‬وا�ش�ت�رط املالكي ��ة �شرطني‪ :‬الأول‪� :‬أن ي�شرع يف �أخ ��ذ املبيع‪ .‬الثاين‪� :‬أن يك ��ون �أ�صله عند البائع‪.‬‬
‫وامل�شه ��ور يف املذهب ال�شافعي �أنه ال بد من التلف ��ظ بالإيجاب والقبول؛ فال يجوز عندهم بيع املعاطاة‪ ،‬واختار بع�ض‬
‫فقه ��اء املذهب جواز بيع املعاطاة‪،‬؛ كابن �سريج‪ ،‬والغ ��زايل‪ ،‬والبغوي‪ ،‬وقال النووي‪«:‬وهذا هو املختار؛ لأن اهلل تعاىل‬
‫�أحل البيع ومل يثبت يف ال�شرع لفظ له فوجب الرجوع �إىل العرف فكلما عده النا�س بي ًعا كان بي ًعا«‪.‬انظر‪ :‬منح اجلليل‪،‬‬
‫لعلي�ش ‪ ،385-384/5‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.163-162/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،516/4‬الفتاوى الهندية ‪.3/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان والتح�صيل‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،208/7‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.538/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني ‪ ،326/2‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي ‪.217/4‬‬

‫‪252‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫واحلنابلة(‪ ،)1‬والظاهرية(‪ ،)2‬ونقل الإجماع على ذلك(‪.)3‬‬


‫الق ��ول الث ��اين‪� :‬أنه بيع جائز‪ .‬وهو وجه عن ��د ال�شافعية(‪ ،)4‬ورواية عند احلنابلة(‪،)5‬‬
‫اختارها ابن تيمية(‪ ،)6‬وابن القيم(‪.)7‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫هلل × َعنْ َب ْي ِع الحْ َ َ�ص ��اةِ‪،‬‬ ‫الدلي ��ل الأول‪ :‬ع ��ن �أبي هريرة‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَى َر ُ�س � ُ‬
‫�ول ا ِ‬
‫َو َعنْ َب ْي ِع ا ْل َغ َررِ» رواه م�سلم(‪.)8‬‬
‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن النبي × نهى عن بيع الغرر؛ والبيع مع جهل الثمن‬
‫غرر ي�ؤدي �إىل اخل�صومة والنزاع(‪.)9‬‬
‫نوق�ش من وجهني‪ :‬الوجه الأول‪ :‬ب�أن النبي × نهى عن بيع املبيع الذي هو غرر‪،‬‬
‫فاملبي ��ع نف�سه هو الغرر؛ كالثمرة قبل بدو �صالحها‪� ،‬أما البيع يف حال اجلهل بالثمن فال‬
‫ي�سمى غر ًرا(‪.)10‬‬
‫يجاب‪ :‬ب�أنه ال ي�سلم ب�أن اجلهل بالثمن ال ي�سمى غر ًرا؛ فاجلهل بالثمن غرر كاجلهل‬
‫باملبيع؛ «لأنه �أحد العو�ضني»(‪ ،)11‬واجلهل به ي�ؤدي �إىل اخل�صومة والنزاع كاجلهل باملبيع‪،‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪ ،310/4‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.174/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.367/7‬‬
‫(( ( قال النووي عن بيع اال�ستجرار �إذا جهل الثمن‪«:‬وهذا باطل بال خالف« املجموع ‪.164-163/9‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪ ،333/9‬مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني ‪ .326/2‬قال النووي عن هذا الوجه‪«:‬وهذا �ضعيف �شاذ«‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪� ،310/4‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.5/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،345 /29‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.155‬‬
‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.5/4‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.167‬‬
‫((( انظر‪ :‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬للعيني ‪ ،15/8‬املوط�أ‪ ،‬للإمام مالك ‪.941/4‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.207‬‬
‫(‪ ((1‬الرو�ض املربع‪ ،‬للبهوتي‪� ،‬ص‪.312‬‬

‫‪253‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وقد ذكر ابن تيمية يف مو�ضع �آخر �أن اجلهل بالثمن غرر(‪.)1‬‬
‫الوج ��ه الث ��اين‪ :‬ب�أن ��ه جه ��ل ي�ؤول �إىل عل ��م و�سيتمكن م ��ن معرفة الثم ��ن(‪ ،)2‬ثم �إن‬
‫ترا�ضيا به‪ ،‬و�إال ترا ّدا ال�سلعة‪ ،‬ف�إن فاتت فثمن املثل‪ ،‬فال وك�س وال �شطط(‪.)3‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب�أن ال�شارع �إمنا نهى عن الغرر لكي ال يحدث االختالف واخل�صومة‪ ،‬ثم رد‬
‫ال�سلع ��ة‪� ،‬أو‪ ‬الو�صول للق�ض ��اء و�إجبار البائع �أن يبيع بثمن املثل وهو غري را�ض‪ ،‬خا�صة يف‬
‫ال�سل ��ع التي تتفاوت �أ�سعارها كث ًريا‪ ،‬ولو جاز البيع بجهالة الثمن على هذه الكيفية‪ ،‬جلاز‬
‫بجهال ��ة املبيع‪ ،‬ثم �إن ترا�ضيا و�إال ترا ّدا الثم ��ن‪� ،‬أو يعو�ض مثل املبيع‪ ،‬وهذا باطل للغرر‪،‬‬
‫والأول مثله‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬إجماع العلماء �أن البيع ال يجوز مع اجلهل بالثمن(‪.)4‬‬
‫نوق�ش‪ :‬بعدم �صحة الإجماع يف هذه امل�س�ألة؛ لثبوت اخلالف فيها(‪.)5‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ (‪.)6‬‬
‫وجه الداللة من الآية‪� :‬أن اهلل ا�شرتط يف البيع ح�صول الرتا�ضي‪ ،‬و�إذا مت الرتا�ضي‬
‫ب�ي�ن البائع وامل�شرتي فالبيع �صحيح‪ ،‬وال ي�ضر اجله ��ل بالثمن؛ لأن الرتا�ضي يح�صل من‬
‫غالب اخللق بال�سعر العام‪ ،‬ومبا يبيع به عموم النا�س‪ ،‬ف�إن غبنه فله اخليار(‪.)7‬‬

‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.35/4‬‬


‫((( انظر‪ :‬املجموع‪ ،‬للنووي ‪.333/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظرية العقد‪� ،‬ص‪.207-206 ،156-154‬‬
‫((( مم ��ن نقل الإجم ��اع‪ :‬العيني‪ ،‬وابن عبدالرب‪ ،‬وابن املنذر‪ ،‬واب ��ن قا�سم‪.‬انظر‪ :‬البناية �ش ��رح الهداية‪ ،‬للعيني ‪،15/8‬‬
‫اال�ستذكار‪ ،‬البن عبدالرب ‪ ،433/6‬الإ�شراف‪ ،‬البن املنذر ‪ ،131/6‬حا�شية الرو�ض املربع‪ ،‬البن قا�سم ‪.459/4‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.292/2‬‬
‫((( �سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.29‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيميه‪� ،‬ص‪.155‬‬

‫‪254‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يناق�ش‪ :‬ب�أن الرتا�ضي البد �أن يكون مع مراعاة ال�ضوابط ال�شرعية؛ قال ابن تيمية‪«:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ (‪ .)1‬لكن ال بد من مراعاة ال�شروط‬
‫ال�شرعي ��ة»(‪ ،)2‬ومن ال�شروط ال�شرعية �أال يكون هناك غ ��رر‪ ،‬والبيع مع جهالة الثمن من‬
‫الغرر‪.‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬عن ابن عمر ر�ض ��ي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ُ «:‬ك َّنا َم� � َع ال َّن ِب ِّي ×فيِ َ�س َف ٍر‪،‬‬
‫َف ُك ْن � ُ�ت َع َلى َب ْك ٍر َ�ص ْع ٍب ِل ُع َم َر‪َ ،‬ف َكانَ َي ْغ ِل ُب ِني‪َ ،‬ف َي َت َق َّد ُم �أَ َم َام ال َق ْو ِم‪َ ،‬ف َيزْ ُج ُر ُه ُع َم ُر َو َي ُر ُّد ُه‪ُ ،‬ث َّم‬
‫ول اللهَّ ِ ‪،‬‬ ‫َي َت َق� � َّد ُم‪َ ،‬ف َيزْ ُج ُر ُه ُع َم ُر َو َي ُر ُّد ُه‪َ ،‬ف َق َال ال َّن ِب ُّي × ِل ُع َم َر‪ِ « :‬ب ْعنِيهِ»‪َ ،‬ق َال‪ :‬هُ َو َل َك َيا َر ُ�س َ‬
‫َق َال‪ِ « :‬ب ْعنِيهِ» َف َب َاع ُه ِمنْ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ×‪َ ،‬ف َق َال ال َّن ِب ُّي ×‪« :‬هُ َو َل َك َيا َع ْب َد اللهَّ ِ ْب َن ُع َم َر‪،‬‬
‫َت ْ�ص َن ُع ِب ِه َما �شِ ْئتَ » » رواه البخاري(‪.)3‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × «ا�شرتى من عمر بعريه‪ ،‬ووهبه لعبداهلل‬
‫بن عمر‪ ،‬ومل يقدر ثمنه»(‪.)4‬‬
‫يناق�ش‪:‬ب�أن احلديث لي�س فيه داللة على �أنه مل يقدر ثمنه‪ ،‬بل �إن لفظ«فباعه»‪ ،‬ويف‬
‫رواية‪«:‬فا�شرتاه»(‪ )5‬يدل على البيع‪ ،‬وال�شراء املعروف املعلوم الثمن واملثمن‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪�« :‬أن هذا عمل امل�سلمني دائ ًما‪ ،‬ال يزالون ي�أخذون من اخلباز اخلبز‪،‬‬
‫ومن اللح ��ام اللحم‪ ،‬ومن الفامي(‪ )6‬الطعم‪ ،‬ومن الفاكه ��ي الفاكهة‪ ،‬وال يقدرون الثمن‪،‬‬

‫((( �سورة الن�ساء‪ ،‬الآية ‪.29‬‬


‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.499/29‬‬
‫(( ( كتاب البيوع‪ ،‬باب �إذا ا�شرتى �شيئا‪ ،‬فوهب من �ساعته قبل �أن يتفرقا‪ ،‬ومل ينكر البائع على امل�شرتي‪� ،‬أو ا�شرتى عبدا‬
‫ف�أعتقه‪ ،‬برقم ‪.2115‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.155‬‬
‫(( ( رواه البخ ��اري‪ ،‬كت ��اب الهبة وف�ضلها والتحري�ض عليها‪ ،‬باب من �أهدي له هدية وعن ��ده جل�سا�ؤه فهو �أحق بها‪ ،‬برقم‬
‫‪.2610‬‬
‫(( ( الفامي‪ :‬بائع ال�سكر‪ ،‬وقيل‪ :‬الفوم احلم�ص لغة �شامية‪ ،‬وبائعه فامي‪ .‬انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.460/12‬‬

‫‪255‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بل يرتا�ضيان بال�سعر املعروف‪ ،‬وير�ضى امل�شرتي مبا يبيع البائع لغريه من النا�س»(‪.)1‬‬
‫يناق� ��ش م ��ن وجه�ي�ن‪ :‬الوجه الأول‪� :‬أن عمل النا�س ال يع ��د دليلاً خا�صة �إذا خالف‬
‫ال�شرع؛ فالعادة حمكمة ما مل تخالف ال�شرع(‪)2‬؛ وقد قال النووي منك ًرا هذا العمل‪«:‬ف�أما‬
‫�إذا �أخ ��ذ من ��ه �شي ًئ ��ا‪ ،‬ومل يعطه �شي ًئا‪ ،‬ومل يتلفظ ��ا ببيع‪ ،‬بل نويا �أخ ��ذه بثمنه املعتاد كما‬
‫يفعله كثري من النا�س‪ ،‬فهذا باطل بال خالف؛ لأنه لي�س ببيع لفظي‪ ،‬وال معاطاة‪ ،‬وال يعد‬
‫بي ًعا؛ فهو باطل ولنعلم هذا ولنحرتز منه‪ ،‬وال نغرت بكرثة من يفعله‪ ،‬ف�إن كث ًريا من النا�س‬
‫ي�أخذ احلوائج من البياع مرة بعد مرة من غري مبايعة‪ ،‬وال معاطاة ثم بعد مدة يحا�سبه‬
‫ويعطيه العو�ض وهذا باطل بال خالف»(‪.)3‬‬
‫الوجه الثاين‪� :‬أن الأ�شياء التي ي�أخذها النا�س من البائع‪ ،‬والتي ذكرها ابن تيمية؛‬
‫كاخلب ��ز‪ ،‬واللحم‪ ،‬والفاكهة‪ ،‬ال تدل على ج ��واز البيع مع اجلهل بالثمن مطل ًقا‪� ،‬إمنا تدل‬
‫على �أن هذه الأ�شياء مما ُيت�سامح فيها؛ لأن �أ�سعارها ال تتفاوت‪ ،‬فلي�س الغرر فيها م�ؤث ًرا‪،‬‬
‫قال ابن الهمام‪«:‬ومما ال يجوز البيع به‪ :‬البيع بقيمته‪� ،‬أو مبا حل به‪� ،‬أو مبا تريد‪...‬وكذا‬
‫ال يجوز مبثل ما يبيع النا�س �إال �أن يكون �شيئا ال يتفاوت؛ كاخلبز واللحم»(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪ :‬القيا�س على النكاح‪ ،‬فكما �أن النكاح يجوز دون ذكر املهر‪ ،‬فكذلك‬
‫البيع من باب �أوىل؛ لأن اهلل ا�شرتط العو�ض يف النكاح‪ ،‬ومل ي�شرتطه يف �إعطاء الأموال(‪.)5‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب� ��أن العو�ض يف الن ��كاح لي�س مق�صودًا‪� ،‬أو هو لي� ��س املق�صود الأعظم فيه‪،‬‬
‫يق ��ول ابن تيمي ��ة‪�«:‬إن العو�ض عما لي�س مب ��ال؛ كال�صداق‪ ،‬والكتاب ��ة‪ ،‬والفدية يف اخللع‪،‬‬

‫انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.155‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪� :‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬للزرقا‪� ،‬ص‪ ،219‬القواعد الكلية‪ ،‬ل�شبري‪� ،‬ص‪.245‬‬ ‫(( (‬
‫املجموع‪ ،‬للنووي ‪.164-163/9‬‬ ‫((( ‬
‫فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪.260/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.155‬‬ ‫((( ‬

‫‪256‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وال�صل ��ح عن الق�صا�ص‪ ،‬واجلزية وال�صلح مع �أهل احلرب‪ ،‬لي�س يجب �أن يعلم كما يعلم‬
‫الثم ��ن والأجرة‪ ،‬وال‪ ‬يقا�س على بيع الغرر كل عق ��د على غرر؛ لأن الأموال �إما �أن ال جتب‬
‫يف ه ��ذه العقود‪� ،‬أو‪ ‬لي�ست‪ ‬هي املق�ص ��ود الأعظم فيها‪ ،‬وما لي�س هو املق�صود �إذا وقع فيه‬
‫غرر مل يف�ض �إىل املف�سدة املذكورة يف البيع»(‪.)1‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض القولني‪ ،‬و�أدلتهما‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة منها‪،‬‬
‫تب�ي�ن يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح يف بيع اال�ستج ��رار �أنه ال يجوز �إذا كان ثمن ال�سلعة يف‬
‫ال�سوق غري ثابت ويتفاوت تفاو ًتا كب ًريا؛ للغرر امل�ؤدي �إىل النزاع واخل�صومة‪� ،‬أما �إذا كان‬
‫ثمن ال�سلعة يف ال�سوق يتفاوت تفاو ًتا ي�س ًريا؛ كالفاكهة‪ ،‬و�سلع البقال‪ ،‬واللحم ف�إنه جائز؛‬
‫لأن هذا الغرر مما يت�سامح فيه‪ ،‬واجلهالة التي فيه ال تف�ضي �إىل النزاع‪ ،‬كذلك �إذا كان‬
‫ومن�ضبطا مبعيار معلوم يعرفه كل �أحد‪ ،‬فال يحتاج لذكر‬‫ً‬ ‫ثم ��ن ال�سلعة موحدً ا يف ال�سوق‪،‬‬
‫الثمن وقت البيع؛ لعلم اجلميع به(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاين‪�:‬أثر الهند�سة املالية يف بيع اال�ستجرار‬
‫على القول الذي يجيز بيع اال�ستجرار مطل ًقا‪� ،‬أو على القول الراجح الذي يجيز بيع‬
‫اال�ستج ��رار �إذا كان ثمن ال�سلع ��ة يف ال�سوق يتفاوت تفاو ًتا ي�س�ي ً�را‪� ،‬أو كان الثمن موحدً ا‬
‫يف ال�س ��وق‪ ،‬ف� ��إن الهند�سة املالية الإ�سالمي ��ة انتجت بيع اال�ستج ��رار لينتفع امل�شرتي يف‬
‫ت�أخري ال�سداد‪ ،‬وينتفع البائع يف كرثة العمالء‪� ،‬أما على القول الذي يحرم بيع اال�ستجرار‬
‫مطل ًق ��ا‪� ،‬أو على القول الراجح الذي يحرم بيع اال�ستجرار �إذا كان ثمن ال�سلعة يف ال�سوق‬
‫يتفاوت تفاو ًتا كب ًريا‪ ،‬ف�إن الهند�سة املالية يف بيع اال�ستجرار ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب‬
‫لتحرميه؛ لوجود الغرر املف�ضي �إىل النزاع واخل�صومة‪.‬‬

‫((( الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.34/4‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة‪ ،‬ملحمد تقي العثماين‪� ،‬ص‪.68 ،64‬‬

‫‪257‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثالث‬
‫بيع العينة‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع العينة‬
‫وا�صطالح ��ا(‪� .)1‬أما تعريف العينة يف اللغة فهي م�أخوذة من‬
‫ً‬ ‫�سب ��ق تعريف البيع لغة‬
‫العني‪ ،‬وهو النقد احلا�ضر‪ ،‬و�سميت عينة حل�صول النقد لطالب العينة(‪.)2‬‬
‫و�أم ��ا العين ��ة يف اال�صطالح‪ :‬فــــــ«ه ��ي �أن يبيع من رجل �سلعة بثم ��ن معلوم �إىل �أجل‬
‫م�سم ��ى‪ ،‬ث ��م ي�شرتيه ��ا منه ب�أقل من الثم ��ن الذي باعها ب ��ه»(‪ ،)3‬وللعينة �ص ��ور كثرية يف‬
‫املذاهب الفقهية‪ ،‬وهذه �أ�شهرها(‪.)4‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة‬
‫�إقرا� ��ض امل ��ال و�أخ ��ذ الزيادة علي ��ه رب ��ا‪ ،‬ولي�سلم بع� ��ض النا�س من الرب ��ا يقومون‬
‫با�ستخ ��دام احليل ��ة �أو‪ ‬املخرج الفقهي ببيع �سلع ��ة على امل�شرتي –املحت ��اج للمال‪-‬بثمن‬
‫م�ؤج ��ل ث ��م �شرائه ��ا منه نق ��دً ا بثمن �أق ��ل(‪)5‬؛ فالهند�س ��ة املالي ��ة تكون بتعدي ��ل املعاملة‬
‫بدل من التعامل بالربا‪.‬‬ ‫با�ستخدام احليلة �أو املخرج ليح�صل على املال بالبيع اً‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع العينة‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم بيع العينة على قولني‪:‬‬

‫((( انظر �ص‪ 204‬من هذا البحث‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪ ،203/4‬تاج العرو�س‪ ،‬للزبيدي ‪.457/35‬‬
‫((( اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬للقرطبي ‪.360 /3‬‬
‫((( انظر‪ :‬حا�شية ابن عابدين ‪ ،325/5‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬البن عبدالرب ‪ ،672/2‬فتح العزيز‪ ،‬للرافعي ‪،231/8‬‬
‫�شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪.25/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.21/4‬‬

‫‪258‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫القول الأول‪� :‬أن بيع العينة حمرم‪ .‬وهو قول احلنفية(‪ ،)1‬واملالكية(‪ ،)2‬واحلنابلة(‪.)3‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن بيع العينة جائز‪ .‬وهو قول ال�شافعية(‪ ،)4‬والظاهرية(‪.)5‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ول‪�« :‬إِ َذا َت َبا َي ْع ُت ْم‬ ‫ول اللهَّ ِ × َي ُق ُ‬ ‫الدليل الأول‪ :‬عن ابن عمر ×‪ ،‬قال‪�َ «:‬س ِم ْع ُت َر ُ�س َ‬
‫اب ا ْل َب َقرِ‪َ ،‬و َر ِ�ض ��ي ُت ْم ِبال َّز ْر ِع‪َ ،‬و َت َر ْك ُت ُم الجْ ِ هَادَ‪�َ ،‬س� � َّل َط اللهَّ ُ َعلَ ْي ُك ْم ُذلاًّ‬
‫ت �أَ ْذ َن َ‬
‫ِبا ْلعِي َنةِ‪َ ،‬و�أَ َخ ْذ مُ ْ‬
‫لاَ َي ْن ِز ُع ُه َح َّتى َت ْرجِ ُعوا �إِلىَ دِي ِن ُك ْم» رواه �أبو داود وغريه(‪.)6‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن يف احلدي ��ث وعي ��دً ا وزج ًرا على م ��ن ارتكب هذه‬
‫اخل�صال التي وردت يف احلديث‪ ،‬ومنها‪ :‬التبايع بالعينة‪ ،‬ولو مل تكن حمرمة ملا جاء فيها‬
‫هذا الوعيد ال�شديد(‪.)7‬‬

‫((( انظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،198/5‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي ‪.213-212/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬الر�سالة‪ ،‬للقريواين‪� ،‬ص‪ ،108‬خمت�صر خليل‪� ،‬ص‪.150‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،132/4‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.185/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪ ،79/3‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪.419-418/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.548/7‬‬
‫((( رواه �أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب يف النهي عن العينة‪ ،‬برقم ‪ ،3462‬و�أحمد‪ ،‬م�سند عبداهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهما‪،‬‬
‫برقم ‪ .4825‬وللحديث ثالثة طرق كلها �ضعيفة؛ الطريق الأول‪ :‬عند �أبي داود من رواية �إ�سحاق �أبي عبدالرحمن عن‬
‫عطاء اخلر�ساين‪ ،‬عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬وعطاء اخلر�ساين مل ي�سمع من ابن عمر كما ذكر ذلك ابن معني‪ ،‬و�أحمد‪،‬‬
‫و�أب ��و ح ��امت‪ .‬و�إ�سح ��اق ابو عبدالرحمن �ضعي ��ف؛ قال �أبو حامت‪�« :‬شيخ لي� ��س بامل�شهور ال ي�شتغل ب ��ه»‪ ،‬وعد الذهبي يف‬
‫امليزان هذا احلديث من مناكريه‪ .‬الطريق الثاين‪ :‬عند �أحمد من رواية الأعم�ش عن عطاء بن �أبي رباح عن ابن عمر‪،‬‬
‫وعط ��اء ب ��ن �أبي رباح مل ي�سمع من ابن عمر كم ��ا ذكر ذلك الإمام �أحمد‪ ،‬والأعم�ش مدل� ��س ومل ي�صرح بال�سماع من‬
‫عطاء‪ ،‬ويرى ابن حجر يف التلخي�ص‪� ،‬أن عطا ًء هنا هو عطاء اخلرا�ساين فرجع احلديث �إىل الإ�سناد الأول‪ .‬الطريق‬
‫الثال ��ث‪ :‬عن ��د �أحمد من رواية �أبي جناب عن �شهر بن حو�شب عن ابن عم ��ر‪ ،‬و�أبو جناب و�شهر بن حو�شب �ضعيفان‪.‬‬
‫انظر‪ :‬املرا�سيل‪ ،‬البن �أبي حامت‪� ،‬ص‪ ،156 ،154‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،583/12 ،413 /2‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي‬
‫‪ ،371/4 ،547/4‬تقريب التهذيب‪ ،‬البن حجر‪� ،‬ص‪ ،392‬التلخي�ص احلبري‪ ،‬البن حجر ‪.48/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬في�ض القدير‪ ،‬للمناوي ‪.397/1‬‬

‫‪259‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذا احلديث �ضعيف ال ينه�ض دليلاً على التحرمي(‪ ،)1‬و«تفرد ال�ضعفاء‬
‫�صحيحا مل يتفرد به‬
‫ً‬ ‫به ��ذا احلديث على �أهميته ع ّلة فيه توج ��ب رده‪� ،‬إذ لو كان احلديث‬
‫ه� ��ؤالء ال�ضعف ��اء»(‪ ،)2‬ولي�س يف احلديث داللة على حت ��رمي كل خ�صلة من هذه اخل�صال‬
‫بانفراده ��ا‪ ،‬ب ��ل التحرمي جلمي ��ع هذه اخل�ص ��ال �إذا �أ�شغلت عن اجله ��اد يف �سبيل اهلل‪،‬‬
‫فالذل ال يكون �إال برتك اجلهاد(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل الثاين‪ :‬عن �أب ��ي �إ�سحاق(‪ ،)4‬عن امر�أته‪� ،‬أنها دخلت على عائ�شة ر�ضي اهلل‬
‫عنه ��ا يف ن�س ��وة ف�س�ألتها ام ��ر�أة فقالت‪ :‬يا �أم امل�ؤمنني‪ ،‬كان ��ت يل جارية‪ ،‬فبعتها من زيد‬
‫ب ��ن �أرقم بثمان مائ ��ة �إىل �أجل‪ ،‬ثم ا�شرتيتها منه ب�ست مائ ��ة‪ ،‬فنقدته ال�ستمائة‪ ،‬وكتبت‬
‫علي ��ه ثم ��ان مائة‪ ،‬فقالت عائ�شة ر�ض ��ي اهلل عنها‪« :‬بئ�س واهلل م ��ا ا�شرتيت‪ ،‬وبئ�س واهلل‬
‫م ��ا ا�ش�ت�رى‪� ،‬أخربي زيد بن �أرقم‪� :‬أنه قد �أبطل جه ��اده مع ر�سول اهلل × �إال �أن يتوب«؛‬
‫فقال ��ت املر�أة لعائ�شة ر�ضي اهلل عنها‪� :‬أر�أيت �إن �أخذت ر�أ�س مايل ورددت عليه الف�ضل؟‬
‫قال ��ت‪« :‬ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ (‪)5‬الآي ��ة‪� ،‬أو قال ��ت‪ :‬ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﮊ (‪ )6‬الآية» م�صنف عبدالرزاق(‪.)7‬‬
‫(( ( انظر تخريج احلديث‪ ،‬وقال ال�شوكاين يف �شرح هذا احلديث‪« :‬وجوز ذلك ال�شافعي‪...‬وطرحوا الأحاديث املذكورة يف‬
‫الباب»‪.‬نيل الأوطار‪ ،‬لل�شوكاين ‪ ،245/5‬وقال ال�صنعاين‪«:‬واحلديث له طرق عديدة عقد له البيهقي بابا وبني عللها‪...‬‬
‫ولعلهم يقولون‪ :‬حديث العينة فيه مقال فال ينه�ض دليال على التحرمي»‪� .‬سبل ال�سالم‪ ،‬لل�صنعاين ‪.58-57/2‬‬
‫((( املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪.400/11‬‬
‫((( انظر‪ :‬نيل الأوطار‪ ،‬لل�شوكاين ‪.246/5‬‬
‫قواما‪ ،‬تويف عام ‪129‬ه‪ .‬انظر‪:‬‬
‫�صواما ً‬
‫(( ( ه ��و عم ��رو بن عبداهلل‪� ،‬أبو �أ�سحاق ال�سبيعي‪ ،‬من �أئمة التابعني بالكوف ��ة‪ ،‬كان ً‬
‫تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،102/22‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪.270/3‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.279‬‬
‫(( ( كت ��اب البي ��وع‪ ،‬باب الرج ��ل يبيع ال�سلعة ثم يري ��د ا�شرتاءها بنقد‪ ،‬برق ��م‪ .14812‬والأثر �ضعي ��ف؛ جلهالة �أم حمبة‬
‫والعالية‪ ،‬قال الدارقطني‪� «:‬أم حمبة والعالية جمهولتان ال يحتج بهما»‪ ،‬وممن �ضعفه ال�شافعي‪ ،‬وقال ابن عبدالرب‪«:‬‬

‫‪260‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأث ��ر‪ :‬ب�أن هذا التغلي ��ظ من عائ�شة ر�ض ��ي اهلل عنها على هذا‬
‫البيع يدل على حترميه‪« ،‬والظاهر �أنها ال تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه‪� ،‬إال بتوقيف‬
‫�سمعته من ر�سول اهلل × فجرى جمرى روايتها ذلك عنه»(‪.)1‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذا الأثر ال يحتج به من حيث ال�سند(‪« ،)2‬ومنكر اللفظ ال �أ�صل له؛ لأن‬
‫الأعمال ال�صاحلة ال يحبطها االجتهاد‪ ،‬و�إمنا يحبطها االرتداد‪ ،‬وحمال �أن تلزم عائ�شة‬
‫زيدً ا التوبة بر�أيها ويكفره اجتهادها فهذا ما ال ينبغي �أن يظن بها وال يقبل عليها»(‪.)3‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن العينة حيلة للتو�صل للربا(‪« ،)4‬لأنها يتو�صل بها �إىل دفع قليل يف‬
‫كث�ي�ر‪ ،‬و�إن مل ي�صرح املتعاقدان بذلك»(‪ ،)5‬ق ��ال النووي‪«:‬واحتج بهذا احلديث �أ�صحابنا‬
‫وموافقوه ��م يف �أن م�س�أل ��ة العينة لي�ست بح ��رام‪ ،‬وهي احليلة الت ��ي يعملها بع�ض النا�س‬
‫تو�صلاً �إىل مق�صود الربا‪ ،‬ب�أن يريد �أن يعطيه مائة درهم مبائتني فيبيعه ثوبا مبائتني ثم‬
‫ي�شرتي ��ه منه مبائة»(‪ ،)6‬فالنووي ي�ص ��رح �أن العينة حيلة للو�صول للربا‪ ،‬واملجيزون للعينة‬
‫ال يرون حترمي احليل‪ ،‬والعربة عندهم بظاهر العقود دون مقا�صدها(‪ ،)7‬وقد �سبق ذكر‬
‫اخلالف يف احليل‪ ،‬وبيان رجحان حترميها(‪.)8‬‬

‫وهو خرب ال يثبته �أهل العلم باحلديث‪ ،‬وال هو مما يحتج به عندهم»‪.‬انظر‪� :‬سنن الدارقطني ‪ ،477/3‬الأم‪ ،‬لل�شافعي‬
‫‪ ،39-38/3‬اال�ستذكار‪ ،‬البن عبدالرب ‪.272/6‬‬
‫((( املغني‪ ،‬البن قدامه ‪.132/4‬‬
‫((( انظر تخريج الأثر‪.‬‬
‫((( اال�ستذكار‪ ،‬البن عبدالرب ‪.272/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬للبابرتي ‪ ،148/7‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬البن عبدالرب ‪.672/2‬‬
‫((( الفواكه الدواين‪ ،‬للنفراوي ‪.102/2‬‬
‫(( ( املنهاج �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج‪ ،‬للنووي ‪.21/11‬‬
‫((( اانظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.337/12‬‬
‫((( انظر �ص ‪ 103‬من هذا البحث‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن العينة حمرمة حتى ل ��و مل يق�صد البائع بها التحايل على الربا؛‬
‫�سدً ا للذريعة‪ ،‬قال ابن تيمية‪ « :‬الذرائع حرمها ال�شارع‪ ،‬و�إن مل يق�صد بها املحرم‪ ،‬خ�شية‬
‫�إف�ضائه ��ا �إىل املحرم‪ ،‬ف�إذا ق�صد بال�شيء نف�س املحرم كان �أوىل بالتحرمي من الذرائع‪،‬‬
‫وبهذا التحرير يظهر ع ّلة التحرمي يف م�سائل العينة و�أمثالها‪ ،‬و�إن مل يق�صد البائع الربا؛‬
‫لأن ه ��ذه املعاملة يغلب فيها ق�ص ��د الربا‪ ،‬في�صري ذريعة‪ ،‬في�سد ه ��ذا الباب لئال يتخذه‬
‫النا�س ذريعة �إىل الربا»(‪.)1‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ (‪.)2‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الآية‪� :‬أن اهلل �أحل كل بيع �إال ما دل الدليل على حترميه‪ ،‬والعينة‬
‫من البيع احلالل؛ لعدم ثبوت الدليل بحرمتها(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن الدليل دل على حت ��رمي العينة؛ وهذه الآية من �ضمن الأدلة التي حترم‬
‫العينة؛ لأن اهلل حرم الربا‪ ،‬والعينة ر ًبا ولي�ست بي ًعا‪ ،‬و�إن �سماها م�ستحلها بي ًعا؛ ف�إن اهلل‬
‫مل يح ��رم الربا ملج ��رد �صورته ولفظه‪ ،‬و�إمن ��ا حرم حلقيقته ومق�ص ��وده‪ ،‬وتلك احلقيقة‬
‫قائم ��ة ف ��ى العينة‪ ،‬واملتعاق ��دان يعلمان ذلك م ��ن �أنف�سهما‪ ،‬ويعلمه م ��ن �شاهد حالهما‪،‬‬
‫فتواط�ؤهم ��ا عل ��ى الربا‪ ،‬ثم �إظه ��اره بي ًعا‪ ،‬يتو�سالن ب ��ه �إىل �أن يعطيه مائ ��ة حا ّلة مبائة‬
‫وع�شرين م�ؤجلة‪ ،‬فهذا لي�س من البيع امل�أذون فيه‪ ،‬بل من الربا املنهي عنه(‪.)4‬‬
‫ول‬ ‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬عن �أبي �سعيد اخلدري‪ ،‬و�أبي هريرة ر�ض ��ي اهلل عنهما‪� :‬أَنَّ َر ُ�س َ‬
‫�ول اللهَّ ِ ×‪�« :‬أَ ُك ُّل‬ ‫اللهَّ ِ × ْ‬
‫ا�س َت ْع َم � َ�ل َر ُج�ًل�ااً َع َلى َخ ْي�َب�ررَ َ ‪َ ،‬ف َجا َء ُه ِب َت ْم ٍر َج ِني � ٍ�ب‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س � ُ‬

‫الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.173/6‬‬ ‫((( ‬


‫�سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تهذيب الفروق‪ ،‬ملحمد بن علي بحا�شية الفروق للقرايف ‪.276/3‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪� :‬إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان‪ ،‬البن القيم ‪.105/2 ،352/1‬‬ ‫(( (‬

‫‪262‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�ص َاعينْ ِ ‪،‬‬ ‫ال�صا َع ِم ��نْ َه َذا ِب َّ‬ ‫ول اللهَّ ِ �إِ َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ‬
‫تمَ ْ � � ِر َخ ْي�َب�رَ َ َه َك� � َذا؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َواللهَّ ِ َي ��ا َر ُ�س َ‬
‫�ول اللهَّ ِ ×‪َ « :‬ال َت ْف َع ْل‪ِ ،‬ب ْع ا َ‬
‫جل ْم� � َع ِبال َّد َراهِ � ِ�م‪ُ ،‬ث َّم ا ْب َت ْع‬ ‫ال�ص َاع�ْي نِْ�ن ِبال َّث َال َث� � ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س � ُ‬
‫َو َّ‬
‫ِبال َّد َراهِ ِم َجنِي ًبا» متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × مل يف�صل بني �أن ي�شرتي من امل�شرتي �أو‬
‫من غريه‪ ،‬فقط �أر�شده �إىل اخلال�ص من الربا بذلك‪ ،‬وان كان املق�صود حت�صيل اجلنيب‬
‫باجلمع‪ ،‬فدل على جواز العينة(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن احلديث �إمن ��ا كان لبيان الطريق ال ��ذي يتم به احل�ص ��ول على التمر‬
‫اجلني ��ب ملن عنده مت ��ر رديء‪ ،‬ومل يتعر�ض احلديث ل�شروط البي ��ع �أو موانعه‪ ،‬وال جلواز‬
‫�ش ��راء التمر اجلنيب ممن باع منه التمر الأول‪ ،‬وال عدمه؛ �إمنا �أحيل املخاطب �إىل البيع‬
‫ال�صحي ��ح املكتمل ال�شروط املنتفي املوانع الذي يتعارفه النا�س‪ ،‬ولي�س يف احلديث الإذن‬
‫يف بيع يكون و�سيلة وذريعة ظاهرة �إىل ما هو ربا �صريح(‪.)3‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أن م ��ن ا�ش�ت�رى ال�سلعة ممن باعه ��ا له بعد م ��دة؛ فالبيع �صحيح‬
‫بالإجم ��اع‪ ،‬فكذل ��ك �إذا ا�شرتاه ��ا منه بعدما باعها ل ��ه مبا�شرة‪ ،‬فال ف ��رق بني التعجيل‬
‫والت�أجيل(‪.)4‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�سل ��م بعدم وجود الفرق ب�ي�ن التعجيل والت�أجيل‪ ،‬ف� ��إن وجود املدة‬
‫داللة على �أن املتبايعني يريدان حقيقة البيع‪ ،‬بعك�س بيع ال�سلعة على البائع مبا�شرة ف�إنه‬
‫ي ��دل عل ��ى �أن املتبايعني ال يريدان حقيقة البيع‪� ،‬إمنا كان ��ت ال�سلعة و�سيلة ملبادلة دراهم‬
‫بدراهم وزيادة‪.‬‬

‫�سبق تخريجه �ص‪.39‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬تكملة املجموع‪ ،‬لل�سبكي ‪ ،156-155/10‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.401-400/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املفهم‪ ،‬للقرطبي ‪� ،483/4‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.176-174/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.401/4‬‬ ‫((( ‬

‫‪263‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الرتجي ��ح‪ :‬بع ��د عر�ض القولني‪ ،‬و�أدلتهم ��ا‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منه ��ا �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تبني يل ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الأول القائل �أن بيع العينة حمرم؛ وذلك لأن‬
‫العين ��ة حيل ��ة للتو�صل للربا‪ ،‬ولو فر�ض �أن البائع ال يق�صد الربا‪ ،‬فهي ذريعة للربا‪ ،‬ومتنع‬
‫�سدً ا للذريعة‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بيع العينة‬
‫عل ��ى القول الذي يجيز بيع العينة ف�إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت بيع العينة‬
‫خمرجا �شرع ًيا عن الربا‪ ،‬ي�ستفيد البائع الربح مع �ضمان رجوع �سلعته له‪� ،‬أما على القول‬
‫ً‬
‫الراج ��ح الذي يحرم بيع العينة ف�إن الهند�سة املالي ��ة فيه ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب يف‬
‫حترميه؛ لأنها حيلة للتو�صل للربا‪.‬‬

‫***‬

‫‪264‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الرابع‬
‫الس ْفتَ جة‬
‫ُ‬
‫ال�س ْفتَجة‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف ُ‬
‫وال�س ْفتَجة‪:‬‬
‫ال�س ْفتَجة يف اللغة تعريب لكلمة �سفته الفار�سية‪ ،‬وتعني ال�شيء املحكم(‪ُ ،)1‬‬
‫ُ‬
‫مال لآخر‪ ،‬وللآخر مال يف بلد املعطي فيوفيه �إياه ثم‪� ،‬أي هناك‪ ،‬في�ستفيد �أمن‬‫�أن يعطي اً‬
‫الطريق(‪.)2‬‬
‫وال�س ْفتَجة يف املذاهب الفقهية مطابقة لهذا التعريف(‪ ،)3‬وجاء يف املو�سوعة الفقهية‬
‫ُ‬
‫ال�س ْفتَجة‪ ،‬وهي ‪�«:‬أن يقر�ض �شخ�ص غريه ‪ -‬تاج ًرا �أو غري تاجر‪-‬‬
‫الكويتي ��ة بيان ل�صورة ُ‬
‫يف بلد ويطلب من امل�ستقر�ض �أن يكتب له كتا ًبا ي�ستويف مبوجبه بدل القر�ض يف بلد �آخر‬
‫من �شريك املقرت�ض �أو‪ ‬وكيله»(‪.)4‬‬
‫ال�س ْفتَجة‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ‬
‫ال�س ْف َتج ��ة تعديل على هذا‬
‫الأ�ص ��ل �أن وف ��اء القر�ض يك ��ون يف بلد القر� ��ض(‪ ،)5‬ويف ُ‬
‫الأ�ص ��ل ب�أن يك ��ون وفاء القر�ض يف غري بل ��د القر�ض‪ ،‬ب�أن يطل ��ب املقر�ض من املقرت�ض‬
‫�س ��داد القر� ��ض يف بلد �آخر‪ ،‬فينتف ��ع ب�أمن خطر الطري ��ق‪ ،‬وينتفع املقرت� ��ض بالقر�ض‪،‬‬
‫وب�أمن الطريق � ً‬
‫أي�ضا(‪.)6‬‬

‫((( انظر‪ :‬التعريفات‪ ،‬للجرجاين‪� ،‬ص‪،120‬‬


‫((( انظر‪ :‬تاج العرو�س‪ ،‬للزبيدي ‪.39/6‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬احلجة‪ ،‬ملحمد بن احل�س ��ن ‪ ،609/2‬التاج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪ ،532/6‬امله ��ذب‪ ،‬لل�شريازي ‪ ،84/2‬الإن�صاف‪،‬‬
‫للمرداوي ‪.415/5‬‬
‫((( املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.25/25‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف‪ ،‬البن عبدالرب ‪� ،727/2‬أ�سنى املطالب‪ ،‬للأن�صاري ‪ ،142/2‬الرو�ض املربع‪ ،‬للبهوتي‪� ،‬ص‪.363‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.534 ،531/29‬‬

‫‪265‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�س ْفتَجة‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ‬
‫ال�س ْف َتجة‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم ُ‬
‫ال�س ْف َتج ��ة �إذا مل يكن حلمله ��ا م�ؤون ��ة �إن كانت من غري‬ ‫اتف ��ق الفقه ��اء على ج ��واز ُ‬
‫�شرط(‪ ،)1‬و�أما �إذا كانت ب�شرط فقد اختلفوا على قولني‪:‬‬
‫ال�س ْف َتج ��ة ال جت ��وز‪ .‬وه ��و مذه ��ب احلنفي ��ة(‪ ،)2‬واملالكي ��ة(‪،)3‬‬ ‫الق ��ول الأول‪� :‬أن ُ‬
‫وال�شافعية(‪ ،)4‬واحلنابلة(‪ ،)5‬والظاهرية(‪.)6‬‬
‫ال�س ْف َتج ��ة جائ ��زة‪ .‬وه ��و رواي ��ة عن ��د املالكي ��ة(‪ ،)7‬ورواي ��ة عند‬ ‫الق ��ول الث ��اين‪� :‬أن ُ‬
‫احلنابلة(‪ )8‬اختارها ابن قدامة(‪ ،)9‬وابن تيمية(‪ ،)10‬وابن القيم(‪.)11‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن علي ‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ×‪ُ « :‬ك ُّل َق ْر ٍ�ض َج َّر َم ْن َف َع ًة َف ُه َو‬
‫ِر ًبا» رواه احلارث بن �أبي �أ�سامة(‪.)12‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،37/14‬الكايف‪ ،‬البن عبدال�ب�ر ‪ ،728-727/2‬املهذب‪ ،‬لل�شريازي ‪ ،84/2‬املغني‪ ،‬البن‬
‫قدامة ‪ .240/4‬مل اتطرق لل�سفتجة التي حلملها م�ؤونة؛ لقلة وقوعها يف هذا الع�صر‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬حتفة الفقهاء‪ ،‬لل�سمرقندي ‪ ،22/3‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪.395/7‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪ ،293/5‬خمت�صر خليل‪� ،‬ص‪ .165‬و�أجازها املالكية لل�ضرورة؛ ك�أن يعم اخلوف‪.‬انظر‪:‬التاج‬
‫والإكليل‪ ،‬للمواق ‪� ،532/6‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬للخر�شي‪.332-231/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي‪ ،‬للماوردي ‪ ،356/5‬تكملة املجموع‪ ،‬للمطيعي ‪.170/13‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،240/4‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪.415/5‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.347/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى‪ ،‬للباجي ‪ ،97/5‬عقد اجلواهر الثمينة‪ ،‬البن �شا�ش ‪.566/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،240/4‬ت�صحيح الفروع للمرداوي بحا�شية الفروع البن مفلح ‪.356/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.241-240/4‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،531-530/30‬االختيارات الفقهية‪ ،‬للبعلي‪� ،‬ص‪.194‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.295/1‬‬
‫(‪ ((1‬كما يف بغية الباحث عن زوائد م�سند احلارث‪ ،‬للهيثمي ‪ .500/1‬واحلديث منكر؛ فيه �سوار بن م�صعب تركه الأئمة=‬

‫‪266‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الداللة من احلدي ��ث‪� :‬أن يف احلديث النهي عن قر�ض جر منفعة‪ ،‬وقد �أجمع‬
‫وال�س ْفتَجة داخلة يف هذا؛ لأنها جتر منفعة للمقر�ض ب�سقوط خطر‬ ‫العلماء على معناه(‪ُ ،)1‬‬
‫الطريق عنه(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن احلدي ��ث ال يثبت عن النب ��ي ×(‪ ،)3‬و�أنه لي� ��س كل منفعة يف القر�ض‬
‫حمرم ��ة‪ ،‬لأن ��ه ال يخلو قر� ��ض من منفع ��ة(‪)4‬؛ فاملحرم ه ��و «املنفعة الزائ ��دة املتمح�ضة‬
‫امل�شروط ��ة للمقر�ض‪ ،‬وال يقابله ��ا �أي منفعة للمقرت�ض �سوى القر�ض»(‪ ،)5‬قال ابن القيم‪:‬‬
‫«واملنفعة التي جتر �إىل الربا يف القر�ض هي التي تخ�ص املقر�ض»(‪ ،)6‬وهذا ال ينطبق على‬
‫ال�س ْفتَجة؛ لأن املنفعة فيها للمقر�ض واملقرت�ض م ًعا(‪ ،)7‬وهي«م�شرتكة بينهما‪،‬‬ ‫املنفعة يف ُ‬
‫وهم ��ا متعاون ��ان عليها‪ ،‬فهي من جن�س التعاون وامل�شارك ��ة»(‪ ،)8‬قال ابن تيمية‪«:‬املقر�ض‬
‫ر�أى النفع ب�أمن خطر الطريق يف نقل دراهمه �إىل ذلك البلد‪ ،‬وقد انتفع املقرت�ض �أي�ضا‬
‫بالوف ��اء يف ذلك البلد و�أمن خط ��ر الطريق‪ ،‬فكالهما منتفع بهذا االقرتا�ض‪ ،‬وال�شارع ال‬

‫=و�أنك ��روا حديث ��ه‪ ،‬ومل ي�صح ع ��ن النبي × يف هذا الباب �ش ��يء‪ .‬انظر‪ :‬بلوغ املرام‪ ،‬البن حج ��ر‪� ،‬ص‪ ،256‬الكامل‬
‫يف �ضعف ��اء الرج ��ال‪ ،‬البن عدي ‪ ،531/4‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪ ،246/2‬املغن ��ي عن احلفظ والكتاب‪ ،‬للمو�صلي‪،‬‬
‫�ص‪ ،403‬خال�صة البدر املنري‪ ،‬البن امللقن ‪.78/2‬‬
‫((( ممن نقل الإجماع‪ :‬ابن املنذر‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬والقرطبي‪ ،‬وابن قدامة‪ ،‬وغريهم‪ .‬انظر‪ :‬الإ�شراف‪ ،‬البن املنذر ‪،142/6‬‬
‫املحل ��ى‪ ،‬البن حزم ‪� ،348-347/6‬أحكام الق ��ر�آن‪ ،‬للقرطبي‪ ،241/3‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،240/4‬مو�سوعة الإجماع‪،‬‬
‫ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.169/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،37 /14‬الفواكه الدواين‪ ،‬للنفراوي ‪ ،89/2‬تكملة املجموع‪ ،‬للمطيعي ‪.170/13‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪.361/6‬‬
‫((( املنفعة يف القر�ض‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.341‬‬
‫(( ( تهذيب ال�سنن‪ ،‬البن القيم بحا�شية عون املعبود‪ ،‬للأبادي ‪.297/9‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.240/4‬‬
‫(( ( تهذيب ال�سنن‪ ،‬البن القيم بحا�شية عون املعبود‪ ،‬للأبادي ‪.297/9‬‬

‫‪267‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ينهى عما ينفعهم وي�صلحهم‪ ،‬و�إمنا ينهى عما ي�ضرهم»(‪.)1‬‬


‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬ع ��ن جابر بن �سم ��رة �أنه قال‪ :‬قال ر�س ��ول اهلل × ُّ‬
‫‪«:‬ال�س� � ْف َت َج ُ‬
‫ات‬
‫َح َرا ٌم» رواه ابن عدي(‪.)2‬‬
‫�صريحا عن ال�سفتجات(‪.)3‬‬ ‫ً‬ ‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن يف احلديث نه ًيا‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن احلديث ال يثبت عن النبي ×(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬ع ��ن زينب ام ��ر�أة عبداهلل بن م�سع ��ود ر�ضي اهلل عنهم ��ا‪ ,‬قالت‪:‬‬
‫هلل × َخ ْم ِ�س َني َو ْ�س ًقا تمَ ْ ًرا ِب َخ ْي�َبورَ َ َو ِع ْ�ش ِرينَ َ�ش ِع�ي ً�را‪َ ,‬قا َل ْت‪َ :‬ف َجا َءنيِ‬ ‫�ول ا ِ‬‫�أَ ْع َط� �انيِ َر ُ�س � ُ‬
‫ا�ص ُم ْبنُ َع ِد ٍّي ‪َ ,‬ف َق َال ليِ ‪َ :‬ه ْل َل ِك �أَنْ �أُو ِت َي ِك َما َل ِك ِب َخيْبرَ َ َها هُ َنا ِبالمْ َ ِدي َن ِة َف�أَ ْق َب َ�ض ُه ِم ْن ِك‬
‫َع ِ‬
‫اب‪,‬‬‫ِب َك ْي ِل� � ِه ِب َخيْبرَ َ ؟ َف َقا َل ْت‪ :‬اَل‪َ ،‬حتَّى �أَ ْ�س�أَ َل َعنْ َذ ِل � َ�ك‪َ ,‬قا َل ْت‪َ :‬ف َذ َك ْرتُ َذ ِل َك ِل ُع َم َر ْب ِن الخْ َ َّط ِ‬
‫ال�ض َم ِان ِفي َما َبينْ َ َذ ِل َك»رواه البيهقي(‪.)5‬‬ ‫َف َق َال‪ :‬اَ«ل َت ْف َع ِلي َف َك ْي َف َل ِك ِب َّ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الأث ��ر‪ :‬ب�أن هذه املعاملة التي ُ�سئل عنه ��ا عمر ‪� ‬سفتجة‪ ،‬وقد‬
‫نهى عنها؛ مما يدل على حترميها(‪.)6‬‬

‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.531/29‬‬


‫((( يف الكامل يف ال�ضعفاء ‪ .432/1‬واحلديث مو�ضوع؛ فيه عمر بن مو�سى الوجيهي وابن اجلالب تركهما الأئمة و�أنكروا‬
‫حديثهما‪ .‬انظر‪ :‬الكامل يف ال�ضعفاء‪ ،‬البن عدي‪ ،13/6 ،431/1‬املو�ضوعات‪ ،‬البن اجلوزي‪ ،249/2‬تنزيه ال�شريعة‪،‬‬
‫للكناين ‪.188/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬البناية �شرح الهداية‪ ،‬للعيني ‪.493/8‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث‪.‬‬
‫(( ( ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب ما جاء يف ال�سفاجت‪ ،‬برقم ‪ ،10945‬وعبدالرزاق يف م�صنفه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬يف باب‬
‫ال�س ْفتَجة‪ .‬والأثر �ضعيف؛ ففي ال�سند الذي رواه البيهقي يزيد بن جعدبة تركه الأئمة و�أنكروا حديثه‪ ،‬واتهم بالو�ضع‪.‬‬‫ُ‬
‫و�أم ��ا ال�سند ال ��ذي رواه عبدالرزاق ففيه �أبوعمي�س‪ ،‬ق ��ال عنه الأعظمي‪� « :‬أبو عمي�س هو عتب ��ة بن م�سعود من رجال‬
‫التهذيب‪ ،‬وهو اليروي عن ابن عبا�س فيما �أعلم‪ ،‬فال �أدري هل قوله‪(:‬عن ابن عبا�س) حمرف‪� ،‬أو هو وهم من بع�ض‬
‫أي�ضا»‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،224-223/32‬م�صنف عبدالرزاق ‪.141/8‬‬ ‫الرواة‪ ،‬ويف الإ�سناد ق�صور � ً‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪.35/14‬‬

‫‪268‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن الأث ��ر �ضعيف ال ي�صح االحتجاج به(‪ ،)1‬وق ��د روي عن بع�ض ال�صحابة‬
‫جواز هذه املعاملة(‪ ،)2‬ولي�س قول بع�ضهم حجة على بع�ض �إال بدليل‪.‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن ا�ش�ت�راط الوفاء يف غ�ي�ر بلد القر�ض يخرج عق ��د القر�ض عن‬
‫مو�ضوعه وهو الإرفاق‪ ،‬والقربة(‪.)3‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذا م�سلم لو كانت املنفعة متمح�ضة للمقر�ض‪ ،‬لكنها هنا م�شرتكة بني‬
‫املقر�ض واملقرت�ض‪ ،‬فال تخرجه عن مو�ضوعه(‪.)4‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫ال�س ْفتَجة(‪ ،)5‬فقد روي‬ ‫الدليل الأول‪ :‬الآثار الواردة عن ال�صحابة الدالة على جواز ُ‬
‫‪«:‬ل َب�أْ َ�س �أَنْ ُي ْع ِط � َ�ي المْ َ َال ِبالمْ َ ِدي َن ِة َو َي ْ�أ ُخ َذ ِب�إِ ْف ِري ِق َّي� � َة» رواه ابن �أبي �شيبة(‪،)6‬‬ ‫ع ��ن علي ‪ ‬اَ‬
‫وروي ع ��ن اب ��ن عبا�س وابن الزبري ر�ضي اهلل عنهما �أنهما كان ��ا اَ«ل َي َر َي ِان َب�أْ ً�سا �أَنْ ُي ْ�ؤ َخ َذ‬
‫�ال ِب�أَ ْر� ِ��ض الحْ ِ َج ��ازِ‪َ ،‬و ُي ْع َطى ِب َ�أ ْر ِ�ض ا ْل ِع� � َر ِاق �أَ ْو ُي�ؤْ َخ � َ�ذ ِب�أَ ْر ِ�ض ا ْل ِع� � َر ِاق‪َ ،‬و ُي ْع َطى ِب�أَ ْر ِ�ض‬
‫المْ َ � ُ‬
‫الحْ ِ َج ��ازِ» رواه ابن �أب ��ي �شيبة(‪ ،)7‬وعند عبدال ��رزاق‪�«:‬أَنَّ ا ْبنَ ال ُّز َبيرْ ِ َي ْ�س َت ِل � ُ�ف ِمنَ الت َُّّجا ِر‬

‫((( انظر تخريج الأثر‪.‬‬


‫(( ( فقد روي عن علي‪ ،‬وابن عبا�س‪ ،‬وابن الزبري جوازها‪ ،‬وتخريجها يف �أدلة القول الثاين‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املهذب‪ ،‬لل�شريازي ‪ ،84/2‬تكملة املجموع‪ ،‬للمطيعي ‪.170/13‬‬
‫((( املنفعة يف القر�ض‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.160‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.42/4‬‬
‫(( ( كت ��اب البي ��وع والأق�ضي ��ة‪ ،‬يف الرجل يعطي الرج ��ل الدرهم بالأر�ض وي�أخ ��ذ بغريها‪ ،‬برق ��م‪ .21021‬والأثر �ضعيف‪،‬‬
‫في ��ه عبيد اهلل بن عبدالرحم ��ن‪� ،‬ضعفه ابن معني‪ ،‬وقال الن�سائي‪ :‬لي�س بذاك الق ��وي‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي‬
‫‪ ،84/19‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪.12/3‬‬
‫((( كت ��اب البيوع والأق�ضية‪ ،‬يف الرجل يعطي الرجل الدرهم بالأر� ��ض وي�أخذ بغريها‪ ،‬برقم ‪ .21023‬والأثر �ضعيف‪ ،‬فيه‬
‫حج ��اج بن �أرط� ��أة‪� ،‬ضعفه ابن معني واب ��ن املديني والن�سائ ��ي والدارقطني وغريهم‪ .‬انظر‪ :‬تهذي ��ب الكمال‪ ،‬للمزي‬
‫‪ ،420/5‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪.459-458/1‬‬

