Professional Documents
Culture Documents
Doc
Doc
كتاب
سوسيولوجيا الثقافة
المساهمة السوسيولوجية في الميدان الثقافي تتمثل في تفسير الظواهر الثقافية أو اإليديولوجية
.بصفة عامة ،في إطار عالقاتها بالمعطيات الموضوعية لصيرورة المجتمعات
تمهيد:
الكتاب يتناول سوسيولوجية الثقافة ،مساهمة متطورة في نظرية البنى الفوقية ،فاتساع
المج00ال السوس00يوثقافي مفهوميا ومنهجيا و تطبيقيا كما هو مع00روف الي00وم يف00رض تحديد اإلط00ار
النظري العام الذي تندرج فيه الظواهر الثقافية في عالقتها بالمعطيات االجتماعية.
و اقتراح بعض العناصر لتعريف سوسيولوجية الثقافة ،يدفع الى تناول العالقة بين البنية
التحتية و البنى الفوقية ،وإفراد مكانة خاصة للدور الذي تقوم به الفئ0ات المثقفة راجع الى ما تق00وم
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
به هذه الفئات من ربط عضوي بين البنيتين في فترات تاريخية معينة .و االهتمام بالثقافة "المثقفة"0
ال يع00ني إهم00ال الثقافة الجماهيرية ال00تي طورتها وس00ائل االتص00ال الى حد أص00بحت من المعت00اد معه
اعتبارها موضوع اختصاص متميز لكن التميز ال يعني االنفصال.
متاهات كلمة:
مفهوم 0الثقافة من أكثر المفاهيم تداوال و لكنه أكثر من أكثرها غموضا و تلونا .فتعارفها في
المائة س00نة األخ0يرة وصل ح00دا يصب معه االتف00اق على تعريف واحد .يعت00بر كروب00ير و كلوكه0ون ،
وهما عالمان أنتروبولوجين أمريكيان ،قد صنفا قبل ربع ق00رن ما ال يق 0ل عن 160تعريف للثقافة .
و لذلك من بين األعمال األكاديمية بحوثا مختصة في تتبع المسار الت00اريخي لكلمة "ثقافة " .و ل00ذلك
كتب ادك00ار م00وران ،معرفا الثقافة ،بعد ق00رن على أول تعريف ان00تروبولوجي مع00روف للثقاف00ة":
الثقافة بداهة خاطئة ،كلمة تب0000دو و كأنها ثابتة ،حازمة ،والح0000ال أنها كلمة فخ ،خاوية ،منومة ،
ملغمة ،خائنة ...الواقع أن مفهوم الثقافة ليس أقل غموضا و تشككا و تعددا في عل00وم اإلنس00ان منه
في التعبير اليومي".
اكتسبت كلمة ثقافة مدلولها الفكري في أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر .
فالكلمة الفرنسية كانت تعني في القرون الوس00طى الطق00وس الدينية ،ولم تع00بر عن فالحة األرض اال
في القرن السابع عشر ،لتعبر عن التكوين الفكري و عن التقدم الفكري للشخص خالل القرن الثامن
عشر .و بعد انتقال الكلمة إلى اللغة األلمانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر اكتسبت ألول
م00رة ،وقبل رجوعها إلى فرنسا ،مض00مونا جماعيا ،حيث أص00بحت ت00دل على التق00دم الفك00ري ال00ذي
يتحصل عليه الش00خص أو المجموع00ات أو اإلنس00انية بص00فة عام00ة .أما الج00انب الم00ادي في حي00اة
األشخاص و المجتمعات فقد أفردت له األلمانية كلمة "حضارة" .
الثقافة و الحضارة:
إذا كانت كلمة حضارة الفرنسية ( ،)10قد ظهرت فيها كلمة ثقافة بمعناها الفكري ،إذ
استعملت ألول مرة في كتاب ص0در س0نة ،1766و إذا ك0ان ه0ذا االش0تقاق الفرنسي لكلمة حض0ارة
يشمل مختلف أبعاد التقدم الفكري والمادي ،فان التصور األلماني تطغى عليه إجم00اال نزعة واض00حة
إلى لتمييز بين الثقافة بمعناه ال0روحي و الفك0ري و العلمي ،وبين الحض0ارة بمعن0اه الم0ادي .فأفريد
فيبر ،باعتباره مبدع صيغة "سوسيولوجية 0الثقافة " يفرق بين الحضارة على أنها " جملة الع00ارف
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
النظرية و التطبيقية غير الشخصية وبالتالي تلك التي يعترف إنسانيا بص00الحيتها و يمكن تناقله00ا" ،
وبين الثقافة على أنها "جملة من العناصر الروحية و المش000اعر و المثل المش000تركة ال000تي ترتبط في
خصوصيتها بمجموعة و زمن معينين ".
الثقافة جمله الوسائل التي يستعملها اإلنسان ليرفه على ذاته ،ولتطوير نفسه روحيا و فكريا، -
والحضارة /جملة الوسائل المستعملة في التغلب على الوسط الطبيعي ( العمران – التكنولوجيا
ة تطبيقاتها)
الثقافة ج00زء من الحض00ارة ،والحض00ارة أعم جغرافيا ،والثقافة محلية ،و بالت00الي فالحض00ارة -
جملة الثقافات التي توجد بينها روابط معين00ة :مثال ثقافة تونس00ية و ثقافة س00ورية ،وحض00ارة
عربية.
وهذا التقابل بين عالم المعرفة بمعناه الفكري والروحي ،وعالم الواقع بمعناه المادي و
االجتماعي راجع إلى اختالف التفس00يرات حسب الرؤية و المنهجي00ات ،وحسب الح00االت المدروسة ،
والقاسم المش00ترك بينهما هو النزعة التاريخية إلى ج00انب ع00زل المعرفة عن الواقع ع00زال يجعل منها
عالما "أرقى" تستقل به ،وفيه نخبة لها قيم و تصورات "عليا" توهم باحتياج اإلنس00ان واإلنس00انية
إليها ،ومدافعة فبنفس الوقت عن طبيعتها المتميزة التي ال يمكن التمكن منها إال بجهد فك0ري خ0اص
يتضمن تهميشا بل عداء لمعطيات الواقع المادي .
