AR - Alhurra 31-1-2023

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫األردن واملساراإلبراهيمي وجدل السياسة واالقتصاد‬

‫كتب‪ :‬عريب الرنتاوي‪ ،‬مديرعام مركزالقدس للدراسات السياسية‬


‫موقع الحرة من زاوية أخرى‪ 31 ،‬كانون ثاني‪ /‬يناير ‪2023‬‬
‫تريد واشنطن لألردن (والسلطة الفلسطينية كذلك) أن ينخرط بنشاط في املسار اإلبراهيمي‪...‬اإلدارة‬
‫األميركية تجادل بأن أبواب "األفق السياس ي" التزال مغلقة‪ ،‬اآلن وحتى إشعارآخر‪ ،‬وليس من "الحكمة" في‬
‫ّ‬
‫ش يء التخلي عن "ثمار" التكامل االقتصادي اإلقليمي" التي ت ِعد بها اتفاقات إبراهام‪ ،‬بانتظارنضج الظروف‬
‫الذاتية واملوضوعية‪ ،‬الستئناف مسارالحل السياس ي‪.‬‬
‫مسؤول أميركي معني بهذا امللف‪ ،‬قال في جلسة بحضوركاتب هذه السطور(شريطة عدم الكشف عن‬
‫ً‬
‫هويته)‪ ،‬أن الوقت قد حان النضمام هذين الطرفين املعنيين أساسا باملسألة الفلسطينية‪ ،‬إلى املسار‬
‫اإلبراهيمي‪ ،‬وأن إقناع عمان ورام هللا بهذا األمر‪ ،‬إنما يندرج في مقدمة جدول أعمال جولته في‬
‫املنطقة‪...‬الش يء ذاته‪ ،‬يتكررويتسرب‪ ،‬بعد كل زيارة ملسؤول أميركي رفيع للمنطقة‪.‬‬
‫هذا املوقف‪ ،‬تدعمه بنسب متفاوتة من الحماسة‪ ،‬الدول العربية (اإلبراهيمية)‪ ،‬وتقف أبوظبي في‬
‫صدارة هذه الدول‪ ،‬فهي التي تقود قاطرة التطبيع العربي مع إسرائيل‪ ،‬وهي التي ترتبط بعالقات خاصة‬
‫ومتميزة مع األردن‪ ،‬وهي في الوقت عينه‪ ،‬أحد أبرز داعمي وممولي مشاريع التكامل االقتصادي اإلقليمي‪،‬‬
‫وهي االسم "الحركي" للمساراإلبراهيمي‪.‬‬
‫تقوم فلسفة هذا املسارعلى فرضية‪ ،‬أن السياسة ال تحل كل ش يء‪ ،‬وال تعالج مختلف املشكالت التي‬
‫تعاني منها شعوب املنطقة‪ ،‬وبالذات في األردن‪ ،‬وأن من الحكمة البحث عن مسارات موازية لتوفير حلول‬
‫من شأنها حفظ االستقرار وتحقيق االزدهار‪ ،‬قد تساعد وإن بعد حين من الوقت‪ ،‬في تهيئة ظروف أفضل‬
‫الستئناف املسار السياس ي‪ ..‬ال تبادر أي دولة إلعالن تخليها عن فكرة "األفق السياس ي" أو حتى "حل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدولتين"‪ ،‬ولكن في املقابل‪ ،‬ال تبذل أي منها‪ ،‬جهدا كافيا لتفتيح آفاق السالم‪ ،‬فيبدو الحديث عن املسار‬
‫السياس ي‪ ،‬بمثابة "ضريبة كالمية" تدفعها حكومات هذه الدول ملواطنيها ومواطني دول املنطقة‪ ،‬في حين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الجهد‪ ،‬كله أو جله‪ ،‬إنما ينصب على املساراالقتصادي – السالم اإلبراهيمي‪.‬‬
‫األردن‪ ،‬ظل طوال السنوات املاضية‪ ،‬وبالذات زمن إدارة ترامب و"صفقة القرن" يتحدث عن‬
‫ً‬
‫"السياسة أوال"‪ ،‬ولم يخل تصريح ملسؤول أردني واحد‪ ،‬من تأكيدات على أن االقتصاد وحده‪ ،‬حتى في حال‬
‫مقايضته باألمن‪ ،‬لن يوفر بيئة صلبة لسالم واستقرار مستدامين‪ ،‬ولن يجلب والحالة كهذه‪ ،‬االزدهار‬
‫‪Page 1 of 3‬‬
‫املطلوب لدول املنطقة وشعوبها ‪.‬سيظل األردن يتحدث عن "األفق السياس ي" وعن "حل الدولتين" بوصفه‬
‫ً‬
