Professional Documents
Culture Documents
أهمية التخليق في ميدان الإصلاح الإداري
أهمية التخليق في ميدان الإصلاح الإداري
في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان ألكتوبر ،2016قال صاحب الجاللة" :إن
تدبير شؤون المواطنين و خدمة مصالحهم ،مسؤولية وطنية و أمانة جسيمة ال تقبل التهاون و ال التأخير ،إن الصعوبة التي
تواجه المواطن و عالقته باإلدارة كثيرة و متعددة تبتدأ باالستقبال مرورا بالتواصل إلى معالجة الملفات و الوثائق ،بحيث
أصبحت ترتبط في ذهنه بمسار المحارب".
رسالة الوزير األول عبد الرحمان اليوسفي سنة 2002للمتناظرين حول أهمية تخليق و تحديث اإلدارة المغربية و
إقرار 9ميثاق حسن التدبير.
التعريف:
أخالقيات المرفق 9العام ،يقصد بها المنظومة التي تتشكل من الضوابط 9و المبادئ التي تضبط تسيير المرفق 9العام ،و
توجه الحياة و الممارسة المهنية للموظف 9العمومي .أو بعبارة أخرى هي "مجموعة من السلوكيات و المسلكيات التي يقوم
بها الموظف العمومي في إطار عرفي أو قانوني".
لمقاربة هذا الورش اإلصالحي ،سيتركز 9الطرح المعتمد على قسمين أساسيين:
1ــ واقع ظاهرة الفساد بالمرفق العام:
تحدث صاحب الجاللة في الخطاب الملكي أكتوبر ،2016على الغاية من إحداث المصالح المركزية و اإلدارة
الترابية و المجالس المنتخبة و المصالح الجهوية للقطاعات الوزارية ،هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه في أحسن
الظروف و اآلجال ،و تبسيط المساطر.
ال شك أن إرساء مقاربة إصالحية لتخليق المرفق العام ،ال يمكن أن تكون فاعلة و نافذة خارج مالمسة حقيقية و
موضوعية لحكم ظاهرة الفساد و تجلياته المتشعبة و المتناسلة ،و مسبباته الحقيقية ،فضال عن تداعياته و امتداداته الوخيمة
على مختلف المستويات.
و يمكن معالجة مظاهر الفساد بالمرفق العام ،من خالل رصد مختلف االختالالت و السلوكات المنحرفة ،و التي
طالما شكلت انشغاال رئيسيا لدى المواطن ،و كذا من خالل تحديد دواعي نشوء و شيوع 9هذه السلوكيات و االختالالت ،و
بالتالي رصد تداعياتها و انعكاساتها في مختلف الميادين.
1ــ تجليات مظاهر الفساد في المرفق العام:
يعاقب القانون على المخالفات المتعددة بحاالت نزاع المصالح و على استغالل التسريبات 9المحلية بالتنافس 9النزيه و كل
مخالفة ذات طابع مالي على السلطات العمومية الوقائية طبقا للقانون ،من كل أشكال االنحراف المرتبط بنشاط اإلدارة و
الهيئات العمومية ،و تدبيرها 9و الزجر على هذه االنحرافات.
يعاقب القانون على الشطط في استعمال مواقع النفوذ و االمتياز و وضعيات 9االحتكار و الهيمنة و باقي الممارسات
المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة و المشروعة في العالقات االقتصادية (الفصل 36من الدستور).
1
تخليق المرفق العام بقلم األستاذ نور الدين عيار
تعتبر ظاهرة الفساد متجذرة في التاريخ اإلنساني بكليته ،حاول التشريع في كل مرة أن يرصدها و يحيطها بسياج
زجري 9مناسب لخطورتها.
و تتمثل أهم مظاهر 9هذا الفساد فيما يلي:
ـ االرتشاء ،اختالس األموال ،استغالل النفوذ ،الغدر ،تحصيل منافع غير قانونية ،المحسوبية ،الشطط في استعمال
السلطة ،خيانة األمانة ،التزوير...
ـ التوظيف السلبي للسلطة ،االستغالل الالمشروع للممتلكات العمومية ،المعاملة التفضيلية إزاء المرتفقين ،التماطل،
التقاعس و الالمباالت.
2ــ مسببات مظاهر الفساد باإلدارة العمومية من خالل الخطاب الملكي أكتوبر 2016 9و الخطاب الملكي يوليوز :2017
ــ استغالل المنتخبين التفويض الممنوح لهم من طرف 9الم99واطن لخدم99ة مص99الحهم 9الشخص99ية و الحزبي99ة ،دون تلبي99ة
حاجياته.
ــ ضعف أداء اإلدارة و عدم جودة الخدمات المقدمة.
