Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 557

‫تابع الجديد والحصري على موقع األلوكة‬

‫‪ www.alukah.net‬‬

‫منهج أمير المؤمنين‬

‫علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫في الدعوة إلى اهلل‬

‫د‪ .‬سليمان بن قاسم بن محمد العيد‬ ‫أ‪.‬‬

‫شكر وتقدير‬

‫‪www.alukah.net ‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫محدا يلي ق جبالل وجه ه وعظيم س لطانه على‬


‫أش كر املوىل ‪ -‬س بحانه وتع اىل ‪ -‬أوالً‪ ،‬وأمحده ً‬
‫علي بإمتام ه ذا البحث‪ ،‬مث أتوج ه بالش كر والتق دير جلامع ة اإلم ام حمم د بن س عود‬
‫امتنان ه َّ‬
‫اإلسالمية ممثلة يف كلية الدعوة واإلعالم على إتاحة الفرصة يل بتقدمي هذه الرسالة‪.‬‬

‫كما أتقدم بالشكر والتقدير لشيخي الفاضل املشرف على هذه الرسالة فضيلة األستاذ‬
‫الدكتور عضو جملس الشورى‪ :‬زاهر بن عواض األملعي على تفضله أواًل بقبول اإلشراف على‬
‫ه ذه الرس الة م ع كثرة مش اغله وارتباطات ه‪ ،‬وأش كره ثانيً ا على تواض عه وحس ن لقاءات ه وس داد‬
‫توجيهاته‪ ،‬اليت كان هلا بالغ األثر يف إخراج هذه الرسالة‪ ،‬كما أتقدم بالشكر والتقدير لكل من‬
‫ساهم من قريب أو بعيد بشكل مباشر أو غري مباشر بإعداد هذا البحث‪ ،‬وأخص منهم فضيلة‬
‫ال دكتور عمي د الكلي ة زي د بن عب دالكرمي الزي د‪ ،‬ال ذي أف ادين مبنهج س لكته يف حبثي‪ .‬وفض يلة‬
‫علي أثن اء ف رتة التس جيل‪ .‬وفض يلة‬
‫موجه ا َّ‬
‫ال دكتور حس ني جمد خط اب ال ذي ك ان مش رفًا ً‬
‫ال دكتور عبداهلل ابن حمم د املطل ق‪ ،‬ال ذي أفادين بنص حه وتوجيه ه أثن اء ف رتة التس جيل‪ ،‬وفضيلة‬
‫ال دكتور فض ل إهلي‪ ،‬ال ذي كنت ال أت ردد يف االتص ال ب ه ومشاورته عن د احلاج ة‪ ،‬لك ل هؤالء‬
‫أقول‪ :‬جزاكم اهلل عين خري اجلزاء وأجزل لكم املثوبة والعطاء‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد‬
‫كثريا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم ً‬

‫الباحث‬

‫سليمان بن قاسم العيد‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪3‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المق ــدمة‬

‫احلم د هلل حنم ده ونس تعينه ونس تغفره‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا‪ ،‬من يه ده اهلل فال‬
‫حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫{يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل حق تقاته وال متوتن إال وأنتم مسلمون}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫{ي ا أيه ا الن اس اتق وا ربكم ال ذي خلقكم من نفس واح دة وخل ق منه ا زوجه ا وبث‬
‫كثريا ونساءً‪ ،‬واتقوا اهلل الذي تساءلون به واألرحام إن اهلل كان عليكم رقيبًا}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫منهما رجااًل ً‬
‫ديدا * يص لح لكم أعم الكم ويغفر لكم‬
‫{ي ا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وقول وا ق واًل س ً‬
‫عظيما}( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فوزا ً‬
‫ذنوبكم ومن يطع اهلل ورسوله فقد فاز ً‬

‫أما بعد‪-:‬‬

‫لقد أرسل اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬رسوله باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫املشركون‪ ،‬وأوجب الدعوة إىل هذا الدين على رسوله ومن تبِعه من املسلمني‪ ،‬وبني كيفية أداء‬
‫هذا الواجب‪ ،‬كما يف قوله سبحانه‪{ :‬ادع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم‬
‫()‬
‫آمرا نبيهز‪{ :‬قل هذه سبيلي أدعو إىل اهلل على بصرية‬
‫باليت هي أحسن} ‪ .‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪ً -‬‬
‫‪4‬‬

‫) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.102‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية األوىل‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآليتان ‪.71 ،70‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬جزء من اآلية ‪.125‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪4‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أن ا ومن اتبع ين وس بحان اهلل وم ا أن ا من املش ركني}( ) ه ذه هي طريق ة رس ول اهلل ‪ -‬ص لى اهلل‬
‫‪1‬‬

‫علي ه وس لم ‪ -‬ومس لكه وس نته‪ ،‬ه و وك ل من اتبع ه‪ ،‬وهي ال دعوة إىل ش هادة أن ال إل ه إال اهلل‬
‫حممدرسول اهلل‪ ،‬يدعو إىل اهلل هبا على بصرية من ذلك‪ ،‬ويقني‪ ،‬وبرهان‬
‫وحده ال شريك له‪،‬وأن ً‬
‫عقلي وشرعي( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫سار الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على هذا املنهج يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وسار معه‬
‫صحابته الكرام‪ ،‬وبذلوا جهدهم يف ذلك‪ ،‬فضحوا بأمواهلم وأنفسهم‪ ،‬وبذلوا أوقاهتم‪ ،‬وهاجروا‬
‫من أوط اهنم‪ ،‬يف س بيل ال دعوة إىل اهلل ‪ -‬س بحانه وتع اىل ‪ -‬ح ىت أص بحت األم ة اإلس المية أم ة‬
‫قائ دة رائ دة‪ ،‬ك ل ف رد فيه ا ي درك مس ؤوليته الدعوي ة‪ ،‬ويق وم فيه ا على منهج ق ومي‪ ،‬وص راط‬
‫متبع ا يف ذل ك منهج رس ول اهلل ص وص حابته الك رام‪ ،‬ال ذين وص فهم املوىل س بحانه‬
‫مس تقيم‪ً ،‬‬
‫سجدا يبتغون‬
‫ركع ا ً‬
‫بقوله {حممد رسول اهلل والذين معه أشداء على الكفار رمحاء بينهم تراهم ً‬
‫فضاًل من اهلل ورضوانًا سيماهم يف وجوههم من أثر السجود}( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومع تقدم الزمان‪ ،‬وتكاثر األوطان‪ ،‬ابتعدت األمة عن هذا املنهج شيًئا فشيًئا‪ ،‬فضعف‬
‫الداعي يف مسؤوليته‪ ،‬ومن مث ضعف املدعو يف عالقته بربه‪ ،‬وختلفت األمة يف سيادهتا وقيادهتا‪.‬‬
‫فاألم ة م ع ه ذا حباج ة ماس ة إىل دع اة خملص ني‪ ،‬ورج ال ع املني‪ ،‬يعي دون لألم ة جمدها‪،‬‬
‫وميكنوهنا من سيادهتا وقيادهتا‪.‬‬
‫دعاة يكبحون مجاح النفوس الشاردة‪ ،‬ويهدون القلوب احلائرة‪.‬‬
‫دعاة حيملون القرآن‪ ،‬ويتسربلون باإلميان‪.‬‬
‫دعاة ال تلهيهم الدنيا وزينتها عن الدعوة وواجباهتا‪.‬‬

‫() سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.497 ،2/496 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الفتح‪ ،‬جزء من اآلية ‪.29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪5‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫دعاة ال يطغى هبم محاس الشباب‪ ،‬وال تنسيهم غريهتم على حمارم اهلل تقدير املصاحل واملفاسد‪.‬‬
‫دعاة يدركون حقيقة قوله سبحانه{ ادع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة}‪.‬‬

‫وليعلم الدعاة يف هذا الزمان أن البعد عن منهج سلف هذه األمة يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬جير‬
‫كثريا من املشكالت‪ ،‬اليت ال يقتصر أثرها على الداعية وحده‪ ،‬بل يتعدى‬
‫على الدعوة والدعاة ً‬
‫أيضا أن أعداء اإلسالم يف هذا الزمان يتصيدون أخطاء الدعاة‬
‫إىل اإلسالم وأهله‪ ،‬وليعلم الدعاة ً‬
‫ليصدوا الناس هبا عن هذا الدين‪.‬‬

‫ل ذا ال خالص من ه ذه املش كالت إال بع ودة ال دعاة إىل منهج الس لف الك رام‪ ،‬ويف‬
‫مق دمتهم ص حابة رس ول اهلل ص‪ ،‬فمن اهجهم يف دع وهتم أكم ل املن اهج وأس لمها‪ ،‬بع د منهج‬
‫رس ول اهلل ص‪ .‬ف املوفق يف دعوت ه من ك ان ل ه النص يب األك رب من االقت داء‪ ،‬هبم والس ري على‬
‫هنجهم‪ ،‬وأكم ل من اهج الص حابة من اهج اخللف اء األربع ة (رض ي اهلل عنهم أمجعني) ومنه ا منهج‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬الذي هو موضوع هذه‬
‫الرسالة‪.‬‬

‫وسيعرض الباحث هذا املوضوع ‪ -‬بعون اهلل تعاىل ‪ -‬على النحو التايل‪-:‬‬
‫‪ -1‬التعريف مبفردات العنوان‪.‬‬
‫‪ -2‬أمهية املوضوع وأسباب اختياره‪.‬‬
‫‪ -3‬الكتابات السابقة‪.‬‬
‫‪ -4‬املشكلة البحثية‪.‬‬
‫‪ -5‬التساؤالت اليت يسعى الباحث لإلجابة عليها‪.‬‬
‫‪ -6‬املناهج املستخدمة يف البحث‪.‬‬
‫‪ -7‬تقسيم البحث‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪6‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أواًل ‪ :‬التعريف بمفردات العنوان‪:‬‬

‫اج‪ ،‬وَأْن َه َج الطريق؛ أي‪ :‬استبان‬ ‫ِ‬ ‫()‬


‫َّه ُج واملْن َه ُ‬
‫الم ْن َه ُج‪ :‬هو الطريق الواضح‪ ،‬وكذلك الن ْ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬

‫ت الطريق إذا أبنته وأوضحته( )‪ ،‬ومنه قوله سبحانه {لكل جعلنا‬


‫‪2‬‬
‫واضحا بينًا‪ ،‬و َن َه ْج ُ‬
‫ً‬ ‫هنجا‬
‫وصار ً‬
‫اج فهو الطريق الواضح السهل ))‬ ‫ِ‬ ‫()‬
‫منكم شرعة ومنهاجا} ‪ .‬قال ابن كثري رمحه اهلل‪(( :‬أما املْن َه ُ‬
‫‪3‬‬

‫( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وسيستخدم الباحث ‪-‬إن شاء اهلل تعاىل‪ -‬هذا املعىن يف حبثه‪ ،‬ومن مث يكون املعىن املراد‬
‫من عنوان البحث هو‪ :‬طريقة أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل‬
‫اهلل‪.‬‬

‫الدعوة إلى اهلل‬

‫َّع َوةُ يف اللغة‬


‫الد ْ‬
‫لل دعوة يف اللغ ة ع دة اس تعماالت منه ا‪ :‬ال دعاء إىل الطع ام‪ ،‬يق ال كن ا يف َدع وة فالن‬
‫والدعوى يف النسب‪،‬‬ ‫وم ْدع ِاة فالن‪ .‬والدِّعوة بالكسر يف النسب‪ ،‬يقال فالن د ِعي بني ِ‬
‫الدعوة َ‬ ‫َ ٌّ‬ ‫َ َ‬
‫الرباب فإهنم يفتحون الدال يف النسب‪ ،‬ويكسروهنا يف الطعام‪.‬‬‫ِ‬ ‫هذا كالم أكثر العرب إال َع ِد َّ‬
‫ي‬
‫بعض ا ح ىت جيتمع وا‪.‬‬
‫بعض هم ً‬
‫وت داعت احليط ان للخ راب أي هتادت‪ .‬وت داعى الق وم أي دع ا ُ‬

‫() والطريق يذكر ويؤنث (ابن منظور لسان العرب ‪ ،10/220‬مادة طرق )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1/436‬مادة [هنج]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،383 / 2‬مادة [هنج]‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.48‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تفسري القرآن العظيم ‪.2/67‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪7‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ودعوت فالنًا أي صحت به واستدعيته‪ .‬ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إىل بدعة أو دين‪،‬‬
‫وأدخلت اهلاء فيه للمبالغة‪ .‬ويطلق الداعية على صريخ اخليل يف احلروب‪ .‬والدعوة من دعا إىل‬
‫(‪)2‬‬
‫الشيء‪ ،‬أي ساقه إليه‪ ،‬وحثه على قصده( )‪ .‬ومنه قوله سبحانه {واهلل يدعو إىل دار السالم}‬
‫‪1‬‬

‫وقوله سبحانه {قال رب السجن أحب إيل مما يدعونين إليه}( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ولعل من األمهية مبكان أن نشري إىل تعريف أصل املادة عند ابن فارس إذ يقول‪ (( :‬دعو‪:‬‬
‫الدال والعني واحلرف املعتل أصل واحد‪ ،‬وهو‪ :‬أن متيل الشيء بصوت وكالم منك ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫اصطالحا‬
‫ً‬ ‫الدعوة‬

‫اختل ف تعري ف ال دعوة االص طالحي بني املع رفني هلا‪ ،‬فمنهم من جع ل كلم ة ال دعوة‬
‫مرادفة لكلمة اإلسالم‪ ،‬فيتحدث عن الدعوة كما يتحدث عن اإلسالم سواء بسواء‪ ،‬ومنهم من‬
‫جعلها فنًا آخر يتعلق بكيفية نشر هذا اإلسالم‪ ،‬ومن هذه التعريفات االصطالحية ما يلي‪-:‬‬

‫وممن جعلها مرادفة لكلمة اإلسالم البهي اخلويل إذ يقول‪(( :‬اإلسالم احلنيف هو الدعوة‬
‫العاملية الك ربى ال ذي بعث هبا رس ول اهلل ص لتك ون نظ ام اإلنس انية الكام ل يف حياهتا الروحية‬
‫واملادية يف كل زمان ومكان ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() انظ ر‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،2338-2336 / 6‬م ادة [دعا]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان الع رب ‪-14/257‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 262‬م ادة [دع ا]‪ .‬والف ريوز أب ادي‪ ،‬الق اموس احملي ط ‪ ،328 / 4‬م ادة [دع ا]‪ .‬والزبي دي‪ ،‬ت اج الع روس‬
‫‪ ،10/137‬مادة [دعا]‪.‬‬
‫() سورة يونس‪ ،‬جزء من اآلية ‪.25‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة يوسف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.33‬‬ ‫‪3‬‬

‫() معجم مقاييس اللغة ‪.279 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫() تذكرة الدعاة ص ‪.14‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪8‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعرفه ا علي حمف وظ بقول ه‪ (( :‬حث الن اس على اخلري‪ ،‬واألم ر ب املعروف والنهي عن املنك ر ؛‬
‫ليفوزوا بسعادة العاجل واآلجل ))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫مجيع ا جتدد على يد حممد ص‬


‫وعرفها حممد الراوي بقوله‪(( :‬هي دين اهلل الذي بعث به األنبياء ً‬
‫خامت النبيني كاماًل وافيًا لصالح الدنيا واآلخرة))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعرفها فتحي يكن بقوله‪ (( :‬تغيري واقع إنساين بآخر منشود ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وعرفها آدم األلوري بقوله‪ (( :‬صرف أنظار الناس وعقوهلم إىل فكرة أو عقيدة وحثهم عليها‪،‬‬
‫وهي مبثابة ندبة إلنقاذ الناس من ضاللة كادوا يقعون فيها‪ ،‬وختليصهم من مصيبة حدقت هبم ))‬
‫( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وعرفه ا أمحد غل وش بقول ه‪ (( :‬العلم ال ذي ب ه تع رف كاف ة احملاوالت الفني ة املتع ددة الرامي ة إىل‬
‫تبليغ الناس اإلسالم مبا حوى من عقيدة وشريعة وأخالق ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫كما وردت اإلشارة إىل املعىن االصطالحي للدعوة عند بعض أهل العلم حول تفسري‬
‫منريا}( )‪ ،‬إذ يقول القرطيب‪ (( :‬الدعاء إىل اهلل هو‬
‫وسراجا ً‬
‫‪6‬‬
‫ً‬ ‫قوله سبحانه {وداعيً ا إىل اهلل بإذنه‬
‫تبليغ التوحيد‪ ،‬واألخذ به‪ ،‬ومكافحة الكفرة ))( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫ويق ول ابن س عدي‪(( :‬أرس له اهلل ي دعو اخلل ق إىل رهبم‪ ،‬ويش وقهم لكرامت ه‪ ،‬وي أمرهم‬
‫بعبادته اليت خلقوا هلا ))( )‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫() هداية املرشدين ص ‪.17‬‬ ‫‪6‬‬

‫() الدعوة اإلسالمية دعوة عاملية ص ‪.29‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مشكالت الدعوة والداعية ص ‪.12‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تاريخ الدعوة إىل اهلل ص ‪.17‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الدعوة اإلسالمية‪ ،‬أصوهلا ووسائلها ص ‪.10‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫‪6‬‬

‫() اجلامع ألحكام القرآن ‪.14/200‬‬ ‫‪7‬‬

‫() تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ‪.233 /6‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪9‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن املعىن االصطالحي لـ "الدعوة إىل اهلل" الذي سوف يستخدمه‬
‫الب احث يف حبث ه ه و‪ (( :‬حث الن اس على التق رب إىل اهلل بطاعت ه‪ ،‬وحتذيرهم من البع د عن ه‬
‫مبعصيته‪ ،‬وجماهدة أعدائه )) ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أهمية الموضوع وأسباب اختياره‬

‫لق د اس تقطبت شخص ية أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أفك ار‬
‫الك اتبني وجه ود الب احثني‪ ،‬وذل ك ملا متيزت ب ه تل ك الشخص ية من ص فات جليل ة‪ ،‬وفض ائل‬
‫عديدة مل جتتمع لغريه من صحابة رسول اهلل ز‪ ،‬يقول اإلمام أمحد بن حنبل (رمحه اهلل)‪ (( :‬ما‬
‫جاء ألحد من أصحاب رسول اهلل ز من الفضائل ما جاء لعلي رضي اهلل عنه ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولق د تن اول ك ل ك اتب تل ك الشخص ية من زاوي ة معين ة‪ ،‬فمنهم من تناوهلا من ناحي ة‬


‫سياس ية‪ ،‬ومنهم من تناوهلا من ناحي ة تربوي ة‪ ،‬ومنهم من تناوهلا من ناحي ة قض ائية‪ ،‬ومنهم من‬
‫داع إىل‬
‫تناوهلا من ناحية اجتماعية‪ ..‬وعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو ـ يف األصل ـ ٍ‬
‫اهلل قب ل أن يك ون سياس يًا‪ ،‬أو اجتماعيً ا‪ ،‬أو تربويً ا‪ ،‬فالكتاب ة عن ه من ناحي ة دعوي ة أوىل وأهم‪.‬‬
‫وتعود أمهية الكتابة عن منهجه الدعوي إىل أمور منها‪:‬‬

‫‪ -1‬طبيعة عصر خالفة أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وميكن اإلشارة إىل‬
‫ذلك بنقطتني مها‪:‬‬

‫(أ) تفرق مجاعة املسلمني واختالفهم‪ ،‬فعلي بن أيب طالب‬


‫عصرا ْامتُ ِحن فيه الناس‪ ،‬وأصابتهم الفتنة‪ ،‬كما يقول ‪ -‬رضي‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬واكب ً‬

‫() أخرجه احلاكم يف املستدرك ‪ .3/107‬وذكره السيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.188‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪10‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫اهلل عنه ‪ (( :-‬سبق رسول اهلل ص وصلى أبو بكر‬
‫وثلث عمر( ) مث خبطتنا( ) أو أص ابتنا فتنة( )‪ ،‬يعف و اهلل عمن يش اء ))( )‪ .‬ف افرتق الن اس يف‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫خالفته‪ ،‬ففرقة بايعت عليًا ونصحت له‪ ،‬وفرقة خرجت مع عائشة وطلحة والزبري (رضي‬
‫اهلل عنهم أمجعني) إىل مك ة مث البص رة تط الب ب دم عثم ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬وفرق ة م ع‬
‫أيض ا ومل تبايع عليً ا ‪-‬‬
‫معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬اعتصمت بالشام وتطالب بدم عثمان ً‬
‫رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وفرقة اعتزلت الناس‪.‬‬

‫وقد حرص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذا الوضع على‬
‫توحيد الكلمة ومجع الصف‪ ،‬واستخدم يف ذلك خمتلف الوسائل واألساليب‪ .‬ودعاة اليوم‬
‫حباجة إىل منهج مثايل للعمل به وسط جمتمعات كثرت فيها الفنت‪ ،‬فتنافرت وتناحرت‪،‬‬
‫فاختلف دعاهتا وتشتت مشلها‪.‬‬

‫صلَّيًَا‪ ،‬وهو الذي يتلو السابق‪ ،‬ألن رأسه عند صاله‪.‬‬ ‫صلَّى الفرس‪ ،‬إذا جاء ُم َ‬
‫صلِّي ‪ :‬تايل السابق‪ ،‬يقال ‪َ :‬‬
‫() املُ َ‬
‫‪1‬‬

‫وصلى أبو بكر ‪ :‬أي تلى رسول اهلل ص يف السبق‪( .‬انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2402 / 6‬مادة [صال])‪.‬‬
‫وقيل صلى بالناس بأمر رسول اهلل ص‪ ،‬وفيه إشارة إىل أنه يكون اخلليفة من بعده وقد كان‪ ،‬فسار سرية النيب‬
‫ص حىت قبض‪( .‬أمحد بن عبدالرمحن البنا‪ ،‬الفتح الرباين ‪.)22/181‬‬
‫() أي باخلالف ة فس ار س ريهتما ح ىت قبض ه اهلل ع ز وج ل‪( .‬أمحد بن عب د ال رمحن البن ا‪ ،‬الفتح الرب اين ‪/ 22‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.) 181‬‬
‫ديدا‪ ،‬وخب ط البع ري بي ده‪ ،‬أي ض رب األرض هبا‪( .‬ابن‬ ‫() من خب ط‪ ،‬خبط ه خيبط ه خبطً ا أي ض ربه ض ربًا ش ً‬ ‫‪3‬‬

‫منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،7/280‬مادة خبط)‪.‬‬


‫بعض ا واهلل أعلم‪( .‬أمحد بن‬
‫() يريد ما حصل من قتل عثمان‪ ،‬ووقعة اجلمل وصفني‪ ،‬وحرب املسلمني بعضهم ً‬
‫‪4‬‬

‫عبد الرمحن البنا‪ ،‬الفتح الرباين ‪.) 181 / 22‬‬


‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ ،‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪.170 / 2‬‬ ‫‪5‬‬

‫وابن أيب عاصم يف كتاب السنة‪ ،‬حتقيق حممد ناصر الدين األلباين ص ‪ .558‬واحلاكم يف املستدرك ‪،3/67‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪11‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(ب) ظه ور بعض الف رق املذهبي ة‪ ،‬ال يت ظه رت أول م ا ظه رت يف عه ده ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪،-‬‬


‫ك اخلوارج والس بئية( )‪ ،‬وق د وق ف علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬منهم موق ف‬
‫‪1‬‬

‫الداعي ة احلكيم‪ ،‬جيادهلم بالبي ان ت ارة‪ ،‬ويق ارعهم بالس نان أخ رى‪ ،‬م رة بالوع ظ والت ذكري‪،‬‬
‫وأخرى بالنصح والتحذير‪ ،‬قد استفرغ يف ذلك وسعه وأعذر إىل ربه‪ .‬مث إن هذه الفرق‬
‫على َم ِّر الزمان تكاثرت وتشعبت‪ ،‬فانتشرت هبا الضاللة وكثرت الفنت‪ .‬ويف ذلك أمهية‬
‫للدعاة القتفاء أثره وسلوك هنجه‪ ،‬وال شك أن الداعية احلق الذي يريد صالح األمة يف‬
‫وش َعبِها حباج ة إىل منهج أص يل يف ه ذا اجلانب‪ ،‬منهج داعي ة ع رف‬
‫مواجه ة ه ذه الف رق ُ‬
‫تلك الفرق على حقيقتها‪ ،‬وجرب دعوهتا‪ .‬وال شك أنه سوف جيد ذلك جليً ا يف منهج‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوته إياهم‪ .‬إضافة إىل ما يف هذا‬
‫اجلانب من األمهية فيما يتعلق بوسائل الدعوة وأساليبها‪ ،‬ملا فيه من بيان ألنسب الوسائل‬
‫واألساليب للتعامل مع أمثال تلك الفرق‪ ،‬وما أكثرها يف هذا الزمان !‬

‫‪ -2‬م ا متيز ب ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من ص فات ك ان هلا األث ر‬
‫الكبري يف تكوين ذلك املنهج‪ .‬كالشجاعة الباهرة‪ ،‬والبطولة النادرة‪ ،‬فال ينهض له أحد يف‬
‫س احة مب ارزة أو مي دان من اجزة‪ ،‬م ع ثق ة يف النفس‪ ،‬وت ورع عن البغي‪ .‬مما جع ل الن يب ز‬
‫ينتدبه للمبارزة يف عدة مواطن‪ ،‬حيث انتدبه للمبارزة يف بدر( ) ويف اخلندق( ) ويف خيرب( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫إضافة إىل ما فيه من ذكاء خارق سبق فيه فرسان األذكياء‪ ،‬مما جعل عمر بن اخلطاب ‪-‬‬

‫() سيأيت احلديث عن اخلوارج والسبئية يف الفصل التمهيدي إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب املغ ازي‪ .85 ،84 / 3‬و ابن هش ام الس رية النبوي ة ‪.1/625‬‬ ‫‪2‬‬

‫وابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪.179 / 3‬‬


‫() انظر ‪:‬الواقدي‪ ،‬املغازي ‪ .471 ،470 / 2‬و ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.68 / 2‬وابن جرير الطربي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ األمم وامللوك ‪.95 ،94 / 2‬واحلاكم يف املستدرك ‪.3/33‬وابن كثري‪،‬البداية والنهاية ‪.107-4/105‬‬
‫() انظر‪ :‬صحيح مسلم ‪ .3/1441‬وابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪.321 / 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪12‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يستش ريه يف ح ل املعض الت ويتع وذ من معض لة ليس هلا أب و احلسن( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫ويقول يف ذلك (( لوال علي هللك عمر))( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ويف ه ذا اجلانب أمهي ة ملؤسس ات ال دعوة وقادهتا‪ ،‬ملعرف ة الص فات واملم يزات ال يت على‬
‫أيض ا أمهية للداعية نفسه حملاولة اكتساب‬
‫أساسها خُي تار الدعاة للقيام مبهمات دعوية‪ ،‬وفيه ً‬
‫املهارات والصفات اليت تؤهله للقيام بدعوته على أكمل وجه‪.‬‬

‫‪ -3‬ومن أمهية ه ذا املنهج س عة علم أم ري املؤمنني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬وقوة‬
‫بيانه‪ .‬فقد كان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يعد من أعلم أصحاب رسول اهلل‬
‫ز‪ .‬فعن مسروق( ) قال‪ (( :‬شاممت أصحاب رسول اهلل ز فوجدت علمهم انتهى إىل ستة‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫إىل عم ر وعلي وعبداهلل ومع اذ وأيب ال درداء وزي د بن ث ابت‪ ،‬فش اممت ه ؤالء الس تة‬
‫فوجدت علمهم انتهى إىل علي وعبداهلل))( )‪ .‬وقال سعيد بن املسيب( )‪ (( :‬ما كان أحد‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫من الن اس يق ول س لوين غ ري علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ .) ()) -‬وعن عب دامللك‬
‫‪6‬‬

‫() ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب ‪.3/38‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.2/509‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن األجدع بن مالك بن أمية‪ ،‬الكويف العابد‪ ،‬الفقيه‪ .‬قال العجلي ‪ :‬كويف تابعي ثقة‪ .‬مات سنة ‪ 62‬أو‬ ‫‪3‬‬

‫‪63‬هـ‪ ،‬وله ثالث وستون سنة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 101 ،100 /10‬‬
‫() أخرجه ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.2/351‬‬ ‫‪4‬‬

‫أحدا قط أعلم باحلالل واحلرام‬


‫() ابن حزن بن أيب وهب القرشي املخزومي‪ ،‬فقيه عامل‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬ما رأيت ً‬ ‫‪5‬‬

‫فقيه ا‪ ،‬قال الواقدي ‪:‬‬


‫ً ً‬ ‫ا‬ ‫صاحل‬ ‫منه‪ .‬وقال سليمان بن موسى ‪ :‬كان أفقه التابعني‪ .‬وقال العجلي ‪ :‬كان رجاًل‬
‫م ات س نة ‪ 94‬يف خالف ة الولي د‪ ،‬وه و ابن ‪ 75‬س نة‪ ،‬وقي ل غ ري ذل ك‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬هتذيب الته ذيب‬
‫‪.) 77-4/74‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،646 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪6‬‬

‫ص حيح‪ .‬وابن عب د ال رب‪ ،‬ج امع بي ان العلم وفض له ص ‪ .183‬وك ذلك يف االس تيعاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د‬
‫البج اوي ص ‪ ،1103‬واحلاكم يف املس تدرك ‪ .352 / 2‬بلف ظ آخ ر‪ .‬وابن األث ري يف أس د الغاب ة ‪.22/ 4‬‬
‫والسيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪13‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫بن سليمان ق ال‪ (( :‬قلت لعطاء‪ :‬أكان يف أصحاب حممد أعلم من علي؟ قال‪ :‬ال واهلل !‬
‫ال أعلمه))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وجتدر اإلش ارة إىل أن علم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل‬
‫ورا يف فن معني‪ ،‬ب ل يف فن ون ش ىت‪ ،‬إض افة إىل م ا ك ان ل ه من الري ادة يف تل ك‬
‫يكن حمص ً‬
‫العلوم‪ ،‬وأشار العقاد إىل هذه الريادة لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف التوحيد‬
‫اإلس المي‪ ،‬والقض اء اإلس المي‪ ،‬والفق ه اإلس المي‪ ،‬وعلم النح و الع ريب‪ ،‬وفن الكتاب ة‬
‫أساس ا صاحلًا ملوسوعة املعارف اإلسالمية‬
‫العربية‪ ...‬وقال‪ ....(( :‬مما جيوز لنا أن نسميه ً‬
‫يف مجيع العصور‪ ،‬أو جيوز لنا أن نسميه موسوعة املعارف اإلسالمية كلها يف الصدر األول‬
‫من اإلسالم )) ( ) ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫والدعوة اإلسالمية حتتاج مع سعة العلم إىل جودة العرض‪ ،‬فالعامل ال يصل بعلمه إىل‬
‫نف وس الن اس إال بع رض ش يق وذوق أديب س ليم‪ ،‬وال ي درك األديب دع وة الن اس ب األدب‬
‫وح ده‪ ،‬م ا مل يكن لدي ه العلم ال ذي ي دعو إلي ه‪ .‬ولق د ت وافر ه ذان اجلانب ان يف منهج أم ري‬
‫املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬فلق د منح ه اهلل س بحانه وتع اىل فص احة‬
‫اللسان‪ ،‬وقوة البيان‪ ،‬وأهلمه أمسى املعاين وأكرمها‪ ،‬وأعذب األلفاظ وأجزهلا‪ ،‬فجرت على‬
‫لس انه اخلطب الرائع ة‪ ،‬والرس ائل اجلامع ة‪ ،‬والوص ايا النافع ة‪ ،‬واحلكم الس ائرة‪ ،‬واألق وال‬
‫احلكمية‪ ،‬مما تناقله الرواة‪ ،‬وزخرت به الكتب واألسفار‪.‬‬

‫() ابن األثري‪ ،‬أسد الغابة ‪.22 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كتابه عبقرية اإلمام علي ص‪.141‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪14‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ق ال عن ه العق اد‪ (( :‬وليس اإلم ام علي أول من كتب الرس ائل‪ ،‬وألقى العظ ات‪،‬‬
‫وأطال اخلطب على املنابر‪ ،‬يف األمة اإلسالمية‪ ..‬ولكنه وال ريب أول من عاجل هذه الفنون‬
‫معاجلة أديب‪ ،‬وأول من أضفى عليها صبغة اإلنشاء الذي يقتدى به يف األساليب )) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف ه ذا اجلانب أمهي ة للداعي ة إلدراك م ا يف س عة العلم وق وة البي ان من أث ر بلي غ يف‬


‫الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وألساليب الدعوة ملا يف سعة العلم من إدراك ملا يدعو إليه الداعية‪.‬‬

‫‪ -4‬ومما يدل على أمهية هذا املنهج ما انفرد به أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬من بني صحابة رسول اهلل ص جبمعه االنتماء لطائفتني أمر النيب ز باالهتداء هبديهما‪،‬‬
‫أما األولىفهي انتماؤه للخلفاء الراشدين‪ .‬والثانية هي انتماؤه آلل البيت‪.‬‬

‫واألمر يف األوىل ورد يف حديث العرباض بن سارية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪(( :‬قام‬
‫فين ا رس ول اهلل ز ذات ي وم‪ ،‬فوعظن ا موعظ ة بليغ ة وجلت منه ا القل وب وذرفت منه ا‬
‫العيون‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وعظتنا موعظة مودع‪ ،‬فاعهد إلينا بعهد‪ ،‬فقال‪ (( :‬عليكم‬
‫ديدا‪،‬‬
‫بتق وى اهلل‪ ،‬والس مع والطاع ة‪ ،‬وإن عب ًدا حبش يًا‪ .‬وس رتون من بع دي اختالفً ا ش ً‬
‫فعليكم بسنيت وس نة اخللف اء الراش دين امله ديني‪ ،‬عض وا عليه ا بالنواج ذ‪ ،‬وإي اكم واألم ور‬
‫احملدثات‪ ،‬فإن كل بدعة ضاللة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() املرجع نفسه ص‪.144‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه ابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬املقدم ة ‪ .16 ،15 / 1‬وق ال األلب اين ‪[ :‬ص حيح] ص حيح س نن ابن ماج ه‬ ‫‪2‬‬

‫‪.1/13‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪15‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واألم ر يف الثاني ة ورد يف ح ديث ج ابر بن عبداهلل (رض ي اهلل عنهم ا) ق ال‪ :‬خطب‬
‫رسول اهلل ز فقال‪ (( :‬يا أيها الناس إين تركت فيكم ما إن أخذمت به لن تضلوا‪ :‬كتاب‬
‫اهلل‪ ،‬وعرتيت( ) أهل بييت ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫إن م ا س بقت اإلش ارة إلي ه من أمهي ة منهج علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف‬
‫دعوته مما دعا الباحث الختيار هذا املوضوع إضافة إىل أسباب أخرى منها‪:‬‬

‫‪ -1‬إن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ترىب يف حجر الرسول ز فكان تلمي ًذا بني يدي‬
‫الرس ول ص يتلقى من ه تع اليم ال دعوة‪ ،‬وميارس مع ه عملياهتا ‪ ،‬ف أدرك من ش ؤون ه ذه‬
‫تأثرا مبنهج رسول اهلل‬
‫كثريا من أقرانه‪ .‬فكان بذلك أكثر معرفة‪ ،‬وأشد ً‬
‫الدعوة ما فاق به ً‬
‫ز‪ ،‬وارتباط علي اخلاص برسول اهلل ز مل ينته بانتهاء مرحلة الطفولة‪ ،‬بل توثق بزواج علي‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من ابنة رسول اهلل ز فاطمة (رضي اهلل عنها) أحب بناته إليه( )‪ ،‬وكذا‬
‫‪3‬‬

‫أبوته للحسن واحلسني سبطي رسول اهلل ز وحبيبيه‪ ،‬فقد قال فيهما‪ (( :‬هذان ابناي‪ ،‬وابنا‬
‫ب من ِحيُّب ُهما))( )‪ ،‬كل ذلك مما جعل علي بن‬
‫‪4‬‬ ‫فأحبهم ا ِ‬
‫وأح َّ‬ ‫ِ‬
‫ابنتي‪ ،‬اللهم إين ُأحُّب ُه َم ا‪َ ُ َّ ،‬‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أشد قربًا من رسول اهلل ص وأكثر أخ ًذا عنه‪.‬‬

‫ولد وغريه‪ ،‬وقيل هم رهطه األدنون‪ ،‬من مضى منهم‪ ،‬ومن غرب‪( .‬ابن منظور‪،‬‬‫() عرتة الرج ل‪ :‬أقرباؤه من ٍ‬ ‫‪1‬‬

‫لسان العرب‪ 4/538 ،‬مادة [عرت])‪ .‬وقد جعل رسول اهلل ص العرتة أهل البيت‪ ،‬وهم أل علي‪ ،‬وآل عقيل‪،‬‬
‫وآل جعفر‪ ،‬وآل عباس (رضي اهلل عنهم) وقيل غري ذلك (انظر‪ :‬ابن كثري يف تفسريه ‪.)487-3/484‬‬
‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ ،662 / 5‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال األلباين‪[ :‬صحيح] صحيح سنن الرتمذي ‪.3/226‬‬


‫() انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.4/377‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ ،657 / 5‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ .‬وقال األلباين‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫[حسن]‪ .‬صحيح سنن الرتمذي ‪ .3/224‬والنسائي‪ ،‬خصائص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ص ‪.123‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪16‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬إن معرفة منهجه وجهده يف دعوته‪ ،‬ونصره هلذه األمة‪ ،‬ونفعه هلا‪ ،‬يورث حمبته ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ ،-‬اليت هي عالمة املؤمنني‪ ،‬فقد قال ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪(( :-‬والذي فلق احلبة وبرأ‬
‫النسمة ! إنه لعهد النيب األمي ص ِإ َّ‬
‫()‬
‫يل‪ ،‬أن ال حيبين إال مؤمن‪ ،‬وال يبغضين إال منافق ))‬ ‫‪1‬‬

‫( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -3‬إب راز اجلانب ال دعوي من حي اة أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬كم ا‬
‫أب رزت ج وانب أخ رى من حيات ه‪ ،‬ومن ذل ك‪ :‬فقه ه‪ ،‬قض اؤه‪ ،‬بالغت ه وحكمت ه‪ ،‬ش عره‪،‬‬
‫وفضائله‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬وما أثر عنه من العلوم الطبيعية‪ ،‬والرتبية‪ ،‬والفكر‪ ،‬االجتماعي‪...‬‬
‫اخل( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -4‬تنوع األحوال يف حياته الدعوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ففيها قدوة للصغري والكبري‪ ،‬واملأمور‬
‫واألم ري‪ ،‬واجلن دي والقائ د‪ ،‬والتلمي ذ واملعلم‪ ،‬والفقي ه والقاض ي‪ ..‬إىل غ ري ذل ك من تن وع‬
‫منهجا متكاماًل يف الدعوة إىل اهلل‪.‬‬
‫األحوال مما يعطي ً‬

‫‪ -5‬تزوي د املكتب ة الدعوي ة بعم ل أتق رب ب ه إىل اهلل (س بحانه) وتع اىل وه و الكتاب ة يف منهج‬
‫دعوي ألحد اخللفاء الراشدين رضي هلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫() برأ النسمة‪ :‬أي خلق اإلنسان‪ ،‬وقيل النفس‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪.1/86‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ومن ه ذه الكتب على س بيل املث ال ‪ :‬كت اب خص ائص أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه)‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫للنس ائي‪ .‬وكت اب موس وعة فق ه علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه)‪ ،‬حملم د رواس قلع ه جي‪ .‬وكت اب منهج‬
‫الرتبية عند اإلمام علي‪ ،‬لعلي بن احلسني‪ .‬وكتاب بالغة اإلمام علي‪ ،‬ألمحد حممد احلويف‪ .‬وكتاب علي بن أيب‬
‫ط الب ش عره وحكم ه‪ ،‬ألمحد تيم ور‪ .‬وكت اب الفك ر االجتم اعي لعلي بن أيب ط الب‪ .‬حمم د عم ارة‪ .‬وكت اب‬
‫العلوم الطبيعية يف تراث اإلمام علي‪ ،‬ليوسف مروة‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪17‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الكتابات السابقة‬

‫‪ -1‬الدراسات الجامعية‬

‫من خالل البحث عن الدراس ات اجلامعي ة يف ه ذا املوض وع وذل ك باالستفس ار من‬


‫األقس ام ال يت هي مظن ة لتس جيل مث ل ه ذا املوض وع كقس م ال دعوة يف كلي ة ال دعوة واإلعالم‬
‫بالري اض‪ ،‬وقس م ال دعوة يف كلي ة ال دعوة باملدين ة املن ورة‪ ،‬وقس م ال دعوة يف اجلامع ة اإلس المية‬
‫باملدين ة املن ورة‪ .‬أو األقس ام ال يت هي مظن ة لتس جيل م ا ه و ق ريب من املوض وع كقس م الثقاف ة‬
‫اإلس المية بكلي ة الش ريعة‪ ،‬وقس مي العقي دة والس نة بكلي ة أص ول ال دين‪ ،‬إض افة إىل البحث يف‬
‫األدل ة ال يت تع ىن هبذا الش أن‪ .‬مل جيد الب احث رس الة هبذا املوض وع‪ ،‬وأن م ا مت العث ور علي ه من‬
‫الرس ائل اجلامعية ال يت تناولت علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬بالدراس ة هي على النح و‬
‫اآليت‪:‬‬

‫(‪" )1‬علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ومنهجه يف االحتساب"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يتكون البحث من (‪ )93‬صفحة‪ ،‬مقسم إىل فصلني على النحو التايل‪-:‬‬


‫الفصل األول يف ثالثة مباحث وهي‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬نسبه ونشأته‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬صفاته وأخالقه‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬خالفته‪.‬‬
‫وأما الفصل الثاين فهو يف منهجه يف االحتساب‪ ،‬ويشتمل على مخسة مباحث وهي‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬علي وصفات احملتسب‪.‬‬

‫() إعداد الطالب‪ :‬عقاب مسفر السحيمي‪ .‬وهو حبث السنة النهائية ملرحلة املاجستري (‪1404/1405‬هـ)‪ .‬يف‬ ‫‪1‬‬

‫املعهد العايل للدعوة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬التابع جلامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪18‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ميادين احستابه وأعماله فيها‪.‬‬


‫املبحث الثالث‪ :‬منهجه وأسلوبه يف االحتساب‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مواطن القدوة واالعتبار من سريته يف االحتساب‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬آثار احتسابه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫(ب) "قضاء أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه"‬
‫يقع البحث يف (‪ )336‬صفحة‪ .‬مقسم إىل ثالثة أبواب على النحو التايل‪:‬‬
‫الباب األول‪ :‬تاريخ حياة اإلمام علي‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬توليه القضاء‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬السلطة القضائية يف عهده‪.‬‬
‫(جـ) "املروي عن علي يف التفسري من أول القرآن حىت آخر سورة النساء"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫يقع البحث يف جملدين حتوي (‪ )759‬صفحة‪ .‬وقد قسمه الباحث إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الدراسة‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬التحقيق‪.‬‬
‫أما القسم األول فينقسم إىل ثالثة فصول على النحو التايل‪-:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬حياة أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫مفسرا‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ً -‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬موقف الشيعة من تفسري أمري املؤمنني‪.‬‬

‫() إعداد الطالب‪ :‬عبداهلل عثمان علي مقبل‪ .‬وهو حبث مقدم لنيل درجة املاجستري يف املعهد العايل للقضاء‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫شعبة السياسة الشرعية‪.‬‬


‫() رسالة ماجستري يف كلية أصول الدين‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬حممد بن عبداهلل اخلضريي‪1407 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪19‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأم ا القس م الث اين فه و عب ارة عن مجع املروي عن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫وحتقيقه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫(د) "املروي عن علي يف التفسري من أول سورة املائدة إىل آخر سورة الناس"‬
‫يقع البحث يف جملدين حتوي (‪ )1020‬صفحة‪ .‬وقد قسمه الباحث إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الدراسة‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬التحقيق‪.‬‬
‫أما القسم األول فينقسم إىل ثالثة فصول على النحو التايل‪-:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حياته ونشأته‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬منهجه يف التفسري‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الشيعة والتفسري‪.‬‬
‫وأم ا القس م الث اين فه و عب ارة عن مجع املروي عن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫وحتقيقه‪.‬‬
‫وأما ما سيتميز به هذا البحث ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬عن البحوث املذكورة هو بيان منهج‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوته‪ ،‬وذلك من خالل دراسة مواقفه‬
‫مستخدما فيه‬
‫ً‬ ‫الدعوية وحتليلها‪ .‬مع عرض هذا املنهج ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬بأسلوب علمي منظم‬
‫ما أمكن من الرسوم التخطيطية‪ ،‬واألشكال البيانية‪.‬‬

‫وأم ا البح وث املذكورة فق د تن اولت علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بالدراس ة‬
‫ولكن من جوانب خمتلفة من حياته‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫‪ -2‬الكتابات األخرى‬

‫() رسالة ماجستري يف كلية أصول الدين‪ ،‬دراسة وحتقيق فهد بن عبد العزيز الفاضل‪1409 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪20‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫من خالل البحث عن الكتابات األخرى عن هذا املوضوع‪ ،‬وذلك بالبحث يف فهارس‬
‫املكتب ات العام ة واملكتب ات التجاري ة داخ ل اململك ة كمك ة واملدين ة والري اض وال دمام واخلرب‬
‫واإلحس اء والقطي ف وس يهات‪ ،‬وخ ارج اململك ة ك البحرين وس وريا ومص ر وتركي ا‪ .‬كم ا مت‬
‫البحث يف املكتبات املركزية لبعض اجلامعات‪ ،‬وعمل استقصاء باحلاسب اآليل من مركز امللك‬
‫فيص ل للبح وث والدراس ات اإلس المية‪ ،‬وك ذلك استقص اء باحلس اب اآليل من مكتب ة املل ك‬
‫عبدالعزيز العامة ميكن للباحث أن يلخص ما وصل إليه على النحو التايل‪-:‬‬

‫(أ) مل جيد الباحث كتابًا هبذا العنوان املذكور‪ .‬وكذلك مل جيد كتابًا مستقاًل يبحث يف اجلانب‬
‫الدعوي حلياة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫(ب) ك ثرت الكتاب ة عن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وتن اولت ج وانب عدي دة من‬
‫حيات ه‪ ،‬كفض ائله‪ ،‬وخصائص ه‪ ،‬وس ريته‪ ،‬وخالفت ه‪ ،‬وفقه ه‪ ،‬وقض ائه‪ ،‬وعبقريت ه‪ ،‬وش عره‪،‬‬
‫وبالغت ه‪ ،‬وفلس فته‪ ،‬وتربيت ه‪ ....‬اخل( )‪ .‬ولق د ُكتب عن ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف الق دمي‬
‫‪1‬‬

‫بعض ا مما كتب عن علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيت اج إىل التجري د‬ ‫واحلديث‪ ،‬إال أن ً‬
‫والتمحيص‪ ،‬وما ذلك إال أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أحبه قوم وأفرطوا يف‬
‫حبه‪ ،‬فضلوا هبذا‪ ،‬ولفقوا له من الصفات واحلكايات ما ليس له( )‪ .‬وكرهه قوم وأبغضوه‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فهلكوا بذلك‪ ،‬فكذبوا عليه‪ ،‬وافرتوا عليه ما هو منه براء( )‪ .‬ومما ُكتب‬
‫‪3‬‬

‫عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ما يلي‪-:‬‬

‫() سيأيت ذكر بعضها‪ .‬وملعرفة مزيد من الكتب انظر قائمة املراجع‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() وهم السبئية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهم اخلوارج الذين كفروا عليًا وعثمان وأصحاب اجلمل‪ ،‬ومن صوهبما‪ ،‬أو رضي بالتحكيم‪( .‬عبد القاهر‬ ‫‪3‬‬

‫اإلسفرائيين‪ ،‬الفرق بني الفرق‪ ،‬ص‪.)74‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪21‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كتاب‪ :‬منهج الرتبية عند اإلمام علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) (-‬‬
‫‪4‬‬

‫كتاب منشور يقع يف (‪ )238‬صفحة‪.‬‬

‫حتدث الك اتب في ه عن منهج الرتبي ة عن د اإلم ام علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من خالل‬
‫األبواب اآلتية‪-:‬‬
‫الباب األول‪ :‬مع اإلمام علي يف نشأته وحياته‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬الرتبية ووظائفها‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الركائز النفسية لرتبية اإلمام‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬الركائز االجتماعية‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كتاب‪ :‬اإلمام علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫وهو كت اب منش ور يف جمل دين (اجملد األول ‪ 266‬ص فحة واجملل د الث اين ‪ 348‬ص فحة)‬
‫وقسمه املؤلف إىل أربعة فصول يف اجمللد األول‪ ،‬ومثلها يف اجمللد الثاين‪ ،‬على النحو التايل‪-:‬‬

‫اجمللد األول‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬يف رحاب النيب ص‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬اإلمام علي يف خالفة الصديق والفاروق وذي النورين‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اإلمام علي واخلالفة‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬أصحاب اجلمل‪.‬‬

‫اجمللد الثاين‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلمام ومعاوية‪.‬‬

‫() تأليف‪ :‬علي حممد احلسني األديب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() حملمد بيومي مهران‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪22‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬يف رحاب اإلمام‪.‬‬


‫الفصل الثالث‪ :‬اجتهادات معاوية‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬فضائل اإلمام علي يف الكتاب والسنة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫كتاب "سرية اإلمام علي"‬

‫كت اب منش ور يق ع يف (‪ )248‬ص فحة‪ ،‬قس مته الكاتب ة إىل عش رة فص ول على النح و‬
‫التايل‪-:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬نسب اإلمام علي‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬مولد اإلمام علي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬اإلمام علي والنيب ص ‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬اخلالفة‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬مبايعة اإلمام علي‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬شخصية اإلمام علي‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬مقتل اإلمام علي‪.‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬مبايعة احلسن‪.‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬احلسني بن علي‪.‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬الفرق اإلسالمية‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫كتاب‪":‬خصائص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪"-‬‬

‫() تأليف سارة حنفي جاراهلل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() لإلمام احلافظ أيب عبدالرمحن أمحد بن شعيب النسائي‪ ،‬املتوىف سنة ‪303‬هـ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪23‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫آثارا ختص علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف إسالمه‬
‫مجع فيه املؤلف (رمحه اهلل) ً‬
‫وعبادت ه‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬وفض ائله‪ ،‬ومكانت ه من رس ول اهلل ز‪ ،،،،،‬وغري ذل ك‪ .‬وق د أورد املؤلف‬
‫(رمحه اهلل) بعض اآلثار بروايات خمتلفة‪ ،‬وبني اختالف الناقلني‪ ،‬ولقد ذكر (رمحه اهلل) من هذه‬
‫اآلثار الصحيح وغريه‪.‬‬

‫كتاب "سجع احلمام يف حكم اإلمام علي بن أيب طالب"( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫كتاب منشور يقع يف (‪ )506‬صفحة‪ ،‬حتدث فيه املؤلفون أواًل عن حياة أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬من حيث مولده وإسالمه ونشأته‪ ،‬وأخالقه وعبادته‪،‬‬
‫وغريها من األمور اخلاصة به‪.‬‬

‫بعض ا من احلكم املأثورة عنه( ) مرتب ة على ح روف املعجم‪ ،‬وبين وا‬
‫‪2‬‬
‫مث بع د ذل ك عرض وا ً‬
‫معاين بعض احلكم‪ ،‬والكلمات الصعبة فيها‪.‬‬

‫كتاب "عبقرية اإلمام علي"( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫كتاب منشور يقع يف (‪ )159‬صفحة‪ ،‬حتدث فيه الكاتب حول شخصية اإلمام علي‬
‫بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف النقاط اآلتية‪-:‬‬
‫صفاته‪.‬‬
‫مفتاح شخصيته‪.‬‬
‫إسالمه‪.‬‬

‫() مجع وضبط وشرح‪ :‬علي اجلندي‪ ،‬وحممد أيب الفضل إبراهيم‪ ،‬وحممد يوسف احملجوب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ذكروا يف املقدمة أن هذه احلكم منها ما هو مشهور نسبته إليه‪ ،‬ومنها ما هو ليس كذلك ولكنه مروي‬ ‫‪2‬‬

‫عنه‪ ،‬وبعضها من كالم غريه من احلكماء لكنه كالنظري لكالمه واملضارع حلكمته‪( .‬مقدمة الكتاب‪ ،‬ص‪.)4‬‬
‫() تأليف عباس حممود العقاد‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪24‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عصر اإلمام‪.‬‬
‫البيعة‪.‬‬
‫سياسته‪.‬‬
‫حكومته‪.‬‬
‫النيب واإلمام والصحابة‪.‬‬
‫ثقافته‪.‬‬
‫يف بيته‪.‬‬
‫صورة جمملة‪.‬‬

‫وأما ما سيتميز به هذا البحث عن املؤلفات املذكورة فيتمثل بنقطتني‪:‬‬

‫أولهم ا‪ :‬إب راز اجلانب ال دعوي من حي اة أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬ببيان منهجه الدعوي املستنبط من مواقفه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع عرض هذا املنهج ‪-‬‬
‫بعون اهلل تعاىل‪ -‬بأسلوب علمي منظم‪ .‬وأما الكتب املذكورة فقد تناولت أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من جوانب خمتلفة‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬توثيق ما نسب إىل أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من اآلثار‪ ،‬وعزوها إىل‬
‫مصادرها األصلية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬المشكلة البحثية‬


‫ً‬

‫ميكن التعبري عن املشكلة البحثية اليت يسعى الباحث إىل حلها بالصيغة اآلتية‪:‬‬

‫ما املنهج الدعوي ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الذي سلكه يف‬
‫الدعوة إىل اهلل؟ وكيف ميكن االستفادة منه يف الوقت احلاضر؟‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪25‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫خامسا‪ :‬التساؤالت التي يسعى الباحث لإلجابة عنها‬


‫ً‬

‫يسعى الباحث بعون اهلل تعاىل لإلجابة عن عدة تساؤالت كما يلي‪-:‬‬
‫س‪ -1‬ما األحوال السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية لعصر أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬؟‬
‫س‪ -2‬ما صفات أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وفضائله ؟‬
‫س‪ -3‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف ضبط النص وفقهه ؟‬
‫س‪ - 4‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل العقيدة ؟‬
‫س‪ - 5‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل الشريعة ؟‬
‫س‪ - 6‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل األخالق ؟‬
‫س‪ - 7‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوة املسلمني ؟‬
‫س‪ - 8‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوة غري املسلمني ؟‬
‫س‪ - 9‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عند اختالف الدعاة ؟‬
‫س‪ - 10‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف إعداد الداعية علميًا ؟‬
‫س‪ - 11‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف إعداد الداعية عمليًا ؟‬
‫س‪ - 12‬ما منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف معاجلة أخطاء الدعاة ؟‬
‫س‪ -13‬كي ف نس تفيد من منهج أم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة يف العص ر‬
‫احلاضر ؟‬
‫س‪ -14‬كيف يستفيد الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬؟‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪26‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫سادسا‪ :‬منهج البحث وعمل الباحث‬


‫ً‬

‫نظرا ألن معلومات البحث تتعلق بأمر مضى‪ ،‬فإن املنهج املالئم يف هذه احلالة هو املنهج‬
‫ً‬
‫التارخيي( ) ‪ .‬وقد سار الباحث يف هذا املنهج ‪-‬بعون اهلل تعاىل‪ -‬على اخلطوات اآلتية( )‪-:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -1‬تحديد المصادر‬

‫ق ام الب احث بتحدي د املص ادر األساس ية ال يت تش تمل على اآلث ار الدعوي ة لعلي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من كتب السنة‪ ،‬كالصحيحني والسنن واملسانيد وغريها‪ ،‬مع احلرص‬
‫قدر اإلمكان على اآلثار الصحيحة‪ .‬وكذلك كتب الرتاجم كالطبقات الكربى واإلصابة وأسد‬
‫الغابة وغريها‪.‬‬

‫أيض ا الكتب املؤلف ة خبص وص علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مث ل‪:‬‬
‫ومنه ا ً‬
‫خصائص أمري املؤمنني‪ ،‬علي بن أيب طالب‪ ،‬ألمحد بن علي النسائي‪ .‬ومسند علي بن أيب طالب‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬للسيوطي‪.‬‬

‫ومنه ا كتب الس ري كس رية ابن اس حاق وس رية ابن هش ام‪ ،‬ومغ ازي الواق دي‪ ،‬وكتب‬
‫التاريخ اليت تتناول علي بن أيب طالب‪ ،‬مثل تاريخ الطربي‪ ،‬والبداية والنهاية البن كثري‪ ،‬والكامل‬
‫البن األثري وغريها‪.‬‬

‫() عرف كثري من علماء املنهجية مثل‪ :‬بورق‪ ،‬وقول‪ ،‬وايزاك‪ ،‬ومايكل‪ ،‬املنهج التارخيي بأنه‪ :‬عبارة عن إعادة‬ ‫‪1‬‬

‫عرض ا‬
‫ً‬ ‫للماض ي بواس طة مجع األدل ة وتقوميه ا‪ ،‬ومن مث متحيص ها‪ ،‬وأخ ًريا تأليفه ا ليتم ع رض احلق ائق أواًل‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إىل اس تنتاج جمموع ة من النت ائج ذات ال رباهني‬ ‫حيحا يف م دلوالهتا ويف تأليفه ا‪ ،‬وح ىت يتم التوص ل‬
‫ص ً‬
‫العلمية الواضحة‪( .‬د‪ .‬صاحل العساف‪ ،‬املدخل إىل البحث يف العلوم السلوكية ص‪.) 282‬‬
‫() مستفاد من املرجع السابق‪ ،‬ص‪.283‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪27‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كما قام الباحث بتحديد املصادر الثانوية من كتب املعاصرين ومنها موسوعة فقه علي‬
‫بن أيب ط الب‪ ،‬لل دكتور حمم د رواس قلع ه جي‪ .‬وحبث بعن وان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬ومنهجه يف االحتساب‪ ،‬لعقاب مسفر السحيمي‪ ،‬وكتاب منهج الرتبية عند اإلمام علي‪،‬‬
‫لعلي حممد احلسني األديب‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫‪ -2‬نقد مصادر البحث‬

‫حيث إن معلوم ات البحث تتعل ق يف زمن مض ى علي ه قراب ة ‪ 1400‬ع ام فق د تناقلته ا‬


‫األجيال حىت وصلت إلينا يف جيلنا احلاضر‪ ،‬لذا فمصادر البحث وما حتويه من معلومات حباجة‬
‫إىل النظر والتمحيص‪ ،‬ومما يؤكد هذا اجلانب أن شخصية‬
‫علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬اختلفت فيه ا فئات من الن اس‪ ،‬ح ىت َع دَّهُ ق وم أن ه إل ه‪،‬‬
‫وعده آخرون أنه كافر باهلل‪.‬‬

‫‪ -3‬جمع المعلومات وتحليها‬

‫بع د حتدي د املص ادر ونق دها ملعرف ة املناس ب منه ا ق ام الب احث جبم ع املعلوم ات املتعلق ة‬
‫باملش كلة البحثي ة ومراجعته ا وتبويبه ا ومن مث حتليله ا حتلياًل كيفيً ا م ع احلرص على املوض وعية‬
‫التامة يف التحليل‪.‬‬

‫‪ -4‬تنظيم المادة العلمية‬

‫تنظيم املادة العلمي ة وعرض ها بأس لوب مناس ب إلب راز منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اهلل ليكون فيه ‪-‬بإذن اهلل تعاىل‪ -‬هداية للمهتدين وعلم‬
‫للمسرتشدين من الدعاة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪28‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما عمله الباحث يف هذه الرسالة ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬كتابة اآليات القرآنية بالرسم العثماين مع عزوها إىل مواضعها من القرآن الكرمي‪.‬‬

‫‪ -2‬احلرص على ختريج األح اديث النبوي ة من مص ادرها األص لية من كتب الس نة‪ ،‬ويف حال ة‬
‫ختريج احلديث من ع دة كتب ي بني الب احث ص احب اللف ظ‪ .‬م ع االس تفادة من أق وال‬
‫احملققني من السلف واخللف وبيان أق واهلم يف احلكم على األحاديث إذا كانت ليست يف‬
‫الصحيحني أو أحدمها‪ ،‬ما أمكن ذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬احلرص على ختريج اآلثار من مصادرها األصلية ما أمكن ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬عرف الباحث ما رأى أنه حباجة إىل تعريف من األعالم والقبائل والفرق واألماكن وغريب‬
‫األلفاظ‪ ،‬كل من مصدره املناسب‪.‬‬

‫رمزا مثل ( ‪ ) 3 / 1 / 2‬الرقم األول منه يدل على‬


‫‪ -5‬وضع الباحث يف رأس كل صفحة ً‬
‫رقم الب اب‪ ،‬والث اين ي دل على رقم الفص ل‪ ،‬والث الث ي دل على رقم املبحث‪ ،‬وكتب إىل‬
‫جانبه اسم املبحث‪ ،‬أو اسم الفصل يف حالة عدم وجود مباحث‪.‬‬

‫‪ -6‬اكتفى الب احث ب ذكر بيان ات النش ر للكتب املطبوع ة يف قائم ة املراج ع مرتب ة على النح و‬
‫التايل‪ :‬رقم الطبعة (دار النشر‪ ،‬مكان النشر‪ ،‬سنة النشر) وذلك يف حالة توفرها كاملة‪ ،‬أما‬
‫يف حالة عدم توفرها‪ ،‬أو توفر بعضها فيكتفي بذكر ما توفر منها‪ .‬ويف حالة الرجوع إىل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫طبعات خمتلفة ملرجع واحد فإن الباحث يشري إىل هذه الطبعات يف قائمة املراجع ً‬

‫قام الباحث بعمل بعض الفهارس على النحو التايل‪-:‬‬


‫‪ -1‬فهرس اآليات مرتبة حسب ورودها يف املصحف‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪29‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬فهرس األحاديث مرتبة هجائيًا حسب طرف احلديث‪.‬‬


‫‪ -3‬فهرس اآلثار مرتبة هجائيًا حسب طرف األثر‪.‬‬
‫‪ -4‬فهرس األعالم املرتجم هلم مرتبة هجائيًا‪.‬‬
‫‪ -5‬فهرس القبائل املعرفة مرتبة هجائيًا‪.‬‬
‫‪ -6‬فهرس األماكن والبلدان املعرفة مرتبة هجائيًا‪.‬‬
‫‪ -7‬فهرس األشكال واجلداول مرتبة حسب ورودها يف البحث‪.‬‬
‫‪ -8‬فهرس األبيات الشعرية مرتبة هجائيًا حسب القافية‪.‬‬
‫‪ -9‬فهرس األديان والفرق مرتبة هجائيًا‪.‬‬
‫فهرس املوضوعات‪.‬‬ ‫‪-10‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪30‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫سابعا‪ :‬تقسيم البحث‬


‫ً‬

‫ق ام الب احث بتقس يم حبث ه إىل مقدم ة وفص ل متهي دي وأربع ة أب واب وخامتة‪ ،‬وبي ان ذل ك‬
‫على النحو التايل‪-:‬‬

‫الفص ل التمهي دي‪ ،‬ويش تمل على مبح ثني‪ ،‬األول عن عص ر أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من ثالث ة أوج ه‪ :‬الوج ه ال ديين‪ ،‬والوج ه السياس ي‪ ،‬والوج ه‬
‫االجتماعي‪ .‬وأما يف املبحث الثاين فهوعن حياة أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬من عدة جوانب‪.‬‬

‫الباب األول وهو‪ :‬منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اهلل‬
‫باعتبار املوضوع‪ ،‬ويشتمل على أربعة فصول على النحو التايل‪-:‬‬

‫الفص ل األول وه و‪ :‬منهج أم ري علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ض بط النص وفقه ه‪،‬‬
‫وحتته ثالثة مباحث حول منهجه يف ضبط النص‪ ،‬ومنهجه يف فقه النص‪ ،‬ومكانته‬
‫يف ضبط النص وفقهه على التوايل‪.‬‬

‫الفص ل الث اين وه و منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل‬
‫العقيدة‪ .‬وفيه ثالثة مباحث ختص منهجه يف جوانب العقيدة‪ :‬اإلهليات‪ ،‬والنبوات‪،‬‬
‫والسمعيات‪.‬‬

‫الفص ل الث الث وه و‪ :‬منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل‬
‫الشريعة‪ .‬وفيه أربعة مباحث ختص منهجه يف الدعوة إىل العبادات‪ ،‬مث يف منهجه‬
‫يف الدعوة إىل املعامالت‪ ،‬مث منهجه يف الدعوة إىل اجلهاد‪ ،‬مث منهجه يف اخلالفة‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪31‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفص ل الرابع وه و‪ :‬منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل‬
‫األخالق‪ .‬وفي ه ثالث ة مب احث‪ ،‬األول منه ا عن الق دوة يف حس ن اخلل ق وال رتغيب‬
‫في ه‪ .‬والث اين بي ان حماس ن األخالق واحلث عليه ا‪ .‬والث الث وض ع قواع د معايـري‬
‫حملاسن األخالق‪.‬‬

‫الباب الثاني وهو‪ :‬منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اهلل‬
‫باعتبار املدعو‪ ،‬ويشتمل على فصلني على النحو التايل‪-:‬‬

‫الفص ل األول وه و‪ :‬منهج أم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف دع وة املس لمني‪ ،‬ويش تمل‬
‫على مبحثني‪ ،‬األول منهما حول دعوة املهتدين‪ .‬والثاين حول دعوة العصاة‪.‬‬

‫الفص ل الث اين وه و‪ :‬دع وة غ ري املس لمني يف مبح ثني مها‪ :‬دع وة أه ل الكت اب‪ ،‬ودع وة غ ري أهل‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫الب اب الث الث وه و‪ :‬منهج أم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف إع داد الداعي ة وتوجيه ه‪،‬‬
‫ويشتمل على ثالثة فصول على النحو التايل‪-:‬‬

‫الفصل األول وهو‪ :‬اإلعداد العلمي للداعية‪ ،‬حتدث فيه الباحث عن منهج أمري املؤمنني يف إعداد‬
‫الداعية بالعلم يف جوانب خمتلفة‪.‬‬

‫الفصل الثاين وهو اإلعداد العملي للداعية‪ ،‬حتدث فيه الباحث عن منهج أمري املؤمنني يف إعداده‬
‫للدعاة من الناحية العملية التطبيقية‪.‬‬

‫الفص ل الث الث وه و‪ :‬منهج ه يف معاجلة أخط اء ال دعاة‪ ،‬ويتض من ه ذا الفص ل مناذج من معاجلة‬
‫أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ألخطاء الدعاة ومنهجه يف ذلك‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪32‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الباب الرابع وهو‪ :‬كيفية االستفادة من منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة‬
‫إىل اهلل‪ ،‬ويشتمل على فصلني على النحو التايل‪-:‬‬

‫الفصل األول وهو‪ :‬أوجه االستفادة من منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة‬
‫يف العص ر احلاض ر‪ ،‬ويتض من احلديث ع دة أوج ه كالعقي دة والعب ادة واآلداب‬
‫وحنوها‪.‬‬

‫الفصل الثاين وهو‪ :‬كيف يستفيد الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬؟! واحلديث يف هذا الفصل حول االستفادة يف موضوع الدعوة‪ ،‬وفقه الداعية‪،‬‬
‫وكيفية الدعوة وحنو ذلك‪.‬‬

‫الخاتمة ذكر فيها أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪33‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل التمهيدي‬

‫عصر أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وحياته‬

‫المبحث األول‪:‬عصر أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حياة أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪34‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث األول‬

‫عصر أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬


‫ملعرفة طبيعة العصر الذي عاشه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ننظر‬
‫إىل هذا العصر من ثالثة أوجه على النحو التايل‪-:‬‬
‫‪ -1‬الوجه الديين‪.‬‬
‫‪ -2‬الوجه السياسي‪.‬‬
‫‪ -3‬الوجه االجتماعي‪.‬‬

‫أواًل ‪ :‬الوجه الديني‬

‫ُو ِج َد يف ذلك الزمان إىل جانب املسلمني أهل ديانات أخرى‪ ،‬كأهل الكتاب من اليهود‬
‫والنص ارى‪ ،‬والوثن يني‪ ،‬واملن افقني‪ ،‬واملرت دين‪ ،‬واجملوس باإلض افة إىل م ا تف رق من املس لمني يف‬
‫ذلك الزمان من الفرق‪ .‬وسأحتدث ـ بإذن اهلل تعاىل ـ عن أصحاب هذه امللل على وجه اإلجياز‪.‬‬

‫المسلمون‬

‫ول اهلل ز يف مك ة ب دعوة احلق‪ ،‬ال يت دع ا هبا إخوان ه األنبي اء من قبل ه {ي ا ق وم‬ ‫بُعِ َ‬
‫ث رس ُ‬
‫اعب دوا اهلل م الكم من إل ه غ ريه} ( ) فاس تجابت ل ه فئة قليل ة من الن اس‪ ،‬ولكنهم مل يَس لَموا من‬
‫‪1‬‬

‫عُبَّ ِاد األصنام وسدنة األوثان‪ ،‬ومل يتمكنوا من القيام بشعائر دينهم اجلديد بيسر وسهولة‪ ،‬حىت‬
‫عدا عليهم قومهم فابتلوهم يف أنفسهم‪ ،‬وآذوهم يف دينهم‪.‬‬

‫() سورة املؤمنون‪ ،‬جزء من اآلية ‪.23‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪35‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يص ور عبداهلل بن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا) ح اهلم حينم ا س أله س عيد بن جبري( )‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫((قلت لعبداهلل بن عب اس‪ :‬أك ان املش ركون يبلغ ون من أص حاب رس ول اهلل ز من الع ذاب م ا‬
‫يعذرون يف ترك دينهم ؟)) قال‪(( :‬نعم واهلل‪ ،‬إن كانوا ليضربون أحدهم وجييعونه ويعطشونه‪،‬‬
‫جالس ا من شدة الضر الذي نزل به‪ ،‬حىت يعطيهم ما سألوه من‬
‫حىت ما يقدر على أن يستوي ً‬
‫الفتنة‪ ،‬حىت يقولوا له‪ :‬آلالت و العزى إهلك من دون اهلل ؟ فيقول نعم‪ .‬حىت إن اجلُ َعل( ) مير هبم‬
‫‪2‬‬

‫فيقولون له‪ :‬أهذا اجلعل إهلك من دون اهلل ؟ فيقول‪ :‬نعم( )‪ ،‬افتداءً مما يبلغون من جهده))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫وكان املسلمون األوائل متفاوتني يف هذا النصيب من االبتالء‪،‬‬


‫فمن كان له عشرية متنعه فهو أهون من غريه‪ ،‬ومن مل يكن‬
‫كذلك فقد افنت عُبَّاد األصنام يف إيذائه‪ .‬قال جماهد( )‪:‬‬
‫‪5‬‬

‫() سعيد بن جبري بن هشام األسدي موالهم‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬ويقال أبو عبداهلل الكويف‪ ،‬تابعي مشهور‪ .‬قال عنه‬ ‫‪1‬‬

‫ورع ا } قتل ه احلج اج س نة مخس وتس عني‪ ،‬وه و ابن تس ع‬ ‫فقيه ا عاب ًدا فاض ال ً‬
‫ابن حب ان يف الثق ات ‪{ :‬ك ان ً‬
‫وأربعني سنة‪ (.‬انظر الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.) 343-4/321‬‬
‫() داب ة س وداء من دواب األرض‪ ،‬ل ه رأس ع ريض‪ ،‬وي داه ورجاله كاملآش ري‪ (.‬ابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،11/112‬مادة [جعل] )‪.‬‬


‫() وهذا من باب {إال من أكره وقلبه مطمئن باإلميان }‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرج ه أب و نعيم يف احللي ة ‪ ،1/126‬واحلاكم يف املس تدرك ‪ ،3/313‬وص ححه ووافق ه ال ذهيب‪ .‬وذك ره‬ ‫‪4‬‬

‫الذهيب يف سري أعالم النبالء ‪ .1/464‬وابن حجر يف اإلصابة ‪.2/369‬‬


‫() ابن ج رب‪ ،‬ش يخ الق راء واملفس رين من الت ابعني‪ ،‬ع رض الق رآن على ابن عب اس ثالثني م رة‪ ،‬س كن الكوف ة‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫وك ان كث ري األس فار والتنق ل‪ ،‬م ات س نة ثالثني ومائ ة‪ ،‬وقي ل غ ري ذل ك‪ ،‬وبل غ ثالثً ا ومثانني س نة‪ ( .‬انظ ر ‪:‬‬
‫الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.) 457 - 449 / 4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪36‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وعم ار‬ ‫((أول من أظه ر إس المه رس ول اهلل ز وأب و بك ر وخب اب( )وص هيب‬
‫‪1‬‬

‫ومسية( ) أم عمار‪ .‬فأما رسول اهلل ز فمنعه اهلل بعمه أيب طالب‪ ،‬وأما أبو بكر فمنعه قومه‪ ،‬وأما‬ ‫‪4‬‬

‫اآلخرون فألبسوا أدراع احلديد مث صهروا يف الشمس فبلغ منهم اجلهد ما شاء اهلل أن يبلغ من‬

‫حر احلديد والشمس))( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫مسرحا للتعذيب‪ ،‬ضحاياه تلك الفئة املؤمنة اليت تألفت منها أوىل كتائب‬
‫ً‬ ‫وغدت مكة‬
‫اإلميان‪ .‬ورمبا ش اهد علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من ه ذا التع ذيب مش اهد ق ف هلا‬
‫شعره‪ ،‬واختلج جلده وسالت عيناه شؤونًا‪.‬‬

‫واستمر املسلمون األوائل مبكة على هذه احلال من الشدة واإليذاء‪ ،‬حىت فرج اهلل عنهم‬
‫ونفس ك ربتهم‪ ،‬وأذن هلم ب اهلجرة إىل املدين ة املن ورة‪ ،‬ف أمنوا على دينهم ومتكن وا من إظه ار‬

‫() خباب بن األرت بن جندلة بن سعد بن خزمية‪ ،‬اختلف يف نسبه فقيل خزاعي وقيل متيمي وهو األكثر‪ ،‬يكىن‬ ‫‪1‬‬

‫أبا عبداهلل‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ ،‬وهو عريب حلقه سباء يف اجلاهلية فبيع مبكة‪ ،‬كان سادس ستة يف اإلسالم وعذب يف‬
‫شديدا‪ ،‬مات سنة سبع وثالثني‪ ،‬وعمره ثالث وستون سنة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.)1/416‬‬ ‫ذلك تعذيبًا ً‬
‫صغريا‬
‫() صهيب بن سنان بن مالك‪ ..‬ويقال خالد بن عمرو بن عقيل‪ ..‬الرومي‪ ،‬قيل له ذلك ألن الروم سبوه ً‬
‫‪2‬‬

‫وقدم بعد ذلك إىل مكة‪ .‬أسلم ورسول اهلل ز يف دار األرقم‪ ،‬وكان من املستضعفني وممن يعذب يف اهلل‪،‬‬

‫ه اجر إىل املدين ة وختلى عن أموال ه يف س بيل هجرت ه‪ ،‬م ات س نة مثان وثالثني‪ ،‬وه و ابن س بعني س نة‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن‬
‫حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.)2/195،196‬‬
‫‪ )( 3‬عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن احلضني‪ ..‬كان من السابقني األولني هو وأبوه وأمه‪ ،‬وكان‬
‫ممن يعذب يف اهلل‪ ،‬وهاجر إىل املدينة وشهد املشاهد كلها‪ ،‬قتل بصفني سنة سبع وثالثني وله ثالث وتسعون‬
‫سنة (انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.)2/512‬‬
‫‪ )( 4‬مسية بنت خب اط‪ ،‬وقي ل خب ط‪ .‬ك انت س ابعة س بعة يف اإلس الم‪ ،‬ع ذهبا أب و جه ل وطعنه ا يف قبله ا وم اتت‬
‫فكانت أول شهيدة يف اإلسالم‪( .‬املرجع السابق‪.)4/334،445 ،‬‬
‫‪ )( 5‬ابن األثري‪ ،‬أسد الغابة ‪.2/98‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪37‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ش عائرهم‪ ،‬فقد كانت الصالة فرضـت على املس لمني مبك ة قبـل اهلجرة يف ليلة اإلس راء ( )‪ ،‬مث‬
‫‪1‬‬

‫ف رض اهلل (س بحانه وتع اىل) عليهم بع د اهلج رة مزي ًدا من العب ادات‪ ،‬كالزك اة( )‪ ،‬والص وم( )‪،‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫واحلج( )‪ ،‬واجلهاد الذي فرض يف املدينة على مراحل وهي‪-:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -1‬األوىل إباحة القتال من غري فرض‪.‬‬


‫‪ -2‬فرض القتال ملن قاتلهم‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ -3‬قتال مجيع الكفار على اختالف أدياهنم وأجناسهم‪.‬‬

‫ومتكن املسلمون يف املدينة املنورة من القيام هبذه الشعائر واجلهر هبا‪ ،‬حىت أخذ جمتمعهم‬
‫يف ذلك الزمان صبغة دينية فريدة بني اجملتمعات‪ ،‬أال وهي الصبغة اإلسالمية ِ‬
‫{ص بغَة َاهلل َو َم ْن‬
‫َأح َسن ِم َن اهلل ِصْبغَةً َوحَنْ ُن لَهُ َعابِ ُدو َن }( )‪ .‬إنه اجملتمع الذي أعلى كلمة التوحيد وشعاراته‪ ،‬إنه‬
‫‪6‬‬
‫ْ‬
‫جمتم ع اإلميان باهلل املرتفع عن الوثني ة واجلاهلي ة وم ا يتص ل هبا من كهان ة‪ ،‬وعراف ة‪ ،‬وس حر‪،‬‬
‫وتنجيم‪ ،‬وخرافات‪ ،‬وعادات قبيحة كانت مستحكمة يف نفوس األعراب وطبائعهم‪.‬‬

‫وأف راد اجملتم ع املس لم يف ه ذه الف رتة ليس وا على درج ة واح دة يف ه ذا ال دين‪ ،‬ب ل هم‬
‫متف اوتون فيم ا بينهم‪ ،‬وق د أش ار اهلل س بحانه وتع اىل إىل ه ذا التف اوت بقول ه‪{ :‬والس ابقون‬
‫األولون من املهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي اهلل عنهم ورضوا عنه وأعد هلم‬

‫() انظر قصة اإلسراء يف صحيح البخاري ‪.1/132‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قال عبد الرمحن بن قاسم يف حاشية الروض ‪ :‬وذكر شيخ اإلسالم وغريه أهنا فرضت باملدينة‪( .‬انظر حاشية‬ ‫‪2‬‬

‫الروض املربع شرح زاد املستقنع ‪.) 3/162‬‬


‫() قال ابن القيم ‪ :‬كان فرضه يف السنة الثانية من اهلجرة‪( .‬انظر‪ :‬زاد املعاد ‪.) 2/30‬‬ ‫‪3‬‬

‫() قال ابن القيم ‪ :‬تأخر فرض احلج إىل سنة تسع أو عشر‪(.‬املرجع السابق ص ‪.)101‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ملعرف ة تفص يالت هذه املراحل وأدلتها راجع ‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪ 3/69‬وما بع دها‪ ،‬و د‪ .‬علي بن نفيع‬ ‫‪5‬‬

‫العلياين يف أمهية اجلهاد يف نشر الدعوة اإلسالمية ص ‪ 136‬وما بعدها‪.‬‬


‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.138‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪38‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫جن ات جتري من حتته ا األهنار خال دين فيه ا أب ًدا ذل ك الف وز العظيم}( )‪ .‬ق ال أب و منص ور‬
‫‪1‬‬

‫البغدادي( )‪(( :‬أصحابنا جممعون على أن أفضلهم اخللفاء األربعة‪ ،‬مث الستة الباقون‪ ،‬مث البدريون‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مث أصحاب أحد‪ ،‬مث أهل بيعة الرضوان باحلديبية ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫الخ ــوارج‬

‫الخوارج في اللغة‪ :‬من اخلروج وهو نقيض الدخول‪ ،‬ومنه اخلا ِر ِج ُّي وهو الذي خيرج ويشرف‬
‫بنفسه من غري أن يكون له قدمي( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وفي االصطالح‪ :‬عرفهم بعض العلماء بتعريفات منها‪-:‬‬

‫ق ال الشهرس تاني( )‪ (( :‬ك ل من خ رج على اإلم ام احلق ال ذي اتفقت اجلماع ة علي ه يس مى‬ ‫‪5‬‬

‫خارجيً ا‪ ،‬س واء ك ان اخلروج يف أي ام الص حابة على األئم ة الراش دين‪ ،‬أو من ك ان‬
‫بعدهم من التابعني بإحسان واألئمة يف كل زمان))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عب د الق اهر بن ط اهر‪ ،‬العالم ة الب ارع‪ ،‬نزي ل خراس ان وص احب التص انيف البديع ة‪ ،‬ومنه ا ‪ :‬الف رق بني‬ ‫‪2‬‬

‫الف رق‪ ،‬وه و أح د أعالم الش افعية‪ ،‬م ات بإس فرايني س نة ‪ 429‬هـ‪( .‬ال ذهيب‪ ،‬س ري أعالم النبالء ‪/ 17‬‬
‫‪.)572،573‬‬
‫() القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ .8/150‬والشوكاين‪ ،‬فتح القدير ‪ .2/398‬وانظر األقوال يف{والسابقون‬ ‫‪3‬‬

‫األولون} يف نفس الصفحة‪ ،‬وكذلك يف تفسري ابن كثري ‪.2/284‬‬


‫() انظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،250 ،249 / 2‬مادة [خرج] )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() حممد بن عبد الكرمي بن أمحد‪ ،..‬أبو الفتح‪ ،‬الشهرستاين‪ ،‬ولد بشهرستان سنة ‪ ،479‬وقيل غري ذلك‪ ،‬فقيه‬ ‫‪5‬‬

‫حكيم متكلم على مذهب األشعري‪ ،‬رحل إىل بغداد وأقام هبا ووعظ‪،‬تويف بشهرستان سنة ‪( .548‬انظر ‪:‬‬
‫ابن حجر‪ ،‬لسان امليزان ‪ .299 ،298 / 5‬وعمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 422 / 3‬‬
‫() امللل والنحل ص ‪.114‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪39‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫()‬
‫علي‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬التحكيم وتربؤوا منه‬
‫وقال ابن حجر ‪ ((:‬اخلوارج الذين أنكروا على ٍّ‬
‫‪1‬‬

‫ومن عثم ان وذريت ه‪ ،‬وق اتلوهم‪ ،‬ف إن أطلق وا تكف ريهم فهم الغالة منهم ))( )‪ .‬وق ال يف‬
‫‪2‬‬

‫تعري ف آخ ر‪ (( :‬أم ا اخلوارج فهم مجع خارج ة‪ ،‬أي‪ :‬طائف ة‪ ،‬وهم ق وم مبت دعون مسوا‬
‫بذلك خلروجهم عن الدين‪ ،‬وخروجهم على خيار املسلمني ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قال أبو الحسن األشعري( )‪(( :‬والسبب الذي مسوا له خوارج‪ :‬خروجهم على‬
‫‪4‬‬

‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) ())) ( )) -‬‬


‫‪5‬‬

‫وللخوارج ألقاب يعرفون هبا‪ ،‬منها‪-:‬‬


‫المحكمة‪ :‬ألهنم أنكروا احلكمني( ) ‪ ،‬وقوهلم‪ (( :‬الحكم إال هلل))‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫الحرورية‪ :‬نسبة لنزوهلم حبروراء( ) يف أول أمرهم‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫شراة‪ :‬لقوهلم‪(( :‬شرينا أنفسنا يف طاعة اهلل‪ ،‬أي بعناها باجلنة )) ( )‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫() أمحد بن علي بن حمم د‪ ..‬الكن اين العس قالين‪ ،‬املص ري املول د‪ ،‬واملنش أ‪ ،‬وال دار‪ ،‬والوف اة‪ ،‬الش افعي‪ ،‬حمدث‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫م ؤرخ‪ ،‬أديب‪ ،‬ش اعر‪ ،‬ول د س نة ‪ 773‬هـ‪ ،‬وت ويف س نة ‪ 852‬هـ‪ ،‬ل ه مؤلف ات كث رية يف احلديث‪ ،‬والت اريخ‪،‬‬
‫واألدب‪ ،‬والفق ه‪ ،‬واألص لني‪ ،‬زادت على مائ ة ومخس ني مص ن ًفا‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬عم ر رض ا كحال ة‪ ،‬معجم املؤلفني‬
‫‪.) 211 ،21 / 1‬‬
‫() هدي الساري‪ ،‬مقدمة صحيح البخاري ص ‪.459‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتح الباري ‪.12/283‬‬ ‫‪3‬‬

‫() علي بن إمساعيل بن إسحاق بن سلم‪ ..‬األشعري‪ ،‬اليماين‪ ،‬البصري‪ ،‬متكلم‪ ،‬تنسب إليه طائفة األشعرية‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ول د بالبص رة س نة ‪ 270‬هـ‪ ،‬وس كن بغ داد‪ ،‬ورد على امللح دة‪ ،‬واملعتزل ة‪ ،‬والش يعة‪ ،‬واجلهمي ة واخلوارج‪،‬‬
‫وغريها‪ ،‬تويف ببغداد سنة نيف وثالثني وثالمثائة‪ ( .‬انظر ‪ :‬عمر رضا كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 405 / 2‬‬
‫() مقاالت اإلسالميني ‪.1/207‬‬ ‫‪5‬‬

‫() بني علي ومعاوية يف صفني سنة سبع وثالثني‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫() قال ياقوت احلموي يف معجم البلدان ‪ : 2/244‬هي قرية بظاهر الكوفة‪ ،‬وقيل ‪ ::‬موضع على ميلني منها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫() ذك ر ه ذه األلق اب أب و احلس ن األش عري‪ ،‬ففي كتاب ه ‪ :‬مق االت اإلس الميني ‪ .207-1/206‬وانظ ر ‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫البغدادي يف كتابه ‪ :‬الفرق بني الفرق ص ‪.75 ،74‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪40‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وق د تف رقت اخلوارج إىل ف رق ع دة‪ ،‬وتش عبت ه ذه الف رق إىل ش عب عدي دة‪ ،‬ذكره ا‬
‫األش عري‪ ،‬والبغ دادي‪ ،‬والشهرس تاين ( )‪ ،‬وغ ريهم من ال ذين كتب وا يف الف رق واملذاهب‪ .‬ذك ر‬
‫‪1‬‬

‫البغدادي أن فرق اخلوارج بلغت عشرين فرقة ( )‪ ،‬وذكر الشهرستاين أن كبار فرقهم مثاين فرق‬
‫‪2‬‬

‫وهي‪-:‬‬
‫احملكمة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫األزارقة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫النجدات‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫البيهسية‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫العجاردة‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الثعالبة‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫اإلباضية‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫الصفرية ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-8‬‬

‫وقد اختلف العلماء فيما جيمع هذه الفرق على أقوال منها‪-:‬‬

‫قال أبو الحسن األشعري‪(( :‬أمجعت اخلوارج على إكفار علي بن أيب طالب‪ ،‬أن َح َّك َم‪ ،‬وهم‬
‫خمتلفون‪ :‬هل كفره شرك أم ال ؟))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() يف كتبهم املبينة يف صفحة ‪.42‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الفرق بني الفرق ص ‪.20‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر هذه الفرق يف امللل والنحل ص ‪.115‬‬ ‫‪3‬‬

‫() مقاالت اإلسالميني ‪.1/167‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪41‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وذكر البغدادي حكاية عن الكعيب( )‪ :‬أن الذي جيمع اخلوارج ‪ -‬على افرتاق مذاهبها ‪ -‬إكفار‬
‫‪1‬‬

‫علي‪ ،‬وعثم ان‪ ،‬واحلكمني‪ ،‬وأص حاب اجلم ل‪ ،‬وك ل من رض ي بتحكيم احلكمني‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫()‬
‫واإلكفار بارتكاب الذنوب‪ .‬ووجوب اخلروج على اإلمام اجلائر‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وق ال الشهرس تاني‪(( :‬جيمعهم الق ول ب التربي من عثم ان وعلي (رض ي اهلل عنهم ا)‪ ،‬ويق دمون‬
‫ذل ك على ك ل طاع ة‪ ،‬وال يص ححون املناكح ات إال على ذل ك‪ ،‬ويكف رون أص حاب‬
‫الكبائر‪ ،‬ويرون اخلروج على اإلمام إذا خالف السنة ح ًقا واجبًا)) ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫والفرق ة ال يت ظه رت واش تهرت على عه د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬هي‪ :‬المحكم ة األولى ‪ ،‬وهم ال ذين خرج وا علي ه حني ج رى أم ر احلكمني‪ ،‬واجتمع وا‬
‫حبروراء‪ ،‬من ناحية الكوفة‪ ،‬ورأسهم عبداهلل بن الكواء‪ ،‬وعتاب بن األعور‪ ،‬وعبداهلل بن وهب‬
‫الراس يب‪ ،‬وع روة بن جري ر‪ ،‬ويزي د بن أيب عاص م احملاريب‪ ،‬وحرق وص بن زه ري البجلي املع روف‬
‫()‬ ‫بذي الثدية‪ ،‬وكانوا ٍ‬
‫يومئذ اثين عشر ألف رجل‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقال الشهرستاني‪ :‬وإمنا كان خروجهم يف الزمن األول على أمرين‪-:‬‬

‫أحدمها‪ :‬بدعتهم يف اإلمامة‪ ،‬إذ جوزوا أن تكون اإلمامة يف غري قريش‪ ،‬وكل من نصبوه برأيهم‬
‫إمام ا‪ ،‬وإن خرج عليه‬
‫وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل‪ ،‬واجتناب اجلور‪ ،‬كان ً‬
‫جيب نصب القتال معه‪ ،‬وإن غري السرية وعدل عن احلق وجب عزله أو قتله‪ ،‬وجوزوا‬
‫() ه و أب و القاس م عبداهلل بن أمحد بن حمم ود البلخي الكع يب ‪ ,‬ش يخ من ش يوخ املعتزل ة‪ ،‬ت ويف س نة ‪ 319‬هـ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(انظر ‪ :‬شذرات الذهب ‪ .2/281‬و ابن خلكان‪ ،‬وفيات األعيان‪ ،‬حتقيق الدكتور إحسان عباس ‪،45 / 3‬‬
‫ترمجة رقم ‪.) 330‬‬
‫() الفرق بني الفرق ص ‪.73‬‬ ‫‪2‬‬

‫() امللل والنحل ص ‪.115‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪115‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪42‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أال يك ون إم ام أص اًل ‪ ،‬وإن احتيج إلي ه فيج وز‪ ،‬أن يك ون عب ًدا‪ ،‬أو ح ًرا‪ ،‬أو نبطيًا( )‪ ،‬أو‬
‫‪1‬‬

‫قرشيًا‪.‬‬

‫ْم إال هلل ( )‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫والحك َ‬
‫الثاين ‪ :‬أهنم قالوا أخطأ علي يف التحكيم‪ ،‬إذ حكم الرجال ُ‬

‫() ورد عند ابن منظور يف لسان العرب ‪ ،7/411‬مادة [نبط] ‪ :‬النَّبِيط والنَبط كاحلبيش واحلبش يف التقدير ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫جيل ينزلون الس واد‪ ،‬ويف احملكم ي نزلون سواد الع راق‪ ،‬وهم األنباط‪ ،‬والنس ب إليهم نبطي‪ .‬وعن د اجلوهري يف‬
‫الصحاح ‪ 3/1162‬مادة[نبط]‪ :‬قوم ينزلون بالبطائح بني العراقني‪.‬‬
‫() امللل والنحل‪ ،‬ص ‪.116 - 115‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪43‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الشيعة‬

‫مل يكن التش يع معروفً ا يف زمن الرس ول ز وال يف زمن اخللف اء الثالث ة بع ده‪ ،‬إمنا ع رف‬
‫اجتاها دينيًا منذ زمن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬ولكن ترى ما‬
‫التشيع ً‬
‫هو التشيع؟ ومنهم الشيعة الذين عاصرهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬؟‬

‫الشيعة في اللغة‬

‫شيعة الرجل‪ :‬أي أتباعه وأنصاره( )‪ .‬والشيعة‪ :‬القوم الذين جيتمعون على األمر‪ ،‬وكل قوم‬
‫‪1‬‬

‫االش يعة الفرق ة من الن اس‪ ،‬ويق ع على الواح د واالث نني‪،‬‬
‫اجتمع وا على أم ر فهم ش يعة‪ ،‬وأص ل ِّ‬
‫واجلمع‪ ،‬واملذكر واملؤنث‪ ،‬بلفظ واحد ومعىن واحد( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫في االصطالح‬

‫يق ول ابن خل دون( )‪(( :‬اعلم أن الش يعة لغ ة الص حب واألتب اع‪ ،‬ويُطْلَ ق يف عُ ْرف الفقه اء‬
‫‪3‬‬

‫واملتكلمني من اخلل ف والس لف على أتب اع علي وبني ه (رض ي اهلل عنهم) وم ذهبهم‬
‫ض إىل نظ ر‬
‫مجيع ا متفقني علي ه أن اإلمام ة ليس ت من املص احل العام ة ال يت ُت َف َّو ُ‬
‫ً‬
‫األمة‪.) ( ))...‬‬
‫‪4‬‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ .3/1240‬مادة [ شيع ]‪ .‬والفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط ‪.3/47‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،8/188‬مادة [شيع ]‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عبد الرمحن بن حممد بن حممد بن خلدون‪ ،‬اإلشبيلي األصل‪ ،‬ولد بتونس شنة ‪ 732‬هـ‪ ،‬عامل أديب مؤرخ‬ ‫‪3‬‬

‫اجتم اعي‪ ،‬تنق ل يف طلب العلم‪ ،‬وت ويف يف الق اهرة س نة ‪ 808‬هـ‪ ( .‬عم ر رض ا كحال ة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪/ 2‬‬
‫‪.) 119‬‬
‫() املقدمة ص ‪.134‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪44‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وق ال أبو الحسن األش عري‪(( :‬وإمنا قي ل هلم الش يعة ألهنم ش ايعوا عليً ا ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪،-‬‬
‫ويقدمونه على سائر أصحاب رسول اهلل ز )))) ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وق ال الشهرس تاني‪ (( :‬الش يعة هم ال ذين ش ايعوا عليً ا ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على اخلص وص‪.‬‬
‫نص ا ووصية‪ ،‬إما جليً ا وإما خفيً ا‪ .‬واعتقدوا أن اإلمامة ال‬
‫وقالوا بإمامته وخالفته ً‬
‫خترج عن أوالده‪ ،‬وإن خرجت فبظلم يكون من غريه‪ ،‬أو بتقية من عنده))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫علي وتقدميه على الصحابة‪ ،‬فمن قدمه على أيب بكر‬


‫وقال ابن حجر يف تعريفه للتشيع‪(( :‬حمبة ٍّ‬
‫وعمر فهو غال يف تشيعه‪ ،‬ويطلق عليه رافضي‪ ،‬وإال فشيعي‪ ،‬فإن انضاف إىل ذلك‬
‫الس ب والتص ريح ب البغض فغ ال يف ال رفض‪ ،‬وإن اعتق د الرجع ة إىل ال دنيا فأش د يف‬
‫الغلو))( )غفقثث‪...‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال الجرجاني( )‪(( :‬الشيعة هم الذين شايعوا عليًا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬قالوا‪ :‬إنه اإلمام بعد‬
‫‪4‬‬

‫رسول اهلل ز واعتقدوا أن اإلمامة ال خترج عنه وعن أوالده))( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫هذه التعريفات جتتمع كلها يف أن الشيعة هم الذين شايعوا عليً ا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬إال‬
‫أن تعريف ابن خلدون‪ ،‬والشهرستاين‪ ،‬واجلرجاين‪ ،‬تشري إىل فرقة من الشيعة وهي اإلمامية‪ ،‬فقد‬

‫() مقاالت اإلسالميني ‪.1/65‬‬ ‫‪1‬‬

‫() امللل والنحل ص ‪.146‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هدي الساري مقدمة صحيح البخاري ص ‪.459‬‬ ‫‪3‬‬

‫() علي بن حممد بن علي اجلرجاين‪ ،‬عامل حكيم‪ ،‬ولد جبرجان سنة ‪740‬هـ‪ ،‬ألف كتبً ا عربية كثرية تقارب‬ ‫‪4‬‬

‫‪44‬كتابًا‪ ،‬تويف بشرياز سنة‪816‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 2/515‬‬
‫() كتاب التعريفات للجرجاين ص ‪.129‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪45‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اهرا‪ ،‬وتعيينً ا‬
‫نص ا ظ ً‬
‫ع رف الشهرس تاين اإلمامي ة بقول ه‪(( :‬هم الق ائلون بإمام ة علي بع د الن يب‪ً ،‬‬
‫صادقًا‪ ،‬من غري تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعني))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد افرتقت الشيعة إىل فرق عدة‪ ،‬ذكرهم األشعري يف كتابه‪ :‬مقاالت اإلسالميني‪ ،‬و‬
‫البغ دادي يف كتاب ه‪ :‬الف رق بني الف رق‪ ،‬وابن ح زم( ) يف كتاب ه‪ :‬الفص ل يف املل ل واأله واء‬
‫‪2‬‬

‫والنح ل‪ ،‬والشهرس تاين يف كتاب ه‪ :‬املل ل والنح ل‪ ،‬وغ ريهم ممن أل ف يف املذاهب والف رق‪ .‬ولكن‬
‫الذين اشتهروا يف حياة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قسمان‪-:‬‬

‫القسم األول‪ :‬المفضلة‪.‬‬

‫وهم ال ذين اقتص روا على تفض يل علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على س ائر‬
‫الصحابة‪ ،‬من غري تكفري واحد منهم وال سب وال بغض‪ ،‬وباألخص تفضيل علي على أيب بكر‬
‫وعمر وعثمان (رضي اهلل عنهم أمجعني)( )‪ ،‬وتنقسم املفضلة إىل فرقتني‪-:‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -1‬من يفضلون عليًا على أيب بكر وعمر (رضي اهلل عنهم أمجعني )‪ ،‬وقد أنكر علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عليهم هذا التفضيل وهددهم بقوله‪(( :‬ال أوتى بأحد يفضلين‬
‫على أيب بك ر وعمر إال جلدت ه ح د املف رتي ))( )‪ .‬وق د بني رض ي اهلل عن ه بنفس ه أهنم‬
‫‪4‬‬

‫() امللل والنحل ص ‪.162‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد بن حزم‪ ،‬القرطيب‪ ،‬ولد بقرطبة سنة ‪ 384‬هـ‪ ،‬له تصانيف كثرية‪ ،‬ال سيما‬ ‫‪2‬‬

‫يف احلديث والفق ه‪ ،‬ت ويف ببادي ة األن دلس س نة ‪ 457‬هـ وقي ل ‪ ( .56‬انظ ر ‪ :‬ال ذهيب‪ ،‬ت ذكرة احلف اظ‬
‫‪.)1155-3/1146‬‬
‫() السنة يف التفضيل كما يقول ابن تيمية (رمحه) يف الفتاوي ‪ : 4/421‬أما تفضيل أيب بكر مث عمر مث عثمان‬ ‫‪3‬‬

‫وعلي‪ ،‬فه ذا متف ق علي ه بني أئم ة املس لمني املش هورين باإلمام ة يف العلم وال دين‪ ،‬من الص حابة والت ابعني‪،‬‬
‫أيض ا يف ص ‪ : 420‬ومن ق ال ال أفض ل على علي غ ريه فه و خمطيء خمالف لإلدل ة الش رعية‬ ‫وت ابعيهم‪ .‬وق ال ً‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫() قال ابن تيمية ‪ :‬فمن فضله على أيب بكر وعمر جلده مبقتضى قوله مثانني سوطًا ( الفتاوي ‪.) 4/422‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪46‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أفض ل من ه‪ ،‬كم ا يف إجابت ه البن ه حمم د بن احلنفي ة‪ ،‬حيث يق ول‪(( :‬س ألت أيب من خ ري‬
‫الناس بعد رسول اهلل ز؟ قال‪ :‬أبو بكر‪ .‬قلت مث من؟ قال‪ :‬مث عمر‪ .‬وخشيت أن يقول‬
‫عثمان( )‪ .‬قلت مث أنت ؟ قال‪ :‬ما أنا إال رجل من املسلمني)) ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫من يفضلون عليًا على عثمان (رضي اهلل عنهم)( )‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫‪-2‬‬

‫القسم الثاني السبئية‪.‬‬

‫قال البغدادي‪(( :‬هم أتباع عبداهلل بن سبأ( ) الذي غال يف علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وزعم أنه‬
‫‪4‬‬

‫قوما من غواة الكوفة))( )‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫كان نبيًا‪ ،‬مث غال فيه وزعم أنه إله‪ ،‬ودعا إىل ذلك ً‬

‫وق ال الشهرس تاني‪(( :‬هم أص حاب عبداهلل بن سبأ ال ذي ق ال لعلي ر‪ :‬أنت‪ ،‬أنت‪ ،‬يع ين أنت‬
‫اإلل ه‪ ،‬فنف اه إىل املدائن‪ .‬زعم وا أن ه ك ان يهوديً ا فأس لم‪ ،‬وك ان يف اليهودي ة يق ول يف‬

‫() خشي حممد بن احلنفية أن يقول علي أن عثمان أفضل منه ألنه يعتقد أن والده أفضل من عثمان‪ ،‬وكان يف‬ ‫‪1‬‬

‫هذا الوقت حديث السن‪ ،‬وقد أخرب عن نفسه يف رواية أخرى بقوله ‪ (( :‬مث عجلت للحداثة فقلت ‪ :‬مث أنت‬
‫يا أبيت‪ ،‬فقال ‪ :‬أبوك رجل من املسلمني ))‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 33 / 7‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪.12 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() قال ابن تيمية (رمحه اهلل) عن هذه الفرقة ‪ :‬فهذه دون تلك‪ .‬فإن هذه قد حصل فيها نزاع بني العلماء ‪ :‬فإن‬ ‫‪3‬‬

‫سفيان الثوري‪ ،‬وطائفة من أهل الكوفة رجحوا عليًا على عثمان‪ ،‬مث رجع عن ذلك سفيان وغريه‪ .‬وبعض أهل‬
‫املدينة توقف يف عثم ان وعلي‪ ،‬وهي إحدى الروايتني عن مال ك‪ ،‬لكن الرواية األخرى عنه تقدمي عثمان على‬
‫علي‪ ،‬كم ا ه و م ذهب س ائر األئم ة ‪ :‬كالش افعي‪ ،‬وأيب حنيف ة‪ ،‬وأص حابه‪ ،‬وأمحد بن حنب ل‪ ،‬وأص حابه‪ ،‬وغ ري‬
‫هؤالء من أئمة اإلسالم‪( .‬الفتاوي ‪ .426-4/425‬وانظر كذلك ‪.) 35 ،34 / 13‬‬
‫() روى ابن جرير الطربي بإسناده قال ‪ :‬كان عبداهلل بن سبأ يهوديًا‪ ،‬من أهل صنعاء‪ ،‬أمه سوداء‪ ،‬فأسلم زمان‬ ‫‪4‬‬

‫عثم ان‪ ،‬مث تنق ل بني بل دان املس لمني حياول ض اللتهم‪ ،‬فب دأ باحلج از‪ ،‬مث البص رة‪ ،‬مث الكوف ة‪ ،‬مث الش ام‪( .‬انظ ر ‪:‬‬
‫الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .647 / 2‬وابن حجر يف لسان امليزان ‪.) 3/358‬‬
‫() الفرق بني الفرق ص ‪.233‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪47‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يوشع بن نون وصي موسى (عليهما السالم) مثلما قال يف علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫وأول من أظهر القول بالنص بإمامة علي ومنه انشعبت أصناف الغالة))( )‪........‬‬
‫‪1‬‬

‫كما ذكر البغدادي أن السبئية أظهروا بدعتهم يف زمان علي بن أيب طالب‪ ،‬وأن علي بن‬
‫قوما منهم ( )‪.‬ه‪....‬‬
‫‪2‬‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أحرق ً‬

‫وتنحصر عقيدة هذه الفرقة بالنقاط اآلتية‪-:‬‬

‫القول بالنص بإمامة علي بن أيب طالب‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫القول بنبوة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬ ‫‪-2‬‬
‫القول بألوهية علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬ ‫‪-3‬‬
‫القول بالرجعة ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-4‬‬
‫سب الصحابة ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-5‬‬

‫() الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪.174‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الفرق بني الفرق‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫جورا‪ .‬وإمنا أظهر ابن سبأ هذه‬


‫() أي أن عليًا يرجع إىل الدنيا قبل يوم القيامة‪ ،‬فيمأل األرض ع داًل كما ملئت ً‬
‫‪3‬‬

‫املقال ة بع د وف اة علي‪( .‬انظ ر ‪ :‬األش عري يف كتاب ه مق االت اإلس الميني ‪ ،1/86‬وانظ ر ‪ :‬الشهرس تاين‪ ،‬املل ل‬
‫والنحل ص ‪.)174‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج السنة‪ ،‬حتقيق الدكتور ‪ :‬حممد رشاد سلم ‪ .307 / 1‬وورد يف خمتصر التحفة االثين‬ ‫‪4‬‬

‫عشرية ص‪ : 6‬السبئية عبارة عن الذين يسبون الصحابة‪ ،‬إال قلياًل منهم كسلمان الفارسي‪ ،‬وأيب ذر‪ ،‬واملقداد‪،‬‬
‫وعم ار بن ياس ر (رض ي اهلل عنهم)‪ .‬وذك ر ابن حج ر أن س ويد بن غفل ة دخ ل على علي يف إمارت ه فق ال ‪ :‬إين‬
‫مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر‪ ،‬يرون أنك تضمر هلما مثل ذلك‪ ،‬منهم عبداهلل بن سبأ‪ .‬فقال علي ‪ :‬مايل‬
‫وهلذا اخلبيث األس ود‪ ،‬مث ق ال ‪ :‬مع اذ اهلل أن أض مر هلم ا إال احلس ن اجلمي ل‪ .‬لس ان امليزان ‪ .359 /3‬وانظ ر ‪:‬‬
‫سليمان بن محد العوده يف كتابه ‪ :‬عبداهلل بن سبأ وأثره يف أحداث الفتنة يف صدر اإلسالم ص ‪.219 - 199‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪48‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أهل الكتاب‬

‫أهل الكتاب هم من جاءهم كتاب مساوي‪ ،‬كاليهود والنصارى‪ ،‬فاليهود كتاهبم التوراة‪،‬‬
‫والنصارى كتاهبم اإلجنيل‪ .‬وكذلك من هلم شبهة كتاب كاجملوس واملانوية‪ ،‬فإن الصحف اليت‬
‫أن زلت على إب راهيم (علي ه الس الم) ق د رفعت إىل الس ماء ألح داث أح دثها اجملوس( )‪ .‬واليه ود‬
‫‪1‬‬

‫والنصارى هم الذين يذكرهم اهلل (سبحانه وتعاىل بأهل الكتاب يف كتابه العزيز‪ ،‬كما يف قوله‬
‫{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبني لكم على فرتة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشري‬
‫وال نذير فقد جاءكم بشري ونذير واهلل على كل شيء قدير}( )‪ .‬إىل غري ذلك من اآليات اليت‬
‫‪2‬‬

‫نزلت يف شأهنم‪ .‬وقد كان هلم مع رسول اهلل ز جدال ومناظرات‪ .‬واحلديث عن أهل الكتاب‬
‫بإجياز على النحو التايل‪-:‬‬

‫أواًل ‪ :‬اليهود‬

‫اليهود من هاد الرجل أي رجع وتاب‪ ،‬وإمنا لزمهم هذا االسم لقول موسى عليه السالم‬
‫{إنا هدنا إليك}( )‪ .‬وكانت اليهودية يف العرب يف محري‪ ،‬وبين كنانة‪ ،‬وبين احلرث بن كعب بن‬
‫‪3‬‬

‫كن دة ( )‪ .‬وق د اس توطن اليه ود املدين ة من ذ زمن بعي د‪ ،‬وهم ثالث قبائ ل‪ :‬بن و قينق اع‪ ،‬وبن و‬‫‪4‬‬

‫النضري‪ ،‬وبنو قريظة‪ ،‬وإىل جانب هذه القبائل الثالث توجد بطون وعشائر يهودية متفرقة‪ ،‬وقد‬
‫سكن اليهود اجلهات اخلصبة الغنية من املدينة( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() انظر ‪ :‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪.209‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.156‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن قتيبة الدينوري‪ ،‬املعارف ص ‪ .339‬وانظر اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،557 / 2‬مادة [هود]‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪:‬دكتور أمحد إبراهيم الشريف‪ ،‬مكة واملدينة يف اجلاهلية وعهد الرسول ص ‪.319 ،318‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪49‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واليهود قد احنرفوا عن دينهم‪ ،‬وفسدت عقيدهتم‪ ،‬فكفروا باهلل‪ ،‬وقتلوا األنبياء‪ ،‬وحرفوا‬
‫فقد بني اهلل سبحانه وتعاىل‬ ‫الكتب‪ ،‬وخانوا العهود واملواثيق‪ ،‬وقالوا على اهلل بغ ري علم‪.‬‬
‫حاهلم وكشف أسرارهم‪ ،‬وأخرب عن عقيدهتم يف غري ما آية من كتابه العزيز فمنها‪-:‬‬

‫ففي كف رهم باهلل وقتلهم األنبي اء ق ال عنهم‪{:‬وض ربت عليهم الذل ة واملس كنة وب اءوا‬
‫بغضب من اهلل ذلك بأهنم كانوا يكفرون بآيات اهلل ويقتلون النبيني بغري احلق ذلك مبا عصوا‬
‫وكانوا يعتدون}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف حتريفهم لكالم اهلل وعنادهم قال عنهم‪{ :‬من الذين هادوا حيرفون الكلم عن مواضعه‬
‫ويقول ون مسعنا وعص ينا وامسع غ ري مس مع وراعن ا ليً ا بألس نتهم وطعنً ا يف ال دين ول و أهنم ق الوا‬
‫مسعنا وأطعن ا وامسع وانظرن ا لك ان خ ًريا هلم وأق وم ولكن لعنهم اهلل بكف رهم فال يؤمن ون إال‬
‫قلياًل }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف نقض هم للميث اق وإعراض هم عن احلق ق ال عنهم‪{ :‬فبم ا نقض هم ميث اقهم وكف رهم‬
‫بآيات الله وقتلهم األنبياء بغري حق وقوهلم قلوبنا غلف بل طبع اهلل عليها بكفرهم فال يؤمنون‬
‫إال قلياًل }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أياما معدودة قل أختذمت‬


‫ويف قوهلم على اهلل بغري علم قال عنهم‪{ :‬وقالوا لن متسنا النار إال ً‬
‫عهدا فلن خيلف اهلل عهده أم تقولون على اهلل ماال تعلمون}( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫عند اهلل ً‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.155‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪50‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬النصارى‬

‫النصارى أمة املسيح عيسى ابن مرمي (عليه السالم)‪ ،‬رسول اهلل وكلمته‪ ،‬وبعد رفعه (عليه‬
‫السالم) إىل السماء اختلف فيه أتباعه وغريهم‪ ،‬واختالفهم يعود إىل أمرين‪-:‬‬

‫‪ -1‬كيفية نزوله واتصاله بأمه‪ ،‬وجتسد الكلمة‪.‬‬

‫‪ -2‬كيفية صعوده‪ ،‬واتصاله باملالئكة‪ ،‬وتوحد الكلمة‪.‬‬

‫مجعا مساه اإلجنيل وهم‪ :‬مىت‪،‬‬


‫مث إن أربعة من احلواريني اجتمعوا ومجع كل واحد منهم ً‬
‫ولوقا‪ ،‬ومرقس‪ ،‬ويوحنا‪ .‬مث افرتقت النصارى إىل اثنتني وسبعني فرقة‪ ،‬وكبار فرقهم ثالث‪:‬‬
‫امللكاني ة‪ ،‬والنس طورية‪ ،‬واليعقوبي ة‪ ،‬وانش عبت منه ا‪ :‬اإللياني ة‪ ،‬والبليارس ية‪ ،‬واملقدانوص ية‪،‬‬
‫والسبالية‪ ،‬والبوطيونسية‪ ،‬والبولية إىل سائر الفرق( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد شقت النصرانية طريقها إىل عمق اجلزيرة العربية قبل ظهور اإلسالم‪ ،‬فاستقرت‬
‫يف أطراف اجلزيرة العربية الشمالية واجلنوبية‪.‬‬

‫ففي الشمال كان النصارى يف دومة اجلندل( )‪ ،‬حيث أسر خالد بن الوليد ‪ -‬رضي اهلل‬
‫‪2‬‬

‫عنه ‪ -‬ملكها النصراين أكيدر بن عبد امللك( )‪ ،‬إضافة إىل بعض القبائل من متنصرة العرب‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪.223-221‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ق ال أب و عبي د الك وين ‪ :‬دوم ة اجلن دل حص ن وق رى بني الش ام واملدين ة ق رب جبلي طي‪ .‬وق ال ي اقوت‬ ‫‪2‬‬

‫احلموي ‪ :‬ومسيت دومة اجلندل ألن حصنها مبين باجلندل‪(.‬انظر ‪ :‬ياقوت احلموي يف معجم البلدان ‪.) 2/487‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن هشام يف السرية النبوية ‪.2/526‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪51‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف اجلنوب كانت نصارى جنران ‪ ،‬وهم الذين قدم وفدهم على‬
‫رسول اهلل ز سنة تسع من اهلجرة‪ ،‬وهذا الوفد هم الذين نزل فيهم صدر سورة آل عمران‬
‫إىل ثالث ومثانني آية( )‪ .‬فقد عرض عليهم رسول اهلل ز دعوته وصاحلهم( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويف شأن وجود النصارى يف احلجاز يقول جواد علي‪ (( :‬قدكان يف مكة والطائف‬
‫ويثرب‪ ،‬ومواضع أخرى من جزيرة العرب‪ ،‬رقيق نصراين‪ ،‬كان يقرأ ويكتب‪ ،‬ويفسر للناس‬
‫قصص ا نصرانية‪ ،‬ويتحدث إليهم عن النصرانية‪،‬‬
‫ما جاء يف التوراة واألناجيل‪ ،‬ويقص عليهم ً‬
‫ومنهم من متكن من إقناع بعض العرب يف الدخول يف النصرانية‪ ،‬ومنهم من أثر على بعضهم‬
‫فأبعده عن الوثنية وسفه رأيها عندهم لكنهم مل يفلحوا يف إدخاهلم يف دينهم فبقوا يف شك‬
‫من الديانتني))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فكثريا ما أخرب عنهم املوىل سبحانه‬


‫وعقيدة النصارى ليست بعيدة عن عقيدة اليهود‪ً ،‬‬
‫جمتمعني بلفظ ( أهل الكتاب )‪ ،‬فكلهم زعموا أنه لن يدخل اجلنة إال من كان على ملته( )‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫ودا أو نص ارى تل ك أم انيهم ق ل ه اتوا بره انكم إن‬


‫{وق الوا لن ي دخل اجلن ة إال من ك ان ه ً‬
‫كنتم صادقني}( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫كبريا)‪{ ،‬وقالت اليهود عزير ابن‬


‫علوا ً‬
‫ولدا (تعاىل اهلل عما يقولون ً‬
‫وكلهم زعموا هلل ً‬
‫الله وقالت النصارى املسيح ابن اهلل ذلك قوهلم‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/344‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظ ر تفص يل قص تهم وم ا ورد فيه ا من رواي ات عن د البخ اري يف الص حيح ‪ ،3/168‬وعن د ابن كث ري يف‬ ‫‪2‬‬

‫التفسري ‪ ،372-1/368‬وعند ابن القيم يف زاد املعاد ‪.638-3/629‬‬


‫() املفصل يف تاريخ العرب ‪ .6/589‬وانظر ‪ :‬حسن خالد‪ ،‬جمتمع املدينة قبل اهلجرة وبعدها ص ‪.88‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسر القرآن العظيم ‪.1/155‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪52‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اهلل أىن يؤفكون}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وكلهم زعموا أهنم أبناء اهلل وأحباؤه {وقالت اليهود والنصارى حنن أبناء اهلل وأحب اؤه‬
‫قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر ملن يشاء ويعذب من يشاء وهلل ملك‬
‫السماوات واألرض وما بينهما وإليه املصري}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫غ ري أن النص ارى اش تهروا بعقي دة التثليث( )‪ ،‬حيث زعم وا أن عيس ى وأم ه م ع اهلل‬
‫‪3‬‬

‫ش ريكان( ) ويف ه ذا ينك ر اهلل س بحانه وتع اىل عليهم ق وهلم بقول ه‪{ :‬وال تقول وا ثالث ة انته وا‬ ‫‪4‬‬

‫خ ًريا لكم إمنا اهلل إل ه واح د س بحانه أن يك ون ل ه ول د ل ه م ا يف الس ماوات وم ا يف األرض‬


‫وكفى باهلل وكياًل }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫المجــوس‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ق ال الش وكاين يف فتح الق دير ‪ : 1/541‬والنص ارى م ع تف رق م ذاهبهم متفق ون على التثليث‪ ،‬ويعن ون‬ ‫‪3‬‬

‫وهرا واح ًدا ول ه ثالث ة أق انيم‪ ،‬ويعن ون باألق انيم أقن وم الوج ود‪،‬‬
‫بالثالث ة‪ :‬الثالث ة األق انيم‪ ،‬فيجعلون ه س بحانه ج ً‬
‫وأقن وم احلي اة‪ ،‬وأقن وم العلم‪ ،‬ورمبا يع ربون عن األق انيم ب األب واالبن وروح الق دس‪ ،‬فيعن ون ب األب الوج ود‪،‬‬
‫وبالروح احلياة‪ ،‬وباالبن املسيح‪ .‬وقيل املراد باآلهلة الثالثة ‪ :‬اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومرمي‪ ،‬واملسيح‪.‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن كثري ‪ :‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/590‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.171‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪53‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اجملوس مجع جَم ِ‬


‫وس ٍّي‪ ،‬وه و منس وب إىل اجملوس ية وهي حنل ة ( )‪ .‬وكلم ة (جموس) من‬
‫‪1‬‬
‫ُ‬
‫الكلمات املعربة‪ ،‬عربت عن لفظة (مغوس) <‪ >Maghos‬الفارسية‪ ،‬اليت تعين (عابد النار)‬
‫( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫واجملوس هم القائلون بأصلني اثنني مدبرين قدميني‪ ،‬يقتسمان اخلري والشر‪ ،‬والنفع والضر‪،‬‬
‫والص الح والفس اد‪ ،‬يس مون أح دمها الن ور‪،‬واآلخ ر الظلم ة‪ .‬إال أن اجملوس األص لية زعم وا أن‬
‫األصلني ال جيوز أن يكونا قدميني أزليني‪ ،‬بل النور أزيل‪ ،‬والظلمة حمدثة ( )‪ .‬ويزعمون أن اخلري‬
‫‪3‬‬

‫من فعل النور‪ ،‬والشر من فعل الظلمة‪ ،‬واجملوسية دين قدمي قبل إبراهيم (عليه السالم )‪ ،‬وأول‬
‫من دان باجملوسية ودعا إليها رجل صغري األذنني‪ ،‬مث جاء بعده زرادشت( ) فجدد الدين وأظهره‬
‫‪4‬‬

‫( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ومسائل اجملوس كلها تدور على قاعدتني اثنتني‪-:‬‬

‫بيان سبب امتزاج النور بالظلمة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫بيان سبب خالص النور من الظلمة‪ ،‬وجعلوا االمتزاج مبدًأ واخلالص معادا( )‪ .‬كما أن‬
‫‪6‬‬
‫‪-2‬‬
‫اجملوسية تفرقت إىل فرق عدة منها‪-:‬‬
‫الز ْر َد ْشتِيَّة‪.‬‬
‫روانِيَّة‪َّ -3 .‬‬ ‫وم ْرثِية ‪َّ -2 .‬‬
‫الز َ‬ ‫‪ -1‬الكيُ َ‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ 3/977‬مادة [جمس]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ 6/213‬مادة [جمس]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رفائيل خنلة‪ ،‬غرائب اللغة العربية ص ‪ .269‬وانظر ‪ :‬حممد التوجي‪ ،‬معجم املعربات الفارسية يف اللغة العربية‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.143‬‬
‫() انظر ‪ :‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪ .234 ،233‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ .214/ 6‬الزبيدي‪ ،‬تاج‬ ‫‪3‬‬

‫العروس ‪.4/245‬‬
‫() ابن بورش ب ال ذي ظه ر يف زم ان كشتاس ب بن هلراس ت‪ ،‬أب وه ك ان من أذربيج ان وأم ه من ال ري‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪.) 237‬‬


‫() انظر ‪ :‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس ‪.4/345‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪.233‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪54‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وقد ورد ذكر اجملوس يف القرآن الكرمي‪ ،‬كما يف قوله سبحانه‪ { :‬إن الذين آمنوا والذين‬
‫هادوا والصابئني( ) والنصارى واجملوس والذين أشركوا إن اهلل يفصل‬
‫‪7‬‬

‫() اختلف العلماء يف تعريف الصابئة‪ ،‬وقال ابن كثري يف تفسريه ‪ : 1/105‬وأظهر األقوال ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬قول‬ ‫‪7‬‬

‫جماه د وتابعي ه‪ ،‬ووهب بن منب ه ‪ :‬أهنم ق وم ليس وا على دين اليه ود‪ ،‬وال النص ارى‪ ،‬وال اجملوس‪ ،‬وال املش ركني‪،‬‬
‫وإمنا هم قوم باقون على فطرهتم‪ ،‬وال دين مقرر هلم يتبعونه ويقتفونه‪ .‬وهلذا كان املشركون ينبزون من أسلم‬
‫بالصايبء‪ ،‬أي أنه خرج على أديان سائر أهل األرض إذ ذاك‪ .‬وقال بعض العلماء ‪ :‬الصابئون الذين مل تبلغهم‬
‫دعوة نيب‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪55‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫بينهم يوم القيامة إن اهلل على كل شيء شهيد }( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫كم ا ذك رهم رس ول اهلل زظ ‪ ،‬ففي ح ديث أيب هري رة ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ :‬ق ال‬
‫رسول اهلل ص‪{ :‬كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه‪ ،‬أو ينصرانه‪ ،‬أو ميجسانه‪ .‬كما‬
‫تنتج البهيمة هبيمة مجعاء( )‪ ،‬هل حتسون فيها من جدعاء( ) }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويف ه ذا دلي ل ك اف على معرف ة أه ل احلج از هبم‪ ،‬ووق وفهم عليهم‪ ،‬وكي ف ال يك ون‬
‫ذلك وقد كان ألهل مكة اتصال وثيق باحلرية ( ) ؟! كما كان ألهل احلجاز اتصال باليمن‪ ،‬وقد‬
‫‪5‬‬

‫كان املهيمن على اليمن الفرس عند ظهور اإلسالم‪ ،‬حيث طردوا األحباش وأخذوا حملهم‪ ،‬وقد‬
‫كان هؤالء الفرس على اجملوسية ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وكان عظيم الفرس يف ذلك الزمان‪ :‬كسرى بن برويز( )‪ ،‬الذي بعث إليه رسول اهلل ص‬
‫‪7‬‬

‫يدعوه إىل اإلسالم‪ ،‬ملا يف حديث عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما)‪ :‬أن رسول اهلل ص بعث‬
‫بكتاب ه إىل كس رى م ع عبداهلل بن حذاف ة الس همي‪ ،‬ف أمره أن يدفع ه إىل عظيم البح رين‪ ،‬فدفع ه‬

‫() سورة احلج‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي سليمة من العيوب‪ ،‬جمتمعة األعضاء كاملتها‪ ،‬فال جدع هبا وال كي‪(.‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪8/59‬‬ ‫‪2‬‬

‫مادة [مجع]‬
‫() اجلدع ‪ :‬القط ع‪ ،‬وقي ل ه و القط ع الب ائن يف األن ف واألذن والش فة والي د وحنوه ا‪ ( .‬املرج ع الس ابق ص‪41‬‬ ‫‪3‬‬

‫مادة [جدع]‪.‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪ .1/417‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتااب القدر ‪.4/2047‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مدين ة ك انت على ثالث ة أمي ال من الكوف ة على موض ع يق ال ل ه ‪ :‬النَّج ف‪ ،‬ك انت مس كن مل وك الع رب يف‬ ‫‪5‬‬

‫اجلاهلية من زمن نصر مث من خلم النعمان وآبائه‪( .‬انظر ‪ :‬ياقوت احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.) 2/328‬‬
‫() انظر ‪ :‬الدكتور جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب ‪.691 / 6‬‬ ‫‪6‬‬

‫() قال ابن حجر يف الفتح ‪(( : 8/127‬ابن هرمز بن أنوشروان‪ ،‬وهو كسرى الكبري املشهور‪ ،‬وقيل إن الذي‬ ‫‪7‬‬

‫بعث إليه النيب هو أنو شروان وفيه نظر))‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪56‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عظيم البح رين إىل كس رى‪ ،‬فلم ا ق رأه مزق ه ‪ -‬فحس بت أن ابن املس يب( ) ق ال ‪ -‬ف دعا عليهم‬
‫‪1‬‬

