Professional Documents
Culture Documents
فضل ليلة النصف من شعبان
فضل ليلة النصف من شعبان
فضل ليلة النصف من شعبان
ورد في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث صحح بعض العلماء بعضًا منها وضعفها
آخرون وإن أجازوا األخذ بها في فضائل األعمال .ومنها حديث رواه أحمد والطبراني “إن هللا
عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر ألكثر من َشعْ ِر َغ َن ِم بني كلب،
وهي قبيلة فيها غنم كثير”.وقال الترمذي :إن البخاري ضعفه .ومنها حديث عائشة ـ رضي هللا
عنها ـ قام رسول هللا ـ صلى هللا عليه وسلم ـ من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد
ضَ ،ف َلمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صالته قال“ :يا عائشة ـ أو يا حُميراء ـ ظننت أن قُ ِب َ
اس بك”؟ أي لم يعطك حقك .قلت :ال وهللا يا رسول هللا النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ قد َخ َ
ين َأيُّ ليلة هذه”؟ قلت :هللا ورسولهقبضت لطول سجودك ،فقالَ“ :أ َت ْد ِر َ َ ولكن ظننت أنك قد
أعلم ،قال “هذه ليلة النصف من شعبان ،إن هللا عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من
ِين ،ويُؤخر أهل الحقد كما هم” رواه البيهقي من شعبان ،فيغفر للمستغفرين ،ويرحم المستر ِحم َ
طريق العالء بن الحارث عنها ،وقال :هذا مرسل جيد .يعني أن العالء لم يسمع من عائشة .
وروى ابن ماجة في سننه بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي هللا عنه ـ مرفو ًعا ـ أي إلى النبي ـ
صلى هللا عليه وسلم ـ “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا َل ْي َل َها وصُوموا نهارها ،فإن هللا
تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول :أال مستغفر فأغفر له،أال مسترزق
فأرزقه ،أال ُمبْلًى فأعافيه ،أال كذا أال كذا حتى يطلع الفجر “ .بهذه األحاديث وغيرها يمكن أن
يقال :إن لليلة النصف من شعبان فضالً ،وليس هناك نص يمنع ذلك ،فشهر شعبان له فضله
روى النسائي عن أسامة بن زيد ـ رضي هللا عنهما ـ أنه سأل النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ
ك تصوم من شهر من الشهور ،ما تصوم من شعبان قال “ذاك شهر يغفل الناس بقوله :لم َأ َر َ
عنه بين رجب ورمضان ،وهو شهر ُترفع فيه األعمال إلى رب العالمين ،وأحب أن يُرفع
علمي وأنا صائم “ .هل كان النبي صلى هللا عليه وسلم يحتفل بليلة النصف من شعبان؟ ثبت أن
الرسول ـ عليه الصالة والسالم ـ احتفل بشهر شعبان ،وكان احتفاله بالصوم ،أما قيام الليل
فالرسول ـ عليه الصالة والسالم ـ كان كثير القيام بالليل في كل الشهر ،وقيامه ليلة النصف
كقيامه في أية ليلة .ويؤيد ذلك ما ورد في األحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها في
فضائل األعمال ،فقد أمر بقيامها ،وقام هو بالفعل على النحو الذي ذكرته عائشة .وكان هذا
االحتفال شخصيًا ،يعني لم يكن في جماعة ،والصورةـ التي يحتفل بها الناس اليوم لم تكن في
أيامه وال في أيام الصحابة ،ولكن حدثت في عهد التابعين .يذكر القسطالني في كتابه
“المواهب اللدنية” أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة
النصف من شعبان في العبادة ،وعنهم أخذ الناس تعظيمها ،ويقال إنهم بلغهم في ذلك آثا ٌر
إسرائيلية .فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس ،فمنهم من قبله منهم ،وقد أنكر ذلك أكثر العلماء
من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُلكية ،ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل
المدينة ،وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ،وقالوا :ذلك كله بدعة .ثم يقول القسطالني :اختلف
جماعة في المسجد،ً قولين ،أحدهما:أنه يُستحب إحياؤها
ِ علماء أهل الشام في صفة إحيائها على
ُون وكان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم و َي َّ
تبخر َ
ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ،ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في
