Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 23

‫قراءة في‬

‫كتاب‬

‫سوسيولوجيا الثقافة‬
‫المساهمة السوسيولوجية في الميدان الثقافي تتمثل في تفسير الظواهر الثقافية أو اإليديولوجية‬
‫‪.‬بصفة عامة‪ ،‬في إطار عالقاتها بالمعطيات الموضوعية لصيرورة المجتمعات‬

‫قراءة من انجاز ‪ :‬محمد أقديم‬


‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫الكتاب يتناول سوسيولوجية الثقافة‪ ،‬مساهمة متطورة في نظرية البنى الفوقية ‪ ،‬فاتساع‬
‫المج‪00‬ال السوس‪00‬يوثقافي مفهوميا ومنهجيا و تطبيقيا كما هو مع‪00‬روف الي‪00‬وم يف‪00‬رض تحديد اإلط‪00‬ار‬
‫النظري العام الذي تندرج فيه الظواهر الثقافية في عالقتها بالمعطيات االجتماعية‪.‬‬

‫و اقتراح بعض العناصر لتعريف سوسيولوجية الثقافة ‪ ،‬يدفع الى تناول العالقة بين البنية‬
‫التحتية و البنى الفوقية ‪ ،‬وإفراد مكانة خاصة للدور الذي تقوم به الفئ‪0‬ات المثقفة راجع الى ما تق‪00‬وم‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫به هذه الفئات من ربط عضوي بين البنيتين في فترات تاريخية معينة‪ .‬و االهتمام بالثقافة "المثقفة"‪0‬‬
‫ال يع‪00‬ني إهم‪00‬ال الثقافة الجماهيرية ال‪00‬تي طورتها وس‪00‬ائل االتص‪00‬ال الى حد أص‪00‬بحت من المعت‪00‬اد معه‬
‫اعتبارها موضوع اختصاص متميز لكن التميز ال يعني االنفصال‪.‬‬

‫متاهات كلمة‪:‬‬
‫مفهوم‪ 0‬الثقافة من أكثر المفاهيم تداوال و لكنه أكثر من أكثرها غموضا و تلونا‪ .‬فتعارفها في‬
‫المائة س‪00‬نة األخ‪0‬يرة وصل ح‪00‬دا يصب معه االتف‪00‬اق على تعريف واحد ‪ .‬يعت‪00‬بر كروب‪00‬ير و كلوكه‪0‬ون ‪،‬‬
‫وهما عالمان أنتروبولوجين أمريكيان ‪ ،‬قد صنفا قبل ربع ق‪00‬رن ما ال يق ‪0‬ل عن ‪ 160‬تعريف للثقافة ‪.‬‬
‫و لذلك من بين األعمال األكاديمية بحوثا مختصة في تتبع المسار الت‪00‬اريخي لكلمة "ثقافة "‪ .‬و ل‪00‬ذلك‬
‫كتب ادك‪00‬ار م‪00‬وران‪ ،‬معرفا الثقافة ‪ ،‬بعد ق‪00‬رن على أول تعريف ان‪00‬تروبولوجي مع‪00‬روف للثقاف‪00‬ة‪":‬‬
‫الثقافة بداهة خاطئة ‪ ،‬كلمة تب‪0000‬دو و كأنها ثابتة ‪،‬حازمة ‪ ،‬والح‪0000‬ال أنها كلمة فخ ‪ ،‬خاوية ‪ ،‬منومة ‪،‬‬
‫ملغمة ‪ ،‬خائنة ‪ ...‬الواقع أن مفهوم الثقافة ليس أقل غموضا و تشككا و تعددا في عل‪00‬وم اإلنس‪00‬ان منه‬
‫في التعبير اليومي"‪.‬‬

‫اكتسبت كلمة ثقافة مدلولها الفكري في أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ‪.‬‬
‫فالكلمة الفرنسية كانت تعني في القرون الوس‪00‬طى الطق‪00‬وس الدينية ‪ ،‬ولم تع‪00‬بر عن فالحة األرض اال‬
‫في القرن السابع عشر ‪ ،‬لتعبر عن التكوين الفكري و عن التقدم الفكري للشخص خالل القرن الثامن‬
‫عشر ‪ .‬و بعد انتقال الكلمة إلى اللغة األلمانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر اكتسبت ألول‬
‫م‪00‬رة ‪ ،‬وقبل رجوعها إلى فرنسا ‪ ،‬مض‪00‬مونا جماعيا ‪ ،‬حيث أص‪00‬بحت ت‪00‬دل على التق‪00‬دم الفك‪00‬ري ال‪00‬ذي‬
‫يتحصل عليه الش‪00‬خص أو المجموع‪00‬ات أو اإلنس‪00‬انية بص‪00‬فة عام‪00‬ة‪ .‬أما الج‪00‬انب الم‪00‬ادي في حي‪00‬اة‬
‫األشخاص و المجتمعات فقد أفردت له األلمانية كلمة "حضارة" ‪.‬‬

‫الثقافة و الحضارة‪:‬‬
‫إذا كانت كلمة حضارة الفرنسية ( ‪ ،)10‬قد ظهرت فيها كلمة ثقافة بمعناها الفكري ‪ ،‬إذ‬
‫استعملت ألول مرة في كتاب ص‪0‬در س‪0‬نة ‪ ،1766‬و إذا ك‪0‬ان ه‪0‬ذا االش‪0‬تقاق الفرنسي لكلمة حض‪0‬ارة‬
‫يشمل مختلف أبعاد التقدم الفكري والمادي ‪ ،‬فان التصور األلماني تطغى عليه إجم‪00‬اال نزعة واض‪00‬حة‬
‫إلى لتمييز بين الثقافة بمعناه ال‪0‬روحي و الفك‪0‬ري و العلمي ‪ ،‬وبين الحض‪0‬ارة بمعن‪0‬اه الم‪0‬ادي ‪ .‬فأفريد‬
‫فيبر ‪،‬باعتباره مبدع صيغة "سوسيولوجية‪ 0‬الثقافة " يفرق بين الحضارة على أنها " جملة الع‪00‬ارف‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫النظرية و التطبيقية غير الشخصية وبالتالي تلك التي يعترف إنسانيا بص‪00‬الحيتها و يمكن تناقله‪00‬ا" ‪،‬‬
‫وبين الثقافة على أنها "جملة من العناصر الروحية و المش‪000‬اعر و المثل المش‪000‬تركة ال‪000‬تي ترتبط في‬
‫خصوصيتها بمجموعة و زمن معينين "‪.‬‬

‫و هناك مقابالت أخرى بين الثقافة والحضارة ‪:‬‬

‫الثقافة جمله الوسائل التي يستعملها اإلنسان ليرفه على ذاته‪ ،‬ولتطوير نفسه روحيا و فكريا‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫والحضارة‪ /‬جملة الوسائل المستعملة في التغلب على الوسط الطبيعي ( العمران – التكنولوجيا‬
‫ة تطبيقاتها)‬

‫الثقافة ج‪00‬زء من الحض‪00‬ارة ‪ ،‬والحض‪00‬ارة أعم جغرافيا ‪ ،‬والثقافة محلية ‪ ،‬و بالت‪00‬الي فالحض‪00‬ارة‬ ‫‪-‬‬
‫جملة الثقافات التي توجد بينها روابط معين‪00‬ة‪ :‬مثال ثقافة تونس‪00‬ية و ثقافة س‪00‬ورية ‪ ،‬وحض‪00‬ارة‬
‫عربية‪.‬‬

‫وهذا التقابل بين عالم المعرفة بمعناه الفكري والروحي ‪ ،‬وعالم الواقع بمعناه المادي و‬
‫االجتماعي راجع إلى اختالف التفس‪00‬يرات حسب الرؤية و المنهجي‪00‬ات ‪ ،‬وحسب الح‪00‬االت المدروسة ‪،‬‬
‫والقاسم المش‪00‬ترك بينهما هو النزعة التاريخية إلى ج‪00‬انب ع‪00‬زل المعرفة عن الواقع ع‪00‬زال يجعل منها‬
‫عالما "أرقى" تستقل به ‪ ،‬وفيه نخبة لها قيم و تصورات "عليا" توهم باحتياج اإلنس‪00‬ان واإلنس‪00‬انية‬
‫إليها ‪ ،‬ومدافعة فبنفس الوقت عن طبيعتها المتميزة التي ال يمكن التمكن منها إال بجهد فك‪0‬ري خ‪0‬اص‬
‫يتضمن تهميشا بل عداء لمعطيات الواقع المادي ‪.‬‬

‫لقد حلل ماركوز ( ‪ )Marcuse‬ما سماه "الطابع االثباتي للثقافة"‪ ،‬مبينا كيف أن الفصل‬
‫بين الثقافة والحضارة في المرحلة البورجوازية لم يكن مجرد ترجمة للعالقة القديمة بين المج‪00‬اني و‬
‫النافع ‪ ،‬أو بين الجميل و الضروري ‪ ،‬وإنما كان يرمي إلى إثب‪00‬ات وج‪00‬ود ع‪00‬الم إل‪00‬زامي في المس‪00‬توى‬
‫اإلنساني يطالب اإلنسان باالنتماء إليه‪.‬‬

‫فهذه الثقافة التي تناصر العالم الروحي ضد العالم المادي هي أوال إثبات للدور القيادي الذي‬
‫ينده أصحابها إلي أنفسهم كموجهين للواقع ‪ .‬و دفاعا عن ه‪00‬ذا ال‪00‬دور فقد اعت‪00‬برت كل محاولة إلزالة‬
‫الطابع االثباتي للثقافة إزالة للثقافة ذاتها و سقوطا في الالثقافة‪.‬‬