‫ممزق( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ميزقوا كل َّ‬
‫رسول اهلل أن َّ‬

‫يف هذا اخلرب دليل على موقف الــمجوس من اإلسالم‪ ،‬ومدى تبجحهم وغطرستهم‪ .‬ومل‬
‫يتوقف األمر بكسرى على متزيق الكــتاب‪ ،‬بل كتب إىل باذان عامله على اليمــن أن ابعث من‬
‫عندك رجلني جلدين إىل هذا الرجل الذي باحلــجاز‪ ،‬فليأتياين خبربه‪ ،‬فبعث باذان قهرمانه ورجاًل‬
‫آخر‪ ،‬وكتب معهما كتابً ا‪ ،‬فق دما املدينة‪ ،‬فدفعا كتاب باذان إىل النيب ز فتبسم رس ول اهلل ز‬
‫ودعامها إىل اإلس الم‪ ،‬وفرائص هما ترع د‪ ،‬وق ال‪{ :‬ارجع ا ع ين يومكم ا ه ذا ح ىت تأتي اين الغ د‬
‫فأخربكما مبا أريد } فجاءاه من الغد‪ ،‬فقال هلما‪{ :‬أبلغا صاحبكما أن ريب قد قتل ربه كسرى‬
‫يف هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها } وهي ليلة الثالثاء لعشر ليال مضني من مجادى األوىل‬
‫سنة سبع‪ ،‬وأن اهلل تبارك وتعاىل سلط عليه ابنه شريويه فقتله‪ ،‬فرجعا إىل باذان بذلك فأسلم هو‬
‫واألبناء الذين باليمن ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ولكن هل تأثر العرب بديانة اجملوس أم ال ؟‬


‫(‪)4‬‬
‫تفيد األخبار بتمجس بعض العرب‪ ،‬ورد (أن املزدكية‬

‫() القائ ل ه و الزه ري‪ ،‬وحيتم ل أن ابن املس يب مسعه من عبداهلل بن حذاف ة ص احب القص ة‪( .‬ابن حج ر‪ ،‬فتح‬ ‫‪1‬‬

‫الباري ‪.) 8/127‬‬


‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي ‪.180 /3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.1/260‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املزدكية ‪ :‬هم أصحاب مزدك‪ ،‬القائل إن النور يفعل بالقصد واالختيار‪ ،‬والظلمة تفعل على اخلبط‪ ،‬والنور‬ ‫‪4‬‬

‫عامل حس اس والظلم ة جاهل أعمى‪ .‬وكان م زدك ينهى الن اس عن املخالفة واملباغض ة والقت ال‪ ،‬وملا كان أك ثر‬
‫ذلك إمنا يقع بسبب النساء واألموال‪ ،‬أحل النساء وأباح األموال‪ ،‬وجعل الناس شركة فيهما كاشرتاكهم يف‬
‫املاء والنار والكأل‪ ،‬وحكي عنه أنه أمر بقتل األنفس ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة‪( .‬انظر ‪ :‬الشهرستاين‪،‬‬
‫امللل والنحل ص ‪..) 250‬وانظر جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب ‪.693 /6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪57‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واجملوسية يف متيم )( )‪ .‬وورد أن (زرارة بن عدس( )) وابنه (حاجب بن زرارة) ومها من سادات‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا (األقرع بن حابس( )) و (أبو األسود) جد (وكيع‬


‫‪3‬‬
‫متيم‪ ،‬كانا قد اعتقدا اجملوسية‪ ،‬واعتنقها ً‬
‫بن حسان )‪ .‬وقيل إن أشتاتًا من العرب عبدت النار‪ ،‬سرى إليها ذلك من الفرس واجملوس ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫الوثنيون‬

‫بُعِ َ‬
‫ث الن يب حمم ٌد ز يف مك ة يف زمن بعُ د الن اس في ه عن الرس االت الس ماوية فاجت التهم‬
‫الشياطني وغرهتم األهواء‪ ،‬فأغرقوا يف الوثنية وأولعوا بعبادة األصنام ‪ ،‬ومل تكن عبادة األصنام‬
‫معروفة عند أهل احلجاز‪ ،‬حىت جاء رجل يقال له عمرو بن حلي( ) فغري دين إمساعيل‪ ،‬وجلب‬
‫‪5‬‬

‫هلم عبادة األصنام من الشام‪ ،‬مث صارت هذه األصنام يف العرب بعد تبديلهم دين إمساعيل ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫كان اجملتمع الذي يعيش فيه علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬يف مكة يعج بعبادة‬
‫األصنام‪ ،‬فال يكاد خيلو بيت يف مكة من صنم‪ ،‬إضافة إىل األصنام املشهورة واملعروفة ومنها‪-:‬‬

‫() انظر جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب ‪.693 /6‬‬ ‫‪1‬‬

‫حكم ا من قضاة متيم‪ ،‬ومن بنيه‬


‫() ابن زيد‪ ،‬جد جاهلي‪ ،‬بنوه بطن من بين دارم‪ ،‬من متيم‪ ،‬من عدنان‪ ،‬وكان ً‬
‫‪2‬‬

‫املنذر بن ساوي‪ ،‬صاحب هجر‪ ( .‬انظر ‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.) 43 / 3‬‬


‫() ابن عق ال بن حمم د بن س فيان التميمي اجملاش عي‪ ،‬وف د على الن يب ص‪ ،‬وش هد فتح مك ة وحنينً ا والط ائف‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وهو من املؤلفة قلوهبم‪ ،‬وقد حسن إسالمه‪ ،‬قتل بالريموك يف عشرة من بنيه‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪/ 1‬‬
‫‪.) 58،59‬‬
‫() انظر ‪ :‬جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب ‪.693 /6‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص بَهُ يف الن ار‪( .‬ص حيح مس لم‬‫ف‪ ،‬ولق د رآه رس ول اهلل ص جير قُ ْ‬‫() عم رو بن حُلَ ِّي بن قَ َم َع ةَ بن ِخْن ِد َ‬ ‫‪5‬‬

‫‪.)4/2191‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ .77 ،76 / 1‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ 187/ 2‬ـ ‪ .190‬وابن حجر‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫فتح الباري ‪.549 ،548 / 6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪58‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫هبل‪ :‬من أعظم أصنام قريش عندها‪ ،‬وكان على بئر يف جوف الكعبة‪ ،‬وكان من خرز العقيق‬
‫يدا من ذهب‪.‬‬
‫على صورة إنسان مكسور اليد اليمىن‪ ،‬أدركته قريش كذلك فجعلوا له ً‬
‫وكانت قريش جتله وتعظمه‪ ،‬كما حدث بعد الفراغ من معركة أحد صرخ أبو سفيان‬
‫يقول‪{:‬أع ِل ُهبَل( ) }‪ ،‬فقال رسول اهلل ص‪(( :‬قم يا عمر‬
‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫معتزا بصنمه‬
‫شامتًا باملسلمني‪ً ،‬‬
‫فأجبه ‪ ،‬فقل‪ :‬اهلل أعلى وأجل‪ ،‬ال سواء‪ ،‬قتالنا يف اجلنة وقتالكم يف النار )) ففعل عمر ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ .) (-‬وك ان الرج ل من ق ريش إذا ق دم من س فر ب دأ ب ه على أهل ه‪ ،‬بع د‬
‫‪2‬‬

‫طوافه بالبيت‪ ،‬وحلق رأسه عنده ( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫أس اف ونائلة‪ :‬ص نمان عن د الكعب ة‪ ،‬أح دمها يلص ق الكعب ة واآلخ ر مبوض ع زم زم فنق ل ال ذي‬

‫يلصق الكعبة إإىل اآلخر‪ ،‬فكانوا ينحرون ويذحبون عندمها‪.‬‬

‫الالت‪ :‬ص خرة بيض اء منقوش ة‪ ،‬عليه ا بيت‪ ،‬ل ه أس تار وس دنة وحول ه فن اء‪ ،‬معظم عن د أه ل‬
‫الطائف‪ ،‬وهم ثقيف( ) ومن تابعها‪ ،‬يفتخرون هبا على من عداهم من أحياء العرب‪ .‬قال‬
‫‪4‬‬

‫ابن جرير‪ { :‬وكانوا قد اشتقوا امسها من اسم اهلل فقالوا‪ :‬الالت يعنون مؤنثة منه ـ تعاىل‬
‫اهلل عن ق وهلم عل ًوا كب ًريا ـ } وحكي عن ابن عب اس وجماهد أهنم ق رؤوا الالت بتش ديد‬
‫التاء وفسروه بأنه كان رجاًل يلت للحجيج يف اجلاهلية السويق‪ ،‬فلما مات عكفوا على‬

‫() اعل هبل ‪ :‬مبعىن أظهر دينك‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.2/93‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬األزرقي‪ ،‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار ‪.1/117‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ثقيف ‪ :‬قبيلة منازهلا يف جبل احلجاز‪ ،‬بني مكة والطائف‪ ،‬وعلى األصح بينه وبني جبال احلجاز‪ ،‬وتنقسم‬ ‫‪4‬‬

‫إىل البط ون اآلتي ة ‪ :‬ط ويرق‪ ،‬بطن الن ور‪ ،‬بطن مثال ة‪ ،‬بطن ب ين س امل‪ ،‬بطن ع وف‪ ،‬بطن س فيان‪ ،‬بطن ق ريش‬
‫(وليس هم األش راف القرش يني‪ ،‬ب ل ه و ت وارد يف األمساء )‪ ،‬بطن ه ذيل‪ ،‬بطن ثقي ف‪ ( .‬عم ر رض ا كحال ة‪،‬‬
‫معجم قبائل العرب ‪.) 148 ،147 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪59‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ق ربه فعب دوه( )‪ .‬وعن ابن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا ) ق ال‪ { :‬ك ان الالت رجاًل َيلُ ُّ‬
‫ت‬ ‫‪1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫َسويق احلاج }‬

‫الع زى‪ :‬ق ال ابن جري ر‪ { :‬من العزي ز‪ ،‬وك انت ش جرة عليه ا بن اء وأس تار بنخل ة بني مك ة‬

‫والطائف } وكانت قريش تعظمها كما قال أب و س فيان ي وم أح د‪ { :‬لن ا العزى وال‬

‫عزى لكم} فقال رسول اهلل ز ‪{ :‬قولوا ‪ :‬اهلل موالنا وال موىل لكم }( )‪ .‬وقد أرسل‬
‫‪3‬‬

‫إليه ا رس ول اهلل ز خال د بن الولي د ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ليه دمها فلم ا مسع ص احبها‬
‫الس ْلمي مبسري خالد إليها علَّق سيفه وأسند يف اجلبل( ) الذي هو فيه وهو يقول‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫َّ‬
‫خالد ألْقى ِ‬
‫القناع ومشِّري‬ ‫على ٍ‬ ‫الش َوى هَلَا‬
‫أيا عَُّز ُش ّدي شدَّة َ‬

‫فبُوئي بإثـ ٍم ٍ‬
‫عاجل أو تنَصـَّري‬ ‫ـالدا‬
‫ياعَُّز إ ْن مل تقتُلي املـرءَ خ ً‬
‫(‪)5‬‬
‫فلما انتهى إليها خالد هدمها‪ ،‬مث رجع إىل رسول اهلل ز ‪.‬‬

‫() انظر ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.4/254‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب التفسري ‪.299 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.254 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أسند يف اجلبل ‪ :‬ارتفع فيه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.2/437‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪60‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومناة‪ :‬كانت باملشلل عند القديد بني مكة واملدينة وكانت خزاعة( ) واألوس( ) واخلزرج( ) يف‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪)4‬‬
‫جاهليتها يعظموهنا ويهلون منها للحج إىل الكعبة‪.‬‬

‫كم ا ك ان هن اك العدي د من األص نام‪ ،‬يف مك ة وخارجه ا‪ ،‬ك انت الع رب تعظمه ا‪،‬‬
‫يستقسمون هبا ويصبون عندها اللنب واحلنطة‪ ،‬ويذحبون عندها‪ ،‬إىل غري ذلك من األعمال‪ .‬حىت‬
‫وصلت احلال بالناس إىل درجة سخيفة راعنة من الوثنية وعبادة األصنام‪ ،‬والتمسك باخلرافات‬
‫واألوهام‪ ،‬وجهل املفاهيم الدينية الصحيحة‪ ،‬والبعد عن اإلبراهيمية احلنيفية السمحة‪ ،‬درجة مل‬
‫يصل إليها إال النادر من الشعوب واألمم ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫صنما‬
‫حدا عجيبًا حيث كان حول الكعبة وحدها ثالمثائة وستون ً‬
‫وقد وصلت من الكثرة ً‬
‫عند فتح مكة‪ ،‬كما ورد عن عبداهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪{ :‬دخل النيب ز مكة‬

‫وحول الكعبة ثالمثائة وستون نصبًا }( )‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫() قبيل ة من األزد من القحطاني ة‪ ،‬وهم ‪ :‬بن و عم رو بن ربيع ة‪ ،‬ك انوا بأحناء مك ة يف م ّر الظه ران‪ ،‬ك انت هلم‬ ‫‪1‬‬

‫والية البيت ( الكعبة ) قبل قريش‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم قبائل العرب ‪.) 338 / 1‬‬
‫() بطن عظيم من األزد من القحطانية‪ ،‬كان املوطن األصلي لألوس بالد اليمن‪ ،‬فهاجروا إىل يثرب‪ ،‬وعاشوا‬ ‫‪2‬‬

‫مع اخلزرج والقبائل اليهودية‪ ،‬نشبت حروب طويل ة بينهم وبني اخلزرج يف اجلاهلية‪ ( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪،‬‬
‫معجم قبائل العرب ‪.) 51 ،50 / 1‬‬
‫() بطن من األزد من القحطاني ة‪ ،‬وهم ‪ :‬بن و اخلزرج بن حارث ة بن ثعلب ة‪،‬ك انوا يقطن ون املدين ة م ع األوس‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(انظر‪ :‬عمر كحاالة‪ ،‬معجم قبائل العرب )‪.‬‬


‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.4/254‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬أبا احلسن الندوي‪ ،‬السرية النبوية ص‪.97‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪.416 /6 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪61‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المرتدون‬

‫الردة عن اإلسالم هي الرجوع عنه‪ ،‬وارتد فالن عن دينه إذا كفر بعد إسالمه( )‪ .‬فقد ُميِن‬
‫‪1‬‬

‫َ‬
‫اإلسالم بعد وفاة رسول اهلل ز مبصيبة عظمى‪ ،‬فإن العرب ما لبثت بعد أن علمت مبوت رسول‬
‫قريشا مبكة‪ ،‬وثقي ًفا بالطائف‪ ،‬وقلياًل من‬
‫متمسك بدينه منهم إال ً‬
‫ٌ‬ ‫اهلل ز حىت ارتدت ومل يبق أح ٌد‬
‫غريهم‪ ،‬وكان الناس يف ذلك على قسمني‪-:‬‬
‫‪ -1‬قسم تارك للدين باملرة وهم بنو طيء( ) وأسد( )‪ ،‬ومن تبعهم من غطفان( ) أتباع طليحة‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫بن خويل د األس دي( )‪ ،‬وبن و حنيف ة أتب اع مس يلمة الك ذاب‪ ،‬وأه ل اليمن أتب اع األس ود‬
‫‪5‬‬

‫العنسي( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،3/173‬مادة [ردد]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قبيلة عظيمة تنتسب إىل طيء بن َُأد َد بن زيد بن يشجب‪ ،..‬كانت منازهلم باليمن مث خرجوا منها‪ ،‬فنزلوا‬ ‫‪2‬‬

‫مسرياء‪ ،‬وفي د‪ ،‬يف ج وار ب ين أس د‪ ،‬مث غلب وهم على أج أ وس لمى ‪ -‬ومها جبالن من بالدهم ‪ -‬فاس تقروا هبم ا‪،‬‬
‫بعث إليهم رس ول اهلل ص علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) ليه دم ص نمهم (الفلس)‪ .‬وح اربت طيء م ع‬
‫املث ىن يف الع راق س نة ‪ 14‬هـ‪ ،‬وناص رت علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) يف ح وادث س نة ‪ ( .36‬انظ ر ‪:‬‬
‫عمر رضا كحالة‪ ،‬معجم قبائل العرب ‪.) 691 - 689 / 2‬‬
‫() أسد بن خزمية ‪ :‬قبيلة عظيمة من العدنانية‪ ،‬وهي ذات بطون كثرية‪ ،‬كانت منازهلم يف جماورة طيء‪ ،‬وتعد‬ ‫‪3‬‬

‫قبيلة أسد من القبائل احلربية يف اجلاهلية واإلسالم‪( .‬عمر رضا كحالة‪ ،‬معجم قبائل العرب ‪.)21 ،20 / 1‬‬
‫() غطفان بن سعد‪ ،‬بطن عظيم‪ ،‬متسع‪ ،‬كثري الشعوب واألفخ اذ‪ ،‬من قيس بن عيالن‪ ،‬من العدنانية‪ ،‬كانت‬ ‫‪4‬‬

‫من ازهلم بنج د مما يلي وادي الق رى‪ ،،‬وجب ل طيء‪ ،‬مث اف رتقوا يف الفتوح ات اإلس المية‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬عم ر رض ا‬
‫كحالة‪ ،‬معجم قبائل العرب ‪.) 888 / 3‬‬
‫() من بين أسد‪ ،‬قدم على النيب ص يف وفد بين أسد‪ ،‬فأسلموا‪ ،‬فلما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة يف حياة‬ ‫‪5‬‬

‫النيب ص‪ ،‬بعث إليه أبو بكر الصديق (رضي اهلل عنه) خالد بن الوليد (رضي اهلل عنه) فهرب طليحة إىل الشام‪،‬‬
‫مث أس لم بع د ذل ك وحس ن إس المه‪ ،‬ووف د على عم ر (رض ي اهلل عن ه)‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬اإلص ابة ‪/ 2‬‬
‫‪.) 234‬‬
‫() امسه عيهلة بن كعب بن عوف العنسي املذحجي‪ ..‬متنيبء مشعوذ من أهل اليمن‪ ،‬أسلم ملا أسلمت اليمن‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫وارتد يف أيام النيب ص‪ ،‬ادعى النبوة وأرى قومه أعاجيب استهواهم هبا‪ ،‬قتل قبل وفاة النيب ص بشهر واحد‪( .‬‬
‫انظر ‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.) 111 / 5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪62‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)2‬‬
‫‪ -2‬قس م عط ل الزك اة‪ ،‬وهم بعض ب ين متيم أتب اع مال ك بن ن ويرة( )‪ ،‬وبن و ه وازن‬
‫‪1‬‬

‫وغريهم( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أسباب الردة‬
‫‪ -1‬عدم متكن اإلميان يف نفوس من تأخر إسالمهم‪ ،‬فإن اإلسالم مل ينتشر يف اجلزيرة إال بعد‬
‫فتح مكة‪ ،‬فقدم الناس من كل فج يعلنون إسالمهم يف العام التاسع من اهلجرة حيث مسي‬
‫هذا العام عام الوفود‪.‬‬
‫‪ -2‬رفض بعض القبائ ل الطاع ة أليب بك ر ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وال دخول يف س لطانه‪ ،‬ويش هد‬
‫لذلك قوهلم‪-:‬‬
‫فيا لعباد اهلل مــا أليب بــكر‬ ‫أطعنا رسول اهلل ما كان بيننا‬
‫(‪)4‬‬
‫وتلك لعمر اهلل قاصمة الظهر‬ ‫أيـورثهـا بك ًـرا إذا مـات بعده‬
‫‪ -3‬اعت ربت بعض القبائل العربية ما فرضه اإلسالم من الزكاة أت اوة‪ ،‬فهي مل تتعود ذلك يف‬
‫حياهتا القبلية ‪.‬‬
‫‪ -4‬العص بية القبلي ة‪ ،‬فق د ح اولت بعض القبائ ل اخلروج من س لطان ق ريش ال ذي اس تمر يف‬
‫اجلاهلية زمنًا طوياًل ‪ ،‬وأن تتبع رجاًل منها‪ ،‬ويشهد لذلك قول رجل من أصحاب مسيلمة‬

‫اعرا‪ ،‬ك ان الن يب ص اس تعمله على ص دقات قوم ه‪ ،‬فلم ا بلغ ه‬


‫فارس ا ش ً‬
‫() ابن محزة بن ش داد ال ريبوعي‪ ،‬ك ان ً‬
‫‪1‬‬

‫وفاة النيب ص أمسك الصدقة وفرقها يف قومه‪ ،‬قتله ضرار بن األزور بأمر خالد بن الوليد (رضي اهلل عنه) بعد‬
‫فراغه من قتال الردة‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.) 357 / 3‬‬
‫() بطن من قيس عيالن من العدناني ة‪ ،‬وهم بن و ه وازن بن منص ور بن عكرم ة‪ ...‬بن قيس بن عيالن‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(القلقشندي‪ ،‬هناية األرب يف معرفة أنساب العرب ص ‪.) 391‬‬


‫() انظر ‪ :‬حممد اخلضري بك‪ ،‬إمتام الوفاء يف سرية اخللفاء ص‪.21 ،20‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .2/255‬وابن كثري‪ ،‬البداية و النهاية ‪.66/313‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪63‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ملس يلمة‪{ :‬أش هد أن ك ك ذاب وأن حمم ًدا ص ادق‪ ،‬ولكن ك ذاب ربيع ة أحب إلين ا من‬
‫صادق مضر}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -5‬رغبة بعض األعراب الذين مل يذوقوا حالوة اإلميان يف التخلص من قيود اإلسالم اخللقية‬
‫والعودة إىل اجلاهلية‪.‬‬
‫‪ -6‬الطم ع يف املل ك كم ا فعلت ربيع ة يف البح رين حيث ق الوا‪{ :‬ن رد املل ك يف آل املن ذر}‬
‫فملكوا املنذر بن النعمان بن املنذر( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -7‬وج ود املن افقني بني املس لمني‪ ،‬وأع داء ال دين من اجملاورين ك الفرس وال روم ش جع بعض‬
‫(‪)3‬‬
‫القبائل على اخلروج من هذا الدين‪.‬‬

‫فق د قيض اهلل س بحانه وتع اىل هلذه ال ردة أب ا بك ر الص ديق ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬فكس ر‬
‫ش وكتهم‪ ،‬وش تت مشلهم‪ ،‬وكبح مجاح ك ل من س ولت ل ه نفس ه اخلروج من ه ذا ال دين‪،‬‬
‫واالعتداء على املسلمني‪.‬‬

‫المنافقون‬

‫ظهر باملدينة فئة من الناس اندست يف صفوف املؤمنني‪ ،‬يقولون آمنا باهلل وباليوم اآلخر‬
‫وما هم مبؤمنني‪ ،‬فئة أظهرت اخلري وأبطنت الشر‪ ،‬فئة أظهرت اإلميان وأبطنت الكفر‪ ،‬أولئك هم‬
‫املنافقون {قاتلهم اهلل أىن يؤفكون}( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك‪ .2/277 ،‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪.2/36‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك‪ .2/287،‬وابن األثري ‪.2/40‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر هذه األسباب عند الدكتور الشيخ األمني عوض‪ ،‬يف مذكرة اخللفاء الراشدون ص ‪.25-23‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة املنافقون‪ ،‬جزء من اآلية ‪.4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪64‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ظهر النفاق يف املدينة ومن حوهلا من األعراب بعد وقعة بدر حينما أظهر اهلل كلمته وأعز‬
‫حممد ز وللصحابة الكرام وجود صنف من‬ ‫اإلسالم وأهله ( )‪ .‬ويقرر اهلل سبحانه وتعاىل لنبيه ٍ‬
‫‪1‬‬

‫املن افقني يف املدين ة ومن حوهلا‪ ،‬ص نف ح ذقوا النف اق ومرن وا علي ه‪ ،‬ح ىت بلغ وا الغاية يف إتقانه‪،‬‬
‫حبيث ال يشعر أحد به التقائهم مجيع األمارات والشبهات اليت تدل عليه فقال سبحانه‪{ :‬وممن‬
‫ح ولكم من األع راب من افقون ومن أه ل املدين ة م ردوا على النف اق التعلمهم حنن نعلمهم‬
‫سنعذهبم مرتني مث يردون إىل عذاب عظيم}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وق د أن زل اهلل س بحانه وتع اىل ص فات املن افقني يف الس ور املدني ة ألن مك ة مل يكن فيه ا‬
‫تكرها وه و يف الب اطن م ؤمن ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫نف اق‪ ،‬ب ل ك ان خالف ه‪ ،‬من الن اس من ك ان يظه ر الكف ر مس ً‬
‫واآليات اليت نزلت تصف املنافقني وتصور طبيعتهم بالتعبريات البليغة واألمثال البديعة‪ ،‬وهذه‬
‫السمات والصفات واضحة املعامل كي ال يقع املسلمون يف حبائلهم‪ ،‬كما ترشد املسلمني إىل‬
‫االبتعاد عنهم وكيفية معاملتهم‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/48‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪ .101‬وانظر ‪ :‬السيد حممد رشيد رضا يف خمتصر تفسري املنار ‪ .3/342‬وكذلك انظر ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫سيد قطب يف كتاب يف ظالل القرآن ‪.3/1706‬‬


‫() انظر ‪ :‬تفسري ابن كثري ‪.1/48‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪65‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الوجه السياسي‬

‫ماذا نعني بالسياسة ؟‬

‫السياس ة هي نظ ام الس لطة الق ائم يف البالد‪ ،‬أو يف القبائ ل‪ ،‬وم ا يتعل ق ب ه من رئاس ة‪،‬‬
‫ووالي ة‪ ،‬ونظم داخلي ة‪ ،‬وعالق ات خارجية( )‪ .‬وللح ديث عن ه ذا اجلانب نع رض للمح ات عن‬
‫‪1‬‬

‫ه ذا النظ ام يف مراح ل التغ ري ال يت عاص رها أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه )‬
‫(وهي‪- :‬‬
‫السياسة يف العهد النبوي‪.‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫السياسة عند العرب قبل اإلسالم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫السياسة يف عهد اخللفاء الراشدين‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫السياسة عند العرب قبل اإلسالم‬

‫مل يكن للعرب ن وع من احلكومات املعروفة اآلن‪ ،‬ومل يكن هلم قضاء حيتكمون إليه‪ ،‬أو‬
‫جهاز أمن يقر النظام وحيافظ عليه‪ ،‬وال حىت جيش يدرأ عنهم األخطار اخلارجية‪ ،‬ومل يكن مثة‬
‫سلطة تضرب على أيدي املعتدين‪ ،‬وتوقع العقاب على اجملرمني‪ .‬وإمنا كان الرجل امل ْعتَ َدى عليه‬
‫ُ‬
‫يثأر لنفسه بنفسه‪ ،‬وعلى قبيلته أن تشد أزره ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكانت كل قبيلة أو عشرية تؤلف مجاعة منفصلة مستقلة متام االستقالل‪ ،‬وينسحب هذا‬
‫أيضا على أفراد القبيلة‪ .‬إضافة إىل أنه مل يكن هناك نظام لنقل سلطة الرئيس‪ ،‬إذ كان‬
‫االستقالل ً‬

‫() وق د عرفه ا ابن احلداد يف كتاب ه (اجلوهر النفيس يف سياس ة ال رئيس ص‪ )61‬بقول ه‪((:‬السياس ة سياس تان‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫سياس ة ال دين‪ ،‬وسياس ة ال دنيا‪ ،‬فسياس ة ال دين م ا أدى إىل قض اء الف رض‪ ،‬وسياس ة ال دنيا م ا أدى إىل عم ارة‬
‫األرض))‪.‬‬
‫() انظر ‪:‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬تاريخ اإلسالم السياسي والديين والثقايف واالجتماعي ‪.52،53 /1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪66‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫غالبً ا ما خيتار هلا أكرب أفراد القبيلة سنًا‪ ،‬وأكثرهم م ااًل ‪ ،‬وأعظمهم نفوذًا‪ ،‬وأج درهم بكسب‬
‫فروع ا كث رية ( )‪ ،‬يتمت ع ك ل منه ا حبي اة‬
‫‪1‬‬
‫االح رتام الشخص ي‪ .‬وإذا م ا تض خمت قبيل ة تش عبت ً‬
‫منفصلة ووجود مستقل‪ ،‬وال تتحد إال يف ظروف غري ُم ْعتَ َاد ٍة‪ ،‬اشرتا ًكا يف الدفاع عن القبيلة أو‬
‫قياما بغارات بالغة اخلطورة( )‪ .‬ومما عرف عنهم يف هذا الشأن ما يلي‪-:‬‬
‫‪2‬‬
‫ً‬

‫األحالف عند أهل الجاهلية‬

‫احللف( ) ن وع من العالق ة بني القبائ ل العربي ة‪ ،‬وه و يف األص ل املعاق دة واملعاه دة على‬ ‫‪3‬‬

‫التعاض د والتس اعد والتناص ر ( )‪ .‬يق ال لب ين أس د وطيء‪ :‬حليف ان‪ .‬ويق ال لف زارة( ) وألس د‪:‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫حليفان ؛ ألن خزاعة ملا أجلت بين أسد عن احلرم خرجت فحالفت طيًئا مث حالفت بين فزارة‪.‬‬
‫وكانت بنو سهم حلفاء لبين عدي يف اجلاهلية‪ ،‬وكانت بنو عقيل حلفاء لثقيف‪ ،‬وكانت بنو‬
‫واحدا ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫هاشم وبنو املطلب شيًئا ً‬

‫وأحالف اجلاهلية منها ما هو على اخلري ومنها ما هو على الشر‪ ،‬فما كان منها على اخلري‬
‫فق د زاده اإلس الم توثي ًق ا‪ ،‬وم ا ك ان منه ا على الشر فق د أبطل ه اإلس الم ونقضه‪ .‬ففي حديث‬

‫() وهو ما يعرف بالفصيلة‪ ،‬مث العِمارة‪ ،‬مث البطن‪ ،‬مث الفخذ‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ 2/568‬مادة [فخذ] )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أرنولد‪ ،‬الدعوة إىل اإلسالم ص ‪ 51،52‬ترمجة حسن إبراهيم حسن وآخرين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() احلِل ف ‪ :‬العه د يك ون بني الق وم‪ ،‬وق د حالف ه أي ‪ :‬عاه ده‪ ،‬وحتالفوا أي ‪ :‬تعاه دوا‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،4/1346‬مادة [حلف])‪.‬‬
‫() انظر ‪ :‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس ‪.75 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫() بنو فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث‪ ...‬بن عدنان‪ ،‬كانت منازهلم بنجد‪ ،‬ووادي القرى‪ ،‬مث تفرقوا ونزلوا‬ ‫‪5‬‬

‫بصعيد مصر‪ ،‬وضواحي القاهرة‪ ( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم قبائل العرب ‪.) 920-918 / 3‬‬
‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ .1346 / 4‬وانظر ‪ :‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس ‪ .75 / 6‬وانظر ‪ :‬الشيخ حممد بن‬ ‫‪6‬‬

‫رزق بن طرهوين‪ ،‬صحيح السرية النبوية ‪.113 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪67‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫جبري بن مطعم ( ) عن أبيه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬


‫‪1‬‬

‫رس ول اهلل ز ‪{ ::‬الحل ف يف اإلس الم‪ ،‬وأميا حل ف ك ان يف اجلاهلي ة مل ي زده اإلس الم إال‬
‫شدة }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫يف ه ذا احلديث (ال حل ف يف اإلس الم) املراد ب ه حل ف الت وارث‪ ،‬واحلل ف على م ا من ع‬
‫الش رع من ه‪ .‬أم ا حل ف التع اون على ال رب والتق وى‪ ،‬وإقام ة احلق‪ ،‬فه ذا ه و ال ذي أق ره اإلس الم‬
‫وجاء يف توثيقه ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومن األحالف اليت جاء اإلسالم بتوثيقها حلف الفضول‪ ،‬وهو احللف الذي تعاقدت فيه‬
‫مظلوم ا من أهلها وغريهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫قبائل من قريش يف دار عبداهلل بن جدعان( )‪ ،‬على أن ال جيدوا مبكة‬
‫‪4‬‬

‫ممن دخلها من سائر الناس‪ ،‬إال قاموا معه‪ ،‬وكانوا على من ظلمه‪ ،‬حىت ترد عليه مظلمته‪ ،‬ومست‬
‫قريش ذلك احللف حلف الفضول( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ولقد أيد رسول اهلل ص ذلك احللف بقوله‪ (( :‬لقد شهدت يف دار‬
‫عبداهلل بن جدعان حل ًفا‪ ،‬ما أحب أن يل به محر النعم( )‪ ،‬ولو أدعى به يف اإلسالم ألجبت))( )‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫() ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي‪ ..‬كان من أكابر قريش وعلماء النسب‪ ،‬أسلم بني احلديبية‬ ‫‪1‬‬

‫والفتح‪ ،‬وقيل يف الفتح‪ ،‬مات سنة سبع أو مثان أو تسع ومخسني‪( .‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪) 225 ،225 / 1‬‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪.1961 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.82 / 16‬‬ ‫‪3‬‬

‫() التميمي القرشي‪ ،‬أحد األجواد املشهورين يف اجلاهلية‪ ،‬أدرك النيب ص قبل النبوة‪ ،‬وكانت له جفنة يأكل‬ ‫‪4‬‬

‫منها الطعام القائم والراكب‪ ( .‬انظر ‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.) 76 / 4‬‬


‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.134 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أي ال أحب نقضه‪ ،‬وإن دفع يل يف مقابل ذلك محر النعم‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.134 / 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪68‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الجوار عند أهل الجاهلية‬

‫اجلوار ه و محاي ة املس تجري من أن يظلم ه ظ امل ( )‪ .‬وك انوا يف اجلاهلي ة بعض هم جيري على‬
‫‪1‬‬

‫بعض‪ ،‬وكان أسيادهم ال خيفرون ذممهم‪ ،‬وال حيب أحدهم أن تسمع العرب أنه أخفر يف رجل‬
‫عقد له ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد أقر اإلسالم اجلوار‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل قد أذن لنبيه بإجارة املشركني‪ ،‬كما يف قوله‬
‫سبحانه وتعاىل‪ { :‬وإن أحد من املشركني استجارك فأجره حىت يسمع كالم اهلل مث أبلغه مأمنه‬
‫(‪)4‬‬ ‫()‬
‫ناس ا من املشركني‬
‫ذلك بأهنم قوم ال يعلمون } ‪ .‬كما أن رسول اهلل ز قد أجار عام الفتح ً‬
‫‪3‬‬

‫اس تجاروا ب أم ه اينء ( )‪ ،‬ملا دخ ل عليه ا أخوه ا علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يري د‬
‫‪5‬‬

‫وأمن ا من َّأمنت فال‬


‫قتلهم‪ ،‬أخ ربت ب ذلك رس ول اهلل ز فقف ق فق ال‪ { :‬ق د أجرن ا من أج رت‪َّ ،‬‬
‫يقتلهما }( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫العداوة والفرقة بين القبائل في الجاهلية‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ 618 /2‬مادة [جور]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،154 /4‬مادة [جور]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والشوكاين‪ ،‬فتح القدير ‪.338 / 2‬‬


‫() انظر ‪ :‬الشيخ حممد بن رزق بن طرهوين‪ ،‬صحيح السرية النبوية ‪.113 /1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.6‬‬ ‫‪3‬‬

‫() قال ابن هشام يف السرية ‪ : 411 / 2‬مها احلارث بن هشام‪ ،‬وزهري بن أيب ُأميَّة بن املغرية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() بنت أيب طالب بن عبد املطلب بن هاشم اهلامشية ابنة عم رسول اهلل ز قيل امسها فاختة‪ ،‬وقيل فاطمة‪ ،‬وقيل‬ ‫‪5‬‬

‫هند‪ ،‬واألول أشهر‪ ،‬قال الرتمذي وغريه ‪:‬عاشت بعد علي‪( .‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.) 503 / 4‬‬
‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.411 / 2‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪69‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ك انت قبائ ل الع رب قب ل اإلس الم متفرق ة متن احرة‪ ،‬ل و أراد أح د مجعهم والت أليف بني‬
‫مجيع ا‪ ،‬كما أخرب املوىل (سبحانه) عنهم ممتنً ا على‬
‫قلوهبم ملا أدرك ذلك‪ ،‬ولو أنفق ما يف األرض ً‬
‫مجيعا ما ألفت بني قلوهبم ولكن اهلل ألف بينهم إنه‬
‫رسوله ز بقوله‪ { :‬لو أنفقت ما يف األرض ً‬
‫عزيز حكيم }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هك ذا ك انت احلال بني األوس واخلزرج يف املدين ة ( )‪ ،‬ومل تكن بقي ة قبائ ل الع رب بعي دة‬
‫‪2‬‬

‫ديدا‪ .‬يأك ل‬
‫عن ه ذا الواق ع‪ ،‬فق د ك انت قل وهبم ش ىت‪ ،‬وع داواهتم ج اهرة‪ ،‬وبأس هم بينهم ش ً‬
‫بعض ا‪ ،‬ف القوي آك ل‪ ،‬والض عيف م أكول‪ .‬تث ور احلروب بينهم بس بب التن ازع على‬
‫بعض هم ً‬
‫السيادة‪ ،‬أو على م وارد املاء‪ ،‬ومنابت الكأل‪ ،‬ورمبا بأسباب أقل من ذلك‪ ،‬فقد وقعت حروب‬
‫أريقت فيها دماء غزيرة‪ ،‬وعرفت بأيام العرب ووقائعها‪ ،‬ومن أشهرها‪-:‬‬

‫البس وس‪ :‬بني قبيل يت بكر( ) و تغلب( ) اب ين وائ ل‪ .‬دامت أربعني س نة بس بب ناق ة متلكه ا ام رأة‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫عجوز من بكر‪ ،‬تدعى البسوس‪.‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬جزء من اآلية ‪.63‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.324 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن وائ ل‪ ،‬قبيل ة عظيم ة من العدناني ة‪ ،‬ك انت دي ارهم من اليمام ة إىل البح رين‪ ،‬إىل س يف كاظم ة‪ ،‬إىل‬ ‫‪3‬‬

‫البح رين ف أطراف س واد الع راق‪ ،‬وق د تق دمت يف الع راق ش يًئا فش يًئا‪ ،‬فقطنت على دجل ة‪ ،‬يف املنطق ة املدعوة‬
‫حىت يومنا هذا بامسهم ديار بكر‪ ،‬وتعد قبيلة بكر بن وائل من أعظم القبائل احملاربة‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪،‬‬
‫معجم القبائل العربية ‪.) 96 - 94 / 1‬‬
‫() ابن وائ ل‪ ،‬قبيل ة عظيم ة من العدناني ة‪ ،‬ك انت بالدهم ب اجلزيرة الفراتي ة‪ ،‬جبه ات س نجار ونص يبني‪ ،‬وتع رف‬ ‫‪4‬‬

‫بديار ربيعة‪ ،‬وتعد من القيائل احلربية اليت ال يهدأ هلا بال إال بالقتال والغزوات‪ ( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم‬
‫البلدان ‪.) 122 - 120 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪70‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫داحس والغ براء‪ :‬بني عبس( ) وذبي ان( ) اب ين بغيض بن ريث بن غطف ان‪ ،‬بس بب س باق بني‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫فرسني ( )‪ ،‬ووقعت بني احليني حروب طويلة‪ ،‬ووقائع كثرية‪ ،‬دامت حنو أربعني سنة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ك انت احلرب س جااًل بينهم‪ ،‬وورد فيه ا من الش عر الع ريب كث ري ج ًدا‪ ،‬من أحس ن‬
‫الشعر وأقواه‪ ،‬كمعلقة زهري بن أيب سلمى( ) اليت مطلعها‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫حبومانة الدراج فاملتثلم‬ ‫أمن أم أوىف دمنة مل تكلم‬
‫ومعلقة عنرتة العبسي( ) اليت مطلعها‪:‬‬
‫‪6‬‬

‫(‪)7‬‬
‫أم هل عرفت الدار بعد توهم‬ ‫هل غادر الشعراء من مرتدم‬

‫فجارا ألهنا‬
‫أيام الفجار‪ :‬حروب وقعت يف األشهر احلرم بني قبائل من عرب احلجاز‪ .‬ومسيت ً‬
‫وقعت يف األش هر احلرم‪ ،‬وهي األش هر ال يت حيرموهنا ففج روا فيه ا‪ .‬وه ذه احلروب‬
‫كانت قبل مبعث النيب ز بست وعشرين سنة ( )‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫() ابن بغيض‪ ،‬بطن عظيم من غطف ان‪ ،‬من قيس بن عيالن‪ ،‬من العدناني ة‪ ،‬ك انت من ازهلم بنج د‪ ،‬وتع د عبس‬ ‫‪1‬‬

‫من القبائل احملاربة‪ ،‬وقد وفد منهم على رسول اهلل ص‪(.‬انظر‪:‬عمر كحالة‪ ،‬معجم القبائل العربية ‪.)2/739‬‬
‫() ابن بغيض‪ ،‬قبيلة من غطفان‪ ،‬من قيس بن عدنان من العدنانية‪ ،‬كانت منازهلم شرقي املدينة‪ ،‬يف األرضني‬ ‫‪2‬‬

‫الواقعة بني احلجاز‪ ،‬وأجأ وسلمى‪ ( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم القبائل العربية ‪.) 403 ،402 / 1‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.286 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() زهري بن أيب سلمى ربيعة بن رياح املزين‪ ،‬من مضر‪ .‬حكيم الشعراء يف اجلاهلية‪ ،‬ويف أئمة األدب من يفضله‬ ‫‪4‬‬

‫على شعراء العرب كافة‪ ،،‬كانت قصائده تسمى باحلوليات‪ ( .‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪) 52 / 3‬‬
‫() ديوان زهري بن أيب سلمى‪ ،‬شرح وحتقيق حجر عاصي ص ‪ .105‬وحممد بن أيب اخلطاب القرشي‪ ،‬مجهرة‬ ‫‪5‬‬

‫أشعار العرب‪،‬ص ‪.139‬‬


‫() عنرتة بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي‪ ،‬أشهر فرسان العرب يف اجلاهلية‪ ،‬ومن شعراء الطبقة األوىل‪ ،‬من‬ ‫‪6‬‬

‫أه ل جند‪ ،‬ش هد ح رب داحس والغ رباء‪ ،‬وع اش ط وياًل ‪ ،‬ت ويف س نة ‪ 22‬قب ل اهلج رة‪ ( .‬ال زركلي‪ ،‬األعالم ‪/5‬‬
‫‪.) 91‬‬
‫() ديوان عنرتة‪ ،‬حتقيق ودراسة حممد سعيد مولوي ص ‪ .186‬القرشي‪ ،‬مجهرة أشعار العرب ص ‪.211‬‬ ‫‪7‬‬

‫() انظر الكالم على هذه األيام عند حسن إبراهيم حسن‪ ،‬تاريخ اإلسالم ‪.61 - 53 / 1‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪71‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫السياسة في العهد النبوي‬


‫بعث النيب ز ليخرج الناس من الظلمات إىل النور‪ ،‬وجاء بالشرع اإلهلي الذي ينظم كل‬
‫شئون اإلنسان ويف كل اجملاالت‪ ،‬ومن تلك الشئون ما يتعلق بالسياسة يف كل جماالهتا الداخلية‬
‫واخلارجي ة‪ ،‬حيدد العالق ة بني ال راعي والرعي ة‪ ،‬وبني أف راد الرعي ة م ع بعض هم‪ .‬حيدد لك ٍل‬
‫ويعرف ه بواجبات ه‪ ،‬فج اءت النص وص الش رعية من الكت اب الك رمي‪ ،‬والس نة املطه رة‪،‬‬
‫مس ؤولياته ِّ‬
‫ببيان هذه السياسة‪ ،‬ومنها على سبيل املثال‪:‬‬
‫قوله تعاىل {وأمرهم شورى بينهم}( )‪ .‬بيان لطبيعة السلطة يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقوله تعاىل { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا‬
‫أن اهلل مع املتقني }( )‪ .‬بيان نوع من العالقة اخلارجية‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقوله {ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب لعلكم تتقون} ( )‪ .‬وقوله {والسارق والسارقة‬
‫‪3‬‬

‫فاقطعوا أيديهما جزاءً مبا كسبا نك ااًل من اهلل واهلل عزيز حكيم}( )‪ .‬حدود شرعية حلفظ النفس‬
‫‪4‬‬

‫واملال‪ ،‬من بني حدود كثرية‪ ،‬يف إطار حتقيق األمن الداخلي للمجتمع‪.‬‬
‫وقول الرسول ص‪{ :‬أال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‪ ،‬فاألمري الذي على الناس راع‪،‬‬
‫وهو مسؤول عن رعيته‪ ) ( } ...‬إشعار للراعي مبسؤولية الرعاية‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() سورة الشورى‪ ،‬جزء من اآلية ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.123‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.179‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬ ‫‪4‬‬

‫() متفق عليه من حديث ابن عمر (رضي اهلل عنهما) عن النيب ز‪ .‬أخرجه البخار ي‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب‬ ‫‪5‬‬

‫اجلمعة ‪ .284 /1‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلمارة ‪ .1459 / 3‬واللفظ ملسلم‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪72‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وقوله‪ { :‬ما من أم ري يلي أمر املسلمني‪ ،‬مث ال جيه د هلم وينص ح إال مل ي دخل معهم اجلنة }‬
‫حتذير للراعي من عدم االجتهاد واإلخالص للرعية‪.‬‬
‫وقول ه‪ { :‬على املرء املس لم الس مع والطاعة‪ ،‬فيم ا أحب وك ره‪ ،‬إال أن ي ؤمر مبعص ية‪ ،‬ف إن أم ر‬
‫مبعصية‪ ،‬فال مسع وال طاعة } ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إجياب طاعة الراعي على الرعية‪ ،‬وبيان حلدود هذه الطاعة‪.‬‬


‫وقوله‪{ :‬ال حتاس دوا وال تناجشوا ( )‪ ،‬وال تباغضوا‪ ،‬وال تدابروا ( )‪ ،‬وال يبع بعض كم على بيع‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫بعض‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخوانًا‪ .‬املسلم أخو املسلم‪ .‬ال يظلمه‪ ،‬وال خيذله‪ ،‬وال حيقره } ( ) تنظيم‬
‫‪5‬‬

‫لعالقات أفراد اجملتمع فيما بينهم‪ ،‬فيما يكفل مصلحة اجلميع‪.‬‬

‫إىل غ ري ذل ك من النص وص الش رعية‪ ،‬والض وابط اإلهلية‪ ،‬ال يت تش كل النظ ام السياس ي يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬الذي حيقق سالمة البالد‪ ،‬وراحة العباد‪ .‬إال أن هذه النظم مل جتيء دفعة واحدة بل‬
‫جاءت حسب ظروف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬وتطور الدولة اإلسالمية‪ ،‬يف العهدين‪ ،‬املكي واملدين‪،‬‬
‫على النحو التايل‪-:‬‬

‫في العهد المكي‬

‫مل يكن للمس لمني يف ه ذه املرحل ة مجاع ة ظ اهرة‪ ،‬إمنا ك ان املس لمون ـ وخباص ة يف بداي ة‬
‫أفرادا عدة خيتفون بإسالمهم‪ ،‬خوفًا من أذى قومهم‪ ،‬ومل يكن هلم من التنظيم السياس ي‬
‫الدعوة ـ ً‬
‫() متف ق عليه من حديث معقل بن يسار (رضي اهلل عن ه) عن رسول اهلل ص‪ ،‬أخرجه البخاري يف ص حيحه‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب األحكام ‪ ،331/ 4‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلمارة ‪.1460 /3‬‬


‫() أخرجه مسلم من حديث ابن عمر عن النيب ص‪ ،‬كتاب اإلمارة ‪.1469 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() النجش ‪ :‬أن تزي د يف ال بيع ليق ع غ ريك‪ ،‬وليس من حاجت ك‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،1021 / 3‬م ادة‬ ‫‪3‬‬

‫[جنش])‪.‬‬
‫() تدابر القوم أي ‪ :‬تقاطعوا‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،655 /2‬مادة [دبر] )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه مسلم من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه) عن رسول اهلل ز‪ ،‬كتاب الرب والصلة ‪.1986 /4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪73‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫سوى ما كان يف اللقاء السري الذي جيمعهم يف دار األرقم بن أيب األرقم ( )‪ .‬وكانت العالقات‬
‫‪1‬‬

‫اخلارجي ة تتمث ل يف قي ام الن يب ز بع رض نفس ه على القبائ ل‪ ،‬وال ذي نتج من ه بيع ة العقب ة األوىل‬
‫والثانية‪ ،‬مث كانت هجرة الرسول ز وأصحابه إىل املدينة املنورة‪ ،‬حيث قامت الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫العهد المدني‬

‫في ه ب دأت الدول ة اإلس المية تتخ ذ طابعه ا‪ ،‬وتتش كل قوانينه ا‪ ،‬يف ش ئوهنا الداخلي ة‪،‬‬
‫وعالقاهتا اخلارجية‪ .‬صاحب السلطة فيها رسول اهلل ز‪ ،‬وصحابته (رضي اهلل عنهم) هم أعوانه‬
‫ووزراؤه‪ .‬ش ئوهنم الداخلي ة واخلارجي ة حتكمه ا ق وانني الش ريعة اإلس المية‪ ،‬ومنهم الرض ا‬
‫والتس ليم‪ ،‬ق د وص فهم رهبم (س بحانه وتع اىل) بقوله‪{ :‬إمنا ك ان ق ول املؤم نني إذا دع وا إىل اهلل‬
‫ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا مسعنا وأطعنا وأولئك هم املفلحون} ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكانت العالقات اخلارجية مع غريهم‪ ،‬مبنية على أساس الدعوة إىل اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل‬
‫‪ -‬فمن أسلم قُبِ َل منه و ُك َّ‬
‫ف عنه‪ ،‬واملعاندون يقاتلون حىت يعطوا اجلزية عن يد وهم صاغرون‬
‫( )‪ ،‬ق ال تع اىل يف ش أن أه ل الكت اب‪{ :‬ق اتلوا ال ذين ال يؤمن ون بالله وال ب اليوم اآلخ ر وال‬ ‫‪3‬‬

‫() ك ان امسه عب د من اف وه و ابن أس د بن عبداهلل بن عم رو بن خمزوم‪ ،‬يك ىن أب ا عبداهلل‪ ،‬من الس ابقني األولني‬ ‫‪1‬‬

‫لإلس الم‪ ،‬وك انت داره على الص فا‪ ،‬وهي ال دار ال يت ك ان الن يب ز جيلس فيه ا يف أول اإلس الم‪ ( .‬ابن حج ر‪،‬‬
‫اإلصابة ‪) 28 / 1‬‬
‫() سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.51‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه اجلزية‪ ،‬قال الشافعي (رمحه اهلل تعاىل) ‪ :‬ال تقبل اجلزية إال من أهل الكتاب‬ ‫‪3‬‬

‫عجم ا هلذه اآلية‪ .‬وقال األوزاعي ‪ :‬تؤخذ اجلزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو‬ ‫خاصة عربًا كانوا أو ً‬
‫مك ذب‪ .‬وك ذلك م ذهب مال ك‪ .‬وروي عن أيب حنيف ة أن اجلزي ة تقب ل من مجي ع الكف ار إال عب دة األوث ان من‬
‫العرب‪ .‬وهو مذهب أيب حنيفة‪( .‬انظر ‪ :‬القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ .71 ،70 / 8‬وانظر ‪ :‬ابن قدامة ‪:‬‬
‫املغين ‪.) 463 / 8‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪74‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حيرمون ما حرم اهلل ورسوله وال يدينون دين احلق من الذين أوتوا الكتاب حىت يعطوا اجلزية عن‬
‫يد وهم صاغرون } ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫انطلق جنود الرمحن من املدينة املنورة‪ ،‬من قلب الدولة اإلسالمية النابض بدعوة التوحيد‪،‬‬
‫ي دعون إىل اهلل‪ ،‬ويق اتلون من كف ر باهلل‪ ،‬وق د أي دهم اهلل جبن ده‪ ،‬وكتب هلم النص ر من عن ده‪.‬‬
‫فأخذوا يفتحون البالد تلو البالد‪ ،‬حىت دانت هلم األعراب‪ ،‬وخضعت هلم الرقاب‪ ،‬ودخل الناس‬
‫أفواج ا‪ .‬ويف آخ ر عه د الن يب ز أقبلت الوف ود إلي ه يف املدينة( )‪ ،‬طائع ة مس لمة‪ ،‬أو‬
‫‪2‬‬
‫يف دين اهلل ً‬
‫(‪)3‬‬
‫خاضعة مستسلمة‪.‬‬

‫ومن العالقات اخلارجية ما كان يبعث به رس ول اهلل ز من الرسائل الدعوية إىل امللوك‬
‫وغ ريهم‪ ،‬ككتاب ه إىل هرق ل (عظيم ال روم)‪ ،‬وكتاب ه إىل كس رى (عظيم ف ارس)‪ ،‬وكتاب ه إىل‬
‫النجاشي( ) (ملك احلبشة)‪ ،‬وكتابه إىل املقوقس (ملك مصر واإلسكندرية) وغريهم( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫أيضا ما كان يربمه رسول اهلل ز من العهود واملواثيق‪ ،‬كموادعته لليهود‪ ،‬فقد‬
‫ومن ذلك ً‬
‫أقرهم على دينهم‪ ،‬وشرط هلم واشرتط عليهم ( )‪ .‬وصلح احلديبية بينه وبني كفار مكة( )‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫السياسة في عهد الخلفاء الراشدين‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف السنة التاسعة من اهلجرة وتسمى سنة الوفود (ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪) 559 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظ ر أخب ار ه ذه الوف ود عن د الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم وامللوك ‪ 179 2‬وم ا بع دها‪ .‬وعن د ابن هش ام‪ ،‬الس رية‬ ‫‪3‬‬

‫النبوية ‪ 559 / 2‬وما بعدها‪ .‬وعند ابن القيم يف زاد املعاد ‪ 595 / 3‬وما بعدها‪.‬‬
‫() امسه أصحمة‪ ،‬معدود يف الصحابة (رضي اهلل عنهم)‪ ،‬وكان ممن حسن إسالمه ومل يهاجر‪ ،‬وال له رؤية‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫تويف يف عهد النيب ص فصلى عليه بالناس صالة الغائب‪( .‬انظر ‪ :‬الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.)443-1/428‬‬
‫() انظر نصوص هذه الكتب وغريها عند ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪ 688 / 3‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() ابن هشام السرية النبوية ‪.501 /1‬‬ ‫‪6‬‬

‫() انظر ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ 316 / 2‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪75‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫( ا ) أبو بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫قبض رس ول اهلل ز ومل ي وص باخلالف ة تص رحيًا ألح د من الن اس‪ ،‬غ ري أن ه أم ر أب ا بك ر ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬أن يصلي بالناس يف مرضه‪ ،‬إحياءً بأحقيته باخلالفة من بعده‪ .‬ووقع اخلالف بني‬
‫املهاجرين واألنصار فيمن تكون اخلالفة‪ ،‬فاجتمعوا يوم السقيفة فأقنعهم أبو بكر بأن اخلالفة يف‬
‫إسالما‪ .‬فتقدم عمر بن اخلطاب (رضي اهلل‬
‫ً‬ ‫دارا ونسبًا‪ ،‬وأوهلم‬
‫املهاجرين‪ ،‬فهم أوسط العرب ً‬
‫عنه ) وبايع أبابكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬وتوافد الناس على بيعته ومت األمر وقضي على‬
‫اخلالف يف مهده ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وم ا أن تقل د أب و بك ر اخلالف ة ح ىت جنم النف اق‪ ،‬واش رأبت اليه ود والنص ارى‪ ،‬وأص بح‬
‫املسلمون ك الغنم يف الليل ة املط رية الشاتية ؛ لفق د ن بيهم ز وقلة عددهم‪ ،‬وكثرة ع دوهم‪ .‬وملا‬
‫اش تهرت وف اة الن يب ز ب النواحي ارت دت طوائ ف كث رية من الع رب‪ ،‬منهم من ت رك اإلس الم‬
‫بالكلية‪ ،‬ومنهم من منع الزكاة‪ .‬وكان الناس يف مانعي الزكاة على رأيني‪-:‬‬

‫األول‪ :‬عدم مقاتلتهم‪ ،‬مستدلني حبديث رسول اهلل ز‪ { :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال‬
‫إل ه إال اهلل‪ .‬فمن ق ال ال إل ه إال اهلل فق د عص م م ين مال ه ونفس ه إال حبق ه‪ ،‬وحس ابه على‬
‫اهلل }( )‪ .‬وعلى رأس أصحاب هذا الرأي عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ 234 / 2‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() متفق عليه من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه )‪ ،‬أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الزكاة ‪/ 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .431‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪.51 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪76‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الثاني‪ :‬قتاهلم على منع الزكاة‪ ،‬وعلى رأس أصحاب هذا الرأي أبو بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ ،-‬واحتج بقول ه‪ { :‬واهلل ! ألق اتلن من ف رق بني الص الة والزك اة‪ ،‬ف إن الزك اة ح ق‬
‫املال‪ ،‬واهلل ! لو منعوين عقااًل ( ) كانوا يؤدونه إىل رسول اهلل ز لقاتلتهم على منعه }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫أعلن أبو بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف بداية خالفته انتهاجه سياسة الرسولص حىت‬
‫ولو شق عليه ذلك‪ ،‬ويدل على هذا عزمه على إنفاذ جيش أسامة( ) حيث يقول‪{ :‬والذي ال إله‬
‫‪3‬‬

‫جيش ا وجهه رسول اهلل ص‪،‬‬


‫غريه لو جرت الكالب بأرجل أزواج رسول اهلل ص ما رددت ً‬
‫وال حللت لواءً عقده رسول اهلل ص} ( )‪ .‬وسار أبو بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف كبح‬
‫‪4‬‬

‫مجاح اجلاحمني‪ ،‬وقت ال املرت دين‪ ،‬فقات ل مبن أطاع ه من عص اه‪ ،‬وض رب من أدب ر منهم مبن أقب ل‪،‬‬
‫كره ا‪ .‬وانتظم أم ر اإلس الم‪ ،‬ومحد‬
‫طوع ا أو ً‬
‫مجيع ا حلكم اهلل‪ ،‬ودخل وا اإلس الم ً‬
‫ح ىت أص اخوا ً‬
‫الناس أليب بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬رأيه‪ ،‬وعرفوا له مكانته وفضله‪ .‬وسـار بالناس يف‬
‫متبعا أمـر اهلل‪ ،‬وه ــدي رسول اهلل ز‪.‬‬
‫سـياسته ً‬

‫وملا ف رغ من ح روب ال ردة اجته لبس ط نف وذ الدول ة اإلس المية‪ ،‬ونش ر اإلس الم يف س ائر‬
‫صلحا أوحربًا‪ ،‬يف العراق والشام( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫األوطان‪ ،‬ففتح أجزاء من بالد الفرس والروم ً‬

‫() هكذا يف مسلم (عق ااًل ) وكذا يف بعض روايات البخاري‪ ،‬ويف بعضها (عناقً ا)‪ ،‬وهي األنثى من ولد املعز‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وكالمها ص حيح‪ ،‬وه و حمم ول على أن ه ك رر اللف ظ م رتني‪ ،‬فق ال م رة ‪ :‬عق ااًل ‪ .‬ويف األخ رى عناقً ا‪ .‬ورواي ة‬
‫(عقااًل ) اختلف فيها العلماء قدميًا وحديثًا‪ ،‬فذهب مجاعة منهم إىل أن املراد بالعقال زكاة عام‪ ،‬وهو معروف يف‬
‫اللغة بذلك‪ .‬وذهب كثري من احملققني إىل أن املراد بالعقال احلبل الذي يعقل به البعري‪( .‬انظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح‬
‫صحيح مسلم ‪.) 208 / 1‬‬
‫() أخرجه مسلم‪ ،‬وهو عنده تتمة للحديث السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن زي د بن حارث ة بن ش راحيل الكل يب‪ ،‬احلب ابن احلب‪ ،‬وأم ه أم أمين‪ّ ،‬أم ره رس ول اهلل ص على جيش‬ ‫‪3‬‬

‫عاما‪ ،‬تويف سنة ‪ 54‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.) 31 / 1‬‬ ‫عظيم وعمره قرابة الثمانية عشر ً‬
‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.305 / 6‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪77‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫( ب ) عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫ت وىل عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬اخلالف ة باس تخالف من أيب بك ر الص ديق ‪-‬‬
‫احلرص على نشر الدعوة‪ ،‬فقد كان شغله‬
‫َ‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ ) (-‬فكان مبدؤه يف سياسته اخلارجية‬ ‫‪1‬‬

‫وعرض ا‪ ،‬وشرقًا‬
‫ً‬ ‫الشاغل أن يعم اإلسالم األرض يف كافة أقطارها املتباعدة‪ ،‬فمد الفتوح ط واًل‬
‫وغربًا‪ .‬فاستوىل على الشام كلها‪ ،‬وبالد فارس‪ ،‬واستمرت جيوشه يف التقدم شرقًا حىت وصلت‬
‫هنر جيح ون( )‪ ،‬واس توىل على مص ر‪ ،‬واس تمرت جيوش ه يف التق دم غربً ا ح ىت وص لت إىل‬ ‫‪2‬‬

‫طرابلس( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومما استجد يف السياسة الداخلية لعمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عزمه على ختليص‬
‫اجلزيرة من اليهود والنصارى‪ .‬فأما اليهود فأجالهم إىل الشام‪ ،‬وأما النصارى فقد أخرجهم إىل‬
‫أرض ا تشبه أرضهم بنجران‪ ،‬كذلك فعل‬
‫خريا‪ ،‬وأمره أن يعوضهم ً‬
‫العراق‪ ،‬وأوصى عامله هبم ً‬

‫() انظر تفاصيل هذه الفتوح عند البالذري‪ ،‬فتوح البلدان ص ‪ 111‬وما بعدها‪ .‬وعند الطربي‪ ،‬تاريخ األمم‬ ‫‪5‬‬

‫وامللوك جـ‪ 2‬حوادث سنة ‪ 13 ،12‬من اهلجرة‪ ..‬وكذلك عند ابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ جـ‪ 2‬حوادث سنة‬
‫‪ 13 ،12‬من اهلجرة‪.‬‬
‫() انظر ‪ :‬الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .353 ،352 / 2‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪.80 ،79 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.144‬‬


‫() هنر كب ري بآس يا الوس طى‪ ،‬امسه عن د اإلنف رنج (اكس وس) إلي ه تنسب اجله ة املشهورة عن د الع رب ببالد م ا‬ ‫‪2‬‬

‫وراء النهر‪( .‬حممد فريد وجدي‪ ،‬دائرة معارف القرن العشرين ‪.278 / 3‬‬
‫() انظ ر تفاص يل الفت وح عن د الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك جـ ‪ ،1‬ح وادث س نة ‪ 13‬وم ا بع دها‪ .‬وابن كث ري‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية ‪ 19 / 7‬وما بعدها‪ .‬والبالذري‪ ،‬فتوح البلدان ص ‪ 118‬وما بعدها‪ .‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء‬
‫ص ‪ 144‬ـ ‪ .146‬وحممود شاكر‪ ،‬التاريخ اإلسالمي (اخللفاء الراشدون) ص ‪ 143‬ـ ‪.190‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪78‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫م ع اليه ود يف بالد الش ام( )‪ .‬وك ان ه ذا اإلجالء تنفي ًذا لوص ية رس ول اهلل ص عن د موت ه حيث‬
‫‪1‬‬

‫(‪.)2‬‬
‫قال‪ { :‬أخرجوا املشركني من جزيرة العرب}‬

‫دون عمر الدواوين‪ ،،‬وفرض الفروض‪ ،‬وأعطى العطاء‬


‫أيض ا َّ‬
‫ويف إطار السياسة الداخلية ً‬
‫وأشهرا‪ ،‬ال يطمع قوي يف حلمه‪ ،‬وال يقنط‬
‫ً‬ ‫على السابقة( )‪ .‬بقي عمر يف اخلالفة عشرة أعوام‬ ‫‪3‬‬

‫ضعيف من عدله‪ ،‬بل ألزم القوي حده‪ ،‬وحفظ للضعيف حقه‪.‬‬

‫(جـ ) عثمان بن عفان (رضي اهلل عنه )‬

‫آلت اخلالفة إىل عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من بني الستة أهل الشورى الذين‬
‫عينهم عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) (-‬‬
‫‪4‬‬

‫ويل عثم ان اخلالف ة اثن يت عش رة س نة‪ ،‬يعم ل س ت س نني ال ينقم الن اس علي ه ش يًئا‪ ،‬مث ع اب‬
‫أمورا هو فيها معذور( )‪ .‬ووسع الدولة اإلسالمية يف عهده‪ ،‬ففتح إفريقية‪،‬‬
‫الناس عليه بعد ذلك ً‬
‫‪5‬‬

‫() انظر ‪ :‬د‪ .‬حممد السيد الوكيل‪ ،‬جولة تارخيية يف عصر اخللفاء الراشدين ص ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬

‫() متف ق علي ه من ح ديث ابن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا)‪ ،‬أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب اجله اد‬ ‫‪2‬‬

‫والسري ‪ .373 / 2‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الوصية ‪.1257 / 3‬‬


‫() ق ال أب و هري رة (رض ي اهلل عن ه) ‪ :‬ف رض للمه اجرين األولني مخس ة آالف مخس ة آالف‪ ،‬ولألنص ار أربع ة‬ ‫‪3‬‬

‫آالف أربع ة آالف‪ ،‬وألمه ات املؤم نني اث ين عش ر أل ًف ا اث ين عش ر أل ًف ا‪( .‬انظ ر ‪ :‬ال ذهيب‪ ،‬اخللف اء الراش دون ص‬
‫‪ .102‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.) 144‬‬
‫() وهم عثمان بن عفان‪ ،‬وعلي بن أيب طالب‪ ،‬وطلحة بن عبيد اهلل‪ ،‬والزبري بن العوام‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وعب دالرمحن بن ع وف (رض ي اهلل عنهم أمجعني) وحترج أن جيعله ا لواح د من ه ؤالء على التع يني‪ ،‬وق ال ‪ :‬ال‬
‫أحتملها حيًا وميتًا‪( .‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.) 144 / 7‬‬
‫() انظر ‪ :‬الذهيب‪ ،‬اخللفاء الراشدون ص ‪.159‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.173‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪79‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأرمينية‪ ،‬وقربص‪ ،‬وخراسان‪ ،‬وسجستان‪،‬‬


‫وغريها من البلدان( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف آخر عهده (رضي اهلل عنه ) دخل يف اإلسالم قوم من اليهود‪ ،‬تظاهروا باإلسالم ومل‬
‫يتبطن وه‪ ،‬وعلى رأس هم ذل ك الطاغي ة املدعو بعبداهلل بن س بأ اليه ودي احلم ريي‪ .‬وجع ل ه ذا‬
‫اخلبيث ينفخ يف بوق الفتنة ويؤلب الناس على عثمان يف خمتلف األقطار‪ ،‬حىت كان ما كان من‬
‫اضطراب أمور الناس‪ ،‬وحصول الفرقة والنزاع بني املسلمني‪ ،‬وانتهى ذلك بقتل اخلليفة يف بيته‬
‫ظلم ا بتل ك األي دي األثيم ة‪ .‬ولن ا أن نتص ور نص يب علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف‬
‫ً‬
‫ه ذه احملن ة‪ ،‬يق ول العق اد( )‪{ :‬أم ا علي فق د ك ان موقف ه أص عب موق ف يتخيل ه العق ل يف تل ك‬
‫‪2‬‬

‫األزمة احملفوفة باملصاعب من كل جانب‪ .) (} ..‬ومنذ ذلك احلني انصدع بناء املسلمني‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫( د ) علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬باخلالفة بع د مقت ل عثم ان بن عف ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪،-‬‬


‫بوي ع ٌّ‬
‫عظيم ا‪ ،‬ف القلوب متفرق ة‪ ،‬ون ار الفتن ة متوق دة‪،‬‬
‫ف ويل اخلالف ة يف زمن امتحن في ه الن اس امتحانً ا ً‬
‫ومدينة رسو ل اهلل‪.‬ز تعج بالثائرين الذين قتلوا خليفة املسلمني عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ ،-‬وأض حى الث وار هم أص حاب األم ر والنهي‪ ،‬أض ف إىل ذل ك غي اب كث ري من الص حابة عن‬
‫املدينة‪ ،‬ورحيل البعض اآلخر بسبب ما حصل من الفتنة‪ ،‬ويف هذه الظروف احلرجة‪ ،‬ووسط‬
‫األحداث املؤملة توىل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬اخلالفة‪.‬‬

‫() انظر تفاصيل هذه الفتوح عند الطربي ‪ 591 / 2‬وما بعدها‪ .‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ 151 / 7‬وما‬ ‫‪1‬‬

‫بعدها‪.‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.172 ،171‬‬


‫() عباس بن حممود بن إبراهيم بن مصطفى العقاد‪ ،‬ولد يف أسوان سنة ‪ 1306‬هـ‪،‬إمام يف األدب‪ ،‬مصري‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫من املكثرين كتابة وتصني ًفا‪ ،‬تويف سنة ‪ 1383‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.)266 / 3‬‬
‫() عبقرية اإلمام علي ص ‪.63‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪80‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يقول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذه احلال‪ { :‬سبق رسول‬
‫اهلل ص وصلى أبو بكر وثلث عمر‪ ،‬مث خبطتنا فتنة ويعفو اهلل عمن يشاء}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف هذه الظروف خرجت أم املؤمنني عائشة( ) (رضي اهلل عنها) وطلحة والزبري (رضي‬
‫‪2‬‬

‫اهلل عنهما) إىل البصرة يف طائفة من الناس‪ ،‬فسار إليهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫فكانت وقعة اجلمل يف مجادى اآلخرة سنة ست وثالثني ‪ .‬وخرج عليه معاوية بن أيب سفيان‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ومن معه بالشام‪ ،‬فبلغ ذلك عليً ا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فسار إليهم يف صفر‬
‫سنة سبع وثالثني‪ .‬وخرجت اخلوارج ممن كان مع علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وعسكروا حبروراء‪،‬‬
‫مث توجهوا بعد ذلك إىل النهروان( ) فسار إليهم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقاتلهم( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫إن ه االبتالء العظيم أن خيرج على أم ري املؤم نني طائف ة من الن اس‪ ،‬هلم س ابقتهم وفض لهم‪،‬‬
‫ومكانتهم يف قلوب املسلمني‪ ،‬يصفهم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بقوله‪:‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ .‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪.170 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأخرجه احلاكم يف املستدرك‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخني‪ ،‬ومل خيرجاه‪ .‬ووافقه الذهيب‪ .‬املستدرك مع‬
‫التلخيص ‪.67 / 3‬‬
‫حاجةً‪.‬‬
‫() مل تكن عائشة يف املدينة حني مقتل عثمان (رضي اهلل عنه)‪ ،‬بل كانت يف مكة َّ‬ ‫‪2‬‬

‫() بني بغداد وواسط‪ ،‬من اجلانب الشرقي‪ ،‬حدها األعلى متصل ببغداد (انظر ‪ :‬ياقوت احلموي‪ ،‬معجم البلدان‬ ‫‪3‬‬

‫‪)5/325‬‬
‫() انظر ‪ :‬السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.196 ،195‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪81‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫{بليت بأربعة ‪ :‬أطوع الناس يف الناس‪ :‬عائشة أم املؤمنني‪ ،‬وأشد الناس‪ :‬الزبري‪ ،‬وأعبد الناس‪:‬‬
‫حممد بن طلحة بن عبيد الله( )‪ ،‬وأسخى الناس‪ :‬يعلى بن منية( )‪ ،‬كان يعلى يعطي الرجل‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفرسا‪ ،‬ويقول‪ :‬أخرج قاتل عليًا }( )‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫دينارا ً‬
‫ثالثني ً‬

‫ومل يكن ه ذا فحس ب‪ ،‬ب ل تنغص ت األم ور على أم ري املؤم نني‪ ،‬واض طرب علي ه جيش ه‪،‬‬
‫وخالف ه أه ل الع راق‪ ،‬ونكل وا عن القي ام مع ه‪ .‬واس تفحل أم ر أه ل الش ام‪ ،‬فص الوا وج الوا ميينً ا‬
‫ومشااًل ‪ ،‬وكلم ا ازداد أه ل الش ام ق وة ض عف أه ل الع راق‪ ،‬ه ذا وأم ريهم علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬خري أهل األرض يف ذلك الزمان‪ ،‬أعبدهم وأزهدهم‪ ،‬وأعلمهم وأخشاهم هلل‬
‫عز وجل‪ .‬مع هذا كله كره احلياة ومتىن املمات‪ ،‬وذلك لكثرة الفنت‪ ،‬وظهور احملن‪ ،‬فكان يكثر‬
‫(‪)4‬‬
‫ما يقول‪ { :‬ما حيبس أشقاها ‪ -‬أي ما ينتظر ‪ -‬ماله ال يقتل ؟}‬

‫يوم ا‪ ،‬ملا فيها من‬


‫ف اخلالفة ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ً -‬‬
‫ص ُ‬
‫مل تَ ْ‬
‫األمور العظام من تفرق مجاعة املسلمني‪ .‬ومل يكن يف عهده فتح ملا حصل يف الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫وانشغاله يف رأب الصدع‪ ،‬ومل الشمل‪ ،‬وتوحيد كلمة املسلمني‪.‬‬

‫() امللقب بالسجاد لعبادته وتأهله‪ ،‬ولد يف حياة النبيي ص‪ ،‬قتل شابًا يوم اجلمل‪ ،‬ومل يزل به أبوه حىت سار‬ ‫‪1‬‬

‫معه‪ ،‬وأمه محنة بنت جحش‪( .‬الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.)368 / 4‬‬
‫() يعلى بن أمي ة بن أيب عبي دة التميمي املكي‪ .‬ومني ة أم ه وهي بنت غ زوان أخت عتب ة بن غ زوان‪ .‬أس لم يعلى‬ ‫‪2‬‬

‫يوم الفتح وحسن إسالمه‪ ،‬بقي إىل قريب الستني‪( .‬الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.100 / 3‬‬
‫() العجلي‪ ،‬تاريخ الثقات ص ‪.348‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .324 / 7‬واألثر أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.38 / 14‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪82‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الوجه االجتماعي‬

‫ماذا نقصد بالوجه االجتماعي‬

‫الوج ه االجتم اعي ه و ذل ك النم ط من الس لوك الس ائد يف اجلماع ة عن د الع رب يف ذل ك‬
‫العصر‪ ،‬على اختالف فرتاته‪ :‬فرتة ما قبل اإلسالم‪ ،‬وما بعد اإلسالم‪ .‬وما طرأ على هذا السلوك‬
‫من التغري‪.‬‬

‫أواًل ‪ :‬حالة العرب قبل اإلسالم‬

‫األخالق‬

‫كانت العرب قبل اإلسالم قد أصاهبا يف أخالقها ما أصاهبا يف دينها‪ ،‬فقد فشا فيهم اخلمر‬
‫وامليسر‪ ،‬وانتشرت فيهم القيان وجمالس اللهو‪ ،‬وقد وجد فيهم الظلم والقسوة‪ ،‬وغمط الناس‪،‬‬
‫وبطر احلق‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫ولق دبني اهلل (س بحانه وتع اىل) ش يًئا من ح ال اجلاهلي ة يف كتاب ه الك رمي‪ ،‬ويف ذل ك يق ول‬
‫عبداهلل بن عب اس يف ذل ك‪{ :‬إذا س رك أن تعلم جه ل الع رب ف اقرأ م ا ف وق الثالثني ومائ ة من‬
‫سفها بغري علم ـ إىل قوله ـ قد ضلوا وما كانوا‬
‫سورة األنعام {قد خسر الذين قتلوا أوالدهم ً‬
‫مهتدين}( )}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.140‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املناقب ‪.510 /2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪83‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويصور جعفر بن أيب طالب( ) ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هذه احلال للنجاشي يف هجرة املسلمني‬
‫‪1‬‬

‫قوما أهل جاهلية نعبد األصنام‪ ،‬ونأكل امليتة‪ ،‬ونأيت الفواحش‪،‬‬


‫إىل احلبشة‪ ،‬حيث يقول‪ { :‬كنا ً‬
‫ونقطع األرحام‪ ،‬ونسيء اجلوار‪ ،‬ويأكل القوي منا الضعيف }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫و‬
‫يف بعض أشعارهم ما يدل على أحواهلم‪ ،‬كما يقول زهري بن أيب سلمى( )‪-:‬‬
‫‪3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫يهدم ومن ال يظلم الناس يظلم‬ ‫ومن ال يذد عن حوضه بسالحه‬
‫وكان قضاء اللذة واملتعة هي الغاية اليت إليها يسعون‪ ،‬وهبا يفتخرون‪ ،‬يقول يف ذلك طرفة( ) يف‬
‫‪5‬‬

‫معلقته( )‪-:‬‬
‫‪6‬‬

‫(‪)7‬‬
‫قام عُ َّو ِدي‬ ‫وجدِّك مل ِ‬ ‫الث ُه َّن من َّلذة ال َفىت‬
‫َأحف ْل مىت َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َولَ ْوال ثَ ٌ‬
‫ِِ ( )‬ ‫ُكمي ٍ‬ ‫بش ٍ‬ ‫فَ ِمْنه َّن سبقي الع ِ‬
‫‪8‬‬
‫ت مىت ما تُ ْع َل باملاء تـُْـزبد‬ ‫َْ‬ ‫ـربة‬ ‫ـاذالت َ‬ ‫ُ َ‬

‫() جعفر بن أيب طالب بن عبد املطلب‪ ..‬ابن عم النيب ص وأحد السابقني إىل اإلسالم‪ ،‬كان النيب ص يكنيه أبا‬ ‫‪1‬‬

‫املساكني‪ ،‬هاجر إىل احلبشة فأسلم النجاشي ومن تبعه على يديه‪ ،‬ورجع منها والنيب ص خبيرب‪ .‬واستشهد مبؤتة‬
‫سنة مثان ( انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪ 237 / 1‬ـ ‪.) 238‬‬
‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.336 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫شاعرا‪،‬‬
‫شاعرا‪ ،‬وخاله ً‬‫() من مضر‪ ،‬حكيم الشعراء يف اجلاهلية‪ ،‬وكان له يف الشعر ما مل يكن لغريه‪ ،‬كان أبوه ً‬
‫‪3‬‬

‫وأخته سلمى شاعرة‪ ،‬وابناه كعب وجبري شاعرين‪( .‬انظر ‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.)52 / 3‬‬
‫() شرح ديوان زهري بن أيب سلمى‪ ،‬تعليق سيف الدين الكاتب وأمحد عصام الكاتب ص ‪.110‬ومجهرة أشعار‬ ‫‪4‬‬

‫العرب‪ ،‬أليب زيد حممد بن أيب اخلطاب القرشي‪ ،‬ص ‪.147‬‬


‫() ابن العبد بن سفيان بن سعد‪ ،‬البكري‪ ،‬الوائلي‪ ،‬أبو عمرو‪ .‬شاعر جاهلي من الطبقة األوىل‪ .‬ولد يف بادية‬ ‫‪5‬‬

‫البحرين‪ ،‬وتنقل يف بقاع جند‪ ،‬تويف سنة ‪ 60‬قبل اهلجرة‪ ،‬وهو ابن عشرين أو ست وعشرين سنة‪( .‬الزركلي‪،‬‬
‫األعالم ‪.)225 / 3‬‬
‫() انظر املعلقة يف كتاب ‪ :‬شرح ديوان طرفة بن العبد‪ ،‬تقدمي وتعليق سيف الدين الكاتب وزميله‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪6‬‬

‫() وجدك ‪ :‬الواو للقسم‪ ،‬أي وعمرك‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬مل أحفل ‪ :‬مل أبال وأهتم‪ .‬عُ َّودي ‪ :‬مجع عائد‪ ،‬وهو‬ ‫‪7‬‬

‫الذي يزور املريض‪ .‬ومعىن مىت قام عودي ‪ :‬أي مىت ذهبوا يائسني من حيايت‪ ،‬أي مىت مت‪.‬‬
‫باكرا قبل أن ينتبهن‪ُ .‬كميت ‪ :‬اسم من أمساء اخلمرة ملا فيها من سواد ومحرة‪.‬‬
‫() سبقي العاذالت ‪ :‬شريب اخلمر ً‬
‫‪8‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪84‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ومتلَ ِدي‬
‫وبَيعي وإنفـاقي طَـريفي ُ‬ ‫مور ولَ َّذيت‬ ‫()‬
‫زال تَشرايب اخلُ َ‬
‫‪1‬‬
‫وما َ‬
‫وم ع ه ذا كل ه ف إن فيهم بعض األخالق احلمي دة‪،‬فك ان منهم ق وم يص لون ال رحم‪،‬‬
‫ويطعمون املسكني‪ ،‬ويقرون الضيف‪ ،‬ويفكون العاين‪ ،‬وحيسنون اجلوار‪ ،‬وممن كان يفعل ذلك‬
‫عبداهلل بن ج دعان‪ ،‬ملا ورد عن عائش ة (رض ي اهلل عنه ا) ق الت‪ :‬قلت ي ا رس ول اهلل! ابن‬
‫ج دعان‪ .‬ك ان يف اجلاهلي ة يص ل ال رحم‪ ،‬ويطعم املس كني‪ .‬فه ل ذاك نافع ه ؟ ق ال‪ { :‬ال ينفع ه‬
‫يوم ا‪:‬رب اغف ر يل خطيئيت ي وم ال دين }( )‪.‬وك ان فيهم من حيم ل‬
‫‪3‬‬
‫ذل ك؛ إن ه مل يق ل ً‬
‫الكل( )‪،‬ويكس ب املع دوم( )‪،‬ويعني على ن وائب احلق( )‪.‬وك ان منهم من حيرص على ص يانة‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫األعراض وحيرتم حقوق اجلار كما يقول عنرتة‪:‬‬


‫وإذا غزا يف اجليش ال أغشاها‬ ‫أغشى فَتاة احل ِّـي عنــد حليــلها‬
‫حىت ي ـ ــواري جاريت مأواها‬ ‫وأغض طريف ما بَ َدت يل جاريت‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ـليقة ِ‬
‫إين امرٌؤ مَسْح اخلـ ـ ِ‬
‫ال ُأتْب ُع النفس اللَّ ُج َ‬
‫(‪)7‬‬
‫وج هواها‬ ‫ماج ـ ٌد‬ ‫ُ‬

‫() التش راب ‪ :‬الش رب‪ ،‬وتفع ال من أوزان املصادر‪ ،‬مث ل التقت ال مبعىن القتل‪ ،‬والتنقاد مبعىن النقد‪( .‬ال زوزين‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫شرح املعلقات السبع ص ‪.) 59‬‬


‫() الطريف ‪ :‬املال املستحدث‪ .‬واملتلد ‪ :‬املال املوروث‪ .‬واألبيات املذكورة من معلقة طرفة بن العبد‪(.‬حممد بن‬ ‫‪2‬‬

‫أيب اخلط اب القرش ي‪ ،‬مجه رة أش عار الع رب‪ ،‬ش رح وض بط األس تاذ علي ف اعور ص ‪ .204 ،203‬وانظ ر ‪:‬‬
‫الزوزين‪ ،‬شرح املعلقات السبع ص ‪.) 60 ،59‬‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪.196 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الكل أصله الثقل‪ ،‬ومنه قوله تعاىل { وهو كل على مواله} ويدخل يف مجل الكل اإلنفاق على الضعيف‬ ‫‪4‬‬

‫واليتيم والعيال‪ ،‬وغري ذلك (انظر ‪ :‬العيين‪ ،‬عمدة القاري ‪ .) 50 / 1‬ومما يدل على األخالق املذكورة ما ورد‬
‫يف وصف النيب صلى اهلل عليه وسلم قبل البعثة‪ ،‬من كالم خدجية (رضي اهلل عنها ) يف حديث نزول الوحي ‪:‬‬
‫البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح ‪.14/ 1‬‬
‫() وهو الفقري‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫شرا‪ ( .‬العيين‪ ،‬عمدة القاري ‪.) 51 / 1‬‬ ‫خريا أو ً‬


‫() النوائب مجع نائبة‪ ،‬وهي احلادثة والنازلة‪ً ،‬‬
‫‪6‬‬

‫() ديوان عنرتة‪ ،‬حتقيق ودراسة حممد سعيد مولوي‪ ،‬ص ‪.308‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪85‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫النكاح وما يتعلق بالمرأة‬

‫لقد َّبينَت أم املؤمنني عائشة (رضي اهلل عنها) أن النكاح يف اجلاهلية كان على أربعة أحناء‬
‫هي( )‪-:‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -1‬نك اح منه ا نك اح الن اس الي وم‪ ،‬خيطب الرج ل إىل الرج ل وليت ه‪ ،‬أو ابنت ه‪ ،‬فيص دقها مث‬
‫ينكحها‪.‬‬

‫‪ -2‬ك ان الرج ل يق ول المرأت ه إذا طه رت من طمثه ا‪ :‬أرس لي إىل فالن فاستبض عي من ه‪،‬‬
‫أبدا‪ ،‬حىت يتبني محلها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه‪،‬‬
‫ويعتزهلا زوجها‪ ،‬وال ميسها ً‬
‫فإذا تبني محلها أصاهبا زوجها إذا أحب‪ .‬وإمنا يفعل ذلك رغبة يف جنابة الولد‪ ،‬فكان هذا‬
‫النكاح نكاح االستبضاع‪.‬‬

‫‪ -3‬جيتم ع الره ط م ادون العش رة في دخلون على املرأة كلهم يص يبها‪ ،‬ف إذا محلت ووض عت‬
‫وم رت لي ال بع د أن تض ع محله ا أرس لت إليهم‪ ،‬فلم يس تطع رج ل منهم أن ميتن ع ح ىت‬
‫جيتمع وا عن دها‪ ،‬مث تق ول‪ :‬قد ع رفتم ال ذي ك ان من أم ركم‪ ،‬وق د ول دت‪ ،‬فه و ابن ك ي ا‬
‫فالن‪ ،‬تسمي من أحبت بامسه‪ ،‬فيلحق به ولدها‪ ،‬ال يستطيع أن ميتنع منه الرجل‪.‬‬

‫‪ -4‬جيتمع الناس الكثري فيدخلون على املرأة ال متنع من جاءها‪ ،‬وهن البغايا‪ ،‬كن ينصنب على‬
‫علم ا‪ ،‬فمن أرادهن دخ ل عليهن‪ ،‬ف إذا محلت إح داهن ووض عت‬
‫أب واهبن راي ات تك ون ً‬

‫() وهذا يف حديث أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح ‪ .370 /3‬وأبو داود يف سننه ‪.702 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪86‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫محلها مجعوا هلا ودعوا القافة( )‪ ،‬مث أحلقوا ولدها بالذي يرون‪ ،‬فالتاطته( ) به ودعي ابنه ال‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ميتنع من ذلك‪.‬‬

‫ومل تتوقف مكانة املرأة يف اجلاهلية عند هذا احلد‪ ،‬بل كانت غري مرغوب فيها عندهم‪،‬‬
‫مسودا وهو كظيم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ويسوء الرجل منهم أن يولد له أنثى { وإذا بشر أحدهم باألنثى ظل وجهه‬
‫يت وارى من الق وم من س وء م ا بش ر ب ه أميس كه على ه ون أم يدس ه يف ال رتاب أال س اء م ا‬
‫حيكم ون }( )‪ ،‬فه و يف ه ذه احلال بني أم رين‪ :‬إم ا أن ميس كها مهان ة‪ ،‬وإم ا أن ي دفنها حي ة‬ ‫‪3‬‬

‫فيتخلص منها‪ ،‬وهذا ما يعرف بوأد البنات( ) { وإذا املوؤدة سئلت‪ .‬بأي ذنب قتلت }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫كم ا ك ان الن اس يف اجلاهلي ة حيرم ون النس اء من املرياث‪ ،‬ق ال س عيد بن جب ري وقت ادة( )‪:‬‬
‫‪6‬‬

‫ك ان املش ركون جيعل ون املال للرج ال الكب ار‪ ،‬وال يورث ون النس اء‪ ،‬وال األطف ال( )‪ .‬كم ا ك ان‬
‫‪7‬‬

‫()‬
‫موجودا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عضل النساء( )‪ ،‬واإلضرار هبن يف الطالق‬
‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬

‫() مجع ق ائف‪ ،‬وه و ال ذي يع رف ش به االبن بأبي ه بعالم ات دقيق ة وآث ار خفي ة‪( .‬ابن حج ر‪ ،‬فتح الب اري‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)9/185‬‬
‫() أي أحلقته به‪ ،‬ونسبته إليه‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.)9/185‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬اآليتان ‪.59 ،58‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬ابن كث ري‪ ،‬تفس ري الق رآن العظيم ‪ .574 / 2‬والقرط يب‪ ،‬اجلامع ألحك ام الق رآن ‪ .78 / 10‬وق ال‬ ‫‪4‬‬

‫القرط يب عن قت ادة ‪ :‬ك ان مض ر وخزاع ة ي دفنون البن ات أحي اء‪ ،‬وأش دهم يف ذل ك متيم‪ .‬زعم وا خ وف القه ر‬
‫عليهم‪ ،‬وطمع غري األكفاء فيهن‪ .‬وكان ناجية عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إىل والد البنت إباًل‬
‫يستحييها بذلك‪.‬‬
‫() سورة التكوير‪ ،‬اآليتان ‪.9 ،8‬‬ ‫‪5‬‬

‫() قتادة بن دعامة بن قتادة‪ ...‬الدوسي البصري‪ ،‬ولد أكمه‪ ،‬قال عنه ابن حبان يف الثقات ‪ :‬كان من علماء‬ ‫‪6‬‬

‫الن اس يف الق رآن والفق ه ومن حف اظ أهل زمان ه‪ .‬انتهى‪ .‬م ات بواس ط س نة ‪ 117‬هـ وقي ل ‪( .18‬ابن حج ر‪،‬‬
‫هتذيب التهذيب ‪.) 311 - 306 / 8‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .455 / 2‬والقرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪.31 / 5‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪87‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما جتدر اإلشارة إليه أن هذه املكانة للمرأة ليست عامة عند كل العرب يف اجلاهلية‪ ،‬بل‬
‫هناك طوائف من العرب تقدر املرأة‪ ،‬وتعرف هلا حقها‪ ،‬وتعطيها حقوقها‪ ،‬كحقها يف اإلرث‪،‬‬
‫ومزاولة التجارة‪ ،‬واإلجارة ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫األسرة ونظامها في الجاهلية‬

‫تعتمد األسرة يف اجلاهلية على الرجل فهو صاحبها وعائلها‪ ،‬وكانوا حيرمون ما حرم اهلل‪،‬‬
‫إال امرأة األب‪ ،‬واجلمع بني األختني‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل{وال تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء‬
‫}( )‪ .‬وك انوا يرس لون أوالدهم بع د والدهتم إىل البادي ة‬ ‫‪2‬‬
‫}‪ { ،‬وأن جتمع وا بني األخ تني‬
‫للرضاعة‪ ،‬والنشأة يف جو البادية‪ ،‬وكان رسول اهلل ص قد اسرتضع يف بين سعد بن بكر( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومما يتعلق ب أمر األس رة يف اجلاهلية‪ ،‬م ا ك ان يفعل ه بعض الرج ال من تب ين ول ٍد‪ ،‬فيدعيه‬
‫وينسبه إليه‪ ،‬ويعامله معاملة االبن‪ ،‬فيخلو مبحارمه‪ ،‬وال يتزوج امرأته‪ ،‬ويرث من مرياثه( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫كم ا أن من الع ادات املش ينة عن دهم يف املرأة املت وىف عنه ا زوجه ا‪ ،‬م ا أخ ربت ب ه زينب‬
‫بنت أم س لمة (رض ي اهلل عنه ا)‪ ،‬ق الت‪ { :‬ك انت املرأة يف اجلاهلية إذا ت ويف عنه ا زوجه ا‪،‬‬

‫ظلم ا‪( .‬انظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‬ ‫() العضل يف اللغة هو احلبس‪ ،‬وعضل الرجل املرأة أي منعها الزوج ً‬
‫‪8‬‬

‫‪ ،451 / 11‬مادة [عضل]‬


‫() ومن ذل ك مثاًل ‪ :‬الطالق بال ح دود‪ ،‬وطالق الظه ار‪ ،‬وطالق اإليالء‪( .‬انظ ر ‪ :‬د‪ .‬أمحد أب ابطني‪ ،‬املرأة‬ ‫‪9‬‬

‫املسلمة املعاصرة ص ‪.) 54 - 50‬‬


‫() انظر اجلوانب اإلجيابية يف حياة املرأة يف اجلاهلية‪ .‬عند د‪ .‬أمحد أبا بطني‪ ،‬املرجع السابق ص ‪.41 - 24‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .469 / 1‬واآليتان من سورة النساء ‪.23 ،22‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر قصة الرضاعة عن ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ .162 / 1‬وبنو سعد بن بكر هم بطن من هوازن‪ ،‬من‬ ‫‪3‬‬

‫وافدا إىل رسول اهلل ص‪( .‬انظر‪:‬‬‫قيس بن عيالن من العدنانية‪ ،‬وهم أصحاب غنم‪ ،‬وبعث بنو سعد سنة ‪ 9‬هـ ً‬
‫عمر كحالة‪ ،‬معجم القبائل العربية ‪.)2/513‬‬
‫() انظر ‪ :‬الشيخ حممد بن رزق بن طرهوين‪ ،‬صحيح السرية النبوية ‪.100 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪88‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حفش ا( )‪ ،‬ولبست ش ر ثياهبا‪ ،‬ومل متس طيبً ا‪ ،‬حىت متر هبا سنة‪ ،‬مث ت ؤتى‪ ،‬بدابة ـ محار أو‬
‫دخلت ً‬ ‫‪1‬‬

‫ش اة أو ط ائر ـ فتفتض به( )‪ .‬فقلم ا تفتض بش يء إال م ات‪ ،‬مث خترج ُفت ْعطَى بع رة ف رتمي هبا‪ .‬مث‬
‫‪2‬‬

‫تراجع بعد ما شاءت من طيب أوغريه}( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حالة العرب بعد اإلسالم‬

‫جاء اإلسالم خبري نظام اجتماعي عرفته البشرية‪ ،‬فال الفرد ينتفع على حساب اجلماعة‪،‬‬
‫وال اجلماعة على حساب الفرد‪ ،‬نظام يكفل لألفراد حريتهم‪ ،‬وللجماعات سعادهتم ومتاسكهم‪.‬‬
‫ألغى م ا ك انت تعرف ه الش عوب من التم ايز الطبقي‪ ،‬وجع ل أس اس التم ايز تق وى اهلل س بحانه‬
‫وتعاىل {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‪ ،‬وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم‬
‫عن د اهلل أتق اكم إن اهلل عليم خب ري}( )‪ .‬وجع ل العالق ة بني أف راد اجملتم ع عالق ة أخ وة‪ .‬ومن‬
‫‪4‬‬

‫جوانب احلالة االجتماعية عند العرب بعد اإلسالم ما يلي‪-:‬‬

‫األخالق‬

‫جاء هذا ال دين الق ومي بنب ذ مس اويء األخالق ال يت ك انت عن د الع رب‪ ،‬وإق رار حماسنها‬
‫وتأكيدها‪ ،‬فنهى عن اخلمر وامليسر وبني سبب النهي‪ ،‬كما يف قوله (سبحانه وتعال)‪- :‬‬

‫() احلفش هو البيت الصغري‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪.) 1002 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ق ال ابن مسلم ‪ :‬سألت احلج ازيني عن االفتضاض‪ .‬فذكروا أن املعتدة كانت التغتس ل‪ ،‬وال متس م اءً‪ ،‬وال‬ ‫‪2‬‬

‫شعرا‪ ،‬مث خترج بع د احلول ب أقبح منظ ر‪ ،‬مث تفتض بط ائر‪ ،‬ومتس ح ب ه قبله ا و‬
‫تقلم ظف ًرا‪ ،‬وال تنت ف من وجهه ا ً‬
‫تنب ذه‪ ،‬فال يك اد يعيش‪ .‬أي تكس ر م ا هي في ه من الع دة ب ذلك‪( .‬ابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب ‪ ،208 / 7‬م ادة‬
‫[فضض] )‪ .‬ويف رواية البخاري ‪ :‬سئل مالك ‪ :‬ما تفتض به ؟ قال ‪ :‬متسح به جلدها‪.‬‬
‫() متف ق علي ه ‪ :‬أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪،‬كت اب الطالق ‪ .420 /3‬و مس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب‬ ‫‪3‬‬

‫الطالق ‪ .1124 / 2‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬


‫() سورة احلجرات‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪89‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫{إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهنى عن الظلم وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬يا أيها الذين أمنوا ال تأكلوا‬
‫أم والكم بينكم بالباطل إال أن تك ون جتارة عن ت راض منكم }( )‪ .‬ويف احلديث القدس ي { ي ا‬
‫‪2‬‬

‫حمرما فال تظاملوا‪.) (}...‬‬


‫‪3‬‬
‫عبادي إين حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم ً‬

‫وتدل قصة جعفر بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع النجاشي على مجلة من مساويء‬
‫األخالق ال يت ك انت موج ودة يف اجلاهلي ة‪ ،‬وهنى عنه ا اإلس الم‪ ،‬وأب دهلا جبمل ة من حماس ن‬
‫األخالق‪ ،‬حيث يقول جعفر يف حديثه للنجاشي‪{ :‬وأمرنا بصدق احلديث وأداء األمانة‪ ،‬وصلة‬
‫الرحم‪ ،‬وحسن اجلوار‪ ،،‬والكف عن احملارم والدماء‪ ،‬وهنانا عن الفواحش‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬وأكل‬
‫مال اليتيم‪ ،‬وقذف احملصنات}( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وكما جاء اإلسالم بإقرار مكارم األخالق اليت كانت عند العرب قبل ذلك‪ ،‬فقد أكدها‬
‫وجعله ا من مكمالت اإلميان‪ ،‬كم ا يف ق ول الن يب ص‪ { :‬من ك ان ي ؤمن باهلل والي وم اآلخر فال‬
‫يؤذ جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم فليكرم ضيفه‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل‬
‫خريا أو ليصمت }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ً‬

‫مكانة المرأة في اإلسالم‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.90‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.29‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب ‪.1994 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.336 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() متفق عليه من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه)‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب األدب ‪.4/94‬‬ ‫‪5‬‬

‫ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪.68 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪90‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لقد أنكر اإلسالم موقف اجلاهلية يف إذالل املرأة وإهانتها‪ ،‬فبني حقوقها‪ ،‬وحدد واجباهتا‪،‬‬
‫ووج ه األولي اء إىل االهتم ام هبا‪ ،‬فق د ق ال رس ول اهلل ص‪ { :‬من ك ان ل ه ثالث بن ات‪ ،‬فص رب‬
‫عليهن‪ ،‬وأطعمهن وسقاهن‪ ،‬وكساهن من ِج َدتِه‪ُ ،‬ك َّن له حجابًا من النار يوم القيامة }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كم ا ح دد للم رأة حقه ا من املرياث‪ ،‬ق ال تع اىل {يوص يكم اهلل يف أوالدكم لل ذكر مث ل‬
‫حظ األنثيني }( )‪ .‬كما مل يرتك عدة املرأة املتوىف عنها زوجها كما كان معروفً ا يف اجلاهلية‪ ،‬بل‬
‫‪2‬‬

‫بني عدهتا مبا هو أحفظ لكرامتها وأرفق حباهلا‪ ،‬أبعد من اختالط األنساب‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‬
‫وعشرا }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ً‬ ‫أزواجا يرتبصن بأنفسهن أربعة أشهر‬
‫{والذين يتوفون منكم ويذرون ً‬

‫األسرة ونظامها في اإلسالم‬

‫أكد الشرع اإلسالمي على رعاية الرجل لألسرة ومسؤوليته عنها‪ ،‬وجعل املرأة شريكة‬
‫للرجل يف هذه املسؤولية‪ ،‬كما يف قول النيب ص‪ { :‬والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول‬
‫عنهم ‪ ،‬واملرأة راعية على بيت بعلها وولده‪ ،‬وهي مسؤولة عنهم‪.) (}...‬‬
‫‪4‬‬

‫كما أكد الشرع اإلسالمي على مسؤولية الوالدين يف تربية األبناء‪ ،‬يقول رسول اهلل ص‪:‬‬
‫{ ك ل مول ود يول د على الفط رة‪ ،‬ف أبواه يهودان ه‪ ،‬أو ينص رانه‪ ،‬أو ميجس انه‪ .) (}...‬وحف ظ‬
‫‪5‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند ‪ .154 / 4‬وابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب األدب ‪ ،1210 / 2‬واللفظ له‪ .‬وهو‬ ‫‪1‬‬

‫يف صحيح اجلامع برقم ‪ .6364‬وقال عنه األلباين يف صحيح اجلامع ‪[ :‬صحيح]‪.‬‬
‫() سورة النساء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.234‬‬ ‫‪3‬‬

‫() متفق عليه من حديث ابن عمر عن النيب ز‪ .‬أخرجه البخار ي‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اجلمعة ‪.284 /1‬‬ ‫‪4‬‬

‫ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلمارة ‪ .1459 / 3‬واللفظ ملسلم‪.‬‬


‫() متف ق عليه من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عن ه)‪ .‬أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪/ 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ .424‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب القدر ‪ .4/2047‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪91‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫للوالدين حقوقهما على األبناء‪ ،‬فأمر بطاعتهما ورغب فيها‪ ،‬وهنى عن معصيتهما وحذر منها‪،‬‬
‫وق رن اإلحس ان بالوال دين بطاعت ه س بحانه حيث ق ال‪{ :‬وقض ى رب ك أال تعب دوا إال إي اه‬
‫وبالوالدين إحسانًا}( )‪ .‬ويف حتذيره من اإلساءة إليهما حىت يف األمر اليسري يقول سبحانه { فال‬
‫‪1‬‬

‫تقل هلما أف وال تنهرمها وقل هلما قواًل كرميًا}( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫() سورة اإلسراء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.23‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة اإلسراء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.23‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪92‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الباب األول‬

‫منهج أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في الدعوة إلى اهلل باعتبار موضوعها‬

‫الفصل األول‪ :‬منهجه في ضبط النص وفقهه‬

‫الفصل الثاني‪ :‬منهجه في الدعوة إلى العقيدة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬منهجه في الدعوة إلى الشريعة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬منهجه في الدعوة إلى األخالق‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪93‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل األول‬

‫منهج أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في ضبط النَّص وفقهه‬

‫املبحث األول‬

‫منهجه في ضبط النَّص‬

‫تعريف‬

‫ط‪ :‬لزوم الشيء وحبسه‪ ،‬وضبط الشيء‪ :‬حفظه باحلزم ( )‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫الضَّْب ُ‬

‫‪2‬‬
‫صا‪َ :‬ر َف َعه‪ ،‬وكل ما ُأظْ ِهَر فقد نُ َّ‬
‫ص( )‪.‬‬ ‫صه نَ ً‬
‫ص احلديث َينُ ُّ‬
‫َّص‪ :‬رفعك الشيء‪ ،‬نَ َّ‬
‫الن ُّ‬

‫وعلى ه ذا األس اس يك ون النص ال دعوي يف منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬هو كالم اهلل أو كالم رسوله ص‪ ،‬الذي ينقله الداعي لتبليغ دعوته‪.‬‬

‫وض بط النَّص بالنس بة للداعي ة أم ر مهم ألن ه مبل غ عن اهلل وعن رس وله ص‪ .‬فيجب على‬
‫الداعية تبليغ النصوص كما جاءت‪ ،‬ولن يتأتى ذلك إال بضبط هذه النصوص‪.‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬ابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب ‪ ،340 /7‬م ادة [ ض بط ]‪ .‬واجلوهري يف الص حاح ‪.1139 /3‬‬ ‫‪1‬‬

‫والفريوز أبادي يف القاموس احمليط ‪.370 / 2‬‬


‫() انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪ ،97 / 7‬مادة [نصص]‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪94‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المنهج‬

‫منهج علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في تعلم النَّص‬

‫‪ -1‬الجد في تحصيله‬

‫إن ال دعوة ال تق وم إال على نص وص من كت اب اهلل وس نة رس وله ص‪ ،‬وإن ك ثرة حف ظ‬


‫هذه النصوص وقوة ضبطها حيتاج من الداعية إىل اجلد يف حتصيلها‪ ،‬وبَِق ْد ِر اجلد يكون التحصيل‬
‫( على قدر أهل العزم تأيت العزائم )‪.‬‬

‫يضرب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مثاًل للداعية اجلاد يف حتصيل‬
‫النص وص الدعوي ة‪ ،‬حيث يق ول يف مجع ه للق رآن‪{ :‬آليت بيمني أن ال أرت دي ب ردائي إال إىل‬
‫()‬
‫أيض ا‪ { :‬ما دخل نوم عيين‪ ،‬وال غمض رأسي‬
‫الصالة حىت أمجع القرآن } ‪ .‬ومن ذلك قوله ً‬
‫‪1‬‬

‫على عهد رسول اهلل ص حىت علمت ذلك اليوم ما نزل به جربيل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من حالل‬
‫أو سنة‪ ،‬أو كتاب‪ ،‬أو أمر‪ ،‬أو هني‪ ،‬وفيمن نزل}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪-2‬التحري في قبوله‬
‫ك ان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يتلقى النص ال دعوي من رس ول اهلل ص‬
‫مباش رة‪ ،‬ولكن عن دما يبلغ ه احلديث من غ ريه فإن ه ش ديد التح ري يف قبول ه‪ ،‬خش ية أن ينس ب‬
‫لرسول ص قواًل مل يقله‪ ،‬ومما يدل على هذا املنهج قوله ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ { :-‬كنت رجاًل إذا‬
‫مسعت من رسول اهلل ص حديثًا نفعين اهلل منه مبا شاء أن ينفعين‪ ،‬وإذا حدثين أحد من أصحابه‬
‫استحلفته‪ ،‬فإذا حلف يل صدقته‪ ،‬قال‪ :‬وحدثين أبو بكر ـ وصدق أبو بكر ـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫() أخرجه ابن سعد يف الطبقات مطوال‪.338 /2 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مسند اإلمام زيد بن علي ص ‪.343‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪95‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أنه قال‪ :‬مسعت‬


‫رس ول اهلل ص يق ول‪ :‬م ا من عب د ي ذنب ذنبً ا فيحس ن الطه ور‪ ،‬مث يق وم فيص لي ركع تني‪ ،‬مث‬
‫يس تغفر اهلل‪ ،‬إال غف ر اهلل ل ه‪ .‬مث ق رأ ه ذه اآلي ة { وال ذين إذا فعل وا فاحش ة أو ظلم وا أنفس هم‬
‫ذك روا اهلل }( ) إىل آخ ر اآلي ة }( )‪ .‬نعم‪ ،‬علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يس تحلف‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫أص حاب رس ول اهلل (ص لى اهلل علي ه وس لم) وهم الثق اة الع دول ! م ا ه ذا إال دلي ل على ش دة‬
‫حتريه يف تلقي النص الذي يتلقاه من غري رسول اهلل ص‪.‬‬

‫‪ -3‬بذل السؤال في طلبه‬

‫ك ان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ص احب لس ان س ؤول وقلب عق ول مما‬
‫ساعده على تعلم النصوص الدعوية وضبطها‪ ،‬فقد قال ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ { :-‬واهلل ما أنزلت‬
‫آي ة إال وق د علمت فيم ن زلت‪ ،‬وأين ن زلت‪ ،‬إن ريب وهب يل قلبً ا عق وال‪ ،‬ولس انًا س ؤواًل }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كم ا يعل ل علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ك ثرة علم ه بطلب ه إي اه من رس ول اهلل ص‬
‫بالسؤال‪ ،‬بقوله‪ { :‬كنت إذا سألت أعطيت‪ ،‬وإذا سكت ابتديت }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() س ورة آل عم ران‪ ،‬ج زء من اآلي ة ‪ .135‬ومتامه ا ‪ { :‬فاس تغفروا ل ذنوهبم ومن يغف ر ال ذنوب إال اهلل ومل‬ ‫‪1‬‬

‫يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }‪.‬‬


‫() أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب الصالة ‪ 180 / 2‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬وقال ‪(( :‬حديث علي‬ ‫‪2‬‬

‫ح ديث حسن)) كت اب الص الة ‪ ،258 / 2‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب إقام ة الص الة ‪ ،446 / 1‬وحس نه‬
‫األلباين‪ ،‬انظر ‪ :‬صحيح سنن الرتمذي ‪ ،128 / 1‬وصحيح سنن ابن ماجة ‪ ،233 /1‬ومشكاة املصابيح ‪/ 1‬‬
‫‪.416‬‬
‫() أخرجه ابن سعد يف الطبقات ‪ ،338 / 2‬وأبو نعيم يف احللية ‪ 67 / 1‬واللفظ له‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،647 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح‪ .‬وأخرجه ابن أيب شيبة‪ ،‬الكتاب املصنف ‪ .59 / 12‬وأبو نعيم يف احللية ‪.68 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪96‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما ي دل على ح رص علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على طلب النص بالس ؤال‬
‫طلب ه من املقداد( ) سؤال رس ول اهلل ص للتغلب على عائق احلي اء‪ ،‬الذي حال بين ه وبني سؤال‬
‫‪1‬‬

‫الرسول ص مباشرة‪ ،‬ملا رواه حممد بن احلنفية قال‪ :‬قال علي‪{ :‬كنت رجاًل مذاءً( ) فاستحييت‬
‫‪2‬‬

‫أن أسأل رسول اهلل ص فأمرت املقداد بن األسود فسأله فقال‪ :‬فيه الوضوء }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومما يؤكد هذا املنهج عند أمري املؤمنني حتذيره من ترك العلم بسبب احلياء‪ ،‬فيقول يف هذا‬
‫اجلانب‪ { :‬وال يستحي أحدكم إذا مل يعلم أن يتعلم }( )‪ .‬ويف رواية‪{ :‬وال يستحي جاهل أن‬
‫‪4‬‬

‫يسأل عما ال يعلم }( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫وسائل ضبط النص عند أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫أواًل ‪ :‬الكتابة‬

‫مل تكن الكتابة يف ذلك الزمان معروفة عند الكثري من املسلمني‪ ،‬وكان علي بن أيب طالب‬
‫(رضي اهلل عنه ) من بني القلة من املسلمني الذين كانوا يعرفون الكتابة يف صدر اإلسالم‪ ،‬وفوق‬

‫() املقداد بن األسود الكندي هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة‪ ..‬احلضرمي‪ ،‬هرب من حضرموت‬ ‫‪1‬‬

‫إىل مكة وحالف األسود بن عبد يغوث‪ ،‬فعرف باملقداد بن األسود‪ .‬أسلم قدميًا‪ ،‬وهاجر اهلجرتني‪ ،‬وشهد‬
‫فارس ا يوم بدر‪ ،‬مات سنة ‪ 33‬وهو ابن ‪ 90‬سنة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة‬‫بدرا واملشاهد بعدها‪ ،‬وكان ً‬ ‫ً‬
‫‪.) 455 ،454 / 3‬‬
‫() أي كث ري املذي‪ ،‬واملذي ه و م ا خيرج عن د املالعب ة والتقبي ل‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،2490 / 6‬م ادة‬ ‫‪2‬‬

‫[مذى])‬
‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب الوض وء ‪ .78 / 1‬ومس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب احليض ‪/ 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.247‬‬
‫() أخرج ه ابن أيب ش يبة يف املص نف ‪ .284 / 13‬ووأورده ابن اجلوزي‪ ،‬ص فة الص فوة ‪.326 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪ .209‬د‪ .‬جابر قميحة‪ ،‬أدب اخللفاء الراشدين ص ‪.280‬‬
‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪.76 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪97‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ه ذا فق د ك ان علي بن أىب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من ُكتَّاب ال وحي لرس ول اهلل ص‪ ،‬وق د‬
‫ساعدته هذه املهارة يف القراءة والكتابة يف كتابة بعض النصوص الدعوية‪ ،‬واالحتفاظ ببعضها‬
‫مكتوبًا‪.‬‬

‫وي دل على كتاب ة علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬للنص ال دعوي واالحتف اظ ب ه‬
‫مكتوبًا ما رواه إبراهيم التيمي( ) عن أبيه عن علي بن أىب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ { :‬ما‬
‫‪1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫كتبنا عن النيب ص إال القرآن وما يف هذه الصحيفة‪ ،‬قال النيب ص‪ :‬املدينة حرام ما بني عائر‬
‫إىل كذا‪ ،‬فمن أحدث حدثًا‪ ،‬أو آوى حمدثًا( )‪ ،‬فعليه لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني‪ ،‬ال يُ ْقبَ ُل‬
‫‪3‬‬

‫()‬ ‫()‬ ‫()‬


‫لما فعلي ه‬ ‫ً‬ ‫مس‬‫‪6‬‬
‫أخفر‬ ‫فمن‬ ‫اهم‪،‬‬ ‫أدن‬ ‫هبا‬ ‫عى‬ ‫يس‬ ‫‪5‬‬
‫دة‬ ‫واح‬ ‫لمني‬ ‫املس‬ ‫ة‬ ‫وذم‬ ‫‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ف‬
‫ص ْر ٌ‬
‫من ه َع ْد ٌل وال َ‬

‫() إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي‪ ،‬الكويف‪ ،‬كان من العباد‪ ،،‬قال ابن معني ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال أبو زرعة ‪ :‬ثقة‬ ‫‪1‬‬

‫مرجيء‪ .‬مات سنة ‪92‬هـ وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)154/ 1‬‬
‫() ورد عند البخاري يف أحاديث أخرى بلفظ (عري) ومنها حديث رقم ‪ ،3172‬وقال ابن حجر يف الفتح ‪4‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ : 82 /‬وهو جبل يف املدينة‪ .‬وكذا قال النووي يف شرحه على صحيح مسلم ‪.143 / 9‬‬
‫() ق ال ابن حج ر يف الفتح ‪ : 84 / 4‬املراد باحلدث واحملدث الظلم و الظ امل ـ على م ا قي ل ـ أو ه و أعم من‬ ‫‪3‬‬

‫ذلك‪.‬‬
‫() ق ال ابن حج ر يف الفتح ‪ : 86 / 4‬اختل ف يف تفس ريمها‪ ،‬فعن د اجلمه ور الص رف ‪ :‬الفريض ة‪ ،‬والع دل ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫النافلة‪ .‬وعن احلسن البصري بالعكس‪ .‬وعن األصمعي الصرف ‪ :‬التوبة‪ ،‬والعدل ‪ :‬الفدية‪ .‬وعن يونس مثله‪،‬‬
‫لكن قال ‪ :‬الصرف االكتساب‪ .‬وعن أيب عبيدة مثله‪ ،‬لكن قال ‪ :‬العدل ‪ :‬احليلة وقيل املثل‪ .‬وقيل الصرف‪:‬‬
‫الدية‪ ،‬والعدل ‪ :‬الزيادة عليها‪ ،‬وقيل بالعكس‪ .‬وحكى صاحب (احملكم) الصرف ‪ :‬الوزن‪ ،‬والعدل ‪ :‬الكيل‪.‬‬
‫وقي ل الص رف ‪ :‬القيم ة‪ ،‬والع دل ‪ :‬االس تقامة‪ ،‬وقي ل الص رف ‪ :‬الدي ة‪ ،‬والع دل ‪ :‬الب ديل‪ ،‬وقي ل الص رف ‪:‬‬
‫الشفاعة‪ ،‬والعدل ‪ :‬الفدية ألهنا تعادل الدية‪ ،‬وهبذا األخري جزم البيضاوي‪ ،‬وقيل الصرف ‪ :‬الرشوة‪ ،‬والعدل ‪:‬‬
‫الكفيل‬
‫() قال ابن حجر يف الفتح ‪ : 86 / 4‬ذمة املسلمني سواء صدرت من واحد أو أكثر‪ ،‬شريف أو وضيع‪ ،‬فإذا‬ ‫‪5‬‬

‫كافر ا وأعطاه ذمة‪ ،‬مل يكن ألحد نقضه‪ ،‬فيستوي يف ذلك الرجل واملرأة‪ ،‬واحلر والعبد‪،‬‬
‫َّأم َن أحد من املسلمني ً‬
‫ألن املسلمني كنفس واحدة‪.‬‬
‫() اإلخفار ‪ :‬نقض العهد والغدر‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،649 / 2‬مادة [خفر])‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪98‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قوم ا بغري إذن مواليه‬


‫لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني‪ ،‬ال يقبل منه صرف وال عدل‪ .‬ومن واىل ً‬
‫فعليه لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجعني‪ ،‬ال يقبل منه صرف وال عدل }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعن أيب جحيفة( ) ق ال‪ { :‬قلت لعلي‪ :‬ه ل عن دكم( ) كت اب ؟ ق ال‪ :‬ال‪ ،‬إال كت اب اهلل‪،‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫أو َف ْهم ُْأع ِطيَ هُ رجل مسلم‪ ،‬أو ما يف هذه الصحيفة‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ما يف هذه الصحيفة ؟ قال‪:‬‬
‫العقل( )‪ ،‬وفكاك األسري( )‪ ،‬وال يقتل مسلم بكافر}( )‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫ذاكرا عثمان ‪-‬‬


‫ومن ذلك ما رواه ابن احلنفية قال‪ (( :‬لو كان علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ً -‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ذك ره ي وم ج اءه ن اس فش كوا س عاة عثم ان فق ال يل علي‪ :‬اذهب إىل عثم ان‬
‫فأخربه أهنا صدقة رسول اهلل ص فمر سعاتك يعملون هبا‪ ،‬فأتيته هبا فقال أغنِها عنا‪ ،‬فأتيت هبا‬
‫عليًا‪ ،‬فأخربته‪ ،‬فقال‪ :‬ضعها حيث أخذهتا ))( ) ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ويف رواي ة عن حمم د بن احلنفي ة ق ال‪ (( :‬أرس لين أيب‪ ،‬خ ذ ه ذا الكت اب ف اذهب ب ه إىل‬
‫عثمان‪ ،‬فإن فيه أمر النيب ص بالصدقة ))( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح ‪ .414 / 2‬ومسلم يف صحيحه ‪ .997 / 2‬واللفظ للبخاري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هو وهب بن عبداهلل السوائي‪ ،‬قدم على النيب (صلى اهلل عليه وسلم)يف أواخر عمره وحفظ عنه مث صحب‬ ‫‪2‬‬

‫علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) قال الواقدي مات يف والية بشر على العراق‪ ،‬وقال ابن حبان سنة أربع‬
‫وستني‪( .‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.) 642 / 3‬‬
‫() اجلمع إما إلرادته مع أهل البيت‪ ،‬أو للتعظيم‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 204 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() اجلمع إما إلرادته مع أهل البيت‪ ،‬أو للتعظيم‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 204 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() العق ل ‪ :‬الدي ة‪ ،‬وإمنا مسيت ب ه ألهنم ك انوا يعط ون فيه ا اإلب ل‪ ،‬ويربطوهنا بفن اء دار املقت ول بالعق ال وه و‬ ‫‪5‬‬

‫احلبل‪( .‬املرجع السابق ص ‪.) 205‬‬


‫() أي حكم ختليص األسري من يد العدو والرتغيب يف ذلك‪( .‬املرجع السابق)‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب العلم ‪.56 / 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب فرض اخلمس ‪.391 / 2‬‬ ‫‪8‬‬

‫أيضا‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬املوضع السابق‪.‬‬


‫() أخرجه البخاري ً‬
‫‪9‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪99‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫نصوصا دعوية مسعها من‬


‫ً‬ ‫وهذا يدل على أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كتب‬
‫رس ول اهلل ص‪ ،‬كم ا يف ح ديث إب راهيم ال تيمي عن أبي ه ففي ه تص رح من علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬بكتابتها عن النيب ص‪ ،‬وهذه النصوص الدعوية املكتوبة واحملفوظة كما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬نصوص من القرآن الكرمي‪ ،‬لقوله يف حديث إبراهيم التيمي عن أبيه‪ { :‬ما كتبنا عن النيب‬
‫ص إال القرآن‪ }...‬وقوله يف حديث أيب جحيفة { إال كتاب اهلل‪ ،}...‬ويف رواية أخرى‬
‫عن إبراهيم التيمي عن أبي ه عن علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ { :‬ما عندنا‬
‫كتاب نقرؤه إال كتاب اهلل‪.) (}...‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬نصوص من احلديث النبوي‪ ،‬تشتمل على أحكام فقهية متنوعة‪ ،‬يف العقل‪ ،‬وفكاك األسري‪،‬‬
‫وعدم قتل املسلم بالكافر‪ ،‬واجلراحات‪ ،‬وحرم املدينة‪ ،‬وذمة املسلمني‪ ،‬وفرائض الصدقة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وغريها‪.‬‬

‫‪ -3‬فهم مستنبط من هذه النصوص املذكورة‪ ،‬ويدل على هذا ما ورد يف حديث أيب جحيفة {‬
‫أو فهم أعطيه رجل مسلم } ألن سؤال أيب جحيفة كان عن الشيء املكتوب‪ ،‬ويف رواية‬
‫رجل يف‬
‫فهم ا يُعطى ٌ‬
‫أخ رى أليب جحيف ة عن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪{ -‬إال ً‬
‫كتابه }( )‪ .‬وهذا الفهم شيء زائد على نصوص القرآن واحلديث‪ ،‬بل هو مستنبط منهما‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫قال ابن حجر‪ { :‬كأنه كان يكتب ما يقع له من ذلك لئال ينساه }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أيضا‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اجلزية واملوادعة ‪.411 / 2‬‬


‫() أخرجه البخاري ً‬
‫‪1‬‬

‫() وردت هذه األحكام يف روايات متعددة من طرق خمتلفة‪ ،‬كلها كانت يف صحيفة واحدة‪ ،‬وكل راو من‬ ‫‪2‬‬

‫الرواة نقل ما حفظه‪ ،‬أو ما مسعه‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 205 / 1‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الديات ‪.274 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتح الباري ‪.246 / 12‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪100‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كم ا أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ع زم على مجع الق رآن مكتوبً ا ملا ت ويف‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬فقد أخرج ابن سعد بسنده أن أبا بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬سأل علي‬
‫بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقال‪ { :‬أكرهت إماريت ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكين آليت بيمني أن ال‬
‫أرتدي بردائي إال إىل الصالة حىت أمجع القرآن ! قال‪ :‬فزعموا أنه كتبه على تنزيله }( )‪ .‬وقال‬
‫‪1‬‬

‫اليعق ويب يف تارخيه‪{:‬وروى بعض هم أن علي بن أيب ط الب ك ان مجع ه ملا قبض رس ول اهلل ص‬
‫وأتى به حيمله على مجل‪ ،‬فقال‪ :‬هذا القرآن قد مجعته‪ .‬وكان قد جزأه سبعة أجزاء }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف الفهرس ت البن الن دمي عن عب د خري( )‪ ،‬أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫‪3‬‬

‫أقسم بعد وفاة الرسول ص أنه ال يضع عن ظهره رداءه حىت جيمع القرآن‪ ،‬فجلس يف بيته ثالثة‬
‫أي ام ح ىت مجع الق رآن‪ ،‬فه و أول مص حف مجع في ه الق رآن من قلب ه‪ ،‬وك ان املص حف عن د أهل‬
‫جعفر‪ ،‬قال أحد ال رواة‪{ :‬ورأيت أنا مصح ًفا قد سقط منه أوراق خبط علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يتوارثه بنو حسن على مر الزمان}( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومن أقواله يف احلث على ضبط النص كتابة قوله‪ (( :‬العلم صيد و الكتابة قيد))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقوله‪ (( :‬قيدوا العلم بالكتاب ))( )‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫() الطبقات الكربى ‪ .338 / 2‬وأخرجه أبو نعيم يف احللية ‪ .67 / 1‬وذكره الذهيب يف تاريخ اخللفاء ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،249‬والسيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.208‬‬


‫() انظر تاريخ اليعقويب ‪.135 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هو عبد خري بن يزيد‪ ،‬اهلمداين‪ ،‬أبو عمارة الكويف‪ ،‬أدرك زمن النيب ص ومل يسمع منه‪ ،‬وهو معدود يف‬ ‫‪3‬‬

‫أص حاب علي‪ ،‬وثق ه حيىي بن معني‪ ،‬وق ال العجلي ‪ :‬ك ويف ت ابعي ثق ة‪ .‬ع اش مائ ة س نة‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪،‬‬
‫هتذيب التهذيب ‪.) 113 / 6‬‬
‫() ابن الندمي‪ ،‬الفهرست ص ‪.42 ،41‬‬ ‫‪4‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) صفحة ‪ ،54‬وجه ا‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() اخلطيب البغدادي‪ ،‬تقييد العلم ص ‪.90‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪101‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫صفة كتابة النص في منهج علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫ي رى أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن كتاب ة النص وص جيب أن‬
‫خبط بنِّي ٍ ‪ ،‬مع التفريج بني السطور‪ ،‬والتقريب بني احلروف فعن أيب عثمان عمرو بن حبر‬
‫تكون ٍّ‬
‫اجلاحظ( ) ق ال‪ :‬ق ال أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب‪ { :‬اخلط عالمة‪ ،‬فكلم ا ك ان أبني ك ان‬ ‫‪1‬‬

‫أحسن }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كما أمر كاتبه عبيد اهلل بن أيب رافع( ) بقوله‪ { :‬ألق دواتك‪ ،‬وأطل ِس َّن قلمك‪ ،‬وافرج‬
‫‪3‬‬

