Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫تأثير الكتاب "شرح تراجم أبواب البخاري" لشاه ولى هللا محدث‬

‫الدهلوي في علم الحديث‬


‫الخالصة‬
‫هذا البحث يشير إلى تأثير الكتاب "شرح تراجم أبواب البخارى" المصنف بأيدي اإلمام‬
‫شاه ولي هللا محدث الدهلوي في علم الحديث‪ .‬وتراجم أبواب البخاري موضوع مشهور بين‬
‫متعلميه والباحثين فيه‪ ,‬وكثير من الباحثين قد اجتهدوا لتخريج األسرار خلف تراجم اإلمام‬
‫البخاري في صحيحه‪ .‬كتابه هذا يبحث عن تراجم اإلمام البخاري من أسراره وأنواعه‪.‬‬
‫وصحيح البخاري ما ال يغني عنه في علم الحديث‪ .‬وشرح تراجم صحيح البخاري أيضا له‬
‫اهتمام عظيم في علم الحديث كما ال يخفى على الكل أن تراجم التراجم البخاري إما له تعلق‬
‫ظاهر باألحاديث الواردة في الباب وإما تعلق خفي بها‪ .‬والمصنف يبحث عميقا عن تراجم‬
‫صحيح البخاري وينوعه ويقسمه إلى أنواع‪ .‬يستخدم الباحث المنهج البياني ويعتمد المصادر‬
‫المتنوعة الستكمال البحث‪ .‬ويبين الباحث أيضا عن منهجه في تصنيف الكتاب‪ ،‬فقد استعمل‬
‫المصنف منهجا رائعا في تصنيف الكتب حيث يشتاقه الباحثون والقارؤون‪ .‬ولهذا الكتاب مكان‬
‫ال ينسى في علم الحديث ألنه يمشي على المواضيع المهمة المنفق فيه الباحثون والمستدلون‬
‫أوقاتهم النفيسة‪ .‬وكما للمصنف إسهامات جليلة في علم الحديث له إسهامات نفيسة في العلوم‬
‫المتنوعة بالدين‪.‬‬

‫الشاه ولى هللا محدث الدهلوي‬


‫فصل الول‪ :‬والدته ونشأته وحياته‬
‫ا‬
‫عّلمة الهند‪ ،‬بل عالم عصره ومح ادِّثه‪ ،‬والمجتهد المسند المص اِّنف‪ ،‬شيخ اإلسّلم‪ ،‬قطب‬
‫الدين‪ ،‬أبو محمد الشاه أحمد ولي هللا بن عبد الرحيم بن وجيه الدين الشهيد بنمعظم بن منصور‬
‫بن أحمد بن محمود بن قوام الدين المعروف بقاضي قاذن‪ ،‬العُمري الدهلوي‪ .‬المشهور بـ " شاه‬
‫ولي هللا الدهلوي"‪.‬‬
‫ينتهي نسبه رحمه هللا إلى عمر بن الخطاب الفاروق رضي هللا عنه من جهة األب‪ ،‬وإلى‬
‫اإلمام موسى الكاظم رحمه هللا من جهة األم‪ ،‬فأم جداه وجيه الدين حسينية النسب‪.‬‬
‫هلت (فَ ْلت) بمدينة دهلي‬
‫بالهند في يوم األربعاء (‪ 14‬من ولد اإلمام شاه ولي هللا الدهلوي في َب ْ‬
‫شوال ‪1114‬هـ‪ 2 /‬من مارس ‪1703‬م) قبل وفاة السلطان أورانك زيب عالمكير (أحد‬
‫سّلطين دولةالمغول المسلمين في الهندبأربع سنوات‬
‫ولد الشاه ولي هللا في أسرة نبيلة تنتمي إلى عمر الفاروق من جهة األب وإلى االمام‬
‫موسى الكاظم من جهة األم‪ ،‬ونشأ في بيت علم وصّلح؛ وقد ذكر عن نفسه أن جده الثالث‬
‫عشر واسمه شمس الدين قدم إلى الهند في بداية الفتح اإلسّلمي‪ ،‬وتوطن فيها‪ ،‬وأقام مدرسة‪،‬‬
‫وتولى منصب اإلفتاء‪ ،‬ولم يزل هذا المنصب في أوالده يتوارثونه ا‬
‫جيّل بعد جيل‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أنهم كانوا من أهل بيت علم وأئمة هدى‪.‬‬
‫كان أبوه الشاه عبد الرحيم أحد العلماء الكبار الذين اشتركوا في تدوين الموسوعة الفقهية‬
‫المسماة "الفتاوي العالمكيرية"‪ ،‬على المذهب الحنفي‪ ،‬التي أشرف السلطان أورنجزيب على‬
‫إخراجها‪ .‬إال أنه كان بالطبع نفورا من بّلطات األمراء‪ ،‬فأبى أن ينخرط في الخدمة الحكومية‪،‬‬
‫وآثر العزلة في بيته‪ ،‬والعكوف على التدريس في المدرسة الرحيمية التي لعبت دورا هاما في‬
‫تربية النشء الجديد وبث الوعي اإلسّلمي الصحيح بين الطبقات الشعبية‪.‬‬
‫وب اكر في الطلب وهو ابن خمس‪ ،‬وحفظ القرآن ابن سبع‪ ،‬وأخذ العلوم عن والده الشيخ‬
‫عبد الرحيم‪ ،‬وقرأ عليه الرسائل المختصرة بالفارسية والعربية‪ ،‬وشرع في شرح الكافية‬
‫للعارف الجامي وهو ابن عشر سنين‪ ،‬وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬وقرأ تفسير‬
‫البيضاوي‪ ،‬وأجيز بالدرس وفرغ من التحصيل وهو في الخامس عشر من سنه‪ ،‬وتوفي أبوه‬
‫سنة ‪1131‬هـ ‪1719 /‬م‪ ،‬وكان أحمد ولي هللا في السابعة عشر من عمره‪.‬‬