لقد حلل ماركوز ( )Marcuseما سماه "الطابع االثباتي للثقافة" ،مبينا كيف أن الفصل
بين الثقافة والحضارة في المرحلة البورجوازية لم يكن مجرد ترجمة للعالقة القديمة بين المج00اني و
النافع ،أو بين الجميل و الضروري ،وإنما كان يرمي إلى إثب00ات وج00ود ع00الم إل00زامي في المس00توى
اإلنساني يطالب اإلنسان باالنتماء إليه.
فهذه الثقافة التي تناصر العالم الروحي ضد العالم المادي هي أوال إثبات للدور القيادي الذي
ينده أصحابها إلي أنفسهم كموجهين للواقع .و دفاعا عن ه00ذا ال00دور فقد اعت00برت كل محاولة إلزالة
الطابع االثباتي للثقافة إزالة للثقافة ذاتها و سقوطا في الالثقافة.
المنعطف االنثروبولوجي:
عرفت بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر انتقال لفظتي الثقافة والحضارة من المفرد
إلى ص000يغة الجمع ،وه000ذا االنتق000ال ك000ان موازيا للتوسع االس000تعماري "المتع000رف" على ش000عوب
"مجهول00ة"، 0كما أن00ه" انتص00ار للخ00اص على الع00ام " إذ فيه تج00اوز للمفه00وم 0المث00الي للثقافة نحو
االعتراف بتواجد ثقافات تختلف من مجتمع آلخر و في المجتمع الواحد أيضا.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
و في منتصف القرن التاسع عشر وصل المفهوم إلى نسبية خ ّففت من حدة التميزات السابقة .
فمع انتق00ال كلمة ثقافة الى انجل00ترا وج00دت نفس00ها مرادفة عموما لكلمة حض00ارة ،كما ظهر ذلك عند
تايلور ،وصادف هذا الترادف ميالد المفهوم االنتروبولوجي للثقافة .
و أول تعريف أنتروبولوجي للثقافة هو الذي وضعه االنجل0يزي ت00ايلور Taylor(1832 -
) 1917في كتابه "الثقافة البدائي00ة" الص00ادر س00نة ،1871وه00و" :الثقافة أو الحض00ارة ب00المعنى
االثن00وغرافي الواسع :هي "ه00ذه المجموعة المعق00دة ال00تي تش00مل المع00ارف و المعتق00دات و الفن و
القانون و األخالق و التقاليد و كل القابلي0ات و التطبيق0ات األخ0رى ال0تي يكتس0بها اإلنس0ان كعضو في
مجتمع ما" .و هذا التعريف هو الذي وجه فيما بعد أعماال كثيرة ،كما أوحى بتعريفات أخ0رى الحق0ة،
حافظت كلها على ما جاء فيه من توس0يع للحقل الثق0افي ،وهنا يمكن اإلدالء بتعريف لغي روش0اري (
) Guy Rocherاستوحاه من تعريف تايلور ،حيث اعتبر الثقافة " مجموعة مترابطة من أساليب
التفك00ير و اإلحس00اس و العمل المتش00كلة إلى حد م00ا ،تتعلمها و تش00ترك فيها جماعة من األش00خاص
يكونون مجموعة خاصة متميزة ".
هذا التعريف يشمل أهم خصائص الظاهرة الثقافية من وجهة انثروبولوجية ،وهي أربعة في
حدها األدنى:
أ – الثقافة :مجموعة من المعطي00ات الفكرية والعاطفية و المادية ال00تي يختلف الب00احثون في
طريقة تحديدها و تحليلها حسب المناهج ،ولكنها تحافظ على كلية تترابط فيها هذه المعطيات ترابطا
يكسبها داللتها و ال تفسر خارجها.
ب – التش0كل :يختلف ق0وة ومرونة حسب الح00االت فالق00انون مثال يأخذ ش00كال أك0ثر ص00البة من
أساليب المعامالت اليومية بين األشخاص ،وبدون حد أدنى من التشكل يكون من العسير التمكن من
الظاهرة الثقافية.
ج – التعلم :فكل كل ما هو ثقافي ال يورث بيولوجيا ،وإنما عن طريق التعلم و األخذ واالستيعاب
االجتم000اعي ،و عليه يق000ال أن الثقافة "ارث اجتم000اعي" أو أنها ما يتعلمه الف000رد للعيش في مجتمع
خاص" ،وبذلك تدخل الثقافة في سيرورة تنشئة اجتماعية.
د – المشاركة :و هي المعيار األساسي للظواهر الثقافية باعتبارها اشتراك مجموعة من الن0اس
في الموقف منها ،وليست العبرة هنا بالعدد ،فقد تشمل المجموعة فئة محدودة أو صنفا اجتماعيا أو
طبقة اجتماعية أو أوسع من ذلك .و به00ذه الخاص00ية ن00زعت االنتروبولوجيا عن الثقافة االعتب00ارات
الفردية .
هذا الحد األدنى من االتفاق لم يكن مانعا دون ورود تعاريف كثيرة تم تصنيفها تصنيفات
مختلفة حسب المنهجي00ات و االهتمام00ات كتص00نيف كروب 00ير و كلوك00وهن و تص00نيف باالن00دياي (
)Balandierو هرسكوفيتش ( ) Herskovitsو سابير ( ، ) Sapirإلى جانب من يعمل على
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
النظر إلى الثقافة ب00الرجوع الى نظري00ات االتص00ال الحديثة منطلقا من النم00وذج اللس00اني ،وتعت00بر
أعمال ليفي شتراوس ( )Lévi- Straussخير مثال على ذلك .
يعرفها التحليلهناك دائما محاوالت الربط بين الثقافة و "الطبيعة البش0رية" ،حيث ّ
الوظيفي الطبيعة البشرية بأنها " األسس البيولوجية للثقاف00ة" ول00ذلك " يجب على نظرية الثقافة أن
تك00ون الحد
تعتمد على البيولوجيا ..إلن إش00باع الحاجي00ات األولية أو العض00وية لإلنس00ان و للجنس ّ
األدنى للشروط ال0تي تخضع لها كل ثقاف0ة .)36 0-10( ".و الحظ مالينوفس0كي أن ربط الثقافة به0ذه
الحاجي00ات األولية ليس جدي00دا ،إذ تعت00بر النظرية الماركس00ية أن " التت00ابع ج00وع -غ00داء – ش00بع هو
أس000اس الح000وافز البش000رية " .و بقيت االنثروبولوجيا عند ليفي س000تراوس ،موس000ومة بالمقابلة
الواض000حة بين الطبيعة و الثقافة ،فبالنس000بة إليه ال يوجد إنس000ان ط000بيعي ،.حيث الطبيعة معطى من
المعطيات اإلنسانية العامة ،والثقافات هي التي تتحمل مسؤولية استيعابها و تحويلها تح00ويال معين00ا.