‫المنعطف االنثروبولوجي‪:‬‬
‫عرفت بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر انتقال لفظتي الثقافة والحضارة من المفرد‬
‫إلى ص‪000‬يغة الجمع ‪ ،‬وه‪000‬ذا االنتق‪000‬ال ك‪000‬ان موازيا للتوسع االس‪000‬تعماري "المتع‪000‬رف" على ش‪000‬عوب‬
‫"مجهول‪00‬ة"‪، 0‬كما أن‪00‬ه" انتص‪00‬ار للخ‪00‬اص على الع‪00‬ام " إذ فيه تج‪00‬اوز للمفه‪00‬وم‪ 0‬المث‪00‬الي للثقافة نحو‬
‫االعتراف بتواجد ثقافات تختلف من مجتمع آلخر و في المجتمع الواحد أيضا‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫و في منتصف القرن التاسع عشر وصل المفهوم إلى نسبية خ ّففت من حدة التميزات السابقة ‪.‬‬
‫فمع انتق‪00‬ال كلمة ثقافة الى انجل‪00‬ترا وج‪00‬دت نفس‪00‬ها مرادفة عموما لكلمة حض‪00‬ارة‪ ،‬كما ظهر ذلك عند‬
‫تايلور ‪ ،‬وصادف هذا الترادف ميالد المفهوم االنتروبولوجي للثقافة ‪.‬‬

‫و أول تعريف أنتروبولوجي للثقافة هو الذي وضعه االنجل‪0‬يزي ت‪00‬ايلور ‪Taylor(1832 -‬‬
‫)‪ 1917‬في كتابه "الثقافة البدائي‪00‬ة" الص‪00‬ادر س‪00‬نة ‪ ،1871‬وه‪00‬و‪" :‬الثقافة أو الحض‪00‬ارة ب‪00‬المعنى‬
‫االثن‪00‬وغرافي الواسع ‪ :‬هي "ه‪00‬ذه المجموعة المعق‪00‬دة ال‪00‬تي تش‪00‬مل المع‪00‬ارف و المعتق‪00‬دات و الفن و‬
‫القانون و األخالق و التقاليد و كل القابلي‪0‬ات و التطبيق‪0‬ات األخ‪0‬رى ال‪0‬تي يكتس‪0‬بها اإلنس‪0‬ان كعضو في‬
‫مجتمع ما"‪ .‬و هذا التعريف هو الذي وجه فيما بعد أعماال كثيرة‪ ،‬كما أوحى بتعريفات أخ‪0‬رى الحق‪0‬ة‪،‬‬
‫حافظت كلها على ما جاء فيه من توس‪0‬يع للحقل الثق‪0‬افي‪ ،‬وهنا يمكن اإلدالء بتعريف لغي روش‪0‬اري (‬
‫‪ ) Guy Rocher‬استوحاه من تعريف تايلور ‪ ،‬حيث اعتبر الثقافة " مجموعة مترابطة من أساليب‬
‫التفك‪00‬ير و اإلحس‪00‬اس و العمل المتش‪00‬كلة إلى حد م‪00‬ا‪ ،‬تتعلمها و تش‪00‬ترك فيها جماعة من األش‪00‬خاص‬
‫يكونون مجموعة خاصة متميزة ‪".‬‬

‫هذا التعريف يشمل أهم خصائص الظاهرة الثقافية من وجهة انثروبولوجية ‪ ،‬وهي أربعة في‬
‫حدها األدنى‪:‬‬

‫أ – الثقافة ‪ :‬مجموعة من المعطي‪00‬ات الفكرية والعاطفية و المادية ال‪00‬تي يختلف الب‪00‬احثون في‬
‫طريقة تحديدها و تحليلها حسب المناهج ‪ ،‬ولكنها تحافظ على كلية تترابط فيها هذه المعطيات ترابطا‬
‫يكسبها داللتها و ال تفسر خارجها‪.‬‬

‫ب – التش‪0‬كل ‪ :‬يختلف ق‪0‬وة ومرونة حسب الح‪00‬االت فالق‪00‬انون مثال يأخذ ش‪00‬كال أك‪0‬ثر ص‪00‬البة من‬
‫أساليب المعامالت اليومية بين األشخاص ‪ ،‬وبدون حد أدنى من التشكل يكون من العسير التمكن من‬
‫الظاهرة الثقافية‪.‬‬

‫ج – التعلم ‪ :‬فكل كل ما هو ثقافي ال يورث بيولوجيا‪ ،‬وإنما عن طريق التعلم و األخذ واالستيعاب‬
‫االجتم‪000‬اعي ‪ ،‬و عليه يق‪000‬ال أن الثقافة "ارث اجتم‪000‬اعي" أو أنها ما يتعلمه الف‪000‬رد للعيش في مجتمع‬
‫خاص" ‪ ،‬وبذلك تدخل الثقافة في سيرورة تنشئة اجتماعية‪.‬‬

‫د – المشاركة ‪ :‬و هي المعيار األساسي للظواهر الثقافية باعتبارها اشتراك مجموعة من الن‪0‬اس‬
‫في الموقف منها‪ ،‬وليست العبرة هنا بالعدد ‪ ،‬فقد تشمل المجموعة فئة محدودة أو صنفا اجتماعيا أو‬
‫طبقة اجتماعية أو أوسع من ذلك ‪ .‬و به‪00‬ذه الخاص‪00‬ية ن‪00‬زعت االنتروبولوجيا عن الثقافة االعتب‪00‬ارات‬
‫الفردية ‪.‬‬

‫هذا الحد األدنى من االتفاق لم يكن مانعا دون ورود تعاريف كثيرة تم تصنيفها تصنيفات‬
‫مختلفة حسب المنهجي‪00‬ات و االهتمام‪00‬ات كتص‪00‬نيف كروب ‪00‬ير و كلوك‪00‬وهن و تص‪00‬نيف باالن‪00‬دياي (‬
‫‪ )Balandier‬و هرسكوفيتش (‪ ) Herskovits‬و سابير ( ‪ ، ) Sapir‬إلى جانب من يعمل على‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫النظر إلى الثقافة ب‪00‬الرجوع الى نظري‪00‬ات االتص‪00‬ال الحديثة منطلقا من النم‪00‬وذج اللس‪00‬اني ‪ ،‬وتعت‪00‬بر‬
‫أعمال ليفي شتراوس ( ‪ )Lévi- Strauss‬خير مثال على ذلك ‪.‬‬

‫فاالهتمام بالبنية (‪ ) structure‬كترابط منظم وخفي للعناصر الثقافية يساعد النموذج (‬


‫‪ ) modèle‬على تفس‪00‬يره وراء العالق‪00‬ات االجتماعي‪00‬ة‪ .‬ه‪00‬ذا يوازيه اتج‪00‬اه آخر له اهتم‪00‬ام وظيفي (‬
‫‪ ، 0) fonctionnaliste‬يح‪00‬دد رائ‪00‬ده مالينوفس‪00‬كي ( ‪ )Malinowski‬الوظيفة بتلبية حاجة من‬
‫الحاجيات‪ .‬هذا التحليل ال‪00‬وظيفي " يس‪00‬مح بتحديد العالقة بين العمل الثق‪00‬افي و الحاجة عند اإلنس‪00‬ان‬
‫سواء كانت هذه الحاجة أولية أو فرعية ( ‪.)38 -10‬‬

‫الطبيعة و الثقافة ‪:‬‬


‫التعاريف االنتروبولوجية للثقافة تحافظ عموما على المقابلة بين الطبيعي و الثقافي ‪،‬‬
‫وتد ّعمها بالمقارنات بين الحيواني و اإلنساني ‪ ،‬وبين ما هو بيولوجي وما هو فطري‪ ،‬حيث اإلنس‪00‬ان‬
‫هو الك‪00‬ائن الوحيد ال‪00‬ذي ينشئ الثقاف‪00‬ة‪ ،‬وه‪00‬ذا ما ع ّبر عنه هرس‪00‬كوفيتش ب" الثقافة هي ما يص‪00‬نعه‬
‫اإلنسان في البيئة" ( ‪ )6- 13‬بذلك تم االتفاق إجماال على أن الثقافة مخالفة للغرائز ‪ ،‬وليست سوى‬
‫نتيجة اكتساب في الوسط الطبيعي و الجتماعي‪.‬‬

‫يعرفها التحليل‬‫هناك دائما محاوالت الربط بين الثقافة و "الطبيعة البش‪0‬رية"‪ ،‬حيث ّ‬
‫الوظيفي الطبيعة البشرية بأنها " األسس البيولوجية للثقاف‪00‬ة" ول‪00‬ذلك " يجب على نظرية الثقافة أن‬
‫تك‪00‬ون الحد‬
‫تعتمد على البيولوجيا ‪ ..‬إلن إش‪00‬باع الحاجي‪00‬ات األولية أو العض‪00‬وية لإلنس‪00‬ان و للجنس ّ‬
‫األدنى للشروط ال‪0‬تي تخضع لها كل ثقاف‪0‬ة‪ .)36 0-10( ".‬و الحظ مالينوفس‪0‬كي أن ربط الثقافة به‪0‬ذه‬
‫الحاجي‪00‬ات األولية ليس جدي‪00‬دا‪ ،‬إذ تعت‪00‬بر النظرية الماركس‪00‬ية أن " التت‪00‬ابع ج‪00‬وع‪ -‬غ‪00‬داء – ش‪00‬بع هو‬
‫أس‪000‬اس الح‪000‬وافز البش‪000‬رية "‪ .‬و بقيت االنثروبولوجيا عند ليفي س‪000‬تراوس ‪ ،‬موس‪000‬ومة بالمقابلة‬
‫الواض‪000‬حة بين الطبيعة و الثقافة ‪ ،‬فبالنس‪000‬بة إليه ال يوجد إنس‪000‬ان ط‪000‬بيعي‪ ،.‬حيث الطبيعة معطى من‬
‫المعطيات اإلنسانية العامة‪ ،‬والثقافات هي التي تتحمل مسؤولية استيعابها و تحويلها تح‪00‬ويال معين‪00‬ا‪.‬‬
‫وليس هن‪00‬اك ثقافة إال بعد تج‪00‬اوز الطبيع‪00‬ة‪ .‬ف‪00‬المهم هو الم‪00‬رور من الطبيعة إلى الثقافة ‪ ،‬و وس‪00‬ائل‬
‫المرور كثيرة و متنوعة أهمها اللغة كوسيلة اتصال ‪ ،‬و أبرزها كمبادرة إنس‪00‬انية قديمة اعتن‪00‬اق مب‪00‬دأ‬
‫تحريم الزواج بذات الق‪00‬ربى(‪ ، 0) inceste‬و هو المب‪00‬دأ ال‪00‬ذي لم يعد معه بإمك‪00‬ان الرجل أن يتحصل‬
‫على الم‪0000‬رأة إال من رجل آخر يتن‪0000‬ازل له عنها في ش‪0000‬كل بنت أو أخت ‪ .‬و من أهم األمثلة البنيوية‬
‫للم‪000‬رور من الطبيعة إلى الثقافة هو المثلث الطبخي (‪ ) triangle culinaire‬ال‪000‬ذي يقترحه ليفي‬
‫شتراوس ‪ ،‬حيث ينتقل فيه النيئ (‪ ) le cru‬إما "ثقافيا" إلى مطب‪00‬وخ (‪ )cuit‬و إما "طبيعي‪00‬ا"‪ 0‬إلى‬
‫متعفن (‪ ، )pourri‬والذي تمثل فيه عملية الطبخ نشاطا وسيطا بين الطبيعي و الثقافي‪.‬‬