‫وانصرف إلى دراسة اللغتين الفارسية والعربية‪ ،‬وتلقى علوم القرآن والحديث والفقه‬
‫على المذهب الحنفي على أكابر علماء الهند‪ ،‬كما درس الطب والحكمة‪ ،‬والمنطق والفلسفة‪،‬‬
‫ومال إلى الزهد والتصوف في هذه الفترة المبكرة‪ ،‬وأمدته هذه الروح الشفافة بطاقة هائلة‪،‬‬
‫وإقبال على العبادة والطاعات‪ ،‬ونزع هللا من قلبه حب الدنيا وزينتها؛ فالتفت القلوب حوله‬
‫وأطلق عليه الناس "شاه ولي هللا"؛ أي ولي هللا الكبير‪.‬‬
‫فصل الثاني‪ :‬تعلماته‬
‫تلقى الشيخ ولي هللا العلوم االبتدائية من والده الشيخ عبد الرحيم الذي كان مديرا لمدرسة‬
‫كانت تسمى المدرسة الرحيمية‪ ،‬دخل الكتااب في الخامسة من عمره‪ ،‬وأكمل القرآن الكريم في‬
‫السابعة‪ ،‬وأكمل دراسته للعلوم االبتدائية وهو ابن عشر سنوات‪ .‬كان يدرس كتاب «شرح المّل‬
‫البن الحاجب‪ ،‬ولما بلغ أربع عشرة سنة درس الجزء المقرر من »جامي على كتابالكافية‬
‫«تفسير البيضاوي»‪ ،‬وتزوج في نفس السنة‪ ،‬وأكمل التحصيل العلمي‪ ،‬وبايع والده في سن‬
‫الخامسة عشرة على الطريقة النقشبندية‪ .‬وكان الشيخ ولي هللا الدهلوي ذكيا مفرطا في الذكاء‪،‬‬
‫جيد الحفظ‪ ،‬ومن هنا تمكن من إكمال الدراسة في هذا العمر المبكر‪ ،‬يقول ابنه الشاه عبد‬
‫‪».‬العزيز عنه‪« :‬ما رأيت أحدا أقوى ذاكرة من والدي‬

‫أما المنهج الدراسي الذي درسه الشيخ وتخرج عليه فكان بسيطا جدا‪ ،‬فقد ‪-‬حسب ما‬
‫ذكره بنفسه‪ -‬درس في كل فن كتبا معينة على التفصيل التالي‪:‬‬
‫التفسير‪ :‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل‪ ،‬وأجزاء من تفسير البيضاوي‬
‫الحديث ‪ :‬مشكاة المصابيح كامّل‪ ،‬وصحيح البخاري‪ ،‬وشمائل النبي للترمذي‬
‫الفقه ‪ :‬شرح الوقاية والهداية للمرغيناني كله إال قليلة منه‬
‫أصواللفقه ‪ :‬الحسامى والتوضيح والتلويح ـ بعض أجزائه‬
‫علمالكالم ‪ :‬شرح عقائد النسفية وشرح المواقف‬
‫التصوف ‪ :‬عوارف المعارف‪ ،‬والرسائل النقشبندية‪ ،‬مقدمة شرح اللمعات‪ ،‬اللوائح‬
‫النحووالبالغة‪ :‬الكافية‪ ،‬والمختصر المعاني‪ ،‬والمطول‪ ،‬تخليص المفتاح‬
‫الرياضية‪ :‬بعض الرسائل المختصرة‬
‫لم يكتف الشيخ بهذه الدراسة المنهجية فقط‪ ،‬بل كان يقرأ كتبا خارج المنهج‪ ،‬وكان‬
‫يتدبر كتاب هللا عز وجل‪ ،‬يقول في هذا الصدد‪« :‬حضرت في خدمة الوالد في المدرسة عدة‬
‫مرات بعد التدبر في أسباب النزول‪ ،‬والتفكر في معاني القرآن‪ ،‬وبعد قراءة التفاسير‪ ،‬وكان هذا‬
‫‪».‬المنهج سبب فتح عظيم لي‬

