Professional Documents
Culture Documents
Dawal SH
Dawal SH
وانصرف إلى دراسة اللغتين الفارسية والعربية ،وتلقى علوم القرآن والحديث والفقه
على المذهب الحنفي على أكابر علماء الهند ،كما درس الطب والحكمة ،والمنطق والفلسفة،
ومال إلى الزهد والتصوف في هذه الفترة المبكرة ،وأمدته هذه الروح الشفافة بطاقة هائلة،
وإقبال على العبادة والطاعات ،ونزع هللا من قلبه حب الدنيا وزينتها؛ فالتفت القلوب حوله
وأطلق عليه الناس "شاه ولي هللا"؛ أي ولي هللا الكبير.
فصل الثاني :تعلماته
تلقى الشيخ ولي هللا العلوم االبتدائية من والده الشيخ عبد الرحيم الذي كان مديرا لمدرسة
كانت تسمى المدرسة الرحيمية ،دخل الكتااب في الخامسة من عمره ،وأكمل القرآن الكريم في
السابعة ،وأكمل دراسته للعلوم االبتدائية وهو ابن عشر سنوات .كان يدرس كتاب «شرح المّل
البن الحاجب ،ولما بلغ أربع عشرة سنة درس الجزء المقرر من »جامي على كتابالكافية
«تفسير البيضاوي» ،وتزوج في نفس السنة ،وأكمل التحصيل العلمي ،وبايع والده في سن
الخامسة عشرة على الطريقة النقشبندية .وكان الشيخ ولي هللا الدهلوي ذكيا مفرطا في الذكاء،
جيد الحفظ ،ومن هنا تمكن من إكمال الدراسة في هذا العمر المبكر ،يقول ابنه الشاه عبد
».العزيز عنه« :ما رأيت أحدا أقوى ذاكرة من والدي
أما المنهج الدراسي الذي درسه الشيخ وتخرج عليه فكان بسيطا جدا ،فقد -حسب ما
ذكره بنفسه -درس في كل فن كتبا معينة على التفصيل التالي:
التفسير :مدارك التنزيل وحقائق التأويل ،وأجزاء من تفسير البيضاوي
الحديث :مشكاة المصابيح كامّل ،وصحيح البخاري ،وشمائل النبي للترمذي
الفقه :شرح الوقاية والهداية للمرغيناني كله إال قليلة منه
أصواللفقه :الحسامى والتوضيح والتلويح ـ بعض أجزائه
علمالكالم :شرح عقائد النسفية وشرح المواقف
التصوف :عوارف المعارف ،والرسائل النقشبندية ،مقدمة شرح اللمعات ،اللوائح
النحووالبالغة :الكافية ،والمختصر المعاني ،والمطول ،تخليص المفتاح
الرياضية :بعض الرسائل المختصرة
لم يكتف الشيخ بهذه الدراسة المنهجية فقط ،بل كان يقرأ كتبا خارج المنهج ،وكان
يتدبر كتاب هللا عز وجل ،يقول في هذا الصدد« :حضرت في خدمة الوالد في المدرسة عدة
مرات بعد التدبر في أسباب النزول ،والتفكر في معاني القرآن ،وبعد قراءة التفاسير ،وكان هذا
».المنهج سبب فتح عظيم لي
لما توفي والده الشيخ عبد الرحيم عام 1131هـ كان عمره سبعة عشر عاما ،فتولى
منصب التدريس في المدرسة الرحيمية ،واستمر فيه اثني عشر عاما كامّل ،وفي هذه الفترة
وجد الفرصة لقراءة الكتب ومطالعتها بنهم كبير ،فتوسعت آفاق معرفته ،ونضج إدراكه
وفهمه ،وتحددت لديه في هذه الفترة معالم منهجه العلمي القادم ،يقول الشيخ في هذا" :بعد
االطّلع على كتب المذاهب الفقهية األربعة في الفقه وأصول الفقه والنظر في األحاديث التي
يستدلون بها اطمئنان القلب .وهذا يعني أنه قرر أن يسلك مسلك الفقهاء والمحدثين في عملية
.اإلصّلح والتجديد ،وليس منهج العقّلنيين من أهل العلوم العقلية وغيرهم