‫محاوالت التجاوز ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫خالل العشرين سنة الماضية ظهرت بعض محاوالت لتجاوز القطيعة‪ 0‬الكالسيكية بين اإلنسان‬
‫و الطبيعة مغتنمة فكرة تكامل االختصاصات‪ ،‬و في ه‪00‬ذا اإلط‪00‬ار تح‪00‬دث ادك‪00‬ار م‪00‬وران عن ‪ ":‬ش‪00‬رائح‬
‫ثالث‪ ،‬الواحدة فوق األخرى و ال تب‪00‬ادل بينهم " ( الفيزي‪00‬اء و الكيمي‪00‬اء‪/‬الحي‪00‬اة و الطبيعة ‪/‬اإلنس‪00‬ان و‬
‫الثقافة ) في كتاب "بيان" حيث يدعو إلى الربط المفهومي و المنهجي بين هذه الثنائية التض‪00‬ادية ‪:‬‬
‫إنسان‪/‬حيوان ‪ ،‬ثقافة ‪/‬طبيعة‪ " :‬فمن المفروغ منه أن اإلنسان ليس مكونا من شقين متراكبين‬

‫احدهما بيو‪-‬طبيعي و اآلخر بسيكو‪-‬اجتم‪00‬اعي ‪ .‬من المف‪00‬روغ منه أن كل إنس‪00‬ان هو كلية‬


‫بيولوجية بسيكولوجية سوسيولوجية"‪ .)22 0-15( 0‬و إذا كان ادكار موران ي‪0‬دعو إلى "علم جدي‪00‬د"‬
‫يسميه أحيانا "أنثروبولوجيا أساسية من واجبها رفض كل تعريف يجعل من اإلنس‪00‬ان كيانا إما ف‪00‬وق‬
‫حيواني و إما حيوانيا بالمعنى المحدود" (‪.)213- 15‬‬

‫بين سوسيولوجيا الثقافة و األنثروبولوجيا‬

‫و يبقى التمايز موجودا بين االنثروبولوجيا و سوسيولوجية الثقافة ‪ ،‬و أول معايير هذا‬
‫التمايز هو طبيعة المجتمعات التي اهتمت بها كل منهما‪ .‬فإذا اهتمت ه‪00‬ذه األخ‪00‬يرة ب‪00‬الظواهر الثقافية‬
‫في المجتمع‪000‬ات ذات ال‪000‬تركيب الطبقي‪ ،‬فمي‪000‬دان األولى لم يكن عمليا غ‪000‬ير المجتمع‪000‬ات الموص‪000‬وفة‬
‫بالبدائي‪000‬ة‪ ،‬رغم المش‪000‬اريع النظرية و بعض المح‪000‬اوالت الفرعية المتعلقة بالمجتمع‪000‬ات الحديث‪000‬ة‪ .‬و‬
‫طبيعي أن ينتج عن هذا التمايز مشكلة التحويل المفهومي و المنهجي من حقل آلخر‪ .‬وه‪00‬ذا التم‪00‬ايز‬
‫يجعل من مفهوم الثقافة نفسه نقطة اختالف بين االختصاصيين‪ .‬فالثقافة ال تص‪00‬بح مفهوما عمليا في‬
‫السوس‪00‬يولوجيا إال بعد تجري‪00‬دها من االنس‪00‬جامية ال‪00‬تي أض‪00‬فاها عليها االس‪00‬تعمال االن‪00‬تروبولوجي ‪.‬‬
‫فهن‪000‬اك انتق‪000‬ال من مفه‪000‬وم‪ 0‬موسع ش‪000‬امل للثقافة (ل‪000‬واله لم تظهر نظري‪000‬ات بأكملها كالتطورية و‬
‫االنتشارية) إلى مفهوم تصنيفي حسب معطيات التركيب االجتماعي الموجود‪ .‬التمايز الثالث مصدره‬
‫التب‪00‬اين المنهجي ‪ ،‬فالج‪00‬دير بال‪00‬ذكر أن أهم األعم‪00‬ال المعروفة في سوس‪00‬يولوجيا الثقافة هي أعم‪00‬ال‬
‫تنتمي إلى الفكر الماركسي‪ ،‬فاعتماد المنهجية الماركس‪00‬ية م ّكن من تحقيق مش‪00‬روع الربط بين أنم‪00‬اط‬
‫اإلنتاج الفكري و معطيات الواقع االجتماعي االقتصادي‪ ،‬بطريقة فريدة و عميقة في نفس الوقت‪.‬‬

‫حدود مساهمة سوسيولوجية المعرفة‪:‬‬


‫المهتمون بسوسيولوجية الثقافة تنبهوا بموجد عالقة بين المعرفة واألطر االجتماعية‪ ،‬لكن‬
‫طبيعة ه‪00‬ذه العالقة و تحليلها بقي س‪00‬طحية‪ ،‬حيث الزال غامض‪00‬ا‪ ،‬وذلك العتب‪00‬ارات فلس‪00‬فية تقييمية‬
‫مرتبط في نهاية المطاف بالموقف الدفاعي ن الحضارة الغربية و عن النظام الرأسمالي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫فإذا كانت بعض دراسات ماكس فيبر(‪ )1920-1864‬التاريخية لم تخل من الحديث عن‬
‫العالقة بين تط‪00‬ور ال‪00‬ديانات و عض المعطي‪00‬ات االقتص‪00‬ادية االجتماعية ‪ ،‬فإنها تبقي مص‪00‬در األخالقية‬
‫الدينية مص ‪00‬درا روحانيا بالدرجة األولى‪ .‬في‪000‬بر في دراس‪000‬اته ح ‪00‬ول " الخلقية البروتس ‪00‬تانية والفكر‬
‫الرأسمالي" يتجه إلى تفسير النظام االقتصادي بعوامل روحانية أساسيا ‪ ،‬و رغم دفاع ريم‪00‬ون آرون‬
‫عن فيبر و اعتباره أنه "ليس أكثر خطأ من افتراض أن ماكس فيبر دافع عن نظرية هي تماما نقيض‬
‫نظرية م‪00‬اركس ‪ .‬ورغم إش‪00‬ارة في‪00‬بر إلى وج‪00‬ود عومل أخ‪00‬رى ممكنة ‪ ،‬ف‪00‬ان تفس‪00‬ير ن‪00‬وء النظ‪00‬ام‬
‫الرأسمالي و التصور الفكري المدافع عنه بقي تفس‪00‬يرا أق‪00‬رب إلى المثالي‪00‬ة‪ ،‬و أفضى عمليا إلى أولية‬
‫الفكر بالنس‪00‬بة للم‪00‬ادة ‪ .‬ف‪00‬الجمع بين م‪00‬وقفين أولهما يقتضي تك‪00‬ديس األم‪00‬وال و الث‪00‬اني يقتضي ع‪00‬دم‬
‫استهالكها ليس‪ ،‬في نظر فيبر ‪ ،‬مبدأ يفرضه تطوير الرأس مال نفسه بقدر ما هو موقف ديني س‪00‬اعد‬
‫تطوير رأس المال‪ .‬فالزهد الكالفيني أو "الزهد في الع‪00‬الم" محاولة للبحث عن الخالص‪ .‬اإلنس‪0‬ان ال‬
‫يعرف ما إذا كان اإلله راضيا أو غير راض عنه‪ ،‬لكن النج‪00‬اح في الحي‪00‬اة بما فيه النج‪00‬اح االقتص‪00‬ادي‬
‫يدل على اختيار اإلله و رضاه‪ .‬ومن هنا جاءت أهمية العمل و البحث عن الفائ‪00‬دة ال كمحاولة لتج‪00‬اوز‬
‫الحيرة أمام خبايا القدر فحس‪00‬ب‪ ،‬بل كطريق للخالص و بالت‪00‬الي كتعب‪00‬ير عن طاعة اإلل‪00‬ه‪ .‬ه‪00‬ذا "الزهد‬
‫في العالم" يناسب إذا المنطق الرأسمالي‪ :‬فهو يدعو إلى العمل من أجل الفائدة و في نفس الوقت إلى‬
‫عدم استهالك هذه الفائدة‪ ،‬وهو ما يعني استثمارها من جديد‪.‬‬

‫هذا التغيير مرتبط عند فيبر بالبحث عن خصوصية العالم الغربي الذي ظهرت في الرأسمالية‪،‬‬
‫وهو بحث تتخلله اعتبارات غير ثابتة علميا‪ ،‬فخصوصية العالم الغربي تتمثل عند فيبر في " عقلنة"‬
‫يتم‪00‬يز بها عن الع‪00‬الم الش‪00‬رقي ال‪00‬ذي ح‪00‬ال فيه " الزهد اله‪00‬ارب من الع‪00‬الم" دون ميالد رأس‪00‬مالية‬
‫صناعية‪.‬‬

‫فإلى جانب فيبر فان ‘عمال ليفي برول و اميل دوركه‪0‬ايم و ك‪0‬ارل مانه‪0‬ايم و غ‪0‬يرفيتش قد‬
‫ساهمت في سوسيولوجية المعرفة من خالل الربط بينها و بين األطر االجتماعية بشكل أو ب‪00‬آخر‪ .‬و‬
‫تعت‪0‬بر مس‪0‬اهمة غ‪0‬يرفيتش مهمة في ه‪0‬ذا الج‪0‬انب ‪ .‬و ه‪0‬ذا ما تعكسه مقاالته ال‪00‬تي ج‪00‬اء في كتابه "‬
‫األطر االجتماعية للمعرف‪00‬ة" حيث اعت‪00‬بر سوس‪00‬يولوجية المعرفة بكونها دراسة الترابط‪00‬ات الوظيفية‬
‫التي يمكن إيجادها بين ‪:‬‬