‫املخرج من االستعصاء املنذر بانفجارات متالحقة‪ ..‬لكن الجديد في املوقف األردني مؤخرا‪ ،‬أنه بدأ يعطي‬
‫إشارات ملموسة‪ ،‬على أهمية تحفيز "مسار التكامل االقتصادي اإلقليمي"‪ ،‬بل ويعطيه أولوية قصوى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمليا‪ ،‬حتى وإن ظل لفظيا يعطي األولوية للسياسة على االقتصاد‪.‬‬
‫ّ‬
‫التحول في املوقف األردني‪ ،‬إلى جملة عوامل‪ ،‬منها‪ )1( :‬اعتقاد األردن بتعذر‬ ‫وربما يعود السبب في هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرص الحل السياس ي سيما في ضوء نتائج انتخابات الكنيست األخيرة‪ ،‬ووصول اليمين األكثر غلوا وتطرفا‬
‫إلى مو اقع صنع السياسة والقرار في إسرائيل‪ )2(...‬الخانقة االقتصادية التي تعتصر األردن واألردنيين‪،‬‬
‫والخشية من تحولها إلى مصدرتهديد لألمن واالستقرارالوطنيين ‪ )3( ...‬ومنها أن األردن يرى دائرة تحالفاته‬
‫األقرب‪ ،‬منخرطة بنشاط في هذا املسار‪ ،‬من بعض دول الخليج العربية إلى مصر والواليات املتحدة ‪)4( ...‬‬
‫إن قدرة األردن اليوم‪ ،‬على مقاومة ضغوط الحلفاء‪ ،‬أضعف بكثير مما كانت عليه باألمس‪ ،‬سيما في ضوء‬
‫حسابات داخلية شديدة الدقة والتعقيد‪ ،‬تلقي بثقلها على أولويات السياسة األردنية‪ ،‬في بعديها الداخلي‬
‫والخارجي‪.‬‬
‫بعد االنتخابات اإلسرائيلية‪ ،‬وتشكيل حكومة نتانياهو السادسة‪ ،‬ساد جدل و انقسام أوساط‬
‫النخب السياسية األردنية‪ ،‬حول الطريق الذي سيسلكه األردن في التعامل مع صعود اليمين الديني‬
‫والقومي في إسرائيل‪ ،‬من مرجح لسيناريو "التكيف" إلى مفضل لسيناريو "املواجهة"‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجلوس على مقاعد املتفرجين‪ ،‬ليس خيارا ممكنا في الحالة األردنية‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي جادل فيه كثيرون‪ ،‬بأن كلفة سيناريو "التكيف" على املدى البعيد أعلى بكثير من‬
‫كلفة سيناريو "املواجهة"‪ ،‬إال أن تطورات األسابيع القليلة الفائتة‪ ،‬أظهرت بأن األردن – الرسمي‪ ،‬سائرعلى‬
‫خطى "التكيف"‪ ،‬وليس "املواجهة"‪ ،‬وأن بات أقرب لالنفتاح على مشاريع التكامل اإلقليمي – اإلبراهيمية‪،‬‬
‫منه إلى سياسة مقاطعتها ورفضها‪.‬‬
‫بالطبع‪ ،‬ال يخلو الخطاب األردني الرسمي‪ ،‬من تشديدات متكررة على "وجوب عدم ترك األشقاء‬
‫الفلسطينية خلفنا"‪ ،‬والحاجة إلدماجهم في هذ املشاريع ‪ ...‬إن لخشية أردنية من انفجار الحال في الضفة‬
‫الغربية وما قد تتسبب به شراراته املتطايرة من آثار على الداخل األردني‪ ،‬أو لرغبة في الحصول على غطاء‬
‫فلسطيني لالنخراط في مسارات "السالم االقتصادي"‪ ،‬التي هي االسم الفعلي ملشاريع التكامل اإلقليمية‪،‬‬
‫من دون "رتوش"‪ ...‬الفلسطينيون لم يقولوا كلمتهم األخيرة بعد‪ ،‬مع أن السلطة الفلسطينية ليست بعيدة‬
‫ً‬
‫تماما عن هذا الفضاء‪ ،‬وهي انخرطت بصورة جزئية في معادلة "االقتصاد مقابل األمن" زمن حكومة بيت‬
‫‪ -‬لبيد‪ ،‬وهي "تنويعة" على هامش "السالم االقتصادي" كذلك‪.‬‬

