Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 18

‫وسط مملكة ضخمة وفي العاصمة كبيرة تقع قلعة الملك المحصّنة بسور دائري ذو‬

‫باب واحد‬
‫كانت العاصمة محاطة من ثالث جهات باسوار تاريخية عالية‪.‬‬
‫وكانت الجهة الرّ ابعة مغلقة بالكامل بمساحة شاسعة تتجاوز طول المدينة من غابة‬
‫كثيفة ال تقل عن االسوار متانة وحماية‪ .‬وكان السورين يمتدان إلى مكان عميق في‬
‫الغابة‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪،‬وبشق االنفس‪ ،‬آخر أيام حياته‪،‬‬ ‫كان يعيش الملك‬
‫وقد استلم مقاليد األمور عمليا وزيره عقاب الذي على مدى سنوات كان على اتصال‬
‫مباشر باالمور الملكية حيث أكسبته السنوات كلمة مسموعة ويدا نافذة القدرة‪.‬‬

‫لم يكن ينقص عُدي ابن الملك الوحيد ذو العشرين عاما شيئا من الذكاء‪ ،‬اال انه لم‬
‫يكن مهتما‪-‬قبل اشتداد المرض على والده‪ -‬باصدار األوامر رغم قدرته أيام عز أبيه‬
‫أن يكون ذا نفوذ وسلطة وأن يمهد لنفسه ملكه المؤكد‪ ،‬لكن كل ذلك لم يستهويه وما‬
‫كان ليثير فيه اي حس باالنجاز‪ .‬وكان عُدي حاذقا يكره الشكليات؛ لقد أحب منذ‬
‫صغره االختراعات الميكانيكية‪ -‬كعجالت المياه واالقواص ذات الرمي األتوماتيكي‬
‫السريع ‪ -‬والطائرات الورقية‪.‬‬

‫كانت تأسره فكرة فهم األشخاص المحيطين به على قدر ما لم يكن هو شخصا‬
‫مفهوما‪ ،‬ولعل اكثر من كان على تماس مع هوايته البستاني إيهاب والذي كان‬
‫متقاعدا من تدريب الحرس الملكي‪ ،‬وقد عيّن الوزير منذ سنوات بديال له‪.‬‬

‫كانت المملكة حتى تلك االيام ال تزال في وضع محمول‪ ،‬ولكن ليست مزدهرة كما‬
‫في السابق‪ ،‬خاصة بعد توسّع نفوذ الوزير وقراراته التي بدأت تشمل مختلف‬
‫القطاعات‪ .‬هذا التوسع في النفوذ كان حصيلة السوء التدريجي في حال الملك ‪ ،‬وقد‬
‫بدأ األمر يثير اهتمام عُدي الذي لم يكن يريد الدخول في صدام حالي مع الوزير‪ ،‬إذ‬
‫أن الجوّ سيخلو له قريبا ليقوم باصالحاته‪ .‬ويمكننا القول أن عّدي كان قد بدأ في‬
‫السنة األخيرة االنصراف عن هواياته واالهتمام بدراسة كيفية إدارة أمور المملكة‪،‬‬
‫وهذا كان إلى جانب تمريض والده الذي صار يشغل معظم أوقاته‪.‬وعندما علم الملك‬
‫بضعف حاله أخبر ابنه بمكان كنز مخبأ في الغابة ال ينبغي أن يعرف عنه سوى‬
‫الملك الشرعي ‪ ،‬وأن األسطورة تقول أن مل ًكا ساب ًقا خبأه بعدما أخبره عرّ اف بأن‬
‫يجمع ماال يخبأه ألحد أحفاده سيستخدمه العمار أقوى مملكة في التاريخ ‪.‬ثم قال‬
‫له‪":‬انا ال أؤمن بوجود هكذا كنز وأقولها بعدما بحثت مطوال بحثا كامال دون‬
‫جدوى ‪،‬لكنني أخبرك ألنني وعدت أبي بتوارث هذا السر"‬

‫ومات الملك‪O...‬‬

‫ولم يتحدث أحد ألسبوع عن مآل األمور التي كانت قد بدأت تدخل صم ًتا مثيرا‬
‫للتساؤالت‪ .‬تمت دعوة أعيان الناس إلى لقا ٍء داخل أسوار القلعة الملكية وقد خرج‬
‫الوزير ال الملك عُدي على ال ّناس ليقول‪:‬‬

‫" أعزيكم كما أعزي نفسي وسعادة الملك الشاب الحزين‪ ".‬ووعد ال ّناس بمتابعة‬
‫األحوال بكل قوته والسّعي تحسين أمور المملكة‪.‬‬

‫ث ّم أخبرهم بأن الملك في حال حزن يديم الوحدة وأنه لم يرى نفسه في حال تسمح له‬
‫في الخروج على الناس والقيام برثاء أبيه وتحضير الناس للحقبة المقبلة بامرته‪.‬‬
‫والحقيقة أن الملك عُدي القابع في سجن القلعة أكثر من جاهز لتطبيق كل مخططاته‬
‫التي عمل عليها مدار السنة بعد متابعته الحثيثة لألوضاع‪.‬‬

‫أدخل الحرس الملك عُدي إلى السجن مع ذوي الحكم المؤبد في غرفة مزدوجة‪،‬‬
‫ولكن ما لفت عُدي أن الحرس صار مق ّن ًعا بقناع ذهبي‪ ،‬حتى أنهم فيما بعد أصبحوا‬
‫معروفين بالحرس الذهبيّ ‪.‬‬
‫اُدخل عُدي السجن بدفعة قوية ‪ ،‬واُغلق الباب خلفه‪ .‬وقف وتوجّ ه نحو السرير المتاح‬
‫غير عابٍئ بذهول السجين على السرير األخر والذي بدا غير مقتنع بما يراه‪.‬‬