ــ التضخم في عدد العاملين باإلدارة.
ــ قلة الكفاءة و غياب روح المسؤولية.
ــ ضعف االستقبال و التواصل باإلدارة العمومية.
ــ الالمباالت و التباطؤ 9في معالجة الملف9ات ،و من األمثل9ة على ذل9ك؛ ط9ول مس9طرة ن9زع الملكي9ة من أج9ل المنفع9ة
العامة ،حيث يعاني المواطن من عدم التوصل بالتعويض القانوني و التأخير في منح التعويض ،و قد يكون التعويض أقل من
ثمن البيع المعمول به.
ــ عدم تنفيذ األحكام القضائية من طرف 9اإلدارة.
ــ عدم سداد ديون اإلدارة اتجاه المقاوالت الصغيرة و المتوسطة.
ــ تعقيد المساطر و ط99ول آج99ال منح بعض الوث99ائق اإلداري99ة و التب99اطئ في ح99ل مش99اكل المس99تثمرين ،رغم إح99داث
الشباك الوحيد ،طبقا للرسالة الملكية لسنة 2002الخاصة بالمراكز الجهوية و االستثمار ،و لكل هذه األسباب ،ف99إن تص99نيف
المغرب متدني فيما يخص النجاعة اإلدارية.
ــ القطاع العام خصوصا اإلدارة العمومية تعاني من ضعف الحكامة و قلة المردودية.
ــ تراجع األحزاب السياسية و ممثليها على القيام باألدوار المنوطة بهم.
ــ ضعف قدرة النخب الحزبية على تدبير الشأن العام.
تتضافر عوامل إدارية ،اجتماعية و ثقافية ،لتساهم بشكل شمولي في تفاعل مظاهر الفساد بالمرفق العام.
أ ـ مسببات ذات طابع إداري و تنظيمي:
ـ إشكالية تحديد الخطأ اإلداري.
ـ غلو السلطة التقديرية لإلدارة يؤدي إلى ردود 9أفعال غير مشروعة.
ـ مركزة القرار و عدم تفويض الصالحيات و الوسائل الضرورية للمصالح الخارجية.
2
تخليق المرفق العام بقلم األستاذ نور الدين عيار
ـ اإلفراط 9في المساطر 9و اإلجراءات و المقتضيات التي تهم المواطن و المستثمر.
ـ عدم ترسيخ مبدأ المساءلة في اإلدارة العمومية و محدودية أجهزة المراقبة .
ـ عدم إبالغ الرأي العام عن نتائج عملية المراقبة و تدقيق الحسابات.
ـ المبالغة في السر المهني.
ـ ضعف األجور ،و بالتالي ضعف الوضعية المادية للموظف.
ـ قصور النظام التأديبي.
ـ إشكالية عقلنة تدبير 9الموارد 9البشرية.
ـ هشاشة تطبيق 9نظام الحركية باإلدارة المغربية.
ـ غياب منظومة شفافة إلسناد مناصب المسؤولية لموظفي و أعوان اإلدارة.
ب ـ مسببات ذات طابع اجتماعي ،ثقافي و اقتصادي:
ـ ضعف روح الحس الوطني و المواطنة لدى بعض الفئات من الموظفين ،يجعلهم عرضة لكل اإلغراءات.
ـ انتشار آفة األمية ،و عدم القيام بتربية المواطنين على حقوقهم و واجباتهم.
ـ غياب مناهج دراسية تستوعب برامج كافية ،تضمن تربية األجيال على المبادئ و األخالق .
ـ غياب دور فاعل لوسائل اإلعالم في التحسيس و التوعية.
3ــ تداعيات مظاهر الفساد و انعكاساته:
ال شك أن مظاهر الفساد تنعكس سلبا على التنمية.
ـ إهدار جزء كبير من الموارد التي كان باإلمكان تحقيقها من الضرائب و المصادر اإلجرائية األخرى.
ـ الرفع من تكلفة األنشطة و الخدمات اإلدارية.
ـ التقليص من القدرة التنافسية للمقاوالت.
ـ عرقلة تدفق االستثمارات 9و الرساميل.
2ــ المقاربة اإلصالحية لتخليق المرفق العام:
أكد صاحب الجاللة في الخطاب الملكي أكتوبر 2016على:
ــ ضرورة التغيير السلوكي و العقليات بتجويد التشريعات.
ــ تكوين الموظفين و تأهيلهم.
ــ استعمال آليات التحفيز و المحاسبة و العقاب.
ــ تعميم اإلدارة االكترونية و تسهيل الولوج للمعلومة.
ــ توظيف التكنولوجيا الحديثة للحد من ظاهرة الرشوة و استغالل النفوذ.