‫لما توفي والده الشيخ عبد الرحيم عام ‪1131‬هـ كان عمره سبعة عشر عاما‪ ،‬فتولى‬
‫منصب التدريس في المدرسة الرحيمية‪ ،‬واستمر فيه اثني عشر عاما كامّل‪ ،‬وفي هذه الفترة‬
‫وجد الفرصة لقراءة الكتب ومطالعتها بنهم كبير‪ ،‬فتوسعت آفاق معرفته‪ ،‬ونضج إدراكه‬
‫وفهمه‪ ،‬وتحددت لديه في هذه الفترة معالم منهجه العلمي القادم‪ ،‬يقول الشيخ في هذا‪" :‬بعد‬
‫االطّلع على كتب المذاهب الفقهية األربعة في الفقه وأصول الفقه والنظر في األحاديث التي‬
‫يستدلون بها اطمئنان القلب‪ .‬وهذا يعني أنه قرر أن يسلك مسلك الفقهاء والمحدثين في عملية‬
‫‪.‬اإلصّلح والتجديد‪ ،‬وليس منهج العقّلنيين من أهل العلوم العقلية وغيرهم‬

‫في أواخر عام ‪1143‬هـ سافر ألداء فريضة الحج‪ ،‬وبعد أدائها زار المدينة المنورة‪،‬‬
‫وقرر أخذ الحديث عن علماء الحرمين‪ ،‬فحضر دروس الشيخ أبي طاهر المدني‪ ،‬ودرس عليه‬
‫كتب الحديث كـ«صحيح البخاري»‪ ،‬و«صحيح مسلم»‪ ،‬و«سنن الترمذي»‪ ،‬و«سنن أبي‬
‫داود»‪ ،‬و«سنن ابن ماجة»‪ ،‬و«موطأ اإلمام مالك»‪ ،‬و«مسند اإلمام أحمد»‪ ،‬و«الرسالة»‬
‫لإلمام الشافعي‪ ،‬و«األدب المفرد» لإلمام البخاري‪ ،‬و«الشفا في حقوق المصطفى» للقاضي‬
‫‪.‬عياض‪ ،‬وحصل على اإلجازة من الشيخ لرواية كتب الحديث‬

‫وعاد إلى مكة في العام التالي ألداء الحج ثانية‪ ،‬وفيها درس «الموطأ» على الشيخ وفد‬
‫هللا المالكي‪ ،‬وحصل منه على اإلجازة لجميع مرويات والده من األحاديث‪ ،‬وشارك في درس‬
‫«صحيح البخاري» للشيخ تاج الدين القلعي‪ .‬ودرس الشيخ على عدد كبير من المشايخ في‬
‫الحرمين المكي والمدني‪ ،‬منهم الشيخ حسن العجيمي‪ ،‬والشيخ أحمد النخلي‪ ،‬والشيخ عبد هللا بن‬
‫سالم البصري‪ ،‬والشيخ أحمد بن علي الشناوي‪ ،‬والشيخ أحمد بن محمد بن يونس القشاقشي‪،‬‬
‫والشيخ عبد الرحمن اإلدريسي‪ ،‬والشيخ شمس الدين محمد بن عّلء البابلي‪ ،‬والشيخ عيسى‬
‫الجعفري المغربي‪ ،‬والشيخ محمد بن محمد سليمان المغربي‪ ،‬والشيخ إبراهيم الكردي‪،‬‬
‫‪.‬وغيرهم‬