‫جلس وتقوقع مديرً ا وجهه ناحية الحائط دون أن يصدر أي صوت‪ .‬وما كانت إال‬
‫دقائق مرّ ت حتى تجرّ أ السجين اآلخر وقال‪ ":‬ابن الملك بذاته هنا؟ يا للروعة!‬

‫أي موقف تسببت فيه حتى قام الملك بسجن ابنه الوحيد؟ هل قمت بإحراجه في‬ ‫‪-‬‬
‫موقف رسميّ ؟ أو دعني أحزر ممممم‪"...‬‬
‫أي جزء من ظهري أخبرك برغبتي في الحديث معك؟ قال الملك هازءا‬ ‫‪-‬‬
‫اعذرني يا ابن الملك المعظم فكالنا سجين اآلن‬ ‫‪-‬‬

‫ّ‬
‫مؤخرً ا وأنا الملك‬ ‫لحظات صمت مرّ ت ثم أردف عُديّ قائال‪ ":‬للعلم والدي توفيّ‬
‫اآلن‪".‬‬

‫" وأنا سيف ‪ ،‬هل هذه أولى رحالتك الملكية؟" قالها السجين اآلخر وقد ارتسمت‬
‫ابتسامة ساخرة على شفتيه‬

‫تعرفنا وال تقييم وزنا للعائلة الملكية‪ .‬جميل ح ًّقا‬ ‫‪-‬‬


‫‪-‬‬
‫أوهل يُبقي المتمادي بظلمه لنفسه رهبة؟! ٌ‬
‫سنة ونصف أقبع هنا‪ ،‬محكوم مؤبّد‬ ‫‪-‬‬
‫وذلك بأمر مباشر من وزير والدك المعظم‪.‬‬
‫التفت عدي اليه ببرودة ‪:‬‬
‫اها‪ ،‬سجين الوزير ًإذا‪ .‬ما تهمتك؟‬ ‫‪-‬‬
‫ساعدت في استعادة القمح الّذي صادرته الحكومة من فاّل حي ال ّشرق‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫قل إنك سرقت ظلما القمح المصادر من المخازن وأرح نفسك‬ ‫‪-‬‬
‫أب ًدا! فتحت أقفال األبواب العمالقة لقاء أجر من أصحاب القمح بعدما‬ ‫‪-‬‬
‫وضعت المملكة يدها على محل االقفال خاصتي‪ .‬لقد بعثت بع ّدة رسائل للملك‬
‫أطالب فيها بح ّقي‪ ،‬طلبت وساطة ك ّل معارفي‪ ،‬ك ّل ذلك دون جدوى‪.‬‬
‫تال كالم السّجين صوت خطوات يقترب تدريجيّا‪ .‬وقع الخطوات يشير أن القادمين‬
‫ُكثر‪.‬‬

‫فُتح باب الغرفة بقوّ ة‪ ،‬وها هو الوزير برفقة أربعة من حرّ اسه المق ّنعين بقناع ذهبي‪،‬‬
‫ّ‬
‫توزع اثنان بجانب عُدي فيما وقف اآلخران أحدهما قرب سيف واآلخر خلف‬
‫الوزير‪.‬‬

‫"ال تخف يا سعادة الملك‪ ،‬سأنقلك إلى مكان يليق بك بعد االتفاقات التي سنبرمها"‬
‫وقد ترافق صوت الوزير بنعومة مصطنعة‬

‫"االتفاق الوحيد الذي سأعقده معك هو مكان قبرك" قالها الملك بدون تردد‬

‫عندها أشار الوزير عقاب للحارسين بحاجبيه فأمسكا عديّ ك ٌّل من ذراع‪ .‬اقترب‬
‫الوزير ولف أصابع يده اليمنى حول رقبة الملك وهمس بصوت أجش في أذنه ‪:‬‬
‫"لديّ عمل أقوم به ال ألعابًا صبيانيّة" ثم أفلته ورفع له يده مو ّدعًا‬

‫وداعًا يا دمية الملك‬ ‫‪-‬‬


‫وداعا أيتها السحليه‪ .‬وكان جواب الملك هذا سببا لكي يتلقى ضربة من‬ ‫‪-‬‬
‫الحارس أسقطته أرضًا‪.‬‬

‫بدأت أحوال المملكة تسوء‪ .‬والعاصمة التي كانت قلب المملكة النابض باتت في حال‬
‫يرثى لها! كان الوزير يخرج على الناس بين الحين واآلخر ليخبرهم عن انشغاالت‬
‫ملكهم ووقته الذي ال يتسع للقاء الناس‪ .‬كما ويخبرهم عن اضطرار الملك لزيادة‬
‫الضرائب رغم محاولته هو ‪-‬وزيره الذي يشعر بآالم الناس‪ -‬اقناعه لكي يعود عن‬
‫قرار رفع الضرائب هذا‪..‬‬
‫يسخط الناس على الملك‬
‫يجمع الوزير العائدات ليقوم بما يجده مناسبا أو يبقيها لالستثمار بعد اإلطاحة بالملك‬
‫واألهم من ذلك ‪ :‬يفوز هو بمنصب المُلك!‬