‫بني السطور‪ ،‬وقرمط( ) بني احلروف }( )‪.‬‬


‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫وعن أيب حكيم ة العب دي ق ال‪{ :‬كن ا نكتب املص احف بالكوف ة‪ ،‬فيم ر علين ا علي وحنن‬
‫نكتب فيقول‪َِ :‬أج َّل قلمك( )‪ .‬قال‪ :‬فقططت منه‪ ،‬مث كتبت‪ .‬فقال هكذا نوروا ما نور اهلل }( )‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫() البص ري املع تزيل‪ ،‬ك ان من حبور العلم وتص انيفه كث رية ج ًدا‪ ،‬قي ل مل يق ع يف ي ده كت اب ق ط إال اس توىف‬ ‫‪1‬‬

‫قراءته‪ ،‬حىت أنه كان يكرتي دكاكني الكتبيني‪ ،‬ويبيت فيها للمطالعة‪ ،‬وكان داهية يف قوة حفظه‪ ،‬مات سنة‬
‫‪ ،250‬وقيل سنة ‪( .255‬انظر ‪ :‬الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.) 526 / 11‬‬
‫() أخرج ه اخلطيب البغ دادي‪ ،‬اجلامع ألخالق ال روي وآداب الس امع‪ ،‬حتقي ق ال دكتور حمم ود الطح ان ‪/ 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.261‬‬
‫() املدين موىل النيب ص‪ .‬قال أبو حامت واخلطيب ‪ :‬ثقة‪ .‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬قال ابن سعد ‪ :‬كان ثقة‬ ‫‪3‬‬

‫كثري احلديث‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 10 / 7‬‬


‫() ال َق ْر َمطّ ة يف اخلط ‪ :‬مقارب ة الس طور‪ ،‬وقرم ط بني احلروف أي ق رب بينه ا‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،1152‬مادة [قرمط] )‪.‬‬


‫() أخرج ه اخلطيب البغ دادي‪ ،‬اجلامع ألخالق ال راوي وآداب الس امع ‪ .262 / 1‬ووذك ره حمم د تقي‬ ‫‪5‬‬

‫التسرتي‪ ،‬قضاء أمري املؤمنني علي بن أيب طاالب ص ‪.144‬‬


‫[ج َّل] )‪.‬‬
‫() أي عظم قلمك‪ ،‬وهو كناية عن تكبري اخلط‪( .‬الفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط ‪ ،348 / 3‬مادة َ‬
‫‪6‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة‪ ،‬الكتاب املصنف يف األحاديث واآلثار ‪ .499 / 2‬والدواليب يف الكىن واألمساء ‪/ 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ .156‬واخلطيب يف اجلامع ‪.260 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪102‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وتع ود أمهي ة االعتن اء يف ض بط النص ووض وح الكتاب ة للتح رز من الوق وع يف اخلط أ عن د‬


‫الرجوع إليه والقراءة فيه‪ .‬وقد كان اإلمام أمحد (رمحه اهلل ) ينهى عن اخلط الصغري‪ ،‬قال حنبل‬
‫بن إسحاق( )‪ { :‬رآين أمحد بن حنبل وأنا أكتب خطًا دقي ًق ا‪ ،‬فقال‪ :‬ال تفعل‪ ،‬أحوج ما تكون‬ ‫‪1‬‬

‫إليه خيونك }( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التعاهد‬

‫(ا) التعاهد بالتطبيق‬

‫إن تعاهد النصوص الدعوية بالعمل هبا وتطبيقها بعد تعلمها من أهم وسائل ضبطها‪ ،‬فمن‬
‫قادرا على حفظه‪ ،‬متمكنً ا من‬
‫ذكرا من األذكار‪ ،‬فريدده باستمرار‪ ،‬فالشك أنه سيكون ً‬
‫يتعلم ً‬
‫نص ا حيوي ص يغة من ص يغ العب ادات‪ ،‬ف إن فعل ه هلا‪ ،‬واحلرص على تطبيقه ا‪،‬‬
‫ض بطه‪ .‬ومن تعلم ً‬
‫وسيلة لضبط ذلك النص الوارد فيها‪ .‬كما أن املطبق لو أراد تبليغ ذلك النص الوارد يف هذه‬
‫متيسرا له ؛ ألنه سوف حيكي صفة يقوم هو بتطبيقها‪.‬‬
‫العبادة‪ ،‬فسيكون ً‬

‫وكان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من أحرص الناس على تطبيق ما يسمعه من‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬ويشري إىل ذلك قوله‪ { :‬كنت رجاًل إذا مسعت من رسول اهلل ص حديثًا نفعين‬
‫اهلل من ه مبا ش اء أن ينفع ين }( )‪ .‬وكي ف يك ون االنتف اع بأح اديث رس ول اهلل ص إال بتطبيقه ا‬
‫‪3‬‬

‫والعمل مبضموهنا‪.‬‬

‫() ابن حنبل بن هالل بن أسد‪ ،‬اإلمام احلافظ‪ ،‬احملدث‪ ،‬الصدوق‪ ،‬املصنف‪ ،‬أبو علي الشيباين‪ ،‬ابن عم اإلمام‬ ‫‪1‬‬

‫أمحد وتلميذه‪ ،‬ولد قبل املائتني‪ ،‬ومات سنة ‪273‬هـ‪( .‬انظر‪:‬الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.)13/51‬‬
‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪.261 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف املس ند ‪ .2،10 /1‬وأب و داود يف س ننه‪ ،‬كت اب الص الة ‪ .180 / 2‬والرتم ذي يف‬ ‫‪3‬‬

‫سننه‪ ،‬كتاب التفسري ‪ .228 / 5‬وابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة والسنة فيها ‪ .446 / 1‬وقال‬
‫األلباين يف صحيح سنن أيب الرتمذي ‪[:‬حسن]‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪103‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫خربا آخر يدل على حرص علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫أيض ا جند ً‬
‫ويف هذا اجملال ً‬
‫‪ -‬على تطبيق ما مسعه من رسول اهلل ص‪ ،‬وحىت يف أصعب الظروف‪ ،‬حيث َعلَّ َم رس ول اهلل ص‬
‫خريا مما سألتماه؟ إذا‬
‫عليًا وفاطمة (رضي اهلل عنهما) دعاء ما قبل النوم بقوله‪ { :‬أال أعلمكما ً‬
‫أربعا وثالثني‪ ،‬وتسبحاه ثالثًا وثالثني‪ ،‬وحتمداه ثالثًا وثالثني‪.‬‬
‫أخذمتا مضاجعكما‪ ،‬أن تكربا اهلل ً‬
‫فه و خ ري لكم ا من خ ادم } ق ال علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ { :-‬م ا تركت ه من ذ مسعته من الن يب‬
‫رسول اهلل ص } قيل له‪ :‬وال ليلة صفني( ) ؟ قال‪ { :‬وال ليلة صفني }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويش ري أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬إىل ض بط النص بالعم ل ب ه‬
‫بقوله‪ { :‬تعلموا العلم تعرفوا به‪ ،‬واعملوا به تكونوا من أهله }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كما أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يرى أن العامل ال يسمى عامل ا إال إذا كان‬
‫ً‬
‫عاماًل بعلمه‪ ،‬لذا يقول خماطبً ا محلة العلم‪ { :‬يا محلة العلم ! اعملوا به فإن العامل من عمل مبا‬
‫علم ووافق ِع ْل ُمهُ َع َملَهُ }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومما يدل على ضبط النص بالعمل به قول الشعيب ( رمحه اهلل )‪:‬‬
‫{ كنا نستعني على حفظ احلديث بالعمل به‪ ،‬وعلى طلبه بالصوم }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() ليل ة احلرب ال يت ك انت بني علي ومعاوي ة (رض ي اهلل عنهم ا)‪ .‬وص فني موض ع بق رب الف رات من اجلانب‬ ‫‪1‬‬

‫الغريب‪( .‬انظر ‪ :‬ياقوت احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.) 414 / 3‬‬


‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب ال دعوات ‪ .157 / 4‬ومس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب ال ذكر‬ ‫‪2‬‬

‫خادم ا‪.‬‬
‫والدعاء ‪ .2092 ،2091 / 4‬وكان سبب ذلك أن فاطمة (رضي اهلل عنها) ذهبت تسأل النيب ص ً‬
‫واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫() أخرجه الدارمي يف سننه‪ ،‬كتاب املقدمة ‪ .81 / 1‬وذكره ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ .6 / 8‬وابن قتيبة‬ ‫‪3‬‬

‫يف عيون األخبار ‪ .352 /2‬ووكيع بن اجلراح يف كتاب الزهد ‪.531 / 2‬‬
‫() أخرجه الدارمي يف سننه‪ ،‬كتاب املقدمة ‪ .106 / 1‬وابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.285‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.291‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪104‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كما أن من أسباب نسيان العلم وفقدان النصوص‪ ،‬ترك العمل هبا‪ ،‬وارتكاب الذنوب‪،‬‬
‫يق ول عبداهلل بن مس عود ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ { :-‬إين ألحس ب الرج ل ينس ى العلم باخلطيئة‬
‫يعملها‪ ،‬وإن العامل من خيشى اهلل‪ ،‬وتال قوله تعاىل { إمنا خيشى اهلل من عباده العلماء }( ) }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويف هذا يقول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ { :-‬هتف العلم بالعمل فإن‬
‫أجاب وإال ارحتل }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أيضا ما رواه أسامة بن زيد عن أيب معن قال‪ :‬قال عمر لكعب‪:‬‬
‫ومن أسباب نسيان العلم ً‬
‫ما يذهب العلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه ووعوه ؟ قال‪ :‬يذهبه الطمع وتطلب احلاجات‬
‫إىل الناس ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫(ب) التعاهد باإلفتاء والتبليغ‬

‫إن الق ائم باإلفت اء وتبلي غ ال دعوة الب د أن يعتم د يف االس تدالل على نص وص دعوي ة من‬
‫الكتاب الكرمي‪ ،‬والسنة املطهرة‪ ،‬وإذا كان املفيت ممن عال شأنه‪ ،‬وعُ ِر َ‬
‫ف بعلمه ـ كحال علي بن‬
‫ؤمه املدعوون ويك ثرون من س ؤاله واس تفتائه‪ ،‬وم ع ه ذا‬
‫فسـيَ ُّ‬
‫أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ـ َ‬
‫وذاك فسيكثر استحضاره للنصوص‪ ،‬وترديده هلا‪ ،‬مما يكون سببًا يف ضبطها‪ ،‬وجودة حفظها‪.‬‬

‫وعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من املكثرين من الفتيا يف أصحاب‬
‫رس ول اهلل ص‪ ،‬ق ال ابن القيم (رمحه اهلل تع اىل)‪ { :‬ال ذين حفظت عنهم الفت وى من أص حاب‬
‫نفس ا‪ ،‬م ا بني رج ل وام رأة‪ ،‬وك ان املك ثرون منهم س بعة‪:‬‬
‫رس ول اهلل ص مائ ة وني ف وثالث ون ً‬
‫() سورة فاطر‪ ،‬جزء من اآلية ‪.28‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.283‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اقتضاء العلم العمل‪ ،‬حتقيق حممد ناصر الدين األلباين ص ‪ .36‬ونسبه ابن عبد‬ ‫‪3‬‬

‫الرب يف جامع بيان العلم وفضله ص ‪ 283‬إىل سفيان الثوري‪.‬‬


‫() ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.284‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪105‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عم ر بن اخلط اب‪ ،‬وعلي بن أيب ط الب‪ ،‬وعبداهلل بن مس عود‪ ،‬وعائش ة أم املؤم نني‪ ،‬وزي د بن‬
‫ثابت‪ ،‬وعبداهلل بن عباس‪ ،‬وعبداهلل بن عمر }( )‪ .‬وقد عد ابن حزم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫‪1‬‬

‫اهلل عنه ‪ -‬يف املرتبة الثالثة من بني الصحابة (رضي اهلل عنهم) يف كثرة الفتيا( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن فتاويه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬اليت كان يفيت فيها بنص مسعه من رسول اهلل ص ما ورد‬
‫عن النعمان بن سعد( ) أن رجاًل سأل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقال‪ { :‬أي شهر‬
‫‪3‬‬

‫أحدا يسأل عن هذا‪ ،‬إال رجاًل مسعته‬


‫تأمرين أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال له‪ :‬ما مسعت ً‬
‫يس أل رس ول اهلل ص وأن ا قاع د‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا رس ول اهلل ! أي ش هر ت أمرين أن أص وم بع د ش هر‬
‫صائما بعد شهر رمضان فصم احملرم ؛ فإنه شهر اهلل‪ ،‬فيه يوم تاب فيه‬
‫رمضان ؟ قال إن كنت ً‬
‫على قوم‪ ،‬ويتوب فيه على قوم آخرين}( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫كم ا أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيث املدعوين على س ؤاله واس تفتائه‪،‬‬
‫نفعا للسائل والسامع‪ ،‬حيث يقول ألصحابه‪ { :‬أال رجل يسأل فينتفع وينفع‬
‫ويبني أن يف ذلك ً‬
‫جلساءه }( )‪ .‬وعن سعيد بن املسيب ( رمحه اهلل ) قال‪:‬‬
‫‪5‬‬

‫{ ما كان أحد من الناس يقول سلوين غري علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) (}-‬‬
‫‪6‬‬

‫() أعالم املوقعني ‪.12 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬جوامع السرية‪ ،‬حتقيق الدكتور إحسان عباس والدكتور ناصر الدين األسد‪ ،‬ص ‪.323 - 319‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن حبتة ـ وقيل حبرت ـ األنصاري الكويف‪ ،‬ذكره ابن حبان يف الثقات‪( .‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪/ 10‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.) 405 ،404‬‬


‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف مس نده ‪ .154 /1‬والرتم ذي يف س ننه‪ ،‬كت اب الص وم ‪ ،117 / 3‬واللف ظ ل ه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫والدارمي يف سننه‪ ،‬كتاب الصوم ‪ .21 / 2‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .41 / 3‬وهو عند مسلم يف صحيحه‬
‫‪ 821 / 2‬بنحوه من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه)‪.‬‬
‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.183‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،646 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪6‬‬

‫ص حيح‪ .‬وابن عب د ال رب‪ ،‬ج امع بي ان العلم وفض له ص ‪ .183‬وك ذلك يف االس تيعاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪106‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومل يكن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬متوق ًف ا يف تبليغه النصوص على الفتاوي‪،‬‬
‫بل ويبتديء املدعوين بالفائدة من غري سؤال‪ ،‬سال ًكا بذلك هنج‬
‫رسول اهلل ص معه‪ ،‬فعندما سئل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬مالك أكثر أصحاب رسول اهلل ص حديثًا‬
‫ت ابتدأين }( )‪.‬‬
‫؟ قال‪{ :‬كنت إذا سألته أنبأين‪ ،‬وإذا َس َك ُّ‬
‫‪1‬‬

‫ومن ابتدائ ه املدعوين بالفائ دة نص حه لعم رو بن ح ريث ( ) ملا ج اء يع ود احلس ن بن علي‬


‫‪2‬‬

‫(رضي اهلل عنهما) قال له علي‪ :‬أتعود احلسن ويف نفسك ما فيها ؟ فقال له عمرو‪ :‬إنك لست‬
‫ب ريب فتص رف قل يب حيث ش ئت ! ق ال علي‪ :‬أم ا إن ذل ك ال مينعن ا أن ن ؤدي النص يحة‪ ،‬مسعت‬
‫رس ول اهلل ص يق ول‪ { :‬م ا من مس لم ع اد أخ اه‪ ،‬إال ابتعث اهلل ل ه سبعني أل ف مل ك‪ ،‬يص لون‬
‫عليه من أي ساعات النهار كان حىت ميسي‪ ،‬ومن أي ساعات الليل كان حىت يصبح } قال له‬
‫عمرو‪ :‬كيف تقول يف املشي يف اجلنازة بني يديها أو خلفها ؟ فقال علي‪ :‬إن فضل املشي من‬
‫خلفها على بني يديها كفضل صالة املكتوبة يف مجاعة على الوحدة‪ ،‬قال عمرو‪ :‬فإين رأيت أبا‬
‫(‪)3‬‬
‫بكر وعمر ميشيان أمام اجلنازة ؟ قال علي‪ :‬إهنما إمنا كرها أن حيرجا الناس‪.‬‬

‫(جـ) التعاهد بالمدارسة‬

‫البجاوي ص ‪ ،1103‬واحلاكم يف املستدرك ‪ ،352 / 2‬بنحوه‪ .‬وابن األثري يف أسد الغابة ‪ .22/ 4‬وأورده‬
‫السيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬
‫() أخرجه ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪ .338 / 2‬وابن أيب شيبة‪ ،‬الكتاب املصنف ‪ .59 / 12‬وأورده احملب‬ ‫‪1‬‬

‫الطربي يف الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪.193 / 3‬‬


‫() القرشي املخزومي‪ ،‬قال الواقدي ‪ :‬تويف النيب ص وعمرو بن حريث ابن ثنيت عشرة سنة‪ ،‬تويف سنة مخس‬ ‫‪2‬‬

‫ومثانني‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪) 16 / 8‬‬


‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف املس ند‪ ،‬وق ال أمحد ش اكر ‪ :‬إس ناده ص حيح ( املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪/ 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.) 110‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪107‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إن مدارسة النصوص ومذاكرهتا مع الغري تعني على حفظها ورسوخها‪ ،‬إضافة إىل ما يف‬
‫هذه املدارسة واملذاكرة من تصحيح ألخطاء تقع عند البعض يف حفظ النصوص وال يعلم هبا إال‬
‫باملدارسة مع الغري‪.‬‬

‫وق د ك ان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيث على ال تزاور واملدارس ة‪ ،‬حيث‬
‫يق ول‪ { :‬ت زاوروا وتدارسـوا احلديث‪ ،‬وال ت رتكوه ي درس }( )‪.‬ويف رواي ة‪{ :‬ت زاوروا وحتدثوا‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫فإن مل تفعلوا فإنه يدرس }( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ثالثًا‪ :‬لزوم الشيخ‬

‫النص ال ذي يتعلم ه اإلنس ان‪ ،‬ال يأتي ه وحيً ا من الس ماء‪ ،‬ولكن بق راءة أو مساع‪ ،‬والنص‬
‫الدعوي يؤخذ يف حال السماع ـ يف األصل ـ من العلماء به‪ ،‬العارفني مبعناه‪ ،‬العاملني مبقتضاه‪،‬‬
‫مساعا من‬
‫وهم الش يوخ ال ذين يُتلقى عنهم العلم‪ .‬وق د ك ان الس لف يفض لون تلقي النص وص ً‬
‫املشايخ على تلقيه قراءة من الكتب‪ .‬فكان بعضهم يقول‪{ :‬من أعظم البلية تَ َشيُّ ُخ الصحيفة( ) }‬
‫‪3‬‬

‫(‪.)5‬‬
‫( )‪ .‬وقال الشافعي‪{ :‬من تفقه من بطون الكتب ضيع األحكام }‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪.236 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه اخلطيب البغ دادي‪ ،‬اجلامع ألخالق ال راوي وآداب الس امع ‪.237 /1‬وال دارمي‪،‬الس نن‪.1/150‬‬ ‫‪2‬‬

‫واحلاكم‪ ،‬معرفة علوم احلديث ص ‪ .60‬ويف املستدرك ‪.95 / 1‬والبغدادي‪،‬شرف أصحاب احلديث ص‪.93‬‬
‫() أي الذين تعلموا من الصحف‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن مجاعة‪ ،‬تذكرة السامع واملتكلم يف آداب العامل واملتعلم ص ‪.83‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪108‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيث على ل زوم الش يخ‪،‬‬
‫واحلرص على األخذ منه‪ ،‬يقول يف ذلك‪ { :‬وال تشبع من طول صحبته‪ ،‬فإمنا هو كالنخلة تنتظر‬
‫مىت يسقط عليك منها شيء }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫صغريا حني ترىب‬


‫وقد هتيأ لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مالزمة رسول اهلل ص ً‬
‫وكبريا حينما كان صهره ووالد سبطيه‪ ،‬فكان بذلك قريبً ا من رسول اهلل ص‪ ،‬يأخذ‬
‫يف حجره‪ً ،‬‬
‫عنه‪ ،‬ويتعلم منه‪ .‬ويدل على لزومه لرسول اهلل ص قول عائشة أم املؤمنني (رضي اهلل عنها)‪ ،‬يف‬
‫ح ديث املق دام بن ش ريح( ) عن أبي ه ق ال‪{ :‬س ألت عائش ة فقلت‪ :‬أخربي ين برج ل من أص حاب‬
‫‪2‬‬

‫النيب ص أسأله عن املسح على اخلفني‪ .‬فقالت‪ :‬ائت عليً ا فسله‪ ،‬فإنه كان يَ َلزم النيب ص‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأتيت عليًا فسألته‪ .‬فقال أمرنا رسول اهلل ص باملسح على خفافنا إذا سافرنا }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومما يدل على أمهية لزوم الشيخ يف ضبط النص‪ ،‬ما كان حيدِّث به أبو هريرة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬معلاًل حفظه للعلم بقوله‪ { :‬إن الناس يقولون‪ :‬أكثر أبو هريرة‪ .‬ولوال آيتان يف كتاب اهلل‬
‫ما حدثت حديثًا‪ .‬مث يتلو‪ { :‬إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ـ إىل قوله ـ الرحيم }( ) إن‬
‫‪4‬‬

‫إخواننا من املهاجرين كان يشغلهم الصفق( ) باألسواق‪ ،‬وإن إخواننا من األنصار كان يشغلهم‬
‫‪5‬‬

‫() ابن مجاعة‪ ،‬تذكرة السامع واملتكلم يف آداب العامل واملتعلم ص ‪ .100‬وابن قيبة الدينوري‪ ،‬عيون األخبار‬ ‫‪1‬‬

‫‪.120 / 2‬‬
‫() ابن ه اينء بن يزي د احلارثي الك ويف‪ ،‬ق ال أمحد وأب و ح امت والنس ائي ‪ :‬املق دام ثق ة‪ ،‬وذك ره ابن حب ان يف‬ ‫‪2‬‬

‫الثقات‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)10/255‬‬


‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،195 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.159‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الصفق ‪ :‬ضرب اليد على اليد‪ ،‬وجرت به عادهتم عند عقد البيع‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1507 / 4‬مادة‬ ‫‪5‬‬

‫[صفق]‪ ،‬وانظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 214 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪109‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫العمل يف أمواهلم‪ ،‬وإن أبا هريرة كان يلزم رسول اهلل ص بشبع بطنه‪ ،‬وحيضر ماال حيضرون‪،‬‬
‫وحيفظ ما ال حيفظون}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫رابعا‪ :‬االنتقاء‬
‫ً‬

‫العلوم اليت حيتاج الداعية إىل معرفتها وضبطها كثرية ومتنوعة‪ ،‬واإلملام هبا وضبطها أمر‬
‫يصعب إدراكه ؛ ألن قدرة اإلنسان حمدودة‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬يوجه يف ضبط النص إىل االنتقاء‪ ،‬فيقول ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬العلم أكثر من أن‬
‫حيفظ‪ ،‬فخذوا من كل علم حماسنه ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف هذا التوجيه من أمري املؤمنني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إشارة إىل األخذ من أنواع العلوم‪،‬‬
‫وذلك باالقتصار على حماسن هذه العلوم ليتسىن له األخذ من مجيعها‪.‬‬

‫ويتأك د ه ذا التوجي ه يف ه ذا الزم ان خاص ة ؛ وذل ك لتش عب العل وم‪ ،‬وك ثرة املؤلف ات‪،‬‬
‫واالنتقاء يف هذه احلالة يكون بالتوجه حلفظ املتون وضبطها‪.‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب العلم ‪.58 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.5 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪110‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثاين‬

‫منهجه في فقه النص‬

‫تعريف‬

‫ِ‬
‫الف ْقهُ‪ :‬العلم بالشيء والفهم له‪ ،‬وغلب على علم الدين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع‬
‫فهم ا فيه( )‪ .‬ق ال تع اىل‬
‫‪1‬‬
‫فقه ا يف ال دين أي ً‬
‫العلم ‪ ،‬والفق ه يف األص ل الفهم‪ .‬يق ال‪ :‬أويت فالن ً‬
‫{ليتفقهوا يف الدين }( ) أي ليعلموا ما أنزل اهلل على نبيه( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن الفقه يف النص الدعوي هو فهمه‪ ،‬وفهم مافيه من األحكام‪ .‬ومن‬
‫الفقه بالنص يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الفقه يف تبليغه‪ ،‬يقول‬
‫علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف وصف الفقيه‪ { :‬أال إن الفقيه‪ ،‬كل الفقيه‪ ،‬الذي ال يقنط الناس من‬
‫رمحة اهلل‪ ،‬وال يؤمنهم من عذاب اهلل‪ ،‬وال يرخص هلم يف معاصي اهلل }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أهمية فقه النص في منهج علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أمهية فقه النص بقوله‪ { :‬ال خري‬
‫يف عب ادة ال علم فيها‪ ،‬وال خ ري يف علم ال فهم في ه }( ) ‪ ،‬فعن دما ينع دم الفهم للنص ينع دم مع ه‬
‫‪5‬‬

‫العمل به‪ ،‬والدعوة إىل مضمونه ـ إال حينما يتم تبليغه من غري فهم‪ ،‬فله أجر التبليغ ـ ولرمبا كان‬
‫() انظ ر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ .2243 / 6‬وابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب ‪ .522 / 13‬والف ريوز أب ادي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاموس احمليط ‪ ،289 / 4‬مادة [فقه]‪.‬‬


‫() سورة التوبة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.122‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.402 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .77 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.325 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .77 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.326 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪111‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫العمل بضده‪ ،‬والدعوة إىل خالفه‪ ،‬فيُحرم صاحبه اخلري بعدم الفهم‪ .‬واالنتفاع بالنص بالعمل به‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬يكون حبسب ما عند اإلنسان من الفهم له‪.‬‬

‫المنهج‬

‫منهجه في فقه النص‬

‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عبقرية فذة كانت‬


‫لقد وهب اهلل سبحانه وتعاىل َّ‬
‫س ببًا يف فهم ه العمي ق لنص وص الكت اب والس نة‪ ،‬فكت اب اهلل على األخص حبره عمي ق‪ ،‬وفهم ه‬
‫دقي ق‪ ،‬وال يوص ل إىل فهم مكنون ه إال بق وة يف العق ل ودق ة يف املالحظ ة‪ ،‬ومما ي دل على عبقري ة‬
‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬متيزه حبل املعض الت‪ .‬فق د ك ان عم ر ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يتع وذ من معض لة ليس هلا أب و احلسن( )‪ .‬كم ا ك ان يق ول‪ { :‬ل وال علي هللك‬
‫‪1‬‬

‫عمر }( )‪ .‬إضافة إىل ذلك فإنه يسلك يف فهمه للنصوص الدعوية سباًل أخرى منها‪-:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -1‬فهم النص بنص آخر‬

‫إن بعض النصوص الدعوية من الكتاب والسنة جاء توضيحها وبياهنا يف نصوص أخرى‪،‬‬
‫ومن منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف فق ه النص اعتم اده يف فهم ه‬
‫على نصوص دعوية أخرى‪.‬‬

‫() أخرج ه ابن عب د ال رب‪ ،‬االس تيعاب يف معرف ة الص حاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د البج اوي ص ‪ .1103‬وذك ره‬ ‫‪1‬‬

‫الشريازي يف طبقات الفقهاء ص ‪.23‬‬


‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب يف معرفة الصحاب‪ ،‬حتقيق علي حممد البجاوي ص ‪.1103‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪112‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومن ذل ك م ا فهم ه علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من قول ه تع اىل { ولن جيع ل اهلل للك افرين‬
‫اعتمادا على قوله سبحانه وتعاىل { فاهلل‬
‫ً‬ ‫على املؤمنني سبيال }( ) أن ذلك يكون يوم القيامة( )‪،‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫حيكم بينكم ي وم القيامة }( )‪ ،‬وذل ك ملا ج اءه رج ل يس أله كي ف ه ذه اآلي ة { ولن جيع ل اهلل‬
‫‪3‬‬

‫للكافرين على املؤمنني سبياًل } فقال علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬ادنه‪ ،‬ادنه‪ ،‬فاهلل حيكم بينكم يوم‬
‫(‪)4‬‬
‫القيامة ولن جيعل اهلل للكافرين على املؤمنني سبيال‪.‬‬

‫ومنه ما فهمه من قوله تعاىل { والسقف املرفوع }( ) بأنه السماء‪ ،‬ملارواه ابن جرير وابن‬
‫‪5‬‬

‫كثري عن علي { والسقف املرفوع } يعين السماء‪ ،‬قال سفيان‪ :‬مث تال { وجعلنا السماء سق ًفا‬
‫حمفوظًا وهم عن آياهتا معرضون }( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أيض ا م ا فهم ه من قول ه تع اىل { ح افظوا على الص لوات والص الة الوس طى‬
‫ومن ذل ك ً‬
‫وقوم وا هلل ق انتني }( ) أن الص الة الوس طى هي ص الة العص ر‪ ،‬معتم ًدا يف ذل ك على نص من‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.141‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ ،568 /1‬وقال ابن كثري ‪ :‬روى ابن جريج عن عطاء اخلرساين عن ابن‬ ‫‪2‬‬

‫عباس ‪ :‬ولن جيعل اهلل للكافرين على املؤمنني سبياًل ‪ ،‬قال ‪ :‬ذاك يوم القيامة‪ ،‬وكذا روى السدي عن أيب مالك‬
‫األشجعي يعين يوم القيامة‪.‬‬
‫() سورة النساء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.141‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق‪ ،‬وابن جرير ‪ 327 / 9‬بإسناد صحيح‪ ،‬واحلاكم ‪ 309 / 2‬وصححه ووافقه الذهيب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأورده ابن كث ري يف تفس ريه ‪ ،568 / 1‬وابن اجلوزي يف زاد املس ري ‪ ،230 / 2‬وانظ ر ‪ :‬حمم د بن عبداهلل‬
‫اخلض ريي‪ ،‬رس الة ماجس تري بعن وان ‪ :‬املروي عن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب يف التفس ري‪ ،‬من أول الق رآن‬
‫إىل آخر سورة النساء ‪.628 / 2‬‬
‫() سورة الطور‪ ،‬االية ‪.5‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪ .11 / 27‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ ،241 / 4‬واآلية من سورة األنبياء رقم‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ، 32‬وقال ابن كثري ‪ :‬وكذا قال جماهد وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.238‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪113‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حديث رسول اهلل ص‪ ،‬حيث قال رسول اهلل ص يوم األحزاب‪ { :‬شغلونا عن الصالة الوسطى‬
‫نارا }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫صالة العصر‪ ،‬مأل اهلل بيوهتم‪ ،‬وقبورهم ً‬

‫أيضا ما ورد يف فهمه لقوله تعاىل{ إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر‬
‫ومن هذا الباب ً‬
‫كريـما }( ) فعن سهل بن أيب خيثمة عن أبيه قال‪ :‬إين لفي‬
‫ً‬ ‫عنكم ســـيئاتكم وندخــلكم مدخـ ــاًل‬
‫‪2‬‬

‫هذا املسجد ـ مسجد الكوفة ـ وعلي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬خيطب الناس على املنرب يقول‪ { :‬يا‬
‫أيه ا الن اس ! الكب ائر س بع‪ ،‬فأص اخ الن اس‪ ،‬فأعاده ا ثالث م رات مث ق ال‪:‬مل ال تس ألوين عنه ا ؟‬
‫قالوا يا أمري املؤمنني ما هي ؟‪ :‬قال اإلشراك باهلل‪ ،‬وقتل النفس اليت حرم اهلل‪ ،‬وقذف احملصنة‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬والفرار يوم الزحف‪ ،‬والتعرب بعد اهلجرة( ) }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫وه ذا الفهم لكب ائر ال ذنوب مب ين على نص من ح ديث رس ول اهلل ص حيث يق ول‪:‬‬
‫{ اجتنبوا السبع املوبقات( )‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ! وما هن ؟ قال‪ :‬الشرك باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل‬
‫‪5‬‬

‫النفس ال يت ح رم اهلل إال ب احلق‪ ،‬وأك ل الرب ا‪ ،‬وأك ل م ال الي تيم‪ ،‬والت ويل ي وم الزح ف‪ ،‬وق ذف‬
‫احملصنات املؤمنات الغافالت }( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب التفسري ‪ .202 / 3‬ومسلم‪ ،‬كتاب املساجد ومواضع الصالة ‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 437 /‬واللفظ له‪ .‬وانظر تفسري ابن كثري ‪ ،291 / 1‬وابن حجر يف فتح الباري ‪.8/195‬‬
‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬ ‫‪2‬‬

‫() قال سهل بن أيب خيثمة ‪ :‬قلت أليب ‪ :‬يا أبت ! ما التعرب بعد اهلجرة‪ ،‬وكيف حلق ههنا ؟ قال ‪ :‬يا بين !‬ ‫‪3‬‬

‫وم ا أعظم من أن يه اجر الرج ل‪ ،‬ح ىت إذا وق ع س همه يف الفيء‪ ،‬ووجب علي ه اجله اد‪ ،‬خل ع ذل ك من عنق ه‪،‬‬
‫فرجع أعرابيًا كما كان‪.‬‬
‫() أخرجه ابن جرير‪ ،‬جامع البيان ‪ .25 / 5‬ووأورده ابن كثري يف تفسري القرآن العظيم ‪ .485 / 1‬وأورده‬ ‫‪4‬‬

‫مرفوعا بسند آخر‪ ،‬وقال ‪ :‬ورفعه غلط فاحش والصواب ما رواه ابن جرير حدثنا متيم بن املنتصر حدثنا يزيد‬ ‫ً‬
‫أخربنا حممد بن إسحاق عن حممد بن سهل بن أيب خيثمة عن أبيه‪ ،‬مث ساق الرواية‪.‬‬
‫() املوبقات مجع موبقة وهي املهلكة‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪.) 1562 / 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه البخاري من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه)‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الوصايا ‪.295 / 2‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪114‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬الجمع بين النصوص واستنباط المعنى‬

‫هناك نصوص دعوية ال يدرك معناها التام إال بالنظر يف نصوص أخرى‪ ،‬فمن النصوص ما‬
‫هو مكمل لغريه‪ ،‬ومنها العام احملتاج إىل ختصيص‪ ،‬واملطلق احملتاج إىل تقييد‪ ،‬ومن الفقه بالنص‬
‫إدراك ذلك واجلمع بني النصوص الستنباط املعىن املراد منها‪ ،‬وكان هذا من منهج أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬ويدل على هذه مجعه بني قوله تعاىل { ومحله وفصاله‬
‫ثالثون شهراً }( )‪ ،‬وقوله {وفصاله يف عامني }( )‪ ،‬وقوله { والوالدات يرضعن أوالدهن حولني‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫كاملين ملن أراد أن يتم الرضاعة }( ) واستنباطه من هذا اجلمع على أن أقل ٍ‬
‫مدة للحمل ستة‬ ‫‪3‬‬

‫أشهر‪ ،‬قال ابن كثري‪ { :‬وهو استنباط قوي صحيح‪ ،‬ووافقه عليه عثمان ومجاعة من الصحابة‬
‫(رضي اهلل عنهم) }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -3‬النظر في لغة العرب‬

‫النصوص الدعوية من الكتاب الكرمي والسنة املطهرة جاءت بلسان عريب مبني‪ ،‬كما قال‬
‫س بحانه عن كتاب ه { إن ا أنزلن اه قرآنً ا عربيًا لعلكم تعقل ون }( )‪ ،‬ويف ش أن الرس ول ص ق ال‬
‫‪5‬‬

‫س بحانه { وم ا أرس لنا من رس ول إال بلس ان قومه لي بني هلم }( ) ولغ ة ق وم نبين ا حمم د ص هي‬
‫‪6‬‬

‫اللغة العربية‪.‬‬

‫() سورة األحقاف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة لقمان‪ ،‬جزء من اآلية ‪.14‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من االية ‪.233‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .158 / 4‬والقرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪.129 / 16‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة إبراهيم‪ ،‬جزء من اآلية ‪.4‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪115‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ل ذا ف إن النص وص ال واردة ق د حُي ت اج يف فهمه ا‪ ،‬ومعرف ة م دلوهلا النظ ر يف لغ ة الع رب ؛‬


‫ملعرفة استعماهلم لتلك الكلمات الواردة يف النصوص الدعوية‪ .‬وألمهية هذا اجلانب يقول جماهد‪:‬‬
‫{ ال حيل ألحد يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يتكلم يف كتاب اهلل إذا مل يكن عامل ا بلغة العرب }‬
‫ً‬
‫( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومن منهج علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف فقه النص النظر يف لغة العرب‪ ،‬كما‬
‫فهم من قوله تعاىل { واملطلقات يرتبصن بأنفسهن ثالثة قروء }( ) أن املراد باألقراء احليض‪ ،‬فال‬
‫‪2‬‬

‫تنقض ي الع دة ح ىت تطه ر من احليض ة الثالث ة ( )‪ .‬ل ذا ق ال علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن املطلق ة‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫{ حتل لزوجها الرجعة عليها حىت تغتسل من احليضة الثالثة }( )‪ .‬وال ُق ُروءُ يف كالم العرب مجع‬
‫‪4‬‬

‫أيضا الطهر‪ ،‬وأقرأت املرأة‪ :‬حاضت‪ ،‬وأقرأت‪ :‬طهرت ( )‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫َق ْرء‪ ،‬وهو احليض‪ ،‬وال َق ْرء ً‬

‫() الزركشي‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن ‪.292 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.228‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وقيل إن القرء هو الطهر‪ ،‬والقول بأنه احليض مروي عن أيب بكر الصديق‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وأيب الدرداء‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وعب ادة بن الص امت‪ ،‬وأنس بن مال ك‪ ،،‬وابن مس عود‪ ،‬ومع اذ‪ ،‬وأيب بن كعب‪ ،‬وأيب موس ى األش عري‪ ،‬وابن‬
‫عب اس‪ ،‬وس عيد بن املس يب‪ ،‬وعلقم ة‪ ،‬واألس ود‪ ،‬وإب راهيم‪ ،‬وجماه د‪ ،‬وعط اء‪ ،‬وط اووس‪ ،‬وس عيد بن جب ري‪،‬‬
‫وعكرم ة‪ ،‬وحمم د بن س ريين‪ ،،‬واحلس ن‪ ،‬وقت ادة‪ ،‬والش عيب‪ ،‬والربي ع ومقات ل‪ ،‬بن حي ان‪ ،‬والس دي ومكح ول‪،‬‬
‫والضحاك‪ ،‬وعطاء اخلرساين‪ .‬وعن اإلمام أمحد أنه قال ‪ :‬األكابر من أصحاب رسول اهلل ص يقولون األقراء ‪:‬‬
‫احليض‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .271 / 1‬والبغوي‪ ،‬معامل التنزيل ‪ .266 / 1‬والسيوطي‪،‬‬
‫الدر املنثور ‪ 656 / 1‬وما بعدها‪ .‬والشوكاين‪ ،‬فتح القدير ‪ 234 / 1‬وما بعدها‪ .‬وابن قدامة‪ ،‬املغين ‪/ 7‬‬
‫‪ 452‬وما بعدها )‪.‬‬
‫() أخرجه ابن جرير يف تفسريه ‪ .266 /2‬وذكره السيوطي‪ ،‬الدر املنثور ‪.658 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،64 / 1‬مادة [قرأ]‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪116‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أيض ا ما فهمه علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من قوله تعاىل {والبحر‬
‫ومن ذلك ً‬
‫املس جور}( ) بأن ه ال ذي أوق د ن ًارا ( )‪ ،‬ق ال علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬لرج ل من اليه ود‪ :‬أين‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫جهنم ؟ قال‪ :‬البحر‪ .‬فقال‪ :‬ما أراه إال صادقًا‪ { ،‬والبحر املسجور}‪ { ،‬وإذا البحار سجرت }‬
‫()‬
‫الس ْجر يف لغ ة الع رب‪ :‬اإليق اد‪ ،‬إيق ادك يف التن ور‪ ،‬تَ ْس ُجرهُ ب الوقود َس ْجًرا‪،‬‬
‫‪ .‬ومن مع اين َّ‬ ‫‪3‬‬

‫وده‪،‬‬
‫وس َجَر التن ور يَ ْس ُجرهُ َس ْجًرا‪ :‬أوق ده وأمحاه‪ ،‬وقي ل‪ :‬أش بع َوقُ َ‬
‫ور‪ :‬اس م احلطب‪َ ،‬‬
‫والس ُج ُ‬
‫َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫والس ُجور‪:‬ما أوقد به‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪ -4‬السؤال عن مشكله‬

‫ومن منهج اإلم ام علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف فق ه النص س ؤاله عم ا أش كل‬
‫عليه فيه‪ ،‬ومن ذلك سؤاله لرسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) عن يوم احلج األكرب‪ ،‬كما يف قوله‬
‫‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬س ألت الن يب (ص لى اهلل علي ه وس لم) عن ي وم احلج األك رب فق ال‪ { :‬ي وم‬
‫(‪.)5‬‬
‫النحر }‬

‫() سورة الطور‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬ابن كث ري‪ ،‬تفس ري الق رآن العظيم ‪ .241 / 4‬وق ال ابن كث رب ‪ :‬وروي عن ابن عب اس‪ ،‬وب ه يق ول‬ ‫‪2‬‬

‫أيض ا من مع اين املس جور ‪:‬‬


‫س عيدبن جب ري‪ ،‬وجماه د‪ ،‬وعبداهلل بن عبي د بن عم ري وغ ريهم‪ .‬وذك ر ابن كث ري ً‬
‫املرسل‪ ،‬واململوء‪ ،‬واملمنوع املكفوف‪ ،‬والفارغ‪.‬‬
‫() أخرجه ابن جرير ‪ ،43 / 30‬وأورده ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.477 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،677 / 2‬م ادة [س جر]‪ ،‬وابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب ‪ ،346 / 4‬م ادة‬ ‫‪4‬‬

‫[س جر]‪ .‬وانظ ر ‪ :‬فه د عب د العزي ز الفاض ل‪ ،‬رس الة ماجس تري بعن وان ‪ :‬املروي عن أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب يف التفسري من أول سورة املائدة إىل آخر سورة الناس ‪ ،817 / 2‬وقال عن األثر ‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫() أخرجه الرتمذي برقم ‪ ،970‬وصححه األلباين‪ ،‬انظر صحيح سنن الرتمذي ‪.282 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪117‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه ذا املنهج فيم ا يروي ه عن‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يارسو اهلل ! إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر وهني‪ ،‬فما تأمرنا ؟‬
‫قال‪ (( :‬شاوروا الفقهاء‪ ،‬والعابدين‪ ،‬وال متضوا فيه خاصة ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إن الس ؤال عن مش كل النص وص اليك ون لك ل أح د من الن اس‪ ،‬ولكن س ؤال الفقه اء‬
‫العاملني‪ ،‬الذين يعلمون معاين هذه النصوص‪ ،‬ويتورعون يف اإلجابة‪.‬‬

‫‪ -5‬العلم بمناسبة النص‬

‫إن العلم باملناسبة اليت قيل فيها النص‪ ،‬والسبب الداعي لقوله‪ ،‬يفيد يف إدراك معىن النص‪،‬‬
‫واستنباط احلكم منه‪ ،‬كمعرفة أسباب نزول اآليات يفيد يف الوقوف على املعىن‪ ،‬قال الشيخ أبو‬
‫الفتح القش ريي( )‪ { :‬بي ان ال نزول طري ق ق وي يف فهم مع اين الكت اب العزي ز‪ ،‬وه و أم ر حتص ل‬
‫‪2‬‬

‫للصحابة بقرائن حتتف بالقضايا }( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫ولق د بل غ أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مبلغً ا يف العلم بأس باب‬
‫نزول اآليات‪ ،‬كما يقول عن نفسه حاثً ا على سؤاله عن كتاب اهلل‪{ :‬سلوين سلوين وسلوين‬

‫() أخرجه خليفة بن خياط‪ ،‬املسند‪ ،‬دراسة وحتقيق الدكتور أكرم ضياء العمري ص ‪ .66‬وأورده اهلندي يف‬ ‫‪1‬‬

‫كنز العمال ‪ ،340،341 / 2‬وذكر ‪ :‬قال الطرباين يف األوسط ‪ :‬مل يروه عن الوليد إال نوح أنتهى‪ .‬ونوح‬
‫روى له مسلم واألربعة‪ ...‬فاحلديث عن هذه الطريق حسن صحيح‪.‬‬
‫() عبداهلل بن عبد الكرمي بن هوازن بن عبد امللك بن طلحة‪ ،‬القشريي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬صويف‪ ،‬من أهل الطرق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫سكن بأسفراين وتويف هبا سنة ‪ 521‬هـ‪( .‬عمر رضا كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 255 / 2‬‬
‫() الزركشي‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن ‪.22 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪118‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عن كتاب الله تعاىل‪ ،‬فواهلل ! ما من آية إال وأنا أعلم أنزلت بليل أو هنار }( ) ‪ .‬ويف رواية‪{ :‬‬
‫‪1‬‬

‫واهلل ما أنزلت آية إال وقد علمت فيم نزلت‪ ،‬وأين نزلت }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫‪ -6‬العلم بالناسخ والمنسوخ‬

‫الق ول يف مع اين النص وص القرآني ة‪ ،‬وبي ان أحكامه ا ال جيوز إال مبعرف ة ناس خها‬
‫ومنسوخها‪ ،‬يقول الزركشي( )‪ { :‬قال األئمة‪ :‬وال جيوز ألحد أن يفسر كتاب اهلل‬
‫‪4‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.509 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن سعد يف الطبقات ‪ ،338 / 2‬وأبو نعيم يف احللية ‪ 67 / 1‬واللفظ له‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() النسخ يأيت مبعىن اإلزالة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل { فينسخ اهلل ما يلقي الشيطان مث حيكم اهلل آياته } (سورة احلج‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫آية ‪ .)52‬ويأيت مبعىن التبديل‪ ،‬كقوله تعاىل { وإذا بدلنا آية مكان آية } (سورة النحل‪ ،‬آية ‪ .)101‬ويأيت‬
‫مبعىن التحويل من مكان إىل آخر‪ ،‬ومبعىن النقل‪( .‬انظر ‪ :‬الزركشي‪ ،‬الربهان يف علوم القرآن ‪ 28 / 2‬وما‬
‫بعدها )‪.‬‬
‫() ه و حمم د بن هبادر بن عبداهلل املص ري الزركش ي‪ ،‬أص ويل‪،‬حمدث‪ ،‬أديب‪ ،‬ت ركي األص ل‪ ،‬مص ري املول د‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫رحل إىل حلب‪،‬ومسع احلديث بدمشق وغريها‪ ،‬تويف يف القاهرة‪(.‬انظر ‪ :‬كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.)3/174‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪119‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إال بعد أن يعرف منه الناسخ واملنسوخ }( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫وعلى هذا املعىن يؤكد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وذلك عندما‬
‫عاتب قاصًَّا( ) بقوله‪ { :‬أتعرف الناسخ واملنسوخ ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هلكت وأهلكت }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الربهان يف علوم القرآن ‪.29 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫اص ه و ال ذي ي أيت بالقص ة على وجهه ا كأن ه يتتب ع معانيه ا وألفاظه ا‪ ،‬يع ظ الن اس وخيربهم مبا مض ى‬
‫() الق ُّ‬ ‫‪2‬‬

‫اص يقص القص ص التباع ه خ ًربا بع د خ رب‪ ،‬وس وقه الكالم س وقًا‪( .‬ابن منظ ور ‪ :‬لس ان‬‫ليعت ربوا‪ .‬وقي ل ‪ :‬الق ُّ‬
‫الع رب ‪ ،75 / 7‬م ادة [قص ص] )‪ .‬وف ال علي حمف وظ ‪ :‬القص اص هم ال ذين يقص ون على الن اس‪ ،‬ويك ون‬
‫واعتبارا‪ .‬ومل يكن القص‬
‫ً‬ ‫علمهم من علم التفسري واألثر واخلرب عن األمم البائدة وغريهم‪ ،‬ينقلون ذلك موعظة‬
‫يف القرن األول مرذواًل ؛ ألن فنونه إمنا كانت ترجع إىل القرآن واحلديث‪ ( .‬انظر ‪ :‬هداية املرشدين ص ‪74‬‬
‫‪.) 83 -‬‬
‫() أخرج ه عب د ال رزاق يف مص نفه ‪ .220 / 3‬وابن أيب ش يبة يف مص نفه ‪ .558 / 8‬وأورده الزركش ي يف‬ ‫‪3‬‬

‫الربهان يف علوم القرآن ‪ .29 / 2‬وأبو خيثمة‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬حتقيق األلباين ص ‪ ،31‬وقال األلباين ‪ :‬إسناده‬
‫ص حيح‪ .‬وابن اجلوزي‪ ،‬نواس خ الق رآن ص ‪ .29‬وابن اجلوزي‪ ،‬القص اص واملذكرين‪ ،‬حتقي ق قاس م الس امرائي‬
‫ص ‪.79‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪120‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫مكانته في ضبط النص وفقهه‬

‫لقد بلغ أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬مبلغً ا يف قوة ضبطه‪ ،‬ودقة‬
‫فهمه للنصوص الدعوية‪ ،‬فلقد آتاه اهلل سبحانه قوة يف احلفظ‪ ،‬وقدرة على الفهم‪ ،‬فقد ورد عنه‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪ { :‬أمرين النيب ص أن آتيه بطبق يكتب فيه ماال تضل أمته من بعده‪،‬‬
‫قال‪ :‬فخشيت أن تفوتين نفسه‪ ،‬قال‪ :‬قلت إين أحفظ وأعي‪ ،‬قال‪ُ :‬أوصي بالصالة والزكاة‪ ،‬وما‬
‫ملكت أميانكم }( )‪ .‬ومما يدل على مكانته يف ضبط النص وفقهه ما يلي‪-:‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -1‬ثقته في ضبطه وفقهه‬

‫من ثقت ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بض بطه وفقه ه‪ ،‬ورغبت ه يف إف ادة املدعوين‪ ،‬أن ه ك ان حيث‬
‫ادرا على اإلجاب ة على أس ئلتهم‪ ،‬وال رد على فت اويهم‪ ،‬ومل يكن‬
‫الن اس على س ؤاله‪ ،‬ألن ه ك ان ق ً‬
‫أحد من أصحاب رسول اهلل ص مع فضلهم وكثرة علمهم يقول ذلك‪ ،‬وعن سعيد بن املسيب‬
‫‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ { :‬م ا ك ان أح د من الن اس يق ول س لوين غ ري علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪.) (}-‬‬
‫‪2‬‬

‫كما كان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حيدث عن رسول اهلل ص حديثًا يؤكد‬
‫فيه حفظه له‪ ،‬كقوله‪ { :‬مسعت ُأذُيِن من يِف رسول اهلل ص وهو يقول‪ :‬طلحة والزبري جاراي يف‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،84 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سبق خترجيه ص ‪.126‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪121‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اجلنة }( )‪ .‬وقول ه‪ { :‬حفظت عن رس ول اهلل ص‪ :‬ال يتم بع د احتالم( )‪ ،‬وال ص مات ي وم إىل‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الليل( ) }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -2‬إحالة جمع من الصحابة السؤال عليه‬

‫لق د ك ان لص حابة رس ول اهلل ص مكان ة عالي ة يف ض بط النص وص وفقهه ا‪ ،‬ولكنهم مل‬


‫يكون وا على درج ة واح دة يف ه ذا العلم‪ ،‬وك ان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من‬
‫أعالهم يف ه ذا الش أن‪ ،‬وك انوا يعرف ون من ه ه ذه املكان ة‪ ،‬ل ذا فق د ك ان مجاع ة منهم حييل ون‬
‫املستفتني إليه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬فهذه عائشة (رضي اهلل عنها) مع سعة علمها‪ ،‬ودقة فهمها‪،‬‬
‫ملا ُس ئلت عن املس ح على اخلفني ق الت للس ائل ‪{ :‬ائت عليً ا ؛ فإن ه أعلم ب ذلك م ين } ف ذهب‬
‫ويوم ا وليل ة‬
‫الس ائل إىل علي فس أله‪ ،‬فق ال‪ { :‬جع ل رس ول اهلل ثالث ة أي ام ولي اليهن للمس افر‪ً ،‬‬
‫للمقيم }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪.644 / 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قال اخلطايب ‪ :‬ظاهر هذا القول يوجب انقطاع أحكام اليُتم عنه باالحتالم‪ ،‬وحدوث أحكام البالغني له‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فيكون للمحتلم أن يبيع ويشرتي‪ ،‬ويتصرف يف ماله‪ ،‬ويعقد النكاح لنفسه‪ ،‬وإن كانت امرأة فال تزوج إال‬
‫بإذهنا‪( .‬معامل السنن‪ ،‬املطبوع مع سنن أيب داود ‪.) 294 / 3‬‬
‫() ك ان أه ل اجلاهلي ة من نس كهم الص مات‪ ،‬وك ان الواح د منهم يعتك ف الي وم والليل ة فيص مت‪ ،‬فنهي‬ ‫‪3‬‬

‫املسلمون عن ذلك‪ ،‬وأمروا بالذكر‪ ،‬والنطق باخلري‪ ( .‬اخلطايب‪ ،‬معامل السنن ‪.) 294 / 3‬‬
‫() أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب الوصايا ‪ .293 / 3‬وعند الطرباين يف املعجم الصغري ‪ 2/98‬بلفظ (( ال‬ ‫‪4‬‬

‫رضاع بعد فصال‪ ،‬وال يتم بعد حلم ))‪.‬‬


‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.232 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪122‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن أذين ة العب دي( ) ق ال‪ { :‬أتيت عم ر فس ألته‪ :‬من أين أعتم ر ؟ فق ال‪ :‬ائت عليً ا‬
‫‪1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫فاسأله }‬

‫‪ -3‬ثقة الناس بعلمه‬

‫عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ { :‬إذا أتانا الثبت عن علي مل نعدل به}( )‪ ،‬ويف‬
‫‪3‬‬

‫أيضا قال‪ { :‬إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا ال نعدوها }( )‪.‬‬


‫‪4‬‬
‫رواية عن ابن عباس ً‬

‫وعن سويد بن غفلة( ) أنه جاءه رجل يسأله عن فريضة رجل ترك ابنته وامرأته‪ ،‬قال‪ :‬أنا‬
‫‪5‬‬

‫أنبئك قضاء علي‪ .‬قال‪ :‬حسيب قضاء علي‪ .‬قال‪ :‬قضى علي المرأته الثمن‪ ،‬والبنته النصف‪ ،‬مث‬
‫رد البقية على ابنته( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -4‬ثناء الناس عليه‬

‫عن عائشة (رضي اهلل عنها) قالت‪ { :‬أما إنه أعلم الناس بالسنة}( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫() أذين ة العب دي مسع من عم ر (رض ي اهلل عن ه) وروى عن ه ابن ه عب د ال رمحن‪ ،‬وي روي عن الن يب ص مرس ل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(البخاري‪ ،‬التاريخ الكبري ‪ .60 / 2‬والرازي‪ ،‬اجلرح والتعديل ‪.) 329 / 2‬‬
‫() احملب الطربي‪ ،‬ذخائر العقىب ص ‪ .79‬والرياض النضرة ‪.162 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬حتقيق علي حممد البجاوي ص ‪ .1104‬وابن األثري‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫أسد الغابة ‪.23 / 4‬‬


‫() أخرجه ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.338 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر‪ ...‬الكويف قدم املدينة بعد وفاة رسول اهلل ص شهد فتح الريموك‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫مات سنة ‪ 80‬وقيل ‪ (.82‬ابن حجر هتذيب التهذيب ‪.) 244 /4‬‬
‫() أخرجه الدارمي يف سننه ‪.375 / 2‬‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرج ه ابن عب د ال رب‪ ،‬االس تيعاب يف معرف ة األص حاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د البج اوي ص ‪ .1104‬وأورده‬ ‫‪7‬‬

‫احملب الطربي‪ ،‬ذخائر العقىب ص ‪ .78‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪123‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وك ان معاوي ة ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يكتب فيم ا ي نزل ب ه ليس أل ل ه علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬عن ذلك‪ ،‬فلما بلغه قتله‪ ،‬قال‪ { :‬ذهب الفقه والعلم مبوت ابن أيب طالب }‬
‫فقال له أخوه عتبة‪ :‬ال يسمع هذا منك أهل الشام‪ .‬فقال‪ { :‬دعين عنك}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعن احلسن بن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه خطب الناس بعد وفاة علي ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬فقال‪ { :‬لقد فارقكم رجل أمس‪ ،‬ما سبقه األولون بعلم‪ ،‬وال أدركه اآلخرون }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وق ال عبداهلل بن عي اش بن أيب ربيعة( ) ـ وق د س ئل عن علي ـ فق ال‪ { :‬ك ان ل ه واهلل! م ا‬


‫‪3‬‬

‫شاء من ضرس قاطع‪ ،‬السطة( ) يف النسب‪ ،‬وقرابته من رسول اهلل ص ومصاهرته‪ ،‬والسابقة يف‬
‫‪4‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬والعلم بالقرآن‪ ،‬والفقه والسنة‪ ،‬والنجدة يف احلرب‪ ،‬واجلود يف املاعون }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وعن مس روق ق ال‪ :‬انتهى علم أص حاب رس ول اهلل ص إىل عم ر‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن مس عود‪،‬‬
‫وعبداهلل (رضي اهلل عنهم) }( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -5‬تميزه في القضاء‬

‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬حتقيق علي حممد البجاوي ص ‪.1108‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،595 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا يف كتاب (جزء فيه مسند أهل‬


‫صحيح‪ .‬وأخرجه أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .65 / 1‬وأخرجه اإلمام أمحد ً‬
‫البيت ) حتقيق عبداهلل الليثي األنصاري ص ‪.27‬‬
‫() املخزومي القرشي‪ ،‬روى عن عمر‪ ،‬وروى عنه ابنه احلارث‪( .‬الرازي‪ ،‬اجلرح والتعديل ‪.) 125 / 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() السطة ‪ :‬التوسط‪ ،‬والوسط يف النسب هو أكرمه وأشرفه‪ ،‬وقد جاء يف وصف قريش ‪(( :‬قريش هم أوسط‬ ‫‪4‬‬

‫ودارا ))‪ .‬البخاري‪ ،‬حديث رقم ‪ .6830‬وانظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪.3/1167،1168‬‬


‫العرب نسيًا ً‬
‫() احملب الطربي‪ ،‬ذخائر العقىب ص ‪ .79‬والرياض النضرة ‪ .200 / 2‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬ ‫‪5‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪124‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫التم يز يف القض اء حيت اج إىل متيز يف العلم والفهم‪ ،‬ألن القاض ي الب د أن يك ون عامل ا‬
‫ً‬
‫باألحك ام الش رعية‪ ،‬وال يتم ل ه ذل ك إال ب العلم بكت اب اهلل‪ ،‬مبا تض منه من األحك ام‪ ،‬ناس ًخا‬
‫ومفسرا‪ .‬والعلم بسنة رسول اهلل ص‬
‫ً‬ ‫وخصوص ا‪ ،‬وجمماًل‬
‫ً‬ ‫وعموما‬
‫ً‬ ‫وحمكما ومتشاهبًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ومنسوخا‪،‬‬
‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫من أفعال وأقوال‪.‬‬

‫وعلي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من أكم ل ص حابة رس ول اهلل ص يف ه ذا اجلانب من العلم‬


‫والفهم‪ ،‬الذي يدل على قوة ضبطه ودقة فهمه‪ ،‬لذا فقد اختاره رسول اهلل ص لتوليته القضاء يف‬
‫اليمن‪ ،‬كم ا يق ول علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ { :-‬بعث ين رس ول اهلل ص إىل أه ل اليمن قاض يًا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول اهلل ! ترسلين وأنا حديث السن‪ ،‬وال علم يل بالقضاء ؟ فقال‪ :‬إن اهلل سيهدي‬
‫قلبك‪ ،‬ويثبت لسانكك‪ ،‬فإذا جلس بني يديك اخلصمان فال تقضني حىت تسمع من اآلخر كما‬
‫مسعت من األول ؛ فإنه أحرى أن يتبني لك القضاء‪ .‬قال‪ :‬فما زلت قاضيًا‪ ،‬أو ما شككت يف‬
‫قضاء بعد }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما يدل على متيزه يف هذا اجلانب قضاؤه يف األربعة الذين تدافعوا عند زبية( ) لألسد إذ‬
‫‪3‬‬

‫سقط رجل فتعلق بآخر‪ ،‬مث تعلق رجل بآخر‪ ،‬حىت صاروا فيها أربعة‪ ،‬فجرحهم األسد‪ ،‬وماتوا‬
‫من ج راحتهم‪،‬وك اد أولي اؤهم أن يقتتل وا‪ ،‬وج اءهم علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫وقض ى بينهم بقول ه‪ { :‬امجع وا من قبائ ل ال ذين حف روا الب ئر رب ع الدي ة‪ ،‬وثلث الدي ة‪ ،‬ونص ف‬

‫() انظر شروط القاضي عند أيب يعلى احلنبلي‪ ،‬األحكام السلطانية ص ‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده ‪ .88 / 1‬وأبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب األقضية ‪ ،11/ 4‬واللفظ له‪ .‬وابن أيب‬ ‫‪2‬‬

‫ش يبة يف مص نفه ‪ .158 / 12‬واحلاكم يف املس تدرك ‪ ،135 / 3‬وق ال ‪ :‬ه ذا احلديث ص حيح على ش رط‬
‫الشيخني ومل خيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪ .‬وحسنه األلباين يف صحيح سنن أيب داود برقم ‪.3057‬‬
‫() الزبية حفرة حتفر لألسد‪ ،‬وال حتفر إال يف مكان عال من األرض ؛ لئال يبلغها السيل فتنطم‪ ،‬وقال الفراء ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫مسيت زبية األسد زبية الرتفاعها عن السيل‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،353 / 14‬مادة [زيب] )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪125‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الدي ة‪ ،‬والدي ة كامل ة‪ .‬فلألول الرب ع ؛ ألن ه هل ك َم ْن فَوق هُ‪ ،‬وللث اين ثلث الدي ة‪ ،‬وللث الث نص ف‬
‫الدية } فلما ذهب األولياء إىل رسول اهلل ص وأخربوه‪ ،‬أقر هذا القضاء‪.) (.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن أقض يته ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ا رواه زي د بن أرقم‪ ،‬ق ال‪ُ { :‬أيت علي بثالث ة وه و‬
‫باليمن وقعوا على امرأة يف طهر واحد‪ ،‬فسأل اثنني‪ :‬أتقران هلذا بالولد ؟ قاال‪ :‬ال حىت سأهلم‬
‫مجيعا‪ ،‬فجعل كلما سأل اثنني‪ ،‬قاال‪ :‬ال‪ ،‬فأقرع بينهم‪ ،‬فأحلق الولد بالذي صارت عليه القرعة‪،‬‬
‫ً‬
‫وجعل عليه ثلثي الدية( )‪ ،‬قال فذكر ذلك لنيب ص فضحك حىت بدت نواجذه( ) }( )‪ .‬وكان‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪)5‬‬
‫وسرورا بتوفيق اهلل تعاىل عليًا للصواب‪ ،‬ولذلك قرره على ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫فرحا‬
‫ضحك رسول اهلل ص ً‬

‫() انظر احلديث يف مسند اإلمام أمحد‪ ،‬وقال أمحد شاكر إسناده صحيح ( املسند بتحقيق أمحد شاكر‪ ،‬حديث‬ ‫‪1‬‬

‫رقم ‪ .) 573‬وذك ره اهليثمي يف جمم ع الزوائ د ‪ .287 / 6‬واحملب الط ربي يف ذخ ائر العق ىب ص ‪.84‬‬
‫أيض ا ‪ :‬عبداهلل عثم ان علي مقب ل‪،‬‬
‫والس يوطي يف مس ند علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) ‪ .27 /1‬وانظ ر ً‬
‫قضاء أمري املؤمنني علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) (رسالة ماجستري) ص ‪.175-165‬‬
‫() قال اإلمام السندي يف حاشيته على سنن النسائي ‪ : 182 / 6‬ثلثي الدية ‪ :‬أي القيمة‪ ،‬واملراد قيمة األم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فإهنا انتقلت إليه من يوم دفع عليها بالقيمة‪.‬‬


‫اَألر َح ِاء‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح‬
‫() مجع ناجذ ‪ :‬آخر األضراس‪ ،‬ولإلنسان أربعة نواجذ يف أقصى األسنان بعد ْ‬
‫‪3‬‬

‫‪ ،571 / 2‬مادة [جنذ] )‪ .‬قال احلافظ جالل الدين السيوطي يف شرحه على سنن النسائي ‪ : 183 / 6‬مجع‬
‫ناجذ وهي األضراس‪ ،‬قال يف النهاية واملراد اُألول‪ ،‬ألنه ما كان يبلغ منه الضحك حىت يبدو آخر أضراسه‪،‬‬
‫كيف وقد جاء يف صفة ضحكه التبسم‪ ،‬وإن أريد به األواخر فالوجه فيه أن يراد مبالغة مثله يف ضحكه من‬
‫غري أن يراد ظهور نواجذه يف الضحك‪ ،‬وهو أقيس القولني ؛ الشتهار النواجذ بأواخر األسنان‪.‬‬
‫() أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب الطالق ‪ ،700 / 2‬واللفظ له‪ .‬وأخرجه النسائي يف سننه‪ ،‬كتاب النكاح‬ ‫‪4‬‬

‫‪ .182 / 6‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب األحك ام ‪ .786 / 2‬وابن أيب ش يبة يف مص نفه ‪.379 / 11‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح سنن أيب داود برقم ‪ ،1963‬وصحيح سنن ابن ماجة برقم ‪.1901‬‬
‫() انظر ‪ :‬حاشية اإلمام السندي على سنن النسائي ‪ .182 / 6‬وملعرفة املزيد من أقضية علي بن أيب طالب‬ ‫‪5‬‬

‫(رضي اهلل عنه) انظر رسالة املاجستري املذكورة ساب ًقا‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪126‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وكذلك شهادة كبار الصحابة له هبذا التميز‪ ،‬فقد كان عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬يق ول‪ { :‬علي أقض انا }( )‪ .‬وعن عبداهلل بن مس عود ق ال‪ { :‬كن ا نتح دث أن أقض ى أه ل‬
‫‪1‬‬

‫املدينة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) (} -‬‬


‫‪2‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫منهج أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في الدعوة إلى العقيدة‬

‫المبحث األول‬

‫منهجه في الدعوة إلى اإللهيات‬

‫تع ــريف‬

‫الدعوة إىل اإلهليات تعين الدعوة إىل توحيد اهلل سبحانه وتعاىل يف ألوهيته‪ ،‬وهو االعتقاد‬
‫اجلازم بأنه تعاىل وحده املستحق للعبادة دون من سواه‪ ،‬وصرف مجيع أنواع العبادة هلل وحده ال‬
‫شريك له‪.‬‬

‫() أخرج ه ابن عب د ال رب‪ ،‬االس تيعاب يف معرف ة األص حاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د البج اوي ص ‪ .1102‬وذك ره‬ ‫‪1‬‬

‫الشريازي يف طبقات الفقهاء ص ‪.23‬‬


‫() أخرجه احلاكم يف املستدرك ‪ ،135 / 3‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪127‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وال دعوة إىل توحي د اهلل س بحانه وتع اىل يف ربوبيت ه‪ ،‬وه و اإلق رار ب أن اهلل س بحانه وتع اىل‬
‫رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه‪ ،‬وأنه احمليي املميت‪ ...‬الذي له األمر كله‪ ،‬وبيده اخلري‬
‫كله‪ ،‬القادر على ما يشاء‪ ،‬ليس له يف ذلك شريك‪.‬‬

‫وال دعوة إىل توحي د اهلل بأمسائه وص فاته‪ ،‬وه و اإلق رار ب أن اهلل س بحانه وتع اىل ل ه األمساء‬
‫(‪)1‬‬
‫احلسىن‪ ،‬والصفات العلى‪ ،‬ليس له شبيه وال مثيل { ليس كمثله شيء وهو السميع البصري }‬
‫وأن اهلل س بحانه وتع اىل ال يوص ف إال مبا وص ف ب ه نفس ه أو وص فه ب ه نبي ه حمم د ص من غ ري‬
‫(‪)2‬‬
‫تشبيه وال متثيل وال حتريف وال تعطيل‪.‬‬

‫وهذه األنواع الثالثة للتوحيد متالزمة ؛ كل نوع منها ال ينفك عن اآلخر‪ ،‬فمن أتى بنوع‬
‫(‪)3‬‬
‫منها ومل يأت باآلخر فما ذاك إال ألنه مل يأت به على وجه الكمال املطلوب‪.‬‬

‫المن ـ ــهج‬

‫أواًل ‪ :‬التعريف باهلل سبحانه وتعالى‬

‫() سورة الشورى‪ ،‬جزء من اآلية ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظ ر الكالم على أن واع التوحي د عن د ابن أيب الع ز‪ ،‬ش رح العقي دة الطحاوي ة ص ‪ 78‬وم ا بع دها‪ .‬وعن د‬ ‫‪2‬‬

‫الشيخ سليمان بن عبداهلل بن حممد بن عبد الوهاب‪ ،‬تيسري العزيز احلميد ص ‪ 33‬وما بعدها‪ .‬وعند الشيخ‬
‫عب دالرمحن بن حس ن آل الش يخ‪ ،‬فتح اجملي د ص ‪ 25‬وم ا بع دها‪ .‬وعن د الش يخ د‪ /‬ص احل بن ف وزان الف وزان‪،‬‬
‫اإلرش اد إىل ص حيح االعتق اد ص ‪ 17‬وم ا بع دها‪ .‬و عن د الش يخ عب د العزي ز الس لمان‪ ،‬األس ئلة واألجوب ة‬
‫األصولية على العقيدة الواسطية ص ‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬
‫() الشيخ محد بن عتيق‪ ،‬إبطال التنديد شرح كتاب التوحيد ص ‪.14‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪128‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الشك أن العلم باهلل سبحانه وتعاىل واج ـ ـ ـ ــب على املكلف( ) ؛ لقوله سبحانه { فاعلم أنه‬
‫‪4‬‬

‫ال إل ه إال اهلل واس تغفر ل ذنبك }( )‪ ،‬فمن ك ان باهلل أع رف ك ان من ه أخ وف‪ ،‬كم ا يف قول ه‬
‫‪1‬‬

‫س بحانه وتع اىل { إمنا خيش ى اهلل من عب اده العلم اء }( ) وأكم ل الن اس يف ه ذا اجلانب رس ول‬
‫‪2‬‬

‫اللهص حيث يق ول‪ (( :‬م ا ب ال أق وام يت نزهون عن الش يء أص نعه ؟ ف و اهلل ! إين أعلمهم باهلل‪،‬‬
‫وأش دهم ل ه خش ية ))( )‪ .‬والعلم باهلل ه و العلم بأمسائه وص فاته‪ ،‬وثواب ه وعقاب ه‪ ،‬والعلم بقدرت ه‬
‫‪3‬‬

‫ورمحت ه‪ ،‬وحنو ذل ك مما ي دعو إىل اإلميان ب ه‪ .‬وألمهي ة ه ذا العلم ق ال أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪(( :-‬يا ط الب العلم ! إن للعامِل ثالث عالم ات‪ :‬العلم باهلل‪ ،‬ومبا حيب‬
‫اهلل‪ ،‬ومبا يك ره اهلل))( )‪ ،‬ولق د س لك أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬منهج‬
‫‪4‬‬

‫التعريف باهلل يف الدعوة إليه‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬التعريف بأسمائه وصفاته‬

‫ق ال أم ري املؤم نني ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف مع رض وص فه للم وىل س بحانه وتع اىل‪(( :‬ه و‬
‫العامل بكل مكان‪ ،‬وكل حني وأوان‪ ،‬وكل هناية ومدة‪ .‬واألمد إىل اخللق مضروب‪ ،‬واحلد إليه‬

‫() قال إمام احلرمني ‪ (( :‬أمجع العلماء على وجوب معرفة اهلل تعاىل‪ ،‬واختلفوا يف أول واجب‪ ،‬فقيل ‪ :‬املعرفة‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وقيل ‪ :‬النظر )) انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .70 / 1‬والعيين‪ ،‬عمدة القاري ‪ .165 / 1‬وقال الشيخ عبد‬
‫العزيز بن باز يف تعليقه على الفتح ‪ (( :‬الصواب ما ذكره احملققون من أهل العلم‪ ،‬أن أول واجب هو شهادة‬
‫علما وعماًل ‪ ،‬وهو أول شيء دعا إليه الرسل ))‪.‬‬
‫أن ال إله إال اهلل ً‬
‫() سورة حممد‪ ،‬جزء من اآلية ‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة فاطر‪ ،‬جزء من اآلية ‪ .28‬وانظر تفسري ابن كثري هلذه اآلية ‪.554 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب االعتص ام بالس نة ‪ .363 / 4‬ومس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب‬ ‫‪3‬‬

‫الفض ائل‪ .1829 / 4 ،‬من ح ديث عائش ة (رض ي اهلل عنه ا)‪ .‬وس بب احلديث ه و ق ول عائش ة (رض ي اهلل‬
‫عنها) ‪ (( :‬صنع النيب ص شيًئا ترخص فيه‪ ،‬وتنزه عنه قوم‪ ،‬فبلغ ذلك النيب ص فحمد اهلل وأثىن عليه‪ ،‬وذكرت‬
‫احلديث ))‪.‬‬
‫() تاريخ اليعقويب ‪.207 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪129‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫غري منسوب‪ ،‬مل خيلق األشياء من أصول أولية‪ ،‬وال بأوائل كانت قبله بدية‪ ،‬بل خلق ما خلق‬
‫فأقام خلقه‪ ،‬وصور ما صور فأحسن صورته‪ ،‬توحد يف علوه فليس لشيء منه امتناع‪ ،‬وال له‬
‫بطاع ة ش يء من خلق ه انتف اع‪ ،‬إجابت ه لل داعني س ريعة‪ ،‬واملالئك ة يف الس ماوات واألرض ني ل ه‬
‫مطيع ة‪ ،‬علم ه ب األموات البائ دين‪ ،‬كعلم ه باألحي اء املتقل بني‪ ،‬وعلم ه مبا يف الس ماوات العلى‪،‬‬
‫كعلم ه مبا يف األرض الس فلى‪ ،‬وعلم ه بك ل ش يء‪ .‬ال حتريه األص وات‪ ،‬وال تش غله اللغ ات‪...‬‬
‫مدبر بصري‪ ،‬عامل باألمور‪ ،‬حي قيوم‪ ...‬سبحانه وتعاىل عن تكييف الصفات ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وجاء يهودي إىل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬فسأله‪ :‬مىت كان‬
‫ربن ا ؟ فتَ َم َّعَر( ) وج ه علي وق ال‪ :‬مل يكن فك ان ؟! ه و ك ان وال كينون ة‪ ،‬ك ان بال كي ف‪ ،‬ك ان‬
‫‪2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫ليس قبل وال غاية‪ ،‬انقطعت الغايات دونه‪ ،‬فهو غاية كل غاية )) فأسلم اليهودي‪.‬‬

‫ومما يرويه عن رسول اهلل ص يف صفات اهلل سبحانه وتعاىل قوله‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ص‪(( :‬إن اهلل رفيق حيب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ماال يعطي على العنف ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫إن معرف ة أمساء اهلل وص فاته‪ ،‬وتأم ل معانيه ا‪ ،‬واإلميان هبا‪ ،‬تثم ر للعب د حمب ة اهلل وتعظيم ه‬
‫املوج بني للقي ام ب أمره وهني ه‪ ،‬كم ا ت وجب اللج وء إلي ه يف الكرب ات‪ ،‬وس ؤاله عن د احلاج ات‪،‬‬
‫واستغاثته يف امللمات‪ ،‬وحنو ذلك من أنواع العبادات‪.‬‬

‫‪ -2‬التعريف بثواب اهلل وعقابه‬

‫() انظر ‪ :‬أبا نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪.73 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() متعر ‪ :‬تغري‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬للسان العرب ‪ ،181 / 5‬مادة [ معر ] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.206‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .173 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وذكره اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ 18 / 8‬وقال ‪ :‬رواه أمحد والبزار وأبو يعلى‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪130‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫طمع ا يف‬
‫العلم بثواب اهلل سبحانه وتعاىل للطائعني يسوق العباد إىل القرب من اهلل بطاعته ً‬
‫ثواب ه‪ .‬والعلم بعق اب اهلل س بحانه وتع اىل للعاص ني يس وق العب اد إىل الق رب من اهلل بالبع د عن‬
‫معص يته خوفً ا من عقاب ه‪ ،‬ل ذا ف إن الرغب ة والرهب ة حاديت ان إىل الق رب من اهلل س بحانه وتع اىل‪،‬‬
‫كما يف قوله سبحانه { ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعني}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫لقد سلك أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مسلك التعريف بثواب‬
‫اهلل وعقابه يف الدعوة إليه‪ .‬ويبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أثر اخلوف‬
‫(‪)2‬‬
‫من اهلل سبحانه وتعاىل على قلوب اخلائفني بقوله‪ (( :‬خوف اهلل جيلي القلوب ))‬

‫ومن كالم أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذا اجلانب ما ورد يف‬
‫خطبة له‪ ،‬حيث حتدث فيها عن القرب مث قال‪ (( :‬أال وإن وراء ذلك ما هو أشد منه‪ ،‬نار حرها‬
‫ش ديد‪ ،‬وقعره ا بعي د‪ ،‬وحليه ا ومقامعه ا حدي د‪ ،‬وماؤه ا ص ديد‪ ،‬ليس هلل في ه رمحة‪ .‬مث بكى‬
‫وبكى املس لمون حول ه‪ ،‬مث ق ال‪ :‬أال وإن وراء ذل ك جن ة عرض ها الس ماوات واألرض أع دت‬
‫للمتقني‪ ،‬جعلنا اهلل وإياكم من املتقني‪ ،‬وأجارنا وإياكم من العذاب األليم ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ول و تأملن ا ه ذا الوص ف البلي غ من أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫لوجدنا أنه قابل بني متضادين‪ :‬عذاب النار‪ ،‬ونعيم اجلنة‪ .‬ومن شأن هذا التضاد أن يزيد الفكرة‬
‫أثريا يف قل وب املدعوين‪ ،‬إذ تب دو ص فات ك ل من الض دين أوض ح‬
‫وحا‪ ،‬وأن يزي د املع ىن ت ً‬
‫وض ً‬
‫وأقوى وأبرز ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() سورة األنبياء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.90‬‬ ‫‪1‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬من كالم أمري املؤمنني وإمام املتقني علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬ورقة ‪،14‬‬ ‫‪2‬‬

‫وجه ‪.2‬‬
‫() أورده ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.7 / 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬بالغة اإلمام علي‪ ،‬د‪ .‬أمحد حممد احلويف ص ‪.303‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪131‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وه ذا األس لوب ش ائع يف الق رآن الك رمي‪ ،‬فتج د مثاًل يف آي ة واح دة أو يف آي ات متتالي ة‬
‫ذكرا حلال السعداء واألشقياء‪ ،‬أو وص ًفا للجنة والنار‪ ،‬أو بيانًا للخري والشر وحنو ذلك ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ً‬

‫وح ِذر‪ ،‬وأبص ر وازدج ر‪،‬‬


‫وق ال يف موعظ ة ل ه‪ (( :‬عب اد اهلل ! اتق وا اهلل تقي ة من وج ل َ‬
‫منتقم ا ونص ًريا‪ ،‬وكفى‬
‫ف احتث طلبً ا وجنا هربً ا‪ ،‬وق دم للمع اد واس تظهر ال زاد‪ ،‬وكفى باهلل ً‬
‫وحجيج ا‪ ،‬وكفى باجلن ة ثوابً ا‪ ،‬وكفى بالن ار وب ااًل وعقابً ا‪ ،‬وأس تغفر اهلل يل‬
‫ً‬ ‫بالكت اب خص ًما‬
‫ولكم ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫شر بعده اجلنة بش ٍر‪ ،‬وما‬


‫وقال ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف وصية لولده احلسن‪ (( :‬يا بين ! ما ٌ‬
‫خري بعده النار خب ٍري‪ ،‬فكل نعيم دون اجلنة حمقود‪ ،‬وكل بالء دون النار عافية))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ٌ‬

‫ومن كالمه البليغ يف خطبة له‪ (( :‬إن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه‪ ،‬وإن أغشكم لنفسه‬
‫أعصاكم لربه‪ ،‬من يطع اهلل يأمن ويستبشر‪ ،‬ومن يعص اهلل خيف ويندم ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -3‬التعريف بنعم اهلل المستوجبة لشكره‬

‫اإلنس ان ميَّال بطبع ه إىل من ينفع ه‪ ،‬وال أعظم من نف ع اهلل س بحانه وتع اىل لعب اده ب النعم‬
‫املتوالية عليهم‪ ،‬فمن أدرك هذه النعم حق اإلدراك زادت حمبة اهلل سبحانه وتعاىل يف قلبه‪ ،‬ومن‬
‫منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اإلهليات إيقاظ الضمائر‬
‫والتذكري بنعم اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫() انظ ر ـ مثاًل ـ اآلي ات ‪ 108 - 106 :‬من س ورة ه ود‪ ،‬واآلي ات ‪ 108 - 103 :‬من س ورة الكه ف‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫واآليات ‪ 74 - 71 :‬من سورة الزمر‪.‬‬


‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.329 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جالل ال دين الس يوطي‪ ،‬احلكمي ات من كالم علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) ( خمط وط ) صفحة ‪33‬‬ ‫‪3‬‬

‫وجه‪.1‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.308 / 7 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪132‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأسلوب التعريف بنعم اهلل سبحانه وتعاىل يف الدعوة إليه سلكه األنبياء من قبل‪ ،‬فهذا‬
‫هود عليه السالم يقول لقومه‪ { :‬واتقوا الذي أمدكم مبا تعلمون‪ .‬أمدكم بأنعام وبنني‪ .‬وجنات‬
‫وعي ون‪ .‬إين أخ اف عليكم ع ذاب ي وم عظيم }( )‪ .‬وق ال ص احل لقوم ه‪ { :‬واذك روا إذ جعلكم‬
‫‪1‬‬

‫ورا وتنحت ون من اجلب ال بيوتً ا‬


‫خلف اء من بع د ع اد وب وأكم يف األرض تتخ ذون من س هوهلا قص ً‬
‫فاذكروا آالء اهلل وال تعثوا يف األرض مفسدين }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ذكرا باهلل س بحانه‬


‫ومن أق وال علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ه ذا الوج ه م ً‬
‫وتعاىل وبنعمه على عباده‪ (( :‬أوصيكم عباد اهلل بتقوى اهلل الذي ضرب لكم األمثال‪ ،‬ووقت‬
‫أمساعا تعي م ا عناه ا‪ ،‬وأبص ًارا لتجل و عن غش اها‪ ،‬وأفئدة تفهم م ا‬
‫لكم اآلج ال‪ ،‬وجع ل لكم ً‬
‫دهاه ا‪ ،‬يف ت ركيب ص ورها وم ا أعمره ا‪ ،‬ف إن اهلل مل خيلقكم عبث ا‪ ،‬ومل يض رب عنكم ال ذكر‬
‫صفحا‪ ،‬بل أكرمكم بالنعم السوابغ‪ ،‬وأرفدكم بأوفر الروافد‪ ،‬وأحاط بكم اإلحصاء‪ ،‬وأرصد‬
‫ً‬
‫لكم اجلزاء يف الس راء والض راء‪ ،‬ف اتقوا اهلل عب اد اهلل وج دوا يف الطلب‪ ،‬وب ادروا بالعم ل مقط ع‬
‫النهمات وهادم اللذات ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كم ا حيث أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬املدعوين على الق رب من‬
‫اهلل بش كر النعم احلاص لة‪ ،‬وحيذرهم من الرك ون إليه ا واألمن معه ا‪ ،‬وي رغبهم فيم ا عن د اهلل من‬
‫املزي د يف حال ش كر النعم‪ ،‬حيث يق ول‪ (( :‬فإن ن زلت بكم رغب ة فاش كروا اهلل‪ ،‬وامجع وا معه ا‬

‫() سورة الشعراء‪ ،‬اآليات ‪.135 - 132‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.74‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه أبو نعيم يف احللية ‪ .78 / 1‬وذكره ابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪ .328 /1‬وهو جزء من موعظة‬ ‫‪3‬‬

‫طويلة لعلي (رضي اهلل عنه) مبناسبة تشييع جنازة‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪133‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رهبة‪ ،‬وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا اهلل وامجعوا معها رغبة‪ ،‬فإن اهلل قد تأذن املسلمني باحلسىن‪،‬‬
‫وملن شكر بالزيادة ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف إشارة لطيفة من أمري املؤمنني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫ب التعريف بنعم ه يق ول‪ (( :‬من ع رف نفس ه فق د ع رف ربه ))( )‪ ،‬من ع رف نفس ه يف حس ن‬
‫‪2‬‬

‫تصويره‪ ،‬ودقة تركيبه‪ ،‬وما له من جوارح يرى هبا املرئيات‪ ،‬ويسمع هبا املسموعات‪ ،‬ويتحس س‬
‫هبا احملسوسات‪ .‬وما ُجعِ ل فيه من األجهزة ذوات العمليات‪ ،‬منها ما هو للهواء‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫للغذاء‪ ،‬ومنها ما هو جلريان الدماء‪ ...‬من عرف ذلك كله‪ ،‬وما خفي عنه أعظم مما علمه‪ ،‬علم‬
‫حكيما‪ ،‬أحسن كل شيء خلقه‪ ،‬وصور اإلنسان فأحسن صورته‪ .‬ويف‬
‫ً‬ ‫عليما‬
‫صانعا‪ً ،‬‬
‫أن له إهلًا ً‬
‫الدعوة إىل اإلميان بالتفكر يف النفس يقول املوىل سبحانه وتعاىل { ويف أنفسكم أفال تبصرون }‬
‫( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -4‬إزالة ما يعبد من دون اهلل‬

‫إزالة األصنام واألوثان‪ ،‬اليت تعبد من دون الرمحن‪ ،‬وبيان بطالهنا‪،‬من أهم جوانب الدعوة‬
‫إىل توحيد امللك الديان‪ ،‬كما هو منهج النيب ص‪ ،‬فقد دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ستون‬
‫ص ب( )‪ ،‬فجعل يطعنها بعود يف يده‪ ،‬ويقول‪ (( :‬جاء احلق وزهق الباطل‪ ،‬جاء احلق‬
‫وثالمثائة نُ ُ‬
‫‪4‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.309 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،102‬وجه ‪.2‬‬


‫() سورة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪ .21‬وانظر كالم سيد قطب يف معىن اآلية يف كتابه يف ظالل القرآن ‪3379 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬
‫() مف رد مجع ه أنص اب‪ ،‬وه و م ا نص ب فعب د من دون اهلل تع اىل‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،225 / 1‬م ادة‬ ‫‪4‬‬

‫[نصب])‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪134‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وما يبديء الباطل وما يعيد ))( )‪ .‬ومل يكتف مبا صنع هو‪ ،‬فقد أرسل رجاله وسراياه إىل أماكن‬
‫‪1‬‬

‫األوثان‪ ،‬فحطموا ما حول الكعبة الشريفة‪ ،‬مث حطموا ما هو خارجها‪ ،‬ف ُكسرت الالت والعزى‬
‫ومناة الثالثة األخرى‪ ،‬ونادى مناديه يف أهل مكة‪ (( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬فال يدع‬
‫صنما إال كسره )) وصار الذين دخلوا يف اإلسالم يتسابقون يف كسر ما حتت أيديهم‬
‫يف بيته ً‬
‫(‪)2‬‬
‫من األوثان‪.‬‬

‫ولق د ق ام علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع رس ول اهلل ص بتكس ري أص نام‬
‫املشركني يف مكة‪ ،‬كما حيدث علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فيقول‪ (( :‬انطلقت أنا والنيب ص حىت‬
‫أتينا الكعبة‪ ،‬فقال يل رسول اهلل ص ‪ :‬اجلس‪ ،‬وصعد على منكيب‪ ،‬فذهبت ألهنض به‪ ،‬فرأى مين‬
‫ضع ًفا فنزل‪ ،‬وجلس يل نيب اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) وقال‪ :‬اصعد على منكيب‪ ،‬قال‪ :‬فصعدت‬
‫على منكبيه‪ ،‬قال‪ :‬فنهض يب‪ ،‬قال‪ :‬فإنه خييل ِإ َّ‬
‫يل أين لو شئت لنلت أفق السماء‪ ،‬حىت صعدت‬
‫على البيت‪ ،‬وعليه متثال صفر‪ ،‬فجعلت أزاوله( ) عن ميينه وعن مشاله وبني يديه ومن خلفه‪ ،‬حىت‬
‫‪3‬‬

‫إذا استمكنت منه قال يل رسول اهلل ص اقذف به‪ .‬فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير‪ ،‬مث‬
‫نزلت فانطلقت أنا ورسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) نستبق‪ ،‬حىت توارينا بالبيوت‪ ،‬خشية أن‬
‫يلقانا أحد من الناس ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي ‪.150 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬حممد أبو زهرة‪ ،‬خامت النبيني ‪.1016 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املزاولة ‪ :‬احملاولة واملعاجلة ( ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،316 / 11‬مادة [ زول ] )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرج ه األم ام أمحد يف املس ند‪ ،‬واللف ظ ل ه‪ ،‬املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ 57،58 / 2‬وق ال أمحد ش اكر‬ ‫‪4‬‬

‫إسناده صحيح‪ .‬و أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .488 / 14‬واحلاكم يف املستدرك ‪ ،5 / 3‬وقال ‪ :‬هذا‬
‫حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ .‬وذكره اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ ،23 / 6‬ونسبه ألمحد وابنه وأيب يعلى‬
‫والبزار‪ ،‬وقال‪ :‬ورجال اجلميع ثقات‪ .‬والبزار يف مسنده‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حمفوظ الرمحن زين اهلل ‪.22 ،21 / 3‬‬
‫كما ذكره ابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪.310 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪135‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وجند أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ح ريص على ه دم األص نام وإزالته ا‪،‬‬
‫فعن دما ك ان رس ول اهلل ص يف جن ازة ق ال‪ (( :‬أيكم ينطل ق إىل املدينة فال ي دع هبا وثنً ا إال‬
‫قربا إال سواه‪ ،‬وال صورة إال لطخها ؟ فقال رجل‪ :‬أنا يا رسول اهلل‪ ،‬فانطلق فهاب‬
‫كسره‪ ،‬وال ً‬
‫علي‪ :‬أنا أنطلق يا رسول اهلل‪ ،‬فانطلق مث رجع‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل ! مل‬
‫أهل املدينة‪ ،‬فرجع‪ ،‬قال ٌّ‬
‫قربا إال سويته‪ ،‬وال صورة إال لطختها‪ ،‬مث قال رسول اهلل ص‪ :‬من‬
‫أدع هبا وثنًا إال كسرته‪ ،‬وال ً‬
‫عاد لصنعة شيء من هذا فقد كفر مبا أنزل على حممد ص‪ ،‬مث قال‪ :‬ال تكونن فتانًا وال خمت ااًل ‪،‬‬
‫تاجرا إال تاجر خري‪ ،‬فإن أولئك هم املسبوقون بالعم ل ))( )‪ .‬وك ان علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫وال ً‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬قد بعث أبا اهلياج األسدي( ) بطمس التماثيل‪ ،‬وتسوية القبور( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص نَ َم طَ ّي ـ حيث بعثه رسول‬


‫كما أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هدم ال ُف ْلس ـ َ‬
‫اهلل ص إليها يف شهر ربيع اآلخر سنة تسع من اهلجرة ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫نفع ا وال‬
‫وتكسري األصنام وإزالتها فيه بيان لبطالن هذه املعبودات‪ ،‬وأهنا ال متلك ألحد ً‬
‫ضرا‪ ،‬ولو كانت متلك من ذلك شيًئا ألمكنها الدفاع عن نفسها‪.‬‬
‫ً‬

‫‪ -6‬سد ذرائع( ) الشرك‬


‫‪5‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،68 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حيان بن حصني أبو اهلياج األسدي الكويف‪ ،‬ذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬قال العجلي ‪ :‬تابعي ثقة‪ .‬وقال‬ ‫‪2‬‬

‫ابن عبد الرب ‪ :‬كان كاتب عمار (رضي اهلل عنه)‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 59 / 3‬‬
‫() سيأيت احلديث قريبًا‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر خرب هذه السرية عند الواقدي‪ ،‬املغازي ‪ .984 / 3‬وابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪ .164 / 2‬وابن‬ ‫‪4‬‬

‫هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ .164 / 2‬وابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪.517 / 3‬‬
‫() مجع ذريعة وهي الوسيلة‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1211 / 3‬مادة [ذرع] )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪136‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إن مبدأ الشرك بالصاحلني هو الغلو فيهم‪ ،‬ومبدأ الشرك بالنجوم هو الغلو فيها‪ ،‬واعتقاد‬
‫النح وس فيه ا والس عود‪ ،‬ومب دأ الش رك ب القبور ه و البن اء عليه ا‪ ،‬والص الة عن دها‪ ،‬وم ا تص وير‬
‫أصحاب املكانة يف اجملتمعات ومتثيلهم‪ ،‬إال وسيلة تؤدي إىل الشرك ولو بعد حني‪.‬‬

‫وم ع ه ذا ف إن الش يطان يت درج باإلنس ان بوس ائل خفية‪ ،‬أو ب إمور يعتق د أهنا من ال دين‪،‬‬
‫ح ىت يوص له هبذا الت درج إىل اإلش راك باهلل‪ ،‬وعب ادة األوث ان‪ .‬ك ل جمتم ع حبس به‪ ،‬وك ل ق وم مبا‬
‫عن دهم‪ .‬كم ا فع ل م ع ق وم ن وح ح ىت أوقعهم يف عب ادة أص نامهم ( ود‪ ،‬وس واع‪ ،‬ويغ وث‪،‬‬
‫ويعوق‪ ،‬ونسر )‪ ،‬فقد أخرج البخاري عن ابن عباس (رضي اهلل عنهما ) أن أمساء هذه األصنام‬
‫كانت (( أمساء رجال صاحلني من قوم نوح‪ ،‬فلما هلكوا أوحى الشيطان إىل قومهم‪ :‬أن انصبوا‬
‫إىل جمالس هم ال يت ك انوا جيلس ون أنص ابًا‪ ،‬ومسوها بأمسائهم‪ ،‬ففعل وا‪ ،‬فلم ُت ْعبَ ْد‪ ،‬ح ىت إذا هل ك‬
‫أولئك‪ ،‬وَتنَ َّس خ العلم‪ ،‬عبدت ))( )‪ .‬قال الشيخ عبدالرمحن بن حسن( )‪ (( :‬فإهنم تركوا بذلك‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫دين اإلس الم ال ذي ك ان أولئك علي ه‪ ،‬قب ل ح دوث وس ائل ه ذا الش رك‪ ،‬وكف روا بعب ادة تل ك‬
‫الصور‪ ،‬واختذوهم شفعاء‪ ،‬وهذا أول شرك وقع يف األرض ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كالم ا مجياًل لإلم ام ابن القيم رمحه اهلل تع اىل يف بي ان‬


‫نق ل الش يخ عب دالرمحن بن حس ن ً‬
‫تدرج الشيطان باإلنسان حىت يوقعه يف الشرك‪ ،‬حيث يقول‪ :‬وما زال الشيطان يوحي إىل ُعبَّاد‬
‫القبور ويلقي إليهم أن البناء والعكوف عليها من حمبة أهل القبور‪ ،‬من األنبياء والصاحلني‪ ،‬وأن‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب التفسري ‪.316 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن حممد بن عبد الوهاب النجدي احلنبلي‪ ،‬تتلمذ على جده شيخ اإلسالم‪ ،‬وعلى بعض أعمامه‪ ،‬بلغ منزلة‬ ‫‪2‬‬

‫عالي ة يف العلم فأص بح من مش اهري علم اء جند‪ .‬ت ويف س نة ‪ 1285‬هـ (انظ ر ‪ :‬اب راهيم بن ص احل بن عيس ى‬
‫النجدي‪ ،‬عقد الدرر فيما وقع يف جندمن احلوادث يف آخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر‪ ،‬ذيل‬
‫كتاب عنوان اجملد يف تاريخ جند ص ‪ 54‬وما بعدها )‪.‬‬
‫() فتح اجمليد ص ‪.302‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪137‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الدعاء عندها مس تجاب‪ ،‬مث ينقلهم من هذه املرتبة إىل ال دعاء هبا‪ ،‬و اإلقس ام على اهلل هبا‪ ،‬فإن‬
‫شأن اهلل أعظم من أن يقسم عليه‪ ،‬أو يسأل بأحد من خلقه‪.‬‬

‫ف إذا تق رر ذل ك عن دهم‪ ،‬نقلهم من ه إىل دعائ ه وعبادت ه‪ ،‬وس ؤاله الش فاعة من دون اهلل‪،‬‬
‫واختاذ قربه وثنًا تعلق عليه القناديل والستور‪ ،‬ويطاف به ويستلم ويقبل‪ ،‬وحيج إليه ويذبح عنده‪.‬‬

‫ف إذا تق رر ذل ك عن دهم‪ ،‬نقلهم من ه إىل دع اء الن اس إىل عبادت ه‪ ،‬واختاذه عي ًدا ومنس ًكا‪،‬‬
‫ورأوا أن ذلك أنفع هلم يف دنياهم وأخراهم‪ .‬وكل هذا مما قد علم باالضطرار من دين اإلسالم‬
‫أنه مضاد ملا بعث اهلل به رسوله ص‪ :‬من جتريد التوحيد‪ ،‬وأن ال يعبد إال اهلل‪.‬‬

‫ف إذا تقرر ذل ك عن دهم نقلهم من ه إىل أن من هنى من ذل ك فق د تنقص أه ل ه ذه ال رتب‬


‫العالي ة‪ ،‬وحطهم من م نزلتهم‪ ،‬وزعم أهنم ال حرم ة هلم وال ق در‪ ،‬فغض ب املش ركون وامشأزت‬
‫قلوهبم‪ ،‬كما قال تعاىل‪ { :‬وإذا ذكر اهلل وحده امشأزت قلوب الذين ال يؤمنون باآلخرة وإذا‬
‫ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون }( ) وسرى ذلك يف نفوس كثري من اجلهال والطغام‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫عاد ْوا أهل التوحيد‪ ،‬ورموهم بالعظائم‪ ،‬ونفَّروا الناس‬


‫وكثري ممن ينتسب إىل العلم والدين‪ ،‬حىت َ‬
‫عنهم‪ ،‬ووالَ ْوا أهل الشرك وعظموهم‪ ،‬وزعموا أهنم أولياء اهلل‪ ،‬وأنصار دينه ورسوله‪ .‬ويأىب اهلل‬
‫(‪)3‬‬
‫ذلك {وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إال املتقون }( )‪ .‬انتهى كالم ابن القيم ( رمحه اهلل )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وأمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل يغفل هذه الوسائل‪ ،‬فقد سعى‬
‫جاهدا يف جتريد التوحيد‪ ،‬وقطع أسباب الشرك ووسائله من مجيع اجلهات‪ .‬كما يف حتذيره من‬
‫ً‬
‫اختاذ القبور مساجد ملا تسببه من الفتنة يف أهلها‪ ،‬وكوهنا ذريعة إىل عبادة األموات‪ ،‬وقد وصف‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬جزء من اآلية ‪.34‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتح اجمليد ص ‪.303 ،302‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪138‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من فعل ذلك بأنه من شرار الناس‪ ،‬كما يف قوله‪ (( :‬شرار الناس من يتخذ‬
‫القبور مساجد))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وسعى جبد يف طمس الصور وتسوية القبور كما بعث يف ذلك أبا اهلياج األسدي فقال‬
‫قربا مشرفًا‬
‫له‪ (( :‬أال أبعثك على ما بعثين عليه رسول اهلل ص‪ ،‬أن ال تدع متثااًل إال طمسته‪ ،‬وال ً‬
‫إال سويته))( )‪ .‬ويف هذا تصريح بأن النيب ص بعث عليً ا لذلك‪ ،‬ولقد سلك علي بن أيب طالب‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هذا النهج يف دعوته‪ .‬وطمس الصور ملضاهاهتا خللق اهلل‪ ،‬وتسوية القبور ملا‬
‫يف تعليتها من الفتنة بأرباهبا وتعظيمها‪ ،‬وهو من ذرائع الشرك ووسائله ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ح ىت اللعب بالتماثي ل من غ ري تعظيم‪ ،‬فإن ه مل يس كت عن ه‪ ،‬ب ل ش دد يف اإلنك ار علي ه‪،‬‬


‫مر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على قوم يلعبون بالشطرنج ( ) قال‪(( :‬‬
‫‪4‬‬
‫ووصف أهلها بالعاكفني عليها‪ ،‬ملا َّ‬
‫مجرا حىت يطفأ خري له من أن ميسها ))‬
‫ما هذه التماثيل اليت أنتم هلا عاكفون‪ ،‬ألن ميس أحدكم ً‬
‫(‪)5‬‬
‫ويقال أنه قلب الرقعة‪.‬‬

‫وتأم ل حال ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف إثب ات بطالن االعتق اد ب الكواكب‪ ،‬وس د الذريع ة‬
‫للتعلق هبا‪ ،‬وذلك ملا أراد أن يسافر لقتال اخلوارج‪ ،‬عرض له منجم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني ! ال‬
‫تسافر ؛ فإن القمر يف العقرب ؛ فإنك إن سافرت والقمر يف العقرب ُه ِز َم أصحابك ـ أو كما‬

‫() مصنف عبدالرزاق ‪ .405 / 1‬وكنز العمال برقم ‪.22522‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪.666 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬الشيخ سليمان بن عبداهلل بن عبد الوهاب‪ ،‬تيسري العزيز احلميد ص ‪.702‬‬ ‫‪3‬‬

‫مربع ا‪ ،‬ومتث ل دول تني متح اربتني‪ ،‬ب اثنتني وثالثني قطع ة‪ ،‬متث ل‬
‫() لعب ة تلعب على رقع ة ذات أربع ة وس تني ً‬
‫‪4‬‬

‫امللكني‪ ،‬والوزيرين‪ ،‬واخليالة‪ ،‬والقالع والفيلة واجلنود‪ ( .‬املعجم الوسيط ص ‪.) 482‬‬
‫() انظ ر ‪ :‬ابن كث ري‪ ،‬تفس ري الق رآن العظيم ‪ .183 / 3‬وابن تيمي ة‪ ،‬ج امع الرس ائل‪ ،‬اجملموع ة الثاني ة‪ ،‬حتقي ق‬ ‫‪5‬‬

‫الدكتور حممد رشاد سامل ص ‪ .268‬والسيوطي‪ ،‬الدر املنثور ‪.635 / 5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪139‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قال ـ فقال علي‪ :‬بل أسافر ثقة باهلل‪ ،‬وتوكاًل على اهلل‪ ،‬وتكذيبًا لك‪ .‬فسافر فبورك له يف ذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫السفر فقاتل عامة اخلوارج‪.‬‬

‫كما ال ننسى إنكاره على السبئية الذين غلوا فيه‪ ،‬وادعوا فيه األلوهية( )‪ .‬فعن عبداهلل بن‬
‫‪2‬‬

‫()‬
‫قوم ا على باب املسجد‪ ،‬يدعون أنك رهبم‪،‬‬
‫شريك العامري عن أبيه قال‪ :‬قيل لعلي‪ :‬إن هنا ً‬
‫‪3‬‬

‫فدعاهم فقال هلم‪ :‬ويلكم‍‍! ما تقولون ؟ قالوا‪ :‬أنت ربنا وخالقنا ورازقنا‪ ،‬فقال‪ :‬ويلكم ! إمنا‬
‫أنا عبد مثلكم‪ ،‬آكل الطعام كما تأكلون‪ ،‬وأشرب كما تشربون‪ ،‬إن أطعت اهلل أثابين إن شاء‪،‬‬
‫وإن عص يته خش يت أن يع ذبين‪ ،‬ف اتقوا اهلل وارجع وا‪ ،‬ف أبوا‪ .‬فلم ا ك ان الغ د غ دوا علي ه‪ ،‬فج اء‬
‫قنرب‪ ،‬فقال‪ :‬قد واهلل رجعوا يقولون ذلك الكالم‪ ،‬فقال‪ :‬أدخلهم‪ ،‬فقالوا كذلك‪ .‬فلما كان اليوم‬
‫أخدودا بني املسجد‬
‫ً‬ ‫الثالث‪ ،‬قال‪ :‬لئن قلتم ذلك ألقتلنكم بأخبث قتلة‪ ،‬فأبوا إال ذلك‪ .‬فخد هلم‬
‫والقص ر‪ ،‬وق ال‪ :‬إين ط ارحكم فيه ا أو ترجع وا‪ ،‬ف أبوا أن يرجع وا‪ ،‬فق ذف هبم فيه ا‪ ،‬ح ىت إذا‬
‫احرتقوا ( )قال‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫أوقدت ناري ودعوت قنربا‬ ‫أمرا منكرا‬
‫إين إذا رأيت األمر ً‬

‫() انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوي ‪ .179 / 35‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.288 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬اإلسفرائيين‪ ،‬الفرق بني الفرق ص ‪ .21‬والشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل ص ‪ .174‬وابن حزم‪ ،‬الفصل‬ ‫‪2‬‬

‫يف امللل واألهواء والنحل ص ‪ .233‬وابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوي ‪ .474 / 28‬وابن القيم‪ ،‬الطرق احلكمية‬
‫يف السياسة الشرعية ص ‪.26‬‬
‫() الكويف‪ ،‬قال أمحد وابن معني وأبو زرعة ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال أبو حامت والنسائي ‪ :‬ليس بقوي‪ .‬وقال النسائي يف‬ ‫‪3‬‬

‫موضع آخر ‪ :‬ليس به باس‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 223 / 5‬‬
‫() لقد ثبت إحراقهم يف الصحيح عن عكرمة قال ‪ُ :‬أيت علي (رضي اهلل عنه) بزنادقة فأحرقهم‪ ،‬فبلغ ذلك ابن‬ ‫‪4‬‬

‫عب اس (رض ي اهلل عنهم ا)فق ال ‪ :‬ل و كنت أن ا مل أح رقهم ؛ لنهي رس ول اهلل ص ‪ :‬ال تع ذبوا بع ذاب اهلل‪،‬‬
‫ولقتلتهم ؛ لقول رسول اهلل ص ‪ :‬من بدل دينه فاقتلوه )) أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح ‪.279 / 4‬‬
‫() انظ ر ه ذا اخلرب عن د احملب الط ربي يف ذخ ائر العق ىب ص ‪ ،93‬ويف الري اض النض رة ‪ .195 / 3‬وعن د ابن‬ ‫‪5‬‬

‫حجر يف الفتح ‪ ،370 / 12‬وقال ابن حجر يف سنده ‪ :‬وهذا سند حسن‪ .‬وعند ابن تيمية يف جامع الرسائل‪،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪140‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫منهجه في الدعوة إلى النبوات‬

‫تع ــريف‬

‫ال دعوة إىل النب وات تع ين ال دعوة إىل اإلميان ب أن هلل س بحانه وتع اىل رس اًل مبش رين‬
‫ومنذرين‪ ،‬وأهنم خملوقون ليس هلم من خصائص الربوبية شيء‪ ،‬وأهنم من عباد اهلل أكرمهم اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫تعاىل بالرسالة‪ ،‬ووصفهم بالعبودية‪.‬‬

‫واملقصود بالدعوة إىل النبوات يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬هو الدعوة إىل اإلميان خبامت األنبياء والرسل نبينا حممد ص‪ ،‬وأنه عبداهلل ورسوله‪ ،‬أرسله اهلل‬
‫ذيرا‪ ،‬كم ا يف قول ه س بحانه { تب ارك ال ذي ن زل الفرق ان على عب ده ليك ون‬
‫للع املني بش ًريا ون ً‬
‫نذيرا }( )‪ ،‬واإلميان به يقتضي تصديق أخباره‪ ،‬وطاعة أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬والقيام‬
‫للعاملني ً‬
‫‪2‬‬

‫حبقوقه‪ ...‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫المن ـ ـ ــهج‬

‫أواًل ‪ :‬التعريف بالنبي ص‬

‫‪ -1‬بيان َخل ِْقه‬

‫اجملموعة األوىل ص ‪.260‬‬


‫() انظر ‪ :‬حممد الصاحل العثيمني‪ ،‬عقيدة أهل السنة واجلماعة ص ‪.26 - 21‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪141‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لق د أك رم اهلل س بحانه وتع اىل نبي ه حمم ًدا ص حبس ن اخلَْل ِق كم ا أكرم ه حبس ن اخلُلُ ِق‪،‬‬
‫والصفات اجلسدية لرسول اهلل ص وغريها من صفاته‪ ،‬كلها صفات كمال ومجال‪ ،‬حممودة يف‬
‫الرج ال‪ ،‬وق د يش اركه بعض الن اس يف بعض ها‪ ،‬ولكن ال يش اركونه يف كله ا‪ .‬واعت دال اجلس م‬
‫وتناسب أجزائه يدل يف اجلملة على استقامة العقول وسالمة النفوس‪ ،‬ومن جانب آخر له األثر‬
‫(‪)1‬‬
‫الكبري يف تبليغ الدعوة‪ ،‬واستجابة املدعوين‪.‬‬

‫ومما بنَّي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من صفات‬
‫(‪)2‬‬
‫رس ول اهلل ص قول ه‪ (( :‬ك ان رس ول اهلل ص ليس بالطويل وال بالقص ري‪ ،‬ش ثن الكفني‬
‫والق دمني‪ ،‬مش رب وجه ه محر ًة‪ ،‬طوي ل امل ْس ُربَة( )‪ ،‬ض خم الك راديس( )‪ ،‬إذا مش ى تكفَّا تكفِّيً ا‪،‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫َ‬
‫كأمنا ينحط من صبب( )‪ ،‬مل أر قبله وال بعده مثله ص )) ‪.‬‬
‫()‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر الكالم يف الصفات وأثرها يف الدعوة عند حممد أيب زهرة يف كتابه ‪ :‬خامت النبيني حممد ص ‪264 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .271 -‬وانظر ‪ :‬القاضي عياض‪ ،‬الشفا‪ ،‬املطبوع مع الشرح (شرح االقاري ) ‪ 335 / 1‬وما بعدها‪.‬‬
‫() أي خش ن الكفني غليظهم ا‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،2142 / 5‬م ادة [ش ثن]‪ .‬وابن س يده‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫املخصص‪ ،‬السفر الثاين ص ‪.) 12‬‬


‫() الشعر املستدق الذي يأخذ من الصدر إىل السرة‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،147 / 1 ،‬مادة [سرب] )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ال ُك ْر ُدوس ‪ :‬كل عظم تام ضخم فهو كردوس‪ .‬قال أبو عبيدة ‪ :‬وغريه الكراديس رؤوس العظام‪ ،‬واحدها‬ ‫‪4‬‬

‫كردوس‪ .‬وكل عظمني التقيا يف مفصل فهو كردوس‪ ،‬حنو املنكبني والركبتني والوركني‪ .‬وأراد علي أنه ص‬
‫ضخم األعضاء‪( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،195 / 6‬مادة [كردس] )‪.‬‬
‫() الصبب هو املوضع املنحدر‪ ،‬وهذه الصفة من املشي تعين أن النيب ص كان قويًا‪ ،‬فإذا مشى فكأمنا ميشي‬ ‫‪5‬‬

‫على صدور قدميه من القوة‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،517 / 1‬مادة [صبب] )‪.‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،107 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫وأخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ ،598 / 5‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬ويف‬
‫الشمائل احملمدية‪ ،‬ختريج وتعليق عزت عبيد الدعاس ص ‪ .8‬وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي ‪/ 3‬‬
‫‪ .195‬واللفظ ألمحد‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪142‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن حمم د بن علي عن أبي ه ق ال‪ (( :‬ك ان رس ول اهلل ص ض خم ال رأس عظيم العي نني‪،‬‬
‫ب األشفار( ) ـ قال حسن( ) ِّ‬
‫الش َفار ـ مشرب العينني حبمرة‪ ،‬كث اللحية‪ ،‬أزهر اللون‪ ،‬شثن‬ ‫ِ‬
‫َهد َ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫مجيع ا ))‬ ‫الكفني والقدمني‪ ،‬إذا مشى كأمنا ميشي يف ٍ‬


‫ص َعد ـ قال حسن‪ :‬تكفأ ـ وإذا التفت التفت ً‬
‫َ‬
‫( )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وعند الرتمذي عن حممد من ولد علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان علي‬
‫‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬إذا وص ف الن يب ص ق ال‪ (( :‬مل يكن بالطوي ل املمغط( )‪ ،‬وال بالقص ري‬
‫‪4‬‬

‫بالس ْب ِط‪ ،‬كان ً‬


‫()‬ ‫()‬
‫جعدا رجاًل ‪ ،‬ومل‬ ‫املرتدد ‪ ،‬وكان ربعة من القوم‪ ،‬ومل يكن باجلعد القطط ‪ ،‬وال َّ‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫يكن باملطَ َّهم( )‪ ،‬وال بامل َكلثَم( )‪ ،‬وكان يف الوجه تدوير‪ ،‬أبيض مشرب‪ ،‬شثن الكفني والقدمني‪،‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫()‬
‫معا )) ‪.‬‬
‫إذا مشى تقلع‪ ،‬كأمنا ميشي يف صبب‪ ،‬وإذا التفت التفت ً‬
‫‪9‬‬

‫() هي حروف األجفان وأصول منابت الشعر يف اجلفن اليت تلتقي عند التغميض‪ .‬وأهدب مبعىن طويل اهلدب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫( ابن سيده‪ ،‬املخصص‪ ،‬السفر األول ص ‪.) 95‬‬


‫() وهو حسن بن موسى الراوي عن محاد عن عبداهلل بن حممد بن عقيل عن حممد بن علي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،130 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ويعقوب بن سفيان‪ ،‬املعرفة والتاريخ ‪.278 /3‬‬


‫() املمغط ‪ :‬الذاهب طواًل ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫قصرا‪.‬‬
‫() املرتدد ‪ :‬الداخل بعضه يف بعض ً‬
‫‪5‬‬

‫() القطط ‪ :‬الشديد اجلعودة‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫() املطهم ‪ :‬البادن الكثري اللحم‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫() املكلثم ‪ :‬املدور الوجه‪ ( .‬انظر شرح الغريب من ألفاظ احلديث يف سنن الرتمذي ‪.) 600 ،599 / 5‬‬ ‫‪8‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ ،599 / 5‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬ليس‬ ‫‪9‬‬

‫إسناده مبتصل‪ .‬وأخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ 513 / 11‬باختالف يسري‪ .‬وذكره البغوي يف شرح السنة‬
‫‪.13/283‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪143‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كما أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بني صفة من صفات جسد النيب ص بعد‬
‫أمرا مل يعرفه غريه ـ ورمبا من كان يغسله معه( ) ـ من طهارة بدنه ونقائه بعد موته‪ ،‬حيث‬
‫‪1‬‬
‫موته‪ً ،‬‬
‫يقول‪ (( :‬غسلت رسول اهلل ص فجعلت أنظر ما يكون من امليت فلم أر شيًئا‪ ،‬وكان طيبً ا حيً ا‬
‫وميتًا ص ))( )‪ .‬وكان علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول وهو يغسله‪(( :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬ما أطيبك‬ ‫‪2‬‬

‫حيًا وميتًا ! ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪ -2‬بيان ُخلُ ِقه‬

‫حممدا ص بأفضل اخللق‪ ،‬كما وصفه بقوله {وإنك لعلى‬


‫لقد أكرم اهلل سبحانه وتعاىل نبيه ً‬
‫خلق عظيم }( )‪ ،‬فليس من خلق كرمي وطبع قومي إال ولنبينا ٍ‬
‫حممد ص منه احلظ األكرب والنصيب‬ ‫‪4‬‬

‫األوفر‪ ،‬ومن شأن ذلك أن يقرب املدعوين إليه‪ ،‬وحيببهم فيه‪ ،‬مما يكون عونًا على تبليغ رسالته‪،‬‬
‫وقبول دعوته‪.‬‬

‫ومما بنَّي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من أخالق‬
‫صدرا‪ ،‬وأصدق الناس هلجة‪ ،‬وألينهم‬
‫رسول اهلل ص قوله‪ (( :‬كان أجود الناس ك ًفا‪ ،‬وأشرحهم ً‬

‫() كان علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) قد أسند رسول اهلل ص على صدره‪ ،‬وكان العباس والفضل وقثم‬ ‫‪1‬‬

‫بن عباس يقلبونه معه‪ ،‬وكان أسامة بن زيد وشقران موىل رسول اهلل ص مها اللذان يص بان املاء عليه‪( .‬ابن‬
‫هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.) 662 / 2‬‬
‫() أخرجه ابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪ ،471 / 1‬ويف الزوائد ‪ :‬إسناده صحيح ورجاله ثقات‪.‬وأخرجه‬ ‫‪2‬‬

‫احلاكم يف املستدرك ‪ 59 / 3‬واللفظ له‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪ .‬ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجة ‪.247 / 1‬‬
‫() ابن هشام السرية النبوية ‪.662 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪144‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عريكة( )‪ ،‬وأك رمهم ِع ْش َرة‪ ،‬من رآه بديه ة هاب ه‪ ،‬ومن خالط ه معرف ة أحب ه‪ ،‬يق ول ناعت ه‪ :‬مل أر‬ ‫‪1‬‬

‫قبله وال بعده مثله ))( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وحيدث أمري املؤمنني عن شجاعة رسول اهلل ص‪ ،‬وقوة بأسه‪ ،‬وأن عليًا ومن كان معه مع‬
‫أيض ا وق وة بأس هم ال يت س طرهتا أخب ار املغ ازي‪ ،‬ك انوا إذا اش تدت احلرب يل وذون‬
‫ش جاعتهم ً‬
‫برسول اهلل ص‪ ،‬فيقول علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬لقد رأيتنا يوم بدر وحنن نلوذ برسول اهلل‬
‫بأسا ))( )‪ .‬ويف رواية أخرى‪ (( :‬كنا إذا‬
‫‪3‬‬
‫ص‪ ،‬وهو أقربنا إىل العدو‪ ،‬وكان من أشد الناس يومئذ ً‬
‫القوم اتقينا برسول اهلل ص‪ ،‬فما يكون منا أحد أدىن من القوم منه ))‬
‫القوم َ‬
‫امحر البأس‪ ،‬ولقي ُ‬
‫( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومما بني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من أخالق رس ول اهلل ص من الرمحة‪،‬‬
‫والكرم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والتواضع‪ ،‬ما ورد يف وصفه لرسول اهلل ص لليهود الذين طلبوا منه ذلك‬
‫حيث يق ول‪ (( :‬ك ان أرحم الن اس بالن اس‪ ،‬للي تيم ك األب ال رحيم‪ ،‬ولألرمل ة ك الكرمي الك رمي‪،‬‬
‫وجه ا‪ ،‬لباسه العباء‪ ،‬وطعامه خبز الشعري‪ ،‬وإدامه اللنب‪،‬‬
‫أشجع الناس‪ ،‬وأبذهلم ك ًفا‪ ،‬وأصبحهم ً‬
‫ووساده األدم حمشو بليف النخل‪ ،‬سريره أم غيالن مرمل بالشريف( )‪ ،‬كان له عمامتان إحدامها‬
‫‪5‬‬

‫سلسا‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1599 / 4‬مادة [عرك] )‪.‬‬ ‫() العريكة ‪ :‬الطبيعة‪ ،‬وفالن لني العريكة إذا كان ً‬
‫‪1‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬وابن أيب شيبة يف مصنفه‪ .‬وهو تتمة للحديث السابق املروي عن حممد من ولد‬ ‫‪2‬‬

‫علي (رضي اهلل عنه)‪.‬‬


‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،64 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،343/ 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() قال ابن القيم يف زاد املعاد ‪ 155 / 1‬كان رسول اهلل ص ينام على الفراش تارة‪ ،‬وعلى النطع تارة‪ ،‬وعلى‬ ‫‪5‬‬

‫احلصري تارة‪ ،‬وعلى األرض تارة‪ ،‬وعلى السرير تارة بني رماله‪ ،‬وتارة على كساء أسود‪ .‬وعند ابن منظور يف‬
‫اللسان ‪ : 295 / 11‬السرير املرمل أي املنسوج‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪145‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تدعى السحاب( )‪ ،‬واألخرى العقاب‪ ،‬وكان سيفه ذا الفقار( )‪ ،‬ورايته الغراء‪ ،‬وناقته العضباء( )‪،‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وبغلت ه دل دل( )‪ ،‬ومحاره يعف ور( )‪ ،‬وفرس ه مرجتز( )‪ ،‬وش اته برك ة‪ ،‬وقض يبه املمش وق( )‪ ،‬ول واؤه‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫احلمد‪ ،‬وكان يعقل البعري‪ ،‬ويعلف الناضح( )‪ ،‬ويرقع الثوب‪ ،‬وخيصف النعل ))( )‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬

‫() وهي العمامة اليت كساها عليًا (رضي اهلل عنه)‪ ( .‬ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪.) 135 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ذكر ابن القيم يف زاد املعاد ‪ 130 / 1‬أن للرسول ص تسعة أسياف منها ذو الفقار تنفله يوم بدر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهي غري القصواء املشهورة‪ ،‬والعضباء هي اليت كانت ال تسبق‪ ( .‬ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪.) 134 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ذكر ابن القيم يف زاد املعاد ‪ 134 / 1‬أهنا بغلة شهباء‪ ،‬أهداها له املقوقس‪ ،‬وله غريها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() قال ابن القيم يف زاد املعاد ‪ : 134 / 1‬ومن احلمري عفري‪ ،‬وكان أشهب‪ ،‬أهداه له املقوقس ملك القبط‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() ذكر ابن القيم يف زاد املعاد ‪ 133 / 1‬أن رسول اهلل ملك سبعة من اخليل متفق عليها مجعها اإلمام أبو‬ ‫‪6‬‬

‫عبداهلل حممد بن إسحاق بن مجاعة الشافعي يف بيت فقال ‪:‬‬


‫واخليل سكب حليف سبحة ضرب لزاز مرجتز ورد هلا أسرار‬
‫() ذكر ابن القيم يف زاد املعاد ‪ 132 / 1‬أنه من الشوحط‪ ،‬وهو الذي كان يتداوله اخللفاء‪ .‬وذكر له قضيبًا‬ ‫‪7‬‬

‫آخر امسه املوت‪.‬‬


‫() الناضح ‪ :‬البعري أو الثور أو احلمار الذي يستقى عليه املاء‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،619 / 2‬مادة‬ ‫‪8‬‬

‫[نضح])‪.‬‬
‫() احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪.163 / 2‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪146‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬بيان دالئل النبوة‬

‫إن أكرب الدالئل على نبوة حممد ص هو هذا الكتاب املعجز الذي ال يأتيه الباطل من بني‬
‫ي ده وال من خلف ه تنزي ل من حكيم محي د { ق ل لئن اجتمعت اإلنس واجلن على أن ي أتوا مبث ل‬
‫ظهريا}( )‪ .‬بل وال حىت بسورة مثله‪ .‬ومع‬
‫هذا القرآن ال يأتون مبثله ولو كان بعضهم لبعض ً‬
‫‪1‬‬

‫هذه الداللة الكربى هناك دالئل أخرى علمها من علمها‪ ،‬وجهلها من جهلها‪ ،‬كشفاء املرضى‬
‫بإذن اهلل‪ ،‬والربكة يف الطعام والشراب‪ ،‬وسالم الشجر واحلجر عليه‪ ،‬وتكليم بعض الدواب له‪.‬‬
‫وإن من ش أن العلم هبا أن يزي د املؤم نني برس ول اهلل ص إميانً ا م ع إمياهنم‪ ،‬وأن ي دعو غ ريهم إىل‬
‫اإلميان به ص‪.‬‬

‫ومما يدل على أثر معرفة هذه الدالئل يف اإلميان برسول اهلل ص ما رواه ابن عباس (رضي‬
‫اهلل عنهما) قال‪ (( :‬جاء أعرايب إىل رسول اهلل ص‪ ،‬فقال‪ :‬مِبَ أعرف أنك نيب ؟ قال‪ :‬إن دعوت‬
‫ه ذا الع ذق من ه ذه النخلة‪ ،‬أتش هد أين رس ول اهلل ؟ ف دعاه رس ول اهلل ص‪ ،‬فجع ل ي نزل من‬
‫النخلة حىت سقط على النيب ص‪ ،‬مث قال‪ :‬ارجع فعاد‪ ،‬فأسلم األعرايب ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫بعض ا من ه ذه ال دالئل‪،‬‬
‫وق د بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ً -‬‬
‫ومنها ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬بركة دعائه‬

‫() سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ ،594 / 5‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح‪ ،‬واللفظ‬ ‫‪2‬‬