ــ تفعيل الجهوية المتقدمة لتقريب اإلدارة من المواطن ،و إخراج ميثاق الالتمركز لحيز الوجود.
ــ الولوج للوظيفة العمومية يجب أن يكون على أساس الكفاءة و االستحقاق و تكافؤ الفرص.
3
تخليق المرفق العام بقلم األستاذ نور الدين عيار
1ــ المبادرات الحكومية لتخليق المرفق 9العام:
لقد أكد صاحب الجاللة على ضرورة تعبئة اآلليات القانونية و التربوية و التواصلية المتاحة ،للحد من البيروقراطية
و غلو السلطة التقديرية لإلدارة ،لوقاية الصرح اإلداري من كل ما يخل بالسلوك المرغوب فيه" ،الخطاب الملكي أكتوبر9
."2016
ـ تبني المفهوم الجديد للسلطة سنة .1999
ـ إحداث مؤسسة ديوان المظالم التي ستصبح "مؤسسة الوسيط" (الفصل 162من الدستور).
ـ ميثاق حسن التدبير الذي يجسد إرادة الحكومة ،مقارنة هذا الورش من جوانبه األساسية التنظيمية و الترشيدية و
التواصلية
ـ إرساء دعائم إدارة مدنية ،فعالة في أدائها ،مرشدة في استعمال مواردها و منصفة باستمرار لمحيطها.
ـ تطويق 9بؤر الفساد ،و تحريك المسطرة القضائية في حق المتورطين.
ـ مجهود تحسيسي 9بشراكة بين الوزارة المكلفة بالحكامة ،و وزارة التربية الوطنية ،و بتنسيق 9مع الفعاليات
المجتمعية المهتمة.
ـ خلق مدونة المحاكم المالية ،و المجالس الجهوية للحسابات (الفصل 149من الدستور)
ـ اتخاذ مبادرات وقائية ،ترمي إلى إرساء اآلليات القانونية الضرورية ،للحيلولة دون تفشي االنحرافات 9في مرافق9
اإلدارة ،أهمها:
+إحداث المحاكم اإلدارية و االستئنافية( ،ظهير 1991و ظهير .)2006
+االستفادة من المرفق العام الذي يجب أن يخضع للنزاهة و الشفافية (الفصل 158 ،154من الدستور).
+إلزام اإلدارات العمومية بتعليل قراراتها (ظهير 2002المتعلق بتعليل اإلدارة لقراراتها).
+ترسيخ مبادئ الشفافية و النزاهة و نظافة الذمم المالية للموظفين ،من خالل تفعيل قانون اإلقرار9
بالممتلكات (الفصل 158من الدستور).
+توفير المزيد من الضمانات للمواطنين تجاه اإلدارة ،من خالل حمل هذه األخيرة على تنفيذ األحكام و
القرارات القضائية الصادرة ضدها ،كإقرار 9الغرامة التهديدية في حالة عدم تنفيذ األحكام القضائية.
+منع الجمع بين الوظائف 9و األنشطة الحرة.
+اعتماد معايير الكفاءة و االستحقاق لشغل مناصب المسؤولية باإلدارة العمومية .
+تفعيل المفتشيات العامة للوزارات ،و توسيع اختصاصاتها و مهامها لتشمل وظائف 9التدقيق 9و المراقبة و
التقويم.
+حق الحصول 9على المعلومات التي بحوزة اإلدارة (الفصل 27من الدستور).
+إحداث الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة (الفصل 36من الدستور).
+إصالح نظام الصفقات العمومية بدعم الشفافية ،المساواة ،المنافسة ،و ضمان فعالية النفقات العمومية ،و
ذلك طبقا لمقتضيات مرسوم مارس 2013المتعلق بالصفقات العمومية.
4
تخليق المرفق العام بقلم األستاذ نور الدين عيار
+خلق اإلدارة االلكترونية.
2ــ التصور 9الحداتي لتخليق المرفق 9العام:
و ذلك بمقاربة التخليق على المستوى التحسيسي:
إن للجانب التحسيسي 9دورا 9فعاال في تقويض الكثير من مظاهر االنحراف ،ذلك أن من شأن إشاعة الثقافة األخالقية
على أوسع نطاق ،أن تساهم في تدعيم و ترسيخ قيم و مبادئ السلوك األخالقي ،منها:
ـ توجيه النظام التربوي العام للمجتمع ،لتعزيز شعور 9الناشئة بالمسؤولية المدنية و بمقومات المواطنة لتدعيم
الوعي لديهم بما لهم و ما عليهم.
ـ إدماج التربية على تخليق الحياة العامة ضمن المناهج التعليمية و تنظيم حمالت تحسيس في هذا المجال
على المستوى 9المركزي و الجهوي.