في أواخر عام 1143هـ سافر ألداء فريضة الحج ،وبعد أدائها زار المدينة المنورة،
وقرر أخذ الحديث عن علماء الحرمين ،فحضر دروس الشيخ أبي طاهر المدني ،ودرس عليه
كتب الحديث كـ«صحيح البخاري» ،و«صحيح مسلم» ،و«سنن الترمذي» ،و«سنن أبي
داود» ،و«سنن ابن ماجة» ،و«موطأ اإلمام مالك» ،و«مسند اإلمام أحمد» ،و«الرسالة»
لإلمام الشافعي ،و«األدب المفرد» لإلمام البخاري ،و«الشفا في حقوق المصطفى» للقاضي
.عياض ،وحصل على اإلجازة من الشيخ لرواية كتب الحديث
وعاد إلى مكة في العام التالي ألداء الحج ثانية ،وفيها درس «الموطأ» على الشيخ وفد
هللا المالكي ،وحصل منه على اإلجازة لجميع مرويات والده من األحاديث ،وشارك في درس
«صحيح البخاري» للشيخ تاج الدين القلعي .ودرس الشيخ على عدد كبير من المشايخ في
الحرمين المكي والمدني ،منهم الشيخ حسن العجيمي ،والشيخ أحمد النخلي ،والشيخ عبد هللا بن
سالم البصري ،والشيخ أحمد بن علي الشناوي ،والشيخ أحمد بن محمد بن يونس القشاقشي،
والشيخ عبد الرحمن اإلدريسي ،والشيخ شمس الدين محمد بن عّلء البابلي ،والشيخ عيسى
الجعفري المغربي ،والشيخ محمد بن محمد سليمان المغربي ،والشيخ إبراهيم الكردي،
.وغيرهم
بعد هذه اإلفادة من المشايخ في الحرمين ،والتحصيل العلمي المتميز ،وخاصة في مجال
حديث الرسول رجع الشيخ ولي هللا الدهلوي إلى الهند في شهر رجب عام 1145هـ واستمر
في عمله إلى نهاية عمره.
فصاللثالث :خدماته
كثيرا عن
ً وقد جاء العالمة الدهلوي في وقت كانت الدولة اإلسالمية في حالة ال تختلف
الحالة التي تمر فيها هذه األيام ،من حيث التشتت وضعف الهمة ،وهيمنة األعداء عليها
وتداعيهم عليها كتداعي األكلة إلى القصعة ،ومحاولتهم تقاسم خيرات المسلمين ،فكانت حالة
الهند تزداد حالتها سوءا ،والحكام يزدادون ضعفا ،والبدع والخرافات تفتك بعقول الناس،
واإلنجليز يمسكون بأز ّمة األمور بعد أن رسخت أقدامهم ،فتحركت نفسه إلى الصدع بالحق،
ونصح الحكام ،واألخذ بأيدي الناس إلى طريق اإلصالح ،ولم ينصرف إلى التأليف والتدريس
ويترك الناس حيارى ال دليل لهم.
وكان المحدث شاه ولي هللا الدهلوي إما ًما في العلوم النقلية والعقلية ،وكانت صفاته التي
تدل على الفهم والذكاء وعلو الهمة ظاهرة بشدة ،وكان صادق الفراسة ،وكان العصر الذي
عاش فيه عصرا مليئا بالفوضى واالضطرابات ،حيث تعرضت "دلهي" للعديد من الغارات
والحوادث المؤلمة ،فجعل الشيخ يوجه رسائله إلى األمراء ينصحهم باالستقامة والثبات على
الحق ،والتعاون على الخير في صد العدوان ،والدفاع عن اإلسالم والمسلمين .كما دعا الناس
عامة وأمراء المسلمين خاصة إلى االعتصام بحبل هللا تعالى ،وإلى نبذ الفرقة والتفرق ،وإلى
ترك العصبية المذهبية ،ووضح لهم االعتقاد الصحيح الذي يجب أن يعتقدوه ،والفقه السليم الذي
يجب أن يسيروا عليه ،وحاول بكل همته أن يرجع قطار اإلسالم إلى سكته التي ينبغي أن يكون
عليها ،وقد كانت دولة الهند في ذلك الوقت قد انفرط عقد اإلسالم فيها ،وبدأ الهندوس والسيخ
يسيطرون على كل شيء ،ولم يبق في أيدي المسلمين إال القليل القليل.