‫ل ه‪ .‬وأخرج ه احلاكم يف املس تدرك ‪ ،620 / 2‬وق ال ‪ :‬ه ذا ح ديث ص حيح على ش رط مس لم ومل خيرج اه‪،‬‬
‫ووافقه الذهيب‪ .‬وصححه األلباين‪ ،‬صحيح سنن الرتمذي ‪.193 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪147‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ت أخر علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن رس ول اهلل ص ي وم خي رب ؛ لرم د يف‬
‫عيني ه‪ ،‬ملا يف ح ديث س هل بن س عد ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن رس ول اهلل ص ق ال ي وم خي رب‪:‬‬
‫غدا رجاًل يفتح اهلل على يديه‪ ،‬حيب اهلل ورسوله‪ ،‬وحيبه اهلل ورسوله‪ .‬قال‬
‫(( ألعطني هذه الراية ً‬
‫فب ات الن اس ي دوكون ليلتهم( )‪ :‬أيهم يعطاه ا ؟ فلم ا أص بح الن اس غ دوا على رس ول اهلل ص‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫كلهم يرجو أن يعطاها‪ .‬فقال‪ :‬أين علي بن أيب طالب ؟ فقيل هو يا رسول اهلل! يشتكي عينيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأرسلوا إليه فأيت به‪ ،‬فبصق رسول اهلل ص يف عينيه‪ ،‬ودعا له‪ ،‬فربأ حىت كأن مل يكن به‬
‫وجع‪ ،‬فأعطاه الراية‪.) ())...‬‬
‫‪2‬‬

‫الب ْرُؤ فحس ب‪ ،‬ب ل خيرب علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬تأكي ًدا هلذه‬
‫ومل يكن ُ‬
‫إيل النيب‬
‫الداللة أنه مل يصبه رمد بعد ذلك‪ ،‬حيث يقول‪ (( :‬فما رمدت‪ ،‬وال صدعت‪ ،‬منذ دفع َّ‬
‫ص الراية ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويف رواية لإلمام أمحد قال علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬إن‬
‫رسول اهلل ص بعث إيل وأنا أرمد العني يوم خيرب‪ ،‬فقلت‪ :‬يارسول اهلل ! إين أرمد العني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بردا‪ ،‬منذ يومئذ ))‬
‫حرا وال ً‬
‫فتفل يف عيين‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم أذهب عنه احلر والربد‪ .‬فما وجدت ً‬

‫كم ا أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م رض م رة فأت اه الن يب ص وه و يق ول‪:‬‬
‫أخرا ف ارفعين‪ ،‬وإن ك ان البالء فص ربين))‬
‫اللهم إن ك ان أجلي ق د حض ر ف أرحين‪ ،‬وإن ك ان مت ً‬
‫فقال له رسول اهلل ص‪ (( :‬ما قلت ؟ )) فأعاد عليه‪ ،‬فقال‬

‫() أي باتوا يف اختالط واختالف‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 477 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب املغازي ‪.137 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن حج ر يف الفتح ‪ ،477 / 7‬ونس به للط رباين‪ .‬وعن د احملب الط ربي بنح وه‪ ،‬الري اض النض رة يف من اقب‬ ‫‪3‬‬

‫العشرة ‪.154 / 3‬‬


‫() املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،120 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪148‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رسول اهلل ص‪ (( :‬اللهم اشفه‪ ،‬اللهم عافه‪ ،‬مث قال قم‪ .‬فقمت‪ .‬فما عاد يل ذلك الوجع بعده ))‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬اإلخبار بما فتح اهلل على نبيه من أمور الغيب‬

‫إن من دالئ ل نب وة حمم د ص م ا أخ رب ب ه من أم ور مل تكن موج ودة يف زمن ه ص كبعض‬


‫عالمات الساعة‪ ،‬وصفات أقوام يأتون يف آخر الزمان‪ ،‬فقد روى علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عن ه ‪ -‬عن رس ول اهلل ص ش يًئا من ذل ك حيث يق ول‪ (( :‬إذا ح دثتكم عن رس ول اهلل ص‬
‫يل من أن أكذب عليه‪ ،‬وإذا حدثتكم فيما بيين وبينكم فإن احلرب‬ ‫ب ِإ َّ‬
‫َأح ُّ‬ ‫ِ‬
‫فألن َأخَّر من السماء َ‬
‫خدعة( )‪ .‬مسعت رسول اهلل ص يقول‪ :‬يأيت يف آخر الزمان قوم حدثاء األسنان‪ ،‬سفهاء األحالم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫يقول ون من خ ري ق ول الربي ة‪ ،‬ميرق ون من اإلس الم كم ا ميرق الس هم من الرمي ة‪ ،‬ال جياوز إمياهنم‬
‫أجرا ملن قتلهم يوم القيامة ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫حناجرهم‪ ،‬فأينما لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬فإن يف قتلهم ً‬

‫‪ -3‬النصر بالرعب‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،151 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪ .‬وأخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ .560 /5‬واحلاكم يف املستدرك ‪ ،621 / 2‬واللفظ‬
‫له‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪ .‬وأبو يعلى يف مسنده‪ ،‬حتقيق‬
‫وختريج حس ني س ليم أس د‪ ،‬وق ال احملق ق يف حتقيق ه ‪ :‬إس ناده حس ن‪ .‬وص ححه ابن حب ان (‪ ) 2209‬م وارد‬
‫الظمآن‪ ،‬للحافظ اهليثمي‪.‬‬
‫() (( احلرب خدعة )) قاله رسول اهلل ص كما يف صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اجلهاد ‪ .366 / 2‬قال أبو حممد‬ ‫‪2‬‬

‫سلمة ‪ :‬من قال ‪ (( :‬احلرب َخ ْد َع ة )) فمعناه من خدع فيها َخدعة فزلت قدمه وعطب فليس له إقالة‪ .‬ومن‬

‫ق ال ‪ (( :‬احلرب ُخ ْد َع ة )) فهي ختدع‪ ،‬ف إذا خ دع أح د الف ريقني ص احبه فكأمنا خ دعت هي‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬ابن‬
‫سالم‪ ،‬كتاب األمثال‪ ،‬حتقيق الدكتور عبد اجمليد قطامش ص ‪ .37‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 158 / 6‬‬
‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب املن اقب ‪ .531 / 2‬والق وم املذكورون هم اخلوارج ال ذين‬ ‫‪3‬‬

‫ق اتلهم علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) يف خالفت ه‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬فتح الب اري ‪ 282 / 12‬وم ا‬
‫بعدها )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪149‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫من دالئ ل النب وة ال يت وهبه ا اهلل س بحانه وتع اىل لنبين ا حمم د ص نص ره على أعدائ ه بغ ري‬
‫العدد وقوة العُدد‪ ،‬ولكن بالرعب الذي يلقيه اهلل سبحانه وتعاىل يف قلوب‬
‫أسباب مادية ككثرة َ‬
‫أعدائه‪ ،‬كما خيرب بذلك علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فيما يرويه عن رسول اهلل ص‪،‬‬
‫حيث يق ول‪ (( :‬أعطيت م ا مل يع ط أح د من األنبي اء‪ ،‬فقلن ا‪ :‬ي ا رس ول اهلل ! م ا ه و ؟ ق ال‪:‬‬
‫ورا‪ ،‬وجعلت‬
‫نص رت ب الرعب‪ ،‬وأعطيت مف اتيح األرض‪ ،‬ومسيت أمحد‪ ،‬وجع ل ال رتاب يل طه ً‬
‫أميت خري األمم ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -4‬خاتم النبوة‬

‫بنَّي علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من مجل ة وص فه لرس ول اهلل وج ود دالل ة من‬
‫أبرز الدالئل احلسية على نبوته ص‪ ،‬حيث يقول‪ (( :‬بني كتفيه خامت النبوة))( )‪ .‬وهذه العالمة‬
‫‪2‬‬

‫كان أهل الكتاب يعرفونه هبا‪ ،‬وهو شيء بارز أمحر عند كتفه األيسر‪ ،‬قدره إذا قُلل قدر بيضة‬
‫(‪)3‬‬
‫احلمامة‪ ،‬وإذا ُكرب مجع اليد‪.‬‬

‫‪ -5‬سالم الجبال والشجر على النبي ص‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف مس نده واللف ظ ل ه‪ ،‬املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ ،113 / 2‬وق ال أمحد ش اكر يف‬ ‫‪1‬‬

‫حتقيق ه‪ :‬إس ناده ص حيح‪ .‬وأخرج ه ابن أيب ش يبة يف مص نفه ‪ ،434 / 11‬واحلديث بنح وه أخرج ه مس لم يف‬
‫صحيحه ‪ ،،371 / 1‬والرتمذي يف سننه ‪ ،123 /4‬والنسائي يف سننه ‪ 4 / 6‬من حديث أيب هريرة (رضي‬
‫اهلل عنه)‪ .‬وهو عند اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ .260 / 1‬وعند أمحد بن أيب بكر البوصريي‪ ،‬عالمات النبوة‬
‫ص ‪.153‬‬
‫() أخرج ه الرتم ذي‪ ،‬الش مائل احملمدي ة‪ ،‬ختريج وتعلي ق ع زت عبي د ال دعاس ص ‪ .16‬مص نف ابن أيب ش يبة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .513 / 11‬وحنوه عند البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املناقب ‪ 514 / 2‬من حديث السائب بن يزيد‪.‬‬
‫() انظر الكالم يف وصفه عند ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.563 - 561 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪150‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أحدا من بين آدم‪،‬‬


‫خلق اهلل سبحانه وتعاىل اجلبال واألشجار مجادات ال تنطق وال ختاطب ً‬
‫ولكن اهلل سبحانه وتعاىل أنطقها‪ ،‬وأهلمها السالم على رسوله ص‪ ،‬كرامة له‪ ،‬وليكن ذلك من‬
‫مجلة دالئل نبوته ص‪ .‬وقد أخرب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن هذه‬
‫الداللة حيث يقول‪ (( :‬كنت مع النيب ص مبكة‪ ،‬فخرجنا يف بعض نواحيها‪ ،‬فما استقبله جبل‪،‬‬
‫وال شجر‪ ،‬إال وهو يقول‪ :‬السالم عليك يا رسول اهلل ! ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ .593 / 5‬وقال ‪ :‬هذا حديث غريب‪ .‬واحلاكم يف املستدرك ‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،620 /‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪ ،‬واللفظ للرتمذي واحلاكم‪ .‬وأخرجه‬
‫الدارمي يف سننه‪ ،‬املقدمة ‪.12 /1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪151‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬لزوم هديه والترغيب فيه‬

‫‪ -1‬لزوم هدي النبي ص‬

‫إن لزوم هدي النيب ص واتباع سنته من أهم األمور يف الدعوة إىل اإلميان به ص‪ ،‬وهو‬
‫دليل على صدق الداعي يف دعوته إىل اإلميان برسول اهلل ص‪ ،‬وقد عُ رف عن أمري املؤمنني علي‬
‫بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬شدة متسكه هبدي النيب ص ولو خالفه يف ذلك من خالفه‪.‬‬

‫تأم ل ح ال علي بن أيب ط الب م ع عثم ان بن عف ان (رض ي اهلل عنهم ا) عن دما اختلف ا يف‬
‫التمتع باحلج‪ ،‬فعن مروان بن احلكم( ) قال‪ (( :‬شهدت عثمان وعليً ا (رضي اهلل عنهما) وعثمان‬
‫‪1‬‬

‫()‬ ‫()‬
‫علي‪ ،‬أهل هبما‪ :‬لبيك بعمرة وحجة‪ ،‬وقال‪ :‬ما‬
‫ينهى عن املتعة وأن جيمع بينهما ‪ ،‬فلما رأى ٌّ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫كنت ألدع سنة النيب( ) ص لقول أحد))( )‪.‬‬


‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ابن أيب العاص بن أمية بن عبد مشس‪ ،‬ولد بعد اهلجرة بسنتني وقيل بأربع‪ ،‬كتب لعثمان وويل أمرة املدينة‬ ‫‪1‬‬

‫أيام معاوية‪ ،،‬وبويع له باخلالفة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية‪ ،‬مات سنة ‪ 65‬هـ‪ ،‬وكانت واليته تسعة‬
‫أشهر‪( .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 10/82،83‬‬
‫() هني عثمان عن التمتع باحلج مل يكن هني حترمي‪ ،‬ولكن ألنه يرى أن اإلفراد أفضل‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح‬ ‫‪2‬‬

‫الباري ‪ .425 / 3‬والنووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 203 / 8‬‬


‫معا‪ ،‬وحيتمل أن يكون‬ ‫() أي بني احلج والعمرة‪ ،‬وحيتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون هنى عن التمتع والقران ً‬
‫‪3‬‬

‫متتع ا‪ ،‬ووجهه أن القارن يتمتع برتك النصب‬


‫عط ًف ا تفسرييًا ويدل على أن السلف كانوا يطلقون على القران ً‬
‫إيقاع ا هلما يف سنة واحدة بتقدمي العمرة على احلج‪ ( .‬انظر‪:‬‬
‫بالسفر مرتني‪ ،‬فيكون أن جيمع بينهما قرانًا‪ ،‬أو ً‬
‫ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 425 / 3‬‬
‫() قال اإلمام أمحد الشك أن النيب(صلى اهلل عليه وسلم)كان قارنًا‪( .‬انظر ‪ :‬ابن قاسم‪ ،‬حاشية الروض ‪/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪)558‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلج ‪.483 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪152‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫علي وعثم ان (رض ي اهلل عنهم ا)‬‫ويف رواي ة عن س عيد بن املس يب ق ال‪ (( :‬اجتم ع ٌّ‬
‫بعسفان( )‪ ،‬فكان عثمان ينهى عن املتعة أو العمرة‪ .‬فقال علي‪ :‬ما تريد إىل أمر فعله رسول اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫علي‬
‫ص تنهى عن ه ؟ فق ال عثم ان‪ :‬دعن ا من ك‪ .‬فق ال‪ :‬إين ال أس تطيع أن أدع ك‪ .‬فلم ا أن رأى ٌّ‬
‫مجيعا ))( )‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬أهل هبما ً‬
‫‪2‬‬

‫ومما جيب التنب ه ل÷ أن عثم ان بن عف ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل يكن بفعل ه ه ذا خيالف‬
‫هدي النيب ص‪ ،‬إمنا هو اجتهاد رآه ملصلحة الناس‪ ،‬ويوضح ذلك النووي فيقول‪ (( :‬املختار أن‬
‫املتعة اليت هنى فيها عثمان هي التمتع املع روف يف احلج‪ ،‬وكان عمر وعثمان ينهيان عنها هني‬
‫تنزي ه‪ ،‬ال حترمي‪ ،‬وإمنا هني ا عنه ا ألن اإلف راد أفض ل‪ ،‬فك ان عم ر وعثم ان ي أمران ب اإلفراد ألن ه‬
‫أفضل‪ ،‬وينهيان عن التمتع هني تنزيه ؛ ألنه مأمور بصالح رعيته‪ ،‬وكان األمر باإلفراد من مجلة‬
‫صالحهم‪ ،‬واهلل أعلم))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -2‬الترغيب في هدي النبي ص‬

‫إض افة إىل م ا ك ان علي ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من ل زوم‬
‫ه دي الن يب ص‪ ،‬فإن ه ي رغب املدعوين يف ل زوم هدي ه‪ ،‬ق ال يف خطب ة ل ه يف الرب ذة( )‪(( :‬الزم وا‬
‫‪4‬‬

‫() قري ة على س تة وثالثني مياًل من مك ة‪ ،‬وهي ح د هتام ة‪ .‬وق ال الس كري ‪ :‬عس فان على مرحل تني من مك ة‬ ‫‪1‬‬

‫على طريق املدينة‪ ( .‬احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.) 122 / 4‬‬


‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلج ‪ .484 / 1‬ومسلم يف صحيحه واللفظ له‪ ،‬كتاب احلج ‪2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.897 /‬‬
‫() شرح النووي علي صحيح مسلم ‪.202 / 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫() من قرى املدينة على ثالثة أميال قريبة من ذات عرق على طريق احلجاز‪ ( .‬احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.)24‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪153‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫دينكم واهدوا هبدي نبيكم‪ ،‬واتبعوا سنته‪ ،‬وأعرضوا عما أشكل عليكم على القرآن‪ ،‬فما عرفه‬
‫القرآن فالزموه‪ ،‬وما أنكره فردوه ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وبع د رج وع أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من قت ال اخلوارج‬
‫خطب أصحابه خطبة بليغة نافعة جامعة للخري ناهية عن الشر‪ ،‬وقد ضمن هذه اخلطبة األمر‬
‫ب التزام ه دي الن يب ص‪ ،‬وال رتغيب في ه‪ ،‬حيث يق ول‪ (( :‬واقت دوا هبدي ن بيكم ص فإن ه أفض ل‬
‫اهلدي‪ ،‬واستنوا بسنته فإهنا أفضل السنن ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كما أن الظروف الصعبة‪ ،‬واألحداث العصيبة‪ ،‬اليت حصلت يف عهد أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل تشغله عن دعوة أصحابه إىل كل خري‪ ،‬وهنيهم عن كل شر( )‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫وكأنه يتحدث يف ظروف عادية‪ ،‬ومن ضمن ما يأمرهم به لزوم هدي النيب ص‪.‬‬

‫ومل يتوقف أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على األمر بلزوم سنة النيب‬
‫حممد ص فحسب‪ ،‬بل هنى عن االبتداع وحيذر منه‪،‬ويبني أن االبتداع سبب لرتك السنن‪ ،‬ومن‬
‫قوله يف هذا الشأن‪ (( :‬إن عوازم األمور أفضلها‪ ،‬وإن حمدثاهتا شرارها‪ ،‬وكل حمدثة بدعة‪ ،‬وكل‬
‫حمدث مبتدع‪ ،‬ومن ابتدع فقد ضيع‪ ،‬وما أحدث حمدث بدعة إال ترك هبا سنة ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() الطربي يف تارخيه ‪ .23 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .235 / 7‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.325‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.308 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ـ مث ااًل على ذلك ـ خطبته اجلامعة النافعة بعد فراغه من اخلوارج وتوجهه إىل الشام عند ابن كثري يف‬ ‫‪3‬‬

‫البداية والنهاية ‪.309 - 307 / 7‬‬


‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.308 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪154‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رابعا‪ :‬بيان فضله على أمته‬


‫ً‬

‫قال املوىل سبحانه وتعاىل مبينً ا منته وفضل نبيه على أمته { لقد من اهلل على املؤمنني إذ‬
‫بعث فيهم رسواًل من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم‪ ،‬ويعلمهم الكتاب واحلكمة وإن كانوا‬
‫من قبل لفي ضالل مبني }( )‪ .‬وقال سبحانه { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما‬
‫‪1‬‬

‫عنتم( ) حريص عليكم باملؤمنني رؤوف رحيم }( )‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫يتجلى فضل النيب حممد ص على أمته بتالوة كتاب اهلل سبحانه وتعاىل عليهم‪ ،‬وخماطبتهم‬
‫به‪ ،‬ذلك الكتاب الذي فيه عزهم يف دنياهم وأخراهم‪ .‬وبتزكيتهم وتطهريهم من أقذار اجلاهلية‬
‫وأدناس ها‪ ،‬يطه ر قل وهبم ونفوس هم من ال دنس واخلبث ال ذي ك انوا متلبس ني ب ه ح ال ش ركهم‬
‫وجاهليتهم‪ .‬وبتعليمهم الكتاب والسنة ليزول ما هم فيه من جهل وضالل( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ولكن ت رى‪ ،‬م ا أث ر معرف ة فض ل الن يب ص على أمت ه يف اإلميان ب ه ؟ إن من معرف ة فض له‬
‫جتلب حمبته يف القلوب‪ ،‬وتعمق اإلميان به‪.‬‬

‫وأم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل يغف ل عن ه ذا املع ىن‪ ،‬ومل ينس‬
‫بي ان فض ائل الن يب ص يف مع رض دعوت ه‪ .‬ومما ق ال يف ه ذا اجملال‪ (( :‬فك ان مما أك رم اهلل ب ه ع ز‬
‫حممدا ص‪ ،‬فعلمهم الكتاب واحلكمة‬
‫وجل هذه األمة‪ ،‬وخصهم به من الفضيلة أن بعث إليهم ً‬
‫والفرائض والسنة‪ ،‬لكيما يهتدوا‪ ،‬ومجعهم لكيما ال يتفرقوا‪ ،‬وزكاهم لكيما يتطهروا‪ ،‬ورفههم‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.164‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها‪ ( .‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.) 404 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.128‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ ،425 / 1‬وسيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن ‪.505 - 501 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪155‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لكيما ال جيوروا‪ ،‬فلما قضى من ذلك ما عليه‪ ،‬قبضه اهلل عز وجل‪ ،‬صلوات اهلل عليه ورمحته‬
‫وبركاته ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫خامسا‪ :‬بيان حقوق النبي ص‬


‫ً‬

‫‪ -1‬وجوب الصدق عنه والتحذير من الكذب عليه‬

‫يبني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬خط ر الك ذب على رس ول اهلل‬
‫حمذرا املدعوين من ه‪ ،‬فعن س ويد بن غفل ة ق ال‪ :‬ق ال علي‪ (( :‬إذا ح دثتكم عن رس ول اهلل ص‬
‫ً‬
‫فألن ِ‬
‫َأخَّر من السماء أحب إيل من أن أكذب عليه ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كم ا أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ي روي عن الن يب ص أح اديث مسعها من‬
‫رسول اهلل ص يف التحذير من الكذب عليه وبيان عاقبة الكذب‪ ،‬فعن ربعي بن حراش( ) قال‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫() الطربي يف تارخيه ‪ .63 / 3‬وابن كثري يف البداية والنهاية ‪ .252 / 7‬وهذا الكالم من رسالة بعث هبا أمري‬ ‫‪1‬‬

‫املؤمنني علي (رضي اهلل عنه) مع قيس بن سعد إىل أهل مصر‪.‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املناقب ‪.531 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ربعي بن ح راش بن جحش بن عم رو بن عبداهلل بن جباد العبس ي أب و م رمي الك ويف‪ ،‬ق دم الش ام‪ ،‬ق ال‬ ‫‪3‬‬

‫العجلي‪ :‬تابعي ثقة من خيار الناس‪ ،‬قال أبو عبيد وغريه مات سنة ‪ 104‬وقيل غري ذلك‪ (.‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪،‬‬
‫هتذيب التهذيب ‪) 205 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪156‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫()‬
‫علي فليلج‬
‫علي ؛ فإنه من كذب َّ‬
‫مسعت علي بن أيب طالب يقول‪ :‬قال النيب ص‪ (( :‬ال تكذبوا َّ‬
‫‪1‬‬

‫النار( ) ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫كما حيذر أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬نقل الكذب ـ وهو يعلم أنه‬
‫ك ذب ـ فيم ا يروي ه عن الن يب ص‪ ،‬فعن عب دالرمحن بن أيب ليلى( ) عن علي عن الن يب ص ق ال‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫(( من حدث عين حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد ِ‬
‫الكاذ َبنْي ِ ( )))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫ََ‬ ‫ً‬

‫آمرا بالصدق يف احلديث عن رسول اهلل ص‪ (( :‬وتعلموا كتاب اهلل‪،‬‬


‫ويقول يف خطبة له ً‬
‫واصدقوا احلديث عن رسول اهلل ص‪ ،‬وأوفوا العهد إذا عاهدمت‪ ،‬وأدوا األمانة إذا ائتمنتم ))( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ -2‬البعد عن أسباب تكذيبه‬

‫() هو عام يف كاذب‪ ،‬مطلق يف كل نوع من الكذب‪ ،‬ومعناه ال تنسبوا الكذب إيل‪ .‬وقد اغرت قوم من اجلهلة‬ ‫‪1‬‬

‫فوضعوا أحاديث يف الرتغيب والرتهيب‪ ،‬وقالوا ‪ :‬حنن مل نكذب عليه‪ ،‬بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته‪ ،‬وما دروا‬
‫أن تقويله ما مل يقل يقتضي الكذب على اهلل تعاىل‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 200 / 1‬‬
‫() فليلج الن ار ‪ :‬جع ل األم ر ب الولوج مس ببًا عن الك ذب‪ ،‬ألن الزم األم ر اإلل زام واإلل زام بول وج الن ار س ببه‬ ‫‪2‬‬

‫الك ذب علي ه‪ ،‬أو ه و بلف ظ األم ر ومعن اه اخلرب‪ ،‬ويؤي ده رواي ة مس لم من طري ق غن در عن ش عبة بلف ظ (( من‬
‫كذب علي يلج النار ))‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 200 / 1‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب العلم ‪.55 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() األنصاري األوسي‪ ،‬أبو عيسى الكويف‪ ،‬ولد لست بقني من خالفة عمر‪ ،‬روى عن عدد من الصحابة‪ ،‬قال‬ ‫‪4‬‬

‫إس حاق بن منص ور عن ابن معني ثق ة‪ ،‬وق ال العجلي ‪ :‬ك ويف ت ابعي‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬هتذيب الته ذيب‬
‫‪.)236-6/234‬‬
‫() املراد أن الراوي يشارك الواضع يف اإلمث‪ ،‬ما مل يكن الراوي يقصد بيان الكذب‪ ،‬كما يفعل أئمة احلديث‬ ‫‪5‬‬

‫لبيان املوضوعات‪.‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند ‪ .113 / 1‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب العلم ‪ .36 / 5‬وابن ماجة يف سننه‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫واللفظ له‪ ،‬املقدمه ‪ .14 / 1‬وقال األلباين يف صحيح سنن ابن ماجة ‪ : 13 / 1‬صحيح‪.‬‬
‫() ابن قتيبة اإلمامة والسياسة ‪.50 / 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪157‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الناس إىل البعد عن األمر الذي‬


‫يرشد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪َ -‬‬
‫يكون سببًا يف تكذيب رسول اهلل ص‪ ،‬كتحديث الناس مبا ال تدركه عقوهلم‪ ،‬من أقوال رسول‬
‫اهلل ص‪ ،‬فيقول‪ (( :‬حدثوا الناس مبا يعرفون‪ ،‬أحتبون أن يكذب اهلل ورسوله ؟))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إن خماطبة الناس مبا يشتبه فهمه عليهم يكون سببا لفتنتهم وتكذيبهم ؛ ألن الشخص إذا‬
‫مسع ماال يفهمه وما ال يتصور إمكانه يعتقد استحالته جهاًل ‪ ،‬فال يصدق وجوده‪ ،‬فإذا أسند إىل‬
‫اهلل ورسوله يلزم تكذيبهما( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -3‬إحسان الظن بحديث رسول اهلل ص‬

‫حممدا ص جاء ليدل أمته على كل خري‪ ،‬وينهاهم عن كل شر‪ ،‬لذا جيب‬
‫الشك أن نبينا ً‬
‫أن حيمل حديثه على أحسن حممل‪ ،‬وإىل هذا يوجه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬يف فهم أح اديث رس ول اهلل ص‪ ،‬حيث يق ول‪ (( :‬إذا ُح دِّثتم عن رس ول اهلل ص ح ديثا‬
‫فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه( )))( ) ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -4‬الصالة عليه‬

‫() ذكره البخاري يف صحيحه تعلي ًقا ‪ ،62 / 1‬وقد وصله بعد ذلك يف احلديث الذي بعده‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر العيين يف عمدة القاري ‪.205 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ق ال أمحد ش اكر يف تعليق ه على مس ند اإلم ام أمحد ‪ : 211 / 2‬ق ال الس ندي ش ارحه ‪ (( :‬أي ال ذي ه و‬ ‫‪3‬‬

‫أوف ق ب ه من غ ريه‪ ،‬وأه دى وألي ق بكم ال ه داه‪ ،‬وأتق اه‪ ،‬أي وأنس ب بكم ال تق واه‪ ،‬وه و أن قول ه ص واب‪،‬‬
‫ونصح واجب العمل به‪ ،‬لكونه جاء به من عند اهلل تعاىل‪ ،‬وبلغه الناس بال زيادة وال نقصان ))‪.‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .211 /2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده‬ ‫‪4‬‬

‫ص حيح‪ .‬وابن ماجة يف س ننه‪ ،‬املقدم ة ‪ ،9 / 1‬واللف ظ ل ه‪ .‬وال دارمي يف س ننه ‪ .146 / 1‬وق ال األلب اين يف‬
‫صحيح سنن ابن ماجة ‪[ : 9 / 1‬صحيح ]‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪158‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الص الة على نبين ا حمم د ص من حقوق ه على أمت ه‪ ،‬وق د بني ذل ك املوىل س بحانه وتع اىل‬
‫()‬
‫تسليما }‬
‫ً‬ ‫وسلموا‬ ‫عليه‬ ‫صلوا‬ ‫آمنوا‬ ‫الذين‬ ‫أيها‬ ‫يا‬ ‫بقول { إن اهلل ومالئكته يصلون على النيب‬
‫‪1‬‬

‫( )‪ ،‬وهذا إخبار من اهلل سبحانه وتعاىل مبنزلة عبده ونبيه عنده يف املأل األعلى‪ ،‬بأنه يثين عليه عند‬ ‫‪2‬‬

‫املالئك ة املق ربني‪ ،‬وأن املالئكة تص لي علي ه‪ ،‬مث أمر تعاىل أه ل الع امل الس فلي بالصالة والتس ليم‬
‫(‪)3‬‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬ليجتمع الثناء عليه من أهل العاملني العلوي والسفلي ً‬

‫ويؤك د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه ذا احلق لرس ول اهلل ص‪،‬‬
‫بوص ف من مل يص ل على رس ول اهلل ص عن د مساع ذك ره بالبخ ل‪ ،‬فيم ا يروي ه عن رس ول اهلل‬
‫ص حيث يقول‪ (( :‬البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علَ َّي))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() صالة اهلل تع اىل ثناؤه عليه عند املالئكة‪ ،‬وص الة املالئكة الدعاء‪ ( .‬ابن كثري‪ ،‬تفس ري الق رآن العظيم ‪/ 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)507‬‬
‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.508 / 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده ‪ .201 / 1‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ ،551 / 5‬واللفظ له‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪ .‬وقال األلباين يف صحيح سنن الرتمذي ‪: 177 / 3‬‬
‫صحيح‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪159‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫منهجه في الدعوة إلى الغيبيات‬

‫تع ــريف‬

‫الغيبيات هي ماال طريق إلدراكه إال السمع وال طريق للحس إىل إدراكها‪ ،‬كعذاب القرب‬
‫ونعيم ه‪ ،‬والبعث‪ ،‬وي وم القيام ة وم ا في ه من األه وال‪ ،‬واجلن ة ونعيمه ا‪ ،‬والن ار وجحيمه ا‪،‬‬
‫واملالئكة‪ ،‬واجلن وحنو ذلك‪.‬‬

‫واملقصود بالدعوة إىل الغيبيات يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬هو الدعوة إىل اإلميان هبذه األمور‪ ،‬والعمل بالزمه‪.‬‬

‫المن ـ ــهج‬

‫التوضيح والبيان‬

‫من أهم جوانب الدعوة يف جمال الغيبيات بياهنا للمدعوين على الوجه الصحيح الوارد يف‬
‫كتاب اهلل سبحانه تعاىل‪ ،‬وسنة نبيه حممد ص‪ ،‬أو الفهم الصحيح املستنبط منهما ؛ ألنه ال سبيل‬
‫لفهمها إال من هذين الطريقني‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪160‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مكانة الغيبيات من اإلميان فيما‬
‫يروي ه عن رس ول اهلل ص بقول ه ق ال رس ول اهلل ص‪ (( :‬ال ي ؤمن عب د ح ىت ي ؤمن ب أربع ‪ :‬باهلل‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأين رسول اهلل‪ ،‬وبالبعث بعد املوت‪ ،‬والقدر))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولق د س لك أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف بي ان الغيبي ات طرقً ا‬
‫منها‪-:‬‬

‫‪ -1‬التمثيل المحسوس‬

‫يف بي ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ألب واب جهنم (أعاذن ا اهلل‬
‫منها) سأل أصحابه قائاًل ‪ :‬تدرون كيف أبواب جهنم ؟ قالوا‪ :‬كنحو هذه األبواب‪ .‬قال‪ :‬ال‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ولكنها هكذا‪ ،‬ووضع يده فوق‪ ،‬وبسط أبو عمرو( ) يده على يده‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف هذا األثر من اجلوانب الدعوية ـ إضافة إىل التمثيل احملسوس ـ ابتداء املدعوين بالفائدة‪،‬‬
‫وط رح املس ألة عليهم ملعرف ة م ا عن دهم من العلم‪ ،‬ولفت انتب اههم إىل م ا يري د ال داعي تعليمهم‬
‫إياه‪.‬‬

‫‪ -2‬ضرب األمثال‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪،‬و قال أبو عيسى حديث أيب داود عن شعبة(يقصد احلديث املذكور) عندي أصح‬ ‫‪1‬‬

‫من حديث النضر (وهوإسناد آخر ساقه بعده بقوله ‪ :‬حدثنا النضر بن مشيل عن شعبة حنوه‪ ،‬إال أنه قال ربعي‬
‫عن رجل عن علي)‪ .‬كتاب القدر ‪ .425 / 4‬وابن ماجة يف سننه واللفظ له‪ ،‬كتاب املقدمة ‪ .32 / 1‬وقال‬
‫األلباين يف صحيح سنن ابن ماجة ‪ : 21 / 1‬صحيح‪.‬‬
‫() أبو عمرو األزدي أحد الرواة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،535 / 1‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪3‬‬

‫أيض ا يف الزه د ص ‪ .163‬وأخرج ه ابن أيب ش يبة يف املص نف ‪.154 / 13‬‬ ‫ص حيح‪ .‬وأخرج ه اإلم ام أمحد ً‬
‫وذكره ابن رجب احلنبلي يف كتابه ‪ :‬التخويف من النار ص ‪ .83‬والدواليب يف الكىن واألمساء ‪.52 /2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪161‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ضرب األمثال أسلوب من أساليب اإليضاح والبيان‪ ،‬إن مل يكن أقواها يف إبراز احلقائق‬
‫املعقولة‪ ،‬يف صورة األمر احملسوس‪ .‬والغرض من ضرب األمثال تشيبه اخلفي باجللي‪ ،‬والغائب‬
‫بالشاهد‪ ،‬فيص ري احلس مطاب ًق ا للعق ل‪ ،‬وذلك ه و النهاية يف اإليضاح‪ .‬وضرب املث ل هو حالة‬
‫تش بيه حتدث يف النفس حال ة التف ات بارع ة‪ ،‬يلتفت هبا املرء من الكالم اجلدي د إىل ص ورة املث ل‬
‫املأنوس( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال إبراهيم النظام‪ (( :‬جيتمع يف املثل أربعة ال جتتمع يف غ ريه من الكالم‪ :‬إجياز اللفظ‪،‬‬
‫وإصابة املعىن‪ ،‬وحسن التشبيه‪ ،‬وجودة الكناية ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف أمهية ضرب األمثال لتوضيح األقوال يقول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫(‪)3‬‬
‫اهلل عنه ‪ (( :-‬األمثال مصابيح األقوال ))‬

‫ميث ل أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬الرج ل ال ذي مجع اإلميان‬
‫والق رآن والرج ل ال ذي خال منهم ا بقول ه‪ (( :‬مث ل ال ذي مجع اإلميان والق رآن مث ل األترجة‪،‬‬
‫الطيبة ال ريح‪ ،‬الطيبة الطعم‪ .‬ومثل ال ذي مل جيم ع اإلميان ومل جيم ع الق رآن مث ل احلنظل ة‪ ،‬خبيثة‬
‫الريح‪ ،‬وخبيثة الطعم ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وهذا املثل ضربه رسول اهلل ص كما يف حديث أيب موسى األشعري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫عن النيب ص قال‪ (( :‬مثل الذي يقرأ القرآن كاألترجة‪ ،‬طعمها طيب ورحيها طيب‪ ،‬والذي ال‬

‫() انظر ‪ :‬علي حمفوظ‪ ،‬هداية املرشدين ص ‪ .177‬والبهي اخلويل‪ ،‬تذكرة الدعاة ص ‪ .66‬وعبد الوهاب بن‬ ‫‪1‬‬

‫لطف الديلمي‪ ،‬معامل الدعوة يف قصص القرآن الكرمي ‪.306 /1‬‬


‫() امليداين‪ ،‬جممع األمثال‪ ،‬حتقيق حممد أبوالفضل إبراهيم ‪ ( .7 / 1‬عيسى البايب احلليب وشركاه )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬الورقة ‪ ،51‬الوجه ‪.1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.286 / 13‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪162‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يقرأ القرآن‪ ،‬كمثل الرحيانة‪ ،‬رحيها طيب وطعمها مر‪ ،‬ومثل الفاجر الذي ال يقرأ القرآن‪ ،‬كمثل‬
‫احلنظلة‪ ،‬طعمها مر وال ريح هلا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وميث ل أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬اإلميان والنف اق يف القلب‬
‫بياض ا‪ ،‬ح ىت ي بيض‬
‫بقول ه‪ (( :‬اإلميان يب دو نقط ة بيض اء يف القلب‪ ،‬كلم ا ازداد اإلميان ازدادت ً‬
‫سوادا‪ ،‬حىت يسود القلب‬
‫القلب كله‪ ،‬والنفاق يبدو نقطة سوداء‪ ،‬كلما ازداد النفاق ازدادت ً‬
‫كل ه‪ ،‬وال ذي نفس ي بي ده ! ل و ش ققتم عن قلب م ؤمن لوج دمتوه أبيض‪ ،‬ول و ش ققتم عن قلب‬
‫(‪)2‬‬
‫منافق لوجدمتوه أسود ))‬

‫‪ -3‬إجابة التساؤالت‬

‫قد يكون لدى املدعوين من التساؤالت يف جمال الغيبيات ما يريدون معرفتة‪ ،‬فهنا على‬
‫ال داعي إجاب ة م ا ل ديهم من التس اؤالت‪ ،‬وإزال ة م ا عن دهم من اإلش كاليات‪ .‬واإلجاب ة على‬
‫التس اؤالت فيم ا يتعل ق بالغيبي ات يتطلب من الداعي ة أن يك ون على ق در كب ري من س عة العلم‪،‬‬
‫وعم ق الفهم‪ ،‬ولق د كان ألم ري املؤمنني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬قسط كبري يف‬
‫هذا اجلانب‪ ،‬واملتوجه إليه بالسؤال جيد عنده من اجلواب ما يشفيه‪ ،‬ومن التوضيح ما يغنيه‪.‬‬

‫ملا س ئل علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن الس اعة ق ال‪ (( :‬لق د س ألتموين عن‬
‫(‪)3‬‬
‫أمر ال يعلمه جربيل و ال ميكائيل‪ ،‬ولكن إن شئتم أنبأتكم بأشياء إذا كانت مل يكن الساعة‬

‫() متف ق علي ه ‪ :‬أخرج ه البخ اري واللف ظ ل ه‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب فض ائل الق رآن ‪ .345 / 3‬ومس لم‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب صالة املسافرين وقصرها ‪.549 / 1‬‬


‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.12 / 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هكذا يف األصل‪ ،‬ولعل الصواب للساعة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪163‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كب ري لبث‪ ،‬إذا ك انت األلس ن لين ة والقل وب ني ازك‪ ،‬ورغب الن اس يف ال دنيا‪ ،‬وظه ر البن اء على‬
‫بيعا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وجه األرض‪ ،‬واختلف األخوان فصار هوامها شىت‪ ،‬وبيع حكم اهلل ً‬

‫وهذه اإلجابة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬شافية للسائل‪ ،‬بأن‬
‫بنَّي ل ه أن موع د الس اعة ال يعلم ه إال اهلل وح ده‪ ،‬ومن جه ة ثاني ة فإن ه مل يقتص ر على مطل وب‬
‫السائل فحسب‪ ،‬بل زاد على مطلوبه‪ ،‬بأن بني له أمارات الساعة الدالة على وقوعها‪.‬‬

‫كما أن هذه اإلجابة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن موعد‬
‫الساعة تشبه إجابة رسول اهلل ص كما يف حديث جربيل‪ ،‬عندما سأله قائاًل ‪ :‬يا رسول اهلل !‬
‫م ىت الس اعة ؟ ق ال‪ :‬م ا املس ؤول عنه ا ب أعلم من الس ائل‪ ،‬ولكن س أحدثك عن أش راطها‪...‬‬
‫احلديث ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كما سأل ابن الكواء علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن البيت املعمور ما هو ؟‬
‫فأجاب قائاًل ‪ (( :‬ذلك الضراح يف سبع مساوات‪ ،‬يف العرش‪ ،‬يدخله كل يوم سبعون ألف ملك‪،‬‬
‫ال يعودون إليه إىل يوم القيامة ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وهذه اإلجابة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مبنية على ما ورد‬
‫عن رس ول اهلل ص يف قص ة اإلس راء‪ ،‬حيث َع َّرف رس ول اهلل ص ال بيت املعم ور ألص حابه مبا‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.164 / 15‬‬ ‫‪1‬‬

‫() متفق عليه من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه) ‪ :‬أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب التفسري ‪/ 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .375‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪ ،39 / 1‬واللفظ له‪.‬‬


‫() أخرجه عبدالرزاق يف مصنفه ‪ .29 / 5‬وابن كثري يف تفسريه ‪.240 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪164‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أخربه به جربيل عليه السالم بقوله‪ (( :‬البيت املعمور‪ ،‬يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك‪،‬‬
‫إذا خرجوا مل يعودوا إليه آخر ما عليهم ))( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الخطابة المؤثرة‬

‫اخلطابة هي‪ (( :‬فن مشافهة اجلماهري‪ ،‬للتأثري عليهم واستمالتهم ))( )‪ .‬وكان أمري املؤمنني‬
‫‪2‬‬

‫رائدا يف خطابته‪ ،‬ولقد أضاف إىل جزالة‬


‫إماما يف بالغته‪ً ،‬‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ً -‬‬
‫البداوة صقل احلضارة‪ ،‬وإىل عبقرية العقل نفحة الروح‪ ،‬وله سبق إىل فنية األسلوب‪ ،‬واقتداء‬
‫(‪)3‬‬
‫واع بالقرآن الكرمي‪.‬‬
‫ٍ‬

‫يقول عنه أمحد حسن الزيات( )‪ ...(( :‬وال نعلم بعد رسول اهلل ص فيمن سلف وخلف‬
‫‪4‬‬

‫حكيم ا تتفج ر احلكم ة من بيان ه‪،‬‬


‫ً‬ ‫أفص ح من علي يف املنط ق‪ ،‬وال َأبَ َّل ِر ْيقًَا يف اخلطاب ة‪ ،‬ك ان‬
‫وخطيبً ا تت دفق البالغ ة على لس انه‪ ،‬وواعظً ا ِم ْلءَ الس مع والقلب‪ ،‬ومرتس اًل بعي د غ ور احلج ة‪،‬‬
‫ومتكلم ا يضع لسانه حيث شاء‪ ،‬وهو باإلمجاع أخطب املسلمني وإمام املنشئني ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ً‬

‫() انظ ر القص ة كامل ة يف الص حيحني ‪ :‬البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب ب دء اخلل ق ‪ .422 / 2‬ومس لم‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب اإلميان ‪.145 / 1‬‬


‫() انظ ر ‪ :‬أمحد حمم د احلويف‪ ،‬فن اخلطاب ة ص ‪ .5‬وعطي ة حمم د س امل‪ ،‬أص ول اخلطاب ة واإلنش اء ص ‪ .9‬ود‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبداهلل شحاته‪ ،‬الدعوة اإلسالمية واإلعالم الديين ص ‪.19‬‬


‫() انظر ‪ :‬د‪ .‬حممد طاهر درويش‪ ،‬اخلطابة يف صدر اإلسالم ‪.362 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أديب ناثر‪ ،‬ولد بقرية كفر دمرية يف مصر سنة ‪1302‬هـ‪ ،‬تلقى تعليمه يف اجلامع األزهر‪ ،‬اشتغل بتدريس‬ ‫‪4‬‬

‫األدب العريب‪ ،‬وعلوم الرتبية‪ ،‬تويف سنة ‪1388‬هـ‪(.‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.)121 / 1‬‬
‫() تاريخ األدب العريب ص ‪.135‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪165‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وإذا كانت احللة البالغية اليت تكسو خطب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬حتدث االنفع ال يف نف وس املدعوين‪ ،‬ف إن س عة علم ه‪ ،‬ودق ة فهم ه‪ ،‬تعم ق ه ذا االنفع ال‬
‫وتزيد األثر يف القلوب‪.‬‬

‫ومما ورد يف خطب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف جمال الغيبيات‬
‫قول ه‪ (( :‬أم ا بع د‪ ،‬ف إن ال دنيا ق د أدب رت وآذنت ب وداع‪ ،‬وإن اآلخ رة ق د أقبلت وأش رفت‬
‫باطِّالع‪ ،،‬وإن املضمار اليوم و ً‬
‫()‬
‫غدا السباق‪ ،‬أال وإنكم يف أيام أمل من ورائه أجل‪ ،‬فمن قصر‬ ‫‪1‬‬

‫يف أيام أمله‪ ،‬قبل حضور أجله فقد خاب عمله‪ ،‬أال فاعملوا هلل يف الرغبة‪ ،‬كما تعملون له يف‬
‫الرهب ة‪ ،‬وإن ه مل أر كاجلن ة ن ام طالبه ا‪ ،‬ومل أر كالن ار ن ام هارهبا‪ ،‬وإن ه من مل ينفع ه احلق ض ره‬
‫ودللتم على‬
‫الباط ل‪ ،‬ومن مل يس تقم ب ه اهلدى ح اد ب ه الض الل‪ ،‬أال وإنكم ق د أم رمت ب الظعن‪ُ ،‬‬
‫الزاد‪ ،‬أال أيها الناس إمنا الدنيا عرض حاضر‪ ،‬يأكل منها الرب والفاجر‪ ،‬وإن اآلخرة وعد صادق‬
‫حيكم فيها ملك قادر‪ ،‬أال إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء‪ ،‬واهلل يعدكم مغفرة منه‬
‫وفضاًل ‪ ،‬واهلل واسع عليم‪ .‬أيها الناس ! أحسنوا يف أعماركم حتفظوا يف أعقابكم‪ ،‬فإن اهلل وعد‬
‫جنت ه من أطاع ه‪ ،‬وأوع د ن اره من عص اه‪ ،‬إهنا ن ار ال يه دأ زفريه ا‪ ،‬وال يف ك أس ريها‪ ،‬وال جيري‬
‫كسريها‪ ،‬حرها شديد‪ ،‬وقعرها بعيد‪ ،‬وماؤها صديد ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف أول خطبة له حني بويع‬
‫باخلالف ة‪ (( :‬ب ادروا أم ر العام ة‪ ،‬وخاص ة أح دكم املوت‪ ،‬ف إن الن اس أم امكم‪ ،‬وإمنا خلفكم‬

‫() املض مار ‪ :‬املوض ع ال ذي تض مر في ه اخلي ل للس باق‪ .‬واملع ىن ‪ :‬الي وم العم ل يف ال دنيا لالس تباق إىل اجلن ة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كالفرس يضمر قبل أن يسابق عليه‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،492 / 4‬مادة [ضمر] )‪.‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .7 / 8‬واملسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪ .710 / 1‬وابن قتيبة‪ ،‬اإلمامة والسياسة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫حتقيق الدكتور ‪ :‬طه حممد الزيين ‪ .50 / 1‬وابن عبد ربه األندلسي‪ ،‬العقد الفريد ‪.4/136‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪166‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الساعة‪ ،‬حتدو بكم فتخففوا تلحقوا‪ ،‬فإمنا ينتظر بالناس أخراهم ))( ) فهو ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل‬
‫‪1‬‬

‫يغفل عن تذكري الناس باملوت والدار اآلخرة يف خطبته األوىل اليت من شأهنا أن تكون خمصصة‬
‫لرسم السياسة اليت ينوي انتهاجها يف خالفته‪ ،‬وبيان العالقة بني احلاكم واحملكوم‪.‬‬

‫ول و تأملن ا ه ذين املقطعني من خطب ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬لوج دنا أن عوام ل الت أثري يف‬
‫املدعوين تتمثل فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬صدق اللهجة النابع من إميانه مبا يدعو إليه‪ ،‬مما جيعل كلماته كأهنا قبس من نفسه املشتعلة‪،‬‬
‫وصورة من عواطفه املنفعلة‪ ،‬فهو ال يكاد ينطق باجلملة حىت تكون أمساعهم قد تلقفتها‪،‬‬
‫وقلوهبم قد وعتها‪.‬‬
‫‪ -2‬متتاز األلفاظ بالقوة‪ ،‬مع سهولتها وعذوبتها وسالستها‪ ،‬كما أن عبارهتا واضحة‪ ،‬ومجلتها‬
‫قصرية‪ .‬ولعل ذلك يسعف السامعني بإدراك املعىن املراد‪.‬‬
‫تأثرا‪ ،‬ومن ذلك مثاًل ‪-:‬‬
‫وضوحا‪ ،‬والسامع ً‬
‫ً‬ ‫‪ -3‬املقابلة بني املعاين املتضادة‪ ،‬مما يزيد املعىن‬
‫قوله‪ :‬فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع‪ ...‬وإن اآلخرة قد أقبلت وأشرفت باطالع‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وإنه مل أر كاجلنة نام طالبها‪ ...‬وال كالنار نام هارهبا‪.‬‬
‫‪ -4‬االقتب اس‪ :‬ا ) من الق رآن الك رمي‪ ،‬كم ا يف قول ه‪ :‬أال إن الش يطان يع دكم الفق ر وي أمركم‬
‫بالفحش اء‪ ،‬واهلل يع دكم مغف رة من ه وفض اًل ‪ ،‬واهلل واس ع عليم‪ .‬ذل ك مقتبس من قول ه‬
‫سبحانه {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واهلل يعدكم مغفرة منه وفض اًل واهلل‬
‫واسع عليم }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() ابن كثري البداية والنهاية ‪.227 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.268‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪167‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ب ) من احلديث الش ريف‪ ،‬كم ا يف قول ه‪ :‬أيه ا الن اس ! أحس نوا يف أعم اركم حتفظ وا يف‬
‫أعقابكم‪ .‬من قول النيب ص‪ (( :‬احفظ اهلل حيفظك ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -6‬االس تعارة كم ا يف قول ه‪ (( :‬وإمنا خلفكم الس اعة‪ ،‬حتدو( ) بكم فتخفف وا تلحق وا )) ش به‬
‫‪2‬‬

‫الن اس باإلب ل‪ ،‬وح ذف املش به ب ه ( اإلب ل ) وأبقى ش يًئا من لوازم ه وص فاته وه و احلدو‪،‬‬
‫وذلك كله على سبيل ( االستعارة املكنية )‪.‬‬

‫الموعظة الحسنة‬

‫الوعظ هو النصح والتذكري بالعواقب‪ ،‬سواء باالستمالة والرتغيب‪ ،‬أم بالزجر والرتهيب‪.‬‬
‫وتطلق املوعظة على القول احلق الذي يلني القلوب‪ ،‬ويؤثر يف النفوس‪ ،‬ويكبح مجاحها‪ ،‬ويزيد‬
‫النفوس َّ‬
‫املهذبة إميانًا وهداية ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وق د انتهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف دعوت ه إىل الغيبي ات‬
‫س بيل املوعظ ة احلس نة‪ ،‬كم ا أم ر املوىل س بحانه وتع اىل بقول ه { ادع إىل س بيل رب ك باحلكمة‬
‫واملوعظة احلسنة }( ) واملوعظة احلسنة هي اليت تدخل القلوب برفق‪ ،‬وتتعمق املشاعر بلطف‪ ،‬ال‬
‫‪4‬‬

‫بالزجر والتأنيب يف غري موجب‪ ،‬وال بفضح األخطاء اليت قد تقع عن جهل أوحسن نية‪ ،‬فإن‬
‫كثريا ما يهدي القلوب الشاردة‪ ،‬ويؤلف القلوب النافرة‪ ،‬ويأيت خبري من الزجر‬
‫الرفق يف املوعظة ً‬
‫و التأنيب والتوبيخ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند ‪ .293 / 1‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب صفة القيامة والرقاق ‪ .667 / 4‬من‬ ‫‪3‬‬

‫حديث عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما)‪.‬‬


‫() احلدو سوق اإلبل والغناء هلا‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2309 / 6‬مادة [حدا] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1181 / 3‬مادة [وعظ]‪ .‬وعلي حمفوظ‪ ،‬هداية املرشدين إىل طرق الوعظ‬ ‫‪3‬‬

‫واخلطابة ص ‪.71‬‬
‫() سورة النحل‪ ،‬جزء من اآلية ‪.125‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬سيد قطب يف كتابه ( يف ظالل القرآن ) ‪.2202 / 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪168‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فباملواع ظ والنص ائح تص ح النف وس‪ ،‬وتس لم القل وب من املخ اطر‪ ،‬وترج ع عن غيه ا إىل‬
‫رشدها‪ ،‬وتعدل عن الطريق العوجاء إىل الصراط املستقيم‪ ،‬وبالوعظ والتذكري تتهذب النفوس‪،‬‬
‫وتتنبه العقول من غفلتها‪ ،‬وتستيقظ من رقدهتا‪ ،‬وتستنري البصائر بنور الطاعة‪ ،‬بعد أن أظلمتها‬
‫املعصية‪ .‬قال بعض احلكماء‪ :‬املوعظة موقظة للقلوب من سنة الغفلة‪ ،‬ومنقذة للبصائر من سكرة‬
‫احلرية‪ ،‬وحميية هلا من موت اجلهالة‪ ،‬ومستخرجة هلا من ضيق الضاللة ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن مواع ظ أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف جمال الغيبي ات م ا‬
‫عج( ) أهلها وبكوا فقال‪ :‬ما تبكون؟ أما واهلل !‬
‫قاله عندما شيع جنازة‪ ،‬فلما وضعت يف حلدها َّ‬
‫‪2‬‬

‫لو عاينوا ما عاين ميتهم‪ ،‬ألذهلتهم معاينتهم عن ميتهم‪ .‬وإن له فيهم لعودة مث عودة‪ ،‬مث ال يبقي‬
‫أحدا‪ ...‬فاتقوا اهلل عباد اهلل‪ ،‬وجدوا يف الطلب‪ ،‬وبادروا بالعمل مقطع النهمات‪ ،‬وهادم‬
‫منهم ً‬
‫اللذات‪ .‬فإن الدنيا ال ي دوم نعيمها‪ ،‬وال تؤمن فجائعها‪ ،‬غرور حائل‪ ،‬وسناد مائل‪ ...‬اتعظوا‬
‫عباد اهلل بالعرب‪ ،‬واعتربوا باآليات واألثر‪ ،‬وازدجروا بالنذر‪ ،‬وانتفعوا باملواعظ‪ .‬فكأن ق د علقتكم‬
‫خمالب املني ة‪ ،‬وض مكم بيت ال رتاب‪ ،‬ودمهتكم مقطع ات األم ور بنفخ ة الص ور‪ ،‬وبع ثرة القب ور‪،‬‬
‫وسياقة احملشر‪ ،‬وموقف احلساب‪ ،‬بإحاطة قدرة اجلبار‪ .‬كل نفس معها سائق يسوقها حملشرها‪،‬‬
‫وش اهد يش هد عليه ا بعمله ا { وأش رقت األرض بن ور رهبا ووض ع الكت اب وجيء ب النبيني‬
‫والش هداء وقض ي بينهم ب احلق وهم ال يظلم ون }( ) ف ارجتت ل ذلك الي وم البالد‪ ،‬ون ادى املن اد‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫وكان يوم التالق‪ ،‬وكشف عن ساق‪ ،‬وكسفت الشمس‪ ،‬وحشرت الوحوش‪ ،‬مكان مواطن‬
‫احلشر‪ ،‬وبدت األسرار‪ ،‬وهلكت األشرار‪ ،‬وارجتت األفئدة))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬علي حمفوظ‪ ،‬هداية املرشدين ص ‪.73‬‬ ‫‪1‬‬

‫() العج رفع الصوت‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،327 / 1‬مادة [عجج] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .78 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.328 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪169‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويسري أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف موعظته مبناسبة اجلنازة على‬
‫منهج رسول اهلل ص كما بني ذلك علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬نفسه حيث يقول‪:‬‬
‫(( كنا يف جنازة يف بقيع الغرقد( )‪ ،‬فأتانا رسول اهلل ص‪ ،‬فقعد وقعدنا حوله‪ ،‬ومعه خمصرة( )‪،‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫فنكس( ) فجعل ينكث مبخصرته‪ ،‬مث قال‪ :‬ما منكم من أحد‪ ،‬وما من نفس منفوسة( )‪ ،‬إال كتب‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫مكاهنا من اجلنة والنار‪ ،‬وإال قد كتبت شقية أو سعيدة‪ .‬قال رجل‪ :‬يا رسول اهلل ! أفال نتكل‬
‫على كتابنا وندع العمل‪ ،‬فمن كان منا من أهل السعادة فسيصري إىل أهل السعادة‪ ،‬ومن كان‬
‫من ا من أه ل الش قاء فسيص ري إىل أه ل الش قاوة ؟ ق ال‪ :‬أم ا أه ل الس عادة فييس رون لعم ل أه ل‬
‫الس عادة‪ ،‬وأم ا أه ل الش قاوة فييس رون لعم ل أه ل الش قاء‪ ،‬مث ق رأ { فأم ا من أعطى واتقى‪.‬‬
‫وصدق باحلسىن }( ) ))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫وقال أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف موعظته لرجل‪ (( :‬أيها الذام للدنيا‪ ،‬املعلل‬
‫نفس ه باألم ايل‪ ،‬م ىت خ دعتك ال دنيا أوم ىت اش تدمت عليك( ) ؟! أمبص ارع آبائ ك يف البال ؟! أم‬
‫‪7‬‬

‫() بقيع الغرقد ‪ :‬أصل البقيع يف اللغة املوضع الذي فيه أروم الشجر‪ ،‬من ضروب شىت‪ ،‬وبه مسي بقيع الغرقد‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫والغرقد ‪ :‬كبار العوسج‪ .‬وهو مقربة أهل املدينة‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1187 / 3‬مادة [بقع]‪ .‬واحلموي‪،‬‬
‫معجم البلدان ‪.) 473 / 1‬‬
‫() هي عصا أو قضيب ميسكه الرئيس ليتوكأ عليه‪ ،‬ويدفع به عنه‪ ،‬ويشري به إىل ما يريد‪ ،‬ومسيت بذلك ألهنا‬ ‫‪2‬‬

‫حتمل حتت اخلصر غالبً ا لالتكاء عليها‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،242 / 4‬مادة [خصر]‪ .‬وابن حجر‪،‬‬
‫فتح الباري ‪.) 496 / 11‬‬
‫() الناكس ‪ :‬املطأطيء رأسه‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،986 / 3‬مادة [نكس] )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املنفوس ‪ :‬املولود‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،239 / 6‬مادة [نفس] )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة الليل‪ ،‬اآليتان ‪.6 ،5‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب التفسري ‪.325 / 3‬‬ ‫‪6‬‬

‫() يوجد يف هنج البالغة ص ‪ : 687‬أم مىت غرتك ؟ إمبصارع آبائك من البلى‪....‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪170‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعلَّلت بكفي ك‪ ،‬ممن تطلب ل ه الش فا‪،‬‬


‫مبض اجع أمهات ك حتت ال ثرى؟! كم َمَّرض ت بي ديك‪َ ،‬‬
‫وتستوصف له األطباء ؟! ال يغين عنه دواؤك‪ ،‬وال ينفعه بكاؤك))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعوامل التأثري يف هذه املواعظ كما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬وقوع املوعظة يف مناسبتها‪ ،‬فإن املوعظة األوىل كانت مبناسبة تشييع جنازة‪ ،‬والنفوس يف‬
‫هذه احلال تكون مستعدة لتلقي ما تذكر به يف املوت والدار اآلخرة‪ .‬وأما املوعظة الثانية‬
‫فكانت مناسبتها ما حصل من ذم الدنيا عند أمري املؤمنني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫‪ -2‬الص ياغة البالغية للموعظ ة‪ ،‬فمواع ظ أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫تتم يز بإس لوهبا البالغي املؤثر يف نف وس املدعوين‪ ،‬فمن اجلوانب البالغي ة يف النم اذج‬
‫املذكورة ما يلي‪-:‬‬

‫(ا) االستعارة مثل قوله‪ (( :‬فكأن قد علقتكم خمالب املنية )) تشبيه املوت ( املنية ) حبيوان‬
‫مفرتس‪ ،‬له خمالب‪ ،‬فحذف املشبه به وأبقى شيًئا من لوازمه وصفاته وهو املخالب‪.‬‬

‫(ب) الس جع العف وي غ ري املتكل ف مث ل قول ه‪ (( :‬ف إن ال دنيا الي دوم نعيمه ا‪ ،‬وال ت ؤمن‬
‫فجائعها‪ ،‬غرور حائل‪ ،‬وسناد مائل ))‪.‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.7 / 8‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪171‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(جـ) الص يغ اإلنش ائية( ) وهي مبثوث ة يف اخلطب ة كله ا ومنه ا‪ ( :‬م ا تبك ون ؟ ) اس تفهام‪..‬‬
‫‪1‬‬

‫(اتعظوا عباد اهلل بالعرب ) نداء‪ ( ..‬اتعظوا‪ ،‬اعتربوا‪ ،‬وازدجروا‪ ،‬وانتفعوا ) كل هذا‬
‫على سبيل األمر‪.‬‬

‫اهدا عليه ا ؛ ألن اخلطب ة كله ا ال‬


‫(د) جزال ة األلف اظ‪ ،‬لع ل أي ج زء من اخلطب ة يك ون ش ً‬
‫خلل فيها والضعف‪.‬‬

‫‪ -3‬اعتم اد املض مون على الق رآن الك رمي‪ ،‬وانتهاجه ا منهج ه يف اإلرش اد واإلقن اع‪ ،‬كقول ه‪:‬‬
‫(( ك ل نفس معه ا س ائق يس وقها حملش رها‪ ،‬وش اهد يش هد عليه ا بعمله ا )) اعتم ًادا على‬
‫قوله تعاىل { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -4‬ال رتهيب ب ذكر أه وال ي وم القيام ة‪ ،‬كقول ه‪ (( :‬ودهتكم مقطع ات األم ور بنفخ ة الص ور‪،‬‬
‫وبعثرة القبور‪ ،‬وسياقة احملشر‪ ،‬وموقف احلساب‪ ،‬بإحاطة قدرة اجلبار))‪.‬‬

‫‪ -5‬اإلقناع‪ ،‬ومن ذلك قوله‪ (( :‬كم مرضت بيديك‪ ،‬وعللت بكفيك‪ ،‬ممن تطلب له الشفاء‪،‬‬
‫وتستوص ف ل ه األطب اء‪ )) ...‬لإلقن اع حبص ول املوت‪ ،‬واالرحتال عن ال دنيا‪ ،‬والق دوم على‬
‫اآلخرة‪ ،‬وأنه ال مهرب وال فكاك‪.‬‬

‫أيض ا بأنه الكالم الذي‬


‫() اإلنشاء هو الكالم الذي الحيتمل التصديق والتكذيب بتعريف البالغيني‪ ،‬وعرفوه ً‬
‫‪1‬‬

‫ليس له وجود خارجي قبل النطق به‪ .‬ومن الصيغ اإلنشائية االستفهام والتعجب واألمر والنهي والقسم والنداء‬
‫وحنوه ا‪( .‬انظ ر ‪ :‬ال دكتور بك ري ش يخ أمني‪ ،‬البالغ ة العربي ة يف ثوهبا اجلدي د ‪ .119 - 75 / 1‬ود‪ .‬عب د‬
‫اهلادي الفضلي‪ ،‬هتذيب البالغة ص ‪.61‬‬
‫() سورة ق‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪172‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عما سيحدث يف املستقبل‪ ،‬حىت يتصور‬


‫‪ -6‬استحضار الصورة‪ ،‬وذلك لتعبريه بالفعل املاضي َّ‬
‫الس امع ه ذا األم ر ال ذي ينتظ ره‪ ،‬ومن ذل ك قول ه‪ (( :‬فك أن ق د علقتكم خمالب املني ة‪،‬‬
‫وضمكم بيت الرتاب‪ ،‬ودمهتكم مقطعات األمور‪.))...‬‬

‫‪ -7‬لطف العبارة حبيث تستهوي املدعوين‪ ،‬وال تنفر السامعني‪.‬‬


‫القصص‬
‫أثرا بعد أثر( )‪ ،‬كحكاي ة أحوال الس ابقني من األفراد‬
‫‪1‬‬
‫القصة هي رواي ة اخلرب وتتبع آثاره ً‬
‫عما سيحدث يف آخر‬
‫واألمم‪ ،‬ورمبا تكون القصص مبا يستقبل من األحوال‪ ،‬كإخبار النيب ص َّ‬
‫الزم ان‪ ،‬كقص ة املس يح ال دجال مثاًل ‪ ،‬أو م ا حيص ل أله ل اجلن ة من النعيم‪ ،‬أو أله ل الن ار من‬
‫العذاب واجلحيم‪.‬‬

‫وملا للقص ص من أث ر على املدعوين فق د أم ر اهلل س بحانه وتع اىل نبي ه حمم ًدا ص بقول ه‪:‬‬
‫{ فاقص ص القص ص لعلهم يتفك رون }( )‪ .‬كم ا أن اهلل س بحانه وتع اىل قص على نبي ه قص ص‬
‫‪2‬‬

‫األنبياء قبله م ع أممهم‪ ،‬وغريها من القصص‪ ،‬كما يف قوله سبحانه { حنن نقص عليك أحسن‬
‫القصص مبا أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله ملن الغافلني }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومما قصه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف جمال الغيبيات ما حيصل‬
‫أله ل اجلن ة من النعيم‪ ،‬فعن عاص م بن ض مرة( ) ق ال‪ :‬مسعت علي بن أيب ط الب يق ول‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫() ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،74 / 7‬مادة [قصص]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.176‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬ ‫‪3‬‬

‫() السلويل الكويف‪ ،‬قال ابن املديين والعجلي ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال النسائي ‪ :‬ليس به بأس‪ .‬وقال ابن سعد ‪ :‬كان ثقة‬ ‫‪4‬‬

‫له أحاديث‪ .‬وقال ابن حبان ‪ :‬كان رديء احلفظ‪ ،‬فاحش اخلطأ‪ ،‬على أنه أحسن ح ااًل من احلارث‪( .‬انظر ‪:‬‬
‫ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 40،41 / 5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪173‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫زمرا }( ) حىت إذا انتهوا إىل باب من أبواب اجلنة وجدوا‬


‫(( { وسيق الذين اتقوا رهبم إىل اجلنة ً‬
‫‪1‬‬

‫عند باهبا شجرة خترج من حتت ساقيها( ) عينان‪ ،‬فيأتون إحدامها كأمنا أمروا هبا فيتطهرون فيها‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫فتج ري عليهم نض رة النعيم( )‪ ،‬ق ال‪ :‬فال تتغ ري أبش ارهم بع دها أب ًدا‪ ،‬كأمنا دهن وا‪ ،‬ق ال‪ :‬مث‬
‫‪3‬‬

‫يعم دون إىل األخ رى فيشربون منه ا فتذهب ما يف بط وهنم من أذى وقذى‪ ،‬وتتلق اهم املالئكة‬
‫فيقولون { سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين }( ) قال‪ :‬ويتلقى كل غلمان صاحبهم يطيفون‬
‫‪4‬‬

‫به فعل الولدان باحلميم يقدم من الغيبة‪ ،‬يقولون‪ :‬أبشر قد أعد لك من الكرامة‪ ،‬كذا‪ ،‬ويسبق‬
‫غلمان من غلمانه إىل أزواجه من احلور العني‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا فالن ـ بامسه يف الدنيا ـ قد أتاكن‪،‬‬
‫ق ال فيقلن‪ :‬أنتم رأيتم وه ؟ فيقول ون‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال‪ :‬فيس تخفهن الف رح‪ ،‬ح ىت خيرجن إىل أس كفة‬
‫الب اب‪ ،‬ق ال‪ :‬وي دخل اجلن ة‪ ،‬ف إذا منارق مص فوفة‪ ،‬وأك واب موض وعة‪ ،‬وزرايب مبثوث ة‪ ،‬فيتكيء‬
‫على أريكة من أرائكه‪ ،‬قال‪ :‬فينظر إىل تأسيس بنيانه‪ ،‬فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ بني‬
‫أص فر وأمحر وأخض ر ومن ك ل ل ون‪ ،‬ق ال‪ :‬مث يرف ع طرف ه إىل س قفه فل وال أن ق دره اهلل ل ه ألمل‬
‫بصره أن يذهب بالربق مث قرأ { وقالوا احلمد هلل الذي هدانا هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا‬
‫اهلل}( ) ))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحكمة الموجزة‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬جزء من اآلية ‪.73‬‬ ‫‪1‬‬

‫() لعل الصواب (ساقها) كما يف الدر املنثور ‪.263 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أي صفة الرتافة واحلشمة والسرور والدعة والرياسة‪ ( .‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.) 487 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬جزء من اآلية ‪.73‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.43‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .113 / 13‬والطربي يف التفسري ‪ .24 / 24‬وابن املبارك يف الزهد ص‬ ‫‪6‬‬

‫‪ .510 - 508‬وأورده السيوطي يف الدر املنثور ‪.265 / 7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪174‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫احلكمة هي الكالم الذي يقل لفظه وجيل معناه( )‪ .‬وميكن القول بأهنا عبارة موجزة املبىن‬
‫‪1‬‬

‫جليل ة املع ىن‪ .‬واحلكم ة هلا أث ر كب ري يف ال دعوة يف جمال الغيبي ات‪ ،‬وذل ك جلم ال ألفاظه ا‪ ،‬ومسو‬
‫معانيها‪ ،‬وسهولة حفظها وترديدها‪ .‬وقد ُأثر عن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬الكثري من احلكم الرائعة‪ ،‬وأفرد بعضها يف مؤلفات( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن حكم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف جمال الغيبي ات م ا‬
‫يلي‪-:‬‬

‫(‪)3‬‬
‫* الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا‬

‫الن اس م اداموا يف احلي اة ال دنيا فهم غ افلون‪ ،‬وك أهنم راق دون عن اجلن ة ونعيمه ا‪ ،‬والن ار‬
‫وجحيمها‪ ،‬فإذا ماتوا انتبهوا من رقدة الغفلة‪ ،‬فندموا على ما فرطوا يف جنب خالقهم‪ ،‬ولكن ال‬
‫تنجيهم الندامة‪ ،‬وال تنفعهم املالمة( )‪ .‬وهذه الغفلة نبه اهلل سبحانه وتعاىل عنها يف كتابه بقوله‬
‫‪4‬‬

‫{لقد كنت يف غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫(‪)6‬‬
‫* أبلغ العظات النظر إلى األموات‬

‫() إبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط ص ‪.190‬‬ ‫‪1‬‬

‫() من ذلك على سبيل املثال ‪ :‬نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‪ .‬مطلوب كل طالب‬ ‫‪2‬‬

‫من كالم علي بن أيب ط الب‪ ،‬حملم د بن حمم د العم ري‪ .‬احلكمي ات من كالم علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل‬
‫عنه)‪ ،‬جلالل الدين السيوطي‪ .‬ومائة جوهرة من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‪.‬‬
‫() حممد بن حممد العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬ورقه‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،100‬وجه ‪.2‬‬
‫() انظر املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة ق‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫‪5‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬ورقة ‪ ،50‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪175‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أبل غ العظ ات لت ذكر املوت واالستعداد ل ه ولل دار اآلخ رة النظر إىل األم وات‪ ،‬فمن رأى‬
‫من امليت سكون احلركات‪ ،‬وانقطاع األصوات‪ ،‬وانعدام النفس‪ ،‬وشحوب اللون‪ ،‬الشك أن‬
‫ذلك له أثر كبري يف نفس املشاهد‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫* ذكر الموت جالء القلوب‬

‫القلوب تصدأ‪ ،‬وصدؤها من الغفلة وارتكاب املعاصي‪ ،‬وجالؤها بذكر املوت‪ ،‬فإنه إن‬
‫ذكره الغافل تنبه‪ ،‬وإن ذكره العاصي تاب وأناب‪ ،‬وإن ذكره املغرت بدنياه‪ ،‬كان دواءً لغروره‪.‬‬
‫وقد أمر رسول اهلل ص بذكر املوت بقوله‪ (( :‬أكثروا ذكر هاذم( ) اللذات ‪ ،‬يعين املوت ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومما جيب التنبه له يف الدعوة إىل الغيبيات أن حال الداعي بإميانه هبذه الغيبيات له أثر كبري‬
‫تأثريا‬
‫يف املدعوين‪ ،‬فإن الدمعة اليت تذرف من عني الداعية من خشية اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬أبلغ ً‬
‫يف قلوب املدعوين من كلمات وكلمات يلقيها الداعية نفسه يف بيان العذاب‪ ،‬والتخويف من‬
‫احلس اب‪ .‬وزه د الداعي ة يف دني اه‪ ،‬ورغبت ه يف أخ راه‪ ،‬أبل غ يف دع وة الن اس إليث ار اآلخ رة على‬
‫الدنيا { بل تؤثرون احلياة الدنيا‪ .‬واآلخرة خري وأبقى }( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬ورقة ‪ ،52‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي قاطع اللذات‪ ،‬ألن اهلذم مبعىن القطع‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2056 / 5‬مادة [هذم] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أي قاطع اللذات‪ ،‬ألن اهلذم مبعىن القطع‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2056 / 5‬مادة [هذم] )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف املس ند ‪ .292 / 2‬والرتم ذي يف س ننه واللف ظ ل ه‪ ،‬كت اب الزه د ‪.553 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫والنسائي يف سننه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪ .4 / 4‬وابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب الزهد ‪ .1422 / 2‬وصححه األلباين‬
‫يف صحيح اجلامع ‪ 387 / 1‬برقم ‪.1221‬‬
‫() سورة األعلى‪ ،‬اآليتان ‪.17 ،16‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪176‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ولِ َما للحال من تأثري على املدعوين ـ وخاصة يف الغيبيات ـ فقد َس َّن‬
‫رسول اهلل ص للناس زيارة القبور مبينًا أثرها على الزائرين حيث يقول‪ (( :‬فزوروا القبور ؛ فإهنا‬
‫تذكر املوت ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مدى تأثري احلال على املدعوين‬
‫بقول ه‪ (( :‬أبل غ العظ ات النظ ر إىل األم وات ))( )‪ .‬وبقول ه‪ (( :‬لس ان احلال أنط ق من لس ان‬
‫‪2‬‬

‫املقال ))( ) ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه)‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪.671 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬ورقة ‪ 50‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬ورقة ‪ ،54‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪177‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫منهج أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في الدعوة إلى الشريعة‬

‫المبحث األول‬

‫منهجه في الدعوة إلى العبادات‬

‫تع ــريف‬

‫العبادة يف اللغة‪ :‬الطاعة مع اخلضوع‪ ،‬ومنه طريق معبد إذا كان مذلاًل بكثرة الوطء( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف االص طالح‪ :‬يق ول ش يخ اإلس الم‪ :‬العب ادة هي طاع ة اهلل بامتث ال م ا أم ر اهلل ب ه على ألس نة‬
‫أيض ا‪ :‬العب ادة اس م ج امع لك ل م ا حيب ه اهلل ويرض اه‪ ،‬من‬
‫الرس ل‪ .‬ويق ول ً‬
‫(‪)2‬‬
‫األقوال واألعمال‪ ،‬الظاهرة والباطنة‪.‬‬

‫تعظيم ا لرب ه‪ .‬وعن د‬


‫وعن د احلنفي ة‪ :‬فع ل املكل ف على خالف ه وى نفس ه‪ً ،‬‬
‫الش افعية‪ :‬فع ل يكلف ه اهلل تع اىل عب اده‪ ،‬خمال ًف ا ملا ميي ل إلي ه الطب ع على س بيل‬
‫(‪)3‬‬
‫االبتالء‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،503 / 2‬مادة [عبد]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،273 / 3‬مادة [عبد]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وسعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.240‬‬


‫() ابن تيمية‪ ،‬العبودية ص ‪ .4‬وعبد الرمحن بن حسن آل الشيخ‪ ،‬فتح اجمليد ص ‪.29‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.240‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪178‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعلى ه ذا األس اس ف إن املقص ود من ال دعوة إلىالعب ادات ه و دع وة الن اس إىل طاع ة اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ـ مع الذل واخلضوع ـ بفعل ما شرعه هلم من أنواع الطاعات‪ ،‬كالصالة والزكاة‬
‫والصيام واحلج وحنوها‪.‬‬

‫المن ـ ــهج‬

‫أواًل ‪ :‬بي ـ ــان األح ـ ــكام‬

‫إن املدعو حباجة إىل معرفة أحكام العبادات‪ ،‬أشد من حاجته إىل الرتغيب والرتهيب‪ ،‬فإن‬
‫ك ان ال رتغيب ي دفع املدعو إىل العب ادة‪ ،‬وال رتهيب مينع ه من تركه ا أو اإلخالل هبا‪ ،‬ف إن معرف ة‬
‫األحكام تبصره بالعبادة‪ ،‬ما جيب فيها وماال جيب‪ ،‬والواجب مىت جيب وعلى من جيب ؛ ليكون‬
‫املدعو على بصرية فيما يقوم به من طاعة هلل عز وجل‪.‬‬

‫وأم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل يَ ْأ ُل جه ًدا يف بي ان أحك ام‬
‫العبادات للمدعوين‪ ،‬ملا يتمتع به من غزارة يف العلم وفقه يف الدين‪ ،‬وما َبَّينَ ه للناس من أحكام‬
‫العب ادات حيت اج إىل س فر ض خم( )‪ .‬ولكن حس بنا اإلش ارة إىل بعض ه ذه األحك ام يف عب ادات‬
‫‪1‬‬

‫خمتلفة على النحو التايل‪-:‬‬

‫() انظر على سبيل املثال ‪ :‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب‪ ،‬للدكتور حممد رواس قلعه جي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪179‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أحكام يف الطهارة‬

‫يغسل بول الجارية وينضح( ) بول الغالم ما لم يطعم‬


‫‪1‬‬

‫عن قت ادة عن أيب ح رب بن أيب األس ود( ) عن أبي ه عن علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫(( يغسل من بول اجلارية‪ ،‬وينضح من بول الغالم مامل يطعم ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وهذا احلكم الذي بينه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قد تعلمه من‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬وذلك ملا بال احلسني بن علي يف حجر النيب ص قالت لبابة بنت احلارث( )‪ :‬يا‬
‫‪4‬‬

‫رسول اهلل ! أعطين ثوبك‪ ،‬والبس ثوبًا غريه‪ .‬فقال‪ (( :‬إمنا ينضح من بول الذكر‪ ،‬ويغسل من‬
‫بول األنثى ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫واختلف العلماء يف هذا على ثالثة أقوال هي‪-:‬‬

‫() ق ال الن ووي يف ش رحه على ص حيح مس لم ‪ : 195 / 3‬ذهب إم ام احلرمني واحملقق ون إىل أن النض ح أن‬ ‫‪1‬‬

‫يغمر ويكاثر باملاء‪ ،‬مكاثرة اليبلغ جريان املاء وتردده وتقاطره‪ ،‬خبالف املكاثرة يف غريه فإنه يشرتط فيها أن‬
‫يكون حبيث جيري بعض املاء ويتقاطر من احملل‪ ،‬وإن مل يشرتط عصره‪ ،‬وهذا هو الصحيح املختار‪.‬‬
‫() أبو حرب بن أيب األسود الديلي البصري‪ ،‬من قراء أهل البصرة‪ .‬ذكره ابن حبان يف الثقات‪ ،‬وقال ‪ :‬هو‬ ‫‪2‬‬

‫شاعرا عاقاًل ‪ ،‬واله احلجاج جوخي فلم يزل عليها حىت مات‪.‬‬
‫عمرو بن علي‪ .‬قال ابن قتيبة ‪ :‬كان أبو حرب ً‬
‫وق ال ابن عب د ال رب يف الك ىن ‪ :‬ه و بص ري ثق ة م ات س نة ‪ ،109‬وقي ل ‪108‬هـ‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.) 74 ،73 / 12‬‬
‫() أخرج ه اإلم ام أمحد‪ ،‬املس ند ‪ .76 / 1‬وأب و داود يف س ننه ـ واللف ظ ل ه ـ كت اب الطه ارة ‪.262 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫والرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب الصالة ‪ .509 / 2‬وابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب الطهارة وسننها ‪ .175 / 1‬وقال‬
‫األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪ : 75 / 1‬صحيح موقوف‪.‬‬
‫() لباب ة بنت احلارث بن ح زن اهلاللي ة‪ ،‬هي أم الفض ل أخت ميمون ة زوج الن يب ص‪ ،‬وزوج ة العب اس بن عب د‬ ‫‪4‬‬

‫املطلب‪ ،‬كان النيب ص يزورها ويقيل عندها‪( .‬انظر ‪ :‬ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬هامش اإلصابة ‪.)4/398‬‬
‫() أخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ .261 / 1‬و ابن ماجة يف سننه ـ واللفظ له ـ كتاب الطهارة‬ ‫‪5‬‬

‫وسننها ‪ .174 / 1‬وقال األلباين يف صحيح سنن ابن ماجة ‪ : 85 / 1‬حسن صحيح‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪180‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫األول‪ :‬يكتفى بالنضح يف بول الصيب ال اجلارية‪ ،‬وهو قول علي وعطاء واحلسن والزهري وأمحد‬
‫وإسحاق وابن وهب وغريهم‪.‬‬

‫الث اين‪ :‬يكتفى بالنض ح فيهم ا‪ ،‬وه و م ذهب األوزاعي‪ ،‬وحكي عن مال ك والش افعي‪ ،‬وخص ص‬
‫ابن العريب النقل يف هذا مبا إذا كان مل يدخل أجوافهما شيء أصاًل ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الثالث‪ :‬مها سواء يف وجوب الغسل‪ ،‬وبه قال احلنفية واملالكية‪.‬‬

‫وأصح هذه األقوال هو القول األول‪ ،‬ملا ثبت من فعل النيب ص يف البخاري( ) ومسلم( )‪،‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومن قول ه ص كم ا يف احلديث املذكور‪ ،‬وممن اخت ار الق ول األول‪ :‬الن ووي يف ش رحه على‬
‫صحيح مسلم( )‪ ،‬وابن حجر يف فتح الباري( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫قال ابن دقيق العيد‪ :‬وقد ذكر يف التفرقة بني الذكر واألنثى أوجه‪ ،‬منها ما هو ركيك‬
‫جدا ال يستحق أن يذكر‪ ،‬ومنها ما هو قوي من كون النفوس أعلق بالذكور منها باإلناث‪،‬‬
‫ً‬
‫دفع ا للعسر واحلرج‪ ،‬خبالف اإلناث‬
‫فيكثر محل الذكور‪ ،‬فيناسب التخفيف باالكتفاء بالنضح ً‬
‫(‪)6‬‬
‫فإن هذا املعىن قليل فيهن‪ ،‬فيجري على القياس يف غسل النجاسة‪.‬‬

‫() انظر هذه األوجه عند النووي يف شرحه على صحيح مسلم ‪ .195 / 3‬وابن حجر يف فتح الباري ‪/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.327‬‬
‫() انظر حديث رقم ‪ 223 ،222‬من صحيح البخاري‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر حديث رقم ‪ 287‬من صحيح مسلم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪.195 / 3 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪.327 / 1 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() إحكام األحكام ‪.82 / 1‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪181‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫نوم الجالس وحكمه في نقض الوضوء‬

‫أخرج عبد الرزاق يف مصنفه بسنده أن عليً ا‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬والشعيب قالوا يف الرجل ينام‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو جالس‪ :‬ليس عليه الوضوء‪.‬‬

‫ق ال ش يخ اإلس الم‪ :‬الن وم اليس ري من املتمكن مبقعدت ه ال ينقض الوض وء عن د مجاهري‬


‫العلماء‪ ،‬من األئمة األربعة وغريهم‪ ،‬فإن النوم عندهم ليس حبدث يف نفسه‪ ،‬لكنه مظنة احلدث‪،‬‬
‫كما دل عليه احلديث الذي يف السنن‪ (( :‬العني وكاء السه( )‪ ،‬فمن نام فليتوضأ ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪)4‬‬
‫وأمجع األئمة األربعة على أن نوم املضطجع‪ ،‬واملستند‪ ،‬واملتكيء ينقض الوضوء‪.‬‬

‫غسل المذي والوضوء منه‬

‫أخ رج البخ اري بس نده عن علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ :‬كنت رجاًل م ذاءً‪ ،‬ف أمرت‬
‫رجاًل ( ) أن يسأل النيب ص ـ ملكان ابنته ـ فسأله‪ ،‬فقال‪ (( :‬توضأ‪ ،‬واغسل ذكرك ))( )‪ .‬وملسلم‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫(( يغسل ذكره ويتوضأ ))( )‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫() املصنف ‪.131 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() السه ‪ :‬اسم من أمساء الدبر‪ ( .‬ابن سيده‪ ،‬املخصص‪ ،‬السفر الثاين ص ‪.) 46‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عبد الرمحن بن قاسم‪ ،‬جمموع الفتاوي ‪ .228 / 21‬واحلديث أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده ‪.111 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫وأب و داود يف س ننه‪ ،‬كت اب الطه ارة ‪ .240 / 1‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب الطه ارة وس ننها ‪.161 / 1‬‬
‫وحسنه األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪.41 / 1‬‬
‫() ابن هبرية‪ ،‬اإلفصاح ‪.78 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الرجل هو املقداد‪ ،‬كما يف الرواية الثانية عند البخاري ‪.64 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الغسل ‪.105 / 1‬‬ ‫‪6‬‬

‫() صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احليض ‪.247 / 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪182‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واملذي هو ال ذي خيرج من ال ذكر عن د املالعب ة والتقبيل( )‪ .‬ويستنبط من ح ديث علي ‪-‬‬


‫‪1‬‬

‫رضي اهلل عنه ‪ -‬أحكام أخرى فرعية وهي‪-:‬‬

‫ا‪ -‬جناسة املذي‪ ،‬ألمر رسول اهلل ص بغسل الذكر منه‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن املذي البد له من غسل احملل‪ ،‬وال يكفي فيه الرش‪ ،‬والنضح الوارد يف روايات‬
‫أخ رى يقص د ب ه الغس ل‪ ،‬وألن غس ل النجاس ة املغلظ ة ال ب د من ه وال يكتفى في ه‬
‫بالرش‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬قد يؤخذ من رواية (( توضأ‪ ،‬واغسل ذكرك )) _ إذا كانت الواو للرتتيب ـ جواز‬
‫تأخري االستنجاء بعد الوضوء‪.‬‬

‫د‪ -‬ال جيوز االقتص ار يف املذي على األحج ار ؛ ألم ر الن يب ص بغس ل ال ذكر من ه‪ ،‬ف إن‬
‫(‪)2‬‬
‫ظاهره يعني الغسل‪ ،‬واملعني ال يقع االمتثال إال به‪.‬‬

‫المسح على الخفين ثالثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم‬

‫عن شريح بن هاينء قال‪ :‬أتيت عائشة أسأهلا عن املسح على اخلفني‪ .‬فقالت‪ :‬عليك بابن‬
‫أيب طالب فسله‪ .‬فإنه كان يسافر مع رسول اهلل ص‪ .‬فسألناه فقال‪ :‬جعل رسول اهلل ص ثالثة‬
‫(‪)3‬‬
‫ويوما وليلة للمقيم‪.‬‬
‫أيام ولياليهن للمسافر‪ً .‬‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،3491 / 6‬مادة [مذى]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر هذه األحكام وغريها عند ابن دقيق العيد‪ ،‬إحكام األحكام ‪ .77 -75 / 1‬وعند النووي يف شرحه‬ ‫‪2‬‬

‫على صحيح مسلم ‪ .215 ،214 / 3‬وابن حجر يف الفتح ‪ .380 / 1‬والغسل حممول على وجود املاء‪.‬‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.232 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪183‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قال النووي‪ :‬املسح على اخلفني موقت بثالثة أيام يف السفر‪ ،‬وبيوم وليلة يف احلضر‪ ،‬وهذا‬
‫م ذهب أيب حنيف ة والش افعي وأمحد ومجاهري العلم اء من الص حابة فمن بع دهم‪ .‬وق ال مال ك يف‬
‫املشهور عنه‪ :‬ميسح بال توقيت وهو قول قدمي ضعيف عن الشافعي‪ ،‬واحتجوا حبديث أيب ِعمارة‬
‫(‪)2‬‬
‫يف ترك التوقيت‪ ،‬رواه أبو داود( ) وغريه‪ ،‬وهو حديث ضعيف باتفاق أهل احلديث‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولكن من أين يبدأ هذا التوقيت ؟ قال ابن هب رية يف اإلفص اح‪ :‬أمجع األئمة األربعة على‬
‫أن ابت داء م دة املس ح من وقت احلدث‪ ،‬ال من وقت املس ح‪ ،‬إال رواي ة عن أمحد‪ :‬أن ه من وقت‬
‫(‪)3‬‬
‫املسح إىل املسح‪.‬‬

‫جواز قراءة القرآن ـ من دون المصحف ـ على كل حال مالم يكن جنبًا‬

‫ي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه ذا احلكم فيم ا يروي ه عن‬
‫رسول اهلل ص بقوله‪ (( :‬كان رسول اهلل ص يقرئنا القرآن على كل حال مامل يكن جنبً ا ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وق ال أب و عيس ى ح ديث علي ه ذا ح ديث حس ن ص حيح‪ ،‬وب ه ق ال غ ري واح د من أه ل العلم‬


‫أصحاب النيب ص والتابعني‪ ،‬قالوا يقرأ الرجل القرآن على غري وضوء‪ ،‬وال يقرأ يف املصحف إال‬
‫وهو طاهر‪ ،‬وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأمحد وإسحاق‪.‬‬

‫() س نن أيب داود‪ ،‬كت اب الطه ارة ‪ .109 / 1‬وه و عن د ابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب الطه ارة وس ننها ‪/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.185‬‬
‫() شرح صحيح مسلم ‪.176 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اإلفصاح ‪ .93 / 1‬وانظر ‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪ .291 / 1‬وابن مفلح يف الفروع ‪.167 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .51 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬والرتمذي‬ ‫‪4‬‬

‫يف سننه‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ .274 / 1‬وأخرج حنوه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.155 / 1‬‬
‫وابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب الطهارة وسننها ‪.195 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪184‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن عامر الشعيب قال‪ :‬مسعت أبا الغريف اهلمداين يقول‪ :‬شهدت علي بن أيب طالب ب ال‬
‫واحدا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫مث قال‪ (( :‬اقرؤو القرآن مامل يكن أحدكم جنبًا‪ ،‬فإذا كان جنبًا فال‪ ،‬وال حرفًا ً‬

‫أحكام يف الصالة‬
‫(‪)2‬‬
‫كل صالة ال يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج‬

‫روى علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ص قوله‪ (( :‬كل صالة مل يقرأ‬
‫فيها بأم الكتاب فهي خداج ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وق د ثبت ه ذا يف ص حيح مس لم من ح ديث أيب هري رة رض ي اهلل عن ه عن الن يب ص ق ال‪:‬‬


‫(( من صلى صالة ال يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ))( )‪ .‬وعند البخاري من حديث عبادة‬
‫‪4‬‬

‫بن الصامت ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بلفظ‪ (( :‬ال صالة ملن مل يقرأ بفاحتة الكتاب ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫واختلفت الرواي ة عن علي بن أيب ط الب يف ق راءة الفاحتة يف الركع تني األخ ريتني‪ ،‬ففي‬
‫رواية أنه قال‪ (( :‬يقرأ اإلمام ومن خلفه يف الظهر والعصر يف الركعتني األوليني بفاحتة الكتاب‬
‫وس ورة‪ ،‬ويف الركع تني األخ ريتني بفاحتة الكت اب ))( )‪ .‬وعن عبي د اهلل بن أيب راف ع عن علي ‪-‬‬
‫‪6‬‬

‫رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه كان يقرأ يف الركعتني األوليني من الظهر بأم القرآن وقرآن‪ ،‬ويف العصر مثل‬
‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ ،336 / 1‬وقال يف آخره ‪ :‬وبه يأخذ عبد الرزاق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ق ال اخللي ل بن أمحد واألص معي وأب و ح امت والسجس تاين واهلروي وآخ رون ‪ :‬اخلداج النقص ان‪ ،‬يق ال‬ ‫‪2‬‬

‫ناقص ا وإن ك ان‬


‫خ دجت الناق ة إذا ألقت ول دها قب ل أوان النت اج‪ ،‬وإن ك ان ت ام اخللق ة‪ ،‬وأخدجت ه إذا ولدت ه ً‬
‫لتمام الوالدة‪ ،‬ومنه حديث علي (رضي اهلل عنه) خمدج اليد أي ناقص اليد‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪4‬‬
‫‪ .101 /‬واجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،309 / 1‬مادة [خدج] )‪.‬‬
‫() اهلندي يف كنز العمال ‪ .115 / 8‬ومسند زيد بن علي ص ‪.93‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كتاب الصالة ‪.296 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() كتاب األذان ‪.247 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.371 / 1‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪185‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ذلك‪ ،‬ويف األخريني منهما بأم القرآن‪ ،‬ويف املغرب بأم القرآن وقرآن ويف الثالثة بأم القرآن ))‬
‫(‪)1‬‬
‫قال عبيد اهلل‪ :‬وأراه رفعه إىل النيب ص‪.‬‬

‫راكعا أو ساج ًدا‬


‫التقرأ القرآن ً‬

‫أخ رج مس لم يف ص حيحه بس نده عن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن ه ق ال‪:‬‬
‫(( هناين رسول اهلل ص عن قراءة القرآن وأنا راكع أوساجد ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ق ال الن ووي‪(( :‬في ه النهي عن ق راءة الق رآن يف الرك وع والس جود‪ ،‬وإمنا وظيف ة الرك وع‬
‫التسبيح‪ ،‬ووظيفة السجود التسبيح والدعاء‪ ،‬فلو قرأ يف ركوع أو سجود غري الفاحتة كره‪ ،‬ومل‬
‫تبط ل ص الته‪ .‬وإن ق رأ الفاحتة ففي ه وجه ان ألص حابنا‪ ،‬أص حهما أن ه كغ ري الفاحتة‪ ،‬فيك ره‪ ،‬وال‬

‫سهوا مل يكره‪ .‬وسواءً‬


‫عمدا‪ ،‬فإن قرأ ً‬
‫تبطل صالته‪ .‬والثاين‪ :‬حيرم‪ ،‬وتبطل صالته‪ ،‬هذا إذا كان ً‬
‫()‬
‫سهوا يسجد للسهو عند الشافعي رمحه اهلل))‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫عمدا أو ً‬
‫قرأ ً‬

‫وأما عند احلنابلة فيقول ابن قدامة( )‪ (( :‬ويكره أن يقرأ يف الركوع والسجود‪ ،‬ملا روي‬
‫‪4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.)) -‬‬

‫() الطح اوي‪ ،‬ش رح مع اين اآلث ار ‪ .206 / 1‬والقاض ي ش رف ال دين احلس ني بن أمحد‪،‬ال روض النض ري ‪/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.10‬‬
‫() كتاب الصالة ‪.349 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() شرح صحيح مسلم ‪.197 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() عبداهلل بن أمحد بن حمم د بن قدام ة املقدس ي‪ ،‬أب و حمم د‪ ،‬موف ق ال دين‪ ،‬ع امل فقي ه‪ ،‬جمته د‪ ،‬حف ظ الق رآن‬ ‫‪4‬‬

‫واشتغل يف العلم من صغره‪ ،‬تويف سنة‪ 620‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 227 / 2‬‬
‫() املغين ‪.503 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪186‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وق د بني رس ول اهلل ص وظيف ة الرك وع والس جود بقول ه‪ (( :‬أم ا الرك وع فعظم وا في ه‬
‫( )‪.‬‬‫‪2‬‬
‫الرب‪ ،‬وأما السجود فاجتهدوا يف الدعاء‪َ ،‬ف َق ِم ٌن( ) أن يستجاب لكم))‬
‫‪1‬‬

‫وتس بيح ال رب يف الرك وع هوتنزيه ه ومتجي ده‪ .‬واس تحب الش افعي ( رمحه اهلل تع اىل )‬
‫وغ ريه من العلم اء أن يق ول يف ركوع ه‪ ( :‬س بحان ريب العظيم ) ويف س جوده‪( :‬س بحان ريب‬
‫(‪)3‬‬
‫األعلى )‪ ،‬وقد ذكر اإلمام مسلم يف صحيحه األذكار اليت تقال يف الركوع والسجود‪.‬‬

‫قال النووي‪ :‬واعلم أن التسبيح يف الركوع والسجود سنة غري واجب‪ ،‬هذا مذهب مالك‪،‬‬
‫وأيب حنيفة‪ ،‬والشافعي ( رمحهم اهلل تعاىل ) واجلمهور‪ ،‬وأوجبه أمحد (رمحه اهلل تعاىل ) وطائفة‬
‫(‪)4‬‬
‫من أئمة احلديث‪.‬‬

‫من لم يصل فهو كافر‬

‫سئل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬يا أمري املؤمنني ! ما ترى يف‬
‫امرأة ال تصلي ؟ قال‪ (( :‬من مل يصل فهو كافر ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() قمن ‪ :‬بفتح امليم وكسرها لغتان مشهورتان‪ ،‬واملعىن ‪ :‬حقيق وجدير‪ ،‬وفيه احلث على الدعاء يف السجود‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 197 / 4‬‬


‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الصالة ‪.348 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪.205 - 196 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() شرح صحيح مسلم ‪.197 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .47 / 11‬وأورده اهلندي يف كنز العمال ‪.13 / 8‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪187‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ق ال عبداهلل بن ش قيق( )‪ :‬مل يكن أص حاب رس ول اهلل ص ي رون ش يًئا من األعم ال ترك ه‬
‫‪1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫كفر غري الصالة‪ ،‬وألهنا عبادة يدخل هبا يف اإلسالم‪ ،‬فيخرج برتكها منه كالشهادة‪.‬‬

‫ويؤيد هذا احلكم ما ورد يف صحيح مسلم من حديث جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول‪:‬‬
‫مسعت رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬إن بني الرجل وبني الشرك والكفر ترك الصالة ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ق ال اإلم ام الن ووي‪ :‬ت ارك الص الة إن ك ان منك ًرا لوجوهبا فه و ك افر بإمجاع املس لمني‪،‬‬
‫خارج من ملة اإلسالم‪ ،‬إال أن يكون قريب عهد باإلسالم‪ ،‬ومل خيالط املسلمني مدة يبلغه فيها‬
‫وجوب الصالة عليه‪ .‬وإن كان تركه تكاساًل مع اعتقاد وجوهبا ـ كما هو حال كثري من الناس ـ‬
‫فقد اختلف العلماء فيه‪ ،‬فذهب مالك والشافعي ( رمحهما اهلل ) واجلماهري من السلف واخللف‬
‫حدا‪ ،‬كالزاين احملصن‪ ،‬ولكنه يقتل‬
‫إىل أنه اليكفر بل يفسق‪ ،‬ويستتاب‪ ،‬فإن ت اب وإال قتلناه ً‬
‫بالسيف‪ .‬وذهب مجاعة من السلف إىل أنه يكفر‪ ،‬وهو مروي عن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عن ه ‪ -‬وه و إح دى الرواي تني عن أمحد بن حنب ل ( رمحه اهلل ) وب ه ق ال عبداهلل بن املب ارك‪،‬‬
‫وإسحاق بن راهوية‪ ،‬وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي‪ .‬وذهب أبو حنيفة ومجاعة من أهل‬
‫(‪)4‬‬
‫الكوفة‪ ،‬واملزين صاحب الشافعي أنه ال يكفر وال يقتل‪ ،‬بل يعزر‪ ،‬وحيبس حىت يصلي‪.‬‬

‫() عبداهلل بن شقيق العقيلي‪ ،‬أبو عبد الرمحن‪ ،‬ويقال ‪ :‬أبو عبداهلل‪ ،‬البصري‪ ،‬روى عن عدد من الصحابة‪ .‬قال‬ ‫‪1‬‬

‫أمحد بن حنب ل ‪ :‬ثق ة‪ ،‬وك ان حيم ل على علي‪ .‬وق ال ابن أيب خيثم ة عن ابن معني ‪ :‬ثق ة من خي ار املس لمني‪.‬‬
‫مات سنة ‪108‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)5/223،224‬‬
‫() ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪.445 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() كتاب اإلميان ‪.88 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() شرح صحيح مسلم ‪ .70 / 2‬وانظر ‪ :‬ابن قدامة يف املغين ‪.447 - 442 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪188‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أحكام يف الزكاة‬

‫ال زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‬

‫بنَّي أمري املؤمنني أن َح َوالن احلول شرط يف وجوب الزكاة‪ ،‬ملا ورد عنه ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬قال‪ (( :‬ليس يف مال زكاة حىت حيول عليه احلول ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫واحلول ش رط لوج وب الزك اة يف النق ود واملواش ي‪ ،‬وأم وال التج ارة‪ ،‬وليس بش رط يف‬
‫(‪)2‬‬
‫الزرع‪ ،‬وذلك إمجاع ال خالف فيه‪.‬‬

‫وك ذلك املال املس تفاد أثن اء احلول‪ ،‬ال خيرج عن أح وال األول‪ ،‬يب دأ حول ه من حني‬
‫اس تفاده‪ ،‬ف إن مض ى علي ه احلول وه و نص اب ف أكثر زك اه‪ ،‬لقول ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ (( :-‬من‬
‫استفاد مااًل فليس عليه فيه زكاة حىت حيول عليه احلول ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫نصاب الذهب والفضة ومقدار الزكاة فيهما‬

‫ا ‪ -‬الذهب‪ :‬بنَّي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن نصاب الذهب عشرون‬
‫مثق ااًل ( )‪ .‬وليس فيما دونه زكاة‪ ،‬وما زاد فبحسابه‪ ،‬حيث يقول‪ (( :‬ليس فيما‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد‪ ،‬املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ .311 / 2‬وق ال أمحد ش اكر ‪ :‬إس ناده ص حيح وه و‬ ‫‪1‬‬

‫موق وف على علي‪ .‬وأخرج ه ابن أيب ش يبة ‪ .158 / 3‬وأورده ابن ح زم يف احمللى ‪ 85 / 6‬وص ححه بلف ظ‬
‫( ال زكاة‪ .) ...‬وعند النووي يف اجملموع ‪. 361 / 5‬‬
‫() حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.295‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .75 / 4‬والقاسم بن سالم‪ ،‬كتاب األموال ص ‪.512‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املثقال وزن مقداره درهم وثالثة أسباع الدرهم‪،‬أي‪ 1 ,429 (:‬تقريبً ا )‪ ،‬والدرهم ‪ 3‬جرامات‪ .‬فيصبح‬ ‫‪4‬‬

‫جرام ا ( تقريبً ا)‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬عب د ال رمحن بن‬


‫ً‬ ‫نص اب ال ذهب بالوح دة املس تخدمة ه ذا الزم ان = ‪85 , 74‬‬
‫قاسم‪ ،‬حاشية الروض ‪ .244 / 3‬وسيد سابق‪ ،‬فقه السنة ‪ .340 / 1‬وإبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط‬
‫ص ‪.) 98‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪189‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫دينارا شيء‪ ،‬ويف عشرين نصف دينار‪ ،‬ويف أربعني دينار‪ ،‬فما زاد‬
‫دون عشرين ً‬
‫فباحلساب ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ب ‪ -‬الفضة‪ :‬بنَّي أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن نص اب الفض ة مائت ا‬
‫درهم‪ ،‬ف إن نقص عن ذل ك فال ش يء فيه ا‪ ،‬ق ال ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ذل ك‪:‬‬
‫((ليس يف أقل من م ائيت درهم زكاة ))( )‪ .‬وقال‪ (( :‬فإذا بلغ مائيت درهم ففيه‬
‫‪2‬‬

‫مخس ة دراهم‪ ،‬وإن نقص من املائتني فليس في ه ش يء‪ ،‬وإن زاد على املائتني‬
‫فبحساب ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫نصاب اإلبل ومقدار الزكاة فيها‬

‫عن عاص م بن أيب ض مرة عن علي ق ال‪ (( :‬يف مخس من اإلب ل ش اة إىل تسع‪ ،‬ف إن زادت‬
‫واحدة ففيها شاتان إىل أربع عشرة‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها ثالث شياه إىل تسع عشرة‪ ،‬فإن‬
‫زادت واحدة ففيها أربع شياه إىل أربع وعشرين‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها مخس شياه( )‪ ،‬فإن‬
‫‪4‬‬

‫زادت واح دة ففيه ا بنت خماض أو ابن لب ون (ذك ر أك رب منه ا بع ام ) إىل مخس وثالثني‪ ،‬ف إن‬

‫() ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .119 / 3‬ومسند زيد ص ‪ 170‬بنحوه‪ .‬وأورده اهلندي‪ ،‬كنز العمال ‪553 / 6‬‬ ‫‪1‬‬

‫بنحوه‪ .‬والقاسم بن سالم‪ ،‬كتاب األموال ص ‪ .522‬وابن حزم يف احمللى ‪.69 / 6‬‬
‫() ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .117 / 3‬وأورده ابن حزم‪ ،‬احمللى ‪ 59 / 6‬و ‪ ،83‬وقال ابن حزم ‪ :‬وقد صح‬ ‫‪2‬‬

‫عن علي وعم ر وابن عم ر اس قاط الزك اة يف أق ل من م ائيت درهم‪ ،‬وال خمالف هلم من الص حابة (رض ي اهلل‬
‫عنهم)‪.‬‬
‫() عب د ال رزاق‪ ،‬املص نف ‪ .88 / 4‬وابن ح زم‪ ،‬احمللى ‪ 61 / 6‬و ‪ .59‬والقاس م بن س الم‪ ،‬كت اب األم وال‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 408‬و ‪ .420‬واهلندي‪ ،‬كنز العمال ‪ 553 / 6‬بنحوه‪ .‬و ‪ .16927‬والنووي‪ ،‬اجملموع ‪ .16 / 6‬ومسند‬
‫زيد ص ‪ 170‬بنحوه‪..‬‬
‫()عن د ابن قدام ة يف املغ ين ‪ : 579 /2‬من ‪ 25‬إىل ‪ 35‬فيه ا بنت خماض‪ .‬وك ذلك حكى اإلمجاع علي ه ابن‬ ‫‪4‬‬

‫هبرية يف اإلفصاح ‪.197 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪190‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫زادت واحدة ففيها بنت لبون إىل مخس وأربعني‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها حقة ( طروقة الفحل‬
‫) إىل س تني‪ ،‬ف إن زادت واح دة ففيه ا جذع ة إىل مخس وس بعني‪ ،‬ف إن زادت واح دة ففيه ا بنت ا‬
‫لبون إىل تسعني‪ ،‬فإن زادت واحدة ففيها حقتان إىل عشرين ومائة‪ ،‬فإذا كثرت اإلبل ففي كل‬
‫مخسني من اإلبل حقة‪ ،‬وال جيمع بني مفرتق‪ ،‬وال يفرق بني جمتمع ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يف ه ذا احلديث بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬نص اب اإلب ل‬
‫ومقدار الزكاة يف كل عدد إىل استقرار النصاب‪ ،‬وميكن توضيح هذا التفصيل يف اجلدول اآليت‪:‬‬
‫‪-‬‬

‫مقدار الزكاة‬ ‫من إىل‬ ‫مقدار الزكاة‬ ‫إىل‬ ‫مـن‬

‫بنت لبون‬ ‫‪45 36‬‬ ‫شاة‬ ‫‪9‬‬ ‫‪5‬‬

‫حقة (طروقة الفحل)‬ ‫‪60 46‬‬ ‫شاتان‬ ‫‪14 10‬‬

‫جذعة‬ ‫‪75 61‬‬ ‫ثالث شياه‬ ‫‪19 15‬‬

‫بنتا لبون‬ ‫‪90 76‬‬ ‫أربع شياه‬ ‫‪24 20‬‬

‫حقتان‬ ‫‪120 91‬‬ ‫مخس شياه‬ ‫‪25‬‬

‫وإن ك ثرت ففي ك ل مخس ني‬ ‫بنت خماض أوابن لبون‬ ‫‪35 26‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.122 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪191‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حقة‬

‫أحكام يف الصيام‬

‫ثبوت صيام رمضان برؤية الواحد العدل‬

‫يثبت دخول شهر رمضان عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬خبرب‬
‫الواحد العدل‪ ،‬ويلزم الناس بصيامه‪ .‬فعن فاطمة بنت احلسني أن رجاًل شهد عن د علي بن أيب‬
‫(‪)1‬‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على رؤية هالل رمضان فصام‪ ،‬وأحسبه قال‪ :‬وأمر الناس بالصيام‪.‬‬

‫وهذا احلكم مبين على ماثبت عن رسول اهلل ص من حديث أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص ‪ (( :‬ص وموا لرؤيته وأفط روا لرؤيت ه‪ ،‬ف إن غُيِّبَ عليكم ف أكملوا ع دة‬
‫(‪)2‬‬
‫يوما ))‬
‫شعبان ثالثني ً‬

‫ق ال الن ووي‪ :‬املراد رؤي ة بعض املس لمني‪ ،‬وال يش رتط رؤي ة ك ل إنس ان‪ ،‬ب ل يكفي مجي ع‬
‫الن اس رؤي ة ع دلني‪ ،‬وك ذا ع دل على األص ح‪ .‬وأم ا الفط ر فال جيوز بش هادة ع دل واح د على‬
‫(‪)3‬‬
‫هالل شوال عند مجيع العلماء إال أبا ثور فجوزه بعدل‪.‬‬

‫() اإلمام النووي‪ ،‬اجملموع ‪ .315 / 6‬وابن قدامة يف املغين ‪ ،3/90‬ونسبه إىل أيب هريرة وعائشة (رضي اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا‪ .‬و حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.420‬‬ ‫عنهما) ً‬
‫() أخرجه البخاري ـ واللفظ له ـ اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الصوم ‪ .33 /2‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الصيام‬ ‫‪2‬‬

‫‪.759 / 2‬‬
‫() شرح صحيح مسلم ‪.190 / 7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪192‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وقال ابن قدامة عن قبول خرب الواحد وإلزام الناس بالصيام‪ :‬املشهور عن أمحد أنه يقبل‬
‫يف هالل رمض ان ق ول واح د ع دل‪ ،‬ويل زم الن اس بالص يام بقول ه‪ ،‬وه و ق ول عم ر وعلي وابن‬
‫(‪)1‬‬
‫املبارك والشافعي يف الصحيح عنه‪.‬‬

‫استحباب تأخير السحور وتعجيل الفطور‬

‫كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يستحب تأخري السحور ويبني‬
‫ذلك للمدعوين‪ ،‬فعن أيب حبان بن احلارث قال‪ :‬أتيت عليً ا وهو معسكر بدير أيب موسى وهو‬
‫يتسحر‪ ،‬فقال‪ :‬اُْد ُن‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إين أريد الصوم‪ .‬قال علي‪ :‬وأنا أريد الصوم‪ .‬فلما فرغ‪ ،‬قال‬
‫(‪)2‬‬
‫للمؤذن أقم الصالة‪.‬‬

‫ويف تعجيل الفطر فإن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول ‪ -‬وهو صائم‪-‬البن‬
‫النباح‪ :‬غربت الشمس ؟ فيقول ال تعجل‪ .‬فيقول غربت الشمس ؟ فإذا قال نعم‪ ،‬أفطر‪ ،‬مث نزل‬
‫(‪)3‬‬
‫فصلى‪.‬‬

‫وتك رار االستفس ار من أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ملؤذن ه ابن‬
‫النباح يدل على حرص علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على التبكري يف فطره وبيان ذلك للناس‪ .‬كما‬
‫أن فعله يف سحوره فيه بيان الستحباب تأخري السحور‪.‬‬

‫() املغين ‪.157 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .231 / 4‬والبيهقي يف سننه ‪ .383 / 1‬وهو عند زين الدين أيب الفضل‬ ‫‪2‬‬

‫يف طرح التثريب ‪ .205 / 2‬واحمللى ‪ .233 / 6‬ومسند الشافعي‪ ،‬ترتيب حممد عابد السندي ‪.278 / 1‬‬
‫واألم ‪.165 / 7‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.13 / 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪193‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬بي ـ ــان كيفية العبـ ـ ــادة‬

‫البيان العملي‬

‫البي ان العملي للعب ادة جيتم ع للم دعو في ه مساع الق ول ومش اهدة الفع ل‪ ،‬وق د س لك ه ذا‬
‫النهج من قبل رسول اهلل ص يف بيان بعض أنواع العبادة لصحابته الكرام‪ ،‬ومن ذلك صالته ص‬
‫على املنرب لتعليم الناس‪ ،‬حيث قال ملا فرغ من الصالة‪ (( :‬أيها الناس ! إمنا صنعت هذا لتأمتوا‪،‬‬
‫ولتعلموا صاليت ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعلى هذا النهج سار أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف تعليم الناس‬
‫كيفي ة العب ادة‪ ،‬حيث علمهم كيفي ة الوض وء‪ ،‬كم ا يف ح ديث عب د خ ري ق ال‪ :‬جلس علي بع د‬
‫صالة الفجر يف الرحبة‪ ،‬مث قال لغالمه‪ :‬إيتين بطهور‪ ،‬فأتاه الغالم بإناء فيه ماء وطست‪ ،‬قال عبد‬
‫خ ري‪ :‬وحنن جلوس ننظر إلي ه‪ ،‬فأخ ذ بيمينه اإلن اء فأكف أ على ي ده اليس رى‪ ،‬مث غس ل كفي ه‪ ،‬مث‬
‫أخذ بيده اليمىن اإلناء فأفرغ على يده اليسرى‪ ،‬مث غسل كفيه‪ ،‬فعله ثالث مرار‪ ،‬قال عبد خري‪:‬‬
‫كل ذلك اليدخل يده يف اإلناء حىت يغسلها ثالث مرات( )‪ ،‬مث أدخل يده يف اإلناء فمضمض‬
‫‪2‬‬

‫واستنشق ونثر بي ده اليس رى‪ ،‬مث فعل ذلك ثالث مرات‪ ،‬مث أدخ ل يده اليمىن يف اإلناء فغسل‬
‫وجهه ثالث مرات ‪ ،‬مث غسل يده اليمىن ثالث مرات إىل املرفق‪ ،‬مث غسل يده اليسرى ثالث‬

‫() أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد (رضي اهلل عنه)‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اجلمعة ‪.290 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() استحبابًا‪ ،‬ويتأكد عند االستيقاظ من النوم ملا يف صحيح مسلم ‪ 233 / 1‬من حديث أيب هريرة (رضي‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل عنه) أن النيب ص قال ‪ (( :‬إذا استيقظ أحدكم من نومه‪ ،‬فال يغمس يده يف اإلناء حىت يغسلها ثالثًا‪ ،‬فإنه‬
‫ال ي دري اين ب اتت ي ده ))‪ .‬ق ال الن ووي يف ش رحه على ص حيح مس لم ‪ : 180 / 3‬اجلم اهري من العلم اء‬
‫املتقدمني واملتأخرين على أنه هني تنزيه ال حترمي‪ .‬وحكي عن أمحد أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة حترمي‪،‬‬
‫اعتمادا على لفظ املبيت يف احلديث‪،‬‬
‫ً‬ ‫وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه‪ ،‬ووافقه عليه داود الظاهري‪،‬‬
‫جدا‪ .‬انتهى كالمه (رمحه اهلل)‪.‬‬
‫وهذا مذهب ضعيف ً‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪194‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫مرات إىل املرفق‪ ،‬مث أدخل يده اليمىن يف اإلناء حىت غمرها املاء‪ ،‬مث رفعها مبا محلت من املاء‪ ،‬مث‬
‫مسحها بيده اليسرى‪ ،‬مث مسح رأسه بيديه كلتيهما مرة‪ ،‬مث صب بيده اليمىن ثالث مرات على‬
‫قدمه اليمىن‪ ،‬مث غسلها بيده اليسرى‪ ،‬مث صب بيده اليمىن على قدمه اليسرى‪ ،‬مث غسلها بيده‬
‫اليسرى ثالث مرات‪ ،‬مث أدخل يده اليمىن فغرف بكفه فشرب‪ ،‬مث قال‪ :‬هذا طهور نيب اهلل ص‪،‬‬
‫فمن أحب أن ينظر إىل طهور نيب اهلل ص فهذا طهوره ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫بنَّي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كيفية الوضوء الكامل الذي عرفه‬
‫من رسول اهلل ص بفروضه وسننه‪ ،‬كما شاهد رسول اهلل ص يفعله‪ ،‬ومن دقته يف التطبيق أنه‬
‫بعد فراغه من الوضوء غرف بكفه وشرب‪ ،‬وه ذا ليس من الوض وء‪ ،‬ولكنه شاهد رسول اهلل‬
‫ص يفعله‪.‬‬

‫ورمبا بنَّي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كيفية الوضوء عمليًا يف غري‬
‫()‬
‫علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن ه ص لى الظه ر‪ ،‬مث قع د‬
‫موض ع‪ ،‬ففي ح ديث ال نزال بن س ربة عن ٍّ‬
‫‪2‬‬

‫حلوائج الن اس يف رحب ة الكوف ة ح ىت حض رت ص الة العص ر‪ ،‬مث ُأيت مباء‪ ،‬فش رب وغس ل وجه ه‬
‫ناس ا يكرهون الشرب‬
‫ويديه ـ وذكر رأسه ورجليه ـ مث قام فشرب فضله وهو قائم‪ ،‬مث قال‪ :‬إن ً‬
‫(‪.)3‬‬
‫قائما‪ ،‬وإن النيب ص صنع مثل ما صنعت))‬
‫ً‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .261 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() النزال بن سربة اهلاليل الكويف خمتلف يف صحبته‪ ،‬قال العجلي ‪ :‬كويف تابعي ثقة من كبار التابعني‪ .‬وعن‬ ‫‪2‬‬

‫حيىي بن معني قال ‪ :‬النزال ثقة اليسأل عنه‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪) 378 /10‬‬
‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب األش ربة ‪ .18 / 4‬ولق د ورد أح اديث ص رحية يف النهي عن‬ ‫‪3‬‬

‫قائم ا )) ويف لفظ‬


‫قائما‪ ،‬منها ما أخرجه مسلم ‪(( : 1601 / 3‬أن رسول اهلل ص زجر عن الشرب ً‬
‫الشرب ً‬
‫قائم ا ))‪ .‬قال النووي يف شرح صحيح مسلم ‪:195 / 13‬‬ ‫أيض ا (( أن رسول اهلل ص هنى عن الشرب ً‬
‫عنده ً‬
‫اعلم أن هذه األحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حىت قال فيها أقوااًل باطلة وزاد حىت جتاسر ورام أن‬
‫يضعف بعضها‪ ...‬وليس يف هذه األحاديث إشكال وليس فيها ضعف‪ ،‬بل كلها صحيحة‪ ،‬والصواب فيها أن‬
‫قائما فبيان للجواز‪ ،‬فال إشكال وال تعارض‪ ،‬وهذا الذي‬
‫النهي فيها حممول على كراهة التنزيه‪ ،‬وأما شربه ص ً‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪195‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف رواي ة أن ه ق ال بع د فراغ ه من الوض وء‪ (( :‬وه ذا وض وء من مل حيدث))( )‪ .‬ففي احلديث‬


‫‪1‬‬

‫األول كان التعليم بعد صالة الفجر‪ ،‬ويف احلديث الثاين كان التعليم قبل صالة العصر‪ ،‬مما يدل‬
‫على تكراره‪.‬‬

‫وإض افة إىل م ا بين ه أم ري املؤمننب علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬للم دعوين يف‬
‫قائم ا‪ .‬ومن شأن العامل الداعية إذا رأى‬
‫أمرا آخر يف شأن الشرب ً‬
‫كيفية الوضوء‪ ،‬فقد بني هلم ً‬
‫الناس اجتنبوا شيًئا‪ ،‬وهو يعلم جوازه‪ ،‬أن يوضح هلم وجه الصواب فيه خشية أن يطول األمر‬
‫فيظن حترميه‪ ،‬وأنه مىت خشي ذلك فعليه أن يبادر لإلعالم باحلكم ولو مل يسأل‪ ،‬فإن سئل تأكد‬
‫(‪)2‬‬
‫األمر به‪ ،‬وأنه إذا كره من أحد شيًئا ال ينهره بامسه من غري غرض بل يكين عنه‪.‬‬

‫وملا أراد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بيان مسافة القصر يف الصالة‬
‫خرج بأصحابه إلىالنخلة( )‪ ،‬فصلى هبا الظهر والعصر ركعتني مث رجع من يومه‪ ،‬فقال‪ (( :‬أردت‬
‫‪3‬‬

‫أن أعلمكم سنة نبيكم ص ))( )‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫ويف سفر آخر بني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن القصر يكون إذا‬
‫أربع ا‪ ،‬وقال‪ (( :‬أما‬
‫جاوز اإلنسان مساكن قومه‪ ،‬وذلك أنه ملا خرج إىل البصرة فصلى الظهر ً‬
‫اخلص( ) صلينا ركعتني ))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫إنا إذا جاوزنا هذا َّ‬
‫‪5‬‬

‫ذكرن اه يتعني املص ري إلي ه‪ .‬انتهى كالم ه ( رمحه اهلل )‪ .‬وذهب إىل ه ذا ال رأي ابن حج ر يف الفتح ‪84 / 10‬‬
‫وحكاه عن اخلطايب وابن بطال‪ ،‬وقال ‪ :‬وهذا أحسن املسالك وأسلمها وأبعدها من االعرتاض‪.‬‬
‫() أخرجه النسائي يف سننه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.84 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.85 ،84 / 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تصغري خنلة‪ ،‬وهي موضع قرب الكوفة على مست الشام‪ ( .‬احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.) 278 / 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.443 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص ‪ :‬البيت من القصب‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1037 / 3‬مادة [خصص] )‪.‬‬ ‫() اخلُ ُّ‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .449 / 2‬وعبد الرزاق يف مصنفه ‪.529 / 2‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪196‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف ابت داء مس افة القص ر ق ال اإلم ام الن ووي (رمحه اهلل تع اىل)‪ :‬القص ر جيوز من حني‬
‫يفارق بنيان بلده أو خيام قومه إن كانوا من أهل اخليام‪ ،‬هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إال‬
‫رواي ة ض عيفة عن مال ك أن ه ال يقص ر ح ىت جياوز ثالث ة أمي ال‪ ،‬وحكي عن عط اء ومجاع ة من‬
‫أص حاب ابن مس عود أن ه إذا أراد الس فر قص ر قب ل خروج ه‪ ،‬وعن جماه د أن ه ال يقص ر يف ي وم‬
‫(‪)1‬‬
‫خروجه‪ ،‬حىت يدخل الليل‪ ،‬وهذه الروايات كلها منابذة للسنة وإمجاع السلف واخللف‪.‬‬

‫البيان القولي‬

‫البي ان العملي لكيفي ة العب ادة ال يكفي وح ده يف تعليم املدعوين ؛ ملا يف العب ادات من‬
‫أعمال ال تظهر باحلركات‪ ،‬كالنية مثاًل ‪ ،‬وأدعية الركوع والسجود يف الصالة وحنوها‪ ،‬فالبيان‬
‫القويل هو األصل يف التبليغ‪ ،‬والعملي مكمل له‪.‬‬

‫من منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل العب ادات‬
‫البي ان الق ويل لكيفي ة العب ادة إض افة إىل م ا ك ان يس لكه من البي ان والتوض يح العملي‪ ،‬ففي بيان ه‬
‫للمدعوين كيفية احلج يروي حجة النيب ص فيقول‪:‬‬

‫(( وق ف رس ول اهلل ص بعرف ة فق ال‪ :‬ه ذا املوق ف‪ ،‬وعرف ة كله ا موقف‪ ،‬وأف اض حني‬
‫غابت الشمس‪ ،‬مث أردف أسامة فجعل يُ ْعنِ ُق( ) على بعريه‪ ،‬والناس يضربون ميينً ا ومشااًل ‪ ،‬يلتفت‬
‫‪2‬‬

‫إليهم فيق ول‪ :‬الس كينة أيه ا الن اس‪ ،‬مث أتى مَجْ ًع ا فص لى هبا الص التني‪ :‬املغ رب والعش اء‪ ،‬مث ب ات‬
‫حىت أصبح‪ ،‬مث أتى ُقَز َح( )‪ ،‬فقال‪ :‬هذا املوقف‪ ،‬ومجع كلها موقف‪ ،‬مث سار حىت حُمْ ِس ًرا‪ ،‬فوقف‬
‫‪3‬‬

‫() شرح صحيح مسلم ‪.200 / 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫العنَ ُق ‪ :‬ضرب من سري الدابة واإلبل‪ ،‬وهو السري الذي بني اإلبطاء واإلسراع‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪/ 4‬‬
‫() َ‬
‫‪2‬‬

‫‪ ،1533‬مادة [عنق]‪ .‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.)3/518‬‬


‫() وهو القرن الذي يقف اإلمام عنده باملزدلفة‪ ،‬وهو املوضع الذي كانت توقد فيه النريان يف اجلاهلية‪ ،‬وهو‬ ‫‪3‬‬

‫موقف قريش يف اجلاهلية إذ كانت ال تقف بعرفة‪ .‬وقيل اسم جبل باملزدلفة‪ ( .‬انظر ‪ :‬احلموي‪ ،‬معجم البلدان‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪197‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ت ح ىت ج اوزت ال وادي‪ ،‬مث حبس ها‪ ،‬مث أردف الفض ل وس ار ح ىت‬