‫بدأت البطالة تكثر وخاصة في العاصمة‪ ،‬والناس تضطر لبيع ممتلكاتها أو رهنها‬
‫لصالح الخزينة‪ .‬هم عليهم مجاراة الضرائب في ازديادها إضافة لتأمين لقمة العيش‪،‬‬
‫حال مقبول‪.‬‬ ‫ومع الوقت‪ ،‬لم َ‬
‫يبق إال العاملين في المملكة تحت حكم الوزير في ٍ‬
‫مرّ شهر كامل كثرت فيه الجرائم والسرقات‪ ،‬وبدأ نواة المظاهرات بالظهور‪.‬‬
‫وبالطبع كانت هذه التجمعات تفضها القوات الملكية باسم الملك تحت امرة الوزير‪.‬‬
‫ومع االرتفاع الرهيب لتيار المعارضين‪ ،‬فكر الوزير أن يا لها من فرصة ذهبية‬
‫للمطالبة بإعدام الملك والبدء بخططه التي رسمها للوصول إلى مبتغاه‪.‬‬
‫وسط هذه الفوضى ظهرت سرقات هي األغرب من نوعها ‪ ،‬فعربات الجباية‬
‫توزع على الناس! ًّ‬
‫وأي كانت الجهة التي تدير هذه السرقات لكنها‬ ‫"المسروقة" كانت ّ‬
‫خلقت التفا ًفا حولها‪.‬‬

‫أما في السجن الملكيّ ‪ ،‬فقد بدأت عالقة الملك وسيف تأخذ طابعًا أخو ًّيا تشوبها بعض‬
‫المشاحنة من باب التسلية‪ .‬ولم يكن شيء ليطفئ عزم الملك على الخروج من السجن‬
‫وصنع الحلم الذي أع ّد له الع ّدة أيام ّ‬
‫عزه‪.‬‬
‫عند منتصف الليل‪ ،‬انشغل عُدي بحفّ مسمار باألرض‪ ،‬واستخدم أيضا مناديال‬
‫ومياهًا مملّحة ألمر لم يعرفه سيف‪ .‬لقد عرف شيئا واح ًدا‪ :‬األصوات الخافتة التي‬
‫يصدرها الملك في عمله أكثر من مزعجة ومستفزة‪.‬‬
‫_ هل عليّ أن أوضّح أنّ ما تفعله يُع ّد تف ّننا باإلزعاج؟‬
‫_ هل عليّ أن أوضّح أني ال أكترث؟‬
‫ثم استدرك الملك وقال‪ :‬ال عليك سأعوضها لك‬
‫وما كاد ينهي كالمه حتى فتح الباب حارسٌ مق ّنع‪ ،‬وأشار للملك بالقدوم نحوه‪ .‬رأى‬
‫ك وهو يضع المسمار الطويل الملفوف بالمنديل في جيب سترته الخلفي‪،‬‬
‫سيف المل َ‬
‫راقبه يقترب من الحارس وشهد بأ ّم عينيه كيف همس األخير في أذن الملك ما جعله‬
‫يدمع‪ ،‬األمر الذي آثار دهشته! ليس فقط لكالم الحارس مع الملك بل لطريقة تأثر‬
‫الملك بهذا الكالم‪ ،‬فهو لم يتوقع أبدا أن هذا الملك يملك مثل هذه العواطف تجاه أي‬
‫شخص أو حدث‪..‬‬
‫أما الملك ‪ ،‬فقد سمع من الحارس كلمات ثالث جعلته ينتفض "مرحبا أيها الشقي"‪.‬‬
‫يعرف الملك هذا الصوت‪ O‬ج ّي ًدا‪ ،‬إنه البستاني أو قائد الحرس المتقاعد! ثم أعطا‬
‫الملك ورقة ّ‬
‫لخص فيها آخر األخبار ووعده بالعودة مج ّددا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الحارس‬

‫يومين مرّ ا والحراسة تشت ّد على عربات الجباية ما تسبب في شلل للمحاوالت‬
‫األخيرة‪ .‬وبعد يومين عاد البستاني ايهاب بنفس الهيئة لياًل ‪ ،‬وبعد اطالع الملك على‬
‫األخبار ‪ ،‬طلب منه الملك أن‬
‫يتقصّى أخبار عن مجموعة السرقة والتوزيع ويحاول االلتحاق بهم‬
‫إيهاب وشاحً ا أبيض ليضعه حول عنقه ويغطي به لحيته البارزة‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫‪ .‬ثم أعطى المل ُ‬
‫من تحت القناع كل ما زاره‪ .‬فالحراس لم يكونوا من أصحاب اللحى الطويلة‪ ،‬أما‬
‫الوشاح فيمكن تفسيره بحجّ ة البرد لياًل ‪.‬‬
‫كان إيهاب الرجل األشد حزمًا وقوّ ًة وذكا ًء في نظر عُديّ ‪ .‬لقد عرفه منذ الطفولة‪،‬‬
‫كان موضع ثقته الوحيد‪ ،‬ومالذه في التسلية‪ .‬وقد بدأت متانة هذه العالقة تشت ّد منذ‬
‫كان إيهاب ال يزال قائ ًدا في الحرس وحتى انصرافه الى عمله الهادىء كبستاني‬
‫القلعة‪.‬‬
‫أيام قليلة مرت وايهاب يستطلع ويترصد ويراقب تحركات الجباة ويالحظ نمط عمل‬
‫المجموعة الشعبية التي تقوم بالسرقات‬
‫ما قام إيهاب هو أن سرق بنفسه ع ّدة عربات ما جعل القيّمين على المجموعة‬
‫يبحثون عنه هم‪ .‬وحصل أ ّنه سرق إحدى العربات الواقعة تحت استطالعات‬
‫المجموعات الشعبية السرية _ االمر الذي كان جزءًا_ من خطته‪ .‬وفيما كان ايهاب‬
‫ّ‬
‫يوزع األموال التي سرقها على البيوت مرتديًا نفس وشاحه األبيض أحسّ بحركة‪.‬‬
‫اثنان من الحرس الذهبي كانا في جولة ضمن المدينة أسرعا خلفه وبينما هو يحاول‬
‫التخفي سقط الوشاح‪ .‬لكن ما كانت إال لحظات حتى رُمي سهمان أصابا الحارسين‬
‫من على سطح أحد المنازل‪ .‬حيّا إيهاب الرّ امي اذ قد رآه!‬