‫أوال‪:‬مختلف أنواع المعرفة و مختلف درجات تبلور األشكال داخل هذه األن‪00‬واع من المعرفة و‬
‫مختلف األنظمة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬األطر االجتماعية ‪ :‬أي المجتمعات الشاملة ‪ ،‬والطبقات االجتماعية و المجموعات الخاصة‪،‬‬
‫ومختلف تعبيرات المجتمع ‪ ،‬أي العناصر الميكرواجتماعية‪ .‬أما أنواع المعرف ال‪00‬تي عرفها الت‪00‬اريخ‪،‬‬
‫حسب غيرفيتش‪ -‬فهي سبعة أصناف‪ ،‬وتكون مرتبة ترتيبا معينا حسب كل إطار اجتماعي ‪.‬‬

‫فمثال يكون النوع المهيمن في المجتمع اإلقطاعي هو المعرفة الفلسفية الدينية ثم المعرفة‬
‫السياس‪00‬ية ثم المعرفة المش‪00‬تركة ثم معرفة الغ‪00‬ير ‪ .‬و"نحن" في المعرفة التقنية ثم المعرفة اإلدراكية‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫ثم في المرتبة األخيرة المعرفة العلمية‪ .‬و في المجتمع الرأسمالي المنظم و الموجه فيتبدل الترتيب و‬
‫تصبح المكانة األولى للمعرفة التقنية ثم المعرفة السياسية ثم المعرفة اإلدراكية ثم المعرفة الفلس‪00‬فية‬
‫و المعرفة العادية المشتركة ثم في المرتبة األخيرة هذه المرة معرفة الغير و "نحن"‪.‬‬

‫أما األشكال التي توجد داخل كل نوع من أنواع المعرفة و التي تختلف تبلورا و تتغير هي أيضا‬
‫حسب معطيات األطر االجتماعية فتبرز حسب غ‪00‬يرفيتش في خمسة ح‪00‬االت من التقابل ‪ ،‬بين المعرفة‬
‫الباطنية و لمعرفة العقالني‪00000‬ة‪ ،‬وبين التجريبية و المفهومي‪00000‬ة‪ ،‬وبين الوض‪00000‬عية و النظرية ‪ ،‬وبين‬
‫الرمزية و التطابقية ‪ ،‬وبين الجماعية والفردية‪.‬‬

‫في ما يخص الربط بين المعرفة واألطر االجتماعية ‪ ،‬حاول غيرفيتش التدليل عليه في مستوى"‬
‫المجتمعي‪00‬ة" ( أو المس‪00‬توى الميكروسوس‪00‬يولوجي) و في مس‪00‬توى (الجماع‪00‬ات المحلية و المعمل و‬
‫الدولة و الكنيسة) ‪ ،‬وفي مستوى الطبقات االجتماعي‪00‬ة‪ ،‬ثم في مس‪00‬توى المجتمع‪00‬ات الش‪00‬املة ‪ ،‬و هو‬
‫أهم المجتمعات حسب رأيه ألنه يسمح بمراجعة النت‪00‬ائج المتحصل عليها في المس‪00‬تويات األخ‪00‬رى من‬
‫جهة ‪ ،‬والنه يفضي إلى العالق‪00‬ات األساس‪00‬ية بين أنظمة المعرفة بص‪00‬فة عامة و الب‪00‬نى االجتماعية في‬
‫كليتها‪.‬‬

‫مشروع غيرفيتش هذا بقي حبيس الجانب النظ‪00‬ري المج‪00‬رد ‪ ،‬ولم يتمكن من تنزيله على‬
‫المستوى الميداني الملموس على مجتمعات عينية‪ /‬وه‪00‬ذا ما عابه عليه كل‪00‬ود ليفي ش‪00‬تراوس بش‪00‬كل‬
‫صريح‪ .‬و تبقى مساهمته في سوسيولوجية المعرفة مهمة لما أثارته من قض‪00‬ايا نظرية ‪ ،‬وان ك‪00‬انت‬
‫أقرب في كليتها إلى الغموض منها إلى الوضوح العلمي ‪ ،‬حيث تتس‪00‬اوى فيها أو تك‪00‬اد كل العوامل و‬
‫األبع‪00‬اد ‪ ،‬حيث يعت‪00‬بر غيل‪00‬رفيتش "العامل المهيمن" من جملة "المش ‪00‬اكل الخاطئة " ال ‪00‬تي عرفتها‬
‫سوسيولوجية القرن التاسع عشر ‪.‬‬

‫عناصر لتعريف سوسيولوجية‪ 0‬الثقافة ‪:‬‬


‫سوسيولوجيا الثقافة ال تنفصل عن المساهمات المشار إليها سالفا‪ ،‬ويمكن تحديد خطوطها‬
‫العامة ب‪00‬الرجوع إلى األعم‪00‬ال النظرية و التطبيقية ال‪00‬تي لها ت‪00‬أثير على ه‪00‬ذا المج‪00‬ال‪ ،‬وه‪00‬ذا ما يتطلب‬
‫معايير في تحديد هذه اإلعم‪00‬ال ‪ ،‬مع‪00‬ايير س‪00‬تؤدي بالض‪00‬رورة إلى تهميش بعض التي‪00‬ارات و األعم‪00‬ال‬
‫التي تنسب نفسها إلى سوسيولوجيا الثقافة ‪.‬‬

‫سوسيولوجيا الثقافة بشكل موجز هي تحليل طبيعة العالقة الموجودة ين أنماط اإلنتاج‬
‫الفك‪00‬ري و معطي‪00‬ات البنية االجتماعية ‪ ،‬وتحديد وظ‪00‬ائف ه‪00‬ذا اإلنت‪00‬اج في المجتمع‪00‬ات ذات ال‪00‬تركيب‬
‫التنضيدي أو الطبقي‪.‬‬

‫ُوضِ َع هذا التعريف لالعتبارات اآلتية ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫أوال‪ :‬فالقول بأنماط اإلنتاج الفكري‪ ،‬يعني أن هناك تجانس بالمعنى الفلسفي و االنثروبولوجي غ‪00‬ير‬
‫إجرائي بالمفهوم‪ 0‬السوس‪0‬يولوجي‪ .‬فهو يغطي على التواجد الحقيقي ألنم‪0‬اط إنت‪0‬اج مختلفة من الثقافة‬
‫ال‪000‬تي قد تتن‪000‬اقض مع وظيفة المجتمع الواح‪000‬د‪ .‬ف‪000‬رغم وج‪000‬ود بعض "العوامل‪ 0‬االنثروبولوجي‪000‬ة"‬
‫المش‪00‬تركة ‪ ،‬ال توجد مي‪00‬دانيا في المجتمع‪00‬ات ذات ال‪00‬تركيب الطبقي "ثقافة الجمي‪00‬ع"‪ ،‬ح‪00‬تى في حالة‬
‫ادعاء تلك الثقافة أنها كذلك ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الح‪00‬ديث عن المجتمع‪00‬ات المنض‪00‬دة أو الطبقية ليس حص‪00‬را‪ ،‬بق‪00‬در ما هو تأكيد العتب‪00‬ار اإلنت‪00‬اج‬
‫الفكري تعبيرا عن مرحلة معينة من التمايز بين األصناف االجتماعية االقتص‪00‬ادية‪ .‬فمفه‪00‬وم‪ 0‬ال‪00‬تركيب‬
‫التنضيدي (‪ – 0 ) stratification‬رغم غموضه‪ -‬يقتحم في حقل التحليل السوسيولوجي مجتمع‪00‬ات‬
‫تاريخية قبل رأسمالية قد يكون مضمونها الطبقي محل نقاش‪.‬‬

‫ميدانيا ‪ ،‬تكون المجتمعات الوحيدة التي تخرج من الحقل السوسيولوجي هي تلك التي تسمى‬
‫عادة بالمجتمعات "البدائي‪00‬ة" ‪ ،‬وال‪00‬تي لم تصل بعد إلى درجة كافية من التم‪00‬ايز يس‪00‬مح بتص‪00‬نيف م‪00‬ا‪.‬‬
‫ه‪00‬ذا ما يفسر الص‪00‬عوبة الخاصة ال‪00‬تي تب‪00‬دو في القسم الخ‪00‬اص عند غ‪00‬ورفيتش‪ ،‬باعتب‪00‬ار المجتمع‪00‬ات‬
‫القديمة ك‪000‬أطر اجتماعية للمعرف‪000‬ة‪ .‬و نفس الص‪000‬عوبة هي ال‪000‬تي جعلت "المعرف‪000‬ة" في المجتمع‪000‬ات‬
‫القديمة تنحصر مثال‪ ،‬حسب ليفي ب‪00‬رول‪ ،‬في مض‪00‬مون " روح‪00‬اني" ن‪00‬اتج عن تص‪00‬ور "ع‪00‬اطفي"‬
‫لقوى ما وراء الطبيعة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬من وجهة نظر تحليلية‪ ،‬ليس ُمه ّما إثبات العالقة بين اإلنتاج الفك‪00‬ري و الواقع االجتم‪00‬اعي‪،‬‬
‫بقدر ما هو تحليل أشكال هذه العالقة في مرحلة معينة لمجتمع معين‪ .‬هذا التحليل يعدّ مصدرا أساسيا‬
‫في المناقشات المتعلقة بالروابط الموجودة بين البنية التحتية و البنية الفوقي‪00‬ة‪ ،‬وال‪00‬تي أ ّدت إلى تأكيد‬
‫فكرة التبادل الديالكتيكي الق‪00‬ائم بينهما من خالل جملة الوس‪00‬ائط ال‪00‬تي يجب تحدي‪00‬دها لتج‪00‬اوز التص‪00‬ور‬
‫الميكانيكي و للتخلص من المثالية و "االقتص‪00‬ادوية"مع‪00‬ا‪ 0.‬و قد س‪00‬اهمت سوس‪00‬يولوجيا األدب و الفن‬
‫بشكل كبير في تحليل أشكال العالقة بين اإلنتاج الفكري و معطيات البنية االجتماعية‪.‬‬