‫‪269‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أَ ْم َو اًال‪ُ ،‬ث َّم َي ْكت ُُب َل ُه ْم �إِلىَ ا ْل ُع َّم ِال َق َال‪َ :‬ف َذ َك ْرتُ َذ ِل َك �إِلىَ ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ا�س‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬اَل َب�أْ َ�س ِب ِه»(‪.)1‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذه الآثار ال ت�صح عن ال�صحابة(‪ ،)2‬وما روي عن عمر ‪ ‬خمالف ملا‬
‫روي عنهم‪ ،‬ولي�س قول بع�ضهم حجة على بع�ض �إال بدليل‪.‬‬
‫ال�س ْفتَجة‪،‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن الأ�صل يف املعامالت احلل‪ ،‬ومل يرد دليل على حترمي ُ‬
‫و�أدلة املخالفني ال تقوى على حترميها‪.‬‬
‫ال�س ْفتَجة فيها منفعة على القر�ض‪ ،‬وق ��د دل الدليل على �أن كل قر�ض‬ ‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن ُ‬
‫جر نف ًعا فهو ربا(‪.)3‬‬
‫وق ��د �سب ��ق الإجابة على هذه املناق�شة ب�أن املنفعة املحرم ��ة هي املتمح�ضة للمقر�ض‬
‫ال�س ْفتَجة ال تخ�ص املقر�ض وحده‪ ،‬ب ��ل ينتفعان جمي ًعا‪،‬‬ ‫�إذا �شرطه ��ا يف العق ��د‪ ،‬ومنفع ��ة ُ‬
‫فكالهما ي�أمن خطر الطريق‪ ،‬مع زيادة انتفاع املقرت�ض بالقر�ض(‪.)4‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض القولني‪ ،‬و�أدلتهما‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني يل‪-‬‬
‫ال�س ْف َتجة‪ ،‬و�إن كانت ب�شرط؛ لأن‬ ‫واهلل �أعل ��م‪� -‬أن القول الراجح هو القول الث ��اين القائل بجواز ُ‬
‫ال�س ْف َتجة م�صلحة للطرفني‬ ‫الأ�ص ��ل يف املعامالت احلل‪ ،‬و�أدلة املخالفني مل تقو عل ��ى املنع‪ ،‬ويف ُ‬
‫دون م�ضرة ب�أحدهما‪«،‬وال�شارع ال ينهى عما ينفعهم وي�صلحهم‪ ،‬و�إمنا ينهى عما ي�ضرهم»(‪.)5‬‬

‫ال�س ْفتَجة‪ ،‬برقم‪ .14642‬والأثر �ضعيف؛ فهو من رواية ابن جريج عن عطاء‪ ،‬وابن جريج مدل�س‪،‬‬ ‫(( ( كت ��اب البي ��وع‪ ،‬باب ُ‬
‫قال الدارقطني‪«:‬جتنب تدلي�س ابن جريج ف�إنه قبيح التدلي�س ال يدل�س �إال فما �سمعه من جمروح»‪ ،‬ومع �أنه من �أثبت‬
‫أي�ضا؛ قال الإمام �أحمد‪«:‬كل �شئ يقول ابن جريج قال عطاء‪� ،‬أو عن عطاء ف�إنه‬ ‫النا� ��س يف عطاء‪� ،‬إال �أنه يدل� ��س عنه � ً‬
‫مل ي�سمع ��ه من عطاء»‪ .‬انظ ��ر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪ ،348/18‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪ ،659/2‬تهذيب التهذيب‪،‬‬
‫البن حجر ‪ ،405/6‬بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام �أحمد مبدح �أو ذم‪ ،‬البن عبدالهادي‪� ،‬ص‪.102‬‬
‫((( انظر تخريج الآثار‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،37 /14‬الفواكه الدواين‪ ،‬للنفراوي ‪ ،89/2‬تكملة املجموع‪ ،‬للمطيعي ‪.170/13‬‬
‫((( انظر‪ :‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪ ،240/4‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،531/29‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.295/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.531/29‬‬

‫‪270‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�س ْف َتجة‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف ُ‬
‫ال�س ْفتَجة ف�إن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت‬
‫عل ��ى القول الراجح الذي يجي ��ز ُ‬
‫ال�س ْف َتج ��ة لينتفع بها املقر� ��ض واملقرت�ض م ًعا؛ املقر�ض ينتفع ب�أمن خطر الطريق يف نقل‬
‫ُ‬
‫دراهمه �إىل ذلك البلد‪ ،‬وينتفع املقرت�ض �أي�ضا بالوفاء يف ذلك البلد و�أمن خطر الطريق‪،‬‬
‫ال�س ْفتَجة ف�إن الهند�سة‬
‫فكالهم ��ا منتفع بهذا االقرتا�ض(‪� ،)1‬أما على القول الذي يح ��رم ُ‬
‫ال�س ْفتَجة؛ لأنها قر�ض جر نف ًعا‬
‫ال�س ْفتَجة ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سب ��ب لتحرمي ُ‬
‫املالي ��ة يف ُ‬
‫ً‬
‫م�شروطا يف بداية العقد‪.‬‬

‫***‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫التورق‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف التورق‬
‫الت ��ورق يف اللغ ��ة م�أخوذ من ال َو َرق‪ ،‬وال َو َر ُق يطلق عل ��ى املال ً‬
‫عموما(‪ ،)1‬و يقال رجل‬
‫و ّراق �أي كثري املال‪ ،‬والـ ُم ْ�ستَو ِرق‪ :‬الذي يطلب الورق(‪.)2‬‬
‫والتورق يف اال�صطالح هو‪�«:‬أن ي�شرتي �سلعة ن�سيئة‪ ،‬ثم يبيعها نقدا لغري البائع ب�أقل‬
‫مما ا�شرتاها به؛ ليح�صل بذلك على النقد»(‪.)3‬‬
‫وم�صطلح التورق خا�ص باملذهب احلنبلي(‪� ،)4‬أما املذاهب الفقهية الأخرى فيذكرون‬
‫�صورة التورق �أثناء كالمهم عن العينة(‪.)5‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق‬
‫�إقرا� ��ض امل ��ال و�أخ ��ذ الزيادة علي ��ه رب ��ا‪ ،‬ولي�سلم بع� ��ض النا�س من الرب ��ا يقومون‬
‫با�ستخدام احليل ��ة‪� ،‬أو‪ ‬املخرج ال�شرعي‪ ،‬با�شرتاء �سلعة من البائع‪ ،‬بثمن م�ؤجل ثم بيعها‬
‫لغريه نقدً ا بثمن �أقل‪ ،‬فالهند�سة املالية تكون بتعديل املعاملة با�ستخدام احليلة �أو املخرج‬
‫بدل من التعامل بالربا‪.‬‬ ‫ليح�صل على املال عن طريق البيع اً‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم التورق‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم بيع التورق على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.101/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪ ،375/10‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬للرازي‪� ،‬ص‪.336‬‬ ‫((( ‬
‫املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪ ،147/14‬معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.153‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪� ،316/6‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪.26/2‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪ ،211/7‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪ ،404/4‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.79/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪272‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫القول الأول‪� :‬أن بيع التورق جائز‪ .‬وهو مذهب احلنفية(‪ ،)1‬وامل�شهور عند املالكية(‪،)2‬‬
‫ومذهب ال�شافعية(‪ ،)3‬واحلنابلة(‪.)4‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن بيع التورق مكروه‪ .‬وهو قول عند احلنفية(‪ ،)5‬وقول عند املالكية(‪،)6‬‬
‫ورواية عند احلنابلة(‪ ،)7‬اختارها ابن تيميه يف �أحد قوليه(‪.)8‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أن بيع التورق حمرم‪ .‬وهو رواية عند احلنابلة(‪ ،)9‬اختارها ابن تيمية‬
‫يف �أ�شهر قوليه(‪ ،)10‬واختارها ابن القيم(‪.)11‬‬

‫((( انظر‪ :‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪ ،213/7‬حا�شية ابن عابدين ‪.326/5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،42/2‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.404/4‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافع ��ي ‪ ،79/3‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪ .418 /3‬ال�شافعية يرون ج ��واز بيع العينة‪ ،‬والتورق من باب‬
‫�أوىل‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪� ،337 /4‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪.26/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،163/4‬حا�شية ابن عابدين ‪.325 /5‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬مواه ��ب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪� .404/4‬إذا مل يكن من �أهل العين ��ة فامل�شهور عند املالكية جواز التورق‪ ،‬وعندهم‬
‫قول بالكراهة قال احلطاب‪«:‬وامل�شهور �أنه جائز وقول ابن مزين‪� :‬إنه مكروه ومل يحك ابن ر�شد يف جوازه خالفا»‪� ،‬أما‬
‫�إن كان من �أهل العينة فاملذهب الكراهة؛ لأن �أهل العينة يتهمون فيما ال يتهم فيه �أهل ال�صحة‪ ،‬قال ابن ر�شد‪«:‬وذلك‬
‫جائ ��ز لغري �أهل العينة»‪ .‬انظر‪ :‬مواه ��ب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪� ،404/4‬شرح خمت�صر خلي ��ل‪ ،‬للخر�شي ‪ ،106/5‬ال�شرح‬
‫الكبري‪ ،‬للدردير ‪.89/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪ ،316/6‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪337/4‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬جمم ��وع الفت ��اوى ‪ .447 ،431،442 ،303/29‬قال ابن تيمية‪«:‬وق ��د اختلف العلم ��اء يف كراهته فكرهه عمر‬
‫ب ��ن عب ��د العزيز وطائفة من �أهل املدينة‪ :‬من املالكية وغريهم‪ .‬وهو �إح ��دى الروايتني عن �أحمد ورخ�ص فيه �آخرون‬
‫والأقوى كراهته» جمموع الفتاوى ‪.302 /29‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪ ،337/4‬امل�ستدرك على جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.9/4‬‬
‫(‪ ((1‬انظ ��ر‪ :‬الفت ��اوى الكربى‪ ،‬البن تيمي ��ة ‪ ،392/5‬االختيارات الفقهي ��ة‪ ،‬للبعلي‪� ،‬ص‪� ،190‬إع�ل�ام املوقعني البن القيم‬
‫‪ ،135/3‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪.316/6‬‬
‫(‪ ((1‬انظر‪� :‬إعالم املوقعني البن القيم ‪.157 ،135/3‬‬

‫‪273‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫الدليل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ (‪.)1‬‬
‫وجه الداللة من الآية‪ :‬دلت الآية على �أن الأ�صل يف البيع الإباحة‪� ،‬إال ما قام الدليل‬
‫على منعه‪ ،‬والتورق داخل يف عموم البيع‪ ،‬ومل يقم دليل على منعه(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن الأ�صل يف املعامالت احلل‪ ،‬يقابل ��ه �أن الأ�صل يف احليل التحرمي‪ ،‬وهو‬
‫�أخ�ص من الأ�صل الأول‪ ،‬واخلا�ص مقدم على العام‪ ،‬وال نزاع يف �أن التورق حيلة للح�صول‬
‫على النقد‪ ،‬فهو حمرم حتى يثبت الدليل على خالف ذلك(‪.)3‬‬
‫�أجي ��ب‪ :‬ب� ��أن احليل املحرمة ه ��ي املو�صلة للمحظ ��ور‪� ،‬أما احليل للف ��رار من املحظور‪،‬‬
‫جل ْم� � َع ِبال َّدرَاهِ � � ِم‪ُ ،‬ث� � َّم ا ْب َت ْع‬
‫واحل�ص ��ول عل ��ى املب ��اح فلي�ست حمرم ��ة‪ ،‬كم ��ا يف حديث« ِب� � ْع ا َ‬
‫ِبال َّدرَاهِ � � ِم َجنِي ًب ��ا»(‪ ،)4‬واحل�صول عل ��ى النقد ال يعد حمظو ًرا؛ فالنب ��ي× �أر�شد الرجل �أن‬
‫يبيع التمر الرديء ليح�صل على اجليد‪ ،‬وكذلك الذي يبيع بال�سلم‪� ،‬أو غريها من البيوع يريد‬
‫النقد‪ ،‬فاحليلة يف التورق لي�ست حمرمة فهي للفرار من املحظور‪ ،‬واحل�صول على مباح(‪.)5‬‬
‫ول‬ ‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬عن �أب ��ي �سعيد اخلدري‪ ،‬و�أبي هريرة ر�ض ��ي اهلل عنهما‪�:‬أَنَّ َر ُ�س َ‬
‫�ول اللهَّ ِ ×‪�« :‬أَ ُك ُّل‬ ‫اللهَّ ِ × ْ‬
‫ا�س َت ْع َم � َ�ل َر ُج�ًل�ااً َع َلى َخ ْي�َب�ررَ َ ‪َ ،‬ف َجا َء ُه ِب َت ْم ٍر َج ِني � ٍ�ب‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س � ُ‬
‫ال�ص َاعينْ ِ ‪،‬‬ ‫ال�صا َع ِم ��نْ َه َذا ِب َّ‬ ‫ول اللهَّ ِ ِ�إ َّنا َل َن�أْ ُخ ُذ َّ‬
‫تمَ ْ � � ِر َخ ْي�َب�رَ َ َه َك� � َذا؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ال َواللهَّ ِ َي ��ا َر ُ�س َ‬
‫جل ْم� � َع ِبال َّد َراهِ � ِ�م‪ُ ،‬ث َّم ا ْب َت ْع‬ ‫�ول اللهَّ ِ ×‪َ « :‬ال َت ْف َع ْل‪ِ ،‬ب ْع ا َ‬ ‫ال�ص َاع�ْي نِْ�ن ِبال َّث َال َث� � ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س � ُ‬
‫َو َّ‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.275‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن باز ‪.96/19‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.377‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.39‬‬
‫(( ( انظر‪:‬حك ��م التورق كم ��ا جتريه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬للمني ��ع‪ ،‬من�شور �ضمن �أعمال وبحوث ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة‬
‫للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬ه‪.349-348/2 ،‬‬

‫‪274‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ِبال َّد َراهِ ِم َجنِي ًبا» متفق عليه(‪.)1‬‬


‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن الرجل يف ه ��ذا احلديث يريد بي ��ع التمر الرديء‬
‫للح�ص ��ول على الدراه ��م‪ ،‬وهو ال يريدها �إمنا يري ��د اخلروج من مبادل ��ة التمر الرديء‬
‫بالتم ��ر اجلي ��د‪ ،‬وه ��ذا ال يقدح يف �صحة البي ��ع ما دام �أن ��ه باع التمر ال ��رديء على غري‬
‫ال�شخ� ��ص الذي ا�شرتى منه التمر اجلي ��د‪ ،‬فكذلك املتورق ي�شرتي ال�سلعة للح�صول على‬
‫امل ��ال‪ ،‬وه ��و ال يريد ال�سلعة �إمن ��ا يريد اخلروج من مبادلة املال بامل ��ال‪ ،‬وهذا ال يقدح يف‬
‫�صحة البيع ما دام �أنه باع ال�سلعة لغري بائعها الأول(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن ه ��ذا احلديث ي�ستدل به على جمي ��ع �صور العينة الثنائي ��ة‪ ،‬والثالثية‪،‬‬
‫والت ��ورق‪ ،‬وجمهور املجيزين للتورق ال يجيزون بقية �صور العينة‪ ،‬فما كان جوا ًبا لهم عن‬
‫هذا احلديث فهو جواب للمانعني منها مطل ًقا(‪.)3‬‬
‫�أجيب‪ :‬ب�أن العينة الثنائية والثالثية فيها التواط�ؤ على عود ال�سلعة للبائع‪ ،‬فهي حيلة‬
‫للتو�ص ��ل للربا‪ ،‬لذلك ه ��ي حمرمة‪� ،‬أما الت ��ورق فلي�س فيه �شيء من ذل ��ك(‪ ،)4‬و�إمنا فيه‬
‫وغرما‪ ،‬فبني ال�صورتني فرق وا�ضح‪.‬‬ ‫متلك للمبيع متل ًكا حقيق ًيا‪ ،‬غن ًما ً‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أن احلاجة ما�س ��ة للتعامل بالت ��ورق(‪)5‬؛ «لأن املحتاج يف الأغلب ال‬
‫يج ��د من ي�ساعده يف ق�ضاء حاجته بالت�ب�رع وال بالقر�ض‪ ،‬فحينئذ ت�شتد حاجته �إىل هذه‬
‫املعاملة حتى يتخل�ص مما قد �شق عليه يف ق�ضاء دين ونحوه»(‪.)6‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.39‬‬
‫((( انظر‪ :‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪.464-463/11‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.370‬‬
‫(( ( انظر‪:‬حك ��م التورق كم ��ا جتريه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬للمني ��ع‪ ،‬من�شور �ضمن �أعمال وبحوث ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة‬
‫للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬ه‪.349/2 ،‬‬
‫((( انظر‪� :‬أبحاث هيئة كبار العلماء ‪.359/4‬‬
‫((( جمموع فتاوى ابن باز ‪.99/19‬‬

‫‪275‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق�ش‪ :‬ب�أن جمرد احلاجة ال يكفي ال�ستباحة املحرم‪ ،‬ورفع احلرج ال ريب فيه‪ ،‬لكنه‬
‫ي�ستلزم �سد �أبواب الربا؛ لأن الربا من �أعظم م�صادر احلرج‪ ،‬ويف �أنواع املبادالت النافعة‬
‫غنية عن احلرام(‪.)1‬‬
‫�أجي ��ب‪ :‬ب� ��أن التورق معاملة جائ ��زة؛ «لأن الرجل ي�شرتي ال�سلع ��ة ويكون غر�ضه �إما‬
‫ع�ي�ن ال�سلعة و�إما عو�ضها‪ ،‬وكالهما غر�ض �صحي ��ح»(‪ ،)2‬وهو خمرج �شرعي عن التعامل‬
‫بالربا(‪ ،)3‬وال يثبت دليل على حترميه‪.‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪ :‬قال ابن تيمية‪ «:‬امل�شرتي ال ��ذي غر�ضه التجارة �أو غر�ضه االنتفاع‬
‫�أو القني ��ة فهذا يجوز �شرا�ؤه �إىل �أجل باالتفاق»(‪ )4‬فكم ��ا يجوز للتاجر �أن ي�شرتي ال�سلعة‬
‫ليح�صل على املال‪ ،‬فكذلك املحتاج يجوز له �أن ي�شرتي ال�سلعة ليح�صل على املال‪ ،‬بل هو‬
‫�أوىل‪ ،‬فالتاجر يريد تكثري ماله‪ ،‬وهذا يريد دفع حاجته‪.‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن هذا قيا� ��س لل�شيء على �ض ��ده‪ ،‬فالتاج ��ر مق�صوده الرب ��ح‪ ،‬واملتورق‬
‫مق�صوده اخل�سارة‪ ،‬فالتاجر يبيع لريبح‪ ،‬واملتورق يبيع ليح�صل على النقد احلا�ضر‪ ،‬وال‬
‫ميكن ح�صوله عليه �إال بخ�سارته‪ ،‬فكيف يقا�س هذا على هذا؟(‪.)5‬‬
‫يجاب‪ :‬ب�أن بيع املتورق لل�سلعة ال خ�سارة فيه فهو يبيعها بثمنها احلا�ضر‪� ،‬أما الزيادة‬
‫يف ال�سلع ��ة عند البائع الأول فهو يف مقابلة الأج ��ل‪ ،‬فثمن ال�سلعة م�ؤجلة يزيد على ثمنها‬
‫يف احلا�ض ��ر‪ ،‬كما �أنه يف ال�سل ��م يبيع امل�سلم فيه امل�ؤجل بثمن �أقل حا�ض ًرا‪ ،‬فال ظلم على‬
‫املتورق‪ ،‬وال خ�سارة عليه‪.‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.378-377‬‬


‫((( املداينة‪ ،‬البن عثيمني‪� ،‬ص‪.7‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬الت ��ورق كما جتريه امل�ص ��ارف‪ ،‬ملحمد القري‪ ،‬من�شور �ضم ��ن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابع ��ة ع�شرة للمجمع‬
‫الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬ه‪.642/2 ،‬‬
‫((( جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.30/29‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.376-375‬‬

‫‪276‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الثاين والثالث‪:‬‬


‫�أدلة القائلني بالكراهة‪ ،‬والقائلني بالتحرمي‪ ،‬واحدة‪ ،‬فابن تيمية ذكر نف�س الأدلة يف‬
‫اختياره لرواية الكراهة(‪ ،)1‬واختياره لرواية التحرمي(‪.)2‬‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن علي بن �أبي طالب ‪ ‬قال‪َ « :‬نهَى ال َّن ِب ُّي × َعنْ َب ْي ِع المْ ُ ْ�ض � َ�ط ِّر»‬
‫رواه �أبو‪ ‬داود وغريه(‪.)3‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أن النبي ‪ ‬نهى عن بي ��ع امل�ضطر‪ ،‬واملتورق م�ضطر‬
‫لبيع ال�سلعة فيدخل يف النهي(‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن احلديث �ضعيف ال تقوم به حجة(‪ ،)5‬والذي ي�ش�ت�ري ال�سلعة ثم يبيعها‬
‫بغر� ��ض احل�ص ��ول على النق ��د‪ ،‬قد ال يكون م�ضط� � ًرا على كل حال‪ ،‬بل ق ��د يكون غر�ضه‬
‫للنقد لأمر حاجي‪� ،‬أو �أمر تكميلي‪ ،‬كما هو م�شاهد من حال املتعاملني بالتورق‪ ،‬فال ي�صح‬
‫اطراد حكم بيع امل�ضطر على بيع التورق(‪.)6‬‬
‫ول اللهَّ ِ × َي ُق ُ‬
‫ول‪�« :‬إِ َذا َت َبا َي ْع ُت ْم‬ ‫(�س ِم ْع ُت َر ُ�س َ‬ ‫الدليل الثاين‪ :‬عن ابن عمر ×‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫اب ا ْل َب َقرِ‪َ ،‬و َر ِ�ضي ُت ْم ِبال َّز ْر ِع‪َ ،‬و َت َر ْك ُت ُم الجْ ِ هَادَ‪�َ ،‬س َّل َط اللهَّ ُ َعلَ ْي ُك ْم ُذلاًّ لاَ‬
‫ت �أَ ْذ َن َ‬
‫ِبا ْلعِي َنةِ‪َ ،‬و�أَ َخ ْذ مُ ْ‬
‫َي ْن ِز ُع ُه َح َّتى َت ْرجِ ُعوا �إِلىَ دِي ِن ُك ْم»)رواه �أبو داود وغريه(‪.)7‬‬

‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪.50-45/6‬‬


‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.447 ،442 ،431 ،303/29‬‬
‫((( كتاب البيوع‪ ،‬باب يف بيع امل�ضطر‪ ،‬برقم ‪� ،3382‬أحمد‪ ،‬م�سند علي بن �أبي طالب ‪ ،‬برقم ‪ .937‬واحلديث �ضعيف‪ ،‬يف‬
‫�سنده �صالح بن عامر‪ ،‬قال عنه الذهبي‪« :‬نكرة‪ ،‬بل ال وجود له»‪ ،‬ويف ال�سند �شيخ من بني متيم جمهول‪ ،‬قال اخلطابي‪«:‬يف‬
‫�إ�سناده رجل جمهول ال ندري من هو»‪.‬انظر‪ :‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي ‪ ،295/2‬معامل ال�سنن‪ ،‬للخطابي ‪.75/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفتاوى الكربى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،50/6‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.135/3‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بيع التق�سيط و�أحكامه‪ ،‬ل�سليمان الرتكي‪� ،‬ص‪.71‬‬
‫((( �سبق تخريج احلديث �ص ‪.218‬‬

‫‪277‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن النبي × نهى ع ��ن العينة‪ ،‬والتورق �شقيقة العينة‪،‬‬
‫�شرعا(‪.)1‬‬
‫و�صورة من �صورها‪ ،‬وهذا ي�ستلزم ذم التورق ً‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن احلديث �ضعيف ال ي�صل ��ح لالحتجاج به(‪ ،)2‬وهناك ف ��رق بني التورق‬
‫والعينة‪ ،‬من جهة �أن امل�شرتي لل�سلعة غري البائع الأول؛ قال ابن القيم‪«:‬ف�إن ا�شرتاها منه‬
‫بائعه ��ا كانت عين ��ة و�إن باعها من غريه فهي التورق»(‪ .)3‬ومن جه ��ة �أن البيع مق�صود يف‬
‫معلوما عند البائع‪ ،‬بعك�س العينة التي‬
‫التورق‪ ،‬وق�صد املتورق يف �شراء ال�سلعة قد ال يكون ً‬
‫تتم باالتفاق بني البائع وامل�شرتي على عود ال�سلعة للبائع(‪ ،)4‬فهي دراهم بدراهم بينهما‬
‫�سلعة‪ ،‬والبيع غري مق�صود‪.‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬ما رواه عبدال ��رزاق يف م�صنفه عن ابن عبا�س قال‪�«:‬إذا ا�ستقمت‬
‫بنق ��د‪ ،‬وبع ��ت بنقد‪ ،‬فال ب�أ�س به‪ ،‬و�إذا ا�ستقمت بنقد فبع ��ت بن�سيئة‪ ،‬فال‪� ،‬إمنا ذلك ورق‬
‫بورق»)‪.‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من الأثر‪� :‬أن كالم ابن عبا� ��س ي�صدق على املتورق فهو يقوم ال�سلعة‬
‫بنقد ويبتاعها بن�سيئة فمق�صوده دراهم بدراهم‪ ،‬يقوم ال�سلعة يف احلال ثم ي�شرتيها �إىل‬
‫�أجل ب�أكرث من ذلك(‪.)5‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن هذا املعنى غري مراد بهذا الأث ��ر؛ لأن تف�سريه على هذا املعنى �سيمنع‬
‫البي ��ع �إىل �أجل بثم ��ن �أكرث‪ ،‬وقد نقل ابن تيمية الإجماع على جوازه(‪ ،)6‬واملعنى املراد من‬
‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪ ،157/3‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪� ،‬ص‪.341‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث �ص‪.218‬‬
‫(( ( تهذيب ال�سنن‪ ،‬البن القيم بحا�شية عون املعبود‪ ،‬للأبادي ‪.250/9‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التورق الفقهي وتطبيقاته املعا�صرة‪ ،‬لعثمان �شبري‪� ،‬ص‪.10‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.442/29‬‬
‫(( ( املرج ��ع ال�ساب ��ق ‪ .449/29‬وفيه‪«:‬و�سئ ��ل ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬عن رجل حمتاج �إىل تاجر عن ��ده قما�ش فقال‪� :‬أعطني هذه‬
‫القطعة فقال التاجر م�شرتاها بثالثني وما �أبيعها �إال بخم�سني �إىل �أجل فهل يجوز ذلك؟ �أم ال؟ ف�أجاب‪ :‬امل�شرتي على =‬

‫‪278‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الأثر هو ما قاله �أبو‪ ‬عبيد(‪�«:)1‬أن يدفع الرجل �إىل الرجل الثوب فيقومه بثالثني ثم يقول‪:‬‬
‫بعه بها فما زدت عليها فلك‪ ،‬ف�إن باعه ب�أكرث من ثالثني بالنقد فهو جائز‪ ،‬وي�أخذ ما زاد‬
‫عل ��ى الثالث�ي�ن‪ ،‬و�إن باعه بالن�سيئة ب�أكرث مم ��ا يبيعه بالنقد فالبيع م ��ردود ال يجوز»(‪،)2‬‬
‫وي�ؤي ��د ه ��ذا املعنى للأثر الرواية الأخرى ل ��ه عن ابن عبا�س ‪�«:‬أن ��ه كان ال يرى ب� ًأ�سا‬
‫�أن يدف ��ع الرجل �إىل الرجل الثوب فيقول‪ :‬بعه بكذا وكذا فما زدت فهو لك»(‪ .)3‬وقد �أورد‬
‫عبدالرزاق الأثر يف م�صنفه حتت باب «الرجل يقول‪ :‬بع هذا بكذا‪ ،‬فما زاد فلك‪ ،‬وكيف‬
‫�إن باعه بدين؟»(‪ ،)4‬وهذا املعنى ال ي�صدق على التورق‪.‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن املعنى الذي لأجله ح ��رم الربا موجود يف التورق؛ ف�إن اهلل حرم‬
‫�أخذ دراهم بدراهم �أكرث منها �إىل �أجل؛ ملا يف ذلك من �ضرر املحتاج و�أكل ماله بالباطل‪،‬‬
‫وهذا املعنى موجود يف التورق‪ ،‬و�إمنا الأعمال بالنيات(‪.)5‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن هذا تعلي ��ل باحلكمة‪ ،‬واحلكمة ال تن�ضبط‪ ،‬وال ت ��دور مع احلكم وجودًا‬
‫وعدم ��ا(‪ ،)6‬وق�صد املتورق للدراهم ال يوج ��ب حترمي التورق؛ «لأن مق�صود التجار غال ًبا‬ ‫ً‬
‫=ثالث ��ة �أن ��واع‪� :‬أحدها‪� :‬أن يكون مق�صوده ال�سلعة ينتفع بها للأكل وال�شرب واللب�س والركوب وغري ذلك‪ .‬والثاين‪� :‬أن‬
‫يكون مق�صوده التجارة فيها فهذان نوعان جائزان بالكتاب وال�سنة والإجماع»‪.‬‬
‫((( ه ��و �أبو عبي ��د القا�سم بن �سالم البغدادي‪ ،‬ولد �سن ��ة ‪157‬هـ‪ ،‬كان �إماما يف اللغة والفق ��ه واحلديث والقراءات‪ ،‬قال‬
‫�إ�سح ��اق بن راهويه‪�«:‬أبو عبيد �أو�سعنا علما‪ ،‬و�أكرثنا �أدب ��ا‪ ،‬و�أجمعنا جمعا»‪ ،‬وقال عبد اهلل بن �أحمد بن حنبل‪« :‬كتب‬
‫�أب ��ي كتاب» غري ��ب احلديث «الذي �ألفه �أب ��و عبيد �أوال»‪ ،‬ويل �أبو عبي ��د ق�ضاء طر�سو�س‪ ،‬وم ��ن ت�صانيفه‪« :‬الأموال»‪،‬‬
‫و«غريب احلديث»‪ ،‬تويف �سنة ‪224‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي ‪� .354/23‬سري �أعالم النبالء‪ ،‬للذهبي ‪.490/10‬‬
‫(( ( غري ��ب احلدي ��ث‪ ،‬لأبي عبيد القا�س ��م بن �سالم ‪ .232/4‬وانظ ��ر‪ :‬الفائق يف غريب احلدي ��ث‪ ،‬للزخم�شري ‪،235/3‬‬
‫النهاية يف غريب احلديث والأثر‪ ،‬البن الأثري ‪.125/4‬‬
‫((( غريب احلديث‪ ،‬لأبي عبيد القا�سم بن �سالم ‪ ،232/4‬ورواه البيهقي يف ال�سنن الكربى‪ ،‬كتاب الإجارة‪ ،‬باب ال جتوز‬
‫الإجارة حتى تكون معلومة‪ ،‬وتكون الأجرة معلومة‪ ،‬برقم‪.11656‬‬
‫((( م�صنف عبدالرزاق ‪.234/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،434 /29‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.135/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التورق كما جتريه امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬لل�سعيدي‪� ،‬ص‪.22‬‬

‫‪279‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يف املعام�ل�ات هو حت�صيل نقود �أك�ث�ر بنقود �أقل‪ ،‬وال�سلع املبيعة ه ��ي الوا�سطة يف ذلك‪،‬‬
‫و�إمن ��ا مين ��ع مثل هذا العق ��د �إذا كان البيع وال�ش ��راء من �شخ�ص واح ��د كم�س�ألة العينة‪،‬‬
‫ف� ��إن ذلك يتخذ حيلة عل ��ى الربا»(‪ ،)1‬وما ذكرمت من ال�ضرر عل ��ى املحتاج بزيادة الثمن‬
‫علي ��ه الذي كان من البائع الأول‪ ،‬و�أنه �أكل للمال بالباط ��ل‪ ،‬موجود فيمن ا�شرتى ال�سلعة‬
‫للتج ��ارة‪� ،‬أو للقنية(‪ ،)2‬ومع ذلك ال تقولون بتحرميها(‪ ،)3‬وهذه الزيادة يف الثمن ال �ضرر‬
‫فيه ��ا‪ ،‬وال �أكل للمال بالباطل‪ ،‬لأنها مبقابلة الأجل‪ ،‬فثمن ال�سلعة م�ؤجلة يزيد على ثمنها‬
‫يف احلا�ض ��ر‪ ،‬كما �أنه يف ال�سلم يبيع امل�سلم في ��ه امل�ؤجل بثمن �أقل حا�ض ًرا‪ ،‬والبيع الثاين‬
‫الذي يتم لغري البائع يكون ب�سعر ال�سلعة احلا�ضر‪ ،‬فال �ضرر‪ ،‬وال ظلم فيه على املتورق‪.‬‬
‫الرتجي ��ح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلتها‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني‬
‫يل ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الأول القائل �أن بيع التورق جائز؛ وذلك لأن الأ�صل‬
‫يف املعام�ل�ات ال�صحة واجلواز‪ ،‬وللم�صلحة التي يحققها الت ��ورق جلمهور النا�س‪ ،‬و�أدلة‬
‫املانعني ال تقوى على املنع كما تبني يف مناق�شتها‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف التورق‬
‫على القول الراجح الذي يجيز التورق ف�إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت التورق‬
‫خمرج ��ا �شرع ًيا عن الربا‪ ،‬ي�ستفيد البائع الربح‪ ،‬ويح�ص ��ل امل�شرتي على املال‪ ،‬وال�سلعة‬ ‫ً‬
‫ت ��دار يف ال�سوق‪� ،‬أما على القول الذي يحرم التورق ف�إن الهند�سة املالية يف التورق ال تعد‬
‫�إ�سالمي ��ة‪ ،‬وه ��ي �سب ��ب يف حترميه؛ لأنها حيل ��ة للتو�صل للربا‪ ،‬فه ��ي ال تختلف عن حكم‬
‫العينة‪.‬‬

‫((( جمموع فتاوى ابن باز ‪.51-50/19‬‬


‫((( انظر‪ :‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان‪.472-471/11‬‬
‫(( ( ق ��ال اب ��ن تيمية‪«:‬امل�ش�ت�ري الذي غر�ضه التجارة �أو غر�ض ��ه االنتفاع �أو القنية فهذا يجوز �ش ��را�ؤه �إىل �أجل باالتفاق»‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪.30/29‬‬

‫‪280‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫اإلجارة الموصوفة في الذمة‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‬
‫قب ��ل تعري ��ف م�صطل ��ح الإج ��ارة املو�صوف ��ة يف الذمة‪ ،‬البد م ��ن تعري ��ف الإجارة‪،‬‬
‫والو�صف‪ ،‬والذمة الكلمات التي يرتكب منها هذا امل�صطلح‪.‬‬
‫فالإج ��ارة يف اللغة م�شتقة من الأجر‪ ،‬وه ��و اجلزاء على العمل(‪ ،)1‬قال ابن منظور‪«:‬‬
‫الأج ��ر‪ :‬اجلزاء على العمل‪ ،‬واجلمع �أجور‪ .‬والإجارة‪ :‬من �أَ َج َر َي�أْ ِج ُر‪ ،‬وهو ما �أعطيت من‬
‫�أجر يف عمل»(‪.)2‬‬
‫والإج ��ارة يف اال�صطالح هي‪ :‬عقد على منفع ��ة مباحة معلومة‪ ،‬مدة معلومة‪ ،‬بعو�ض‬
‫معلوم(‪.)3‬‬
‫وتعريف ��ات الإج ��ارة يف املذاهب الفقهي ��ة قريبة من هذا التعري ��ف‪ ،‬و�إن اختلفت يف‬
‫اللفظ قليل(‪.)4‬‬
‫والو�صف‪ :‬يراد به تبيني ال�شيء‪ ،‬وحتليته‪ ،‬وجتليته(‪ ،)5‬قال ابن فار�س‪«:‬الواو وال�صاد‬
‫والفاء‪� :‬أ�صل واحد‪ ،‬هو حتلية ال�شيء»(‪ ،)6‬والتحلية هنا مبعنى التجلية‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬العني‪ ،‬للفراهيدي ‪ ،173/6‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪ ،62/1‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.10/4‬‬
‫((( ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.10/4‬‬
‫((( منتهى الإرادات‪ ،‬البن النجار ‪.339/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬بداية املبتدي‪ ،‬للمرغيناين‪� ،‬ص‪ ،186‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪� ،389/5‬أ�سنى املطالب‪ ،‬للأن�صاري ‪،403/2‬‬
‫�شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي‪.241/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪ ،115/6‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.356/9‬‬
‫((( معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.115/6‬‬

‫‪281‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫والذم ��ة‪ :‬العه ��د؛ لأن الإن�سان يذم عل ��ى �إ�ضاعته منه(‪« ،)1‬ومنهم م ��ن جعلها و�ص ًفا‬
‫فعرفها ب�أنها و�صف ي�صري ال�شخ�ص به �أهلاً للإيجاب له وعليه‪ ،‬ومنهم من جعلها ذا ًتا‪،‬‬
‫فعرفها ب�أنها نف�س لها عهد»(‪.)2‬‬
‫و�أما الإجارة املو�صوفة يف الذمة فلم يفرد لها الفقهاء املتقدمون تعري ًفا م�ستقلاً ؛ بل‬
‫يكتفون بتعريف الإجارة ثم يذكرونها يف �أق�سامها؛ حيث تنق�سم الإجارة �إىل �إجارة عني‬
‫معينة‪� ،‬أو‪ ‬مو�صوفة يف الذمة (‪ ،)3‬والإجارة املو�صوفة يف الذمة تخت�ص يف كون العني التي‬
‫ي ��راد االنتفاع بها غري معينة‪ ،‬بل مو�صوفة يف ذمة امل�ؤج ��ر‪ ،‬وميكن �أن تعرف ب�أنها‪ :‬عقد‬
‫على منفعة مباحة‪ ،‬متعلقة بذمة امل�ؤجر‪ ،‬مدة معلومة‪ ،‬بعو�ض معلوم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‬
‫الأ�صل يف الإجارة �أن تكون منجزة‪ ،‬و�أن تكون العني معينة‪ ،‬ف�إذا مل ين�ص على بداية‬
‫العق ��د‪ ،‬ف�إن الإجارة تبد�أ م ��ن وقت العقد‪ ،‬وتكون منجزة‪ ،‬ف� ��إن �أطلق‪ ،‬ومل يذكر الذمة‪،‬‬
‫كانت �إجارة عني معين ��ة(‪ ،)4‬والإجارة املو�صوفة يف الذمة تطوير وهند�سة لعقد الإجارة‪،‬‬
‫فالإجارة فيها غري منجزة‪ ،‬بل م�ضافة �إىل امل�ستقبل‪ ،‬والعني فيها غري معينة‪ ،‬بل مو�صوفة‬
‫مبنى ذا �أو�صاف حم ��ددة لإقامة م�شروع معني فيه‪،‬‬ ‫يف ذم ��ة امل�ؤجر(‪ ،)5‬كما ل ��و ا�ست�أجر ً‬
‫فامل�ؤج ��ر ي�ضمن ت�أج�ي�ر املبنى قبل وجوده‪ ،‬وامل�ست�أجر ينتفع ب�أن ��ه قد ال يجد النقد لبناء‬
‫املبن ��ى باملوا�صف ��ات املطلوبة لإقامة امل�ش ��روع‪ ،‬فيتمكن عن طريق الإج ��ارة املو�صوفة يف‬
‫الذمة �أن يتعاقد مع م�ؤجر مقتدر يحقق له ذلك‪.‬‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬معج ��م مقايي�س اللغة‪ ،‬الب ��ن فار�س ‪ ،346/2‬ل�سان الع ��رب‪ ،‬البن منظ ��ور ‪ ،221/12‬التعريفات‪ ،‬للجرجاين‪،‬‬
‫�ص‪.107‬‬
‫((( التعريفات‪ ،‬للجرجاين‪� ،‬ص‪.107‬‬
‫((( انظر‪ :‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،167/2‬احلاوي‪ ،‬للماوردي ‪� ،258/4‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي‪.241/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املو�سوعة الفقهية الكويتية ‪.256/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.328‬‬

‫‪282‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطل��ب الثالث‪:‬درا�س��ة للهند�س��ة املالي��ة الإ�سالمي��ة يف الإج��ارة‬


‫املو�صوفة يف الذمة‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪ ،‬وت�أجيل الأجرة فيها‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة على قولني‪:‬‬
‫الق ��ول الأول‪� :‬إن الإج ��ارة املو�صوف ��ة يف الذم ��ة جائ ��زة‪ .‬وه ��و مذه ��ب املالكية(‪،)1‬‬
‫وال�شافعية(‪ ،)2‬واحلنابلة(‪.)3‬‬
‫القول الثاين‪� :‬إن الإجارة املو�صوفة يف الذمة حمرمة‪ .‬وهو مذهب احلنفية(‪.)4‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الأول‪� :‬أنه كما يجوز �أن يبيع البائع �سلعة مو�صوفة يف الذمة‪ ،‬يجوز �أن‬
‫ي�ؤجر منفعة عني مو�صوفة يف الذمة(‪.)5‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الث ��اين‪� :‬أن املنافع ال تعد �أموال(‪ ،)6‬وما لي�س مب ��ال ال يثبت يف الذمة‪،‬‬
‫في�شرتط ل�صحة الإجارة �أن تكون العني امل�ؤجرة معينة(‪.)7‬‬
‫أموال‪ ،‬بل هي �أموال(‪)8‬؛ لأنه«ي�صح متليكها‬ ‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�سلم ب�أن املنافع ال تعد � اً‬
‫يف حال احلياة‪ ،‬وبعد املوت‪ ،‬وت�ضمن باليد والإتالف‪ ،‬ويكون عو�ضها عي ًنا ودي ًنا»(‪.)9‬‬

‫انظر‪ :‬التلقني‪ ،‬للبغدادي‪ ،159/2‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪.167/2‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬نهاية املطلب‪ ،‬للجويني ‪ ،71/8‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪.173/5‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الكايف‪ ،‬البن قدامة ‪ ،172/2‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.546/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،121/5‬درر احلكام‪ ،‬ملال خ�سرو ‪ ،231/2‬جملة الأحكام العدلية‪� ،‬ص‪.86‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪ ،174/5‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪.160/7‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي‪ ،79/11‬حا�شية ابن عابدين ‪.502/4‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬جملة الأحكام العدلية‪� ،‬ص‪.86‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬احلاوي الكبري‪ ،‬للماوردي ‪.392/7‬‬ ‫((( ‬
‫املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.322/5‬‬ ‫((( ‬

‫‪283‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض القولني‪ ،‬ودليل كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما احتاج منها �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تب�ي�ن يل‪-‬واهلل �أعل ��م‪� -‬أن الراج ��ح هو الق ��ول الأول القائل بجواز الإج ��ارة املو�صوفة يف‬
‫الذمة؛ وذلك لقوة ما ا�ستدلوا به‪ ،‬مقابل �ضعف دليل القول الثاين �أمام ما ورد عليه من‬
‫مناق�شة‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم ت�أجيل الأجرة يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‬
‫اختل ��ف الفقهاء يف حكم ت�أجي ��ل الأجرة يف الإجارة املو�صوف ��ة يف الذمة على ثالثة‬
‫�أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬إن ت�أجيل الأجرة يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ال يجوز‪ ،‬وهو مذهب‬
‫املالكية(‪ ،)1‬والأ�صح عند ال�شافعية(‪.)2‬‬
‫الق ��ول الث ��اين‪� :‬إن ت�أجي ��ل الأج ��رة يف الإجارة املو�صوفة يف الذم ��ة ال يجوز �إذا كان‬
‫بلف ��ظ ال�سل ��م‪ ،‬ويج ��وز �إذا كان بغري لفظ ال�سلم‪ .‬وه ��و وجه عند ال�شافعي ��ة(‪ ،)3‬ومذهب‬
‫احلنابلة(‪.)4‬‬
‫الق ��ول الثال ��ث‪� :‬إن ت�أجيل الأجرة يف الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة يجوز مطل ًقا‪ .‬وهو‬
‫وجه عند احلنابلة(‪.)5‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الأول‪� :‬أن الإجارة املو�صوفة يف الذمة �سل ��م يف املنافع‪ ،‬في�شرتط فيها‬
‫تعجيل الأجرة كال�سلم يف الأعيان ي�شرتط فيه تعجيل الثمن(‪.)6‬‬

‫انظر‪ :‬التاج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪ ،500/7‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.394/5‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪ ،174/5‬حتفة املحتاج‪ ،‬للهيتمي ‪.125/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪:‬املهذب‪ ،‬لل�شريازي ‪ ،252/2‬مغني املحتاج‪ ،‬لل�شربيني ‪.443/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪� :‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪ ،252/2‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.564/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الكايف‪ ،‬البن قدامة ‪ ،175/2‬النكت‪ ،‬البن مفلح ‪.273/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،236/2‬جواهر العقود‪ ،‬للأ�سيوطي ‪.209/1‬‬ ‫((( ‬

‫‪284‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يناق� ��ش‪ :‬بالف ��رق بني بي ��ع الأعيان وبي ��ع املنافع؛ ف ��الأول ي�شرتط في ��ه ت�سليم �أحد‬
‫العو�ض�ي�ن‪� ،‬أم ��ا املنافع فال ي�ش�ت�رط لها ذلك‪ ،‬ويج ��وز فيها ت�أجيل الأج ��رة واملنفعة يف‬
‫�إجارة العني املعينة‪ ،‬واملو�صوفة يف الذمة مثلها‪ ،‬فيجوز ت�أجيل الأجرة فيها �إىل ا�ستيفاء‬
‫املنفعة‪.‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الث ��اين‪� :‬أن الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة �إذا كانت بلف ��ظ ال�سلم ت�أخذ‬
‫حكم ال�سلم يف وجوب تعجيل الأجرة يف جمل�س العقد‪ ،‬فاللفظ له ت�أثري على احلكم(‪.)1‬‬
‫يناق�ش‪ :‬بعدم الت�سليم؛ فبيع املنافع ي�سمى �إجارة وله �أحكامه اخلا�صة به‪ ،‬وال ي�أخذ‬
‫�أح ��كام ال�سلم و�إن جرى بلفظه‪ ،‬كما �أنه لو باع مو�صو ًفا يف الذمة بلفظ الإجارة ال جتري‬
‫عليه �أحكام الإجارة‪ ،‬بل �أحكام ال�سلم‪ ،‬فالعربة يف العقود باملعاين‪ ،‬ال بالألفاظ واملباين‪.‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الثال ��ث‪� :‬أن الأج ��رة يف الإجارة املو�صوفة يف الذم ��ة عو�ض يف �إجارة‪،‬‬
‫فجاز ت�أجيله‪ ،‬كما لو كان الإجارة على عني معينة(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬بــ«�أن ��ه قيا� ��س مع الفارق‪ ،‬فالإج ��ارة يف الأعيان تكون الع�ي�ن حا�ضرة‪ ،‬يتم‬
‫ا�ستيفاء املنفعة منها حال �سريان العقد‪ ،‬وهي �أحد العو�ضني‪ ،‬فجاز ت�أخري العو�ض الثاين‬
‫وهي الأجرة‪ ،‬وهذا بخالف �إجارة الذمة‪ ،‬فا�ستيفاء املنفعة فيها م�ؤجل»(‪.)3‬‬
‫يج ��اب‪ :‬بع ��دم الت�سلي ��م �أن ا�ستيفاء املنفع ��ة يف العني احلا�ضرة يك ��ون حال �سريان‬
‫العق ��د‪ ،‬بل يجوز ت�أجيل العو�ض�ي�ن يف �إجارة العني احلا�ضرة وهما املنفعة والأجرة‪ ،‬فكما‬
‫يجوز ت�أجيل العو�ضني يف العني احلا�ضرة يجوز يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪ ،‬والأجرة‬
‫مقابل املنفعة‪ ،‬يجوز ت�أجيلها حتى ي�ستويف املنفعة‪.‬‬

‫((( انظر‪� :‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪ ،252/2‬مطالب �أويل النهى‪ ،‬للرحيباين ‪.613/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬الكايف‪ ،‬البن قدامة ‪ ،175/2‬النكت‪ ،‬البن مفلح ‪.273/1‬‬
‫((( �أحكام التمويل امل�صريف‪ ،‬لآل فريان ‪.360/1‬‬

‫‪285‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬ودليل كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الثالث القائل بجواز ت�أجيل الأجرة يف الإجارة‬
‫أحكاما خا�صة بها‪ ،‬وت�سم ��ى �إجارة‪ ،‬ومنها‬
‫املو�صوف ��ة يف الذم ��ة؛ وذلك لأن لبيع املناف ��ع � ً‬
‫جواز ت�أجيل البدلني‪ ،‬وال تقا�س على بيع الأعيان الختالفها عنها‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‬
‫عل ��ى القول الراجح ال ��ذي يجيز الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة ف� ��إن الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية �أنتجت الإجارة املو�صوفة يف الذمة لتحقق م�صالح للم�ؤجر وامل�ست�أجر؛ فامل�ؤجر‬
‫ً‬
‫مق�سطا قبل ت�سليم‬ ‫ي�ضم ��ن ت�أج�ي�ر العني قبل وجودها‪ ،‬وح�صول ��ه على النقد عاج�ًلأاً �أو‬
‫الع�ي�ن‪ ،‬و�أن العني م�سجل ��ة با�سمه وب�إمكانه �أن يبيعها‪� ،‬أو �أن يربم عقد �إجارة جديدً ا بعد‬
‫انته ��اء املدة املحددة‪ ،‬وامل�ست�أجر ينتفع ب�أنه قد ال يج ��د النقد لبناء عني ذات موا�صفات‬
‫معين ��ة‪ ،‬فيتمكن عن طري ��ق الإجارة املو�صوفة يف الذمة م ��ن �أن يتعاقد مع م�ؤجر مقتدر‬
‫يحقق له ذلك‪ ،‬و�أن امل�ؤجر يظل م�س� اًؤول عن العني امل�ؤجرة‪ ،‬ويتطلب منه االهتمام بالعني‬
‫و�إبرام العديد من العقود كعقود ال�صيانة الإ�صالحية‪ ،‬وال�صيانة الطارئة‪ ،‬وغريها‪� ،‬إىل‬
‫غري ذلك من امل�صالح التي تعود للطرفني املتعاقدين‪ ،‬ولالقت�صاد العام ككل(‪� ،)1‬أما على‬
‫القول الذي يحرم الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪ ،‬ف�إن الهند�سة املالية فيها ال‪ ‬تعد �إ�سالمية‪،‬‬
‫أموال‪ ،‬وال تثبت يف الذمة‪.‬‬ ‫وهي �سبب لتحرميه؛ لأن املنافع عندهم ال تعد � اً‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬مميزات عق ��ود الإجارة على عقود البيع للم�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�سالمية والعم�ل�اء‪ ،‬ملحمد الطبطبائي‪ ،‬بحث‬
‫من�ش ��ور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة م ��ن جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة الثامنة ع�شرة‪ ،‬العدد الرابع‬
‫واخلم�سون‪1424 ،‬ه‪� ،‬ص‪.153-125‬‬

‫‪286‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الف�صل الثاين‬
‫تطبيقات معاصرة للهندسة المالية اإلسالمية‬
‫وفيه ثمانية مباحث‪:‬‬
‫املبحث الأول‬
‫السلَ م الموازي‬
‫َّ‬
‫ال�سلَم املوازي‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف َّ‬
‫ال�س َلم املوازي‪ ،‬البد من تعريف ال�سل ��م � اًأول‪ ،‬ثم تعريف كلمة‬
‫قب ��ل تعريف م�صطل ��ح َّ‬
‫املوازي ثان ًيا ثم نعرف م�صطلح ال�سلم املوازي املركب منهما‪.‬‬
‫فال�سل ��م يف اللغ ��ة وال�سلف مبعنى واح ��د وهو الإعط ��اء والتقدمي(‪«،)1‬و�سم ��ي �سل ًما‬
‫َّ‬
‫لت�سليم ر�أ�س املال يف املجل�س‪ ،‬و�سل ًفا لتقدميه»(‪ ،)2‬وال�سلم لغة �أهل احلجاز‪ ،‬وال�سلف لغة‬
‫�أهل العراق(‪.)3‬‬
‫و�أم ��ا ال�سلم يف اال�صطالح فق ��د اختلف الفقهاء يف تعريفه تب ًعا الختالفهم يف بع�ض‬
‫�شروط ��ه‪ ،‬فعرف ��ه احلنفية ب�أنه‪�«:‬أخذ عاجل ب�آجل»(‪� ،)4‬أو «بي ��ع �آجل بعاجل»(‪ .)5‬و ُرد هذا‬
‫التعري ��ف ب�أنه غري مانع؛ لأنه يدخل فيه جميع �صور البيع �إىل �أجل(‪ ،)6‬ومل يبني �أن املبيع‬
‫مو�صوف يف الذمة(‪.)7‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬معج ��م مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار� ��س ‪ ،90/3‬ل�سان العرب‪ ،‬الب ��ن منظور ‪ ،295/12‬امل�صب ��اح املنري‪ ،‬للفيومي‬
‫‪.286/1‬‬
‫((( املبدع‪ ،‬البن مفلح ‪.171-170/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬احلاوي‪ ،‬للماوردي ‪� ،388/5‬شرح منتهى الإرادات‪ ،‬للبهوتي ‪.87/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،124/12‬الهداية‪ ،‬للمرغيناين ‪ ،74/3‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪.110/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬العناية‪ ،‬للبابرتي ‪ ،69/7‬البناية‪ ،‬للعيني ‪ ،327/8‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪.168/6‬‬
‫((( انظر‪ :‬العناية‪ ،‬للبابرتي ‪ ،69/7‬البحر الرائق‪ ،‬البن جنيم ‪.168/6‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.479‬‬

‫‪287‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫و�أم ��ا املالكية فقد ق ��ال القرطبي(‪«:)1‬حد علما�ؤنا رحمة اهلل عليه ��م ال�سلم فقالوا‪:‬‬
‫ه ��و بيع معل ��وم يف الذمة حم�صور بال�صفة بعني حا�ضرة‪� ،‬أو م ��ا هو يف حكمها‪� ،‬إىل �أجل‬
‫معل ��وم»(‪ ،)2‬واملالكي ��ة ي ��رون جواز ت�أخ�ي�ر ر�أ�س مال ال�سل ��م �إىل ثالثة �أي ��ام(‪ )3‬بنا ًء على‬
‫قاع ��دة‪�«:‬أن ما قرب من ال�ش ��يء فحكمه حكمه»(‪)4‬؛ لذلك ق ��ال يف التعريف‪«:‬حا�ضرة �أو‬
‫ما هو يف حكمها»‪.‬‬
‫وع ��رف ال�شافعية ال�سلم ب�أنه‪«:‬عقد على مو�صوف يف الذمة ببدل يعطى عاجلاً »(‪،)5‬‬
‫وال�شافعي ��ة ي ��رون ج ��واز ال�سلم احل ��ال‪ ،‬لذلك مل ين�ص ��وا يف التعريف على ك ��ون ال�سلم‬
‫م�ؤج�ًل�ااً ‪ ،‬بعك� ��س احلنابلة الذين ن�صوا على ذل ��ك يف تعريف ال�سلم فعرف ��وه ب�أنه‪ «:‬عقد‬
‫على مو�صوف يف الذمة م�ؤجل بثمن مقبو�ض يف جمل�س العقد»(‪ ،)6‬فال بد �أن يكون ال�سلم‬
‫م�ؤج�ًل�ااً خال ًفا لل�شافعية‪ ،‬ور�أ�س مال ال�سلم يف جمل� ��س العقد خال ًفا للمالكية‪ ،‬واحلنفية‬
‫يوافق ��ون احلنابلة يف ا�شرتاط تعجيل ر�أ�س م ��ال ال�سلم يف جمل�س العقد‪ ،‬وت�أجيل امل�سلم‬
‫فيه(‪.)7‬‬
‫وتعريف ال�شافعية �أجود؛ لأنه عام وخال من القيود‪ ،‬بعك�س تعريف ال�سلم يف املذاهب‬
‫الأخرى ففيه قيود تخ�ص املذهب‪ ،‬وال يدخل فيه تعريف ال�سلم يف غري املذهب‪.‬‬

‫((( هو حممد بن �أحمد بن �أبي بكر القرطبي‪ ،‬من كبار املف�سرين‪ ،‬وا�شتهر بال�صالح‪ ،‬والتعبد‪ ،‬ومن �أهم ت�صانيفه تف�سري‬
‫الق ��ر�آن‪ ،‬امل�سم ��ى بــ«جامع �أحكام القر�آن واملبني ملات�ضمن من ال�سنة و�آي الق ��ر�آن»‪ ،‬وهو من �أجل التفا�سري و�أعظمها‬
‫نفع ًا‪ ،‬تويف �سنة ‪671‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الديباج املذهب‪ ،‬البن فرحون‪� ،‬ص‪� ،317‬شذرات الذهب‪ ،‬البن العماد ‪.584/7‬‬
‫((( اجلامع لأحكام القر�آن‪ ،‬للقرطبي ‪.378/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املدونة‪ ،‬للإمام مالك ‪ ،80/3‬الكايف يف فقه �أهل املدينة‪ ،‬البن عبدالرب ‪.692/2‬‬
‫((( املوافقات‪ ،‬لل�شاطبي ‪ .418/1‬وانظر‪ :‬القواعد الفقهية‪ ،‬ملحمد الزحيلي ‪.893/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتح العزيز‪ ،‬للرافعي ‪ ،207/9‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪.3/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪ ،84/5‬الإقناع‪ ،‬للحجاوي ‪.133/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،127/12‬االختيار‪ ،‬للمو�صلي ‪36/2‬‬

‫‪288‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وامل ��وازاة تعن ��ي املقابل ��ة‪ ،‬واملواجهة‪ ،‬واملح ��اذاة(‪ ،)1‬ورمبا �أبدلت ال ��واو همزة فقيل‬
‫�آزاه(‪ .)2‬وهي يف اال�صطالح مبعناها اللغوي‪.‬‬
‫�أم ��ا تعريف م�صطلح ال�سل ��م املوازي‪ ،‬فقد عرف بعدة تعريف ��ات‪ ،‬منها‪«:‬ا�ستخدام‬
‫�صفقت ��ي �سلم متوافقتني‪ ،‬دون ربط بينهما»(‪ ،)3‬وانتقد هذا التعريف ب�أنه غري مانع؛ فهو‬
‫ي�شمل بالإ�ضافة لل�سلم املوازي عقد ال�سلم الأول(‪.)4‬‬
‫وع ��رف ب�أنه‪«:‬عقد ال�سلم الذي يكون فيه البنك بائ ًعا من جن�س ما يكون قد ا�شرتاه‬
‫م�سل ًما‪ ،‬ولي�س عني ما تعاقدا عليه»(‪ ،)5‬وي�ؤخذ على هذا التعريف ب�أنه غري جامع؛ لأنه مل‬
‫يبني مع من يكون العقد الثاين‪ ،‬وهل هناك ارتباط بني العقدين �أو ال؟‪.‬‬
‫ولع ��ل �أق ��رب تعريف لل�سلم امل ��وازي ما جاء يف املعاي�ي�ر ال�شرعية‪ ،‬وه ��و‪�«:‬أن يدخل‬
‫امل�سلم �إليه يف عقد �سلم م�ستقل مع طرف ثالث للح�صول على �سلعة موا�صفاتها مطابقة‬
‫لل�سلع ��ة املتعاقد على ت�سليمها يف ال�سلم الأول؛ ليتمكن من الوفاء بالتزامه فيه‪...‬دون �أن‬
‫يعلق العقد الثاين على نفاذ العقد الأول»(‪.)6‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي‬
‫تبني فيما �سبق �أن عقد ال�سلم متت هند�ستة وتطويره بعدما قدم النبي × املدينة‪،‬‬
‫معلوما؛ كي ي�شتمل العقد عل ��ى امل�صالح املبتغاة منه‪،‬‬
‫ً‬ ‫معلوم ��ا‪ ،‬و�أجلاً‬
‫وجع ��ل له مقدا ًرا ً‬