‫لحظات مرّ ت وفُتح باب المنزل المجاور‪ ،‬فتراجع إيهاب عن فكرة استعادة الوشاح‬
‫و َفل الجري بعي ًدا‪ .‬وكان هذا ما فعله الرّ امي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ووزع‬ ‫في اليوم ال ّتالي‪ ،‬بدأت تنتشر قصّة ذو الوشاح األبيض الذي قتل حارسين‬
‫أموال الجباية‪.‬‬
‫ث ّم ما لبث أن صار اسم المجموعة كلّها " ذوي الوشاح األبيض"‪.‬‬

‫كانت قيادة المجموعة ال ّشبابية قد وجدت طريقها إليهاب الّذي انض ّم إليهم وصار‬
‫جز ًءا منهم لما له من اسم وما أظهر من قدرة‪ .‬وعلى مدى األيام التالية ساعدهم في‬
‫سرقة ع ّدة عربات‪.‬‬
‫أوشحة بيضاء فعاًل‬
‫ً‬ ‫ثم ما لبثت أن القت البيضاء رواجً ا‪ .‬وصارت المجموعة تترك‬
‫بشكل يُذكر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مع األموال‪ ،‬التي لم تكن كافية لتغيّر الحال‬

‫بعد أسبوعين‪ ،‬زار إيهاب الملك بوشاح غير ذاك وكرر الزيارة في اليوم التالي‪.‬‬
‫وفي زيارته يتجنب ايهاب اكثار الحديث ويكتفي بتمرير كتاب للملك فيه آخر‬
‫المستجدات ويقتصر الحديث على أوامر الملك‬
‫كان الملك سعي ًدا بما يحققه إيهاب من إنجازات رغم ما أورده ايهاب من أن هدف‬
‫المجموعة اغتيال الملك‪ .‬طلب الملك من إيهاب أن يحرر سيف (زميل السجن)‪،‬‬
‫وتناقشوا لدقيقتين قبل أن يعد إيهاب الملك بتنفيذ الخطة اذ عليه أن يذهب قبل أن‬
‫يثير الشكوك‪.‬‬

‫كان الملك يُطلع سيف على األوضاع باختصار فمن ناحية هو مجبر على ذلك‪ ،‬ومن‬
‫ناحية سيف ذو فكر ال يستهان به وآراؤه بدت صائبة‪.‬وقد اراد الملك االستفادة من‬
‫سيف خارج السجن‪ .‬لكن فكرة تهريبه كانت صادمة!‬

‫‪-‬أتريد أن تتسبب بقتلي ؟‬


‫‪-‬ال أيها الفذ أريد تهريبك لتساعدهم في توزيع أموال الخزينة‪.‬‬
‫‪-‬أجل هذا ما اسأل عنه‪ O...‬التسبب بقتلي‬
‫‪-‬حس ًنا لقد أمسكت بي‪ .‬اريد التخلص منك فصوت شخيرك مزعج ال يُحتمل‬
‫‪-‬لعلمك‪ ،‬أنا ال أصدر شخيرً ا‬
‫‪-‬ال ليس شخيرً ا‪ ،‬هذه مطحنة! حس ًنا الوقت ليس لصالحنا ح ًّقا‪ .‬أورد إيهاب أن‬
‫المجموعة رصدت بداية تحركات في البالد المجاورة الستغالل ضعف بلدنا‪ ،‬وكل‬
‫اهتمام الوزير على أطماع الداخل‪.‬‬
‫‪-‬حسنا حسنا‪ ،‬سأحاول أن أكون مستع ًّدا من أجل مصلحة هذا البلد‪.‬‬
‫‪ -‬وكي تخلّصني من شخيرك‬
‫‪-‬نم يا فكيه‬

‫وبعد يومين عاد إيهاب وأورد للملك أن المجموعة قد عقدت العزم وبدأت بتخطيط‬
‫التسلل لقتل الملك‪.‬‬
‫‪"-‬سأكون سعي ًدا الستقبالهم في الغرفة الملكية هذه" قال الملك ساخرا‬
‫‪ -‬كحل وحيد لتهريب سيف نحتاج مفتاح الباب الثالث وهو موجود مع الوزير‬
‫شخص ًّيا‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ما نحاول اخراج سيف ألجله‪ ،‬فتح القفول‪.‬‬
‫‪ -‬هل تثق بقدرته‬
‫‪-‬الى حد كبير نعم‬
‫‪-‬غ ًدا لدينا فرصة‬
‫ثم صدر صوت فانصرف إيهاب وتظاهر الملك وسيف بال ّنوم‪.‬‬

‫دخل الوزير وحرّ اسه على عديّ ‪ ،‬أيقظه بنكزة وقال‪ ":‬كيف حال ملكنا ّ‬
‫الفذ‪".‬‬
‫نظر إليه عُديّ بازدراء‬
‫أظنّ أنك ال زلت تف ّكر في طريقة للهروب وإنقاذ نفسك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لقد تمكنت م ّني‪ .‬قالها عديّ ساخرً ا ثم أدار ظهره للوزير وأكمل نومه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أخبرني عن مكان الكنز وسأحررك‪ .‬عليك أن تعي موقفك قريبا سيعدمك‬ ‫‪-‬‬
‫ال ّناس أو سأعدمك باسمهم‪.‬‬
‫أبله‬ ‫‪-‬‬