‫حول بها اإلنتاج الفكري (القصة – المسرح‪ )..‬معطيات الواقع غير ك‪0‬اف‪،‬‬ ‫رابعا‪ :‬تحديد الكيفية التي ُي ّ‬
‫و ل‪00‬ذلك من الض‪00‬روري إب‪00‬راز الوظيفة االجتماعية السياس‪00‬ية له‪00‬ذا اإلنت‪00‬اج الفك‪00‬ري‪ .‬خصوصا و أن‬
‫المنتجين ينتم‪00‬ون إلى فئ‪00‬ات من المثقفين ي‪00‬ؤدون أدوارا قد يعونها أو ال يعونها لص‪00‬الح أص‪00‬ناف أو‬
‫طبقات معينة‪.‬‬

‫نظرية البنى الفوقية‪:‬‬


‫التعريف السابق يجعل سوسيولوجيا الثقافة تساهم في ما يسمى نظرية البنى الفوقية‪ .‬ومن‬
‫الضروري الربط بين معطيات البنى الفوقية و معطيات البنية التحتية‪ ،‬ج‪00‬اء ه‪00‬ذا الت‪00‬ذكير به‪00‬ذا الربط‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫ح‪00‬تى ال تفهم نظرية الب‪00‬نى الفوقية على أنها تتض‪00‬من تفكيكا للوح‪00‬دة الموج‪00‬ودة بين المس‪00‬تويين‪ .‬و‬
‫الوح‪00‬دة تع‪00‬ني أن معطي‪00‬ات الب‪00‬نى الفوقية في ذلك اإلنت‪00‬اج الثق‪00‬افي ال يمكن تفس‪00‬يرها تفس‪00‬يرا ذو داللة‬
‫سوسيولوجية دون إرجاعها إلى معطيات الواقع االجتماعي‪.‬‬

‫لبلورة هذه المقاربة سيتم االكتفاء بالرجوع إلى بعض نصوص ماركس و انجلز الذين فتحا‬
‫مجال التنظير في هذا الباب ‪ ،‬والى بعض أمال المفكر االيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي باعتباره‬
‫أول منظر للبنى الفوقية‪.‬‬

‫الوحدة بين البنية التحتية و البنى الفوقية‪:‬‬


‫لقد لخص ماركس النتائج التي توصل إليها في مقطع من تقديم "مساهمة في نقد االقتص‪00‬اد‬
‫السياس‪00‬ي" يق‪00‬ول فيه ‪ ":‬إن نمط إنت‪00‬اج الحي‪00‬اة المادية يكي‪00‬ف( ‪ )conditionne‬س‪00‬يرورة الحي‪00‬اة‬
‫االجتماعية و السياسية و الفكرية بصفة عامة‪ ،‬و ليس وعي الناس هو ال‪00‬ذي يح‪00‬دد( ‪)détermine‬‬
‫وجودهم‪ ،‬بل يحدد وجودهم االجتماعي وعيهم‪ ..‬فتغيير القاعدة االقتصادية يحدث تغي‪00‬يرا س‪00‬ريعا إلى‬
‫حد ما في البنية الفوقية الض‪00‬خمة‪ ،‬و عند اعتب‪00‬ار ه‪00‬ذه التغي‪00‬يرات‪ ،‬يجب التمي‪00‬يز دائما بين التغي‪00‬ير‬
‫المادي لظروف اإلنتاج االقتصادي الذي يمكن معاينته بطريقة علمية محكمة و بين األشكال القانونية‬
‫و السياس‪000‬ية و الدينية أو الفلس‪000‬فية‪ ،‬أي باختص‪000‬ار اإليديولوجية ‪ ..‬و كما ال يمكن الحكم على ف‪000‬رد‬
‫اس‪00‬تنادا إلى الفك‪00‬رة ال‪00‬تي له عن نفس‪00‬ه‪ ،‬وك‪00‬ذلك ال يمكن الحكم على ف‪00‬ترة التغي‪00‬ير اس‪00‬تنادا إلى وعيها‬
‫لذاتها‪ .‬و يجب على عكس ذلك تفسير هذا الوعي بتناقض‪00‬ات الحي‪00‬اة المادي‪00‬ة‪ ،‬أي ب‪00‬النزاع بين الق‪00‬وى‬
‫اإلنتاجية و بين عالقات اإلنتاج‪".‬‬

‫إذا كان فيها المقطع عبارات نموذجية تعبر عن توجيه المعطيات المادية للظواهر الفكرية ‪ ،‬فان‬
‫البعض يجعلها ترجع بالماركس‪00‬ية إلى ن‪00‬وع من "االقتص‪00‬ادوية" حيث تجعل العامل االقتص‪00‬ادي هو‬
‫المحدد لكل شيء‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة ل كروتشي (‪ ) croce‬االيطالي (‪.)1952 -1866‬‬

‫و لرفع هذا االلتباس يمكن الرج‪0‬وع إلى التوض‪0‬يحات ال‪0‬تي ق‪0‬ام بها انجل‪0‬ز‪-‬بعد م‪0‬وت م‪0‬اركس‪-‬‬
‫لضرورتها المعرفية‪ ،‬وهي على الشكل اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬جورج لوكاتش يعت‪00‬بر أنه "ليست س‪00‬يطرة العوامل االقتص‪00‬ادية في تفس‪00‬ير الت‪00‬اريخ هي ال‪00‬تي‬
‫تميز جذريا الماركسية و العلم البورجوازي‪ ،‬وإنما وجهة النظر الكلية"(‪.)48-47-30‬‬

‫‪" -2‬الوجود االجتماعي" الذي يتحدث عنه ماركس كمحدد لل‪00‬وعي ال يمكن حص‪00‬ره في المي‪00‬دان‬
‫االقتص‪00‬ادي أو الم‪00‬ادي ب‪00‬المعنى الض‪00‬يق المت‪00‬داول‪ ،‬فهو تعب‪00‬ير مع‪00‬ادل لنمط اإلنت‪00‬اج الس‪00‬ائد‬
‫كتمفصل بين مستويات اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة‪ .‬فالعامل االقتص‪00‬ادي ال يع‪00‬ني‬
‫جملة أش‪00‬ياء مادي‪00‬ة‪ ،‬بل له مض‪00‬مون و وظيفة نفس‪00‬ية اجتماعية ال يص‪00‬عب اس‪00‬تخراجها من‬
‫تعارف مختلفة كتعريف رأسمال نفسه أو العمل أو القيمة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫‪ -3‬االقتص‪00000‬اد بمعن‪00000‬اه الواسع يح‪00000‬دد أو يكيف مختلف عناصر البنية الفوقية ‪ ،‬أي أن العامل‬
‫االقتصادي ال يحدد أو يكيف هذه العناصر بطريقة مباشرة آلي‪00‬ة‪ ،‬و إنما عن طريق وس‪00‬ائط (‬
‫‪ ،)médiations‬فهو يس‪00‬ند لمس‪00‬توى معين دور الس‪00‬يطرة أو الت‪00‬أثير المباشر ‪ ،‬لكنه إس‪00‬ناد‬
‫يجعل منه هو الم‪00‬ؤثر في نهاية األم‪00‬ر‪ .‬ففي نمط اإلنت‪00‬اج االقتص‪00‬ادي مثال تلعب اإليديولوجية‬
‫الدينية دورا أوليا ولكن االقتص‪00‬اد اإلقط‪00‬اعي هو ال‪00‬ذي أس‪00‬ند إليها ه‪00‬ذا ال‪00‬دور‪ .‬و كما أش‪00‬ار‬
‫انجلز ‪ ،‬االقتصاد ال يخلق بنسبة أي شيء بطريقة مباشرة ‪.‬‬

‫ثمة مستويات مختلفة داخل البنية الفوقية يتغير ترتيبها حسب الفترة التاريخية‬
‫لمجتمع ما‪ ،‬أي حسب "المس‪00‬افات" ال‪00‬تي تصل كال منها بالبنية من جهة و ببقية المس‪00‬تويات من‬
‫جهة ثانية‪.‬‬

‫‪ – 4‬فكرة العالقة ذات التأثير وحيد االتجاه بين البنيتين ليس هناك ما يدعمها‪ ،‬و تأثير عناصر‬
‫الب‪0‬نى الفوقية في البنية االجتماعية االقتص‪0‬ادية قد تم اإللح‪0‬اح عليه عند م‪0‬اركس و انجلز ‪ ،‬وان‬
‫كان ذلك بشكل أقل تحليال‪ ،‬كما أكدا على التفاعل المتبادل و كرفض لفكرة العامل "الوحيد" ال‪00‬تي‬
‫قد تس‪00‬تنتج من إب‪00‬راز العامل االقتص‪00‬ادي كعامل مس‪00‬يطر "في آخر التحلي‪00‬ل" ‪ ،‬و في ه‪00‬ذا االتج‪00‬اه‬
‫كتب انجلز إلى بل‪00‬وخ ع‪00‬ام ‪ 1890‬يق‪00‬ول‪ ":‬العامل المح‪00‬دد في الت‪00‬اريخ حسب التص‪00‬ور الم‪00‬ادي‬
‫للتاريخ هو في نهاية األمر إنتاج و إعادة إنتاج الحي‪00‬اة الواقعي‪00‬ة‪ ،‬لم نج‪00‬زم قط أنا وم‪00‬اركس أك‪00‬ثر‬
‫من هذا ‪ ،‬فإذا شوه أحدهم هذا الموقف معتبرا أن العامل االقتص‪00‬ادي هو العامل الوحيد فهو يجعل‬
‫منه جملة فارغة مج‪00‬ردة عابث‪00‬ة‪ .‬الوضع االقتص‪00‬ادي هو القاع‪00‬دة‪ ،‬ولكن مختلف عناصر البنية‬
‫الفوقية (‪ )..‬تفعل هي أيضا فعلها في مجرى الصراعات التاريخية‪ ،‬وتح‪00‬دد ش‪00‬كله بطريقة ب‪00‬ارزو‬
‫مسيطرة في حاالت كثيرة" (‪.)518-33‬‬