‫علي ه‪ ،‬فق رع ناقت ه فَ َخبَّ ْ‬
‫أتىاجلمرة فرماها‪ ،‬مث أتىاملنحر فقال‪ :‬هذا املنحر‪ ،‬ومىن كلها منحر‪ .‬قال‪ :‬واستفتته جارية شابة‬
‫من خثعم فقالت‪ :‬إن أيب شيخ كبري قد َأْفنَ د‪ ،‬وقد أدركته فريضة اهلل يف احلج‪ ،‬فهل جيزيء عنه‬
‫فأدي عن أبيك‪ ،‬قال‪ :‬وقد لوى عنق الفضل‪ ،‬فقال له العباس‪ :‬يا‬
‫أن أؤدي عنه ؟ قال‪ :‬نعم‪ِّ ،‬‬
‫رس ول اهلل ! مل ل ويت عن ق ابن عم ك ؟ ق ال‪ :‬رأيت ش ابًا وش ابة‪ ،‬فلم آمن الش يطان عليهم ا‪.‬‬
‫قال‪ :‬مث جاءه رجل فقال يا رسول اهلل ! حلقت قبل أن أحنر ؟ قال‪ :‬احنر وال حرج‪ ،‬مث أتاه آخر‬
‫فقال يا رس ول اهلل ! إين أفضت قبل أن أحلق ؟ قال‪ :‬احلق أو قصر وال حرج‪ .‬مث أتى البيت‬
‫فط اف ب ه‪ ،‬مث أتى زم زم فق ال‪ :‬ي ا ب ين عب د املطلب ! س قايتكم‪ ،‬ول وال أن يغلبكم الن اس عليه ا‬
‫ت هبا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫َلنَز ْع ُ‬

‫ويف بيانه لكيفية صالة الليل يروي صالة النيب ص فيقول‪:‬‬

‫(( كان إذا قام إىل الصالة قال‪ :‬وجهت وجهي للذي فطر‬
‫السماوات واألرض حني ًفا( ) وما أنا من املشركني‪ .‬إن صاليت‬
‫‪2‬‬

‫ونس كي( ) وحمي اي وممايت هلل رب الع املني ال ش ريك ل ه وب ذلك أم رت وأن ا أول املس لمني‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.) 341 / 4‬‬


‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .17 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪ .‬وروى مسلم يف صحيحه ‪ 892 - 886 / 2‬من حديث جابر بن عبداهلل (رضي اهلل عنه) حجة‬
‫النيب ص بصفة أكثر بسطًا‪.‬‬
‫() مائاًل إىل الدين احلق‪ ،‬وهو اإلسالم‪ ،‬وأصل احلنف امليل‪ ،‬ويكون يف اخلري والشر وينصرف إىل ما تقتضيه‬ ‫‪2‬‬

‫القرينة‪ .‬وقيل املراد باحلنف هنا‪ ،‬املستقيم‪ ،‬قاله األزهري وآخرون‪ .‬وقال أبو عبيد ‪ :‬احلنيف عند العرب من‬
‫كان على دين إبراهيم ص‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪ .57 / 6‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪،56 / 9‬‬
‫مادة [حنف] )‪.‬‬
‫ك ‪ :‬العب ادة‪ ،‬والناس ك ‪ :‬العاب د‪ ،‬وق د نس ك وتنس ك أي تعب د‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪/ 4‬‬
‫ُّس ُ‬
‫ك والن ُ‬
‫() النُ ْس ُ‬
‫‪3‬‬

‫‪ ،1612‬مادة [نسك] )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪198‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اللهم ! أنت امللك ال إله إال أنت‪ .‬أنت ريب وأنا عبد ك‪ ،‬ظلمت نفسي‪ ،‬واعرتفت بذنيب‪ ،‬فاغفر‬
‫مجيعا‪ .‬إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ .‬واهدين ألحسن األخالق‪ .‬ال يهدي ألحسنها إال‬
‫يل ذنويب ً‬
‫أنت‪ .‬واص رف ع ين س يئها‪ ،‬اليص رف ع ين س يئها إال أنت‪ .‬لبيك( ) وس عديك( )‪ ،‬واخلري كل ه يف‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ي ديك‪ ،‬والش ر ليس إليك( )‪ ،‬أنا ب ك وإليك( )‪ ،‬تب اركت وتع اليت أس تغفرك وأت وب إلي ك‪ .‬وإذا‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫ركع قال‪ :‬اللهم ! لك ركعت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬ولك أسلمت‪ ،‬خشع لك مسعي وبصري‪ ،‬وخمي‬
‫وعظمي‪ ،‬وعصيب‪ .‬وإذا رفع قال‪ :‬اللهم ! ربنا لك احلمد ِم ْلءَ الس ماوات‪ ،‬وملء األرض‪ ،‬وملء‬
‫ما بينهما‪ ،‬وملء ما شئت من شيء بعد‪ .‬وإذا سجد قال‪ :‬اللهم ! لك سجدت‪ ،‬وبك آمنت‪،‬‬
‫ول ك أس لمت‪ .‬س جد وجهي لل ذي خلق ه وص وره‪ ،‬وش ق مسعه وبص ره‪ .‬تب ارك اهلل أحس ن‬
‫اخلالقني‪ .‬مث يك ون من آخ ر م ا يق ول بني التش هد والتس ليم‪ :‬اللهم ! اغف ر يل م ا ق دمت وم ا‬
‫أخ رت‪ ،‬وم ا أس ررت وم ا أعلنت‪ ،‬وم ا أس رفت‪ ،‬وم ا أنت أعلم ب ه م ين‪ .‬أنت املق دم وأنت‬
‫املؤخر( )‪ .‬ال إله إال أنت))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫() قال العلماء ‪ :‬معناه أنا مقيم على طاعتك‪ ،‬إقامة بعد إقامة‪ .‬يقال ‪ :‬لب باملكان لبً ا‪ ،‬وألب إلبابًا‪ ،‬إذا أقام‬ ‫‪1‬‬

‫به‪ .‬وأصل لبيك ‪ :‬لبني‪ ،‬فحذفت النون لإلضافة‪ (.‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 58 / 6‬‬
‫() قال األزهري ‪ :‬مساعدة ألمرك بعد مساعدة‪ ،‬ومتابعة لدينك بعد متابعة‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‬ ‫‪2‬‬

‫‪.) 59 / 6‬‬
‫() قال النووي فيه مخسة أقوال ‪ -1 :‬ال يتقرب به إليك‪ -2 .‬ال يضاف إليك على انفراده‪ ،‬ال يقال يا خالق‬ ‫‪3‬‬

‫القردة واخلنازير‪ ،‬ويارب الشر وحنوه‪ -3 .‬الشر اليصعد إليك‪ ،‬إمنا يصعد الكلم الطيب والعمل الصاحل‪-4 .‬‬
‫شر ا بالنسبة إليك فإنك خلقته حبكمة بالغة‪ ،‬وإمنا هو شر بالنسبة للمخلوقني‪ -5 .‬كقولك فالن إىل‬ ‫الشر ليس ً‬
‫بين فالن إذا كان عداده فيهم‪ ،‬أو صفوه إليهم‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.) 59 / 6 ،‬‬
‫() أي التجائي وانتمائي إليك‪ ،‬وتوفيقي بك‪ ( .‬املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق )‬ ‫‪4‬‬

‫() أي تقدم من شئت بطاعتك وغريها‪ ،‬وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك‪( .‬النووي‪ ،‬شرح‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح مسلم ‪.) 60 / 6‬‬


‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها ‪.534 / 1‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪199‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الحث على العبادة والترغيب فيها‬

‫الحث على العبادات‬

‫احلث يف ال دعوة إىل العب ادات مبع ىن احلض على فعله ا‪ ،‬ومن ذل ك م ا ك ان يفعل ه أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف حث الناس على الصالة‪ ،‬كما يقول احلسن‬
‫علي فقال‪ :‬الصالة‪.‬‬
‫بن علي ـ وهو حيكي قصة مقتل أمري املؤمنني ـ‪ :‬دخل ابن النباح املؤذن على ٍّ‬
‫فقام ميشي وابن النباح بني يديه‪ ،‬وأنا خلفه‪ ،‬فلما خرج من الباب نادى‪ :‬أيها الناس ! الصالة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الصالة‪ .‬كذلك كان يصنع كل يوم خيرج ومعه درته‪ ،‬يوقظ الناس‪.‬‬

‫وعن أيب األس ود ق ال‪ :‬م ا رأيت أح ًدا من أص حاب رس ول اهلل ص ك ان أحث على ص يام‬
‫يوم عاشوراء من علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) ( -‬‬
‫‪2‬‬

‫الترغيب في العبادات‬

‫وأم ا ال رتغيب يف العب ادة فيك ون ب ذكر اخلري والس المة من الش ر املرتتب على فعله ا‪،‬‬
‫احلاص ل للعام ل يف ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬مما ورد يف كت اب اهلل (س بحانه وتع اىل ) أو س نة املص طفى‬
‫ص‪ ،‬مما يكون من شأنه حث العامل على العمل‪ ،‬والتشمري للعبادة‪.‬‬

‫وال رتغيب يف ال دعوة إىل العب ادات أص ل ث ابت يف الكت اب والس نة‪ ،‬ومن ه قول ه س بحانه‬
‫وتعاىل مرغبً ا يف العمل الصاحل { من عمل صاحلًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيين ه حياة‬

‫() ابن األثري‪ ،‬أسد الغابة ‪.37 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يوسف أوزبك‪ ،‬مسند علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ‪ ،72 / 1‬ونسبه حملمد الكنجي‪ ،‬كفاية الطالب‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.399‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪200‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }( ) اجتمع فيه الرتغيب حبصول النفع ودفع‬
‫‪1‬‬

‫الضر يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫ويف السنة قوله ص‪ (( :‬من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر‪ ،‬وأربع ركعات بعدها‪،‬‬
‫حرمه اهلل على النار ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما ورد عن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف جمال ال رتغيب يف‬
‫العبادات ما يلي‪-:‬‬
‫أوصيكم بإقام الصالة فإهنا امللة( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وإيتاء الزكاة فإهنا فريضته‪.‬‬


‫وصوم شهر رمضان‪ ،‬فإنه جنة من عذابه‪.‬‬
‫وحج البيت فإنه منفاة للفقر‪ ،‬مدحضة للذنب‪.‬‬
‫وصلة الرحم‪ ،‬فإهنا مثراة للمال‪ ،‬منسأة لألجل‪ ،‬حمبة يف األهل‪.‬‬
‫وصدقة السر‪ ،‬فإهنا تكفر اخلطيئة‪ ،‬وتطفيء غضب الرب‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وصنع املعروف فإنه يدفع ميتة السوء‪ ،‬ويقي مصارع اهلول‪.‬‬

‫وه ذا األس لوب يف ال رتغيب بالعب ادات من أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬يتعدد يف نوعيته‪ ،‬على النحو التايل‪- :‬‬
‫إما ترغيب يف ذكر أمهية العبادة ومكانتها‪ ،‬كما يف شأن الصالة والزكاة‪.‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه الرتم ذي يف س ننه‪ ،‬واللف ظ ل ه‪ ،‬كت اب الص الة ‪ .293 / 2‬وص ححه األلب اين يف ص حيح س نن‬ ‫‪2‬‬

‫الرتمذي ‪.135 / 1‬‬


‫() املِلَّة ‪ :‬الدين والشريعة‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1821 / 5‬مادة [ملل] )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() وردت هذه الوصايا يف خطبة لعلي (رضي اهلل عنه)‪ ( .‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.) 308 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪201‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أو ترغيب بالسالمة من عذاب اهلل‪ ،‬كما يف شأن الصيام‪.‬‬


‫أو ترغيب يف غفران الذنوب‪ ،‬كما يف شأن احلج‪ ،‬وصدقة السر‪.‬‬
‫أو ت رغيب يف نف ع دني وي‪ ،‬كحص ول رزق‪ ،‬أو ط ول أج ل‪ ،‬أو حمب ة أه ل‪ ،‬كم ا يف ش أن احلج‬
‫وصلة الرحم‪.‬‬
‫أو ت رغيب يف الس المة من ش رور ال دنيا‪ ،‬كميت ة الس وء ومص ارع اهلول‪ ،‬كم ا يف ش أن ص نع‬
‫املعروف‪.‬‬

‫وهذا التنويع يف أسلوب الرتغيب يتوافق مع فطرة اإلنسان‪ ،‬فكما أن اإلنسان يرغب يف‬
‫أيض ا‬
‫أيضا يرغب يف النعيم العاجل‪ .‬وكما أنه يرغب يف حصول النفع‪ ،‬فهو ً‬
‫النعيم اآلجل‪ ،‬فهو ً‬
‫يرغب يف دفع الضر‪.‬‬

‫كما أن الرتغيب هو إخبار بأمور غيبية‪ ،‬البد أن يعتمد فيها الداعية على الوارد يف كتاب‬
‫اهلل‪ ،‬وس نة رس وله ص‪ .‬وأم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬اعتم د يف ترغيب ه‬
‫هذا على نصوص شرعية‪ ،‬فمنها ـ على سبيل املثال ـ ما رواه معاذ بن جبل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫عن النيب ص أنه قال‪ ...(( :‬أال أدلك على أبواب اخلري‪ :‬الصوم جنة‪ ،‬والصدقة تطفيء اخلطيئة‪،‬‬
‫ص الة الرج ل يف ج وف اللي ل‪ ،‬مث ق رأ قول ه تع اىل { تتج اىف جن وهبم عن املض اجع } ح ىت بل غ‬
‫{ يعمل ون }( ) مث ق ال أال أخ ربك ب رأس األم ر‪ ،‬وعم وده‪ ،‬وذروة س نامه‪ ،‬فقلت بلى ي ا رس ول‬ ‫‪1‬‬

‫اهلل ! قال‪ :‬رأس األمر وعموده الصالة‪ ،‬وذروة سنامه اجلهاد‪.) ())...‬‬
‫‪2‬‬

‫() سورة السجدة‪ ،‬اآليتان ‪.17 ،16‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد‪ ،‬املس ند ‪ ،231 / 5‬واللف ظ ل ه‪ .‬والرتم ذي يف س ننه‪ ،‬كت اب اإلميان ‪ ،11 / 5‬وفي ه‬ ‫‪2‬‬

‫(ورأس األمر اإلسالم‪ ،‬وعموده الصالة )‪ .‬قال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وابن ماجة يف سننه‪،‬‬
‫كتاب الفنت ‪.1314 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪202‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رابعا‪ :‬الترهيب من التهاون بالعبادة‬


‫ً‬
‫ال رتهيب‪ :‬من رهب أي خ اف( ) ‪ ،‬وه و التخوي ف من حص ول مض رة‪ ،‬أو احلرم ان من‬
‫‪1‬‬

‫منفعة‪ ،‬دنيوية أو أخروية‪ ،‬عاجلة أو آجلة‪.‬‬


‫وال رتهيب أس لوب دع وي يتج اوب م ع فط رة اإلنس ان‪ ،‬من حيث نفوره ا من الش ر‬
‫ورغبتها يف السالمة من الضر‪ ،‬العاجل واآلجل‪ ،‬وذلك بتهديدها وختويفها من حصول ذلك‪،‬‬
‫لتبتعد عن كل ما يكون سببًا يف حصول الشر‪ ،‬أو احلرمان من اخلري‪.‬‬
‫ومما ورد عن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من الرتهيب يف التهاون‬
‫بالعبادات ما يلي‪-:‬‬
‫الترهيب من التهاون في صالة الجماعة‬
‫قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬ال صالة جلار املسجد إال يف‬
‫املسجد )) قال الثوري يف حديثه‪ :‬قيل لعلي من جار املسجد ؟ قال‪ (( :‬من مسع النداء ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف هذا القول ترهيب للمتهاون بصالة اجلماعة من عدم قبول الصالة‪ ،‬مما يرتتب عليه اإلمث‪،‬‬
‫واحلرمان من اخلري الذي حيصل ملن قبلت صالته‪.‬‬
‫ويف رواي ة عن علي وابن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا) ق اال‪ (( :‬من مسع الن داء فلم جيب فال‬
‫صالة له‪ ،‬قال ابن عباس إال من عذر ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية (رمحه اهلل )‪(( :‬تنازع العلماء يف كوهنا واجبة على األعيان‪،‬‬
‫أو على الكفاية‪ ،‬أو سنة مؤكدة‪ ،‬على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫() ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،436 / 1‬مادة [رهب]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البيهقي يف‪ ،‬السنن الكربى ‪ .57 / 3‬وعبد الرزاق يف مصنفه ‪ .497 / 1‬وقد اشتهر عند بعض‬ ‫‪2‬‬

‫الناس أن هذا احلديث مرفوع للنيب ص‪ ،‬وذكر العجلوين يف كشف اخلفاء ‪ 2/491‬أن رفعه ال يصح‪ ،‬بل هو‬
‫صحيح من قول علي (رضي اهلل عنه)‪.‬‬
‫() أخرجه عبدالرزاق يف مصنفه ‪.497 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪203‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فقيل‪ :‬هي س نة مؤك دة فق ط‪ ،‬وه ذا ه و املع روف عن أص حاب أيب حنيف ة‪ ،‬وأك ثر أص حاب‬
‫مالك‪ ،‬وكثري من أصحاب الشافعي‪ ،‬ويذكر رواية عن أمحد‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬هي واجب ة على الكفاي ة‪ ،‬وه ذا ه و املرجح يف م ذهب الش افعي‪ ،‬وق ول بعض أص حاب‬
‫مالك‪ ،‬وقول يف مذهب أمحد‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬هي واجبة على األعيان‪ ،‬وهذا هو املنصوص عند أمحد وغريه‪ ،‬من أئمة السلف‪ ،‬وفقهاء‬
‫احلديث‪ ،‬وغريهم))‪.‬‬

‫والثالث من هذه األقوال هو الراجح لداللة الكتاب والسنة( )‪ ،‬وهذا هوالذي اختاره شيخ‬
‫‪1‬‬

‫اإلسالم بقوله‪ (( :‬فأما صالة اجلماعة‪ :‬فأتبع ما دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وأقوال الصحابة من‬
‫(‪)3‬‬
‫وجوهبا‪ ،‬مع عدم العذر‪ ،‬وسقوطها بالعذر ))( )‪ .‬وكذلك اختاره ابن قدامة يف املغين‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الترهيب من التهاون في الطهارة‬

‫إن ع دم إكم ال الطه ارة‪ ،‬والته اون هبا‪ ،‬يك ون س ببًا لفس اد العب ادة املرتتب ة عليه ا‪ ،‬فمن‬
‫واجب ال دعاة التح ذير من ه ذا األم ر وال رتهيب من فعل ه‪ ،‬فرس ول اهلل ص ملا رأى ص حابته يف‬
‫سفرة سافروها معه ميسحون على أقدامهم يف الوضوء للصالة‪ ،‬نادى بأعلى صوته قائاًل ‪ (( :‬ويل‬
‫لألعقاب من النار)) مرتني أو ثالثًا ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() انظر تفصيل هذه األدلة والرد على املخالفني عند ابن تيمية يف جمموع الفتاوي ‪.238 - 226 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جمموع الفتاوي ‪.244 / 23‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املغين ‪.176 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري من حديث عبداهلل بن عمرو‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب العلم ‪.37 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪204‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف جمال الرتهيب من التهاون يف الطهارة يروي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ص قوله‪ (( :‬من ترك موضع شعرة من جنابة مل يصبها ماء‪ ،‬فعل اهلل‬
‫به كذا وكذا من النار))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ترهيب من عدم إمتام الغسل‪ ،‬وقد أخرب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬من تأثره هبذا الرتهيب بقوله‪ (( :‬فمن مث عاديت شعري ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الترهيب من عدم اإلنفاق‬

‫اإلنسان مطالب بإنفاق شيء من ماله‪ ،‬إما على سبيل الوجوب كالزكاة‪ ،‬أو على سبيل‬
‫االستحباب كالصدقة‪ ،‬ولكن هذا اإلنفاق قد يعوقه أمور منها البخل باملال‪ ،‬والشح يف إنفاقه‪،‬‬
‫لذا فإن من مهام الدعاة ختليص املدعوين من هذا العائق‪ ،‬بالتحذير منه‪ ،‬والبعد عنه‪.‬‬

‫وأم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أدرك ه ذا األم ر فس لك س بيل‬
‫الرتهيب من البخل وعدم اإلنفاق بكلمات مجيلة وعبارات لطيفة منها‪-:‬‬

‫قوله‪ (( :‬بشر مال البخيل حبادث أو وارث ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف املس ند‪ ،‬واللف ظ ل ه‪ ،‬املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ .100 / 2‬وأب و داود يف س ننه‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كت اب الطه ارة ‪ .173 / 1‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب الطه ارة وس ننها ‪ .196 / 1‬وق ال أمحد ش اكر يف‬
‫حتقيقه ملسند اإلمام أمحد‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫() جزء من احلديث السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (خمطوط)‬ ‫‪3‬‬

‫ورقه ‪ 104‬وجه ‪ .2‬ونثر الآليلء ( خمطوط ) ورقة ‪ 51‬وجه ‪.1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪205‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وقول ه‪ (( :‬البخي ل مس تعجل الفقر‪ ،‬يعيش يف ال دنيا عيش الفق راء‪ ،‬وحياس ب يف العق ىب حس اب‬
‫األغنياء ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فلعل البخيل الذي ال ينفق ماله يف طرق اخلريات ووجوه املربات‪ ،‬يعلم بأن مصري ماله إما‬
‫أيضا أن حاله يف الدنيا كحال الفقراء من غري رقة‬
‫حلادث يصطلمه‪ ،‬أو وارث يلتهمه‪ .‬وإذا علم ً‬
‫ح ال‪ ،‬وقل ة م ال‪ ،‬وه و يعيش يف ال دنيا عيش أص حاب اخلس ار‪ ،‬وحياس ب يف اآلخ رة حس اب‬
‫دافعا له للبعد عن الشح‪ ،‬واخلالص من البخل‪.‬‬
‫أصحاب اليسار‪ ،‬لعل هذا يكون ً‬

‫المبحث الثاني‬

‫منهجه في الدعوة إلى المعامالت‬

‫تع ــريف‬

‫املعامالت يف اللغة‬

‫اعلَ ة ) ال يت من معانيه ا‬
‫اع َل‪ُ ،‬م َف َ‬
‫مجع ُم َع َامل ة‪ ،‬على وزن مفاعل ة‪ ،‬وهي مص در لص يغة ( فَ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وع َامله مبعىن تصرف معه يف بيع أو حنوه‪.‬‬
‫املشاركة يف الفعل بني اثنني أو أكثر‪َ ،‬‬

‫يف االصطالح‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (خمطوط)‬ ‫‪4‬‬

‫ورقه ‪ 137‬وجه ‪ .1‬ونثر الآليلء ورقه ‪ 51‬وجه ‪.1‬‬


‫() انظ ر ‪ :‬أمحد احلمالوي‪ ،‬ش ذا الع رف يف فن الص رف ص ‪ .24‬وانظ ر ‪ :‬إب راهيم أنيس ورفاق ه‪ ،‬املعجم‬ ‫‪2‬‬

‫الوسيط ص ‪.628‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪206‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫األحك ام الش رعية املتعلق ة ب أمور ال دنيا‪ ،‬كاألحك ام املتعلق ة ب البيع والش راء واإلج ارة‬
‫(‪)1‬‬
‫والوكالة والشركة واملساقاة واملزارعة وحنوها‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن املقصود بالدعوة إىل املعامالت يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه و دع وة الن اس إىل إج راء ه ذه املع امالت على وف ق األحك ام‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫المن ـ ــهج‬

‫أواًل ‪ :‬بيـان أحـكام المعـامالت‬

‫كم ا أن املدعو حباج ة ماس ة إىل معرف ة أحك ام العب ادات‪ ،‬ال يت تص لح م ا بينه وبني رب ه‪،‬‬
‫أيض ا حباج ة إىل معرف ة أحك ام املع امالت‪ ،‬ال يت تص لح م ا بين ه وبني الن اس‪ .‬ق ال اإلم ام ابن‬
‫فه و ً‬
‫تيمية (رمحه اهلل تعاىل) ‪ (( :‬البيع واهلبة واإلجارة وغريها هي من العادات اليت حيتاج الناس إليها‬
‫يف معاش هم ـ كاألك ل والش رب واللب اس ـ ف إن الش ريعة ق د ج اءت يف ه ذه الع ادات ب اآلداب‬
‫احلسنة‪ ،‬فحرمت منها ما فيه فساد‪ ،‬وأوجبت ماال بد منه‪ ،‬وكرهت ماال ينبغي‪ ،‬واستحبت ما‬
‫(‪)2‬‬
‫فيه مصلحة راجحة‪ ،‬يف أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاهتا ))‪.‬‬

‫ومما جيب معرفته يف جانب األحكام املتعلقة باملعامالت أن األصل فيها عدم احلظر‪ ،‬فال‬
‫حيظر منها إال ما حظره اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف شاءوا‪ ،‬ما مل‬

‫() انظر ‪ :‬سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪ .263‬إبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط ص ‪.628‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬جمموع فتاوي ابن تيمية ‪.18 / 29‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪207‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حترم الشريعة‪ .‬خبالف العبادات اليت أوجبها اهلل أو أحبها فاألصل فيها احلظر‪ ،‬فال يثبت األمر هبا‬
‫(‪)1‬‬
‫إال بالشرع‪.‬‬

‫ل ذا ف إن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬س عى جاه ًدا يف بي ان‬
‫األحكام للمدعوين‪ ،‬ومن هذه األحكام ما يلي‪- :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الصرف هاء وهاء‬

‫الصرف هو بيع نقد بنقد احتد اجلنس أو اختلف( )‪ .‬وقيل بيع الذهب والفضة بذهب‪ ،‬أو‬
‫‪3‬‬

‫فض ة‪ ،‬س واءً كان ا مض روبني أو ك ان أح دمها مض روبًا‪ ،‬أو مل يكن ك ذلك( )‪ .‬والن اس حباج ة‬
‫‪4‬‬

‫للصرف يف معامالهتم‪ ،‬والتعامل الصحيح يف الصرف حيتاج إىل معرفة األحكام املتعلقة فيه‪.‬‬

‫ومما بين ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬للم دعوين من أحك ام‬
‫الص رف م ا رواه عن رس ول اهلل ص بقول ه‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص‪(( :‬ال دينار بال دينار‪ ،‬وال درهم‬
‫بال درهم‪ ،‬ال فض ل بينهم ا‪ ،‬فمن ك انت ل ه حاج ة ب ورق‪ ،‬فليص طرفها ب ذهب‪ ،‬ومن ك انت ل ه‬
‫حاجة بذهب‪ ،‬فليصطرفها بورق‪ .‬والصرف هاء وهاء ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫واألحكام املستفادة من هذه الرواية هي‪-:‬‬

‫‪ -1‬إذا بيع الدينار بالدينار‪ ،‬أو الدرهم بالدرهم‪ ،‬فال مفاضلة‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬جمموع فتاوي ابن تيمية ‪ 16 / 29‬ـ ‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫() باملد فيهما وفتح اهلمزة‪ ،‬وقيل بالكسر‪ ،‬وقيل بالسكون‪ ،‬مبعىن خذ وأعط‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .378 / 4‬والزخمشري‪ ،‬الفائق يف غريب احلديث ‪.) 87 / 4‬‬


‫() عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬حاشية الروض ‪.524 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.210‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرج ه ابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب التج ارات ‪ .760 / 2‬وص ححه األلب اين يف ص حيح س نن ابن ماج ة‬ ‫‪5‬‬

‫‪.2/25‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪208‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ -2‬جواز صرف الذهب بالفضة‪ ،‬أو الفضة بالذهب‪ .‬مع اشرتاط القبض يف الصرف‪.‬‬

‫‪ -3‬يشرتط يف الصرف التقابض يف اجمللس( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫في المضاربة تكون الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه‬

‫املضاربة نوع من أنواع املعامالت بني الن اس‪ ،‬وهي دفع مال معل وم ملن يتجر به ببعض‬
‫رحبه( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ق ال هباء ال دين املقدسي( )‪(( :‬أمجع أه ل العلم على ج واز املض اربة يف اجلمل ة‪ ،‬ذك ره ابن‬
‫‪4‬‬

‫إمجاع ا‪،‬‬
‫املنذر‪ ،‬ويروى ذلك عن مجاعة من الصحابة‪ ،‬وال خمالف هلم يف عصرهم‪ ،‬فيكون ذلك ً‬
‫وألن الناس حباجة إليها‪ ،‬فإن الدراهم والدنانري ال تنمو إال بالتقليب والتج ارة‪ ،‬وليس كل من‬
‫ميلكها حيسن التجارة‪ ،‬وال كل من حيسن له رأس مال‪ ،‬فاحتيج إليها من اجلانبني‪ ،‬فشرعها اهلل‬
‫(‪)5‬‬
‫سبحانه وتعاىل لدفع احلاجتني))‪.‬‬

‫وللمضاربة ضوابط شرعية وأحكام متعلقة هبا‪ ،‬البد من معرفتها ملن حيتاج إليها‪ ،‬لذا فإن‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬قد بني للمدعوين شيًئا من أحكامها فيما‬
‫يتعلق بالربح واخلسارة بقوله‪ (( :‬الوضيعة على املال‪ ،‬والربح على ما اصطلحوا عليه ))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.383 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قال ابن قدامة يف املغين ‪ : 59 / 4‬بال خالف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬هباء ال دين املقدس ي‪ ،‬الع دة ش رح العم دة ص ‪ .256‬وعب د ال رمحن بن حمم د بن قاس م‪ ،‬حاش ية‬ ‫‪3‬‬

‫الروض ‪.254 / 5‬‬


‫() عبد الرمحن بن إبراهيم بن أمحد املقدسي‪ ،‬احلنبلي‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬ولد سنة‪556‬هـ‪ ،‬حمدث فقيه‪ ،‬مسع بدمشق‬ ‫‪4‬‬

‫وبغداد وحران‪ ،‬وحدث بنابلس والشام‪ ،‬تويف سنة ‪624‬هـ‪(.‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.)2/70‬‬
‫() العدة شرح العمدة ص ‪.256‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .248 / 8‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.4 / 6‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪209‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الوضيعة تعين اخلسران يف الشركة‪ ،‬وهي على املال‪ ،‬أي على كل واحد بقدر ماله‪ ،‬فإن‬
‫(‪)1‬‬
‫كان ماهلما متساويًا يف القدر فاخلسران بينها نصفني‪ ،‬وإن كان أثالثًا فالوضيعة أثالثًا‪.‬‬

‫وأما الربح فعلى ما اصطلحا عليه‪ ،‬قال ابن املنذر‪ ((:‬أمجع أهل العلم على أن للعامل أن‬
‫معلوم ا جزءًا‬
‫يشرتط على رب املال ثلث الربح أو نصفه‪ ،‬أو جيمعان عليه‪ ،‬بعد أن يكون ذلك ً‬
‫من أجزاء‪ ،‬وألن استحقاق املضارب الربح بعمله‪ ،‬فجاز على ما يتفقان عليه من قليل أو كثري‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كاألجرة يف اإلجارة‪ ،‬وكاجلزء من الثمرة يف املساقاة واملزارعة))‪.‬‬

‫جواز المزارعة على النصف‬

‫املزارعة‪ :‬هي دفع األرض إىل من يزرعها‪ ،‬أو يعمل عليها‪ ،‬والزرع بينهما‪،‬وهي جائزة يف‬
‫قول كثري من أهل العلم( )‪ .‬وقيل يف معىن املزارعة هي عقد على الزرع ببعض اخلارج( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫والناس حباجة إليها‪ ،‬فرمبا ملك األرض من ال يستطيع العمل هبا‪ ،‬أو ال حيسن الزرع‪ ،‬ويف‬
‫املقابل من الناس من حيسن الزرع‪ ،‬ولكن ال جيد األرض اليت يقوم هبا‪ ،‬فمشروعية املزارعة فيها‬
‫مصلحة للطرفني‪.‬‬

‫حكم ا من أحك ام املزارع ة‪،‬‬


‫وي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ً -‬‬
‫أرض ا يصنع هبا‬
‫وهو جواز العمل بالنصف‪ ،‬وذلك ملا جاءه رجل يشتكي آخر قائاًل ‪ :‬إنه أخذ ً‬

‫() ابن قدامه‪ ،‬املغين ‪.37 / 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪.31 / 5‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪.416 / 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.158‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪210‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كذا وكذا‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أخذهتا بالنصف‪ ،‬أكري أهنارها( )‪ ،‬وأصلحها‪ ،‬وأعمرها‪ .‬فقال علي‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫(( ال بأس ))( )‪ .‬مبينًا هلما جواز هذا الصنيع‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وأخرج البخاري من حديث ابن عمر (رض ي اهلل عنهما) قال‪ (( :‬عامل النيب ص خيرب‬
‫بشطر ما خيرج منها من مثرة وزرع ))( ) ‪ .‬كما ذكر البخاري ـ تعلي ًقا ـ عن أيب جعفر( ) قال‪(( :‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫(‪)7‬‬
‫زارع علي‪ ،‬وس عد بن مالك( )‪ ،‬وعبداهلل بن مس عود وعم ر بن عب دالعزيز والقاسم( ) وع روة‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫(‪)8‬‬
‫وآل بكر وآل عمر وآل علي وابن سريين‪))...‬‬

‫() ك ري األهنار ‪ :‬حفره ا‪( .‬عب د ال رزاق‪ ،‬املص نف ‪ .99 / 8‬واجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،2472 / 6‬م ادة‬ ‫‪1‬‬

‫[كرى])‪.‬‬
‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.99 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلرث واملزارعة ‪.155 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() هو حممد بن علي بن حسني الباقر‪(.‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .5/11‬والعيين‪ ،‬عمدة القاري ‪.)12/165‬‬ ‫‪4‬‬

‫() هو سعد بن أيب وقاص (رضي اهلل عنه)‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 5/11‬‬ ‫‪5‬‬

‫() هو القاسم بن حممد‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .11/ 5‬والعيين‪ ،‬عمدة القاري ‪.)12/165‬‬ ‫‪6‬‬

‫() وهو ابن الزبري‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .5/11‬والعيين‪ ،‬عمدة القاري ‪.)12/165‬‬ ‫‪7‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلرث واملزارعة ‪.154 / 2‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪211‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬األسوة في حسن التعامل‬

‫األسوة احلسنة أصل من أصول الدعوة‪ ،‬كما هي حال سيد الدعاة حمم د بن عبداهلل ص‬
‫فقد أخرب اهلل عنه بقوله { لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم‬
‫كثريا }( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫اآلخر وذكر اهلل ً‬

‫وليس ت األس وة يف جمال العب ادات فحس ب‪ ،‬ب ل يف ك ل م ا ي دعى إلي ه‪ ،‬وي درك فعل ه‬
‫باحلس‪ ،‬فال دعوة يف جمال املعامالت حتتاج من الداعية أن يكون أسوة ملدعويه يف معامالته مع‬
‫غ ريه‪ .‬ف إذا ك ان الداعي ة حس ن ال بيع والش راء‪ ،‬حس ن القض اء واالقتض اء‪ ،‬متأدبً ا يف األخ ذ‬
‫تورع ا لنفسه‪،‬‬
‫والعطاء‪ .‬يأخذ حبق‪ ،‬ويعطي حبق‪ ،‬ورمبا تنازل عن شيء من حقه لنفع غريه‪ ،‬أو ً‬
‫كانت مواقفه ومعامالته ذات أثر بليغ يف مدعويه‪ ،‬والسيما إذا كان صاحب مكانة وقدر بني‬
‫مدعويه‪ ،‬كحال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫فتأمل حال علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وقد دخل السوق معه ثالثة دراهم ـ‬
‫وهو أمري املؤمنني ـ يسأل فيقول‪ (( :‬من عنده قميص صاحل بثالثة دراهم )) فقال رجل‪ :‬عندي‪.‬‬

‫فلما جاء به الرجل‪ ،‬ونظر إليه أمري املؤمنني‪ ،‬أعجبه‪ .‬قال‪ (( :‬لعله خري من ذلك ! ))‪.‬‬
‫يفاوض على زيادة السعر وهو املشرتي‪ ،‬ومن عادة الناس أن يفاوضوا على إنقاص السعر عند‬
‫الشراء‪ ،‬وما ذاك من أمري املؤمنني إال حلسن تعامله‪ ،‬وكرم خلقه‪.‬‬

‫يف املقابل فإن صاحب القميص مل يطمع بزيادة الثمن‪ ،‬بل رد قائاًل ‪ :‬ال‪ ،‬ذاك مثنه‪.‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪212‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فق رض علي رب اط ال دراهم من ثوب ه وأعطاه ا ص احب القميص فلبس ه‪ ،‬ف إذا ه و يفض ل عن‬
‫(‪)1‬‬
‫أطراف أصابعه‪ ،‬فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه‪.‬‬

‫ويف موقف آخر ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فيما يرويه عنه أبو‬
‫()‬
‫ؤتزرا ب إزار‪ ،‬مرت ديًا ب رداء‪ ،‬ومع ه ال درة كأن ه‬
‫مط رف ق ال‪ :‬رأيت عليً ا ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ً‬
‫‪2‬‬

‫أعرايب يدور حىت بلغ سوق الكرابيس( ) فقال‪ :‬يا شيخ ! أحسن بيعي يف قميص بثالثة دراهم‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قميص ا بثالثة دراهم‪ .‬مث جاء أبو‬


‫غالم ا حدثًا فاشرتى منه ً‬
‫فلما عرفه مل يشرت منه شيًئا‪ .‬فأتى ً‬
‫الغالم فأخربه‪ ،‬فأخذ أبوه درمهً ا‪ ،‬مث جاء به فقال‪ :‬هذا الدرهم يا أمري املؤمنني‪ .‬قال‪ :‬ما شأن‬
‫(‪)4‬‬
‫الدرهم ؟ قال‪ :‬كان قميصنا مثن درمهني‪ .‬قال باعين رضاي وأخذ رضاه‪.‬‬

‫نلح ظ يف ه ذا اخلرب ثالث ة ج وانب ت دل على األس وة احلس نة يف التعامل وهي على النح و‬
‫التايل‪-:‬‬
‫‪ - 1‬التواضع يف الطلب من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حيث طلب من‬
‫البائع أن حيسن بيعه يف قميص بثالثة دراهم‪.‬‬
‫‪ -2‬تورع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من استغالل منصبه يف الدولة‪،‬‬
‫ومكانت ه بني الن اس ملص لحة شخص ية‪ ،‬ل ذا فإن ه امتن ع عن الش راء من الرج ل ملا ع رف أن ه‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .83 / 1‬واحملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة ‪.212 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫خريا فاض اًل ‪ .‬سكن‬


‫() سليمان بن صرد بن اجلون بن أيب اجلون الكويف‪ ،‬له صحبة‪ .‬قال ابن عبد الرب ‪ :‬كان ً‬
‫‪2‬‬

‫الكوفة‪ ،‬وكان له سن عالية وشرف يف قومه‪ ،‬شهد مع علي صفني‪ ،‬مات سنة ‪ 65‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪،‬‬
‫هتذيب التهذيب ‪.) 4/175‬‬
‫اس فارسي معرب‪ .‬واجلمع الكرابيس‪ ،‬وهي ثياب خشنة‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،970 / 3‬مادة‬ ‫ِ‬
‫() الك ْربَ ُ‬
‫‪3‬‬

‫[كربس] )‪.‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف الزهد ص ‪ .162‬وذكره ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪ .317 / 1‬واحملب الطربي‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرياض النضرة ‪ .220 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.4 / 8‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪213‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أم ري املؤم نني‪ ،‬خش ية أن يتن ازل الرج ل عن ش يء من حق ه‪ .‬ويف رواي ة أخ رى( ) أن ه م ر‬
‫‪5‬‬

‫برجل آخر فلما عرفه مل يشرت منه شيًئا‪.‬‬


‫‪ -3‬امتناع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من قبول الدرهم الزائد على مثن‬
‫القميص لعفة نفسه‪ ،‬وبيانًا لصحة البيع الذي حصل برضا الطرفني‪.‬‬

‫() عند ابن كثري يف البداية والنهاية ‪.4 / 8‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪214‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اإلشراف المباشر على معامالت الناس‬

‫إن مهام الدولة وشئون اخلالفة مل تشغل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬من متابعة الناس يف مع امالهتم‪ ،‬واإلشراف املباشر عليهم يف أس واقهم‪ ،‬لوعظهم وإرشادهم‪،‬‬
‫وتصويب أخطائهم‪ ،‬يف شئون معامالهتم‪ .‬فهو يعد هذا األمر جزءًا من مسؤوليته‪ ،‬وواجبً ا عليه‬
‫يف دعوته‪.‬‬

‫مقتفيً ا بذلك هنج رسول اهلل ص فيما رواه أبو هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل‬
‫ص ْبَرة طع ام( )‪ ،‬فأدخ ل ي ده فيه ا‪ .‬فن الت أص ابعه بلاًل فق ال‪ (( :‬م ا ه ذا ياص احب‬
‫‪1‬‬
‫م َّر على ُ‬
‫الطع ام ؟ )) ق ال أص ابته الس ماء( )‪ .‬يارس ول اهلل ق ال‪ (( :‬أفال جعلت ه ف وق الطع ام كي ي راه‬
‫‪2‬‬

‫الناس ؟ من غش فليس مين ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫واإلشراف املباشر على أسواق الناس وميادين معامالهتم‪ ،‬اليصلح له كل أحد‪ ،‬بل البد‬
‫من توافر صفات معينة فيمن يقوم هبذا الشأن‪ ،‬ومنها على سبيل املثال‪-:‬‬
‫‪ -1‬العلم بالقدر الكايف من األحكام الشرعية املتعلقة يف هذه املعامالت‪.‬‬
‫‪ -2‬العلم بأساليب احملتالني يف هذه املعامالت من الغش وحنوه‪.‬‬
‫‪ -3‬احللم وحسن التصرف ملا قد يالقيه من سوء املعاملة من اجلشعني‪.‬‬
‫‪ - 4‬الزهد والورع حىت ال يقع يف حبائل املصطادين يف هذه امليادين بعطاء أو حنوه‪.‬‬

‫() الكومة اجملموعة من الطعام‪ ،‬مسيت صربة إلفراغ بعضها على بعض‪ ،‬ومنه قيل للسحاب صبري‪ ( .‬انظر ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪ .109 / 2‬واجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،707 / 2‬مادة [صرب] )‪.‬‬
‫() أي املطر‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 109 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪.99 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪215‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ممن يتص ف هبذه الص فات وغريه ا‬
‫(‪)1‬‬
‫من الصفات احلسنة يف هذا اجملال‪ .‬ومن أخباره يف هذا اجلانب مارواه احلربن جرموز املرادي‬
‫عن أبي ه ق ال‪ :‬رأيت علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬خيرج من القص ر وعلي ه قطريت ان‪،‬‬
‫إزاره إىل نصف الساق‪ ،‬ورداؤه مشمر قريبًا منه‪ ،‬ومعه الدرة ميشي يف األسواق ويأمرهم بتقوى‬
‫(‪)4‬‬
‫اهلل وحسن البيع ويقول‪ (( :‬أوفوا الكيل وامليزان والتنقحوا( ) اللحم( )))‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫وعن أيب مطر( ) ق ال‪ :‬خ رجت من املس جد‪ ،‬ف إذا رج ل ين ادي من خلفي‪ :‬ارف ع إزارك ؛‬ ‫‪5‬‬

‫لما‪ ،‬فمش يت خلف ه‪ ،‬وه و م ؤتزر‬


‫فإن ه أبقى لثوب ك واتقى ل ك‪ ،‬وخ ذ من رأس ك إن كنت مس ً‬
‫ب إزار‪ ،‬مرت د ب رداء‪ ،‬ومع ه ال درة‪ ،‬كأن ه أع رايب ب دوي‪ ،‬فقلت‪ :‬من ه ذا ؟ فق ال يل رج ل‪ :‬أراك‬
‫غريبً ا يف هذا البلد‪ .‬فقلت أجل‪ ،‬من أهل البصرة‪ .‬فقال‪ :‬هذا علي بن أيب طالب أمري املؤمنني‪.‬‬
‫حىت انتهى إىل دار ابن أيب معيط وهو يسوق اإلبل‪ ،‬فقال‪ :‬بيعوا وال حتلفوا ؛ فإن اليمني تنفق‬
‫السلعة‪ ،‬ومتحق الربكة‪.‬‬

‫() الكويف‪ ،‬مسع من عون بن عبداهلل‪ ،‬وعمر بن مرة‪ ،‬وأبيه‪ ،‬ومسع منه سلم بن قتيبة وشعيب بن حرب وأبو‬ ‫‪1‬‬

‫نعيم‪ .‬وجرموز (والد حر) رأى عليً ا وقيل له صحبة‪( .‬البخاري‪ ،‬التاريخ الكبري ‪ .2/248،248‬وابن حجر‬
‫يف اإلصابة ‪.) 230 / 1‬‬
‫() ويف بعض الروايات ( وال تنفخوا )‪ ،‬كما يف الطبقات الكربى البن سعد ‪ ،28 / 3‬ومصنف ابن أيب شيبة‬ ‫‪2‬‬

‫‪.،308 / 7‬‬
‫() تنقيح العظم اس تخراج خمه‪ ،‬وتنقح ش حم الناق ة أي ق ل‪ ،‬ونقح الش يء أي قش ره‪ ،‬واملراد ـ واهلل أعلم ـ‬ ‫‪3‬‬

‫الخترجوا مخ العظم املكسو باللحم‪ ( .‬انظر لسان العرب ‪.) 624 / 2‬‬
‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف فض ائل الص حابة ‪ ،556 / 2‬وق ال احملق ق وص ي اهلل بن عب اس ‪ :‬إس ناده ص حيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وذكره ابن سعد يف الطبقات ‪ .28 / 3‬وابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬حاشية اإلصابة يف‬
‫متييز الصحابة ‪ .49 / 3‬وذكره حمب الدين الطربي يف ذخائر العقىب ص ‪.101‬‬
‫() البصري اجلهين‪ ،‬روى عن علي (رضي اهلل عنه)‪( .‬الرازي‪ ،‬اجلرح والتعديل ‪.) 445/ 9‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪216‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫مث أتى أصحاب التمر‪ ،‬فإذا خادم تبكي‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك ؟ فقالت‪ :‬باعين هذا الرجل‬
‫متر ا بدرهم‪ ،‬فرده موايل فأىب أن يقبله‪ .‬فقال له علي‪ :‬خذ مترك وأعطها درمهًا‪ ،‬فإهنا ليس هلا أمر‪،‬‬
‫ً‬
‫فدفعه‪ ،‬فقلت‪ :‬أتدري من هذا ؟ فقال‪ :‬ال‪ .‬فقلت‪ :‬هذا علي بن أيب طالب أمري املؤمنني‪ .‬فصبت‬
‫متره ا فأعطاه ا درمهً ا‪ .‬مث ق ال الرج ل‪ :‬أحب أن ترض ى ع ين ي ا أم ري املؤم نني‪ .‬ق ال‪ :‬م ا أرض اين‬
‫عنك‪ ،‬إذا وفيت الناس حقوقهم‪.‬‬

‫ب‬
‫مث م ر جمت ًازا بأص حاب التم ر‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا أص حاب التم ر ! أطعم وا املس اكني ؛ َي ْر ُ‬
‫كسبكم‪.‬‬

‫جمتازا ـ ومعه املسلمون ـ حىت انتهى إىل أصحاب السمك‪ ،‬فقال‪ :‬ال يباع يف سوقنا‬
‫مث مر ً‬
‫(‪)1‬‬
‫طايف‪ .‬مث أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس‪.‬‬

‫وعن زاذان( ) قال‪ :‬كان علي ميشي يف األسواق وحده‪ ،‬يرشد الضال‪ ،‬ويعني الضعيف‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫علوا‬
‫ومير بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ { تلك الدار اآلخرة جنعلها للذين اليريدون ً‬
‫فسادا }( ) مث يقول‪ :‬نزلت هذه اآلية يف أهل العدل والتواضع من الوالة‪ ،‬وأهل‬
‫يف األرض وال ً‬
‫‪3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫القدرة من سائر الناس‪.‬‬

‫() أورده ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .4 / 8‬وللخرب تتمة سبق ذكرها قريبًا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أبو عبداهلل‪ ،‬ويقال أبو عمر الكندي موالهم الكويف الضرير البزار‪ ،‬قال ابن معني ‪ :‬ثقة اليسأل عن مثله‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال ابن سعد ‪ :‬كان ثقة كثري احلديث‪ .‬وقال خليفة ‪ :‬مات سنة ‪( .82‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب‬
‫‪) 261 / 3‬‬
‫() سورة القصص‪ ،‬جزء من اآلية ‪.83‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .5 / 8‬وعند احملب الطربي بنحوه‪ ،‬الرياض النضرة ‪ .218 / 3‬والسيوطي‪ ،‬يف‬ ‫‪4‬‬

‫الدر املنثور ‪.444 / 6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪217‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأخ رج اخلالل( ) بس نده عن أيب س عيد ق ال‪ :‬ك ان علي أتى الس وق‪ ،‬فق ال( )‪ :‬ي ا أه ل‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫السوق ! اتقوا اهلل وإياكم واحللف‪ ،‬فإن احللف ينفق السلعة وميحق الربكة‪ ،‬وإن التاجر فاجر إال‬
‫من أخذ احلق وأعطى احلق‪ ،‬والسالم عليكم‪ .‬مث ينصرف‪ ،‬مث يعود إليهم فيقول هلم مثل مقالته‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وعن أيب الصهباء( ) قال‪ :‬رأيت علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بشط الكأل يسأل‬ ‫‪4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫عن األسعار‪.‬‬

‫هذه اجلوالت الدعوية واإلشراف املباشر من أمري املؤمنني على معامالت الناس تضمنت‬
‫أمورا منها‪-:‬‬
‫ً‬

‫‪ -1‬مل تقتص ر اجلوالت على اإلش راف والتوجي ه‪ ،‬ب ل تع دت ذل ك إىل خدم ة املدعوين يف‬
‫شئوهنم‪ ،‬كإرشاد الضال‪ ،‬وإعانة الضعيف‪ ،‬وإعانة احلمال على احلمولة( )‪ .‬وهو من هو !‬
‫‪6‬‬

‫أمري املؤمنني وخليفة املسلمني‪ ،‬الرجل األول يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬فمن كانت هذه حاله‪،‬‬
‫كانت كلماته وتوجيهاته أقرب للمدعوين‪ ،‬وأبلغ يف نفوس السامعني‪.‬‬

‫() أمحد بن حممد بن هارون بن يزيد البغدادي‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬ولد سنة ‪234‬هـ‪ ،‬حمدث فقيه‪ ،‬أخذ الفقه عن خلق‬ ‫‪1‬‬

‫كثري من أصحاب أمحد بن حنبل‪ ،‬تويف سنة ‪311‬هـ‪( .‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 1/302‬‬
‫() يف األصل (فيقول) ولعل الصواب املثبت‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() السنة‪ ،‬حتقيق ‪ :‬د‪ .‬عطيه الزهراين ص ‪ ،352‬وقال احملقق ‪ :‬فيه أبو سعيد مل أتوصل إىل معرفته‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() البك ري‪ ،‬س أل عليً ا (رض ي اهلل عن ه)‪ ،‬وروى عن ه س عيد بن جب ري‪ ،‬وس ئل أب و زرع ة عن امسه‪ ،‬فق ال ‪ :‬ال‬ ‫‪4‬‬

‫أعرف امسه‪(.‬الرازي‪ ،‬اجلرح والتعديل ‪.) 394 / 9‬‬


‫() احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪.222 / 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫() وردت هذه العبارة يف رواية احملب الطربي‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪218‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬تض من التوجي ه النص ح بتق وى اهلل س بحانه وتع اىل وحس ن ال بيع‪ ،‬ورمبا وعظهم ب القرآن‬
‫الكرمي ‪ ،‬فإن من اتقى اهلل سبحانه وتعاىل أحسن معاملته للناس يف النصح هلم‪ ،‬والبعد عن‬
‫خمادعتهم وغشهم‪.‬‬

‫‪ - 3‬منع الظلم يف املعامالت‪،‬وإعادة احلق إىل أهله‪ .‬ألن موايل اجلارية اليت اشرتت التمر مل جييزوا‬
‫هذا الشراء‪ ،‬وهي يف نفسها ليس هلا أمر ‪.‬‬

‫‪ -4‬النهي عن أصناف الغش اليت حتصل يف األسواق‪ ،‬كنهيه عن تنقيح اللحم‪ ،‬ويف رواية ( نفخ‬
‫اللحم )‪.‬‬

‫‪ -5‬بيان بعض األحكام واآلداب املتعلقة يف معامالت الناس‪ ،‬ومنها‪-:‬‬

‫(ا) النهي عن احللف يف البيع‪ ،‬وتعليل ذلك بأن اليمني تنفق السلعة‪ ،‬ومتحق الربكة‪ .‬كما‬
‫ورد عن رسول اهلل ص يف قوله‪ (( :‬احللف َمْن َف َقةٌ للسلعة‪ ،‬مَمْ َح َقةٌ للربكة ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫(ب) احلث على إطعام املساكني وترغيبهم فيه‪ ،‬ألنه زيادة يف الكسب‪.‬‬

‫(جـ) النهي عن بيع السمك الطايف( )‪ ،‬ولعل ذلك حىت ال خيتلط مع املصيد الطري‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع ‪.85 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هو الذي يعلو املاء وال يرسب‪ .‬وذكر البخاري يف صحيحه تعلي ًق ا‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد ‪ 455 / 3‬عن‬ ‫‪2‬‬

‫أيب بك ر الص ديق (رض ي اهلل عن ه) قول ه ‪ (( :‬الط ايف حالل ))‪ ،‬وذك ر ابن حج ر يف الفتح ‪ 615 / 6‬آث ًارا‬
‫أخرى تدل على أن الطايف حالل‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪219‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رابعا‪ :‬معالجة أخطاء المعامالت‬


‫ً‬

‫طمع ا يف الدنيا‪،‬‬
‫يتعرض الناس يف معامالهتم لبعض األخطاء‪ ،‬إما للجهل بأحكامها‪ ،‬أو ً‬
‫()‬
‫‪1‬‬
‫ألن اإلنس ان بطبع ه جمب ول على حب املال‪ ،‬كم ا يف قول ه س بحانه {وحتب ون املال حبً ا مجًا }‬
‫فرمبا دفع حب املال إىل الغش واالحتيال‪ .‬أو قد يكون سبب اخلطأ غري ذا أو ذاك‪.‬‬

‫لذا فإن الناس حباجة إىل دعاة يقومون هذه األخطاء‪ ،‬ويعاجلوهنا باليت هي أحسن‪ .‬ورمبا‬
‫وشَر ٍط‪ ،‬يردعون الظامل عن ظلمه‪ ،‬ويعيدون احلق إىل أهله‪.‬‬
‫إىل قضاة ُ‬

‫وأمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل يغفل هذا اجلانب يف دعوة الناس‬
‫يف جمال املع امالت‪ ،‬كي ف يغف ل ؟! وهوالداعي ة الف ذ‪ ،‬والقاض ي الن اجح‪ ،‬وف وق ه ذا وذاك ه و‬
‫صاحب السلطة يف الدولة اإلسالمية وقت خالفته‪ .‬إضافة إىل ما يتمتع به من سعة العلم ودقة‬
‫الفهم‪ ،‬فقد شهد له عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول‪ { :‬علي أقضانا }( )‪ .‬كما شهد‬
‫‪2‬‬

‫()‬
‫منهجا يتمثل بالنقاط اآلتية‪-:‬‬
‫له حبل املعضالت ‪ .‬ولقد سلك يف عالجه لألخطاء يف املعامالت ً‬
‫‪3‬‬

‫اإلقناع بالخطأ‬

‫علمن ا مما س بق يف اإلش راف املباش ر أن عليً ا م ر على أص حاب التم ر‪ ،‬ف إذا خ ادم تبكي‪،‬‬
‫مترا بدرهم‪ ،‬فرده موايل فأىب أن يقبله‪ .‬فقال له‬
‫فقال‪ :‬ما يبكيك ؟ فقالت‪ :‬باعين هذا الرجل ً‬
‫علي‪ :‬خذ مترك وأعطها درمهً ا‪ ،‬فإهنا ليس هلا أمر‪ ،‬فدفعه‪ ،‬فقلت( )‪ :‬أتدري من هذا ؟ فقال‪ :‬ال‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() سورة الفجر‪ ،‬اآلية ‪.20‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬حتقيق علي حممد البجاوي ص ‪.1102‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.131‬‬ ‫‪3‬‬

‫() القائل هو أبو مطر (الراوي)‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪220‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فقلت‪ :‬هذا علي بن أيب طالب أمري املؤمنني‪ .‬فصبت مترها فأعطاها درمهً ا‪ .‬مث قال الرجل‪ :‬أحب‬
‫أن ترضى عين يا أمري املؤمنني‪ .‬قال‪ :‬ما أرضاين عنك‪ ،‬إذا وفيت الناس حقوقهم‪.‬‬

‫واخلط أ احلاص ل يف ه ذه املعامل ة ه و رفض ص احب التم ر إع ادة متره‪ ،‬وإعط اء اجلاري ة‬
‫مقنع ا‪ (( :‬خ ذ‬
‫درمها‪ .‬ولكن أم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل يلزم ه ب الرد‪ ،‬ولكن ه ق ال ً‬
‫مترك وأعطها درمهًا‪ ،‬فإهنا ليس هلا أمر ))‪ .‬فمن شروط البيع أن يكون العاقد جائز التصرف‪ ،‬أي‬
‫رشيدا‪ ،‬واجلارية اليت اشرتت التمر ليست كذلك‪ ،‬فأمر علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫حرا ملكل ًف ا ً‬
‫ً‬
‫(‪)1‬‬
‫برد التمر‪.‬‬

‫العقاب على الخطأ‬

‫قيام ا على ب اب القص ر‪ ،‬إذ خ رج علي علين ا‪ ،‬فلم ا رأين اه‬


‫عن ناجي ة عن أبي ه ق ال‪ :‬كن ا ً‬
‫تنحين ا عن وجه ه هيب ة ل ه‪ ،‬فلم ا ج از ص رنا خلف ه‪ ،‬فبينم ا ه و ك ذلك‪ ،‬إذ ن ادى رج ل‪ :‬ياغوثً ا‬
‫باهلل ! فإذا رجالن يقتتالن‪ ،‬فلكز صدر هذا وصدر هذا‪ ،‬مث قال‪ :‬تنحيا‪ ،‬فقال أحدمها‪ :‬يا أمري‬
‫مغموزا( ) وال حمذفًا‪ ،‬فأعطاين‬
‫‪2‬‬
‫ً‬ ‫املؤمنني ! إن هذا اشرتى مين شاة‪ ،‬وقد شرطت عليه أال يعطيين‬
‫مغموزا‪ ،‬فرددته عليه فلطمين‪ ،‬فقال لآلخر‪ :‬ما تقول ؟ قال‪ :‬صدق يا أمري املؤمنني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫درمهًا‬
‫أعطه ش رطه‪ ،‬مث ق ال لالطم‪ :‬اجلس‪ ،‬وقال للملط وم‪ :‬اقتص‪ ،‬فق ال‪ :‬أو أعفو يا أم ري املؤمنني ؟‬
‫قال‪ :‬ذاك إليك‪ ،‬قال‪ :‬فلما جاز الرجل‪ ،‬قال علي‪ :‬يامعشر املسلمني ! خذوه‪ ،‬قال‪ :‬فأخذوه‪،‬‬
‫فحمل على ظهر رجل كما حيمل صبيان الكتّاب مث ضربه مخس عشرة ِدرة‪ ،‬مث قال‪ :‬هذا ٌ‬
‫نكال‬ ‫ُ‬
‫()‬
‫ملا انتهكت من حرمته‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬الروض املربع‪ ،‬املطبوع مع احلاشية ‪.333 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي معيبًا‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،390 / 5‬مادة [غمز] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك ‪ .164 / 3‬وحمم د التس رتي‪ ،‬قض اء أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.201‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪221‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إن اخلطأ احلاصل من املشرتي خطأ مركب‪ ،‬فهو مل يوف الشرط أواًل ‪ ،‬ومل يبدل الدرهم‬
‫ثانيًا‪ ،‬ولطم الرجل ثالثًا‪ ،‬وكأنه بفعله هذا قد تعمد اخلطأ وأصر عليه‪ ،‬وما كان من أمري املؤمنني‬
‫علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حبكمته إال أن يفك ما بينهما من الشجار أواًل ‪ ،‬مث بعد ذلك مسع من‬
‫أحدمها دع واه‪ ،‬ومسع من اآلخر ما عنده‪ ،‬وهذا من واجب القاض ي‪ ،‬فال حيكم يف املسألة حىت‬
‫يس مع من ك ل منهم ا‪ .‬وبع د أن اع رتف الث اين‪ ،‬أم ره بالوف اء بالش رط بإب دال ال درهم‪ ،‬مث حكم‬
‫باللطمة بإتاحة القصاص لصاحب احلق‪.‬‬

‫وملا ك ان لعلي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬الس لطة يف العق اب‪ ،‬والق درة على التنفي ذ‪ ،‬مل ي رتك‬
‫عقاب املخطيء‪ ،‬بل ضربه بالدرة‪ .‬واحلكم باستحاق العقاب التعزيري‪ ،‬وتقديره من صالحيات‬
‫القاضي‪ ،‬أما تنفيذه فهو بيد السلطان‪ ،‬وكلها اجتمعت يف أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫الترهيب من الخطأ‬

‫وهذا مثل ترهيب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من احتكار الطعام‬
‫بقوله‪ (( :‬جالب الطعام مرزوق‪ ،‬واحملتكر عاص ملعون ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫واحتكار الطعام هو مجعه وحبسه‪ ،‬يَُتَربص به الغالء‪ ،‬وهو احلُكَْرة ( )‪ .‬وهو حمرم يف قوت‬
‫‪2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫آدمي‪ ،‬حنو متر وبر‪.‬‬

‫() مسند زيد ص ‪ .245‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي ص ‪ .21‬وروى عبد الرزاق يف مصنفه‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 8/204‬عن ابن املسيب حنوه‪.‬‬


‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،635 / 2‬مادة [حكر]‪ .‬وانظر ‪ :‬سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.95‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عبد الرمحن بن قاسم‪ ،‬حاشية الروض ‪ .390 / 4‬وانظر ‪ :‬ابن قامة يف املغين ‪ .243 / 4‬والنووي‪ ،‬شرح‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح مسلم ‪.43 / 11‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪222‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وذكر ابن قدامة أن االحتكار احملرم هو ما اجتمعت فيه شروط ثالثة هي‪-:‬‬
‫حمتكرا‪ ،‬وهذا واضح‬
‫‪ -1‬أن يشرتى‪ ،‬فلو جلب شيًئا‪ ،‬أو أدخل من غلته شيًئا فادخره مل يكن ً‬
‫من قول علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫‪ -2‬أن يكون املشرتى قوتًا( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -3‬أن يضيق على الناس بشرائه‪.‬‬

‫وترهيب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من االحتكار مبين على ما‬
‫رواه س عيد بن املس يب عن معم ر بن عبداهلل( ) عن رس ول اهلل ص ق ال‪(( :‬الحيتك ر إال‬
‫‪2‬‬

‫خاطيء( ) ))( )‪.‬‬


‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫رفع الضرر الحاصل بالمعاملة‪.‬‬

‫وتتمثل هذه املسألة يف تضمني األجري العام الذي ال يعمل ألحد بعينه‪ ،‬كاخلياط‪ ،‬والنجار‬
‫والصانع‪ ،‬فقد وردت الرواية عن علي ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪-‬أنه كان يضمن األجري( )‪ .‬ومل تفرق‬
‫‪5‬‬

‫هذه الرواية بني األجري العام واخلاص‪.‬‬

‫() ولكن أمري املؤمنني علي (رضي اهلل عنه) ال يرى حصره بالقوت‪ ( .‬انظر ‪ :‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة‬ ‫‪1‬‬

‫فق ه علي ص ‪ .21‬وق ال عب د ال رمحن بن قاس م يف حاش ية ال روض ‪ : 390 / 4‬وقي ل ال ف رق بني الق وت‬
‫وغريه‪.‬‬
‫() ابن نافع بن نضلة القرشي‪ ،‬أسلم قدميًا‪ ،‬وهاجر إىل احلبشة‪ ،‬قال ابن عبد الرب ‪ :‬كان من شيوخ بين عدي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 10/221‬‬


‫() اخلاطيء هو العاصي اآلمث‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 43 / 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب املساقاة ‪.1228 / 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫() عبد الرزاق‪ ،‬املصنف ‪ .218 / 8‬وابن حزم‪ ،‬احمللى ‪ .202 / 8‬والبيهقي يف سننه ‪.122 / 6‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪223‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ولكن روايات أخرى ورد فيها ختصيص األجري العام كقول علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪(( :-‬‬
‫كل عامل مشرتك إذا أفسد فهو ضامن ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫عمدا أو خطًأ‪ ،‬ألنه مظنة التهاون‪ ،‬ففي‬


‫ويضمن األجري ما تلف يف يده سواء كان التلف ً‬
‫مصنف عبد الرزاق أن عليً ا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ضمن اخلياط والصباغ‪ ،‬وأشباه ذلك احتياطً ا‬
‫للناس( )‪ .‬ويف سنن البيهقي أنه كان يضمن الصباغ والصائغ‪،‬‬‫‪2‬‬

‫وقال‪(( :‬ال يصلح للناس إال ذاك)) ( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫وضمان التلف احلاصل من األجري فيه تقومي للخطأ احلاصل حبفظ أموال الناس‪ ،‬وردع من‬
‫األج راء من الته اون يف أعم اهلم‪ ،‬فالن اس حيت اجون يف ش ؤون حي اهتم إىل أج راء‪ ،‬كالنج ارين‬
‫واحلدادين‪ ،‬واخلي اطني‪ ،‬واملهندس ني وحنوهم‪ .‬ول و مل يكن ض مان لض اعت األم وال‪ ،‬وذهبت‬
‫احلقوق‪.‬‬

‫() مسند زيد بن علي ص ‪.254‬‬ ‫‪1‬‬

‫() السنن الكربى ‪ .217 / 8‬وانظر ‪ :‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي ص ‪.16‬‬ ‫‪2‬‬

‫() السنن الكربى ‪ .122 / 6‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .286 / 6‬وابن حزم‪ ،‬احمللى ‪ 202 / 8‬وفيه ‪ :‬أن‬ ‫‪3‬‬

‫عليًا كان يضمن القصار والصواغ‪..‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪224‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫منهجه في الدعوة إلى الجهاد‬

‫تع ــريف‬

‫اجلهاد يف اللغة‬

‫ق ال ابن منظ ور‪ :‬اجله اد املبالغ ة واس تفراغ الوس ع يف احلرب أو اللس ان أو م ا أط اق من‬
‫شيء( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ق ال القس طالين( )‪ :‬اجله اد بكس ر اجليم مص در جاه دت الع دو جماه دة وجه ًادا‪ ،‬وأص له‬
‫‪2‬‬

‫جيهاد كقيال‪ ،‬فخفف حبذف الياء‪ ،‬وهو مشتق من اجلهد بفتح اجليم وهو التعب واملشقة‪ ،‬ملا‬
‫في ه من ارتكاهبا‪ ،‬أو من اجله د بالض م‪ ،‬وه و الطاق ة‪ ،‬ألن ك ل واح د منهم ا ب ذل طاقت ه يف دف ع‬
‫صاحبه ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫اجلهاد يف االصطالح‬

‫يطلق اجلهاد يف االصطالح الشرعي على قتال الكفار‪ ،‬كما بني ذلك‬
‫رسول اهلل ص لرجل قال له‪ :‬ما اجلهاد؟ قال‪(( :‬أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم ))( )‪ .‬وهبذا املعىن‬
‫‪4‬‬

‫() لسان العرب ‪ ،135 / 3‬مادة [جهد]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أمحد بن حمم د بن أيب بك ر‪ ...‬القس طالين األص ل املص ري‪ ،‬الش افعي‪ ،‬حمدث‪ ،‬م ؤرخ‪ ،‬فقي ه‪ ،‬مق رئ‪ ،‬ل ه‬ ‫‪2‬‬

‫تصانيف كثرية‪ ،‬ولد مبصر يف ذي القعدة سنة ‪ 851‬هـ ونشأ هبا‪ ،‬وقدم مكة‪ ،‬وتويف بالقاهرة يف احملرم سنة‬
‫‪ 923‬هـ‪( .‬عمر رضا كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني‪.) 254 / 1 ،‬‬
‫() إرشاد الساري ‪.31 / 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() من حديث أخرجه األمام أمحد يف مسنده ‪.114 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪225‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فس ره بعض العلم اء‪ ،‬فق ال ابن حج ر ((اجله اد‪ :‬ب ذل اجله د يف قت ال الكف ار))( )‪ .‬وق ال‬
‫‪1‬‬

‫القسطالين‪(( :‬قتال الكفار لنصرة اإلسالم وإعالء كلمة اهلل))( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وقال اجلرجاين‪ (( :‬اجلهاد‪ :‬هو الدعاء إىل الدين احلق ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كما يطلق على جماهدة النفس والشيطان والفساق‪ ،‬فأما جماه دة النفس فعلى تعلم أمور‬
‫ال دين‪ ،‬مث على العم ل هبا‪ ،‬مث على تعليمه ا‪ .‬وأم ا جماه دة الش يطان‪ ،‬فعلى دف ع م ا ي أيت ب ه من‬
‫الشبهات‪ ،‬وما يزينه من الشهوات‪ ،‬وأما جماهدة الفساق فباليد‪ ،‬مث اللسان‪ ،‬مث القلب ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫كما أن اجلهاد إذا أطلق ينصرف إىل قتال الكفار‪ ،‬إال بقرينة تدل على انصرافه إىل غريه‪،‬‬
‫كما تدل على ذلك النصوص الشرعية من القرآن والسنة‪.‬‬

‫واملعىن املقصود للجهاد يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو‬
‫قتال األعداء‪.‬‬

‫المنــهج‬
‫يتمثل منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اجلهاد يف‬
‫نقطتني‪:‬‬
‫أواًل ‪ :‬السرية اجلهادية‬
‫ثانيًا‪ :‬الكلمة التوجيهية‬

‫() فتح الباري ‪.6/3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إرشاد الساري ‪.5/31‬‬ ‫‪2‬‬

‫() التعريفات ص ‪.80‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.71‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪226‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أواًل ‪ :‬السيرة الجهادية‬

‫إن املواقف البطولية للشجعان‪ ،‬والسرية اجلهادية للفرسان زاد قوي يوقظ النفوس‪ ،‬وحيرك‬
‫القلوب حنو خوض املعارك‪ ،‬وبذل النفوس رخيصة يف سبيل اهلل‪ ،‬وبطوالت أمري املؤمنني علي‬
‫بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من أقوى البطوالت وأندرها‪ ،‬وسريته اجلهادية من خري السري‬
‫وأشرفها‪ ،‬فإذا ُع َّد الشجعان يف تاريخ اإلسالم عُ َّد يف مقدمتهم أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫ومواقف أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أكثر من أن حتصر‪ ،‬وأشهر‬
‫من أن تذكر‪ ،‬ففي معركة بدر كان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع‬
‫عبي دة بن احلارث( ) ومحزة بن عب د املطلب أول من قاب ل املش ركني يف املب ارزة‪ ،‬وذل ك عن دما‬
‫‪1‬‬

‫خرج عتبة بن ربيعة بني أخيه شيبة وابنه الوليد من املشركني‪ ،‬حىت إذا فصل من الصف‪ ،‬دعا‬
‫إىل املبارزة‪ ،‬فخرج إليه فتية من األنصار‪ ،‬فقالوا‪ :‬من أنتم ؟ قالوا‪ :‬رهط من األنصار‪ .‬قالوا مالنا‬
‫بكم حاجة‪ .‬مث نادى مناديهم‪ :‬يا حممد ! أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا‪ .‬فقال رسول اهلل ص‪(( :‬‬
‫قم يا عبيدة بن احلرث‪ ،‬وقم يا محزة‪ ،‬وقم يا علي‪ ،‬فلما قاموا ودنوا منهم‪ ،‬قالوا من أنتم ؟ قال‬
‫عبي دة‪ :‬عبي دة‪ ،‬وق ال محزة‪ :‬محزة‪ ،‬وق ال علي‪ :‬علي‪ .‬ق الوا‪ :‬نعم‪ ،‬أكف اء ك رام‪ .‬فب ارز عبي دة ‪-‬‬
‫وكان أسن القوم ‪ -‬عتبة بن ربيعة‪ ،‬وبارز محزة شيبة بن ربيعة‪ ،‬وبارز علي الوليد بن عتبة‪ .‬فأما‬
‫محزة فلم ميهل شيبة أن قتله‪ ،‬وأم ا علي فلم ميهل الوليد أن قتله‪ ،‬واختلف عبيدة وعتبة بينهما‬

‫() وقيل ابن احلرث بن عبد املطلب القرشي املطليب‪ ،‬ابن عم النيب (صلى اهلل عليه وسلم) أسلم قدميًا‪ ،‬وكان‬ ‫‪1‬‬

‫بدرا وقتل فيها‪( .‬انظر ‪ :‬ابن سعد يف‬ ‫ٍ‬


‫رأس بين عبد مناف حينئذ‪ ،‬كان مع النيب ص يف مكة مث هاجر وشهد ً‬
‫الطبقات الكربى ‪ .52 - 50 / 3‬وابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.)449 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪227‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ضربتني‪ ،‬كالمها أثبت صاحبه( )‪ .‬وكر محزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه( )‪ ،‬واحتمال‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫صاحبهما فحازاه إىل أصحابه( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫ويف املتبارزين نزل قول اهلل سبحانه وتعاىل { هذان خصمان اختصموا يف رهبم }( ) كما‬
‫‪4‬‬

‫أخرج البخاري يف صحيحه من حديث علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ (( :‬أنا أول‬
‫من جيثو بني يدي الرمحن للخصومة يوم القيامة ))‪ .‬وقال قيس بن عباد‪ :‬وفيهم أنزلت { هذان‬
‫خص مان اختص موا يف رهبم } ق ال‪ :‬هم ال ذين تب ارزوا ي وم ب در‪ ،‬محزة وعلي وعبي دة ‪ -‬أو أب و‬
‫عبيدة ‪ -‬بن احلارث‪،‬‬
‫وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫أيض ا اجرتأ علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على عمرو بن عبد‬ ‫ويف هذه املعركة ً‬
‫()‬
‫ود فارس قريش املشهور‪ ،‬الذي ي َق َّو ُم عندهم بألف فارس‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫ولقد وصف أسيد الكناين( ) ما القت قريش من علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬حيث يقول‪-:‬‬ ‫‪7‬‬

‫جدع أبر عــلى املذاكي القرح‬ ‫يف كل جم ـ ــمع غاية أخـزاكم‬


‫قد يذكر احلر الكرمي ويستحي‬ ‫هلل دركــم ملا تــذك ـ ـ ـ ــروا‬
‫ذحبًا بقـ ـ ـ ــتله بعـضه مل يذبح‬ ‫هذا ابن فاط ــمة الذي أفــناكم‬
‫(‪)8‬‬
‫يف املعضالت وأين زين األبطح‬ ‫أين الكهول وأين كل دع ــامة‬
‫جرحا مل يقم معه‪.‬‬
‫() أثبت صاحبه ‪ :‬أي جرحه ً‬
‫‪1‬‬

‫() ذففا عليه ‪ :‬أسرعا قتله‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1362 / 4‬مادة [ذفف] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ .625 / 1‬واملقريزي‪ ،‬امتاع األمساع ‪.85 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة احلج‪ ،‬جزء من اآلية ‪.19‬‬ ‫‪4‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي ‪.84 / 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر خرب املبارزة عند ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪ .68 / 2‬والطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.95 ،94 / 2‬‬ ‫‪6‬‬

‫وابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ .224 /2‬وانظر ‪ :‬العقاد‪ ،‬عبقرية اإلمام علي ص ‪ 20‬وما بعدها‪.‬‬
‫() وه و أس يد بن إي اس بن وئيم الكن اين‪ .‬وق د ق ال ه ذه األبي ات قب ل إس المه‪( .‬ابن حج ر‪ ،‬اإلص ابة ‪/ 2‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪.) 508‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪228‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كثريا‪ ،‬ذكرهم ابن هشام‬


‫علي من املشركني يف بدر خل ًق ا ً‬
‫ومل يكن هذا فحسب‪ ،‬بل قتل ٌّ‬
‫يف الس رية بأمسائهم‪ ،‬فق د بل غ من قتلهم علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أو ش ارك يف‬
‫قتلهم واحد وعشرون رجاًل ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعند الواقدي بلغ من قتلهم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أوشرك يف قتلهم‪ ،‬اثنان وعشرون‬
‫رجاًل ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف معركة أحد كان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على امليمنة ومعه الراية بعد‬
‫()‬
‫كثريا‪،‬‬
‫قت ل مصعب بن عمري ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ، -‬ويف هذه املعرك ة قتل من املشركني خل ًق ا ً‬
‫‪3‬‬

‫رغم م ا أص اب املس لمني من الش دة يف هذه الغ زوة‪ ،‬إض افة إىل بالئه يف ال دفاع عن رس ول اهلل‬
‫ص ( )‪ .‬وك ان علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه و ال ذي أخ ذ بي د رس ول اهلل ص حينم ا وق ع يف‬ ‫‪4‬‬

‫احلفرةيوم أحد( )‪ ،‬وملا جرح النيب ص يف هذه املعركة كان علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو الذي‬ ‫‪5‬‬

‫يسكب املاء على فاطمة وهي تغسل الدم عن وجه رسول اهلل ص ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪ .508 / 2‬وابن األثري‪ ،‬أسد الغابة ‪.20 / 4‬‬ ‫‪8‬‬

‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.715-1/708‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املغازي ‪.152 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬تاريخ خليفة بن خياط ص ‪ .67‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.7/224‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .224 / 7‬واملقريزي‪ ،‬إمتاع األمساع ‪.143 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪.2/80‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر ااحلديث يف ذلك يف صحيح البخاري‪ ،‬كتاب املغازي ‪.3/109‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪229‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأم ا اخلن دق فلم يكن فيه ا قت ال بني املس لمني واملش ركني وحلف ائهم‪ ،‬س وى مناوش ات‬
‫بسيطة قتل فيها ثالثة من املشركني‪ ،‬قتل علي أحدهم وهو عمرو بن عبد ود( )‪ ،‬ويقال إنه قتل‬
‫‪1‬‬

‫الثاين وهو نوفل بن عبداهلل بن املغرية املخزومي( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫إضافة إىل من قتلهم يوم فتح مكة منهم احلويرث بن نقيذ من ولد قصي‪ ،‬فإنه كان يؤذي‬
‫النيب ص فأهدر دمه‪ ،‬فبينما هو يف منزله يوم الفتح‪ ،‬قد أغلق بابه عليه‪ ،‬وأقبل علي ‪ -‬رضي اهلل‬
‫علي ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫عنه ‪ -‬يسأل عنه‪ ،‬فقيل هو يف البادية‪ .‬فُأخرب احلويرث أنه يُطلَب‪ ،‬وتنحى ٌّ‬
‫‪ -‬عن بابه‪ ،‬فخرج احلويرث يريد أن يهرب من بيت إىل آخر‪ ،‬فتلقاه علي فضرب عنقه ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫إض افة إىل أولئك ال رجلني ‪ -‬ممن أه در رس ول اهلل ص دم اءهم ‪ -‬الل ذين اس تجارا ب أم‬
‫هانئ فحاول علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قتلهما‪ ،‬حىت َّأمنهما‬
‫رسول اللهص( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وإن ك ان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ص احب الس بق يف قت ل فرس ان ق ريش‬
‫أيضا هو الذي قتل (مرحب) فارس يهود وأخاه (ياسر)( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وشجعاهنا‪ ،‬فإنه ً‬
‫ناهيك عمن قتلهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف السرايا والبعوث اليت كان‬
‫يبعثه إليها رسول اهلل ص ‪َ .‬ك َسريَّتِه إيل بين سعد بن بكر بفدك( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() انظر القصة كاملة صفحة ‪.410 ،409‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ويقال قتله الزبري بن العوام‪ ( .‬انظر ‪ :‬الواقدي‪ ،‬املغازي ‪.) 496 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الواقدي‪ ،‬املغازي ‪ .857 / 2‬واملقريزي‪ ،‬إمتاع األمساع ‪.393 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .498 / 14‬والواقدي‪ ،‬املغازي ‪ .830 ،829 / 2‬وابن هشام‪ ،‬السرية‬ ‫‪4‬‬

‫النبوي ة ‪ .411 / 2‬واملقري زي‪ ،‬إمت اع األمساع ‪ .382 ،381 / 1‬وعن د أيب عوان ة يف مس نده بنح وه ‪/ 1‬‬
‫‪.283‬‬
‫() انظر صفحة ‪.396 ،395‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر ‪ :‬الواقدي‪ ،‬املغازي ‪ .562 / 2‬ابن سيد الناس‪ ،‬عيون األثر ‪ .109 / 1‬واملقريزي‪ ،‬إمتاع األمساع ‪1‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪.269 /‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪230‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومبقارنة عدد من قتلهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف معركة بدر‪ ،‬بعدد من‬
‫قتلهم بعض الص حابة ممن ب رزوا يف املعرك ة‪ ،‬يت بني الف ارق الكب ري بني علي ونظرائ ه من ش جعان‬
‫املسلمني‪ ،‬كما يف اجلدول اآليت‪-:‬‬

‫عدد القتلى‬ ‫االسم‬


‫‪21‬‬ ‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪9‬‬ ‫محزة بن عبد املطلب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪5‬‬ ‫عمار بن ياسر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪4‬‬ ‫أبو دجانة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪2‬‬ ‫الزبري ين العوام ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪2‬‬ ‫عبدالرمحن بن عوف ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪231‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫شكل بياين ميثل عدد من قتلهم بعض الصحابة املبينة أمساؤهم يف معركة بدر حسب حصر ابن‬
‫(‪)1‬‬
‫هشام هلم يف كتاب السرية‬

‫() السرية النبوية ‪.715-1/708‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪232‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحث على الجهاد‬

‫إضافة إىل بطوالت أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وسريته اجلهادية‬
‫اليت تبعث على االقتداء به‪ ،‬واقتفاء أثره يف اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬فإنه ال يغفل عن حث املدعوين‬
‫على اجلهاد‪ ،‬ومنهه الرتغيبهم فيه‪ ،‬وعتاب املتخاذلني واملتقاعسني عنه‪.‬‬

‫ففي خطبة له ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقرن اجلهاد مع اإلميان باهلل‪ ،‬ويصفه بأنه أفضل ما‬
‫توس ل ب ه العب د إىل رب ه حيث يق ول‪ (( :‬احلم د هلل فاطر اخللق‪ ،‬وفالق اإلص باح‪ ،‬وناش ر املوتى‪،‬‬
‫وب اعث من يف القب ور‪ ،‬وأش هد أن ال إل ه إال اهلل وح ده ال ش ريك ل ه‪ ،‬وأش هد أن حمم ًدا عب ده‬
‫ورسوله‪ ،‬وأوصيكم بتقوى اهلل فإن أفضل ما توسل به العبد اإلميان واجلهاد يف سبيله‪.) ())...‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن ذلك ما قاله يف خطبة له‪ (( :‬أما بعد‪ ،‬فإن اجلهاد باب من أبواب اجلنة‪ ،‬فمن تركه‬
‫ألبسه اهلل ثوب الذل‪ ،‬ومشلة البالء‪ ،‬وألزمه الصغار‪ ،‬وسامه اخلسف‪ ،‬ومنعه النصف‪.) ()) ...‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف ترغيب املسلمني يف قتال اخلوارج يقول أمري املؤمنني‬


‫ودن اليد( )‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ه ‪ (( :-‬فيهم خمدج اليد( )‪ ،‬أو م‬
‫‪3‬‬
‫ي اهلل عن‬ ‫الب ‪ -‬رض‬ ‫علي بن أيب ط‬

‫() جزء من خطبة طويلة أوردها ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ ،309 ،308 / 7‬وقال ‪ :‬هذه خطبة بليغة‬ ‫‪1‬‬

‫نافعة جامعة للخري ناهية عن الشر‪ ،‬وقد روي هلا شواهد من وجوه أخر متصلة وهلل احلمد واملنة‪.‬‬
‫() أمحد بن داود الدينوري‪ ،‬األخبار الطوال ص ‪ .211‬وابن عبد ربه األندلسي‪ ،‬العقد الفريد ‪ .136 / 4‬و‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬جابر قميحة‪ ،‬أدب اخللفاء الراشدين ص ‪.270‬‬


‫() املخ دج بض م امليم وإس كان اخلاء وفتح ال دال أي ن اقص الي د‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،1/309‬م ادة‬ ‫‪3‬‬

‫[خدج]‪ .‬وانظر ‪:‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 171 / 7‬‬


‫أيض ا ودين‪(.‬ابن‬
‫() املودن بضم امليم وإسكان الواو وفتح الدال‪ ،‬ويقال باهلمز وبرتكه وهو ناقص اليد‪ ،‬ويقال ً‬
‫‪4‬‬

‫منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،445 / 13‬مادة [ودن]‪ .‬وانظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.)171 / 7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪233‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أو مث دون اليد( )‪ ،‬ول وال أن تبط روا( ) حلدثتكم مبا وع د اهلل ال ذين يقتل وهنم على لس ان حمم د‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ))‪ .‬فلم ا ُس ِئ َل ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬آنت مسعته من رس ول اهلل ص ؟ ق ال‪(( :‬إي‪ ،‬ورب‬
‫الكعبة! إي‪ ،‬ورب الكعبة! إي‪ ،‬ورب الكعبة! ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫يف هذا احلديث إحياء من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بعظيم أجر‬
‫من يقاتل اخلوارج‪ ،‬ومل يصرح هلم مبا وعد اهلل الذين يقتلوهنم على لسان نبيه حممد ص‪ ،‬ألهنم‬
‫لو علموا بذلك لرمبا جتاوز هبم احلماس وشدة‬
‫النشاط ‪-‬رغبة يف هذا الثواب العظيم‪ -‬إىل البطر من حيث ال يشعرون‪.‬‬

‫ويف حث الن اس وتش جيعهم على قت ال اخلوارج والتح ذير من ت رك اجله اد م ا أورده‬
‫الط ربي بقوله‪ :‬أن عليً ا ملا ن زل بالنخيل ة وأيس من اخلوارج‪ ،‬ق ام فحم د اهلل وأث ىن علي ه مث ق ال‪:‬‬
‫وأدهن( ) يف أمره‪ ،‬كان على َش َفا ُه ْل ِك ه‪ ،‬إال أن يتداركه‬
‫(( أما بعد‪ ،‬فإن من ترك اجلهاد يف اهلل‪ْ ،‬‬
‫‪4‬‬

‫اهلل بنعمة‪ ،‬فاتقوا اهلل‪ ،‬وقاتلوا من حاد اهلل‪ ،‬وحاول أن يطفئ نور اهلل‪ ،‬قاتلوا اخلاطئني الضالني‪،‬‬
‫القاسطني( ) اجملرمني‪ ،‬الذين ليسوا بقراء للقرآن‪ ،‬وال فقهاء يف الدين‪ ،‬وال علماء يف التأويل‪ ،‬وال‬ ‫‪5‬‬

‫() املثدون بفتح امليم وثاء مثلثة ساكنة وهو صغري اليد‪ ،‬جمتمعها كثندوة الثدي‪ ،‬وكان أصله مثنود‪ ،‬فقدمت‬ ‫‪1‬‬

‫الدال على النون‪ ،‬كما قالوا جبذ وجذب‪ ،‬وعاث يف األرض وعثا‪( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،13/78‬مادة‬
‫[ثدن]‪ .‬وانظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.)172 ،171 / 7‬‬
‫() البطر ‪ :‬النشاط‪ ،‬وقيل ‪ :‬التبخرت‪ ،‬وقيل ‪ :‬قلة احتمال النعمة‪ ،‬وقيل ‪ :‬الدهش واحلرية‪ ،‬وقيل ‪ :‬البطر الطغيان‬ ‫‪2‬‬

‫يف النعمة‪( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،68 / 4‬مادة [بطر])‪.‬‬


‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة ‪.747 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ود َهن‬
‫() املداهن ة واإلده ان ‪ :‬املص انعة واللني‪ ،‬وقي ل املداهن ة ‪ :‬إظه ار خالف م ا يض مر‪ ،‬واإلده ان ‪ :‬الغش‪َ .‬‬
‫‪4‬‬

‫وأد َه َن أي أظه ر خالف م ا أض مر‪ ،‬فكأن ه بني الك ذب‬


‫داه َن ْ‬
‫الرج ل إذا ن افق‪ .‬وق ال بعض أه ل اللغ ة ‪ :‬مع ىن َ‬
‫على نفسه‪( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،162 / 13‬مادة [دهن] )‪.‬‬
‫() مجع قاسط‪ ،‬وال ُق ُسو ُط هو اجلور والعدول عن احلق‪ ،‬كقوله سبحانه يف سورة اجلن {وأما القاسطون فكانوا‬ ‫‪5‬‬

‫جلهنم حطبًا }‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1152 / 3‬مادة [قسط] )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪234‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫هلذا األمر بأهل سابقة يف اإلسالم‪ ،‬واهلل ! لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى‬
‫وهرقل‪.) ())...‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن كلم ات أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف التح ذير من الته اون‬
‫باجله اد‪ (( :‬إن أول م اتغليون علي ه من اجله اد اجله اد بأي ديكم‪ ،‬مث اجله اد بألس نتكم‪ ،‬مث اجله اد‬
‫بقلوبكم‪ ،‬فأي قلب مل يعرف املعروف‪ ،‬وال ينكر املنكر نكس فجعل أعاله أسفله ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() تاريخ األمم وامللوك ‪ .117 / 3‬وأورده الكاندهلوي يف حياة الصحابة ‪.447 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.173 / 15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪235‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫سمات منهج أمير المؤمنين في الدعوة إلى الجهاد‬

‫مما س بق من فق رات املنهج س واء يف الس رية اجلهادي ة أو الكلم ات التوجيهي ة ميكن أن‬
‫نستنبط مسات هذا املنهج بالنقاط اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬العمل جبد فيما يدعو إليه‪ ،‬فهو ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬املتقدم يف ساحات اجلهاد‪ ،‬ولقد كان‬
‫رسول اهلل يعطيه الراية يف غزواته‪ ،‬فعن ابن عباس (رضي اهلل عنهما) قال‪ :‬كان علي أخذ‬
‫(‪)1‬‬
‫راية رسول اهلل ص يوم بدر‪ ،‬فقال احلكم‪ :‬يوم بدر واملشاهد كلها‪.‬‬
‫‪ -2‬رب ط اجله اد باإلميان باهلل وبتق واه‪ ،‬كم ا يف قول ه‪ (( :‬ف إن أفض ل م ا توس ل ب ه العب د اإلميان‬
‫واجلهاد يف سبيله )) وقوله‪ (( :‬اتقوا اهلل وقاتلوا من حاد اهلل )) ومن شأن ذلك أن يوقظ‬
‫قلوب املؤمنني‪ ،‬وحيفز املتقني ملا أمروا به من تقوى اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلقناع بقتال األعداء عندما يساور النفوس الشك يف قتاهلم‪ ،‬وبيان صفاهتم املوجبة لذلك‪،‬‬
‫ح ىت يك ون املقات ل على بص رية من أم ره‪ ،‬كم ا فع ل أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يف حث الناس على قتال اخلوارج‪.‬‬
‫‪ - 4‬إزالة الشبه اليت تعوق قتال األعداء ‪ -‬إن وجدت ‪ -‬كما فعل أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لبيان حقيقة اخلوارج‪ ،‬وذلك بسبب ما عرفه العامة‬
‫عنهم من أهنم ق راء للق رآن وأه ل عب ادة واجته اد‪ ،‬وق د بني أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أهنم ليسوا بقراء للقرآن حقيقة‪ ،‬وأهنم ليسوا أهل فقه يف الدين‪،‬‬
‫وال علماء بالتأويل‪.‬‬

‫‪ -5‬بيان ما يرتتب على ترك اجلهاد يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫() احملب الطربي‪ ،‬ذخائر العقىب ص ‪.75‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪236‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث الرابع‬

‫منهجه في الخالفة‬

‫تع ــريف‬

‫اخلالفة يف اللغة‪:‬‬

‫ف فالنًا من فالن‪:‬‬ ‫ِ‬


‫واس تَ ْخلَ َ‬
‫ف فال ٌن فالنًا إذا كان خليفته‪ْ ،‬‬ ‫اخلالفَةُ من َخلَ َ‬
‫أيضا إذا جئت بعده‪ .‬واخلَلِيفة‪:‬‬ ‫وخلَ ْفتُه ً‬
‫جعله مكانه‪ .‬يقال خلفه يف قومه خالفة‪َ .‬‬
‫ال ذي يس تخلف ممن قبل ه‪ ،‬واجلم ع خالئ ف‪ ،‬ج اؤوا ب ه علىاألص ل مث ل كرمية‬
‫ف واجلم ع خلف اء‪َ ،‬ك َّس روه تكس ري فَعِي ل ألن ه ال يك ون إال‬ ‫ِ‬
‫وك رائم‪ ،‬وه و اخلَلي ُ‬
‫للم ذكر‪ .‬واخلالف ة اإلم ارة‪ ،‬وهي اخلِلِّي َفى( )‪ .‬وإن ه خلليف ة‪ :‬بنِّي اخلالف ة واخلليفى‬
‫‪1‬‬

‫( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫اخلالفة يف االصطالح‪:‬‬

‫عرفها ابن خلدون بقوله‪ (( :‬هي محل الكافة على األحكام الشرعية يف أحوال‬
‫دنياهم وأخراهم ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() بكسر اخلاء والالم املشددة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1356 / 4‬مادة [خلف]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،86 ،9/85‬مادة‬ ‫‪2‬‬

‫[خلف]‪ ،‬والفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط ‪ ،137 / 3‬مادة [خلف]‪.‬‬


‫() مقدمة ابن خلدون ص ‪.131‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪237‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وجعله ا اإلم ام املاوردي مرادف ة لإلمام ة وعرفه ا بقول ه‪ (( :‬اإلمام ة موض وعة‬
‫خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة الدنيا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعرفها الشيخ حممد رشيد رضا بقوله‪ (( :‬اخلالفة‪ ،‬و اإلمامة العظمى‪ ،‬وإمارة‬
‫املؤم نني ثالث كلم ات معناه ا واح د‪ ،‬وه و رئاس ة احلكوم ة اإلس المية اجلامع ة‬
‫ملصاحل الدين والدنيا ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫واملقصود مبنهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف اخلالفة هو طريقته‬
‫يف سياسة أمور الناس الدينية والدنيوية من منظور دعوي‪.‬‬

‫المنه ــج‬

‫إن منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف خالفت ه من منظ ور‬
‫دعوي مبثوث يف أثناء هذا البحث‪ ،‬فعلى سبيل املثال فإن خطابة الناس‪ ،‬وتعليمهم أمور دينهم‬
‫هي من مسؤوليات اخلالفة عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وكذا من‬
‫منهج ه يف ال دعوة إىل العب ادات‪ ،‬وك ذلك املرور بأس واق الن اس واإلش راف على مع امالهتم من‬
‫مسؤوليات اخلالفة ومن منهجه يف الدعوة إىل املعامالت‪ ،‬وعلى ذلك فقس‪ .‬لذا فإين سأوجز يف‬
‫ه ذا املنهج و الحاج ة لتك رار املواق ف ال يت ذك رت أو س تذكر يف األب واب القادم ة إن ش اء اهلل‬
‫ولكن لعلي أشري إىل بعضها أو آيت خبالفها على النحو التايل‪-:‬‬ ‫تعاىل‪،‬‬

‫() األحكام السلطانية ص ‪.5‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اخلالف ة ص ‪ .17‬ولالس تزادة يف مع ىن اخلالف ة راج ع كت اب (رئاس ة الدول ة يف الفق ه اإلس المي) لل دكتور‬ ‫‪2‬‬

‫حممد رأفت عثمان ص ‪ .86 - 69‬وكذلك كتاب (معامل اخلالفة يف الفكر السياسي اإلسالمي) للدكتور‬
‫حممد اخلالدي ص ‪.30 - 26‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪238‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أواًل ‪ :‬قبول البيعة من أجل الدعوة‬

‫متاما عند الدعاة‬


‫إن حب الرياسة والزعامة مما تتوق له النفس البشرية‪ ،‬ولكن األمر خمتلف ً‬
‫إىل اهلل‪ ،‬وباألخص الدعاة املخلصني‪ ،‬أمثال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪،-‬‬
‫فهم إن قبلوها‪ ،‬أو طلبوها فمن أجل مصلحة األمة ونشر هذا الدين القومي‪.‬‬

‫ملا قتل عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يوم اجلمعة لثماين عشرة ليلة مضت من ذي‬
‫احلجة سنة مخس وثالثني( )‪ ،‬أدرك املسلمون خطورة الوضع وحاجة الناس إىل خليفة يلم مشلهم‬ ‫‪1‬‬

‫وي دبر أم ورهم‪ ،‬ف اجتهت األنظ ار إىل علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬ال ذي مل يطلب‬
‫حريصا على اخلالفة‪ ،‬ولكن وجوه الناس من املهاجرين واألنصار جيتمعون‬
‫ً‬ ‫لنفسه البيعة ومل يكن‬
‫إىل علي ويقسمون عليه‪ ،‬ويناشدونه يف حفظ بقية األمة وصيانة دار اهلجرة‪ ،‬فيدخل يف ذلك‬
‫بعد شدة مغلبًا املصلحة ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما يؤكد نظر أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل مصلحة األمة يف‬
‫دينه ا ودنياه ا اعت ذاره عن قب ول اخلالف ة بقول ه‪ (( :‬ال تري دوين‪ ،‬ف إين لكم وزي ر خ ري م ين لكم‬
‫أمري ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فاملص لحة ال يت جيب أن ت راعى يف تع يني اخلليف ة هي مص لحة األم ة‪ ،‬المص لحة الف رد‬
‫املطلوب هلذه الوالية‪.‬‬

‫ومما يؤك د ه ذه النظ رة عن د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬قول ه‪:‬‬

‫() ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.3/31‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬الب اقالين‪ ،‬التمهي د‪ ،‬ص ‪ .230‬وس ليمان محد الع ودة‪ ،‬عبداهلل بن س بأ وأث ره يف أح داث الفتن ة يف‬ ‫‪2‬‬

‫صدر اإلسالم ص ‪.170‬‬


‫() سيأيت متام اخلرب وخترجيه يف الصفحة التالية بإذن اهلل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪239‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(( ُولِّْي ُ‬
‫ت وأن ا ك اره‪ ،‬ول وال خش ية على ال دين مل أجبهم ))( )‪ .‬أي أن أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫‪1‬‬

‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل يقبل اخلالفة إال من أجل الدعوة إىل إىل اهلل‪.‬‬

‫وي روي حمم د بن احلنفي ة كيفي ة ت ويل أبي ه للخالف ة فيق ول‪ (( :‬كنت م ع علي وعثم ان‬
‫حمصور‪ ،‬قال‪ :‬فأتاه رجل فقال‪ :‬إن أمري املؤمنني مقتول‪ .‬مث جاء آخر‪ ،‬فقال‪ :‬إن أمري املؤمنني‬
‫علي‪ ،‬قال حممد‪ :‬فأخذت بوسطه ختوفًا عليه‪ .‬قال‪ :‬خل ال أم لك !‬
‫مقتول الساعة‪ .‬قال‪ :‬فقام ٌّ‬
‫علي الدار وقد قتل الرجل‪ ،‬فأتى داره فدخلها‪ ،‬وأغلق عليه بابه‪ ،‬فأتاه الناس فضربوا‬
‫قال‪ :‬فأتى ٌّ‬
‫علي ه الب اب ف دخلوا علي ه‪ ،‬فق الوا‪ :‬إن ه ذا الرج ل ق د قت ل‪ ،‬وال ب د للن اس من خليف ة‪ ،‬وال نعلم‬
‫أحدا أحق هبا منك‪ .‬فقال هلم علي‪ :‬ال تريدوين‪ ،‬فإين لكم وزير خري مين لكم أمري‪ .‬فقالوا‪ :‬ال‬
‫ً‬
‫سرا‪ ،‬ولكن أخرج‬
‫أحدا أحق هبا منك‪ .‬قال‪ :‬فإن أبيتم علي فإن بيعيت ال تكون ً‬
‫واهلل ! ما نعلم ً‬
‫إىل املسجد فمن شاء أن يبايعين بايعين‪ .‬قال‪ :‬فخرج إىل املسجد فبايعه الناس ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ق ال ابن س عد‪...(( :‬وبوي ع لعلي بن أيب ط الب رمحه اهلل‪ ،‬باملدين ة‪ ،‬الغ د من ي وم قت ل‬
‫عثم ان‪ ،‬باخلالف ة بايع ه طلح ة‪ ،‬والزب ري‪ ،‬وس عد بن أيب وق اص‪ ...‬ومجي ع من ك ان باملدين ة من‬
‫أصحاب رسول اهلل ص وغريهم ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال ابن كثري (رمحه اهلل)‪ :‬ومل يتخلف أحد من األنصار إال بايع فيما نعلم))( )‪ .‬وقيل إن‬
‫‪4‬‬

‫طلح ة والزب ري بايع ا مك رهني ودف ع ذل ك القاض ي أب و بك ر بن الع ريب بقول ه‪(( :‬ف إن قي ل‪ :‬بايع ا‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك حتقيق حممد أبو الفضل إبراهيم ‪( .491 / 4‬دار املعارف مبصر)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد‪ ،‬فض ائل الص حابة حتقي ق وص ي اهلل بن حمم د عب اس ‪ ،2/573‬وق ال احملق ق إس ناده‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫() الطبقات الكربى ‪.31 / 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫() البداية والنهاية ‪ .227 / 7‬وانظر ‪ :‬د‪ .‬حممد ضياء‪ ،‬النظريات السياسية اإلسالمية ص ‪.183‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪240‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫مكرهني‪ .‬قلنا حاشا هلل أن يكرها‪.) ())...‬‬


‫‪1‬‬

‫وقيل ختلف عن بيعته مجاعة من الصحابة‪ ،‬منهم سعد بن أيب وقاص‪ ،‬وحممد ابن مسلمة‪،‬‬
‫وابن عمر‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وسواهم من نظرائهم( )‪ .‬وقد أجاب على ذلك ابن العريب بقوله‪(( :‬‬
‫‪2‬‬

‫أما بيعته فلم يتخلف عنها‪ ،‬وأما نصرته فتخلف عنها قوم‪ ،‬منهم من ذكرمت‪ ،‬ألهنا كانت مسألة‬
‫اجتهادي ة‪ ،‬فاجته د ك ل واح د وأعم ل نظ ره‪ ،‬وأص اب ق دره ))( )‪ .‬وه ذا ال ذي ذهب إلي ه ابن‬
‫‪3‬‬

‫العريب (رمحه اهلل) هو الصحيح إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬ملوافقته حسن الظن بصحابة رسول اهلل ص‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الدعوة إلى اهلل من أهم واجبات الخالفة عند أمير المؤمنين‬

‫إن ال دعوة إىل اهلل (س بحانه وتع اىل) هي أول الواجب ات على خليف ة املس لمني‪ ،‬عن د أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وال أدل على ذلك من أول خطبة خطبها الناس‬
‫بع د ت ويل اخلالف ة حيث ق ال فيه ا‪ (( :‬إن اهلل ع ز وج ل أن زل كتابً ا هاديًا‪ ،‬بني في ه اخلري والشر‪،‬‬
‫فخ ذوا ب اخلري ودع وا الش ر‪ .‬الف رائض أدوه ا إىل اهلل (س بحانه ) ي ؤدكم إىل اجلن ة‪ ،‬إن اهلل ح رم‬
‫حرما غري جمهولة‪ ،‬وفضل حرمة املسلم على احلَُرم كلها‪ ،‬وشد باإلخالص والتوحيد املسلمني‪.‬‬
‫ً‬
‫واملسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده إال باحلق‪ ،‬ال حيل أذى املسلم إال مبا جيب‪ .‬بادروا أمر‬
‫العامة‪ ،‬وخاصة أحدكم املوت‪ ،‬فإن الناس أمامكم‪ ،‬وإن ما من خلفكم الساعة حتدوكم‪ ،‬ختففوا‬
‫تلحقوا‪ ،‬فإمنا ينتظر بالناس أخراهم‪ .‬اتقوا اهلل عباده يف عباده وبالده‪ ،‬إنكم مسؤولون حىت عن‬
‫البق اع والبه ائم‪ ،‬أطيع وا اهلل ع ز وج ل وال تعص وه‪ ،‬وإذا رأيتم اخلري فخ ذوا ب ه‪ ،‬وإذا رأيتم الشر‬

‫() العواصم من القواصم ص ‪.148‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك ‪ .2/698‬وابن كث ري‪ ،‬البداي ة والنهاي ة ‪ .227/ 7‬وابن الع ريب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫العواصم من القواصم ص ‪.150‬‬


‫() العواصم من القواصم ص ‪ .150‬وانظر ‪ :‬الباقالين‪ ،‬التمهيد ص ‪.234 ،233‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪241‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)2‬‬
‫فدعوه‪{ .‬واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون يف األرض}( ) ))‬
‫‪1‬‬

‫هذه هي الكلمات األوىل اليت مسعها الناس من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬بعد متام البيعة‪ ،‬حتمل معها اهلم الذي يشغله يف هذه اخلالفة‪ ،‬أال وهو الدعوة إىل اهلل‬
‫‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬والسعي لصالح الناس يف دينهم‪ .‬وهذان األمران من أهم واجبات اخلالفة‬
‫ففي هذه اخلطبة القصرية حث‬ ‫عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫أمري املؤمنني على االلتزام بكتاب اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬والسعي للخري وترك الشر‪ ،‬واألمر بأداء‬
‫الف رائض‪ ،‬والتوجي ه لإلخالص والتوحي د‪ ،‬كم ا دع ا إىل ش يء من األخالق‪ ،‬وحث على‬
‫أيضا التوجيه إىل اإلحسان يف البقاع والبهائم‪ ،‬وباجلملة أمر بطاعة‬
‫االستعداد للموت‪ ،‬ومل ينس ً‬
‫اهلل والبعد عن معصيته‪ .‬فاخلطبة كلها يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وليس فيها ذكرشيء‬
‫من أمور الدنيا‪ ،‬وال حىت بيان املنهج السياسي أو العسكري الذي سيسري عليه يف هذه اخلالفة ‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬تعاهد الوالة بالنصيحة‬

‫كم ا هي سياس ة أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬االهتم ام ب دعوة‬
‫أيض ا يريد من رجاله الذين يتولون إمارة األمصار أو اجليوش أن يكونوا‬
‫الناس يف خالفته‪ ،‬فإنه ً‬
‫كذلك‪ ،‬لذا فإنه اليغفل عن تعاهدهم بالنصح والتوجيه‪ ،‬فمن ذلك على سبيل املثال ما يلي‪-:‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬جزء من اآلية ‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .701 / 2‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .227 / 7‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف‬ ‫‪2‬‬

‫التاريخ ‪.305 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪242‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عن عط اء بن أيب رب اح( ) ق ال‪ (( :‬ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب إذا بعث س رية‬
‫‪1‬‬

‫وىَّل أمرها رجاًل فأوصاه فقال‪ (( :‬أوصيك بتقوى اهلل‪ ،‬البد لك من لقائه‪ ،‬وال منتهى لك دونه‪،‬‬
‫هو ميلك الدنيا واآلخرة‪ ،‬وعليك بالذي يقربك إىل اهلل‪ ،‬فإن فيها عند اهلل خل ًفا من الدنيا))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وق ال يف وص ية لعبداهلل بن عب اس ملا واله البص رة‪ (( :‬أوص يك بتق وى اهلل ع ز وج ل‪،‬‬
‫والعدل على من والك اهلل أمره‪ ،‬اتسع للناس بوجهك وعلمك وحلمك‪ ،‬وإياك واإلحن( )‪ ،‬فإهنا‬
‫‪3‬‬

‫متيت القلب واحلق‪ ،‬واعلم أن م ا قرب ك من اهلل بع دك من الن ار‪ ،‬وم ا قرب ك من الن ار بع دك من‬
‫كثريا وال تكن من الغافلني ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫اهلل‪ ،‬اذكر اهلل ً‬

‫مقصورا على‬
‫ً‬ ‫ومل يكن نصح أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لوالته‬
‫أيض ا إىل حسن سياسة رعاياهم‪ .‬ومن ذلك مثاًل كتابه إىل بعض‬
‫دعوهتم إىل اهلل‪ ،‬بل يوجههم ً‬
‫أصحابه على بلد قال فيه‪ (( :‬أما بعد‪ ،‬فال يطولن حجابك على رعيتك‪ ،‬فإن احتجاب الوالة‬
‫عن الرعي ة ش عبة الض يق‪ ،‬وقل ة علم ب األمور‪ ،‬واالحتج اب يقط ع عنهم علم م ا احتجب وا دون ه‪،‬‬
‫فيض عف عن دهم الكب ري‪ ،‬ويعظم الص غري‪ ،‬ويقبح احلس ن‪ ،‬وحيس ن الق بيح‪ ،‬ويش اب احلق‬
‫بالباطل‪.) ())...‬‬
‫‪5‬‬

‫َأس لَ ُم القرشي موالهم الكويف‪ ،‬روى عن عدد من الصحابة (رضي اهلل عنهم)‪ ،‬انتهت إليه فتوى أهل‬ ‫() امسه ْ‬
‫‪1‬‬

‫فقيها عاملا كثري احلديث‪ ،‬أدرك مائتني من الصحابة‪ ،‬ذكره ابن حبان يف‬ ‫مكة وإىل جماهد يف زماهنما‪ ،‬كان ثقة‬
‫ً ً‬
‫وورع ا‪ .‬مات سنة ‪ 114‬هـ وقيل غري ذلك‪(.‬انظر‪ :‬ابن‬
‫وعلم ا ً‬
‫فقه ا ً‬ ‫الثقات‪ ،‬وقال ‪ :‬كان من سادات التابعني ً‬
‫حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)183-7/179‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.282 / 13‬‬ ‫‪2‬‬

‫علي ِإ ْحنَةٌ أي حقد‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،5/2068‬مادة [أحن] )‪.‬‬‫() اإلحن ‪ :‬األحقاد‪ ،‬يقال يف صدره َّ‬
‫‪3‬‬

‫() ابن قتيبة‪ ،‬اإلمامة والسياسة ‪.1/79‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ابن كثري البداية والنهاية ‪.7/8‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪243‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وباجلملة قال عنه ابن عبد الرب‪ (( :‬وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذا كان خيرجهم إىل‬
‫أعماله كثرية مشهورة مل أر التعرض لذكرها لئال يطول الكتاب‪ ،‬هي حسان كلها)) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن جانب آخر فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يغفل عن‬
‫حماسبة عماله عندما يبلغه التقصري عن أحد منهم‪ ،‬قال ابن عبد الرب‪ (( :‬فإذا بلغه عن أحد منهم‬
‫خيان ة كتب إلي ه‪ :‬ق د ج اءتكم موعظ ة من ربكم‪ ،‬ف أوفوا الكي ل وامليزان بالقس ط‪ ،‬وال تبخس وا‬
‫الن اس أش ياءهم‪ ،‬وال تعث وا يف األرض مفس دين‪ ،‬بقي ة اهلل خ ري لكم إن كنتم مؤم نني‪ ،‬وم ا أن ا‬
‫عليكم حبفيظ‪ .‬إذا أتاك كتايب هذا فاحتفظ مبا لديك من أعمالنا‪ ،‬حىت نبعث إليكم من يتسلمه‬
‫منك‪ .‬مث يرفع طرفه إىل السماء‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم ! إنك تعلم أين مل آمرهم بظلم خلقك‪ ،‬وال ب رتك‬
‫حقك ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكتب علي إىل األش عث بن قيس عامله على أذربيجان‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإمنا غرك من نفسك‬
‫وج رأك على آخرت ك إمالء اهلل ل ك‪ ،‬إذ م ا زلت ق دميًا تأك ل رزق ه‪ ،‬وتلح د يف آيات ه‪ ،‬وتس تمتع‬
‫خبالق ك‪ ،‬وت ذهب حبس ناتك إىل يوم ك ه ذا‪ ،‬ف إن أت اك رس ويل بكت ايب ه ذا‪ ،‬فأقب ل‪ ،‬وامحل م ا‬
‫()‬
‫قِبلك من مال املسلمني‪ ،‬إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫رابعا‪ :‬تعاهد الرعية في دعوتهم إلى اهلل سبحانه وتعالى‬


‫ً‬

‫مل يكن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف خالفته يغفل عن تعاهد‬
‫رعيته يف الدعوة إلىاهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬النه يعلم أن تأديبهم وتعليمهم من واجبات اخلالفة‬

‫() االستيعاب يف معرفة األصحاب حتقيق علي حممد البجاوي ص ‪ .1111‬وملعرفة مزيد من هذه الكتب انظر‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ اليعقويب ‪ 200/ 2‬وما بعدها‪.‬‬


‫() االستيعاب يف معرفة األصحاب حتقيق علي حممد البجاوي ص ‪.1111‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.200 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪244‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫علي ه هلم‪ ،‬لقول ه (( فأم ا حقكم علي فالنص يحة لكم م ا ص حبتكم‪ ،‬وتوف ري ف يئكم عليكم‪،‬‬
‫وتعليمكم كي ال جتهلوا‪ ،‬وتأديبكم كي َتعلَّموا ))( )‪ .‬فتجده ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يتعاهد القريب‬
‫‪1‬‬

‫منهم باخلطب واملواعظ وحنوها( )‪ ،‬والبعيد منهم بالرسل والكتب‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ومن رسائله ملدعويه رسالته إىل أهل مصر‪ ،‬فقد كتب إليهم كتابًا ملا وىل عليهم حممد بن‬
‫أيب بكر (رضي اهلل عنهما) خياطبهم فيه قائاًل ‪:‬‬

‫(( أما بعد فإين أوصيكم بتقوى اهلل يف سر أمركم وعالنيته‪ ،‬وعلى أي حال كنتم عليها‪،‬‬
‫وليعلم املرء منكم أن الدنيا دار بالء وفناء‪ ،‬واآلخرة دار جزاء وبقاء‪ ،‬فمن استطاع أن يؤثر ما‬
‫يبقى على م ا يف ىن فليفع ل‪ ،‬ف إن اآلخ رة تبقى وال دنيا تف ىن‪ ،‬رزقن ا اهلل وإي اكم بص ًرا ملا بص رنا‪،‬‬
‫صر عما َأمَرنا‪ ،‬وال نتعدى إىل ما هنانا )) ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وفهما ملا فهمنا‪ ،‬حىت ال نُ َق ِّ‬
‫ً‬

‫() ابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪.2/408‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كما هو مبني يف مواضع خمتلفة من هذا البحث‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ش رح ابن أيب احلدي د ‪ .26 / 2‬و أمحد زكي ص فوت‪ ،‬مجه رة رس ائل الع رب ‪ .474 / 1‬ود‪ .‬كام ل‬ ‫‪3‬‬

‫حيدر‪ ،‬رسائل اإلمام علي ص ‪.93‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪245‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫منهج أمير المؤمنين علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في الدعوة إلى األخالق‬

‫المبحث األول‬

‫القدوة في حسن ال ُخلُق والترغيب فيه‬

‫تع ــريف‬

‫الخلق في اللغة‬

‫اخلُلُ ُق و اخلُْل ُق‪ :‬السجية والطبع واملروءة والدين( )‪ .‬وقال الراغب‪ :‬اخلَلق واخلُلق ـ بالفتح‬
‫‪1‬‬

‫ص اخلَل ق ـ ال ذي ب الفتح ـ باهليئات والص ور املدركة‬


‫والض م ـ يف األص ل مبع ىن واح د‪ ،‬ولكن ُخ َّ‬
‫بالبصر‪ ،‬وخص اخلُلق ـ الذي بالضم ـ بالقوى والسجايا املدركة بالبصرية( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الخلق في االصطالح‬

‫قال القرطيب( )‪(( :‬األخالق أوصاف اإلنسان اليت يعامل هبا غريه‪ ،‬وهي حممودة ومذموم ة‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫ف احملمود على اإلمجال‪ :‬أن تك ون م ع غ ريك على نفس ك‪ ،‬فتنص ف منه ا وال تنص ف هلا‪ ،‬وعلى‬

‫() انظ ر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،1471 / 4‬م ادة [خل ق]‪ .‬وابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب ‪ ،91 / 10‬م ادة‬ ‫‪1‬‬

‫[خلق]‪ .‬والفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط ‪ ،229 / 3‬مادة [خلق]‪.‬‬


‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.456 / 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهو أمحد بن عمر ( معجم املؤلفني ‪.) 214 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪246‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫التفص يل‪ :‬العف و واحللم واجلود والص رب وحتم ل األذى والرمحة والش فقة وقض اء احلوائج والت وادد‬
‫ولني اجلانب وحنو ذلك‪ .‬واملذموم منها ضد ذلك))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وق ال اجلرج اين‪ ((:‬اخلل ق عب ارة عن هيئة للنفس راس خة تص در عنه ا األفع ال بس هولة‬
‫ويسر‪ ،‬من غري حاجة إىل فكر وروية‪ ،‬فإن كانت اهليئة حبيث تصدر عنها األفعال اجلميلة عقاًل‬
‫وشرعا بسهولة‪ ،‬مسيت اهليئة خل ًقا حسنًا‪ ،‬وإمنا قلنا أنه هيئة راسخة ألن من يصدر منه بذل املال‬
‫ً‬
‫على الندور حبالة عارضة ال يقال خلقه السخاء‪ ،‬مامل يثبت ذلك يف نفسه‪ ،‬وكذلك من تكلف‬
‫السكوت عند الغضب جبهد أو روية ال يقال خلقه احللم‪ ،‬وليس اخللق عبارة عن الفعل‪ ،‬فرب‬
‫شخص خلقه السخاء‪ ،‬وال يبذل إما لفقد املال‪ ،‬أو ملانع‪ ،‬ورمبا يكون خلقه البخل‪ ،‬وهو يبذل‬
‫(‪)2‬‬
‫لباعث أو رياء))‪.‬‬

‫المن ـ ــهج‬

‫أواًل ‪ :‬القدوة في حسن الخلق‬

‫القدوة يف الداعي هي املعلم القدير بال لسان‪ ،‬واملرشد الناصح من غري بيان‪ ،‬وهي مدرسة‬
‫اإلنسان العملية اليت يرسخ تعليمها يف النفوس‪ ،‬ويعلق باألفهام‪ .‬والناس ما ئلون بالطبع إىل أن‬
‫يتعلم وا بعي وهنم أك ثر مما يتعلم ون ب آذاهنم‪ ،‬واملرئي ي ؤثر أك ثر من املق روء واملس موع‪ ،‬وتعليم‬
‫العم ل أنف ع من تعليم الق ول‪ ،‬واإلرش اد يُ ري الطري ق‪ ،‬ولكن الق دوة البكم اء تس ري في ه‪ ،‬وال‬
‫يستوي يف الداللة على الطريق من وصفه لك وآخر مشى أمامك فيه‪ ،‬ومهما أويت الداعي من‬
‫(‪)3‬‬
‫الرباعة يف هتذيب النفوس فليس ببالغ ما يبلغه زميل له دونه يف املهارة وفوقه يف السرية‪.‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.456 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() التعريفات ص ‪.101‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬حممد أمحد املوىل‪ ،‬اخللق الكامل ‪.166 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪247‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ل ذا ف إن األخالق الكرمية‪ ،‬والص فات القومية يف ال دعاة‪ ،‬من أهم عوام ل النج اح يف دع وة‬
‫الناس‪ ،‬وخاصة يف دعوهتم إىل األخالق‪ ،‬كما كانت هي حال رسل اهلل عليهم الصالة والسالم‪،‬‬
‫فلق د ك انوا من أحس ن الن اس أخالقً ا‪ ،‬كم ا وص ف اهلل س بحانه وتع اىل نبي ه حمم ًدا ص بقول ه‬
‫{ وإنك لعلى خلق عظيم }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والدعوة إىل مكارم األخالق من أولويات دعوة نبينا ٍ‬


‫حممد ص عندما بدأ يدعو الناس‬
‫إىل اهلل يف أول البعث ة‪ ،‬ق ال أب و ذر ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ألخي ه ملا بلغ ه مبعث رس ول اهلل ص‪:‬‬
‫اركب إىل هذا الوادي‪ ،‬فاعلم يل علم الرجل الذي يزعم أنه يأتيه اخلرب من السماء‪ ،‬فامسع من‬
‫قوله مث ائتين‪ .‬فانطلق اآلخر حىت قدم مكة‪ ،‬ومسع من قوله‪ ،‬مث رجع إىل أيب ذر فقال‪ :‬رأيته يأمر‬
‫وكالما ما هو بالشعر( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ً‬ ‫مبكارم األخالق‪،‬‬

‫لذا فإن الدعوة إىل حسن اخللق من األمور اليت جيب أن حيرص عليها الداعية الذي يسري‬
‫على هنج رسول اهلل ص‪ ،‬ولن يتمكن الداعية من الدعوة إىل حسن اخللق حبق حىت يكون قدوة‬
‫ملدعويه فيما يدعوهم إليه‪ ،‬وقد كان ألمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬النص يب األك رب من حس ن اخللق( )‪ ،‬كي ف ال ؟! وه و‬
‫‪3‬‬

‫الذي ترىب يف بيت صاحب اخللق العظيم رسول اهلل ص‪.‬‬

‫وألم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مواق ف عدي دة ت دل على كون ه ق دوة مثلى‬
‫للمدعوين يف حسن اخللق‪ ،‬منها ما يلي‪-:‬‬

‫() سورة القلم اآلية ‪.4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪.1923 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سبق احلديث عن شيء من خلقه يف الفصل التمهيدي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪248‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كان أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬شديد التواضع لدرجة أنه لفت أنظار املدعوين‬
‫إليه‪ ،‬فلقد كان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يلبس املرقوع واخلشن من الثياب وهو أمري املؤمنني‪ ،‬فعن‬
‫علي ث وب مرق وع فع وتب يف لباس ه‪ ،‬فق ال‪ (( :‬يقت دي املؤمن‪،‬‬
‫عم رو بن قيس ق ال‪ُ :‬رئي على ٍّ‬
‫وخيشع القلب ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فلم يكن لبس ه للمرق وع عج ًزا عن غ ريه‪ ،‬ولكن قه ًرا للنفس‪ ،‬ومعاجلة للقلب‪ ،‬ليك ون‬
‫أك ثر إناب ة وخش ية هلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬ف إن القلب كلم ا ف ِّرغ من حط ام ال دنيا وزينته ا‪ ،‬ك ان‬
‫أقرب للتعلق مبواله‪ ،‬والعمل بتقواه‪ ،‬إضافة إىل ذلك فهو أدعى القتداء املدعوين به‪.‬‬

‫وإذا كان أمري املؤمنني استعمل هذا اجلنس من الثياب فليس معىن هذا أنه ال حيب املالبس‬
‫احلسنة وينهى عنها‪ ،‬ال ! ليس األمر كذلك ؛ ألن التخلق يف الثياب ليس مطلبً ا لذاته عند أمري‬
‫املؤمنني ‪ -‬كما هي حال بعض الدراويش ‪ -‬ولكن املطلب عنده سالمة الدين وخشوع القلب‪،‬‬
‫ويف هذا املعىن أنشد علي بن جعفر الوراق لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪:-‬‬
‫َزيْن الرجال هبا تـَُعُّز وتُكَْر ُم‬ ‫َِأج ِـد الثياب إذا اكتسـيت فإهنا‬
‫فاهلل يعـلم ما تُ ِـج ُّن وتكتم‬ ‫()‬
‫َو َد ِع التواضع يف الثياب حَتَ ُّوبًَا‬
‫‪2‬‬

‫عند اإللــه وأنـت عبد جمرم‬ ‫اث ثوب ــك ال يزيــدك زلفة‬
‫َفَرثَ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ختشى اإلله وتتقي ما حيرم‬ ‫وهباء ثوبــك ال يضـرك بعد أن‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ .549 / 1‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪1‬‬

‫أيضا يف الزهد ص ‪ .163‬وذكره احملب الطربي يف الرياض النضرة ‪.213 / 3‬‬ ‫صحيح‪ .‬وأخرجه اإلمام أمحد ً‬
‫() أي تأمثًا‪ ،‬واملعىن اترك التواضع يف لبس الثياب خوفًا من اإلمث‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪.1/382‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪249‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف موق ف آخ ر من مواق ف أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف‬
‫مترا ب درهم‪ ،‬فحمل ه يف‬
‫التواض ع ال ذي يبعث املدعوين على االقت داء‪ ،‬م ا ك ان من ه حني اش رتى ً‬
‫ملحفته‪ ،‬فقالوا‪ :‬حنمل عنك يا أمري املؤمنني ؟ قال‪ (( :‬ال‪ ،‬أبو العيال أحق أن حيمل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫اهلل أك رب ! م ا أعظم تواض عك‪ ،‬وم ا أنص حك وأش فقك على رعيت ك‪ ،‬ي ا أم ري املؤم نني !‬
‫حتم ل متاع ك بنفس ك‪ ،‬وتس ري يف الس وق بني رعيت ك‪ ،‬وال ترض ى خبدم ة من ع رض علي ك‬
‫درس ا للمدعوين‪ ،‬يف حسن اخللق والتواضع (( أبو‬
‫خدمته‪ .‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل كان الرد ً‬
‫العيال أحق أن حيمل ))‪.‬‬