‫بعد هذه اإلفادة من المشايخ في الحرمين‪ ،‬والتحصيل العلمي المتميز‪ ،‬وخاصة في مجال‬
‫حديث الرسول رجع الشيخ ولي هللا الدهلوي إلى الهند في شهر رجب عام ‪1145‬هـ واستمر‬
‫في عمله إلى نهاية عمره‪.‬‬
‫فصاللثالث‪ :‬خدماته‬
‫كثيرا عن‬
‫ً‬ ‫وقد جاء العالمة الدهلوي في وقت كانت الدولة اإلسالمية في حالة ال تختلف‬
‫الحالة التي تمر فيها هذه األيام‪ ،‬من حيث التشتت وضعف الهمة‪ ،‬وهيمنة األعداء عليها‬
‫وتداعيهم عليها كتداعي األكلة إلى القصعة‪ ،‬ومحاولتهم تقاسم خيرات المسلمين‪ ،‬فكانت حالة‬
‫الهند تزداد حالتها سوءا‪ ،‬والحكام يزدادون ضعفا‪ ،‬والبدع والخرافات تفتك بعقول الناس‪،‬‬
‫واإلنجليز يمسكون بأز ّمة األمور بعد أن رسخت أقدامهم‪ ،‬فتحركت نفسه إلى الصدع بالحق‪،‬‬
‫ونصح الحكام‪ ،‬واألخذ بأيدي الناس إلى طريق اإلصالح‪ ،‬ولم ينصرف إلى التأليف والتدريس‬
‫ويترك الناس حيارى ال دليل لهم‪.‬‬
‫وكان المحدث شاه ولي هللا الدهلوي إما ًما في العلوم النقلية والعقلية‪ ،‬وكانت صفاته التي‬
‫تدل على الفهم والذكاء وعلو الهمة ظاهرة بشدة‪ ،‬وكان صادق الفراسة‪ ،‬وكان العصر الذي‬
‫عاش فيه عصرا مليئا بالفوضى واالضطرابات‪ ،‬حيث تعرضت "دلهي" للعديد من الغارات‬
‫والحوادث المؤلمة‪ ،‬فجعل الشيخ يوجه رسائله إلى األمراء ينصحهم باالستقامة والثبات على‬
‫الحق‪ ،‬والتعاون على الخير في صد العدوان‪ ،‬والدفاع عن اإلسالم والمسلمين‪ .‬كما دعا الناس‬
‫عامة وأمراء المسلمين خاصة إلى االعتصام بحبل هللا تعالى‪ ،‬وإلى نبذ الفرقة والتفرق‪ ،‬وإلى‬
‫ترك العصبية المذهبية‪ ،‬ووضح لهم االعتقاد الصحيح الذي يجب أن يعتقدوه‪ ،‬والفقه السليم الذي‬
‫يجب أن يسيروا عليه‪ ،‬وحاول بكل همته أن يرجع قطار اإلسالم إلى سكته التي ينبغي أن يكون‬
‫عليها‪ ،‬وقد كانت دولة الهند في ذلك الوقت قد انفرط عقد اإلسالم فيها‪ ،‬وبدأ الهندوس والسيخ‬
‫يسيطرون على كل شيء‪ ،‬ولم يبق في أيدي المسلمين إال القليل القليل‪.‬‬
‫وقد اهتم العالمة شاه ولي هللا بالعقيدة‪ ،‬وجعلها نصب عينيه‪ ،‬ولم يقتصر جهدًا في نشر‬
‫االعتقاد الصحيح المستمد من القرآن والسنة‪ ،‬تبليغه لكل من استطاع‪ ،‬ألنه كان يرى أن العقيدة‬
‫الصحيحة هي األساس المتين الذي يمكن أن تجتمع حوله كل تلك الفرق‪ ،‬وكل تلك الطوائف‪،‬‬
‫وبدون هذه االعتقاد يصعب تجميع المسلمين وتوحيدهم‪ ،‬ومن هنا فقد جعل الشيخ ولي هللا‬
‫التوحيد هو أساس دعوته‪ ،‬ثم تابع تالميذه هذه المسيرة‪ ،‬وقاموا بتطبيق حركة اإلصالح والجهاد‬
‫التي قادها اإلمام المجدد سيد أحمد عرفان الشهيد‪ ،‬والشيخ محمد إسماعيل الشهيد‪ ،‬وأتباعهم من‬
‫بعدهم‪ ،‬الذين وقفوا في وجه االستعمار‪ ،‬وقاوموه‪ ،‬وثبتوا في أرض المعارك‪ ،‬وثبتوا في صد‬
‫هجماتهم بكل أنواعها‪ ،‬والتي من أهمها التشكيك والتشويه‪ ،‬ووقف في وجه المعتقدات الوثنية‬
‫والباطلة‪ ،‬وهاجم المنكرات والبدع‪ ،‬وقد كانت تلك المعتقدات الفاسدة منتشرة بشدة في تلك‬
‫البقاع‪ ،‬وقد وضح الكثير من جهوده في هذا المضمار في العديد من كتبه‪ ،‬كـ "الفوز الكبير"‬
‫الذي جعله في مخاصمة أعداء دعوة اإلسالم من الطوائف الضالة األربع‪ ،‬وهم المشركون‪،‬‬
‫واليهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬والمنافقين‪.‬‬
‫وتفسيرا‪ ،‬وألف كتابه فتح الرحمن في‬
‫ً‬ ‫واهتم العالمة ولي هللا كذلك بالقرآن الكريم‪ ،‬حف ً‬
‫ظا‬
‫ترجمة القرآن‪ ،‬وركز اهتمامه بتدريس القرآن وتفسيره‪ ،‬ولم يكن في الهند قبل ذلك ترجمة‬
‫للقرآن الكريم إلى اللغة الفارسية‪ ،‬فكانت ترجمته فاتحة باب عظيم لنشر علوم القرآن‪ ،‬وتفاسيره‪،‬‬
‫فاقتدى به تالمي ذه من بعده‪ ،‬وقاموا بترجمة العديد من الكتب اإلسالمية إلى اللغة الفارسية‪ ،‬ثم‬
‫األردية بعد ذلك‪.‬‬
‫واهتم كذلك باألحاديث والسنة النبوية الصحيحة‪ ،‬ودعا إلى ضرورة التزام حركته‬
‫التجديدية باألحاديث الشريفة‪ ،‬وضرورة جعلها دائما نصب أعينهم‪ ،‬واهتم بحفظ المتون‪ ،‬وضبط‬
‫األسانيد‪ ،‬واالطالع على دواوين الحديث‪ ،‬حتى أصبحت ترد إليه أسانيد رواية الحديث لجميع‬
‫العلماء المحدثين في تلك البالد‪ ،‬فأصبحون عنه يروون‪ ,‬وإليه يسندون‪ ،‬فقام بتأسيس منه ًجا‬
‫جديدًا يعنى بالحديث وعلم الحديث‪ ،‬حيث اختار تدريس الحديث على منهج العلماء المتقدمين‬
‫األوائل‪ ،‬رواية ودراية‪ ،‬وكان قد آتاه هللا تعالى العديد من أسرار علم الحديث والتي وضع‬
‫بعضها أو الكثير منها في كتابه "حجة هللا البالغة"‪.‬‬