‫فتلقى عديّ ضربة قوية على ظهره آلمته بش ّدة‪ ،‬لكنه استطاع أال يظهر ذلك‪ ،‬ثم‬
‫انصرف الوزير‪O.‬‬

‫فهم الملك أخيرا سبب بقاءه على قيد الحياة ‪.‬إ ّنه سرّ الكنز المزعوم‬
‫بحارس يُدخل‬
‫ٍ‬ ‫في الليلة التالية‪ ،‬بدأ العمل‪ .‬كان إيهاب يُخرج سيف عندما التقى‬
‫الرّ امي (الذي أنقذه) إلى السّجن‪ .‬عرفه الرّ امي من لحيته البيضاء‪ ،‬وفتح عينيه‬
‫مصدومًا‪ .‬أكمل إيهاب بسيف الى الباب الثالث وفك وثاقه حيث استطاع سيف ‪،‬من‬
‫خالل بضع معادن فكها من سريره‪ ،‬من فتح القفل‪ ،‬وبعد أن اطمأنّ إيهاب من أن‬
‫سيف وصل برّ األمان‪ ،‬عاد ليتف ّقد رامي السّهام "مالك"‪ .‬عرض إيهاب على حارسه‬
‫أن يستلم السّجين عنه فلم يمانع‪ ،‬فأخذ إيهاب الرّ امي موث ّقا‪ ،‬ولم يسلم من نظراته‬
‫التي يعلوها التشاؤم‪.‬‬

‫كان الحارس اآلخر قد اتجه بعي ًدا‪ ،‬فأدخل ايهابُ الرّ امي إلى غرفة الملك وأجلسه‬
‫على سرير سيف‪ .‬أيقظ إيهاب الملك وقال‪ ":‬هذا مالك من ذوي الوشاح األبيض"‬

‫ث ّم استدار ناحية مالك‪ ":‬مالك هذا الملك‪".‬‬

‫نظر مالك إليه ال يدري ما يقول‪ .‬توّ جه ايهاب بعدها بمالك إلى الزنزانة التي عليه‬
‫ان يمكث فيها‪ ،‬وحاول أن يشرح له ما تيسّر‪.‬‬

‫في األيام التالية‪ ،‬حصل شيئين بتوصية الملك‪:‬‬

‫بدأت سرقات كبرى في الخزينة‪ ،‬ساهمت في تغيّر يُعد به في األحوال‪ .‬فعمل‬ ‫‪.1‬‬
‫الناس المضاعف أفرغ طاقاتاهم ومأل خزينة ال ّدولة‪.‬‬
‫بدأ ذوي الوشاح األبيض بالتو ّغل في الغابة واستخدام األموال لشراء‬ ‫‪.2‬‬
‫المع ّدات والمواد الالزمة لتسهيل وزراعة األرض في عمق الغابة‪.‬‬
‫وكان هذا يجري مع إبقاء إيهاب وسيف على سريّة حال الملك‪ .‬فح ّتى اآلن هدف‬
‫المجموعة األساسي اغتيال الملك‪ ،‬وغير معلوم ما إذا كانوا سيصدقون الحقيقة‪.‬‬

‫على مدى شهر كان العمل دؤوبًا والمجموعة تتسع لتشمل أوسع شريحة من ال ّشعب‪.‬‬
‫لقد صنعوا في عمق الغابة ج ّنة مزروعة‪.‬‬

‫وقد بدأ الوزير يعي خطورة أطماع الدول المجاورة‪ ،‬وحاجته لتمكين الوضع‪.‬‬

‫كما بدأ إيهاب يعي أن عليه تحرير الملك ومالك من األسر قبل أن يقوم الوزير‬
‫بإنهاء األمر‪.‬‬

‫تم التنسيق مع المجموعة القتحام السجن على أساس تحرير مالك‪ ،‬بحضور إيهاب‬
‫وسيف‪ .‬كان على المجموعة أن تدخل متنكرة بزي الحرس إلى القلعة بمساعدة‬
‫البستاني إيهاب ومن ثم بلوغ الطابق الثاني من شباك الدرج‪ ،‬ألمر الوزير بتشديد‬
‫الطابق األول واألرضي بعد حادثة هروب سيف دون ال ّشك بتورّ ط‬‫الحراسة على ّ‬
‫الملك‪.‬‬

‫كان على ايهاب مساعدتهم لبلوغ الطابق الثاني ومنه الى مكان خفي عن االنظار ُع ّد‬
‫مسبقا في الطابق الثالث يجهزون فيه الحبال للنزول السريع بدل التسلل البطيء‬
‫الخطر ‪.‬‬

‫يبقى الجميع في حال ترقب وجهوزية للتدخل اذا ما ساءت األمور‪ .‬ثم ينزل ايهاب‬
‫وأمجد (القائد المؤ ّسس لذوي الوشاح ) كحارسين لتحت االرض دون لفت االنتباه‬
‫لدى عبورهما درج الطابق االول ثم االرضي ومنه الى السجن ‪،‬يقنع ايهاب الحراس‬
‫بأخذ استراحة ويحل محلهم ‪ .‬وتكون هذه هي الفرصة ّ‬
‫الذهبية لتحرير الملك ومالك‪.‬‬