وليس هن00اك ثقافة إال بعد تج00اوز الطبيع00ة .ف00المهم هو الم00رور من الطبيعة إلى الثقافة ،و وس00ائل
المرور كثيرة و متنوعة أهمها اللغة كوسيلة اتصال ،و أبرزها كمبادرة إنس00انية قديمة اعتن00اق مب00دأ
تحريم الزواج بذات الق00ربى( ، 0) incesteو هو المب00دأ ال00ذي لم يعد معه بإمك00ان الرجل أن يتحصل
على الم0000رأة إال من رجل آخر يتن0000ازل له عنها في ش0000كل بنت أو أخت .و من أهم األمثلة البنيوية
للم000رور من الطبيعة إلى الثقافة هو المثلث الطبخي ( ) triangle culinaireال000ذي يقترحه ليفي
شتراوس ،حيث ينتقل فيه النيئ ( ) le cruإما "ثقافيا" إلى مطب00وخ ( )cuitو إما "طبيعي00ا" 0إلى
متعفن ( ، )pourriوالذي تمثل فيه عملية الطبخ نشاطا وسيطا بين الطبيعي و الثقافي.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
خالل العشرين سنة الماضية ظهرت بعض محاوالت لتجاوز القطيعة 0الكالسيكية بين اإلنسان
و الطبيعة مغتنمة فكرة تكامل االختصاصات ،و في ه00ذا اإلط00ار تح00دث ادك00ار م00وران عن ":ش00رائح
ثالث ،الواحدة فوق األخرى و ال تب00ادل بينهم " ( الفيزي00اء و الكيمي00اء/الحي00اة و الطبيعة /اإلنس00ان و
الثقافة ) في كتاب "بيان" حيث يدعو إلى الربط المفهومي و المنهجي بين هذه الثنائية التض00ادية :
إنسان/حيوان ،ثقافة /طبيعة " :فمن المفروغ منه أن اإلنسان ليس مكونا من شقين متراكبين
و يبقى التمايز موجودا بين االنثروبولوجيا و سوسيولوجية الثقافة ،و أول معايير هذا
التمايز هو طبيعة المجتمعات التي اهتمت بها كل منهما .فإذا اهتمت ه00ذه األخ00يرة ب00الظواهر الثقافية
في المجتمع000ات ذات ال000تركيب الطبقي ،فمي000دان األولى لم يكن عمليا غ000ير المجتمع000ات الموص000وفة
بالبدائي000ة ،رغم المش000اريع النظرية و بعض المح000اوالت الفرعية المتعلقة بالمجتمع000ات الحديث000ة .و
طبيعي أن ينتج عن هذا التمايز مشكلة التحويل المفهومي و المنهجي من حقل آلخر .وه00ذا التم00ايز
يجعل من مفهوم الثقافة نفسه نقطة اختالف بين االختصاصيين .فالثقافة ال تص00بح مفهوما عمليا في
السوس00يولوجيا إال بعد تجري00دها من االنس00جامية ال00تي أض00فاها عليها االس00تعمال االن00تروبولوجي .
فهن000اك انتق000ال من مفه000وم 0موسع ش000امل للثقافة (ل000واله لم تظهر نظري000ات بأكملها كالتطورية و
االنتشارية) إلى مفهوم تصنيفي حسب معطيات التركيب االجتماعي الموجود .التمايز الثالث مصدره
التب00اين المنهجي ،فالج00دير بال00ذكر أن أهم األعم00ال المعروفة في سوس00يولوجيا الثقافة هي أعم00ال
تنتمي إلى الفكر الماركسي ،فاعتماد المنهجية الماركس00ية م ّكن من تحقيق مش00روع الربط بين أنم00اط
اإلنتاج الفكري و معطيات الواقع االجتماعي االقتصادي ،بطريقة فريدة و عميقة في نفس الوقت.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
فإذا كانت بعض دراسات ماكس فيبر( )1920-1864التاريخية لم تخل من الحديث عن
العالقة بين تط00ور ال00ديانات و عض المعطي00ات االقتص00ادية االجتماعية ،فإنها تبقي مص00در األخالقية
الدينية مص 00درا روحانيا بالدرجة األولى .في000بر في دراس000اته ح 00ول " الخلقية البروتس 00تانية والفكر
الرأسمالي" يتجه إلى تفسير النظام االقتصادي بعوامل روحانية أساسيا ،و رغم دفاع ريم00ون آرون
عن فيبر و اعتباره أنه "ليس أكثر خطأ من افتراض أن ماكس فيبر دافع عن نظرية هي تماما نقيض
نظرية م00اركس .ورغم إش00ارة في00بر إلى وج00ود عومل أخ00رى ممكنة ،ف00ان تفس00ير ن00وء النظ00ام
الرأسمالي و التصور الفكري المدافع عنه بقي تفس00يرا أق00رب إلى المثالي00ة ،و أفضى عمليا إلى أولية
الفكر بالنس00بة للم00ادة .ف00الجمع بين م00وقفين أولهما يقتضي تك00ديس األم00وال و الث00اني يقتضي ع00دم
استهالكها ليس ،في نظر فيبر ،مبدأ يفرضه تطوير الرأس مال نفسه بقدر ما هو موقف ديني س00اعد
تطوير رأس المال .فالزهد الكالفيني أو "الزهد في الع00الم" محاولة للبحث عن الخالص .اإلنس0ان ال
يعرف ما إذا كان اإلله راضيا أو غير راض عنه ،لكن النج00اح في الحي00اة بما فيه النج00اح االقتص00ادي
يدل على اختيار اإلله و رضاه .ومن هنا جاءت أهمية العمل و البحث عن الفائ00دة ال كمحاولة لتج00اوز
الحيرة أمام خبايا القدر فحس00ب ،بل كطريق للخالص و بالت00الي كتعب00ير عن طاعة اإلل00ه .ه00ذا "الزهد
في العالم" يناسب إذا المنطق الرأسمالي :فهو يدعو إلى العمل من أجل الفائدة و في نفس الوقت إلى
عدم استهالك هذه الفائدة ،وهو ما يعني استثمارها من جديد.