‫مساهمات محدث الدهلوي‬


‫الفصل‬
‫قد صنف اإلمام محدث الدهلوي كثير الكتب في مضامين الكثيرة كما صنف‬
‫اإلمام في أصول الدين وفلسفة الشريعة‪ :‬حجة هللا البالغة‪ ،‬والبدور البازعة‪ ،‬والمقدمة‬
‫السنية في انتصار الفرقة السنية‪ ،‬والتفهمات اإللهية‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهكذا صنف في علم‬
‫التصوف‪ :‬الطاف القدس‪ ،‬وفيوض الحرمين‪ ،‬والقول الجميل في بيان سواء السبيل‪،‬‬
‫واإلنتباه في سالسل األولياء‪ ،‬وشفاء القلوب‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهكذا صنف في تفسير‬
‫وعلوم القرآن‪ :‬الفوز الكبير في أصول الكبير‪ ،‬فتح الخبير‪ ،‬تأويل األحاديث في رموز‬
‫قصص األنبياء‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫و قد صنف كثير من الكتب في علم الحديث منها‪:‬‬
‫الربعين‪ :‬مجموعة من أربعين حديثا جامعا‪ ،‬جمعها الشيخ على طريقة األئمة السابقين «‬
‫بالسند المتصل عن طريق شيخه أبي طاهر المدني ‪ ،‬رغبة في بشارة الرسول حيث قال‪« :‬من‬
‫حفظ على أمتي أربعين حديثا فيما ينفعهم من أمر دينهم‪ ،‬بعثه هللا يوم القيامة من العلماء»‪،‬‬
‫وترجمه الشيخ عبد الماجد دريابادي إلى اللغة األردية‪ ،‬وطبع الكتاب في مطبعة أنوار محمدي‪،‬‬
‫‪.‬لكناو‪ ،‬الهند‪ ،‬عام ‪1319‬هـ‬

‫اإلرشاد إلى مهمات اإلسناد‪ :‬كتيب باللغة العربية جمع فيه الشيخ أحوال مشايخه الذين‬
‫درس عليهم في رحلة الحج‪ ،‬وتكلم فيه على أسانيدهم‪ ،‬وطبع الكتاب في مطبع أحمدي‪،‬‬
‫‪.‬جشن خان‪ ،‬دهلي‪ ،‬عام ‪1307‬هـ‬