‫و تأثير األشكال اإليديولوجية‪ -‬كالقانون و السياسة و غيرها على القاعدة االقتصادية – تأثير‬
‫مفروغ من‪00‬ه‪ ،‬على أن "اإليديولوجي‪00‬ة"‪ 0‬كث‪00‬يرا ما ك‪00‬انت موضع االلتب‪00‬اس على أس‪00‬اس أنه‪00‬ا‪ -‬رغم‬
‫تعدد تعاريفها عند ماركس في الواقع‪ -‬تعتبر عموما مرادفا للوعي ال‪00‬وهمي أو الخ‪00‬اطئ‪ ،‬وهو ما‬
‫أدى إلى عدم استنتاج عدم أهميتها عنده‪.‬‬

‫المكانة التي تحظى بها اإليديولوجية ال كتعبير مباشر عن البنية بل في عالقاتها الدياليكتيكية‬
‫بهذه البنية دعمتها دراسات ماركسية الحقة‪ ،‬كما هو األمر بالنسبة لغرامشي‪.‬‬

‫غرامشي جعل لحظة "التطهير"(‪ )(catharsis‬أو االنتقال من المستوى االقتص‪00‬ادي المحض‬


‫إلى المس‪00‬توى األخالقي – السياس‪00‬ي‪ ،‬أي بل‪00‬ورة أس‪00‬مى تح‪00‬ول البنية إلى بنية فوقية في وج‪00‬دان‬
‫الناس ‪ .‬لقد جعل غرامشي من الصراع اإليديولوجي‪ -‬داخل"المجتمع الم‪00‬دني" بع‪00‬دا أساس‪00‬يا في‬
‫التغي‪000‬ير االجتم‪000‬اعي إلى حد أمكن الق‪000‬ول معه بأنه ح‪000‬ول مركز الثقل في التحليل الماركسي الى‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫البنية الفوقية‪ ،‬وهذا مرتبط باألهمية التي يوليها كغ‪00‬يره من الماركس‪00‬يين لل‪00‬وعي الطبقي و ل‪00‬دور‬
‫المثقفين و خاصة" المثقف الجماعي" (الحزب) في ذلك‪.‬‬

‫فإذا كانت ماركس يرى أن" األفكار تتحول إلى قوة مادية عندما تعتنقها الجماهير"‪ ،‬وهذا‬
‫ما يؤكد في نفس اإلط‪00‬ار فك‪00‬رة ت‪00‬أثير الظ‪00‬واهر الف‪00‬وق بنيوية في البنية التحتي‪00‬ة‪ .‬و ه‪00‬ذا ما ك‪00‬ان‬
‫واضحا في المجتمعات المتقدمة علميا و تكنولوجيا ‪ ،‬ف‪00‬العلوم ال‪00‬تي ك‪00‬انت معزولة إلى حد ما عن‬
‫ميدان اإلنتاج االقتصادي و االجتم‪00‬اعي أص‪00‬بحت الي‪00‬وم مع تطبيقاتها التكنولوجية ق‪00‬وة إنتاجية و‬
‫عامال مركزيا في تطوير قوى اإلنتاج‪.‬‬

‫الرجوع بسوسيولوجية الثقافة إلى المنطلق النظري عند ماركس و انجلز ال يعني أن هذين‬
‫المفكرين تركا منهجية تطبيقية لتحليل نص أدبي مثال أو ش‪00‬ريط س‪00‬ينمائي ‪ .‬ففي ما يخص األدب‬
‫والفن مثال ال نجد عن‪00‬دهما إال إش‪00‬ارات متفرقة ح‪00‬اول لوك‪00‬اتش إب‪00‬راز أهميته‪00‬ا(‪ ،)36‬وهي أقل‬
‫تركيزا و تشخيصا‪.‬‬

‫و باختصار ‪ ،‬في ما يتعلق ب‪00‬الظواهر الثقافية هن‪00‬اك منطلق نظ‪00‬ري واضح أكد فيه م‪00‬اركس و‬
‫انجلز أن الظ‪000‬واهر اإليديولوجية المختلفة ال تفهم ب‪000‬ذاتها‪ -‬رغم اس‪000‬تقالليتها النس‪000‬بية‪ -‬و ال بما‬
‫يس‪00‬مى تط‪00‬ورا عاما للفكر البش‪00‬ري ‪ ،‬بل بما لها من تأص‪00‬يل غ‪00‬ير مباشر في األوض‪00‬اع المادية‬
‫للوجود االجتماعي‪.‬‬

‫المثقفون‪ 0‬في "الكتلة التاريخية"‬


‫العالقة تكون أكثر وضوحا بين اإلنتاج الفكري و البنية االجتماعية االقتصادية إذا اعتبر هذا‬
‫اإلنت‪0000‬اج إنت‪0000‬اج لفئة اجتماعية تتك‪0000‬ون تاريخيا و تلعب أدوارا معينة في ارتباطاتها بأص‪0000‬ناف‬
‫اجتماعية محددة‪ .‬ف" المثقفون"‪ 0‬كفئة أو ك"نخبة" اجتماعية يمثلون عن طريق وظ‪00‬ائفهم أهم‬
‫وس‪00‬يلة اتص‪00‬ال و توطيد بين مس‪00‬تويات البنية الفوقية بما فيها الس‪00‬لطة السياس‪00‬ية و بين البنية‬
‫التحتية للمجتمع‪.‬‬

‫و تأتي مساهمة انطونيو غرامشي(‪ )1937-1891‬كأهم مساهمة في توضيح العالقة المعقدة‬


‫بين البنيتين "كمنظر للبنية الفوقية" كعامل تغيير اجتماعي و كموضوع تحليل و لل‪00‬دور الخ‪00‬اص‬
‫الذي يسنده للمثقفين أو "موظفي البنى الفوقية" كما يس‪00‬ميهم‪ .‬وظف غرامشي مفه‪00‬وم " الكتلة‬
‫التاريخي‪00‬ة" للتعب‪00‬ير عن الوح‪00‬دة الدياليكتيكية بين البنية التحتية و الب‪00‬نى الفوقية كما توجد في‬
‫لحظة تاريخية معينة تدعمها الهيمنة اإليديولوجية (‪ ،)hégémonie‬هذه الوحدة التي يمكن أن‬
‫تتفكك في فترات " األزمة العضوية" تفككا يؤدي إلى خلق كتلة تاريخية جديدة‪.‬‬

‫البنية الفوقية تركيب معقد يميز فيه غرامشي بين مستويين أساسيين‪ ،‬يطلق عليهما‬
‫اسمي"المجتمع المدني" و " المجتمع السياسي"‪ ،‬حيث" يمكننا تعيين ط‪00‬ابقين اث‪00‬نين في الب‪00‬نى‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫الفوقي‪00‬ة‪ .‬األول نس‪00‬ميه "ط‪00‬ابق" المجتمع الم‪00‬دني أي جملة المؤسس‪00‬ات ال‪00‬تي تس‪00‬مى ت‪00‬داوال‬
‫مؤسس‪00‬ات "خاص‪00‬ة" ‪ ،‬أما الث‪00‬اني ف"ط‪00‬ابق" المجتمع السياسي أو الوظيفة القيادية ال‪00‬تي تع‪00‬بر‬
‫عنها الدولة أو الحكومة"‪ 0‬القانونية"(‪.)606-38‬‬

‫المجتمعان المدني و السياسي يرتبط أحدهما باآلخر ارتباطا عضويا‪ ،‬و يتقاطع ميدانهما‬
‫بدرجة متفاوتة حسب األوض‪0‬اع التاريخي‪0‬ة‪ .‬و ه‪0‬ذا الترابط ال يع‪0‬ني ض‪0‬رورة الت‪0‬وازي في مراحل‬
‫تطور المجتمعين ‪.‬‬

‫فتحديد الكتلة التاريخية في المنظور الغرامشي يعتمد على دراسة الروابط الموجودة بين‬
‫ه‪000‬ذين القط‪000‬اعين و بين البنية االجتماعية االقتص‪000‬ادية‪ ،‬ودراسة العوامل ال‪000‬تي تجعل من ه‪000‬ذه‬
‫الروابط روابط عض‪00‬وية تحقق وح‪00‬دة الكتلة التاريخي‪00‬ة‪ .‬و ه‪00‬ذه الروابط العض‪00‬وية بين البني‪00‬تين‬
‫تتحقق عن طريق فئ‪000‬ة"المثقفين" ال‪000‬ذين تس‪000‬ند إليهم طبقة أساس‪000‬ية حاكمة أو ص‪000‬اعدة مهمة‬
‫صياغة اإليديولوجية و نشرها‪.‬‬

‫المثقفون و الطبقات االجتماعية‪:‬‬


‫المثقفون ُي ْع َرفونَ ‪،‬حسب غرامشي ‪ ،‬بناء على الوظيفة االجتماعية المباشرة ال‪00‬تي‬
‫يمارسونها‪ ،‬و هذا التعريف تجاوز به غرامشي "كب‪00‬ار المثقفين"‪ 0‬ليش‪00‬مل كل من ُي ْك ِس ‪ُ 0‬به نش‪00‬ا ُطه‬
‫الفكري مكانة و وظيفة ضمن عالقات اجتماعية معينة تاريخيا‪ ،‬سواء كان كاتبا أو فنان أو معلما‬
‫أو طبيبا أو سياسيا أو إداريا أو غير ذلك من ذوي النشاط الفك‪00‬ري‪ .‬و المثقف‪00‬ون تختلف م‪00‬راتبهم‬
‫أو أهميتهم‪ :‬فالمثقف"المبدع"‪ 0‬الذي يصوغ اإليديولوجية أكبر وزنا من المثقف "المنظم"‪ 0‬ال‪00‬ذي‬
‫ي‪00‬دير أو ينشر ه‪00‬ذه اإليديولوجي‪00‬ة‪ ،‬و هك‪00‬ذا إلى أن نصل إلى من ليست له أية مب‪00‬ادرة و ينحصر‬
‫عمله في التنفيذ‪.‬‬

‫تساءل غرامشي‪":‬هل يشكل المثقفون طبقة اجتماعية مستقلة قائمة بذاتها‪ ..‬أم أنّ لكل‬
‫طبقة اجتماعية فئة متخصصة من المثقفين؟" ‪ ،‬و أج‪0000000000000‬اب بما مف‪0000000000000‬اده أن المثقفين ال‬
‫يكون‪000‬ون"طبق‪000‬ة"‪ 0‬في حد ذاتهم بل "فئ‪000‬ات" مرتبطة حسب درج‪000‬ات مختلفة بإح‪000‬دى الطبق‪000‬ات‬
‫األساسية‪.‬‬