هذا التغيير مرتبط عند فيبر بالبحث عن خصوصية العالم الغربي الذي ظهرت في الرأسمالية،
وهو بحث تتخلله اعتبارات غير ثابتة علميا ،فخصوصية العالم الغربي تتمثل عند فيبر في " عقلنة"
يتم00يز بها عن الع00الم الش00رقي ال00ذي ح00ال فيه " الزهد اله00ارب من الع00الم" دون ميالد رأس00مالية
صناعية.
فإلى جانب فيبر فان ‘عمال ليفي برول و اميل دوركه0ايم و ك0ارل مانه0ايم و غ0يرفيتش قد
ساهمت في سوسيولوجية المعرفة من خالل الربط بينها و بين األطر االجتماعية بشكل أو ب00آخر .و
تعت0بر مس0اهمة غ0يرفيتش مهمة في ه0ذا الج0انب .و ه0ذا ما تعكسه مقاالته ال00تي ج00اء في كتابه "
األطر االجتماعية للمعرف00ة" حيث اعت00بر سوس00يولوجية المعرفة بكونها دراسة الترابط00ات الوظيفية
التي يمكن إيجادها بين :
أوال:مختلف أنواع المعرفة و مختلف درجات تبلور األشكال داخل هذه األن00واع من المعرفة و
مختلف األنظمة.
ثانيا :األطر االجتماعية :أي المجتمعات الشاملة ،والطبقات االجتماعية و المجموعات الخاصة،
ومختلف تعبيرات المجتمع ،أي العناصر الميكرواجتماعية .أما أنواع المعرف ال00تي عرفها الت00اريخ،
حسب غيرفيتش -فهي سبعة أصناف ،وتكون مرتبة ترتيبا معينا حسب كل إطار اجتماعي .
فمثال يكون النوع المهيمن في المجتمع اإلقطاعي هو المعرفة الفلسفية الدينية ثم المعرفة
السياس00ية ثم المعرفة المش00تركة ثم معرفة الغ00ير .و"نحن" في المعرفة التقنية ثم المعرفة اإلدراكية
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
ثم في المرتبة األخيرة المعرفة العلمية .و في المجتمع الرأسمالي المنظم و الموجه فيتبدل الترتيب و
تصبح المكانة األولى للمعرفة التقنية ثم المعرفة السياسية ثم المعرفة اإلدراكية ثم المعرفة الفلس00فية
و المعرفة العادية المشتركة ثم في المرتبة األخيرة هذه المرة معرفة الغير و "نحن".
أما األشكال التي توجد داخل كل نوع من أنواع المعرفة و التي تختلف تبلورا و تتغير هي أيضا
حسب معطيات األطر االجتماعية فتبرز حسب غ00يرفيتش في خمسة ح00االت من التقابل ،بين المعرفة
الباطنية و لمعرفة العقالني00000ة ،وبين التجريبية و المفهومي00000ة ،وبين الوض00000عية و النظرية ،وبين
الرمزية و التطابقية ،وبين الجماعية والفردية.
في ما يخص الربط بين المعرفة واألطر االجتماعية ،حاول غيرفيتش التدليل عليه في مستوى"
المجتمعي00ة" ( أو المس00توى الميكروسوس00يولوجي) و في مس00توى (الجماع00ات المحلية و المعمل و
الدولة و الكنيسة) ،وفي مستوى الطبقات االجتماعي00ة ،ثم في مس00توى المجتمع00ات الش00املة ،و هو
أهم المجتمعات حسب رأيه ألنه يسمح بمراجعة النت00ائج المتحصل عليها في المس00تويات األخ00رى من
جهة ،والنه يفضي إلى العالق00ات األساس00ية بين أنظمة المعرفة بص00فة عامة و الب00نى االجتماعية في
كليتها.
مشروع غيرفيتش هذا بقي حبيس الجانب النظ00ري المج00رد ،ولم يتمكن من تنزيله على
المستوى الميداني الملموس على مجتمعات عينية /وه00ذا ما عابه عليه كل00ود ليفي ش00تراوس بش00كل
صريح .و تبقى مساهمته في سوسيولوجية المعرفة مهمة لما أثارته من قض00ايا نظرية ،وان ك00انت
أقرب في كليتها إلى الغموض منها إلى الوضوح العلمي ،حيث تتس00اوى فيها أو تك00اد كل العوامل و
األبع00اد ،حيث يعت00بر غيل00رفيتش "العامل المهيمن" من جملة "المش 00اكل الخاطئة " ال 00تي عرفتها
سوسيولوجية القرن التاسع عشر .
سوسيولوجيا الثقافة بشكل موجز هي تحليل طبيعة العالقة الموجودة ين أنماط اإلنتاج
الفك00ري و معطي00ات البنية االجتماعية ،وتحديد وظ00ائف ه00ذا اإلنت00اج في المجتمع00ات ذات ال00تركيب
التنضيدي أو الطبقي.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
أوال :فالقول بأنماط اإلنتاج الفكري ،يعني أن هناك تجانس بالمعنى الفلسفي و االنثروبولوجي غ00ير
إجرائي بالمفهوم 0السوس0يولوجي .فهو يغطي على التواجد الحقيقي ألنم0اط إنت0اج مختلفة من الثقافة
ال000تي قد تتن000اقض مع وظيفة المجتمع الواح000د .ف000رغم وج000ود بعض "العوامل 0االنثروبولوجي000ة"
المش00تركة ،ال توجد مي00دانيا في المجتمع00ات ذات ال00تركيب الطبقي "ثقافة الجمي00ع" ،ح00تى في حالة
ادعاء تلك الثقافة أنها كذلك .
ثانيا :الح00ديث عن المجتمع00ات المنض00دة أو الطبقية ليس حص00را ،بق00در ما هو تأكيد العتب00ار اإلنت00اج
الفكري تعبيرا عن مرحلة معينة من التمايز بين األصناف االجتماعية االقتص00ادية .فمفه00وم 0ال00تركيب
التنضيدي ( – 0 ) stratificationرغم غموضه -يقتحم في حقل التحليل السوسيولوجي مجتمع00ات
تاريخية قبل رأسمالية قد يكون مضمونها الطبقي محل نقاش.
ميدانيا ،تكون المجتمعات الوحيدة التي تخرج من الحقل السوسيولوجي هي تلك التي تسمى
عادة بالمجتمعات "البدائي00ة" ،وال00تي لم تصل بعد إلى درجة كافية من التم00ايز يس00مح بتص00نيف م00ا.