وقد اهتم العالمة شاه ولي هللا بالعقيدة ،وجعلها نصب عينيه ،ولم يقتصر جهدًا في نشر
االعتقاد الصحيح المستمد من القرآن والسنة ،تبليغه لكل من استطاع ،ألنه كان يرى أن العقيدة
الصحيحة هي األساس المتين الذي يمكن أن تجتمع حوله كل تلك الفرق ،وكل تلك الطوائف،
وبدون هذه االعتقاد يصعب تجميع المسلمين وتوحيدهم ،ومن هنا فقد جعل الشيخ ولي هللا
التوحيد هو أساس دعوته ،ثم تابع تالميذه هذه المسيرة ،وقاموا بتطبيق حركة اإلصالح والجهاد
التي قادها اإلمام المجدد سيد أحمد عرفان الشهيد ،والشيخ محمد إسماعيل الشهيد ،وأتباعهم من
بعدهم ،الذين وقفوا في وجه االستعمار ،وقاوموه ،وثبتوا في أرض المعارك ،وثبتوا في صد
هجماتهم بكل أنواعها ،والتي من أهمها التشكيك والتشويه ،ووقف في وجه المعتقدات الوثنية
والباطلة ،وهاجم المنكرات والبدع ،وقد كانت تلك المعتقدات الفاسدة منتشرة بشدة في تلك
البقاع ،وقد وضح الكثير من جهوده في هذا المضمار في العديد من كتبه ،كـ "الفوز الكبير"
الذي جعله في مخاصمة أعداء دعوة اإلسالم من الطوائف الضالة األربع ،وهم المشركون،
واليهود ،والنصارى ،والمنافقين.
وتفسيرا ،وألف كتابه فتح الرحمن في
ً واهتم العالمة ولي هللا كذلك بالقرآن الكريم ،حف ً
ظا
ترجمة القرآن ،وركز اهتمامه بتدريس القرآن وتفسيره ،ولم يكن في الهند قبل ذلك ترجمة
للقرآن الكريم إلى اللغة الفارسية ،فكانت ترجمته فاتحة باب عظيم لنشر علوم القرآن ،وتفاسيره،
فاقتدى به تالمي ذه من بعده ،وقاموا بترجمة العديد من الكتب اإلسالمية إلى اللغة الفارسية ،ثم
األردية بعد ذلك.
واهتم كذلك باألحاديث والسنة النبوية الصحيحة ،ودعا إلى ضرورة التزام حركته
التجديدية باألحاديث الشريفة ،وضرورة جعلها دائما نصب أعينهم ،واهتم بحفظ المتون ،وضبط
األسانيد ،واالطالع على دواوين الحديث ،حتى أصبحت ترد إليه أسانيد رواية الحديث لجميع
العلماء المحدثين في تلك البالد ،فأصبحون عنه يروون ,وإليه يسندون ،فقام بتأسيس منه ًجا
جديدًا يعنى بالحديث وعلم الحديث ،حيث اختار تدريس الحديث على منهج العلماء المتقدمين
األوائل ،رواية ودراية ،وكان قد آتاه هللا تعالى العديد من أسرار علم الحديث والتي وضع
بعضها أو الكثير منها في كتابه "حجة هللا البالغة".
