Professional Documents
Culture Documents
خاتم امي
خاتم امي
تذكرت قرط ام ألميداني بن صالح وانا ابحث عما ساقوله وارو يه من ذكر يات عن أمي في الذكرى
الثالثة والعشرين لوفاتها وكنت قد نذرت لنفسي ان أكتب في كل ذكرى عن جانب من شحصيتها
وعن صورة من صور كفاحها وتضحيتها في الحياة من أجل تربية أطفالها الستة خمسة وابناء
وبنت واسعادهم ومساعدة الوالد بما استطاعت اليه سبيلا في توفير مستلزمات العيش الكريم لهم
رغم ضيق ذات اليدوهي التي لم تكن تشتغل سوى بشؤون المنزل.
والمشترك بين قرط الميداني بن صالح وخاتم أمي هو استعمال هذه القطعة او تلك من حلي المرأة
التي لا تتردد في التفر يط فيها وقتيا بالر ّهن أو نهائيا بالبيع مقابل مبلغ مادي بحسب قيمتها ذهبا
لصرفه في قضاء شأن من شؤون المنزل او اقتناء بضاعة او اسداء خدمة لفائدة فرد من افراد
العائلة اجتماعية كانت او صحية او تعليمية.
والمشترك ايضا هو ما يحمله هذا التصرف الواعي والتلقائي من الُأ مّ من معاني الكرم الذي لا
ينضب والعطاء الذي لا يجف له معين والتضحية بالغالي والنفيس بلا حساب ودون انتظار
مقابل.
وإن كان الميداني بن صالح يقول على لسان أمّه:
"ورن َْت لي ,ودموع العين تجري
خذه يابني
إنه ذخري الأخير
1
لك ,يا كنزي الكبير"
1
أمي ،من ديوان يحمل نفس العنوان ،الدار التونسيّة للنشر ،تونس ،الطبعة األولى 1969
مقتطف من قصيدة قرط ّ
فقد ارتبط خاتم أم ّي بإحدى الذكر يات التي بقيت عالقة في مخيلتي والتي كلما استعرض شر يطها
إلا ّ وتطالعني صورة أم ّي وقد تجمعت فيها معاني الأمان والحنان والحماية والتضحية وهي تنزع خاتمها
من بنصرها لتسلّمني إ ي ّاه قائلة بكل لطف : إذهب وخذ لك به دواء من الصيدلية يقاوم ما تعانيه
من إسهال
كنت اصبت وقتها بإسهال شديد ولم يكن يتوفر في البيت ما يكفي لاقتناء دواء وكانت أم ّي قد
تعودت على رهن خاتمها لدى الصيدلية الوحيدة في مدينة الضاحية الجنوبية التي كنا نسكن فيها
كلما مرض احد من افراد العائلة على ان تسترجع خاتمها بعد سداد قيمة المقتنيات من الادو ية
نقدا.
كما كانت ترهن ان لزم الامر كل ما تملك من حلي على قلّته لدى القباضة المالية كلما كان المبلغ
الذي كانت تحتاجه أكبر ,وهذا الإجراء كان شائعا في زمن مضى وتلجأ اليه العديد من ربات
البيوت كل ّما انعدمت السيولة النقدية لديها وهو يساوي الاقتراض البنكي الذي نعرفه اليوم.