‫يتحدث غرامشي عن نوعين من المثقفين‪ " :‬المثقف العضوي"‪ 0‬الذي يرتبط وجوده بتكون‬
‫طبقة متقدمة‪ ،‬فهو بالتالي مثقف الكتلة التاريخية الجديدة‪" ،‬المثقف التقلي‪00‬دي" المرتبط بطبق‪00‬ات‬
‫زالت أو في طريقها إلى ال‪00‬زوال‪ ،‬أي طبق‪00‬ات تنتمي إلى كتلة تاريخية س‪00‬ابقة‪ .‬على أن الوظ‪00‬ائف‬
‫العضوية‪ -‬التي تخضع للتراتب حسب أهميتها كما سبقت اإلشارة‪ -‬تكامل في مس‪00‬تويات مختلف‪00‬ة‪،‬‬
‫فهي تش‪00‬مل الوظيفة االقتص‪00‬ادية (التق‪00‬نيون) ‪ ،‬وظيفة الهيمنة عن طريق العمل الثق‪00‬افي ‪ ،‬وظيفة‬
‫اإلك‪00‬راه ال‪00‬تي يمارس‪00‬ها المثقف‪00‬ون كعناصر في الدولة (الك‪00‬وادر اإلدارية و التقنية و السياس‪00‬ية و‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫القض‪00‬ائية والعس‪00‬كرية)‪ .‬ف‪00‬المثقفون يظه‪00‬رون كـ"اختصاص‪00‬يين" في ج‪00‬وانب جزئية من النش‪00‬اط‬


‫الفكري داخل الكتلة التاريخية‬

‫ال بد من اإلشارة إلى أن ليس كل الطبقات االجتماعية تخلق مثقفين عض‪00‬ويين له‪00‬ا‪ ،‬كما أن‬
‫خلق مثقفين عضويين ال يع‪0‬ني بالض‪0‬رورة أن كل الطبق‪0‬ات ت‪0‬تيح لهم نفس الوظ‪0‬ائف‪ ،‬ف‪0‬إذا ك‪0‬انت‬
‫الطبقة السائدة هي التي تلحق بها أكبر عدد من هؤالء المثقفين و تسنِ ُد إليهم كل الوظ‪00‬ائف ال‪00‬تي‬
‫تحتاج إليها‪ ،‬وإذا كانت البروليتاريا كطبقة أساس‪00‬ية يمكنها إنت‪00‬اج مثقفين عض‪00‬ويين في مس‪00‬توى‬
‫الهيمنة السياس‪00‬ية اإليديولوجي‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬ان جم‪00‬اهير الفالحين حسب رأي غرامش‪00‬ي"رغم ممارس‪00‬تها‬
‫لوظيفة أساس‪00‬ية في مج‪00‬ال اإلنت‪00‬اج ال تولد مثقفين عض‪00‬ويين خاص‪00‬ين به‪00‬ا‪ ،‬وال تس‪00‬توعب أية‬
‫شريحة من المثقفين التقليديين‪ ،‬ورغم أن طبقات اجتماعية أخرى تستمد عددا كبيرا من مثقفيها‬
‫من جماهير الفالحين‪ ،‬ورغم أن ج‪00‬زءا كب‪00‬يرا من المثقفين التقلي‪00‬ديين هم من أصل فالحي"(‪-38‬‬
‫‪.)59‬‬

‫" االستقاللية" التي ينسبها المثقفون إلى أنفسهم‪ ، 0‬حسب غرامشي‪ ،‬وهمية‪ ،‬و تكشف‬
‫عنها الصراعات بين األطراف السياسية و الطبقات االجتماعية‪.‬‬

‫و يختلف وضع المثقفين العضويين حسب الحاالت‪ ،‬فالبروليتاريا بحكم صعودها ال تخلق‬
‫مثقفين تقلي‪00‬ديين‪ ،‬و مثقفو البورجوازية العض‪00‬ويين قد يتحول‪00‬ون إلى مثقفين تقلي‪00‬ديين في كتلة‬
‫تاريخية بروليتارية‪ ،‬و مثقف الريف مثقف تقليدي أساس‪00‬ا‪ ،‬وإذا ارتبط عض‪00‬ويا يك‪00‬ون ذلك بكب‪00‬ار‬
‫مالكي األراضي و ليس بالفالحين‪.‬‬

‫و ليست العالقة بين المثقفين و الطبقات االجتماعية عالقة آلية مباشرة ‪ ،‬فباالظافة إلى ما‬
‫سبق من أن كل الطبقات ال تنتج مثقفيها عض‪00‬ويين أو تقلي‪00‬ديين‪ ،‬و إن المثقفين كفئة ال ك‪00‬أفراد "‬
‫يتكون‪00‬ون ببطء أك‪00‬ثر بكث‪00‬ير من أية فئة اجتماعية أخ‪00‬رى"‪ ،‬و ليس ه‪00‬ذا وضع النمط الق‪00‬ديم من‬
‫المثقفين ال‪00‬ذين يتكون‪00‬ون في وسط فالحي فق‪00‬ط‪ ،‬بل إن البروليتاريا ب‪00‬دورها ال تك‪00‬ون مثقفيها إال‬
‫بصورة تدريجية بطيئة‪ .‬و طبيعة العالقة بين المثقفين و الطبقات االجتماعية معق‪00‬دة الن" عالقة‬
‫المثقفين بمجال اإلنتاج ليست مباشرة كما هو الحال بالنسبة للفئات االجتماعية األساسية"(‪-38‬‬
‫‪ .)60‬و ارتباط المثقفين بطبقة اجتماعية معينة ال يتنافى مع نوع من االستقاللية النسبية لبعض‬
‫مظاهر اإلنتاج الفكري‪.‬‬

‫الفاعل الجماعي‪:‬‬
‫هذا المفهوم يتدخل كعنصر تحليل حالما يتم االنتقال من مرحلة التحليل الداخلي أو "الفهم"‪0‬‬
‫إلى مرحلة "التفس‪000‬ير" أي ربط معطي‪000‬ات البنية الداخلية للظ‪000‬واهر وظيفيا بس‪000‬ياقها الت‪000‬اريخي‬
‫االجتم‪00‬اعي‪ .‬أن األح‪00‬داث ال تكتسب داللتها االجتماعية دون تحديد الفاعل و دوره فيه‪00‬ا‪ .‬الس‪00‬ؤال‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫ه‪00‬و‪ :‬لم‪00‬اذا يرتبط الخلق الثق‪00‬افي أوال بمجموعة اجتماعية معينة ع‪00‬وض ارتباطه ب‪00‬الفرد ال‪00‬ذي‬
‫أنتجه ؟‬

‫يجب رفع التباس مهم ‪ ،‬وهو أن التحليل السوسيولوجي ال ينفي وج‪0‬ود ظ‪0‬واهر فاعلها‬
‫ف‪00‬ردي كتلك ال‪00‬تي يقحمها فرويد في مي‪00‬دان الليب‪00‬دو أو الالش‪00‬عور و ال‪00‬تي هي موض‪00‬وع التحليل‬
‫النفس‪00‬ي‪ ،‬كما ال ينفي ما قد يك‪00‬ون للمعطي‪00‬ات النفس‪00‬ية الفردية من ت‪00‬أثير على اإلنت‪00‬اج الفك‪00‬ري ‪،‬‬
‫وتضاف إليها معطيات فنية ( جمالية – أسلوبية‪ )..‬مع‪00‬ترف إليها بخصوص‪00‬يتها ‪ ،‬وان ك‪00‬انت هي‬
‫األخرى تخضع للتفسير السوسيوتاريخي الممكن‪.‬‬

‫فالمعطيات الفردية ال تكفي وحدها لتفسير اإلنتاج الثقافي كنمط من التعبير و كظاهرة‬
‫تاريخية في الوقت نفسه‪ ،‬بما يعني أن هن‪00‬اك تمي‪00‬يزا ض‪00‬روريا بين فاعل الس‪00‬لوك اللبيب‪00‬دينيالي و‬
‫فاعل العمل التاريخي‪.‬‬

‫العامل الجماعي قد يبلور رؤية فردية بل قد يدافع عن موقف فردي‪ ،‬وبتعبير آخر قد تكون "‬
‫الفردانية " نتيجة لتصور جماعي يعبر عنه كاتب أو فنان‪ .‬ليست الشخصانية أو الرومانس‪00‬ية أو‬
‫موقف الفن للفن أو الالانتماء أو الغربة ‪ .‬فبالمقارنة بين الفاعل الجم‪00‬اعي و الفاعل الف‪00‬ردي من‬
‫الناحية العملياتي‪00‬ة‪ ،‬ف‪00‬ان ال‪00‬رأي الش‪00‬ائع ب‪00‬أن المعطي‪00‬ات الس‪00‬يكولوجية أيسر جمعا و تحليال من‬
‫المعطي‪00‬ات السوس‪00‬يولوجية ‪ ،‬يب‪00‬دو رأيا يحت‪00‬اج إلى دليل ‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر بك‪00‬اتب ال ص‪00‬لة‬
‫تربطنا به غير شهادته عن نفسه كتبها لغيره؟‬

‫الفاعل الجماعي ال يعني مجرد مجموعة من األفراد تواجدوا‪ 0‬بطريقة ما‪ ،‬انه يعني الطبق‪00‬ات‬
‫االجتماعية التي تكون البنية التحتية لرؤى العالم ‪.‬‬

‫تاريخية الفكر و استقالليته النسبية‪:‬‬


‫ربط اإلنتاج الفكري بقاعدته المادية التاريخية ربطا دياليكتيكيا يؤدي إلى ما يسمى‬
‫بتاريخية الظواهر الفكرية‪ ،‬وبالتالي إلى نقد فكرة التاريخ المستقل لهذه الظواهر‪ ،‬لكن هل هذا ال‬
‫يع‪00‬ني أن كل أنم‪00‬اط اإلنت‪00‬اج الفك‪00‬ري‪ ،‬بما في ذلك التعب‪00‬ير األدبي و الف‪00‬ني ال تتمتع باس‪00‬تقاللية‬
‫"نس‪00‬بية" تس‪00‬مح لها بن‪00‬وع من "االس‪00‬تمرارية" التاريخية رغم تغ‪00‬ير البنية االجتماعية ال‪00‬تي‬
‫ظهرت فيها؟‬