‫(( ( انظر‪ :‬املحكم‪ ،‬البن �سيده ‪ ،495/3‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪ ،32/14‬املعجم الو�سيط‪ ،‬لإبراهيم م�صطفى و�آخرين‬
‫‪.1030/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬امل�صباح املنري‪ ،‬للفيومي ‪.658/2‬‬
‫(( ( ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة‪ ،‬لل�ضرير‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.282‬‬
‫(( ( انظر‪� :‬أحكام التمويل امل�صريف امل�شرتك‪،‬لآل فريان ‪.456/1‬‬
‫(( ( املعاي�ي�ر ال�شرعية ل�صيغ التمويل امل�صريف الالربوي‪ ،‬ملحمد القري و�آخرين‪� ،‬ص‪ .111‬نقلاً من كتاب �أحكام التمويل‬
‫امل�صريف امل�شرتك‪ ،‬لآل فريان ‪.456/1‬‬
‫((( املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ .141‬ذكر اً‬
‫مثال يف التعريف؛ ورغبة يف االخت�صار مل �أذكره‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وتندفع املفا�سد التي حت�صل ب�سبب اجلهل باملقدار‪� ،‬أو ب�أجل الت�سليم(‪ ،)1‬وال�سلم املوازي‬
‫تطوير �آخر وهند�سة مالية �إ�سالمية لعقد ال�سلم؛ للم�صالح التي يحققها ال�سلم املوازي‬
‫فه ��و «�أداة متوي ��ل ذات كفاءة عالي ��ة يف االقت�صاد الإ�سالم ��ي‪ ،‬ويف ن�شاطات امل�صارف‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬من حيث مرونتها وا�ستجابتها حلاجات التمويل املختلفة»(‪)2‬؛ بحيث ي�شرتي‬
‫امل�ص ��رف �سلعة مو�صوف ��ة يف الذمة �إىل �أجل‪ ،‬من املنتجات الزراعي ��ة �أو ال�صناعية‪� ،‬أو‬
‫غريه ��ا مما ميكن �ضب ��ط �صفته‪ ،‬ويف الفرتة ب�ي�ن عقد ال�سلم وقب� ��ض امل�سلم فيه يقوم‬
‫امل�ص ��رف ب�إن�شاء عقد �آخر م�ستقل يبيع فيه �سلعة مماثلة وب�شروط مماثلة لل�سلعة التي‬
‫ا�شرتاه ��ا يف عقد ال�سلم الأول‪ ،‬دون �أن يربط ب�ي�ن العقدين‪ ،‬مثلاً ي�شرتي كمية حمددة‬
‫من القطن من املزارعني‪ ،‬ثم يقوم ب�إن�شاء عقد جديد مع م�صانع الغزل‪ ،‬والن�سيج فيبيع‬
‫له ��م عن طريق عقد ال�سلم قط ًنا ب ��ذات املوا�صفات يف املبي ��ع الأول‪،‬دون �أن يعلق ً‬
‫عقدا‬
‫على عقد (‪.)3‬‬
‫�أو يق ��وم امل�ص ��رف بعقد �سل ��م على بيع �سلع ��ة مو�صوفة يف الذم ��ة �إىل �أجل‪ ،‬ثم‬
‫ي�ش�ت�ري بعقد �سلم �آخر من طرف ثالث �سلعة بنف�س املوا�صفات وال�شروط التي باعها‬
‫يف ال�سل ��م الأول‪ ،‬دون �أن يك ��ون هناك ربط بني العقدين‪ ،‬فكل عقد م�ستقل عن العقد‬
‫الآخر(‪.)4‬‬

‫((( انظر �ص ‪ 38‬من هذا البحث‪.‬‬


‫(( ( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ب�ش�أن ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة‪ ،‬العدد التا�سع‪ ،‬رقم ‪.2/89‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬قرارات الهيئ ��ة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪ ،79/1‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،141‬عقد‬
‫ال�سلم‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪.216/1‬‬
‫((( عق ��د ال�سل ��م‪ ،‬ملحم ��د الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بح ��وث فقهية يف ق�ضاي ��ا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحم ��د الأ�شقر و�آخرين‬
‫‪.216/1‬‬

‫‪290‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي‬


‫الفرع الأول‪ :‬حكم ال�سلم‪ ،‬وال�سلم املوازي‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم ال�سلم‬
‫�أجمع العلماء على جواز ال�سلم(‪ ،)1‬وا�ستدلوا على ذلك بالأدلة التالية‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﮊ (‪.)2‬‬
‫الدي ��ن‪ ،‬وال�سلم ن ��وع من �أنواع‬ ‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الآي ��ة‪� :‬أن الآية دل ��ت على جواز َ‬
‫الدي ��ون(‪ ،)3‬وقد ج ��اء يف م�صنف عبدال ��رزاق وغريه عن ابن عبا� ��س ر�ضي اهلل عنهما‪،‬‬
‫ال�س َل َف المْ َ ْ�ض ُمونَ ِ�إلىَ َ �أ َج ٍل َق ْد �أَ َح َّل ُه اللهَّ ُ ‪َ ،‬و�أَ ِذنَ ِفي ِه‪ ،‬ثم قر�أ هذه الآية»(‪.)4‬‬
‫قال‪�«:‬أَ ْ�ش َه ُد َ�أنَّ َّ‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬ع ��ن ابن عبا�س‪ ،‬ق ��ال‪« :‬قدم النبي × املدين ��ة وهم ي�سلفون‬
‫بالتمر ال�سنتني والثالث‪ ،‬فقال‪َ «:‬منْ �أَ ْ�سلَ َف يِف َ�ش ْيءٍ‪َ ،‬ففِي َك ْيلٍ َم ْع ُلو ٍم‪َ ،‬و َو ْزنٍ َم ْع ُلو ٍم‪�ِ ،‬إلىَ‬
‫�أَ َجلٍ َم ْع ُلو ٍم»» متفق عليه(‪.)5‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن يف �أمر النبي × �أن يكون ال�سل ��م يف كيل معلوم‪،‬‬
‫ووزن معلوم‪� ،‬إىل �أجل معلوم؛ داللة على جوازه بهذه ال�شروط‪.‬‬
‫(( ( مم ��ن نق ��ل الإجماع‪:‬الزيلعي‪،‬وال�شافعي‪ ،‬والق ��رايف‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وغريهم‪ .‬انظر‪ :‬تبي�ي�ن احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪،110/4‬‬
‫الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪ ،94/3‬الذخرية‪ ،‬للقرايف ‪ ،224/5‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،495/29‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة‬
‫من امل�ؤلفني ‪.592-587/2‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.281‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.94/3‬‬
‫((( م�صن ��ف عبدال ��رزاق‪ ،‬كت ��اب البيوع‪ ،‬باب ال�سلف �إال �إىل �أج ��ل م�سمى‪ ،‬برقم‪ ،14064‬م�صنف اب ��ن �أبي �شيبة‪ ،‬كتاب‬
‫البيوع والأق�ضية‪ ،‬ال�سلف يف الطعام والتمر‪ ،‬برقم ‪ .22319‬امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬للحاكم‪ ،‬كتاب التف�سري‪ ،‬من‬
‫�س ��ورة البق ��رة‪ ،‬برقم ‪ ،3130‬وقال‪« :‬هذا حديث �صحيح على �ش ��رط ال�شيخني ومل يخرجاه»‪ ،‬ورواه البخاري معلقا يف‬
‫كتاب ال�سلم‪ ،‬باب ال�سلم �إىل �أجل معلوم‪ .‬وانظر‪ :‬تغليق التعليق‪ ،‬البن حجر ‪.276/3‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.38‬‬

‫‪291‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الثال ��ث‪ :‬عبد الرحمن بن �أبزى‪ ،‬وعبد اهلل بن �أبي �أوفى‪ ،‬ر�ضي اهلل عنهما‪،‬‬
‫اط َّ‬
‫ال�ش ��ا ِم‪،‬‬ ‫�ان َم� � َع َر ُ�س ��ولِ اللهَّ ِ ×‪َ ،‬ف� � َكا َن َي�أْتِي َنا َ�أ ْن َب � ٌ‬
‫�اط مِ نْ �أَ ْن َب ِ‬ ‫قاال‪ُ «:‬ك َّن ��ا ُن ِ�ص � ُ‬
‫�يب امل َ َغ � مِ َ‬
‫يب‪� ،‬إِلىَ �أَ َجلٍ ُم َ�س َّمى» رواه البخاري(‪.)1‬‬ ‫ال�ش ِعريِ‪َ ،‬وال َّز ِب ِ‬ ‫حل ْن َطةِ‪َ ،‬و َّ‬ ‫َف ُن ْ�س ِل ُف ُه ْم يِف ا ِ‬
‫وجه الداللة من احلديث‪� :‬أن ال�صحابة كانوا يتعاملون بال�سلم يف ع�صر النبي‬
‫×‪ ،‬ومل ينههم عنه؛ مما يدل على جوازه‪.‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬إجماع العلماء على جواز ال�سلم(‪ ،)2‬قال ابن املنذر‪� «:‬أجمع �أهل العلم‬
‫عل ��ى �أن م ��ن باع معلوم ًا من ال�سلع‪ ،‬مبعلوم من الثمن‪ ،‬على �أجل معلوم من �شهور العرب‪� ،‬أو‬
‫�إىل �أيام معروفة العدد‪� ،‬أن البيع جائز‪ ،‬وكذلك قالوا يف ال�سلم �إىل الأجل املعلوم»(‪.)3‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم ال�سلم املوازي‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم ال�سلم املوازي على قولني‪:‬‬
‫الق ��ول الأول‪ :‬ج ��واز ال�سلم املوازي �إذا حتقق فيه الف�ص ��ل بني العقدين‪ .‬وهذا ر�أي‬
‫جمه ��ور الفقه ��اء املعا�صرين(‪ ،)4‬بل ق ��ال الدكتور نزي ��ه حماد‪«:‬وهذا ال�سل ��م املوازي ال‬
‫خالف بني الفقهاء يف جوازه وم�شروعيته»(‪.)5‬‬
‫الق ��ول الث ��اين‪ :‬من ��ع ال�سل ��م امل ��وازي �إال لل�ض ��رورة‪ .‬وه ��و ر�أي الدكت ��ور ال�صدي ��ق‬
‫ال�ضرير(‪.)6‬‬
‫(( ( كتاب ال�سلم‪ ،‬باب ال�سلم �إىل �أجل معلوم‪ ،‬برقم ‪.2254‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.592-587/2‬‬
‫((( الإ�شراف‪ ،‬البن املنذر ‪ .104/6‬وانظر‪ :‬الإجماع‪ ،‬البن املنذر‪� ،‬ص‪.134‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬ق ��رار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪ ،‬رق ��م ‪ ،2/89‬تو�صيات وفتاوى م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية‬
‫يف معام�ل�ات البن ��وك الإ�سالمية‪ ،‬املنعقد باملرك ��ز الثقايف الإ�سالمي‪ ،‬اجلامعة الأردني ��ة ‪ 23-21‬ذو القعدة ‪1414‬ه‪،‬‬
‫قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪ ،79/1‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،134‬عقد ال�سلم‪،‬‬
‫ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪.216/1‬‬
‫(( ( ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.443‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مداخلة ال�صديق ال�ضرير يف مناق�شات بحوث ال�سلم يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.457‬‬

‫‪292‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫�أدل ��ة الق ��ول الأول ه ��ي �أدل ��ة ال�سلم ال�سابق ��ة‪ ،‬وعدم وج ��ود دليل مينع م ��ن ال�سلم‬
‫املوازي(‪.)1‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪� :‬أن ال�سلم املوازي يتخذ حيلة للربا‪ ،‬وبخا�صة �إذا اتخذ هذا الأ�سلوب‬
‫من ال�سلم املتوازي بق�صد التجارة والربح‪ ،‬وتكرر ال�سلم املتوازي للمعاملة الأوىل(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫�شروطا‬ ‫ً‬
‫�شروطا ال بد من مراعاتها‪ ،‬كما �أن لل�سلم‬ ‫يناق�ش‪ :‬ب�أن جلواز ال�سلم املوازي‬
‫الب ��د من مراعاتها‪ ،‬والبي ��ع يف ال�سلم املوازي الثاين ملو�ص ��وف يف الذمة غري امل�سلم فيه‬
‫الأول‪ ،‬فالعق ��دان غ�ي�ر مرتبطني‪ ،‬والتحاي ��ل يف ال�سلم املوازي عل ��ى الربا وعلى املحظور‬
‫أي�ضا قد يتخذ حيلة على املحظور‪ ،‬ومع‬ ‫عموما‪ ،‬ال يكون �سب ًبا ملنعه من �أ�صله؛ لأن ال�سلم � ً‬ ‫ً‬
‫ذل ��ك مل مينع ��ه الر�سول ×‪ ،‬بل الأ�صل ج ��واز ال�سلم‪ ،‬واملعاملة الت ��ي يتحايل فيها على‬
‫املحظ ��ور هي التي متنع‪ ،‬وق�صد الرب ��ح والتجارة يف ال�سلم امل ��وازي جائز‪،‬كما �أن ق�صد‬
‫الربح والتجارة يف ال�سلم جائز‪ ،‬فال�سلم املوازي ال يخرج عن ال�سلم‪ ،‬ومن منعه فعليه �أن‬
‫مينع ال�سلم‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬أن يف ال�سلم املوازي �ضر ًرا ي�صيب امل�ستهلك من ارتفاع �سعر ال�سلعة‬
‫قبل �أن ت�صل �إليه‪ ،‬ب�سبب انتقالها لأكرث من تاجر(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن ال�ض ��رر الذي يوجد يف ارتف ��اع �سعر ال�سلعة ب�سب ��ب انتقالها لأكرث من‬
‫عموما‪ ،‬فقد يرتف ��ع �سعر بع�ض ال�سلع‬
‫تاج ��ر يف ال�سل ��م املوازي يوجد يف التج ��ارة والبيع ً‬
‫ب�سب ��ب انتقاله ��ا لأكرث من تاجر‪ ،‬ومع ذل ��ك ال متنع التجارة �أو البي ��ع ب�سبب ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫(( ( انظر‪ :‬ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.443‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مداخلة ال�صديق ال�ضرير يف مناق�شات بحوث ال�سلم يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.457‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مداخلة ال�صديق ال�ضرير يف مناق�شات بحوث ال�سلم يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪� ،‬ص‪.457‬‬

‫‪293‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�ضرر يقابل ��ه م�صالح �أكرب للم�صارف الإ�سالمية‪ ،‬وللتج ��ار‪ ،‬وللم�ستهلكني‪ ،‬وي�ؤدي �إىل‬
‫نه�ضة اقت�صادية(‪.)1‬‬
‫الرتجي ��ح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلتها‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني‬
‫يل ‪-‬واهلل �أعل ��م‪� -‬أن الراج ��ح هو الق ��ول الأول القائل �أن ال�سلم امل ��وازي جائز �إذا حتقق‬
‫في ��ه الف�صل بني العقدين؛ وذلك لقوة �أدلته مقابل �ضعف �أدلة القول الثاين �أمام ما ورد‬
‫عليه ��ا من املناق�شة‪ ،‬ولأن الأ�صل يف املعامالت ال�صحة واجلواز‪ ،‬وللم�صالح االقت�صادية‬
‫التي يحققها ال�سلم املوازي فقد جاء يف م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معامالت البنوك‬
‫الإ�سالمية‪«:‬ويو�ص ��ي امل�ؤمتر امل�صارف الإ�سالمية وامل�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�سالمية ب�إحياء‬
‫هذي ��ن العقدين‪-‬ال�سل ��م واال�ست�صن ��اع‪ -‬يف التموي ��ل؛ ملا يرتتب عليهما م ��ن م�صالح يف‬
‫(‪)2‬‬
‫تن�شيط التجارة‪ ،‬وال�صناعة‪ ،‬والزراعة»‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف ال�سلم املوازي‬
‫عل ��ى القول الراجح ال ��ذي عليه جمه ��ور العلم ��اء املعا�صرين ف� ��إن الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمي ��ة �أنتجت ال�سل ��م املوازي للم�صالح الكب�ي�رة التي يحققها‪ ،‬فع ��ن طريق ال�سلم‬
‫امل ��وازي يت ��م متويل املنتج�ي�ن ليحققوا نف ًعا بال ًغ ��ا ويدفع عنهم م�شق ��ة العجز املايل عن‬
‫حتقي ��ق �إنتاجهم(‪ ،)3‬وميكن متويل �صغار املنتجني الزراعي�ي�ن‪ ،‬وال�صناعيني‪ ،‬عن طريق‬
‫�إمداده ��م مب�ستلزمات الإنت ��اج يف �صورة معدات‪ ،‬و�آالت‪� ،‬أو‪ ‬م ��واد �أولية كر�أ�س مال �سلم‬
‫مقاب ��ل احل�صول على بع� ��ض منتجاتهم و�إع ��ادة ت�سويقها(‪� ،)4‬إىل غريه ��ا من امل�صالح؛‬

‫(( ( انظر‪ :‬امل�صالح املر�سلة و�أثرها يف املعامالت‪ ،‬للعمار‪� ،‬ص‪.293-292‬‬


‫((( تو�صي ��ات وفت ��اوى م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معام�ل�ات البنوك الإ�سالمية‪ ،‬املنعقد باملرك ��ز الثقايف الإ�سالمي‪،‬‬
‫اجلامعة الأردنية ‪ 23-21‬ذو القعدة ‪1414‬ه‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ب�ش�أن ال�سلم وتطبيقاته املعا�صرة‪ ،‬العدد التا�سع‪ ،‬رقم ‪.2/89‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فال�سل ��م امل ��وازي«�أداة متوي ��ل ذات كفاءة عالي ��ة يف االقت�صاد الإ�سالم ��ي ويف ن�شاطات‬
‫امل�ص ��ارف الإ�سالمية‪ ،‬من حيث مرونتها وا�ستجابتها حلاج ��ات التمويل املختلفة‪� ،‬سواء‬
‫�أكان متوي�ًل�ااً ق�صري الأجل �أم متو�سط ��ه �أم طويله‪ ،‬وا�ستجابتها حلاجات �شرائح خمتلفة‬
‫ومتعددة من العمالء‪� ،‬سواء �أكانوا من املنتجني الزراعيني �أم ال�صناعيني �أم املقاولني �أم‬
‫م ��ن التجار‪ ،‬وا�ستجابتها لتمويل نفقات الت�شغيل والنفق ��ات الر�أ�سمالية الأخرى»(‪� ،)1‬أما‬
‫عل ��ى الق ��ول الثاين الذي يحرم ال�سلم املوازي ف�إن الهند�س ��ة املالية فيه ال تعد �إ�سالمية‪،‬‬
‫وهي �سبب لتحرميه؛ لأنها حيلة على الربا‪.‬‬

‫***‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثاين‬
‫االستصناع الموازي‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف اال�ست�صناع املوازي‬
‫قبل تعريف م�صطلح اال�ست�صناع املوازي‪ ،‬نعرف اال�ست�صناع � اًأول‪.‬‬
‫فاال�ست�صناع لغة‪ :‬طلب ال�صنع‪ ،‬وال�صنع‪ :‬الفعل(‪ ،)1‬قال ابن فار�س‪ «:‬ال�صاد والنون‬
‫والع�ي�ن �أ�ص ��ل �صحيح واحد‪ ،‬وهو عمل ال�شيء �صنعا»(‪)2‬؛ يق ��ال‪ :‬ا�صطنع فالن خامت ًا �إذا‬
‫�س�أل رج ًال �أن ي�صنع له خامت ًا(‪.)3‬‬
‫ا�صطالحا‪«:‬عقد على مبيع يف الذمة و�شرط عمله على ال�صانع»(‪.)4‬‬ ‫ً‬ ‫واال�ست�صناع‬
‫ويع ��د اال�ست�صناع عند احلنفية عقدً ا م�ستقلاً ل ��ه �أحكامه اخلا�صة(‪� ،)5‬أما املذاهب‬
‫الفقهية الأخرى فاال�ست�صناع داخل يف عقد ال�سلم‪ ،‬وال يعدونه عقدً ا م�ستقل(‪.)6‬‬
‫وقد �سبق تعريف كلمة املوازي يف املبحث ال�سابق(‪.)7‬‬
‫�أم ��ا اال�ست�صناع املوازي فقد عرف ب�أنه‪«:‬عقد اال�ست�صناع الذي يوقعه امل�صرف مع‬
‫ال�صان ��ع النهائي لتنفيذ امل�ش ��روع»(‪ ،)8‬وي�ؤخذ على هذا التعري ��ف �أنه غري جامع؛ فهو مل‬
‫يبني وجود عقدين يف اال�ست�صناع املوازي؛ عقد يكون فيه البنك �صان ًعا‪ ،‬وعقد يكون فيه‬
‫م�ست�صن ًعا دون ربط بينهما‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،1245/3‬خمتار ال�صحاح‪ ،‬للرازي‪� ،‬ص‪.179‬‬
‫((( معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.313/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.209/8‬‬
‫((( حتفة الفقهاء‪ ،‬لل�سمرقندي ‪ .362/2‬وانظر‪ :‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪ ،2/5‬جملة الأحكام العدلية‪� ،‬ص‪.31‬‬
‫((( انظر‪ :‬النتف يف الفتاوى‪ ،‬لل�سغدي ‪ ،576/2‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪.84/15‬‬
‫((( انظر‪ :‬التاج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪ ،517/6‬املهذب‪ ،‬لل�شريازي ‪ ،72/2‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪.300/4‬‬
‫((( انظر �ص‪ 243‬من هذا البحث‪.‬‬
‫((( املعاي�ي�ر ال�شرعي ��ة ل�صيغ التمويل امل�صريف الالربوي‪ ،‬ملحمد الق ��ري و�آخرين‪� ،‬ص‪ .78‬نقلاً من كتاب �أحكام التمويل‬
‫امل�صريف امل�شرتك‪ ،‬لآل فريان ‪.428/1‬‬

‫‪297‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ولعل التعريف الأقرب لال�ست�صناع املوازي هو‪� :‬إبرام عقدين منف�صلني‪� ،‬أحدهما مع‬
‫العمي ��ل يكون امل�صرف فيه �صان ًعا‪ ،‬والعقد الآخر مع ال�صانع يكون البنك فيه م�ست�صن ًعا‬
‫ملا طلبه العميل يف العقد الأول(‪.)1‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف اال�ست�صناع املوازي‬
‫يف اال�ست�صناع هند�سة مالية فهو �إما �أن يكون تطوي ًرا لعقد ال�سلم‪ ،‬فال�سلم ي�شرتط‬
‫في ��ه تعجيل ر�أ�س مال ال�سلم‪ ،‬و�أم ��ا اال�ست�صناع فال ي�شرتط فيه ذلك(‪� ،)2‬أو ابتكا ًرا لعقد‬
‫جدي ��د ال عالقة له بال�سل ��م وال بغريه من العق ��ود(‪ ،)3‬واال�ست�صناع امل ��وازي يعد هند�س ًة‬
‫وتطوي� � ًرا على عق ��د اال�ست�صناع الأ�صلي؛ ل ��دوره الكبري يف تن�شي ��ط ال�صناعة‪ ،‬ويف فتح‬
‫جم ��االت وا�سعة للتمويل والنهو� ��ض باالقت�صاد الإ�سالمي؛ بحيث يت ��م �إبرام عقدين كل‬
‫عق ��د منهما منف�صل ع ��ن العقد الآخر‪ ،‬يك ��ون امل�صرف �صان ًعا يف عق ��د وم�ست�صن ًعا يف‬
‫العق ��د الآخر مل ��ا طلبه العميل بنف�س املوا�صفات املح ��ددة يف العقد الأول‪ ،‬فللم�صرف �أن‬
‫يربم عقد ا�ست�صناع ب�صفته م�ست�صن ًعا مع ال�صانع للح�صول على م�صنوعات من�ضبطة‬
‫بال�صف ��ة‪ ،‬ثم يبيع لطرف �آخر بعقد ا�ست�صناع م ��واز م�صنوعات مطابقة لل�صفات التي‬
‫مت حتديدها يف العقد الأول‪� ،‬أو يربم عقد ا�ست�صناع ب�صفته �صان ًعا‪ ،‬ثم يتعاقد مع �صانع‬
‫بعقد ا�ست�صناع مواز ل�شراء امل�صنوعات التي مت حتديدها يف العقد الأول‪ ،‬دون ربط بني‬
‫العقدين(‪.)4‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪.158‬‬


‫((( انظر‪ :‬العناية‪ ،‬للبابرتي ‪.116/7‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬عق ��د اال�ست�صناع‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهي ��ة يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‬
‫و�آخرين ‪ ،227/1‬عقد اال�ست�صناع‪ ،‬للزرقا‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص‪.744‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪.150‬‬

‫‪298‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطل��ب الثالث‪:‬درا�س��ة للهند�سة املالي��ة الإ�سالمي��ة يف اال�ست�صناع‬


‫املوازي‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم اال�ست�صناع‪ ،‬واال�ست�صناع املوازي‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم اال�ست�صناع‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم اال�ست�صناع على قولني‪:‬‬
‫الق ��ول الأول‪ :‬عدم جواز عقد اال�ست�صناع‪ .‬وهو مذه ��ب املالكية(‪ ،)1‬وال�شافعية(‪،)2‬‬
‫واحلنابلة(‪ ،)3‬والظاهرية(‪.)4‬‬
‫الق ��ول الث ��اين‪ :‬ج ��واز عق ��د اال�ست�صن ��اع‪ .‬وه ��و مذه ��ب احلنفي ��ة(‪ ،)5‬وق ��ول عند‬
‫احلنابلة(‪.)6‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ول اللهَّ ِ ‪َ ،‬ي�أْ ِتي ِني ال َّر ُج ُل َفيرُ ِ ي ُد‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬ع ��ن حكيم بن حزام‪ ،‬قال‪َ ( :‬يا َر ُ�س َ‬
‫وق؟ َف َق َال ×‪« :‬لاَ َت ِب ْع َما َل ْي َ�س عِ ْند ََك»)رواه‬ ‫ِم ِّني ا ْل َب ْي َع َل ْي َ�س ِع ْن ِدي �أَ َف َ�أ ْبت ُ‬
‫َاع ُه َل ُه ِمنَ ُّ‬
‫ال�س ِ‬
‫�أبو داود وغريه (‪.)7‬‬

‫((( انظر‪ :‬املدونة‪ ،‬للإمام مالك ‪ ،69-68/3‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.540-539/4‬‬


‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪ ،95/3‬املهذب‪ ،‬لل�شريازي ‪.72/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪ ،300/4‬ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي ‪.165/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى ‪.46/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،138/12‬بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪.209/5‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪ ،300/4‬االختيارات اجللي ��ة يف امل�سائل اخلالفية بحا�شية نيل امل�آرب‪ ،‬للب�سام ‪،25/3‬‬
‫املمتع‪ ،‬البن عثيمني ‪.346/10‬‬
‫((( رواه �أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب يف الرجل يبيع ما لي�س عنده‪ ،‬برقم ‪ ،3503‬والرتمذي‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب ما جاء يف‬
‫كراهي ��ة بيع ما لي�س عندك‪ ،‬برق ��م ‪ ،1232‬والن�سائي‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬بيع ما لي�س عند البائع‪ ،‬برقم ‪ ،4613‬والطرباين‬
‫يف املعج ��م الكب�ي�ر ‪ .207/3‬واحلديث �ضعيف‪ ،‬فقد روي من عدة �أوجه ع ��ن حكيم بن حزام‪ ،‬وكلها معلولة‪ ،‬و�أ�صحها‬

‫‪299‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × نه ��ى عن بيع ما لي�س عن ��د البائع‪ ،‬وقد‬
‫�أجمع العلماء على ذلك(‪ ،)1‬واال�ست�صناع بيع ملا لي�س عند البائع‪ ،‬فهو داخل يف النهي(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن النهي عن بيع ما لي�س عند البائع‪� ،‬إذا كان ��ت عي ًنا معينة يبيعها‪ ،‬وهي‬
‫لي�س ��ت ملك ��ه‪ ،‬بل ملك غريه ثم ي�سعى يف حت�صيلها‪� ،‬أو بيع ما ال يقدر على ت�سليمه فيكون‬
‫قد �ضمن له �شيئا ال يدري هل يح�صل �أو ال يح�صل؟(‪� ،)3‬أما اال�ست�صناع فلي�س كذلك؛ �إذ‬
‫هو بيع ملو�صوف يف الذمة‪ ،‬ولي�س بي ًعا لعني معينة‪ ،‬ويغلب على الظن ح�صوله وقت الوفاء؛‬
‫لأن اال�ست�صناع ال يكون �إال مبا جرى العرف التعامل به‪ ،‬والقدرة على ت�سليمه(‪.)4‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬عن ابن عمر‪� ,‬أن النبي ×‪َ «:‬نهَى َعنْ َب ْي ِع ا ْل َكالِئِ ِبا ْل َكالِئِ » رواه‬
‫الدارقطني وغريه(‪.)5‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلديث‪� :‬أن النبي × نهى عن بي ��ع الكالئ بالكالئ‪� ،‬أي الدين‬

‫=م ��ن رواي ��ة يو�سف بن ماهك عن حكيم بن حزام‪ ،‬ويو�سف بن ماه ��ك مل ي�سمع من حكيم بن حزام‪ ،‬كما ن�ص على‬
‫ذل ��ك غ�ي�ر واحد من الأئمة‪ ،‬وقد جاء النهي عن بيع مالي�س عند البائع من طريق عمرو بن �شعيب عن �أبيه عن جده‪،‬‬
‫وق ��د �سب ��ق يف هذا البحث �ص‪ 158‬بيان �ضع ��ف هذه ال�سل�سة‪ .‬انظر‪ :‬التاريخ الكبري‪ ،‬الب ��ن �أبي خيثمة ‪،158-157/1‬‬
‫جام ��ع التح�صيل‪ ،‬للعالئي‪�� � ،‬ص‪ ،305‬بيان الوهم والإيهام‪ ،‬البن القطان ‪ ،320/2 ،318/2‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي‬
‫‪ ،461/2‬تهذيب التهذيب‪ ،‬البن حجر ‪� ، ،322/5‬سنن الرتمذي ‪.527/3‬‬
‫(( ( مم ��ن نق ��ل الإجماع‪ :‬اجل�صا�ص‪ ،‬وابن قدام ��ة‪ ،‬وغريهم‪ .‬انظر‪� :‬أح ��كام القر�آن‪ ،‬للج�صا� ��ص ‪ ،189/2‬املغني‪ ،‬البن‬
‫قدامة ‪ ،155/4‬مو�سوعة الإجماع‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني ‪.206/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪ ،147/6‬الإن�صاف‪ ،‬للمرداوي ‪.300/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،29/20‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.301/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬عقد اال�ست�صناع‪ ،‬لبدران‪� ،‬ص‪.47‬‬
‫(( ( رواه الدارقطن ��ي يف �سننه‪ ،‬كتاب البي ��وع‪ ،‬برقم ‪ ،3060‬واحلاكم يف امل�ستدرك ‪ ،65/2‬برقم ‪ .2342‬واحلديث منكر؛‬
‫في ��ه مو�س ��ى بن عبي ��ده �أنكر الأئمة حديثه‪ .‬وق ��ال ال�شافعي عن ه ��ذا احلديث‪� :‬أهل احلديث يوهن ��ون هذا احلديث‪،‬‬
‫وقال �أحمد بن حنبل‪ :‬ولي�س يف هذا حديث �صحيح‪ .‬انظر‪:‬العلل‪ ،‬للدارقطني ‪ ،193/13‬تهذيب الكمال‪ ،‬للمزي‪،109/29‬‬
‫التلخي�ص احلبري‪ ،‬البن حجر ‪ ،71/3‬اجلامع لعلوم الإمام �أحمد ‪.14-13/15‬‬

‫‪300‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بالدي ��ن(‪ ،)1‬و�أجم ��ع العلماء على النهي عن بيع الدين بالدي ��ن(‪ ،)2‬وعقد اال�ست�صناع فيه‬
‫ت�أجيل البدلني فهو بيع دين بدين(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن احلديث �ضعيف الي�صلح االحتجاج ب ��ه(‪ ،)4‬و�أما الإجماع على �أن بيع الدين‬
‫بالدين ال يجوز‪ ،‬فال ينطبق على جميع ال�صور التي ي�شملها بيع الدين بالدين(‪ ،)5‬واملنهي عنه‬
‫يف �صورة بيع الدين بالدين هو ما مل يكن للنا�س به حاجة‪� ،‬أو م�صلحة؛ لأن الذمتني تن�شغالن‬
‫بغ�ي�ر فائدة‪ ،‬ف�إنه مل يتعجل �أحدهما ما ي�أخذه فينتفع بتعجيله وينتفع �صاحب امل�ؤخر بربحه‪،‬‬
‫بل كالهما ا�شتغلت ذمته بغري فائدة(‪ ،)6‬وهذا بخالف اال�ست�صناع ف�إن احلاجة ما�سة لت�أخري‬
‫العو�ضني‪ ،‬والفائدة موجودة يف �شغل الذمتني‪ ،‬ال�سيما يف هذا الع�صر(‪.)7‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪ :‬الأحادي ��ث التي وردت يف �صنع النب ��ي × للخامت‪ ،‬و�صنع ال�صحابة‬
‫ا�ص َط َن َع َخاتمَ ً ا‬ ‫للخ ��وامت‪ ،‬منه ��ا‪ :‬عن عبداهلل بن عمر ر�ضي اهلل عنهم ��ا‪� « :‬أَنَّ ال َّن ِب َّي × ْ‬
‫ا�س َخ َوا ِت َيم ِمنْ َذ َه ٍب‪َ ،‬ف َر ِق َي‬ ‫ا�ص َط َن َع ال َّن ُ‬‫ِمنْ َذ َه ٍب‪َ ،‬و َج َع َل َف َّ�ص ُه فيِ َب ْط ِن َك ِّف ِه �إِ َذا َل ِب َ�سهُ‪َ ،‬ف ْ‬
‫ا ِمل ْنبرَ َ ‪َ ،‬ف َح ِم َد اللهَّ َ َو�أَ ْث َنى َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪�« :‬إِنيِّ ُكنْتُ ْ‬
‫ا�ص َط َن ْع ُت ُه‪َ ،‬و�إِنيِّ َال �أَ ْل َب ُ�س ُه» َف َن َب َذ ُه‪َ ،‬ف َن َب َذ‬
‫ا�س» متفق عليه(‪.)8‬‬ ‫ال َّن ُ‬

‫((( انظر‪ :‬املدونة‪ ،‬للإمام مالك ‪ ،376/3‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.37/4‬‬


‫(( ( قال ابن املنذر‪ «:‬و�أجمعوا على �أن بيع الدين بالدين ال يجوز» الإجماع‪ ،‬البن املنذر‪� ،‬ص‪ .132‬وانظر‪ :‬البناية‪ ،‬للعيني‬
‫‪ ،395/8‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.37/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املنتقى‪ ،‬للباجي ‪ ،300/4‬التاج والإكليل‪ ،‬للمواق ‪.476/6‬‬
‫((( انظر تخريج احلديث‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الربا‪ ،‬لل�سلطان‪� ،‬ص‪.95-81‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.294/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.525/2‬‬
‫((( رواه البخاري‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب من جعل ف�ص اخلامت يف بطن كفه‪ ،‬برقم ‪ ،5876‬وم�سلم‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب طرح‬
‫خامت الذهب‪ ،‬برقم ‪.2091‬‬

‫‪301‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وعن �أن�س بن مالك ‪�« :‬أَ َّن ُه َر�أَى فيِ َي ِد َر ُ�س ِول اللهَّ ِ × َخاتمَ ً ا ِمنْ َو ِر ٍق َي ْو ًما َو ِاحدً ا‪،‬‬
‫ول اللهَّ ِ × َخاتمَ َ هُ‪َ ،‬ف َط َر َح‬ ‫وها‪َ ،‬ف َط َر َح َر ُ�س ُ‬ ‫خل َوا ِت َيم ِمنْ َو ِر ٍق َو َل ِب ُ�س َ‬‫ا�ص َط َن ُعوا ا َ‬
‫ا�س ْ‬‫ُث َّم �إِنَّ ال َّن َ‬
‫ا�س َخ َوا ِتي َم ُه ْم» متفق عليه(‪.)9‬‬ ‫ال َّن ُ‬
‫(�ص َن َع ال َّن ِب ُّي × َخاتمَ ً ا‪َ ،‬ق َال‪�« :‬إِ َّنا ا َّت َخ ْذ َنا َخاتمَ ً ا‪َ ،‬و َن َق ْ�ش َنا‬ ‫وعن �أن�س بن مالك ‪َ :‬‬
‫ال َي ْن ُق َ�ش َّن َعلَ ْي ِه �أَ َحدٌ»)متفق عليه(‪.)10‬‬ ‫فِي ِه َن ْق ً�شا‪َ ،‬ف َ‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن الأحادي ��ث‪� :‬أن النب ��ي × و�صحابت ��ه الك ��رام ا�ست�صنع ��وا‬
‫اخلوامت؛ مما يدل على جواز اال�ست�صناع‪ ،‬وطرح النبي × للخامت؛ لأنه من الذهب‪ ،‬وال‬
‫عالقة له بحكم اال�ست�صناع(‪.)11‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أنه م ��ن املحتمل �أن النبي  و�صحابته ق ��د دفعوا الثمن يف جمل�س‬
‫ا�ست�صناعا ب�ش ��رط ال�سلم‪� ،‬أو دفعوا املادة اخلام للخ ��امت‪ ،‬فيكون العقد‬ ‫ً‬ ‫العق ��د‪ ،‬فيك ��ون‬
‫�إجارة ال ا�ست�صناع ًا‪ ،‬وهو جائز عند اجلميع(‪.)12‬‬
‫�أجيب‪ :‬ب�أنه لو وقع �شيء من ذلك لنقل �إلينا؛ لأن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله‪،‬‬
‫ثم �إن كث ًريا من ال�صحابة فقراء‪ ،‬ال ميلكون املادة التي ي�صنع منها اخلامت(‪.)13‬‬
‫ُرد‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�صلح اال�ست ��دالل بهذه الأحادي ��ث على جواز اال�ست�صن ��اع امل�ؤجل؛ لأن‬
‫اال�ست�صن ��اع يف الذه ��ب والف�ض ��ة ال يجوز‪ ،‬ف�إن م ��ن املحتمل �أن يك ��ون النبي × �أعطاه‬
‫امل ��ادة اخلام‪� ،‬أو ا�ست�صنعه والنبي × قائم عنده من غري ت�أجيل‪ ،‬ولي�س يف احلديث ما‬
‫(( ( رواه البخاري‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب خامت الف�ضة‪ ،‬برقم ‪ ،5868‬وم�سلم‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب يف طرح اخلوامت‪ ،‬برقم ‪.2093‬‬
‫(‪ ( (1‬رواه البخاري‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب اخلامت يف اخلن�صر‪ ،‬برقم ‪ ،5874‬وم�سلم‪ ،‬كتاب اللبا�س‪ ،‬باب لب�س النبي ×‬
‫خامتا من ورق نق�شه حممد ر�سول اهلل‪ ،‬ولب�س اخللفاء له من بعده‪ ،‬برقم ‪.2092‬‬
‫انظر‪ :‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪ ،123/4‬فتح القدير‪ ،‬البن الهمام ‪.115/7‬‬ ‫(‪ ((1‬‬
‫اال�ست�صناع‪ ،‬للثبيتي‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص ‪.1048‬‬ ‫(‪( (1‬‬
‫(‪ ((1‬اال�ست�صناع‪ ،‬للثبيتي‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص ‪ ،1048‬ال�شروط التعوي�ضية يف‬
‫املعامالت املالية‪ ،‬لعياد العنزي ‪.424/1‬‬

‫‪302‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يدل على �أن العقد مل يقع ناجزًا(‪.)1‬‬


‫�ول اللهَّ ِ × ِ�إلىَ ُف َال َن َة ‪ْ -‬ام َر�أَ ٍة ِمنَ‬ ‫الدلي ��ل الث ��اين‪ :‬عن �سهل ‪َ ،‬ق َال‪�َ :‬أ ْر َ�س َل َر ُ�س � ُ‬
‫المَكِ ال َّن َّج ��ا َر‪� ،‬أَ ْن َي ْع َم َل يِل َ�أ ْع َوا ًدا‪� ،‬أَ ْجل ُِ�س َعلَ ْيه َِّن‬ ‫الأَ ْن َ�ص ��ا ِر َق ْد َ�س َّم َاها َ�س ْه ٌل ‪ُ « -‬مرِي ُغ َ‬
‫ا�س» َف�أَ َم َر ْت ُه َف َع ِم َل َها ِمنْ َط ْر َفا ِء ال َغا َب ِة‪ُ ،‬ث َّم َجا َء ِب َها‪َ ،‬ف�أَ ْر َ�س َل ْت ِ�إلىَ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ‬
‫�إِ َذا َك َّل ْمتُ ال َّن َ‬
‫×‪َ ،‬ف�أَ َم َر ِب َها َف ُو ِ�ض َع ْت َها هُ َنا» متفق عليه(‪.)2‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × ا�ست�صنع املنرب‪ ،‬وفي ��ه داللة على جواز‬
‫اال�ست�صناع(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن املر�أة متربعة‪ ،‬وهي الت ��ي طلبت من النبي × �أن تعمل له من ًربا‪ ،‬كما‬
‫ول اللهَّ ِ �أَ َال �أَ ْج َع � ُ�ل َل َك َ�ش ْي ًئا‬
‫ج ��اء عن ��د البخاري عن جاب ��ر ‪� «:‬أَنَّ ْام َر�أَ ًة َقا َل ْت‪َ :‬ي ��ا َر ُ�س َ‬
‫َت ْق ُع� � ُد َع َل ْي� � ِه‪َ ،‬ف ِ�إنَّ ليِ ُغ َال ًما نجَ َّ ا ًرا؟ َق َال‪�ِ « :‬إ ْن �شِ � � ْئتِ » َف َع ِم َل � ِ�ت ا ِمل ْنبرَ َ »(‪« ،)4‬فلما ح�صل لها‬
‫القب ��ول �أمكن �أن يبطئ الغالم بعمله‪ ،‬ف�أر�سل ي�ستنجزها �إمتامه لعلمه بطيب نف�سها مبا‬
‫بذلته»(‪.)5‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أنه ال ي ��كاد يخلو ع�ص ��ر �إىل يومنا هذا‪� ،‬إال و�أه ��ل العلم وغريهم‬
‫يتعاق ��دون باال�ست�صناع على عمل �شيء مم ��ا يحتاجونه دون نكري من �أحد‪ ،‬وهذا �إجماع‬
‫عملي‪ ،‬وهو من �أقوى احلجج على جوازه(‪.)6‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.549/2‬‬


‫(( ( رواه البخاري‪،‬كت ��اب اجلمع ��ة‪ ،‬ب ��اب اخلطبة عل ��ى املنرب‪ ،‬برقم ‪ ،917‬وم�سل ��م‪ ،‬كتاب امل�ساجد‪ ،‬ب ��اب جواز اخلطوة‬
‫واخلطوتني يف ال�صالة‪ ،‬برقم‪.544‬‬
‫((( انظر‪ :‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،139/12‬تبيني احلقائق‪ ،‬للزيلعي ‪.123/4‬‬
‫(( ( كتاب ال�صالة‪ ،‬باب اال�ستعانة بالنجار وال�صناع يف �أعواد املنرب وامل�سجد‪ ،‬برقم‪.448‬‬
‫((( فتح الباري‪ ،‬البن حجر ‪.544/1‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬فت ��ح القدي ��ر‪ ،‬البن الهم ��ام ‪ ،115/7‬جممع الأنه ��ر‪ ،‬لأفن ��دي ‪ ،106/2‬املمتع‪ ،‬البن عثيم�ي�ن ‪ ،346/10‬عقد‬
‫اال�ست�صناع‪ ،‬للزرقا‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص‪.744‬‬

‫‪303‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن عمل النا�س ال يعد حج ��ة‪ ،‬والذين ر�أوا عدم اجلواز هم اجلمهور‪ ،‬وهم‬
‫�أكرث من الذين ر�أوا جوازه(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪�« :‬أن احلاجة تدع ��و �إليه؛ لأن الإن�سان قد يحتاج �إىل خف �أو نعل من‬
‫جن�س خم�صو�ص‪ ،‬ونوع خم�صو�ص‪ ،‬على قدر خم�صو�ص و�صفة خم�صو�صة‪ ،‬وقلما يتفق‬
‫م�صنوعا؛ فيحتاج �إىل �أن ي�ست�صنع‪ ،‬فلو مل يجز؛ لوقع النا�س يف احلرج»(‪.)2‬‬ ‫ً‬ ‫وجوده‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن ه ��ذا احلرج ميك ��ن �أن يرفع مب ��ا �أباح ��ه اهلل من العق ��ود؛ كال�سلم يف‬
‫ال�صناعات‪ ،‬والإجارة‪ ،‬واملواعدة(‪.)3‬‬
‫�أجي ��ب‪ :‬ب�أن احلاجة �إىل اال�ست�صناع قائمة والعق ��ود الأخرى ال تفي بحاجة النا�س‪،‬‬
‫فال�سل ��م ي�شرتط ل�صحته تعجيل الثم ��ن‪ ،‬وفيه من املخاطر ال�شيء الكثري الذي قد يجعل‬
‫امل�ست�صن ��ع يف جهد وم�شق ��ة بحيث يخ�شى على ماله املدفوع م ��ن الإنكار‪ ،‬ويخ�شى الغ�ش‬
‫يف امل�صن ��وع‪ ،‬والإجارة فيها تقدمي املواد اخلام‪ ،‬وامل�ست�صن ��ع ال دراية عنده ب�أنواع املواد‬
‫اخل ��ام وموا�صفاتها‪ ،‬خا�صة يف ال�صناعات الكب�ي�رة؛ كالطيارات‪ ،‬والباخرات‪ ،‬وغريها‪،‬‬
‫ول ��و �أخل ال�صان ��ع بال�شروط خ�سر املواد التي قدمها‪ ،‬ورمب ��ا مل يح�ض بالتعوي�ض �إال بعد‬
‫حماكمة قد تطول‪ ،‬واملواعدة فيها خطر على ال�صانع ب�أن امل�ست�صنع قد ال يفي مبا وعد‪،‬‬
‫فيت�ض ��رر خا�ص ��ة يف ال�صفقات التجارية ال�ضخمة‪ ،‬وقد تع ��ددت �سبل االحتيال والتزوير‬
‫والغ� ��ش مم ��ا يجعل املال يف خطر‪ ،‬واحلاجة �إىل اال�ست�صن ��اع قائمة؛ لأنه يحمي ال�صانع‬
‫وامل�ست�صنع من كل هذه الأخطار(‪.)4‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬عقد اال�ست�صناع‪ ،‬لل�سالو�س‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص‪.779‬‬
‫((( بدائع ال�صنائع‪ ،‬للكا�ساين ‪.3/5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقد اال�ست�صناع‪ ،‬لل�سالو�س‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص‪.779‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اال�ست�صناع‪ ،‬للثبيتي‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص ‪ ،1050‬اخلدمات اال�ستثمارية‬
‫يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.527-526/2‬‬

‫‪304‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الرتجي ��ح‪ :‬بعد عر�ض القول�ي�ن الواردين يف هذه امل�س�ألة‪ ،‬و�أدل ��ة كل قول‪ ،‬ومناق�شة‬
‫م ��ا يحتاج منه ��ا �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الق ��ول الراجح هو القول الثاين‪،‬‬
‫القائل بجواز عقد اال�ست�صناع؛ وذلك �أن اال�ست�صناع ممنوع للغرر‪ ،‬واحلاجة جتيز الغرر‬
‫ب�ش ��روط كما �سب ��ق بيان ذلك(‪ ،)1‬فاحلاج ��ة ما�سة �إىل اال�ست�صن ��اع‪ ،‬وفيه من امل�صالح‬
‫الكب�ي�رة للمجتمع‪ ،‬ومنعه يوقع النا�س يف حرج �شدي ��د‪ ،‬خا�صة �أن النا�س يف هذا الع�صر‬
‫لي�س ��وا كال�سابق ي�ست�صنع ��ون �سيف ًا �أو �آني ًة �أو‪ ‬خف ًا‪ ،‬بل تو�سع ��ت دائرة اال�ست�صناع بحيث‬
‫�شمل ��ت كل ال�صناع ��ات الثقيلة‪ ،‬واخلفيف ��ة‪ ،‬واملتو�سط ��ة‪ ،‬الربية‪ ،‬والبحري ��ة‪ ،‬واجلوية؛‬
‫ً‬
‫�شروطا؛‬ ‫كال�سي ��ارات واملعدات‪ ،‬وال�سفن والطائرات ونحوها‪ ،‬وقد و�ض ��ع العلماء جلوازه‬
‫فجاء يف قرار جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن عقد اال�ست�صناع‪:‬‬
‫«‪�-1‬إن عق ��د اال�ست�صن ��اع ‪-‬وه ��و عق ��د وارد عل ��ى العم ��ل والعني يف الذم ��ة‪ -‬ملزم‬
‫للطرفني‪� ،‬إذا توافرت فيه الأركان وال�شروط‪.‬‬
‫‪ –2‬ي�شرتط يف عقد اال�ست�صناع ما يلي‪� :‬أ – بيان جن�س امل�ست�صنع‪ ،‬ونوعه‪ ،‬وقدره‪،‬‬
‫و�أو�صافه املطلوبة‪ .‬ب – �أن يحدد فيه الأجل‪.‬‬
‫‪ – 3‬يج ��وز يف عق ��د اال�ست�صناع ت�أجيل الثمن كله‪� ،‬أو تق�سيط ��ه �إىل �أق�ساط معلومة‬
‫لآجال حمددة»(‪.)2‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم اال�ست�صناع املوازي‬
‫اال�ست�صن ��اع امل ��وازي جائ ��ز على ر�أي جمه ��ور الفقهاء املعا�صري ��ن املجيزين لعقد‬
‫اال�ست�صن ��اع الأ�صلي �إذا مت ب�شروطه(‪)3‬؛ جاء يف م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معامالت‬

‫((( انظر �ص ‪ 183‬من هذا البحث‪.‬‬


‫(( ( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪.67/3 ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬رقم ‪ ،67/3‬قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪،97/1‬‬
‫املعاي�ي�ر ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،150‬عقد اال�ست�صناع‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف =‬

‫‪305‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫البنوك الإ�سالمية‪«:‬يرى امل�ؤمتر ج ��واز ا�ستعمال ال�سلم املوازي‪ ،‬واال�ست�صناع املوازي‪...‬‬


‫يو�ص ��ي امل�ؤمت ��ر هيئ ��ات الرقاب ��ة ال�شرعي ��ة يف امل�ص ��ارف الإ�سالمي ��ة بو�ض ��ع النماذج‬
‫وال�ضوابط لعقدي ال�سلم واال�ست�صناع‪ ،‬وخا�صة ال�سلم املوازي واال�ست�صناع املوازي‪ ،‬مبا‬
‫يتف ��ق مع الأحكام ال�شرعية؛ لئال يتحول مع التطبيق العملي غري املن�ضبط �إىل الوقوع يف‬
‫املحذورات ال�شرعية»(‪.)1‬‬
‫وال�ش ��روط الت ��ي يج ��ب مراعاتها كي يتف ��ق عقد اال�ست�صن ��اع املوازي م ��ع الأحكام‬
‫ال�شرعي ��ة‪�:‬أن يت ��م الف�صل ب�ي�ن عقدي اال�ست�صن ��اع‪ ،‬و�أن يتملك امل�ص ��رف ال�سلعة متل ًكا‬
‫قب�ضا حقيق ًيا قبل بيعها‪ ،‬و�أن يكون �ضمان ال�سلعة عليه‬ ‫حقيق ًي ��ا قبل بيعها‪ ،‬و�أن يقب�ضها ً‬
‫جتاه امل�ست�ص ِنع(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف اال�ست�صناع املوازي‬
‫الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �أنتجت اال�ست�صن ��اع املوازي لدوره الكب�ي�ر يف تن�شيط‬
‫ال�صناع ��ة‪ ،‬ويف فتح جماالت وا�سعة للتمويل والنهو� ��ض باالقت�صاد الإ�سالمي(‪ ،)3‬وميكن‬
‫تطبيق ��ه للتمويل يف جميع امل�شاريع ال�صناعية‪ ،‬وم�شاري ��ع البناء ونحوها مما دخلت فيه‬
‫ال�صناعة(‪ ،)4‬والأمثلة التي ميكن تطبيقها بعقد اال�ست�صناع املوازي كثرية(‪.)5‬‬

‫= ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪ ،240/1‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.534/2‬‬
‫((( تو�صي ��ات وفت ��اوى م�ؤمتر امل�ستجدات الفقهية يف معام�ل�ات البنوك الإ�سالمية‪ ،‬املنعقد باملرك ��ز الثقايف الإ�سالمي‪،‬‬
‫اجلامعة الأردنية ‪ 23-21‬ذو القعدة ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬تو�صي ��ات وفت ��اوى م�ؤمتر امل�ستج ��دات الفقهي ��ة يف معامالت البن ��وك الإ�سالمي ��ة‪ ،‬املنعقد باملرك ��ز الثقايف‬
‫الإ�سالم ��ي‪ ،‬اجلامع ��ة الأردني ��ة ‪ 23-21‬ذو القعدة ‪1414‬ه‪ ،‬عق ��د اال�ست�صناع‪ ،‬ملحمد الأ�شق ��ر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث‬
‫فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪ ،241/1‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي‬
‫‪ ،535/2‬ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬للحقيل‪� ،‬ص‪.366‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬رقم‪.67/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي‪� ،‬ص‪.157‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪.98/1‬‬

‫‪306‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثالث‬
‫الصكوك اإلسالمية‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف ال�صكوك الإ�سالمية‬
‫ال�صك ��وك جمع �ص ��ك‪ ،‬وهو يف اللغة ال�ض ��رب(‪ ،)1‬قال اب ��ن فار�س‪«:‬ال�صاد والكاف‬
‫�أ�ص ��ل يدل على تالق ��ي �شيئني بقوة و�شدة‪ ،‬حتى ك�أن �أحدهم ��ا ي�ضرب الآخر»(‪ ،)2‬ويطلق‬
‫ال�ص ��ك ويراد به الكتاب الذي تكت ��ب فيه املعامالت والأقارير(‪ ،)3‬وهو تعريب لكلمة جك‬
‫الفار�سية(‪.)4‬‬
‫ح�ص�صا‬
‫ً‬ ‫ا�صطالحا؛ فقد عرفت ب�أنها‪«:‬وثائ ��ق مت�ساوية القيمة متثل‬
‫ً‬ ‫�أم ��ا ال�صكوك‬
‫�شائع ��ة يف ملكي ��ة �أعيان‪� ،‬أو مناف ��ع‪� ،‬أو خدم ��ات‪� ،‬أو موجودات م�شروع مع�ي�ن‪� ،‬أو ن�شاط‬
‫ا�ستثم ��اري خا� ��ص‪ ،‬وذل ��ك بعد حت�صي ��ل قيم ��ة ال�صكوك‪ ،‬وقف ��ل باب االكتت ��اب‪ ،‬وبدء‬
‫ا�ستخدامها فيما �أ�صدرت من �أجله»(‪.)5‬‬
‫ح�ص�صا �شائعة يف ملكية �أعيان‪� ،‬أو‬
‫ً‬ ‫وعرفت ب�أنها‪�« :‬أوراق مالية حمددة املدة‪ ،‬متثل‬
‫(‪)6‬‬
‫منافع‪� ،‬أو‪ ‬خدمات‪ ،‬تخول مالكها منافع‪ ،‬وحتمله م�س�ؤوليات مبقدار ملكيته»‪.‬‬
‫ح�ص�صا‬
‫ً‬ ‫وميكن تعريف ال�صكوك الإ�سالمية‪ ،‬ب�أنها‪� :‬أوراق مالية حمددة املدة‪ ،‬متثل‬
‫�شائع ًة‪ ،‬قابلة للتداول‪ ،‬وفق ال�ضوابط ال�شرعية‪.‬‬
‫ويطل ��ق م�صطل ��ح ال�سندات ويراد به ��ا ال�صك ��وك‪� ،‬إال �أن الغالب �إط�ل�اق م�صطلح‬

‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،1596/4‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.456/10‬‬ ‫((( ‬


‫معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.276/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬امل�صباح املنري‪ ،‬للفيومي ‪ ،345/1‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬للمناوي‪� ،‬ص‪.217‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪ ،457/10‬تاج العرو�س‪ ،‬للزبيدي ‪.243/27‬‬ ‫((( ‬
‫املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪.238‬‬ ‫((( ‬
‫عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حلامد مريه‪� ،‬ص‪.322‬‬ ‫(( (‬