‫‪Page 2 of 3‬‬
‫األردن‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬رفض محاوالت ّ‬
‫"جره" إلى املسار اإلبراهيمي‪ ،‬قاطع مؤتمر النقب‪ ،‬ولم يشارك في‬
‫اجتماعات أبوظبي‪ ،‬والجميع بانتظار قراره بشأن مؤتمر الرباط مطلع الربيع القادم‪ ،‬واملوقف حتى اآلن‬
‫ً‬
‫ضبابي‪ ،‬فيما سيناريو املشاركة يتغلب تدريجيا وبالنقاط‪ ،‬على سيناريو املقاطعة‪.‬‬
‫مرد التردد األردني‪ ،‬رأي عام أردني غاضب ور افض لالنخراط في هذا املسار‪ ،‬وحالة التردد واملراوحة‬
‫التي تميز املوقف الفلسطيني‪ ،‬وربما غياب مشاريع مثيرة للشهية تبرر االنخراط املكلف في مسار محفوف‬
‫ً‬
‫باملجازفة‪ ،‬ويشكل تخليا عن جوهرومضمون وروح "مبادرة السالم العربية" التي تحمس لها األردن‪ ،‬وقامت‬
‫ً‬
‫فلسفتها على إنهاء االحتالل أوال‪ ،‬قبل التطبيع‪ ،‬أو تقديم السياسة على االقتصاد بلغة أخرى‪.‬‬
‫في الجدل الدائرحول هذه املسألة‪ ،‬يغيب املوقف الرسمي املشتبك مع اتجاهات الرأي العام ومخاوفه‬
‫وهواجسه‪ ،‬وتغيب األسئلة الجوهرية عن النقاش‪ ،‬ومنها على سبيل املثال ال الحصر‪ :‬هل يفض ي التطبيع‬
‫مع إسرائيل إلى تنمية قوى االعتدال فيها أم أنه يساعد قوى التطرف والغلو على تصعيد ممارساتها ورفع‬
‫ً‬
‫سقوف مطالباتها؟‪ ...‬ومنها أيضا‪ ،‬ما الذي سيضغط على إسرائيل (أو يفتح شهيتها)‪ ،‬إن هي اندمجت‬
‫ً‬
‫اقتصاديا بالكامل في املنطقة‪ ،‬لكي تنهي احتاللها وتوقف ممارساتها الوحشية ضد الفلسطينيين؟‬
‫واشنطن أجابت على لسان بليكن على السؤال الثاني‪ :‬اندماج إسرائيل في املنطقة‪ ،‬يحفظ أمنها‬
‫وتفوقها‪ ،‬بمعنى أن األولوية األميركية التزال وستبقى لسنوات عشر على أقل تقدير‪ ،‬والكالم للمسؤول‬
‫األميركي الزائرالذي رفض الكشف عن هويته‪ ،‬هي أمن إسرائيل وتفوقها‪ ،‬ولن تكون هناك إدارة أميركية‪،‬‬
‫جمهورية أو ديمقراطية‪ ،‬راغبة أو قادرة‪ ،‬على ممارسة ضغط عليها‪ ،‬يكفي لدفعها إلنهاء االحتالل‪ ،‬والرضوخ‬
‫ملشيئة املجتمع والقانون الدوليين حول "حل الدولتين‪.‬‬
‫أما السؤال األول‪ ،‬فتجيب عليه سلسلة الوقائع التي أعقبت التوقيع على االتفاقات اإلبراهيمية‪:‬‬
‫إسرائيل جنحت أكثرللتطرف والغلو‪ ،‬واستشعرت أكثرمن أي وقت مض ى "فائض قوة" يمكنها من "حسم‬
‫ً‬
‫الصراع" مع الفلسطينيين بدل "إدارته"‪ ،‬ودائما على حساب أرضه وحقوقه ومقدساته ‪ ...‬والسنوات‬
‫اإلبراهيمية الفائتة‪ ،‬بما شهدته من تسريع لالستيطان وتكثيف للعدوان وزيادة في االنتهاكات‪ ،‬خيردليل على‬
‫بؤس النظرية القائلة بأن التطبيع مع إسرائيل‪ ،‬و"تهدئة روعها" هما الطريق األقصر لضمان اعتدالها‬
‫وجنحوها لخيارالسلم واحترام حقوق الفلسطينيين والعرب‪.‬‬
‫على األردن‪ ،‬أكثرمن غيره‪ ،‬أن يجيب على هذين السؤالين‪ ،‬كونه بفعل "الجيوبوليتك"‪ ،‬املتضررالثاني‬
‫قدم إجابته بشكل واضح‬ ‫من سياسات التطرف اإلسرائيلي‪ ،‬بعد الفلسطينيين ‪ ...‬الرأي العام األردني ّ‬
‫وملموس‪ ،‬بكل أشكال التعبير املمكنة‪ ،‬بيد أن الكرة اليوم التزال في امللعب الرسمي األردني‪ ،‬فهل من‬
‫مجيب؟!‬
‫‪Page 3 of 3‬‬

You might also like