اإلرشاد إلى مهمات اإلسناد :كتيب باللغة العربية جمع فيه الشيخ أحوال مشايخه الذين
درس عليهم في رحلة الحج ،وتكلم فيه على أسانيدهم ،وطبع الكتاب في مطبع أحمدي،
.جشن خان ،دهلي ،عام 1307هـ
تراجم أبواب البخاري :رسالة مختصرة باللغة العربية ،تحدث فيها عن قواعد وأصول «
لفهم تراجم اإلمام البخاري في كتابه «الصحيح»ُ ،
طبعت هذه الرسالة في مطبع نور
طبعت مع كتاب «شرح تراجم أبواب البخاري» من قبل األنوار ،آره ،عام 1899م ،ثم ُ
.دائرة المعارف ،حيدر آباد ،الدكن ،الهند ،عام 1323هـ
فضل المبين في المسلسل من حديث النبي المين كتاب صغير كتبه الشيخ باللغة العربية
.عن الحديث المسلسل
المسوى شرح الموطا :شرح وجيز لـ«موطأ اإلمام مالك» باللغة العربية ،اهتم فيه ببعض
.القضايا المتعلقة بشرح الحديث ،طبع الكتاب عدة طبعات ،وهو كتاب متداول معروف
المصفى شرح الموطا :ترجمة لـ«موطأ مالك» ،وشرحه اإلمام شرحا وجيزا باللغة
الفارسية ،وهو متداول معروف طبع عدة طبعات ،منها طبعة كتب خانه رحيمية ،سنهري
مسجد ،دهلي ،الهند .ويظهر من هذا االهتمام أهمية «الموطأ» لدى اإلمام ،والسبب في ذلك
كما يقول في مقدمة الكتاب أنه «كان مشوشا لفترة غير قصيرة الختّلف الفقهاء ،ولكثرة
مذاهب العلماء وآرائهم ،ومنازعاتهم الكثيرة ،وسبب التشويش أن التعيين أمر مهم للعمل،
وال يمكن ذلك إال عن طريق الترجيح ،ولكنني وجدت وجوه الترجيح مختلف فيها كذلك،
فسعيت هنا وهناك ،واستعنت بكل واحد ،لكن لم أعد بطائل ،فتوجهت إلى هللا عز وجل
أتمتم بهذه الكلمات الدعائية {لَ ِّئ ْن لَ ْم َي ْه ِّد ِّني َر ِّباي أل َ ُكون ََّن ِّمنَ ْالقَ ْو ِّم الضَّا ِّلاينَ }{ ،إِّ ِّاني َو َّج ْهتُ
ض َح ِّنيفاا َو َما أَنَا ِّمنَ ْال ُم ْش ِّركِّينَ } ،فتمت اإلشارة إلى كتاب ت َواأل َ ْر َ س َم َاوا ِّ ي ِّللَّذِّي فَ َ
ط َر ال َّ َوجْ ِّه َ
«».الموطأ» لإلمام مالك بن أنس
النوادر من أحاديث سيد الوائل والواخر :كتب هذا الكتاب باللغة العربية ،وطبعته مطبعة
.نور األنوار،
الدر الثمين في مبشرات النبي المين :وهو رسالة صغيرة جمع فيها المؤلف الرؤى التي
بشره فيها النبي هو وآباؤه ،وقد أورد بعض هذه البشارات في آخر كتابه «التفهيمات
.اإللهية» كذلك ،وقد طبع «الدر الثمين» في مطبع أحمدي ،دهلي ،الهند
إنسان العين في مشايخ الحرمين :رسالة مختصرة جمع فيها تراجم مشايخه في مكة المكرمة
والمدينة المنورة ،وضمنه كتابه أنفاس العارفين
لما رجع من الحجاز فأخذ يدرس في مدرسة أبيه المسمى المدرسة النعيمية التعليم على
علم الحديث ألن علم الحديث قد خفي في الهند فأنتشر بحث علم الحديث بعد مدة طويلة من
لسان ولى هللا الدهلوي فخرج نورا بنور علم الحديث في شكل العّلمة السيد مرتضى بلغرامى
عليه الرحمة الذي فأشتهر شهرته بعلم الحديث الذي ال مثيل له وال نظير له في الهند.