‫علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ب ربذون( ) علي ه ص فة ديب اج‪ ،‬وض ع رجل ه يف الرك اب‬
‫‪2‬‬
‫وملا ُأيت ٌّ‬
‫وأخذ بالسرج زلت يده عنه‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا ؟ قالوا ديباج‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ! ال أركبه ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بتواضعه هذا يعلم علم اليقني ما هلذا‬
‫اخلل ق العظيم من أث ر على املدعوين‪ ،‬وه و ال ذي يق رأ يف الق رآن الك رمي أم ر اهلل س بحانه وتع اىل‬
‫لنبيه حممد ص بالتواضع ملدعويه بقوله { واخفض جناحك ملن اتبعك من املؤمنني }( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وخلق أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وسع حىت أشد الناس عداوة‬
‫حقدا عليه‪ ،‬هو عبدالرمحن بن ملجم الذي طعنه‪ ،‬فقد أمر بنيه أن‬
‫له‪ ،‬وأضرهم به‪ ،‬وأشدهم ً‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،546 / 1‬وكذلك أخرجه يف‬ ‫‪1‬‬

‫كت اب الزه د ص ‪ .166‬وذك ره ابن كث ري يف البداي ة والنهاي ة ‪ .5 / 8‬وابن األث ري‪ ،‬الكام ل يف الت اريخ ‪/ 2‬‬
‫‪ .443‬واحملب الطربي يف الرياض النضرة ‪.218 / 3‬‬
‫() الربذون ‪ :‬الدابة‪ ،‬والرباذين من اخليل ما كان من غري نتاج العِ راب‪( .‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب ‪،13/51‬‬ ‫‪2‬‬

‫مادة [برذن] )‪.‬‬


‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.71 / 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الشعراء‪ ،‬اآلية‪.215‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪250‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حيس نوا إلي ه‪ ،‬ويطيب وا مطعم ه ومش ربه‪ ،‬وأال ميثل وا ب ه‪ ،‬ق ال هلم‪ (( :‬إن ه أس ري‪ ،‬فاحس نوا نزله‪،‬‬
‫وأكرم وا مث واه‪ ،‬ف إن بقيت قتلت أو عف وت‪ ،‬وإن مت ف اقتلوه وال تعت دوا‪ ،‬إن اهلل ال حيب‬
‫املعتدين ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف خلقه مع أهله‪ ،‬وعدله بني نسائه‪ ،‬يروي علي بن ربيعة أن عليً ا له امرأتان‪ ،‬فإذا كان‬
‫حلما بنصف درهم ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫حلما بنصف درهم‪ ،‬وإذا كان يوم هذه اشرتى ً‬
‫يوم هذه اشرتى ً‬
‫ويف عدله بني رعيته روى عاصم بن كليب( ) عن أبيه قال‪ :‬قدم على علي بن أيب طالب‬
‫‪3‬‬

‫مال من أصبهان( )‪ ،‬فقسمه سبعة أسباع‪ ،‬فوجد فيه رغي ًفا‪ ،‬فقسمه سبع كسر‪ ،‬وجعل على كل‬ ‫‪4‬‬

‫جزء كسرة‪ ،‬مث أقرع بينهم‪ ،‬أيهم يعطى أول ؟( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫() أخرجه ابن سعد يف الطبقات ‪ .35 / 3‬وابن األثري‪ ،‬أسد الغابة ‪ .35 / 4‬وأخرج اإلمام أمحد يف فضائل‬ ‫‪1‬‬

‫الص حابة حنوه‪ ،‬حتقي ق وص ي اهلل بن حمم د عب اس ‪ .560 / 2‬وابن أيب عاص م يف اآلح اد واملث اين‪ ،‬حتقي ق د‪.‬‬
‫باسم فيصل اجلوابره ‪ .140 / 1‬والطرباين يف الكبري ‪. 58 / 1‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ .534 / 1‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح‪ .‬وكذلك أخرجه اإلمام أمحد يف الزهد ص ‪.163‬‬


‫() ابن شهاب بن اجملنون اجلرمي الكويف‪ .،‬قال األثرم عن أمحد ‪ :‬ال بأس حبديثه‪ .‬وقال ابن معني والنسائي ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ثقة‪ .‬وقال أبو حامت ‪ :‬صاحل‪ .‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬تويف سنة ‪137‬هـ‪ .‬وأما والد عاصم (كليب)فقد‬
‫ق ال عن ه أب و زرع ة ‪ :‬ثق ة‪ .‬وق ال ابن س عد ‪ :‬ثق ة‪ .‬وذك ره ابن حب ان يف الثق ات‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.) 8/400 ،5/49‬‬
‫() مدين ة عظيم ة مش هورة من بالد الف رس‪ ،‬وهي من أعالم املدن وأعياهنا‪ ،‬ق ال ابن دري د ‪ :‬أص بهان اس م‬ ‫‪4‬‬

‫مركب‪ ،‬ألن األصب البلد بلسان الفرس‪ ،‬وهان اسم الفارس‪ ،‬وكأنه يقال ‪ :‬بالد الفرسان‪ .‬وقد فتحت على‬
‫عهد عمر بن اخلطاب (رضي اهلل عنه)‪ ( .‬انظر ‪ :‬احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.) 206 / 1‬‬
‫() احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪ .221 / 3‬وقال ‪ :‬أخرجه أمحد والقلعي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪251‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن كرمية بنت مهام الطائية( ) قالت‪ :‬كان علي يقسم فينا الورس( ) بالكوفة‪ .‬قال فضالة‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫محلناه على العدل منه ( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫() ق ال ابن حج ر يف هتذيب الته ذيب ‪ :‬روت عن عائش ة يف اخلض اب‪ ،‬وعنه ا حيىي بن أيب كث ري‪ ،‬وحمم د بن‬ ‫‪1‬‬

‫هبزم العبدي‪ ،‬وعلي بن املبارك‪ .‬ويف تقريب االتهذيب ‪ : 2/612‬مقبولة‪ ،‬من الثالثة‪.‬‬
‫() ال ورس نبت أص فر يك ون ب اليمن‪ ،‬يتخ ذ من ه الغُ ْم َرةُ للوج ه‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،988 / 3‬م ادة‬ ‫‪2‬‬

‫[ورس])‪.‬‬
‫() احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪.221 / 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪252‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الترغيب في حسن الخلق والترهيب من ضده‬

‫إن معرف ة املدعوين مبا حيص ل هلم من النف ع‪ ،‬أو م ا ين دفع عنهم من الض ر‪ ،‬بس بب حس ن اخلل ق‬
‫ي دعوهم‪ ،‬إىل املس ارعة إلي ه واالجته اد في ه‪ ،‬كم ا أن معرف ة م ا ي رتتب على مس اوئ األخالق‪،‬‬
‫تبعدهم عنها وحتذرهم منها‪ .‬وتعريف املدعوين بذلك باب من أبواب دعوهتم إىل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يف جمال األخالق‪.‬‬

‫وال رتغيب يف حسن اخللق وال رتهيب من ض ده‪ ،‬على وج ه اإلمجال أو التفصيل من منهج‬
‫رسول اهلل ص يف دعوته‪ ،‬فعلى وجه اإلمجال ما ورد عن جابر بن عبداهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن‬
‫جملس ا يوم القيامة أحاسنكم أخالقً ا‪،‬‬
‫إيل‪ ،‬وأقربكم مين ً‬
‫ر سول اهلل ص قال‪ (( :‬إن من أحبكم َّ‬
‫جملس ا ي وم القيام ة الثرث ارون( ) واملتش دقون( ) واملتفيهق ون ))‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫إيل‪ ،‬وأبع دكم م ين ً‬
‫وإن أبغض كم َّ‬
‫قالوا‪ :‬يارسول اهلل ! قد علمنا الثرثارون واملتشدقون‪ ،‬فما املتفيهقون ؟ قال‪ :‬املتكربون ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وعلى وجه التفصيل ما ورد عن عبداهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ص (( عليكم بالص دق ؛ ف إن الص دق يه دي إىل ال رب‪ ،‬وإن ال رب يه دي إىل اجلن ة‪ ،‬وم ا ي زال‬
‫الرجل يصدق‪ ،‬ويتحرى الصدق‪ ،‬حىت يكتب عند اهلل صدي ًقا‪ .‬وإياكم والكذب ؛ فإن الكذب‬
‫يه دي إىل الفج ور‪ ،‬وإن الفج ور يه دي إىل الن ار‪ ،‬وم ا ي زال الرج ل يك ذب ويتح رى الك ذب‪،‬‬
‫حىت يكتب عند اهلل كذابًا ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() الثرثار ‪ :‬كثري الكالم‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،102 / 4‬مادة [ثرر] )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املتشدق ‪ :‬املتوسع يف الكالم‪ ،‬من غري احتياط وال احرتاز‪ ،‬وقيل املستهزئ بالناس‪ ( .‬املرجع السابق ‪/ 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،173‬مادة [شدق] )‪.‬‬


‫() أخرج ه الرتم ذي يف س ننه‪ ،‬وق ال أب و عيس ى ‪ :‬وه ذا ح ديث حس ن غ ريب من ه ذذا الوج ه‪ ،‬كت اب ال رب‬ ‫‪3‬‬

‫والصلة ‪ ،370 / 4‬وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي ‪.197 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪253‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وينتهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬منهج رس ول اهلل ص يف‬
‫ال رتغيب يف حس ن األخالق‪ ،‬وال رتهيب من ض دها‪ ،‬وق د ورد عن أم ري املؤم نني كلم ات مجيل ة‬
‫وعبارات لطيفة ووصايا قيمة يف هذا الشأن منها على سبيل املثال‪-:‬‬

‫( ا ) ال ـ ــترغيب‬

‫‪ ‬الشرف بالفضل واألدب‪ ،‬ال باألصل والنسب‬

‫ي رغب أم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬املدعوين بني ل الش رف والرفع ة‪ ،‬بالفض ل‬
‫وحس ن اخلل ق‪ ،‬وإن الش رف احلقيقي الين ال باألص ل والنس ب‪ ،‬فيق ول‪(( :‬الش رف بالفض ل‬
‫واألدب‪ ،‬ال باألصل والنسب ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولقد كانت العرب تدرك أن جمد الرجل بنفسه ال حبسبه‪ ،‬وقيل يف ذلك‪:‬‬
‫يوما على األحساِب َنت ِ‬ ‫ت أواِئلُنَا‬
‫َّك ُل‬ ‫َْ‬ ‫ً‬ ‫لَ ْسنَا وِإن َكُر َم ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫مثل ما َف َعلُوا‬
‫َتْبين و َن ْف َع ُل َ‬ ‫َنْبيِن كما كانت أوِئلُنا‬

‫واالفتخ ار باحلس ب والنس ب‪ ،‬وطلب الش رف والرفع ة هبم ا‪ ،‬من ع ادات الع رب يف‬
‫اجلاهلية‪ ،‬وبقيت آثارها يف هذه األمة حىت بعد اإلسالم‪ ،‬كما أخرب بذلك رسول اهلل ص‪ ،‬فيما‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب األدب ‪ .109 / 4‬ومسلم يف صحيحه واللفظ له‪ ،‬كتاب الرب‬ ‫‪4‬‬

‫والصلة واآلداب ‪.2013 / 4‬‬


‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪1‬‬

‫(خمطوط) ورقة ‪ 131‬وجه ‪ .1‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪.30‬و علي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف‬
‫حكم اإلمام علي أمري املؤمنني (رضي اهلل عنه) ص ‪.219‬‬
‫() املربد‪ ،‬الكام ل‪ ،‬حتقي ق حمم د أمحد ال دايل ‪ .211 /1‬وابن عب ده رب ه‪ ،‬العق د الفري د ‪ ،290 / 2‬واألبي ات‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا ملعن بن أوس‪ .‬انظر ‪ :‬شعر معن بن أوس‪ ،‬مجع وحتقيق عمر القطان ص‪.83‬‬ ‫لعبداهلل بن معاوية‪ .‬وتنسب ً‬
‫وانظر شعر عبداهلل بن معاوية‪ ،‬مجع عبد احلميد الراضي ص ‪.63‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪254‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يرويه أبو مالك األشعري( ) أن النيب ص قال‪ (( :‬أربع يف أميت‪ ،‬من أمر اجلاهلية‪ ،‬ال يرتكوهنن ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫الفخر باألحساب‪ ،‬والطعن يف األنساب‪ ،‬واالستسقاء بالنجوم‪ ،‬والنياحة ))( ) ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وحيث إن الشرف والرفعة من مطالب النفس اإلنسانية‪ ،‬فقد استغل أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه ذا املدخل النفس ي‪ ،‬ل دعوة الن اس إلى اخللق الق ومي واآلداب‬
‫الرفيعة‪.‬‬

‫‪‬جمال ال ُخلق أبهى من جمال ال َخلق‬

‫إن مجال اخلَلق نعمة من اهلل سبحانه وتعاىل جيعلها يف اإلنسان‪ ،‬وهو أمر ال ميكن اكتسابه‬
‫ملن فق ده‪ ،‬فاإلنس ان يس تطيع أن يغ ري يف ُخلق ه وطبع ه‪ ،‬ولكن ال يس تطيع أن يغ ري يف ص ورته‬
‫وخلق ه‪ ،‬وعلى ه ذا األس اس ف إن النقص يف مجال األش كال يعوض ه مجال اخلص ال‪ ،‬ب ل إن مجال‬
‫َ‬
‫اخلُلق أنفع لصاحبه يف دنياه وأخراه‪ .‬ومن هذا اجلانب يرغب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬حبسن اخللق فيقول‪(( :‬مجال اخلُلق أهبى من مجال اخلَلق ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويف هذا املعىن يقول املتنيب( )‪:‬‬


‫‪4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫إذا مل يكن يف فعله واخلالئق‬ ‫وما احلسن يف وجه الفىت شرفًا له‬

‫() امسه احلارث بن احلارث‪ ،‬وقيل عبيداهلل‪ ،‬وقيل ‪ :‬عمرو‪ ،‬وقيل ‪ :‬كعب بن عاصم‪ ،‬وقيل ‪ :‬كعب بن كعب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫جدا‪(.‬انظر ‪:‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)12/239‬‬ ‫قال أبو أمحد احلاكم ‪ :‬أبو مالك األشعري أمره مشتبه ً‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪.644 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نثر الآليلء ( خمطوط )‪ ،‬ورقه ‪ ،51‬الوجه ‪.2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أمحد بن احلس ني بن احلس ن بن عبدالص مد اجلعفي الك ويف الكن دي‪ ،‬الش اعر احلكيم‪ ،‬وأح د مف اخر األدب‬ ‫‪4‬‬

‫الع ريب‪ ،‬ويف علم اء األدب من يع ده أش عر اإلس الميني‪ ،‬ول د بالكوف ة س نة ‪ 303‬هـ‪ ،‬وت ويف س نة ‪.354‬‬
‫(الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.)115 / 1‬‬
‫() ديوان املتنيب ص ‪.394‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪255‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويقول دعبل( )‪:‬‬


‫‪6‬‬

‫(‪)2‬‬
‫إذا كانت خالئقهم قباحا‬ ‫وما حسن اجلسوم هلم بزين‬

‫‪ ‬في سعة األخالق كنوز األرزاق‬

‫كل إنسان بطبعه يسعى حلصول رزقه‪ ،‬ويتطلب األسباب اجلالبة للرزق‪ ،‬وحيرص عليها‪،‬‬
‫لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يستغل هذا اجلانب يف الرتغيب يف‬
‫حسن اخللق بقوله‪ (( :‬يف سعة األخالق كنوز األرزاق))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومن األس باب النافع ة تق وى اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬كم ا يف قول ه { ومن يت ق اهلل جيع ل ل ه‬
‫خمرجا‪ .‬ويرزقه من حيث الحيتسب }( )‪ .‬وحسن اخللق من مجلة تقوى اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬لذا‬
‫‪4‬‬
‫ً‬
‫فإن اإلنسان رمبا أعطي الرزق حبسن خلقه‪.‬‬

‫فعلى سبيل املثال‪ :‬صلة الرحم من حسن اخللق‪ ،‬وقد ورد فيه وعد من الصادق املصدوق‬
‫ص بس عة ال رزق‪ ،‬كم ا يف قول ه‪ (( :‬من أحب أن يبس ط ل ه يف رزقه‪ ،‬وينس أ ل ه يف أث ره فليص ل‬
‫رمحه ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() دعبل بن علي اخلزاعي‪ ،‬أصله من الكوفة‪ ،‬وقيل من قرقيسيا‪ ،‬وكان أكثر مقامه يف بغداد‪ ،‬وسافر إىل كثري‬ ‫‪6‬‬

‫من البالد‪ ،‬ك ان هج اءً خ بيث اللس ان‪ ،‬وك ان من مش اهري الش يعة‪ ،‬م ات س نة ‪ 246‬هـ‪( .‬ي اقوت احلم وي‪،‬‬
‫معجم األدباء ‪ 99 / 11‬ـ ‪.) 112‬‬
‫() ديوان دعبل بن علي اخلزاعي‪ ،‬مجع وحتقيق ‪ :‬د‪ .‬حممد يوسف جنم‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نثر الآليلء ( خمطوط )‪ ،‬ورقه ‪ ،54‬الوجه ‪ .1‬وعلي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام علي‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.258‬‬
‫() سورة الطالق‪ ،‬جزء من اآلية ‪ ،2‬وجزء من اآلية ‪.3‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك (رضي اهلل عنه)‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب األدب ‪.89 / 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪256‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كما أن الصدق يف البيع والشراء من حسن اخللق مع الناس‪ ،‬وقد ورد الوعد على ذلك‬
‫حبصول الرزق‪ ،‬ملا رواه حكيم بن حزام ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ص‪((:‬البيعان‬
‫باخليار مامل يتفرقا ـ أو قال حىت يتفرقا ـ فإن صدقا وبينا‪ ،‬بورك هلما يف بيعهما‪ ،‬وإن كتما وكذبا‬
‫حمقت بركة بيعهما ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪‬المعروف كنز من أفضل الكنوز‬

‫اجتمع عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مجاعة فتذاكروا املعروف‪،‬‬
‫ف انتهز أم ري املؤمنني ه ذا احلديث ل رتغيبهم في ه وحثهم علي ه‪ ،‬فق ال‪(( :‬املع روف كنز من أفضل‬
‫الكن وز‪ ،‬وزرع من أزكى ال زروع‪ ،‬فال يزه دنكم يف املع روف كف ر من كف ره‪ ،‬وجح د من‬
‫جحده‪ ،‬فإن من يشكرك عليه ممن مل يصل إليه منه شيء أعظم مما ناله أهل منّة‪ ،‬فال تلتمس من‬
‫غريك ما أسديت إىل نفسك‪ .‬إن املعروف اليتم إال بثالث خصال‪ :‬تصغريه‪ ،‬وسرته‪ ،‬وتعجيله‪،‬‬
‫فإذا صغرته فقد عظمته‪ ،‬وإذا سرتته فقد أمتمته‪ ،‬وإذا عجلته فقد هنأته ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪‬من وصايا علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬للترغيب في حسن الخلق‬

‫من منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل األخالق‬
‫أفرادا ومجاعات‪ ،‬ترغيبًا هلم يف حسن اخللق وااللتزام به‪ ،‬ومن وصاياه ‪-‬‬
‫بذل الوصية للمدعوين ً‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يف حسن اخللق ما يلي‪-:‬‬

‫الوصية األولى‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الببوع ‪.83 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.210 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪257‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف أول خطبة خطبها حني توىل‬
‫اخلالفة‪ (( :‬إن اهلل عز وجل أنزل كتابًا هاديًا‪ ،‬بني فيه اخلري والشر‪ ،‬فخذوا باخلري ودعوا الشر‪.‬‬
‫حرم ا غ ري جمهول ة‪ ،‬وفض ل‬
‫الف رائض أدوه ا إىل اهلل ( س بحانه ) ي ؤدكم إىل اجلن ة‪ ،‬إن اهلل ح رم ً‬
‫حرمة املسلم على احلرم كلها‪ ،‬وشد باإلخالص والتوحيد املسلمني‪ .‬واملسلم من سلم املسلمون‬
‫من لسانه ويده إال باحلق‪ ،‬ال حيل أذى املسلم إال مبا جيب‪.) ()) ...‬‬
‫‪1‬‬

‫مل يغفل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الدعوة إىل اإلخالق يف أول‬
‫خطب ة يلقيه ا على الن اس‪ ،‬عن دما ت وىل اخلالف ة‪ ،‬مل تكن اخلطب ة األوىل ألم ري املؤم نني هي رس م‬
‫للمنه اج السياس ي ال ذي سيس لكه يف حكم ه ـ كم ا هي ع ادة من يت وىل الس لطة يف بعض‬
‫اجملتمعات ـ وإمنا هي خطبة يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬دعوة يف جانب العقيدة‪ ،‬ويف جانب العبادة‪ ،‬ويف‬
‫جانب األخالق‪.‬‬

‫الوصية الثانية‬

‫ملا انصرف علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من النهروان خطب الناس خطبة بليغة‪،‬‬
‫جامعة للخري ناهية عن الشر‪ ،‬ومما جاء فيها بالوصية يف حسن اخللق قوله‪ (( :‬أال وقولوا احلق‬
‫تعرف وا به‪ ،‬واعمل وا ب ه تكون وا من أهل ه‪ ،‬وأدوا األمان ة إىل من ائتمنكم‪ ،‬وص لوا أرح ام من‬
‫قطعكم‪ ،‬وع ودوا بالفض ل على من ح رمكم‪ ،‬وإذا عاه دمت ف أوفوا‪ ،‬وإذا حكمتم فاع دلوا‪ ،‬وال‬
‫بعض ا‪ ،‬وأعين وا‬
‫تف اخروا باآلب اء‪ ،‬وال تن ابزوا باأللق اب‪ ،‬وال متازحوا‪ ،‬وال يُغض ب بعض كم ً‬
‫الضعيف واملظلوم والغارمني ويف سبيل اهلل وابن السبيل والسائلني ويف الرقاب‪ ،‬وارمحوا األرملة‬
‫والي تيم‪ ،‬وأفش وا الس الم‪ ،‬وردوا التحي ة على أهله ا مبثله ا أو بأحس ن منه ا { وتع انوا على ال رب‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .701 / 2‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .227 / 7‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف‬ ‫‪1‬‬

‫التاريخ ‪.305 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪258‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫والتق وى وال تع اونوا على اإلمث والع دوان واتق وا اهلل إن اهلل ش ديد العق اب }( ) وأكرم وا‬
‫‪1‬‬

‫الضيف‪،‬و وأحسنوا إلىاجلار‪ ،‬وعودوا املرضى وشيعوا اجلنائز‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخوانًا ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫لق د ك انت ال دعوة إىل اهلل‪ ،‬ومنه ا ال دعوة يف جمال األخالق هي الش غل الش اغل ألم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬حىت يف أصعب الظروف وأشد املواقف ال يغفل‬
‫عن نصح الناس وتوجيههم يف العقيدة والعبادة واألخالق‪.‬‬

‫الوصية الثالثة‬

‫كما أن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل يغفل الوصية حبسن اخللق‬
‫أيضا حىت يف أصعب الظروف اليت‬
‫يف أول خطبة خطبها بعد توليه اخلالفة‪ ،‬فهو مل يغفل الوصية ً‬
‫مرت عليه يف خالفته‪ ،‬فهو كذلك مل يغفلها حىت يف وصيته لبنيه اليت أوصى هبا عند مماته‪ ،‬ومما‬
‫ورد يف هذه الوصية يف جانب حسن اخللق ما يلي‪-:‬‬

‫(( انظ روا إىل ذوي أرح امكم فص لوهم يه ون اهلل عليكم احلس اب‪ ،‬اهلل اهلل( ) يف األيت ام‪ ،‬فال‬
‫‪3‬‬

‫تُعن وا أف واههم‪ ،‬و ال يض يعُن حبض رتكم‪ ،‬واهلل اهلل يف ج ريانكم‪ ،‬ف إهنم وص ية ن بيكم ص‪ ،‬م ازال‬
‫يوصي هبم حىت ظننا أنه سيورثهم‪ ...‬واهلل اهلل يف الفقراء واملساكني فأشركوهم يف معايشكم‪،‬‬
‫واهلل اهلل فيم ا ملكت أميانكم‪ ...‬وعليكم بالتواص ل والتب اذل‪ ،‬وإي اكم والت دابر والتق اطع‬
‫والتفرق ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.309 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عند الطربي لفظ اجلاللة مرة واحدة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الطرباين يف الكبري ‪ .60 / 1‬الطربي‪ ،‬ت اريخ األمم وامللوك ‪ .158 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪/ 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.328‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪259‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الوصية الرابعة‬

‫ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيرص على أن يوص ي عمال ه‬
‫على البلدان حبسن اخللق مع املسلمني‪ ،‬فكانت وصيته حملمد بن أيب بكر( ) حني واله مصر‪- :‬‬
‫‪1‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬هذاما عهد عبداهلل علي أمري املؤمنني‪ ،‬إىل حممد بن أيب بكر حني‬
‫واله مص ر‪ ،‬وأم ره بتق وى اهلل يف الس ر والعالني ة‪ ،‬وخ وف اهلل ع ز وج ل يف الغيب واملش هد‪،‬‬
‫وب اللني على املس لمني‪ ،‬وبالغلظ ة على الف اجر‪ ،‬وبالع دل على أه ل الذم ة‪ ،‬وبإنص اف املظل وم‪،‬‬
‫وبالشدة على الظامل‪ ،‬وبالعفو عن الناس‪ ،‬وباإلحسان ما استطاع‪ ،‬واهلل جيزي احملسنني‪ ،‬ويعذب‬
‫اجملرمني ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الوصية الخامسة‬

‫ولق د اهتم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬جبماع ة الش باب بتوجي ه‬
‫حص نوا أعراضكم باألدب‪ ،‬ودينكم‬
‫وصية خاصة هلم يف حسن اخللق بقوله‪ (( :‬يا معشر الفتيان ِّ‬
‫بالعلم ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فالشباب على األخص حباجة ماسة إىل الوصاة حبسن اخللق‪ ،‬وتعاهدهم بذلك‪ ،‬ملا فيهم‬
‫من غرور الشباب‪.‬‬

‫() حممد بن أيب بكر الصديق القرشي التيمي‪ ،‬ولد عام حجة الوداع‪ ،‬كان صاحب عبادة واجتهاد‪ ،‬وكان‬ ‫‪1‬‬

‫على رجالة علي يوم صفني‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 70 / 9‬‬
‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.67 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.210 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪260‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫( ب ) الـ ــترهي ــب‬

‫‪ ‬ال شرف مع سوء األدب‬

‫الش رف والرفع ة من مط الب النفس اإلنس انية‪ ،‬ولكن هن اك بعض العوائق ال يت حتول دون‬
‫الوص ول إىل ه ذه املنزل ة‪ ،‬ومنه ا س وء األدب‪ ،‬ل ذا ف إن أم ري املؤم نني عليً ا ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫يرهب منه باحلرمان من الشرف والرفعة فيقول‪ (( :‬ال شرف مع سوء األدب ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ ‬ال راحة لحسود‬

‫احلسود هو كثري احلسد‪ ،‬قال اجلوهري‪ :‬احلسد هو أن تتمىن زوال نعمة احملسود إليك( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال القرطيب‪ :‬احلسد هو متين زوال نعمة احملسود‪ ،‬وإن مل يكن للحاسد مثلها ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن احلسود حمروم من الراحة يف‬
‫()‬
‫عما يرتتب عليه من اإلمث‪ ،‬وحرمان‬
‫هذه احلياة‪ ،‬كما يف قوله‪ (( :‬ال راحة حلسود )) فض اًل َّ‬
‫‪4‬‬

‫احلسود من الراحة ألنه مغتم من نعم اهلل اليت يفيضها على عباده‪ ،‬ألنه ال يريد أن ينعم حمسوده‬
‫بشيء من نعم اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويتمىن زوال ما عنده من النعم ‪.‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪1‬‬

‫(خمطوط) ورقة ‪ ،106‬وجه ‪ .2‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪ .28‬وعلي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام‬
‫يف حكم اإلمام علي (رضي اهلل عنه) ص ‪.321‬‬
‫() الصحاح ‪ ،465 / 2‬مادة [ حسد ]‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اجلامع ألحكام القرآن ‪.176 / 20‬‬ ‫‪3‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪4‬‬

‫(خمطوط) ورقة ‪ ،107‬وجه ‪ .2‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪.28‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪261‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف ه ذا احلال يق ول أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪(( :-‬احلاس د‬
‫مغتاظ على من ال ذنب له ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ ‬ويل للباغين من أحكم الحاكمين‬

‫البغي‪ :‬التعدي واالستطالة على الناس( )‪ ،‬والبغي عادة ال يصدر إال ممن هو قادر على من‬
‫‪2‬‬

‫هو دونه يف القدرة‪ ،‬ولذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬خيوف الباغي‬
‫من عاقب ة بغي ه‪ ،‬وي ذكره بق درة اهلل س بحانه وتع اىل علي ه‪ ،‬فيق ول يف ذل ك‪ (( :‬وي ل للب اغني من‬
‫أحكم احلاكمني ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كما أن الباغي رمبا سلط عليه يف هذه احلياة من يكون باغيًا عليه‪ ،‬ويشري أمري املؤمنني يف‬
‫سل سيف البغي قتل به ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ترهيبه من البغي إىل ذلك فيقول‪ (( :‬من َّ‬

‫‪ ‬للظالم البادي ـ غ ًدا ـ بكفه عضةٌ‬

‫خيوف أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من عاقب ة الظلم م ا ينتظ ر‬
‫ص احبها ي وم القيام ة من العق اب ال ذي ي دل علي ه ندامت ه على ظلم ه ي وم يعض ي ده‪ ،‬فيق ول يف‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪1‬‬

‫(خمطوط ) ورقة ‪ ،120‬وجه ‪ .1‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪.29‬‬


‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2281 / 6‬مادة [بغا]‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() علي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام ص ‪ .452‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪ 35‬بلفظ‬ ‫‪3‬‬

‫(ربك للباغني من أحكم احلاكمني)‪.‬‬


‫() علي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام ص ‪.403‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪262‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫غدا ـ بكفه عضة))( )‪ .‬وهذا الرتهيب مستفاد من قوله سبحانه { ويوم‬


‫‪1‬‬
‫ذلك‪(( :‬للظامل البادي ـ ً‬
‫يعض الظامل على يديه }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ص ‪.336‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة الفرقان‪ ،‬جزء من اآلية ‪.27‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪263‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫بيان محاسن األخالق‬

‫تأثريا يف‬
‫ال شك أن الداعية كلما كان أكثر ق دوة ملدعويه يف حسن اخللق‪ ،‬كان أكثر ً‬
‫دع وهتم‪ ،‬ومما يزي د يف ت أثر املدعوين مبن ي دعوهم‪ ،‬قي ام الداعي ة ب الرتغيب يف حس ن اخلل ق‬
‫وال رتهيب من ض ده‪ ،‬إال أن ه ذا وذاك ليس كافيً ا يف دع وة الن اس‪ ،‬م ا مل ُتَبنَّي ْ هلم حماس ن‬
‫األخالق ومعاليها‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إضافة إىل كونه‬
‫قدوة مثلى يف حسن اخللق‪ ،‬وما بذله يف الرتغيب والرتهيب‪ ،‬مل يغفل جانب التوضيح والبيان‪،‬‬
‫جلملة من اآلداب واألخالق احلسان‪ ،‬آداب اإلنسان مع غريه‪ ،‬وآداب اإلنسان مع نفسه‪ ،‬على‬
‫النحو التايل‪- :‬‬

‫( ا) اآلداب مع الغير‬

‫يف سبيل اآلداب مع الغري يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مجلة‬
‫من دقائق األخالق اليت يغفل عنها بعض املدعوين‪ ،‬ومن ذلك على سبيل املثال ما يلي‪- :‬‬

‫‪ ‬بشاشة الوجه عطية ثانية‬

‫اإلحس ان إىل الن اس بالعط اء يف وج وه اخلري من حس ن اخلل ق‪ ،‬ال ذي ين دب املس لم إلي ه‬


‫ويؤجر عليه‪ ،‬ومن متام هذا اإلحسان إىل الناس يف جانب العطاء بذله بسخاء وبطيب قلب‪ ،‬ومما‬
‫ي دل على ه ذا بشاش ة الوج ه عن د العط اء‪ ،‬ال يت ق ال عنه ا أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب‪:‬‬
‫(( بشاشة الوجه عطية ثانية )) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء‪ ،‬من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،51‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪264‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إن بشاشة الوجه عند العطاء ال تكلف اإلنسان شيًئا‪ ،‬وهلا األثر الكبري يف نفسية امل ْعطَى‪،‬‬
‫ُ‬
‫وما يرتتب عليها من زيادة األجر على هذا العطاء‪ .‬وفيها البعد عن املن يف العطية الذي يبطل‬
‫أجرها‪ ،‬كما قال اهلل سبحانه وتعاىل { يا أيها الذين آمنوا ال تبطلوا صدقاتكم باملن واألذى }‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كم ا ي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬جانبً ا آخ ر من اجلوانب‬
‫كم ال اجلود والعط اء‪ ،‬أال وه و االعت ذار‪ ،‬حيث يق ول‪ (( :‬كم ال اجلود‪ :‬االعت ذار معه ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فكم ا أن البشاش ة م ع العط اء ذات ت أثري كب ري على امل ْعطَى‪ ،‬ف إن كلم ات االعت ذار م ع اجلود‬
‫ُ‬
‫والعطاء تشعر امل ْعطَى مبزيد من الكرم من صاحب العطاء‪ ،‬كما توحي بالتواضع مع العطاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬العفو عند المقدرة شكر للمقدرة‬

‫الش ك أن العف و من حماس ن األخالق يف اإلنس ان‪ ،‬ولكن ه ذا اخلل ق يك ون أمجل وأكم ل‬
‫عند مقدرة اإلنسان على االنتقام‪ ،‬والظفر باخلصم والقدرة عليه نعمة حتتاج إىل شكر‪ ،‬لذا فقد‬
‫بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن من ش كر ه ذه النعم ة العف و عن‬
‫شكرا للمقدرة عليه ))‬
‫اخلصم‪ ،‬كما يقول يف ذلك‪ (( :‬إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه ً‬
‫( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.264‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء‪ ،‬من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،54‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪3‬‬

‫(خمط وط ) ورق ة ‪ ،136‬وج ه ‪ .2‬ون ثر الآليلء من كلم ات علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) (خمط وط )‬
‫ورقة ‪ ،50‬وجه ‪ .2‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪.30‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪265‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف هذا الشأن يقول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪(( :-‬كفى بالظفر‬
‫شفيعا للمذنب ))( )‪ .‬فإن العفو عن املذنب عند الظفر به من مجال السرية وحسن السريرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ً‬

‫ويقيد أمري املؤمنني العفو فيمن ينفعه العفو ويصلحه‪ ،‬كما يقول يف ذلك‪(( :‬العفو يفسد‬
‫من اللئيم بقدر ما يصلح من الكرمي ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ ‬إعادة االعتذار تذكير للذنب‬

‫إن عالق ة الن اس م ع بعض هم ال ختل و من األخط اء ال يت تك در ص فو احملب ة وعالق ة القرب ة‪،‬‬
‫ومن حس ن األدب م ع الن اس معاجلة ه ذه األخط اء بالبع د عنه ا‪ ،‬واالعت ذار منه ا‪ ،‬وي رى أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن من حسن األدب يف هذا اجلانب عدم إعادة‬
‫االعت ذار بقول ه‪ (( :‬إع ادة االعت ذار ت ذكري لل ذنب ))( )‪ .‬ف إن الع ذر إذا حص ل‪ ،‬وحص ل من ه‬
‫‪3‬‬

‫املقصود‪ ،‬فال حاجة إلعادته وتكراره‪.‬‬


‫‪ ‬ماذا يقول العاطس‬
‫يروي أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ص أنه قال‪(( :‬‬
‫إذا عطس أح دكم فليقل‪ :‬احلم د هلل‪ ،‬ول ريد علي ه من حول ه‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬ول ريد عليهم‪ :‬يه ديكم‬
‫اهلل‪ ،‬ويصلح بالكم ))( ) ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪1‬‬

‫(خمطوط ) ورقة ‪ ،121‬وجه ‪.1‬‬


‫() ابن أيب احلديد‪ ،‬شرح هنج البالغة ‪ .270 / 20‬وعلي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام علي‬ ‫‪2‬‬

‫(رضي اهلل عنه) ص ‪.244‬‬


‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪3‬‬

‫(خمط وط ) ورق ة ‪ ،114‬وج ه ‪ .2‬ون ثر الآليلء من كلم ات علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) ورق ة ‪،50‬‬
‫وجه ‪ .2‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪.29‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪266‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف ه ذا الفع ل من حس ن اخلل ق ت أدب م ع اهلل س بحانه وتع اىل حبم ده والثن اء علي ه‪ ،‬يف‬
‫مناس بة أم ر فيه ا العب د ب ذلك‪ .‬ق ال احلليمي‪ :‬العط اس ي دفع األذى من ال دماغ‪ ،‬ال ذي في ه ق وة‬
‫الفكر‪ ،‬ومنه منشأ األعصاب‪ ،‬اليت هي معدن احلس وبسالمته تسلم األعضاء‪ ،‬فيظهر هبذا أهنا‬
‫نعمة جليلة ‪ ،‬فناسب أن تقابل باحلمد هلل‪ ،‬ملا فيه من اإلقرار هلل باخللق والقدرة وإضافة اخللق‬
‫(‪)1‬‬
‫إليه ال إىل الطبائع اهـ‪.‬‬

‫وق ال ابن دقي ق العي د‪ :‬ومن فوائ د التش ميت حتص يل املودة‪ ،‬والت أليف بني املس لمني‪،‬‬
‫وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكرب‪ ،‬واحلمل على التواضع‪ ،‬ملا يف ذكر الرمحة من اإلشعار‬
‫(‪)2‬‬
‫بالذنب الذي ال يعرى عنه أكثر املكلفني‪.‬‬

‫إن الدعاء املتبادل بني املسلمني نوع من حسن اخللق يف التعامل بينهم‪ ،‬الذي جيمع بينهم‪،‬‬
‫ويؤلف قلوهبم‪ ،‬ودعاء األخ ألخيه يدل على حبه له‪ ،‬وحرصه على منفعته‪.‬‬

‫( ب ) اآلداب مع النفس‬

‫ي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬للم دعوين مجل ة من أدب‬
‫اإلنسان مع نفسه‪ ،‬ومن ذلك على سبيل املثال‪- :‬‬

‫‪ ‬ما يقول عند النوم‬

‫ي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أدبً ا من آداب الن وم‪ ،‬وه و‬
‫التسبيح والتحميد والتكبري فيما يرويه عن رسول اهلل ص‪ (( :‬أن فاطمة عليها السالم شكت ما‬
‫() أخرجه ابن ماجة يف سننه‪ ،‬كتاب األدب ‪ .1224 / 2‬وصححه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجة ‪/ 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.303‬‬
‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.602 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪.10/602‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪267‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تلقى من أثر الرحى‪ ،‬فُأيت النيب ص بسيب فانطلقت فلم جتده‪ ،‬فوجدت عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬فأخربهتا‪ ،‬فلما جاء النيب ص أخربته عائشة مبجيء فاطمة‪ ،‬فجاء النيب ص إلينا ـ وقد أخذنا‬
‫مض اجعنا ـ ف ذهبت ألق وم‪ ،‬فق ال‪ :‬على مكانكم ا‪ .‬فقع د بينن ا‪ ،‬ح ىت وج دت ب رد قدمي ه على‬
‫أربع ا وثالثني‪،‬‬
‫خريا مما سألتماين ؟ إذا أخذمتا مضاجعكما‪ ،‬تكربان ً‬
‫صدري‪ ،‬وقال‪ :‬أال أعلمكما ً‬
‫وتسبحان ثالثًا وثالثني‪ ،‬وحتمدان ثالثًا وثالثني فهو خري لكما من خادم ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫سفرا‬
‫‪ ‬ما يقول من أراد ً‬

‫يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أدبًا من آداب املسافر‪ ،‬فيما يرويه‬
‫سفرا ق ال‪ :‬ب ك اللهم أص ول‪ ،‬وب ك أج ول‪،‬‬
‫عن رس ول اهلل ص بقول ه‪ :‬ك ان الن يب ص إذا أراد ً‬
‫وبك أسري ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كما يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أدبًا آخر من آداب املسافر‪،‬‬
‫سفرا ووض ع رجل ه يف الرك اب ق ال‪ :‬بس م اهلل‪ ،‬فلم ا اس توى ق ال‪ :‬احلم د هلل‪ ،‬مث‬
‫وذل ك ملا أراد ً‬
‫قال‪ :‬سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنني‪ ،‬وإنا إىل ربنا ملنقلبون‪ ،‬مث محد اهلل ثالثًا‪،‬‬
‫وكرب ثالثًا‪ ،‬مث قال‪ :‬اللهم ال إله إال أنت‪ ،‬ظلمت نفسي فاغفر يل‪ ،‬إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪،‬‬
‫مث ضحك‪ ،‬قال‪ :‬فقيل ما يضحكك يا أمري املؤمنني ؟ قال‪ :‬رأيت النيب ص فعل مثل ما فعلت‪،‬‬
‫وق ال مث ل م ا قلت‪ ،‬مث ض حك‪ ،‬فقلن ا م ا يض حكك ي انيب اهلل ؟ ق ال‪ :‬العب د‪ ،‬أو ق ال‪ :‬عجبت‬

‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب فض ائل الص حابة ‪ .23 / 3‬ومس لم يف كت اب األذك ار ‪/ 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .2091‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬


‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .83 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأخرجه أبوداود يف سننه‪ ،‬كتاب اجلهاد ‪ .77 / 3‬وعند أيب داود يف آخره (( إن ربك يعجب من عبده‪ ،‬إذا‬
‫ق ال ‪ :‬اغف ر يل ذن ويب‪ ،‬يعلم أن ه ال يغف ر ال ذنوب غ ريي))‪ .‬وص ححه األلب اين يف ص حيح س نن أيب داود ‪/ 2‬‬
‫‪.493‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪268‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫للعبد‪ ،‬إذا قال ال إله إال أنت ظلمت نفسي فاغفر يل إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ ،‬يعلم أنه ال‬
‫يغفر الذنوب إال هو ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ ‬إخفاء الشدائد من المروءة‬

‫املروءة هي كمال الرجولة( )‪ ،‬وهي هبذا املعىن من الصفات اجلميلة‪ ،‬واخلصال احلميدة يف‬
‫‪2‬‬

‫الرجال‪ ،‬اليت يطلبها اإلنسان ويتطلع إليها‪ ،‬ويبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬جانبً ا من ج وانب املروءة بقول ه‪ (( :‬إخف اء الش دائد من املروءة ))( )‪ .‬فاإلنس ان يف ه ذه‬
‫‪3‬‬

‫احلي اة تص يبه بعض الش دائد يف نفس ه وأهل ه ومال ه‪ ،‬ومن كم ال رجولت ه إخف اء ه ذه الش دائد‪،‬‬
‫وعدم اجلزع والتسخط منها أمام الناس وبياهنا هلم‪ ،‬بل إن إخفاءها من الصرب عليها‪.‬‬

‫‪ ‬حق الطعام وشكره‬

‫عن ابن أعبد( ) ق ال‪ :‬ق ال يل علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬ي ا ابن أعب د! ه ل‬ ‫‪4‬‬

‫تدري ما حق الطعام ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬وما حقه ي ا ابن أيب طالب ؟ قال‪ :‬تقول‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬اللهم‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،183 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬والرتمذي‬ ‫‪1‬‬

‫يف سننه‪،‬وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ .501 / 5‬وأخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪10‬‬
‫‪ .397 /‬واحلافظ عبد بن محيد يف املنتخب‪ ،‬حتقيق وتعليق أيب عبداهلل مصطفى بن العدوي شلبابه ‪.139 / 1‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،154 / 1‬مادة [ مرأ ]‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬رسالة من كالم أمري املؤمنني علي (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،14‬وجه ‪ .2‬ونثر الآليلء‬ ‫‪3‬‬

‫من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،50‬وجه ‪.2‬‬
‫() قال ابن حجر يف التهذيب ‪( : 250 / 7‬علي بن أغيد) عن علي بن أيب طالب يف قصة فاطمة يف جرها‬ ‫‪4‬‬

‫ب الرحى‪ ،‬ق ال ابن املديين ‪ :‬ليس مبع روف‪ ،‬وال أع رف ل ه س وى ه ذا احلديث‪ .‬روى ل ه أب و داود والنس ائي يف‬
‫مسند علي هذا احلديث‪ ،‬ومل يسمياه‪ .‬ا هـ‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪269‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫بارك لنا فيما رزقتنا‪ ،‬قال‪ :‬وتدري ما شكره إذا فرغت ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬وما شكره ؟ قال‪ :‬تقول‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫احلمد هلل الذي أطعمنا وسقانا‪.‬‬

‫‪ ‬ماذا يعني السخاء‬

‫سئل أمري املؤمننب علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن السخاء فقال‪ (( :‬ما كان‬
‫منه ابتداءً‪ ،‬فأما ما كان من مسألة فحياء وتكرم ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الشك أن الكرم واجلود من حماسن األخالق اليت يتصف هبا اإلنسان‪ ،‬ولكن الكرم يبلغ‬
‫غايته عندما يكون العطاء ابتداءً من غري مسألة وطلب‪ ،‬وهذا ما بينه أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بأنه السخاء‪.‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،329 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده حسن‪ .‬وأخرجه‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.343 / 10‬‬


‫() السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪ ،204‬ونسبه البن عساكر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪270‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫وضع قواعد ومعايير لمحاسن األخالق‬

‫إن مما يعني الداعي ة يف الته ذيب اخلُلُقي ملدعوي ه ت وجيههم إىل قواع د تس اعدهم يف بن اء‬
‫أخالقهم‪ ،‬ومع ايري تعينهم على التمي يز بني حماس ن األخالق ومس اويها‪ ،‬ولق د اهتم أم ري املؤم نني‬
‫علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بتوجي ه مدعوي ه إىل تق ومي أخالقهم‪ ،‬وحتس ني ص فاهتم‪،‬‬
‫وذلك بوضع قواعد ومعايري بعبارات موجزة لطيفة‪ ،‬تساعدهم على الرتبية الذاتية ألنفسهم ‪.‬‬

‫أواًل ‪ :‬القواعد‬

‫لق د أويت أم ري املؤم نني موهب ة يف احلكم ة والبالغ ة‪ ،‬ل ذا فق د ُأث ر عن ه كث ري من األق وال‬
‫اجلميلة واحلكم اللطيفة‪ ،‬ومن هذه احلكم ما يعد قاعدة يف حسن اخللق‪ ،‬ومن هذه القواعد على‬
‫سبيل املثال ما يلي‪-:‬‬

‫‪ ‬أحسن إلى المسيء تسده‬

‫يض ع أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬للم دعوين قاع دة للتعامل م ع‬
‫املس يء بقول ه‪ (( :‬أحس ن إىل املس يء تس ده ))( ) قاع دة يف حس ن اخلل ق خاص ة بالتعام ل م ع‬
‫‪1‬‬

‫املسيء‪ ،‬وهي عدم مقابلة السيئة بالسيئة‪ ،‬ولكن مقابلة السيئة باحلسنة‪ ،‬مما يرتتب عليه سيادة‬
‫هذا املسيء واحتواء اإلساءة‪ .‬فعلى اإلنسان ـ والداعية على األخص ـ أن يقابل اهلياج باهلدوء‪،‬‬
‫والتبجح باحلي اء‪ ،‬والكلم ة الطائش ة بالكلم ة الطيب ة‪ ،‬والن ربة الص اخبة ب النربة اهلادئ ة‪ ،‬واجلبني‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،45‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪271‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رودا‪،‬‬
‫وتبجح ا وم ً‬
‫ً‬ ‫هياج ا وغض بًا‪،‬‬
‫املقطب بالبس مة احلاني ة‪ .‬ول و قوب ل املس يء مبث ل فعل ه ازداد ً‬
‫وخلع حياءه هنائيًا‪ ،‬وأفلت زمامه‪ ،‬وأخذته العزة باإلمث‪.‬‬

‫ومقابل ة الس يئة باحلس نة حتت اج إىل درج ة عالي ة من ض بط النفس‪ ،‬والس يطرة على اهلوى‪،‬‬
‫وكبح مجاح النفس من االنتصار هلا ومقابلة الشر بالشر‪ .‬كما أن السماحة حتتاج إىل قلب كبري‬
‫يعطف ويسمح وهو قادر على اإلساءة والرد‪ ،‬وهذه القدرة ضرورية لتؤيت السماحة أثرها‪ .‬حىت‬
‫ال يصور اإلحسان يف نفس املسيء ضع ًفا ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومقابلة السيئة باحلسنة مما وجه اهلل سبحانه وتعاىل به عباده يف كتابه الكرمي كما يف قوله‬
‫س بحانه { و التستوي احلس نة وال السيئة ادفع باليت هي أحسن فإذا الذي بين ك وبينه عداوة‬
‫كأنه ويل محيم }( )‪ .‬قال ابن كثري (رمحه اهلل تعاىل)‪ :‬أي من أساء إليك فادفعه عنك باإلحسان‬
‫‪2‬‬

‫إليه‪ ،‬كما قال عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬ما عاقبت من عصى اهلل فيك مبثل أن تطيع اهلل فيه ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويقول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬اإلحسان يقطع اللسان ))‬
‫( )‪ .‬فمن أحسن إىل الناس فقد ملك أفئدهتم حببه ووالئه‪ ،‬وقطع ألسنتهم عن سبه وهجائه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ولكن اإلحسان إىل املسيء ال يصلح يف كل األحوال ومع مجيع أصناف الناس‪ ،‬فإن من‬
‫غرورا ومتاديً ا يف إساءته‪ ،‬فهذا الصنف من الناس البد له من‬
‫الناس من ال يزيده اإلحسان إال ً‬
‫عقاب يردعه‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن ‪.3122 / 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة فصلت‪ ،‬جزء من اآلية ‪.34‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تفسري القرآن العظيم ‪.102 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪4‬‬

‫اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقه ‪ ،130‬وجه ‪.2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪272‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ ‬من عذب لسانه كثر إخوانه‬

‫يض ع أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬قاع دة يف حس ن العش رة م ع‬
‫الن اس واكتس اب اإلخ وان بقول ه‪ (( :‬من ع ذب لس انه ك ثر إخوانه ))( ) وه ذا ي دل على م ا‬
‫‪1‬‬

‫للكالم من أث ر يف اكتس اب اإلخ وان واألص دقاء‪ ،‬ف إن اإلنس ان يص طاد قل وب الن اس بكالم ه‬
‫الطيب معهم‪ ،‬الذي حيببهم إليه ويرغبهم فيه‪.‬‬

‫ويف املقابل يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أثر الكالم السيء يف‬
‫تفري ق األص دقاء واإلخ وان‪ ،‬كم ا يف قول ه‪ (( :‬من ق ل ص دقه‪ ،‬ق ل ص ديقه))( )‪ .‬ف إن من ج رب‬
‫‪2‬‬

‫أخا يوافيه‪.‬‬
‫الناس عليه الكذب أبغضوه وتركوه‪ ،‬فال جيد صدي ًقا يصافيه‪ ،‬وال ً‬

‫‪ ‬لسانك يقتضيك ما عودته‬

‫يضع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قاعدة لضبط اللسان‪ ،‬والسالمة‬
‫من فلتات ه بقول ه‪ (( :‬لس انك يقتض يك م ا عودته ))( )‪ .‬إن اإلنس ان إذا ع ود لس انه من الق ول‬
‫‪3‬‬

‫وَأم َن من فلتات اللسان بقول الباطل والكالم السيء‪.‬‬‫أمجله‪ ،‬ومن اخلري أكمله‪ ،‬اعتاد هذا اخلري‪ِ ،‬‬
‫وأما إن عود اإلنسان لسانه القول الس يء والكالم القبيح مل يأمن أن يصدر منه على موجب‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪1‬‬

‫اهلل عن ه) ( خمط وط ) ورق ه ‪ ،103‬وج ه ‪ .1‬والثع اليب‪ ،‬اإلعج از واإلجياز ص ‪ .28‬و علي اجلن دي ورفق اؤه‪،‬‬
‫سجع احلمام من حكم اإلمام علي (رضي اهلل عنه) ص ‪.408‬‬
‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) (خمطوط ) ورقة ‪ ،55‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪3‬‬

‫اهلل عن ه) ( خمط وط ) ورق ه ‪ ،213‬وج ه ‪ .2‬والثع اليب‪ ،‬اإلعج از واإلجياز ص ‪ .29‬و علي اجلن دي ورفق اؤه‪،‬‬
‫س جع احلم ام من حكم اإلم ام علي (رض ي اهلل عن ه) ص ‪ .335‬وعب د الواح د اآلم دي يف غ رر احلكم ودرر‬
‫الكلم ‪.147 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪273‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عادته من الكالم القبيح‪ ،‬حىت ولومل يقصده‪ ،‬ورب كلمة قبيحة تكدر كأس صاحبها‪ ،‬بل وقد‬
‫تطري رأسه‪.‬‬

‫‪ ‬من طلب ما اليعنيه فاته ما يعنيه‬

‫ي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬قاع دة يف حس ن اخلل ق بقول ه‪:‬‬
‫(( من طلب م ا ال يعني ه فات ه م ا يعنيه ))( ) وذل ك يع ين أن اإلنس ان إذا اش تغل ب أمور ال تعني ه‬
‫‪1‬‬

‫كإشغال نفسه باحلديث عن أحوال الناس وصفاهتم‪ ،‬مما ال حاجة له فيه‪ ،‬فإن ذلك يكون على‬
‫حساب مصلحته ووقته‪ ،‬فإنه يفوت عليه احلديث بأمر يهمه وينفعه‪ ،‬ويضيع عليه الوقت ألمر‬
‫خيصه ويرفعه‪.‬‬

‫ولقد أرشد رسول اهلل ص برتك اإلنسان ما ال يعنيه كما يف حديث أيب هريرة ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ص‪ (( :‬من حسن إسالم املرء تركه ما اليعنيه))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ ‬صاحب األخيار تأمن األشرار‬

‫إن اإلنسان بطبعه خلق ليعيش مع غريه من الناس‪ ،‬ويتخذ منهم األصحاب واألصدقاء‪،‬‬
‫ولكن الناس يتفاوتون يف أحواهلم‪ ،‬فمنهم األخيار‪ ،‬ومنهم األشرار‪ ،‬فمن صحب األخيار سعد‬
‫وغنم‪ ،‬ومن صحب األشرار شقي وندم‪ ،‬وإن شر األشرار ال يُ ْس لَ ُم منه إال بصحبة األخيار‪ .‬لذا‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من كلمات علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪1‬‬

‫(خمطوط ) ورقة ‪ ،118‬وجه ‪ .1‬والثعاليب‪ ،‬اإلعجاز واإلجياز ص ‪ .29‬و علي اجلندي ورفاقه‪ ،‬سجع احلمام‬
‫من حكم اإلمام علي (رضي اهلل عنه) ص ‪.407‬‬
‫() أخرج ه الرتم ذي يف س ننه‪ ،‬كت اب الزه د ‪ .558 / 4‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب الفنت ‪.1316 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي ‪.269 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪274‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وضع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قاعدة للسالمة من األشرار بقوله‪(( :‬‬
‫صاحب األخيار تأمن األشرار))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وق ال أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مرغبً ا يف اجلليس الص احل‪:‬‬
‫()‬
‫حمذرا من ص حبة األمحق‪ (( :‬ص حبة األمحق نقص ان يف ال دنيا‪،‬‬
‫(( جليس اخلري غيمة )) ‪ ،‬وق ال ً‬
‫‪2‬‬

‫وحسرة يف اآلخرة ))( )‪ ،‬كما حذر من صحبة اجلاهل بقوله‪-:‬‬


‫‪3‬‬

‫وإياه‬ ‫وإياك‬ ‫فال تصحب أخا اجلهل‬


‫حليما حني آخاه‬
‫ً‬ ‫فكم من جاهل أودى‬
‫إذا ما املرء ما شاه‬ ‫باملرء‬ ‫يقاس املرء‬
‫مقــاييس وأشب ــاه‬ ‫وللشيء على الشيء‬
‫(‪)4‬‬
‫دليل حني يلقاه‬ ‫وللقلب على القلب‬

‫() ن ثر اآليلء‪ ،‬من كالم علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) (خمط وط ) ورق ة ‪ ،53‬وج ه ‪ .1‬وعلي حمف وظ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫هداية املرشدين ص ‪.148‬‬


‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،51‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ورقة ‪ ،53‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .11 / 8‬والسيوطي‪ ،‬هتذيب تاريخ اخللفاء (هتذيب وحتقيق فضيلة الشيخ نايف‬ ‫‪4‬‬

‫العباس ) ص ‪ .134‬ونبال تيسري اخلماش‪ ،‬شعر اخللفاء يف العصر الراشدي واألموي ص ‪ .73‬واملرزباين‪ ،‬نور‬
‫القبس املختص ر من املقتبس‪ ،‬اختص ار يوس ف اليغموري ص ‪ .168‬حمم د بن القاس م األنب اري‪ ،‬األض داد ص‬
‫‪ .207‬والغزايل‪ ،‬بداية اهلداية ص ‪ .144‬واخلطايب يف كتاب العزلة ص‪.53‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪275‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬المعايير‬

‫املعايري هي جمموعة من الضوابط‪ ،‬املتمثلة يف مجل قصرية لطيفة‪ ،‬يسهل حفظها وفهمها‪،‬‬
‫وهذه املعايري تساعد املدعوين يف نقد سلوكهم أو سلوك اآلخرين‪ ،‬لتحسينه وتقوميه‪ ،‬ومن هذه‬
‫املعايري ما يلي‪-:‬‬

‫‪ ‬كفى أدبًا لنفسك ما كرهته لغيرك‬

‫معيارا لتهذيب‬
‫يضع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أمام املدعوين ً‬
‫النفس وتقوميه ا تقوميً ا ذاتيً ا‪ ،‬وذل ك ب النظر يف أخالق اآلخ رين بقول ه‪(( :‬كفى أدبً ا لنفس ك م ا‬
‫كرهته لغريك ))( ) فما استحسنه اإلنسان العاقل من هذه األخالق سلكه‪ ،‬وما كرهه اإلنسان‬ ‫‪1‬‬

‫العاقل من هذه األخالق ابتعد عنه وتركه‪ .‬فإن اآلخرين من العقالء سوف يستحسنون منه ما‬
‫يستحسن هو من الناس‪ ،‬ويكرهون منه ما يكره هو من الناس‪.‬‬

‫‪ ‬الكالم بكثرة طائله ال بحال قائله‬

‫يض ع أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬معي ًارا يف احلكم على أق وال‬
‫الن اس وقبوهلا بقول ه‪ (( :‬ال تنظ ر إىل من ق ال وانظ ر إىل م ا ق ال ))( )‪ .‬وذل ك إذا مسع اإلنس ان‬
‫‪2‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬رسالة احلكميات من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،33‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ون ثر الآليلء من كالم علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه) ( خمط وط ) ورق ة ‪ ،54‬وج ه ‪ .2‬و علي اجلن دي‬
‫ورفاقه‪ ،‬سجع احلمام من حكم اإلمام علي (رضي اهلل عنه) ص ‪.276‬‬
‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقه ‪ ،104‬وجه ‪ .2‬و علي اجلندي ورفاقه‪ ،‬سجع احلمام من حكم اإلمام علي (رضي‬
‫اهلل عنه) ص ‪.316‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪276‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫خريا‪ ،‬ورب‬
‫مقال ة فال ينظر إىل حال قائلها‪ ،‬ولكن ينظ ر إىل ك ثرة طائلها‪ ،‬ف رب جاهل يقول ً‬
‫شرا‪ .‬واملراد بالنظر ههنا االعتبار العقلي‪ ،‬ال النظر بالبصر ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فاضل يقول ً‬

‫فإن القول احلق ال يعرف باألشخاص‪ ،‬وإمنا يعرف مبوافقته احلق‪ ،‬وما فيه من اخلري‪ ،‬ولو‬
‫صدر من جاهل‪ ،‬فإن اجلاهل رمبا يكون ناقاًل ‪.‬‬

‫وإن القول الباطل الذي جيانبه الصواب اليؤخذ حىت ولو صدر من عاقل‪ ،‬ألن العاقل ال‬
‫ينفك عن بشريته املتصفة باخلطأ والنسيان‪.‬‬

‫‪ ‬خير الناس من ينفع الناس‬

‫إن معرفة أصحاب األخالق العالية من الناس حتتاج إىل معيار‪ ،‬ومقياس يعرفون به‪ ،‬وهذا‬
‫مقياس ا ملعرفة اخليار من الناس بقوله‪:‬‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يضع ً‬
‫((خري الناس من ينفع الناس ))( ) ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫عارض ا‪،‬‬
‫نفع ا ً‬
‫إمنا يدل على خرييتهم مقدار نفعهم لبين جنسهم‪ ،‬وهذا النفع املقصود ليس ً‬
‫وإمنا قول ه ( من ينف ع الن اس ) يفي د اس تمرارية النف ع‪ ،‬واحلرص علي ه‪ .‬نف ع هلم بالص دقة واهلدي ة‪،‬‬
‫نف ع هلم بالكلم ة الطيب ة‪ ،‬نف ع هلم بالدالل ة على اخلري‪ ،‬والتح ذير من الش ر‪ ،‬نف ع هلم بقض اء‬
‫احلاجات‪ ،‬نفع هلم بكل وجه من وجوه اخلري ميكن فعله‪.‬‬

‫وق د وض ع ه ذا املعي ار رس ول اهلل ص من قب ل‪ ،‬كم ا يف قول ه‪ (( :‬خ ري الن اس أنفعهم‬


‫للناس ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() انظر كمال الدين ميثم البحراين‪ ،‬شرح على املائة كلمة ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ص ‪.68‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،52‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سلسلة األحاديث الصحيحة برقم ‪ .712 / 1 ،426‬وصحيح اجلامع برقم ‪ ،124 / 3 ،3284‬وقال‬ ‫‪3‬‬

‫األلباين ‪ [ :‬حسن ] وهو عند القضاعي يف مسند الشهاب ‪ 108 / 1‬عن جابر (رضي اهلل عنه)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪277‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف املقاب ل ي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬معي ًارا لش ر الن اس‬
‫بقوله‪ (( :‬شر الناس من يضر الناس ))( )‪ ،‬الشك أن من يسعى لضرر الناس ويصر عليه‪ ،‬هو من‬
‫‪1‬‬

‫ضررا‪.‬‬
‫أسوأ الناس خل ًقا‪ ،‬ومن أشدهم ً‬

‫‪ ‬المرء مخبوء تحت لسانه‬

‫اللس ان معي ار ي دل الن اس على ص احبه‪ ،‬وم ا في ه من رجاح ة العق ل‪ ،‬وحس ن اخلل ق‪،‬‬
‫وخالف ذل ك‪ ،‬ف إذا مل يتكلم اإلنس ان اليع رف مق دار عقل ه ومتان ة فض له‪ ،‬ف إذا تكلم رف ع‬
‫احلج اب وع رف اخلط أ والص واب‪ .‬ق ال ام ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪:-‬‬
‫(( املرء خمبوء حتت لسانه ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬اللسان معيار أطاشه اجلهل‬
‫وأرجحه العقل ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فبه ذا املعي ار ميكن لإلنس ان معرف ة من خياطب‪ ،‬كم ا حيرص على ض بط ه ذا املعي ار يف‬
‫الداللة عن نفسه‪.‬‬

‫‪ ‬أخوك من واساك في الشدة‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،52‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقه ‪ ،102‬وجه ‪ .2‬و علي اجلندي ورفاقه‪ ،‬سجع احلمام من حكم اإلمام علي (رضي‬
‫اهلل عنه)ص ‪.375‬‬
‫() املاوردي‪ ،‬أدب الدنيا والدين ص ‪.265‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪278‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫معيارا ملعرفة األخ الويف بقوله‪ (( :‬أخوك من واساك‬


‫يضع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ً‬
‫يف الش دة ))( )‪ .‬ف األخ ال ويف ه و ال ذي يك ون م ع أخي ه يف ح ال حاجت ه وش دته‪ ،‬فيهب ل ه من‬
‫‪4‬‬

‫نفسه وماله‪ ،‬ما يسد حاجته‪ ،‬وما يزيل عنه شدته‪ ،‬ويف حال الرخاء يكثر من يدعي األخوة‬
‫والص داقة‪ ،‬ولكنهم س رعان م ا يتفرق ون ويض محلون عن د الش دائد‪ .‬ويف ه ذا يق ول الش افعي‬
‫(رمحه اهلل )‪:‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ولكنهم يف النائبات قليل‬ ‫وما أكثر األخوان حني تعدهم‬

‫() السيوطي‪ ،‬رسالة من كالم أمري املؤمنني علي (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،14‬وجه ‪ .2‬ونثر الآليلء‬ ‫‪4‬‬

‫من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط ) ورقة ‪ ،50‬وجه ‪.2‬‬
‫() ديوان الشافعي ص ‪.117‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪279‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الباب الثاين‬

‫منهج أمير المؤمنين علي (رضي اهلل عنه ) في الدعوة إلى اهلل باعتبار المدعو‬

‫الفصل األول‪ :‬منهجه في دعوة المسلمين‬

‫الفصل الثاني‪ :‬منهجه في دعوة غير المسلمين‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪280‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل األول‬

‫منهجه في دعوة المسلمين‬

‫المبحث األول‬

‫دعوة المهتدين‬

‫تع ــريف‬

‫املهتدون يف اللغة‪ :‬مجع ٍ‬


‫مهتد‪ ،‬من اهلُ َدى مبعىن الرشاد والداللة والبيان‪ ،‬يقال هداه اهلل‬
‫دى‪ ،‬وهديت ه إىل الطري ق وللطري ق على مع ىن أرش دته إليه ا‪ ،‬وقول ه تع اىل { ِإ َّن َعلَْينَ ا‬
‫لل دين ه ً‬
‫لَْل ُه َدى }( ) أي إن علينا أن نبني طريق اهلدى من طريق الضالل( )‪ .‬وعند ابن كثري قال قتادة‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫أي نبني احلالل واحلرام( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫ويف االص طالح‪ :‬اهلدى ض د الض الل والفس ق كم ا يف قول ه (س بحانه) عن ق وم ص احل‬
‫ود فَه َد ْيَن ُه ْم فَاْ ْس تَ َحبُّواْ الْ َع َمى َعلَى اهْلُ َدى }( ) وقول ه (س بحانه) عن ق وم ن وح‬
‫‪4‬‬
‫{ َو ََّأما مَثُ ُ‬
‫{ فَ ِمْن ُهم ُّم ْهتَ ٍد َو َكثِ ريٌ مْن ُه ْم فَ ِس قون }( )‪ .‬فاملهتدي هو الذي جيته د يف طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬يف‬
‫‪5‬‬

‫() سورة الليل‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2533 / 6‬مادة [هدى]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،355 / 15‬مادة‬ ‫‪2‬‬

‫[هدى]‪.‬‬
‫() تفسري القرآن العظيم ‪.521 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة فصلت جزء من اآلية ‪.17‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة احلديد جزء من اآلية ‪.26‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪281‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اتباع األوامر‪ ،‬واجتناب النواهي‪ ،‬وإذا بدر منه خالف ذلك فسرعان ما يرجع إىل ربه ويستغفر‬
‫ِإ َّ ِ‬
‫الش ْيطَ ِن تـ َذ َّكُروا‬‫ف ِّم َن َّ‬ ‫ين َّات َق ْوا ِإ َذا َم َّس ُه ْم طَِئ ٌ‬
‫من ذنبه‪ ،‬كما يف قوله سبحانه وتعاىل { َّن الذ َ‬
‫ص ُرو َن }( )‪ .‬وق ال يف ص فات املتقني { َوالَّ ِذيْ َن ِإ َذا َف َعلُ وا فَ ِح َش ةً َْأو ظَلَ ُم وا َأْن َف َس ُه ْم‬
‫‪1‬‬ ‫فَ ِإ َذا هم ُّمب ِ‬
‫ُ ْ‬
‫الذنُوب ِإال اهلل ومَل ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ هِبِ‬
‫ص ُّروا َعلَى َم ا َف َعلُوا َو ُه ْم َي ْعلَ ُم و َن‬ ‫َُ ُْ‬ ‫اسَت ْغ َفُروا ل ُذنُو ـ ْـم َو َمن َي ْغفُر ُّ َ‬
‫ذَ َكُروا اهللَ فَ ْ‬
‫}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫صفات المهتدين عند أمير المؤمنين‬

‫ل و أراد ش خص حتدي د ص فات املهن دس املاهر ‪ -‬مثاًل ‪ -‬فال ب د أن يك ون ه و من ه ذا‬


‫الصنف‪ ،‬أو على األقل عاشر هذا الصنف بعمق‪ ،‬وعرف ج وانب التم ايز بني املهندس ني‪ ،‬وما‬
‫م ؤهالت املهن دس املاهر ؟ وأم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف حتدي ده‬
‫واقع ا عاشه بنفسه‪ ،‬وعاشر أهله‪ ،‬فإنه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عاش مع‬
‫لصفات املهتدين‪ ،‬يصف ً‬
‫خري املهتدين يف خري القرون‪.‬‬
‫بعض ا من الص فات ال يت‬
‫ولق د بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ً -‬‬
‫جيب أن يتصف هبا املهتدي وهي على النحو التايل‪-:‬‬
‫قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف وصف املهتدين ملا سئل عن‬
‫خيار العباد قال‪ (( :‬الذين إذا أحسنوا استبشروا‪ ،‬وإذا أساءوا استغفروا‪ ،‬وإذا ابتلوا صربوا‪ ،‬وإذا‬
‫غضبوا غفروا ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.201‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.135‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪.431 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪282‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وق ال‪ (( :‬أال وإن هلل عب ًادا كمن رأى أه ل اجلنة يف اجلن ة خمل دين‪ ،‬وأه ل الن ار يف الن ار‬
‫أيام ا‬
‫معذبني‪ ..‬شرورهم مأمونة‪ ،‬وقلوهبم حمزونة‪ ..‬أنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة‪ ..‬صربوا ً‬
‫قليل ة لعق ىب راح ة طويل ة‪ ..‬إذا رأيتهم يف اللي ل‪ ،‬رأيتهم ص افني أق دامهم‪ ،‬جتري دم وعهم على‬
‫خدودهم‪ ،‬جيأرون إىل اهلل يف فكاك رقاهبم‪ ..‬وأما هنارهم فضماء حلماء‪ ،‬بررة أتقياء‪ ..‬كأهنم‬
‫القداح‪ ،‬ينظر إليهم الناظر فيقول‪ :‬مرضى وما هبم من مرض‪ ،‬وخولطوا‪ ،‬ولقد خالط القوم أمر‬
‫عظيم ))( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال‪ (( :‬ينبغي للمؤمن أن يكون نظره عربة‪ ،‬وسكوته فكرة‪ ،‬وكالمه حكمة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال‪ (( :‬طوىب لك ل عب د نومة( )‪ ،‬عرف الن اس‪ ،‬ومل يعرف ه الن اس‪ ،‬عرف اهلل برضوان‪ ،‬أولئك‬
‫‪3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫مصابيح اهلدى‪ ،‬يكشف اهلل عنهم كل فتنة مظلمة‪ ،‬سيدخلهم اهلل يف رمحة منه‪ ،‬ليسوا باملذاييع‬
‫البذر( )‪ ،‬وال اجلفاة( ) املرائني ))( )‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫ومن هذه األقوال ميكن إجياز الصفات اليت بينها أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬على النحو التايل‪-:‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .6 / 8‬واملسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪ .432 / 2‬وابن عبد ربه األندلسي‪ ،‬العقد‬ ‫‪1‬‬

‫الفريد ‪ .122 / 3‬و عبداهلل خياط‪ ،‬الرسول وخلفاؤه ص ‪.537‬‬


‫() املسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪.434 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اخلامل الذكر‪ ،‬الذي ال يؤبه له‪ .‬وقيل الغامض يف الناس‪ ،‬الذي ال يعرف الشر وأهله‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املذاييع مجع م ذياع‪ ،‬من أذاع الش يء إذا أفش اه‪ .‬واملذياع ‪ :‬ال ذي ال يكتم الس ر‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬اجلوهري‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الصحاح ‪ ،1211 / 3‬مادة [ذيع] )‪.‬‬


‫() البذر ‪ :‬مجع بَذور‪ ،‬وهو الذي يفشي الكالم بني الناس‪ ،‬ويبذره كما تبذراحلبوب‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن منظور‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫لسان العرب ‪ ،51 / 4‬مادة [بذر] )‪.‬‬


‫() من اجلفاء و هو ِغلَظ الطبع‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،148 / 14‬مادة [جفا] )‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.325 / 1‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪283‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ - 1‬االستبشار باحلسنات‪ ،‬واالستغفار عند السيئات‪.‬‬


‫‪ - 2‬العفو عند املظلمة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التفكري يف املصري يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ - 4‬كف شرورهم عن الناس‪.‬‬
‫‪ - 5‬حزهنم على تقصريهم يف طاعة رهبم‪.‬‬
‫‪ - 6‬زاهدون يف الدنيا‪.‬‬
‫‪ - 7‬جمتهدون يف طاعة رهبم‪.‬‬
‫‪ - 8‬إذا نظروا نظروا باعتبار‪.‬‬
‫‪ - 9‬إذا سكتوا سكتوا بتفكر‪.‬‬
‫‪ - 10‬إذا تكلموا تكلموا مبا ينفع‪.‬‬
‫‪ - 11‬ال يسعون للشهرة والظهور بني الناس‪.‬‬
‫‪ - 12‬حريصون على رضوان اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ - 13‬اليشيعون الكالم الفاحش‪.‬‬
‫‪ - 14‬بعيدون عن الرياء‪.‬‬
‫‪ - 15‬بعيدون عن أهل الشر‪ ،‬قريبون من أهل اخلري‪.‬‬

‫حاجة المهتدين إلى الدعوة‬

‫مهما كانت درجة صالح اإلنسان وتقواه‪ ،‬فإنه ال يستغين عن دعوته إىل مواله ( سبحانه‬
‫وتع اىل ) وأكم ل ه ذه األم ة يف اهلدى والتقى‪ ،‬رس ول اهلل ص‪ ،‬وم ع ه ذا فق د ورد يف الق رآن‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪284‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ني ِإ َّن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الك رمي أمره بالتقوى‪ ،‬كما يف قوله تعاىل { يََأيُّ َه ا النَّيِب ُّ اتَّق اهللَ وال تُط ِع ال َكف ِر َ‬
‫ين َو املُنَفق َ‬
‫يما }( )‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما َحك ً‬
‫اهللَ َكا َن َعل ً‬
‫‪1‬‬

‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫كم ا ورد اخلط اب للمؤم نني آم ًرا هلم باإلميان‪ ،‬كم ا يف قول ه س بحانه وتع اىل {يَأيُّ َه ا الذ َ‬
‫ـب الَّ ِذي َنَّز َل َعلَى َر ُسولِِه }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫ءامنُوا ء ِامنُواْ باهللِ و رسولِِه و ِ‬
‫الكت ِ‬
‫ََُ َ‬ ‫َ َ‬

‫وجاء األمر للمؤمنني بتقوى اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬كما يف قوله سبحانه‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل حق تقاته وال متوتن إال وأنتم مسلمون }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫هذه اآليات وغريها تدل على حاجة املهتدين إىل الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وتتمثل هذه احلاجة يف‬
‫النقاط اآلتية‪-:‬‬

‫‪ -1‬التثبيت على الهدى‬

‫اإلنسان يف هذه احلياة معرض للتغري والتبدل‪ ،‬وتقلب القلب‪ ،‬لقول رسول اهلل ص‪(( :‬إن‬
‫صِّرفه حيث يشاء )) مث قال‬
‫قلوب بين آدم كلها بني أصبعني من أصابع الرمحن‪ ،‬كقلب واحد‪ ،‬يُ َ‬
‫رسول اهلل ص‪ (( :‬اللهم ! مصرف القلوب ! صرف قلوبنا على طاعتك ))( )‪ .‬وعوامل التغيري‬
‫‪4‬‬

‫كث رية‪ ،‬منه ا الش يطان واهلوى وقرن اء الس وء‪ ،‬واملهت دي م ع ه داه حباج ة إىل م ا يق اوم ه ذه‬
‫العوامل‪ ،‬ويضعف تاثريها‪.‬‬

‫‪ -2‬الزيادة من الهدى‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء جزء من اآلية ‪.136‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.102‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب القدر ‪.2045 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪285‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫االهتداء ليس درجة واحدة‪ ،‬بل يزيد وينقص‪ ،‬والزيادة من االهتداء مثرة لالهتداء نفسه‪،‬‬
‫ين ْاهتَ َد ْوا َز َاد ُه ْم ُه ًدى َوءاَت ُه ْم َت ْق َو ُاه ْم}( )‪ ..‬واملهت دون هم أح رص‬ ‫َّ ِ‬
‫كم ا يف قول ه تع اىل { َوالذ َ‬
‫‪1‬‬

‫الن اس على االزدي اد من اهلدى‪ ،‬ال ذي حيص ل هلم حبثهم على مزي د من العم ل الص احل يف كميت ه‬
‫وكيفيته‪.‬‬

‫‪ -3‬تعليمهم ما جهلوا وتذكيرهم ما نسوا‬

‫ال يشرتط يف املهتدين اإلملام بكل جزئيات هذا الدين‪ ،‬فمهما كانت درجة االهتداء‪ ،‬فإن‬
‫اإلنسان حباجة إىل من يعلمه بعض أمور دينه‪ ،‬فصحابة رسول اهلل ص ‪ -‬وهم أكمل األمة بعد‬
‫بعض ا‬
‫كثريا ما يسألون رسول اهلل ص‪ ،‬أو يسأل بعضهم ً‬
‫رسول اهلل ص يف هذا اجلانب ‪-‬كانوا ً‬
‫عن أمور دينهم‪.‬‬

‫ومن جانب آخر فاملهتدي معرض لنسيان ما عرفه وتعلمه‪ ،‬لذا فهو حباجة إىل الدعوة‪،‬‬
‫ليعلم بعد جهل‪ ،‬ويتذكر بعد نسيان‪.‬‬

‫‪ -4‬التنبيه باألعلى على األدنى‬

‫قد تنبع احلاجة إىل دعوة املهتدين من أجل من هو دوهنم يف االهتداء‪ ،‬فإذا علم هذا أن‬
‫من هو فوقه يف االهتداء خماطب هبذه الدعوة‪ ،‬علم أنه أحوج إليها ممن هو فوقه‪ ،‬وهذا ما يسمى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التنبيه باألعلى على األدىن‪ ،‬وذلك كما يف قوله سبحانه { يََأيُّ َه ا النَّيِب ُّ اتَّق اهللَ وال تُط ِع ال َكف ِر َ‬
‫ين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و املنَ ِف ِق َ ِإ‬
‫يم ا}( )‪ .‬يق ول ابن كث ري ( رمحه اهلل تع اىل )‪ (( :‬ه ذا تنبي ه‬ ‫ني َّن اهللَ َك ا َن َعل ً‬
‫يم ا َحك ً‬ ‫َ ُ‬
‫‪2‬‬

‫() سورة حممد‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪286‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ب األعلى على األدىن‪ ،‬فإن ه تع اىل إذا ك ان ي أمر عب ده ورس وله هبذا‪ ،‬فألن ي أمر من دون ه ب ذلك‬
‫بطريق األوىل واألحرى))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() تفسري القرآن العظيم ‪.466 / 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪287‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وسائل دعوة المهتدين عند أمير المؤمنين‬

‫أواًل ‪ :‬الدعوة بالسيرة‬

‫السْيَرةُ‪ :‬الطريقة والسنة‪ ،‬واحلالة اليت يكون عليها اإلنسان( )‪ .‬واملقصود هبا يف هذا املنهج‬
‫‪1‬‬
‫َّ‬
‫ما كان عليه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وما حيكيه للمدعوين من حال‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬وصحابته الكرام‪.‬‬

‫والسرية هي اجلانب التطبيقي يف حياة الدعاة ملا يدعون الناس إليه‪ ،‬واملهتدون هم أحرص‬
‫الن اس على االنتف اع من أص حاب الس ري احلمي دة‪ ،‬ولق د نب ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫إمام ا فليبدأ بتعليم‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل أمهية الدعوة بالسرية بقوله‪ (( :‬من نصب نفسه للناس ً‬
‫نفسه قب ل تعليم غ ريه‪ ،‬وليكن تأديب ه بس ريته قب ل تأديب ه بلس انه‪ ،‬ومعلم نفس ه ومؤدهبا أح ق‬
‫باإلجالل من معلم الناس ومؤدهبم ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ميثل هلم هدي املصطفى ص‬
‫نرباسا يقتفى‪ ،‬ومثاًل حيتذى‪ ،‬وكذا هدي صحابته الكرام (رضي اهلل عنهم)‪ ،‬كما أن‬
‫ليكون هلم ً‬
‫سريته نفسها ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مادة غنية يف دعوة املهتدين‪.‬‬

‫ومن جوانب الرتبية بالسرية يف دعوة املهتدين بيان سرية النيب ص وهديه يف عبادته‪ ،‬ألن‬
‫املهتدين هم أحرص الناس على معرفة ذلك واقتفاء أثر نبيهم حممد ص‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،691 / 2‬م ادة [س ري]‪ .‬وابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب ‪ ،389 / 4‬م ادة [س ري]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وإبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط ص ‪.467‬‬


‫() علي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام ص ‪.420‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪288‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل يغفل هذا اجلانب يف دعوة املهتدين‪ ،‬ومما بينه يف هذا‬
‫اجلانب ـ على سبيل املثال ـ ما يلي‪-:‬‬

‫عن عاص م بن ض مرة ق ال ‪ :‬س ألنا عليً ا عن تط وع الن يب ص بالنه ار ؟ فق ال‪ :‬إنكم ال‬
‫تطيقونه‪ .‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬أخربنا به نأخذ منه ما أطقنا‪ .‬قال‪ :‬كان النيب ص إذا صلى الفجر أمهل‪،‬‬
‫حىت إذا كانت الشمس من ههنا‪ ،‬يعين من قبل املشرق‪ ،‬مقدارها من صالة العصر من ههنا‪ ،‬من‬
‫قب ل املغ رب‪ ،‬ق ام فص لى ركع تني‪ ،‬مث ميه ل‪ ،‬ح ىت إذا ك انت الش مس من ههن ا‪ ،‬يع ين من قب ل‬
‫وأربع ا قبل‬
‫أربع ا‪ً ،‬‬
‫املشرق مقدارها من صالة الظهر من ههنا‪ ،‬يعين من قبل املغرب قام فصلى ً‬
‫وأربع ا قبل العصر‪ ،‬يفصل بني كل ركعتني بالتسليم‬
‫الظهر إذا زالت الشمس‪ ،‬وركعتني بعدها‪ً ،‬‬
‫على املالئكة املقربني‪ ،‬والنبيني‪ ،‬ومن تبعهم من املؤمنني واملسلمني‪ ،‬قال‪ :‬قال علي‪ :‬تلك ست‬
‫عشرة ركعة تطوع النيب ص بالنهار‪ ،‬وقل من يداوم عليها ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف جانب آخر من سرية املصطفى ص يف وتره يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ذل ك بقول ه‪ (( :‬أوت ر رس ول اهلل ص من أول اللي ل وآخ ره وأوس طه‪ ،‬ف انتهى‬
‫وتره إىل السحر ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف بي ان هلدي الن يب ص بع د ص الته يق ول أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عنه ‪ :-‬كان النيب ص إذا سلم من الصالة قال‪ (( :‬اللهم اغفر يل ما قدمت وما أخرت‪ ،‬وما‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،62 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬ويف آخره ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ح دثنا وكي ع عن أبي ه‪ ،‬ق ال ‪ :‬ق ال ح بيب بن أيب ث ابت أليب إس حاق حني حدث ه ‪ :‬ي ا أب ا إس حاق‪ ،‬يس وى‬
‫ح ديثك ه ذا ملء مس جدك ذهبً ا‪ .‬وأخرج ه النس ائي يف س ننه‪ ،‬كت اب اإلمام ة ‪ .120 / 2‬وعب د ال رزاق يف‬
‫مصنفه ‪ .63 / 3‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .202 / 2‬وأبو يعلى يف مسنده‪ ،‬حتقيق حسني سليم أسد ‪/ 1‬‬
‫‪ ،459‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .64 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪289‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أسررت وما أعلنت‪ ،‬وما أسرفت‪ ،‬وما أنت أعلم به مين‪ ،‬انت املقدم وأنت املؤخر‪ ،‬ال إله إال‬
‫أنت ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كما أن من صفات املهتدين حث أهليهم على فعل الطاعات واإلكثار من القربات‪،‬‬


‫كما هي حال املصطفى ص‪ ،‬كما خيرب بذلك أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ (( :-‬كان النيب ص يوقظ أهله يف العشر األواخر من رمضان))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬نعم النموذج للمهتدين يف‬
‫سريته‪ .‬ملا عوتب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف لباسه قال‪ (( :‬يقتدي املؤمن ‪ ،‬وخيشع القلب ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومن الس رية احلمي دة ل ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن ه م ا ورد يف وص ف ض رار الص دائي ل ه‬
‫بقول ه‪ { :‬ك ان واهلل! بعي د املدى‪ ،‬ش ديد الق وى‪ ،‬يق ول فص اًل ‪ ،‬وحيكم ع داًل ‪ ،‬يتفج ر العلم من‬
‫جوانبه‪ ،‬وتنطق احلكمة من نواحيه‪ ،‬يستوحش من الدنيا وزهرهتا‪ ،‬ويأنس إىل الليل ووحشته‪،‬‬
‫كان غزير الع ربة طويل الفكرة‪ ،‬يعجبه من اللب اس ما قص ر‪ ،‬ومن الطعام ما خش ن‪ .‬كان فين ا‬
‫كأحدنا‪ ،‬جييبنا إذا سألناه‪ ،‬وينبئنا إذا استنبأناه‪ .‬وحنن ـ واهلل ! ـ مع تقريبه إيانا وقربه منا ال نكاد‬

‫‪ )( 1‬أخرجه اإلمام أمحد يف املسند ‪ .94 / 1‬أبو داود يف سننه واللفظ له‪ ،‬كتاب الصالة ‪ .175 / 2‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح سنن أيب داود ‪ .283 /1‬وهو يف صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها ‪/ 1‬‬
‫‪ ،536‬ولكن هذا الدعاء ورد أنه بني التشهد والتسليم‪.‬‬
‫‪ )( 2‬أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،253 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه‬
‫الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،161 / 3‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وصححه األلباين‪،‬‬
‫صحيح سنن الرتمذي ‪.239 / 1‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ .549 / 1‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬
‫أيضا يف الزهد ص ‪ .163‬ويف املسند ‪ 88 / 2‬بلفظ ‪ (( :‬مالكم وللباس‪ ،‬أبعد‬ ‫صحيح‪ .‬وأخرجه اإلمام أمحد ً‬
‫من الكرب‪ ،‬وأجدر أن يقتدي املسلم )) ‪ .‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وذكره احملب الطربي يف‬
‫الرياض النضرة ‪ .213 / 3‬وابن أيب الدنيا يف التواضع واخلمول ص ‪.165 ،164‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪290‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫نكلمه هيبة له‪ .‬يعظم أهل الدين‪ ،‬ويقرب املساكني‪ .‬وال يطمع قوي يف باطله‪ ،‬وال ييأس ضعيف‬
‫قابض ا‬
‫من عدله‪ .‬وأشهد‪ ،‬لقد رأيته يف بعض مواقفه ـ وقد أرخى الليل سدوله وغارت جنومه ـ ً‬
‫إيل تعرضت‬
‫على حليته يتململ متلمل السليم‪ ،‬ويبكي بكاء احلزين‪ ،‬ويقول‪ :‬يا دنيا غري غريي‪َّ ،‬‬
‫إيل تشوقت ؟ هيهات‪ ،‬هيهات ! ـ قد طلقتك ثالثًا‪ ،‬ال رجعة فيها ؛ فعمرك قصري‪ ،‬وعيشك‬
‫أم َّ‬
‫حقري‪ ،‬وخطرك كبري‪ .‬آه آه ! من قلة الزاد‪ ،‬وبعد السفر‪ ،‬ووحشة الطريق !))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هذا الوصف ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يبني ما هو عليه من‬
‫اهلدى والتقى‪ ،‬مما جعل معاصريه ينظرون إليه ويستفيدون من سريته‪.‬‬

‫وتتضح جوانب السرية احلميدة يف صفات املهتدين بالنقاط اآلتية‪-:‬‬


‫‪ -1‬الزهد يف الدنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬االجتهاد يف قيام الليل‪.‬‬
‫‪ -3‬الورع يف امللبس واملأكل‪.‬‬
‫‪ -4‬نفع الناس يف أمور الدين والدنيا‪.‬‬
‫‪ -5‬التواضع هلل‪.‬‬
‫‪ -6‬اخلشية من اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ومن جوانب السرية احلميدة يف صفات املهتدين حرصه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على تطبيق‬
‫ما يتعلمه من رسول اهلل ص‪ ،‬كما يف حديثه‪ (( :‬أن فاطمة (رضي اهلل عنها) شكت ما تلقى من‬
‫النيب ص بسيب‪ ،‬فانطلقت‪ ،‬فلم جتده‪ ،‬فوجدت عائشة فأخربهتا‪ ،‬فلما جاء النيب‬
‫أثر الرحى‪ ،‬فُأتى ُّ‬
‫ص أخربت ه عائش ة مبجيء فاطم ة (رض ي اهلل عنه ا)‪ ،‬فج اء الن يب ص إلين ا وق د أخ ذنا مض اجعنا‬

‫() ابن عبد الرب‪ ،‬االستيعاب ( املطبوع على هامش اإلصابة ) ‪ .44 / 3‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.315 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫و احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪ .187/ 2‬وكذلك يف ذخائر العقىب ص ‪.100‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪291‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فذهبت ألقوم فقال‪ :‬على مكانكما‪ ،‬فقعد بيننا حىت وجدت برد قدميه على صدري‪ ،‬وقال‪ :‬أال‬
‫أربع ا وثالثني‪ ،‬وتس بحان ثالثً ا‬
‫أعلمكم ا خ ًريا مما س ألتماين‪ ،‬إذا أخ ذمتا مض اجعكما تك ربان ً‬
‫وثالثني‪ ،‬وحتم دان ثالثً ا وثالثني‪ ،‬فه و خ ري لكم ا من خ ادم ))( )‪ .‬ومما ي دل على ح رص أم ري‬
‫‪1‬‬

‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬على تطبيق ه ذا العلم‪ ،‬قول ه‪ (( :‬م ا تركت ه من ذ‬
‫مسعته من رسول اهلل ص‪ .‬قيل له‪ :‬وال ليلة صفني ؟ قال‪ :‬وال ليلة صفني ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أمنوذج ا من مناذج املهتدين وهم‬


‫ً‬ ‫ويف الدعوة بالسرية يبني أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‬
‫أص حاب رس ول اهلل ص‪ ،‬وذل ك ملا أحس أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫يء من س رية‬‫من أص حابه ش ي ا من الغفل ة وقل ة النش اط يف الطاع ة‪ ،‬وج ه هلم ال دعوة ب ذكر ش ٍ‬
‫ًئ‬
‫أسالفهم أصحاب رسول اهلل ص فيما رواه أبو أراكة( ) بقوله‪ (( :‬صليت مع علي صالة الفجر‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫فلما انفتل عن ميينه‪ ،‬مكث كأن عليه كآبة‪ ،‬حىت إذا كانت الشمس على حائط املسجد قيد‬
‫رمح صلى ركعتني مث قلب يده فقال‪ :‬واهلل لقد رأيت أصحاب حممد ص فما أرى اليوم شيًئا‬
‫غربا‪ ،‬بني أعينهم أمثال ركب املعزى ‪ ،‬قد باتوا هلل‬
‫صفرا شعثًا ً‬
‫يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون ً‬
‫وقيام ا‪ ،‬يتل ون كت اب اهلل‪ ،‬ي رتاوحون بني جب اههم وأق دامهم‪ ،‬ف إذا أص بحوا ف ذكروا اهلل‬
‫جدا ً‬ ‫س ً‬
‫م ادوا كما مييد الش جر يف يوم ال ريح‪ ،‬ومهلت أعينهم حىت تنب ل ثي اهبم‪ ،‬واهلل لكأن القوم باتوا‬
‫مفرتا يضحك حىت قتله ابن ملجم عدو اهلل الفاسق ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫غافلني‪ .‬مث هنض فما رؤي بعد ذلك ً‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املناقب ‪.23 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء ‪.2092 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أبو أراكة ‪ :‬روى عن علي‪ ،‬وروى عنه السدي‪( .‬الرازي‪ ،‬اجلرح والتعديل ‪.) 336 / 9‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .76 / 1‬وذكره ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.6 / 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪292‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الدعوة بالكلمة‬

‫(‪)1‬‬
‫تطلق الكلمة يف اللغة على اجلملة املفيدة‪ ،‬كقوله تعاىل { كال إهنا كلمة هو قائلها }‬
‫إش ارة إىل قول ه { رب ارجع ون لعلي أعم ل ص احلًا فيم ا ت ركت }( )‪ .‬والكلم ة مف رد كالم‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫والكالم ـ يف اصطالح النحويني ـ عبارة عما اجتمع فيه أمران‪ :‬اللفظ‪ ،‬واإلفادة ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وال دعوة بالكلم ة يف منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬تش مل‬
‫اخلطبة واملوعظة واحلكمة القصرية وحنوها‪.‬‬

‫* الخطبة‬

‫اخلطبة لون من ألوان القول‪ ،‬حيشد له اخلطيب من األسباب ما ميكنه من التأثري يف سامعيه‪،‬‬
‫وجذهبم إىل جانب ما يدعوهم إليه عن طريق‪ :‬اإلقناع مبا يسوقه من حجج وبراهني‪ .‬واإلمتاع‬
‫(‪)4‬‬
‫حبسن اختيار الكلمات‪ ،‬ومجيل العبارات‪ ،‬ومالئم اإلشارة‪ ،‬والدقة يف اختيار املوضوع‪.‬‬

‫ولق د ك ان ألم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬النص يب األوف ر واحلظ‬
‫األكثر يف جانب اخلطابة حىت عُ َّد من أشهر اخلطباء يف اإلسالم‪ ،‬وما ذاك إال ملا كان يتمتع به‬
‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من س عة العلم وق وة الفهم‪ ،‬م ع فص احة‬

‫() سورة املؤمنون‪ ،‬جزء من اآلية ‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة املؤمنون‪ ،‬جزء من اآلية ‪ ،99‬وجزء من اآلية ‪.100‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن هشام‪ ،‬قطر الندى وبل الصدى‪ .‬وكذلك يف أوضح املسالك إىل ألفية ابن مالك ‪.11 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫وابن آجروم‪ ،‬اآلجرومية املطبوعة مع احلاشية لعبد الرمحن بن حممد بن قاسم ص ‪.7‬‬
‫() انظر ‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلليم حممود‪ ،‬فقه الدعوة إىل اهلل ‪.169 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪293‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اللسان وقوة البيان‪ ،‬إضافة إىل صفات أخرى أهلته هلذه املكانة يف اخلطابة‪ .‬وقد بدأ ابن الندمي‬
‫بذكره يف قائمة أمساء اخلطباء( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال املسعودي( )‪ :‬والذي حفظ الناس من خطبه يف سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف‬ ‫‪2‬‬

‫ومثانون خطبة يوردها على البديهة‪ ،‬وتداول الناس عنه ذلك قواًل وعماًل ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وتع ود أمهي ة اخلطاب ة يف دع وة املهت دين‪ ،‬إىل أهنا تك ون يف الع ادة يف جمامع العب ادة‪،‬‬
‫كاجتماع الناس لصالة اجلمعة والعيدين واالستسقاء‪ ...‬وكذا جمامع اجلهاد‪ ،‬اليت هي يف األصل‬
‫جمامع املهتدين‪.‬‬

‫ومن خطب ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف دع وة املهت دين‪ (( :‬احلم د هلل ف اطر اخللق‪ ،‬وف الق‬
‫اإلص باح‪ ،‬وناش ر املوتى‪ ،‬وب اعث من يف القب ور‪ ،‬وأش هد أن ال إل ه إال اهلل وح ده ال ش ريك ل ه‪،‬‬
‫وأش هد أن حمم ًدا عب ده ورس وله‪ ،‬وأوص يكم بتق وى اهلل ف إن أفض ل م ا توس ل ب ه العب د اإلميان‬
‫واجله اد يف س بيله‪ ،‬وكلم ة اإلخالص فإهنا الفط رة‪ ،‬وإق ام الص الة فإهنا املل ة‪ ،‬وإيت اء الزك اة فإهنا‬
‫فريض ته‪ ،‬وص وم ش هر رمض ان فإن ه جن ة من عذاب ه‪ ،‬وحج ال بيت فإن ه منف اة مدحض ة لل ذنب‪،‬‬
‫وصلة الرحم فإهنا منسأة يف األجل‪ ،‬حمبة يف األهل‪ ،‬وصدقة السر فإهنا تكفر اخلطيئة‪ ،‬وتطفيء‬
‫غضب الرب‪ ،‬وصنع املعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع اهلول‪ ،‬أفيضوا يف ذكر اهلل‬
‫فإنه أحسن الذكر‪ ،‬وارغبوا فيما وعد املتقون فإن وعد اهلل أصدق الوعد‪ ،‬واقتدوا هبدي نبيكم‬
‫ص فإنه أفضل اهلدي‪ ،‬واستنوا بسنته فإهنا أفضل السنن‪ ،‬وتعلموا كتاب اهلل فإنه أفضل احلديث‪،‬‬
‫وتفقهوا يف الدين فإنه ربيع القلوب‪ ،‬واستشفوا بنوره فإنه شفاء ملا يف الصدور‪ ،‬وأحسنوا تالوته‬

‫() انظر ‪ :‬كتاب الفهرست ص ‪.181‬‬ ‫‪1‬‬

‫() علي بن احلسني بن علي املسعودي‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬مؤرخ إخباري‪ ،‬صاحب فنون‪ ،‬له مؤلفات كثرية‪ ،‬تويف‬ ‫‪2‬‬

‫مبصر سنة ‪345‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 433،434 / 2‬‬
‫() مروج الذهب ‪.431 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪294‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فإنه أحسن القصص‪ ،‬وإذا قرئ القرآن عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترمحون‪ ،‬وإذا هديتم‬
‫(‪)1‬‬
‫لعلمه فاعملوا مبا علمتم به لعلكم هتتدون ‪))...‬‬

‫لقد اشتمل هذا اجلزء من اخلطبة على عدة توجيهات للمهتدين منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬احلث على تقوى اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ -2‬احلث على االجتهاد يف األعمال الصاحلة و يف مق دمتها الواجبات‪ ،‬وبيان ما ي رتتب عليها‬
‫من املنافع الدنيوية واألخروية ترغيبًا للعاملني‪.‬‬
‫‪ -3‬احلث على التفقه يف الدين والتزود من العلم‪.‬‬
‫‪ -4‬احلث على العمل بالعلم‪.‬‬

‫ومما ورد يف خطب ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬قول ه‪ (( :‬أم ا بع د ف إن ال دنيا ق د أدب رت وآذنت‬
‫وغدا السباق‪ ،‬أال وإنكم يف‬
‫بوداع‪ ،‬وإن اآلخرة قد أقبلت وأشرفت باطالع‪ ،‬وإن املضمار اليوم ً‬
‫أيام أمل من ورائه أجل‪ ،‬فمن قصر يف أيام أمله قبل حضور أجله فقد خاب عمله‪ ،‬أال فاعملوا‬
‫هلل يف الرغب ة كم ا تعمل ون ل ه يف الرهب ة‪ ،‬أال وإن ه مل أر كاجلن ة ن ام طالبه ا‪ ،‬ومل أر كالن ار ن ام‬
‫هارهبا‪ ،‬وإنه من مل ينفعه احلق ضره الباطل‪ ،‬ومن مل يستقم به اهلدى حاد به الضالل‪ ،‬أال وإنكم‬
‫ق د أم رمت ب الظعن ودللتم على ال زاد‪ ،‬أال أيه ا الن اس إمنا ال دنيا ع رض حاض ر يأك ل من ه ال رب‬
‫والف اجر‪ ،‬وإن اآلخ رة وع د ص ادق‪ ،‬حيكم فيه ا مل ك ق ادر‪ ،‬أال إن الش يطان يع دكم الفق ر‬
‫ويأمركم بالفحشاء‪ ،‬واهلل يعدكم مغفرة منه وفضاًل واهلل واسع عليم‪.) ()) ...‬‬
‫‪2‬‬

‫اشتمل هذا اجلزء من التوجيهات الدعوية للمهتدين على ما يلي‪-:‬‬


‫‪ -1‬التزهيد يف الدنيا وبيان سرعة زواهلا‪.‬‬
‫() جزء من خطبة طويلة أوردها ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ ،309 ،308 / 7‬وقال ‪ :‬هذه خطبة بليغة‬ ‫‪1‬‬

‫نافعة جامعة للخري ناهية عن الشر‪ ،‬وقد روي هلا شواهد من وجوه أخر متصلة وهلل احلمد واملنة‪.‬‬
‫() جزء من خطبة أوردها ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.7 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪295‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬الرتغيب يف اآلخرة وبيان إقباهلا‪.‬‬


‫‪ - 3‬احلث على التسابق يف هذه احلياة على اخلريات‪ ،‬وبيان أن نتيجة السباق تظهر يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -4‬احلث على العمل بالطاعة يف حال الرغبة والرخاء كحال الرهبة والشدة‪.‬‬
‫‪ -5‬الرتغيب يف اجلنة ونعيمها‪ ،‬والرتهيب من النار وجحيمها‪.‬‬

‫* الموعظة‬

‫أثريا يف نف وس الس امعني عن دما تص در من قلب ص ادق‪ ،‬وتص اغ‬


‫تك ون املوعظ ة أق وى ت ً‬
‫بعبارات بليغة‪ ،‬جتمع بني القوة والوضوح‪ ،‬وهذه األمور متوفرة يف كالم أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬لذا كانت مواعظه وكلماته ذات تأثري قوي على السامعني يف‬
‫عصره‪ ،‬بل حىت بعد عصره‪ ،‬فهي مادة قيمة تناقلتها األجيال بعد ذلك‪.‬‬

‫ومن مواعظ ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ (( :-‬إن أخ وف م ا أخ اف إتب اع اهلوى وط ول األمل‪:‬‬


‫فأم ا إتب اع اهلوى فيص د عن احلق‪ ،‬وأم ا ط ول األم ل فينس ي اآلخ رة‪ ،‬أال وإن ال دنيا ق د ت رحلت‬
‫مدبرة‪ ،‬أال وإن اآلخرة قد ترحلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة منهم بنون‪ ،‬فكونوا من أبناء اآلخرة‪،‬‬
‫وغدا حساب وال عمل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وال تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب‪ً ،‬‬

‫وعن الشعيب أن عليًا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ (( :‬يا أيها الناس خذوا عين هذه الكلمات‪،‬‬
‫فل و ركبتم املطي ح ىت تنض وها( ) م ا أص بتم مثله ا‪ :‬ال يرج ون عب د إال ربه‪ ،‬وال خيافن إال ذنب ه‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫() أب و نعيم‪ ،‬حلي ة األولي اء ‪ .76 / 1‬و ابن اجلوزي‪ ،‬ص فة الص فوة ‪ .321 / 1‬وذك ر البخ اري بعض ه يف‬ ‫‪1‬‬

‫صحيحه معل ًقا‪ ،‬كتاب الرقاق ‪.176 / 4‬‬


‫() هتزلوها‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2511 / 6‬مادة [نضا] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪296‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وال يس تحيي ـ إذا مل يعلم ـ أن يتعلم‪ ،‬وال يس تحيي ـ إذا س ئل عم ا ال يعلم ـ أن يق ول ال أعلم‪.‬‬
‫واعلموا أن الصرب من اإلميان مبنزلة الرأس من اجلسد‪ ،‬وال خري يف جسد ال رأس فيه ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وللمواعظ الفردية مكان يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫دعوة املهتدين‪ ،‬فهو ال يغفل بني احلني واآلخر من نصيحة يوجهها للرجل من أصحابه‪.‬‬

‫عن عب د خ ري عن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ (( :‬ليس اخلري أن يك ثر‬
‫مالك وولدك‪ ،‬ولكن اخلري أن يكثر علمك ويعظم حلمك‪ ،‬وأن تباهي الناس بعبادة ربك‪ ،‬فإن‬
‫أحسنت محدت اهلل‪ ،‬وإن أسأت استغفرت اهلل‪ ،‬وال خري يف الدنيا إال ألحد رجلني‪ :‬رجل أذنب‬
‫ذنبًا فهو يتدارك ذلك بتوبة‪ ،‬أو رجل يسارع يف اخلريات‪ ،‬وال يقل عمل يف تقوى‪ ،‬وكيف يقل‬
‫ما يتقبل ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعن كمي ل بن زي اد( ) ق ال‪ :‬أخ ذ علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بي دي مبنك يب‬
‫‪3‬‬

‫ف أخرجين إىل ناحي ة اجلَبَّان( )‪ ،‬فلم ا أص حرنا جلس‪ ،‬مث تنفس‪ ،‬مث ق ال‪(( :‬ياكمي ل بن زي اد‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫القلوب أوعية‪ ،‬فخريها أوعاها للعلم‪ ،‬احفظ ما أقول لك‪ ،‬الناس ثالثة‪ :‬عامل رباين‪ ،‬ومتعلم على‬
‫س بيل جناة‪ ،‬ومهج رع اع أتب اع ك ل ن اعق‪ ،‬مييل ون م ع ك ل ريح‪ ،‬مل يستض يئوا بن ور العلم‪ ،‬ومل‬
‫يلج أوا إىل ركن وثي ق‪ .‬العلم خ ري من املال‪ ،‬العلم حيرس ك وأنت حترس املال‪ ،‬العلم يزك و على‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .76 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.326 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .75 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.321 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن هنيك بن اهليثم بن س عد بن مال ك‪ ،‬روى عن ع دد من الص حابة‪ ،‬شهد مع علي صفني‪ ،‬وكان شري ًفا‬ ‫‪3‬‬

‫مطاعا يف قومه‪ .،‬قال ابن معني ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال العجلي ‪ :‬كويف تابعي ثقة‪ .‬وقال ابن عمار ‪ :‬رافضي وهو ثقة من‬ ‫ً‬
‫أص حاب علي‪ .‬وذك ره ابن حب ان يف الثق ات‪ .‬ق ال خليف ة ‪ :‬قتل ه احلج اج س نة س نة ‪82‬هـ وقي ل غ ري ذل ك‪.‬‬
‫(انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)8/402‬‬
‫() اجلَبَّا ُن يف األصل الصحراء‪ ،‬وأهل االكوفة يسمون املقابر َجبَّانَة‪ ( .‬احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.)2/99‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪297‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫العمل واملال تنقصه النفقة( )‪ ،‬العلم حاكم واملال حمكوم عليه‪ ،‬وصنيعة املال تزول بزواله‪ ،‬وحمبة‬
‫‪1‬‬

‫العامل دين يدان هبا‪ ،‬العلم يكسبه الطاعة يف حياته‪ ،‬ومجيل األحدوثة بعد مماته‪ ،‬مات خزان املال‬
‫وهم أحياء‪ ،‬والعلماء باقون ما بقي الدهر‪ ،‬أعياهنم مفقودة‪ ،‬وأمثاهلم يف القلوب موجودة‪)) ...‬‬
‫( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعن أيب عبدالرمحن السلمي( ) قال‪ :‬أخذ علي بيدي فانطلقنا منشي حىت جلسنا على شط‬
‫‪3‬‬

‫الف رات‪ ،‬فق ال علي‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص‪ (( :‬م ا من نفس منفوسة إال س بق هلا من اهلل ش قاء أو‬
‫سعادة‪ ،‬فقام رجل فقال‪ :‬يا رسول اهلل ! فيم إذن نعمل ؟‪ :‬قال‪ :‬اعملو‪ ،‬فكل ميسر ملا خلق له‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مث قرأ هذه اآلية { فأما من أعطى واتقى ‪ ،‬وصدق باحلسىن } إىل قوله { فسنيسره للعسرى }‬
‫))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() املال ينقص من اإلنفاق يف احلاجات الدنيوية‪ ،‬وإما الصدقات فإهنا التنقص املال‪ ،‬كما أخرب بذلك‬ ‫‪1‬‬

‫رس ول اهلل ص بقول ه ‪ (( :‬م ا نقص ت ص دقة من م ال )) أخرج ه مس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب ال رب والص لة ‪/ 4‬‬
‫‪.2001‬‬
‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .79 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪ .331 / 1‬وتاريخ اليعقويب ‪.205 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عبداهلل بن ح بيب بن ربيع ة‪ ،‬أب و عب د ال رمحن الس لمي‪ ،‬الك ويف‪ ،‬روى عن ع دد من الص حابة‪ .‬ق ال أب و‬ ‫‪3‬‬

‫إسحاق السبيعي ‪ :‬أقرأ القرآن يف املسجد أربعني سنة‪ .‬وقال العجلي ‪ :‬كويف تابعي ثقة‪ .‬وقال ابن عبد الرب ‪:‬‬
‫هو عند مجيعهم ثقة‪ .‬تويف سنة ‪72‬هـ وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.)161 / 5‬‬
‫() سورة الليل‪ ،‬اآليات ‪.10 - 5‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب تفس ري الق رآن ‪ .325 / 3‬واإلم ام أمحد واللف ظ ل ه‪ ،‬املس ند‬ ‫‪5‬‬

‫بتحقيق أمحد شاكر ‪.344 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪298‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وتأمل حال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وهو ال يغفل عن موعظة‬
‫أص حابه يف ك ل فرص ة مواتي ة‪ ،‬فعن أيب بك ر بن عي اش( ) ق ال‪ :‬ملا خ رج علي بن أيب ط الب إىل‬
‫‪1‬‬

‫صفني مر خبراب املدائن‪ ،‬فتمثل رجل من أصحابه فقال‪:‬‬


‫فكأمنا كانوا على ميعاد‬ ‫جرت الرياح على حمل ديارهم‬
‫يوما يصري إىل بلى ونفاد‬
‫ً‬ ‫وإذا النعيم وكــل مــا يلهى به‬

‫فق ال علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬ال تق ل هك ذا‪ ،‬ولكن قل‪ { :‬كم ترك وا من جن ات وعي ون‬
‫قوم ا آخرين} إن هؤالء القوم‬
‫وزروع ومقام كرمي ونعمة كانوا فيها فاكهني كذلك وأورثناها ً‬
‫(‪)2‬‬
‫كانوا وارثني فأصبحوا موروثني ! إن هؤالء القوم استحلوا احلرم فحلت هبم النقم‪.‬‬

‫* الحكمة القصيرة‬

‫لق د هتي أ ألم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من األس باب من لطاف ة‬
‫احلس‪ ،‬ونقاء اجلوهر‪ ،‬وسرعة البديهة‪ ،‬وذالقة اللسان‪ ،‬والقرب من‬
‫رسول اهلل ص وتلقي الوحي عنه‪ ،‬والبيئة العربية األصيلة‪ ،‬وغري ذلك من األسباب‪ ،‬ما مكنه من‬
‫حكم ا أعجبت‬
‫دررا بني سائر الكالم‪ ،‬ومجله ً‬
‫فصاحة اللسان‪ ،‬وجودة البيان‪ ،‬فأصبحت كلماته ً‬
‫ذوي األفه ام‪ ،‬فهي أله ل البالغ ة مطلب‪ ،‬وأله ل اهلداي ة مكس ب‪ ،‬ففيه ا حث هلم على فض ائل‬
‫األعمال‪ ،‬ومجيل اخلصال‪.‬‬

‫() ابن سامل األسدي الكويف‪ ،‬قيل ‪ :‬امسه حممد‪ ،‬وقيل ‪ :‬عبداهلل‪ ،‬وقيل ‪ :‬سامل‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬قال عنه أمحد‬ ‫‪1‬‬

‫بن حنبل ‪ :‬صدوق صاحل صاحب خري‪ ،‬وقال ‪ :‬ثقة‪ ،‬ورمبا غلط‪ .‬وقال ابن سعد ‪ :‬كان ثقة صدوقًا عارفً ا‬
‫باحلديث والعلم‪ ،‬إال أنه كثري الغلط‪(.‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 40-12/37‬‬
‫() البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد ‪ .133 ،132 / 1‬واآليات من سورة الدخان ‪.28-25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪299‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فك انت حكم ه اجلميل ة م ادة قيم ة يف دع وة املهت دين‪ ،‬ملا فيه ا من ج ودة التعب ري وس المة‬
‫التفكري‪ ،‬وفوق ذلك فهي تنبع من قلب تقي‪ ،‬وصدر نقي‪.‬‬

‫ومن هذه احلكم على سبيل املثال املثال مايلي‪-:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ـ صالة الليل بهاء في النهار‪.‬‬

‫صالة الليل دأب املهتدين وهنج الص احلني‪ ،‬فهم عليها حريصون‪ ،‬وفيها يتنافسون‪ ،‬كما‬
‫جدا وقياماً }( )‪ .‬وكالم أم ري‬
‫‪2‬‬
‫ذك ر اهلل س بحانه وتع اىل من أوص افهم { وال ذين ي بيتون ل رهبم س ً‬
‫أيض ا‪ (( :‬نور املؤمن‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ترغيبً ا هلم فيها‪ .‬كما يقول ً‬
‫من قيام الليل ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ـ صالح الدين من الورع وفساده في الطمع‪.‬‬

‫املهت دون أح رص الن اس على س المة دينهم‪ ،‬والبع د عن ك ل أم ر يش وبه‪ ،‬ل ذا ف إن أم ري‬
‫املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ي بني يف ه ذه الكلم ة املوجزة أن ال ورع ـ وه و‬
‫الكف عن احملارم والتحرج منها‪ ،‬وكذلك عن بعض املباح واحلالل خشية الوقوع يف احلرام( ) ـ‬
‫‪5‬‬

‫سبب يف سالمة الدين‪ ،‬الورع يف املأكل‪ ،‬الورع يف املشرب‪ ،‬الورع يف امللبس وحنو ذلك‪ .‬كما‬

‫() نثر الآليلء ( خمطوط )‪ ،‬ورقه ‪ ،53‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نثر الآليلء ( خمطوط )‪ ،‬ورقة ‪ ،55‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬ورقه ‪ ،53‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،388 / 8‬مادة [ورع]‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪300‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أن الطمع ـ وهو احلرص على الشيء ورجاؤه( ) ـ فساد للدين‪ ،‬ألن اإلنسان بطمعه رمبا أخذ شيًئا‬
‫‪1‬‬

‫ال حيل له‪ ،‬ويف ذلك نقصان لدينه‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ـ طوبى لمن عمل بعلمه‪.‬‬

‫املهتدون يف األصل هم أحرص الناس على العلم النافع‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يرغبهم يف هذه الكلمة املوجزة بالعمل هبذا العلم‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مر السحاب‪.‬‬
‫تمر َّ‬
‫ـ الفرصة ُّ‬

‫للمكاسب واملغامن فرص يف هذه احلياة‪ ،‬يطيب فيها الكسب والربح‪ ،‬سواء يف أمور ال دين‬
‫أو الدنيا‪ .‬واملقصود من الفرصة يف كلمة أمري املؤمنني فرصة الدين ال فرصة الدنيا‪ ،‬فهو ‪ -‬رض ي‬
‫تزهيدا فيها‪ .‬ويف هذه الكلمة املوجزة حث على‬
‫اهلل عنه ‪ -‬من أبعد الناس عن الدنيا‪ ،‬وأشدهم ً‬
‫اغتنام الفرصة قبل فواهتا‪.‬‬

‫ويف احلث على اغتنام الفرص قد أوصى رسول اهلل ص كما يف حديث ابن عباس (رضي‬
‫مخس ا قبل مخس‪ :‬شبابك قبل‬
‫اهلل عنهما) قال‪ :‬قال رسول اهلل ص لرجل وهو يعظه‪ (( :‬اغتنم ً‬
‫هرمك‪ ،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وحياتك قبل موتك ))‬
‫( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬املرجع السابق ‪ ،240 / 8‬مادة [طمع]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء ( خمطوط )‪ ،‬ورقه ‪ ،53‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬ورقة ‪ ،54‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه احلاكم يف املستدرك ‪ ،306 / 4‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخني ومل خيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪301‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)5‬‬
‫ـ قسوة القلب من الشبع‪.‬‬

‫القلوب مترض كما مترض األبدان‪ ،‬وألمراضها عالج‪ ،‬كما ألمراض األبدان عالج‪ ،‬ومن‬
‫أمراض القلوب قسوهتا ـ أعاذنا اهلل من ذلك مبنه وكرمه ـ واملهتدون أحرص على سالمة قلوهبم‬
‫منهم على س المة أب داهنم‪ ،‬ويبني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬سببًا من‬
‫حرصا على سالمة قلوهبم‪.‬‬
‫أسباب قسوة القلب وهو الشبع‪ ،‬ليتجنبه املهتدون ً‬

‫() نثر الآليلء ( خمطوط )‪ ،‬ورقة ‪ ،54‬وجه ‪.1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪302‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الدعوة بالرسالة‬

‫الرسالة اسم ملا يرسل( )‪ ،‬واملقصود هبا يف هذا املنهج‪ :‬مايبعث به أمري املؤم نني علي بن أيب‬
‫‪1‬‬

‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من كتب حتوي الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬إىل فرد أو مجاعة‪.‬‬

‫والرسالة وسيلة من وسائل الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وقد سلك هذه الوسيلة رسول‬
‫اهلدى وإمام الدعاة حممد ص‪ .‬فرسائله الدعوية للمهتدين وغريهم مشهورة معروفة ( )‪ .‬وألمري‬
‫‪2‬‬

‫املؤمنني علي بن أىب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬الكث ري من الرس ائل‪ ،‬أفرده ا بعض الكتاب( ) يف‬
‫‪3‬‬

‫مؤلف أمساه (رسائل اإلمام علي عليه السالم ) بلغت الرسائل يف هذا املؤلف ‪ 80‬رسالة تقريبً ا‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كما بلغ جمموع رسائل أمري املؤمنني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف كتاب (مجهرة رسائل العرب )‬
‫‪ 77‬رسالة تقريبًا‪.‬‬

‫وتعود أمهية الرسالة الدعوية إىل مايلي‪-:‬‬


‫‪ -1‬رمبا ال يتمكن الداعي من خماطبة املدعو إما لبعد أو حنوه‪ ،‬فيحتاج الداعي إىل الرسالة لتبليغ‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫‪ -2‬توفر للداعي فرصة أكرب الختيار الكلمات ومراجعتها قبل تبليغها للمدعو‪.‬‬
‫بعيدا عن املؤثرات اليت تصاحب لقاء‬
‫‪ -3‬توفر للمدعو فرصة التفكري اجملرد يف مضمون الرسالة ً‬
‫الداعي‪.‬‬
‫‪ -4‬توفر للمدعو فرصة النظر يف هذه الكلمات من حني آلخر عند حاجته إليها‪.‬‬

‫() إبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط ص ‪.344‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد يف هدي خري العباد ‪.124 - 117 /1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهو ‪ :‬د‪ .‬كامل حيدر‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تأليف ‪ :‬أمحد زكي صفوت‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪303‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واملرس ل‬ ‫‪ -5‬تشعر املدعو باهتمام الداعي به ؛ ألن الرسالة نوع من العالقة اخلاصة بني ِ‬
‫املرس ل‬
‫َ‬
‫إليه‪.‬‬

‫ومما ساعد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ - -‬بعد توفيق اهلل سبحانه‬
‫وتع اىل ل ه ‪ -‬قدرت ه البالغي ة على اختي ار الكلم ات‪ ،‬وتنس يق العب ارات‪ ،‬إض افة إىل م ا عن ده من‬
‫س عة العلم وق وة الفهم‪ ،‬والفن يف خماطب ة الن اس‪ ،‬كي ف ال ؟! وه و القائ ل‪ (( :‬ح دثوا الن اس مبا‬
‫يعرفون‪ ،‬أحتبون أن يكذب اهلل ورسوله ؟ ))( )‪ .‬لذا فقد كانت رسائله الدعوية ذات تأثري بالغ‬
‫‪1‬‬

‫على املهتدين‪ ،‬ومن أمثلة هذه الرسائل الدعوية ما يلي‪-:‬‬

‫رسالته إلى عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما)‬

‫عن عبداهلل بن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪ :‬ما انتفعت بكالم أحد بعد رسول اهلل‬
‫ص كانتفاعي بكتاب كتب به إيل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فإنه كتب إيل‪:‬‬

‫(( أم ا بع د ف إن املرء يس وءه ف وت م ا مل يكن ليدركه‪ ،‬ويس ره درك م ا مل يكن ليفوت ه‪،‬‬
‫فليكن سرورك مبا نلت من أمر آخرتك‪ ،‬وليكن أسفك على ما فاتك منها‪ ،‬وما نلت من دنياك‬
‫فرحا‪ ،‬وما فاتك منها فال تأس عليه حزنًا‪ ،‬وليكن مهك فيما بعد املوت ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫فال تكثرن به ً‬

‫رسالته إلى محمد بن أبي بكر (رضي اهلل عنهما)‬

‫كتب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل حممد بن أيب بكر الصديق‬
‫مقتصرا على سياسة الوالية‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫(رضي اهلل عنهما) كتابًا عندما واله مصر ومل يكن هذا الكتاب‬
‫حيوي دعوة حممد بن أيب بكر الصديق (رضي اهلل عنهما) إىل اهلل‪ ،‬ومما جاء يف هذا الكتاب‪:‬‬

‫() ذكره البخاري يف صحيحه تعلي ًقا‪ ،‬كتاب العلم ‪.62 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪ .327 / 1‬ود‪ .‬كامل حيدر‪ ،‬رسائل اإلمام علي ص ‪.106‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪304‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫حمتاجا إىل نصيبك من الدنيا‪ ،‬إال أنك إىل نصيبك من‬


‫(( واعلم يا حممد‪ :‬أنك وإن كنت ً‬
‫اآلخ رة أح وج‪ ،‬ف إن ع رض ل ك أم ران‪ :‬أح دمها لآلخ رة‪ ،‬واآلخ ر لل دنيا‪ ،‬فاب دأ ب أمر اآلخ رة‪،‬‬
‫ولتعظم رغبتك يف اخلري‪ ،‬ولتحسن فيه نيتك‪ ،‬فإن اهلل عز وجل يعطي العبد على قدر نيته‪ ،‬وإذا‬
‫أحب اخلري وأهله ومل يعمله كان ـ إن شاء اهلل‪ -‬كمن عمله‪ ،‬فإن رسول اهلل ص قال حني رجع‬
‫ألقواما‪ :‬م ا س رمت من مس ري‪ ،‬وال هبطتم من واد إال ك انوا معكم‪ ،‬م ا‬
‫من تب وك‪ (( :‬إن باملدين ة ً‬
‫حبسهم إال املرض‪ :‬يقول كانت هلم نية ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫مث اعلم ي ا حمم د أين ق د وليت ك أعظم أجن ادي‪ :‬أه ل مص ر‪ ،‬ووليت ك م ا وليت ك من أم ر‬
‫الناس‪ ،‬فأنت حمقوق أن ختاف فيه على نفسك‪ ،‬وحتذر فيه على دينك‪ ،‬ولو كان ساعة من هنار‪،‬‬
‫فإن استطعت أن ال تسخط ربك لرضا أحد من خلقه فافعل‪ ،‬فإن يف اهلل َخلَفًَا من غريه‪ ،‬وليس‬
‫اش تَ َّد على الظ امل‪َ ،‬ولِ ْن أله ل اخلري‪ ،‬وق رهبم إلي ك‪ ،‬واجعلهم بطانت ك‪،‬‬
‫ف من ه‪ ،‬فَ ْ‬
‫يف ش يء َخلَ ٌ‬
‫()‬
‫وإخوانك والسالم ))‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫رسالته إلى عثمان بن حنيف‬

‫أمر أنكره عليه‪ ،‬فكان مما‬


‫كان عثمان بن حنيف وايل علي على البصرة‪ ،‬وقد بلغه عنه ٌ‬
‫كتبه إليه علي بن طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ما يلي‪:‬‬

‫أقوام ا باملدين ة خلفن ا‪ ،‬ما سلكنا شعبًا وال واديً ا إال وهم معن ا في ه‪ ،‬حبسهم‬
‫() أخرج ه البخاري بلفظ (( إن ً‬
‫‪1‬‬

‫العذر)) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري ‪.316 / 2‬ومسلم بلفظ (( إن باملدينة لرجااًل ما سرمت ً‬
‫مسريا‪،‬‬