ه00ذا ما يفسر الص00عوبة الخاصة ال00تي تب00دو في القسم الخ00اص عند غ00ورفيتش ،باعتب00ار المجتمع00ات
القديمة ك000أطر اجتماعية للمعرف000ة .و نفس الص000عوبة هي ال000تي جعلت "المعرف000ة" في المجتمع000ات
القديمة تنحصر مثال ،حسب ليفي ب00رول ،في مض00مون " روح00اني" ن00اتج عن تص00ور "ع00اطفي"
لقوى ما وراء الطبيعة .
ثالثا :من وجهة نظر تحليلية ،ليس ُمه ّما إثبات العالقة بين اإلنتاج الفك00ري و الواقع االجتم00اعي،
بقدر ما هو تحليل أشكال هذه العالقة في مرحلة معينة لمجتمع معين .هذا التحليل يعدّ مصدرا أساسيا
في المناقشات المتعلقة بالروابط الموجودة بين البنية التحتية و البنية الفوقي00ة ،وال00تي أ ّدت إلى تأكيد
فكرة التبادل الديالكتيكي الق00ائم بينهما من خالل جملة الوس00ائط ال00تي يجب تحدي00دها لتج00اوز التص00ور
الميكانيكي و للتخلص من المثالية و "االقتص00ادوية"مع00ا 0.و قد س00اهمت سوس00يولوجيا األدب و الفن
بشكل كبير في تحليل أشكال العالقة بين اإلنتاج الفكري و معطيات البنية االجتماعية.
حول بها اإلنتاج الفكري (القصة – المسرح )..معطيات الواقع غير ك0اف، رابعا :تحديد الكيفية التي ُي ّ
و ل00ذلك من الض00روري إب00راز الوظيفة االجتماعية السياس00ية له00ذا اإلنت00اج الفك00ري .خصوصا و أن
المنتجين ينتم00ون إلى فئ00ات من المثقفين ي00ؤدون أدوارا قد يعونها أو ال يعونها لص00الح أص00ناف أو
طبقات معينة.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
ح00تى ال تفهم نظرية الب00نى الفوقية على أنها تتض00من تفكيكا للوح00دة الموج00ودة بين المس00تويين .و
الوح00دة تع00ني أن معطي00ات الب00نى الفوقية في ذلك اإلنت00اج الثق00افي ال يمكن تفس00يرها تفس00يرا ذو داللة
سوسيولوجية دون إرجاعها إلى معطيات الواقع االجتماعي.
لبلورة هذه المقاربة سيتم االكتفاء بالرجوع إلى بعض نصوص ماركس و انجلز الذين فتحا
مجال التنظير في هذا الباب ،والى بعض أمال المفكر االيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي باعتباره
أول منظر للبنى الفوقية.
إذا كان فيها المقطع عبارات نموذجية تعبر عن توجيه المعطيات المادية للظواهر الفكرية ،فان
البعض يجعلها ترجع بالماركس00ية إلى ن00وع من "االقتص00ادوية" حيث تجعل العامل االقتص00ادي هو
المحدد لكل شيء ،كما هو الشأن بالنسبة ل كروتشي ( ) croceااليطالي (.)1952 -1866
و لرفع هذا االلتباس يمكن الرج0وع إلى التوض0يحات ال0تي ق0ام بها انجل0ز-بعد م0وت م0اركس-
لضرورتها المعرفية ،وهي على الشكل اآلتي:
-1جورج لوكاتش يعت00بر أنه "ليست س00يطرة العوامل االقتص00ادية في تفس00ير الت00اريخ هي ال00تي
تميز جذريا الماركسية و العلم البورجوازي ،وإنما وجهة النظر الكلية"(.)48-47-30
" -2الوجود االجتماعي" الذي يتحدث عنه ماركس كمحدد لل00وعي ال يمكن حص00ره في المي00دان
االقتص00ادي أو الم00ادي ب00المعنى الض00يق المت00داول ،فهو تعب00ير مع00ادل لنمط اإلنت00اج الس00ائد
كتمفصل بين مستويات اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة .فالعامل االقتص00ادي ال يع00ني
جملة أش00ياء مادي00ة ،بل له مض00مون و وظيفة نفس00ية اجتماعية ال يص00عب اس00تخراجها من
تعارف مختلفة كتعريف رأسمال نفسه أو العمل أو القيمة.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
-3االقتص00000اد بمعن00000اه الواسع يح00000دد أو يكيف مختلف عناصر البنية الفوقية ،أي أن العامل
االقتصادي ال يحدد أو يكيف هذه العناصر بطريقة مباشرة آلي00ة ،و إنما عن طريق وس00ائط (
،)médiationsفهو يس00ند لمس00توى معين دور الس00يطرة أو الت00أثير المباشر ،لكنه إس00ناد
يجعل منه هو الم00ؤثر في نهاية األم00ر .ففي نمط اإلنت00اج االقتص00ادي مثال تلعب اإليديولوجية
الدينية دورا أوليا ولكن االقتص00اد اإلقط00اعي هو ال00ذي أس00ند إليها ه00ذا ال00دور .و كما أش00ار
انجلز ،االقتصاد ال يخلق بنسبة أي شيء بطريقة مباشرة .
ثمة مستويات مختلفة داخل البنية الفوقية يتغير ترتيبها حسب الفترة التاريخية
لمجتمع ما ،أي حسب "المس00افات" ال00تي تصل كال منها بالبنية من جهة و ببقية المس00تويات من
جهة ثانية.