‫‪307‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صكوك على ال�سندات ال�شرعية‪ ،‬للتفريق بينها وبني ال�سندات املحرمة(‪.)1‬‬


‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�صكوك الإ�سالمية‬
‫ال�سن ��دات وثيق ��ة يلتزم امل�ص ��در مبوجبها �أن يدف ��ع حلاملها القيم ��ة اال�سمية عند‬
‫اال�ستحق ��اق م ��ع فائ ��دة متف ��ق عليه ��ا‪� ،‬أو ترتيب نف ��ع م�ش ��روط(‪ ،)2‬فال�سن ��د عبارة عن‬
‫معاملة ربوي ��ة(‪� ،)3‬أما ال�صك فيمثل ح�صة �شائعة‪ ،‬وحامله مم ��ول للم�شروع‪� ،‬أو الن�شاط‬
‫اال�ستثم ��اري‪ ،‬وعوائده نا�شئة عن ربح‪� ،‬أو غلة العق ��ود التي بنيت هيكلة ال�صكوك عليها‪،‬‬
‫فلحامله غنم ��ه‪ ،‬وعليه غرمه(‪ ،)4‬فال�صكوك تطوير وهند�س ��ة مالية �إ�سالمية لل�سندات‪،‬‬
‫وهو من �أح�سن البدائل لها متى ما روعيت فيه ال�ضوابط ال�شرعية(‪.)5‬‬
‫ولل�صكوك �أنواع متعددة بح�سب العقد املراد ت�صكيكه‪ ،‬وميكن �إ�صدارها بجميع �صيغ‬
‫العقود الإ�سالمية من م�ضاربة‪ ،‬و�إجارة‪ ،‬ومرابحة‪ ،‬و�سلم‪ ،‬وا�ست�صناع‪ ،‬ومزارعة(‪.)6‬‬
‫املطل��ب الثالث‪ :‬درا�س��ة للهند�س��ة املالية الإ�سالمي��ة يف ال�صكوك‬
‫الإ�سالمية‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم ال�صكوك الإ�سالمية‬
‫ال�صك ��وك الإ�سالمي ��ة بدي ��ل �شرعي عن ال�سن ��دات‪ ،‬وهي جائ ��زة بالإجماع متى ما‬
‫مت فيه ��ا مراع ��اة ال�ضواب ��ط ال�شرعي ��ة(‪)7‬؛ جاء يف قرار جمم ��ع الفقه الإ�سالم ��ي ب�ش�أن‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬املعاي�ي�ر ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪�� � ،‬ص‪ ،238‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالم ��ي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬رقم‬
‫‪.88/8‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الأ�سهم وال�سندات‪ ،‬للخليل‪� ،‬ص‪.291‬‬
‫((( انظر‪ :‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪.353/14‬‬
‫(( ( انظر‪:‬عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حلامد مرية‪� ،‬ص‪ ،323‬ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬للحقيل‪� ،‬ص‪384‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الأ�سهم وال�سندات‪ ،‬للخليل‪� ،‬ص‪.329‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪.239-238‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬قرار جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الع ��دد الرابع‪ ،‬رق ��م ‪ ،88/8‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪،‬‬

‫‪308‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�سندات‪«:‬م ��ن البدائل لل�سن ��دات املحرمة ‪�-‬إ�ص ��دا ًرا �أو �شرا ًء �أو ت � اً‬
‫�داول‪ -‬ال�سندات �أو‬
‫ال�صكوك القائمة على �أ�سا�س امل�ضاربة مل�شروع �أو ن�شاط ا�ستثماري معني؛ بحيث ال يكون‬
‫ملالكيها فائدة �أو نفع مقطوع‪ ،‬و�إمنا تكون لهم ن�سبة من ربح هذا امل�شروع بقدر ما ميلكون‬
‫من هذه ال�سندات �أو ال�صكوك وال ينالون هذا الربح �إال �إذا حتقق فعلاً »(‪.)1‬‬
‫وتختل ��ف �أحكام ال�ص ��ك تب ًعا الخت�ل�اف العقد �أو ال�صي ��غ اال�ستثماري ��ة التي �صدر‬
‫ال�صك عل ��ى �أ�سا�سها‪ ،‬ف�صكوك امل�ضارب ��ة حتكمها �أحكام امل�ضارب ��ة‪ ،‬و�صكوك الإجارة‬
‫حتكمه ��ا �أح ��كام الإجارة‪ ،‬و�صكوك املزارع ��ة حتكمها �أحكام املزارع ��ة‪ ،‬وهكذا يف �سائر‬
‫العق ��ود الإ�سالمي ��ة(‪ ،)2‬ومبا �أن ال�صكوك الإ�سالمية بديل �شرع ��ي عن ال�سندات الربوية‬
‫فالبد �أن تبتعد كل البعد عن التعامل بالربا؛ لذا يجب �أن يتم مراعاة الأمور التالية‪:‬‬
‫الأم ��ر الأول‪� :‬إذا كان التداول قبل العمل يف امل�شروع فتطبق عليه �أحكام ال�صرف؛‬
‫لأنه مبادلة مال مبال(‪.)3‬‬
‫الأم ��ر الث ��اين‪� :‬إذا كان التداول بعد العمل بامل�شروع وموجوداته ديو ًنا في�أخذ �أحكام‬
‫التعام ��ل بالدي ��ون(‪� ،)4‬أم ��ا �إذا كانت موج ��ودات امل�ش ��روع خمتلطة من النق ��ود والديون‬
‫والأعي ��ان واملنافع؛ ف�إنه يجوز تداول ال�صكوك وفق ًا لل�سعر املرتا�ضى عليه‪ ،‬على �أن يكون‬
‫الغالب فيها الأعيان واملنافع(‪.)5‬‬

‫� ��ص‪ ،240‬بح ��وث يف االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬للق ��ره داغي‪� ،‬ص‪ ،302‬عقود التمويل امل�ستج ��دة يف امل�صارف الإ�سالمية‪،‬‬
‫حلامد مرية‪� ،‬ص‪ ،322‬الأ�سهم وال�سندات‪ ،‬للخليل‪� ،‬ص‪.329‬‬
‫(( ( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�ساد�س‪ ،‬رقم ‪.62/11‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬للنعيمي‪� ،‬ص‪.199‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬قرار جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الع ��دد الرابع‪ ،‬رق ��م ‪ ،88/8‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪،‬‬
‫�ص‪ ،243‬الأ�سهم وال�سندات‪ ،‬للخليل‪� ،‬ص‪.328‬‬
‫((( املراجع ال�سابقة‪.‬‬
‫((( املراجع ال�سابقة‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الأم ��ر الثال ��ث‪ :‬ال يجوز �أن ي�ضمن م�صدر ال�صك ر�أ�س املال ب�أن يتعهد ب�شرائها من‬
‫مقطوعا �أو من�سو ًبا �إىل ر�أ�س‬
‫ً‬ ‫ربحا‬
‫حملتها بالقيمة اال�سمية بعد الإ�صدار‪� ،‬أو �أن ي�ضمن له ً‬
‫املال‪ ،‬فال بد من اال�ستواء يف املغنم واملغرم(‪.)1‬‬
‫الأم ��ر الراب ��ع‪ :‬ال يجوز �إ�صدار �صك ��وك ال يت�صور دخولها يف ملكي ��ة حملة ال�صك‪،‬‬
‫كمراف ��ق الدولة التي ال ميكن �أن تتنازل عنها؛ لأن البيع �سيكون �صور ًيا‪ ،‬والربح احلا�صل‬
‫حلامل ال�صك ربح مامل ي�ضمن(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف ال�صكوك الإ�سالمية‬
‫الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت ال�صك ��وك الإ�سالمية للم�صال ��ح الكبرية التي‬
‫تقدمه ��ا؛ فه ��ي �أداة مهمة لتن�شي ��ط االقت�صاد الإ�سالمي(‪)3‬؛ فال�صك ��وك ت�سد احلاجات‬
‫التمويلية لبناء امل�شاريع بكافة �ألوانها‪ ،‬وت�ستوعب فوائ�ض الأموال‪ ،‬وتفتح للنا�س جماالت‬
‫ا�ستثماري ��ة وا�سعة لتوظيفها يف م�شاريع تنموية(‪ ،)4‬وتنوع املعرو�ض يف الأ�سواق املالية(‪،)5‬‬
‫مع اطمئنان حاملها مب�شروعيتها‪ ،‬وخماطرها املنخف�ضة(‪� ،)6‬إىل غري ذلك من امل�صالح‬
‫التي حتققها ال�صكوك الإ�سالمية(‪.)7‬‬

‫(( ( انظ ��ر‪ :‬قرار جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الع ��دد الرابع‪ ،‬رق ��م ‪ ،88/8‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪،‬‬
‫�ص‪ ،244‬ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬للحقيل‪� ،‬ص‪.387‬‬
‫((( انظر‪ :‬ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬للحقيل‪� ،‬ص‪.389‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بحوث يف فقه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬للقره داغي‪� ،‬ص‪.291‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حلامد مرية‪� ،‬ص‪.327‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬للنعيمي‪� ،‬ص‪.201‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حلامد مرية‪� ،‬ص‪.328‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.328-325‬‬

‫‪310‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الرابع‬
‫التورق المصرفي‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف التورق امل�صريف‬
‫وا�صطالحا‪� ،‬أما التورق امل�صريف فقد جاء تعريفه يف املجمع‬
‫ً‬ ‫�سبق تعريف التورق لغة‬
‫الفقهي الإ�سالمي ب�أنه‪«:‬قيـام امل�صرف بعمل منطي يتم فيه ترتيب بيع �سلعة (لي�ست من‬
‫الذهب �أو‪ ‬الف�ضة) من �أ�سواق ال�سلع العاملية �أو غريها‪ ،‬على امل�ستورق بثمن �آجل‪ ،‬على �أن‬
‫يلتزم امل�صرف –�إما ب�شرط يف العقد �أو بحكم العرف والعادة– ب�أن ينوب عنه يف بيعها‬
‫على م�شرت �آخر بثمن حا�ضر‪ ،‬وت�سليم ثمنها للم�ستورق»(‪.)1‬‬
‫أي�ضا ب�أنه‪«:‬قيام البائع(امل�ص ��رف) برتتيب عملية التورق للم�شرتي؛ بحيث‬ ‫وعرف � ً‬
‫يبي ��ع �سلعة على املتورق بثم ��ن �آجل‪ ،‬ثم ينوب البائع عن امل�شرتي ببي ��ع ال�سلعة نقدً ا على‬
‫طرف �آخر»(‪.)2‬‬
‫والتعريف ��ان متقارب ��ان �إال �أن التعريف الأول �أدق و�أ�ضبط؛ لأن ��ه ن�ص على �إن العمل‬
‫ال ��ذي يقوم ب ��ه امل�صرف يف ترتيب بيع ال�سلعة منط ��ي‪ ،‬و�إن ال�سلعة التي يتم بيعها لي�ست‬
‫من الذهب �أو الف�ضة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف‬
‫وخمرجا �شرع ًيا من الوقوع‬
‫ً‬ ‫�سبق بيان �أن التورق الفردي يعد هند�س ًة مالي ًة وتطوي ًرا‬
‫يف الرب ��ا‪ ،‬والت ��ورق امل�صريف فيه تطوير وهند�س ��ة مالية على الت ��ورق الفردي يف تو�سط‬
‫البائع(امل�صرف) يف �أن يبيع ال�سلعة بنقد عن املتورق اً‬
‫بدل من �أن يبيعها املتورق بنف�سه؛‬

‫((( ق ��رار املجم ��ع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة‪ ،‬ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪،‬‬
‫الدورة ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬القرار الثاين‪ ،‬يف الفرتة ‪1424 /10/23-19‬هـ‪.‬‬
‫(( ( ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬لل�سويلم‪� ،‬ص‪.380‬‬

‫‪311‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لتقلي ��ل اخل�سارة على العميل املتورق‪ ،‬ول�سرعة �إجناز املعامل ��ة(‪ ،)1‬وي�ستلم املتورق النقد‬
‫م ��ن البائع بعدما �ص ��ار مدي ًنا له بالثمن الآجل وقد كان يف الت ��ورق الفردي ي�ستلمها من‬
‫امل�شرتي النهائي مبا�شرة(‪.)2‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم التورق امل�صريف‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم التورق امل�صريف على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن التورق امل�صريف حمرم‪ .‬وهو ر�أي جمهور املعا�صرين(‪.)3‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن التورق امل�صريف جائز‪ .‬وهو ر�أي بع�ض املعا�صرين(‪.)4‬‬
‫�أدل ��ة الق ��ول الأول‪ :‬ا�ستدل بع�ض �أ�صحاب هذا القول بالأدلة التي متنع التورق‪ ،‬وقد‬
‫�سب ��ق بيانها وبيان املناق�شات ال ��واردة عليها‪ ،‬وا�ستدل الذين يرون جواز التورق الفردي‪،‬‬
‫وحت ��رمي التورق امل�ص ��ريف‪ ،‬ب�أن التورق امل�ص ��ريف تكتنفه بع�ض املحاذي ��ر ال�شرعية التي‬
‫ممنوعا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ً‬ ‫جتعله‬
‫‪� -1‬أن التنظيم يف عملية التورق بتو�سط امل�صرف يف �أن يبيع ال�سلعة وكالة عن امل�شرتي‪،‬‬
‫ي�ؤول �إىل ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬فلي�س هناك متلك حقيقي لل�سلعة وال قب�ض حقيقي؛ لأنه‬

‫(( ( انظر‪ :‬بيع العينة والتورق‪ ،‬لهناء احلنيطي‪� ،‬ص‪.261‬‬


‫((( املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.381‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬ق ��رار املجمع الفقه ��ي الإ�سالمي مبكة املكرمة‪ ،‬ب�ش� ��أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع� ��ض امل�صارف يف الوقت‬
‫احلا�ضر‪ ،‬الدورة ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬القرار الثاين‪ ،‬يف الفرتة ‪1424 /10/23-19‬ه‪ ،‬قرار جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن‬
‫الت ��ورق حقيقت ��ه و�أنواعه‪ ،‬قرار رق ��م ‪� ،)19/5(179‬أعمال وبحوث ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة للمجم ��ع الفقهي يف مكة‬
‫املكرم ��ة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬ش ��وال ‪1424‬ه‪ ،607 ،533 ،485 ،416/2 ،‬فقه املعام�ل�ات املالية املعا�صرة‪ ،‬للخثالن‪،‬‬
‫�ص‪ ،122‬بيع العينة والتورق‪ ،‬لهناء احلنيطي‪� ،‬ص‪.202-201‬‬
‫(( ( منهم ابن منيع‪ ،‬وحممد العثماين‪ ،‬وحممد القري‪ ،‬ونزيه حماد‪ .‬انظر‪� :‬أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع‬
‫الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬هـ‪ ،644 ،392 ،359/2 ،‬يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية‬
‫املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.184‬‬

‫‪312‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫لي� ��س للبائع وامل�شرتي غر�ض يف قب�ض ال�سلعة �أو متلكها؛ فهم ال يقومون بتمييزها �أو‬
‫تقييمها‪ ،‬وال�صورية ظاهرة فيها‪ ،‬واالحتيال‪ ،‬واملخالفة يف البيع(‪.)1‬‬
‫‪�« -2‬أن الت ��زام البائ ��ع يف عقد الت ��ورق بالوكالة يف بيع ال�سلعة مل�ش�ت�ر �آخر‪� ،‬أو ترتيب من‬
‫ي�شرتيه ��ا يجعله ��ا �شبيه ��ة بالعينة املمنوع ��ة �شرع ًا‪� ،‬س ��واء �أكان االلت ��زام م�شروط ًا‬
‫�صراحة �أم بحكم العرف والعادة املتبعة»(‪.)2‬‬
‫‪� -3‬أن املعامل ��ة يكتنفه ��ا الكثري من الغمو�ض يف اجلانب املتعلق بال�سوق الدولية على نحو‬
‫ال تكت�شفه حتى الهيئات ال�شرعية يف البنك(‪.)3‬‬
‫‪�-4‬أن واق ��ع ه ��ذه املعاملة حيلة للتو�صل للربا تقوم على من ��ح متويل نقدي بزيادة للعميل‬
‫فيه ��ا من امل�صرف يف معامالت البيع وال�شراء التي جتري منه‪ ،‬والتي هي �صورية يف‬
‫معظم �أحوالها(‪.)4‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪ :‬ا�ستدل �أ�صحاب القول الثاين بالأدلة التي تدل على جواز التورق‬
‫الفردي‪ ،‬وقد �سبق بيانها‪ ،‬و�أ�ضافوا على ذلك‪:‬‬
‫الدليل الأول‪� :‬أن التورق امل�صريف معاملة م�ستحدثة‪ ،‬والأ�صل يف املعامالت الإباحة‬

‫((( انظر‪ :‬ربح مامل ي�ضمن‪ ،‬للحقيل‪� ،‬ص ‪ ،349‬التورق كما جتريه امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬لل�سعيدي‪ ،‬بحث من�شور‬
‫�ضم ��ن �أعم ��ال وبحوث ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقه ��ي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعق ��دة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬ه‪،‬‬
‫‪.530/2‬‬
‫((( ق ��رار املجم ��ع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة‪ ،‬ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪،‬‬
‫الدورة ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬القرار الثاين‪ ،‬يف الفرتة ‪1424 /10/23-19‬هـ‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬التورق كما جتريه امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬لل�سعيدي‪ ،‬بحث من�شور �ضمن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة‬
‫ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬هـ‪.530/2 ،‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتموي ��ل الإ�سالمي‪ ،‬لل�سويلم‪� ،‬ص‪ ،407‬قرار املجمع الفقه ��ي الإ�سالمي مبكة املكرمة‪،‬‬
‫ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬الدورة ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬القرار الثاين‪ ،‬يف الفرتة‬
‫‪1424 /10/23-19‬هـ‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬وحتقق الغر�ض املن�شود من التورق الفردي بتكلفة �أقل‪ ،‬ودون‬
‫م�شقة �أو عناء‪ ،‬وال�شريعة جاءت لتح�صيل امل�صالح(‪.)1‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب� ��أن املفا�سد يف التورق امل�صريف �أكرث م ��ن امل�صالح التي يحققها‪ ،‬فهو من‬
‫قبيل امل�صلحة امللغاة‪ ،‬وقد دلت �أدلة القول الأول على منعه‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪� :‬أنه ال فرق بني التورق الفردي‪ ،‬والتورق امل�صريف(‪.)2‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬بالف ��رق بني التورق الذي تكلم عنه الفقه ��اء املتقدمون‪ ،‬والتورق امل�صريف؛‬
‫ج ��اء يف ق ��رار املجمع الفقهي ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت‬
‫احلا�ضر‪«:‬وهذه املعاملة غري التورق احلقيقي املعروف عند الفقهاء‪...‬فالتورق احلقيقي‬
‫يقوم على �شراء حقيقي ل�سلعة بثمن �آجل تدخل يف ملك امل�شرتي ويقب�ضها قب�ض ًا حقيقي ًا‬
‫وتق ��ع يف �ضمان ��ه‪ ،‬ثم يقوم ببيعه ��ا هو بثمن حال حلاجته �إليه‪ ،‬ق ��د يتمكن من احل�صول‬
‫علي ��ه وقد ال يتمكن‪ ،‬والفرق بني الثمنني الآج ��ل واحلال ال يدخل يف ملك امل�صرف الذي‬
‫ط ��ر�أ عل ��ى املعاملة لغر�ض ت�سويغ احل�صول على زيادة مل ��ا قدم من متويل لهذا ال�شخ�ص‬
‫مبعام�ل�ات �صورية يف معظ ��م �أحوالها‪ ،‬وه ��ذا ال يتوافر يف املعاملة املبين ��ة التي جتريها‬
‫بع�ض امل�صارف»(‪.)3‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض القولني‪ ،‬و�أدلة كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تب�ي�ن يل‪-‬واهلل �أعل ��م‪� -‬أن الراج ��ح �أن التورق امل�ص ��ريف حمرم؛ وذل ��ك للمحاذير التي‬
‫ذكره ��ا �أ�صح ��اب الق ��ول الأول‪ ،‬ومتى مت االبتعاد ع ��ن هذه املحاذي ��ر ال�شرعية‪ ،‬و�ضبط‬

‫(( ( انظر‪ :‬يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.179-178‬‬
‫(( ( انظر‪:‬حك ��م التورق كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية يف الوقت احلا�ض ��ر‪ ،‬للمنيع‪ ،‬بحث من�شور �ضمن �أعمال وبحوث‬
‫الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬ه‪.359/2 ،‬‬
‫قرار املجمع الفقهي الإ�سالمي مبكة املكرمة‪ ،‬ب�ش�أن مو�ضوع التورق كما جتريه بع�ض امل�صارف يف الوقت احلا�ضر‪،‬‬ ‫((( ‬
‫الدورة ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬القرار الثاين‪ ،‬يف الفرتة ‪1424 /10/23-19‬ه‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الت ��ورق امل�صريف بال�ضواب ��ط ال�شرعية‪ ،‬فال مانع من القول بجوازه‪ ،‬ب�أن تكون تلك ال�سلع‬
‫مملوك ��ة لل�شرك ��ة‪ ،‬ومتعينة لها مبوج ��ب الوثائق املعينة لها قبل بيعه ��ا للعميل‪ ،‬و�أال يكون‬
‫العمي ��ل ال ��ذي تبيع عليه ال�شركة ال�سلعة �آجلاً ‪ ،‬هو الذي ب ��اع ال�سلعة ب�صفته مال ًكا لها �أو‬
‫لأكرثه ��ا؛ لئال يك ��ون ذلك من بيع العينة‪ ،‬و�أال يكون هناك مواط� ��أة �أو حيلة على التمويل‬
‫بالفائدة الربوية(‪ .)1‬وهذا يحتاج لوجود هيئة �شرعية مع جهاز رقابة يزود الهيئة بتقارير‬
‫دورية عن مدى التزام امل�صرف بال�ضوابط ال�شرعية‪ ،‬والبعد عن املحاذير ال�شرعية(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف التورق امل�صريف‬
‫عل ��ى القول ال ��ذي يجيز الت ��ورق امل�صريف ف� ��إن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت‬
‫الت ��ورق امل�ص ��ريف للم�صالح الت ��ي يحققها للم�ص ��رف وللعميل من تقلي ��ل اخل�سارة على‬
‫العمي ��ل‪ ،‬و�سرعة �إجناز املعامل ��ة(‪ ،)3‬وانتفاع امل�صرف بكرثة العم�ل�اء الذين �سيتعاملون‬
‫مع ��ه للح�ص ��ول عل ��ى النق ��د ب�أقل تكلف ��ة‪ ،‬ودون م�شق ��ة �أو عن ��اء(‪� ،)4‬إىل غ�ي�ر ذلك من‬
‫امل�صال ��ح(‪� ،)5‬أما على الق ��ول الراجح الذي يحرم التورق امل�صريف ف� ��إن الهند�سة املالية‬
‫فيه ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب لتحرميه؛ لأنها عبارة عن حيلة ربوية‪ ،‬وال يختلف التورق‬
‫امل�ص ��ريف عن بي ��ع العينة‪ ،‬وال يتم فيه ملك حقيقي لل�سل ��ع �أو قب�ض حقيقي لها‪� ،‬إىل غري‬
‫ذلك من املحاذير ال�شرعية‪.‬‬

‫(( ( انظر‪:‬قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪.798/2‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للخثالن‪� ،‬ص‪.126‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بيع العينة والتورق‪ ،‬لهناء احلنيطي‪� ،‬ص‪.261‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬يف فقه املعامالت املالية وامل�صرفية املعا�صرة‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.179‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬التورق الفقهي وتطبيقات ��ه املعا�صرة‪ ،‬لعثمان �شبري‪� ،‬ص‪ ،22‬بيع العينة والت ��ورق‪ ،‬لهناء احلنيطي‪� ،‬ص‪-261‬‬
‫‪.262‬‬

‫‪315‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪316‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث اخلام�س‪:‬‬
‫بيع المرابحة لآلمر بالشراء‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع املرابحة للآمر بال�شراء‬
‫وا�صطالحا(‪� .)1‬أما املرابح ��ة يف اللغة فهي على وزن مفاعلة‬
‫ً‬ ‫�سب ��ق تعريف البيع لغة‬
‫م ��ن الربح‪ ،‬وهو النم ��اء يف التجارة‪ ،‬والزيادة والف�ضل(‪ ،)2‬فـــ«ال ��راء والباء واحلاء �أ�صل‬
‫واحد‪ ،‬يدل على �شف يف مبايعة»(‪ ،)3‬وال�شف الزيادة والف�ضل(‪.)4‬‬
‫واملرابحة يف اال�صطالح‪«:‬البيع بر�أ� ��س املال وربح معلوم»(‪ .)5‬وتعريفات املرابحة يف‬
‫املذاهب الفقهية قريبة من هذا املعنى(‪.)6‬‬
‫�أم ��ا بيع املرابح ��ة للآمر بال�شراء فقد ع ��رف ب�أنه‪:‬طلب �شخ� ��ص ي�سمى الآمر‪ ،‬من‬
‫�آخ ��ر ي�سمى امل�أمور‪ ،‬ب�أن ي�شرتي له �سلعة‪ ،‬ويع ��ده ب�أنه �إذا قام ب�شرائها‪� ،‬سي�شرتيها منه‪،‬‬
‫ويربحه فيها مقدا ًرا حمددًا(‪.)7‬‬
‫والتعريفات الأخرى لبيع املرابحة للآمر بال�شراء قريبة من هذا التعريف(‪.)8‬‬

‫((( انظر �ص‪ 204‬من هذا البحث‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬العني‪ ،‬للفراهيدي ‪ ،221/6‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.442/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.474/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬جممل اللغة‪،‬البن فار�س ‪ ،497/1‬تاج العرو�س‪ ،‬للزبيدي ‪.519/23‬‬
‫((( املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.136/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬بداية املبتدي‪ ،‬للمرغيناين‪� ،‬ص‪ ،137‬ال�شرح الكبري‪ ،‬للدردير ‪ ،159/3‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪.528/3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقود التحوط‪ ،‬لطالل الدو�سري‪� ،‬ص‪.334‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�ص ��رة‪ ،‬ملحم ��د الأ�شقر و�آخري ��ن ‪ ،71/1‬بيع املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪ ،28‬بي ��ع املرابحة للآمر‬
‫بال�ش ��راء‪ ،‬ل�سام ��ي حمود‪ ،‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬من�شوران يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫اخلام�س‪� ،‬ص‪.832،807‬‬

‫‪317‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ولبيع املرابحة للآمر بال�شراء م�سميات �أخرى‪ ،‬في�سمى املرابحة املركبة‪� ،‬أو املرابحة‬
‫للواعد بال�شراء‪� ،‬أو املرابحة امل�صرفية(‪.)1‬‬
‫املطلب الث��اين‪ :‬الهند�س��ة املالي��ة الإ�سالمية يف بي��ع املرابحة للآمر‬
‫بال�شراء‬
‫يف بي ��ع املرابحة للآمر بال�شراء تطوير وهند�سة مالية للمرابحة القدمية عن طريق‬
‫التلفي ��ق بني الأق ��وال الفقهية‪ ،‬والرتكيب ب�ي�ن العقود‪ ،‬فاملرابح ��ة الب�سيطة متر مبرحلة‬
‫واحدة‪� ،‬أما املرابحة املركبة متر مبرحلتني مرحلة الوعد‪ ،‬ومرحلة املعاقدة‪ ،‬فهي مركبة‬
‫من وعد بال�شراء من العميل‪ ،‬ووعد من امل�صرف بالبيع بطريق املرابحة‪ ،‬مع بيع ال�سلعة‬
‫يف املعاقدة النهائية(‪ ،)2‬وفيها تلفيق بني قول ال�شافعي بجواز املرابحة مع الوعد(‪ ،)3‬وقول‬
‫ملزما‪ ،‬فاملواعدة تنق�سم �إىل‬
‫اب ��ن �شربمة بالإلزام بالوع ��د(‪� ،)4‬إذا كان الوعد الذي فيها ً‬
‫مواعدة ملزمة‪ ،‬ومواعدة غري ملزمة(‪.)5‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها غري ملزم‬
‫اختل ��ف الفقهاء يف حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها غري ملزم‬
‫على قولني‪:‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪ ،382/2‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.261-260‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بي ��ع املرابح ��ة للآمر بال�شراء‪ ،‬لرفي ��ق امل�صري‪ ،‬من�شور يف جمل ��ة جممع الفقه الإ�سالم ��ي‪ ،‬العدد اخلام�س‪،‬‬
‫�ص‪.841‬‬
‫((( انظر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪.39/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪ ،278/6‬فقه الإمام ابن �شربمة الكويف‪ ،‬ملحمد العاين‪� ،‬ص‪.93‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪.71/1‬‬

‫‪318‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫القول الأول‪� :‬أنه بيع �صحيح‪ .‬وهو مذهب احلنفية(‪ ،)1‬وال�شافعية(‪ ،)2‬وظاهر اختيار‬
‫ابن تيمية(‪،)3‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬املخارج يف احليل‪ ،‬ملحمد بن احل�سن‪� ،‬ص‪ ،40‬املب�سوط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪.237/30‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬الأم‪ ،‬لل�شافعي ‪� .39/3‬إ�ضافة �إىل �أن الع�ب�رة عند ال�شافعية بظاهر العقود‪ ،‬وال يبطلون املعاملة لأجل احليل‪.‬‬
‫انظر‪ :‬رو�ضة الطالبني‪ ،‬للنووي ‪ ،115/5‬املنثور يف القواعد‪ ،‬للزرك�شي‪.93/2‬‬
‫((( جمم ��وع الفت ��اوى‪ ،‬البن تيمي ��ة ‪ ،303-302/29‬جام ��ع امل�سائل‪ ،‬البن تيمي ��ة ‪ .226-223/1‬وقد ن�س ��ب الدبيان �إىل‬
‫اب ��ن تيمي ��ة القول بالتحرمي‪ ،‬فقال بعد ذكر قول التحرمي‪«:‬وهو ظاهر ق ��ول ابن تيمية‪...‬وعلل ابن تيمية التحرمي ب�أن‬
‫ا�شرتاط الربح قبل �شراء الب�ضاعة يجعل املق�صود دراهم بدراهم» املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪ ،348-347/12‬و�أحال‬
‫يف احلا�شي ��ة �إىل جام ��ع امل�سائل ‪ ،226/1‬وبالرجوع �إىل جامع امل�سائل تب�ي�ن يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن ابن تيمية يتكلم عن‬
‫الت ��ورق‪ ،‬ولي� ��س عن ه ��ذه امل�س�ألة‪ ،‬فقد كان ال�س�ؤال املوجه �إىل ابن تيمية‪«:‬عن رج � ٍ�ل احتاج �إىل مئة درهم‪ ،‬فجاء �إىل‬
‫فطلب منه دراهم‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ما عندي �إال قما�ش‪ ،‬فهل يجوز له �أن يبيعه قما�ش مئ ِة درهم مبئة وخم�سني �إىل‬ ‫رجل َ‬ ‫ٍ‬
‫قما�شا من غريه‪ّ ،‬ثم يبيعه �إياه بفائدة �إىل �أجل؟ وه ��ل يجوز ا�شرتاط الفائدة قبل �أن ي�شرتي له‬ ‫�أج � ٍ�ل؟ �أو ي�ش�ت�ري له ً‬
‫الب�ضاعة؟» ثم �أجاب ابن تيمية عن ال�س�ؤال بذكر ر�أيه يف حترمي التورق ثم قال يف �آخر اجلواب‪«:‬و�أما ا�شرتاط الربح‬
‫قب ��ل �أن ي�ش�ت�ري الب�ضاعة يف مثل هذا‪ ،‬فلأن مق�صودهم ��ا دراهم بدراهم �إىل �أجل‪ .‬و�أم ��ا �إذا كان امل�شرتي ي�شرتي‬
‫ال�سلع ��ة لينتفع به ��ا �أو يتّجر فيها‪ ،‬ال ليبيعها يف احلال وي�أخذ ثمنها‪ ،‬فهذا جائ ��ز‪ ،‬والربح عليه �إن كان م�ضط ًرا �إليها‬
‫يك ��ون باملع ��روف»‪ .‬فالتعليل الذي ذكره الدبيان البن تيمية ذكر في ��ه ابن تيمية جملة (يف مثل هذا) �أي �شراء ال�سلعة‬
‫لق�ص ��د امل ��ال‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن يف تتمة ال ��كالم تبيني لر�أي ابن تيمية فيما �إذا كان ق�ص ��ده االنتفاع واالجتار فقد ذكر‬
‫اب ��ن تيمي ��ة �أن حكمه اجلواز‪ ،‬ومل يذكر �أن ذل ��ك حمرم �إذا كانت من عند غري البائع‪ ،‬مع �أن ال�س�ؤال ن�ص على ذلك؛‬
‫فاملحرم عند ابن تيمية هو �شراء ال�سلعة لق�صد املال‪� ،‬سواء كانت من عند البائع �أو من غريه‪ ،‬وقد �سئل ابن تيمية يف‬
‫جمم ��وع الفت ��اوى‪« :‬عن الرجل عليه دين ويحتاج �إىل ب�ضاعة �أو حي ��وان لينتفع به �أو يتجر فيه فيطلبه من �إن�سان دينا‬
‫فل ��م يك ��ن عنده‪ .‬هل للمطلوب منه �أن ي�شرتيه ث ��م يدينه منه �إىل �أجل؟ وهل له �أن يوكله يف �شرائه ثم يبيعه بعد ذلك‬
‫برب ��ح اتفق ��ا عليه قبل ال�شراء؟» ف�أج ��اب ‪ « :‬من كان عليه دين ف�إن كان مو�سرا وجب علي ��ه �أن يوفيه و�إن كان مع�سرا‬
‫وج ��ب �إنظ ��اره وال يجوز قلبه عليه مبعامل ��ة وال غريها‪ .‬و�أما البي ��ع �إىل �أجل ابتداء ف�إن كان ق�ص ��د امل�شرتي االنتفاع‬
‫بال�سلعة والتجارة فيها جاز �إذا كان على الوجه املباح‪ .‬و�أما �إن كان مق�صوده الدراهم في�شرتي مبائة م�ؤجلة ويبيعها‬
‫يف ال�سوق ب�سبعني حالة فهذا مذموم منهي عنه يف �أظهر قويل العلماء‪ .‬وهذا ي�سمى التورق»‪ .303-302/29‬ويف هذا‬
‫اجل ��واب مل يذك ��ر ابن تيمية �أن االتفاق ب�ي�ن البائع وامل�شرتي على �أن ي�شرتي البائع ال�سلعة ث ��م يبيعها �إليه بربح �إىل‬
‫�أجل �أنه حمرم‪� ،‬إمنا املنهي عنه عند ابن تيمية �أن يكون املق�صود هو الدراهم‪ ،‬وهو املعروف مب�س�ألة التورق‪ ،‬ولو كان‬

‫‪319‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫واختاره ابن القيم(‪ ،)1‬وجمهور املعا�صرين(‪.)2‬‬


‫الق ��ول الثاين‪� :‬أنه بيع حمرم‪ .‬وهو مذه ��ب املالكية(‪ ،)3‬واختاره من املعا�صرين ابن‬
‫عثيمني(‪.)4‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الأول‪� :‬أن الأ�صل يف املعامالت احل ��ل‪� ،‬إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬وال‬
‫دلي ��ل ي ��دل على منع بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء �إذا كان الوعد غري مل ��زم‪ ،‬ف�إن البائع‬
‫ي�ش�ت�ري لنف�سه‪ ،‬وهو يعلم �أن امل�شرتي رمبا يرج ��ع �أو ال يرجع‪ ،‬وقد ي�شرتي �أو ال ي�شرتي‪،‬‬
‫وعليه �ضمان ال�سلعة لو هلكت‪ ،‬فهذه الدرجة من املخاطرة جتعل املعاملة مباحة(‪.)5‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الثاين‪� :‬أن هذه املعاملة حيل ��ة لأكل الربا‪ ،‬فحقيقتها عبارة عن قر�ض‬
‫بزيادة‪ ،‬والبيع حيلة للتو�صل لها(‪.)6‬‬
‫حمرما لذكر ابن تيمية �أنه حمرم �سواء‬
‫ً‬ ‫االتفاق بني البائع وامل�شرتي على �أن ي�شرتي ال�سلعة ثم يبيعها له بربح معني‬
‫ا�ش�ت�رى ال�سلع ��ة لالنتفاع �أو لالجتار بها‪� ،‬أو لق�صد املال‪ ،‬فالذي ظهر يل �أن اب ��ن تيمية يرى جواز �أن يتفق البائع مع‬
‫امل�شرتي على �أن ي�شرتي البائع ال�سلعة ثم يبيعها �إليه بربح �إىل �أجل �إذا مل يكن مق�صوده من ال�سلعة املال‪.‬‬
‫ن�صا يف الكتب املعتمدة يف املذهب احلنبلي عن حكم هذه امل�س�ألة‪،‬‬ ‫((( انظر‪� :‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.23/4‬مل �أجد ً‬
‫وقد ذكر بع�ض الباحثني �أن هذا القول مذهب احلنابلة‪ ،‬و�أحال �إىل �إعالم املوقعني البن القيم‪ ،‬مع �أن املعروف �أن ر�أي‬
‫ابن القيم –على �أهميته‪ -‬ال يعد مذه ًبا للحنابلة‪ .‬انظر‪ :‬بيع املرابحة كما جتريه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪،‬‬
‫من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪ ،103/1‬اخلدمات اال�ستثمارية يف‬
‫امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪ ،396/2‬ال�شروط التعوي�ضية‪ /‬لعياد العنزي ‪.527/2‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬قرار جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ب�ش� ��أن الوفاء بالوعد واملرابح ��ة للآمر بال�شراء‪ ،‬الع ��دد اخلام�س‪،‬برقم ‪-40‬‬
‫‪ ،3 ،2/41‬تو�صي ��ات امل�ؤمتر الثاين للم�صرف الإ�سالمي بالكويت‪1403 ،‬ه‪ ،‬قرار جممع الفقه الإ�سالمي بالهند ب�ش�أن‬
‫املرابحة‪1410 ،‬ه‪ ،‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،92‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪ ،237 /13‬جمموع فتاوى‬
‫ابن باز ‪.68/19‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬البيان والتح�صيل‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،86/7‬القوانني الفقهية‪ ،‬البن جزي‪� ،‬ص‪ ،407‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.406/4‬‬
‫((( انظر‪ :‬املمتع‪ ،‬البن عثيمني ‪ ،211 /8‬لقاءات الباب املفتوح‪ ،‬البن عثيمني ‪.195/2 ،375 ،242/1‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪103/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبري للدردير ‪ ،89/3‬املمتع‪ ،‬البن عثيمني ‪.211 /8‬‬

‫‪320‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق� ��ش‪ :‬بع ��دم الت�سليم ف� ��إن البائع ي�ش�ت�ري ال�سلعة حقيقة بتمل ��ك حقيقي‪ ،‬وقب�ض‬
‫حقيقي‪ ،‬ثم يبيعها للآمر‪ ،‬ويتعر�ض لدرجة من املخاطرة التي �سبق ذكرها‪ ،‬وال يقدح يف‬
‫املعامل ��ة �أن ي�شرتي البائع ال�سلعة لغريه‪ ،‬فكل التج ��ار ي�شرتون ال�سلع لغريهم‪ ،‬ولي�س من‬
‫�شروط ال�شراء املباح �أن ي�شرتي املرء لينتفع‪� ،‬أو يقتني‪� ،‬أو ي�ستهلك(‪.)1‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض القولني‪ ،‬ودليل كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما احتاج منها �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز بيع املرابحة للآمر بال�شراء‬
‫�إذا كان الوع ��د غري ملزم؛ وذل ��ك لقوة ما ا�ستدلوا به‪ ،‬مقابل �ضع ��ف دليل القول الثاين‬
‫�أمام ما ورد عليه من مناق�شة‪.‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد ملز ًما‬
‫اختل ��ف الفقهاء املعا�ص ��رون يف حكم بيع املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء �إذا كان الوعد‬
‫ملزما‪ ،‬على ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫ً‬
‫القول الأول‪� :‬أنه بيع حمرم‪ .‬وهو قول جمع من املعا�صرين(‪.)2‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أنه بيع �صحيح‪ .‬وهو قول جمع من املعا�صرين(‪.)3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.30‬‬
‫((( منهم‪ :‬ابن باز‪ ،‬والأ�شقر‪ ،‬ورفيق امل�صري‪ ،‬وفتوى اللجنة الدائمة‪ ،‬وفتوى الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي‪.‬انظر‪:‬‬
‫جمم ��وع فت ��اوى ابن باز ‪ ،68/19‬بي ��ع املرابحة كما جتريه البن ��وك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شق ��ر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث‬
‫فقهي ��ة يف ق�ضايا اقت�صادية معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪ ،75/1‬فت ��اوى اللجنة الدائمة ‪ ،237/13‬بيع املرابحة‬
‫للآم ��ر بال�شراء‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬من�شور يف جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪ ،832‬قرارات الهيئة‬
‫ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪.330/1‬‬
‫(( ( منه ��م‪ :‬القر�ض ��اوي‪ ،‬و�سامي حمود‪ ،‬وعبدال�ست ��ار �أبو غدة‪ ،‬و�صدر به قرار م�ؤمتر امل�ص ��رف الإ�سالمي الأول املنعقد‬
‫بدب ��ي يف ‪1399‬ه‪ ،‬وق ��رار م�ؤمت ��ر امل�صرف الإ�سالمي الثاين املنعق ��د بالكويت يف ‪1403‬ه‪ .‬انظر‪ :‬بي ��ع املرابحة للآمر‬
‫بال�ش ��راء‪ ،‬للقر�ضاوي‪�� � ،‬ص‪ ،30‬بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء‪ ،‬ل�سامي حم ��ود‪� ،‬أ�سلوب املرابح ��ة واجلوانب ال�شرعية‬
‫التطبيقية يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬لعبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬من�شوران يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪،‬‬
‫�ص‪� ،807‬ص‪.894‬‬

‫‪321‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الق ��ول الثال ��ث‪� :‬أن ��ه بي ��ع �صحي ��ح �إذا كان الإل ��زام لأحدهم ��ا‪ .‬وهو ق ��ول جمع من‬
‫املعا�صرين(‪.)1‬‬
‫�أدلة القول الأول‪:‬‬
‫ول اللهَّ ِ × َعنْ‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العا�ص ‪ ‬قال‪َ «:‬نهَى َر ُ�س ُ‬
‫َ�سلَ ٍف َو َب ْي ٍع‪ ...‬و َعنْ َب ْي ِع َما َل ْي َ�س عِ ْند ََك‪َ ،‬و َعنْ ِر ْب ِح َما مَ ْ‬
‫ل ُي ْ�ض َمنْ »رواه �أبو داود وغريه(‪.)2‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة م ��ن احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × نهى عن بيع ما لي� ��س عند البائع‪ ،‬وعن‬
‫ربح مامل ي�ضمن؛ والإلزام بالوعد على �شراء ال�سلعة يدخل يف النهي؛ لأن الإلزام بالوعد‬
‫يف حقيقت ��ه بيع‪ ،‬و�إن �سمي وعدً ا‪ ،‬والعربة باحلقائق‪ ،‬فالبنك على ذلك يعد بائ ًعا ملا لي�س‬
‫عنده‪ ،‬وداخلاً يف ربح مامل ي�ضمن(‪.)3‬‬
‫نوق� ��ش م ��ن وجهني‪ :‬الوجه الأول‪ :‬ب�أن البنك مل يبع ما لي�س عنده‪ ،‬ومل يربح ما مل‬
‫ي�ضم ��ن؛ لأنه لن يت ��م العقد حتى ميتلك ال�سلعة‪ ،‬وتدخل يف �ضمانه‪ ،‬وما يجري بينه وبني‬
‫امل�شرتي يف املرة الأوىل �إمنا هو وعد‪ ،‬ولي�س عقدً ا(‪.)4‬‬
‫�أجي ��ب‪ :‬ب� ��أن املتعاقدين ملزمان عل ��ى �إن�شاء العقد على ال�ص ��ورة التي متت بالوعد‬
‫الأول‪ ،‬ولي� ��س لهم ��ا احلرية يف ت ��رك املبايعة‪� ،‬أو التعديل على االتف ��اق ال�سابق؛ مما يدل‬

‫((( منهم‪ :‬ال�صديق ال�ضرير يف بحث املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪،‬‬
‫�ص‪ .742 ،740‬و�صدر به قرار املجمع الفقهي‪ ،‬العدد اخلام�س‪ ،‬برقم ‪ ،3 ،2/41-40‬وقرار هيئة املحا�سبة واملراجعة‬
‫للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪ ،‬كما يف كتابه ��ا املعايري ال�شرعية �ص‪ .93‬واختار بع�ض �أ�صحاب ه ��ذا القول �أن يكون الإلزام‬
‫للم�أم ��ور دون الآم ��ر‪ .‬انظ ��ر‪ :‬املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لل�صدي ��ق ال�ضرير‪ ،‬من�شور يف جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪ ،742‬ال�شروط التعوي�ضية‪ ،‬لعياد العنزي ‪.555/2‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.158‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�ص ��رة‪ ،‬ملحم ��د الأ�شقر و�آخرين ‪ ،105 ،72/1‬بي ��ع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لبكر �أبو زي ��د‪ ،‬بحث من�شور يف جملة‬
‫جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪.732‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬تطوير الأعمال امل�صرفية‪ ،‬ل�سامي حمود‪� ،‬ص‪ ،433‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.60-54‬‬

‫‪322‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫على �أن العقد الثاين �إمنا هو حت�صيل حا�صل‪ ،‬و�أن البيع مت يف املواعدة الأوىل و�إن �سميت‬
‫وعدً ا‪ ،‬فالعربة يف العقود باملعاين‪ ،‬ال بالألفاظ واملباين(‪.)1‬‬
‫الوج ��ه الثاين‪� :‬أن النه ��ي عن بيع ما لي�س عند البائع‪� ،‬إذا كانت عي ًنا معينة يبيعها‪،‬‬
‫وه ��ي لي�ست ملكه‪ ،‬بل ملك غريه ثم ي�سع ��ى يف حت�صيلها‪� ،‬أو بيع ما ال يقدر على ت�سليمه‪،‬‬
‫فيك ��ون قد �ضمن ل ��ه �شي ًئا ال يدري هل يح�صل �أو ال يح�ص ��ل؟(‪ ،)2‬ويف بيع املرابحة يكون‬
‫البيع ملو�صوف يف الذمة مما جرى العرف على �إمكان ت�سليمه يف وقته‪.‬‬
‫�أجي ��ب‪ :‬ب� ��أن عقد املرابحة قد يقع على �أعيان معينة‪ ،‬وقد يقع على ما ال يقدر البائع‬
‫على ت�سليم ��ه؛ مما ي�ؤدي �إىل النزاع‪ ،‬واملجيزون للإلزام يجيزونها دون تفريق بني العني‬
‫املعينة‪ ،‬واملو�صوفة‪ ،‬والتي ال يقدر على ت�سليمها(‪.)3‬‬
‫ُي ��رد‪ :‬ب�أن ع ��دم تفريق املجيزين بني العني املعينة‪ ،‬واملو�صوفة يف الذمة التي ال يقدر‬
‫عل ��ى ت�سليمها ال يكون �سب ًبا ملنع املعاملة كلها‪ ،‬بل يحرم منها العقد على الأعيان اململوكة‬
‫للغري قبل متلكها‪ ،‬والأعيان التي ال يقدر على ت�سليمها‪� ،‬أما املو�صوفة يف الذمة مما يقدر‬
‫على ت�سليمها فال دليل يدل على منع العقد عليها‪.‬‬
‫ول اللهَّ ِ × َعنْ َب ْي َع َت نْ ِ‬
‫ي يِف َب ْي َعةٍ»‬ ‫الدليل الثاين‪ :‬عن �أبي هريرة ‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَى َر ُ�س ُ‬
‫رواه الرتمذي وغريه(‪.)4‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلديث‪� :‬أن النبي × نهى عن بيعتني يف بيعة‪ ،‬والإلزام بالوعد‬
‫�صريه بي ًعا‪ ،‬فجمعت املعاملة بني بيعتني يف بيعة(‪.)5‬‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لل�صديق ال�ضري ��ر‪ ،‬بحث من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪،‬‬
‫�ص‪ ،742‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.404-403/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪� ،29/20‬إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.301/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪ ،404/2‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.278‬‬
‫((( �سبق تخريجه �ص‪.185‬‬
‫((( انظر‪ :‬املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪ ،‬بحث من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪.740‬‬

‫‪323‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يناق� ��ش‪ :‬بع ��دم الت�سلي ��م فبيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء اليجمع ب�ي�ن بيعتني‪ ،‬بل هو‬
‫عب ��ارة عن بيعة واحدة‪ ،‬ف�إذا كان الإلزام بالوعد ي�صريه بي ًعا‪ ،‬فالبيعة واحدة ت�أخر فيها‬
‫ت�سلي ��م املبيع‪ ،‬و�إذا كان الإل ��زام بالوعد ال ي�صريه بي ًعا‪ ،‬فالبيعة واح ��دة تتم عند ت�سليم‬
‫املبيع‪ ،‬فال ي�صح اال�ستدالل بهذا احلديث للنهي عن بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪� :‬أن حقيقة بيع املرابحة للآمر بال�شراء مع الإلزام بالوعد حيلة لبيع‬
‫نقد بنقد �أكرث منه �إىل �أجل بينهما �سلعة حمللة فغايته قر�ض بفائدة(‪.)1‬‬
‫نوق�ش‪ :‬بعدم الت�سليم؛ فالبيع فيها حقيقي‪ ،‬ال �صوري‪ ،‬وال�سلعة مق�صود فيها حقيقة‬
‫التملك لال�ستعمال‪� ،‬أو االجتار‪ ،‬فهو خايل من احليلة الربوية(‪ ،)2‬ولو �أراد امل�صرف احليلة‬
‫الربوية التخذ العديد من احليل التي هي �أقل كلفة من املرابحة‪ ،‬و�أكرث دخلاً منها‪.‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن العلم ��اء �أجمع ��وا عل ��ى النهي عن بي ��ع الدين بالدي ��ن(‪ ،)3‬و بيع‬
‫املرابحة مع الإلزام بالوعد م�ؤجل البدلني‪ ،‬فال البنك ي�سلم ال�سلعة يف احلال‪ ،‬وال العميل‬
‫ي�سلم الثمن (‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش من وجه�ي�ن‪ :‬الوجه الأول‪�:‬أن البيع لي�س م�ؤج ��ل البدلني‪ ،‬ف�إن الذي يحدث‬
‫� اًأول ب�ي�ن العمي ��ل وامل�ص ��رف وعد ال بيع‪ ،‬وعند متل ��ك امل�صرف ال�سلعة امل�أم ��ور ب�شرائها‬
‫وحيازتها‪ ،‬وعندئذ يتم العقد والت�سليم للمبيع‪ ،‬وت�أجيل الثمن كله �أو بع�ضه(‪.)5‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�ص ��رة‪ ،‬ملحم ��د الأ�شقر و�آخري ��ن ‪ ،73/1‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لبكر �أبو زي ��د‪ ،‬بحث من�شور يف جملة جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪.734‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.34-30‬‬
‫(( ( قال ابن املنذر‪ «:‬و�أجمعوا على �أن بيع الدين بالدين ال يجوز» الإجماع‪ ،‬البن املنذر‪� ،‬ص‪ .132‬وانظر‪ :‬البناية‪ ،‬للعيني‬
‫‪ ،395/8‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.37/4‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬بي ��ع املرابحة للآم ��ر بال�شراء‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة الأمة القطرية‪ ،‬الع ��دد ‪ ،61‬حمرم ‪1406‬ه‪،‬‬
‫�ص‪.26‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬رد الدكتور يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬من�شور يف جملة الأمة القطرية‪ ،‬العدد ‪ ،64‬ربيع الآخر ‪1406‬ه‪� ،‬ص‪.11‬‬

‫‪324‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أجيب‪ :‬ب�أن هذا م�سلم يف �صورة املرابحة مع الوعد غري امللزم‪� ،‬أما مع الوعد امللزم‬
‫فقد متت املبايعة يف املواعدة الأوىل‪ ،‬وت�سليم ال�سلعة والثمن م�ؤجالن فيها(‪.)1‬‬
‫الوج ��ه الث ��اين‪� :‬أن الإجماع على �أن بيع الدي ��ن بالدين ال يجوز ال ينطبق على جميع‬
‫ال�صور التي ي�شملها بيع الدين بالدين(‪ ،)2‬واملنهي عنه يف �صورة بيع الدين بالدين هو ما‬
‫مل يك ��ن للنا� ��س به حاجة‪ ،‬ولي�س فيه م�صلحة؛ لأن الذمتني تن�شغالن بغري فائدة‪� ،‬أما �إذا‬
‫كان �شغل الذمة بفائدة فال يدخل يف النهي(‪ ،)3‬وبيع املرابحة للآمر بال�شراء ال يدخل يف‬
‫النهي عن بيع الدين بالدين‪ ،‬الن�شغال الذمتني مبا فيه فائدة تعود للطرفني‪.‬‬
‫الدليل اخلام�س‪� :‬أن ال�شارع فر�ض لكل من املتبايعني ح ًقا يف خيار املجل�س‪ ،‬ويف بيع‬
‫املرابحة مع الإلزام بالوعد �إ�سقاط لهذا احلق الذي فر�ضه ال�شارع لهما(‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن خيار املجل�س حق جعله ال�شارع للعاق ��د مل�صلحته للرتوي والنظر‪ ،‬ف�إذا‬
‫ر�ضي �إ�سقاطه �سقط(‪.)5‬‬
‫الدليل ال�س ��اد�س‪� :‬أن الر�ضا الت ��ام حني التعاقد �شرط من �شروط العقود‪ ،‬والإلزام‬
‫�شرعا؛ لأن املتعاقدين جمربان على العقد‬ ‫بالوعد يف املرابحة يتنافى مع الر�ضا املطلوب ً‬
‫الثاين‪ ،‬فيكون العقد باطلاً ؛ لعدم توفر �شرط الر�ضا(‪.)6‬‬

‫((( انظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية‪ ،‬لعياد العنزي ‪.542 /2‬‬


‫((( انظر‪ :‬الربا‪ ،‬لل�سلطان‪� ،‬ص‪.95-81‬‬
‫((( �إعالم املوقعني‪ ،‬البن القيم ‪.294/1‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‬
‫‪ ،850‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.405/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬ال�شروط التعوي�ضية‪ ،‬لعياد العنزي ‪.543 /2‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪ ،104/1‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص ‪.851‬‬

‫‪325‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن ��ه �إذا كان الإلزام ي�صري الوعد عقدً ا‪ ،‬ف� ��إن الر�ضا موجود حني الوعد‬
‫من املتعاقدين‪.‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدليل الأول‪� :‬أن الأ�صل يف املعامالت احلل �إال ما دل الدليل على حترميه‪ ،‬وال دليل‬
‫يدل على حترمي املربحة مع الوعد امللزم‪ ،‬فتكون مباحة بنا ًء على الأ�صل(‪.)1‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬بجمي ��ع �أدلة الق ��ول الأول التي تدل عل ��ى حترمي هذه املعامل ��ة‪ ،‬وقد تقدم‬
‫ذكرها‪.‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن بيع املرابحة يتفق مع قول العلماء الذي ��ن يرون الإلزام بالوعد‬
‫مطل ًق ��ا(‪� ،)2‬أو على ر�أي املالكي ��ة الذين يرون الإلزام بالوعد �إذا دخ ��ل املوعود ب�سببه يف‬
‫�ش ��يء(‪)3‬؛ فامل�أمور ا�شرتى ال�سلع ��ة ودخل يف هذه املخاطرة لأجل الواعد‪ ،‬وحتى على ر�أي‬
‫م ��ن يرى الإلزام بالوع ��د ديانة من العلماء(‪ ،)4‬ف�إنا ميكننا �أن نلزم به ق�ضا ًء �إذا اقت�ضت‬
‫امل�صلحة ذلك‪ ،‬وقد اقت�ضت امل�صلحة يف بيع املرابحة الإلزام بالوعد(‪.)5‬‬
‫نوق� ��ش م ��ن وج ��وه‪ :‬الوج ��ه الأول‪ :‬ب� ��أن املق�ص ��ود بالإل ��زام بالوعد عن ��د العلماء‬
‫املتقدم�ي�ن هو الوعد باملعروف‪� ،‬أما الوعد يف املعاو�ضة فلم يكن مق�صودهم؛ لأنه ي�صري‬
‫حينئذ عقد ًا(‪.)6‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�سلم �أن الإلزام بالوعد عند العلماء املتقدمني �إمنا كان يف املعروف‬

‫انظر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.20-15‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬املحلى‪ ،‬البن حزم ‪ ،278/6‬الفروع‪ ،‬البن مفلح ‪.29/11‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الفروق‪ ،‬للقرايف ‪ ،25/4‬فتح العلي املالك‪ ،‬لعلي�ش‪� ،‬ص‪.256-254‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الأذكار‪ ،‬للنووي‪� ،‬ص‪� ،317‬أ�ضواء البيان‪ ،‬لل�شنقيطي ‪.439-438/3‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬قرار م�ؤمتر امل�صرف الإ�سالمي الأول املنعقد بدبي يف ‪1399‬ه‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬بيع التق�سيط و�أحكامه‪ ،‬للرتكي‪� ،‬ص‪.465‬‬ ‫(( (‬