قيامها في المساجد جماعة :ليس ذلك ببدعة ،نقله عنه حرب الكراماني في مسائله .والثاني:أنهـ
يكره االجتماع في المساجد للصالة والقصص والدعاء وال يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصَّة
نفسه ،وهذا قول األوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم .ليلة النصف من شعبان وال
يُعرف لإلمام أحمد كالم في ليلة النصف من شعبان ،ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان
من الروايتينـ عنه في قيام ليلتي العيد ،فإنه في رواي ٍة لم يُستحب قيامها جماعة ،ألنه لم ينقل
عن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ وال عن أصحابه فِعلها ،واستحبها في رواية لفعل عبد
الرحمن بن زيد بن األسود لذلك ،وهو من التابعين ،وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت
فيها شيء عن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ وال عن أصحابه ،إنما ثبت عن جماعة من
صا من اللطائف .هذا كالم القسطالني في التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام ،انتهى .ملخ ً
جماعة قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض ً المواهب ،وخالصته أن إحياء ليلة النصف
ب ضد الرأي اآلخر .واإلحياء ص ٍاآلخر ،وما دام خالفِ ًّيا فيص ُّح األخذ بأحد الرأيين دون َت َع ُّ
شخصيًا أو جماعيًا يكون بالصالة والدعاء وذكر هللا سبحانه ،وقد رأى بعض المعاصرين أن
يكون االحتفال في هذه الليلة ليس على ال َّن َس ِق وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى هللا بالعبادة،
وإنما يكون لتخليد ذكرى من الذكريات اإلسالمية ،وهي تحويل القبلة من المسجد األقصى إلى
الجز ِم بأنه كان في هذه الليلة فهناك أقوال بأنه في غيرها ،واالحتفال بالذكريات ْ مكة ،مع عدم
صا هلل سبحانه .هل له حُكمه .والذي أراه عدم المنع ما دام األسلوب مشرو ًعا ،والهدف خال ً
هناك أسلوب ُم َعيَّنٌ إلحيائها وهل الصالة ِب ِن َّي ِة طول العمر أو َس َع ِة الرزق مشروعة ،وهل
الدعاء له صيغة خاصة؟ إن الصالة بنية التقرب إلى هللا ال مانع منها فهي خير موضوع،
وي َُسنُّ التن ُّف ُل بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء ،كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل ،أما
أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه،
فليكنْ َن ْفال مطل ًقا .قال النووي في كتابه المجموع :الصالة المعروفة بصالة الرغائب وهي ثنتا
عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ،وصالة ليلة النصف من شعبان
ان مُنكرتان ،وال َت ْغ َت ْ ّر بذكرهما في كتاب قوت القلوب ـ ألبي مائة ركعة ،هاتان الصالتان ِب ْد َع َت ِ
طالب المكي ـ وإحياء علوم الدين ـ لإلمام الغزالي ـ وال بالحديث المذكور فيهما ،فإن كل ذلك
باطل ،وال يغتر ببعض َم ِن ا ْش َت َب َه عليه حكمهما من األئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه
ف الشيخ اإلمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابًا نفسيًا ص َّن َ
غالط في ذلك :وقد َ
في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد“ .مجلة األزهر ـ المجلد الثاني ص .”515والدعاء في هذه
الليلة لم َي ِر ْد فيه شيء عن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ ألن مبدأ االحتفال ليس ثاب ًتا بطريق
صحيح عند األكثرين ،ومما ُأث َِر في ذلك عن عائشة ـ رضي هللا عنها ـ سمعته يقول في
ك ،وأعوذ بك منك ،ال ُأحصى ثناء السجود ” أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من َس َخطِ َ
عليك ،أنت كما أثنيت على نفسك” رواه البيهقي من طريق العالء كما تقدم .والدعاء الذي
يكثر السؤال عنه في هذه األيام هو :اللهم يا ذا المنِّ وال يمن عليه ،يا ذا الجالل واإلكرام ،يا
ذا الطول واإلنعام ،ال إله إال أنت ظهر الالجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين ،اللهم إن
كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرو ًدا أو ُم َق َّترً ا على في الرزق فامْ ُح
الله َّم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي … وجاء فيه :إلهي بالتجلي األعظم في
ليلة النصف من شهر شعبان المعظم ،التي ُي ْف َر ُق فيها كل أمر حكيم ويُبرم…وهي من زيادة
الشيخ ماء العينين الشنقيطي في كتاب “نعت البدايات .وهو دعاء لم َي ِر ْد عن النبي ـ صلى هللا
صحابيين جليلين ،هما عمر بن ِ عليه وسلم ـ قال بعض العلماء إنه منقول بأسانيد صحيحة عن
الخطاب وعبد هللا بن مسعود ـ رضي هللا عنهما ـ وعمر من الخلفاء الراشدين الذين َأمرنا
الحديث باألخذ بسنتهم ،و َنصَّ على االقتداء به وبأبي بكر الصديق في حديث آخر ،وأصحاب
الرسول كالنجوم في االقتداء ،بهم كما روى في حديث يقبل في فضائل األعمال .ولكن الذي
ينقصنا هو التثبت من أن هذا الدعاء ورد عن عمر وابن مسعود ولم ينكره أحد من الصحابة،
كما ينقصنا التثبت من قول ابن عمر وابن مسعود عن هذا الدعاء :ما دعا َع ْب ٌد َق ُّط به إال َوس ََّع
هللا في مشيئته أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا .ومهما يكن من شيء فإن أي دعاء بأية
ضا وال منافيًا للصحيح من العقائد واألحكام .وقد تحدث صيغة يشترط فيه أال يكون معار ً
العلماء عن نقطتين هامتين في هذا الدعاء :أوالهما ما جاء فيه من ال َمحْ ِو واإلثبات في أم
الكتاب وهو اللوح المحفوظ وهو سجل علم هللا تعالى الذي ال يتغير وال يتبدل ،فقال :إن
المكتوب في اللوح هو ما قدره هللا على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق
وهللا يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم ،والدعاء والعمل ينفع
في األول ألنه معلق عليه ،وأما نفعه في الثاني فهو التخفيف ،كما يقال”:اللهم إني ال أسألك رد
القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء في الحديث “إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل”
والنفع هو على النحو المذكور .روى مسلم أن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ سئل :فيم العمل
ت به األقالم وجرت به المقادير أم فيما يُستقبل؟ قال “بل فيما جفت به األقالم اليوم ؟ َأفِي َم َج َّف ْ
وجرت به المقادير” قالواَ :ففِي َم العمل؟ قال“ :اعملوا ف ُك ٌّل ُم َي َّس ٌر لِ َما ُخل َِق له” وفي رواية :أفال
نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال” من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة،
ومن كان أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة ،اعملوا فكل ميسر ثم قرأ َ (:فَأمَّا َمنْ
ب ِب ْالحُسْ َنى ُأعْ َطى َوا َّت َقى َ .و َ
ص ََّد َق ِب ْالحُسْ َنى َ .ف َس ُن َي ِّس ُرهُ ل ِْليُسْ َرى َ .وَأمَّا َمنْ َب ِخ َل َواسْ َت ْغ َنى َ .و َك َّذ َ
ض بعض العلماء هذا التفسير للمحو َ .ف َس ُن َي ِّس ُرهُ ل ِْلعُسْ َرى) (سورة الليل )10-5 :ولم َيرْ َت ِ
واإلثبات في اللوح المحفوظ ،فذلك يكون في صحف المالئكة ال في علم هللا سبحانه و َل ْو ُح ُه
المحفوظ ،ذكره اآللوسي والفخر الرازي في التفسير .والنقطة الثانية :ما جاء فيه من أن ليلة
النصف من شعبان هي التي ُي ْف َر ُق فيها كل أمر حكيم ويُبرم .فهو ليس بصحيح فقد قال عكرمة:
من قال ذلك فقد أبعد النجعة ،فإن نص القرآن أنها في رمضان ،فالليلة المباركة التي يفرق فيها
كل أمر حكيم نزل فيها القرآن ،والقرآن نزل في ليلة القدر .وفي شهر رمضان .ومن قال :
هناك حديث عن النبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ يقولُ “ :تقطع اآلجال من شعبان إلى شعبان،
حتى إن الرجل َلينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى” فالحديث مرسل ،ومثله ال ُتعارض
به النصوص “المواهبـ اللدنية ” وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل في شعبان
هو نقل ما في اللوح المحفوظ إلى صحف المالئكة .وال داعي لذلك فالدعاء المأثور في الكتاب
والسنة أفضل .