‫جرى كل شيء بدقة قل نظيرها‪ .‬فتح امجد متنكرً ا باب زنزانة مالك وتعانقا ‪،‬فيما ّلثم‬
‫ايهاب الملك وحرره‪ .‬بدت األمور سهلة في طريق الصعود‪ ،‬أراد أمجد السؤال عن‬
‫االسير الملثم الذي حرره ايهاب واذ بحارس ينزل ال ّدرج‪ .‬وما إن رآهما عرض‬
‫مرافقتهما‪ ،‬كان الوضع حسّاسًا‪ ،‬واألمور تؤول إلى مشكلة‪ ،‬فقبل ايهاب واستحسن‬
‫ذلك كي يبدد شكوكه‪.‬‬
‫وصلوا إلى شباك الدرج ّ‬
‫الثالث وقبل أن يصلوا إلى ال ّشباك المنشود حيث باقي‬
‫المجموعة اطلق ايهاب صافرة بلحن مشهور‪ .‬تلقى افراد المجموعة االشارة وهمّو‬
‫بالنزول عبر النافذة ‪ .‬سمع الحارس صوت حفيف الحبل المتكررفسلّم ايهابُ المل َ‬
‫ك‬
‫مقيدا لزميله أمجد ثم أكملو مع الحارس نحو مصدر الصوت‪ ،‬وعند اقترابهما من‬
‫ال ّنافذة أمسك إيهاب الحبل بسرعة ول ّفه على عنق ذي القناع الذهبي‪ .‬حاول مالك‬
‫بيديه المقيّدتين احكام فم الحارس فيما رماه إيهاب معلّ ًقا من ال ّنافذة‪ ،‬وسط ذهول‬
‫األفراد المنتظرين في االسفل‪ .‬أطل ايهاب‪ ،‬اشار لهم بان األمور مستتبة ثم فك وثاق‬
‫األسيرين‪.‬‬

‫استغرب ذوي الوشاح االبيض ‪-‬كما أمجد‪ -‬تحرير شخصين‪ ،‬لكن أحدا لم يسأل اذ‬
‫أن الوضع ال يزال صعبا وضيق الوقت يصرف انتباههم نحو العبور للخارج‪.‬‬

‫وصلو الى السور واجتازوه من سطح منزل ايهاب ‪،‬اكملو باتجاه الغابة‪.‬‬

‫وفي الطريق الى الجنة التي بنوها في الغابة‪،‬سأل أمجد عن ذو اللثام‪ ،‬فكشف الملك‬
‫لثامه‪ ،‬ش ّل هذا الموقف الجموع اال أمجد الذي ما لبث أن شد خناق الملك الى جذع‬
‫شجرة ولم يتكلم للحظات‪ ،‬فصفعه الملك‪.‬‬

‫كان الموقف صادما للجميع حتى لمالك وايهاب فكيف بباقي الجموع!‬

‫أرخى أمجد يده فأنزلها الملك بقوة ونظر تباعا في العيون المح ّدقة وقال بنبرة فيها‬
‫من االزدراء والغضب ما فيها‪:‬‬

‫"أيها الحمقى‪ ،‬أي ملك مخبول متعجرف يرفض رثاء والده أو الظهور على شعبه‬
‫لتمكين ملكه في أسوأ األحوال " ثم نظر مباشرة الى أمجد وأكمل ‪" :‬وأي ملك أناني‬
‫ال يخرج في رحالت صيد أو تخييم "‬
‫تدارك ايهاب الموقف ‪":‬كان الملك في السجن طوال هذه المدة‪ ،‬الوزير هو الحاكم‬
‫الفعلي‪ ،‬وحتى العاملون في القلعة ال يعرفون باألمر ما عدا األشخاص الذين عينهم‬
‫الناس عن التساؤل‬
‫َ‬ ‫الوزير بنفسه أي الحرس الذهبي ‪.‬وقد شغلت الضج ُة الشعبي ُة‬
‫بجدية وطلب أجوبة شافية على مثل هذه التساؤالت التي خطرت على بال الكثيرين‪O.‬‬

‫ثم قال مالك ‪" :‬كان هذا مريعا! أيًا كان المشكك أو السائل‪ ،‬سيبدو مدافعًا عن ظلم‬
‫الملك المزعوم‪".‬‬

‫أكملوا طريقهم ‪،‬وما ان وصلوأ حتى بدت عالمات االعجاب والدهشة على وجه‬
‫الملك‪ ،‬ثم ابتسم ابتسامة ماكرة تخفي في طياتها خطة محكمة ضد الوزير‪.‬‬

‫لقد بنوا عالما جديدا بالغابة‪ ،‬مجتمعا كامال‪ ،‬بل عالما مستورا بأميال من األشجار‬
‫الكثيفة‪.‬‬

‫لم يكن باالمكان اطالع الناس على حقيقة الملك ‪-‬صاحب الخطة المنقذة و ذو‬
‫الوشاح الحقيقي –اذ أن إفهام الناس سيحدث بلبلة خطرة ويكلّف وق ًتا ليس لصالحهم‪.‬‬
‫كما أن الوزير ما ان يكتشف األمر حتى سيستغل الوضع ويجهز على كل مشتبه به‪.‬‬

‫بدأت الفرقة بأخذ أوامرها من الملثم المجهول ‪،‬هذا ما عرف به الملك الحقا بين‬
‫عوام أفراد ذوي الوشاح‪ .‬ثم بدأت أولى الخطوات لتصنيع أقواس األسهم ذات‬
‫المخازن والتي تسمح برمي سريع تعديالت تزيد دقتها ‪،‬اختراع كان الملك قد حصل‬
‫عليه وطوره أيام فضاوته‪ .‬كان الجميع يعمل بنشاط وحيوية وشغف بهذا االختراع‬
‫الجديد في ظل زخم من االقبال ووفود كثيف للعاملين في كل قطاعات المجتمع مع‬
‫الحفاظ على سرية المركز في الغابة‪ .‬في هذه الفتره كانت المدينه تشهد عمال‬
‫جنونيا للحرس‪ ،‬حيث لم َ‬
‫يبق بيت في المدينه اال وفتشوه‬
‫أما في باقي أقطار المملكة ‪،‬فقد بدأت مجموعات نسبت نفسها لذوي الوشاح بالقيام‬
‫بأعمال مشابهة ثم عملت على ربط نشاطها بالمجموعة المركزية في العاصمة‪،‬‬
‫وصار التنسيق بين المناطق في عهدة أمجد‪.‬‬