‫تراجم أبواب البخاري‪ :‬رسالة مختصرة باللغة العربية‪ ،‬تحدث فيها عن قواعد وأصول «‬
‫لفهم تراجم اإلمام البخاري في كتابه «الصحيح»‪ُ ،‬‬
‫طبعت هذه الرسالة في مطبع نور‬
‫طبعت مع كتاب «شرح تراجم أبواب البخاري» من قبل‬ ‫األنوار‪ ،‬آره‪ ،‬عام ‪1899‬م‪ ،‬ثم ُ‬
‫‪.‬دائرة المعارف‪ ،‬حيدر آباد‪ ،‬الدكن‪ ،‬الهند‪ ،‬عام ‪1323‬هـ‬

‫فضل المبين في المسلسل من حديث النبي المين كتاب صغير كتبه الشيخ باللغة العربية‬
‫‪.‬عن الحديث المسلسل‬
‫المسوى شرح الموطا‪ :‬شرح وجيز لـ«موطأ اإلمام مالك» باللغة العربية‪ ،‬اهتم فيه ببعض‬
‫‪.‬القضايا المتعلقة بشرح الحديث‪ ،‬طبع الكتاب عدة طبعات‪ ،‬وهو كتاب متداول معروف‬

‫المصفى شرح الموطا‪ :‬ترجمة لـ«موطأ مالك»‪ ،‬وشرحه اإلمام شرحا وجيزا باللغة‬
‫الفارسية‪ ،‬وهو متداول معروف طبع عدة طبعات‪ ،‬منها طبعة كتب خانه رحيمية‪ ،‬سنهري‬
‫مسجد‪ ،‬دهلي‪ ،‬الهند‪ .‬ويظهر من هذا االهتمام أهمية «الموطأ» لدى اإلمام‪ ،‬والسبب في ذلك‬
‫كما يقول في مقدمة الكتاب أنه «كان مشوشا لفترة غير قصيرة الختّلف الفقهاء‪ ،‬ولكثرة‬
‫مذاهب العلماء وآرائهم‪ ،‬ومنازعاتهم الكثيرة‪ ،‬وسبب التشويش أن التعيين أمر مهم للعمل‪،‬‬
‫وال يمكن ذلك إال عن طريق الترجيح‪ ،‬ولكنني وجدت وجوه الترجيح مختلف فيها كذلك‪،‬‬
‫فسعيت هنا وهناك‪ ،‬واستعنت بكل واحد‪ ،‬لكن لم أعد بطائل‪ ،‬فتوجهت إلى هللا عز وجل‬
‫أتمتم بهذه الكلمات الدعائية {لَ ِّئ ْن لَ ْم َي ْه ِّد ِّني َر ِّباي أل َ ُكون ََّن ِّمنَ ْالقَ ْو ِّم الضَّا ِّلاينَ }‪{ ،‬إِّ ِّاني َو َّج ْهتُ‬
‫ض َح ِّنيفاا َو َما أَنَا ِّمنَ ْال ُم ْش ِّركِّينَ }‪ ،‬فتمت اإلشارة إلى كتاب‬ ‫ت َواأل َ ْر َ‬ ‫س َم َاوا ِّ‬ ‫ي ِّللَّذِّي فَ َ‬
‫ط َر ال َّ‬ ‫َوجْ ِّه َ‬
‫‪«».‬الموطأ» لإلمام مالك بن أنس‬

‫النوادر من أحاديث سيد الوائل والواخر‪ :‬كتب هذا الكتاب باللغة العربية‪ ،‬وطبعته مطبعة‬
‫‪.‬نور األنوار‪،‬‬

‫الدر الثمين في مبشرات النبي المين‪ :‬وهو رسالة صغيرة جمع فيها المؤلف الرؤى التي‬
‫بشره فيها النبي هو وآباؤه‪ ،‬وقد أورد بعض هذه البشارات في آخر كتابه «التفهيمات‬
‫‪.‬اإللهية» كذلك‪ ،‬وقد طبع «الدر الثمين» في مطبع أحمدي‪ ،‬دهلي‪ ،‬الهند‬

‫إنسان العين في مشايخ الحرمين‪ :‬رسالة مختصرة جمع فيها تراجم مشايخه في مكة المكرمة‬
‫والمدينة المنورة‪ ،‬وضمنه كتابه أنفاس العارفين‬
‫لما رجع من الحجاز فأخذ يدرس في مدرسة أبيه المسمى المدرسة النعيمية التعليم على‬
‫علم الحديث ألن علم الحديث قد خفي في الهند فأنتشر بحث علم الحديث بعد مدة طويلة من‬
‫لسان ولى هللا الدهلوي فخرج نورا بنور علم الحديث في شكل العّلمة السيد مرتضى بلغرامى‬
‫عليه الرحمة الذي فأشتهر شهرته بعلم الحديث الذي ال مثيل له وال نظير له في الهند‪.‬‬