– 4فكرة العالقة ذات التأثير وحيد االتجاه بين البنيتين ليس هناك ما يدعمها ،و تأثير عناصر
الب0نى الفوقية في البنية االجتماعية االقتص0ادية قد تم اإللح0اح عليه عند م0اركس و انجلز ،وان
كان ذلك بشكل أقل تحليال ،كما أكدا على التفاعل المتبادل و كرفض لفكرة العامل "الوحيد" ال00تي
قد تس00تنتج من إب00راز العامل االقتص00ادي كعامل مس00يطر "في آخر التحلي00ل" ،و في ه00ذا االتج00اه
كتب انجلز إلى بل00وخ ع00ام 1890يق00ول ":العامل المح00دد في الت00اريخ حسب التص00ور الم00ادي
للتاريخ هو في نهاية األمر إنتاج و إعادة إنتاج الحي00اة الواقعي00ة ،لم نج00زم قط أنا وم00اركس أك00ثر
من هذا ،فإذا شوه أحدهم هذا الموقف معتبرا أن العامل االقتص00ادي هو العامل الوحيد فهو يجعل
منه جملة فارغة مج00ردة عابث00ة .الوضع االقتص00ادي هو القاع00دة ،ولكن مختلف عناصر البنية
الفوقية ( )..تفعل هي أيضا فعلها في مجرى الصراعات التاريخية ،وتح00دد ش00كله بطريقة ب00ارزو
مسيطرة في حاالت كثيرة" (.)518-33
و تأثير األشكال اإليديولوجية -كالقانون و السياسة و غيرها على القاعدة االقتصادية – تأثير
مفروغ من00ه ،على أن "اإليديولوجي00ة" 0كث00يرا ما ك00انت موضع االلتب00اس على أس00اس أنه00ا -رغم
تعدد تعاريفها عند ماركس في الواقع -تعتبر عموما مرادفا للوعي ال00وهمي أو الخ00اطئ ،وهو ما
أدى إلى عدم استنتاج عدم أهميتها عنده.
المكانة التي تحظى بها اإليديولوجية ال كتعبير مباشر عن البنية بل في عالقاتها الدياليكتيكية
بهذه البنية دعمتها دراسات ماركسية الحقة ،كما هو األمر بالنسبة لغرامشي.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
البنية الفوقية ،وهذا مرتبط باألهمية التي يوليها كغ00يره من الماركس00يين لل00وعي الطبقي و ل00دور
المثقفين و خاصة" المثقف الجماعي" (الحزب) في ذلك.
فإذا كانت ماركس يرى أن" األفكار تتحول إلى قوة مادية عندما تعتنقها الجماهير" ،وهذا
ما يؤكد في نفس اإلط00ار فك00رة ت00أثير الظ00واهر الف00وق بنيوية في البنية التحتي00ة .و ه00ذا ما ك00ان
واضحا في المجتمعات المتقدمة علميا و تكنولوجيا ،ف00العلوم ال00تي ك00انت معزولة إلى حد ما عن
ميدان اإلنتاج االقتصادي و االجتم00اعي أص00بحت الي00وم مع تطبيقاتها التكنولوجية ق00وة إنتاجية و
عامال مركزيا في تطوير قوى اإلنتاج.
الرجوع بسوسيولوجية الثقافة إلى المنطلق النظري عند ماركس و انجلز ال يعني أن هذين
المفكرين تركا منهجية تطبيقية لتحليل نص أدبي مثال أو ش00ريط س00ينمائي .ففي ما يخص األدب
والفن مثال ال نجد عن00دهما إال إش00ارات متفرقة ح00اول لوك00اتش إب00راز أهميته00ا( ،)36وهي أقل
تركيزا و تشخيصا.
و باختصار ،في ما يتعلق ب00الظواهر الثقافية هن00اك منطلق نظ00ري واضح أكد فيه م00اركس و
انجلز أن الظ000واهر اإليديولوجية المختلفة ال تفهم ب000ذاتها -رغم اس000تقالليتها النس000بية -و ال بما
يس00مى تط00ورا عاما للفكر البش00ري ،بل بما لها من تأص00يل غ00ير مباشر في األوض00اع المادية
للوجود االجتماعي.
البنية الفوقية تركيب معقد يميز فيه غرامشي بين مستويين أساسيين ،يطلق عليهما
اسمي"المجتمع المدني" و " المجتمع السياسي" ،حيث" يمكننا تعيين ط00ابقين اث00نين في الب00نى
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
الفوقي00ة .األول نس00ميه "ط00ابق" المجتمع الم00دني أي جملة المؤسس00ات ال00تي تس00مى ت00داوال
مؤسس00ات "خاص00ة" ،أما الث00اني ف"ط00ابق" المجتمع السياسي أو الوظيفة القيادية ال00تي تع00بر
عنها الدولة أو الحكومة" 0القانونية"(.)606-38
المجتمعان المدني و السياسي يرتبط أحدهما باآلخر ارتباطا عضويا ،و يتقاطع ميدانهما
بدرجة متفاوتة حسب األوض0اع التاريخي0ة .و ه0ذا الترابط ال يع0ني ض0رورة الت0وازي في مراحل
تطور المجتمعين .
فتحديد الكتلة التاريخية في المنظور الغرامشي يعتمد على دراسة الروابط الموجودة بين
ه000ذين القط000اعين و بين البنية االجتماعية االقتص000ادية ،ودراسة العوامل ال000تي تجعل من ه000ذه
الروابط روابط عض00وية تحقق وح00دة الكتلة التاريخي00ة .و ه00ذه الروابط العض00وية بين البني00تين
تتحقق عن طريق فئ000ة"المثقفين" ال000ذين تس000ند إليهم طبقة أساس000ية حاكمة أو ص000اعدة مهمة
صياغة اإليديولوجية و نشرها.
تساءل غرامشي":هل يشكل المثقفون طبقة اجتماعية مستقلة قائمة بذاتها ..أم أنّ لكل
طبقة اجتماعية فئة متخصصة من المثقفين؟" ،و أج0000000000000اب بما مف0000000000000اده أن المثقفين ال
يكون000ون"طبق000ة" 0في حد ذاتهم بل "فئ000ات" مرتبطة حسب درج000ات مختلفة بإح000دى الطبق000ات
األساسية.