‫مملكه ضعيفه تمثل الصيد المثالي للممالك المجاورة‪ ،‬ولم يعد الكالم عن امكانيه‬
‫احتالل المملكه المتزعزعه‪ O،‬بل عن تنازع الممالك المجاوره وتنافسها على أقسامها‪.‬‬

‫وبلغت االخبار لذوي الوشاح عن تحضّر كل من المملكه الهيكيدية من الشرق‬


‫وعلمها االزرق والقحترية من الشمال وعلمها احمر وبرتقالي للزحف والتوغل‬
‫لبلوغ العاصمه في أربعة أيام‪ .‬اال ان ما لم تحسب هذه الممالك له حسابا هو تواجد‬
‫جيش حقيقي خفي عن االنظار نواته في صلب المجتمع‪.‬‬

‫على اثر المستجدات‪ ،‬تقرر اجتماع هام لمجلس قيادة ذوي الوشاح األبيض‪ .‬أخذ‬
‫الحضور مواقعهم‪ ،‬لكن وجود كرسي فارغ أثار قلق القادة‪ ،‬في حين كان الملك‬
‫مستنفرا يرسل مجموعة تلو مجموعة‪ .‬ثم جاء الخبر الذي جعل الحضور يذهبون‬
‫بأنفسهم الى حيث الجواب‪.‬‬

‫وقفوا ينظرون من بعيد الى الحشود أمام القلعة ‪،‬الى عيني الملك الدامعة والى جثة‬
‫ايهاب المعلّقة‪...‬وقد عرف الوزير ما عرف بعدما وجد زهرة الكاميليا أمام النافذة‬
‫التى حرروا منها الملك ‪،‬زهرة نادرة لم يزرع منها اال ايهاب كان قد أهداه اياها‬
‫الملك السابق يوما‪.‬‬

‫تدافعت الذكريات أمام عيني الملك‪ ،‬كالم ايهاب‪ ،‬هدوؤه‪ ،‬ذكاؤه الحاد‪ ،‬نصائحه التى‬
‫جعلت لكل شيء مع ًنا‪ ،‬وردته التي يبقي زهر ًة منها في جيبه كتميمة حظ‪O...‬‬

‫كان للملك صور ًة شفافة‪ ،‬لح ًنا أنيسًا‪ ،‬سندا متي ًنا من وحدة الطفولة الى ُغربة السجن‪.‬‬
‫لكن القساوة كانت نشر اعدامه بتهمة خيانة المملكة لصالح القحتريين بأمر الملك‪.‬‬

‫بدأ الوزير يعد الحرس للدفاع عن المدينة‪ ،‬في حين بدأت الخطى الحثيثة لبناء جيش‬
‫ذوي الوشاح األبيض رما ًة ومحاربين وفرسان‪ ،‬وصُب التركيز على توحيد صفوف ذوي‬
‫الوشاح األبيض المتقهقرين من كل أقطار المملكة‪.‬‬

‫ثالثة أيام وكانت الجيوش المحتلة قد طوقت المدينة‪ ،‬أما الغريب فهو أن جيش المملكة‬
‫الهيكيدية يدخلون براياتهم الزرقاء بسالم وسط ذهول الناس بعدم تحرك الحراس ضدهم‪.‬‬
‫وسرعان ما اتضح من استقبال الوزير‪ ،‬أن ذلك كان بعد مراسالت بين الوزير والمملكة‬
‫الزرقاء أفضت الى ضم المملكة كاملة للهيكيديين تحت والية الوزير بصالحيات شبه‬
‫كاملة‪ .‬تال ذلك وصول القحتريين بجيش غفير ْ‬
‫وبدأهم العمل على تطويق المدينة‪.‬‬

‫كانت أسوار المدينة العالية موقعا ذهبيا للرماة‪[ ،‬األمر الذي كان متاحا عبر األدراج‬
‫الداخلية فقط‪ ].‬ااّل أن الغابة التي احتضنت أطراف األسوار كانت معبًدة لعبور ذوي الوشاح‬
‫األبيض على امتداد السور خالل الغابة‪.‬‬

‫لم يكن أحد على اطالع بحكم الوزير وابرامه االتفاقات بداًل من الملك سوى كبار الحرس‬
‫الملكي ذوو القناع الذهبي‪ .‬أمّا باقي قوى ال ّدولة فكانت حسب ظنها تأخذ أوامرها من الملك‪،‬‬
‫وقد انشقت في الفترة األخيرة مجموعات منها تحت وطأة الظلم وانضم أكثرهم لذوي‬
‫الوشاح األبيض‪.‬‬

‫حانت لحظة المعركة‪O.‬‬

‫فتح الحمر باب المدينة بالقوّ ة وأرسل الزرق رماتهم إلى االسوار‪ .‬كان الوزير في مؤخرة‬
‫الجيش االزرق جهة الغابة‪ ،‬والجيشين االزرق واالحمر مشغولين ببعضهما‪.‬‬

‫في هذه اللحظة‪ ،‬خرج "ذو اللثام" الذي ذاع صيته آنذاك على المأل‪ ،‬وجمع حوله الكثيرين‬
‫ممن لم يعلموا سوى أنه من ذوي الوشاح األبيض‪ .‬ووسط الهتافات التي تدعوه للقيام‬
‫الستعادة المملكة واحكام سيطرته على الملك‪ ،‬ظهر الوزير ومعه قيادات حرسه الخاص‪،‬‬
‫ظهر ليخمد الثورات ويقتل الملك كما يريد الشعب‪.‬‬