‫شرح تراجم أبواب البخاري‬


‫شرح تراجم أبواب البخاري وهو كتاب نفيس بللغة العربية تحدث فيد عن شرح تراجم‬
‫األبواب في صحيح البخاري وتحدث فيه عن كيفية االستدالل باألحاديث الواردة في كل باب‬
‫على ترجمة الباب فإن هذين األمرين يدق فهمها على العلماء الحديث ومن هنا قالوا‪ :‬فقه‬
‫البخاري في تراجمه‪ ،‬وقد وفق اإلمام ولى هللا الدهلوي أيما توفيق في ذلك‪ .‬هذه الرسالة تطبع‬
‫باستمرار مع نسخة صحيح البخاري المطبوعة في الهند بتعليق الشيخ أحمد علي‬
‫السهارنفوري‪.‬‬
‫كان الهند في عصره بعيدا عن علم الحديث فخرج اإلمام الشاه شاه ولى هللا الدهلوي‬
‫إلى حجاز وطلب علم الحديث من علماء الحجاز وبعدها رجع إلى وطنه الهند فأخذ الدراسة في‬
‫مدرسة أبيه "المدرسة النعيمية" خاصة على علم الحديث ففكر إنتشار علم الحديث في الهند‬
‫فكتب كتابا على شرح أبواب البخاري المعروف بـ" شرح تراجم أبواب البخاري" ونحن نتكلم‬
‫على منهج هذا الكتاب كيف صنف هذا الكتاب‪.‬‬
‫وجملة شرح تراجم أبواب البخاري تنقسم أقساما‪:‬‬
‫منها أنه يترجم بحديث مرفوع ليس على شروطه ويذكر في الباب حديثا شاهدا له على‬
‫شرطه‪.‬‬
‫ومنها أنه يترجم بمسئلة استنبطها من الحديث بنحو من االستنباط من نصه أو إشارته أو‬
‫عمومه أو إيمائه‪.‬‬
‫ومنها أن يترجم بمذهب ذهب إليه قبل‪ ،‬ويذكر في الباب ما يدل عليه بنحو من الداللة‬
‫شاهدا ويكون له في الجملة من غير قطع بترجيح ذلك المذهب فيقول‪ :‬باب من قال كذا‪.‬‬
‫ومنها أنه يترجم بمسئلة اختلفت فيها األحاديث فيأتى بتلكد األحايث على اختّلفها ليقرب‬
‫إلى الفقه من أمرها مثاله { باب خروج النساء إلى البراز} جمع فيه حديثين مختلفين‪.‬‬
‫ومنها أنه قد تتعارض األدلة ويكون عند البخاري وجه التطبيق بينهما يحمل كل واحد‬
‫على محمل‪ ،‬إشارة إلى وجه التطبيق مثاله { باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وما يحذر من‬
‫اإلصرار على التقاتل والعصيان} ذكر فيه حديث { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر }‪.‬‬
‫ومنها أنه قد يجمع في باب أحاديث كثيرة كل واحد منها يدل على الترجمة ثم يظهر له‬
‫في حديث واحد فائدة أخرى سوى الفائدة المترجم عليها‪ ،‬ويعلم على ذلك الحديث بعّلمة الباب‪،‬‬
‫وليس غرضه أن الباب األول قد انقضى بما فيه وجاء الباب اآلخر برأسه‪ ،‬ولكن قوله {باب}‬
‫هنالك بمنزلة ما يكتب أهل العلم على الفائدة المهمة لفظه {تنبيه} أو لفظ {فائدة} أو لفظ {قف}‬
‫مثال قوله في كتاب بدء الخلق { باب قول هللا تعالى‪ :‬وبث فيها من كل دابة } ثم قال بعد‬
‫أسطر‪{ :‬باب خير مال المسلم غنم ينبع بها شعف الجبال} وأخرج هذا الحديث بسنده ثم ذكر‬
‫حديث {والفجر والخيّلء في أهل الخيل} ثم ما ليس فيه ذكر الغنم فكأنه أعلم على هذا الحديث‬
‫بأنه أعلم على هذا الحديث بأنه مع دخول في الباب فيه فائدة أخرى مع منقبة للغنم‪.‬‬
‫ومنها أنه قد يكتب لفظة {باب} مكان قول المحديثين وبهذا اإلسناد وذلك حيث جاء‬
‫حديثان بإسناد واحد كما يكتب {ح} حيث جاء حديث بإسنادين مثاله {باب ذكر المّلئكة} أطال‬