‫‪326‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فق ��ط‪ ،‬ب ��ل جاء عن بع� ��ض املتقدمني الإلزام بالوع ��د يف عقود املعاو�ض ��ات‪ ،‬لكن مل يرد‬
‫عنهم الإلزام من الطرفني‪ ،‬فقد جاء يف فتاوى قا�ضي خان(‪ «: )1‬و�إن ذكر البيع من غري‬
‫�ش ��رط ثم ذك ��ر ال�شرط على وجه املواعدة جاز البيع ويلزمه الوفاء بالوعد؛ لأن املواعدة‬
‫ق ��د تكون الزمة فتجعل الزمة حلاجة النا� ��س»(‪ .)2‬وقال احلطاب‪« :‬قال يف معني احلكام‪:‬‬
‫ويجوز للم�شرتي �أن يتطوع للبائع بعد العقد ب�أنه �إن جاء بالثمن �إىل �أجل كذا‪ ،‬فاملبيع له‪،‬‬
‫ويل ��زم امل�شرتي متى جاءه بالثمن يف خالل الأجل‪� ،‬أو عند انق�ضائه‪� ،‬أو بعده على القرب‬
‫منه‪ ،‬وال يكون للم�شرتي تفويت يف خالل الأجل‪ ،‬ف�إن فعل ببيع �أو هبة �أو �أ�شبه ذلك نق�ض‬
‫�إن �أراد البائع‪ ،‬ورد �إليه«(‪ ،)3‬فهذه ن�صو�ص يف الإلزام بالوعد يف عقود املعاو�ضات‪� ،‬إال �أن‬
‫الإلزام الذي فيها من طرف الواعد فقط‪.‬‬
‫الوج ��ه الث ��اين‪� :‬أن الن�صو� ��ص عند املالكية يف الإلزام بالوع ��د «�إمنا هي يف �إيجاب‬
‫الوف ��اء بالوعد يف م�سائ ��ل التربعات كالهب ��ة؛ لأنها متلك بالقول عن ��د مالك‪ ،‬وهذا من‬
‫�أ�س ��رار مذه ��ب مالك يف م�س�ألة الوع ��د»(‪ ،)4‬وجاء يف �إي�ضاح امل�سال ��ك �إىل قواعد الإمام‬
‫مالك‪« :‬قاعدة‪( :‬الأ�صل منع املواعدة مبا ال ي�صح وقوعه يف احلال حماية) ومن ثم منع‬
‫مالك املواعدة يف العدة‪ ،‬وعلى بيع الطعام قبل قب�ضه ووقت نداء اجلمعة‪ ،‬وعلى ما لي�س‬
‫عن ��دك»(‪ ،)5‬واملرابح ��ة حمرمة عند املالكية مت ��ى ما اتفقا على الربح �س ��واء كان الوعد‬
‫ملزما �أو غري ملزم؛ لأنه من بيع ما لي�س عند البائع(‪.)6‬‬ ‫ً‬
‫((( هو ح�سن بن من�صور بن حممود الأوزجندي امل�شهور بقا�ضيخان‪ ،‬من كبار فقهاء احلنفية يف امل�شرق‪ ،‬من ت�صانيفه‪:‬‬
‫«الفتاوى»‪ ،‬و«�شرح اجلامع ال�صغري»‪ ،‬تويف عام‪592‬ه‪ .‬انظر‪ :‬اجلواهر امل�ضية‪ ،‬للقر�شي‪ ،205/1‬الأعالم‪ ،‬للزركلي‪.224/2‬‬
‫((( فتاوى قا�ضي خان ‪ .81/2‬وانظر‪ :‬الفتاوى الهندية ‪.209/3‬‬
‫((( حترير الكالم يف م�سائل االلتزام‪ ،‬للحطاب‪� ،‬ص‪.240‬‬
‫(( ( الإيجار الذي ينتهي بالتمليك‪ ،‬البن بيه‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص ‪.2165‬‬
‫((( �إي�ضاح امل�سالك‪ ،‬للون�شري�سي‪� ،‬ص‪.114‬‬
‫((( انظر‪ :‬البيان والتح�صيل‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،86/7‬مواهب اجلليل‪ ،‬للحطاب ‪.406/4‬‬

‫‪327‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الوج ��ه الثال ��ث‪� :‬أن امل�صلحة يف الإلزام بالوع ��د يف املرابحة ملغاة؛ ملا يرتتب عليها‬
‫من مناهي �شرعية �سبق ذكرها يف �أدلة القول الأول‪.‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أن يف ت ��رك الإلزام بالوع ��د يف بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء �ضر ًرا‬
‫بالطرف�ي�ن‪� ،‬أو‪ ‬ب�أحدهما‪ ،‬وال�شريعة ج ��اءت لرفع ال�ضرر؛ فقد يطلب �شخ�ص من امل�صرف‬
‫�شراء �آلة نادرة هي عبارة عن جزء متمم يف جمموع الآالت املتوفرة يف امل�صنع اخلا�ص به‪،‬‬
‫ث ��م لو عدل عن ال�ش ��راء‪ ،‬لرتتب على امل�صرف خ�سارة و�ضرر‪ ،‬وقد ي�ستغل امل�صرف حاجة‬
‫الطالب للآلة فيمتنع عن الوفاء مبا وعد مما يت�سبب يف �إيقاع ال�ضرر ب�صاحب احلاجة(‪.)1‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب�أن التجارة مبني ��ة على �أن يتحمل البائع قد ًرا م ��ن املخاطرة(‪ ،)2‬وب�إمكان‬
‫امل�ص ��رف �أن ي�شرتط لنف�سه خيار ال�شرط عندما ي�ش�ت�ري ال�سلعة املطلوبة‪ ،‬ثم يعر�ضها‬
‫عل ��ى الآمر يف م ��دة اخليار‪ ،‬ف�إن قبلها مت البيع ولزمت ��ه‪ ،‬و�إن رف�ضها ردها امل�صرف �إىل‬
‫م ��ن ا�شرتاها من ��ه‪ ،‬وعلى ذلك يكون يف م�أمن من ال�ض ��رر(‪ ،)3‬ويندر �أن يواعد امل�صرف‬
‫عموما‬
‫�شخ�صا ثم ال يفي مبا وعده؛ لأن ذلك م�ضر ب�سمعة امل�صرف‪ ،‬وامل�صارف والتجار ً‬ ‫ً‬
‫�أحر�ص على �سمعتهم من املكا�سب التي يجدونها يف �إخالف الوعد‪.‬‬
‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن يف م�س�أل ��ة بيع املرابح ��ة للآمر بال�شراء قول�ي�ن متكافئني‪ ،‬و�إذا‬
‫وج ��د يف م�س�ألة قوالن‪� ،‬أحدهما بالإباحة‪ ،‬والآخر باحلظر‪ ،‬وهما متكافئان من حيث قوة‬
‫خ�صو�صا �أن جمهور النا�س يف ع�صرنا‬‫ً‬ ‫الدلي ��ل‪ ،‬فالأخذ حينئذ مبا فيه التي�سري �أف�ض ��ل‪،‬‬
‫�أح ��وج ما يكونون �إىل التي�سري والرفق‪ ،‬رعاي ��ة لظروفهم‪ ،‬وما غلب على �أكرثهم من رقة‬
‫الدين‪ ،‬و�ضعف اليقني‪ ،‬وما ابتلوا به من كرثة املغريات بالإثم‪ ،‬واملعوقات عن اخلري(‪.)4‬‬

‫انظر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬ل�سامي حمود‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص ‪.816‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.402/2‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص ‪.744‬‬ ‫(( (‬
‫بيع املرابحة للآمر بال�شراء كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬للقر�ضاوي‪� ،‬ص‪.26-25‬‬ ‫(( (‬

‫‪328‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق�ش‪ :‬ب�أن الواجب عند اختالف العلماء الأخذ مبا هو �أرجح دليلاً ؛ لأن ذلك �أقرب‬
‫�إىل تنفي ��ذ �أم ��ر اهلل‪� ،‬إ�ضاف ��ة �إىل �أن القولني يف امل�س�ألة غري متكافئ�ي�ن‪ ،‬بل القول املبيح‬
‫له ��ا ال يق ��رب من القول املحرم‪ ،‬و�ضعف دين النا�س ويقينه ��م لي�س مرب ًرا للأخذ بالقول‬
‫ال�ضعيف(‪.)1‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الثال ��ث‪� :‬أن الإلزام بالوع ��د لكال الطرفني ي�صريه عق ��دً ا‪ ،‬فيدخل يف‬
‫بي ��ع الإن�سان ما لي�س عنده‪� ،‬أما �إن كان الوع ��د من �أحد الطرفني ف�إن املحاذير ال�شرعية‬
‫تنتفي(‪.)2‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذه التفرقة تفتقر �إىل الدليل‪ ،‬واملحاذير ال�شرعية يف �إلزام الطرفني‪،‬‬
‫موجودة يف �إلزام �أحدهما‪�،‬سواء كان الآمر �أو امل�أمور‪ ،‬ومنها �أن الطرف امللزم مل يتحقق‬
‫فيه �شرط الر�ضا عند �إجراء العقد(‪.)3‬‬
‫الرتجي ��ح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلتها‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪ ،‬تبني‬
‫يل‪-‬واهلل �أعل ��م‪� -‬أن الإل ��زام بالوعد ي�ص�ي�ره عقدً ا‪ ،‬و�أقوى دلي ��ل للمانعني على ذلك هو‬
‫�أن البائ ��ع يبي ��ع ما لي�س عن ��ده‪� ،‬أما الأدلة الأخ ��رى فال ت�سلم من املناق�ش ��ة‪ ،‬واملختار يف‬
‫تف�س�ي�ر«ال تبع مالي�س عندك» ه ��و‪� :‬أن يكون البيع لعني يبيعها‪ ،‬وهي لي�ست ملكه‪ ،‬بل ملك‬
‫غ�ي�ره ث ��م ي�سعى يف حت�صيلها‪� ،‬أو بيع ما ال يقدر على ت�سليمه‪ ،‬فيكون قد �ضمن له �شيئا ال‬
‫يدري هل يح�صل �أو ال يح�صل؟‪� ،‬أما �إذا باع مو�صو ًفا بالذمة مما يقدر على ت�سليمة فال‬
‫يدخل يف النهي‪ ،‬وعلى هذا التف�سري فال يجوز بيع املرابحة للآمر بال�شراء بالوعد امللزم‬
‫�إن كان ��ت الع�ي�ن مملوكة ثم ي�سع ��ى يف حت�صيلها‪� ،‬أو بيع ما ال يق ��در على ت�سليمه‪ ،‬ويجوز‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬بيع املرابحة كما جتري ��ه البنوك الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الأ�شقر‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث فقهية يف ق�ضايا اقت�صادية‬
‫معا�صرة‪ ،‬ملحمد الأ�شقر و�آخرين ‪.90-89/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار املجمع الفقهي‪ ،‬العدد اخلام�س‪ ،‬برقم ‪ ،3 ،2/41-40‬ال�شروط التعوي�ضية‪ ،‬لعياد العنزي ‪.555 /2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪ ،407/2‬عقود التحوط‪ ،‬لطالل الدو�سري‪� ،‬ص‪.359‬‬

‫‪329‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫بي ��ع املرابحة للآمر بال�شراء بالوعد امللزم �إذا كان البيع ملو�صوف بالذمة مما يقدر على‬
‫ت�سليمه يف وقته‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء‬
‫ملزما للطرفني‪� ،‬أو‬
‫على القول الذي يبيح بيع الرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد ً‬
‫لأحدهما‪ ،‬وعلى القول الراجح الذي يبيح بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها‬
‫غ�ي�ر ملزم لأح ��د الطرفني‪� ،‬أو كان املبيع فيها مو�صو ًفا بالذم ��ة مما يقدر على ت�سليمه‪،‬‬
‫ف�إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت بيع املرابحة للآمر بال�شراء؛ لأنه يغطي جان ًبا من‬
‫جوان ��ب احلاج ��ة التي ال ميكن حتقيقها عن طريق امل�ضارب ��ة وامل�شاركة‪ ،‬فيحدد �صاحب‬
‫احلاج ��ة ما يرغب فيه‪ ،‬ويق ��وم امل�صرف بال�شراء بنا ًء على طلب �صاحب احلاجة‪ ،‬مع ما‬
‫يتمتع به من مرونة ومالئمة لطبيعة العمل امل�صريف‪ ،‬فامل�صرف لي�س تاج ًرا يقتني ال�سلع‬
‫والب�ضائع واخلدمات‪ ،‬ولكنه مدير مدبر لالحتياجات‪� ،‬إىل غري ذلك من فوائد املرابحة‬
‫للآم ��ر بال�شراء(‪� ،)1‬أما على الق ��ول الذي يحرم بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء مطل ًقا‪� ،‬أو‬
‫ملزم ��ا‪� ،‬أو كان املبيع لعني مملوكة ثم ي�سع ��ى امل�صرف يف �شرائها‪،‬‬
‫�إذا كان الوع ��د فيها ً‬
‫�أو مو�صوف ��ة يف الذمة وال يقدر امل�صرف عل ��ى ت�سليمها وقت الأداء‪ ،‬ف�إن الهند�سة املالية‬
‫يف بي ��ع املرابحة للآم ��ر بال�شراء ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سب ��ب لتحرمي العقد؛ لأن حقيقة‬
‫ملزما �أو غري ملزم‪ ،‬و�أن الإلزام ي�صري الوعد‬ ‫هذه املعاملة حيلة ربوية‪� ،‬سواء كان الوعد ً‬
‫عق ��دًا فتدخل املعاملة يف املحاذير ال�شرعية التي نبه لها �أ�صحاب القول الأول‪ ،‬و�سرتكن‬
‫امل�صارف �إىل هذه املعاملة‪ ،‬وال يكون لها م�ساهمة يف تنمية االقت�صاد‪ ،‬وانت�شار امل�شاريع‬
‫اال�ستثمارية املتنوعة النافعة للمجتمع(‪.)2‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬ل�سامي حمود‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص ‪.809‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.284‬‬

‫‪330‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث ال�ساد�س‬
‫اإلجارة المنتهية بالتمليك‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الإجارة املنتهية بالتمليك‬
‫�سب ��ق تعريف الإجارة‪� ،‬أم ��ا التمليك لغة فهو م�صدر ملك‪ ،‬وا َمل ْل ُك‪ :‬ما ملكت اليد من‬
‫مال(‪ ،)1‬وامللك يف اال�صطالح ال يخرج عن معناه اللغوي‪.‬‬
‫�أم ��ا تعريف م�صطلح الإجارة املنتهي ��ة بالتمليك؛ فقد عرف ب�أنه‪« :‬عقد بني طرفني‬
‫ي�ؤج ��ر فيه �أحدهما لآخر �سلعة معينة مقابل �أجرة معين ��ة يدفعها امل�ست�أجر على �أق�ساط‬
‫خ�ل�ال مدة حمددة‪ ،‬تنتق ��ل بعدها ملكية ال�سلعة للم�ست�أجر عند �سداده لآخر ق�سط بعقد‬
‫جديد»(‪.)2‬‬
‫وي�ؤخذ على هذا التعريف �أنه غري جامع؛ فهناك �صور من الإجارة املنتهية بالتمليك‬
‫ال تدخل �ضمن هذا التعريف‪،‬كما لو كان العقد فيها واحدً ا‪.‬‬
‫وع ��رف ب�أنه‪�«:‬إجارة يقرتن بها الوع ��د بتمليك العني امل�ؤجرة �إىل امل�ست�أجر يف نهاية‬
‫مدة الإجارة �أو‪ ‬يف �أثنائها‪ ،‬ويتم التمليك ب�إحدى الطرق املبينة يف املعيار»(‪.)3‬‬
‫أي�ضا؛ لأنه يخت�ص بالإيجارة املنتهية بالتمليك‬ ‫جامع � ً‬
‫وانتُقد هذا التعريف ب�أنه غري ٍ‬
‫ح�س ��ب ال�صيغ املقرتح لها لتكون �شرعية‪ ،‬ويخرج م ��ا عداها من ال�صور التي ال تتفق مع‬
‫ر�ؤية الهيئة(‪.)4‬‬
‫وعرف كذلك ب�أنه‪ « :‬متليك املنفعة‪ ،‬ثم متليك العني نف�سها يف �آخر املدة»(‪.)5‬‬
‫انظر‪ :‬العني‪ ،‬للفراهيدي ‪ ،380/5‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.352/5‬‬ ‫((( ‬
‫الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد احلايف‪� ،‬ص‪.48‬‬ ‫((( ‬
‫املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪.127‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.194‬‬ ‫(( (‬
‫الإيجار املنتهي بالتمليك‪ ،‬حل�سن ال�شاذيل‪ ،‬من�شور �ضمن جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪.2110‬‬ ‫(( (‬

‫‪331‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وه ��ذا التعريف �أجود التعريف ��ات‪ ،‬وهناك تعريفات �أخرى قريب ��ة منه(‪ ،)1‬لكن هذا‬
‫�أخ�صرها‪ ،‬وي�ؤدي م�ؤداها‪.‬‬
‫وللإج ��ارة املنتهي ��ة بالتملي ��ك م�صطلحات �أخ ��رى‪ ،‬منه ��ا‪ :‬الإيجار ال�سات ��ر للبيع‪،‬‬
‫والإجارة مع الوعد بالتمليك‪ ،‬والإجارة التمليكية‪ ،‬والإجارة التمويلية(‪.)2‬‬
‫املطل��ب الث��اين‪ :‬الهند�سة املالي��ة الإ�سالمي��ة يف الإج��ارة املنتهية‬
‫بالتمليك‬
‫‪-‬الأ�ص ��ل يف الإجارة العادي ��ة �أن تعود العني �إىل امل�ؤجر بعد انته ��اء الإجارة‪� ،‬أما يف‬
‫الإجارة املنتهية بالتمليك ففيها تطوير وهند�سة مالية على عقد الإجارة ب�أن تنتقل ملكية‬
‫العني �إىل امل�ست�أجر بعد انتهاء مدة الإجارة‪� ،‬إما تلقائ ًيا دون عقد‪� ،‬أو بعقد بيع جديد‪� ،‬أو‬
‫هبة العني امل�ست�أجرة(‪.)3‬‬
‫‪ -‬الأ�ص ��ل يف البيع بالتق�سيط �أن تنتقل ملكية العني �إىل امل�شرتي عند عقد البيع‪� ،‬إال‬
‫�أن ��ه يف هذا العقد امل�سمى بالإج ��ارة املنتهية بالتمليك تطوير وهند�س ��ة مالية على البيع‬
‫بالتق�سيط ب�أن ي�شرتط البائع على امل�شرتي �أال تنتقل له ملكية ال�سيارة �إال بعد انتهائه من‬
‫�سداد الأق�ساط جميعها(‪.)4‬‬
‫وللإج ��ارة املنتهية بالتمليك عدة �صور‪� ،‬أ�شهرها‪:‬ال�صورة الأوىل‪ :‬عقد �إجارة تنتهي‬
‫بتمل ��ك ال�سلعة تلقائ ًيا بعد �سداد جمي ��ع الأق�ساط دون �إن�شاء عقد �آخر‪ ،‬ال�صورة الثانية‪:‬‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬البي ��ع امل�ؤجل‪ ،‬لعبدال�ستار �أبو غدة‪� ،‬ص ‪ ،39‬بحوث يف فقه املعام�ل�ات املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي ‪،617/2‬‬
‫الإيجار املنتهي بالتمليك‪ ،‬ملحمد الألفي‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين ع�شر‪� ،‬ص‪.397‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬بيع التق�سي ��ط و�أحكامه‪ ،‬للرتكي‪� ،‬ص‪ ،193‬العق ��ود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪�� � ،‬ص‪ ،200-198‬بحوث يف فقه‬
‫املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي ‪.617/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي ‪.618-617/2‬‬
‫انظر‪ :‬الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد احلايف‪� ،‬ص‪.88‬‬ ‫(( (‬

‫‪332‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫عق ��د �إجارة مع الوع ��د بالبيع‪ ،‬ال�صورة الثالث ��ة‪ :‬عقد �إجارة مع الوع ��د بالهبة‪ ،‬ال�صورة‬
‫الرابعة‪:‬عقد �إجارة مع �شرط البيع �أو‪ ‬الهبة على االنتهاء من ال�سداد(‪.)1‬‬
‫املطل��ب الثالث‪:‬درا�س��ة للهند�سة املالية الإ�سالمي��ة الإجارة املنتهية‬
‫بالتمليك‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم الإجارة املنتهية بالتمليك‬
‫القول الأول‪� :‬أنها جائزة‪ .‬وهو قول بع�ض املعا�صرين(‪.)2‬‬
‫الق ��ول الث ��اين‪� :‬أنه ��ا جائزة ب�ش ��رط �أن يف�صل بني الإجارة والتملي ��ك(‪ .)3‬وهو قول‬
‫جمهور املعا�صرين(‪.)4‬‬
‫القول الثالث‪� :‬أنها حمرمة‪ .‬وهو قول جمع من املعا�صرين(‪.)5‬‬

‫(( ( انظ ��ر‪ :‬بيع التق�سي ��ط و�أحكامه‪ ،‬للرتكي‪� ،‬ص‪ ،197-195‬العقود املالية املركب ��ة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪ ،196-195‬بحوث يف‬
‫فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي ‪.635-633/2‬‬
‫((( منه ��م‪ :‬ال�شي ��خ عبداهلل اجلربين‪ ،‬والدكتور عب ��داهلل حممد‪ ،‬والدكتور �إبراهيم �أبو اللي ��ل‪ ،‬وال�شيخ حممد بن جبري‪.‬‬
‫انظ ��ر‪ :‬فت ��وى ال�شي ��خ عبداهلل بن جربي ��ن يف موقعه رق ��م ‪ ،8262‬ورقم ‪ ،8862‬الت�أج�ي�ر املنتهي بالتملي ��ك و ال�صور‬
‫امل�شروعة فيه‪ ،‬لعبد اهلل حممد‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪ ،2105‬البيع بالتق�سيط‬
‫والبيوع االئتمانية الأخرى‪ ،‬لأبي الليل‪� ،‬ص‪ ،26‬نقلاً من كتاب الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد احلايف‪� ،‬ص‪ ،89‬ورقة‬
‫ال�شي ��خ حممد بن جب�ي�ر رحمه اهلل التي قدمها لهيئة كبار العلماء‪ ،‬خمال ًفا فيها قرار الهيئة بتحرمي الإجارة املنتهية‬
‫بالتمليك رقم ‪.198‬‬
‫(( ( يرتت ��ب عل ��ى الف�صل ب�ي�ن العقدين �أن جتري �أحكام كل عق ��د يف املدة التي ي�سري بها‪ ،‬وتك ��ون �ضمان العني امل�ؤجرة‬
‫ونفق ��ات ال�صيانة غري الت�شغيلية على املالك‪ .‬انظ ��ر‪ :‬قرار جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين ع�شر‪ ،‬رقم ‪،4/110‬‬
‫عقود التمويل امل�ستجدة يف امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬حلامد مرية‪� ،‬ص‪.254-250‬‬
‫(( ( �ص ��در ب ��ه ق ��رار جممع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الث ��اين ع�شر‪ ،‬رق ��م ‪ ،4/110‬وق ��رار املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات‬
‫الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،117‬وفتوى الندوة الفقهية الأوىل لبيت التمويل الكويتي يف الفرتة ‪1987 /3/11-7‬م‪ .‬وفتوى الهيئة‬
‫ال�شرعية مب�صرف الراجحي ‪.115-114/1‬‬
‫(( ( منهم‪ :‬ابن عثيمني‪ ،‬وبكر �أبو زيد‪ ،‬وحممد املختار ال�شنقيطي‪ ،‬و�صدر به قرار هيئة كبار العلماء بالأغلبية رقم ‪،198‬‬
‫وتاري ��خ‪1420/11/6 :‬ه‪ .‬انظ ��ر‪ :‬قرار هيئة كبار العلماء رقم ‪ ،198‬وفتوى ال�شنقيط ��ي يف مالحق كتاب عقد الإجارة‬

‫‪333‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أدلة القول الأول‪:‬‬


‫الدلي ��ل الأول‪� :‬أن حقيق ��ة هذا العقد �أنه بيع تق�سيط م�ش ��روط بعدم انتقال امللكية‬
‫للم�شرتي �إال بعد �س ��داد الأق�ساط جميعها‪ ،‬والإجارة �سرت للعقد احلقيقي‪ ،‬فهي �صورية‪،‬‬
‫والعربة يف العقود باحلقائق‪ ،‬والأ�صل يف ال�شروط ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه(‪.)1‬‬
‫نوق� ��ش م ��ن وجوه‪ :‬الوجه الأول‪ :‬ب�أن من �ش ��روط العقد �أن يكون �ضمان العني على‬
‫امل�ؤجر مما يدل على �أن الإجارة حقيقية‪ ،‬ولي�ست �صورية(‪.)2‬‬
‫الوج ��ه الث ��اين‪� :‬أن الق ��ول ب�صحة العقد بنا ًء على �أنه بي ��ع تق�سيط ب�شرط عدم نقل‬
‫امللكي ��ة �إال بع ��د �سداد الأق�ساط ال ي�سل ��م؛ لأن هذا ال�شرط يناق� ��ض مقت�ضى العقد‪ ،‬ف�إن‬
‫مقت�ضى العقد نقل امللكية للم�شرتي مبجرد العقد(‪.)3‬‬
‫يجاب‪ :‬ب�أن كل ال�شروط تنايف مقت�ضى العقد‪ ،‬فمقت�ضى العقد الإطالق وعدم التقييد‪،‬‬
‫وال�شرط املن ��ايف ملقت�ضى العقد �شرط �صحيح �إذا كان لأحد املتعاقدين ق�صد �صحيح يف‬
‫ا�شرتاط ��ه‪ ،‬واملهم يف ال�شرط �أال ينايف مق�صود العق ��د‪� ،‬أو مق�صود ال�شارع‪ ،‬و�شرط عدم‬
‫نق ��ل امللكية للم�شرتي ال ين ��ايف املق�صود من العقد‪ ،‬ولي�س فيه خمالفة لل�شارع؛ فامل�شرتي‬
‫ينتف ��ع بالعني يف هذه الفرتة‪ ،‬لكنه ال يت�صرف به ��ا يف بيع �أو هبة فهو كرهن العني‪ ،‬وفيه‬
‫ق�ص ��د �صحيح للبائع ليحفظ حقه‪ ،‬و�شرط التجارة الرتا�ضي‪ ،‬ف�إذا ر�ضي امل�شرتي بذلك‬
‫فهذا له‪ ،‬والأ�صل يف ال�شروط ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬وال دليل مينع منه(‪.)4‬‬

‫املنتهية بالتمليك‪ ،‬ملحمد احلاج‪� ،‬ص‪.239‬‬


‫((( انظ ��ر‪ :‬الت�أج�ي�ر املنتهي بالتمليك و ال�صور امل�شروعة فيه‪ ،‬لعبد اهلل حممد‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪.2105‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الت�أجري التمويلي‪ ،‬لل�شبيلي‪ ،‬من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية‪ ،‬العدد احلادي ع�شر‪1433 ،‬ه‪� ،‬ص‪.154-153‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد احلايف‪� ،‬ص‪.91‬‬
‫((( انظر‪ :‬جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية ‪ ،156/29‬املناظرات الفقهية‪ ،‬لل�سعدي‪� ،‬ص‪.86‬‬

‫‪334‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الوج ��ه الثال ��ث‪� :‬أن ��ه ي�شتمل عل ��ى الغرر؛ ف�إن ��ه يف حالة انف�ساخ العق ��د قبل اكتمال‬
‫ال�سداد لأي ظرف ف�إن البائع يجمع بني العو�ض واملعو�ض(‪ ،)1‬وامل�شرتي ي�ضيع عليه جميع‬
‫ما دفعه‪ ،‬وهذه الأق�ساط دفعت على �أنها �أجرة للعني امل�ؤجرة‪ ،‬فكيف تتحول �إىل ثمن للعني‬
‫امل�ؤج ��رة يف نهاية املدة؟‪ ،‬والعق ��د يف هذه الفرتة يكون مرتددًا بني ح�صول البيع وعدمه‪،‬‬
‫فالقول بجوازه على �أنه عقد بيع بثمن مق�سط تكتنفه يف الفقه الإ�سالمي �صعوبات كثرية‬
‫حتول دون القول بذلك(‪.)2‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن عقود الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ال تخرج ع ��ن كونها عقود بيع‬
‫ورهن للعني‪ ،‬فال يت�صرف بها امل�شرتي ببيع �أو هبة حتى ي�سدد كامل الثمن‪ ،‬وهما عقدان‬
‫�صحيحان الزمان(‪.)3‬‬
‫نوق�ش‪ :‬مبا نوق�ش به الدليل الأول ب�أن هذا ي�شتمل على الغرر يف حال انف�ساخ العقد‪،‬‬
‫وتردد العقد بني ح�صول البيع وعدمه‪ ،‬و�أن عقد البيع الزم للمتعاقدين‪� ،‬أما عقد الإجارة‬
‫املنتهية بالتمليك فهو عقد الزم للم�ؤجر‪ ،‬وغري الزم للم�ست�أجر فله �إنهاء املدة‪ ،‬ورد العني‬
‫للم�ؤجر(‪.)4‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الت�أجري التمويلي‪ ،‬لل�شبيلي‪ ،‬من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية‪ ،‬العدد احلادي ع�شر‪1433 ،‬ه‪� ،‬ص‪154‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬الإيجار املنته ��ي بالتمليك‪ ،‬لل�شاذيل‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬الع ��دد اخلام�س‪� ،‬ص‪،2134‬‬
‫الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد احلايف‪� ،‬ص‪.92‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬ورق ��ة ال�شيخ حممد بن جب�ي�ر رحمه اهلل التي قدمها لهيئة كب ��ار العلماء‪ ،‬خمال ًفا فيها ق ��رار الهيئة بتحرمي‬
‫الإج ��ارة املنتهي ��ة بالتمليك رق ��م ‪ .198‬و�سئل ال�شيخ ابن جربين ه ��ذا ال�س�ؤال‪ :‬تتداول هذه الأي ��ام ما ي�سمى الإيجار‬
‫املنته ��ي بالتمليك‪ ‬م ��ا حكم هذا البيع؟ وماذا يفعل من قد وقع فيه؟« ف�أج ��اب‪� «:‬أرى �أن هذا عقد بيع ب�أق�ساط م�ؤجلة‬
‫ول ��و جعل ��وه با�سم �أجرة؛ حيث �أنه بعد �إنهاء الأق�ساط ميلكها وتنتقل من مل ��ك ال�شركة وتكون ال�سيارة يف هذه كرهن‬
‫لل�شركة لها حق ا�سرتجاعها �إن ت�أخر يف الت�سديد كالعبد املكاتب �إذا ت�أخر يف �أحد النجوم‪ ،‬وال ي�ضركم كونهم �أ َّمنوا‬
‫عليه ��ا‪ ،‬ف�إن هذا الت�أمني منهم ومل�صلحتهم‪ ،‬فمتى �أدى جمي ��ع الأق�ساط انتقلت من رهنهم و�أ�صبح ملكها له يخ�صه‪.‬‬
‫واهلل �أعلم« موقع ال�شيخ على الرابط‪ ، http://www.ibn-jebreen.com ،‬فتوى رقم‪.8862:‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.209‬‬

‫‪335‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫دلي ��ل القول الث ��اين‪� :‬أنه �إذا متايز عقد الإجارة عن عقد التمليك‪ ،‬و�أجريت �أحكام‬
‫كل عق ��د يف املدة التي ي�س ��ري فيها‪ ،‬فالعقد �صحيح وال مانع من ��ه‪ ،‬ويتم ذلك عن طريق‬
‫ا�ش�ت�راط بي ��ع الع�ي�ن‪� ،‬أو‪ ‬هبتها للم�ست�أج ��ر بعد االنتهاء م ��ن ال�س ��داد‪� ،‬أو �أن يعد امل�ؤجر‬
‫امل�ست�أجر ببيع العني‪� ،‬أو هبتها له بعد انتهاء مدة الإجارة(‪.)1‬‬
‫نوق� ��ش م ��ن وجوه‪:‬الوج ��ه الأول‪� :‬أن الهبة يف عقد الإج ��ارة املنتهية بالتمليك �إمنا‬
‫هي مقابل العو�ض‪ ،‬ولي�ست هي من عقود التربع‪ ،‬فامل�ؤجر يهب العني مقابل العو�ض الذي‬
‫يدفعه امل�ست�أجر‪ ،‬فهي هبة ثواب‪ ،‬وحكمها حكم البيع(‪.)2‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب�أن ��ه ال ي�سلم ب� ��أن الهبة مقاب ��ل للعو�ض ال ��ذي يدفعه امل�ست�أج ��ر‪ ،‬فالعو�ض‬
‫يف مقاب ��ل منفعة الع�ي�ن امل�ست�أجرة‪� ،‬سواء كان ��ت الأجرة ك�أجرة املثل كم ��ا اختاره بع�ض‬
‫الباحث�ي�ن(‪� ،)3‬أو كان ��ت الأجرة �أك�ث�ر‪ ،‬فهما تعاقدا عل ��ى هذه الأج ��رة بر�ضاهما‪ ،‬ولهما‬
‫احلرية يف االتفاق على الأجرة التي يريدان‪ ،‬والهبة يف مقابل التزام امل�ست�أجر ب�سداد ما‬
‫عليه‪ ،‬فهي لي�ست من هبة الثواب‪.‬‬
‫الوج ��ه الث ��اين‪� :‬أن ا�شرتاط البيع يف عق ��د الإجارة فيه جمع بني عقدين متناق�ضني‬
‫يف عقد واحد‪ ،‬وفيه غرر؛ لأن العني بعد متام مدة الإجارة ال بد �أن تتغري �صفتها‪ ،‬خا�صة‬
‫و�أن مدة الإجارة طويلة يف الغالب‪ ،‬بل قد تتلف العني‪ ،‬فيكون عقد البيع قد وقع على مبيع‬
‫أي�ضا بعد‬ ‫اً‬
‫جمهول � ً‬ ‫جمه ��ول ال�صفة‪ ،‬ويف ربط ثمن العني بالقيمة ال�سوقي ��ة �سيكون الثمن‬
‫متام املدة‪ ،‬فالثمن واملثمن جمهوالن(‪.)4‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬الت�أجري التمويلي‪ ،‬لل�شبيلي‪ ،‬من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية‪ ،‬العدد احلادي ع�شر‪1433 ،‬ه‪� ،‬ص‪.156-155‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪ .211‬قال ابن قدامة‪«:‬ف�إن �شرط يف الهبة ثوابا معلوما‪� ،‬صح‪ .‬ن�ص عليه‬
‫�أحمد؛ لأنه متليك بعو�ض معلوم‪ ،‬فهو كالبيع‪ ،‬وحكمها حكم البيع« املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.67/6‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد احلايف‪� ،‬ص‪.144-142‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬تعقيب ال�ضرير على بحوث الإجارة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين‪� ،‬ص‪.434‬‬

‫‪336‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫يجاب‪ :‬ب�أن املنهي عنه يف اجلمع بني العقدين �إذا كانا متناق�ضني وترتتب �أحكامهما‬
‫عل ��ى العني يف وقت واحد‪� ،‬أما �إذا كان وقتهما خمتل ًفا ف�أحكام الإجارة يف وقت الإجارة‪،‬‬
‫و�أحكام البيع يف وقت البيع‪ ،‬فال يدخل يف النهي يف اجلمع بني العقدين‪ ،‬وال�صحيح جواز‬
‫تعلي ��ق البيع على �شرط‪ ،‬وهو ما اختاره بع�ض املحققني(‪ ،)1‬ف�إن ح�صل امل�شروط فحقهما‬
‫حمف ��وظ‪ ،‬و�إن مل يح�صل فمالهما حمفوظ‪ ،‬ولي� ��س فيه �أكل للمال بالباطل‪ ،‬والغرر الذي‬
‫فاح�شا فجهالة الثمن واملثمن م�آلها �إىل العلم‪ ،‬وربط الثمن ب�سعر ال�سوق �أقرب‬ ‫فيها لي�س ً‬
‫للعدل؛ لأنه �سرياعي ما ح�صل يف العني من تغري يف �صفاتها(‪.)2‬‬
‫ملزما(‪،)3‬‬
‫الوج ��ه الثال ��ث‪� :‬أن الوعد يف عقد الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ال يكون �إال ً‬
‫وقد �سبق بيان �أن الإلزام بالوعد ي�صريه عقدً ا(‪.)4‬‬
‫�أجي ��ب‪ :‬بالت�سلي ��م ب�أن الإلزام ي�صري الوعد عقدً ا‪ ،‬لك ��ن العني يف م�س�ألتنا موجودة‪،‬‬
‫وه ��ي تختل ��ف عن م�س�ألة املرابح ��ة التي ال توجد فيها العني‪ ،‬فتكون م ��ن بيع مالي�س عند‬
‫البائ ��ع(‪ ،)5‬وما فيها م ��ن ت�أجيل البدلني‪ ،‬ف�إن ال�صحيح هو ج ��واز ت�أجيل البدلني متى ما‬
‫كان هن ��اك فائدة وم�صلحة(‪)6‬؛ كمن يبيع بي ًعا وي�شرتط االنتفاع به زم ًنا‪ ،‬فلهما ذلك مع‬
‫ت�أجي ��ل البدلني‪ ،‬وقد ا�ش�ت�رى النبي × اجلمل من جابر‪ ،‬وت�أخر ت�سليم البدلني �إىل‬
‫و�صول املدينة‪.‬‬

‫(( ( منه ��م‪ :‬اب ��ن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وال�سعدي‪ .‬انظ ��ر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪� ،207‬إع�ل�ام املوقعني‪ ،‬البن القيم‬
‫‪ ،300/3‬املناظرات الفقهية‪ ،‬لل�سعدي‪� ،‬ص‪.86‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظرية العقد‪ ،‬البن تيمية‪� ،‬ص‪.210‬‬
‫((( انظر‪ :‬ا�ستحداث العقود‪ ،‬لل�سعدين‪� ،‬ص‪.621‬‬
‫((( انظر �ص ‪ 277‬من هذا البحث‪.‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬امل�شارك ��ة املتناق�ص ��ة‪ ،‬لعبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة جممع الفقه الإ�سالم ��ي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‬
‫‪.405/1‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬ت�أجيل البدلني يف عقود املعاو�ضات‪ ،‬ليا�سر الن�شمي‪� ،‬ص‪.308‬‬

‫‪337‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الوج ��ه الراب ��ع‪� :‬أن كل هذه الو�سائ ��ل املتخذة عبارة عن حيل للتو�صل للبيع الذي هو‬
‫املق�صد احلقيقي للمتعاقدين(‪.)1‬‬
‫يج ��اب‪ :‬ب� ��أن الو�سيلة مباحة‪ ،‬واملق�صد مباح‪ ،‬وقد �سب ��ق بيان �أن العلماء اتفقوا على‬
‫مباحا(‪.)2‬‬
‫جواز احليلة �إذا كانت الو�سيلة مباحة‪ ،‬واملق�صد ً‬
‫�أدلة القول الثالث‪:‬‬
‫ي يِف َب ْي َعةٍ»‬‫ول اللهَّ ِ × َعنْ َب ْي َع َت نْ ِ‬
‫الدليل الأول‪ :‬عن �أبي هريرة ‪ ،‬قال‪َ « :‬نهَى َر ُ�س ُ‬
‫رواه الرتمذي وغريه(‪.)3‬‬
‫وج ��ه الدالل ��ة من احلدي ��ث‪� :‬أن النبي × نهى عن بيعت�ي�ن يف بيعة‪ ،‬وهذا ي�صدق‬
‫عل ��ى بي ��ع الإجارة املنتهي بالتمليك حيث �إنه جمع بني عقدين على عني واحدة‪ ،‬وهو غري‬
‫م�ستقر على �أحدهما‪ ،‬وهما خمتلفان يف احلكم متنافيان فيه‪ ،‬فالبيع يوجب انتقال العني‬
‫مبنافعه ��ا �إىل امل�شرتي‪ ،‬والإجارة توجب انتقال مناف ��ع العني فقط �إىل امل�ست�أجر‪ ،‬واملبيع‬
‫م�ضمون على امل�شرتي بعينه ومنافعه‪ ،‬والعني امل�ست�أجرة من �ضمان م�ؤجرها(‪.)4‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أن هذا ي�صدق �إذا كان اجلمع بني عقد البيع والإجارة على العني الواحدة‬
‫يف وقت واحد‪ ،‬وهذا غري موجود يف الإجارة املنتهية بالتمليك حيث يتم فيها الف�صل بني‬
‫العقدين‪ ،‬وال يردان على العني يف وقت واحد(‪.)5‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن العقد ي�شتمل على غرر لرتدده بني البي ��ع والإجارة(‪ ،)6‬وي�شتمل‬

‫انظر‪ :‬بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي ‪.652/2‬‬ ‫(( (‬
‫انظر �ص‪ 96‬من هذا البحث‪.‬‬ ‫((( ‬
‫�سبق تخريجه �ص‪.185‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬قرار هيئة كبار العلماء العلماء رقم ‪ ،198‬وتاريخ‪1420/11/6 :‬ه‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬عقد الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬ملحمد احلاج‪� ،‬ص‪.179‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬ملحمد املنيعي‪ ،‬بحث من�شور يف جملة العدل‪ ،‬العدد الثالث ع�شر‪1422 ،‬ه‪� ،‬ص‪.36‬‬ ‫(( (‬

‫‪338‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫عل ��ى غنب؛ فالأجرة فيها �أعلى من �أجرة املثل‪ ،‬ف� ��إن �أع�سر بالق�سط الأخري مث ًال �سحبت‬
‫من ��ه العني باعتبار �أنها م�ؤجرة‪ ،‬وال يرد عليه ما �أخذ منه؛ بنا ًء على �أنه ا�ستوفى املنفعة‪،‬‬
‫وال يخفى ما يف هذا من الظلم‪ ،‬و�أكل لأموال النا�س بالباطل(‪.)1‬‬
‫نوق�ش‪ :‬ب�أنه ال تخلو معاملة من غرر‪ ،‬والإجارة املنتهية بالتمليك ال حتتوي على غرر‬
‫فاح� ��ش؛ لأن امل�ست�أج ��ر يدخل فيها على بين ��ة‪ ،‬و�أنه عقد �إجارة‪ ،‬يرتت ��ب عليه كل �أحكام‬
‫الإج ��ارة‪ ،‬ويوقع على �ش ��رط رد العني متى �أخل بالأق�ساط بكام ��ل ر�ضاه(‪ ،)2‬و�إذا �سحبت‬
‫منه العني فما دفعه فهو مقابل املنفعة‪ ،‬وهو قد ر�ضي بهذه الأجرة‪ ،‬ويتحمل تق�صريه �إن‬
‫كان من ��ه تق�ص�ي�ر‪ ،‬و�إن مل يكن منه تق�صري ب�أن كان الف�سخ من امل�ؤجر‪� ،‬أو قوة قاهرة‪� ،‬أو‬
‫غ�ي�ر ذل ��ك فيجب �أن يرد له ما زاد على �أجرة املث ��ل‪ ،‬ويجب �أن ين�ص يف العقد على ذلك‬
‫حفظا للحقوق(‪.)3‬‬ ‫ً‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪�« :‬أن هذا العق ��د و�أمثاله �أدى �إىل ت�ساهل الفق ��راء يف الديون حتى‬
‫�أ�صبحت ذمم كثري منهم م�شغولة منهكة‪ ،‬ورمبا ي�ؤدي �إىل �إفال�س بع�ض الدائنني ل�ضياع‬
‫حقوقهم يف ذمم الفقراء»(‪.)4‬‬
‫نوق� ��ش‪ :‬ب� ��أن هذا ال ي�صح دلي�ًللاً للمنع؛ لأنه �سي�ؤدي �إىل منع البي ��ع �إىل �أجل‪ ،‬ومنع‬
‫القر� ��ض‪ ،‬فكلها ت�ؤدي م�ؤداه(‪� ،)5‬إ�ضافة �إىل �أن الإج ��ارة املنتهية بالتمليك تي�سر للفقراء‬
‫�أن ينتفعوا ب�أعيان‪ ،‬ويتملكوا �أعيا ًنا ال ي�ستطيعون دفع �أثمانها بالبيع(‪.)6‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار هيئة كبار العلماء‪ ،‬رقم ‪ ،198‬وتاريخ‪1420/11/6 :‬ه‪ ،.‬الإيجار الذي ينتهي بالتمليك‪ ،‬البن بيه من�شور يف‬
‫جملة جممع الفقه الإ�سالمي بجدة‪ ،‬العدد اخلام�س‪� ،‬ص‪.2161‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقد الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬ملحمد احلاج‪� ،‬ص‪.182‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬الت�أجري التمويلي‪ ،‬لل�شبيلي‪ ،‬بحث من�شور يف جملة اجلمعية الفقهية‪ ،‬العدد احلادي ع�شر‪1433 ،‬ه‪� ،‬ص‪.155‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬قرار هيئة كبار العلماء العلماء رقم ‪ ،198‬وتاريخ‪1420/11/6 :‬ه‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقد الإجارة املنتهي بالتمليك‪ ،‬لل�شرثي‪� ،‬ص‪.59‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقد الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬ملحمد احلاج‪� ،‬ص‪.182‬‬

‫‪339‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض الأقوال‪ ،‬و�أدلة كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‬
‫تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح جواز عقد الإجارة املنتهية بالتمليك متى ما مت الف�صل‬
‫ب�ي�ن العقدي ��ن‪ ،‬فال جتري �أحكامهما عل ��ى العني بوقت واحد‪ ،‬ويج ��وز �أن يتم العقد منذ‬
‫البداي ��ة على �أنه عقد بيع‪ ،‬للم�شرتي غنمه‪ ،‬وعليه غرمه‪ ،‬وي�شرتط عليه عدم نقل امللكية‬
‫�إال بعد االنتهاء من �سداد الأق�ساط‪� ،‬أو �أن تنتقل ملكيته للم�شرتي‪ ،‬له غنمه وعليه غرمه‪،‬‬
‫مع رهن العني وا�شرتاط عدم الت�صرف باملبيع حتى ي�ؤدي كامل الثمن؛ وذلك لأن الأ�صل‬
‫يف املعام�ل�ات ال�صح ��ة واجلواز �إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬ومل يثبت دليل مينع الإجارة‬
‫املنتهي ��ة بالتملي ��ك �إال �إذا كانت �أحكام الإجارة و�أحكام املل ��ك ت�سري على العني يف وقت‬
‫واحد‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املنتهية بالتمليك‬
‫عل ��ى القول ال ��ذي يبيح الإجارة املنتهي ��ة بالتمليك ف�إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية‬
‫�أنتج ��ت الإج ��ارة املنتهي ��ة بالتمليك للم�صالح الت ��ي حتققها لطريف املعامل ��ة‪ ،‬فامل�شرتي‬
‫يح�ص ��ل على �أعي ��ان ب�سهولة ومرونة ال تتحق ��ق بعقد البيع‪ ،‬والبائ ��ع ي�ضمن حقه‪ ،‬فمتى‬
‫�أخ ��ل امل�ش�ت�ري بالأق�ساط له ا�سرتداد العني امل�ؤجرة‪� ،‬إىل غ�ي�ر ذلك من فوائد العقد(‪،)1‬‬
‫�أم ��ا على القول الذي يحرم الإج ��ارة املنتهية بالتمليك ف�إن الهند�س ��ة املالية فيها ال تعد‬
‫�إ�سالمي ��ة‪ ،‬وه ��ي �سبب لتحرميه ��ا؛ للمحاذير ال�شرعي ��ة التي ترتتب عليه ��ا كاجلمع بني‬
‫عقدين متناق�ضني‪ ،‬وتردد املعاملة بني البيع والإجارة‪ ،‬وح�صول الغرر فيها‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( انظر‪ :‬بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للقره داغي ‪ ،632/2‬ا�ستحداث العقود‪ ،‬لل�سعدين‪� ،‬ص‪.619-618‬‬

‫‪340‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث ال�سابع‬
‫المشاركة المنتهية بالتمليك‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف امل�شاركة املنتهية بالتمليك‬
‫امل�شارك ��ة لغ ��ة مفاعلة من َ�ش� � َرك‪ ،‬وهو يدل عل ��ى مقارنة وخالف انف ��راد‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫�شارك ��ت فال ًنا يف ال�شيء‪� ،‬إذا �صرت �شريكه(‪ .)1‬وامل�شاركة يف ا�صطالح الفقهاء ال تخرج‬
‫عن املعنى اللغوي(‪.)2‬‬
‫و�سب ��ق تعري ��ف التمليك‪� ،‬أما امل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك فقد عرف ��ت ب�أنها‪�«:‬شركة‬
‫يعط ��ي امل�ص ��رف فيها احل ��ق لل�شريك يف احللول حمل ��ة يف امللكية دفعة واح ��دة‪� ،‬أو على‬
‫دفعات ح�سبما تقت�ضيه ال�شروط املتفق عليها»(‪.)3‬‬
‫والتعريفات الأخرى للم�شاركة املنتهية بالتمليك قريبة من هذا التعريف(‪.)4‬‬
‫وت�سمى امل�شاركة املنتهية بالتمليك ب�أ�سماء �أخرى‪ :‬كامل�شاركة املتناق�صة‪ ،‬وامل�ضاربة‬
‫املنتهية بالتمليك(‪.)5‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك‬
‫امل�شارك ��ة املنتهي ��ة بالتمليك تعد من االبتكارات التي ابتكرته ��ا البنوك الإ�سالمية‪،‬‬
‫وفيه ��ا تركي ��ب ب�ي�ن العقود املالي ��ة‪ ،‬فهي جتمع ب�ي�ن �أكرث من عق ��د كال�شرك ��ة والبيع‪� ،‬أو‬

‫((( انظر‪:‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س‪ ،265/3‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.448/10‬‬
‫((( انظر‪:‬املقدمات املمهدات‪ ،‬البن ر�شد ‪ ،36/3‬املغني‪ ،‬البن قدامة ‪.443/10‬‬
‫((( اال�ستثمار‪ ،‬لأمرية م�شهور‪� ،‬ص‪،286‬نقلاً من كتاب املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬ل�شبري‪� ،‬ص‪.339-338‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪�� � ،‬ص‪ ،171‬امل�شاركة املتناق�صة‪ ،‬لنزيه حم ��اد‪ ،‬من�شور يف جملة جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثالث ع�شر‪� ،‬ص‪ .937‬البنوك الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬للطيار‪ ،‬من�شور �ضمن جمموع‬
‫م�ؤلفات ور�سائل وبحوث الدكتور الطيار ‪ ،505/11‬درا�سة �شرعية لأهم العقود املالية امل�ستحدثة‪ ،‬لل�شنقيطي ‪.388/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬درا�سة �شرعية لأهم العقود املالية امل�ستحدثة‪ ،‬لل�شنقيطي ‪ ،389/1‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.236‬‬

‫‪341‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫كال�شرك ��ة والبيع والإجارة‪ ،‬وامل�شاركة التي فيها تطوي ��ر للم�شاركة الدائمة‪ ،‬فهي تختلف‬
‫عن امل�شاركة الدائمة يف عن�صر واحد وهو‪ :‬اال�ستمرارية(‪ ،)1‬فالهند�سة املالية يف امل�شاركة‬
‫املنتهية بالتمليك جتمع بني االبتكار‪ ،‬والتطوير‪.‬‬
‫املطل��ب الثالث‪:‬درا�س��ة للهند�سة املالي��ة الإ�سالمي��ة يف امل�شاركة‬
‫املنتهية بالتمليك‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم امل�شاركة املنتهية بالتمليك‬
‫اختلف الفقهاء املعا�صرون يف حكم امل�شاركة املنتهية بالتمليك على قولني‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أنها جائزة‪ .‬وهو قول جمهور املعا�صرين(‪.)2‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أنها حمرمة‪ .‬وهو قول بع�ض املعا�صرين(‪.)3‬‬
‫دلي ��ل الق ��ول الأول‪� :‬أن الأ�ص ��ل يف املعامالت ال�صحة واجلواز �إال ما دل الدليل على‬
‫منع ��ه‪ ،‬وحقيقة امل�شاركة املنتهية بالتملي ��ك �أن ال�شريك ي�شرتي ح�صة �شريكة‪ ،‬وال يوجد‬
‫دليل مينع من ذلك فهي باقية على �أ�صل اجلواز(‪.)4‬‬
‫�أدلة القول الثاين‪:‬‬
‫الدلي ��ل الأول‪� :‬أن حقيق ��ة امل�شاركة املنتهية بالتمليك قر�ض ج ��ر نف ًعا‪ ،‬فهي متويل‬
‫ولي�س ��ت م�شارك ��ة‪ ،‬وهي �شبيهة ببيع الوف ��اء املحرم‪ ،‬بل هي �أ�سو�أ من ��ه؛ لأن الآخر ملتزم‬
‫مببلغ يدفعه‪� ،‬إمنا يف بيع الوفاء �إن مل يرد العني فال يدفع �شيئا(‪.)5‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪ ،496/2‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪.236‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،171‬قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‪ ،‬رقم‬
‫‪ ،2/136‬قرار م�ؤمتر امل�صرف الإ�سالمي الأول بدبي يف ‪ ،1399‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.499/2‬‬
‫((( منه ��م‪ :‬الدكتور علي ال�سالو�س‪ ،‬والدكتور �صالح املرزوق ��ي‪ ،‬والدكتور ح�سني فهمي‪ .‬انظر‪ :‬مناق�شات بحوث امل�شاركة‬
‫املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪� ،‬ص‪� ،1036‬ص‪� ،1024‬ص‪.1026‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬اخلدمات اال�ستثمارية يف امل�صارف‪ ،‬لل�شبيلي ‪.499/2‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مداخلة الدكتور علي ال�سالو�س لبحوث امل�شاركة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪� ،‬ص‪.1036‬‬

‫‪342‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫نوق�ش‪ :‬بالفرق بني بيع الوفاء‪ ،‬وامل�شاركة املنتهية بالتمليك؛ فامل�شرتي يف بيع الوفاء‬
‫يك ��ون مال� � ًكا لل�سلعة مبوجب العقد‪ ،‬وغ�ي�ر مالك لها مبوجب ال�ش ��رط فيلزمه رد ال�سلعة‬
‫متى ما رد البائع الثمن‪� ،‬أما امل�شاركة املنتهية بالتمليك في�شرتك فيها الطرفان يف الربح‬
‫واخل�سارة‪ ،‬ولكل �شخ�ص منهما حقوق‪ ،‬وعليه التزامات‪ ،‬فبينهما فرق كبري(‪.)1‬‬
‫الدلي ��ل الث ��اين‪� :‬أن امل�شاركة املنتهية بالتمليك �إحدى من ��اذج بيوع العينة املحرمة؛‬
‫حيث ين�ص يف عقد البيع على �أن يعيد امل�شرتي بيع الأ�صل الذي ا�شرتاه �إىل نف�س البائع‬
‫املالك الأ�صلي‪ ،‬وهذه هي نف�س حالة عقد امل�شاركة املنتهية بالتمليك(‪.)2‬‬
‫نوق�ش‪ :‬بالفرق بني بيع العينة وامل�شاركة املنتهية بالتمليك‪ ،‬فبيع العينة بني طرفني‪،‬‬
‫وامل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك ي�ش�ت�ري ال�شريكان �أ�صال ي�شرتكان فيه من طرف ثالث‪ ،‬وال‬
‫ي�ش�ت�ري �أحدهما من الآخ ��ر ثم يعيد البيع عليه بالأجل(‪ ،)3‬وبي ��ع العينة يف الوقت نف�سه‪،‬‬
‫وامل�شارك ��ة بع ��د وقت طويل‪ ،‬وبيع العين ��ة ال بد �أن يكون ال�سعر مل يتغ�ي�ر ويف امل�شاركة يف‬
‫الغالب تتغري الأ�سعار(‪.)4‬‬
‫الدلي ��ل الثال ��ث‪� :‬أنه يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك يتم الوعد امللزم ببيع عني معينة‬
‫غري مملوكة لل�شريك قبل قيام ال�شركة؛ والإلزام بالوعد ي�صريه عقدً ا‪ ،‬فيدخل البائع يف‬
‫بيع مالي�س عنده(‪.)5‬‬
‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن هذا الدليل ال يك ��ون �سب ًبا لتحرمي امل�شارك ��ة املنتهية بالتمليك بجميع‬
‫�صوره ��ا‪ ،‬بل �إذا ح�صلت هذه ال�صورة فه ��ي حمرمة‪ ،‬وما عداها على �أ�صل الإباحة حتى‬
‫يرد الدليل مبنعه‪.‬‬

‫انظر‪ :‬املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬ل�شبري‪� ،‬ص‪.342‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬مداخلة الدكتور ح�سني كامل لبحوث امل�شاركة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪� ،‬ص‪.1026‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬مداخلة الدكتور حممد القري لبحوث امل�شاركة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪� ،‬ص‪.1028‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬مداخلة الدكتور القره داغي لبحوث امل�شاركة املنتهية بالتمليك يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪� ،‬ص‪.1043‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬املعامالت املالية‪ ،‬للدبيان ‪.155/15‬‬ ‫((( ‬