يتحدث غرامشي عن نوعين من المثقفين " :المثقف العضوي" 0الذي يرتبط وجوده بتكون
طبقة متقدمة ،فهو بالتالي مثقف الكتلة التاريخية الجديدة" ،المثقف التقلي00دي" المرتبط بطبق00ات
زالت أو في طريقها إلى ال00زوال ،أي طبق00ات تنتمي إلى كتلة تاريخية س00ابقة .على أن الوظ00ائف
العضوية -التي تخضع للتراتب حسب أهميتها كما سبقت اإلشارة -تكامل في مس00تويات مختلف00ة،
فهي تش00مل الوظيفة االقتص00ادية (التق00نيون) ،وظيفة الهيمنة عن طريق العمل الثق00افي ،وظيفة
اإلك00راه ال00تي يمارس00ها المثقف00ون كعناصر في الدولة (الك00وادر اإلدارية و التقنية و السياس00ية و
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
ال بد من اإلشارة إلى أن ليس كل الطبقات االجتماعية تخلق مثقفين عض00ويين له00ا ،كما أن
خلق مثقفين عضويين ال يع0ني بالض0رورة أن كل الطبق0ات ت0تيح لهم نفس الوظ0ائف ،ف0إذا ك0انت
الطبقة السائدة هي التي تلحق بها أكبر عدد من هؤالء المثقفين و تسنِ ُد إليهم كل الوظ00ائف ال00تي
تحتاج إليها ،وإذا كانت البروليتاريا كطبقة أساس00ية يمكنها إنت00اج مثقفين عض00ويين في مس00توى
الهيمنة السياس00ية اإليديولوجي00ة ،ف00ان جم00اهير الفالحين حسب رأي غرامش00ي"رغم ممارس00تها
لوظيفة أساس00ية في مج00ال اإلنت00اج ال تولد مثقفين عض00ويين خاص00ين به00ا ،وال تس00توعب أية
شريحة من المثقفين التقليديين ،ورغم أن طبقات اجتماعية أخرى تستمد عددا كبيرا من مثقفيها
من جماهير الفالحين ،ورغم أن ج00زءا كب00يرا من المثقفين التقلي00ديين هم من أصل فالحي"(-38
.)59
" االستقاللية" التي ينسبها المثقفون إلى أنفسهم ، 0حسب غرامشي ،وهمية ،و تكشف
عنها الصراعات بين األطراف السياسية و الطبقات االجتماعية.
و يختلف وضع المثقفين العضويين حسب الحاالت ،فالبروليتاريا بحكم صعودها ال تخلق
مثقفين تقلي00ديين ،و مثقفو البورجوازية العض00ويين قد يتحول00ون إلى مثقفين تقلي00ديين في كتلة
تاريخية بروليتارية ،و مثقف الريف مثقف تقليدي أساس00ا ،وإذا ارتبط عض00ويا يك00ون ذلك بكب00ار
مالكي األراضي و ليس بالفالحين.
و ليست العالقة بين المثقفين و الطبقات االجتماعية عالقة آلية مباشرة ،فباالظافة إلى ما
سبق من أن كل الطبقات ال تنتج مثقفيها عض00ويين أو تقلي00ديين ،و إن المثقفين كفئة ال ك00أفراد "
يتكون00ون ببطء أك00ثر بكث00ير من أية فئة اجتماعية أخ00رى" ،و ليس ه00ذا وضع النمط الق00ديم من
المثقفين ال00ذين يتكون00ون في وسط فالحي فق00ط ،بل إن البروليتاريا ب00دورها ال تك00ون مثقفيها إال
بصورة تدريجية بطيئة .و طبيعة العالقة بين المثقفين و الطبقات االجتماعية معق00دة الن" عالقة
المثقفين بمجال اإلنتاج ليست مباشرة كما هو الحال بالنسبة للفئات االجتماعية األساسية"(-38
.)60و ارتباط المثقفين بطبقة اجتماعية معينة ال يتنافى مع نوع من االستقاللية النسبية لبعض
مظاهر اإلنتاج الفكري.
الفاعل الجماعي:
هذا المفهوم يتدخل كعنصر تحليل حالما يتم االنتقال من مرحلة التحليل الداخلي أو "الفهم"0
إلى مرحلة "التفس000ير" أي ربط معطي000ات البنية الداخلية للظ000واهر وظيفيا بس000ياقها الت000اريخي
االجتم00اعي .أن األح00داث ال تكتسب داللتها االجتماعية دون تحديد الفاعل و دوره فيه00ا .الس00ؤال
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
ه00و :لم00اذا يرتبط الخلق الثق00افي أوال بمجموعة اجتماعية معينة ع00وض ارتباطه ب00الفرد ال00ذي
أنتجه ؟
يجب رفع التباس مهم ،وهو أن التحليل السوسيولوجي ال ينفي وج0ود ظ0واهر فاعلها
ف00ردي كتلك ال00تي يقحمها فرويد في مي00دان الليب00دو أو الالش00عور و ال00تي هي موض00وع التحليل
النفس00ي ،كما ال ينفي ما قد يك00ون للمعطي00ات النفس00ية الفردية من ت00أثير على اإلنت00اج الفك00ري ،
وتضاف إليها معطيات فنية ( جمالية – أسلوبية )..مع00ترف إليها بخصوص00يتها ،وان ك00انت هي
األخرى تخضع للتفسير السوسيوتاريخي الممكن.
فالمعطيات الفردية ال تكفي وحدها لتفسير اإلنتاج الثقافي كنمط من التعبير و كظاهرة
تاريخية في الوقت نفسه ،بما يعني أن هن00اك تمي00يزا ض00روريا بين فاعل الس00لوك اللبيب00دينيالي و
فاعل العمل التاريخي.
العامل الجماعي قد يبلور رؤية فردية بل قد يدافع عن موقف فردي ،وبتعبير آخر قد تكون "
الفردانية " نتيجة لتصور جماعي يعبر عنه كاتب أو فنان .ليست الشخصانية أو الرومانس00ية أو
موقف الفن للفن أو الالانتماء أو الغربة .فبالمقارنة بين الفاعل الجم00اعي و الفاعل الف00ردي من
الناحية العملياتي00ة ،ف00ان ال00رأي الش00ائع ب00أن المعطي00ات الس00يكولوجية أيسر جمعا و تحليال من
المعطي00ات السوس00يولوجية ،يب00دو رأيا يحت00اج إلى دليل ،خاصة إذا تعلق األمر بك00اتب ال ص00لة
تربطنا به غير شهادته عن نفسه كتبها لغيره؟
الفاعل الجماعي ال يعني مجرد مجموعة من األفراد تواجدوا 0بطريقة ما ،انه يعني الطبق00ات
االجتماعية التي تكون البنية التحتية لرؤى العالم .
اإلجابة عن هذا السؤال يتمثل في توضيح نقط أساسية بالرجوع إلى ميدان الفن
بمعناه الموسع:
-1الترابط ع00ام بين أنم00اط التعب00ير الف00ني ذات األهمي00ة(نم00اذج ،رؤى للع00الم )..و المراحل
األساسية.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
-2وجود استقاللية نسبية كنتيجة لتدخل الوسائط من جهة و لخصوصية البنية و القوانين
الداخلية للفن من جهة ثانية.