ـ االنفتاح على الفعالية المجتمعية الناشطة في مجال تخليق الحياة العامة ،و إشراكهم في بلورة البرامج التي
يمكن إنجازها ،مثل جمعية ترانسبرسي 9المغربية.
ـ إعداد مواثيق 9أخالقية قطاعية في اإلدارات العمومية ،تحدد القيم األخالقية و القواعد السلوكية التي توضح
مسؤوليات و واجبات اإلدارة و الموظف إزاء العموم.
ـ إرساء ميثاق أخالقي بين المواطنين و اإلدارات العمومية ،يحدد باألساس طبيعة الخدمات و الحقوق التي
للمواطنين الحق في الولوج إليها.
ـ ضرورة تفعيل و إعادة النظر في المقترحات المتعلقة بمنع وجود مصالح الموظفين في المعامالت المالية
إلداراتهم.
3ــ االستراتيجية الحكوميةـ لمحاربة الفساد:
أقرت الحكومة برئاسة األستاذ عبد اإلله بنكيران ،مجموعة من التدابير 9لمواجهة ظاهرة الفساد.
اعتمدت الحكومة إستراتيجية وطنية لمحاربة الفساد ،تم إعدادها بشكل تشاركي ،تعتمد على الخطب الملكية و دستور
2011و المواثيق 9الدولية.
ركائز 9هذه اإلستراتيجية:
ـ الحكامة الجيدة ،الوقاية ،الزجر ،التواصل ،التربية و التكوين.
ـ تم إحداث هيأة لتتبع محاربة الفساد برئاسة رئيس الحكومة.
ـ تتضمن اإلستراتيجية 239مشروعا على ثالثة محاور :محور 2017ثم 2021فـ .2025
ـ تخصيص 1.8مليار درهم لتمويل صندوق 9اإلستراتيجية ،الذي سيستفيد من مداخيل األحكام المتعلقة بالفساد.
ـ تم إطالق بوابة البيانات المكانية للمرافق العمومية ،حوالي 14ألف مرفق 9عمومي.
ـ طبقا لمقتضيات المادة 272من القانون التنظيمي ،113.14 9يجب على الجماعة تحت إشراف 9رئيس مجلسها،
اعتماد التقييم ألدائها و المراقبة الداخلية ،كما تقوم بدراسة تقارير االفتحاص و نشرها بجميع الوسائل الممكنة ليطلع عليها
العموم.
5
تخليق المرفق العام بقلم األستاذ نور الدين عيار
ـ كما تبنت السلطات العمومية مجموعة من التدابير لتخليق المرفق العمومي.
ـ الرقم األخضر 9المتعلق بالتبليغ عن الرشوة.08 47 000 47 :
ـ قانون أكتوبر 2011المتعلق بحماية الشهود و المبلغين ،فيما يخص جرائم الرشوة ،االختالس و استغالل
النفوذ.
ـ القانون رقم 02.12 9المتعلق بالتعيين في المناصب العليا.
ـ مرسوم 25 9نونبر 2011 9بتحديد شروط 9و كيفيات تنظيم 9مباريات التوظيف في المناصب العليا.
4ــ إعداد و تنفيذ النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه صاحب الجاللة في الخطاب الملكي أكتوبر
.2017
تحدث صاحب الجاللة في الخطاب الملكي السامي أكتوبر 2017عن ضرورة بلورة نموذج تنموي جديد يتجاوز
االختالالت ،و يستجيب للمطالب الملحة و الحاجيات المتزايدة للمواطنين ،و يحقق العدالة االجتماعية.
يتم إعداده من طرف الحكومة و البرلمان و مختلف المؤسسات 9كل في مجال اختصاصه ،بإشراك الكفاءات الوطنية
و الفعاليات الجادة .يجب القيام بالمتابعة الدقيقة و المستمرة لتنفيذ البرامج التنموية ،و لهذا الغرض ،سيتم إحداث خلية للتتبع
بكل من وزارتي 9الداخلية و المالية .شدد صاحب الجاللة على دور الجهوية المتقدمة في تنزيل البرامج التنموية ،فهي تغيير
عميق في هياكل الدولة و مقاربة عملية في الحكامة الترابية ،و ليست فقط مجرد قوانين و مساطر إدارية.
لذا يجب إخراج ميثاق الالتمركز لحيز الوجود لمنح اختصاصات 9واسعة للعمال و الوالة و رؤساء المصالح
الالممركزة ،قصد اتخاذ القرارات المناسبة.
و يجب أن تخضع المشاريع التنموية للتتبع و تقييم المجلس األعلى للحسابات بمختلف جهات المملكة ،لتفعيل
مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور 9المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة.
6