‫‪343‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الدلي ��ل الراب ��ع‪� :‬أن ا�شرتاط �أحد ال�شريكني على �شريكه �شراء ح�صته من ال�شركة‪،‬‬
‫ف�إن يف هذا �ضما ًنا لر�أ�س املال يحوله �إىل قر�ض‪ ،‬والربح الذي ي�أخذه منفعة على القر�ض‪،‬‬
‫في�ؤول �إىل الربا(‪.)1‬‬
‫�شروطا حتميه ��ا من الوقوع يف ذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يناق� ��ش‪ :‬ب�أن املجيزي ��ن للم�شاركة و�ضعوا لها‬
‫فم ��ن �شروطهم‪«:‬ع ��دم التعهد ب�ش ��راء �أحد الطرف�ي�ن ح�صة الطرف الآخ ��ر مبثل قيمة‬
‫احل�صة عند �إن�شاء ال�شركة‪ ،‬ملا يف ذلك من �ضمان ال�شريك ح�صة �شريكه‪.)2( »...‬‬
‫الرتجيح‪ :‬بعد عر�ض القولني‪ ،‬و�أدلة كل قول‪ ،‬ومناق�شة ما يحتاج منها �إىل مناق�شة‪،‬‬
‫تبني يل‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز امل�شاركة املنتهية بالتمليك؛‬
‫لأن الأ�ص ��ل يف املعام�ل�ات احلل �إال ما دل الدليل على منعه‪ ،‬و�أدل ��ة القول الثاين ال تقوى‬
‫عل ��ى املنع كما تق ��دم يف مناق�شتها‪ ،‬ولل�ضوابط واالحتياطات الت ��ي و�ضعها �أ�صحاب هذا‬
‫الق ��ول التي حتمي ��ه –ب�إذن اهلل‪ -‬من الوق ��وع يف املحذور(‪ ،)3‬جاء يف ق ��رار جملة جممع‬
‫الفق ��ه الإ�سالمي ب�ش�أن امل�شاركة املتناق�صة و�ضوابطه ��ا ال�شرعية‪« :‬امل�شاركة املتناق�صة‬
‫م�شروعة �إذا التُزم فيها بالأحكام العامة لل�شركات‪ ،‬وروعيت فيها ال�ضوابط الآتية‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬عدم التعهد ب�شراء �أحد الطرفني ح�صة الطرف الآخر مبثل قيمة احل�صة عند �إن�شاء‬
‫ال�شركة‪ ،‬ملا يف ذلك من �ضمان ال�شريك ح�صة �شريكه‪ ،‬بل ينبغي �أن يتم حتديد ثمن‬
‫بيع احل�صة بالقيمة ال�سوقية يوم البيع‪� ،‬أو مبا يتم االتفاق عليه عند البيع‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ع ��دم ا�ش�ت�راط حت ّم ��ل �أح ��د الطرف�ي�ن م�صروف ��ات الت�أم�ي�ن �أو ال�صيان ��ة و�سائ ��ر‬
‫امل�صروفات‪ ،‬بل حت ّمل على وعاء امل�شاركة بقدر احل�ص�ص‪.‬‬

‫((( املرجع ال�سابق ‪.157/15‬‬


‫(( ( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‪ ،‬رقم ‪.2/136‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬م�ؤمت ��ر امل�صرف الإ�سالمي الأول بدب ��ي يف ‪ ،1399‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�س ��ات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،171‬قرار‬
‫جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‪ ،‬رقم ‪.2/136‬‬

‫‪344‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ج ‪ -‬حتدي ��د �أرباح �أط ��راف امل�شاركة بن�سب �شائعة‪ ،‬وال يجوز ا�ش�ت�راط مبلغ مقطوع من‬
‫الأرباح �أو ن�سبة من مبلغ امل�ساهمة‪.‬‬
‫د ‪  -‬الف�صل بني العقود وااللتزامات املتعلقة بامل�شاركة‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬منع الن�ص على حق �أحد الطرفني يف ا�سرتداد ما قدمه من م�ساهمة (متويل)» (‪،)1‬‬
‫ملزما قبل متل ��ك العني فالبد �أن يكون على مو�صوف‬ ‫وي�ض ��اف عليها �إذا كان الوعد ً‬
‫يف الذمة مما يقدر على ت�سليمه يف وقته‪.‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك‬
‫عل ��ى القول الراجح ال ��ذي يبيح امل�شارك ��ة املنتهي ��ة بالتمليك ف� ��إن الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية �أنتجت امل�شاركة املنتهية بالتمليك للم�صالح الكبرية التي حتققها للم�شرتكني‪،‬‬
‫فهي �أحد م�صادر البنوك الإ�سالمية‪ ،‬وفيه �إعانة للم�شرتكني معها يف حتقيق م�شاريعهم‪،‬‬
‫�إ�ضافة �إىل تن�شيط احلركة الزراعية وال�صناعية والعمرانية‪� ،‬إىل غري ذلك(‪� ،)2‬أما على‬
‫الق ��ول الذي يحرم امل�شاركة املنتهية بالتمليك ف�إن الهند�سة املالية فيها ال تعد �إ�سالمية‪،‬‬
‫وه ��ي �سب ��ب لتحرميه ��ا؛ لأن العقد �صار عب ��ارة عن قر�ض ج ��ر نف ًعا فهو متوي ��ل‪ ،‬ولي�س‬
‫م�شاركة‪.‬‬

‫***‬

‫(( ( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‪ ،‬رقم ‪.2/136‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬البن ��وك الإ�سالمية بني النظرية والتطبي ��ق‪ ،‬للطيار‪ ،‬من�شور �ضمن جمموع م�ؤلف ��ات ور�سائل وبحوث الدكتور‬
‫الطيار ‪.505/11‬‬

‫‪345‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املبحث الثامن‬
‫بطاقات االئتمان‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بطاقات االئتمان‬
‫قب ��ل تعريف م�صطلح بطاق ��ة االئتمان‪ ،‬البد من تعريف البطاق ��ة � اًأول‪ ،‬ثم االئتمان‬
‫ثان ًيا‪ ،‬الكلمتان اللتان يرتكب منهما هذا امل�صطلح‪.‬‬
‫فالبطاقة يف اللغة‪ :‬الورقة‪ ،‬والرقعة ال�صغرية(‪ ،)1‬جاء يف املحكم‪« :‬البطاقة‪:‬الورقة‪...‬‬
‫ال�ص ِغ َرية‪ ،‬تكون فيِ ال َّث ْوب وفي َها رقم ثمن ��ه»(‪ .)2‬ويقال �سميت بذلك؛‬
‫والبطاق ��ة‪ :‬الرقع ��ة َّ‬
‫لأنها ت�شد بطاقة من هدب الثوب(‪ .)3‬والبطاقة يف اال�صطالح مبعناها اللغوي‪.‬‬
‫واالئتم ��ان لغة م�ص ��در على وزن افتعال م�أخ ��وذ من الأمن‪ ،‬والأم ��ن‪� :‬ضد اخلوف‪،‬‬
‫والأمان ��ة‪� :‬ض ��د اخليانة(‪ ،)4‬يقول اب ��ن فار�س‪ «:‬الهمزة وامليم والن ��ون �أ�صالن متقاربان‪:‬‬
‫�أحدهم ��ا الأمان ��ة التي هي �ض ��د اخليان ��ة»(‪ ،)5‬ويقال �أمنت ��ه على ك ��ذا‪ ،‬وائتمنته مبعنى‬
‫واحد‪�:‬أي وثقت به(‪.)6‬‬
‫واالئتم ��ان م�صطلح اقت�صادي‪ ،‬وعرف عندهم ب�أنه‪«:‬منح حق ا�ستخدام �أو امتالك‬
‫ال�سل ��ع واخلدمات‪ ،‬دون دفع القيم ��ة فو ًرا»(‪� .)7‬أما عند الفقهاء فال يخرج معنى االئتمان‬
‫عن معناه اللغوي(‪.)8‬‬

‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،1450/4‬املحكم‪ ،‬البن �سيده ‪ ،295/6‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.21/10‬‬ ‫((( ‬
‫املحكم‪ ،‬البن �سيده ‪.295/6‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،1450/4‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.21/10‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،2071/5‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.21/13‬‬ ‫((( ‬
‫معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬البن فار�س ‪.133/1‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬ال�صحاح‪ ،‬للفارابي ‪ ،2071/5‬ل�سان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.21/13‬‬ ‫((( ‬
‫مو�سوعة امل�صطلحات الإقت�صادية والإح�صائية‪ ،‬لعبدالعزيز فهمي هيكل‪� ،‬ص‪.192‬‬ ‫(( (‬
‫انظ ��ر‪ :‬املب�س ��وط‪ ،‬لل�سرخ�سي ‪ ،67/19‬البي ��ان والتح�صيل‪ ،‬البن ر�ش ��د ‪ ،604/2‬رو�ضة الطالب�ي�ن‪ ،‬للنووي ‪،449/3‬‬ ‫((( ‬

‫‪346‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫�أم ��ا تعريف م�صطلح بطاقة االئتمان فقد عرفها جممع الفقه ب�أنها‪«:‬م�ستند يعطيه‬
‫م�صدره ل�شخ�ص طبيعي �أو اعتباري ‪ -‬بناء على عقد بينهما ‪ -‬ميكنه من �شراء ال�سلع �أو‬
‫اخلدم ��ات‪ ،‬ممن يعتمد امل�ستند‪ ،‬دون دفع الثمن ح � اً�ال‪ ،‬لت�ضمنه التزام امل�صدر بالدفع‪،‬‬
‫ومن �أنواع هذا امل�ستند ما ميكن من �سحب نقود من امل�صارف على ح�ساب امل�صدر»(‪.)1‬‬
‫وهن ��اك عدة تعريف ��ات للبطاق ��ة االئتمانية‪ ،‬كله ��ا قريبة من التعري ��ف الذي ذكره‬
‫املجمع(‪ ،)2‬وميكن �أن تعرف بتعريف خمت�صر ب�أنها‪ :‬بطاقة تتيح حلاملها �شراء حاجاته‪،‬‬
‫وال�سحب النقدي دي ًنا على م�صدرها‪ ،‬وال�سداد له �آجلاً ‪.‬‬
‫وي ��رى الدكت ��ور عبدالوهاب �أب ��و �سليمان �أن العن ��وان ال�صحيح لبطاق ��ات االئتمان‬
‫هو‪«:‬بطاق ��ات الإقرا�ض»؛ لأنه هو الو�صف املنا�سب الدال عل ��ى حقيقتها‪ ،‬وماهيتها‪� ،‬أما‬
‫�صحيحا‪ ،‬وال و�ص ًفا منا�س ًبا؛ �إذ �إنه ال �أثر له �أ�صلاً ‪� ،‬أو و�ض ًعا‬
‫ً‬ ‫كلمة‪«:‬ائتمان» فلي�س عنوا ًنا‬
‫يف �صح ��ة تكيي ��ف العقد فيبنى علي ��ه حكم‪ ،‬وال ي�ش�ي�ر �أ�صالة �إىل حقيقت ��ه‪ ،‬وال يتفق مع‬
‫الأ�ص ��ل املرتجم عن ��ه(‪ ،)3‬وخالفه غ�ي�ره ور�أى �أن االئتمان هو الت�سمي ��ة ال�صحيحة لهذه‬
‫البطاقة(‪ ،)4‬وال م�شاحة يف اال�صطالح‪ ،‬فالعربة بحقيقة البطاقة ال با�سمها‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان‬
‫البطاق ��ات االئتماني ��ة من املعامالت املالي ��ة امل�ستجدة‪ ،‬وهي من ابت ��كارات البنوك‬
‫التقليدي ��ة‪ ،‬وفيها تركيب بني العقود(‪ ،)5‬فهي جتمع بني القر� ��ض‪ ،‬والوكالة‪ ،‬والكفالة‪� ،‬أو‬
‫احلوالة‪ ،‬على ح�سب التكييف الفقهي للعالقة بني م�صدر البطاقة وحاملها‪ ،‬والعالقة بني‬

‫ك�شاف القناع‪ ،‬للبهوتي‪.267 /4‬‬


‫(( ( قرار جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪ ،‬رقم ‪.1/63‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬العقود املالية املركبة‪ ،‬للعمراين‪� ،‬ص‪ ،350‬عقود التمويل امل�ستجدة‪ ،‬حلامد مرية‪� ،‬ص‪.389-388‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬البطاقات البنكية‪ ،‬لعبدالوهاب �أبو �سليمان‪� ،‬ص‪.22-21‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬للخثالن‪� ،‬ص‪.153-152‬‬
‫انظر‪ :‬ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.156‬‬ ‫(( (‬

‫‪347‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫التاجر وم�ص ��در البطاقة(‪ ،)1‬وقد طورت بع�ض البن ��وك الإ�سالمية البطاقات االئتمانية‬
‫فلم ت�شرتط فوائد على الت�أخري؛ لأن معظم بطاقات االئتمان ترتب فوائد على ت�أخري دفع‬
‫حام ��ل البطاقة ملا ا�ستح ��ق عليه �إذا جتاوز فرتة ال�سماح �أو املطالبة(‪)2‬؛ فالهند�سة املالية‬
‫يف البطاقات االئتمانية جتمع بني االبتكار‪ ،‬والتطوير‪.‬‬
‫وتنق�سم البطاقات االئتمانية ق�سمني‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪ :‬بطاقات مغطاة‪ ،‬وت�سمى بطاقات ال�سحب املبا�شر من الر�صيد؛ وهي‬
‫متنح للعميل الذي له ح�ساب يف البنك‪ ،‬واخل�صم يكون من ح�سابه(‪.)3‬‬
‫الق�سم الثاين‪ :‬بطاقات غري مغطاة؛ وهي تتنوع �إىل نوعني‪:‬‬
‫الن ��وع الأول‪:‬بطاق ��ات االئتم ��ان غ�ي�ر امل ��دار‪� ،‬أو غري املتج ��دد؛ وهي تخ ��ول حلاملها‬
‫االقرتا�ض من البنك �إىل حد معني‪ ،‬ف�إن �سدد‪ ،‬و�إال تلغى بطاقته االئتمانية‪ ،‬مع دفع غرامة‬
‫مالية على الت�أخري‪ ،‬وبع�ض امل�صارف الإ�سالمية ال ت�أخذ فوائد على القر�ض حني الت�أخر(‪.)4‬‬
‫الن ��وع الث ��اين‪ :‬بطاقات االئتم ��ان املدار �أو املتجدد؛ وهي الأك�ث�ر انت�شا ًرا يف العامل‪،‬‬
‫ويح ��ق حلامله ��ا االقرتا�ض م ��ن البنك �إىل حد مع�ي�ن‪ ،‬ويتم ت�سديد الدي ��ن على �أق�ساط‬
‫م ��ع زي ��ادة ربوية م�شروطة‪ ،‬وه ��و قابل للتجدد‪ ،‬فكلم ��ا �سدد جز ًءا م ��ن القر�ض يحق له‬
‫االقرتا�ض مرة �أخرى �إىل �أن ي�صل احلد الأعلى لبطاقته(‪.)5‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬ال�شامل يف معامالت وعملي ��ات امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬لإر�شيد‪� ،‬ص‪ ،190-185‬فق ��ه الأولويات يف املعامالت‬
‫املالية املعا�صرة‪ ،‬للعايدي‪� ،‬ص‪.237-231‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬بطاقة االئتمان‪ ،‬لعبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص‪.526‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬املعاي�ي�ر ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمي ��ة‪� ،‬ص‪ ،16‬بطاقات االئتمان غري املغط ��اة‪ ،‬ملحمد القري‪ ،‬من�شور يف‬
‫جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين ع�شر‪� ،‬ص‪.1384‬‬
‫((( انظر‪ :‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪� ،‬ص‪ ،16‬البطاقات البنكية‪ ،‬لعبدالوهاب �أبو �سليمان‪� ،‬ص‪ ،136‬عقود‬
‫التمويل امل�ستجدة‪ ،‬حلامدة مرية‪� ،‬ص‪.390‬‬
‫(( ( انظ ��ر‪ :‬املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمي ��ة‪� ،‬ص‪ ،16‬البطاقات البنكي ��ة‪ ،‬لعبدالوهاب �أب ��و �سليمان‪� ،‬ص‪،136‬‬
‫ق�ضايا فقهية معا�صرة يف املال واالقت�صاد‪ ،‬لنزيه حماد‪� ،‬ص‪.149‬‬

‫‪348‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان‬


‫الفرع الأول‪ :‬حكم بطاقات االئتمان‬
‫البطاق ��ات االئتمانية املغطاة ال خالف يف جوازها‪ ،‬م ��ا مل يح�صل لها �شرط ينقلها‬
‫م ��ن اجلواز �إىل احلرم ��ة كال�شروط الربوي ��ة(‪)1‬؛ لأن العميل ي�سحب م ��ن ر�صيده‪ ،‬ولي�س‬
‫فيه ��ا �إقرا� ��ض له‪ ،‬يقول الدكتور وهب ��ة الزحيلي‪«:‬فال �شك �أن بطاق ��ة االئتمان �إذا كانت‬
‫بغط ��اء نقدي من ح�ساب العميل فكلنا نتفق على جوازها»(‪ .)2‬وجاء يف قرار جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬ب�ش� ��أن بطاقات االئتمان‪«:‬يجوز �إ�صدار بطاق ��ات االئتمان املغطاة‪ ،‬والتعامل‬
‫بها‪� ،‬إذا مل تت�ضمن �شروطها دفع الفائدة عند الت�أخري يف ال�سداد»(‪.)3‬‬
‫�أم ��ا البطاق ��ات االئتمانية غري املغطاة فهي حمرمة(‪)4‬؛ مل ��ا ت�شتمل عليه من الفائدة‬
‫الربوي ��ة‪ ،‬ف�إن خلت منه ��ا فهي جائزة‪ ،‬وهو ما �أخذت به امل�صارف الإ�سالمية(‪ ،)5‬جاء يف‬
‫قرار جممع الفقه الإ�سالمي ب�ش�أن مو�ضوع بطاقات االئتمان غري املغطاة‪�« :‬أوال‪ :‬ال يجوز‬
‫�إ�ص ��دار بطاقة االئتم ��ان غري املغطاة‪ ،‬وال التعامل بها �إذا كان ��ت م�شروطة بزيادة فائدة‬
‫ربوية‪،‬حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على ال�سداد �ضمن فرتة ال�سماح املجاين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يجوز �إ�صدار البطاقة غري املغطاة �إذا مل تت�ضمن �شرط زيادة ربوية على �أ�صل‬
‫الدين»(‪.)6‬‬

‫(( ( انظ ��ر‪ :‬قرار جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‪ ،‬رق ��م ‪ ،5/139‬املعايري ال�شرعية للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪،‬‬
‫�ص‪ ،17‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪.527/13‬‬
‫(( ( جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪� ،‬ص‪.536‬‬
‫(( ( قرار جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س ع�شر‪ ،‬رقم ‪.5/139‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬قرار جممع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين ع�شر‪ ،‬رق ��م ‪ ،2/108‬املعايري ال�شرعي ��ة للم�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪،‬‬
‫�ص‪ ،17‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪.520/13‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬عقود التمويل امل�ستجدة‪ ،‬حلامد مريه‪� ،‬ص‪ ،419‬ال�شروط التعوي�ضية‪ ،‬لعياد العنزي ‪.419/1‬‬
‫(( ( قرار جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين ع�شر‪ ،‬رقم ‪.2/108‬‬

‫‪349‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بطاقات االئتمان‬


‫الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أنتجت البطاق ��ات االئتمانية املغطاة وغري املغطاة التي‬
‫ح ��ذف منها �شرط الزي ��ادة الربوية للم�صالح الكبرية التي حتققه ��ا‪ ،‬فهي حتقق الأمان‬
‫حلامليه ��ا م ��ن �سرق ��ة النقود‪� ،‬أو �ضياعه ��ا مع ي�سر حمله ��ا‪ ،‬مع اال�ستف ��ادة من القر�ض‬
‫احل�س ��ن يف البطاق ��ات غ�ي�ر املغط ��اة الت ��ي ت�صدره ��ا امل�ص ��ارف الإ�سالمي ��ة‪ ،‬وت�ضمن‬
‫لأ�صح ��اب احلق ��وق �أداء حقوقهم من م�صدري البطاقة‪ ،‬وه ��ي �سبب لزيادة املبيعات يف‬
‫املح�ل�ات التجارية‪ ،‬مع انتفاع م�صدري البطاق ��ات االئتمانية بك�سب مزيد من العمالء‪،‬‬
‫و�أخ ��ذ الر�س ��وم على اال�ش�ت�راك والتجدي ��د‪ ،‬واال�ستبدال مقاب ��ل اخلدمة الت ��ي يقدمها‬
‫حلامل ��ي البطاق ��ات االئتمانية‪ ،‬مع �سالمتها م ��ن املحظور ال�شرع ��ي‪� ،‬إىل غري ذلك من‬
‫امل�صالح التي حتققها البطاقات االئتمانية(‪� ،)1‬أما البطاقات االئتمانية غري املغطاة التي‬
‫مل يح ��ذف منها ال�شرط الربوي ف�إن الهند�سة املالية فيها ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب يف‬
‫حترميها؛ ملا ت�شتمل عليه من الزيادة الربوية على �أ�صل الدين‪.‬‬

‫***‬

‫((( انظ ��ر‪ :‬ال�شامل يف معام�ل�ات وعمليات امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬لإر�شيد‪� ،‬ص‪ ،181‬فق ��ه الأولويات يف املعامالت املالية‬
‫املعا�صرة‪ ،‬للعايدي‪� ،‬ص‪.228-227‬‬

‫‪350‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫وبع ��د؛ ف� ��إين �أحمد هلل الذي ي�سر يل كتابة هذا البح ��ث‪ ،‬و�أعانني على �إمتامه‪ ،‬ويف‬
‫نهايت ��ه �أود تدوين �أبرز النتائج التي تو�صلت لها‪ ،‬و�أه ��م التو�صيات؛ ف�أبرز ما تو�صلت له‬
‫من نتائج‪:‬‬
‫‪� -1‬إن الهند�سة املالية من حيث املمار�سة والتعامل قدمية قدم املعامالت املالية‪� ،‬أما من‬
‫حيث امل�صطلح فهي حديثة الن�ش�أة‪.‬‬
‫‪� -2‬إن للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أهمية كبرية فهي تق ��وم بابتكار عقود‪ ،‬وتطوير عقود‬
‫من�ضبط ��ة بال�ضوابط ال�شرعية‪ ،‬وت�ساهم يف ك�س ��ر حلقة التبعية للعامل الغربي‪ ،‬وهي‬
‫البديل‪ ،‬والعالج للأزمات املالية التي ي�شهدها العامل‪.‬‬
‫‪� -3‬إن للهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أهدا ًفا عظيمة من �أهمها �إيجاد امل�ؤ�س�سات امل�صرفية‬
‫اخلالي ��ة م ��ن املخالف ��ات ال�شرعي ��ة‪ ،‬والتي متك ��ن تنفيذ معام�ل�ات امل�سلم�ي�ن وف ًقا‬
‫ملعتقداتهم الدينية‪.‬‬
‫‪ -4‬تتمي ��ز الأدوات التي تبتكرها �أو تطورها الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية مبيزتني‪ :‬امليزة‬
‫الأوىل‪ :‬امل�صداقية ال�شرعية‪ ،‬امليزة الثانية‪ :‬الكفاءة االقت�صادية‪.‬‬
‫‪ -5‬م ��ن العوائ ��ق �أمام الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية غياب الكف ��اءات الب�شرية التي تتمتع‬
‫مبعرفة �أ�سا�سيات العلوم املالية امل�صرفية‪ ،‬مع الإملام بالفقه الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪ -6‬تتف ��ق الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية مع الهند�س ��ة املالية التقليدية ب� ��أن كلتيهما يبتكر‬
‫ويط ��ور �أدوات مالي ��ة‪ ،‬ويختلفان يف �أن الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية ملتزمة بالأحكام‬
‫ال�شرعية‪ ،‬خال ًفا للهند�سة املالية التقليدية التي ال تلتزم بذلك‪.‬‬
‫‪� -7‬إن للهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية م�ستندات �شرعية من ال�سن ��ة النبوية‪ ،‬فال�سلم عبارة‬
‫ع ��ن هند�سة مالية �إ�سالمية‪ ،‬ومن اجته ��ادات ال�صحابة‪ ،‬فقد ابتكروا ال�صكوك �إىل‬
‫العط ��اء‪ ،‬ومن املقا�ص ��د ال�شرعية‪ ،‬فهي حتقق م�صالح عظيم ��ة للنا�س‪ ،‬وترفع عنهم‬

‫‪351‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫احل ��رج‪ ،‬ومن القواعد الفقهية ف�إن الأ�صل يف العق ��ود ال�صحة �إال ما دل الدليل على‬
‫منعه‪ ،‬والأ�صل يف ال�شروط ال�صحة واللزوم �إال ما دل الدليل على منعه‪.‬‬
‫‪ -8‬ت�ستخ ��دم الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية يف هند�سته ��ا للعق ��ود الأدوات التالية‪ :‬احليل‬
‫واملخ ��ارج ال�شرعي ��ة‪ ،‬والرخ� ��ص ال�شرعي ��ة‪ ،‬واال�ستح�س ��ان‪ ،‬و�سد الذرائ ��ع وفتحها‪،‬‬
‫والتلفيق‪ ،‬وتركيب العقود‪.‬‬
‫‪� -9‬إن للهند�سة املالية الإ�سالمية �ضوابط خا�صة بها‪ ،‬و�ضوابط خا�صة باملهند�س املايل‪،‬‬
‫�أم ��ا ال�ضواب ��ط اخلا�صة باملهند�س امل ��ايل فهي‪ :‬اخلربة بالعمل امل�ص ��ريف‪ ،‬وال�ش�ؤون‬
‫امل�صرفي ��ة‪ ،‬العل ��م بال�س ��وق وحاجاته‪ ،‬و�أم ��ا ال�ضواب ��ط اخلا�صة بالهند�س ��ة املالية‬
‫الإ�سالمي ��ة فهي‪ :‬ع ��دم خمالفة الهند�سة املالي ��ة الإ�سالمية لل�ش ��رع‪ ،‬و�سالمتها من‬
‫العيوب ال�شكلية للعقود‪.‬‬
‫‪ -10‬م ��ن املخالف ��ات ال�شرعي ��ة للهند�سة املالية‪ :‬خمالف ��ة الن�ص‪� ،‬أو التحاي ��ل �أو التذرع‬
‫للتو�صل للحرام‪� ،‬أو منافاة احلكمة التي حرمت لأجلها بع�ض العقود‪.‬‬
‫‪ -11‬ل�سالم ��ة الهند�سة املالية الإ�سالمية من العيوب ال�شكلية للعقود ينبغي �أال جتمع بني‬
‫العق ��ود املتناق�ضة‪ ،‬و�أال تك ��ون جمرد تغيري يف التكييف الفقهي للمعامالت املحرمة‪،‬‬
‫و�أال تكون جمرد قيود �شكلية‪.‬‬
‫‪ -12‬من تطبيقات الهند�سة املالية يف الفقه الإ�سالمي بيع الوفاء‪ ،‬وبيع اال�ستجرار‪ ،‬وبيع‬
‫وال�س ْفتَجة‪ ،‬والتورق‪ ،‬والإجارة املو�صوفة يف الذمة‪.‬‬ ‫العينة‪ُ ،‬‬
‫‪� -13‬إن الهند�س ��ة املالي ��ة يف بيع الوفاء ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب لتحرميه؛ لأن حقيقة‬
‫ً‬
‫م�شروطا يف بداية العقد‪.‬‬ ‫بيع الوفاء قر�ض جر نف ًعا‬
‫‪� -14‬إن الهند�سة املالية الإ�سالمية انتجت بيع اال�ستجرار �إذا كان ثمن ال�سلعة يف ال�سوق‬
‫يتف ��اوت تفاو ًتا ي�س�ي ً�را‪� ،‬أو كان موحدً ا يف ال�سوق لينتفع امل�ش�ت�ري يف ت�أخري ال�سداد‪،‬‬
‫وينتفع البائع يف كرثة العمالء‪.‬‬
‫‪� -15‬إن الهند�سة املالية يف بيع العينة ال تعد �إ�سالمية؛ لأن العينة حيلة للتو�صل للربا‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�س ْفتَجة لينتفع به املقر�ض واملقرت�ض م ًعا؛‬‫‪� -16‬إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أنتج ��ت ُ‬
‫املقر� ��ض ينتفع ب�أمن خطر الطريق يف نقل دراهمه �إىل ذلك البلد‪ ،‬وينتفع املقرت�ض‬
‫�أي�ضا بالوفاء يف ذلك البلد و�أمن خطر الطريق‪ ،‬فكالهما منتفع بهذا االقرتا�ض‪.‬‬
‫خمرجا �شرع ًيا ع ��ن الربا‪ ،‬ي�ستفيد‬
‫ً‬ ‫‪� -17‬إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �أنتجت التورق‬
‫البائع الربح‪ ،‬ويح�صل امل�شرتي على املال‪ ،‬وال�سلعة تدار يف ال�سوق‬
‫‪� -18‬إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية �أنتجت الإج ��ارة املو�صوفة يف الذمة لتحقق م�صالح‬
‫للم�ؤجر وامل�ست�أج ��ر؛ فامل�ؤجر ي�ضمن ت�أجري العني قبل وجودها‪ ،‬وح�صوله على النقد‬
‫مق�سطا قبل ت�سليم العني‪ ،‬و�أن العني م�سجل ��ة با�سمه وب�إمكانه �أن يبيعها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عاج�ًل�اً �أو‬
‫�أو ي�ب�رم عق ��د �إجارة جديد بع ��د انتهاء املدة املح ��ددة‪ ،‬وامل�ست�أجر ينتف ��ع ب�أنه قد ال‬
‫يجد النقد لبناء عني ذات موا�صفات معينة فيتمكن عن طريق الإجارة املو�صوفة يف‬
‫الذم ��ة �أن يتعاقد مع م�ؤجر مقتدر يحقق له ذلك‪ ،‬و�أن امل�ؤجر يظل م�س� اًؤول عن العني‬
‫امل�ؤج ��رة‪ ،‬ويتطل ��ب منه االهتمام بالع�ي�ن و�إبرام العديد من العق ��ود كعقود ال�صيانة‬
‫الإ�صالحي ��ة‪ ،‬وال�صيان ��ة الطارئة‪ ،‬وغريه ��ا‪� ،‬إىل غري ذلك من امل�صال ��ح التي تعود‬
‫للطرفني املتعاقدين‪ ،‬ولالقت�صاد العام ككل‪.‬‬
‫‪� -19‬إن الهند�سة املالية الإ�سالمية �أنتجت ال�سلم املوازي فللهند�سة للم�صالح الكبرية التي‬
‫يحققها‪ ،‬فعن طريق ال�سلم املوازي يتم متويل املنتجني ليحققوا نفعا بالغا ويدفع عنهم‬
‫م�شق ��ة العجز املايل ع ��ن حتقيق �إنتاجهم‪ ،‬وميك ��ن متويل �صغار املنتج�ي�ن الزراعيني‪،‬‬
‫وال�صناعي�ي�ن‪ ،‬ع ��ن طريق �إمداده ��م مب�ستلزمات الإنتاج يف �صورة مع ��دات‪ ،‬و�آالت‪� ،‬أو‬
‫مواد �أولية كر�أ�س مال �سلم مقابل احل�صول على بع�ض منتجاتهم و�إعادة ت�سويقها‪.‬‬
‫‪� -20‬إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت اال�ست�صناع املوازي لدوره الكبري يف تن�شيط‬
‫ال�صناعة‪ ،‬ويف فتح جماالت وا�سعة للتمويل والنهو�ض باالقت�صاد الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪� -21‬إن الهند�س ��ة املالية الإ�سالمي ��ة �أنتجت ال�صكوك الإ�سالمية للم�صالح الكبرية التي‬
‫تقدمها؛ فهي �أداة مهمة لتن�شيط االقت�صاد الإ�سالمي‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -22‬إن الهند�س ��ة املالية يف الت ��ورق امل�صريف ال تعد �إ�سالمية؛ وذلك للمحاذير ال�شرعية‬
‫يف الت ��ورق امل�صريف فهو ال يختلف عن معاملة العينة‪ ،‬وال يتم فيه ملك حقيقي لل�سلع‬
‫�أو قب�ض حقيقي لها‪.‬‬
‫‪� -23‬إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت بيع املرابحة للآم ��ر بال�شراء �إذا كان الوعد‬
‫ملزما وكان البيع ملو�صوف بالذمة مما يقدر على ت�سليمه يف وقته؛‬ ‫غري ملزم‪� ،‬أو كان ً‬
‫لأن ��ه يغطي جان ًب ��ا من جوانب احلاجة الت ��ي ال ميكن حتقيقها ع ��ن طريق امل�ضاربة‬
‫وامل�شارك ��ة فيحدد �صاحب احلاجة م ��ا يرغب فيه ويقوم امل�صرف بال�شراء بناء على‬
‫طلب �صاحب احلاجة‪ ،‬مع ما يتمتع به من مرونة ومالئمة لطبيعة العمل امل�صريف‪.‬‬
‫‪� -24‬إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت الإج ��ارة املنتهية بالتملي ��ك للم�صالح التي‬
‫حتققه ��ا لطريف املعامل ��ة‪ ،‬فامل�شرتي يح�صل عل ��ى �أعيان ب�سهول ��ة ومرونة ال تتحقق‬
‫بعق ��د البيع‪ ،‬والبائع ي�ضمن حقه‪ ،‬فمتى �أخل امل�ش�ت�ري بالأق�ساط له ا�سرتداد العني‬
‫امل�ؤجرة‪� ،‬إىل غري ذلك من فوائد العقد‪.‬‬
‫‪� -25‬إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة �أنتج ��ت امل�شارك ��ة املنتهي ��ة بالتملي ��ك للم�صال ��ح‬
‫الكب�ي�رة التي حتققها للم�شرتكني‪ ،‬فهي �أحد م�صادر البنوك الإ�سالمية‪ ،‬وفيه �إعانة‬
‫للمت�شارك�ي�ن معه ��ا يف حتقي ��ق م�شاريعه ��م‪� ،‬إ�ضاف ��ة �إىل تن�شيط احلرك ��ة الزراعية‬
‫وال�صناعية والعمرانية‪.‬‬
‫‪� -26‬إن الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية �أنتجت البطاقات االئتماني ��ة املغطاة وغري املغطاة‬
‫الت ��ي حذف منها �شرط الزيادة الربوية للم�صال ��ح الكبرية التي حتققها فهي حتقق‬
‫الأم ��ان حلامليها من �سرق ��ة النقود‪� ،‬أو �ضياعها مع ي�سر حمله ��ا‪� ،‬إىل غري ذلك من‬
‫امل�صال ��ح التي حتققها‪� ،‬أم ��ا البطاقات االئتمانية غري املغط ��اة التي مل يحذف منها‬
‫ال�ش ��رط الربوي ف�إن الهند�سة املالية فيه ��ا ال تعد �إ�سالمية‪ ،‬وهي �سبب يف حترميها؛‬
‫ملا ت�شتمل عليه من الزيادة الربوية على �أ�صل الدين‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫هذه هي �أبرز النتائج‪� ،‬أما �أهم التو�صيات‪ ،‬فهي‪:‬‬


‫‪�-1‬أن يك ��ون هناك تعاون بني امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬والكليات ال�شرعية‪ ،‬ومن الأمور التي‬
‫ميكن التعاون عليها‪:‬‬
‫�أ‪� -‬أن ي ��زود امل�ص ��رف الإ�سالمي الكليات ال�شرعية مب ��ا ا�ستجد عنده من العقود؛‬
‫ليقوم الدكاترة بدرا�ستها يف بحوث الرتقية‪� ،‬أو يكلف طالب الدرا�سات العليا‬
‫ببحثها‪.‬‬
‫ب‪� -‬أن ترت ��ب الكلي ��ات ال�شرعية للط�ل�اب زيارات للم�ص ��ارف الإ�سالمية خا�صة‬
‫ط�ل�اب الدرا�سات العليا الذي ��ن يدر�سون املعامالت املعا�ص ��رة فيجمعوا بني‬
‫اجلانب النظري‪ ،‬والتطبيقي للعقود التي در�سوها‪ ،‬فم�شاهدة التطبيق ي�ساعد‬
‫على فهم العقود �أكرث من قراءتها من الكتب‪.‬‬
‫ج‪� -‬أن تق ��ام دورات �شرعي ��ة يف امل�ص ��ارف الإ�سالمية من قبل دكات ��رة ال�شريعة‪،‬‬
‫وتق ��ام دورات اقت�صادية يف الكلي ��ات ال�شرعية من قب ��ل االقت�صاديني الذين‬
‫يعملون يف امل�صارف الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪�-2‬أن ت�ضاف مقررات يف برامج الدرا�سات العليا يف الفقه الإ�سالمي فيها بيان امل�صطلحات‬
‫االقت�صادية الو�ضعية‪ ،‬وفهم مق�صودها‪ ،‬والعالقة بينها وبني امل�صطلحات ال�شرعية‪،‬‬
‫خا�ص ��ة �أن غالب اللجان ال�شرعية يف امل�صارف الإ�سالمية مكونة من طالب الكليات‬
‫ال�شرعية وهم بحاجة �إىل معرفات امل�صطلحات االقت�صادية الو�ضعية‪.‬‬
‫‪� -3‬أن مو�ض ��وع الهند�س ��ة املالية الإ�سالمية مهم‪ ،‬وهو بحاج ��ة �إىل العديد من الدورات‪،‬‬
‫وور� ��ش العم ��ل‪ ،‬وحلق ��ات النقا� ��ش يف الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمي ��ة بامل�شارك ��ة من‬
‫االقت�صاديني‪ ،‬والفقهاء ال�شرعيني‪.‬‬
‫‪�-4‬أن ي�ش ��ارك ط�ل�اب الدرا�س ��ات العليا‪ ،‬والدكات ��رة يف الفقه الإ�سالم ��ي يف الكتابة يف‬
‫الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�سالمية‪ ،‬فمو�ضوعه ��ا كبري‪ ،‬وهناك مباحث ميك ��ن �أن تفرد يف‬

‫‪355‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ر�سالة م�ستقل ��ة‪ ،‬فمثلاً �أي �أداة من �أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية ميكن �أن تكون‬
‫عن ��وان ر�سال ��ة م�ستقلة مع بيان التطبيقات اخلا�صة به ��ذه الأداة يف الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية‪.‬‬
‫ً‬
‫مرتا�ضا يف ال�شريعة‪،‬‬ ‫‪�-5‬أن حتر� ��ص امل�صارف الإ�سالمية على �أن يك ��ون املهند�س املايل‬
‫ب�ص�ي ً�را بامل�صالح املعتربة فيه ��ا‪ ،‬و�إذا مل جتد من ميتلك ه ��ذا ال�صفات‪ ،‬فعليها �أن‬
‫تعر� ��ض العقود بعد هند�ستها عل ��ى �أهل العلم يف املجامع‪ ،‬والهيئ ��ات ال�شرعية‪ ،‬و�أن‬
‫تلتزم مبا قالوا‪ ،‬و�أن تراعي ال�شروط التي ي�ضعونها ل�صحة العقد‪ ،‬ف�إن عدم مراعاة‬
‫ال�ضواب ��ط ال�شرعية التي ي�ضعها �أه ��ل العلم جلواز املعامالت يجعل بع�ض املعامالت‬
‫ال تختلف عن نظريتها يف البنوك الربوية‪ ،‬وهذا ي�ؤثر على �سمعة امل�صرف الإ�سالمي‬
‫ويفت ��ح �أل�سنة بع� ��ض النا�س بنق ��ده‪ ،‬والت�شكيك يف م�صداقي ��ة معامالته‪ ،‬ويف نزاهة‬
‫هيئته ال�شرعية‪.‬‬
‫‪� -6‬أن تبتع ��د امل�ص ��ارف الإ�سالمية يف هند�س ��ة العقود املالية عن التحاي ��ل على العقود‬
‫املحرم ��ة‪ ،‬ف�إن النا�س مل يتوجهوا لها �إىل طل ًبا ملر�ضاة اهلل‪ ،‬والتحايل على املحرمات‬
‫ال ير�ضي اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -7‬عل ��ى امل�ص ��ارف الإ�سالمي ��ة �أن حتر� ��ص يف هند�سته ��ا املالي ��ة للعق ��ود �أن جتمع بني‬
‫امل�صداقي ��ة ال�شرعية‪ ،‬والكف ��اءة االقت�صادية‪ ،‬فم ��ن �أبرز ما ميي ��ز الهند�سة املالية‬
‫الإ�سالمية جمعها بني هذين العن�صرين‪.‬‬
‫ه ��ذه ه ��ي �أبرز النتائج‪ ،‬و�أه ��م التو�صيات‪ ،‬وما كان يف ه ��ذا الر�سالة من خط�أ فمن‬
‫نف�س ��ي وال�شيط ��ان‪ ،‬وما كان فيه ��ا من �صواب فمن اهلل وح ��ده‪� .‬أ�س� ��أل اهلل �أن يكتب لها‬
‫القب ��ول‪ ،‬و�أن ينف ��ع به ��ا‪ ،‬و�أن يجعله ��ا خال�صة لوجه ��ه‪ ،‬و�آخر دعوان ��ا �أن احلمد هلل رب‬
‫العاملني‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى �آله و�صحبة �أجمعني‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فهرس المصادر والمراجع‬


‫‪�  -1‬أبح ��اث هيئ ��ة كبار العلماء باململك ��ة العربية ال�س ��عودية‪ ،‬دار �أويل النهى‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪  -2‬اب ��ن حنب ��ل حياته وع�ص ��ره‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪ ،‬دار الفك ��ر العربي‪ ،‬م�صر‪ ،‬طبعة عام‬
‫‪2008‬م‪.‬‬
‫‪  -3‬الإبهاج يف �شرح املنهاج‪ ،‬لأبي احل�سن علي بن عبد الكايف ال�سبكي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬عام ‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪�  -4‬إتباع الآثار يف حكم حتديد �أرباح التجار‪ ،‬لأ�شرف بن حممود بن عقلة الكناين‪ ،‬دار‬
‫النور‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪  -5‬االتفاق على �إلزام املدين املو�سر بتعوي�ض عن �ضرر املماطل‪ ،‬بحث من�شور يف جملة‬
‫�أبحاث االقت�ص ��اد الإ�سالمي‪ ،‬ال�صادرة من جامعة املل ��ك عبدالعزيز بجدة‪ ،‬املجلد‬
‫الثالث‪ ،‬العدد الأول‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�  -6‬أثر م�ستقبل اختالف الفتوى على تطبيق املنتجات املالية يف امل�صارف الإ�سالمية‪،‬‬
‫ملحم ��ود �إدري� ��س‪ ،‬بحث من�ش ��ور يف م�ؤمتر الفت ��وى وا�ست�شراف امل�ستقب ��ل يف جامعة‬
‫الق�صيم‪ ،‬يف الفرتة ‪1434/6 /21-20‬هـ‪.‬‬
‫‪  -7‬الإجارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬خلالد بن عبداهلل احلايف‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬ه‪.‬‬
‫‪  -8‬الإج ��ارة املنتهي ��ة بالتملي ��ك‪ ،‬ملحمد املنيعي‪ ،‬بح ��ث من�شور يف جمل ��ة العدل‪ ،‬العدد‬
‫الثالث ع�شر‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪  -9‬االجته ��اد املعا�ص ��ر ب�ي�ن االن�ض ��باط واالنف ��راط‪ ،‬ليو�س ��ف القر�ض ��اوي‪ ،‬املكت ��ب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -10‬االجتهاد‪ ،‬عبداملنعم النمر‪ ،‬مطابع الهيئة امل�صرية العامة للكتاب‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -11‬الإجم ��اع‪ ،‬لأب ��ي بكر حمم ��د بن �إبراهيم ب ��ن املنذر‪ ،‬حتقيق‪� :‬صغ�ي�ر �أحمد حنيف‪،‬‬
‫مكتبة مكة الثقافية‪ ،‬الإمارات‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪� -12‬إح ��كام الأحكام �ش ��رح عمدة الأحكام‪ ،‬ملحمد ب ��ن علي بن دقيق العيد‪ ،‬مطبعة ال�سنة‬
‫املحمدية‪.‬‬
‫‪� -13‬أح ��كام التعام ��ل يف الأ�س ��واق املالية املعا�ص ��رة‪ ،‬ملبارك بن �سليم ��ان �آل �سليمان‪ ،‬دار‬
‫كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪� -14‬أحكام التمويل امل�صريف امل�شرتك‪ ،‬لعبدامللك بن �صالح �آل فريان‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪� -15‬أح ��كام الفوائد الربوية يف القانون الكويتي وال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية‪ ،‬لنزال عقاب‬
‫الهاجري‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪2005‬م‪.‬‬
‫‪� -16‬أح ��كام الق ��ر�آن‪ ،‬لأبي بكر حممد بن عب ��داهلل بن العربي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبدالقادر‬
‫عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪� -17‬أح ��كام الق ��ر�آن‪ ،‬لأحمد بن عل ��ي املكني ب�أبي بكر ال ��رازي اجل�صا�ص احلنفي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد ال�صادق قمحاوى دار احياء الرتاث العربى‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬طبعة عام ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪� -18‬أحكام القر�آن‪ ،‬لعماد الدين بن حممد الطربي املعروف بالكيا الهرا�سي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪� -19‬أحكام املعامالت ال�شرعية‪ ،‬لعلي اخلفيف‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬طبعة عام ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪� -20‬أح ��كام عق ��ود الإذعان يف الفقه الإ�س�ل�امي‪ ،‬ملنال جهاد �أحم ��د خلة‪ ،‬ر�سالة مقدمة‬
‫لني ��ل درجة املاج�ستري من كلي ��ة ال�شريعة والقانون باجلامع ��ة الإ�سالمية بغزة‪ ،‬عام‬
‫‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪ -21‬الإح ��كام يف �أ�ص ��ول الأح ��كام‪ ،‬لأبي حممد علي بن حزم‪ ،‬حتقي ��ق‪� :‬أحمد �شاكر‪ ،‬دار‬
‫الآفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -22‬الإحكام يف �أ�صول الأحكام‪،‬لأبي احل�سن علي بن حممد الآمدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالرزاق‬