‫فيه الكّلم حتى أخرج حديث المّلئكة { يتعاقبون فيكم مّلئكة بالنهار} برواية شعيب عن أبي‬
‫الزناد عن األعرج أبي هريرة ثم كتب {باب إذا قال أحدكم آمنين والمّلئكة في السماء آمنين‬
‫فوافقت إحداهما األخرى غفر له ما تقدم من ذنبه} ثم أخرج حديث {إن المّلئكة ال تدخل بيتا‬
‫فيه صورة} ثم ما ليس فيه ذكر آمنين إال بعد كثير قال اإلسماعيلي في موضع الباب { وبهذا‬
‫اإلسناد } كأنه يشير إلى أن لفظة الباب عّلمة لقوله وبهذا اإلسناد‪.‬‬
‫ومنها أنه قد يترجم بمذهب بعض الناس ومما كان يذهب إليه بعضهم أو بحديث لم يثبت‬
‫عنده ثم يأتي بحديث يستدل به على خّلف ذلك المذهب والحديث إما بعمومه أو غير ذلك‪.‬‬
‫ومنها أنه يذهب في كثير من التراجم إلى طريقة أهل السير في استنباطهم خصوصيات‬
‫الوقائع واألحوال من إشارة طرق الحديث‪ ،‬وربما يتعجب الفقيه من ذلك المذهب لعدم ممارسته‬
‫لهذا الفن ولكن أهل السير لهم اعتناء شديد بمعرفة تلك الخصوصيات‪.‬‬
‫ومنها أنه يقصد التمرن على ذكر الحديث وفق المسئلة المطلوبة ويهدي طالب الحديث‬
‫إلى هذا النوع مثاله ذكر الصواع في ياب ذكر الحناط‪ ،‬وقد فرق البخاري في تراجم األبواب‬
‫علما كثيرا في شرح غريب القرآن وذكر آثار الصحابة واألحاديث المعلقة‪.‬‬
‫وقد يذكر حديثا ال يدل هو بنفسه على الترجمة أصّل لكن له طرق وبعض طرقه يدل‬
‫عليها إشارة أو عموما‪ .‬وقد أشار بذكر الحديث إلى أن له أصّل صحيحا يتأكد به ذلك الطريق‪،‬‬
‫ومثل هذا ال ينتفع به إال المهرة من أهل الحديث‪ ،‬وكثير ما يترجم ألمر ظاهر قليل الجدوى‬
‫ولكنه إذا تحقق المتأمل أجدى كقوله‪{ :‬باب قول الرجل ما صلينا} فإن أشار به إلى الرد على‬
‫من كره ذلك‪.‬‬
‫وأكثر ذلك تعقبات وتبكيتات على الرزاق وابن أبي شيبة في تراجم مصنفيهما ومثل هذا‬
‫ال ينتفع به إال من الكتابين واطلع على ما فيهما‪ ،‬وكثيرا ما يستخرج اآلداب المفهومة بالفعل‬
‫من الكتاب والسنة بنحو من االستدالل والعادات الكائنة في زمان النبي هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومثل هذا ال يدرك حسنه إال من مارس كتب اآلداب‪ .‬وأجال عقله في ميدان آداب قومه‪.‬‬
‫ثم طلب لها أصّل من السنة‪.‬‬
‫وكثير ما يأتي بشواهد الحديث من اآليات ومن شواهد اآلية من األحاديث تظاهرا‪،‬‬
‫ولتعين بعض المحمّلت دون البعض فيكون كقول المحدث‪ { :‬المراد بهذا العام الخصوص أو‬
‫بهذا الخاص العموم } ونحو ذلك ومثل هذا ال يدرك إال بفهم ثاقب‪ ،‬وقلب حاضر‪.‬‬
‫شرح شاه ولى هللا الدهلوي كتاب البخاري بلفظ صريح بألفاظ المفصل ببيان معنى‬
‫الحديث مفصّل وسهل اللفظ كما شرح هذا الحديث‪ { :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ال يؤمن‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين‪ }.‬تقديم الوالد لألكثرية‪ ،‬ألن كل‬
‫واحد له والد وال عكس‪ ،‬وفي رواية النسائي في حديث أنس تقديم الوالدة وذلك لمزيد الشفقة‪،‬‬
‫ولم ت ختلف الروايات في حديث أبي هريرة ويمكن أن يقال { تقديم الوالد ألصق وأقرب إلى‬
‫كونه صلى هللا عليه وسلم أحب ألنه في حكم الوالد‪.‬‬

You might also like