‫وال قطعتم واديًا‪ ،‬إال كانوا معكم حبسهم املرض )) كتاب اإلمارة ‪.1518 / 3‬‬
‫() أمحد زكي صفوت‪ ،‬مجه رة رس ائل الع رب ‪ .474 / 1‬ود‪ .‬كام ل حي در‪ ،‬رس ائل اإلم ام علي ص ‪.94‬‬ ‫‪2‬‬

‫والطربي بنحوه‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.67 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪305‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إمام ا يقتدى به‪ ،‬ويستضيء بعلمه‪ ،‬أال إن إمامكم قد اكتفى من‬


‫(( أال وإن لكل مأموم ً‬
‫دني اه بطمريه( )‪ ،‬ومن طعم ه بقرص يه‪ ،‬أال وإنكم ال تق درون على ذل ك‪ ،‬ولكن أعين وين ب ورع‬ ‫‪1‬‬

‫وفرا‪ ،‬وال‬
‫واجتهاد‪ ،‬وعفة وس داد‪ ،‬فواهلل ما ك نزت من دنياكم ت ًربا‪ ،‬وال ادخ رت من غنائمها ً‬
‫شربا‪.) ())...‬‬
‫‪3‬‬
‫()‬
‫طمرا ‪ ،‬وال حزت من أرضها ً‬
‫أعددت لبايل ثويب ً‬
‫‪2‬‬

‫() الطِّ ْم ُر ‪ :‬الثوب اخللق‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،502 / 4‬مادة [طمر] )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫جديدا يلبسه كما يفعل الناس‪.‬‬


‫طمرا يلبسه بداًل عن ثوبه الذي يبلى‪ ،‬فضاًل عن أن يعد ثوبًا ً‬
‫() مل يعد ثوبًا ً‬
‫‪2‬‬

‫() أمحد زكي صفوت‪ ،‬مجهرة رسائل العرب ‪474 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪306‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫معالم دعوة المهتدين عند أمير المؤمنين‬

‫أواًل ‪ :‬التزهيد في الدنيا‬

‫التحقري من شأن الدنيا والتزهيد هبا هاجس أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬الذي ال يغفل عنه وال ينساه‪ ،‬فال تكاد ختلو خطبة من خطبه‪ ،‬أو موعظة من مواعظه من‬
‫ذكر الدنيا والتحقري من شأهنا‪ ،‬والتحذير منها‪ .‬وما ذاك إال لشدة خطرها وعظم ضررها على‬
‫املهتدين بالذات‪.‬‬

‫ولعظم خط ر ال دنيا فق د ح ذر منه ا املوىل ( س بحانه وتع اىل ) يف ع دة آي ات من كتاب ه‬


‫الك رمي‪ ،‬كم ا يف قول ه س بحانه { ي ا أيه ا ال ذين آمن وا م ا لكم إذا قي ل لكم انف روا يف س بيل اهلل‬
‫إثاقلتم إىل األرض أرضيتم باحلياة الدنيا من اآلخرة فما متاع احلياة الدنيا من اآلخرة إال قليل }‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يوما ال جيزي والد عن ولده وال مولود هو‬


‫وقوله { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا ً‬
‫جاز عن والده شيًئا إن وعد اهلل حق فال تغرنكم احلياة الدنيا و اليغرنكم باهلل الغرور}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كثريا ما حيذر أصحابه الدنيا‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬


‫كما أن رسول اهلل عليه الصالة والسالم كان ً‬

‫أن رسول اهلل ص بعث أبا عبيدة بن اجلراح إىل البحرين يأيت جبزيتها‪ ،‬وكان رسول اهلل‬
‫وأمر عليهم العالء بن احلضرمي‪ ،‬فقدم أبو عبيدة مبال من البحرين‪،‬‬
‫ص هو صاحل أهل البحرين َّ‬
‫فسمعت األنصار بقدومه‪ ،‬فوافقت صالة الصبح مع‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول اهلل ص حني رآهم‪ ،‬وقال‪ :‬أظنكم مسعتم‬
‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة لقمان‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪307‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫بقدوم أيب عبيدة وأنه جاء بشيء‪ .‬قالوا‪ :‬أجل‪ ،‬يا رسول اهلل ! قال‪ :‬فأبشروا وأملوا ما يسركم‪،‬‬
‫فواهلل ما الفقر أخشى عليكم‪ ،‬ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا‪ ،‬كما بسطت على‬
‫(‪)1‬‬
‫من كان قبلكم‪ ،‬فتنافسوها كما تنافسوها‪ ،‬وتلهيكم كما أهلتهم‪.‬‬

‫وهذه اخلشية من رسول اهلل ص على صحابته فيها داللة على أن مضرة الفقر دون مضرة‬
‫(‪)2‬‬
‫الغىن‪ ،‬ألن مضرة الفقر دنيوية غالبًا‪ ،‬ومضرة الغىن دينية غالبًا‪.‬‬

‫ويف وصية من رسول اهلل ص لعبداهلل بن عمر (رضي اهلل عنهما) يف شأن الدنيا‪ ،‬يقول‬
‫عبداهلل بن عمر (رضي اهلل عنهما)‪ :‬أخذ رسول اهلل ص مبنكيب( ) فقال‪ (( :‬كن يف الدنيا كأنك‬
‫‪3‬‬

‫غ ريب أو ع ابر س بيل( ) )) وك ان ابن عم ر يق ول‪ (( :‬إذا أمس يت فال تنتظ ر الص باح‪ ،‬وإذا‬ ‫‪4‬‬

‫أصبحت فال تنتظر املساء‪ ،‬وخذ من صحتك ملرضك‪ ،‬ومن حياتك ملوتك ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ويف ه ذا التوجي ه أراد رس ول اهلل ص من ابن عم ر (رض ي اهلل عنهم ا) أن ال يعل ق قلب ه‬
‫بشيء من الدنيا‪ ،‬بل يكون مهه وطنه الدائم وهو اآلخرة‪ ،‬فالدنيا ما هي إال لقاء احلاجة واجلهاز‬
‫لذلك الوطن الدائم‪.‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الرقاق ‪.177 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.245 / 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫ب ‪ :‬جممع عظم العضد والكتف‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،228 / 1‬مادة [نكب] )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫() املَْنك ُ‬
‫‪3‬‬

‫() ق ال الطي يب ‪ :‬ليس ت ( أو ) للش ك ب ل للتخي ري واإلباح ة‪ ،‬واألحس ن أن تك ون مبع ىن ب ل‪ ،‬فش به الناس ك‬ ‫‪4‬‬

‫السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه‪ ،‬وال مسكن يسكنه‪ .‬مث ترقى وأضرب عنه إىل عابر السبيل‪ ،‬ألن‬
‫الغ ريب ق د يس كن يف بل د الغرب ة‪ ،‬خبالف ع ابر الس بيل القاص د لبل د شاس ع‪ ،‬وبينهم ا أودي ة مردي ة‪ ،‬ومف اوز‬
‫مهلك ة‪ ،‬وقط اع طري ق‪ ،‬ف إن من ش أنه أن ال يقيم حلظ ة وال يس كن حملة‪ ( .‬ابن حج ر‪ ،‬فتح الب اري ‪/ 11‬‬
‫‪.) 234‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الرقاق ‪.176 / 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪308‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن أيب س عيد اخلدري ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص‪ (( :‬إن أك ثر م ا‬
‫أخ اف عليكم م ا خيرج اهلل لكم من برك ات األرض‪ .‬قي ل وم ا برك ات األرض ؟ ق ال‪ :‬زه رة‬
‫الدنيا( )‪ .‬فقال له رجل‪ :‬هل يأيت اخلري بالشر ؟ فصمت النيب ص حىت ظننت أنه ينزل عليه‪ ،‬مث‬ ‫‪1‬‬

‫جع ل ميس ح عن جبين ه‪ ،‬فق ال أين الس ائل ؟ ق ال‪ :‬أن ا‪ .‬ق ال أب و س عيد لق د محدناه حني طل ع‬
‫(‪)4‬‬
‫لذلك( )‪ .‬قال‪ :‬ال يأيت اخلري إال باخلري‪ ،‬إن هذا املال خضرة حلوة( )‪ ،‬وإن كل ما أنبت الربيع‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫يقت ل حبطًا( ) أو يُلِ ُّم( ) إال آكل ة اخلض رة‪ ،‬أكلت ح ىت إذا امت دت خاص رهتا اس تقبلت الش مس‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫فاجرتت( ) وثلطت( ) وبالت‪ ،‬مث عادت فأكلت وإن هذا املال حلوة من أخذه حبقه‪ ،‬ووضعه يف‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬

‫حقه فنعم املعونة هو‪ ،‬ومن أخذه بغري حقه كان كالذي يأكل وال يشبع ))( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫() املراد ب الزهرة الزين ة‪ ،‬وهي م ا فيه ا من أن واع املت اع والعني والثي اب وال زروع‪ ،‬وغريه ا‪ ،‬مما يفتخ ر الن اس‬ ‫‪1‬‬

‫حبسنه مع قلة البقاء‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 246 / 11‬‬
‫آخرا ملا رأوا مسألته سببًا‬
‫() احلاصل أهنم الموه أواًل حيث رأوا سكوت النيب ص فظنوا أنه أغضبه‪ ،‬مث محدوه ً‬
‫‪2‬‬

‫الستفادة ما قاله النيب ص‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 246 / 11‬‬
‫() ق ال ابن األنباري ‪ :‬قوله (( املال خضرة حلوة )) ليس هو صفة للم ال‪ ،‬وإمنا هو تشبيه‪ ،‬كأنه قال ‪ :‬املال‬ ‫‪3‬‬

‫كالبقل ة اخلض راء احلل وة‪ .‬انتهى‪ .‬والع رب تس مي ك ل ش يء مش رق ناض ر أخض ر‪ ( .‬ابن حج ر‪ ،‬فتح الب اري‬
‫‪.) 246 / 11‬‬
‫() الربيع ‪ :‬اجلدول‪ ،‬وإسناد اإلنبات إليه جمازي‪ ،‬واملنبت يف احلقيقة هو اهلل سبحانه وتعاىل‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح‬ ‫‪4‬‬

‫الباري ‪ .247 / 11‬وانظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1212 / 3‬مادة [ربع] )‪.‬‬


‫() احلب ط ‪ :‬أن تأك ل املاش ية فتك ثر ح ىت تنتفخ ل ذلك بطوهنا‪ ،‬وال خيرج عنه ا م ا فيه ا‪ .‬ويق ال حبطت الداب ة‬ ‫‪5‬‬

‫حتبط حبطًا إذا أصابت مرعى طيبً ا فأمعنت يف األكل حىت تنتفخ فتموت‪ ( .‬انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪/ 3‬‬
‫‪ ،1118‬مادة [حبط]‪ .‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 247 / 11‬‬
‫() أي يق رب من اهلالك‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،2032 / 5‬م ادة [ملم]‪.‬وابن حج ر‪ ،‬فتح الب اري ‪/ 11‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪.) 247‬‬
‫() أي اجت ذبت م ا أدخلت ه يف كرش ها من العل ف فأع ادت مض غه‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ ،611 / 2‬م ادة‬ ‫‪7‬‬

‫[جرر])‪.‬‬
‫() أي ألقت بعرها رقي ًقا‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1118 / 3‬مادة [ثلط] )‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الرقاق ‪.178 / 4‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪309‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما جاء عن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف التزهيد بالدنيا قوله‪:‬‬
‫(( ارحتلت ال دنيا م دبرة وارحتلت اآلخ رة مقبل ة‪ ،‬ولك ل واح دة منهم ا بن ون فكون وا من أبن اء‬
‫وغدا حساب وال عمل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫اآلخرة وال تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب‪ً ،‬‬

‫ومن ذلك قوله‪ (( :‬أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع‪ ،‬وإن اآلخرة قد أقبلت‬
‫وغدا السباق‪ ،‬أال وإنكم يف أيام أمل من ورائه أجل‪ ،‬فمن‬
‫وأشرفت باطالع‪ ،‬وإن املضمار اليوم ً‬
‫قصر يف أيام أمله قبل حضور أجله فقد خاب عمله‪ ...‬أال أيها الناس إمنا الدنيا عرض حاضر‬
‫يأكل منه الرب والفاجر‪ ،‬وإن اآلخرة وعد صادق‪ ،‬حيكم فيها ملك قادر‪. ) ()) ...‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال يف وصيته ألهل مصر‪ (( :‬وليعلم املرء منكم أن الدنيا دار بالء وفناء‪ ،‬واآلخرة دار‬
‫ج زاء وبق اء‪ ،‬فمن اس تطاع أن ي ؤثر م ا يبقى على م ا يف ىن فليفع ل‪ ،‬ف إن اآلخ رة تبقى وال دنيا‬
‫تفىن‪.) ( )) ...‬‬
‫‪3‬‬

‫وق ال يف وص يته البن عم ه ابن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا)‪ (( :‬وم ا نلت من دني اك فال‬
‫فرحا‪ ،‬وما فاتك منها فال تأس عليه حزنًا‪ ،‬وليكن مهك فيما بعد املوت ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫تكثرن به ً‬

‫وكتب إىل سلمان الفارسي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬أما بعد‪ ،‬فإن مثل الدنيا مثل احلية‪،‬‬
‫مسها‪ ،‬قاتل مسها‪ ،‬يهوي إليها الصيب اجلاهل‪ ،‬وحيذرها اللبيب العاقل‪ ،‬فأعرض عما يعجبك‬
‫لنِّي ٌ ُّ‬
‫فيها‪ ،‬لقلة ما يصحبك منها‪.) ())...‬‬
‫‪5‬‬

‫() البخ اري يف ص حيحه تعلي ًق ا‪ ،‬كت اب الرق اق ‪ .176 / 4‬وأخرج ه اإلم ام أمحد يف فض ائل الص حابة ‪/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،530‬وقال احملقق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .76 / 1‬وذكره‬
‫ابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪.321 / 1‬‬
‫() جزء من خطبة أوردها ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.7 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫() شرح ابن أيب احلديد ‪ .26 / 2‬و أمحد زكي صفوت‪ ،‬مجهرة رسائل العرب ‪474 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.327 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() علي اجلندي ورفقاؤه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام ص ‪.101‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪310‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومل يكن أمرياملؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬س لبيًا يف تزهي ده يف ال دنيا‪،‬‬
‫ب ل ي بني النظ رة الص حيحة هلا والفائ دة منه ا كم ا يف قول ه‪ (( :‬وال خ ري يف ال دنيا إال ألح د‬
‫رجلين‪ :‬رجل أذنب ذنبً ا فهو يتدارك ذلك بتوبة‪ ،‬أو رجل يسارع يف اخلريات‪ ،‬وال يقل عمل‬
‫يف تقوى‪ ،‬وكيف يقل ما يتقبل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن باب صرف نظر املهتدين عن الدنيا إىل اآلخرة جاء رجل إىل أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقال يا أمري املؤمنني إين عجزت عن مكاتبيت فأعين‪ ،‬فقال علي‪:‬‬
‫أال أعلم ك كلم ات علم نيهن رس ول اهلل ص ل و ك ان علي ك مث ل جب ل صرب( ) دن انري ألداه اهلل‬
‫‪2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫عنك‪ ،‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ :‬اللهم اكفين حباللك عن حرامك واغنين بفضلك عمن سواك‪.‬‬

‫أمرا من أمور الدنيا‪ ،‬ولكن وجهه إىل‬


‫فعلي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل جيب السائل إىل طلبه ً‬
‫ما هو أفضل‪ ،‬وجهه إىل أمر من أمور اآلخرة‪ ،‬الذي فيه النفع للعاجل واآلجل‪ ،‬وقد سلك أمري‬
‫املؤم نني علي بن أىب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ه ذا هنج رس ول اهلل ص كم ا يف ح ديث‬
‫خادما( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫فاطمة (رضي اهلل عنها) عندما جاءت تسأله ً‬

‫ثانيًا‪ :‬الترغيب في العلم والحث على العمل به‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .75 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.321 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف الرتمذي (ثبري) ويف املستدرك (صبري)‪ ،‬وقال الشوكاين يف حتفة الذاكرين ص ‪ : 241‬صرب بفتح الصاد‬ ‫‪2‬‬

‫املهملة وكسر الباء املوحدة وآخره راء جبل باليمن مشهور‪ .‬وقال احلموي يف معجم البلدان ‪: 392 / 3‬‬
‫اسم اجلبل الشامخ العظيم املطل على قلعة تعز‪.‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬فضائل الصحابة حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ .707 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪3‬‬

‫حسن‪ .‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ 560 / 5‬وقال ‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬واحلاكم يف املستدرك‬
‫‪ ،538 / 1‬وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ومل خيرجاه ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫() راجع صفحة ‪.123‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪311‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املهت دون هم أه ل العلم‪ ،‬وهم أح رص الن اس على العم ل ب ه‪ ،‬ومما ي دل على أمهي ة العلم‬
‫للمهتدين أمر اهلل سبحانه وتعاىل نبيه الكرمي بطلب الزيادة منه كما يف قوله { وقل رب زدين‬
‫()‬
‫علم ا‪،‬‬
‫علما } ‪ .‬كما كان من دعائه ص (( اللهم انفعين مبا علمتين‪ ،‬وعلمين ما ينفعين‪ ،‬وزدين ً‬
‫ً‬
‫‪1‬‬

‫واحلمد هلل على كل حال‪ ،‬وأعوذ باهلل من حال أهل النار ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما ورد عن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف احلث على العلم‬
‫والعمل به قوله‪ (( :‬تعلموا كتاب اهلل فإنه أفضل احلديث‪ ،‬وتفقهوا يف الدين فإنه ربيع القلوب‪،‬‬
‫واستش فوا بن وره فإن ه ش فاء ملا يف الص دور‪ ،‬وأحس نوا تالوت ه فإن ه أحس ن القص ص‪ ،‬وإذا ق رئ‬
‫الق رآن عليكم فاس تمعوا ل ه وأنص توا لعلكم ترمحون‪ ،‬وإذا ه ديتم لعلم ه ف اعملوا مبا علمتم ب ه‬
‫لعلكم هتتدون ‪.) ())...‬‬
‫‪3‬‬

‫ومن ذلك قوله‪ (( :‬وال يستحيي ـ إذا مل يعلم ـ أن يتعلم‪ ،‬وال يستحيي ـ إذا سئل عما ال‬
‫يعلم ـ أن يقول ال أعلم ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقوله‪ (( :‬ليس اخلري أن يكثر مالك وولدك‪ ،‬ولكن اخلري أن يكثر علمك ويعظم حلمك‪،‬‬
‫وأن تباهي الناس بعبادة ربك ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() سورة طه‪ ،‬جزء من اآلية ‪.114‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬من حديث أيب هريرة (رضي اهلل عنه)‪ ،‬كتاب الدعوات ‪،578 / 5‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‪ .‬وابن ماجة يف سننه‪ ،‬املقدمة ‪ .92 / 1‬وقال‬
‫األلباين يف صحيح سنن الرتمذي ‪ : 186 / 3‬صحيح دون قوله ‪ (( :‬واحلمد هلل‪.)) ...‬‬
‫() جزء من خطبة طويلة أوردها ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ ،309 ،308 / 7‬وقال ‪ :‬هذه خطبة بليغة‬ ‫‪3‬‬

‫نافعة جامعة للخري ناهية عن الشر‪ ،‬وقد روي هلا شواهد من وجوه أخر متصلة وهلل احلمد واملنة‪.‬‬
‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .76 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.326 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .75 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.321 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪312‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وقوله يف وصيته لكميل بن زي اد‪ (( :‬ياكميل بن زياد‪ ،‬القلوب أوعية‪ ،‬فخريها أوعاها‬
‫للعلم‪ ،‬احفظ ما أقول لك‪ ،‬الناس ثالثة‪ :‬عامل رباين‪ ،‬ومتعلم على سبيل جناة‪ ،‬ورعاع أتباع كل‬
‫ناعق‪ ،‬مييلون مع كل ريح‪ ،‬مل يستضيئوا بنور العلم‪ ،‬ومل يلجأوا إىل ركن وثيق‪ .‬العلم خري من‬
‫املال‪ ،‬العلم حيرسك وأنت حترس املال‪ ،‬العلم يزكو على العمل واملال تنقصه النفقة‪ ،‬العلم حاكم‬
‫واملال حمكوم عليه‪ ،‬وصنيعة املال تزول بزواله‪ ،‬وحمبة العامل دين يدان هبا‪ ،‬العلم يكسبه الطاعة يف‬
‫حياته‪ ،‬ومجيل األحدوثة بعد مماته‪ ،‬مات خزان املال وهم أحياء‪ ،‬والعلماء باقون ما بقي الدهر‪،‬‬
‫أعياهنم مفقودة‪ ،‬وأمثاهلم يف القلوب موجودة‪.) ()) ...‬‬
‫‪1‬‬

‫حريصا على بذل العلم لصحابته‪ ،‬فقد كان ‪ -‬رضي‬


‫ً‬ ‫وكان من جهته‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫اهلل عنه ‪ -‬حيثهم على سؤاله واستفتائه‪ ،‬كما يف حديث سعيد بن املسيب قال‪ { :‬مل يكن أحد‬
‫من أصحاب النيب ص يقول سلوين إال علي بن أيب طالب }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كم ا حيث الرج ل منهم على االس تفتاء كوس يلة لنف ع اآلخ رين‪ ،‬حيث يق ول ألص حابه‪:‬‬
‫{ أال رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه }( )‪ .‬ومل يكن بذل العلم متوق ًف ا على إجابة السائلني‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫بل يبتدئهم بالفائدة من غري طلب‪.‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .79 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.331 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،646 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪2‬‬

‫ص حيح‪ .‬وابن عب د ال رب‪ ،‬ج امع بي ان العلم وفض له ص ‪ .183‬وك ذلك يف االس تيعاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د‬
‫البج اوي ص ‪ ،1103‬واحلاكم يف املس تدرك ‪ .352 / 2‬بلف ظ آخ ر‪ .‬وابن األث ري يف أس د الغاب ة ‪.32 / 4‬‬
‫وذكره والسيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬
‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪ .183‬وابن أيب شيبة يف املصنف ‪.46 / 9‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪313‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أيضا ما ورد يف وصف ضرار الصدائي لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬


‫ويدل على هذا املعلم ً‬
‫اهلل عن ه ‪ -‬وال ذي ي بني في ه اهتمام ه بب ذل العلم هلم‪ ،‬حيث يق ول ض رار‪(( :‬ك ان فين ا كأح دنا‪،‬‬
‫جييبنا إذا سألناه‪ ،‬وينبئنا إذا استنبأناه ))‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التنبيه على فضائل األعمال‬

‫إن املتأم ل ملنهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف دع وة املهت دين‬
‫ليجد من معامل هذا املنهج حرصه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على التنبيه على فضائل األعمال‪ ،‬ألن من‬
‫طبيع ة املهت دين احلرص على فض ائل األعم ال‪ ،‬والتس ابق إليه ا‪ ،‬ل ذا ف إن من األم ور املهم ة يف‬
‫دعوهتم االهتمام هبذا اجلانب‪.‬‬

‫ومما ورد يف خطب ة ل ه‪ (( :‬أوص يكم بتق وى اهلل ف إن أفض ل م ا توس ل ب ه العب د اإلميان‬
‫واجله اد يف س بيله‪ ،‬وكلم ة اإلخالص فإهنا الفط رة‪ ،‬وإق ام الص الة فإهنا املل ة‪ ،‬وإيت اء الزك اة فإهنا‬
‫فريض ته‪ ،‬وص وم ش هر رمض ان فإن ه جن ة من عذاب ه‪ ،‬وحج ال بيت فإن ه منف اة مدحض ة لل ذنب‪،‬‬
‫وصلة الرحم فإهنا منسأة يف األجل‪ ،‬حمبة يف األهل‪ ،‬وصدقة السر فإهنا تكفر اخلطيئة‪ ،‬وتطفيء‬
‫غضب الرب‪ ،‬وصنع املعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع اهلول‪ ،‬أفيضوا يف ذكر اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫كل ذلك مجلة من فضائل األعمال حيثهم عليها أمري املؤمنني علي بن‬ ‫فإنه أحسن الذكر‪))...‬‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫ويف تنبي ه من أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على فض يلة زي ارة‬
‫املريض اس تغل فرص ة جميء عم رو بن ح ريث يع ود احلس ن بن علي (رض ي اهلل عنهم ا) ق ال ل ه‬
‫علي‪ :‬أتعود احلسن ويف نفسك ما فيها ؟ فقال له عمرو‪ :‬إنك لست بريب فتصرف قليب حيث‬
‫شئت ! قال علي‪ :‬أما إن ذلك ال مينعنا أن نؤدي النصيحة‪ ،‬مسعت رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬ما‬
‫() جزء من خطبة طويلة أوردها ابن كثري يف البداية والنهاية ‪.309 ،308 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪314‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫من مس لم ع اد أخ اه إال ابتعث اهلل س بعني أل ف مل ك يص لون عليه من أي س اعات النه ار ك ان‬
‫حىت ميسي‪ ،‬ومن أي ساعات الليل كان حىت يصبح )) قال له عمرو‪ :‬كيف تقول يف املشي يف‬
‫اجلن ازة بني ي ديها أو خلفه ا ؟ فق ال علي‪ :‬إن فض ل املش ي من خلفه ا على بني ي ديها كفض ل‬
‫ص الة املكتوب ة يف مجاع ة على الوح دة‪ ،‬ق ال عم رو‪ :‬ف إين رأيت أب ا بك ر وعم ر ميش يان أم ام‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلنازة ؟ قال علي‪ :‬إهنما إمنا كرها أن حيرجا الناس‪.‬‬

‫كما نبه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أبا موسى األشعري على هذا‬
‫الفضل‪ ،‬كما يف حديث ثوير بن أيب فاختة( ) عن أبيه قال‪ :‬أخذ علي بيدي‪ ،‬قال‪ :‬انطلق بنا إىل‬
‫‪2‬‬

‫أعائدا جئت يا أبا موسى‬


‫احلسن نعوده‪ ،‬فوجدنا عنده أبا موسى‪ ،‬فقال علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ً -‬‬
‫مسلما‬
‫عائد ا‪ ،‬فقال علي مسعت رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬ما من مسلم يعود ً‬
‫زائرا ؟ قال ال بل ً‬
‫أم ً‬
‫غدوة إال صلى عليه سبعون ألف ملك‪ ،‬حىت ميسي‪ ،‬وإن عاده عشية إال صلى عليه سبعون ألف‬
‫ملك حىت يصبح‪ ،‬وكان له خريف يف اجلنة( ) ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،110 /2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.234 / 3‬‬


‫() ه و س عيد بن عالق ة اهلامشي أب و اجلهم الك ويف‪ ،‬ق ال احلاكم ‪ :‬ليس ب القوي عن دهم‪ .‬ذك ره العقيلي وابن‬ ‫‪2‬‬

‫اجلارود وأبو العرب الصقلي يف الضعفاء‪ .‬قال سفيان الثوري ‪ :‬كان ثوير من أركان الكذب‪ .‬وأما أبو فاختة‬
‫(والد ثوير فقد وثقه العجلي والدارقطين‪ ،‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪(.‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب‬
‫‪.) 63 / 4 ،33 ،2/32‬‬
‫() خري ف اجلن ة ‪ :‬خمروف من مثر اجلن ة‪ ،‬فعي ل مبع ىن مفع ول‪ ،‬وهذا ـ واهلل أعلم ـ أن ه بس عيه إىل عي ادة املريض‬ ‫‪3‬‬

‫يستوجب اجلنة وخمارفها‪ ( .‬اخلطايب‪ ،‬معامل السنن‪ ،‬املطبوع على حاشية سنن أيب داود ‪.) 476 / 3‬‬
‫() أخرج ه أب و داود يف س ننه‪ ،‬كتاب اجلن ائز ‪ .476 / 3‬والرتمذي يف س ننه واللف ظ ل ه‪ ،‬كت اب اجلنائز ‪/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،301‬وق ال أب و عيس ى ‪ :‬ه ذا ح ديث حس ن غ ريب‪ .‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬كت اب اجلن ائز ‪.463 / 1‬‬
‫وصححه األلباين‪ ،‬صحيح سنن الرتمذي ‪.286 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪315‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تنبيه ا من أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬


‫كم ا أن يف ه ذا احلديث ً‬
‫على أن هذا الفضل يشرتط له نية العمل‪.‬‬

‫ويف تنبيه من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على أفضل وقت الوتر‬
‫علي علين ا حني ث وب املث وب( )‪ ،‬فق ال‪ :‬أين الس ائل عن‬
‫‪1‬‬

‫ق ال أب و عب دالرمحن الس لمي‪ :‬خ رج ٌ‬


‫(‪)2‬‬
‫الوتر ؟ هذا حني وتر حسن‪.‬‬

‫ويف تنبي ه على فض ل اجلل وس يف املص لى بع د ص الة الفج ر ق ال عط اء بن الس ائب ق ال‪:‬‬
‫دخلت على أيب عب دالرمحن الس لمي وق د ص لى الفج ر وه و ج الس يف اجمللس‪ ،‬فقلت‪ :‬ل و قمت‬
‫إىل فراشك كان أوطأ لك ؟ فقال‪ :‬مسعت علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول‪ :‬مسعت‬
‫رس ول اهلل ص يق ول‪ (( :‬من ص لى الفج ر مث جلس يف مص اله ص لت علي ه املالئك ة‪ ،‬وص الهتم‬
‫عليه‪ :‬اللهم اغفر له‪ ،‬اللهم ارمحه‪ ،‬ومن ينتظر الصالة صلت عليه املالئكة‪ ،‬وصالهتم عليه‪ :‬اللهم‬
‫اغفر له‪ ،‬اللهم ارمحه ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫رابعا‪ :‬الواقعية في التوجيه‬


‫ً‬

‫تتمثل الواقعية يف التوجيه يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫دعوة املهتدين يف جانبني‪:‬‬
‫‪ -1‬جانب املدعو‪.‬‬
‫‪ -2‬جانب املدعو إليه‪.‬‬
‫() املثوب هو املؤذن‪ ،‬والتثويب هو أن يقول يف األذان للصبح ‪ :‬الصالة خري من النوم مرتني‪ ،‬وقول علي ‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫"هذا حني وتر حسن" يوحي بأن األذان املقصود هو الذي يكون قبل دخول الوقت‪ ،‬كما كان بالل يؤذن‬
‫على عهد رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)‪( .‬انظر ‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪.)410-1/407‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،211 /2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ‪ ،306 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪316‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أما اجلانب األول فإن الواقعية فيه تعين أن التكليف املوجه إليه يتوافق مع طبيعته‪ ،‬ويدل‬
‫على ه ذا اجلانب ح ديث عاص م بن ض مرة ق ال ‪ (( :‬س ألنا عليً ا عن تط وع الن يب ص بالنه ار ؟‬
‫فق ال‪ :‬إنكم ال تطيقون ه‪ .‬ق ال‪ :‬قلن ا‪ :‬أخربن ا ب ه نأخ ذ من ه م ا أطقن ا))‪ .‬وملا أخ ربهم بتطوع ه ص‬
‫قال‪ (( :‬تلك ست عشرة ركعة تطوع النيب ص بالنهار‪ ،‬وقل من يداوم عليها )) ( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فإن املهتدي مهما بلغت به درجة االهتداء‪ ،‬واحلرص على العمل الصاحل‪ ،‬فلن‬

‫يبلغ عمل رسول اهلل ص‪.‬‬

‫وجانب آخر من جوانب الواقعية يتمثل يف رسالة أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫إىل ابن عمه عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) واليت تدل على معرفة علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫بطبيعة اإلنسان‪ ،‬حيث يقول‪ (( :‬أما بعد فإن املرء يسوءه فوت ما مل يكن ليدركه‪ ،‬ويسره درك‬
‫ما مل يكن ليفوته )) وحيث إن عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) ال ينفك عن طبيعة البشرية‬
‫مهم ا ك انت درج ة اهتدائ ه‪ ،‬ولكن االهت داء يه ذهبا أمجل هتذيب‪ ،‬ل ذا ك ان التوجي ه من أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬هبذا التهذيب لطبيع ة اإلنس ان بقول ه‪ (( :‬فليكن‬
‫س رورك مبا نلت من أم ر آخرت ك‪ ،‬وليكن أس فك على م ا فات ك منه ا‪ ،‬وم ا نلت من دني اك فال‬
‫فرحا‪ ،‬وما فاتك منها فال تأس عليه حزنًا‪ ،‬وليكن مهك فيما بعد املوت ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تكثرن به ً‬

‫واجلانب الث اين ج انب املدعو إلي ه‪ ،‬فالوقاي ة في ه تتمث ل يف إدراك ه ذا األم ر على م ا ه و‬
‫عليه‪ ،‬فالدعوة إىل الواجبات ختتلف عن الدعوة إىل النوافل واملستحبات‪ ،‬فالواجبات ـ مثاًل ـ قد‬
‫تتطلب الدعوة يف مرحلة من مراحلها إىل إلزام املدعو بفعلها‪ ،‬وعقابه على تركها‪ ،‬أما الدعوة‬
‫إىل النوافل واملستحبات فال تتجاوز مرحلة احلث والرتغيب إىل اإللزام والرتهيب‪.‬‬

‫() راجع صفحة ‪.315‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.327 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪317‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويدل على الواقعية يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ما ورد‬
‫عن عاص م بن ض مرة الس لويل ق ال‪ :‬ق ال علي‪ (( :‬أال إن ال وتر ليس حبتم كص التكم املكتوبة‪،‬‬
‫ولكن رسول اهلل ص أوتر‪ ،‬مث قال‪ :‬أوتروا يا أهل القرآن‪ ،‬أوتروا فإن اهلل وتر حيب الوتر ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن الواقعية يف جانب املدعو إليه ما حصل لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع‬
‫رسول اهلل ص فيما يرويه علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ص طرقه( ) وفاطمة بنت النيب‬
‫‪2‬‬

‫عليه السالم ليلة فقال أال تصليان فقلت‪ :‬يا رسول اهلل ! أنفسنا بيد اهلل فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا‪،‬‬
‫فانص رف حني قلت ذل ك ومل يرج ع إيل ش يًئا‪ ،‬مث مسعته وه و م ول يض رب فخ ذه وه و يق ول‬
‫{ وكان اإلنسان أكثر شيء جدالً}( )))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫فرسول اهلل ص مل يُْل ِز ْم عليً ا وفاطمة (رضي اهلل عنهما) بصالة الليل‪ ،‬ومل يعاتبهما لعدم‬
‫االستجابة‪ ،‬ألن صالة الليل ليست واجبة‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬ويف هذا احلديث منقبة لعلي ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬حيث مل يكتم ما فيه عليه أدىن غضاضة‪ ،‬فقدم مصلحة نشر العلم وتبليغه على كتمه‬
‫( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .310 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه‬ ‫‪1‬‬

‫الرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب الوتر ‪ ،316 / 2‬وقال أبو عيسى ‪ :‬حديث علي حديث حسن‪ .‬والنسائي يف سننه‪،‬‬
‫كتاب قيام الليل ‪ .229 / 3‬وصححه األلباين‪ ،‬صحيح سنن النسائي ‪.368 / 1‬‬
‫() الطرق ‪ :‬اجمليء بالليل‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1514 / 4‬مادة [طرق] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الكهف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.54‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب التهجد ‪.351 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫() فتح الباري ‪.11 / 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪318‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫دعــوة العصــاة‬

‫تع ــريف‬

‫اص‪ ،‬من العص يان وه و خالف الطاع ة‪ .‬عص ى العب د رب ه إذا‬ ‫ص اةُ يف اللغ ة‪ :‬مجع َع ٍ‬
‫العُ َ‬
‫ِ‬
‫وعص يانًا ومع ِ‬
‫ص ية إذا مل يطع ه‪ ،‬فه و ع ٍ‬
‫اص‬ ‫ص يًا ْ َ َ ْ‬ ‫خ الف أم ره‪ ،‬وعص ى فالن أم ريه َي ْعص يِه َع ْ‬
‫وع ِ‬
‫ص ٌّي‪ .‬ويق ال للفص يل ال ذي ال يتب ع أم ه‪ :‬العاص ي‪ ،‬كأن ه يعص يها وق د عص ى أم ه‪ .‬وك ذلك‬ ‫َ‬
‫العرق الذي ال يرقأ يسمى العاصي ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والعص اة يف االص طالح‪ :‬طائف ة من املس لمني ممن ش هدوا أن ال إل ه إال اهلل وأن حمم ًدا‬
‫رس ول اهلل‪ ،‬وأق اموا ش رائع ه ذا ال دين ال يت ال يتم إال هبا‪ ،‬ولكن الش يطان واهلوى غلب عليهم‪،‬‬
‫فخ الفوا بعض م ا أم ر اهلل ب ه ف رتكوه‪ ،‬وبعض م ا هنى اهلل عن ه ففعل وه‪ ،‬بش يء ال خيرجهم من‬
‫دائرة اإلسالم ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وميكن جعل العصاة يف هذا املنهج على صنفني‪-:‬‬

‫األول‪ :‬عصاة يف األعمال‪ ،‬كالزىن والسرقة وشرب اخلمر وحنوها يف جانب ارتكاب املنهيات‪،‬‬
‫وكالفطر يف رمضان يف جانب ترك املأمورات‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2429 / 6‬مادة [عصى]‪ .‬و ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،67 / 15‬مادة‬ ‫‪1‬‬

‫[عصا]‪.‬‬
‫() انظر ‪ :‬عبد الكرمي زيدان‪ ،‬أصول الدعوة ص ‪ .391‬وعلي حممود‪ ،‬فقه الدعوة إىل اهلل ‪.953 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪319‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫والثاني‪ :‬عصاة يف االعتقاد‪ ،‬وتتمثل يف البدع كحال الشيعة واخلوارج‪ ،‬الذين ظهروا يف عهد‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫ولكل نوع من هذين النوعني أسلوب خاص يف املعاجلة عند أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬السيما اخلوارج فقضيتهم ذات حساسية شديدة ؛ ألهنم‬
‫عرف وا باالجته اد يف العب ادة‪ ،‬وغلب عليهم اس م الق راء‪ ،‬وق د وص فهم رس ول اهلل ص بقول ه‪:‬‬
‫(( حيقر أحدكم صالته مع صالته( )‪ ،‬وصيامه مع صيامه ))( )‪ ،‬أضف إىل ذلك أهنم يستدلون‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫على دع واهم بآي ات من الق رآن الك رمي‪ ،‬مما جيع ل املواجه ة م ع أمث ال ه ؤالء حتت اج إىل حكم ة‬
‫وحنكة وقوة علم‪ ،‬مع تبصري اجملتمع حباهلم؛ أمنًا من ردود الفعل الناجتة من االغرتار حباهلم‪.‬‬

‫ومما ي دل على اغ رتار بعض الن اس هبذا الص نف ق ول جن دب بن عبداهلل البجلي( )‪ :‬ملا‬
‫‪3‬‬

‫فارقت اخلوارج عليً ا خرج يف طلبهم‪ ،‬فانتهينا إىل عسكرهم‪ ،‬فإذا هلم دوي كدوي النحل من‬
‫قراءة القرآن‪ ،‬وإذا فيهم أصحاب الربانس ‪ -‬أي الذين كانوا معروفني بالزهد والعبادة ‪ -‬قال‪:‬‬
‫فدخلين من ذلك شك‪ ،‬فنزلت عن فرسي‪ ،‬وقمت أصلي‪ ،‬فقلت‪ :‬اللهم إن كان يف قتال هؤالء‬
‫(‪)4‬‬
‫علي‪ ،‬فقال ملا حاذاين‪ :‬تعوذ باهلل من الشك يا جندب‪.‬‬
‫القوم لك طاعة فأذن يل فيه‪ .‬فمر يب ٌّ‬

‫المنهــج‬

‫أواًل ‪ :‬مع العصاة في األعمال‬

‫() هنا باإلفراد ويف بعض الروايات باجلمع كما يف صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة ‪.748 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب استتابة املرتدين ‪.281 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جندب بن عبداهلل بن سفيان البجلي مث العلقي‪ ،‬أبو عبداهلل‪ ،‬سكن الكوفة مث البصرة‪ ،‬قدمها مع‬ ‫‪3‬‬

‫مصعب بن الزبري‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.) 249 ،248 / 1‬‬
‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪297 ،296 / 12‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪320‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫هذا الصنف من العصاة أيسر على الدعاة من الصنف اآلخر ؛ ألن معاصيهم واضحة وال‬
‫علم ا بأن هذا الصنف من العصاة ال ينكرون ما هم‬
‫ختفى على من لديه ولو القلي ل من العلم‪ً ،‬‬
‫في ه من املعاص ي‪ ،‬وال يزعم ون أهنا من ب اب القرب ات‪ ،‬كم ا هي احلال عن د الص نف اآلخ ر‬
‫( العصاة يف االعتقاد ) أي أهل البدع واألهواء‪.‬‬

‫ولقد سلك أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع هذا الصنف أسلوبًا‬
‫دعويًا يتناسب مع ما هم عليه من املعاصي يتمثل بالنقاط اآلتية‪- :‬‬

‫الترهيب من المعصية‬

‫يكون ترهيب العاصي من معصيته بذكر ما يرتتب على هذه املعصية من العذاب والنكال‬
‫يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهذا الرتهيب ال يكون بأمر يفرتضه الداعي‪ ،‬بل مبا ورد على هذه املعصية‬
‫من الوعيد يف الكتاب والسنة‪.‬‬

‫وق د س لك الق رآن الك رمي س بيل ال رتهيب يف دع وة العص اة‪ ،‬كم ا يف قول ه س بحانه {وال ذين ال‬
‫يدعون مع اهلل إهلًا آخر وال يقتلون النفس اليت حرم اهلل إال باحلق و ال يزنون ومن يفعل ذلك‬
‫أثاما‪ .‬يضاعف له العذاب يوم القيامة وخيلد فيه مهانا}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫يلق ً‬

‫كما ورد يف سنة املصطفى ص األحاديث الكثرية يف الرتهيب من املعاصي وبيان ضررها‬
‫على فاعلها يف الدنيا واآلخرة‪ .‬ومن ذلك ما رواه أسامة بن زيد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬مسعت‬
‫رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬جياء بالرجل يوم القيامة فيلقى يف النار‪ ،‬فتندلق أقتابه( ) يف النار‪ ،‬فيدور‬
‫‪2‬‬

‫كما ي دور احلمار برحاه‪ ،‬فيجتم ع أه ل النار علي ه فيقولون‪ :‬أي فالن م ا شأنك ؟ أليس كنت‬
‫() سورة الفرقان‪ ،‬اآليتان ‪.69 ،68‬‬ ‫‪1‬‬

‫خارج ا فقد اندلق‪ ،‬واألقتاب هي األمعاء‪ .‬يقال ‪ :‬طعنه فاندلقت أقتاب‬


‫ً‬ ‫() االندالق ‪ :‬التقدم‪ ،‬وكل ما ندر‬ ‫‪2‬‬

‫بطنه أي خرجت أمعاؤه‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ 1476 / 4‬مادة [دلق]‪ 198/ 1 ،‬مادة [قتب] )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪321‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تأمرنا باملعروف وتنهانا عن املنكر ؟ قال‪ :‬كنت آمركم باملعروف وال آتيه‪ ،‬وأهناكم عن املنكر‬
‫(‪)1‬‬
‫وآتيه ))‬

‫ل ذا ف إن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬س لك ه ذا املنهج ب ذكر م ا‬
‫يرتتب على بعض املعاصي من القرآن الكرمي‪ ،‬أو مما مسعه من رسول اهلل ص‪.‬‬

‫ومما ج اء يف ال رتهيب م ا رواه علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن رس ول اهلل ص‬
‫قال‪ :‬قال النيب ص (( ال تكذبوا َعلَ َّي‪ ،‬فإنه من كذب علي فليلج النار ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما ورد يف هذا اجلانب‪ ،‬جانب الرتهيب على املعصية من كالم أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على قسمني‪- :‬‬

‫القسم األول‪ :‬التخويف من المعصية‬

‫يف التخويف من املعصية بسبب ما يرتتب عليها من العذاب يقول أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬إن اهلل وعد جنته ملن أطاعه‪ ،‬وأوعد ناره من عصاه‪ ،‬إهنا نار‬
‫ال يه دأ زفريه ا‪ ،‬وال يف ك أس ريها‪ ،‬وال جيرب كس ريها‪ ،‬حره ا ش ديد‪ ،‬وقعره ا بعي د‪ ،‬وماؤه ا‬
‫صديد‪.) ()) ...‬‬
‫‪3‬‬

‫فالعاص ي مه دد بالع ذاب يف الن ار ي وم القيام ة على معص يته‪ ،‬ويف كالم أم ري املؤم نني ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بي ان ملا يف الن ار من أن واع النك ال والع ذاب‪ ،‬ال ذي ينتظ ر العص اة‪ ،‬ويف ه ذا‬
‫إيق اظ للغفل ة‪ ،‬ورف ع جله ل العاص ي مبا أمام ه من النك ال و الع ذاب ؛ ألن العاص ي ل و أدرك م ا‬
‫يرتتب على معصيته من عظيم الذنب ملا أقبل عليها‪.‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب بدء اخللق ‪.436 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب العلم ‪.55 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.7 / 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪322‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وبتعبري آخر‪ ،‬ميكن القول بأن كالم أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫فيه شيء من رفع اجلهالة عن العاصي‪ ،‬اجلهالة املشار إليها بقوله سبحانه {إمنا التوبة على اهلل‬
‫عليم ا‬
‫لل ذين يعمل ون الس وء جبهالة مث يتوب ون من ق ريب فأولئك يت وب اهلل عليهم وك ان اهلل ً‬
‫حكيما }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ً‬
‫ق ال جماه د وغ ري واح د‪ :‬ك ل من عص ى اهلل خط ًأ أو عم ًدا فه و جاه ل ح ىت ي نزع من‬
‫الذنب( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال قتادة‪ :‬اجتمع أصحاب رسول اهلل ص فرأوا أن كل شيء عصي اهلل به فهو جهالة‪،‬‬
‫عمدا كان أو غريه( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ً‬

‫واجلهالة تكون بضرر املعصية‪ ،‬وإجياهبا لسخط اهلل وعقابه‪ ،‬وهو جهل من العاصي ملراقبة‬
‫اهلل له واطالعه عليه‪ ،‬وجهل منه مبا تؤول إليه من نقص اإلميان أو انعدامه‪.‬‬

‫فكل عاص هلل فهو جاهل هبذا االعتبار‪ ،‬وإن كان عاملا بالتحرمي‪ ،‬بل العلم بالتحرمي شرط‬
‫ً‬
‫لكوهنا معصية‪ ،‬معاقبًا عليها ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أيض ا يق ول خموفً ا من املعص ية ومبينً ا أهنا مص در البالء على اإلنس ان يف‬


‫ومن ه ذا الب اب ً‬
‫دنياه وأخراه‪ (( :‬ال يرج أحد إال ربه‪ ،‬و ال خيف إال ذنبه ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .464 / 1‬والسيوطي‪ ،‬الدر املنثور ‪ .459 /2‬وابن اجلوزي‪ ،‬زاد املسري‬ ‫‪2‬‬

‫‪.37 / 2‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .464 / 1‬والسيوطي‪ ،‬الدر املنثور ‪ .459 /2‬وابن اجلوزي‪ ،‬زاد املسري‬ ‫‪3‬‬

‫‪.37 / 2‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن سعدي‪ ،‬تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ‪.39 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪323‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية ( رمحه اهلل ) عن هذه الكلمة فكان مما قاله‪ :‬هذا من أحسن‬
‫الكالم وأبلغه وأمته‪ ،‬فإن الرجاء يكون للخري‪ ،‬واخلوف يكون من الشر‪ ،‬والعبد إمنا يصيبه الشر‬
‫بذنوب ه‪ ،‬كم ا ق ال تع اىل { وم ا أص ابكم من مص يبة فبم ا كس بت أي ديكم ويعف و عن كث ري }‬
‫( )‪...‬وق ال عم ر بن عب دالعزيز‪ (( :‬م ا ن زل بالء إال ب ذنب وال رف ع إال بتوب ة ))‪ .‬ولق د هنى اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫سبحانه وتعاىل عباده عن خوف أولياء الشيطان‪ ،‬وأمرهم خبوفه‪ ،‬وخوفه يوجب فعل ما أمر به‪،‬‬
‫وترك ما هنى عنه‪ ،‬واالستغفار من الذنوب‪ ،‬وحينئذ يندفع البالء‪ ،‬وينتصر على األعداء‪ ،‬وهلذا‬
‫قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬ال خيافن عبد إال ذنبه‪ .‬وإن سلط عليه‬
‫خمل وق‪ ،‬فم ا س لط علي ه إال بذنوب ه‪ ،‬فليخ ف اهلل‪ ،‬وليتب من ذنوب ه ال يت نال ه هبا م ا نال ه‪ .‬انتهى‬
‫كالمه رمحه اهلل( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وحيذر العاص ي من االغ رتار بالس رت علي ه وخيوف ه مما ق د حيص ل ل ه يف مس تقبله فيق ول‪:‬‬
‫(( كم مس تدرج باإلحس ان إليه‪ ،‬وكم من مغ رور بالس رت علي ه‪ ،‬وكم من مفت ون حبس ن الق ول‬
‫فيه‪ .‬وما ابتلي أحد مبثل اإلمالء له‪ ،‬أمل تسمع إىل قول اهلل عز وجل‪ { :‬إمنا منلي هلم ليزدادوا إمثًا‬
‫}( ) ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرج ه ابن أيب ش يبة يف املص نف ‪ .284 / 13‬وذك ره اليعق ويب يف تارخيه ‪ .206 / 2‬و الثع اليب يف‬ ‫‪5‬‬

‫اإلعجاز واإلجياز ص ‪.27‬‬


‫() سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جمموع الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد ) ‪.164 - 161 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬جزء من اآلية ‪.178‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.206 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪324‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف معرض الرتهيب من املعصية يبني أثرها على عبادة اإلنسان ومعيشته فيقول‪ (( :‬جزاء‬
‫املعصية الوهن يف العبادة‪ ،‬والضيق يف املعيشة‪ ،‬والنقص يف اللذة‪ ،‬قيل وما النقص يف اللذة ؟ قال‪:‬‬
‫ال ينال شهوة حالل إال جاءها ما ينغصه إياها))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬التهديد والوعيد‬

‫والتهديد والوعيد للعاصي على معصيته يكون سببًا لإلقالع عن هذه املعصية وعدم العود‬
‫إليه ا ثاني ة‪ ،‬ومما ورد من هتدي د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ألص حاب‬
‫املعاص ي‪ ،‬م ا ورد يف قص ة املرأة ال يت جاءت ه فق الت‪ :‬ي ا ويله ا ! إن زوجه ا وق ع على جاريته ا‪،‬‬
‫فقال‪ (( :‬إن كنت صادقة رمجناه‪ ،‬وإن كنت كاذبة جلدناك ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف هذا هتديد من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬للمرأة إن كانت‬
‫كاذبة‪ ،‬ولزوجه ا إن كانت صادقة‪ ،‬مما جع ل املرأة تتحني الفرصة وهترب من املكان خشية مما‬
‫(‪. )3‬‬
‫قيل كما يف الرواية الثانية‪ (( :‬مث تصربت الناس حىت اختلطوا‪ ،‬فذهبت املرأة ))‬

‫وعن ابن سريين قال‪ :‬قال علي‪ (( :‬لو أتيت به لرمجته ‪ ،‬يعين الذي يقع على جارية امرأته‪،‬‬
‫إن ابن مسعود ال يدري ما حدث بعده ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.204‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.12 / 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرج ه ابن أيب ش يبة يف املص نف ‪ .12 / 10‬وعب د ال رزاق يف مص نفه ‪ .300 / 7‬وال بيهقي يف الس نن‬ ‫‪3‬‬

‫الكربى ‪ 241 ،240 / 8‬بنحوه‪.‬‬


‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .344 / 7‬والبيهقي يف السنن الكربى ‪.240 / 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪325‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف رواية ابن فضيل عن مغرية قال‪ :‬أتى رجل ابن مسعود‪ ،‬فقال‪ :‬إين وقعت على جارية‬
‫امرأيت‪ ،‬فقال‪ :‬سرت اهلل عليك فاستر‪ ،‬فبلغ ذلك عليً ا‪ ،‬فقال‪(( :‬لو أتاين الذي أتى ابن أم عبد‬
‫لرضخت رأسه باحلجارة ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫لقد غلظ علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذا الفعل بسبب تغري أحوال الناس‬
‫وطبيعة اجملتمع الذي كان يعيش فيه‪ ،‬فهو أول خليفة بعد رسول اهلل ص خيرج من املدينة ليقيم‬
‫يف الكوف ة‪ ،‬وب الطبع ف إن جمتم ع الكوف ة ليس كمجتم ع املدين ة يف الطه ر والعف اف والبع د عن‬
‫احملرمات‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬البد أن يأخذ هلذا اجملتمع‬
‫تدابري جديدة لتحد من توسع الناس يف احملرمات‪ ،‬يف حني أن ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫اخلرب السابق أسقط احلد عن الرجل الذي وقع على جارية امرأته لوجود شبهة امللك‪ .‬أما علي‬
‫ُ‬
‫بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقد عده كوطء األجنبية ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف هتديد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لشاهد الزور روى غياث‬
‫بن ج ريج ق ال‪ُ :‬أيت علي برج ل وش هد علي ه رجالن أن ه س رق‪ ،‬فأخ ذ بش يء من أم ور الن اس‪،‬‬
‫وهتدد ش هود ال زور‪ ،‬ق ال‪ :‬فال أوتى بش اهد زور إال فعلت ب ه ك ذا وك ذا‪ .‬ق ال‪ :‬مث طلب‬
‫الشاهدين فلم جيدمها ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويهدد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من جيمع بني أختني فيما رواه‬
‫عم رو بن هن د أن رجاًل أس لم وحتت ه أخت ان‪ ،‬فق ال ل ه علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪:-‬‬
‫لتفارقن إحدامها أو ألضربن عنقك ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.15 / 10‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر ‪ :‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.314‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .94 / 10‬وذكره السيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.202‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.165 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪326‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وهذا التهديد من أمري املؤمنني على اجلمع بني األختني قد يكون بعد بيان احلكم لذلك‬
‫الرجل الذي أسلم‪ ،‬وإال ما كان ليصدر هذا التهديد الشديد من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‬
‫‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على من جيه ل احلكم‪ .‬كم ا أن التهدي د بض رب العن ق ليس على أن ه ٍ‬
‫زان‬
‫بإح دامها‪ ،‬ولكن على أن ه اس تحل م ا ح رم اهلل تع اىل‪ ،‬فه و إذن مرت د‪ ،‬ألن عقوبت ه ك زان هي‬
‫الرجم ال ضرب العنق ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومع ترهيب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من املعصية فإنه ال يغفل‬
‫عن ال رتغيب يف تركه ا‪ ،‬ويف ه ذا يق ول‪ (( :‬من ك ان يري د الع ز بال عش رية‪ ،‬والنس ل بال كثرة‪،‬‬
‫والغنا بال مال‪ ،‬فليتحول من ذل املعصية إىل عز الطاعة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويقول‪ (( :‬إذا رغبت يف املكارم فاجتنب احملارم ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.315‬‬ ‫‪1‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.206 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() علي اجلندي ورفقاه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام ص ‪.57‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪327‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫العقاب على المعصية‬

‫العقاب بالحد‬

‫احلد يف اللغة‪ :‬مبعىن املنع( )‪ ،‬فهو مينع العاصي من العود إىل املعصية اليت حد ألجلها يف الغالب‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫أو عدم ارتكاهبا ابتداءً إذا علم بعقوبتها‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫زجرا‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬عقوبة مقدرة‪ ،‬وجبت ح ًقا هلل تعاىل ً‬

‫وردع ا لغ ريهم‬
‫ولق د ش رع اهلل س بحانه وتع اىل احلدود على بعض املعاص ي عقابً ا للعص اة ً‬
‫عن ارتك اب مثله ا‪ ،‬ول ذا ش رع يف إقامته ا اإلعالن هبا كم ا يف قول ه س بحانه {الزاني ة وال زاين‬
‫فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وال تأخذكم هبما رأف ة يف دين اهلل إن كنتم تؤمنون باهلل‬
‫وه ذه الش هادة واإلعالن باحلد‬ ‫والي وم اآلخ ر وليش هد ع ذاهبا طائف ة من املؤم نني }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ليكون أوقع يف نفس احملدود واملشاهد ( )‪ .‬ويقول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫‪4‬‬

‫عنه ‪ -‬مبينًا أثر احلد يف الردع عن املعصية‪(( :‬أقم احلدود يف القريب‪ ،‬جيتنبها البعيد ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقد قام أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بتنفيذ عدد من احلدود وأمر‬
‫علي فقال‪ (( :‬يا‬
‫بأخرى‪ ،‬ومن ذلك ما رواه سعد بن عبيدة عن أيب عبدالرمحن‪ ،‬قال‪ :‬خطب ٌّ‬
‫أيه ا الن اس ! أقيم وا على أرق ائكم احلد‪ .‬من أحص ن منهم ومن مل حيص ن‪ .‬ف إن أم ة لرس ول اهلل‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،462 / 2‬مادة [حدد]‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن دقيق العيد‪ ،‬إحكام األحكام ‪ .107 / 4‬و سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي ص ‪.83‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .263 / 3‬وسيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن ‪.2491 ،2490 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫() علي اجلندي ورفقاه‪ ،‬سجع احلمام يف حكم اإلمام ص ‪.90‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪328‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫زنت‪ .‬ف أمرين أن أجل دها( )‪ .‬ف إذا هي ح ديث عه د بنف اس‪ .‬فخش يت إن أن ا جل دهتا أن أقتله ا‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فذكرت ذلك للنيب ص فقال‪ :‬أحسنت))( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وعن س لمة بن كهيل( ) ق ال مسعت الش عيب حيدث عن علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حني‬ ‫‪3‬‬

‫رجم املرأة يوم اجلمعة وقال‪ (( :‬رمجتها بسنة رسول اهلل ص ))( )‪ .‬والرجم ثبت يف سنة رسول‬
‫‪4‬‬

‫اهلل ص من قوله وفعله ملا يف صحيح مس لم من حديث عبادة بن الصامت ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪-‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ص‪ (( :‬خذوا عين‪ ،‬خذوا عين‪ .‬قد جعل اهلل هلن سبياًل ( )‪ ،‬البكر بالبكر‪،‬‬
‫‪5‬‬

‫جلد مائة ونفي سنة‪ ،‬والثيب بالثيب‪ ،‬جلد مائة والرجم ))( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() ق ال ابن قدام ة يف املغ ين ‪ : 174 / 8‬ح د العب د واألم ة مخس ون جل دة بك رين كان ا أو ثي بني لق ول أك ثر‬ ‫‪1‬‬

‫الفقه اء منهم عم ر وعلي وابن مس عود واحلس ن والنخعي ومال ك واألوزاعي وأب و حنيف ة والش افعي والب يت‬
‫والعن ربي‪ ،‬وق ال ابن عب اس وط اوس وأب و عبي د ‪ :‬إن كان ا م زوجني فعليهم ا نص ف احلد وال ح د على غريمها‬
‫لقول اهلل تعال { فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب } فدليل خطابه‬
‫أنه ال حد على غري احملصنات‪ .‬وقال داود ‪ :‬على األمة نصف احلد إذا زنت بعدما زوجت وعلى العبد جلد‬
‫مائة بكل حال‪ .‬ويف األمة إذا مل تزوج روايتان‪ ،‬إحدامها ‪ :‬الحد عليها‪ .‬والثانية جتلد مائة‪.‬‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب احلدود ‪.1330 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن احلص ني احلض رمي‪ ،‬التنعي‪ ،‬أب و حيي‪ ،‬الك ويف‪ .‬ق ال أب و ط الب عن أمحد ‪ :‬س لمة بن كهي ل متقن‬ ‫‪3‬‬

‫للحديث‪ .‬وقال ابن معني ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال العجلي ‪ :‬كويف تابعي ثقة ثبت يف احلديث‪ ،‬وكان فيه تشيع قليل‪ ،‬وهو‬
‫من ثقات الكوفيني‪ .‬وقال النسائي ‪ :‬ثقة ثبت‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 137/ 4‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلدود ‪.253 / 4‬‬ ‫‪4‬‬

‫() إشارة إىل قوله تعاىل { فأمسكوهن يف البيوت حىت يتوفاهن املوت أو جيعل اهلل هلن سبياًل } فبني النيب ص‬ ‫‪5‬‬

‫أن هذا هو السبيل‪ ( .‬انظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 188 / 11‬‬
‫() كتاب احلدود ‪.1316 / 3‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪329‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أيضا من حديث عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال وهو جالس على‬
‫وعند مسلم ً‬
‫حممدا ص باحلق‪ ،‬وأنزل عليه الكتاب‪ .‬فكان مما أنزل عليه‬
‫منرب رسول اهلل ص‪ :‬إن اهلل قد بعث ً‬
‫آية الرجم( )‪ .‬قرأناها ووعيناها وعقلناها‪ ،‬فرجم رسول اهلل ص ورمجنا بعده‪.) ())...‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وق د عل ل أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ال رجم بأن ه اتب اع لس نة‬
‫الرسول ص حىت ال يقول قائل إن الرجم مل يرد يف كتاب اهلل‪.‬‬
‫()‬
‫خمتارا‬
‫عامدا عاملًا ً‬
‫قال ابن بطال ‪ :‬أمجع الصحابة وأئمة األمصار على أن احملصن إذا زىن ً‬ ‫‪3‬‬

‫فعلي ه ال رجم‪ ،‬ودف ع ذل ك اخلوارج‪ ،‬وبعض املعتزل ة‪ ،‬واعتل وا ب أن ال رجم مل ي ذكر يف الق رآن‪،‬‬
‫وحكاه ابن العريب عن طائفة من أهل املغرب لقيهم وهم من بقايا اخلوارج ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫كما جند أن أمري املؤمنني علي بن أىب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يرى أن جَيْ َم َع على ال زاين‬
‫الثيب عقوبتني‪ :‬اجللد والرجم‪ ،‬ملا يف مسند اإلمام أمحد عن الشعيب قال‪ُ :‬أيت علي ٍ‬
‫بزان حمص ٍن‬ ‫ٌّ‬
‫فجل ده ي وم اخلميس مائ ة جل دة‪ ،‬مث رمجه ي وم اجلمع ة‪ .‬فقي ل ل ه‪ :‬مجعت علي ه ح دين ؟ فق ال‪:‬‬
‫جلدته بكتاب اهلل‪ ،‬ورمجته بسنة رسول اهلل ص( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() أراد بآية الرجم ‪ :‬الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة‪ .‬وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه‪ ( .‬النووي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫شرح صحيح مسلم ‪.) 191 / 11‬‬


‫() كتاب احلدود ‪.1317 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫البلَْنسي‪،‬‬
‫() هو شارح صحيح االبخاري‪ ،‬العالمة أبو احلسن‪ ،‬علي بن خلف بن بطال الكردي‪ ،‬القرطيب‪ ،‬مث َ‬
‫‪3‬‬

‫عين باحلديث العناية التامة‪ ،‬وشرح الصحيح يف عدة أسفار‪ ،‬رواه عنه االناس‪ ،‬تويف يف صفر سنة ‪ 449‬هـ‪.‬‬
‫(الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.) 47 / 18‬‬
‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.118 / 12‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ ،189 ،188/ 2‬وق ال أمحد ش اكر إس ناده ص حيح‪ .‬واملق ام عليه ا احلد ه و‬ ‫‪5‬‬

‫ش راحة اهلمداني ة م والة س عيد بن قيس كم ا ورد التص ريح ب ذكرها يف ح ديث رقم ‪ ،839‬ورقم ‪ 942‬من‬
‫املسند‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪330‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وق د وق ع اخلالف يف اجلم ع بني اجلل د وال رجم على ال زاين احملص ن‪ ،‬ق ال احلازمي‪ :‬ذهب‬
‫أمحد وإسحق وداود وابن املنذر إىل أن الزاين احملصن جيلد مث يرجم‪ ،‬وقال اجلمهور وهي رواية‬
‫أيضا‪ :‬ال جيمع بينهما‪ ،‬وذكروا أن حديث عبادة الذي أخرجه مسلم بلفظ (( البكر‬
‫عن أمحد ً‬
‫بالبكر جلد مائة ونفي سنه‪ ،‬و الثيب بالثيب جلد مائة والرجم ))( ) منس وخ‪ ،‬والناسخ له ما‬
‫‪1‬‬

‫ثبت من قصة ماعز أن النيب ص رمجه ومل يذكر اجللد‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬فدلت السنة على أن اجللد‬
‫ثابت على البكر وساقط عن الثيب‪ ،‬والدليل على أن قصة ماعز مرتاخية( ) عن حديث عبادة أن‬
‫‪2‬‬

‫حديث عبادة ناسخ ملا شرع أواًل من حبس الزاين يف البيوت‪ ،‬فنسخ احلبس باجللد وزيد الثيب‬
‫ال رجم‪ ،‬وذل ك ص ريح يف ح ديث عب ادة‪ ،‬مث نس خ اجلل د يف ح ق ال ثيب‪ ،‬وذل ك م أخوذ من‬
‫االقتصار يف قصة ماعز على الرجم وذلك يف قصة الغامدية واجلهنية واليهوديني‪ ،‬مل يذكر اجللد‬
‫مع الرجم‪ .‬وقال ابن املنذر‪ :‬عارض بعضهم الشافعي‪ ،‬فقال‪ :‬اجللد ثابت يف كتاب اهلل‪ ،‬والرجم‬
‫ثابت بسنة رسول اهلل ص كما قال علي‪ ،‬وقد ثبت اجلمع بينهما يف حديث عبادة‪ ،‬وعمل به‬
‫أيب‪ ،‬وليس يف قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط اجللد عن املرجوم الحتمال‬
‫علي ووافقه ٌّ‬
‫ٌ‬
‫أن يكون ترك ذكره لوضوحه‪ ،‬ولكونه األصل فال يرد ما وقع التصريح به باالحتمال ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومع ما كان يذهب إليه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف اجلمع بني‬
‫اجللد والرجم على الزاين احملصن‪ ،‬إال أنه كان شديد احلرص على عدم جتاوز احلد‪ ،‬أو اإلضرار‬
‫باحملدود‪ ،‬ويدل على ذلك امتناعه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن جلد املرأة النفساء وعلل ذلك بقوله‪:‬‬
‫(( فخشيت إن أنا جلدهتا أن أقتلها )) ‪ .‬وملا ذكر ذلك للنيب ص قال له‪ (( :‬أحسنت )) ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احلدود ‪.1316 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي متأخرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .119 / 12‬وانظر ‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪.161 ،160 / 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫() احلديث يف صحيح مسلم‪ ،‬وسبق خترجيه قريبًا‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪331‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومن منهجه يف الرجم أن احلد إذا ثبت بالشهود فإن الشهود أول من يرجم مث اإلمام مث‬
‫(‪)1‬‬
‫الناس‪ ،‬وإذا ثبت احلد باالعرتاف أو احلبل‪ ،‬فيكون اإلمام أول من يرجم مث الناس بعده‪.‬‬

‫وأما حد شارب اخلمر عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقد ورد‬
‫عنه روايتان‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أربعون جلدة‪ ،‬ملا يف صحيح مسلم‪ :‬أن عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ُ -‬أيت بالوليد‬
‫بن عقبة( ) وق د ش رب اخلم ر‪ .‬فق ال عثم ان‪ :‬ي ا علي ! قم فاجل ده‪ .‬فق ال علي‪ :‬قم‪ ،‬ي ا‬ ‫‪2‬‬

‫حس ن ! فاجل ده‪ .‬فق ال احلس ن‪َ :‬و ِّل حاره ا من ت وىل قارها( ) ‪ -‬فكأن ه وج د علي ه ‪-‬‬
‫‪3‬‬

‫وعلي َيعُ ُّد حىت بل غ أربعني‪ .‬فقال أمسك‪ .‬مث‬


‫فق ال‪ :‬ي ا عبداهلل بن جعف ر ! قم فاجل ده‪ٌّ .‬‬
‫قال‪ :‬جلد النيب ص أربعني‪ ،‬وجلد أبو بكر أربعني‪ ،‬وعمر مثانني‪ ،‬وكل سنة‪ ،‬وهذا أحب‬
‫(‪)4‬‬
‫إيل‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬مثانون جل دة‪ ،‬وه ذا مما أش ار ب ه علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على عم ر بن‬
‫اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف خالفت ه‪ ،‬ملا فتحت ال دنيا على الن اس‪ ،‬وكثرت بأي ديهم‬
‫األموال‪ ،‬وفتحوا بالد الشام وما وراءها‪ ،‬وفيها الكثري من األعناب‪ ،‬شاع شرب اخلمر‬
‫بني ال داخلني اجلدد يف اإلس الم‪ ،‬ومل تع د تل ك العقوب ة (أربع ون جل دة) رادع ة هلم عن‬

‫() ابن أيب شيبة‪ ،‬املصنف ‪.90 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن أيب معيط‪ ،‬أخو عثمان بن عفان (رضي اهلل عنه) ألمه‪ ،‬نشأ الوليد يف كنف عثمان (رضي اهلل عنه) إىل‬ ‫‪2‬‬

‫أن استخلف فواله الكوفة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.) 638 ،3/637‬‬
‫() احلار ‪ :‬الش ديد املك روه‪ .‬والق ار ‪ :‬الب ارد اهلينء الطيب‪.‬وه ذا من أمث ال الع رب‪ .‬ورمبا اعت ذر احلس ن هبذا‬ ‫‪3‬‬

‫االعت ذار نظ ًرا لع دم قناعت ه بإقام ة احلد على الولي د‪ .‬ومل يكن أم ري املؤم نني عثم ان بن عف ان (رض ي اهلل عن ه)‬
‫ليطلب هينء اخلالفة‪ ،‬بل حتمل بسببها املتاعب واملشاق طلبً ا لسالمة األمة‪ ،‬ابتغاء ما عند اهلل‪ ،‬ويكفيه ما نال‬
‫بسببها من البلوى‪ ( .‬انظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪) 219 / 11‬‬
‫() كتاب احلدود ‪.1331 / 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪332‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫شرهبا‪ ،‬فاستشار عمر الناس‪ ،‬ملا يف حديث أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬أن النيب‬
‫ص جلد يف اخلمر باجلريد والنعال‪ .‬مث جلد أبو بكر أربعني‪ .‬فلما كان عمر‪ ،‬ودنا الناس‬
‫من الريف والقرى( )‪ ،‬قال‪ :‬ما ترون يف جلد اخلمر ؟ فقال عبدالرمحن بن عوف ‪ -‬رضي‬ ‫‪1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫اهلل عنه ‪ :-‬أرى أن جتعلها كأخف احلدود‪ .‬قال‪ :‬فجلد عمر مثانني‪.‬‬

‫قوم ا من أهل الشام شربوا اخلمر وعليهم يزيد بن أيب سفيان( )‪ ،‬وقالوا هي‬
‫‪3‬‬
‫ويف رواية أن ً‬
‫(‪)4‬‬
‫لنا حالل‪ ،‬وتأولوا هذه اآلية { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصاحلات جناح فيما طعموا }‬
‫وكتب فيهم إىل عم ر‪ .‬فكتب‪ :‬أن ابعث هبم إيل قب ل أن يفس دوا من قبل ك‪ ،‬فلم ا ق دموا على‬
‫عمر استشار فيهم الناس فقالوا‪ :‬يا أمري املؤمنني! نرى أهنم قد كذبوا على اهلل ورسوله‪ ،‬وشرعوا‬
‫يف دينهم ما مل يأذن به اهلل‪ ،‬فاضرب رقاهبم ‪ -‬وعلي ساكت ‪ -‬فقال‪ :‬ما تقول يا أبا احلسن ؟‬
‫قال‪ :‬أرى أن تستتيبهم‪ ،‬فإن تابوا جلدهتم مثانني لشرب اخلمر‪ ،‬وإن مل يتوبوا ضربت رقاهبم‪ ،‬قد‬
‫(‪)5‬‬
‫كذبوا على اهلل وشرعوا يف دينهم ما مل يأذن به اهلل‪ ،‬فاستتاهبم فتابوا‪ ،‬فضرهبم مثانني مثانني‪.‬‬

‫() ودنا الناس من الريف والقرى ‪ :‬الريف املواضع اليت فيها املاء‪ ،‬أو هي قريبة منها‪ .‬ومعناه ‪ :‬ملا كان زمن‬ ‫‪1‬‬

‫عم ر بن اخلطاب (رضي اهلل عن ه) وفتحت الشام والعراق‪ ،‬وسكن الناس يف الريف ومواقع اخلصب‪ ،‬وسعة‬
‫وزجرا هلم‬
‫ً‬ ‫العيش‪ ،‬وكثرة األعناب والثمار‪ ،‬أكثروا من شرب اخلمر‪ ،‬فزاد عمر يف حد اخلمر تغليظً ا عليهم‬
‫عنها‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 218 / 11‬‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب احلدود ‪.1331 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يزي د بن أيب س فيان ص خر بن ح رب بن أمي ة‪ ،‬أب و خال د األم وي‪ ،‬يق ال ل ه يزي د اخلري‪ ،‬ك ان من فض الء‬ ‫‪3‬‬

‫الصحابة ومن مسلمة الفتح‪ ،‬استعمله أبو بكر على ربع األجناد يف اجلهاد‪،‬واله عمر فلسطني مث الشام‪ ،‬مات‬
‫سنة‪19‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪ ،11/290‬واإلصابة ‪.)3/656‬‬
‫() سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.93‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.546 / 9‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪333‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف رواي ة أخ رى أن عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬استش ار يف اخلم ر يش رهبا‬


‫الرج ل‪ ،‬فق ال ل ه علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬ن رى أن جنل ده مثانني‪ ،‬فإن ه إذا ش رب‬
‫(‪)1‬‬
‫سكر‪ ،‬وإذا سكر َه َذى‪ ،‬وإذا هذى افرتى ـ أو كما قال ـ فجلد عمر يف اخلمر مثانني‪.‬‬

‫واستقر اجتهاد علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على أن شارب اخلمر جيلد مثانني جلدة‪ ،‬وبقي‬
‫جيلد شارب اخلمر مثانني جلدة إىل آخر حياته‪ ،‬وكان يقول‪ (( :‬يف قليل اخلمر وكثريه مثانون‬
‫جلدة ))( )‪ .‬ويقول‪ (( :‬حد النبيذ مثانون ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ورمبا زاد يف اجلل د عن مثانني على ص احب اخلم ر عن دما يق رتف م ع س كره معص ية ثاني ة‬
‫كم ا يف قص ة النجاش ي ‪ -‬قيس بن عم رو( ) احلارثي ‪ -‬الش اعر‪ ،‬ملا ُأيت ب ه وق د ش رب اخلم ر يف‬
‫‪4‬‬

‫رمضان ضربه مثانني جلده‪ ،‬مث حبسه‪ .‬مث أخرجه من الغد فجلده عشرين‪ ،‬وقال‪ :‬إمنا جلدتك‬
‫ه ذه العش رين جلرأت ك على اهلل‪ ،‬وإفط ارك يف رمض ان ))( )‪ .‬ولق د ك ان النجاش ي م ع علي يف‬
‫‪5‬‬

‫ص فني‪ ،‬وك ان ميدح ه‪ ،‬فلم ا جل ده يف اخلم ر ترك ه وف ر إىل معاوية( )‪ .‬فلم متن ع ص حبة النجاش ي‬
‫‪6‬‬

‫() أخرجه مالك يف املوطأ ص ‪ .607‬وعبد الرزاق يف مصنفه ‪ .378 / 7‬واحلاكم يف املستدرك ‪،375 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ ،‬ووافقه الذهيب‪ .‬والبيهقي ‪ .321 / 8‬وأورده ابن قدامة يف املغين ‪/ 8‬‬
‫‪.308‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .542 /9‬وأورده الشريازي يف هناية الرتبة يف طلب احلسبة ص ‪.108‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.128 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن مالك‪ ،‬من بين احلارث بن كعب‪ ،‬شاعر هجاء خمضرم‪ ،‬اشتهر يف اجلاهلية واإلسالم‪ ،‬أصله من اليمن‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫انتقل إىل احلجاز‪ ،‬واستقر بالكوفة‪( .‬انظر ‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم ‪.) 207 / 5‬‬
‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .382 / 7‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .36 / 10‬والبيهقي يف سننه ‪/ 7‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ .321‬وذكره ابن حزم يف احمللى ‪ .184 / 6‬وأبو يوسف يف اخلراج ص ‪ .197‬واهلندي يف كنز العمال ‪/5‬‬
‫‪.484‬‬
‫() انظر ‪ :‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.96‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪334‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لعلي ومدح ه ل ه من إقام ة احلد علي ه ومعاقبت ه على معص يته‪ ،‬فاحلد ح ق هلل س بحانه وتع اىل ال‬
‫يرتبط بالعالقات الشخصية بني الناس‪.‬‬

‫ومن منهج أمري املؤمنني يف إقامة احلدود على العصاة أن العاصي إذا أقيم عليه احلد فمات‬
‫منه فالش يء على مقيم احلد ما مل يتعد أو يفرط‪ ،‬إال يف حد اخلمر ! ألنه ليس فيه شيء حمدد‬
‫من رس ول اهلل ص حيث يق ول علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪(( :-‬م ا كنت أقيم على أح ٍد ح ًدا‬
‫فيموت فيه فأجد منه يف نفسي‪ ،‬إال صاحب اخلمر‪ .‬ألنه إن مات وديته( )‪ .‬ألن رسول اهلل ص‬
‫‪1‬‬

‫مل يسنه( ) ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأما كيفية اجللد يف منهج علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فإنه ضرب وسط كما روي عنه أنه‬
‫قال‪ (( :‬ضرب بني ضربني‪ ،‬وسوط بني سوطني ))( ) وهكذا الضرب يكون وس طًا ال شديد‬
‫‪4‬‬

‫فيقتل‪ ،‬وال ضعيف فال يردع‪ ،‬وال يرفع باعه كل الرفع وال حيطه فال يؤمل‪ .‬قال‪ :‬اإلمام أمحد‪ :‬ال‬
‫يبدي إبطه يف شيء من احلدود‪ .‬يعين ال يبالغ يف رفع يده فإن املقصود أدبه ال قتله ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ولو قدر أن منفذ احلد زاد يف احلد على احملدود فإن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬ال يتس امح يف ذل ك ب ل يقتص للمح دود ( العاص ي )‪ ،‬فعن عبداهلل بن معقل( ) ق ال‪ :‬كنت‬
‫‪6‬‬

‫() أي غرمت ديته‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫عددا معينًا‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 68 / 12‬‬


‫() أي مل يسن فيه ً‬
‫‪2‬‬

‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب احلدود ‪ .246 / 4‬و مس لم يف ص حيحه واللف ظ ل ه‪ ،‬كت اب‬ ‫‪3‬‬

‫احلدود ‪.1332 / 3‬‬


‫() ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪.315 / 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪ .315 / 8‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل‬ ‫‪5‬‬

‫عنه) ص ‪.97‬‬
‫() ابن مقرن املزين‪ ،‬أبو الوليد الكويف‪ ،‬روى عن عدد من الصحابة‪ .‬قال العجلي ‪ :‬كويف تابعي ثقة من خيار‬ ‫‪6‬‬

‫الت ابعني‪ .‬وق ال ابن س عد ‪ :‬ك ان ثق ة قلي ل احلديث‪ .‬وق ال ابن حب ان يف الثق ات ‪ :‬م ات س نة بض ع ومثانني‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪335‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فساره‪ ،‬فقال علي‪ :‬يا قنرب ! فقال الناس‪ :‬يا قنرب ! قال‪ :‬أخرج‬
‫جالس ا عند علي فجاءه رجل َّ‬
‫ً‬
‫هذا فاجلده‪ ،‬مث جاءه اجمللود فقال‪ :‬إنه قد زاد علي ثالثة أسواط‪ ،‬فقال علي‪ :‬ما تقول‪ :‬؟ قال‬
‫صدق‪ ،‬يا أمري املؤمنني ! قال‪ :‬خذ السوط فاجلده ثالثة أسواط‪ ،‬مث قال‪ :‬يا قنرب ! إذا جلدت‬
‫(‪)1‬‬
‫فال تعد‪.‬‬

‫وكان علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يرى أن يعطى كل عضو حقه من اجللد مع اتقاء الوجه‬
‫واملذاكري ملا فيه ا من الض رر الب الغ على احملدود فيق ول يف ذل ك‪ (( :‬اض رب وأع ط ك ل عض و‬
‫حقه‪ ،‬واجتنب وجه ه وم ذاكريه ))( ) ‪ .‬كم ا ال ي رى من ع احملدود من أن يتقي بيدي ه الض رب‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫فيقول‪ (( :‬اضرب فدع يديه يتقي هبما ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يقيم احلدود على العص اة إذا‬
‫توفرت الشروط املوجبة لذلك‪ ،‬كاالعرتاف مثاًل ‪ ،‬فقد جاء رجل إىل علي فقال‪ :‬إين سرقت‪.‬‬
‫فرده‪ ،‬فقال‪ :‬إين سرقت‪ ،‬فقال‪ :‬شهدت على نفسك مرتني‪ ،‬فقطعه( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومن ش روط ح د الس ارق عن د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن‬
‫خيرج السارق املتاع من البيت‪ ،‬حيث يقول يف ذلك‪ (( :‬ال تقطع يد السارق حىت خيرج املتاع‬
‫من البيت ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫بالبصرة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 37 ،36 / 6‬‬


‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.447 / 9‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .370 / 7‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.49 / 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪ .370 / 7‬وذكره اهلندي يف كنز العمال ‪.484 / 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .191 / 10‬وابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.494 / 9‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.198 / 10‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪336‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومع حرص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على ردع العصاة وتطبيق‬
‫احلدود فإن ه يعط ل احلد إذا وج دت الش بهة‪ ،‬ويف ه ذا يق ول‪ (( :‬إذا بل غ يف احلدود لع ل وعس ى‬
‫فاحلد معطل ))( )‪ .‬كما رفع إليه رجل فقيل‪ :‬سرق‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف سرقت ؟ فأخربه بأمر مل َي َر‬
‫‪1‬‬

‫قطعا‪ ،‬فضربه أسواطًا فخلى سبيله ( )‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫عليه فيه ً‬

‫مغفرا فالتحف عليه‪ ،‬فوجده رجل‪،‬‬


‫سالحا يف الرحبة‪ ،‬فأخذ رجل ً‬
‫علي مرة يقسم ً‬
‫وكان ٌّ‬
‫(‪)3‬‬
‫فأتى به عليًا فلم يقطعه‪ ،‬فقال‪ :‬له فيه شرك‪.‬‬

‫وعلى هذا النهج يف درء احلدود يف الشبهات درج صحابة رسول اهلل ص‪ ،‬فقد قال عمر‬
‫بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ (( :-‬لئن أعط ل احلدود بالش بهات‪ ،‬أحب إيل من أن أقيمه ا‬
‫بالش بهات ))( )‪ .‬وعن عائش ة ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق الت‪ (( :‬ادرأوا احلدود عن املس لمني م ا‬
‫‪4‬‬

‫خمرجا فخلوا سبيله‪ ،‬فإن اإلمام إذا أخطأ يف العفو خري له من أن‬
‫استطعتم‪ ،‬فإذا وجدمت للمسلم ً‬
‫خيطيء يف العقوبة ))( ) وعن معاذ وعبداهلل بن مسعود وعقبة بن عامر قالوا‪ (( :‬إذا اشتبه عليك‬
‫‪5‬‬

‫احلد فادرأه ))( )‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.425 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪.232 / 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.21 / 10‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق ‪.566 / 9‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املرجع السابق ‪.570 / 9‬‬ ‫‪5‬‬

‫() املرجع السابق ‪.567 / 9‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪337‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كم ا ي رى ج واز الش فاعة يف الس ارق م امل يبل غ اإلم ام‪ ،‬فعن أيب ح ازم( ) أن عليً ا ش فع‬
‫‪1‬‬

‫لسارق‪ ،‬فقيل له‪ :‬تشفع لسارق ؟ فقال‪ :‬نعم إن ذلك يفعل ما مل يبلغ اإلمام‪ ،‬فإذا بلغ اإلمام فال‬
‫(‪)2‬‬
‫أعفاه اهلل إذا أعفاه‪.‬‬

‫العقاب بالتعزير‬
‫أيض ا‪ :‬الت أديب‪ ،‬ومن ه مسي الض رب دون احلد‬
‫التعزي ر في اللغة‪ :‬التعظيم والتوق ري‪ .‬والتعزي ر ً‬
‫(‪)3‬‬
‫والع ْز ُر‪ :‬التوقيف على باب الدين‪.‬‬
‫والع ْز ُر‪ :‬املنع‪َ .‬‬
‫تعزيرا‪ .‬وقيل‪ :‬هو أشد الضرب‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫(‪)4‬‬
‫وفي االصطالح‪ :‬تأديب على ذنب ال حد فيه وال كفارة غالبًا‪.‬‬

‫لقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يؤدب العاصي ويردعه عن‬
‫معص يته ب التعزير‪ ،‬إذا مل ي رتتب على معص يته ح ٌد‪ ،‬وملا ك ان عقوب ة التعزي ر على املعص ية غ ري‬
‫حمددة‪ ،‬ف إن أم ري املؤم نني علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ي ذهب إىل املالءم ة بني العقوب ة واملعص ية‪،‬‬
‫فكلما تعاظمت املعصية كانت العقوبة أعظم‪ ،‬ولقد تعددت وسائل التعزير عند أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حسب نوع املعصية وحال العاص ي‪ ،‬ومنها على سبيل‬
‫املثال ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬الضرب باليد‬

‫() سلمان أبو حازم األشجعي الكويف‪ ،‬قال أمحد وابن معني وأبو داود ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال العجلي ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال ابن‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرب ‪ :‬أمجعوا على أنه ثقة‪ .‬قيل مات يف خالفة عمر بن عبد العزيز‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب‬
‫‪.) 123 / 4‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .465 / 9‬وانظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ 87 / 12‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،2/744‬مادة [عزر]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،561 / 4‬مادة [عزر]‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() س عدي أب و جيب‪ ،‬الق اموس الفقهي ص ‪ .250‬وانظ ر ‪ :‬حمم دبن عبداهلل آل حس ني‪ ،‬الزوائ د يف فق ه إم ام‬ ‫‪4‬‬

‫السنة أمحد بن حنبل الشيباين رضي اهلل عنه ‪.982 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪338‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومث ال ذل ك ملا ك ان عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يط وف ب البيت‪ ،‬وعلي ‪-‬‬


‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يطوف معه‪ ،‬إذ عرض رجل لعمر فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني خذ حقي من علي‬
‫بن أيب طالب‪ .‬فقال‪ :‬وما باله ؟ قال‪ :‬لطم عيين‪ ،‬فوقف عمر حىت حلق به علي فقال‪ :‬ألطمت‬
‫عني هذا يا أبا احلسن؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬يا أمري املؤمنني !‪ ،‬قال‪ :‬ومل ؟‪ :‬قال ألين رأيته يتأمل حرم‬
‫املؤمنني يف الطواف‪ .‬فقال عمر‪ :‬أحسنت يا أبا احلسن( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولنا أن نتساءل‪ :‬مل استخدم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الضرب بدل النصح والتوجيه ؟‬
‫ميكن الق ول أن ه ك ان قب ل مرحل ة الض رب نص ح وتوجي ه‪ ،‬ولكن الرج ل مل يرت دع‪،‬‬
‫فالنصح والتوجيه مل يرد يف الرواية‪ ،‬وعدم ذكر الشيء ال يعين عدمه‪ .‬أو أن عليً ا ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬اكتفى بالضرب لألسباب اآلتية‪:‬‬
‫(ا) النظر إىل حرمات املسلمني أمر معلوم احلرمة‪.‬‬
‫(ب) الطواف عبادة‪ ،‬وكون الرجل يرتكب معصية يف حال عبادة هذا أمر عظيم ال ينفع معه‬
‫التساهل‪.‬‬
‫(جـ) انشغال علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بالطواف مل مينعه من اإلنكار باليد‪.‬‬

‫‪ -2‬الجلد دون الحد‬

‫وكان أكثر ما يعزر به‪ ،‬ومن ذلك جلده للنجاشي الشاعر الذي شرب اخلمر‪ ،‬وأفطر يف‬
‫رمضان‪ ،‬فقال له‪ (( :‬إمنا جلدتك هذه العشرين جلرأتك على الله‪ ،‬وإفطارك يف رمضان ))‬
‫( )‪ .‬وجلده للرجل الذي سرق ومل يقم عليه احلد ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪.165 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راج ع ص فحة ‪ .366‬وانظ ر ‪:‬حمم د بن عبداهلل آل حس ني‪ ،‬الزوائد يف فق ه إم ام الس نة أمحد بن حنب ل ‪/ 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .983‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.153‬‬
‫() راجع صفحة ‪.364‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪339‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -3‬التشهير‬

‫رمبا جلأ علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل التشهري بالعاصي وتعريف الناس به‪،‬‬
‫كما فعل بشاهد الزور‪ ،‬ويف ذلك مصلحة للمجتمع‪ ،‬لئال يستشهد فتضيع احلقوق‪ .‬عن علي‬
‫علي إذا أخذ شاهد زور بعثه إىل عشريته فقال‪ :‬إن هذا شاهد زور‬
‫بن احلسني قال‪ (( :‬كان ٌّ‬
‫وعرفوه‪ ،‬مث خلى سبيله ))( )‪ .‬وعن‬ ‫ِ‬
‫فاعرفوه َ‬
‫‪1‬‬

‫زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه أخذ شاهد الزور‬
‫(‪)2‬‬
‫فعزره‪ ،‬وطاف به يف حيه وشهره‪ ،‬وهنى أن يستشهد‪.‬‬
‫‪ -4‬الحبس‬
‫وكان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يعاقب باحلبس أحيانًا‪ ،‬ومن‬
‫ذلك حبسه للنجاشي الشاعر‪ ،‬الذي شرب اخلمر‪ ،‬وأفطر يف رمضان( )‪ .‬وكان إذا وجد الرجل‬
‫‪3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫الداعر حبسه وعزله عن الناس حىت يثبت صالح أمره‪.‬‬

‫‪ -5‬التقييد في الحبس‬

‫كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقيد الدعار( ) باحلبس بقيود هلا‬
‫‪5‬‬

‫(‪)6‬‬
‫أقفال‪ ،‬ويوكل هبم من حيلها هلم وقت الصالة من أحد اجلانبني‪.‬‬

‫() اهلندي‪ ،‬كنز العمال ‪ ،29 / 7‬برقم ‪ .17804‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب‬ ‫‪1‬‬

‫(رضي اهلل عنه) ص ‪.149‬‬


‫() مسند زيد بن علي ص ‪ .267‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.148‬‬
‫() راجع صفحة ‪.361‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أبو يوسف‪ ،‬اخلراج ص ‪ .179‬وحممد رواس قلعه جي ص ‪.154‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مجع داعر‪ ،‬والدعارة هي الفسق واخلبث‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪.)2/658‬‬ ‫‪5‬‬

‫() حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.156‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪340‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -6‬الغمس في األقذار‬

‫فقد وجد رجل حتت فراش امرأة‪ .‬فُأيت به علي‪ ،‬فقال ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪(( :-‬اذهبوا به‬
‫ظهرا لبطن يف مكان مننت‪ ،‬فإنه كان يف مكان شر منه ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فقلبوه ً‬

‫‪ -7‬القتل‬

‫قد يصل التعزير عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل القتل‪ ،‬إذا‬
‫كانت اجلرمية قد تعاظمت‪ ،‬وكان هلا أثرها البالغ األمهية‪ ،‬كوضع األحاديث على لسان رسول‬
‫اهلل ص‪ ،‬ألن ه ذا العم ل ي ؤدي إىل إدخ ال ش يء يف ال دين م ا ليس من ه‪ ،‬واحنراف الن اس عن‬
‫دينهم الذي ارتضاه اهلل هلم‪ ،‬لذا فقد كان يقول‪ (( :‬من كذب على النيب ص يضرب عنقه ))‬
‫() ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -8‬إتالف أداة الجريمة وما يتبعها‬


‫ويدل على ذلك ما ورد عن ربيعة بن زكار( ) قال‪ :‬نظر علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫‪3‬‬

‫عنه ‪ -‬إىل قرية فقال‪ :‬ما هذه القرية ؟ قالوا قرية تدعى زرارة( ) يلحم فيها ويباع فيها اخلمر‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫بعض ا‪ ،‬فاحرتقت ( )‪ .‬فقد أحرق‬


‫‪5‬‬
‫فأتاها بالنريان فقال‪ :‬أضرموها فيها‪ ،‬فإن اخلبيث يأكل بعضه ً‬
‫() ابن حزم‪ ،‬احمللى ‪ .404 / 11‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪.154‬‬
‫() عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .308 / 5‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب ص ‪.154‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ربيع ة بن زك ار روى عن علي (رض ي اهلل عن ه) وروى عن ه زرع ة بن أيب زرع ة العقيلي‪( .‬ال رازي‪ ،‬اجلرح‬ ‫‪3‬‬

‫والتعديل ‪.) 478 / 3‬‬


‫() حملة بالكوفة‪ ،‬مسيت بزرارة بن يزيد عمرو بن عدس من بين بكار‪ ،‬وكانت منزله حىت أخذها معاوية منه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(احلموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.) 135 / 3‬‬


‫() اهلن دي‪ ،‬ك نز العم ال ‪ ،504 / 5‬ب رقم ‪ .13744‬وأب و عبي د يف األم وال ص ‪ .103‬وحمم د رواس قلع ه‬ ‫‪5‬‬

‫جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.92‬وأشار إىل ذلك ابن تيمية يف كتابه احلسبة ص‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪341‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ه ذه القري ة اخلم ر وم ا يتبع ه من م واد‬
‫وأدوات تستخدم لصناعته‪ .‬وقد ذكر ابن تيمية ( رمحه اهلل ) أن احلانوت الذي يباع فيه اخلمر‬
‫جيوز حتريقه‪ ،‬وقال‪ :‬نص أمحد على ذلك‪ ،‬هو وغريه من املالكية وغريهم‪ ،‬واتبعوا ما ثبت عن‬
‫عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن ه أم ر بتحري ق ح انوت ك ان يب اع في ه اخلم ر لَُر َويْش د‬
‫الثقفي‪ ،‬وقال‪ (( :‬إمنا أنت فويسق‪ ،‬ال رويشد ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪.99‬‬
‫() احلسبة يف اإلسالم ص ‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪342‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مع العصاة في االعتقاد‬

‫ظه ر يف عه د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بعض أه ل الب دع‬
‫كالش يعة واخلوارج‪ ،‬فالش يعة على درج ات منهم من خ رج ببدعت ه عن اإلس الم ك الغالة منهم‪،‬‬
‫ال ذين اعتق دوا في ه األلوهي ة‪ ،‬ومنهم طائف ة اقتص رت على اعتق اد تفض يل علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬على أيب بكر وعمر‪ ،‬وهؤالء مل يقل أحد بكفرهم‪ ،‬بل هم مبتدعون ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأم ا اخلوارج فق د ق ال عنهم ش يخ اإلس الم ابن تيمي ة ( رمحه اهلل )‪ :‬األم ة متفق ون على‬
‫تضليل اخلوارج‪ ،‬وإمنا تنازعوا يف تكفريهم‪ .‬على قولني مشهورين يف مذهب مالك وأمحد‪ .‬ويف‬
‫أيض ا نزاع يف كفرهم‪ .‬وهلذا كان فيهم وجهان يف مذهب أمحد وغريه‪ ،‬على‬
‫مذهب الشافعي ً‬
‫(‪)2‬‬
‫الطريقة األوىل أهنم بغاة‪ .‬والثاين أهنم كفار كاملرتدين‪.‬‬

‫ق ال اخلط ايب( )‪ :‬أمجع علم اء املس لمني على أن اخلوارج م ع ض اللتهم فرق ة من ف رق‬ ‫‪3‬‬

‫املس لمني‪ ،‬وأج ازوا من اكحتهم‪ ،‬وأك ل ذب ائحهم‪ ،‬وأهنم ال يكف رون م ا دام وا متمس كني بأص ل‬
‫(‪)4‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫وأما حكم اخلوارج عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فإهنم ليسوا‬
‫كف ًارا‪ ،‬فعن ط ارق بن ش هاب ق ال‪ :‬كنت عن د علي فس ئل عن أه ل النه روان أهم مش ركون ؟‬

‫() انظر ‪ :‬جمموع الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابن حممد ) ‪.486 / 12‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جمموع الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد ) ‪.518 / 28‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أمحد بن حمم د بن إب راهيم بن اخلط اب اخلط ايب البس يت‪ ،‬من ول د زي د بن اخلط اب أخي عم ر بن اخلط اب‬ ‫‪3‬‬

‫(رضي اهلل عنه)‪ ،‬أبو سليمان‪ ،‬حمدث‪ ،‬فقيه‪ ،‬أديب‪ ،‬من مؤلفاته ‪ :‬معامل السنن يف شرح سنن أيب داود‪ .‬ولد‬
‫ببست سنة ‪319‬هـ‪ ،‬وتويف هبا سنة ‪ 388‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 238 / 1‬‬
‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.300 / 12‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪343‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قال‪ :‬من الشرك فروا‪ .‬قيل فمنافقون هم ؟ قال‪ :‬إن املنافقني ال يذكرون اهلل إال قلياًل ‪ .‬قيل له‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فما هم ؟ قال قوم بغوا علينا‪.‬‬

‫ولقد سلك أمري املؤمنني علي بن أىب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوة هذه األصناف‬
‫وحنوهم من أهل معاصي االعتقاد أساليب متعددة منها‪-:‬‬

‫‪ -1‬بيان المعتقد الصحيح‬

‫من أهم أساليب الدعوة مع هؤالء بيان املعتقد الصحيح هلم‪ ،‬كما فعل أمري املؤمنني علي‬
‫بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف بيان وجه الصواب يف التفضيل‪ ،‬كما يف حديث حممد بن‬
‫احلنفية قال‪ :‬قلت أليب‪ :‬أي الناس خري بعد رسول اهلل ص؟ قال‪ :‬أبو بكر‪ .‬قلت مث من ؟ قال‪ :‬مث‬
‫عمر‪ .‬وخشيت أن يقول عثمان‪ .‬قلت مث أنت ؟ قال‪ :‬ما أنا إال رجل من املسلمني ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أحدا من املسلمني بعد‬


‫وعن أيب جحيفة قال‪ :‬قلت‪(( :‬واهلل يا أمري املؤمنني مل أكن أرى ً‬
‫رسول اهلل ص أفضل منك‪ .‬قال أفال أحدثك بأفضل الناس كان بعد رسول اهلل ص‪ .‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫بلى‪ .‬فقال‪ :‬أبو بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬فقال‪ :‬أفال أخربك خبري الناس كان بعد رسول اهلل ص‬
‫وأيب بكر ؟ قلت بلى‪ .‬قال عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) ( ))-‬‬
‫‪3‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .332 / 15‬وعبد الرزاق يف مصنفه ‪.150 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪ .12 / 3‬وحممد بن احلنفية (رضي اهلل عنه)‬ ‫‪2‬‬

‫ليس من الش يعة ولكن ه حلداث ة س نه س أل ه ذا الس ؤال‪ .‬وك ذا يف املث ال ال ذي بع ده ف إن أب ا جحيف ة ليس من‬
‫الشيعة‪.‬‬
‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف املس ند ( املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ ،233 / 2‬وق ال أمحد ش اكر يف حتقيق ه ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫إس ناده ص حيح‪ .‬وأخرج ه الط رباين يف األوس ط بنح وه ‪ .351 / 3‬وأبن أيب عاص م يف كت اب الس نة بنح وه‪،‬‬
‫حتقيق حممد ناصر الدين األلباين ص ‪ ،557‬وقال احملقق ‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬رجاله ثقات رجال مسلم‪ ،‬غري أيب‬
‫مسكني‪ ،‬قال احلافظ يف التهذيب ‪ :‬ذكره ابن حبان يف الثقات‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪344‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وليس هذا البيان لصحة املعتقد هو لبعض األفراد فحسب‪ ،‬بل بني هذا لعامة الناس كما‬
‫علي‪ ،‬وكان حتت املنرب‪ ،‬فحدثين أيب أنه‬ ‫ِ‬
‫يف رواية عون بن أيب جحيفة قال‪ :‬كان أيب من ُش َرط ٍّ‬
‫ص عد املن رب ‪ -‬يع ين عليً ا ‪ -‬فحم د اهلل تع اىل وأث ىن علي ه وص لى على الن يب ص وق ال‪ :‬خ ري ه ذه‬
‫األمة بعد نبيها أبو بكر‪ ،‬والثاين عمر‪ ،‬وقال‪ :‬جيعل اهلل تعاىل اخلري حيث شاء‪.‬‬

‫فق د ورد التخص يص أواًل حملم د بن احلنفي ة‪ ،‬وأليب جحيف ة حلاجتهم إلي ه‪ ،‬ومن مث ورد‬
‫البيان لعامة الناس لتوضيحه ملن عنده هذا االعتقاد ممن مل يعلم بعينه‪.‬‬

‫ويهدد من يعتقد تفضيله بقوله‪ (( :‬ال أوتى بأحد يفضلين على أيب بكر وعمر إال جلدته‬
‫حد املفرتي ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أيض ا يبني للناس فساد معتقدات أهل‬


‫ومع بيان املعتقد الصحيح لصاحب البدعة‪ ،‬فإنه ً‬
‫الب دع لئال يغ رتَّ هبم الن اس ويتبع وهم‪ ،‬ومن ذل ك ملا خ رج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬لقت ال اخلوارج‪ ،‬لقي ه يف مس ريه ذل ك منجم‪ ،‬أش ار علي ه يس ري يف وقت من‬
‫ديدا‪ .‬فخالف ه‪،‬‬
‫النه ار‪ ،‬وق ال ل ه‪ :‬إن س رت يف غ ري ذل ك ال وقت لقيت أنت وأص حابك ض ًرا ش ً‬
‫وس ار يف ال وقت ال ذي هناه عن الس ري في ه‪ ،‬فلم ا ف رغ من النه ر محد اهلل وأث ىن علي ه مث ق ال‪ :‬ل و‬
‫س رنا يف الس اعة ال يت أمرن ا املنجم لق ال اجله ال ال ذين ال يعلم ون‪ :‬س ار يف الس اعة ال يت أم ره هبا‬
‫(‪)2‬‬
‫املنجم فظفر‪.‬‬

‫انظر إىل حرص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على سالمة عقيدة‬
‫أصحابه مما ادعاه املنجم من ذلك االعتقاد الفاسد‪ ،‬فعلي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع ما كان فيه من‬

‫() ابن تيمي ة‪ ،‬جمم وع الفت اوي ( مجع وت رتيب عب د ال رمحن بن قاس م وابن ه حمم د ) ‪ ،479 / 4‬وق ال ش يخ‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسالم‪ :‬ثبت عن علي من وجوه كثرية‪.‬‬


‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .120 ،119 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.288 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪345‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫األمر املهم من قتال اخلوارج‪ ،‬وانشغاله بنتيجة املعركة‪ ،‬فإنه مل ينس تلك الكلمة اليت قاهلا ذلك‬
‫املنجم له يف بداية مسريه‪ ،‬فكان منه بيان فساد ذلك املعتقد يف الوقت املناسب بعد انتهاء قتاله‬
‫للخوارج وانتصاره عليهم‪.‬‬

‫أيضا رده على اخلوارج ( احملكمة ) يف بداية ظهورهم‪ ،‬ومن ذلك ما يف‬
‫ومن هذا اجلانب ً‬
‫مصنف عبدالرزاق عن أيب إسحاق قال‪ :‬ملا حكمت احلرورية( )‪ ،‬قال علي‪ :‬ما يقولون ؟ قيل‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫يقولون‪ :‬ال حكم إال هلل‪ .‬قال‪ :‬احلكم هلل‪ ،‬ويف األرض حكام‪ ،‬ولكنهم يقولون‪ :‬ال إمارة‪ .‬وال بد‬
‫للناس من إمارة يعمل فيها املؤمن‪ ،‬وسيتمتع فيها الفاجر والكافر‪ ،‬ويبلغ اهلل فيها األجل ( )‪ .‬ويف‬
‫‪2‬‬

‫رواية‪ :‬ملا مسع علي احملكمة قال‪ :‬من هؤالء ؟ قيل له‪ :‬القراء‪ .‬قال‪ :‬بل هم اخليابون العيابون‪ ،‬قيل‬
‫إهنم يقولون‪ :‬ال حكم إال هلل‪ .‬قال‪ :‬كلمة حق عزي هبا باطل ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ت لباس احلق‪ ،‬مل يؤخر أمري‬


‫ملا ظهرت البدعة يف املسجد ومسعها الناس‪ ،‬وكانت قد لُبِّ َس ْ‬
‫املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بي ان فس اد املعتق د‪ ،‬وتوض يح املعتق د الص حيح‬
‫للناس يف وقته املناسب‪.‬‬

‫‪ -2‬المناظرة‬

‫يف الغ الب يعتق د ص احب البدع ة أن ه ه و املص يب وغ ريه املخطيء‪ ،‬فيس تدل على ص حة‬
‫معتق ده بآي ات من الق رآن الك رمي‪،‬وأح اديث من الس نة املطه رة‪ ،‬كح ال اخلوارج ال ذين ك انت‬
‫بدعتهم من سوء فهم للقرآن الكرمي‪،‬فهم مل يقصدوا معارضته‪،‬ولكن فهموا منه ما مل يدل عليه‪،‬‬

‫() أي ملا تنادوا يف املسجد ‪ -‬وعلي خيطب ‪ -‬وقالوا ‪ :‬ال حكم إال هلل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املصنف ‪.150 / 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عبد الرزاق يف املصنف ‪ .150 / 10‬ويف صحيح مسلم ‪ 749 / 2‬قال علي ‪ :‬كلمة حق أريد هبا باطل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ويف مصنف ابن أيب شيبة ‪ 327 / 15‬قال علي ‪ :‬كلمة حق يبتغى هبا باطل‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪346‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فظنوا أنه يوجب تكفري أرباب الذنوب‪ ،‬إذ كان املؤمن هو الرب التقي‪.‬قالوا فمن مل يكن ًبرا تقيً ا‬
‫فهو كافر وهو خملد يف النار‪ .‬مث قالوا‪ :‬وعثمان وعلي ومن واالمها ليسوا مبؤمنني؛ألهنم حكموا‬
‫بغري ما أنزل اهلل( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهذا الصنف من أهل البدع واألهواء ال يتوقع منهم الرجوع إىل الصواب بسهولة‪ ،‬بل‬
‫الب د من مقارع ة احلج ة باحلج ة‪ ،‬وال دليل بال دليل‪ .‬ل ذا ف إن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬سلك مع اخلوارج أسلوب املناظرة وتفنيد املزاعم‪ ،‬ورد الدليل بالدليل‪.‬‬

‫أضف إىل ذل ك م ا كان يتمت ع ب ه زعم اء اخلوارج من الفص احة وطالق ة اللسان‪ ،‬والعلم‬
‫بطرق التأثري والبيان‪ ،‬وخماطبة الوجدان‪ ،‬وكانوا مع ذلك ثابيت اجلنان‪ ،‬رابطي اجلأش‪ .‬وكانوا مع‬
‫فصاحتهم وقوة جناهنم على علم يف اجلملة بالكتاب والسنة وأشعار العرب‪ .‬وكانت فيهم رغبة‬
‫شديدة للمناقشة واجلدل ومساجلة اآلراء( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وهذه األمور وغريها دعت أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن يسلك‬
‫معهم أسلوبًا يناسب حاهلم‪ ،‬فناظرهم يف مسألة الوعد والوعيد‪ ،‬كما ناظر القدرية يف املشيئة‬
‫واالستطاعة والقدر( )‪ .‬وبعث إىل اخلوارج من يناظرهم من األكفاء‪ ،‬كعبداهلل بن عباس ‪ -‬رضي‬
‫‪3‬‬

‫اهلل عنه ‪ -‬صاحب الفقه والدين‪ ،‬وقوة احلجة واليقني‪.‬‬


‫ومما جاء يف مناظرة اخلوارج ما ورد من حديث عبداهلل بن شداد قال‪:‬‬
‫إن عليً ا ملا كاتب معاوية وحكم احلكمان خرج عليه مثانية آالف من قراء الناس فنزلوا‬
‫ب أرض يق ال هلا ح روراء من ج انب الكوف ة‪ ،‬وإهنم عتب وا علي ه‪ ،‬فق الوا‪ :‬انس لخت من قميص‬
‫ألبس كه اهلل تعاىل‪ ،‬واس م أمساك اهلل تعاىل ب ه‪ ،‬مث انطلقت فحكمت يف دين اهلل‪ ،‬فال حكم إال هلل‬
‫() انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد ) ‪.31 / 13‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬اإلمام حممد أبو زهرة‪ ،‬تاريخ اجلدل ص ‪.163‬‬ ‫‪2‬‬

‫() عبد القاهر اإلسفرائيين‪ ،‬الفرق بني الفرق ص ‪.363‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪347‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تع اىل‪ .‬فلم ا بل غ عليً ا م ا عتب وا علي ه وف ارقوه علي ه‪ ،‬ف أمر مؤذنً ا ف أذن‪ :‬أن ال ي دخل على أم ري‬
‫املؤم نني إال رج ل ق د محل الق رآن‪ ،‬فلم ا أن امتألت ال دار من ق راء الن اس‪ ،‬دع ا مبص حف إم ام‬
‫عظيم‪ ،‬فوضعه بني يديه‪ ،‬ويقول‪ :‬أيها املصحف ! حدِّث الناس ! فناداه الناس فقالوا‪ :‬يا أمري‬
‫املؤمنني ! ما تسأل عنه ؟ إمنا هو مداد من ورق ! وحنن نتكلم مبا روينا منه‪ ،‬فماذا تريد ؟ قال‪:‬‬
‫أصحابكم هؤالء الذين خرجوا‪ ،‬بيين وبينهم كتاب اهلل‪ ،‬يقول اهلل تعاىل يف امرأة ورجل‪ { :‬وإن‬
‫الحا يوف ق اهلل‬
‫وحكم ا من أهله ا إن يري دا إص ً‬
‫ً‬ ‫حكم ا من أهل ه‬
‫خفتم ش قاق بينهما ف ابعثوا ً‬
‫()‬
‫دما وحرمة من امرأة ورجل‪.‬‬
‫بينهما } ‪ ،‬فأمة حممد ص أعظم ً‬
‫‪1‬‬

‫علي أن كاتبت معاوية‪ :‬كتب علي بن أيب طالب‪ ،‬وقد جاء‬


‫ونقموا َّ‬
‫()‬
‫قريش ا‪ ،‬فكتب رسول اهلل‬
‫سهيل بن عمرو وحنن مع رسول اهلل ص باحلديبية حني صاحل قومه ً‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪ :‬بس م اهلل ال رمحن ال رحيم‪ ،‬فق ال س هيل‪ :‬ال تكتب بس م اهلل ال رمحن ال رحيم‪ ،‬فق ال‪ :‬كي ف‬
‫نكتب ؟ فقال‪ :‬اكتب‪ :‬بامسك اللهم‪ .‬فقال رسول اهلل ص‪ :‬فاكتب حممد رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬لو‬
‫قريش ا‪ ،‬يقول اهلل‬
‫أعلم أنك رسول اهلل مل أخالفك‪ ،‬فكتب‪ :‬هذا ما صاحل عليه حممد بن عبداهلل ً‬
‫تعاىل‪ { :‬لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فبعث إليهم عبداهلل بن عباس‪ ،‬فخرجت معه‪ ،‬حىت إذا توسط عسكرهم‪ ،‬قام ابن الكواء‬
‫ُأعرفُ ه من‬
‫خيطب الناس‪ ،‬فقال‪ :‬يا محلة القرآن‪ ،‬إن هذا عبداهلل بن عباس‪ ،‬فمن مل يكن يعرفه فأنا ِّ‬
‫كتاب اهلل ما َي ْعرفُه به‪ ،‬هذا ممن نزل فيه ويف قومه { قوم خصمون }( ) فردوه إىل صاحبه‪ ،‬وال‬
‫‪4‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن عب د مشس بن عب د ود بن نص ر اخلزاعي‪ ،‬يك ىن أب ا يزي د‪ ،‬أح د أش راف ق ريش وعقالئهم وخطب ائهم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أسلم يوم فتح مكة وسكنها‪ ،‬سكن املدينة‪ ،‬تويف سنة ‪18‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن األثري‪ ،‬أسد الغابة ‪2‬‬
‫‪.) 373-371 /‬‬
‫() سورة األحزاب‪ ،‬جزء اآلية ‪.21‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الزخرف‪ ،‬جزء من اآلية ‪ .58‬وتتمت اآلية { وقالوا أآهلتنا خري أم هو ما ضربوه لك إال جدال بل‬ ‫‪4‬‬

‫هم قوم خصمون }‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪348‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تواض عوه كت اب اهلل‪ ،‬فق ام خطب اؤهم فق الوا‪ :‬واهلل ! لنواض عنه كت اب اهلل‪ ،‬ف إن ج اء حبق نعرف ه‬
‫لنتبعنه‪ ،‬وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله‪ .‬فواضعوا عبداهلل الكتاب ثالثة أيام‪ ،‬فرجع منهم أربعة‬
‫علي إىل بقيتهم‪،‬‬
‫آالف كلهم ت ائب‪ ،‬فيهم ابن الك واء‪ ،‬ح ىت أدخلهم على علي الكوف ة‪ .‬فبعث ٌّ‬
‫فقال‪ :‬قد كان من أمر الناس ما قد رأيتم‪ ،‬فقفوا حيث شئتم حىت جتتمع أمة حممد ص‪ .‬بيننا‬
‫دم ا أو تقطع وا س بياًل أو تظلم وا ذم ة‪ ،‬ف إنكم إن فعلتم فق د نب ذنا إليكم‬
‫وبينكم أال تس فكوا ً‬
‫(‪)1‬‬
‫احلرب على سواء‪ ،‬إن اهلل ال حيب اخلائنني‪.‬‬
‫وقد روى ابن عباس (رضي اهلل عنهما) تفصيل مناظرته للخوارج بقوله‪ :‬دخلت عليهم‬
‫نصف النهار وهم قائلون فسلمت عليهم فقالوا‪ :‬مرحبً ا بك يا ابن عباس فما جاء بك‪ .‬قلت‬
‫هلم‪ :‬أتيتكم من عن د أص حاب الن يب ص وص هره وعليهم ن زل الق رآن‪ ،‬وهم أعلم بتأويل ه منكم‪،‬‬
‫وليس فيكم منهم أحد‪ ،‬ألبلغكم ما يقولون وختربون مبا تقولون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخربوين ماذا نقمتم على أصحاب رسول اهلل ص وابن عمه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ثالثًا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما هن ؟‬
‫(‪)2‬‬
‫قالوا‪ :‬أما إحداهن‪ :‬فإنه حكم الرجال يف أمر اهلل تعاىل‪ ،‬وقال اهلل تعاىل { إن احلكم إال هلل }‬
‫ما شأن الرجال واحلكم ؟‬
‫قلت‪ :‬هذه واحدة‪.‬‬
‫كفارا سلبهم‪ ،‬وإن كانوا مؤمنني ما‬
‫قالوا‪ :‬وأما الثانية‪ :‬فإنه قاتل ومل يسب ومل يغنم‪ ،‬فإن كانوا ً‬
‫أحل قتاهلم ؟‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد‪ ،‬املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ ،68 - 66 / 2‬وق ال أمحد ش اكر إس ناده ص حيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأورده اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ .236 ،235 / 6‬وابن كثري يف البداية والنهاية ‪ ،281 / 7‬وقال ‪ :‬تفرد به‬
‫أمحد وإسناده صحيح واختاره الضياء‪.‬‬
‫() سورة األنعام‪ ،‬جزء من اآلية ‪ .57‬وسورة يوسف‪ ،‬جزء من اآلية ‪ ،40‬ومن اآلية ‪.67‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪349‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قلت‪ :‬هذه اثنتان‪ ،‬فما الثالثة ؟‬


‫قالوا‪ :‬إنه حما نفسه عن أمري املؤمنني‪ ،‬فهو أمري الكافرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هل عندكم شيء غري هذا ؟‬
‫قالوا‪ :‬حسبنا هذا ؟‬
‫قلت‪ :‬أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب اهلل ومن سنة نبيه ص ما يرد قولكم أترضون ؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أم ا ق ولكم ( حكم الرج ال يف أم ر اهلل ) فأن ا أق رأ عليكم يف كت اب اهلل أن ق د ص ري اهلل‬
‫حكمه إىل الرجال يف مثن ربع درهم‪ ،‬فأمر اهلل الرجال أن حيكموا فيه قال اهلل تعاىل { يا‬
‫متعمدا فجزاء مثل ما قتل‬
‫ً‬ ‫أيها الذين آمنوا ال تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم‬
‫من النعم حيكم ب ه ذوا ع دل منكم }( ) فنش دكم باهلل تع اىل ! أحكم الرج ال يف أرنب‬
‫‪1‬‬

‫وحنوها من الصيد أفضل أم حكمهم يف دمائهم وصالح ذات بينهم وأنتم تعلمون أن اهلل‬
‫تعاىل لو شاء حلكم ومل يصري ذلك إىل الرجال‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬بل هذا أفضل‪.‬‬
‫حكما من أهل ه‬
‫ق ال‪:‬ويف املرأة وزوجه ا ق ال اهلل ع ز وج ل {وإن خفتم ش قاق بينهم ا ف ابعثوا ً‬
‫إصالحا يوفق اهلل بينهما}( ) فنش دكم باهلل ! حكم الرجال‬
‫‪2‬‬
‫ً‬ ‫وحكم ا من أهلها إن يريدا‬
‫ً‬
‫يف ص الح ذات بينهم وحقن دم ائهم أفض ل من حكمهم يف بض ع ام رأة؟ أخ رجت من‬
‫هذه ؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.95‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬جزء من اآلية ‪.35‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪350‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قلت‪ :‬وأم ا ق ولكم (( قات ل ومل يس ب‪ ،‬ومل يغنم )) أفتس بون أمكم عائش ة وتس تحلون منه ا م ا‬
‫تستحلون من غريها‪ ،‬وهي أمكم ؟! فإن قلتم‪ :‬إنا نستحل منها ما نستحل من غريها‪،‬‬
‫فق د كف رمت‪ .‬وألن قلتم‪ :‬ليس ت بأمن ا‪ ،‬فق د كف رمت ؛ ألن اهلل تع اىل يق ول {الن يب أوىل‬
‫ب املؤمنني من أنفس هم وأزواج ه أمه اهتم }( ) ف أنتم ت دورون بني ض اللتني‪ ،‬ف أتوا منه ا‬
‫‪1‬‬

‫مبخرج‪ ،‬قلت‪ :‬أخرجت من هذه ؟‬


‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأما قولكم ( حما امسه من أمري املؤمنني ) فأنا آتيكم مبا ترضون‪ ،‬وأراكم قد مسعتم أن النيب‬
‫ص ي وم احلديبي ة ص احل املش ركني‪ ،‬فق ال لعلي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬ه ذا م ا ص احل علي ه‬
‫حممد رسول اهلل ص‪ ،‬فقال املشركون‪ :‬ال واهلل ! ما نعلم أنك رسول اهلل‪،‬لو نعلم أنك‬
‫رسول اهلل ألطعناك‪،‬فاكتب حممد بن عبداهلل‪،‬فقال‪ :‬رسول اهلل ص‪ :‬امح يا علي رسول‬
‫اهلل‪ ،‬اللهم ! إنك تعلم أين رسولك‪ ،‬امح يا علي ! واكتب‪ :‬هذا ما صاحل عليه حممد بن‬
‫عبداهلل‪ .‬فواهلل! رس ول اهلل ص خ ري من علي‪ ،‬وق د حما نفس ه‪ ،‬ومل يكن حموه ذل ك ميح اه‬
‫من النبوة‪ .‬أخرجت من هذه ؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فرجع منهم ألفان‪ ،‬وخرج سائرهم فقاتلوا على ضاللتهم فقتلهم املهاجرون واألنصار‪.‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬جزء من اآلية ‪.6‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه النسائي‪ ،‬خصائص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‪ ،‬هتذيب وترتيب كمال يوسف‬ ‫‪2‬‬

‫احلوت ص ‪ .108 - 105‬وعبد الرزاق يف مصنفه ‪ 160 - 157 / 10‬مط واًل ‪ .‬وابن عبد الرب يف جامع‬
‫بي ان العلم وفض له ‪ .128- 126 / 2‬وأورده ابن اجلوزي يف تل بيس إبليس ص ‪ .93 - 91‬واهليثمي يف‬
‫جممع الزوائد ‪ 241 - 239 / 6‬وقال ‪ :‬رواه الطرباين وأمحد ببعضه ورجاهلما رجال الصحيح‪ .‬وعزا بعض‬
‫أهل العلم هذه املناظرة إىل علي نفسه كما عند اإلسفرائيين يف الفرق بني الفرق ص ‪ ،80 - 78‬وابن كثري‬
‫يف البداية والنهاية ‪ ،280 / 7‬ولعل عليًا (رضي اهلل عنه) هو الذي قرر أجوبة هذه املناظرة‪ ،‬كما يف املسند‪،‬‬
‫فبعث ابن عباس هبا‪ ،‬مث ناظرهم بعد ذلك‪ ،‬كما يف رواية الطربي ‪ : 109 / 3‬فبعث علي ابن عباس‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪351‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫جوانب الحكمة في مناظرة الخوارج‬

‫ال شك أن النجاح الكبري الذي حتقق ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬يف من اظرة اخلوارج‪ ،‬حيث رج ع منهم أربع ة آالف ويف رواي ة ألف ان‪ ،‬ك ان ـ بع د توفي ق اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ -‬بسبب ما توفر يف هذه املناظرة من جوانب احلكمة املتمثلة يف النقاط اآلتية‪-:‬‬

‫‪ -1‬حسن االختيار ملن سوف يقوم باملناظرة مع اخلصم‪ ،‬فقد اختار أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ابن عمه عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) وهو حرب األمة‬
‫وترمجان القرآن‪ ،‬ألن القوم كانوا يعرفون بالقراء‪ ،‬ويعتمدون يف االستدالل على معتقدهم‬
‫ب القرآن‪ ،‬لذا كان أوىل الناس مبن اظرهتم هو أدرى الن اس ب القرآن وبتأويله‪ ،‬وميكن الق ول‬
‫بأن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو صاحب االختصاص يف هذه املناظرة ‪.‬‬

‫‪ -2‬االبتداء مع اخلصم من نقاط االتفاق‪ ،‬فقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب وخصومه‬
‫من اخلوارج متفقني على األخذ من كتاب اهلل وسنة نبيه حممد ص‪ ،‬وكذلك كان عبداهلل‬
‫بن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا) حيث ق ال هلم‪ (( :‬أرأيتم إن ق رأت عليكم من كت اب اهلل‬
‫ومن سنة نبيه ص ما يرد قولكم أترضون ؟ ))‪ .‬ومع هذا فإن عبداهلل بن عباس (رضي اهلل‬
‫عنهما ) يستوثق منهم قبل بداية املناظرة‪.‬‬

‫‪ -3‬معرفة ما عند اخلصم من احلجج واستقصاؤها‪ ،‬واالستعداد هلا قبل بداية املناظرة‪ ،‬فإن أمري‬
‫املؤم نني علي بن أىب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬علم حبججهم قب ل من اظرهتم‪ ،‬وق رر‬
‫ألصحابه كيفية الرد عليها‪.‬‬

‫ال تعجل إىل جواهبم وخصومتهم حىت آتيك‪ .‬فخرج إليهم ابن عباس فلم يصرب حىت كلمهم‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪352‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -4‬تفني د م زاعم اخلص م واح دة تل و األخ رى‪ ،‬ح ىت ال يبقى هلم حج ة‪ ،‬كم ا يتض ح ذل ك من‬
‫كالم أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وكالم‬
‫عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما )‪ ،‬وكان ابن عباس (رضي اهلل عنهما) يف مناظرته هلم‬
‫كلما فرغ من تفنيد حجة قال‪ :‬أخرجت من هذه ؟‬

‫‪ -5‬التقدمي للمناظرة مبا خيدم نتيجتها لصاحل احلق‪ ،‬فإن عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) قال‬
‫يف بداية األمر‪ ،‬وقبل املناظرة‪ (( :‬أتيتكم من عند أصحاب النيب ص وصهره وعليهم نزل‬
‫القرآن‪ ،‬وهم أعلم بتأويله منكم‪ ،‬وليس فيكم منهم أحد ))‪.‬‬

‫‪ -6‬إظه ار اح رتام رأي اخلص م أثن اء املن اظرة ؛ ليك ون أدعى لس ماع ك ل م ا عن ده‪ ،‬وأن حيمله‬
‫على احرتام رأيه‪ ،‬فإن عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) وعد اخلوارج بأن ينقل رأيهم‬
‫إىل أصحابه‪.‬‬