‫عفيفي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -23‬الأخبار العلمية من االختيارات الفقهية ل�ش ��يخ الإ�س�ل�ام ابن تيمية‪،‬لأبي احل�سن‬
‫علي بن حممد بن عبا�س البعلي‪ ،‬تعليق‪ :‬حممد بن �صالح العثيمني‪ ،‬حتقيق‪�:‬أحمد بن‬
‫حممد اخلليل‪ ،‬دار العا�صمة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪ -24‬اختب ��ار الفت ��اوى املالية‪ ،‬هل امل�ش ��كلة يف الفتوى �أم يف التطبي ��ق؟‪ ،‬لرفيق بن يون�س‬
‫امل�صري‪ ،‬بحث من�شور يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد‬
‫الإ�سالمي يف جامعة امللك عبدالعزيز بجدة‪2008-2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬االختي ��ار لتعلي ��ل املختار‪ ،‬عب ��داهلل بن حممود بن مودود املو�صل ��ي احلنفي‪ ،‬عليها‬
‫تعليق ��ات‪ :‬ال�شيخ حممود �أبو دقيق ��ة‪ ،‬النا�شر‪ :‬مطبعة احللب ��ي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة عام‬
‫‪1356‬هـ‪.‬‬
‫‪ -26‬االختيارات اجللية يف امل�سائل اخلالفية‪ ،‬لعبداهلل بن عبدالرحمن الب�سام‪ ،‬بحا�شية‬
‫نيل امل�آرب‪ ،‬لعبداهلل الب�سام‪ ،‬طبع على نفقة الأمرية العنود بنت عبدالعزيز �آل �سعود‬
‫اخلريية‪.‬‬
‫‪� -27‬إدارة البن ��وك الإ�س�ل�امية‪ ،‬ل�شه ��اب �أحمد �سعيد العزع ��زي‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪� -28‬إدارة املخاطر يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية‪ ،‬لف�ضل عبدالكرمي حممد‪ ،‬بحث من�شور يف‬
‫جمل ��ة حوار الأربعاء الت ��ي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�ص ��اد الإ�سالمي يف جامعة‬
‫امللك عبدالعزيز بجدة‪2008-2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪� -29‬إدارة املخاط ��ر‪ ،‬البن علي بلع ��زوز‪ ،‬وعبدالكرمي قنوز‪ ،‬وعبدال ��رزاق حبار‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫الوراق‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪2013‬م‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -30‬أدب الطل ��ب ومنته ��ى الأدب‪ ،‬ملحم ��د ب ��ن علي ب ��ن حممد بن عب ��د اهلل ال�شوكاين‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد اهلل يحيى ال�سريحي‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -31‬الأذكار‪ ،‬لأب ��ي زكري ��ا حمي ��ي الدين يحيى بن �ش ��رف النووي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبد القادر‬
‫الأرن�ؤوط‪ ،‬دار الفكر‪،‬بريوت‪ ،‬طبعة عام ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪� -32‬إر�ش ��اد الفح ��ول �إىل حتقي ��ق احل ��ق م ��ن علم الأ�ص ��ول‪ ،‬ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أحمد عزو عناية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪� -33‬أ�س ��ا�س البالغة‪ ،‬لأب ��ي القا�سم حممود بن عمر الزخم�شري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد با�سل‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪� -34‬أ�سباب الأزمة املالية وجذورها‪ ،‬للجوزي جميلة‪ ،‬بحث من�شور يف االنرتنت‪.‬‬
‫‪ -35‬ا�س ��تحداث العق ��ود يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي‪ ،‬لقندي ��ل علي م�سعد ال�سع ��دين‪ ،‬دار ابن‬
‫اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪ -36‬اال�ستح�سان‪ ،‬لعجيل الن�شمي‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪،‬‬
‫ال�صادرة من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد الأول‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -37‬اال�ستذكار‪ ،‬لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري‪ ،‬حتقيق‪� :‬سامل حممد‬
‫عطا‪ ،‬حممد علي معو�ض‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -38‬اال�ست�صناع‪ ،‬للثبيتي‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪.‬‬
‫‪� -39‬أ�س ��لوب املرابح ��ة واجلوان ��ب ال�ش ��رعية التطبيقي ��ة يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية‪،‬‬
‫لعبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪.‬‬
‫‪� -40‬أ�سنى املطالب‪ ،‬لزكريا بن حممد بن زكريا‪،‬دار الكتاب الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪ -41‬الأ�س ��هم وال�س ��ندات و�أحكامها يف الفقه الإ�س�ل�امي‪ ،‬لأحمد بن حممد اخلليل‪ ،‬دار‬
‫ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -42‬الإ�ش ��ارات الإلهي ��ة �إىل املباح ��ث الأ�ص ��ولية‪ ،‬ل�سليمان عبدالق ��وي الطويف‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫ح�سن بن عبا�س قطب‪ ،‬دار الفاروق احلديثة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -43‬الأ�ش ��باه والنظائ ��ر‪ ،‬جل�ل�ال الدي ��ن عبدالرحمن ال�سيوط ��ي‪ ،‬دار الكت ��ب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ -44‬الأ�شباه والنظائر‪ ،‬لزين العابدين بن ابرهيم بن جنيم‪،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -45‬الأ�ش ��باه والنظائ ��ر‪ ،‬لعب ��د الوه ��اب بن علي ال�سبك ��ي‪ ،‬دار الكت ��ب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ -46‬الإ�شراف على مذاهب �أهل العلم‪ ،‬ملحمد بن �إبراهيم املنذري الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�صغري �أحمد الأن�صاري‪ ،‬مكتبة مكة الثقافية‪ ،‬الإمارات‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -47‬الإ�ص ��ابة يف متيي ��ز ال�ص ��حابة‪ ،‬لأحمد بن علي بن حج ��ر‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل الرتكي‪،‬‬
‫دار هجر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪ -48‬الأ�ص ��ول االجتهادي ��ة التي يبنى عليها املذه ��ب املالكي‪ ،‬حلامت باي‪ ،‬وزارة الأوقاف‬
‫وال�ش�ؤون الإ�سالمية بالكويت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪� -49‬أ�صول ال�سرخ�سي‪ ،‬لأبي بكر حممد بن �أحمد بن �أبي �سهل ال�سرخ�سي‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪� -50‬أ�صول ال�شا�شي‪ ،‬لأبي علي �أحمد بن حممد ال�شا�شي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪� -51‬أ�صول الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪� -52‬أ�ص ��ول الفقه الذي ال ي�س ��ع الفقيه جهله‪ ،‬لعيا�ض بن نامي ال�سلمي‪ ،‬دار التدمرية‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪� -53‬أ�ص ��ول الفق ��ه عن ��د ال�ص ��حابة مع ��امل يف املنه ��ج‪ ،‬لعبدالعزي ��ز العوي ��د‪ ،‬وزارة‬
‫الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية يف الكويت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1432‬هـ‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -54‬أ�صول الفقه‪ ،‬ملحمد �أبو زهرة‪،‬دار الفكر العربي‪ ،‬طبعة عام ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪� -55‬أ�ص ��ول مذه ��ب الإمام �أحمد‪ ،‬لعبد اهلل ب ��ن عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -56‬الأ�ص ��ول وال�ض ��وابط‪ ،‬لأبي زكري ��ا حميي الدين يحيى بن �ش ��رف النووي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد ح�سن هيتو‪ ،‬دار الب�شائر الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪� -57‬أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن‪ ،‬ملحمد الأمني بن حممد املختار ال�شنقيطي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة عام ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪� -58‬أط ��راف الغرائ ��ب والأف ��راد من حديث ر�س ��ول اهلل �ص ��لى اهلل عليه و�س ��لم للإمام‬
‫الدارقطن ��ي‪ ،‬لأب ��ي الف�ض ��ل حمم ��د ب ��ن طاهر ب ��ن علي ال�شيب ��اين‪ ،‬املع ��روف بابن‬
‫القي�س ��راين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود حممد حمم ��ود ح�سن ن�صار‪ ،‬ال�سيد يو�سف‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪� -59‬إعان ��ة الطالب�ي�ن على حل �ألفاظ فتح املع�ي�ن‪ ،‬لأبي بكر بن حممد �شطا الدمياطي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪�-60‬إعان ��ة امل�س ��تفيد ب�ش ��رح كت ��اب التوحي ��د‪ ،‬ل�صالح ب ��ن فوزان بن عب ��د اهلل الفوزان‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -61‬اعتب ��ار م� ��آالت الأفع ��ال و�أثرها الفقه ��ي‪ ،‬لوليد احل�س�ي�ن‪ ،‬دار التدمرية‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1429‬ه‪.‬‬
‫‪  -26‬االعت�ص ��ام‪ ،‬لأب ��ي �إ�سح ��اق �إبراهي ��م بن مو�س ��ى ال�شاطبي‪ ،‬حتقي ��ق‪� :‬سليم بن عيد‬
‫الهاليل‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪� -63‬إع�ل�ام املوقع�ي�ن‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن �أيوب ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد‬
‫ال�سالم �إبراهيم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1411‬هـ ‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -64‬الأع�ل�ام‪ ،‬خلري الدين ب ��ن حممود بن حممد الزركلي‪،‬دار العل ��م للماليني‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلام�سة ع�شرة ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪� -65‬إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن القيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫حامد الفقي‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‪ -66‬اقت�ص ��اديون �أوروبي ��ون يطالب ��ون بتبن ��ي فك ��ر امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية بع ��د الأزمة‬
‫العاملية‪ ،‬من�شور على االنرتنت‪.‬‬
‫‪ -67‬الإقن ��اع يف فق ��ه الإم ��ام �أحمد بن حنبل‪ ،‬ل�شرف الدي ��ن مو�سى بن �أحمد بن مو�سى‬
‫احلجاوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اللطيف حممد مو�سى ال�سبكي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -68‬الأم‪ ،‬ملحمد بن �إدري�س ال�شافعي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -69‬الإن�ص ��اف يف معرف ��ة الراجح من اخل�ل�اف‪ ،‬لعالء الدين بن �سليمان املرداوي‪ ،‬دار‬
‫�إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -70‬الأوراق املقدمة لندوة ا�ش�ت�راط الربط بني عقود امل�ص ��ارف الإ�سالمية‪ ،‬املنعقدة‬
‫يف املعه ��د الإ�سالمي للبحوث والتدريب التابع للبن ��ك الإ�سالمي بجدة‪ ،‬يف ‪/23-22‬‬
‫‪1425 /8‬ه‪.‬‬
‫‪ -71‬الإيج ��ار ال ��ذي ينته ��ي بالتمليك‪ ،‬الب ��ن بيه‪ ،‬جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -72‬الإيج ��ار املنتهي بالتمليك‪ ،‬حل�س ��ن ال�شاذيل‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -73‬الإيج ��ار املنته ��ي بالتملي ��ك‪ ،‬ملحمد الألف ��ي‪ ،‬جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫الثاين ع�شر‪.‬‬
‫‪� -74‬إي�ضاح امل�سالك �إىل قواعد الإمام �أبي عبد اهلل مالك‪ ،‬لأحمد بن يحيى الون�شري�سي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬ال�صادق بن عبد الرحمن الغرباين‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1427‬هـ‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -75‬بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام �أحمد مبدح �أو ذم‪ ،‬ليو�سف بن ح�سن بن �أحمد بن‬
‫ح�سن بن عبد الهادي ال�صاحلي‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬روحية عبد الرحمن ال�سويفي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -76‬البح ��ر الرائ ��ق �ش ��رح كن ��ز الدقائ ��ق‪ ،‬لزين الدين ب ��ن جنيم احلنف ��ي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -77‬البحر املحيط يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لبدر الدين حممد بن بهادر بن عبداهلل الزرك�شي‪،‬‬
‫دار الكتبي‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -78‬بح ��وث فقهي ��ة يف ق�ض ��ايا اقت�ص ��ادية معا�ص ��رة‪ ،‬ملحم ��د الأ�شق ��ر‪ ،‬وماج ��د حممد‬
‫�أبورخي ��ة‪ ،‬وحممد عثمان �شبري‪ ،‬وعمر الأ�شقر‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -79‬بحوث يف االقت�ص ��اد الإ�س�ل�امي‪ ،‬لعلي حميي الدين علي القرة داغي‪ ،‬دار الب�شائر‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1434‬هـ‪.‬‬
‫‪ -80‬بح ��وث يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية‪ ،‬لرفيق ب ��ن يون�س امل�ص ��ري‪ ،‬دار املكتبي‪ ،‬دم�شق‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪.2001‬‬
‫‪ -81‬بح ��وث يف فق ��ه البن ��وك الإ�س�ل�امية‪ ،‬لعلي حميي الدين القره داغ ��ي‪ ،‬دار الب�شائر‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1434‬ه‪.‬‬
‫‪ -82‬بحوث يف فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬لعلي حميي الدين علي القرة داغي‪ ،‬دار‬
‫الب�شائر الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1434‬هـ‪.‬‬
‫‪ -83‬بحوث يف ق�ضايا فقهية معا�صرة‪ ،‬ملحمد تقي العثماين‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -84‬بداية املبتدي يف فقه الإمام �أبي حنيفة‪ ،‬لعلي بن �أبي بكر بن عبد اجلليل الفرغاين‬
‫املرغيناين‪ ،‬مكتبة ومطبعة حممد علي �صبح‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -85‬بداية املجتهد و نهاية املقت�صد‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن حممد بن ر�شد القرطبي‪ ،‬دار‬
‫احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة عام ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -86‬البداي ��ة والنهاي ��ة‪ ،‬لأبي الفداء احلافظ ابن كث�ي�ر الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن‬
‫عبد املح�سن الرتكي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪ 1418‬هـ ‪.‬‬
‫‪ -87‬بدائ ��ع ال�ص ��نائع‪ ،‬لعالء الدين �أب ��ي بكر بن م�سعود الكا�س ��اين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -88‬الب ��در الطال ��ع مبحا�س ��ن من بع ��د القرن ال�س ��ابع‪ ،‬ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين‪ ،‬دار‬
‫املعرفة للطباعة والن�شر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -89‬الربهان يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لإمام احلرمني �أبي املعايل عبدامللك بن عبداهلل بن يو�سف‬
‫اجلويني‪ ،‬حتقيق‪� :‬صالح عوي�ضة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -90‬بطاق ��ات االئتم ��ان غ�ي�ر املغط ��اة‪ ،‬ملحم ��د الق ��ري‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة جمم ��ع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد الثاين ع�شر‪.‬‬
‫‪ -91‬البطاقات البنكية الإقرا�ضية وال�سحب املبا�شر من الر�صيد‪ ،‬لعبدالوهاب �إبراهيم‬
‫�أبو �سليمان‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -92‬بطاقة االئتمان‪ ،‬لعبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد ال�سابع‪.‬‬
‫‪ -93‬بغي ��ة الباح ��ث عن زوائد م�س ��ند احلارث‪ ،‬لأبي حمم ��د احلارث بن حممد بن داهر‬
‫التميم ��ي املع ��روف بابن �أب ��ي �أ�سامة‪ ،‬جمع‪ :‬علي ب ��ن �أبي بكر بن �سليم ��ان الهيثمي‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬ح�سني �أحمد �صالح الباكري‪ ،‬مركز خدم ��ة ال�سنة وال�سرية النبوية‪ ،‬املدينة‬
‫املنورة‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -94‬بغية امل�سرت�شدين يف تلخي�ص فتاوى بع�ض الأئمة من العلماء املت�أخرين‪ ،‬لل�سيد‬
‫عبد الرحمن بن حممد بن ح�سني امل�شهور با علوي‪ ،‬املطبعة امليمنية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة‬
‫عام ‪1325‬هـ‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -95‬بغي ��ة الوع ��اة يف طبق ��ات اللغويني والنح ��اة‪ ،‬لعبدالرحمن بن �أب ��ي بكر ال�سيوطي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد �أبي الف�ضل �إبراهيم‪ ،‬املكتبة الع�صرية‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -96‬بل ��وغ امل ��رام‪ ،‬الب ��ن حجر الع�سق�ل�اين‪ ،‬حتقيق‪:‬ح�سن بن ن ��ور املروع ��ي‪ ،‬دار الآثار‪،‬‬
‫�صنعاء‪ ،‬اليمن‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪ -97‬البناي ��ة �ش ��رح الهداي ��ة‪ ،‬ملحم ��ود بن �أحمد بن مو�س ��ى العيني‪ ،‬دار الكت ��ب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -98‬البنوك الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬للطيار‪ ،‬من�شور �ضمن جمموع م�ؤلفات‬
‫ور�سائل وبحوث الدكتور عبداهلل بن حممد الطيار‪ ،‬دار التدمرية‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -99‬البور�صات والهند�سة املالية‪ ،‬لفريد النجار‪ ،‬م�ؤ�س�سة �شباب اجلامعة‪ ،‬الإ�سكندرية‪،‬‬
‫م�صر‪،‬طبعة عام‪1999‬م‪.‬‬
‫‪  -100‬بي ��ان الدليل عل ��ى بطالن التحليل‪ ،‬لأحمد ب ��ن عبداحلليم بن تيمية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�أحمد بن حممد اخلليل‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -101‬بيان املخت�صر �شرح خمت�صر ابن احلاجب‪ ،‬ملحمود بن عبد الرحمن الأ�صفهاين‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد مظهر بقا‪ ،‬دار املدين‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1406 ،‬هـ‬
‫‪ -102‬بي ��ان الوه ��م والإيهام يف كتاب الأحكام‪ ،‬لعلي بن حممد بن عبد امللك بن القطان‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬احل�سني �آيت �سعيد‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -103‬البي ��ان يف مذه ��ب الإم ��ام ال�ش ��افعي‪ ،‬لأبي احل�سني يحيى ب ��ن �أبي اخلري بن �سامل‬
‫العمراين اليمني ال�شافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬قا�سم حممد النوري‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬جدة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪ 1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -104‬البي ��ان والتح�ص ��يل‪ ،‬لأبي الوليد حممد ب ��ن �أحمد بن ر�شد‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حجي‪،‬‬
‫دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬بريت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1408‬هـ‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -105‬بيع التق�س ��يط و�أحكام ��ه‪ ،‬ل�سليمان بن تركي الرتكي‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -106‬بي ��ع العين ��ة والتورق‪ ،‬لهناء حممد احلنيطي‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪ -107‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬ليو�سف القر�ضاوي‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -108‬بيع املرابحة للآمر بال�ش ��راء‪ ،‬لبكر �أبو زيد‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -109‬بي ��ع املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء‪ ،‬لرفي ��ق امل�صري‪ ،‬جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -110‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪ ،‬ل�سامي حمود‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -111‬البي ��ع امل�ؤج ��ل‪ ،‬لعبد ال�ستار �أبو غدة‪ ،‬البنك الإ�سالم ��ي للتنمية‪ ،‬املعهد الإ�سالمي‬
‫للبحوث والتدريب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -112‬بيع الوفاء و�آثاره بني ال�شريعة والقانون الكويتي‪ ،‬خلالد العتيبي‪ ،‬جملة ال�شريعة‬
‫والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة‪ ،26‬العدد‪1432 ،84‬ه‪.‬‬
‫‪ -113‬تاج الرتاجم يف طبقات احلنفية‪ ،‬لقا�سم بن قطلوبغا ال�سودوين اجلمايل احلنفي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد خري رم�ضان يو�سف‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -114‬تاج العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬ملحمد مرت�ضى الزبيدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداحلليم‬
‫الطحاوي‪ ،‬وزارة الإعالم بالكويت‪ ،‬طبعة عام ‪1400‬هـ‬
‫‪ -115‬التاج والإكليل ملخت�صر خليل‪ ،‬ملحمد بن يو�سف املواق‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1416‬هـ‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -116‬الت�أج�ي�ر التمويل ��ي‪ ،‬ليو�س ��ف ال�شبيلي‪ ،‬جمل ��ة اجلمعية الفقهي ��ة‪ ،‬العدد احلادي‬
‫ع�شر‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -117‬الت�أجري املنتهي بالتمليك و ال�صور امل�شروعة فيه‪ ،‬لعبد اهلل حممد‪ ،‬جملة جممع‬
‫الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -118‬ت�أجيل البدلني يف عقود املعاو�ضات‪ ،‬ليا�سر عجيل الن�شمي‪ ،‬دار ال�ضياء‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -119‬التاريخ الكبري املعروف بتاريخ ابن �أبي خيثمة ‪ -‬ال�س ��فر الثاين‪ ،‬لأبي بكر �أحمد‬
‫ب ��ن �أبي خيثمة‪ ،‬حتقيق‪� :‬صالح ب ��ن فتحي هالل‪ ،‬الفاروق احلديثة للطباعة والن�شر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -120‬الت�أم�ي�ن و�إع ��ادة الت�أم�ي�ن‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪ ،‬جملة جممع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫الثاين‪.‬‬
‫‪ -121‬تب�صرة احلكام يف �أ�صول الأق�ضية ومناهج الأحكام‪ ،‬لإبراهيم بن علي بن فرحون‬
‫اليعمري‪ ،‬مكتبة الكليات الأزهرية‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -122‬التب�ص ��رة يف �أ�ص ��ول الفق ��ه‪ ،‬لأبي ا�سحاق �إبراهيم بن عل ��ي بن يو�سف ال�شريازي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد ح�سن هيتو‪،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعةالأوىل‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -123‬تبي�ي�ن احلقائق �ش ��رح كن ��ز الدقائ ��ق‪ ،‬لعثمان بن علي الزيلع ��ي‪ ،‬وبهام�شه حا�شية‬
‫�شه ��اب الدين �أحم ��د بن حممد ِّ‬
‫ال�ش ْل ِب ُّي‪ ،‬املطبعة الأمريية‪ ،‬ب ��والق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1313‬هـ‪.‬‬
‫‪ -124‬جترب ��ة البن ��وك التجاري ��ة ال�س ��عودية يف بي ��ع املرابح ��ة‪ ،‬لعبدالرحم ��ن بن حامد‬
‫احلامد‪ ،‬دار بلن�سية‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -125‬التحبري �ش ��رح التحرير يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬لأبي احل�سن علي بن �سليمان املرداوي‬
‫احلنبل ��ي‪ ،‬حتقي ��ق ‪ :‬عبدالرحمن بن عبداهلل اجلربين‪ ،‬وعو� ��ض بن حممد القرين‪،‬‬
‫و�أحمد بن حممد �سراج‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -126‬حتري ��ر ال ��كالم يف م�س ��ائل االلت ��زام‪ ،‬لأب ��ي عبد اهلل حممد ب ��ن حممد احلطاب‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد ال�سالم حممد ال�شريف‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -127‬التحري ��ر والتنوي ��ر‪ ،‬ملحم ��د الطاه ��ر ب ��ن حممد ب ��ن حممد الطاهر ب ��ن عا�شور‬
‫التون�سي‪ ،‬الدار التون�سية‪ ،‬تون�س‪ ،‬طبعة عام ‪1984‬هـ‪.‬‬
‫‪ -128‬حتف ��ة الأح ��وذي ب�ش ��رح جام ��ع الرتم ��ذي‪ ،‬ملحم ��د عبدالرحمن ب ��ن عبدالرحيم‬
‫املباركفوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -129‬حتف ��ة الفقه ��اء‪ ،‬لع�ل�اء الدين ال�سمرقن ��دي‪ ،‬دار الكتب العلمي ��ة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -130‬حتف ��ة املحت ��اج ب�ش ��رح املنه ��اج‪ ،‬لأحمد بن حجر الهيتمي‪ ،‬وبهام�ش ��ه حا�شية الإمام‬
‫عبد احلميد ال�شرواين‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى مب�صر‪ ،‬طبعة عام ‪1357‬ه‪.‬‬
‫‪ -131‬التحقي ��ق يف بطالن التلفي ��ق‪ ،‬ملحمد بن �أحمد ال�سفاريني‪ ،‬اعتنى به‪ :‬عبدالعزيز‬
‫الدخيل‪ ،‬دار ال�صميعي‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1418‬ه‪.‬‬
‫‪ -132‬التخريج عند الفقهاء والأ�صوليني‪ ،‬ليعقوب الباح�سني‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪1428‬ه‪.‬‬
‫‪ -133‬تذك ��رة الأري ��ب يف تف�س�ي�ر الغري ��ب‪ ،‬لأبي الفرج عبد الرحم ��ن بن علي بن حممد‬
‫اجل ��وزي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬طارق فتحي ال�سي ��د‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ب�ي�روت‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪ 1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -134‬تذك ��رة املح�س ��نني بوفي ��ات الأعي ��ان وحوادث ال�س ��نني‪ ،‬لعبدالك ��رمي بن املجذوب‬
‫الفا�س ��ي‪ ،‬تن�سيق وحتقيق حممد حجي َو�أحمد توفيق‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -135‬ترتي ��ب امل ��دارك وتقريب امل�س ��الك ملعرف ��ة �أعالم مذهب مال ��ك‪ ،‬للقا�ضي عيا�ض‬
‫ب ��ن مو�سى بن عيا� ��ض ال�سبتي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمم ��د الطبخي‪ ،‬وزارة الأوق ��اف وال�ش�ؤون‬
‫الإ�سالمية باملغرب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -136‬التطبيقات امل�صرفية لبيع املرابحة يف �ضوء الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لعطية فيا�ض‪ ،‬دار‬
‫الن�شر للجامعات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -137‬تطوير الأعمال امل�ص ��رفية مبا يتفق وال�ش ��ريعة الإ�سالمية‪ ،‬ل�سامي ح�سن �أحمد‬
‫حمود‪ ،‬مطبعة ال�شرق‪ ،‬عمان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1402‬ه‪.‬‬
‫‪ -138‬التعريفات‪ ،‬لعلي بن حممد بن علي الزين ال�شريف اجلرجاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -139‬التعي�ي�ن يف �ش ��رح الأربع�ي�ن‪ ،‬ل�سليمان بن عبدالقوي الط ��ويف‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حاج‬
‫حممد عثمان‪ ،‬م�ؤ�س�سة الريان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -140‬تغلي ��ق التعلي ��ق عل ��ى �ص ��حيح البخ ��اري‪ ،‬لأحمد ب ��ن علي بن حج ��ر الع�سقالين‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬سعيد عبدالرحمن مو�سى القزقي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -141‬تف�سري القر�آن احلكيم (تف�سري املنار)‪ ،‬ملحمد ر�شيد بن علي ر�ضا‪ ،‬الهيئة امل�صرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬طبعة عام‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -142‬تف�س�ي�ر القر�آن العظيم‪ ،‬لإ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�سامي بن حممد �سالمة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -143‬التف�س�ي�ر املنري يف العقيدة وال�ش ��ريعة واملنهج‪ ،‬لوهبة بن م�صطفى الزحيلي‪ ،‬دار‬
‫الفكر املعا�صر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثانية‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪-144‬تف�سري �آيات �أ�شكلت‪ ،‬لأحمد بن عبداحلليم بن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالعزيز اخلليفة‪،‬‬
‫مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -145‬تقريب التهذيب‪ ،‬لأحمد بن علي بن حجر الع�سقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عوامة‪ ،‬دار‬
‫الر�شيد‪� ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1406‬هـ‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -146‬التقري ��ر لأ�ص ��ول فخر الإ�س�ل�ام الب ��زدوي‪ ،‬ملحمد بن حمم ��ود البابرتي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدال�س�ل�ام �صبح ��ي حام ��د‪ ،‬وزارة الأوق ��اف وال�ش� ��ؤون الإ�سالمي ��ة‪ ،‬الكويت‪ ،‬عام‬
‫‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -147‬التقري ��ر والتحب�ي�ر‪ ،‬لأبي عبد اهلل حممد بن حممد بن حممد املعروف بابن �أمري‬
‫حاج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -148‬التلخي� ��ص احلب�ي�ر يف تخريج �أحاديث الرافع ��ي الكبري‪ ،‬لأحمد بن علي بن حجر‬
‫الع�سقالين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -149‬التلفي ��ق ب�ي�ن املذاه ��ب الفقهي ��ة وعالقت ��ه بتي�س�ي�ر الفت ��وى‪ ،‬لغ ��ازي بن مر�شد‬
‫العتيبي‪ ،‬من�شور يف جملة املجمع الفقهي الإ�سالمي‪ ،‬العدد ‪ ،25‬عام ‪1431‬ه‪.‬‬
‫‪ -150‬التلفي ��ق يف االجتهاد والتقليد‪ ،‬لنا�صر بن عبداهلل امليمان‪ ،‬بحث من�شور يف جملة‬
‫العدل‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬العدد‪ ،11‬ال�سنة الثالثة‪ ،‬رجب ‪1422‬ه‪.‬‬
‫‪ -151‬التلفي ��ق يف التقلي ��د‪ ،‬لع ��ارف ح�سون ��ة‪ ،‬من�ش ��ور يف املجلة الأردني ��ة يف الدرا�سات‬
‫الإ�سالمية التابعة جلامعة �آل البيت‪ ،‬املجلد‪-7‬العدد‪�-4‬صفر‪1433‬هـ‬
‫‪ -152‬التلفي ��ق وحكم ��ه يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي‪ ،‬لعبداهلل بن حمم ��د ال�سعيدي‪ ،‬من�شور يف‬
‫جملة املجمع الفقهي الإ�سالمي‪ ،‬العدد ‪ ،25‬عام ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -153‬التلقني‪،‬لأب ��ي حمم ��د عبدالوه ��اب بن علي بن ن�ص ��ر الثعلبي البغ ��دادي املالكي‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬حمم ��د احل�سني التط ��واين‪ ،‬دار الكت ��ب العلمي ��ة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبع ��ة الأوىل‬
‫‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -154‬التمهي ��د يف تخري ��ج الف ��روع عل ��ى الأ�ص ��ول‪ ،‬لعب ��د الرحيم بن احل�س ��ن بن علي‬
‫ال�شافعي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬حممد ح�سن هيتو‪ ،‬م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬ ‫ّ‬ ‫الإ�سن ��وي‬
‫الأوىل‪1400‬هـ‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -155‬التمهي ��د‪ ،‬لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل ب ��ن عبد الرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى العلوي‪،‬‬
‫وحممد عبد الكبري البكري‪ ،‬وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية باملغرب‪ ،‬طبعة عام‬
‫‪1387‬هـ‪.‬‬
‫‪ -156‬تنزيه ال�شريعة املرفوعة عن الأخبار ال�شنيعة املو�ضوعة‪ ،‬لعلي بن حممد بن علي‬
‫الكناين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الوهاب عبد اللطيف‪ ,‬وعبد اهلل حممد ال�صديق الغماري‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ -157‬التنكي ��ل مب ��ا يف ت�أني ��ب الكوثري م ��ن الأباطيل‪ ،‬لعبدالرحمن ب ��ن يحيى املعلمي‬
‫اليم ��اين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عزيز �شم�س‪ ،‬وحممد �أجمل الإ�صالحي‪ ،‬دار عامل الفوائد‪،‬‬
‫مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1434‬ه‪.‬‬
‫‪ -158‬تـهذي ��ب التهذي ��ب‪ ،‬لأحمد بن علي بن حممد بن حجر الع�سقالين‪ ،‬دائرة املعارف‬
‫النظامية يف الهند‪ ،‬الطبعة الأوىل‪ ،‬طبعة عام ‪1326‬هـ‪.‬‬
‫‪ -159‬تهذي ��ب الكم ��ال‪ ،‬ليو�س ��ف بن الزك ��ي عبدالرحمن امل ��زي‪ ،‬حتقيق‪ :‬ب�ش ��ار عواد‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -160‬تهذيب اللغة‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن الأزهري الهروي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عو�ض مرعب‪،‬‬
‫دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -161‬تهذي ��ب �س�ن�ن �أبي داود و�إي�ض ��اح علله وم�ش ��كالته‪ ،‬ملحمد بن �أب ��ي بكر بن القيم‪،‬‬
‫بحا�شي ��ة عون املعبود �شرح �سنن �أب ��ي داود‪ ،‬ملحمد �أ�شرف بن �أمري بن علي بن حيدر‬
‫العظيم �آبادي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1415‬ه‪.‬‬
‫‪ -162‬الت ��ورق الفقه ��ي وتطبيقاته املعا�ص ��رة يف الفقه الإ�س�ل�امي‪ ،‬لعثمان �شبري‪ ،‬بحث‬
‫مق ��دم يف الدورة التا�سعة ع�شرة ملجمع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬املنعقدة يف ال�شارقة‪ ،‬عام‬
‫‪1430‬هـ‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -163‬الت ��ورق كما جتريه امل�ص ��ارف يف الوقت احلا�ض ��ر‪ ،‬لعب ��داهلل بن حممد ال�سعيدي‪،‬‬
‫من�شور �ضمن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪،‬‬
‫املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -164‬التورق كما جتريه امل�صارف‪ ،‬ملحمد بن علي القري‪ ،‬من�شور �ضمن �أعمال وبحوث الدورة‬
‫ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -165‬تو�ص ��يات وفتاوى م�ؤمتر امل�س ��تجدات الفقهية يف معامالت البنوك الإ�سالمية‪،‬‬
‫املنعقد باملركز الثقايف الإ�سالمي‪ ،‬اجلامعة الأردنية ‪ 23-21‬ذو القعدة ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -166‬التوقي ��ف عل ��ى مهمات التعاري ��ف‪ ،‬لعبدالر�ؤوف بن املن ��اوي‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداحلميد‬
‫�صالح حمدان‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -167‬تي�سري التحرير‪ ،‬ملحمد �أمني بن حممود البخاري املعروف ب�أمري باد�شاه احلنفي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -168‬تي�سري اللطيف املنان يف خال�صة تف�سري القر�آن‪ ،‬لعبد الرحمن بن نا�صر بن عبد‬
‫اهلل ال�سعدي‪ ،‬وزارة ال�شئون الإ�سالمية والأوقاف والدعوة والإر�شاد‪ ،‬اململكة العربية‬
‫ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -169‬تي�س�ي�ر علم �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬لعبداهلل بن يو�س ��ف اجلديع‪ ،‬م�ؤ�س�سة الريان‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪  -170‬الثقات‪ ،‬ملحمد بن حبان بن �أحمد بن حبان‪� ،‬أبي حامت‪ ،‬الدارمي‪ ،‬ال ُب�ستي‪ ،‬طبع‬
‫وزارة املع ��ارف للحكومة العالي ��ة الهندية‪ ،‬دائرة املع ��ارف العثمانية‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1393‬ه‍‪.‬‬
‫‪ -171‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن‪ ،‬لأبي جعفر حممد بن جرير الطربي حتقيق‪� :‬أحمد‬
‫حممد �شاكر‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة عام ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -172‬جامع التح�ص ��يل يف �أحكام املرا�س ��يل‪ ،‬ل�ص�ل�اح الدين �أبي �سعيد خليل بن كيكلدي‬
‫بن عب ��د اهلل الدم�شقي العالئي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمدي عبد املجي ��د ال�سلفي‪ ،‬عامل الكتب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعةالثانية ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -173‬جام ��ع العل ��وم واحلك ��م يف �ش ��رح خم�س�ي�ن حديثاً م ��ن جوامع الكل ��م‪ ،‬لأبي الفرج‬
‫عبدالرحم ��ن بن �شهاب الدين بن رجب‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‪� ،‬إبراهيم باج�س‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة ال�سابعة ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -174‬جامع امل�س ��ائل‪ ،‬لأحمد بن عبداحلليم بن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عزيز �شم�س‪ ،‬دار‬
‫عامل الفوائد‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -175‬جامع بيان العلم وف�ضله‪ ،‬لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الرب بن‬
‫عا�صم النمري القرطبي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبي الأ�شبال الزهريي‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الأوىل‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -176‬اجلام ��ع يف �أ�ص ��ول الرب ��ا‪ ،‬لرفيق ب ��ن يون�س امل�صري‪ ،‬دار القل ��م‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -177‬اجلام ��ع لأح ��كام الق ��ر�آن‪ ،‬لأبي عب ��د اهلل حممد بن �أحمد بن �أب ��ي بكر الأن�صاري‬
‫القرطبي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد ال�ب�ردوين و�إبراهيم �أطفي�ش‪ ،‬دار الكتب‪،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1384‬هـ‪.‬‬
‫‪  -178‬اجلام ��ع لعل ��وم الإمام �أحم ��د‪ ،‬جمع‪ :‬خالد الرباط‪ ،‬و�سيد عزت عيد‪ ،‬دار الفالح‪،‬‬
‫م�صر‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪ -179‬اجل ��رح والتعدي ��ل‪ ،‬ملحم ��د عبد الرحمن بن حممد‪ ،‬الرازي اب ��ن �أبي حامت‪ ،‬طبعة‬
‫جمل� ��س دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬الهن ��د‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1271‬هـ‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -180‬جريدة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬الثالثاء‪ 26 ،‬جمادى الثاين ‪ ،1431‬العدد‪.11515‬‬


‫‪ -181‬جواهر العقود ومعني الق�ض ��اة واملوقعني وال�ش ��هود‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن علي بن‬
‫عبد اخلالق‪ ،‬املنهاجي الأ�سيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�سعد عبد احلميد حممد ال�سعدين‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -182‬اجلواهر امل�ضية يف طبقات احلنفية‪ ،‬لعبد القادر بن حممد بن ن�صر اهلل القر�شي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬مري حممد كتب خانه بكرات�شي‪.‬‬
‫‪ -183‬اجلوهرة النرية‪ ،‬لأبي بكر بن علي بن حممد العبادي الزبيدي‪ ،‬املطبعة اخلريية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬م�صر‪ ،‬طبعة ‪1322‬هـ‪.‬‬
‫‪ -184‬حا�شية الرو�ض املربع‪ ،‬لعبدالرحمن بن حممد بن قا�سم‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1397‬هـ‪.‬‬
‫‪ -185‬حا�ش ��ية ال�ص ��اوي على ال�ش ��رح ال�ص ��غري‪ ،‬ملحمد بن �أحم ��د اخللوتي ال�صاوي‪ ،‬دار‬
‫املعارف‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪ -186‬حا�ش ��ية العطار على �ش ��رح اجلالل املحلي على جمع اجلوامع‪ ،‬حل�سن بن حممد‬
‫بن حممود العطار ال�شافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -187‬احل ��اوي الكب�ي�ر‪ ،‬لعلي بن حممد بن حبيب امل ��اوردي‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي حممد معو�ض‬
‫وعادل �أحمد عبداملوجود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬بريوت‪،‬الطبعة الأوىل ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -188‬حج ��ة اهلل البالغ ��ة‪ ،‬لأحمد بن عبد الرحيم بن ال�شهي ��د املعروف بـال�شاه ويل اهلل‬
‫الدهلوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�سيد �سابق‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل‪ 1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -189‬احلج ��ة عل ��ى �أه ��ل املدين ��ة‪ ،‬لأبي عبد اهلل حمم ��د بن احل�س ��ن ال�شيباين‪،‬حتقيق‪:‬‬
‫مهدي ح�سن الكيالين القادري‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -190‬حك ��م اجتم ��اع العق ��ود يف �ص ��فقة واح ��دة‪ ،‬حلم ��د فخري عزام‪ ،‬بح ��ث من�شور يف‬
‫املجلة الأردنية يف الدرا�سات الإ�سالمية التابعة جلامعة �آل البيت‪ ،‬الأردن‪ ،‬املجلد‪-3‬‬
‫العدد‪-1‬ربيع �أول ‪1428‬هـ‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -191‬حكم التورق كما جتريه امل�صارف الإ�سالمية‪ ،‬لعبداهلل بن �سليمان املنيع‪ ،‬من�شور‬
‫�ضمن �أعمال وبحوث الدورة ال�سابعة ع�شرة للمجمع الفقهي يف مكة املكرمة‪ ،‬املنعقدة‬
‫يف ‪� 24-19‬شوال ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -192‬احلكم ��ة عن ��د الأ�ص ��وليني‪ ،‬ل�صب ��اح طه ب�ش�ي�ر ال�سامرائي‪ ،‬دار الكت ��ب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -193‬حلي ��ة الب�ش ��ر يف تاري ��خ الق ��رن الثالث ع�ش ��ر‪ ،‬لعبد الرزاق ب ��ن ح�سن بن �إبراهيم‬
‫البيطار‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بهجة البيطار‪ ،‬دار �صادر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -194‬احلوار الذي �أجري مع الدكتور عبدالكرمي قندوز‪� ،‬صدر يف العدد الأخري ملجلة‬
‫امل�صرفية الإ�سالمية‪ ،‬العدد‪� ،10‬شهر فرباير‪.‬‬
‫‪ -195‬احلي ��ل الفقهي ��ة بني البوط ��ي وابن قيم اجلوزي ��ة‪ ،‬لرفيق امل�صري‪ ،‬بحث من�شور‬
‫يف جملة حوار الأربعاء التي ت�صدر من مركز �أبحاث االقت�صاد الإ�سالمي يف جامعة‬
‫امللك عبدالعزيز بجدة‪2009-2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -196‬احلي ��ل الفقهي ��ة يف املعام�ل�ات املالية‪ ،‬لعي�سى بن حممد اخلل ��ويف‪ ،‬ر�سالة مقدمة‬
‫لنيل درجة الدكتوراه يف كلية الإمام الأوزاعي الإ�سالمية ببريوت عام ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪ -197‬احلي ��ل الفقهي ��ة يف املعامالت املالية‪ ،‬ملحمد ب ��ن �إبراهيم‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪ -198‬اخلدم ��ات اال�س ��تثمارية يف امل�ص ��ارف و�أحكامه ��ا يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي‪ ،‬ليو�س ��ف‬
‫ال�شبيلي‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬الطبعة الأىل ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -199‬خال�ص ��ة البدر املنري‪ ،‬البن امللقن �سراج الدين �أبو حف�ص عمر بن علي بن �أحمد‬
‫ال�شافعي‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -200‬ال ��در املخت ��ار‪ ،‬ملحم ��د بن علي احل�صكف ��ي وبهام�شه رد املحتار عل ��ى الدر املختار‬
‫املع ��روف بحا�شية ابن عابدي ��ن‪ ،‬ملحمد �أمني بن عمر بن عابدين‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‬
‫الطبعة الثانية ‪1412‬هـ‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -201‬درا�س ��ة �شرعية لأهم العقود املالية امل�ستحدثة‪ ،‬ملحمد م�صطفى �أبوه ال�شنقيطي‪،‬‬
‫مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -202‬درر احل ��كام �ش ��رح غرر الأح ��كام‪ ،‬ملحمد بن فرامرز منال خ�سرو‪ ،‬دار �إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -203‬ال ��درر الكامن ��ة يف �أعي ��ان املائ ��ة الثامن ��ة‪ ،‬لأحمد بن علي بن حمم ��د بن �أحمد بن‬
‫حجر الع�سقالين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد املعيد �ضان‪ ،‬جمل�س دائرة املعارف العثمانية‪،‬‬
‫�صيدر اباد‪ ،‬الهند‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1392‬هـ‪.‬‬
‫‪ -204‬دور الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�س�ل�امية يف معاجل ��ة الأزم ��ات املالي ��ة‪ ،‬لهناء احلنيطي‪،‬‬
‫من�شور على االنرتنت‪.‬‬
‫‪ -205‬دور الهند�سة املالية يف ت�أجيج �شرارة الأزمة الراهنة‪ ،‬ل�شوقي جباري‪ ،‬بحث مقدم‬
‫مل�ؤمتر الأزمة االقت�صادية املعا�صرة‪� ،‬أ�سبابها‪ ،‬وتداعياتها‪ ،‬وعالجها‪ ،‬جامعة جر�ش‪،‬‬
‫الأردن ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -206‬دور الهند�س ��ة املالي ��ة يف زي ��ادة فاعلي ��ة ال�سيا�س ��ة النقدي ��ة يف النظ ��ام النق ��دي‬
‫الإ�س�ل�امي‪ ،‬ل�شهن ��از مدين‪ ،‬ر�سال ��ة ماج�ستري‪ ،‬جامع ��ة امللك عبدالعزي ��ز‪ ،‬اململكة‬
‫العربية ال�سعودية‪.‬‬
‫‪ -207‬الديب ��اج املذه ��ب يف معرفة �أعيان علماء املذهب‪ ،‬لإبراهيم بن علي بن حممد ابن‬
‫فرحون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -208‬الذخرية‪ ،‬لأحمد بن �إدري�س القرايف‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حجي‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1994‬م‪.‬‬
‫ال�سالمي‪،‬‬
‫‪ -209‬ذي ��ل طبق ��ات احلنابل ��ة‪ ،‬لعبد الرحمن ب ��ن �أحمد بن رجب بن احل�س ��ن َ‬
‫حتقيق‪ :‬عبد الرحمن بن �سليمان العثيمني‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪ 1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -210‬الرب ��ا علت ��ه و�ض ��وابطه وبي ��ع الدي ��ن‪ ،‬ل�صالح ب ��ن حممد ال�سلط ��ان‪ ،‬دار �أ�صداء‬
‫املجتمع‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -211‬الربا يف املعامالت امل�ص ��رفية املعا�ص ��رة‪ ،‬لعبد اهلل بن حممد بن ح�سن ال�سعيدي‪،‬‬
‫دار طيبة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -212‬رب ��ح م ��امل ي�ض ��من‪ ،‬مل�ساعد بن عب ��داهلل احلقيل‪ ،‬دار امليم ��ان‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -213‬الرخ� ��ص ال�ش ��رعية �أحكامها و�ض ��وابطها‪ ،‬لأ�سامة حممد حمم ��د ال�صالبي‪ ،‬دار‬
‫الإميان‪ ،‬الإ�سكندرية‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪ -214‬الرخ�ص يف املعامالت وفقه الأ�سرة‪ ،‬ملحمد بن �أحمد �أبا اخليل‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1434‬هـ‪.‬‬
‫‪ -215‬الرخ�ص ��ة ال�ش ��رعية و�إثباته ��ا بالقيا� ��س‪ ،‬لعبدالك ��رمي النمل ��ة‪ ،‬مكتب ��ة الر�ش ��د‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -216‬ال ��رد عل ��ى املنطقي�ي�ن‪ ،‬لأحم ��د بن عب ��د احلليم بن عب ��د ال�سالم ب ��ن تيمية‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -217‬الر�س ��الة‪ ،‬لأب ��ي حممد عبد اهلل بن (�أبي زيد) عب ��د الرحمن القريواين‪ ،‬املالكي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -218‬الر�سالة‪ ،‬ملحمد بن �إدري�س ال�شافعي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حممد �شاكر‪ ،‬مكتبة احللبي‪،‬‬
‫م�صر‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1358‬هـ‪.‬‬
‫‪ -219‬رف ��ع احلاجب عن خمت�ص ��ر ابن احلاجب‪ ،‬لعبد الوه ��اب بن تقي الدين ال�سبكي‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬علي حممد معو�ض‪ ،‬عادل �أحمد عب ��د املوجود‪،‬عامل الكتب‪،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -220‬رفع احلرج يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية‪ ،‬ل�صالح بن عبداهلل بن حميد‪ ،‬طبعة جامعة‬
‫�أم القرى‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -221‬رفع احلرج يف ال�شريعة يف الإ�سالمية‪ ،‬ليعقوب عبدالوهاب الباح�سني‪ ،‬دار الن�شر‬
‫الدويل‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1416‬هـ‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -222‬الرو� ��ض املرب ��ع‪ ،‬ملن�صور بن يون� ��س البهوتي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبدالقدو�س حممد نذير‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -223‬رو�ضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬لأبي زكريا حميي الدين يحيى بن �شرف النووي‪،‬‬
‫املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -224‬رو�ض ��ة الناظ ��ر وجنة املناظر يف �أ�ص ��ول الفق ��ه على مذهب الإم ��ام �أحمد‪ ،‬ملوفق‬
‫الدي ��ن عبداهلل ب ��ن �أحمد بن حممد بن قدام ��ة املقد�سي‪ ،‬م�ؤ�س�س ��ة الريان‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪ -225‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬لأبي عبد اهلل حممد بن �أبي بكر‪ ،‬ابن قيم اجلوزية‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬وعبدالقادر الأرن�ؤوط‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة ال�ساد�سة‬
‫والع�شرون ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪� -226‬سبل ال�سالم املو�صلة �إىل بلوغ املرام‪ ،‬ملحمد بن �إ�سماعيل ال�صنعاين‪ ،‬دار احلديث‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -227‬ال�س ��لع الدولي ��ة و�ض ��وابط التعامل فيها‪ ،‬حلمزة ال�شري ��ف‪ ،‬من�شور �ضمن بحوث‬
‫ندوة الربكة التا�سعة والع�شرون لالقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬جدة‪7-6 ،‬رم�ضان ‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪ -228‬ال�س ��لم وتطبيقات ��ه املعا�ص ��رة‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪ ،‬جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد التا�سع‪.‬‬
‫‪ -229‬ال�س ��لم وتطبيقاته املعا�ص ��رة‪ ،‬لنزيه حماد‪ ،‬جملة جمم ��ع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫التا�سع‪.‬‬
‫‪� -230‬س�ن�ن اب ��ن ماجه‪ ،‬ملحمد بن يزيد القزوين ��ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار‬
‫�إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪� -231‬س�ن�ن �أب ��ي داود‪ ،‬ل�سليمان ب ��ن الأ�شعث ال�سج�ستاين‪،‬حتقي ��ق‪ :‬حممد حميي الدين‬
‫عبداحلميد‪ ،‬املكتبة الع�صرية‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -232‬س�ن�ن الرتم ��ذي‪ ،‬ملحمد بن عي�سى الرتمذي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحم ��د �شاكر‪� ،‬شركة مكتبة‬
‫ومطبعة م�صطفى البابي احللبي‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعةالثانية ‪1395‬هـ‪.‬‬
‫‪� -233‬س�ن�ن الدارقطن ��ي‪ ،‬لعلي بن عم ��ر الدارقطني‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعي ��ب االرن�ؤوط‪ ،‬وح�سن‬
‫عبد املنعم �شلبي‪ ،‬وعبد اللطيف حرز اهلل‪ ،‬و�أحمد برهوم‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعةالأوىل‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -234‬ال�س�ن�ن الك�ب�رى‪ ،‬لأب ��ي بكر �أحمد ب ��ن احل�سني بن علي البيهق ��ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫عبدالقادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪�  -235‬سنن الن�سائي‪ ،‬لأبي عبدالرحمن �أحمد بن �شعيب الن�سائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالفتاح‬
‫�أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات الإ�سالمية بحلب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪� -236‬س�ي�ر �أع�ل�ام النبالء‪ ،‬ملحم ��د بن �أحمد بن عثمان الذهب ��ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة من‬
‫املحقق�ي�ن ب�إ�ش ��راف ال�شيخ �شعي ��ب الأرن ��ا�ؤوط‪ ،‬م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة‪ ،‬الطبع ��ة الثالثة‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -237‬ال�س ��يل اجل ��رار املتدفق عل ��ى حدائق الأزهار‪ ،‬ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين‪ ،‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬الطبعة الأوىل‪.‬‬
‫‪ -238‬ال�ش ��امل يف معامالت وعمليات امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية‪ ،‬ملحم ��ود عبدالكرمي �أحمد‬
‫�إر�شيد‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪� -239‬ش ��جرة الن ��ور الزكية يف طبق ��ات املالكية‪ ،‬ملحمد خمل ��وف‪ ،‬املطبعة ال�سلفية‪ ،‬طبع‬
‫�سنة ‪1349‬هـ‪.‬‬
‫‪� -240‬ش ��ذرات الذه ��ب يف �أخب ��ار م ��ن ذه ��ب‪ ،‬لعبد احلي بن �أحمد ب ��ن حممد بن العماد‬
‫ال َعكري احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود الأرن�ؤوط‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪� -241‬ش ��رح التلويح على التو�ض ��يح ملنت التنقيح يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬ل�سعد الدين م�سعود‬
‫بن عمر التفتازاين ال�شافعي‪ ،‬مكتبة �صبيح مب�صر‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -242‬ش ��رح الزرق ��اين عل ��ى موط� ��أ الإم ��ام مال ��ك‪ ،‬ملحم ��د ب ��ن عبدالباقي ب ��ن يو�سف‬
‫الزرقاين‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪� -243‬ش ��رح الزرك�ش ��ي على خمت�ص ��ر اخلرق ��ي‪ ،‬ملحمد بن عب ��د اهلل الزرك�شي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبداهلل بن عبد الرحمن اجلربين‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الريا�ض الطبعة الأوىل ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪� -244‬ش ��رح ال�س ��نة‪ ،‬للح�سني بن م�سعود البغوي‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬وحممد زهري‬
‫�شاوي�ش‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬دم�شق‪� ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪� -245‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬لأحمد بن حممد الزرقا‪،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪ -246‬ال�ش ��رح الكبري‪ ،‬لأحمد بن حممد الدردير وبهام�شه حا�شية الد�سوقي على ال�شرح‬
‫الكبري‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن عرفه‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪� -247‬ش ��رح الكوك ��ب املنري‪ ،‬ملحمد بن �أحمد بن عب ��د العزيز الفتوحي احلنبلي املعروف‬
‫بابن النجار حتقيق‪:‬حممد الزحيلي‪ ،‬ونزيه حماد‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -248‬ال�ش ��رح املمت ��ع عل ��ى زاد امل�س ��تقنع‪ ،‬ملحمد ب ��ن �صالح العثيم�ي�ن‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪،‬‬
‫الدمام‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪� -249‬ش ��رح تنقيح الف�ص ��ول يف اخت�ص ��ار املح�صول يف الأ�ص ��ول‪ ،‬لأبي العبا�س �أحمد بن‬
‫�إدري� ��س القرايف‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬طه عبدالر�ؤوف �سع ��د‪� ،‬شركة الطباع ��ة الفنية املتحدة‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪� -250‬ش ��رح �ص ��حيح البخ ��اري‪ ،‬الب ��ن بطال �أبي احل�س ��ن علي بن خلف ب ��ن عبد امللك‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أبو متيم يا�سر بن �إبراهيم‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعةالثانية ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪� -251‬شرح خمت�صر الرو�ضة‪ ،‬ل�سليمان بن عبدالقوي بن عبدالكرمي الطويف‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل‬
‫بن عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -252‬شرح خمت�صر خليل‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل اخلر�شي‪ ،‬وبهام�شه حا�شية العدوي‪ ،‬علي‬
‫بن �أحمد بن مكرم ال�صعيدي العدوي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪� -253‬ش ��رح منته ��ى الإرادات‪ ،‬ملن�صور ب ��ن يون�س البهوتي‪ ،‬عامل الكت ��ب‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -254‬ال�ش ��رط اجلزائي و�أثره يف العقود املعا�ص ��رة‪ ،‬ملحمد ب ��ن عبدالعزيز اليمني‪ ،‬دار‬
‫كنوز �أ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الأوىل ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -255‬ال�ش ��روط التعوي�ض ��ية يف املعام�ل�ات املالي ��ة‪ ،‬لعياد بن ع�س ��اف العنزي‪ ،‬دار كنوز‬
‫�أ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪�  -256‬ش ��فاء الغليل يف بيان ال�ش ��به واملخيل وم�س ��الك التعلي ��ل‪ ،‬لأبي حامد الغزايل‪،‬‬
‫املكتبة الع�صرية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪  -257‬ال�ص ��حاح ت ��اج اللغة و�ص ��حاح العربية‪ ،‬لإ�سماعيل بن حم ��اد اجلوهري الفارابي‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‬
‫‪1407‬هـ‍‪.‬‬
‫‪� -258‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان‪ ،‬ملحمد بن حبان‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪� -259‬ص ��حيح ابن خزمية‪ ،‬لأبي بكر حممد بن �إ�سحاق بن خزمية الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد م�صطفى الأعظمي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪�  -260‬ص ��حيح البخ ��اري‪ ،‬ملحم ��د بن �إ�سماعيل البخ ��اري‪،‬دار ال�سالم للن�ش ��ر والتوزيع‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪�  -261‬ص ��حيح م�س ��لم‪ ،‬مل�سل ��م ب ��ن حج ��اج الني�ساب ��وري‪ ،‬دار ال�سالم للن�ش ��ر والتوزيع‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪� -262‬صناعة الفتوى وفقه الأقليات‪ ،‬لعبداهلل بن ال�شيخ املحفوظ بن بيه‪ ،‬دار املنهاج‪،‬‬
‫جدة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪� -263‬صناعة الهند�سة املالية‪ ،‬ل�سامي ال�سويلم‪ ،‬من�شور يف موقع الدكتور �سامي ال�سويلم‪.‬‬
‫‪ -264‬ال�ض ��عفاء ال�ص ��غري‪ ،‬ملحمد بن �إ�سماعيل البخ ��اري‪� ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود‬
‫�إبراهيم زايد‪ ،‬دار الوعي‪ ،‬حلب‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1396‬هـ‪.‬‬
‫‪ -265‬ال�ضعفاء الكبري‪ ،‬لأبي جعفر حممد بن عمرو بن مو�سى بن حماد العقيلي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد املعطي �أمني قلعجي‪ ،‬دار املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعةالأوىل ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -266‬ال�ض ��وء الالم ��ع لأهل القرن التا�س ��ع‪ ،‬ملحمد بن عب ��د الرحمن بن حممد بن �أبي‬
‫بكر ال�سخاوي‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪� -267‬ض ��وابط االجتهاد يف املعامالت املالية املعا�ص ��رة‪ ،‬لأحمد ال�ضويحي‪ ،‬بحث من�شور‬
‫يف م�ؤمت ��ر امل�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�سالمي ��ة‪ ،‬كلية ال�شريعة والقان ��ون‪ ،‬جامعة الإمارات‬
‫العربية املتحدة‪ ،‬امل�ؤمتر العلمي ال�سنوي الرابع ع�شر‪.‬‬
‫‪� -268‬ضوابط احلاجة التي تنزل منزلة ال�ضرورة‪ ،‬لوليد الزير‪ ،‬بحث من�شور يف جملة‬
‫جامعة دم�شق للعلوم االقت�صادية والقانونية‪ ،‬املجلد ‪ ،26‬العدد الأول‪2010،‬م‪.‬‬
‫‪ -269‬ال�ضوابط ال�شرعية للهند�سة املالية‪ ،‬لعبداهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث غري من�شور‪.‬‬
‫‪�  -270‬ض ��وابط العقود‪ ،‬لعبداحلمي ��د حممود البعلي‪ ،‬مكتبة وهب ��ة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪.‬‬
‫‪� -271‬ض ��وابط امل�ص ��لحة يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية‪ ،‬ملحمد �سعيد رم�ض ��ان البوطي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪1431‬ه‪.‬‬
‫‪ -272‬طبقات ال�ش ��افعية الكربى‪ ،‬لعبد الوهاب بن تقي الدين ال�سبكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود‬
‫حمم ��د الطناحي وعب ��د الفتاح حممد احلل ��و‪ ،‬دار هجر للطباع ��ة والن�شر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -273‬طبق ��ات ال�ش ��افعية‪ ،‬لأحم ��د بن حممد ب ��ن عمر الأ�سدي ال�شهب ��ي الدم�شقي‪ ،‬تقي‬
‫الدي ��ن ابن قا�ضي �شهبة‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬احلافظ عبد العليم خان‪ ،‬ع ��امل الكتب‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -274‬طبقات ال�ش ��افعيني‪ ،‬لأبي الفداء �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي الب�صري ثم‬
‫الدم�شق ��ي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد عمر ها�شم‪ ،‬وحممد زينه ��م حممد عزب‪ ،‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية‪ ،‬طبعة عام‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -275‬الطبقات الكربى‪ ،‬الق�س ��م املتمم لتابعي �أهل املدينة ومن بعدهم‪ ،‬لأبي عبد اهلل‬
‫حمم ��د بن �سعد بن منيع‪ ،‬املعروف بابن �سعد‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬زياد حممد من�صور‪ ،‬مكتبة‬
‫العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1408‬ه‪.‬‬
‫‪ -276‬طبقات املف�س ��رين‪ ،‬لأحمد بن حممد الأدنوي‪ ،‬حتقيق‪� :‬سليمان بن �صالح اخلزي‪،‬‬
‫مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1417‬ه‪.‬‬
‫‪ -277‬ط ��رح الترثيب يف �ش ��رح التقريب‪ ،‬لعبد الرحيم ب ��ن احل�سني العراقي‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪ -278‬الطرق احلكمية يف ال�سيا�سة ال�شرعية‪ ،‬لأبي عبد اهلل حممد بن �أبي بكر بن القيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪ :‬نايف بن �أحمد احلمد‪� ،‬إ�شراف‪ :‬بكر بن عبداهلل �أبو زيد‪ ،‬دار عامل‬
‫الفوائد‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪ -279‬العدة يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬للقا�ضي �أبي يعلى‪ ،‬حممد بن احل�سني بن حممد بن خلف‬
‫ابن الفراء‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد بن علي بن �سري املباركي‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -280‬عق ��د الإج ��ارة املنته ��ي بالتملي ��ك‪� ،‬سع ��د بن نا�صر ال�ش�ث�ري‪ ،‬دار كن ��وز �إ�شبيليا‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1430‬ه‪.‬‬
‫‪ -281‬عق ��د الإج ��ارة املنتهية بالتمليك‪ ،‬ملحمد يو�سف عارف احلاج‪ ،‬ر�سالة مقدمة لنيل‬
‫درجة املاج�ستري يف الفقه بجامعة النجاح الوطنية يف نابل�س فل�سطني‪ ،‬عام ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -282‬عقد اال�ست�صناع �أو عقد املقاولة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬لكا�سب عبد الكرمي بدران‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -283‬عق ��د اال�ست�ص ��ناع‪ ،‬لل�سالو� ��س‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة جمم ��ع الفق ��ه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫ال�سابع‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -284‬عقد البيع‪ ،‬مل�صطفى �أحمد الزرقا‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪ -285‬عقد الت�أمني‪ ،‬لوهبة الزحيلي‪ ،‬دار املكتبي‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -286‬عق ��د اجلواه ��ر الثمين ��ة يف مذه ��ب عامل املدين ��ة‪ ،‬لعبداهلل بن جن ��م ابن �شا�س‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬حممد �أبو الأجفان‪ ،‬وعبداحلفيظ من�ص ��ور‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -287‬عق ��د اجلي ��د يف �أح ��كام االجته ��اد والتقلي ��د‪ ،‬لأحمد بن عبد الرحي ��م بن ال�شهيد‬
‫املعروف بـال�شاه ويل اهلل الدهلوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬املطبعة ال�سلفية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -288‬عق ��د القر�ض وم�ش ��كلة الفائ ��دة‪ ،‬ملحمد ر�شيد علي اجلزائ ��ري‪ ،‬م�ؤ�س�سة الريان‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪ -289‬عقود التحوط من خماطر تذبذب �أ�سعار العمالت‪ ،‬لطالل بن �سليمان الدو�سري‪،‬‬
‫دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -290‬عق ��ود التمويل امل�س ��تجدة يف امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية‪ ،‬حلامد ب ��ن ح�سن مرية‪ ،‬دار‬
‫امليمان‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -291‬العقود الدرية يف تنقيح الفتاوى احلامدية‪ ،‬ملحمد �أمني بن عمر بن عبد العزيز‬
‫عابدين الدم�شقي احلنفي‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -292‬العق ��ود املالية املركب ��ة‪ ،‬لعبداهلل بن حممد العمراين‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -293‬العق ��ود املركب ��ة يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي‪ ،‬لنزيه حم ��اد‪ ،‬دار القل ��م‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪ -294‬العقود امل�ستجدة‪ ،‬ملحمد علي القري‪ ،‬جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد العا�شر‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -295‬العل ��ل ال ��واردة يف الأحادي ��ث النب ��وي‪ ،‬لأب ��ي احل�س ��ن عل ��ي ب ��ن عم ��ر ب ��ن �أحمد‬
‫الدارقطني‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمفوظ الرحمن زين اهلل ال�سلفي‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -296‬العلل ومعرفة الرجال‪ ،‬لأبي عبد اهلل �أحمد بن حممد بن حنبل بن هالل بن �أ�سد‬
‫ال�شيب ��اين‪ ،‬رواية ابنه عب ��داهلل‪ ،‬حتقيق‪ :‬و�صي اهلل بن حمم ��د عبا�س‪ ،‬دار اخلاين‪,‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعةالثانية‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -297‬العل ��ل ومعرف ��ة الرج ��ال‪ ،‬لأبي عب ��د اهلل �أحمد بن حممد بن حنب ��ل بن هالل بن‬
‫�أ�سد ال�شيباين‪ ،‬رواية املروذي‪ ،‬حتقيق‪� :‬صبحي البدري ال�سامرائي‪ ،‬مكتبة املعارف‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -298‬علم �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبدالوهاب خالف‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -299‬عم ��دة التحقي ��ق يف التقلي ��د والتلفي ��ق‪ ،‬ملحم ��د �سعي ��د ب ��ن عبدالرحم ��ن الباين‬
‫احل�سين ��ي‪ ،‬عن ��ي به وعلق علي ��ه‪ :‬ح�سن ال�سماح ��ي �سويدان‪ ،‬دار الق ��ادري‪ ،‬دم�شق‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -300‬عم ��دة القاري �ش ��رح �ص ��حيح البخاري‪ ،‬لبدر الدين �أب ��ي حممد حممود بن �أحمد‬
‫العيني‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -301‬العناية �شرح الهداية‪ ،‬ملحمد بن حممود البابرتي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -302‬غاي ��ة الو�ص ��ول يف �ش ��رح ل ��ب الأ�ص ��ول‪ ،‬لزكري ��ا بن حمم ��د بن �أحمد ب ��ن زكريا‬
‫الأن�صاري ال�سنيكي‪ ،‬دار الكتب العربية الكربى‪ ،‬م�صر‪.‬‬
‫‪ -303‬الغاية والتقريب يف الفقه ال�شافعي( منت �أبي �شجاع)‪ ،‬للقا�ضي �أبي �شجاع �أحمد‬
‫بن احل�سني الأ�صفهاين‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -304‬الغ ��رر عر�ض ومناق�ش ��ة لكتاب ال�ض ��رير‪ ،‬لرفيق امل�ص ��ري‪ ،‬بحث من�شور يف جملة‬
‫ح ��وار الأربعاء التي ت�صدر م ��ن مركز �أبحاث االقت�ص ��اد الإ�سالمي يف جامعة امللك‬
‫عبدالعزيز بجدة‪2010-2009 ،‬م‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -305‬الغ ��رر و�أث ��ره يف العق ��ود يف الفق ��ه الإ�س�ل�امي‪ ،‬لل�صديق حمم ��د الأمني ال�ضرير‪،‬‬
‫�سل�سل ��ة �صال ��ح كامل للر�سائ ��ل اجلامعية يف االقت�ص ��اد الإ�سالمي‪ ،‬الطبع ��ة الثانية‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -306‬غري ��ب احلدي ��ث‪ ،‬لأب ��ي ُعبيد القا�سم ب ��ن �س ّالم بن عبد اهلل اله ��روي البغدادي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد عبد املعيد خان‪ ،‬مطبعة دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬حيدر �آباد‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1384‬هـ‪.‬‬
‫‪ -307‬غري ��ب احلدي ��ث‪ ،‬جلم ��ال الدي ��ن �أب ��ي الف ��رج عب ��د الرحمن بن عل ��ي بن حممد‬
‫اجل ��وزي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبد املعطي �أمني القلعج ��ي‪ ،‬دار الكتب العلمي ��ة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -308‬غمز عيون الب�ص ��ائر يف �ش ��رح الأ�ش ��باه والنظائر‪،‬لأحمد بن حممد احلموي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -309‬غي ��اث الأمم يف التي ��اث الظل ��م (الغياث ��ي)‪ ،‬لأب ��ي املع ��ايل عبداملل ��ك بن عبداهلل‬
‫اجلويني‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالعظيم الديب‪ ،‬مكتبة �إمام احلرمني‪ ،‬الطبعة الثانية‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -310‬الفائ ��ق يف غري ��ب احلدي ��ث والأث ��ر‪ ،‬لأب ��ي القا�س ��م حممود بن عم ��رو بن �أحمد‪،‬‬
‫الزخم�شري‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي حممد البجاوي‪ ،‬وحممد �أبو الف�ضل �إبراهيم‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -311‬فت ��اوى ابن ال�ص�ل�اح‪ ،‬لعثم ��ان بن عبد الرحمن املعروف باب ��ن ال�صالح‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫موف ��ق عبد اهلل عبد الق ��ادر‪ ،‬مكتبة العل ��وم واحلكم‪ ,‬عامل الكتب‪ ،‬ب�ي�روت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -312‬الفتاوى االقت�صادية‪ ،‬ملجموعة من امل�ؤلفني‪ ،‬موجود يف املكتبة ال�شاملة‪.‬‬
‫‪ -313‬فتاوى الإمام حممد ر�ش ��يد ر�ض ��ا‪ ،‬جمع‪� :‬ص�ل�اح الدين املنجد‪ ،‬ويو�سف اخلوري‪،‬‬
‫الدار العمرية‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1426‬هـ‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -314‬الفت ��اوى الفقهي ��ة الكربى‪،‬لأحم ��د ب ��ن حممد ب ��ن حجر الهيتم ��ي‪ ،‬جمعها‪ :‬عبد‬
‫القادر بن �أحمد بن علي الفاكهي املكي‪ ،‬املكتبة الإ�سالمية‪.‬‬
‫‪ -315‬الفت ��اوى الك�ب�رى‪ ،‬لأحم ��د بن عبداحلليم بن تيمي ��ة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -316‬فت ��اوى اللجن ��ة الدائم ��ة للبح ��وث العلمي ��ة والإفت ��اء‪ ،‬جم ��ع وترتي ��ب‪� :‬أحمد بن‬
‫عبدالعزي ��ز الدوي� ��ش‪ ،‬حت ��ت �إ�ش ��راف‪ :‬الرئا�سة العام ��ة للبحوث العلمي ��ة والإفتاء‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -317‬الفت ��اوى الهندي ��ة‪ ،‬للجن ��ة علماء برئا�س ��ة نظام الدين البلخ ��ي‪ ،‬وبهام�شه فتاوى‬
‫قا�ض ��ي خان‪ ،‬حل�سن ب ��ن من�صور الأوزجندي الفرغ ��اين‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1310‬هـ‪.‬‬
‫‪ -318‬فت ��اوى �ش ��يخ الإ�س�ل�ام عز الدين بن عبدال�س�ل�ام‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬حممد جمعة كردي‪،‬‬
‫م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -319‬فت ��اوى معا�ص ��رة‪ ،‬ليو�سف القر�ضاوي‪ ،‬املكتب الإ�سالم ��ي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -320‬الفتاوى‪ ،‬ملحمود �شلتوت‪ ،‬دار ال�شروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثامنة ع�شرة ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -321‬فت ��ح الب ��اري ب�ش ��رح �ص ��حيح الإم ��ام البخ ��اري‪ ،‬لأحم ��د ب ��ن عل ��ي ب ��ن حج ��ر‬
‫الع�سقالين‪،‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬رقم كتبه و�أبوابه و�أحاديثه ‪ :‬حممد ف�ؤاد‬
‫عبدالباقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -322‬فتح الباري يف �ش ��رح �ص ��حيح البخاري‪ ،‬لأبي الفرج عبدالرحمن بن �شهاب الدين‬
‫ال�شهري بابن رجب احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪ :‬طارق بن عو�ض اهلل‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪ -323‬فت ��ح الذرائ ��ع و�أث ��ره يف الفقه الإ�س�ل�امي‪ ،‬ملحمد ريا�ض فخ ��ري الطبقجلي‪ ،‬دار‬
‫النفائ�س‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1432‬هـ‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -324‬فت ��ح العزي ��ز �ش ��رح الوجي ��ز‪ ،‬لأب ��ي القا�سم عب ��د الكرمي بن حمم ��د الرافعي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -325‬فتح العلي املالك يف الفتوى على مذهب الإمام مالك‪ ،‬لأبي عبداهلل ال�شيخ حممد‬
‫�أحمد علي�ش‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -326‬فتح القدير‪ ،‬لكمال الدين حممد املعروف بابن الهمام‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪  -327‬الفتوى يف الإ�سالم‪ ،‬جلمال الدين القا�سمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -328‬الف ��روع‪ ،‬لأب ��ي عب ��د اهلل حممد بن مفل ��ح املقد�س ��ي‪ ،‬وبهام�شه حا�شي ��ة ت�صحيح‬
‫الف ��روع‪ ،‬لع�ل�اء الدين علي بن �سليمان املرداوي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبد اهلل بن عبد املح�سن‬
‫الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -329‬الفروق يف �أ�صول الفقه‪ ،‬لعبداللطيف بن �أحمد احلمد‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -330‬الف ��روق‪ ،‬لأحم ��د بن �إدري�س الق ��رايف‪ ،‬وبهام�شه تهذيب الف ��روق‪ ،‬ملحمد بن علي‪،‬‬
‫عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‬
‫‪ -331‬ف�ص ��ول البدائع يف �أ�ص ��ول ال�ش ��رائع‪ ،‬ملحمد بن حمزة بن حممد الفرني الرومي‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬حممد ح�س�ي�ن حممد ح�سن �إ�سماعيل‪ ،‬دار الكت ��ب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -332‬الف�ص ��ول يف الأ�ص ��ول‪ ،‬ل �أحمد بن علي �أبو بكر الرازي اجل�صا�ص احلنفي‪ ،‬وزارة‬
‫الأوقاف الكويتية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1414‬هـ‬
‫‪ -333‬فقه الإمام ابن �شربمة الكويف‪ ،‬ملحمد ر�ضا عبداجلبار العاين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ -334‬فق ��ه الأولوي ��ات يف املعامالت املالية املعا�ص ��رة‪ ،‬لعلي بن ح�سني العايدي‪ ،‬دار كنوز‬
‫�إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -335‬فق ��ه ال�س�ي�رة‪ ،‬ملحم ��د الغ ��زايل م ��ع تخري ��ج الأحادي ��ث للألب ��اين‪ ،‬دار ال�شروق‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -336‬فقه املعامالت املالية املعا�صرة‪ ،‬ل�سعد بن تركي اخلثالن‪ ،‬دار ال�صميعي‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪  -337‬فق ��ه املعام�ل�ات املالي ��ة‪ ،‬لرفيق ب ��ن يون�س امل�صري‪ ،‬دار القل ��م‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -338‬فق ��ه الن ��وازل‪ ،‬ملحم ��د بن ح�س�ي�ن اجلي ��زاين‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدم ��ام‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -339‬الفكر ال�سامي يف تاريخ الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملحمد بن احل�سن بن العربي بن حممد‬
‫احلجوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -340‬الفواكه الدواين على ر�س ��الة �أبي زيد القريواين‪ ،‬لأحمد بن غنيم النفراوي‪،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة عام ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -341‬فوائ ��د البنوك هي الربا احلرام‪ ،‬ليو�س ��ف القر�ضاوي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -342‬الفوائد يف اخت�ص ��ار املقا�ص ��د( القواعد ال�ص ��غرى)‪ ،‬لعبد العزيز بن عبد ال�سالم‬
‫بن �أبي القا�سم بن احل�سن ال�سلمي الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪� :‬إياد خالد الطباع‪ ،‬دار الفكر‬
‫املعا�صر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -343‬يف ظالل القر�آن‪ ،‬ل�سيد قطب‪ ،‬دار ال�شروق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة ال�سابعة ع�شرة ‪ 1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -344‬يف فق ��ه املعامالت املالية وامل�ص ��رفية املعا�ص ��رة‪ ،‬لنزيه حم ��اد‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪  -345‬في� ��ض الب ��اري على �ص ��حيح البخ ��اري‪ ،‬ملحمد �أن ��ور �شاه الديوبن ��دي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد بدر عامل املريتهي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‪ 1426‬هـ‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -346‬في� ��ض القدي ��ر �ش ��رح اجلامع ال�ص ��غري‪ ،‬لزين الدين حممد املدع ��و بعبد الر�ؤوف‬
‫ب ��ن ت ��اج العارف�ي�ن املن ��اوي القاهري‪،‬املكتب ��ة التجاري ��ة الك�ب�رى‪ ،‬م�ص ��ر‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1356‬هـ‪.‬‬
‫‪ -347‬قاع ��دة الغ ��رر‪ ،‬لعب ��داهلل ال�سكاكر‪ ،‬بحث من�ش ��ور يف جملة ال�شريع ��ة والدرا�سات‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،22‬العدد ‪1428 ،69‬هـ‪.‬‬
‫‪ -348‬قاع ��دة �س ��د الذرائ ��ع وتطبيقاته ��ا املعا�ص ��رة‪ ،‬بح ��ث من�ش ��ور يف جمل ��ة ال�شريعة‬
‫والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة ‪ ،26‬العدد ‪1433 ،87‬هـ‪.‬‬
‫‪ -349‬القامو� ��س املحي ��ط‪ ،‬ملج ��د الدين حممد بن يعقوب الفريوز�أب ��ادي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب‬
‫العرق�سو�سي‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫ُ‬ ‫حتقي ��ق ال�ت�راث يف م�ؤ�س�سة الر�سالة ب�إ�ش ��راف‪ :‬حممد نعي ��م‬
‫الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -350‬قرارات الهيئة ال�شرعية مب�صرف الراجحي‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪  -351‬ق�ض ��ايا الفق ��ه والفك ��ر املعا�ص ��ر‪ ،‬لوهب ��ة الزحيلي‪ ،‬دار الفك ��ر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1247‬هـ‪.‬‬
‫‪ -352‬ق�ض ��ايا فقهي ��ة معا�ص ��رة يف امل ��ال واالقت�ص ��اد‪ ،‬لنزيه حم ��اد‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪ -353‬ق�ضايا يف االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪ ،‬ل�سامي بن �إبراهيم ال�سويلم‪ ،‬دار كنوز‬
‫�إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪ -354‬قواعد الأحكام يف م�صالح الأنام‪ ،‬لعبدالعزيز بن عبدال�سالم‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪:‬‬
‫طه عبدالر�ؤوف �سعد‪ ،‬مكتبة الكليات الأزهرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة عام ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -355‬قواع ��د الفق ��ه‪ ،‬ملحمد عمي ��م الإح�سان املجددي الربكت ��ي‪ ،‬دار ال�صدف ببل�شرز‪،‬‬
‫كرات�شي‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -356‬القواعد الفقهية وتطبيقاتها يف املذاهب الأربعة‪ ،‬ملحمد م�صطفى الزحيلي‪ ،‬دار‬