‫اإلجابة عن هذا السؤال يتمثل في توضيح نقط أساسية بالرجوع إلى ميدان الفن‬

‫بمعناه الموسع‪:‬‬

‫‪ -1‬الترابط ع‪00‬ام بين أنم‪00‬اط التعب‪00‬ير الف‪00‬ني ذات األهمي‪00‬ة(نم‪00‬اذج‪ ،‬رؤى للع‪00‬الم‪ )..‬و المراحل‬
‫األساسية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫‪ -2‬وجود استقاللية نسبية كنتيجة لتدخل الوسائط من جهة و لخصوصية البنية و القوانين‬
‫الداخلية للفن من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪ -3‬ما يض‪00‬من لبعض أنم‪00‬اط الفن نوعا من االس‪00‬تمرارية بعد ص‪00‬ياغتها‪ ،‬ولكنها اس‪00‬تمرارية‬
‫غ‪000‬ير مس‪000‬تقلة عن الت‪000‬اريخ (رغم ص‪000‬يرورتها البنيوية الداخلي‪000‬ة) باعتب‪000‬ار الوظ‪000‬ائف‬
‫اإليديولوجية التي تسند إليها في كل لحظة تاريخية محددة‪.‬‬

‫للفن تاريخ باعتبار حدوده الزمنية ‪ ،‬وإذا كان مفهوم "جوهر" الفن قد يوهم بتجاوز ه‪00‬ذه‬
‫الح‪00‬دود‪ ،‬فللفن بداية تاريخية ارتبطت بحاجة اإلنس‪00‬ان إليه كنمط من التعب‪00‬ير‪ .‬أما مفه‪00‬وم"الجم‪00‬ال"‪0،‬‬
‫وبالت‪00‬الي عملية التمي‪00‬يز بين ما هو جم‪00‬الي و ما ليس جمالي‪00‬ا‪ ،‬فال شك أنه ظهر في مرحلة مت‪00‬أخرة‬
‫نس‪000‬بيا من ت‪000‬اريخ البش‪000‬رية‪ ،‬ومع‪000‬نى ه‪000‬ذا أنه تم االنتق‪000‬ال من " الالفن " أو الالجمي‪000‬ل" الى الفن‬
‫أو(الجميل)‪ ،‬وقد يكون االنتقال من الفني إلى الالف‪00‬ني ‪ ،‬أي الحكم على نمط ف‪00‬ني أنه لم يعد فنيا و إلى‬
‫خلق أنماط أخرى من الفن(كالفن السابع مثال‪.).‬‬

‫تاريخية الفن تقوم على عالقة تناسب عام بين تطور أنماط التعبير الفني و المراحل التاريخية‬
‫األساسية للمجتمعات المنتجة له‪0‬ذه األنم‪0‬اط‪ .‬ولقد بينت العديد من الدراس‪0‬ات أن بداية الفن نفس‪0‬ها لم‬
‫تكن عمال مجانيا ‪ ،‬بل كان الفن تعبيرا عن صلة اإلنس‪00‬ان ب‪00‬القوى الطبيعية و عن ص‪00‬لته بالجماعة و‬
‫الواقع ‪ .‬و أهم ما يمكن التأكيد عليه هو أن الفن في حد ذاته عمل ك‪00‬ان يم‪00‬ارس أساسا كمرافق للعمل‬
‫و دافع إليه و مس‪00‬اعد على تحمل أبع‪00‬اده‪ .‬و ه‪00‬ذا ما يفسر في الحقيقة‪ 0‬ظه‪00‬ور اإليق‪00‬اع الموس‪00‬يقي أو‬
‫الش‪00‬عري أو ظه‪00‬ور المحاك‪00‬اة كمص‪00‬در للتناسق في العمل الجم‪00‬اعي‪ .‬و يعت‪00‬بر ارتب‪00‬اط فن البالغة في‬
‫الغرب بالمطالبة بملكية األرض‪ ،‬وقبل أن تصبح البالغة "تقنية محظوظة تسمح للطبقات المس‪00‬يطرة‬
‫بأن تتأكد من امتالكها للكالم" كما يرى لوران بارت‪ ،‬فإنها كانت ضرورية إلقناع في المحاماة بملكية‬
‫األرض‪.‬‬

‫ارتباط التعبير الفني بأنماط اإلنتاج لم يعد يحتاج إلى أدلة ‪ ،‬إلى حد التدليل على أن نمطا فنيا معينا‬
‫لم يكن بإمكانه موض‪00‬وعيا الظه‪00‬ور قبل أن يظهر نمط معين من اإلنت‪00‬اج‪ .‬و أنه يض‪00‬محل أو يتط‪00‬ور‬
‫بنيويا و وظيفيا بظهور نمط آخر من اإلنتاج ‪.‬‬

‫انه لمن المؤكد سوس‪00‬يولوجيا أن يح‪00‬دد الب‪00‬احث حسب كل حالة تاريخية مختلف أنم‪00‬اط اإلنت‪00‬اج‬
‫المتواجدة و تراتبها (تحديد النمط المس‪00‬يطر( و ش‪00‬كل التركيبة ال‪00‬تي تربط بينهما ‪ ،‬كما يح‪00‬دد م‪00‬وازاة‬
‫لذلك مختلف مستويات البنى الفوقية و تراتبها ) إذ يسيطر في كل تركيبة فوقية بنيوية مستوى معينا‬
‫كال‪00‬دين أو السياسة ) ثم اعتم‪00‬ادا على خصوص‪00‬ية اللحظة التاريخية المعني‪00‬ة‪ ،‬وبالت‪00‬الي تحديد وظيفة‬
‫اإلنتاج الثقافي الذي يدرسه فيها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫العالقة الديالكتيكية غير المباشرة بين البنية التحتية و البنى الفوقية ‪ ،‬وانع‪00‬دام‪ 0‬التس‪00‬اير بين‬
‫تطورهما‪ ،‬حيث ظ‪0‬اهرة االس‪0‬تقاللية النس‪0‬بية لقطاع‪0‬ات الب‪0‬نى الفوقية ‪ ،‬وه‪0‬ذه نس‪0‬بية تختلف درجتها‬
‫حسب وضع كل قطاع في كل لحظة تاريخية ‪.‬‬

‫أهم ظاهرة تستدعي الشرح والتوضيح هي ظاهرة "استمرارية" الفن‪ ،‬حيث يمكن التساؤل‪،‬‬
‫حول ما إذا كان الفن قد ارتبط تاريخيا بمجال اإلنتاج ‪ ،‬ولم ينفصل عن مص‪00‬الح الطبق‪00‬ات‪ ،‬فكيف أمكن‬
‫له االستمرار عبر العصور و األنظمة االجتماعي‪00‬ة‪ .‬و ه‪00‬ذا ما أش‪00‬ار إليه ك‪00‬ارل م‪00‬اركس في حديثه حو‬
‫المالحم‪ ،‬حيث قال‪ ":‬ليس هناك صعوبة في ادراك أن الفن اإلغريقي و المالحم ترتبط بأشكال مح‪0‬ددة‬
‫من أش‪00‬كال التط‪00‬ور االجتم‪00‬اعي‪ ،‬و لكن الص‪00‬عب حقا هو تحديد الس‪00‬بب ال‪00‬ذي يجعل من ذلك مص‪00‬درا‬
‫للمتعة الجمالية حتى اليوم‪ ،‬بل و يجعله من بعض الوجوه معيارا و نموذجا يص‪00‬عب الوص‪0‬ول إلي‪00‬ه‪".‬‬
‫(‪ .)19-46‬إذن فارتباط الفن بأوضاع تاريخية معينة ال يتع‪00‬ارض مع اس‪00‬تمراريته‪ .‬و الربط بين الفن‬
‫والمراحل التاريخية ال يقترن بالتقييم التطوري‪ ،‬حيث ال يكون الفن بالضرورة "منحطا" ألن عص‪00‬ره‬
‫عصر "انحطاط"‪ ،‬بل قد يكون ذلك الفن عظيما في تعبيره بشكل كبير عن العالقات السائدة في عصر‬
‫من العص‪00‬ور و لو أننا نعتبرها " منحط‪00‬ة"‪ .‬فتاريخية الفن ال تتع‪00‬ارض مع اس‪00‬تمراريته أو تحديثه‬
‫وظيفيا في ظروف مغايرة لظروفه األولية رغم بعده الممكن زمنيا عن بنية المجتمع التي أنتجت‪00‬ه‪ .‬و‬
‫الفن يس‪00‬تمر بق‪00‬در ما يع‪00‬بر تعب‪00‬يرا نموذجيا عن الوضع ال‪00‬ذي أنتج‪ ،‬و ليس كما يق‪00‬ال ألنه س‪00‬ما ف‪00‬وق‬
‫وضعه الخاص‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫المس‪00‬اهمة السوس‪00‬يولوجية في المي‪00‬دان الثق‪00‬افي تتمثل في تفس‪00‬ير الظ‪00‬واهر الثقافية أو‬
‫اإليديولوجية بصفة عامة‪ ،‬في إطار عالقاتها بالمعطيات الموضوعية لصيرورة المجتمعات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫الفهرس‬

‫تمهيد ‪3........................................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫متاهات كلمة‪3.................................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقابلة أولى‪ :‬الثقافة و الحضارة‪4...........................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫المنعطف االنثروبولوجي‪5...................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫مقابلة ثانية‪ /‬الطبيعة والثقافة‪6.............................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫محاوالت التجاوز‪7...........................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫حدود مساهمة سوسيولوجيا المعرفة‪8.....................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫عناصر تعريف سوسيولوجيا الثقافة‪9......................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫نظرية البنى الفوقية‪11........................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫الوحدة بين البنية التحتية والبنى الفوقية‪11.................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫المثقفون في الكتلة التاريخية‪13..............................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫المثقفون و الطبقات االجتماعية‪14...........................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫الفاعل الجماعي‪16............................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫تاريخية الفكر و استقالليته النسبية‪16.......................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫خاتمة‪18........................................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫المراجع‪20.....................................................................................‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫قراءة في كتاب‬ ‫سوسيولوجية الثقافة‬ ‫د ‪ .‬الطاهر لبيب‬

‫‪2‬‬

You might also like