‫حاصر جنود الوزير الجماعة التي أحاطت بذي اللثام بمن فيهم بعض ذوي الوشاح‬
‫االبيض‪ .‬هنا عرف الوزي ُر الملك‪ ،‬فكشف الملك قناعه‪.‬‬

‫ُذهل الجميع من عموم ال ّناس‪ ،‬ذوي الوشاح‪ ،‬والحرّ اس من غير ذوي القناع‪ ،‬حتى الذين لم‬
‫يكونوا قد رأوا الملك من قبل‪ ،‬فهموا األمر من ال ّناس‪.‬‬

‫عال صوت الملك‪ ":‬أيها الحمقى‪ ،‬أرأى أحدكم مل ًكا ظالما ال يخرج لينافق على شعبه‬
‫فيستتب بذلك حكمه؟ أي ملكٍ أحمق ال يخرج في رحالت ويبقى داخل قصره؟‬

‫إال إذا كان سجي ًنا‪ ...‬أليس كذلك يا وزير مملكتي الخائن؟"‬

‫صاح الوزير بالحراس للتق ّدم وأمرهم برمي الملك‪ ،‬لكنّ الحراس من غير ذوي القناع رموا‬
‫أسلحتهم إذ ما عادوا يعرفون من يقاتلون‪ .‬لقد أجاب ظهور الملك تساؤالت وأثار أخرى‪.‬‬
‫وحدهم ذوي الوشاح تقبّلوا االمر وقبلوا الملك كونهم عرفوه ّ‬
‫ملثمًا رائ ًعا في الفترة القليلة‬
‫السابقة‪ ،‬أولئك الذين بدوا للناس بكامل عديدهم ال يقارنون بالحشد الموجود‪.‬‬
‫وبأعلى صوته صاح الملك‪O:‬‬

‫"مقاتِللل"‬

‫فصاح ذوي الوشاح ممن كانوا حوله بصوت واحد وصل كامل المدينة رغم ضجة الحرب‪:‬‬

‫" استعدد"‬

‫تال ذلك صوت كالزلزال صدر من على كامل أسوار المدينة‪:‬‬

‫"مستعددد"‬

‫كان بقية ذوي الوشاح قد أحكموا السيطرة على الرّ ماة الزرق بعد تسللهم من أسوار الغابة‪.‬‬
‫وظهر كامل العديد محاصرً ا كال الجيشين في حالة تأهّب واستعداد‪ .‬لمحوا قائدهم ّ‬
‫الملثم‬
‫دون لثامه‪ ،‬لكنهم لم يعرفوه‪ .‬تم ّنوا لو كانوا حاضرين‪ .‬ثم ما لبثوا أن رأوا جيش الوزير‬
‫(فيما ال يزالون يرونه جيش الملك) يحاصر قائدهم فبدأوا الرّ مي على ذوي القناع الذهبي‬
‫في حين الذ الوزير مع مجموعة نحو الغابة‪ .‬لحق به الملك مع عدد من ذوي الوشاح‬
‫المحيطين به بعد أن سلّم ألمجد رسائل وكلفه أن يوصلها إلى ح ّكام المملكتين‪ O‬الهيكيدية‬
‫والقحترية مفادها‪:‬‬

‫إذا أردتمكتائب جيوشكم أحياءا فأرسلوا إليهم بترك أسلحتهم وعتادهم كاماًل وليعودوا من‬
‫حيث أتوا‪.‬‬

‫في هذه األثناء استسلم أكثر الجنود من الجيشين والقلّة الباقية إمّا نالت حتفها أو ُأسرت‪ .‬أما‬
‫الوزير فلم يكن يعلم أنه بتو ّغله نحو الغابة إنما هو يتوجه إلى مدينة إنتاجية مخبّأة‬
‫ومحروسة‪ ،‬واألهم من ذلك‪ :‬مركز قوّ ة ذوي الوشاح‪.‬‬
‫وصل الوزير وجنوده إلى السهل حيث الحقول المزروعة وقد أخذه الذهول بوجود كل هذا‪.‬‬
‫ثم أكملوا سيرهم إلى أن اصطدموا بتوغل ذوي الوشاح المكلفين بحراسة المكان أمامهم‪.‬‬

‫أطبق الملك وجنوده من الخلف‪.‬‬

‫هذه هي النهاية يا عقاب يا وزير مملكتنا الوفي‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫جُنّ جنون الوزير فغرس في قوسه سهمًا وقبل أن يباشر باإلطالق اتجهت ثالث سهام من‬
‫قوس الملك إلى كتفه ويده‪.‬‬

‫في غضون دقيقة كان الوزير مق ّي ًدا‪ .‬ضرب الملك رأس الوزير بقبضته فأسقطه ثم أمسكه‬
‫ورفعه بثوبه‬

‫يمكننا اآلن مناقشة مكان قبرك‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫فيما بعد‪ُ ،‬عيّن مالك رئي ًسا للحرس وأمجد قائ ًدا للجيش‪ .‬أما سيف فكان صديق الملك‬
‫ووزيره ورفيق رحالته‪.‬‬

‫بعد أسبوع كانت األموال تتدفق إلى أسواق المملكة كلها‪ ،‬وفرص العمل متوفرة بالجملة‪،‬‬
‫والج ّنة السّرية في الغابة صارت نموذجً ا مص ّغرً ا يتم العمل على مثله في ك ّل المملكة‪.‬‬

‫تمت‬

You might also like