‫الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -357‬القواعد الكلية وال�ض ��وابط الفقهية‪ ،‬ملحمد عثمان �شبري‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -358‬القواعد النورانية‪ ،‬لأحمد بن عبداحلليم بن تيمية‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حممد اخلليل‪،‬‬
‫دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -359‬قواعد الو�س ��ائل يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية‪ ،‬مل�صطفى بن كرامة اهلل خمدوم‪ ،‬دار‬
‫كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -360‬القواعد يف الفقه‪،‬لأبي الفرج عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب احلنبلي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -361‬القواعد والأ�ص ��ول اجلامعة والفروق والتقا�سيم البديعة النافعة‪ ،‬لعبدالرحمن‬
‫بن نا�صر ال�سعدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬خالد بن علي امل�شيقح‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الدمام‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -362‬القواع ��د وال�ض ��وابط الفقهي ��ة للمعام�ل�ات املالية عند ابن تيمي ��ة‪ ،‬لعبدال�سالم‬
‫احل�صني‪ ،‬دار الت�أ�صيل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -363‬القوان�ي�ن الفقهي ��ة يف تلخي� ��ص مذه ��ب املالكي ��ة‪ ،‬لأبي القا�سم حمم ��د بن �أحمد‬
‫ب ��ن جزي املالكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بن �سيدي حممد م ��والي‪ ،‬وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون‬
‫الإ�سالمية بالكويت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -364‬القول ال�سديد يف بع�ض م�سائل االجتهاد والتقليد‪ ،‬ملحمد بن عبد العظيم املكي‬
‫الروم ��ي املوروي احلنف ��ي امللقب بابن ُملاّ َف� � ُّروخ‪ ،‬حتقيق‪ :‬جا�س ��م مهلهل اليا�سني‪,‬‬
‫وعدنان �سامل الرومي‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -365‬الكايف يف فقه �أهل املدينة املالكي‪ ،‬لأبي عمر يو�سف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد‬
‫الرب بن عا�صم النمري القرطبي‪،‬حتقيق‪ :‬حممد حممد �أحيد ولد ماديك املوريتاين‪،‬‬
‫مكتبة الريا�ض احلديثة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1400‬هـ‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -366‬الكايف‪ ،‬لأبي حممد بن قدامة املقد�سي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪  -367‬الكامل يف �ضعفاء الرجال‪ ،‬لأبي �أحمد بن عدي اجلرجاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل �أحمد‬
‫عبد املوجود‪ ،‬وعلي حممد معو�ض‪ ،‬وعبد الفتاح �أبو �سنة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -368‬كت ��اب الع�ي�ن‪ ،‬لأبي عب ��د الرحمن اخلليل ب ��ن �أحمد الفراهي ��دي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مهدي‬
‫املخزومي‪ ،‬و�إبراهيم ال�سامرائي‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬
‫‪ -369‬الك�س ��ب‪ ،‬ملحمد بن احل�سن بن فرقد ال�شيباين‪ ،‬حتقيق‪� :‬سهيل زكار‪ ،‬النا�شر‪ :‬عبد‬
‫الهادي حر�صوين‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1400‬ه‪.‬‬
‫‪ -370‬ك�ش ��اف القن ��اع عن منت الإقن ��اع‪ ،‬ملن�صور بن يون�س البهوت ��ي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -371‬الك�ش ��اف عن حقائق غوام�ض التنزيل‪ ،‬لأبي القا�سم حممود بن عمرو بن �أحمد‪،‬‬
‫الزخم�شري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -372‬ك�شف الأ�سرار عن �أ�صول فخر الإ�سالم البزدوي‪ ،‬لعبدالعزيز بن �أحمد بن حممد‬
‫البخاري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫‪ -373‬ك�ش ��ف الظنون عن �أ�س ��امي الكتب والفنون‪ ،‬مل�صطفى بن عبد اهلل امل�شهور با�سم‬
‫حاجي خليفة‪ ،‬مكتبة املثنى‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة عام‪1941‬م‪.‬‬
‫‪ -374‬اللباب يف اجلمع بني ال�سنة والكتاب‪ ،‬جلمال الدين �أبي حممد علي بن �أبي يحيى‬
‫زكري ��ا املنبجي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ف�ض ��ل عبد العزيز املراد‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الدار ال�شامية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -375‬ل�س ��ان الع ��رب‪ ،‬لأبي الف�ضل جمال الدين حممد ب ��ن مكرم بن منظور‪ ،‬دار �صادر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -376‬لقاءات الباب املفتوح‪ ،‬ملحمد بن �صالح العثيمني‪ ،‬مكتب دار الب�صرية‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -377‬اللم ��ع يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬لأبي ا�سحاق �إبراهيم ب ��ن علي بن يو�سف ال�شريازي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -378‬م ��ا �ش ��اع ومل يثب ��ت يف ال�س�ي�رة النبوي ��ة‪ ،‬ملحمد بن عبداهلل العو�ش ��ن‪ ،‬دار طيبة‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1429‬ه‪.‬‬
‫‪ -379‬مال ��ك حيات ��ه وع�ص ��ره‪ ،‬ملحم ��د �أبو زه ��رة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاه ��رة‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -380‬املبادئ االقت�صادية يف الإ�سالم والبناء االقت�صادي يف الدولة‪ ،‬لعلي عبدالر�سول‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬طبعة عام ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ -381‬مب ��ادئ عل ��م االقت�ص ��اد‪ ،‬ملحمد يحيى عوي�س‪ ،‬دار الن�ص ��ر للطباعة‪ ،‬م�صر‪ ،‬طبعة‬
‫عام ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ -382‬مب ��د�أ الر�ض ��ا يف العق ��ود‪ ،‬لعل ��ي حمي ��ي الدي ��ن عل ��ي الق ��ره داغ ��ي‪ ،‬دار الب�شائر‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪ -383‬املبدع �شرح املقنع‪ ،‬لإبراهيم بن حممد بن عبد اهلل ابن مفلح‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -384‬املب�س ��وط‪ ،‬ملحم ��د بن �أحم ��د ال�سرخ�س ��ي‪ ،‬داراملعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبن ��ان‪ ،‬طبعة عام‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪  -385‬جمل ��ة الأح ��كام العدلي ��ة‪ ،‬للجن ��ة مكون ��ة م ��ن عدة علم ��اء وفقه ��اء يف اخلالفة‬
‫جتارت كتب‪� ،‬آرام‬
‫ِ‬ ‫العثماني ��ة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جنيب هواويني‪ ،‬النا�شر‪ :‬نور حممد‪ ،‬كارخانه‬
‫باغ‪ ،‬كرات�شي‪.‬‬
‫‪ -386‬جملة الأمة القطرية‪ ،‬العدد ‪ ،61‬حمرم ‪1406‬ه‪ ،‬والعدد ‪ ،64‬ربيع الآخر ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -387‬جمل ��ة املجمع الفقهي الإ�س�ل�امي مبكة املكرمة‪ ،‬ال ��دورة ال�سابعة ع�شرة‪ ،‬القرار‬
‫الثاين‪ ،‬يف الفرتة ‪1424 /10/23-19‬هـ‪.‬‬
‫‪ -388‬جمل ��ة جامع ��ة املل ��ك عبدالعزيز بج ��دة‪ ،‬االقت�صاد الإ�سالم ��ي‪ ،‬املجلد اخلام�س‪،‬‬
‫‪1413‬هـ‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -389‬جمل ��ة جممع الفقه الإ�س�ل�امي التابع ملنظمة امل�ؤمتر الإ�س�ل�امي بجدة‪ ،‬ت�صدر‬
‫عن منظمة امل�ؤمتر اال�سالمي بجدة‪ ،‬الأعداد من ‪ 13-1‬موجود يف املكتبة ال�شاملة‪.‬‬
‫‪ -390‬جممع الأنهر يف �شرح ملتقى الأبحر‪ ،‬لعبد الرحمن بن حممد بن �سليمان املدعو‬
‫ب�شيخي زاده‪ ,‬يعرف بداماد �أفندي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -391‬جمم ��ع ال�ض ��مانات‪ ،‬لأبي حممد غ ��امن بن حممد البغدادي احلنف ��ي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -392‬جمم ��ل اللغ ��ة البن فار�س‪ ،‬لأحمد بن فار� ��س الرازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري عبد املح�سن‬
‫�سلطان‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1406‬ه‪.‬‬
‫‪ -393‬جمموع الفتاوى‪ ،‬لأحمد بن عبد احلليم بن تيمية‪ ،‬جمع‪ :‬عبد الرحمن بن حممد‬
‫ب ��ن قا�سم‪ ،‬جممع املل ��ك فهد لطباعة امل�صح ��ف ال�شريف‪ ،‬املدين ��ة النبوية‪ ،‬اململكة‬
‫العربية ال�سعودية‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -394‬املجم ��وع �ش ��رح املهذب‪ ،‬ليحيى ب ��ن �شرف النووي‪ ،‬دار الفك ��ر‪( .‬طبعة كاملة معها‬
‫تكملة ال�سبكي واملطيعي)‪.‬‬
‫‪ -395‬جمموع فتاوى ور�سائل ف�ضيلة ال�شيخ حممد بن �صالح العثيمني‪ ،‬جمع وترتيب‪:‬‬
‫فهد بن نا�صر بن �إبراهيم ال�سليمان‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬دار الرثيا‪ ،‬طبعة عام ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -396‬جمم ��وع فتاوى ومقاالت متنوع ��ة‪ ،‬لعبد العزيز بن عبداهلل بن باز‪ ،‬جمع‪ :‬حممد‬
‫ب ��ن �سعد ال�شويعر‪ ،‬طبع ب�إ�شراف رئا�سة �إدارة البح ��وث العلمية والإفتاء‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -397‬املح ��رر الوجي ��ز يف تف�س�ي�ر الكت ��اب العزي ��ز‪ ،‬لأب ��ي حمم ��د عبداحل ��ق ب ��ن عطية‬
‫الأندل�س ��ي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبد ال�سالم عبد ال�ش ��ايف حممد‪ ،‬دار الكت ��ب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ -398‬املح�ص ��ول يف �أ�ص ��ول الفق ��ه‪ ،‬للقا�ض ��ي حمم ��د بن عب ��د اهلل �أبي بكر ب ��ن العربي‬
‫املعافري اال�شبيلي املالكي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬ح�سني علي اليدري‪ ،‬و�سعيد فودة‪ ،‬دار البيارق‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1420‬هـ‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -399‬املحك ��م واملحي ��ط الأعظ ��م‪ ،‬لأب ��ي احل�س ��ن علي ب ��ن �إ�سماعيل بن �سي ��ده املر�سي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد احلميد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعةالأوىل‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -400‬املحلى‪ ،‬لعلي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم الظاهري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -401‬املحي ��ط الربه ��اين‪ ،‬ملحمود ب ��ن �أحمد بره ��ان الدين مازه‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبدالكرمي‬
‫�سامي اجلندي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -402‬املخ ��ارج ال�ش ��رعية �ض ��وابطها و�أثره ��ا يف تقومي �أن�ش ��طة امل�ص ��ارف الإ�س�ل�امية‪،‬‬
‫حل�س�ي�ن يو�س ��ف حمم ��د العبيدي‪ ،‬ر�سال ��ة مقدمة لني ��ل درجة الدكت ��وراه يف جامعة‬
‫الريموك بالأردن يف عام ‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ -403‬املخ ��ارج يف احلي ��ل‪ ،‬ملحمد بن احل�سن ال�شيباين‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫طبعة عام ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -404‬خمتار ال�ص ��حاح‪ ،‬ملحمد بن �أبي بكر بن عبدالقادر الرازي‪،‬حتقيق‪ :‬يو�سف ال�شيخ‬
‫حممد‪ ،‬املكتبة الع�صرية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اخلام�سة ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -405‬خمت�ص ��ر املزين‪ ،‬لأب ��ي �إبراهيم �إ�سماعيل بن يحيى امل ��زين‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫طبعة عام ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -406‬املخت�صر الن�صيح يف تهذيب الكتاب اجلامع ال�صحيح‪ ،‬للمهلب بن �أبي �صفرة بن‬
‫عب ��داهلل الأ�سدي التميمي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد بن فار� ��س ال�سلوم‪ ،‬دار التوحيد‪ ،‬دار �أهل‬
‫ال�سنة‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪ -407‬خمت�صر خليل‪ ،‬خلليل بن �إ�سحاق بن مو�سى املالكي امل�صري‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد جاد‪،‬‬
‫دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -408‬املخت�ص ��ر يف �أ�ص ��ول الفق ��ه عل ��ى مذه ��ب الإم ��ام �أحمد بن حنبل‪ ،‬الب ��ن اللحام‪،‬‬
‫�أب ��ي احل�سن عل ��ي بن حممد بن عبا� ��س البعلي الدم�شقي احلنبل ��ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫مظهربقا‪ ،‬طبعة جامعة امللك عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ -409‬املداينة‪ ،‬ملحمد بن �صالح العثيمني‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬طبعة عام ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -410‬املدخ ��ل الفقه ��ي الع ��ام‪ ،‬مل�صطف ��ى الزرق ��ا‪ ،‬دار القل ��م‪ ،‬دم�ش ��ق‪ ،‬الطبع ��ة الثانية‬
‫‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪  -114‬املدخ ��ل �إىل االقت�ص ��اد الإ�س�ل�امي‪ ،‬لعلي حميي الدين الق ��ره داغي‪ ،‬دار الب�شائر‬
‫الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -412‬مدخل للهند�سة املالية الإ�سالمية‪ ،‬لفتح الرحمن علي‪ ،‬من�شور يف جملة امل�صريف‪،‬‬
‫بنك ال�سودان‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -413‬املدون ��ة‪ ،‬للإم ��ام مالك ب ��ن �أن�س الأ�صبح ��ي‪ ،‬دار الكتب العلمي ��ة‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -414‬مذكرة يف �أ�صول الفقه‪ ،‬ملحمد الأمني بن حممد املختار ال�شنقيطي‪ ،‬مكتبة العلوم‬
‫واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪  -415‬املرابح ��ة للآمر بال�ش ��راء‪ ،‬لل�صديق ال�ضرير‪ ،‬بحث من�شور يف جملة جممع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪.‬‬
‫‪ -416‬مراتب الإجماع‪ ،‬لعلي بن �أحمد بن �سعيد بن حزم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪  -417‬امل�س ��الك يف �ش ��رح موط� ��أ مالك‪ ،‬للقا�ضي �أبي بك ��ر حممد بن عبداهلل بن العربي‪،‬‬
‫حتقيق‪:‬حمم ��د بن احل�سني ال�سليماين‪ ،‬وعائ�شة بنت احل�سني ال�سليماين‪ ،‬دار الغرب‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫ال�س ِج ْ�ست ��اين‪،‬‬
‫‪ -418‬م�س ��ائل الإم ��ام �أحم ��د‪ ،‬لأب ��ي داود �سليم ��ان ب ��ن الأ�شع ��ث الأزدي ِّ‬
‫حتقي ��ق‪� :‬أبي مع ��اذ طارق بن عو�ض اهلل بن حممد‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -419‬امل�ستدرك على ال�صحيحني‪ ،‬لأبي عبداهلل احلاكم‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ -420‬امل�ستدرك على جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم‪ ،‬لأبي العبا�س �أحمد بن عبد احلليم‬
‫بن تيمية احلراين‪ ،‬جمع‪ :‬حممد بن عبد الرحمن بن قا�سم‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1418‬هـ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -421‬امل�ست�صفى‪ ،‬لأبي حامد حممد بن حممد الغزايل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد ال�سالم عبد‬
‫ال�شايف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -422‬م�سند الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب الأرن�ؤوط‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -423‬امل�س ��ودة يف �أ�ص ��ول الفق ��ه‪ ،‬لآل تيمي ��ة‪ ،‬تتابع على ت�أليفه ثالثة م ��ن �أئمة �آل تيمية‪:‬‬
‫ب ��د�أ بت�صنيفها اجل ّد‪ :‬جمد الدين عبد ال�سالم بن تيمي ��ة‪ ،‬و�أ�ضاف �إليها الأب‪ :‬عبد‬
‫احلليم ب ��ن تيمية‪ ،‬ثم �أكملها االبن احلفيد‪� :‬أحمد ب ��ن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حميي‬
‫الدين عبد احلميد‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -424‬امل�شاركة املتناق�صة‪ ،‬لعبدال�ستار �أبو غدة‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪،‬‬
‫العدد اخلام�س ع�شر‪.‬‬
‫‪ -425‬امل�ش ��اركة املتناق�ص ��ة‪ ،‬لنزيه حماد‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد‬
‫الثالث ع�شر‪.‬‬
‫‪  -426‬م�شاهد من املقا�صد‪ ،‬لعبداهلل بن ال�شيخ املحفوظ بن بيه‪ ،‬دار وجوه‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -427‬امل�شتقات املالية ودورها يف �إدارة املخاطر ودور الهند�سة املالية يف �صناعة �أدواتها‪،‬‬
‫ل�سمري ر�ضوان‪ ،‬دار الن�شر للجامعات‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -428‬امل�شقة على النف�س ال�صادرة من ذات املكلف‪ ،‬لعبدالعزيز بن حممد العويد‪ ،‬عمادة‬
‫البحث العلمي بجامعة امللك �سعود‪ ،‬عام ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪ -429‬م�ص ��ادر الت�ش ��ريع الإ�س�ل�امي فيما ال ن�ص في ��ه‪ ،‬لعبدالوهاب خالف‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬الطبعة ال�ساد�سة ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -430‬امل�ص ��الح املر�س ��لة و�أثرها يف املعامالت‪ ،‬لعبدالعزيز ب ��ن عبداهلل العمار‪ ،‬دار كنوز‬
‫�أ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪  -431‬امل�ص ��باح املنري يف غريب ال�ش ��رح الكبري للرافعي‪ ،‬لأحمد بن حممد الفيومي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪  -432‬امل�ص ��رفية الإ�س�ل�امية الأزمة واملخرج‪ ،‬ليو�سف كمال حممد‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬م�صر‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪  -433‬امل�ص ��لحة يف الت�ش ��ريع الإ�س�ل�امي‪ ،‬مل�صطفى زيد‪ ،‬دار الي�س ��ر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلام�سة ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪  -434‬امل�ص ��نف يف الأحادي ��ث والأخب ��ار‪ ،‬لعبداهلل بن حممد بن �أبي �شيبة‪ ،‬حتقيق‪ :‬كمال‬
‫يو�س ��ف احل ��وت‪ ،‬مكتبة الر�شد‪ ،‬الريا� ��ض اململكة العربية ال�سعودي ��ة‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪  -435‬امل�ص ��نف‪ ،‬لأب ��ي بك ��ر عبدال ��رزاق بن هم ��ام ال�صنعاين‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬حبيب الرحمن‬
‫الأعظمي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪  -436‬مطالب �أويل النهى يف �شرح غاية املنتهى‪ ،‬مل�صطفى بن �سعد بن عبده الرحيباين‪،‬‬
‫املكتب الإ�سالمي‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪  -437‬معامل ال�س�ن�ن �ش ��رح �س�ن�ن �أبي داود‪ ،‬لأبي �سليمان حمد بن حممد اخلطابي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪  -438‬معام�ل�ات البن ��وك و�أحكامه ��ا ال�ش ��رعية‪ ،‬ملحم ��د �سيد طنط ��اوي‪ ،‬مطبعة نه�ضة‬
‫م�صر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة عام ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪  -439‬املعام�ل�ات املالية �أ�ص ��الة ومعا�ص ��رة‪ ،‬لدبيان بن حممد الدبي ��ان‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1434‬هـ‪.‬‬
‫‪  -440‬املعامالت املالية املعا�صرة يف الفقه الإ�سالمي‪ ،‬ملحمد عثمان �شبري‪ ،‬دار النفائ�س‪،‬‬
‫الأردن‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪  -441‬املعامالت املالية املعا�ص ��رة و�أثر نظرية الذرائع يف تطبيقاتها‪ ،‬لأخرت زيتي بنت‬
‫عبدالعزيز‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1429‬م‬
‫‪  -442‬املعاي�ي�ر ال�ش ��رعية لهيئ ��ة املحا�س ��بة واملراجعة للم�ؤ�س�س ��ات املالية الإ�س�ل�امية‪،‬‬
‫البحرين‪� ،‬إ�صدار عام ‪1431‬هـ‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -443‬املعتم ��د يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬ملحم ��د بن علي الطيب �أبو احل�س�ي�ن ال َب ْ�صري‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫خليل املي�س‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -444‬املعجم الأو�س ��ط‪ ،‬ل�سليمان بن �أحمد بن �أيوب الطرباين‪ ،‬حتقيق‪ :‬طارق بن عو�ض‬
‫اهلل بن حممد‪ ,‬عبد املح�سن بن �إبراهيم احل�سيني‪ ،‬دار احلرمني‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -445‬املعجم الكبري‪ ،‬ل�سليمان بن �أحمد بن �أيوب اللخمي ال�شامي‪� ،‬أبي القا�سم الطرباين‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حمدي بن عبد املجيد ال�سلفي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -446‬معجم امل�صطلحات املالية واالقت�صادية‪ ،‬لنزيه حماد‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دم�شق‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪ -447‬معج ��م امل�ؤلف�ي�ن‪ ،‬لعمر بن ر�ضا بن حممد راغب بن عبد الغني كحالة‪ ،‬دار �إحياء‬
‫الرتاث العربي‪.‬‬
‫‪  -844‬املعج ��م الو�س ��يط‪ ،‬لإبراهي ��م م�صطفى‪،‬و�أحم ��د الزي ��ات‪ ،‬وحامد عب ��د القادر‪،‬‬
‫وحمم ��د النجار‪ ،‬حتقيق‪:‬جممع اللغ ��ة العربية‪ ،‬دار الدع ��وة‪ ،‬ا�ستنبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬طبعة‬
‫عام‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ -449‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬لأبي احل�سني �أحمدبن فار�س‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدال�سالم هارون‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬طبعة عام ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪  -450‬معرف ��ة ال�س�ن�ن والآثار‪ ،‬لأحمد بن احل�سني بن عل ��ي بن مو�سى البيهقي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عب ��د املعطي �أمني قلعج ��ي‪ ،‬جامع ��ة الدرا�سات الإ�سالمي ��ة‪ ،‬باك�ست ��ان‪ ،‬دار الوفاء‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪  -451‬مغني املحتاج �إىل معرفة �ألفاظ املنهاج‪ ،‬ملحمد بن �أحمد ال�شربيني اخلطيب‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪  -452‬املغني عن احلفظ والكتاب‪ ،‬لعمر بن بدر بن �سعيد الوراين املو�صلي احلنفي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪  -453‬املغن ��ي‪ ،‬لعب ��د اهلل بن �أحمد ب ��ن قدامة املقد�س ��ي‪ ،‬مكتبة القاه ��رة‪ ،‬طبعة عام‬
‫‪1388‬هـ‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪  -454‬مفاتي ��ح العل ��وم‪ ،‬ملحم ��د بن �أحم ��د بن يو�س ��ف الكاتب البلخ ��ي اخلوارزمي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪  -455‬املفه ��م مل ��ا �أ�ش ��كل م ��ن تلخي� ��ص كت ��اب م�س ��لم‪ ،‬لأب ��ي العبا� ��س �أحمد ب ��ن عمر بن‬
‫�إبراهي ��م القرطب ��ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حميي الدين ديب م�ستو‪ ،‬ويو�س ��ف علي بديوي‪ ،‬و�أحمد‬
‫حممد ال�سيد‪ ،‬وحممود �إبراهيم بزال‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬دم�شق‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪  -456‬مقا�صد الأحكام املالية عند الإمام ابن القيم و�أثرها الفقهي‪ ،‬ملحمد بن علي بن‬
‫عبدالعزيز اليحيى‪ ،‬دار كنوز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬
‫‪  -457‬مقا�ص ��د ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية ومكارمه ��ا‪ ،‬لع�ل�ال الفا�سي‪ ،‬حتقي ��ق‪� :‬إ�سماعيل‬
‫احل�سني‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1432‬ه‪.‬‬
‫‪  -458‬مقا�صد ال�شريعة الإ�سالمية‪ ،‬ملحمد الطاهر بن عا�شور‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الطاهر‬
‫املي�ساوي‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -459‬مق ��ال العق ��ود املالي ��ة املركب ��ة بني املخ ��ارج ال�ش ��رعية واحليل الربوي ��ة‪ ،‬لعبداهلل‬
‫العمراين‪ ،‬من�شور يف االنرتنت يف مو�سوعة االقت�صاد والتمويل الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪ -460‬املقدم ��ات املمه ��دات‪ ،‬ملحمد ب ��ن �أحمد بن ر�شد القرطب ��ي‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪،‬‬
‫الطبعة الأوىل ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -461‬مقدم ��ة ابن خلدون‪ ،‬لعبدالرحم ��ن بن خلدون‪ ،‬دار ابن الهيثم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪ -462‬املقدم ��ة يف منهج الفقه الإ�س�ل�امي لالجتهاد والبح ��ث‪ ،‬لعلي حميي الدين القره‬
‫داغي‪ ،‬دار الب�شائر الإ�سالمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1434‬هـ‪.‬‬
‫‪  -463‬امللكي ��ة ونظري ��ة العق ��د يف ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية‪ ،‬ملحمد �أبو زه ��رة‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬طبعة عام ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -464‬املماطل ��ة يف الدي ��ون‪ ،‬ل�سلم ��ان بن �صالح بن حمم ��د الدخيل‪ ،‬دار كن ��وز �أ�شبيليا‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1433‬هـ‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪ -465‬مميزات عقود الإجارة على عقود البيع للم�ؤ�س�سات املالية الإ�سالمية والعمالء‪،‬‬
‫ملحمد الطبطبائي‪ ،‬بحث من�شور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ال�صادرة‬
‫من جامعة الكويت‪ ،‬ال�سنة الثامنة ع�شرة‪ ،‬العدد الرابع واخلم�سون‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -466‬املناظ ��رات الفقهي ��ة‪ ،‬لعبد الرحمن بن نا�صر ال�سعدي‪ ،‬اعتن ��ى به وعلق عليه‪� :‬أبو‬
‫حممد �أ�شرف بن عبداملق�صود‪� ،‬أ�ضواء ال�سلف‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -467‬مناظرات يف �أ�ص ��ول ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية بني ابن حزم والباجي‪ ،‬لعبدالرحمن‬
‫ترك ��ي‪ ،‬ترجمة وحتقيق‪ :‬عبدال�صبور �شاهني‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪  -468‬مناق�ص ��ات العق ��ود الإداري ��ة‪ ،‬لرفي ��ق امل�ص ��ري‪ ،‬من�ش ��ور يف جملة جمم ��ع الفقه‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬العدد التا�سع‪.‬‬
‫‪ -469‬املنتق ��ى �ش ��رح موط� ��أ الإمام مال ��ك‪ ،‬ل�سليمان بن خلف الباج ��ي‪ ،‬مطبعة ال�سعادة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1332‬هـ‪.‬‬
‫‪  -470‬منته ��ى الإرادات يف جم ��ع املقن ��ع مع التنقيح وزي ��ادات‪ ،‬ملحمد بن �أحمد الفتوحي‬
‫احلنبل ��ي ال�شهري باب ��ن النجار‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل بن عبداملح�س ��ن الرتكي‪ ،‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬طبعة عام ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪  -471‬املنث ��ور يف القواع ��د‪ ،‬لبدر الدين حمم ��د بن بهادر الزرك�شي‪ ،‬حتقيق‪ :‬تي�سري فائق‬
‫�أحمد حممود‪ ،‬وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪  -472‬من ��ح اجلليل �ش ��رح خمت�ص ��ر خليل‪ ،‬ملحمد بن �أحمد علي� ��ش‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪،‬طبعة عام‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪  -473‬املنخ ��ول م ��ن تعليقات الأ�ص ��ول‪ ،‬لأبي حامد حممد بن حمم ��د الغزايل‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫الدكت ��ور حممد ح�س ��ن هيتو‪ ،‬دار الفكر املعا�صر‪،‬بريوت‪ ،‬لبن ��ان‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دم�شق‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ 1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪  -474‬املنفع ��ة يف القر� ��ض‪ ،‬لعبد اهلل ب ��ن حممد العمراين‪ ،‬دار كن ��وز �إ�شبيليا‪ ،‬الريا�ض‬
‫الطبعة الثانية ‪1431‬هـ‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪  -475‬منه ��اج الطالب�ي�ن‪ ،‬لأب ��ي زكري ��ا بن �شرف الن ��ووي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عو� ��ض قا�سم �أحمد‬
‫عو�ض‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪  -476‬املنهاج �ش ��رح �ص ��حيح م�س ��لم بن احلجاج‪ ،‬ملحيي الدين النووي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث‬
‫العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1392‬هـ‪.‬‬
‫‪  -477‬امله ��ذب يف علم �أ�ص ��ول الفقه املقارن‪ ،‬لعبدالك ��رمي بن علي النملة‪ ،‬مكتبة الر�شد‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪  -478‬امله ��ذب يف فق ��ه الإم ��ام ال�ش ��افعي‪ ،‬لإبراهي ��م بن علي بن يو�س ��ف ال�شريازي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪  -479‬املوافق ��ات‪ ،‬لأبي �إ�سحاق �إبرهيم بن مو�س ��ى بن حممد ال�شاطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�شهور‬
‫بن ح�سن �آل �سليمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪  -480‬مواهب اجلليل �شرح خمت�صر خليل‪ ،‬ملحمد بن حممد بن عبد الرحمن احلطاب‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪  -481‬مو�س ��وعة الإجماع‪ ،‬لأ�سامة القحطاين‪ ،‬وعلي اخل�ضري‪ ،‬وظافر العمري‪ ،‬وفي�صل‬
‫الوع�ل�ان‪ ،‬و�آخري ��ن‪ ،‬دار الف�ضيل ��ة‪ ،‬ال�سعودي ��ة‪ ،‬دار الهدي النب ��وي‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪.1433‬‬
‫‪  -482‬املو�سوعة الفقهية الكويتية‪� ،‬إ�صدار وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪  -483‬مو�س ��وعة القواع ��د الفقهي ��ة‪ ،‬ملحمد �صدقي البورنو‪ ،‬م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪  -484‬مو�س ��وعة امل�ص ��طلحات الإقت�صادية والإح�ص ��ائية‪ ،‬لعبدالعزيز فهمي هيكل‪ ،‬دار‬
‫النه�ضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة عام ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪  -485‬املو�ض ��وعات‪ ،‬لعب ��د الرحم ��ن بن علي ب ��ن حممد اجلوزي‪ ،‬حتقي ��ق‪ :‬عبد الرحمن‬
‫حممد عثمان‪ ،‬املكتبة ال�سلفية‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1386‬هـ‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪  -486‬املوط� ��أ‪ ،‬للإم ��ام مالك بن �أن� ��س الأ�صبحي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمم ��د م�صطفى الأعظمي‪،‬‬
‫م�ؤ�س�س ��ة زايد ب ��ن �سلطان �آل نهيان للأعمال اخلريية‪� ،‬أب ��و ظبي‪ ،‬الإمارات‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪  -487‬موقع ال�شيخ عبداهلل بن عبدالرحمن اجلربين يف االنرتنت‪.‬‬
‫‪  -488‬مي ��زان االعت ��دال يف نق ��د الرج ��ال‪ ،‬لأب ��ي عب ��د اهلل حممد بن �أحم ��د بن عثمان‬
‫الذهب ��ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عل ��ي حممد البج ��اوي‪ ،‬دار �إحياء الكتب العربي ��ة‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1382‬هـ‪.‬‬
‫‪  -489‬النت ��ف يف الفت ��اوى‪ ،‬لأب ��ي احل�سن علي بن احل�سني بن حمم ��د ال�سغدي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�صالح الدين الناهي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪  -490‬نح ��و منتج ��ات مالي ��ة �إ�س�ل�امية مبتك ��رة‪ ،‬ملحمد عم ��ر اجلا�سر‪،‬بحث مقدم �إىل‬
‫م�ؤمتر امل�صارف الإ�سالمية اليمنية‪،‬حتت عنوان‪«:‬الواقع وحتديات امل�ستقبل«‪،‬مار�س‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪  -491‬الن�ش ��اط االقت�ص ��ادي م ��ن منظ ��ور �إ�س�ل�امي‪ ،‬لعم ��ر بن فيح ��ان املرزوقي‪ ،‬بحث‬
‫من�ش ��ور يف جملة ال�شريعة والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬جامع ��ة الكويت‪ ،‬ال�سنة ال�ساد�سة‬
‫ع�شرة‪ ،‬العدد اخلام�س والأربعون‪.‬‬
‫‪  -492‬النظام امل�ص ��ريف الإ�س�ل�امي‪ ،‬ملحمد �سراج‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪  -493‬نظري ��ة ال�ش ��رط يف الفقه الإ�س�ل�امي‪ ،‬حل�سن علي ال�ش ��اذيل‪ ،‬دار كنوز �أ�شبيليا‪،‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪  -494‬نظرية ال�ض ��رورة ال�ش ��رعية‪ ،‬لوهبة الزحيل ��ي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫اخلام�سة ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪  -495‬نظرية العقد( قاعدة يف العقود)‪ ،‬لأحمد بن عبد احلليم بن تيمية‪ ،‬مركز الكتاب‬
‫للن�شر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪  -496‬نظرية املقا�صد عند ال�شاطبي‪ ،‬لأحمد الري�سوين‪ ،‬مكتبة الهداية‪ ،‬الدار البي�ضاء‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1432‬هـ‪.‬‬
‫‪  -497‬نفائ� ��س الأ�ص ��ول يف �ش ��رح املح�ص ��ول‪ ،‬ل�شهاب الدين �أحمد ب ��ن �إدري�س القرايف‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬عادل �أحمد عبداملوجود‪ ،‬علي حممد معو� ��ض‪ ،‬مكتبة نزار م�صطفى الباز‪،‬‬
‫مكة املكرمة‪.‬‬
‫‪  -498‬النكت والفوائد ال�سنية على م�شكل املحرر ملجد الدين ابن تيمية‪ ،‬لإبراهيم بن‬
‫حمم ��د بن عبد اهلل ب ��ن حممد ابن مفلح‪ ،‬مكتبة املع ��ارف‪ ،‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪  -499‬نهاية ال�س ��ول �ش ��رح منهاج الو�ص ��ول‪ ،‬لعبد الرحيم بن احل�سن بن علي الإ�سنوي‬
‫ال�شافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1420‬هـ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪  -500‬نهاي ��ة املحت ��اج �إىل �ش ��رح املنه ��اج‪ ،‬ملحم ��د بن �شه ��اب الدين الرمل ��ي‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬طبعة عام ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪  -501‬نهاي ��ة املطل ��ب يف دراية املذه ��ب‪ ،‬لإمام احلرمني عبد امللك بن عبداهلل اجلويني‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبدالعظيم حممود الديب‪ ،‬وزارة الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية‪ ،‬قطر‪،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪  -502‬النهاي ��ة يف غري ��ب احلديث والأثر‪ ،‬لأب ��ي ال�سعادات املبارك بن حممد اجلزري‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬طاهر �أحمد الزاوي‪ ،‬وحممود حممد الطناحي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫طبعة عام‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪  -503‬نيل الأوطار من �أ�سرار منتقى الأخبار‪ ،‬ملحمد بن علي ال�شوكاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬ع�صام‬
‫الدين ال�صبابطي‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬م�صر‪ ،‬الطبعة الأوىل‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪  -504‬الهداية �شرح بداية املبتدي‪ ،‬لربهان الدين علي بن �أبي بكر املرغيناين‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫طالل يو�سف‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‬
‫‪  -505‬الهند�سة املالية الإ�سالمية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1429‬هـ‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫‪  -506‬الهند�سة املالية الإ�سالمية ودورها يف متويل ر�أ�س املال العامل‪ ،‬ليحيى النعيمي‪،‬‬
‫ر�سالة دكتوراه يف جامعة الريموك‪ ،‬الأردن‪.‬‬
‫‪  -507‬الهند�س ��ة املالي ��ة الإ�س�ل�امية‪ ،‬لعبدالكرمي قندوز‪ ،‬بح ��ث من�شور يف جملة جامعة‬
‫امللك عبدالعزيز‪ ،‬االقت�صاد الإ�سالمي‪ ،‬م‪،20‬ع‪2007 ،2‬م‪.‬‬
‫‪  -508‬الهند�سة املالية مدخل لتطوير ال�صناعة املالية‪ ،‬لزايدي عبدال�سالم‪ ،‬من�شور يف‬
‫املوقع العاملي لالقت�صاد الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪  -509‬الهند�سة املالية‪ ،‬ملحمد �أحمد اجللي‪ ،‬مقال من�شور على االنرتنت‪.‬‬
‫‪  -510‬الوا�ض ��ح يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬ملحمد �سليمان الأ�شقر‪ ،‬دار النفائ�س‪ ،‬الأردن‪ ،‬الطبعة‬
‫ال�ساد�سة ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫‪  -511‬وب ��ل الغمام على �ش ��فاء الأوام‪ ،‬ملحمد بن عل ��ي ال�شوكاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد �صبحي‬
‫ح�سن حالق‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1431‬هـ‪.‬‬
‫‪  -512‬وج ��ه اال�ستح�س ��ان و�ض ��وابطه يف رب ��ط العم�ل�ات متغ�ي�رة القيم ��ة بالقيم ��ة‪،‬‬
‫لعبداللطيف الفرفور‪ ،‬من�شور يف جملة جممع الفقه الإ�سالمي‪ ،‬العدد اخلام�س‪.‬‬
‫‪  -513‬الوجي ��ز يف �أ�ص ��ول الفقه‪ ،‬لعبدالكرمي زيدان‪ ،‬م�ؤ�س�س ��ة الر�سالة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل ‪1424‬ه‪.‬‬
‫‪  -514‬الورق النقدي‪ ،‬لعبداهلل بن �سليمان بن منيع‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪  -515‬الو�سيط يف املذهب‪ ،‬لأبي حامد حممد بن حممد الغزايل‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حممود‬
‫�إبراهيم‪ ,‬وحممد حممد تامر‪ ،‬دار ال�سالم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأوىل ‪1417‬هـ‪.‬‬

‫***‬

‫‪406‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املقدمة ‪......................................................................................‬‬
‫م�شكلة البحث‪................................................................................‬‬
‫�أهمية البحث ‪................................................................................‬‬
‫�أ�سباب اختيار املو�ضوع‪.......................................................................‬‬
‫�أهداف البحث ‪...............................................................................‬‬
‫الدرا�سات ال�سابقة‪...........................................................................‬‬
‫منهج البحث‪.................................................................................‬‬
‫�إجراءات البحث ‪.............................................................................‬‬
‫خطة البحث ‪.................................................................................‬‬
‫متهيد‪:‬يف �أهمية االقت�صاد الإ�سالمي ودوره يف احلياة املعا�صرة‪.............................‬‬
‫الباب الأول‪:‬ت�أ�صيل الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪..............................................‬‬
‫الف�صل الأول‪:‬املفهوم‪ ،‬واخل�صائ�ص‪ ،‬والفروق ‪..............................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪............................................‬‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف الهند�سة املالية ‪........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪...........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ن�ش�أة م�صطلح الهند�سة املالية‪...............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪�:‬أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية‪،‬و�أهدافها‪..................................‬‬
‫املطلب الأول‪� :‬أهمية الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪.............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أهداف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪...........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬خ�صائ�ص الهند�سة املالية الإ�سالمية‪........................................‬‬

‫‪407‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬معوقات تطبيق الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪................................‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪:‬الفروق بني الهند�سة املالية الإ�سالمية والهند�سة املالية التقليدية ‪.........‬‬
‫الف�صل الثاين‪:‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية ‪..............................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من ال�سنة النبوية ‪............‬‬
‫املبحث الثاين‪:‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من اجتهادات ال�صحابة ‪.....‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من املقا�صد ال�شرعية‪........‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬حتقيق امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪...............................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬تعريف امل�صلحة ‪...............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أق�سام امل�صلحة‪...............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪� :‬أدلة اعتبار امل�صلحة‪..........................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪� :‬ضوابط امل�صلحة ‪.............................................................‬‬
‫الفرع اخلام�س‪ :‬امل�صلحة يف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪.....................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رفع احلرج والتي�سري يف الهند�سة املالية الإ�سالمية‪..........................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬تعريف رفع احلرج ‪.............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬الأدلة على رفع احلرج ‪........................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬رفع احلرج يف الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪.....................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬امل�ستندات ال�شرعية للهند�سة املالية الإ�سالمية من القواعد الفقهية‪.........‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬الأ�صل يف العقود ال�صحة �إال ما دل الدليل على منعه ‪.........................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الأ�صل يف ال�شروط ال�صحة واللزوم �إال ما دل الدليل على منعه‪..............‬‬
‫الف�صل الثالث‪� :‬أدوات الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪...........................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬احليل واملخارج ال�شرعية ‪.....................................................‬‬

‫‪408‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف احليل واملخارج ال�شرعية ‪.............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام احليل ‪................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم احليل‪..................................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬ضوابط املخارج ال�شرعية‪....................................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬احليل والهند�سة املالية الإ�سالمية ‪........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الرخ�ص ال�شرعية ‪...........................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الرخ�ص ال�شرعية‪.....................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام الرخ�ص ال�شرعية ‪....................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪� :‬أ�سباب الرخ�ص ال�شرعية ‪...................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬أدلة الرخ�ص ال�شرعية ‪......................................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬العالقة بني الرخ�ص ال�شرعية وتتبع رخ�ص املذاهب‪......................‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪:‬الرخ�ص ال�شرعية والهند�سة املالية الإ�سالمية ‪.............................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اال�ستح�سان‪..................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف اال�ستح�سان ‪...........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أنواع اال�ستح�سان ‪............................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم اال�ستح�سان‪............................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العالقة بني اال�ستح�سان والرخ�ص ال�شرعية ‪.................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬اال�ستح�سان والهند�سة املالية الإ�سالمية‪...................................‬‬
‫املبحث الرابع‪� :‬سد الذرائع وفتحها‪..........................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الذرائع ‪...............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام الذرائع‪...............................................................‬‬

‫‪409‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املطلب الثالث‪ :‬م�شروعية اعتبار الذرائع ‪....................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العالقة بني الذرائع واحليل‪..................................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪� :‬ضوابط العمل بالذرائع ‪...................................................‬‬
‫املطلب ال�ساد�س‪ :‬الذرائع والهند�سة املالية الإ�سالمية ‪.......................................‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬التلفيق ‪....................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف التلفيق‪................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أق�سام التلفيق ‪...............................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم التلفيق‪.................................................................‬‬
‫الفرع الأول‪:‬تلفيق املجتهد‪...................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪:‬تلفيق املقلد‪....................................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التلفيق وتتبع رخ�ص املذاهب ‪................................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬التلفيق والهند�سة املالية الإ�سالمية ‪.......................................‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪:‬تركيب العقود ‪..............................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف العقود املالية املركبة‪..................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪� :‬أنواع العقود املالية املركبة‪...................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حكم تركيب العقود املالية‪...................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪� :‬ضوابط تركيب العقود املالية ‪................................................‬‬
‫املطلب اخلام�س‪ :‬تركيب العقود املالية والهند�سة املالية‪.....................................‬‬
‫الف�صل الرابع‪�:‬ضوابط الهند�سة املالية الإ�سالمية ‪..........................................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ال�ضوابط اخلا�صة باملهند�س املايل ‪...........................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬اخلربة بالعمل امل�صريف‪ ،‬وال�ش�ؤون امل�صرفية ‪.................................‬‬

‫‪410‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العلم بال�سوق وحاجاته ‪......................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ال�ضوابط اخلا�صة بالهند�سة املالية الإ�سالمية ‪..............................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬عدم خمالفة الهند�سة املالية الإ�سالمية لل�شرع‪...............................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬عدم املخالفة للن�ص ال�شرعي‪..................................................‬‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬عدم الوقوع يف الربا ‪.........................................................‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬عدم الوقوع يف الغرر ‪........................................................‬‬
‫امل�س�ألة الثالثة‪ :‬عدم الوقوع يف بيعتني يف بيعة ‪...............................................‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬عدم كونها حيلة للتو�صل للحرام‪..............................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬عدم كونها ذريعة للتو�صل للحرام ‪............................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬عدم منافاتها احلكمة التي حرمت لأجلها بع�ض العقود‪.......................‬‬
‫املطلب الثاين‪�:‬سالمة الهند�سة املالية الإ�سالمية من العيوب ال�شكلية للعقود‪................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬عدم اجلمع بني العقود املتناق�ضة‪..............................................‬‬
‫الفرع الثاين‪:‬عدم كونها جمرد تغيري يف التكييف الفقهي للمعامالت املحرمة‪...............‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬عدم كونها جمرد قيود �شكلية ‪................................................‬‬
‫الباب الثاين‪:‬تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية ‪..........................................‬‬
‫الف�صل الأول‪:‬تطبيقات للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الفقه الإ�سالمي ‪......................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬بيع الوفاء‪.....................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع الوفاء‪.............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء‪................................... .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع الوفاء ‪.............................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع الوفاء ‪................................................................‬‬

‫‪411‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بيع الوفاء ‪.............................................‬‬
‫املبحث الثاين‪:‬بيع اال�ستجرار‪................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع اال�ستجرار ‪........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع اال�ستجرار ‪................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع اال�ستجرار‪.........................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع اال�ستجرار‪............................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪�:‬أثر الهند�سة املالية يف بيع اال�ستجرار ‪.........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬بيع العينة‪....................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع العينة ‪.............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة ‪.....................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع العينة ‪.............................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع العينة ‪................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بيع العينة‪..............................................‬‬
‫ال�س ْفتَجة‪.....................................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ُ :‬‬
‫ال�س ْفتَجة‪..............................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف ُ‬
‫ال�س ْفتَجة‪......................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ‬
‫ال�س ْفتَجة ‪..............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ُ‬
‫ال�س ْفتَجة ‪.................................................................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم ُ‬
‫ال�س ْفتَجة ‪..............................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف ُ‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬التورق‪.....................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف التورق ‪................................................................‬‬

‫‪412‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املطلب الثاين‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق ‪.........................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق‪.................................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم التورق‪....................................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف التورق‪.................................................‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬الإجارة املو�صوفة يف الذمة ‪................................................‬‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ‪............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ‪...................‬‬
‫املطلب الثالث‪:‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪.............‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪ ،‬وت�أجيل الأجرة فيها‪.........................‬‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪.............................................‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم ت�أجيل الأجرة يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة ‪..........................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املو�صوفة يف الذمة‪............................‬‬
‫الف�صل الثاين‪ :‬تطبيقات معا�صرة للهند�سة املالية الإ�سالمية ‪...............................‬‬
‫املبحث الأول‪ :‬ال�سلم املوازي‪.................................................................‬‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف ال�سلم املوازي‪..........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي‪..................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�سلم املوازي ‪.........................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم ال�سلم‪ ،‬وال�سلم املوازي ‪...................................................‬‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم ال�سلم ‪..................................................................‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم ال�سلم املوازي‪..........................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف ال�سلم املوازي‪..........................................‬‬

‫‪413‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املبحث الثاين‪ :‬اال�ست�صناع املوازي ‪..........................................................‬‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف اال�ست�صناع املوازي ‪....................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪:‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف اال�ست�صناع املوازي ‪............................‬‬
‫املطلب الثالث‪:‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف اال�ست�صناع املوازي ‪....................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم اال�ست�صناع‪ ،‬واال�ست�صناع املوازي ‪........................................‬‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم اال�ست�صناع ‪............................................................‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم اال�ست�صناع املوازي ‪....................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف اال�ست�صناع املوازي‪....................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬ال�صكوك الإ�سالمية‪.........................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف ال�صكوك الإ�سالمية ‪..................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�صكوك الإ�سالمية ‪..........................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف ال�صكوك الإ�سالمية‪...................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم ال�صكوك الإ�سالمية‪......................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف ال�صكوك الإ�سالمية‪...................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬التورق امل�صريف‪..............................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف التورق امل�صريف‪.......................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف‪...............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف التورق امل�صريف ‪.......................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم التورق امل�صريف ‪..........................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف التورق امل�صريف ‪.......................................‬‬
‫املبحث اخلام�س‪ :‬بيع املرابحة للآمر بال�شراء ‪...............................................‬‬

‫‪414‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪...........................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء‪...................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء ‪...........‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء ‪..............................................‬‬
‫امل�س�ألة الأوىل‪ :‬حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد فيها غري ملزم‪.............‬‬
‫ملزما‪......................‬‬
‫امل�س�ألة الثانية‪ :‬حكم بيع املرابحة للآمر بال�شراء �إذا كان الوعد ً‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بيع املرابحة للآمر بال�شراء ‪...........................‬‬
‫املبحث ال�ساد�س‪ :‬الإجارة املنتهية بالتمليك ‪.................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف الإجارة املنتهية بالتمليك ‪.............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املنتهية بالتمليك ‪.....................‬‬
‫املطلب الثالث‪:‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف الإجارة املنتهية بالتمليك ‪..............‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم الإجارة املنتهية بالتمليك ‪................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف الإجارة املنتهية بالتمليك‪..............................‬‬
‫املبحث ال�سابع‪ :‬امل�شاركة املنتهية بالتمليك‪...................................................‬‬
‫املطلب الأول‪:‬تعريف امل�شاركة املنتهية بالتمليك‪.............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك ‪....................‬‬
‫املطلب الثالث‪:‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك ‪.............‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم امل�شاركة املنتهية بالتمليك ‪...............................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف امل�شاركة املنتهية بالتمليك‪.............................‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬بطاقات االئتمان‪............................................................‬‬
‫املطلب الأول‪ :‬تعريف بطاقات االئتمان‪......................................................‬‬

‫‪415‬‬
‫فقه الهند�سة املالية الإ�سالمية‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان‪..............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬درا�سة للهند�سة املالية الإ�سالمية يف بطاقات االئتمان ‪......................‬‬
‫الفرع الأول‪ :‬حكم البطاقات االئتمانية‪......................................................‬‬
‫الفرع الثاين‪� :‬أثر الهند�سة املالية يف بطاقات االئتمان ‪......................................‬‬
‫اخلامتة‪.........................................................................................‬‬
‫فهر�س امل�صادر واملراجع‪.....................................................................‬‬
‫فهر�س املو�ضوعات‪...........................................................................‬‬

‫‪416‬‬

You might also like