-3ما يض00من لبعض أنم00اط الفن نوعا من االس00تمرارية بعد ص00ياغتها ،ولكنها اس00تمرارية
غ000ير مس000تقلة عن الت000اريخ (رغم ص000يرورتها البنيوية الداخلي000ة) باعتب000ار الوظ000ائف
اإليديولوجية التي تسند إليها في كل لحظة تاريخية محددة.
للفن تاريخ باعتبار حدوده الزمنية ،وإذا كان مفهوم "جوهر" الفن قد يوهم بتجاوز ه00ذه
الح00دود ،فللفن بداية تاريخية ارتبطت بحاجة اإلنس00ان إليه كنمط من التعب00ير .أما مفه00وم"الجم00ال"0،
وبالت00الي عملية التمي00يز بين ما هو جم00الي و ما ليس جمالي00ا ،فال شك أنه ظهر في مرحلة مت00أخرة
نس000بيا من ت000اريخ البش000رية ،ومع000نى ه000ذا أنه تم االنتق000ال من " الالفن " أو الالجمي000ل" الى الفن
أو(الجميل) ،وقد يكون االنتقال من الفني إلى الالف00ني ،أي الحكم على نمط ف00ني أنه لم يعد فنيا و إلى
خلق أنماط أخرى من الفن(كالفن السابع مثال.).
تاريخية الفن تقوم على عالقة تناسب عام بين تطور أنماط التعبير الفني و المراحل التاريخية
األساسية للمجتمعات المنتجة له0ذه األنم0اط .ولقد بينت العديد من الدراس0ات أن بداية الفن نفس0ها لم
تكن عمال مجانيا ،بل كان الفن تعبيرا عن صلة اإلنس00ان ب00القوى الطبيعية و عن ص00لته بالجماعة و
الواقع .و أهم ما يمكن التأكيد عليه هو أن الفن في حد ذاته عمل ك00ان يم00ارس أساسا كمرافق للعمل
و دافع إليه و مس00اعد على تحمل أبع00اده .و ه00ذا ما يفسر في الحقيقة 0ظه00ور اإليق00اع الموس00يقي أو
الش00عري أو ظه00ور المحاك00اة كمص00در للتناسق في العمل الجم00اعي .و يعت00بر ارتب00اط فن البالغة في
الغرب بالمطالبة بملكية األرض ،وقبل أن تصبح البالغة "تقنية محظوظة تسمح للطبقات المس00يطرة
بأن تتأكد من امتالكها للكالم" كما يرى لوران بارت ،فإنها كانت ضرورية إلقناع في المحاماة بملكية
األرض.
ارتباط التعبير الفني بأنماط اإلنتاج لم يعد يحتاج إلى أدلة ،إلى حد التدليل على أن نمطا فنيا معينا
لم يكن بإمكانه موض00وعيا الظه00ور قبل أن يظهر نمط معين من اإلنت00اج .و أنه يض00محل أو يتط00ور
بنيويا و وظيفيا بظهور نمط آخر من اإلنتاج .
انه لمن المؤكد سوس00يولوجيا أن يح00دد الب00احث حسب كل حالة تاريخية مختلف أنم00اط اإلنت00اج
المتواجدة و تراتبها (تحديد النمط المس00يطر( و ش00كل التركيبة ال00تي تربط بينهما ،كما يح00دد م00وازاة
لذلك مختلف مستويات البنى الفوقية و تراتبها ) إذ يسيطر في كل تركيبة فوقية بنيوية مستوى معينا
كال00دين أو السياسة ) ثم اعتم00ادا على خصوص00ية اللحظة التاريخية المعني00ة ،وبالت00الي تحديد وظيفة
اإلنتاج الثقافي الذي يدرسه فيها.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
العالقة الديالكتيكية غير المباشرة بين البنية التحتية و البنى الفوقية ،وانع00دام 0التس00اير بين
تطورهما ،حيث ظ0اهرة االس0تقاللية النس0بية لقطاع0ات الب0نى الفوقية ،وه0ذه نس0بية تختلف درجتها
حسب وضع كل قطاع في كل لحظة تاريخية .
أهم ظاهرة تستدعي الشرح والتوضيح هي ظاهرة "استمرارية" الفن ،حيث يمكن التساؤل،
حول ما إذا كان الفن قد ارتبط تاريخيا بمجال اإلنتاج ،ولم ينفصل عن مص00الح الطبق00ات ،فكيف أمكن
له االستمرار عبر العصور و األنظمة االجتماعي00ة .و ه00ذا ما أش00ار إليه ك00ارل م00اركس في حديثه حو
المالحم ،حيث قال ":ليس هناك صعوبة في ادراك أن الفن اإلغريقي و المالحم ترتبط بأشكال مح0ددة
من أش00كال التط00ور االجتم00اعي ،و لكن الص00عب حقا هو تحديد الس00بب ال00ذي يجعل من ذلك مص00درا
للمتعة الجمالية حتى اليوم ،بل و يجعله من بعض الوجوه معيارا و نموذجا يص00عب الوص0ول إلي00ه".
( .)19-46إذن فارتباط الفن بأوضاع تاريخية معينة ال يتع00ارض مع اس00تمراريته .و الربط بين الفن
والمراحل التاريخية ال يقترن بالتقييم التطوري ،حيث ال يكون الفن بالضرورة "منحطا" ألن عص00ره
عصر "انحطاط" ،بل قد يكون ذلك الفن عظيما في تعبيره بشكل كبير عن العالقات السائدة في عصر
من العص00ور و لو أننا نعتبرها " منحط00ة" .فتاريخية الفن ال تتع00ارض مع اس00تمراريته أو تحديثه
وظيفيا في ظروف مغايرة لظروفه األولية رغم بعده الممكن زمنيا عن بنية المجتمع التي أنتجت00ه .و
الفن يس00تمر بق00در ما يع00بر تعب00يرا نموذجيا عن الوضع ال00ذي أنتج ،و ليس كما يق00ال ألنه س00ما ف00وق
وضعه الخاص.
خاتمة :
المس00اهمة السوس00يولوجية في المي00دان الثق00افي تتمثل في تفس00ير الظ00واهر الثقافية أو
اإليديولوجية بصفة عامة ،في إطار عالقاتها بالمعطيات الموضوعية لصيرورة المجتمعات.
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
الفهرس
خاتمة18........................................................................................ -
المراجع20..................................................................................... -
2
قراءة في كتاب سوسيولوجية الثقافة د .الطاهر لبيب
2