‫‪ -3‬التهديد والوعيد‬

‫ملا أصر القوم على ضالهلم‪ ،‬ومل جتد مع بعضهم املناظرات املتعددة‪ ،‬والنداءات املتكررة‬
‫والرسائل املتنوعة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وأصحابه‪ ،‬كان البد‬
‫من القس وة معهم وأخ ذهم ب احلزم‪ ،‬فك ان التهدي د والوعي د هلم من أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫وكان مما جاء من هتديد أمري املؤمنني علي بن أىب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هلم‪ (( :‬أيته ا‬
‫العص ابة ال يت أخرجه ا ع داوة املراء واللجاج ة ! وص دها عن احلق اهلوى‪ ،‬وطم ع هبا ال نزق‪،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪353‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأص بحت يف اخلطب العظيم ! إين ن ذير لكم أن تص بحوا تلعنكم األم ة غ ًدا ص رعى بأثن اء ه ذا‬
‫الوادي‪ ،‬وبأهضام هذا الغائط‪ ،‬بغري بينة من ربكم وال برهان ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -4‬القتال‬

‫الب د أن نتس اءل‪ ،‬ه ل قات ل أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أه ل‬
‫معاصي االعتقاد‪ ،‬أهل البدع واألهواء مبجرد ظهور بدعهم ؟ وإن كان األمر ليس كذلك‪ ،‬فما‬
‫هي األمور اليت توجب قتاهلم فوق ما هم عليه من البدع ؟‬

‫لإلجابة على هذا االستفسار لعلنا نستمع إىل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬وه و يق رر منهج ه م ع اخلوارج يف بداي ة خ روجهم‪ ،‬إذ يق ول‪ (( :‬إن لكم عن دي ثالث‬
‫خالل م ا كنتم معن ا‪ :‬لن مننعكم مس اجد اهلل أن ت ذكرروا فيه ا امسه‪ ،‬و ال مننعكم فيًئا م ا ك انت‬
‫أيديكم مع أيدينا‪ ،‬وال نقاتلكم حىت تقاتلونا )) ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إذن ال قت ال هلؤالء وهم م ع مجاع ة املس لمني مل يع تزلوهنم‪ ،‬وإن اع تزلوا فال قت ال ح ىت‬
‫يب دأوا هم القت ال‪ ،‬ه ذا ه و منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع‬
‫اخلوارج‪.‬‬

‫ومع هذا فإهنم ال مينعون حقوقهم كغريهم من املسلمني‪ ،‬حقهم يف الفيء‪ .‬مع ما جرى‬
‫منهم من املعارض ة ألم ري املؤم نني وتكف ريه حيث ق ام رج ل منهم يف املس جد ووض ع أص بعيه يف‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .120 / 3‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪ .404 / 2‬وابن قتيبة‪ ،‬اإلمامة‬ ‫‪1‬‬

‫والسياسة ‪ .127 / 1‬وأمحد زكي صفوت‪ ،‬مجهرة خطب العرب ‪.412 / 1‬‬
‫() ابن أيب ش يبة يف املص نف ‪ .328 / 15‬والط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك ‪ 114 / 3‬وابن كث ري‪ ،‬البداي ة‬ ‫‪2‬‬

‫والنهاية ‪ .285 / 7‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪.398 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪354‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أذني ه وه و يق ول { ولق د أوحي إلي ك وإىل ال ذين من قبلك لئن أش ركت ليحبطن عمل ك‬
‫ولتكونن من اخلاسرين }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهتدده آخر( ) بالقتال فقال‪ :‬أما واهلل يا علي ! لئن مل تدع حتكيم الرجال يف كتاب اهلل‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ألقاتلنك‪ ،‬أطلب بذلك رمحة اهلل ورضوانه‪ ،‬فقال له علي‪ :‬تبً ا لك ما أشقاك ! كأين بك قتياًل‬
‫تسفي عليك الريح‪ ،‬فقال‪ :‬وددت أن قد كان ذلك‪ ،‬فقال له علي‪ :‬إنك لو كنت حم ًق ا كان يف‬
‫املوت تعزي ة عن ال دنيا‪ ،‬ولكن الش يطان اس تهواك‪ .‬إض افة إىل أن بعض هم أمسعه الس ب والش تم‬
‫والتعريض بآيات القرآن ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وم ع ه ذه األفع ال كله ا فلم يق رر أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫أمورا فما هي ؟‬
‫قتاهلم‪ ،‬إىل أن تفاقم خطرهم وتعاظم شرهم‪ ،‬وأحدثوا ً‬

‫اجتمع اخلوارج فيما بينهم وخطبهم رؤساؤهم خطبً ا بليغة زهدوهم يف الدنيا‪ ،‬ورغبوهم‬
‫يف اآلخ رة‪ ،‬وحث وهم فيه ا على األم ر ب املعروف والنهي عن املنك ر‪ ،‬ح ىت اس تقر أم رهم على‬
‫اخلروج ومفارق ة املس لمني‪ ،‬وهم يعتق دون أن ه ذا األم ر يرض ي رب األرض والس ماوات‪،‬ومل‬
‫يعلموا أنه من أكرب الكبائر واملوبقات‪ ،‬وأنه مما زينه هلم الشيطان الرجيم‪ ،‬واجتمعوا بالنهروان‬
‫وص ارت هلم ش وكة ومنع ة‪ ،‬وك اتبهم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪،-‬‬
‫فسادا وسفكوا الدماء وقطعوا‬
‫ولكنهم مصرون على ضالهلم وفسادهم‪ ،‬حىت عاثوا يف األرض ً‬
‫(‪)4‬‬
‫السبيل واستحلوا احملارم ‪.‬‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.65‬‬ ‫‪1‬‬

‫() وهو زرعة بن الربج كما يف البداية والنهاية ‪.285 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.114 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .285 / 7‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف‬ ‫‪3‬‬

‫التاريخ ‪.398 / 2‬‬


‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.287 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪355‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وك ان من مجل ة من قتل وه عبداهلل بن خب اب( )‪ ،‬حيث أس روه وامرأت ه مع ه وهي حام ل‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫فقالوا‪ :‬من أنت ؟‬


‫قال‪ :‬أنا عبداهلل بن خباب صاحب رسول اهلل ص‪ ،‬وإنكم قد روعتموين‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬ال بأس عليك‪ ،‬حدثنا ما مسعت من أبيك‪.‬‬
‫فق ال‪ :‬مسعت أيب يق ول‪ :‬مسعت رس ول اهلل ص يق ول‪ (( :‬س تكون فتن ة القاع د فيه ا خ ري من‬
‫الق ائم‪ ،‬والق ائم خ ري من املاش ي‪ ،‬واملاش ي خ ري من الس اعي )) فاقت ادوه بي ده‪ ،‬فبينم ا ه و يس ري‬
‫خنزيرا لبعض أهل الذمة‪ ،‬فضربه بعضهم فشق جلده‪ ،‬فقال له آخر‪ :‬مل‬
‫ً‬ ‫معهم إذ لقي بعضهم‬
‫فعلت هذا وهو لذمي ؟ فذهب إىل ذلك الذمي فاستحله وأرضاه‪ ،‬وبينما هو معهم إذ سقطت‬
‫مترة من خنلة فأخذها أحدهم فألقاها يف فمه‪ ،‬فقال له آخر‪ :‬بغري إذن وال مثن ؟ فألقاها ذاك من‬
‫فمه‪.‬‬

‫ومع هذه األعمال اليت ظاهرها الصالح والتقوى اطمأن عبداهلل بن خباب على مصريه‪،‬‬
‫إال أن العقيدة‪ ،‬والتصور املنكوس للحق‪ ،‬جعلهم يتورعون عن قتل خنزير وعن مترة ملقاة‪ ،‬وال‬
‫يتورعون عن قتل نفس مسلمة بريئة بأبشع صورة‪ ،‬فقدموا عبداهلل بن خباب فذحبوه‪ ،‬وتركوا‬
‫دمه يسيل على املاء كأنه شراك‪ ،‬مث تقدموا إىل امرأته فقالت‪ :‬إين امرأة حبلى‪ ،‬أال تتقون اهلل !‬
‫(‪)2‬‬
‫فذحبوها وبقروا بطنها عن ولدها‪.‬‬

‫() ابن األرت املدين‪ ،‬حليف بين زهرة‪ .‬قال العجلي ‪ :‬ثقة من كبار التابعني‪ .‬ذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬قال‬ ‫‪1‬‬

‫أبو نعيم ‪ :‬أدرك النيب ص‪ ،‬خمتلف يف صحبته‪ .‬له وألبيه رؤية وصحبة‪ .‬قتل سنة ‪37‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪،‬‬
‫هتذيب التهذيب ‪.) 172 / 5‬‬
‫() انظ ر ‪ :‬ابن أيب ش يبة يف املص نف ‪ .310 / 15‬والط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك ‪ .119 / 3‬وابن كث ري‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫البداية والنهاية ‪ .288 / 7‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.267 / 12‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪356‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وملا وصل األمر باخلوارج إىل هذا احلد خافهم الناس‪ ،‬فأشاروا على أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬باملسري إليهم وقتاهلم واجتمع الرأي على هذا‪ ،‬فأراد أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬التأك د من ح اهلم ومعرف ة م ا هم علي ه من الفس اد‪،‬‬
‫وحقيقة ما بلغه عنهم‪ ،‬فأرسل إليهم احلرب بن مرة العبدي‪ ،‬فقال له‪ :‬اخرب يل خربهم‪ ،‬واعلم‬
‫إيل به على اجللية‪ ،‬فلما قدم عليهم قتلوه‪ ،‬ومل ينظروه‪ ،‬فلما بلغ ذلك عليً ا‬
‫يل أمرهم‪ ،‬واكتب َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫عزم على الذهاب إليهم‪.‬‬

‫مجع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬جيشه وسار إىل اخلوارج‪ ،‬وقبل‬
‫خمرج ا من القت ال فبعث إليهم‪ :‬أن ابعث وا إلين ا قتل ة إخوانن ا منكم ح ىت‬
‫لق ائهم أراد أن جيع ل هلم ً‬
‫أقتلهم‪ ،‬مث أنا تارككم وذاهب إىل العرب( )‪ ،‬مث لعل اهلل أن يقبل بقلوبكم ويردكم إىل خري مما‬
‫‪2‬‬

‫أنتم علي ه‪ .‬فبعث وا إلي ه يقول ون‪ :‬كلن ا قت ل إخ وانكم وحنن مس تحلون دم اءهم ودم اءكم‪ .‬وتق دم‬
‫إليهم قيس بن س عد بن عب ادة ف وعظهم فيم ا ارتكب وه من األم ر العظيم‪ ،‬واخلطب اجلس يم‪ ،‬فلم‬
‫ينفع‪ .‬وكذلك أبو أيوب األنص اري أنبهم ووخبهم فلم ينجع‪ .‬وتقدم أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتوعدهم‪ ،‬فلم يكن هلم‬
‫جواب إال أن تنادوا فيما بينهم‪ :‬أن ال ختاطبوهم‪ ،‬وال تكلموهم‪ ،‬وهتيؤوا للقاء الرب عز وجل‬
‫(‪)3‬‬
‫الرواح الرواح إىل اجلنة ‪.‬‬

‫ومع كل هذه املراحل من احملاوالت معهم مازال عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬بعض األمل أن يرجع بعضهم وأن يثوب إىل رشده قبل نشوب القتال‪ ،‬فأوجد‬

‫() انظر ‪ :‬الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .119 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.288 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يعين أهل الشام‪ ،‬وكان قد نوى الذهاب إليهم قبل اخلوارج‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك ‪ .120 / 3‬وابن كث ري‪ ،‬البداي ة والنهاي ة ‪ .289 / 7‬وابن األث ري‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫الكامل يف التاريخ ‪.405 ،404 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪357‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫خمرج ا بأمره أيب أيوب األنصاري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول‬
‫هلم ً‬
‫هلم‪ :‬من جاء إىل هذه الراية فهو آمن‪ ،‬ومن انصرف إىل الكوفة فهو آمن‪ ،‬إنه ال حاجة لنا فيكم‬
‫إال فيمن قتل إخواننا‪ ،‬فانصرف منهم طوائف كثريون‪ ،‬وكانوا يف أربعة آالف فلم يبق منهم إال‬
‫أل ف أو أق ل م ع عبداهلل بن وهب الراس يب‪ ،‬وك ان علي يق ول ألص حابه‪ :‬كف وا عنهم ح ىت‬
‫يب دؤوكم‪ ،‬ف أقبلت عليهم اخلوارج فنش ب القت ال‪ ،‬فلم يلبث اخلوارج أن أص بحوا ص رعى حتت‬
‫سنابك اخليل‪ ،‬وقتل أمراؤهم‪ :‬عبداهلل بن وهب‪ ،‬وحرقوص بن زهري‪ ،‬وشريح بن أوىف‪ ،‬وعبداهلل‬
‫بن سخرية السلمي ( قبحهم اهلل ) ومل يقتل من أصحاب علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬سوى سبعة‬
‫(‪)1‬‬
‫نفر‪.‬‬

‫ومما جيب التنب ه ل ه أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬قات ل اخلوارج بنص رس ول‬
‫اهلل ص‪ ،‬وف رح ب ذلك‪ ،‬ومل ينازع ه في ه أح د من الص حابة‪ ،‬ففي الص حيحني عن علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬يأيت يف آخر الزمان قوم حدثاء‬
‫األسنان‪ ،‬سفهاء األحالم( )‪ ،‬يقولون من خري قول الربية( )‪ ،‬ميرقون من الدين كما ميرق السهم‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫أجرا ملن قتلهم‬


‫من الرمية‪ ،‬ال جياوز إمياهنم حناجرهم‪ ،‬فأينما لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬فإن يف قتلهم ً‬
‫(‪)4‬‬
‫يوم القيامة ))‬

‫() انظ ر ‪ :‬الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم وامللوك ‪ .123 -120 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداي ة والنهاي ة ‪ .289 / 7‬وابن‬ ‫‪1‬‬

‫األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪ .407 ،406 ،405 / 2‬ويف صحيح مسلم ‪ : 749 / 2‬وما أصيب من الناس‬
‫يومئذ إال رجالن‪ .‬ويف مص نف ابن أيب ش يبة ‪ : 310 / 15‬ف وا هلل ! م ا أص يب من املس لمني تس عة ح ىت‬
‫أفنوهم‪.‬‬
‫() صغار السن ضعاف العقول‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 287 / 12‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أي يقولون القول احلسن يف الظاهر والباطن خالف ذلك‪ (.‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.)12/287‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرج ه البخ اري واللف ظ ل ه‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب املن اقب‪ .531 / 2‬ومس لم‪ ،‬كت اب الزك اة ‪/ 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.747‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪358‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وك ان من منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن ه ال يقات ل الق وم‬
‫ح ىت ي دعوهم ثالثً ا‪ ،‬فق د بعث معقاًل التميمي إىل ب ين ناجي ة فق ال‪ (( :‬إذا أتيت الق وم ف ادعهم‬
‫ثالثًا ))( )‪ .‬وبعث الرباء بن عازب إىل احلرورية فدعاهم ثالثًا ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫نتيجة المنهج مع الخوارج‬


‫لقد جنح أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف منهجه مع اخلوارج ويدل‬
‫على ذلك النقاط اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬ك ان ع داد اخلارجني علي ه ‪ ) (16000‬وقي ل‪ 12000 :‬يف أك ثر الرواي ات( )‪ ،‬وقيل‪800:‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ) (0‬وقيل‪.6000 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -2‬رجع منهم بعد املناظرة ‪ ) (8000‬وقيل‪ ،) (4000 :‬وقيل‪.) (2000 :‬‬


‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ - 3‬رجع كثري منهم بعد التهديد واحلوار ورفع راية األمان قبيل القتال ( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.364 / 12‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬املوضع السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.282 / 7‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كما عند الشهرستاين يف امللل والنحل ص ‪ .115‬واملسعودي يف مروج الذهب ‪ .405 / 2‬واهليثمي يف‬ ‫‪4‬‬

‫جمم ع الزوائد ‪ 238 / 6‬ولكن ه ق ال ‪ :‬بض عة عش ر أل ًف ا‪ .‬وابن كث ري يف البداي ة والنهاي ة ‪ .279 / 7‬وت اريخ‬
‫اليعقويب ‪.191 / 2‬‬
‫() كم ا يف مس ند اإلم ام أمحد ( حتقي ق أمحد ش اكر ) ‪ .68 / 2‬وت اريخ اليعقويب ‪ .191 / 2‬وابن كث ري يف‬ ‫‪5‬‬

‫البداية والنهاية ‪ ،281 / 7‬وقال ابن كثري معل ًقا على هذا العدد ‪ :‬ويف هذا السياق ( أي حديث اإلمام أمحد)‬
‫ما يدل على أن عدهتم مثانية آالف‪ ،‬لكن من القراء‪ ،‬وقد يكون واطأهم على مذهبهم آخرون من غريهم حىت‬
‫بلغوا اثين عشر أل ًفا‪ ،‬أو ستة عشر أل ًفا‪.‬‬
‫() اإلسفرائيين‪ ،‬الفرق بني الفرق ص ‪.80‬‬ ‫‪6‬‬

‫() ابن كثري البداية والنهاية ‪ .282 / 7‬وقال يف موضع آخر ( ‪ : ) 279 / 7‬فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪ .193 / 2‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.282 / 7‬‬ ‫‪8‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.289 / 7‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪359‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -4‬مل يبق منهم عند بدء القتال سوى ‪ ) (1000‬رجل‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫معالم دعوة العصاة عند أمير المؤمنين‬

‫‪ -1‬التغليظ في التهديد والوعيد‬

‫ل و تأملن ا بعض أق وال أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف هتدي ده‬
‫ووعيده للعصاة‪ ،‬لوجدنا أهنا تدل على الشدة والغلظة‪ ،‬كما يف قوله للمرأة اليت جاءت تشتكي‬
‫زوجها‪ (( :‬إن كنت صادقة رمجناه‪ ،‬وإن كنت كاذبة جلدناك))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقوله‪ (( :‬لو أتاين الذي أتى ابن أم عبد لرضخت رأسه باحلجارة ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقوله‪ (( :‬فال أوتى بشاهد زور إال فعلت به كذا وكذا ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ولكن ميكن الق ول إن ه ذه الش دة تك ون يف ح ال التهدي د ب القول‪ ،‬ولكن عن دما يص ل‬


‫األمر إىل تطبيق العقوبة على العاصي فإن األمر ليس كذلك‪ ،‬كما يتبني من النقاط اآلتية‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم التثريب( ) بالمعصية‬


‫‪5‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪.352‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.352‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.353‬‬ ‫‪4‬‬

‫() التثريب ‪ :‬التأنيب والتعيري واالستقصاء يف اللوم‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ .92 / 1‬مادة [ثرب] )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪360‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ينظر أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل العاصي بعد إقامة احلد عليه‬
‫كغريه من املسلمني‪ ،‬ويدل على ذلك موقفه ملا رمجت شراحة جعل الناس يلعنوهنا‪ ،‬قال‪ (( :‬أيها‬
‫الناس ! ال تلعنوها‪ ،‬فإن من أقيم عليه احلد فهو كفارته‪ ،‬جزاء الدين بالدين ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫علي فق الوا كي ف يص نع‬


‫علي ش راحة ج اءت مهدان إىل ٍّ‬
‫وعن الش عيب ق ال‪ (( :‬ملا رجم ٌّ‬
‫هبا ؟ فقال اصنعوا هبا كما تصنعون بنسائكم إذا منت يف بيوهتن ))( )‪ .‬وذلك كما فعل رسول‬
‫‪2‬‬

‫اهلل ص يف ماعز ملا ُرجم‪ ،‬قالوا يا رسول اهلل ! ما يصنع به ؟ قال‪ (( :‬اصنعوا به كما تصنعون‬
‫مبوتاكم‪ ،‬من الغسل والكفن واحلنوط( ) ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫وي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن من أقيم علي ه احلد من‬
‫العص اة فإمنا ه و كف ارة ل ه‪ ،‬حيث يق ول ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص‪ (( :‬من‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.89 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.254 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ورد خالف بني أه ل العلم يف الص الة على احملدود ذك ره ابن حج ر يف الفتح ‪ 131 / 12‬بقول ه ‪ :‬وق د‬ ‫‪3‬‬

‫اختل ف أه ل العلم يف ه ذه املس ألة‪ ،‬فق ال مال ك ‪ :‬ي أمر اإلم ام ب الرجم وال يت واله بنفس ه وال يرف ع عن ه ح ىت‬
‫ردع ا ألهل املعاصي إذا علموا‬
‫ميوت‪ ،‬وخيلى بينه وبني أهله يغسلونه ويصلون عليه‪ ،‬وال يصلي عليه اإلمام ؛ ً‬
‫أنه ممن ال يصلى عليه‪ ،‬ولئال جيرتئ الناس على مثل فعله‪ .‬وعن بعض املالكية ‪ :‬جيوز لإلمام أن يصلي عليه وبه‬
‫قال اجلمهور‪ ،‬واملعروف عن مالك أنه يكره لإلمام وأهل الفضل الصالة على املرجوم‪ ،‬وهو قول أمحد‪ .‬وعن‬
‫الشافعي ‪ :‬ال يكره‪ ،‬وهو قول اجلمهور‪ .‬وعن الزهري ‪ :‬ال يصلى على املرجوم وال على قاتل نفسه‪ .‬وأطلق‬
‫عياض فقال ‪ :‬مل خيتلف العلماء يف الصالة على أهل الفسق واملعاصي واملقتولني يف احلدود وإن كره بعضهم‬
‫ذلك ألهل الفضل‪ ،‬إال ما ذهب إليه أبو حنيفة يف احملاربني‪ ،‬وما ذهب إليه احلسن يف امليتة من نفاس الزىن‪ ،‬وما‬
‫ذهب إليه الزهري وقتادة‪.‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.254 / 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪361‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أذنب يف الدنيا ذنبًا فعوقب به‪ ،‬فاهلل تعاىل أعدل من أن يثين عقوبته على عبده‪ ،‬ومن أذنب ذنبً ا‬
‫يف الدنيا فسرت اهلل عليه وعفا عنه‪ ،‬فاهلل أكرم من أن يعود يف شيء قد عفا عنه ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -3‬إتاحة الفرصة للعاصي للنجاة من العقوبة‬

‫مما سبق جند أن أمري املؤمنني ال يتحني الفرص إليقاع العقوبة على العصاة‪ ،‬بل إنه يتيح‬
‫مقررا انتفت معه الشبهة‪،‬‬
‫حدا شرعيًا ً‬
‫للعاصي فرصة النجاة من العقوبة‪ ،‬مامل تكن تلك العقوبة ً‬
‫ويتضح هذا من قصته مع املرأة اليت جاءت تشتكي زوجها‪ ،‬فلم تدل الرواية على طلب زوجها‪،‬‬
‫أيض ا موقف ه من ش اهدي ال زور‪ ،‬حيث أخ ذ يف‬
‫وإيق اع العقوب ة على أح دمها‪ .‬وي دل على ذل ك ً‬
‫شيء من أمور الناس بعد هتديدمها‪ ،‬فتحينا الفرصة فذهبا‪.‬‬

‫أيضا حرص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عن ه ‪ -‬على درأ‬
‫ومن هذا الباب ً‬
‫احلدود بالش بهات‪ ،‬وي دل على ذل ك قول ه‪ (( :‬إذا بل غ يف احلدود لع ل وعس ى فاحلد معطل))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وغري ذلك من املواقف اليت سبق ذكرها( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪ -4‬عدم التعدي وأخذ الحق للعاصي‬

‫إن معصية العاصي ليست سببًا يف ضياع حقوقه عند أمري املؤمنني‪ ،‬وليست كذلك سببًا‬
‫يف عدم قبول شكواه ‪ -‬كما هي احلال عند عامة الناس ‪ -‬بل إن عدل أمري املؤمنني علي بن أيب‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،350 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬والرتمذي‬ ‫‪1‬‬

‫يف سننه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪ ،16 / 5‬وقال أب و عيس ى ‪ :‬وه ذا حديث حسن غريب ص حيح‪ ،‬وهذا قول أهل‬
‫أحدا بالزىن والسرقة وشرب اخلمر‪.‬انتهى كالمه‪ .‬وعند عبد الرزاق يف املصنف ‪/ 7‬‬
‫أحدا كفر ً‬
‫العلم‪ ،‬ال نعلم ً‬
‫‪ 328‬موقوف على علي بلفظ ‪ :‬من عمل سوءًا فأقيم عليه احلد‪ ،‬فهو كفارة له‪.‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.425 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.364‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪362‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فرض عليه النظر إىل العاصي كغريه من الناس‪ ،‬عليه ماعليه‪ ،‬وله ما‬
‫ل ه‪ .‬وي دل على ه ذا املنهج قول ه‪(( :‬م ا كنت أقيم على أح ٍد ح ًدا فيم وت في ه فأج د من ه يف‬
‫نفس ي‪ ،‬إال ص احب اخلم ر‪ .‬ألن ه إن م ات وديت ه‪ .‬ألن رس ول اهلل ص مل يس نه ))( )‪ .‬وك ذلك‬
‫‪1‬‬

‫أخذه القصاص من قنرب الذي زاد يف جلده رجل ثالثة أسواط( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫كما أنه يأمر باجتناب ضرب املواضع اليت تضر باحملدود كالوجه واملذاكري‪ ،‬ويدع فرصة‬
‫للمحدود يتقي الضرب بيديه( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -5‬العدل في إقامة الحدود‬

‫إن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يفرق يف إقامة احلدود بني من‬
‫يواليه ومن يعاديه‪ ،‬فاحلد حق للموىل سبحانه وتعاىل وال عالقة لألمور الشخصية فيه‪ ،‬فقد أقام‬
‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬احلد على النجاش ي الش اعر ومل مينع ه من‬
‫ذلك كونه من أعوانه وممن ميدحه( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وهذا هو املنهج األصيل يف إقامة احلدود كما قرره رسول اهلل ص بقوله‪((:‬إمنا أهلك الذين‬
‫قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪.‬وأمي‬
‫(‪)5‬‬
‫اهلل ! لو أن فاطمة بنت حممد سرقت لقطعت يدها))‬

‫‪ -6‬التدرج وعدم االستعجال في مراحل الدعوة‬


‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب احلدود ‪ .246 / 4‬و مس لم يف ص حيحه واللف ظ ل ه‪ ،‬كت اب‬ ‫‪1‬‬

‫احلدود ‪.1332 / 3‬‬


‫() راجع صفحة ‪.363 ،362‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.363‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.361‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء ‪.499 / 2‬‬ ‫‪5‬‬

‫ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب احلدود ‪.1315 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪363‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يتض ح ه ذا املعلم يف منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع‬
‫احلوارج‪ ،‬فقد تدرج معهم فيما يصلح هلم من الوسائل واألساليب‪ ،‬ومل يعجلهم بالعقاب رغم‬
‫ما أظهروه له من العداوة والتكفري‪ ،‬مواجهة بني اجلماهري‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪364‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫منهجه في دعوة غير المسلمين‬

‫املبحث األول‬

‫دعوة أهل الكتاب‬

‫أه ل الكت اب هم ال ذين مل يؤمن وا برس ول اهلل ص من أه ل ال ديانات الس ابقة‪ ،‬من اليه ود‬
‫(‪)1‬‬
‫والنصارى‪ ،‬ومسوا أهل كتاب النتساهبم إىل كتبهم‪.‬‬

‫آمرا نبيه‬
‫ووجوب دعوة أهل الكتاب ثابت يف الكتاب والسنة‪ ،‬يقول اهلل سبحانه وتعاىل ً‬
‫حممدا ص { قل يا أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء بيننا وبينكم أال نعبد إال اهلل وال نشرك به‬
‫ً‬
‫بعضا أربابًا من دون اهلل فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫شيًئا وال يتخذ بعضنا ً‬
‫منكرا عليهم كفرهم { يا أهل الكتاب مل تكفرون بآيات اهلل وأنتم تشهدون‪ .‬يا‬
‫ويقول ً‬
‫أهل الكتاب مل تلبسون احلق بالباطل وتكتمون احلق وأنتم تعلمون}( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قوم ا من أه ل الكت اب‪،‬‬


‫وملا بعث رس ول اهلل ص مع ا ًذا إىل اليمن ق ال ل ه‪ (( :‬إن ك ستأيت ً‬
‫حممدا رسول اهلل‪ ،‬فإن هم أطاعوا لك‬
‫فإذا جئتهم فادعهم إىل أن يشهدوا أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن ً‬

‫() راجع الفصل التمهيدي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪.71 ،70‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪365‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ب ذلك‪ ،‬ف أخربهم أن اهلل ق د ف رض عليهم مخس ص لوات يف الي وم والليل ة‪ ،‬ف إن هم أط اعوا ل ك‬
‫ب ذلك‪ ،‬ف أخربهم أن اهلل ق د ف رض عليهم ص دقة تؤخ ذ من أغني ائهم ف رتد على فق رائهم‪ ،‬ف إن‬
‫أطاعوا لك بذلك‪ ،‬فإياك وكرائم أمواهلم‪ ،‬واتق دعوة املظلوم فإنه ليس بينه وبني اهلل حجاب ))‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولق د ك ان لرس ول اهلل ص وخللفائ ه الراش دين يف دع وة أه ل الكت اب مواق ف مش هودة‪،‬‬


‫ونتبني منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع أهل الكتاب من مواقفه مع‬
‫اليهود أواًل مث مع النصارى‪ ،‬على النحو التايل‪- :‬‬

‫أواًل ‪ :‬مع اليهود‬

‫لق د كان ألم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف دع وة اليه ود مواقف‬
‫مشهورة على عهد رسول اهلل ص كموقفه مع أهل خيرب‪ ،‬ملا سار‬
‫رسول اهلل ص إىل خيرب مل يكن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬رفي ًق ا له يف أول املسري‪،‬‬
‫ومل مينعه من ذلك إال أنه كان أرمد العني‪ ،‬وقيل شديد الرمد ال يبصر( )‪ ،‬ومع هذا فقد أنكر‬
‫‪2‬‬

‫على نفسه أن يتخلف عن رسول اهلل ص‪،‬ورغب يف املشاركة يف دعوة اليهود‪ ،‬فلم يكن مسري‬
‫رسول اهلل ص إليهم هبدف القتال‪ ،‬بل الدعوة أواًل مث القتال‪ .‬ولقد كان لعلي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ه ذا املس ري النص يب األك رب‪ ،‬وال دور الب ارز‪ ،‬ال ذي متن اه كب ار الص حابة يف‬
‫ذلك الوقت‪.‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب املغازي ‪.161 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.477 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪366‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فلقد روى البخاري يف صحيحه بسنده عن سلمة( ) ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪(( :‬كان علي‬
‫‪1‬‬

‫بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ختل ف عن رس ول اهلل ص يف خي رب‪ ،‬وك ان رم ًدا‪ ،‬فق ال‪ :‬أن ا‬
‫غدا ‪ -‬أو‬
‫أختلف عن النيب ص ؟ فلحق به‪ .‬فلما بتنا تلك الليلة اليت فتحت قال‪ :‬ألعطني الراية ً‬
‫ليأخ ذن الراي ة غ ًدا ‪ -‬رج ل حيب ه اهلل ورس وله يفتح اهلل علي ه‪ .‬فنحن نرجوه ا‪ ،‬فقي ل ه ذا علي‬
‫فأعطاه‪ ،‬ففتح عليه ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف ح ديث س هل بن س عد ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن رس ول اهلل ص ق ال‪(( :‬ألعطني ه ذه‬


‫الراي ة غ ًدا رجاًل يفتح اهلل على يدي ه‪ ،‬حيب اهلل ورس وله‪ ،‬وحيب ه اهلل ورس وله‪ .‬ق ال‪ :‬فب ات الن اس‬
‫يدوكون( ) ليلتهم‪ :‬أيهم يعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول اهلل ص كلهم يرجو أن‬ ‫‪3‬‬

‫يعطاها‪ ،‬فقال‪ :‬أين علي بن أيب طالب ؟ فقيل هو يا رسول اهلل ! يشتكي عينيه‪ .‬قال‪ :‬فأرسلوا‬
‫إليه‪ ،‬فأيت به فبصق رسول اهلل ص يف عينيه ودعا له‪ ،‬فربأ‪ ،‬حىت كأن مل يكن به وجع ! فأعطاه‬
‫الراية‪ .‬فقال علي‪ :‬يا رسول اهلل ! أقاتلهم حىت يكونوا مثلنا‪ .‬فقال‪ :‬انفذ على رسلك( )‪ ،‬حىت‬
‫‪4‬‬

‫ت نزل بس احاهتم( )‪ ،‬مث ادعهم إىل اإلس الم‪ ،‬وأخ ربهم مبا جيب عليهم‪ ،‬من ح ق اهلل في ه‪ ،‬فواهلل !‬
‫‪5‬‬

‫واحدا‪ ،‬خري لك من أن يكون لك محر النعم( )))( )‪.‬‬


‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬
‫ً‬ ‫ألن يهدي اهلل بك رجاًل‬

‫() هو سلمة بن األكوع (رضي اهلل عنه)‪( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 7/476‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي ‪.137 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أي خيوضون وميوجون يف الكالم‪ ( .‬احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪.) 147 ،3‬‬ ‫‪3‬‬

‫() على رفقتك ولينك من غري عجلة‪ ( .‬سليمان بن عبداهلل بن حممد بن عبد الوهاب‪ ،‬تيسري العزيز احلميد ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪.) 136‬‬
‫() أي فناء أرضهم‪ ،‬وهو حواليها‪ ( .‬املرجع السابق ص ‪.) 136‬‬ ‫‪5‬‬

‫() وهي من ألوان اإلبل احملمودة‪ ،‬واملعىن ‪ :‬خري لك من أن تكون لك فتصدق هبا‪ ،‬وقيل ‪ :‬تقتنيها ومتلكها‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫وكانت مما تتفاخر العرب هبا‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 478 / 7‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي ‪.138 ،137/ 3‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪367‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إذن فإن مهمة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬األساسية اليت سار لتحقيقها ليست‬
‫هي القتال‪ ،‬ومن مث فتح احلصن‪ ،‬بل إن املهمة األساسية هي دعوة اليهود إىل أن يشهدوا أن ال‬
‫حممد ا رسول اهلل‪ ،‬فإن آمنوا بذلك أخربهم مبا جيب عليهم من حق اهلل فيه‪ ،‬وهو‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬وأن ً‬
‫الصلوات اخلمس‪ ،‬وزكاة األموال‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬فقد ورد له التوجيه بذلك إمجااًل من رسول‬
‫اهلل ص‪ ،‬وورد التوجيه مفصاًل يف حديث معاذ بن جبل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫ولق د ك ان علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ي درك ه ذا اهلدف‪ ،‬كم ا يف قول ه‪:‬‬
‫(( أقاتلهم حىت يكونوا مثلنا )) أي حىت يسلموا( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعلي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬هو صاحب املواقف الناجحة‪ ،‬فقد ذكر بعض‬
‫أصحاب السري أن رسول اهلل ص قال مقالته بعد ما اشتد األمر واستعصى الفتح على من أخذ‬
‫الراية قبل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فقد قال املقريزي( ) يف ذلك‪ :‬دفع لواءه إىل‬
‫‪2‬‬

‫رج ل من امله اجرين فرج ع ومل يص نع ش يًئا‪ ،‬فدفع ه إىل آخ ر من امله اجرين فرج ع ومل يص نع‬
‫شيًئا( )‪ ،‬ودفع لواء األنصار إىل رجل منهم فرجع ومل يصنع شيًئا‪ .‬فحث رسول اهلل ص املسلمني‬ ‫‪3‬‬

‫على اجلهاد‪ ،‬وسالت كتائب يهود أمامهم احلارث أبو زيد يهذ( ) الناس هذا‪ ،‬فساقهم صاحب‬
‫‪4‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.478 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أمحد بن علي بن عبد القادر املقريزي‪ ،‬نسبة حلارة يف بعلبك‪،‬ولد بالقاهرة سنة ‪769‬هـ‪ ،‬ونشأ هبا‪ ،‬وويل‬ ‫‪2‬‬

‫حس بتها‪ ،‬م ؤرخ حمدث‪ ،‬نظم ون ثر وأل ف كتبً ا كث رية‪ ،‬ح ىت قي ل ‪ :‬إهنا زادت على م ائيت جمل د كب ار‪ ،‬ت ويف‬
‫بالقاهرة سنة ‪ 845‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪.) 205 ،204 / 1‬‬
‫() ولقد خصص بعضهم أن رسول اهلل ص دفع رايته إىل أيب بكر أواًل مث إىل عمر كأيب نعيم يف احللية ‪/ 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،62‬وابن األثري يف أسد الغابة ‪.21 / 4‬‬


‫() اهلذ اإلسراع‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،572 / 2‬مادة [هذذ] )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪368‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ُأس رْي يقدم اليهود‪ ،‬فكشف األنصار حىت‬


‫راية األنصار حىت انتهوا إىل احلصن فدخلوه‪ ،‬وخرج َ‬
‫()‬
‫مهموما‪.‬‬
‫ً‬ ‫انتهى إىل رسول اهلل ص وأمسى‬
‫‪1‬‬

‫ومن املعلوم أن أهل خيرب ما كانوا يواجهون املسلمني مباشرة‪ ،‬بل كانوا يتحصنون يف‬
‫حصوهنم كحصن ناعم والقموص والشق والنطاة والوطيح والسالمل‪ ،‬وقد استماتوا يف الدفاع‬
‫عن هذه احلصون‪ ،‬وكلما هزموا يف حصن الذوا منه باآلخر‪ ،‬وكان قتال هؤالء حيتاج إىل صرب‬
‫واحتمال أمام هذه احلصون‪ ،‬وحيتاج إىل مبارزين أقوياء يبارزون قادة اليهود أمام تلك احلصون‪،‬‬
‫لذا كان اختيار رسول اهلل ص لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ملا عرف عنه من البسالة‬
‫والشجاعة‪ ،‬والشهرة يف ميدان املبارزة‪.‬‬

‫ومن أب رز م ا عمل ه علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ه ذه املواجه ة ه و قتل ه‬
‫()‬
‫ورا‬
‫لف ارس اليه ود املش هور عن دهم ( م رحب ) ‪ ،‬وذل ك ملا خ رج م رحب مغ ًرتا بنفس ه فخ ً‬
‫‪2‬‬

‫بشجاعته يرجتز‪:‬‬

‫شاكي السالح( ) بطل جمرب‬


‫‪3‬‬
‫قد علمت خيرب أين مرحب‬

‫إذا احلرب أقبلت تلهب‬

‫برز له علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قائاًل ‪:‬‬

‫() امتاع األمساع ‪ ،314 / 1‬وانظر ‪ :‬ابن هشام يف السرية النبوية ‪.2/334‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هناك خالف بني أهل العلم حول الذي قتل مرحبًا ‪ :‬ففريق يرى أن الذي قتله حممد بن مسلمة األنصاري‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفريق يرى أن حممد بن مسلمة جرحه مث مر به علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) فذفف عليه واحتز رأسه‪،‬‬
‫وفريق ثالث يرى أن الذي قتل مرحبًا علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‪ ،‬وهذا القول هو الراجح من األقوال‬
‫الثالث ة ل ورود التص ريح ب ه يف ص حيح مس لم ‪ ( .1441 / 3‬انظ ر أص حاب ه ذه اآلراء ودلي ل ك ل فرق ة‬
‫واملقارنة بينها عند ‪ :‬حممد أمحد بامشيل يف كتابه ‪ :‬غزوة خيرب ص ‪.) 167 - 163‬‬
‫() شاكي السالح ‪ :‬أي تام السالح‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 184 / 12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪369‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫كليث غابات كريه املنظرة‬ ‫أنا الذي مستين أمي حيدرة‬

‫أوفيهم بالصاع كيل السندرة‬

‫فض رب علي رأس م رحب فقتل ه مث ك ان الفتح على يدي ه ( )‪ .‬كم ا قت ل الزب ري ياس ًرا (أخ ا‬
‫‪2‬‬

‫مرحب)‪ ،‬وملا قتل مرحب وياسر‪ ،‬قال رسول اهلل ص‪ (( :‬أبشروا‪ ،‬قد ترحبت خيرب وتيسرت !‬
‫))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويتميز موقف علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع مرحب خاصة ومع اليهود عامة‬
‫بالغلظ ة والش دة‪ ،‬ال لش يء إال أهنم أع داء اهلل ورس وله‪ ،‬ومل جييب وا دع وة احلق ال يت ج اءهم هبا‬
‫حزبوا األحزاب على رسول‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬مث أهنم أولئك الطغاة اخلونة الذين كانوا باألمس َّ‬
‫اهلل ص ووع دوهم ب أن يكون وا عونً ا هلم على املس لمني( )‪،‬وك ان كف ار ق ريش ق د ه ابوا ح رب‬
‫‪4‬‬

‫املسلمني ألهنم جربوها واكتووا بنارها‪.‬‬

‫وتتمثل هذه الشدة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع اليهود يف‬
‫مواقف أخرى‪ ،‬ففي غزوة بين النضري فقد الصحابة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ذات‬
‫ليل ة‪ ،‬فق ال الن يب ص إن ه يف بعض ش أنكم ! فعن قلي ل ج اء ب رأس َع ْز َو َك‪ ،،‬وق د كمن ل ه ح ىت‬

‫أسدا يف أول والدته‪ .‬وكان مرحب قد رأى يف‬ ‫() حيدرة ‪ :‬اسم لألسد‪ .‬وكان علي (رضي اهلل عنه) قد مسي ً‬ ‫‪1‬‬

‫أسدا يقتله‪ ،‬فذكره علي بذلك ليخيفه ويضعف نفسه‪ .‬ومسي األسد حيدرة لغلظه‪ ،‬واحلادر الغليظ‬ ‫املنام أن ً‬
‫القوي‪ ( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.) 185 / 12‬‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلهاد ‪.1441 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الواقدي‪ ،‬املغازي ‪.657 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظ ر ‪ :‬الط ربي‪ ،‬ت اريخ األمم واملل وك ‪ .90 / 2‬وابن هش ام يف الس رية النبوي ة ‪ .214 / 2‬وابن كث ري يف‬ ‫‪4‬‬

‫البداية والنهاية ‪.94 / 4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪370‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫شجاعا راميًا ‪ ،‬فشد عليه علي ‪ -‬رضي‬


‫ً‬ ‫خرج يف نفر من اليهود يطلب غرة من املسلمني‪ ،‬وكان‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل عنه ‪ -‬فقتله‪ ،‬وفر اليهود‪.‬‬

‫ومن أشد مواقفه مع اليهود ذلك املوقف الذي وقفه من قريظة ملا حكم عليهم سعد بن‬
‫معاذ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن تقتل مقاتلتهم‪ ،‬وأن تسىب النساء والذرية‪ ،‬وأن تقسم األموال ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكان الذين يباشرون القتل علي بن أيب طالب والزبري (رضي اهلل عنهما) ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ولقد كان رسول اهلل ص قدم برايته علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل بين قريظة‬
‫فتبعه الن اس‪ ،‬ح ىت إذا دن ا من احلص ون مسع منه ا مقالة قبيحة لرس ول اهلل ص‪ ،‬فرج ع ح ىت لقي‬
‫رسول اهلل ص بالطريق فقال‪ :‬يا رسول اهلل ! ال عليك من هؤالء األخابث‪ .‬قال‪ :‬مل ؟ أظنك‬
‫(‪)4‬‬
‫مسعت منهم يل أذى ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬لو رأوين مل يقولوا من ذلك شيًئا‪.‬‬

‫إن ما سبق من الشدة والغلظة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ه و‬
‫مع اليهود املعاندين اجلاحدين‪ ،‬أما مع من يبحث عن احلق منهم ‪ -‬مع قلتهم ‪ -‬فإن منهج أمري‬
‫املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬خيتل ف معهم عن س ابقه‪ ،‬فإن ه يب ذل هلم العلم‬
‫النافع الذي يدل على احلق ويزيل عنهم الشبه‪.‬‬

‫() املقريزي‪ ،‬إمتاع األمساع ‪.180 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر خربهم عند البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي ‪.118 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الواقدي‪ ،‬املغازي ‪ .513 / 2‬واملقريزي‪ ،‬إمتاع األمساع ‪.247 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .98 / 2‬والواقدي يف املغازي ‪ .499 / 2‬و ابن هشام السرية النبوية ‪/ 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.234‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪371‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫جاء يهودي إىل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فسأله‪ :‬مىت كان ربنا‬
‫؟ فتَ َم َّعَر وجه علي وقال‪ :‬مل يكن فكان ؟! هو كان وال كينونة‪ ،‬كان بال كيف‪ ،‬كان ليس قبل‬
‫(‪)5‬‬
‫وال غاية‪ ،‬انقطعت الغايات دونه‪ ،‬فهو غاية كل غاية )) فأسلم اليهودي‪.‬‬

‫وجاء مجاعة من اليه ود إىل دار علي فقيل ل ه‪ :‬ي ا أم ري املؤم نني بالباب أربع ون رجاًل من‬
‫علي هبم‪ ،‬فلما وقفوا قالوا له‪ :‬يا علي صف لنا ربك هذا الذي يف السماء كيف‬
‫اليهود‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫جالس ا‪ ،‬وق ال‪ :‬ي ا معش ر‬
‫ه و ؟ وكي ف ك ان ؟ وم ىت ك ان ؟ وعلى أي ش يء ه و ؟ فاس توى ً‬
‫أحدا غريي‪ :‬إن ريب هو األول‪ ،...‬وال كان بعد أن مل‬
‫اليهود‪ ،‬امسعوا مين‪ ،‬وال تبالوا أن تسألوا ً‬
‫جل أن يكيف املكيف لألشياء كيف كان‪ ،‬وكيف يوصف باألشباح‪،‬‬
‫يكن فيقال حادث‪ .‬بل َّ‬
‫وكيف ينعت باأللسن الفصاح‪ ،‬وهو أقرب من حبل الوريد‪ ،‬وأبعد يف الشبه من كل بعيد‪ ،‬ال‬
‫خيفى علي ه من عب اده ش خوص حلظ ة‪ ،‬وال ك رور لفظ ة‪ ،‬وال ل ه بطاع ة ش يء من خلق ه انتف اع‪،‬‬
‫إجابته للداعني سريعة‪ ،‬واملالئكة يف السموات واألرضني له مطيعة‪ ،‬علمه باألموات البائدين‪،‬‬
‫كعلم ه باألحي اء املتقل بني‪ ،‬وعلم ه مبا يف الس موات العلى‪ ،‬كعلم ه مبا يف األرض الس فلى‪ ،‬م دبر‬
‫تكليم ا‪ ،‬س بحانه وتع اىل عن تك ييف‬
‫بص ري‪ ،‬ع امل ب األمور‪ ،‬حي قي وم س بحانه‪ ،‬كلم موس ى ً‬
‫(‪)2‬‬
‫الصفات‪.‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.206‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪.73 ،72 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪372‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مع النصارى‬

‫مل تكن ألمري املؤمنني علي بن طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مواجهات مع النصارى‪ ،‬كما‬
‫ودا عن د املس لمني‪ ،‬وأك ثر‬
‫ك انت مواجهات ه م ع اليه ود‪ ،‬وذل ك ألن اليه ود ك انوا أق رب وج ً‬
‫احتكا ًكا هبم من النصارى( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويتمثل منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوة النصارى يف‬
‫بعض املواقف البسيطة اليت حصلت معهم‪ ،‬وكذلك يف بعض األحكام اليت يصدرها يف شأهنم‪.‬‬

‫ومن املواق ف ال يت متث ل منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع‬
‫النصارى‪ ،‬ما يلي‪-:‬‬

‫ملا جاء وفد نصارى جنران إىل رسول اهلل ص باملدينة‪ ،‬وضعوا ثياب السفر عنهم‪ ،‬ولبسوا‬
‫حلاًل هلم جيروهنا من احلربة‪ ،‬وخ واتيم ال ذهب‪ ،‬مث انطلق وا ح ىت أت وا رس ول اهلل ص‪ ،‬فس لموا‬
‫علي ه‪ ،‬فلم ي رد عليهم الس الم‪ ،‬وتص دوا لكالم ه ط وياًل ‪ ،‬فلم يكلمهم‪ ،‬وعليهم تل ك احلل ل‬
‫واخلواتيم الذهب‪ ،‬فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبدالرمحن بن عوف ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪،-‬‬
‫وكان ا معرف ة هلم‪ ،‬كان ا خيرج ان الع ري من اجلاهلي ة إىل جنران‪ ،‬فيش رتى هلم ا من بره ا ومثره ا‬
‫وذرهتا‪ ،‬فوجدومها يف ناس من األنصار يف جملس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا عثمان ! ويا عبدالرمحن ! إن نبيكم‬
‫كتب إلينا بكتاب‪ ،‬فأقبلنا جميبني له‪ ،‬فأتيناه فسلمنا عليه‪ ،‬فلم يرد علينا سالمنا‪ ،‬وتصدينا لكالمه‬
‫هنارا طوياًل ‪ ،‬فأعيانا أن يكلمنا‪ ،‬فما الرأي منكما‪ ،‬أنعود ؟‬
‫ً‬
‫فقاال لعلي بن أيب طالب وهو يف القوم‪ :‬ما ترى يا أبا احلسن ! يف هؤالء القوم؟‬
‫قال‪ :‬أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم‪ ،‬ويلبسوا ثياب سفرهم‪ ،‬مث يأتوا إليه‪.‬‬

‫() راجع الفصل التمهيدي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪373‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ففعل الوفد ذلك‪ ،‬فوضعوا حللهم وخواتيمهم‪ ،‬مث عادوا إىل رسول اهلل ص فسلموا عليه‪ ،‬فرد‬
‫(‪)1‬‬
‫سالمهم‪ ،‬مث سأهلم وسألوه‪ ،‬فلم تزل هبم وبه املسألة‪.‬‬

‫من رأي علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف النصارى يتبني منهجه مع هؤالء‪ ،‬فهو‬
‫يرى أن يكون هؤالء أذلة أمام املسلمني‪ ،‬وجيب أن ال يكون يف شيء من أمورهم ظهور على‬
‫املس لمني‪ ،‬ح ىت يف اللبس والزين ة‪ ،‬ول ذا أش ار ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ب أن خيلع وا عنهم حللهم‬
‫وخ واتيمهم‪ ،‬ويلبس وا مالبس س فرهم‪ ،‬ح ىت يكون وا أم ام رس ول اهلل ص واملس لمني يف مظه ر‬
‫التواض ع والت ذلل‪ ،‬إض افة إىل أن تل ك احللي والزين ة مما يدفع ب النفوس إىل االس تكبار واإلعراض‬
‫عن احلق‪ ،‬ولذا فقد وافق رأيه رأي رسول اهلل ص حني امتنع عن كالمهم للسبب نفسه‪ ،‬فلما‬
‫فعل وا م ا أش ار ب ه عليهم علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬كلمهم رس ول اهلل ص وج رى احلوار بين ه‬
‫وبينهم‪.‬‬

‫وموق ف آخ ر لعلي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع النص ارى من أه ل اليمن‪ ،‬فعن‬
‫الرباء بن عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬بعث رسول اهلل ص خالد بن الوليد ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬إىل أهل اليمن يدعوهم إىل اإلسالم‪ ،‬وكنت فيمن سار معه‪ ،‬فأقام عليهم ستة أشهر ال جييبونه‬
‫خالدا ومن معه‪،‬‬
‫لشيء‪ ،‬فبعث النيب ص علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وأمره أن يرسل ً‬
‫إال من أراد البق اء م ع علي فيرتك ه‪ ،‬ق ال ال رباء‪ :‬وكنت م ع من عقب م ع علي‪ ،‬فلم ا انتهين ا إىل‬
‫واحدا مث‬
‫أوائل اليمن بلغ القوم اخلرب‪ ،‬فجمعوا له‪ ،‬فصلى علي بنا الفجر‪ ،‬فلما فرغ‪ ،‬صفنا ص ًفا ً‬
‫تقدم بني أيدينا‪ ،‬فحمد اهلل وأثىن عليه مث قرأ عليهم كتاب رسول اهلل ص‪ ،‬فأسلمت مهدان كلها‬

‫() انظر قصتهم كاملة عند ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد ‪ .638 - 629 / 3‬ويف هداية احليارى يف أجوبة اليهود‬ ‫‪1‬‬

‫والنص ارى البن القيم أيض اَ ص ‪ 517‬وم ا بع دها ( املطب وع ض من اجلامع الفري د )‪ .‬وابن كث ري يف البداي ة‬
‫والنهاية ‪ 55 / 5‬وما بعدها‪ .‬وأصل القصة يف صحيح البخاري‪ ،‬كتاب املغازي ‪.169 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪374‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ساجدا‪ ،‬وقال‪(( :‬السالم‬


‫ً‬ ‫يف يوم واحد‪ ،‬وكتب بذلك إىل رسول اهلل ص‪ ،‬فلما قرأ كتابه خر‬
‫على مهدان‪ ،‬السالم على مهدان )) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأهل اليمن من أهل الكتاب كما صرح بذلك رسول اهلل ص عندما بعث معاذ بن جبل‬
‫قوم ا أهل كتاب‪.) ())...‬وإمنا كان ابتداء دخول اليهودية إىل اليمن يف‬
‫‪2‬‬
‫فقال له‪ (( :‬إنك ستأيت ً‬
‫زمن أسعد ذي كرب (وهو تبع األصغر)‪ ،‬فقام اإلسالم وبعض أهل اليمن على اليهودية‪ ،‬وكان‬
‫دين النص رانية ق د دخ ل اليمن ملا غلبت احلبش ة على اليمن‪ ،‬وك ان منهم أبره ة ص احب الفي ل‬
‫الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫والس ؤال ال ذي ي رد على ال ذهن هن ا‪ :‬م ا ال ذي جع ل (مهدان) ميتنع ون من قب ول ال دعوة‬


‫عندما جاءهم خالد بن الوليد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وعندما جاءهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫مجيعا يف يوم واحد ؟ ما الذي تغري يف املنهج ؟ وما الشيء اجلديد الذي جاء‬
‫اهلل عنه ‪ -‬أسلموا ً‬
‫به علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬؟‬

‫مل يرد يف رواية الرباء بن عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ - -‬وهي أكثر الروايات تفص ياًل هلذه‬
‫ما فيه إجابة على االستفسار املذكور سوى أمرين‪:‬‬ ‫احلادثة ‪-‬‬
‫واحدا‪ ،‬مث تقدم بني أيدينا‪.‬‬
‫األول‪ :‬قوله‪ :‬مث صفنا ص ًفا ً‬
‫الثاين‪ :‬أنه قرأ عليهم كتاب رسول اهلل ص‪.‬‬

‫() أخرجه البيهقي ‪ .369 / 2‬وذكره احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪ .223 ،3‬وإمساعيل‬ ‫‪1‬‬

‫أيب الف داء‪ ،‬املختص ر يف أخب ار البش ر ص ‪ .150‬وابن القيم يف زاد املع اد ‪ 622 / 3‬وق ال ‪ :‬رواه ال بيهقي‬
‫بإس ناد ص حيح‪ .‬وأص ل احلديث يف ص حيح البخ اري من ح ديث ال رباء بن ع ازب (رض ي اهلل عن ه)‪ ،‬كت اب‬
‫املغازي ‪.162 / 3‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الزكاة ‪.463 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن إسحاق يف السرية ص ‪ .41 - 34‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.349 ،348 / 13‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪375‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واحدا فذلك رمبا يكون إلرهاهبم يف حال رفضهم الدعوة‪،‬‬


‫أما كونه صف املسلمني ص ًفا ً‬
‫وأن الصف الواحد أمام األعداء يظهر كثرة اجليش‪ ،‬وجاهزيته للهجوم‪ ،‬ويوحي بأن وراء هذا‬
‫الصف قوة أخرى مساندة‪.‬‬

‫وأم ا م ا ق رأه علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬من نص رسالة رس ول اهلل ص على‬
‫أه ل اليمن فلم ت رد الرواي ات بتفص يل ه ذه الرس الة‪ ،‬وحيتم ل أن رس ول اهلل ص ملا علم بامتن اع‬
‫جديدا بعث به مع علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫أهل اليمن على خالد بن الوليد كتب هلم كتابًا ً‬
‫دافع ا هلم إىل قبول الدعوة‪ ،‬إضافة إىل طريقة تبليغهم هذا‬
‫اهلل عنه ‪ -‬وكان حمتوى هذا الكتاب ً‬
‫الكتاب من علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫وقد كان من هدي رسول اهلل ص يف رسله إىل أهل الكتاب أن يذكرهم ما عندهم من‬
‫احلق‪ ،‬وأن ي بني هلم أن اإلل ه ال ذي يؤمن ون ب ه ه و اإلل ه ال ذي ي دعوهم إلي ه‪ ،‬كم ا يف كتاب ه إىل‬
‫هرقل عظيم الروم حيث قال فيه‪ (( :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬من حممد رسول الله‪ ،‬إىل هرقل‬
‫عظيم ال روم‪ ،‬س الم على من اتب ع اهلدى‪ ،‬أم ا بع د‪ :‬ف إين أدع وك بدعاي ة اإلس الم‪ ،‬أس لم تس لم‪،‬‬
‫وأسلم يؤتك اهلل أجرك مرتني‪ ،‬فإن توليت فإن عليك إمث األريسيني( )‪ ،‬ويا أهل الكتاب تعالوا‬
‫‪1‬‬

‫بعض ا أربابًا‬
‫إىل كلمة سواء بيننا وبينكم‪ ،‬أال نعبد إال اهلل‪ ،‬وال نشرك به شيًئا‪ ،‬وال يتخذ بعضنا ً‬
‫من دون اهلل‪ ،‬فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ))( )‪ .‬وحنوه إىل املقوقس عظيم القبط ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مجع أريس‪ ،‬وهو األكار‪ ،‬أي الفالح‪ ،‬وقيل ‪ :‬األريس هو األمري‪ .‬قال اخلطايب ‪ :‬أراد أن عليك إمث الضعفاء‬ ‫‪1‬‬

‫تقليدا له‪( .‬ابن جحر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 39 / 1‬‬


‫واألتباع‪ ،‬إذا مل يسلموا‪ً ،‬‬
‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب اجله اد ‪ .344 / 2‬ومس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب اجله اد ‪/ 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .1396‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬


‫() انظ ر ‪ :‬ابن القيم‪ ،‬زاد املع اد ‪ .691 / 3‬وابن س يد الن اس‪ ،‬عي ون األث ر ‪ .351 - 350 / 2‬وال زيلعي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫نصب الراية ‪.422 ،421 / 4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪376‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كما أنه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يرى بقاء النصارى يف جزيرة العرب ألمر‬
‫رسول اهلل ص بإخراجهم‪ ،‬حيث يقول علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬مسعت رسول اهلل ص يقول‪:‬‬
‫(( إن وليت األمر من بعدي فأخرج أهل جنران من جزيرة العرب))( )‪ .‬ويف صحيح مسلم من‬
‫‪1‬‬

‫حديث عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه مسع رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬ألخرجن اليهود‬
‫مسلما))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫والنصارى من جزيرة العرب‪ ،‬حىت ال أدع إال ً‬
‫وإن أسلم النصراين مث رجع إىل نصرانيته مرة ثانية فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يرى أن هذه ردة حيل هبا قتله‪ ،‬فقد ُأيت برجل نصراين أسلم مث تنصر‪ ،‬فسأله‬
‫عن كلمة فقال له‪ ،‬فقام إليه علي فرفسه برجله‪ ،‬فقام الناس إليه فضربوه حىت قتلوه ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫علي بشيخ كان نصرانيًا فأسلم‪ ،‬مث ارتد عن اإلسالم‪،‬‬


‫وعن أيب عمرو الشيباين قال‪ُ :‬أيت ٌّ‬
‫علي‪ :‬لعل ك إمنا ارت دت( ) ألن تص يب مرياثً ا مث ترج ع إىل اإلس الم ؟ ق ال‪ :‬ال‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫فق ال ل ه ٌّ‬
‫فارجع إىل اإلسالم‪ ،‬قال‪ :‬أما حىت ألقى املسيح فال‪ ،‬فأمر به علي فضربت عنقه‪ ،‬ودفع مرياثه إىل‬
‫ولده املسلمني ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وعن أيب الطفيل قال‪ :‬كنت يف اجليش الذين بعثهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫إىل بين ناجية‪ ،‬قال‪ :‬فانتهينا إليهم فوجدناهم على ثالث فرق‪ ،‬قال‪ :‬فقال أمرينا لفرقة منهم‪ :‬ما‬
‫أنتم ؟ قالوا حنن قوم من النصارى مل نر دينًا أفضل من ديننا‪ ،‬فثبتنا عليه‪ ،‬فقال‪ :‬اعتزلونا‪ ،‬مث قال‬
‫لفرقة أخرى‪ :‬ما أنتم ؟ قالوا‪ :‬حنن قوم كنا نصارى فأسلمنا فثبتنا على اإلسالم‪ ،‬فقال‪ :‬اعتزلونا‪،‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.58 / 6‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كتاب اجلهاد والسري ‪.1388 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.143 / 10‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كذا يف األصل‪ ،‬ولعله ( ارتددت )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.339 / 10‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪377‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫مث قال للثالثة‪ :‬ما أنتم ؟ فقالوا حنن قوم كنا نصارى فأسلمنا مث رجعنا‪ ،‬فلم نر دينً ا أفضل من‬
‫ديننا األول فتنصرنا‪ ،‬فقال هلم‪ :‬أسلموا‪ ،‬فأبوا‪ ،‬فقال ألصحابه‪ :‬إذا مسحت على رأسي ثالث‬
‫مرات فشدوا عليهم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فقتلوا املقاتلة وسبوا الذرية ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولق د س ئل أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن يه ودي أو نص راين‬
‫تزندق( )‪ ،‬قال‪ :‬دعوه يتحول من دين إىل دين( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫وإذا دخ ل اليه ود أو النص ارى حتت حكم املس لمني‪ ،‬وأص بحوا أه ل ذم ة وجبت عليهم‬
‫اجلزي ة وهم ص اغرون‪ ،‬ف إن موق ف أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬منهم‬
‫عما س بق‪ ،‬وميي ل إىل التس امح معهم‪ ،‬وي دل على ذل ك منهج ه يف أخ ذ اجلزي ة منهم‪ ،‬فإن ه‬
‫يتغ ري َّ‬
‫كان يأخذ من كل صاحب مال من نوع ماله وال يرى أخذها من الذهب والفضة فقط‪ ،‬كما‬
‫روى عنرتة أبو وكيع قال‪ (( :‬كان علي يأخذ العروض يف اجلزية من أهل اإلبر اإلبر‪ ،‬ومن أهل‬
‫املسال املسال‪ ،‬ومن أهل احلبال احلبال ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وأم ا يف ح ال أخ ذها من ال دراهم فإن ه يأخ ذ على املياس ري من أه ل الذم ة مثاني ة وأربعني‬
‫درمهً ا‪ ،‬وعلى األوساط أربعة وعشرين درمهً ا‪ ،‬وعلى الفقراء اثين عشر درمهً ا ( )‪ .‬فعن الزبري بن‬
‫‪5‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪.144 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أي صار زندي ًق ا‪ ،‬والزنديق من الثنوية‪ ،‬أو القائل بالنور والظلمة‪ ،‬أو من ال يؤمن باآلخرة وبالربوبية‪ ،‬أو من‬ ‫‪2‬‬

‫يبطن الكفر ويظهر اإلميان‪ ( .‬انظر ‪ :‬الفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط ‪ ،242 / 3‬مادة [زنق] )‪.‬‬
‫() أخرجه عبدالرزاق يف مصنفه ‪.48 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ .241 / 12‬وذكره ابن قدامة يف املغين ‪.504 / 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫() حممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.167‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪378‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ع دي( ) أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال ل دهقان( )‪ (( :‬إن أس لمت وض عت‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الدينار عن رأسك‪ ،‬وأخذناه من مالك ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫سمات دعوة أهل الكتاب في منهج أمير المؤمنين‬


‫مما سبق من مواقف ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع أهل الكتاب‬
‫ميكن استنتاج مسات هذا املنهج مع هذا الصنف من املدعوين على النحو التايل‪-:‬‬
‫‪ -1‬خماطبة أهل الكتاب مبا عندهم من احلق‪ ،‬كما يف إجابته على استفسار اليهود عن صفات‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل( )‪ ،‬ومل يعتمد يف إجابته على نصوص الكتاب والسنة ‪ -‬وفيها اإلجابة‬
‫‪4‬‬

‫الشافية هلذا االستفسار ‪ -‬ألن اليهود مل يؤمنوا بعد‪.‬‬


‫أيض ا يؤمن ون بأولئك‬
‫‪ -2‬تذكري أهل الكتاب برس لهم ال ذين يؤمن ون هبم‪ ،‬وبيان أن املس لمني ً‬
‫تكليما( )‪ ،‬ومل‬
‫‪5‬‬
‫الرس ل‪ ،‬كم ا أورد يف خطاب ه لليه ود أن اهلل س بحانه وتع اىل كلم موس ى ً‬
‫أحد ا من األنبياء سواه‪ ،‬ألن موسى عليه السالم هو رسوهلم الذي يؤمنون به‪.‬‬
‫يذكر ً‬
‫‪ -3‬إن األوصاف الواردة يف إجابة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لليهود الذين سألوه‬
‫عن صفة اهلل سبحانه وتعاىل مبنية على ما ورد يف القرآن الكرمي‪ ،‬وال شك أنه يوجد يف‬
‫بعضا‪.‬‬
‫كتبهم مايو افقها‪ ،‬ألن الكتب السماوية يوافق بعضها ً‬
‫‪ -4‬الشدة وعدم الرمحة على من أظهر منهم العداوة لإلسالم واملسلمني‪ ،‬كما فعل يف مرحب‬
‫وياسر ومع بين قريظة من اليهود‪.‬‬

‫() اهلمداين اليامي‪ ،‬أبو عدي الكويف‪ ،‬قاضي الري‪ ،‬روى عن بعض الصحابة‪ .‬قال أمحد وابن معني وأبو حامت‬ ‫‪1‬‬

‫والنسائي ‪ :‬ثقة‪ .‬وقال أمحد ‪ :‬صاحل احلديث‪ .‬وقال العجلي ‪ :‬ثقة ثبت‪ .‬مات بالري سنة ‪131‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬ابن‬
‫حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 274 ،273 / 3‬‬
‫() الدهقان ‪ :‬التاجر‪ ،‬فارسي معرب‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،163 / 13‬مادة [دهن] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪.103 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.398‬‬ ‫‪4‬‬

‫() راجع صفحة ‪.398‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪379‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -5‬إظه ار التس امح والعف و عنهم عن دما تنكس ر ش وكتهم ويستص غرون للمس لمني ويكون ون‬
‫حتت واليتهم‪ ،‬ويدل على ذلك منهجه يف أخذ اجلزية‪.‬‬

‫‪ -6‬إرغ ام أه ل الكت اب على التواض ع والت ذلل أم ام املس لمني‪ ،‬وي دل على ذل ك مش ورته على‬
‫نصارى جنران بتغيري مالبسهم ولبس مالبس السفر‪ ،‬ملقابلة رسول اهلل ص‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪380‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املبحث الثاين‬

‫دعوة غير أهل الكتاب‬

‫لقد كان ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عالقة دعوية مع غري أهل‬
‫الكتاب من الكفار‪ ،‬ويتمثل هذا الصنف من املدعوين‪ ،‬الذين كان له معهم مواقف بارزة ببعض‬
‫الطوائف كاملشركني‪ ،‬وغالة الرافضة‪ ،‬واملرتدين‪ .‬ولعلنا نعرض إىل منهجه مع كل طائفة من‬
‫هذه الطوائف على حدة على النحو التايل‪-:‬‬

‫أواًل ‪ :‬مع المشركين‬

‫املشركون يف هذا املنهج على صنفني‪-:‬‬


‫ا ‪ -‬مشرك جاحد معاند‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مشرك مسامل باحث عن احلقيقة‪.‬‬

‫ولكل من هذين الصنفني أسلوب معني يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬على النحو التايل‪-:‬‬

‫( ا ) المشرك الجاحد المعاند‬

‫يتمث ل منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع ه ذا الص نف من‬
‫املدعوين بالنقاط اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬عرض الحق عليه أواًل‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪381‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫مانع ا ألم ري املؤمنني‬


‫مهما بلغت شدة العناد واجلحود عند ذلك املشرك‪ ،‬فإن هذا ليس ً‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من دعوته إىل اإلسالم وعرض احلق عليه أواًل ‪ ،‬حىت تقوم‬
‫عليه احلجة‪.‬‬
‫ويتمث ل ه ذا املنهج يف موق ف علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع ذل ك املش رك‬
‫الشديد العداء ( عمرو بن عبد ود )‪ ،‬الذي قابله بازدراء‪ ،‬يف غزوة اخلندق‪ ،‬ملا اقتحم اخلندق‬
‫مقنع ا بالزرد واحلديد‪ ،‬يرجف‬
‫دارع ا ً‬
‫هو وبعض فرسان قريش‪ ،‬وكان على فرسه كأنه القلعة ً‬
‫زهوا‪ ،‬وتنتهبه العيون من كال الطرفني بنظرات فيها رهبة وإعجاب‪ ،‬مث ال تكاد تستقر‬
‫األرض ً‬
‫عليه طوياًل ‪ ،‬بل تغضي لفرط ما مأل األمساع من صيته املرهوب‪ ،‬وما جرى من أنبائه يف النفوس‬
‫والقلوب‪ .‬قال الواقدي‪:‬‬
‫فجعل عمرو بن ٍ‬
‫عبد يدعو إىل الرباز ويقول‪:‬‬
‫ء يف مجعكم هل من مبارز‬ ‫ولقد حبحت من الندا‬
‫أحدا‪ ،‬وحرم الدهن حىت يثأر من‬ ‫بدرا فارتث جرحيً ا‪ ،‬فلم يشهد ً‬ ‫وعمرو يومئذ ثائر‪ ،‬قد شهد ً‬
‫ٍ‬
‫يومئذ كبري‪ ،‬يق ال بل غ تس عني س نة‪ .‬فلما دعا إىل الرِب َاز‪ ،‬ق ال علي عليه‬ ‫ٍ‬
‫حممد وأصحابه‪ ،‬وهو‬
‫يومئذ كأن على رؤوسهم الطري‬ ‫السالم‪ :‬أنا أبارزه يا رسول اهلل ! ثالث مرات‪ .‬وإن املسلمني ٍ‬

‫ملك ان عم رو وش جاعته‪ .‬فأعط اه رس ول اهلل ص س يفه وعمم ه‪ ،‬وق ال‪ :‬اللهم أعن ه علي ه ! ق ال‪:‬‬
‫وأقبل عمرو وهو فارس وعلي راجل‪ ،‬فقال له علي عليه السالم‪ :‬إنك كنت تقول يف اجلاهلية‪:‬‬
‫واحدة من ثالث إال قبلتها !‬ ‫ال يدعوين أحد إىل‬
‫قال‪ :‬أجل !‬
‫حممدا رسول اهلل‪ ،‬وتسلم لرب العاملني‪.‬‬
‫قال علي‪ :‬فإين أدعوك أن تشهد أن ال إله إال اهلل وأن ً‬
‫أخر هذا عين‪.‬‬
‫قال‪ :‬يا ابن أخي ! ِّ‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪382‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ق ال‪ :‬ف أخرى‪ ،‬ترج ع إىل بالدك‪ ،‬ف إن يكن حمم ٌد ص ادقًا كنت أس عد الن اس ب ه‪ ،‬وإن ك ان غ ري‬
‫ذلك كان الذي تريد‪.‬‬
‫أبدا‪ ،‬وقد نذرت ما نذرت وحرمت الدهن‪.‬قال‪ :‬فالثالثة ؟‬
‫قال‪ :‬هذا ما ال تتحدث نساء قريش ً‬
‫قال‪ :‬الرباز‪.‬‬
‫أحدا من العرب يرومين عليها ! إين‬
‫فضحك عمرو مث قال‪ :‬إن هذه اخلصلة ما كنت أظن أن ً‬
‫ألك ره أن أقت ل مثل ك‪ ،‬وك ان أب وك يل ن دميًا‪ ،‬ف ارجع‪ ،‬ف أنت غالم ح دث‪ ،‬إمنا أردت‬
‫شيخي قريش‪ :‬أبا بكر وعمر‪.‬‬
‫قال علي‪ :‬فإين أدعوك إىل املبارزة ؛ فأنا أحب أن أقتلك !!‬
‫فأس ف عم رو ون زل وعق ل فرس ه‪ .‬وك ان ج ابر حيدث يق ول‪ :‬ف دنا أح دمها من ص احبه‪،‬‬
‫وثارت بينهما غربة فما نرامها‪ ،‬فسمعنا التكبري حتتها‪ ،‬فعلمنا أن عليً ا قتله‪ .‬فانكشف أصحابه‬
‫الذين يف اخلندق هاربني ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫متام ا بني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وعمرو بن‬
‫لقد كان هدف اللقاء خمتل ًف ا ً‬
‫عبد ود‪ ،‬فاألخري ال يعدو هدفه الفخر بشجاعته والزهو بنفسه‪ ،‬أما‬
‫علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬فخ رج من أج ل ال دعوة ل رب الع املني‪ ،‬خ رج من أج ل‬
‫حممدا رسول اهلل‪ ،‬وأما املبارزة عنده فليست بشيء ‪-‬‬
‫الدعوة إىل شهادة أن ال إله إال اهلل وأن ً‬
‫مع ثقته بنصر اهلل له ‪ -‬ولذا كانت املبارزة آخر اخليارات املطروحة‪.‬‬
‫ومن ه ذا اجلانب م ا ق ام ب ه علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بتبلي غ املش ركني يف‬
‫موسم احلج من السنة التاسعة للهجرة النبوية الشريفة بعض التوجيهات اليت بعثه هبا رسول اهلل‬
‫ص‪ ،‬فقد أخرج اإلمام أمحد عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬ملا نزلت عشر آيات من براءة‬
‫() املغازي ‪ .471 ،470 / 2‬وانظر ‪ :‬ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪ .68 / 2‬وابن جرير الطربي‪ ،‬تاريخ‬ ‫‪1‬‬

‫األمم واملل وك ‪ .95 ،94 / 2‬واحلاكم يف املس تدرك ‪ .33 / 3‬وابن كث ري‪ ،‬البداي ة والنهاي ة ‪- 105 / 4‬‬
‫‪.107‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪383‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫على الن يب ص دع ا الن يب ص أب ا بك ر ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬فبعث ه هبا ليقرأه ا على أه ل مك ة‪ ،‬مث‬
‫دعاين النيب ص فقال يل‪ :‬أدرك أبا بكر‪ ،‬فحيثما حلقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إىل أهل مكة‬
‫فاقرأه عليهم‪ ،‬فلحقته باجلحفة فأخذت الكتاب منه‪ ،‬ورجع أبو بكر( ) إىل النيب ص‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫‪1‬‬

‫يف ش يءٌ ؟ ق ال‪ :‬ال‪ .‬ولكن جربي ل ج اءين فق ال‪ :‬لن ي ؤدي عن ك إال أنت أو‬
‫رس ول اهلل ! ن زل َّ‬
‫رجل منك ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وحيدد علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬املهمة الدعوية اليت بعثه هبا‬
‫رسول هلل ص عندما سئل‪ :‬بأي شيء بعثت ؟ قال‪ (( :‬بعثت بأربع‪ :‬ال يدخل اجلنة إال نفس‬
‫مؤمنة‪ ،‬وال يطوف بالبيت عريان‪ ،‬ومن كان بينه وبني النيب ص عهد فعهده إىل مدته‪ ،‬وال حيج‬
‫املشركون واملسلمون بعد عامهم هذا( ) ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫ولنا أن نتساءل ملاذا عدل رسول اهلل ص عن أن يكون أبو بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو‬
‫املبل غ هلذه التعليمات إىل املشركني ؟ فنجد اإلجاب ة من احلديث األول‪ ،‬حيث يق ول رس ول اهلل‬
‫ص‪ (( :‬ولكن جربيل جاءين فقال‪ :‬لن يؤدي عنك إال أنت أو رجل منك )) إذن جاءه الوحي‬
‫من اهلل سبحانه وتعاىل هبذا التكليف‪.‬‬

‫وما احلكمة من كون علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬نفسه هو املبلغ عن رسول‬
‫اهلل ص هذه املهمة الدعوية وهذه التعليمات احملددة ؟‬

‫() رمبا أن هذا الرجوع املقصود هو رجوع أيب بكر بعد فراغه من املوسم‪ ،‬ألنه ثبت أنه هو أمري احلج يف هذا‬ ‫‪1‬‬

‫العام‪ ،‬وكان علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) معه يأمتر بأمره ويقيم الشعائر معه‪ ،‬ويبلغ عن رسول اهلل ص‬
‫ما أمره به‪ ( .‬انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج السنة ‪ .296 / 8‬واحملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪3‬‬
‫‪.) 133 /‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،322 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده حسن‪ .‬وذكره ابن‬ ‫‪2‬‬

‫كثري يف تفسريه ‪.332 / 2‬‬


‫مقصورا على املسلمني دون املشركني‪.‬‬
‫ً‬ ‫() أي أن احلج بعد هذا العام سيكون‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،32 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪384‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(( لن ي ؤدي عن ك إال أنت أو رج ل من ك )) ه ذا تعلي ل رس ول اهلل ص لتكلي ف علي هبذه‬


‫املهمة‪ ،‬وذلك ألنه من عادة املشركني أن ال يعقد العقود وال حيلها إال املطاع‪ ،‬أو رجل من أهل‬
‫بيته‪ ،‬فلم يكونوا يقبلون ذلك من كل أحد ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد تضمن بيان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬للمشركني يف هذا املوسم عدة‬
‫نقاط هي‪-:‬‬
‫‪ ‬منعهم من احلج بعد العام التاسع‪.‬‬
‫‪ ‬إعالن احلرب على من مل يسلم منهم‪.‬‬
‫‪ ‬إمهال املعاهدين منهم إىل انتهاء املدة‪.‬‬
‫‪ ‬إمه ال من ل ه عه د إىل أج ل غ ري حمدود‪ ،‬أو إىل أج ل حمدود ق د نقض ه أربع ة أش هر متتابع ة‬
‫تبتدئ يف العاشر من ذي احلجة‪ ،‬وتنتهي يف هناية العاشر من ربيع اآلخر‪.‬‬

‫يوم ا‪ ،‬تنتهي بنهاية‬


‫‪ ‬إمهال من ال عهد له من املشركني إىل انسالخ األشهر احلرم‪ ،‬أي مخسني ً‬
‫احملرم‪ ،‬فإذا انتهت مددهم صاروا يف حالة حرب مع املسلمني( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعرف املشركون بعد ذلك أنه ليس أمامهم سوى خيارين‪ :‬اإلسالم أو مواجهة احلرب‪.‬‬
‫ووضح املوقف لكل إنسان حاضر للحج يف هذا العام‪ ،‬وعرف املشركون أهنم قد غلبوا على‬
‫أمرهم‪ ،‬وأن هذا العام هو آخر األعوام للحج وط وافهم حول الكعبة‪ ،‬الذي اعتادوه من زمن‬
‫بعيد‪ ،‬وأن ال وجود ألصنامهم يف هذا املكان املقدس بعد اليوم‪.‬‬

‫‪ -2‬القتال‬

‫() انظ ر ‪ :‬ابن تيمي ة‪ ،‬منه اج الس نة ‪ .296 / 8‬واحملب الط ربي‪ ،‬ذخ ائرالعقىب ص ‪ .70‬وك ذلك يف الري اض‬ ‫‪1‬‬

‫النضرة ‪.134 / 3‬‬


‫() تفس ري الط ربي ‪ ،48 - 45 / 10‬وهي من ترجيح ات الط ربي ( رمحه اهلل )‪.‬وانظ ر ‪ :‬د‪ .‬أك رم ض ياء‬ ‫‪2‬‬

‫العمري‪ ،‬اجملتمع املدين يف عهد النبوة ص ‪.256‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪385‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إذا مل جُت ِد مع املشرك دعوت ه إىل احلق‪ ،‬فإن املرحلة التالي ة يف منهج أم ري املؤمنني علي بن‬
‫أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬هي القت ال‪ ،‬وعلي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ه و ذل ك‬
‫هدا‪ ،‬يرهبه األعداء‪ ،‬و ال يثبت أمامه الفرسان األشداء‪.‬‬ ‫السيف الصارم‪ ،‬الذي ُّ‬
‫يهد املشركني ً‬
‫ومواقفه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف بدر وأحد واخلندق خري دليل على ذلك‪.‬‬

‫ففي معركة بدر كان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع عبيدة بن احلارث ومحزة‬
‫بن عبد املطلب (رضي اهلل عنهم أمجعني) أول من واجه املشركني يف املبارزة‪ ،‬وكتب اهلل هلؤالء‬
‫الثالثة النصرة على املشركني‪ ،‬إضافة إىل بالئه يف املعركة نفسها‪ ،‬فكان جمندل الشجعان وقاتل‬
‫كثريا‪ ،‬ومل يكن بالؤه يف اخلندق وفتح مكة‬
‫الفرسان‪ .‬ويف معركة أحد قتل من املشركني خل ًق ا ً‬
‫وغريها من السرايا والبعوث بأقل من بالئه يف سابقاهتا‪ ،‬وقد سبق بيان شيء من تفصيل موقف‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذه املعارك مع املشركني ما يغين عن إعادته هنا ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫( ب ) مع المشرك الباحث عن الحقيقة‬

‫خيتل ف منهج علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع املش رك املس امل الب احث عن‬
‫احلقيقة عن ه يف حال املش رك اجلاح د املعان د‪ ،‬فكم ا متيز منهج ه م ع اجلاح دين املعان دين بالغلظة‬
‫والشدة‪ ،‬فإن منهجه مع الصنف اآلخر هو التسامح والتساهل‪ ،‬وبذل ما يف الوسع ملساعدة هذا‬
‫الصنف من املشركني يف الوصول إىل ما ينشدونه من احلقيقة‪ ،‬والدخول يف اإلسالم‪.‬‬

‫يتمث ل ه ذا املنهج يف دع وة علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف قص ته م ع أيب ذر‬
‫الغفاري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فقد أخرج الشيخان ‪ -‬واللفظ ملسلم ‪ -‬عن ابن عباس (رضي اهلل‬
‫عنهما) قال‪ :‬ملا بلغ أبا ذر مبعث النيب ص مبكة قال ألخيه( )‪ :‬اركب إىل هذا الوادي‪ ،‬فاعلم يل‬
‫‪2‬‬

‫() راجع الباب األول‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬املبحث الثالث (منهجه يف الدعوة إىل اجلهاد)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() وهو أنيس كما يف ورد التصريح به يف رواية مسلم الثانية ‪.1923 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪386‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه اخلرب من السماء‪ ،‬فامسع من قوله مث ائتين‪ .‬فانطلق اآلخر‪ ،‬حىت‬
‫وكالم ا ما هو‬
‫ً‬ ‫قدم مكة‪ ،‬ومسع من قوله‪ .‬مث رجع إىل أيب ذر فقال‪ :‬رأيته يأمر مبكارم األخالق‪،‬‬
‫بالشعر‪ .‬فقال‪ :‬ما شفيتين فيما أردت( )‪ .‬فتزود ومحل شنة( ) له فيها ماء‪ ،‬حىت قدم مكة فأتى‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫املس جد ف التمس الن يب ص وال يعرف ه‪ ،‬وك ره أن يس أل عن ه‪ ،‬ح ىت أدرك ه ‪ -‬يع ين اللي ل ‪-‬‬
‫علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬فع رف أن ه غ ريب‪ .‬فلم ا رآه تبع ه‪ .‬فلم يس أل واح د‬
‫فاض طجع‪ .‬ف رآه ٌّ‬
‫منهما صاحبه عن شيء‪ ،‬حىت أصبح مث احتمل ُقَر ْيبَتَه( ) وزاده إىل املسجد‪ .‬فظل ذلك اليوم‪ .‬وال‬
‫‪3‬‬

‫ي رى الن يب ص‪ .‬ح ىت أمس ى‪ ،‬فع اد إىل مض جعه‪ .‬فم ر ب ه علي‪ .‬فق ال‪ :‬م ا َأىَن ( ) للرج ل أن يعلم‬
‫‪4‬‬

‫منزله ؟ فأقام ه فذهب به مع ه‪ .‬وال يس أل واح د منهم ا ص احبه عن ش يء‪ .‬ح ىت إذا كان الي وم‬
‫الثالث فعل مثل ذلك‪ .‬فأقامه علي معه‪ .‬مث قال له‪ :‬أال حتدثين‪ ،‬ما الذي أقدمك هذا البلد ؟ قال‪:‬‬
‫عهدا وميثاقًا لرتشدين‪ ،‬فعلت‪ ،‬ففعل‪ .‬فأخربه‪ ،‬فقال‪ :‬فإنه حق‪ ،‬وهو رسول اهلل ص‪.‬‬
‫إن أعطيتين ً‬
‫فإذا أصبحت فاتبعين‪ ،‬فإين إن رأيت شيًئا أخاف عليك‪ ،‬قمت كأين أريق املاء( )‪ ،‬فإن مضيت‬
‫‪5‬‬

‫فاتبعين حىت تدخل مدخلي‪ .‬ففعل‪ .‬فانطلق يقفوه‪ ،‬حىت دخل على النيب ص ودخل معه‪ .‬فسمع‬
‫من قوله‪ ،‬وأسلم مكانه‪ .‬فقال له النيب ص‪ (( :‬ارجع إىل قومك فأخربهم حىت يأتيك أمري ))‬
‫فقال‪ :‬والذي نفسي بيده ! ألصرخن هبا بني ظهرانيهم‪ ،‬فخرج حىت أتى املسجد‪ .‬فنادى بأعلى‬
‫حممدا رسول اهلل‪ .‬وثار القوم فضربوه حىت أضجعوه‪ .‬فأتى‬
‫صوته‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن ً‬

‫() ألنه يريد تفصياًل فجاءه باإلمجال‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الشنة هي القربة البالية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() على التصغري‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ويف صحيح البخاري ‪ ( 57 / 3‬أما نال ) ويف الرياض النظرة للمحب الطربي ‪ ( 222 / 3‬أما آن )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ويف رواية يف صحيح البخاري ‪ ( 510 / 2‬قمت إىل اجلدار كأين أصلح نعلي ) قال ابن حجر يف الفتح ‪7‬‬ ‫‪5‬‬

‫مجيعا‪.‬‬
‫‪ : 175 /‬وحيمل على أنه قاهلما ً‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪387‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫العباس فأكب عليه‪ .‬فقال‪ :‬ويلكم ! ألستم تعلمون أنه من غفار‪ ،‬وأن طريق جتاركم إىل الشام‬
‫عليهم‪ .‬فأنقذه منهم‪ ،‬مث عاد من الغد مبثلها‪ ،‬وثاروا إليه فضربوه‪ .‬فأكب عليه العباس فأنقذه ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫هبذا اجله د وهبذه احلكم ة من علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬اس تطاع أن يص ل‬
‫بأيب ذر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل مبتغاه‪ ،‬ويلتقي برسول اهلل ص ويكون إسالمه نتيجة هلذا اللقاء‪،‬‬
‫فإن أبا ذر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل جييء معاديًا‪ ،‬ولكن جاء باحثًا عن احلقيقة فيما شاع من خرب‬
‫رسول اهلل ص يف اآلفاق‪.‬‬

‫علما بأن املوقف يف مكة مل يكن بعد موقف حروب ومواجهات‪ ،‬ومع ذلك فإن طبيعة‬
‫ً‬
‫املرحلة مل تفرض على علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هذا النوع من اللقاء أليب ذر ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ ،-‬بل إن طبيعة الرجل نفسه‪ ،‬وما جاء بسببه‪ ،‬جعلت علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫حيدد معه طبيعة العالقة من استضافته يف منزله ثالثة أيام‪ ،‬والتعرف عليه‪ ،‬ومعرفة السبب الذي‬
‫بعيدا عن عيون قريش اليت‬
‫جاء من أجله‪ ،‬ومن مث االحتيال له‪ ،‬حىت أوصله إىل رسول اهلل ص ً‬
‫ك انت ت رقب بش دة ك ل غ ريب ي أيت مك ة خش ية أن يلتقي مبحم ٍد ص‪ .‬ومن وجدت ه ك ذلك‬
‫حالت بينه وبني اللقاء‪ ،‬وآذته أشد اإليذاء‪.‬‬

‫() البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪ .57 ،56 / 3‬ومسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪/ 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1925 - 1923‬واللفظ له‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪388‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مع غالة الرافضة‬

‫غالة الرافض ة هم أتب اع عبداهلل بن س بأ ال ذين غل وا يف علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ال ذين‬
‫َّادعوا له النبوة بل فوق ذلك زعموا له األلوهية‪ ،‬وسبوا الصحابة الكرام (رضي اهلل عنهم) إال‬
‫قلياًل منهم كسلمان الفارسي‪ ،‬وأيب ذر‪ ،‬واملقداد‪ ،‬وعمار بن ياسر (رضي اهلل عنهم) وينسبوهنم‬
‫‪ -‬وحاش اهم ‪ -‬إىل الكف ر والنف اق‪ ،‬ويت ربءون منهم( )‪ .‬وال ذي يعنين ا يف ه ذا الفص ل ه و منهج‬
‫‪1‬‬

‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوهتم‪.‬‬

‫وهذا الصنف من الناس قال فيهم شيخ اإلسالم ابن تيمية ( رمحه اهلل )‪(( :‬اتفق الصحابة‬
‫وس ائر املس لمني على كف رهم‪ ،‬وكف رهم علي بن أيب ط الب نفس ه)) ( )‪ .‬وق ال عنهم ابن تيمي ة‬
‫‪2‬‬

‫أيض ا‪(( :‬ه ؤالء الكف ار أكف ر من اليه ود والنص ارى‪ ،‬ف إن مل يظه ر عن أح دهم ذل ك ك ان من‬
‫ً‬
‫كفرا‪،‬‬
‫املنافقني الذين هم يف الدرك األسفل من النار‪ ،‬ومن أظهر ذلك كان أشد من الكافرين ً‬
‫فال جيوز أن يقر بني املسلمني ال جبزية وال ذمة‪ ،‬وال حيل نكاح نسائهم‪ ،‬وال تؤكل ذبائحهم‪،‬‬
‫ألهنم مرتدون من شر املرتدين)) ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويتمث ل منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع ه ذا الص نف من‬
‫الناس يف جانبني‪- :‬‬

‫(ا) ذمهم والتربؤ منهم وهتديدهم‪.‬‬

‫(ب) حتريقهم بالنار‪.‬‬

‫() أمحد عبد الرحيم الدهلوي‪ ،‬خمتصر التحفة اإلثين عشرية ( اختصار السيد حممود شكري األلوسي ) ص ‪.6‬‬ ‫‪1‬‬

‫() منهاج السنة ‪.12 / 5‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الفتاوي ( مجع وتريب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد ) ‪.475 ،474 / 28‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪389‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫(ا) ذمهم والتبرؤ منهم‬

‫ملا أشاع عبداهلل بن سبأ اليهودي بدعته بني الناس‪ ،‬وعلم بذلك أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنكر هذا احلدث وأكربه‪ ،‬وخطب عدة خطب يف قدحهم وذمهم‪.‬‬

‫عن س ويد بن غفل ة أن ه قال‪ :‬مررت بق وم ينتقص ون أب ا بك ر وعم ر (رض ي اهلل عنهما)‪،‬‬
‫ف أخربت عليً ا ك رم اهلل وجهه( ) وقلت‪ :‬ل وال أهنم ي رون أن ك تض مر م ا أعلن وا م ا اج رتءوا على‬
‫‪1‬‬

‫ذلك‪ ،‬منهم عبداهلل بن سبأ‪ .‬فقال علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬نعوذ باهلل‪ ،‬رمحنا اهلل )) مث هنض‬
‫وأخذ بيدي وأدخلين املسجد فصعد املنرب مث قبض على حليته ‪ -‬وهي بيضاء ‪ -‬فجعلت دموعه‬
‫تتحادر عليها‪ ،‬وجعل ينظر للقاع حىت اجتمع الناس‪ ،‬مث خطب فقال‪ (( :‬ما بال أقوام يذكرون‬
‫أخ َو ْي رس ول اهلل ص ووزيري ه‪ ،‬وص احبيه‪ ،‬وس يدي ق ريش‪ ،‬وأب وي املس لمني‪ ،‬وأن ا ب ريء مما‬
‫َ‬
‫ي ذكرون‪،‬وعلي ه مع اقب‪ .‬ص حبا رس ول اهلل ص ب احلب والوف اء‪ ،‬واجلد يف أم ر اهلل‪ ،‬ي أمران‬
‫وينهيان‪ ،‬ويغضبان ويعاقبان‪ .‬وال يرى رسول اهلل ص كرأيهما رأيًا‪ ،‬وال حيب كحبهما حبً ا‪ ،‬ملا‬
‫يرى من عزمهما يف أمر اهلل‪ ،‬فقبض وهو عنهما راض واملسلمون راضون‪ ،‬فما جتاوزا يف أمرمها‬
‫وسريهتما رأي رسول اهلل ص وأمره يف حياته وبعد مماته‪ ،‬فقبضا على ذلك رمحهما اهلل ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن التهديد والوعيد هلذه الطائفة من الناس‪ ،‬ما ورد من كالم أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬هلم قب ل تنفي ذ عملي ة اإلح راق فيهم‪ ،‬كم ا س يأيت بيان ه إن ش اء اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫(ب) العقوبة باإلحراق‬

‫() ه ذا ال دعاء ال ينبغي أن خيص ص ب ه علي (رض ي اهلل عن ه) ب ل يرتض ى عن ه كغ ريه من الص حابة (رض ي اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫عنهم)‪.‬‬
‫() أمحد عبد الرحيم الدهلوي‪ ،‬خمتصر التحفة اإلثين عشرية ( اختصار السيد حممود شكري األلوسي ) ص ‪.6‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪390‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لقد عاقب أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هذه الطائفة من الناس بأن‬
‫َخ َّد هلم أخادي َد فأض رم فيه ا الن ار مث أح رقهم فيه ا‪ ،‬وذل ك بع د م ا ََأب ْوا الرج وع عن ب اطلهم‪،‬‬
‫وأصروا على غيهم‪.‬‬

‫قوم ا على باب املسجد‬


‫فعن عبداهلل بن شريك العامري عن أبيه قال‪ :‬قيل لعلي‪ :‬إن هناك ً‬
‫يدعون أنك رهبم‪ ،‬فدعاهم فقال هلم‪ :‬ويلكم ! ما تقولون ؟ قالوا‪ :‬أنت ربنا وخالقنا ورازقنا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ويلكم ! إمنا أنا عبد مثلكم‪ ،‬آكل الطعام كما تأكلون‪ ،‬وأشرب كما تشربون‪ ،‬إن أطعت‬
‫اهلل أث ابين إن ش اء‪ ،‬وإن عص يته خش يت أن يع ذبين‪ ،‬ف اتقوا اهلل وارجع وا‪ .‬ف أبوا‪ .‬فلم ا ك ان من‬
‫الغ د‪ ،‬غ دوا علي ه‪ ،‬فج اء قن رب فق ال‪ :‬ق د واهلل ! رجع وا يقول ون ذل ك الكالم‪ ،‬فق ال‪ :‬أدخلهم‪.‬‬
‫فق الوا ك ذلك‪ ،‬فلم ا ك ان الث الث‪ ،‬ق ال‪ :‬لئن قلتم ذل ك ألقتلنكم ب أخبث قتل ة‪ ،‬ف أبوا إال ذل ك‪،‬‬
‫أخدودا بني باب املسجد والقصر‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ً‬ ‫فقال‪ :‬يا قنرب ! ائتين بفعلة معهم مرورهم‪ ،‬فخد هلم‬
‫احفروا فأبعدوا يف األرض‪ ،‬وجاء باحلطب فطرحه بالنار يف األخدود‪ ،‬وقال‪ :‬إين طارحكم فيها‬
‫أو ترجعوا‪ ،‬فأبوا أن يرجعوا فقذف هبم فيها حىت إذا احرتقوا قال‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أوقدت ناري ودعوت قنربا‬ ‫أمرا منكرا‬
‫إين إذا رأيت ً‬

‫كم ا أخ رج البخ اري يف ص حيحه خ رب اإلح راق ه ذا من ح ديث عكرمة( ) ق ال‪ُ (( :‬أيت‬
‫‪2‬‬

‫علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بزنادقة( ) فأحرقهم‪ ،‬فبلغ ذلك ابن عباس فقال‪ :‬لو كنت أنا مل أحرقهم‬
‫‪3‬‬
‫ٌّ‬
‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ ،270 / 12‬وقال ‪ :‬سنده حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الرببري‪ ،‬أبو عبداهلل‪ ،‬املدين‪ ،‬موىل ابن عباس‪ ،‬أصله من الرببر‪ ،‬كان من أعلم التابعني‪ .‬قال العجلي ‪ :‬تابعي‬ ‫‪2‬‬

‫ثق ة ب ريء مما يرمي ه الن اس ب ه من احلروري ة‪ .‬وق ال البخ اري ‪ :‬ليس أح د من أص حابنا إال وه و حيتج بعكرم ة‪.‬‬
‫وقال النسائي ثقة‪ .‬مات سنة ‪ 107‬هـ وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪- 234 / 7‬‬
‫‪ .242‬وفتح الباري ‪.) 270 / 12‬‬
‫() مجع زنديق‪ ،‬قال أبو حامت السجستاين وغريه ‪ :‬الزنديق فارسي معرب أصله ( زنده كرداي ) يقول بدوام‬ ‫‪3‬‬

‫الدهر ؛ ألن زنده ‪ :‬احلياة‪ ،‬وكرد ‪ :‬العمل‪ .‬ويطلق على من يكون دقيق النظر يف األمور‪ .‬وقال ثعلب ‪ :‬ليس‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪391‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لنهي رسول اهلل ص‪ :‬ال تعذبوا بعذاب اهلل‪ .‬ولقتلتهم لقول رسول اهلل ص‪ :‬من بدل دينه فاقتلوه‬
‫))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كما روى خرب اإلحراق طائفة من أئمة احلديث منهم أبو داود يف سننه( )‪ ،‬والرتمذي يف‬
‫‪2‬‬

‫جامعه( )‪ ،‬والنس ائي يف س ننه( )‪ ،‬وعن د الط رباين يف معجم ه األوس ط من طري ق س ويد بن غفل ة‪:‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫قوم ا ارت دوا عن اإلس الم‪ ،‬فبعث إليهم ف أطعمهم‪ ،‬مث دع اهم إىل اإلس الم‬
‫(( أن عليً ا بلغ ه أن ً‬
‫فأبوا‪ ،‬فحفر حفرية‪ ،‬مث أتى هبم فضرب أعناقهم ورماهم فيها‪ ،‬مث ألقى عليهم احلطب فأحرقهم‬
‫مث قال‪ :‬صدق اهلل ورسوله ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫يف كالم الع رب زن ديق‪ ،‬وإمنا ق الوا زن دقي ملن يك ون ش ديد التحم ل‪ .‬وق ال اجلوهري ‪ :‬الزن ديق من الثنوي ة‪.‬‬
‫وفسره بعض الشراح أنه الذي يدعي مع اهلل إهلًا آخر‪ .‬وقال أصحاب كتب امللل ‪ :‬الزنادقة أتباع ديصان مث‬
‫م اين مث م زدك‪ ،‬وج اء اإلس الم والزن ديق يطل ق على من يعتق د معتق دهم‪،‬وأظه ر مجاع ة منهم اإلس الم خش ية‬
‫القتل‪ ،‬ومن مث أطلق االسم على كل من أسر الكفر وأظهر اإلسالم‪ ،‬حىت قال مالك ‪ :‬الزندقة على ما كان‬
‫علي ه املن افقون‪ ،‬وك ذا أطل ق مجاع ة من الفقه اء الش افعية وغ ريهم أن الزن ديق ه و ال ذي يظه ر اإلسالم وخيفي‬
‫الكف ر‪ .‬وق ال الن ووي ‪ :‬الزن ديق ال ذي ال ينتح ل دينن ا‪ ( .‬ابن حج ر‪ ،‬فتح الب اري (بتص رف ) ‪،270 / 12‬‬
‫‪.) 271‬‬
‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب استتابة املرتدين ‪.279 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كتاب احلدود ‪.520 / 4‬‬ ‫‪2‬‬

‫() كتاب احلدود ‪ ،59 / 4‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث صحيح حسن‪ .‬وصححه األلباين يف صحيح سنن‬ ‫‪3‬‬

‫الرتمذي ‪.77 / 2‬‬


‫() كتاب حترمي الدم ‪.104 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.270 / 12‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪392‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كما أن ابن قتيبة( ) ذكر اخلرب وصرح بأن الذين حرقهم علي هم السبئية‪ ،‬بقوله‪ :‬الرافضة‬
‫‪1‬‬

‫ينسبون إىل عبداهلل بن سبأ‪ ،‬وكان أول من كفر من الرافضة‪ ،‬وقال‪ :‬علي رب العاملني‪ ،‬فأحرق‬
‫علي أصحاب ابن سبأ بالنار ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وق ال ابن تيمي ة ( رمحه اهلل )‪ (( :‬وثبت عن ه أن ه ح رق غالي ة الرافض ة ال ذين اعتق دوا في ه‬
‫اإلهلية ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وحىت كتب الشيعة أنفسهم فقد ورد فيها تأكيد هذا اخلرب‪ ،‬ففي شرح عقائد الصدوق‪:‬‬
‫(( احلديث عن الغالة من املتظ اهرين بإس الم ال ذين نس بوا أم ري املؤم نني واألئم ة من ذريت ه إىل‬
‫األلوهي ة والنب وة‪ ،‬فحكم فيهم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بالقت ل‬
‫والتحريق بالنار ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ناس ا أتوا عليً ا‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أنت أنت‪ ،‬فقال هلم‪ :‬إين‬
‫وجاء يف كتاب (رجال الكشي)‪ :‬أن ً‬
‫لس ت كم ا قلتم‪ ،‬إمنا أن ا عب د خمل وق‪ ،‬ف أبوا علي ه‪ ،‬فق ال هلم‪ :‬إن مل ترجع وا أو تتوب وا ألقتلنكم‪،‬‬
‫خدا يف األرض‪ ،‬مث أمر باحلطب فطرح فيه‪ ،‬مث قال هلم ويلكم !‬
‫فأبوا ذلك‪ ،‬فأمر أن حيفر هلم ً‬

‫() عبداهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬ولد سنة ‪ 213‬هـ عامل مشارك يف أنواع من العلوم‪ ،‬كاللغة‬ ‫‪1‬‬

‫والنحو وغريب القرآن ومعانيه‪ ،‬وغريب احلديث‪ ،‬والشعر‪ ،‬والفقه‪ ،‬واألخبار‪ ،‬وأيام الناس‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬سكن‬
‫بغداد‪ ،‬وويل قضاء دينور‪ ،‬له تصانيف كثرية‪ ،‬تويف سنة ‪276‬هـ‪( .‬انظر ‪ :‬عمر كحالة‪ ،‬معجم املؤلفني ‪/ 2‬‬
‫‪.) 297‬‬
‫() انظر ‪ :‬املعارف ص ‪.340‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد ) ‪ .474 / 28‬وانظر منهاج السنة ‪.12 / 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الشيخ املفيد‪ ،‬شرح عقائد الصدوق ص ‪ ،257‬نقال عن د‪ .‬سليمان محد العوده يف كتابه (عبداهلل بن سبأ‬ ‫‪4‬‬

‫وأثره يف إحداث الفتنة يف صدر اإلسالم ص‪.) 217‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪393‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫توب وا وارجع وا‪ ،‬ف أبوا‪ ،‬وق الوا‪ :‬ال نرج ع‪ .‬فق ذف علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بعض هم‪ ،‬مث ق ذف‬
‫بقيتهم يف النار ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وإذا ك ان إح راق علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬لطائف ة الس بئية ق د ثبت مبا ال‬
‫يدع جمااًل للشك( )‪ ،‬فما هو الدافع الختاذ هذا األسلوب يف قتلهم ؟ يقول اإلمام ابن القيم رمحه‬
‫‪2‬‬

‫اهلل تع اىل يف كت اب الط رق احلكمي ة‪ ،‬حينم ا حتدث عن سياس ة احلك ام مراع اة للمص لحة العام ة‬
‫وظ روف الزم ان املك ان‪ :‬ومن ذل ك حتري ق علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬الزنادق ة‬
‫عظيم ا جعل عقوبته أعظم‬
‫أمرا ً‬
‫الرافضة وهو يعلم سنة رسول اهلل يف قتل الكافر‪ ،‬ولكن ملا رأى ً‬
‫العقوبات ليزجر الناس عن مثله‪ ،‬ولذلك قال‪:‬‬

‫(‪)3‬‬
‫قنربا‬
‫أججت ناري ودعوت ً‬ ‫منكرا‬
‫أمرا ً‬
‫ملا رأيت األمر ً‬

‫ومما يدل على خطر هذه الفرقة على اإلسالم وأهله‪ ،‬الذي جعل أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يق ف منهم ه ذا املوق ف املتش دد‪ ،‬م ا رواه الط ربي عن س يف( ) عن‬
‫‪4‬‬

‫شيوخه قال‪ (( :‬كان عبداهلل بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء أمه سوداء‪ ،‬فأسلم زمن عثمان‪ ،‬مث‬
‫تنق ل بني بل دان املس لمني حياول ض اللتهم‪ ،‬فب دأ باحلج از‪ ،‬مث البص رة‪ ،‬مث الكوف ة مث الش ام‪ ،‬فلم‬
‫يق در على م ا يري د عن د أه ل الش ام‪ ،‬ف أخرجوه ح ىت أتى مص ر‪ ،‬ف اعتمر فيهم‪ ،‬فق ال هلم فيم ا‬
‫يق ول‪ :‬لعجب ممن ي زعم أن عيس ى يرج ع‪ ،‬ويك ذب ب أن حمم ًدا يرج ع‪ ،‬وق د قال اهلل ع ز وجل‬
‫() الطوسي‪ ،‬اختيار معرفة الرجال (املعروف برجال الكشي ) ص ‪.380 ،72‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر سليمان العودة‪ ،‬عبداهلل بن سبأ وأثره يف أحداث الفتنة يف صدر اإلسالم ص ‪.218 - 214‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية ص ‪.26‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ه و س يف بن عم ر الض يب األس دي‪ ،‬ويق ال ‪ :‬التميمي البجمي‪ ،‬ويق ال الس عدي الك ويف‪ ،‬مص نف الفت وح‬ ‫‪4‬‬

‫والردة‪ .‬قال عنه الذهيب ‪ :‬كان إخباريًا عارفًا‪ .‬وقال ابن حجر ‪ :‬ضعيف يف احلديث‪ ،‬عمدة يف التاريخ‪ ،‬أفحش‬
‫ابن حبان القول فيه‪ .‬م ات زمن الرشيد‪( .‬انظر ‪ :‬الذهيب‪ ،‬م يزان االعتدال ‪ .445 / 2‬وابن حجر‪ ،‬تق ريب‬
‫التهذيب ‪.) 344 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪394‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إىل معاد }( ) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫ف ُقبِل ذلك عنه ووضع هلم الرجعة‪ ،‬فتكلموا فيها‪ ،‬مث قال هلم بعد ذلك‪ :‬إنه كان ألف نيب ولكل‬
‫نيب وصي‪ ،‬وكان علي وصي حممد‪ ،‬مث قال‪ :‬حممد خامت األنبياء وعلي خامت األوصياء‪ ،‬مث قال‬
‫بعد ذلك‪ :‬من أظلم ممن مل جيز وصية رسول اهلل ص ووثب على وصي رسول اهلل ص‪ ،‬وتناول‬
‫أمر األمة ! مث قال بعد ذلك‪ :‬إن عثمان أخذها بغري حق‪ ،‬وهذا وصي رسول اهلل ص فاهنضوا يف‬
‫هذا األمر فحركوه‪ ،‬ابدءوا بالطعن على أمرائكم‪ ،‬وأظهروا األمر ب املعروف والنهي عن املنكر‬
‫تس تميلوا الن اس‪،‬وادع وهم إىل ه ذا األم ر‪ .‬فبث دعات ه‪ ،‬وك اتب من ك ان استفس د من األمص ار‬
‫وكاتبوه‪ ،‬ودعوا يف السر إىل ما عليه رأيهم‪.) ())...‬‬
‫‪2‬‬

‫هذا اخلرب مل يبني فقط فساد تلك الطائفة فيما هم عليه من سوء االعتقاد‪ ،‬بل يكشف‬
‫ف وق ذل ك حجم املؤامرة ال يت ب دأهتا الس بئية هلدم اإلس الم وال يت ب دأت يف عه د اخلليف ة الث الث‬
‫عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وكان أول مثارها قتل اخلليفة الراشد ذي النورين ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ .-‬ويؤكد ذلك املقريزي بقوله‪ (( :‬إن ابن سبأ هو الذي أثار الفتنة ضد عثمان حىت‬
‫قتل ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫كم ا ال يفوتن ا أث ر ه ذه الطائف ة املش ئومة يف إح داث الفتن ة يف عه د علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه‬
‫‪،-‬ومن ذلك أثرهم يف إنشاب القتال يوم اجلمل الذي راح ضحيته عشرون أل ًفا( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقيل ثالثة عشر أل ًفا( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫() سورة القصص‪ ،‬جزء من اآلية ‪.85‬‬ ‫‪1‬‬

‫() تاريخ األمم وامللوك ‪ .647 / 2‬وانظر ‪ :‬ابن تيمية يف منهاج السنة ‪.479 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬املقريزي‪ ،‬املواعظ واالعتبار ‪ .357 / 2‬وابن تيمية‪ ،‬الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم‬ ‫‪3‬‬

‫وابنه حممد ) ‪.184 / 35‬‬


‫() تاريخ خليفة بن خياط ص ‪.186‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪395‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وقيل عشرة آالف( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫وقيل سبعة آالف( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ويقول حممد سعيد األفغاين مبينً ا شيًئا من خطرهم‪ :‬إن ما يذكره املؤرخون من التبعات‬
‫على بعض الصحابة‪ :‬كعلي‪ ،‬وطلحة‪ ،‬والزبري‪ ،‬وعائشة هو بعد التمحيص من التبعات الثانوية‪.‬‬
‫أم ا أق وى األسباب ال يت أرثت الش غب وه اجت االض طراب فهي م ؤامرة واس عة حمكمة‪ ،‬س هر‬
‫عليها أبالسة خبريون وتعهدوها يف مجيع األقطار حىت آتت مثرها‪ .‬ورأس هذه املؤامرة ( عبداهلل‬
‫بن س بأ ) املع روف ب ابن الس وداء‪ .‬إين أؤمن أش د اإلميان بأن ه ل و مل يكن ش يء ق ط من ه ذه‬
‫(‪)3‬‬
‫املساعي اليت يذكروهنا لكان عمل ابن السوداء وحده كافيًا يف بلوغ الغاية املشئومة‪.‬‬

‫أيض ا‪،‬‬
‫إذن واألمر كذلك مل تكن هذه الطائفة ذات حركة دينية فحسب‪ ،‬بل وسياسية ً‬
‫اس تهدفت القض اء على ال دين من داخل ه‪ ،‬وض رب املس لمني ببعض هم‪ ،‬وعلي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل يكن يغف ل عن ه ذا اهلدف‪ ،‬وه و اخلب ري بالش عوب واجتاه ات الن اس‬
‫ومشارهبم‪.‬‬

‫مخالفة ابن عباس لعلي (رضي اهلل عنهما) في هذا المنهج‬

‫مل ير ابن عباس (رضي اهلل عنهما) رأي علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف إحراق‬
‫حمتجا عليه بنهي‬
‫السبئية‪ ،‬حيث يقول (( لو كنت أنا مل أحرقهم )) ً‬
‫رسول اهلل ص‪ (( :‬ال تعذبوا بعذاب الله )) ولقوله ص‪ (( :‬من بدل دينه فاقتلوه ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() تاريخ الطربي ‪.539 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() تاريخ خليفة بن خياط ص ‪.186‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نقله أنور اجلندي يف كتابه اإلسالم والدعوات اهلدامة ص ‪،24‬وقال ‪ :‬من حبث عن الصهيوين األول ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبداهلل بن سبأ‪.‬‬
‫() احلديث يف صحيح البخاري وسبق خترجيه قريبًا‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪396‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ق ال ابن حج ر‪ :‬وه ذا حيتم ل أن ابن عب اس مسعه من رس ول اهلل ص‪ ،‬وحيتم ل أن يك ون‬


‫مسعه من بعض الص حابة‪ .‬ويف رواي ة أيب داود( ) (( فبل غ ذل ك عليً ا‪ ،‬فق ال‪ :‬ويح أم ابن‬
‫‪1‬‬

‫عباس( ) ! )) وهذا حيتمل أنه مل يرض مبا اعرتض به ورأى أن النهي للتنزيه( )‪ .‬وقال ابن حجر‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫أيض ا‪ ( :‬ويح ) كلم ة رمحة‪ ،‬فتوج ع ل ه لكون ه محل النهي على ظ اهره فاعتق د التح رمي مطل ًق ا‬
‫ً‬
‫رض ا مبا ق ال‪ ،‬وأن ه حف ظ م ا نس يه‪ ،‬بن اءً على أح د م ا قي ل يف‬
‫ف أنكره‪ .‬وحيتم ل أن يك ون قاهلا ً‬
‫تفسري (ويح)‪ ،‬أهنا تقال مبعىن املدح والتعجب ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقال‪ :‬واختلف السلف يف التحريق‪ ،‬فكره ذلك عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وغريمها مطل ًق ا‪ ،‬سواء‬
‫قصاص ا‪ .‬وأجازه علي‪ ،‬وخالد بن الوليد‪،‬‬
‫ً‬ ‫كان ذلك بسبب كفر‪ ،‬أو يف حال مقاتلة‪ ،‬أو كان‬
‫وغريمها‪ .‬وقال املهلب‪ :‬ليس هذا النهي على التحرمي‪ ،‬بل على سبيل التواضع‪ ،‬ويدل على جواز‬
‫التحري ق فع ل الص حابة‪ ،‬فق د مسل الن يب ص أعني العرن يني باحلدي د احملمى‪ ،‬وق د ح رق أب و بك ر‬
‫ناس ا من أهل الردة‪ ،‬وأكثر علماء‬
‫البغاة بالنار حبضرة الصحابة‪ ،‬وحرق خالد بن الوليد بالنار ً‬
‫املدين ة جييزون حتري ق احلص ون واملراكب على أهليه ا‪ ،‬قال ه الث وري‪ ،‬واألوزاعي‪ .‬وق ال ابن املن ري‬
‫قصاص ا أو منس وخة كم ا تق دم‬
‫ً‬ ‫وغ ريه‪ :‬ال حج ة فيم ا ذك ر للج واز‪ ،‬ألن قص ة العرن يني ك انت‬
‫وجتويز الصحايب معارض مبنع صحايب آخر‪ ،‬وقصة احلصون واملراكب مقيدة بالضرورة إىل ذلك‬
‫إذا تعني طري ًقا للعدو( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() املشار إليها ساب ًقا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ويف بعض النسخ حبذف ( أم )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتح الباري ‪.271 / 12‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتح الباري ‪.272 / 12‬‬ ‫‪4‬‬

‫() فتح الباري ‪.150 / 6‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪397‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وذكر ابن القيم ما فعله بعض الصحابة من التحريق فقال‪(( :‬وحرق أبو بكر ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬اللوطية وأذاقهم حر النار يف الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وكذلك قال أصحابنا‪ :‬إذا رأى اإلمام‬
‫حتريق اللوطي فله ذلك‪ ،‬فإن خالد بن الوليد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كتب إىل أيب بكر الصديق ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن ه وج د يف بعض ن واحي الع رب رجاًل يُْن َك ُح كم ا ُتْن َك ُح املرأة‪ .‬فاستش ار‬
‫ديق أص حاب رس ول اهلل ص وفيهم علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وك ان أش دهم‬
‫الص ُ‬
‫ق واًل ‪ ،‬فقال‪ :‬إن هذا الذنب مل تعص به أمة من األمم‪ ،‬إال واحدة فصنع اهلل هبم ما قد علمتم‪،‬‬
‫فكتب أبو بكر إىل خالد أن حيرقوا فحرقهم‪ ،‬مث حرقهم عبداهلل بن‬ ‫أرى أن حيرق بالنار‪.‬‬
‫(‪.)3‬‬
‫الزيبر( ) يف خالفته‪ ،‬مث حرقهم هشام بن عبد امللك( ) ))‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ابن العوام بن خويلد األسدي‪ ،‬كان أول مولود للمهاجرين باملدينة‪ ،‬ولد سنة اثنتني‪ ،‬وقيل ‪ :‬سنة إحدى‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كبريا يف العلم‪ ،‬والشرف‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬والعبادة‪.‬‬


‫له صحبة ورواية أحاديث‪ ،‬عداده يف صغار الصحابة‪ ،‬وإن كان ً‬
‫بوي ع باخلالف ة عند م وت يزيد س نة أربع وس تني‪ .‬م ات س نة ‪73‬هـ‪( .‬انظ ر ‪ :‬الذهيب‪ ،‬س ري أعالم النبالء ‪/ 3‬‬
‫‪.) 380 - 363‬‬
‫() ابن مروان‪ ،‬أبو الوليد القرشي األموي الدمشقي‪ ،‬من خلفاء بين أمية‪ ،‬استخلف بعهد معقود له من أخيه‬ ‫‪2‬‬

‫يزيد سنة ‪ 105‬هـ‪ .‬وكان مولده بعد السبعني‪( .‬انظر ‪ :‬الذهيب‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪.) 353-351 / 5‬‬
‫() الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية ص ‪.23 ،22‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪398‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مع المرتدين‬

‫الصنف الثالث من أصناف الكافرين من غري أهل الكتاب يف منهج أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هم املرتدون‪ ،‬واملرتد هو الراجع عن دين اإلسالم إىل الكفر‪ ،‬قال‬
‫تعاىل { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعماهلم يف الدنيا واآلخرة‬
‫وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }( )‪ .‬ويتمثل منهجه معهم يف جانبني مها‪-:‬‬
‫‪1‬‬

‫أواًل ‪ :‬االستتابة‬

‫عن الش افعي ق ال‪ :‬ق ال علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ (( :-‬يس تتاب املرت د ثالثً ا‪ ،‬ف إن ع اد‬
‫يقتل( ) ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫قال ابن قدامة يف املغين‪ :‬املرتد ال يقتل حىت يستتاب ثالثًا‪ ،‬هذا قول أكثر أهل العلم منهم‬
‫عمر وعلي وعطاء والنخعي ومالك والثوري واألوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وهو أحد‬
‫قويل الشافعي‪ ،‬وروي عن أمحد رواية أخرى أنه ال جتب استتابة املرتد‪ ،‬ولكن تستحب‪ ،‬وهذا‬
‫القول الثاين للشافعي وهو قول عبيد بن عمري وطاوس ويروى ذلك عن احلسن‪ ،‬لقول النيب ص‪:‬‬
‫(( من بدل دينه فاقتلوه)) ومل يذكر استتابته ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.217‬‬ ‫‪1‬‬

‫() هك ذا يف األص ل‪ ،‬ولع ل الص واب ( ف إن أىب يقت ل ) كم ا يف الرواي ة ال يت بع دها عن ابن عم ر (رض ي اهلل‬ ‫‪2‬‬

‫عنهما)‪ .‬أو أن املعىن املراد هو ‪ :‬فإن عاد إىل كفره بعد استجابته لالستتابة يقتل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.138 / 10‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املغين ‪.124 / 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪399‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫واالستتابة للمرتد من حيث املدة يف منهج أمري املؤمنني هي شهر ملا رواه عبد الرزاق عن‬
‫شهرا‪ ،‬فأىب‪ ،‬فقتله ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عثمان النهدي أن عليًا استتاب رجاًل كفر بعد إسالمه ً‬

‫وقال ابن قدامة‪ :‬إذا ثبت وجوب االستتابة فمدهتا ثالثة أيام‪ ،‬وذلك عن عمر ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬وبه قال مالك وإسحاق وأصحاب الرأي وهو أحد قويل الشافعي‪ .‬وقال الزهري‪:‬‬
‫ي دعى ثالث م رات ف إن أىب ض ربت عنق ه‪ .‬وق ال النخعي يس تتاب أب ًدا‪ ،‬وه و خمالف للس نة‬
‫شهرا ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫واإلمجاع‪ .‬وعن علي أنه استتاب رجاًل ً‬

‫وروي عن علي يف استتابة الزنديق الذي يظهر اإلسالم ويبطن‬


‫الكفر قوالن مها‪-:‬‬

‫‪ -1‬ال فرق يف االستتابة بني من أظهر الردة‪ .‬وبني الزنديق الذي أظهر اإلسالم وأبطن الكفر‪،‬‬
‫وقامت عليه البينة بذلك( )‪ .‬فقد روى عبد الرزاق أن حممد بن أيب بكر كتب إىل علي عن‬
‫‪3‬‬

‫مسلمني تزندقا‪ .‬فكتب إليه‪ :‬إن تابا وإال فاضرب أعناقهما ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -2‬يستتاب من أظهر الردة و ال يستتاب الزنديق‪ ،‬فقد روى األثرم بإسناده إىل علي ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬أنه أيت برجل عريب قد تنصر‪ ،‬فاستتابه فأىب أن يتوب فقتله‪ ،‬وأيت برهط يصلون‬
‫وهم زنادقة وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول‪ ،‬فجحدوا وقالوا‪ :‬ليس لنا دين إال‬
‫اإلس الم‪ .‬فقتلهم ومل يس تتبهم‪ ،‬مث قال‪ :‬أت درون مل استتبت النص راين ؟ استتبته ألنه أظهر‬

‫() املصنف ‪.164 / 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املغين ‪.126 ،125 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن قدامة املغين ‪ .126 / 8‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل‬ ‫‪3‬‬

‫عنه) ص ‪.273‬‬
‫() املصنف ‪170 / 10 ،342 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪400‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫دينه‪ ،‬فأما الزنادقة الذين قامت عليهم البينة فإمنا قتلتهم ألهنم جحدوا‪ ،‬وقد قامت عليهم‬
‫البينة ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهذا الرأي من علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مبين على أن االستتابة مؤداها أن يقر اإلنسان‬
‫باإلسالم ويرتك ما هو عليه من الكفر يف ظاهر أمره‪ ،‬وأما الباطن فال سبيل ملعرفته‪ ،‬والزنادقة قد‬
‫ظاهرا‪.‬‬
‫حصل منهم االعرتاف باإلسالم ً‬

‫ثانيًا‪ :‬القتل‬

‫انعقد اإلمجاع على قتل الرجل املرتد لقوله ص (( من بدل دينه فاقتلوه ))( ) ‪ ،‬وقد كثر‬
‫‪2‬‬

‫يف ذلك النقل عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .) ( -‬ومن ذلك ما رواه احلكم بن عتيبة أن املستورد‬
‫‪3‬‬

‫العجلي ارت د عن اإلس الم‪ ،‬فاس تتابه علي ف أىب أن يت وب‪ ،‬فقتل ه‪ ،‬وقس م مال ه من ورثت ه‪ ،‬وأم ر‬
‫وعشرا ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫امرأته أن تعتد أربعة أشهر ً‬

‫وأما يف حق املرأة املرتدة فقد ورد فيها عن علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قوالن‪-:‬‬

‫() ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪ .141 / 8‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.273‬‬
‫() سبق خترجيه قريبًا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن دقيق العيد‪ ،‬عمدة األحكام ‪ .84 / 4‬وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب‬ ‫‪3‬‬

‫(رضي اهلل عنه) ص ‪.273‬‬


‫أيض ا يف املصنف ‪/ 10‬‬
‫() أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪ .105 / 6‬وانظر روايات أخرى عند عبد الرزاق ً‬
‫‪4‬‬

‫‪.339 ،169 ،164‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪401‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أيضا عن أيب بكر ‪ -‬رضي‬


‫‪ -1‬ال فرق بينها وبني الرجل يف حكم القتل‪،‬وقد روي هذا القول ً‬
‫اهلل عنه ‪ ،-‬وقال به احلسن والزهري والنخعي ومكحول ومحاد ومالك والليث واألوزاعي‬
‫والشافعي وإسحاق ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -2‬املرأة تسرتق وال تقتل‪ ،‬وهذا القول قال به احلسن وقتادة‪ ،‬ألن أبا بكر اسرتق نساء بين‬
‫حنيفة وذراريهم‪ ،‬وأعطى عليً ا منهم امرأة فولدت حممد بن احلنفية‪،‬وكان ذلك مبحضر‬
‫إمجاعا( )‪ .‬كم ا أن قص ة بعث علي إىل ب ين ناجي ة دلي ل على‬
‫من الص حابة فلم ينك ر فك ان ً‬
‫‪2‬‬

‫هذا الرأي وفيها‪ (( :‬وقتل مقاتلتهم وسىب ذراريهم ))( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫وأما كيفية قتل املرتد فإهنا مل يرد فيها نص صريح حيدد كيفية القتل‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قتل املرتدين بطرق خمتلفة حسب حال كل منهم على‬
‫النحو التايل‪-:‬‬
‫‪ -1‬ضرب العنق بالسيف‪ ،‬كما يف جواب علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حملمد بن أيب‬
‫بكر عندما سأله عن مسلمني تزندقا فقال‪ (( :‬فأما اللذين تزندقا‪ ،‬فإن تابا‪ ،‬وإال فاضرب‬
‫أعناقهما ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -2‬الضرب حىت املوت‪ ،‬ففي مصنف ابن أيب شيبة أن عليً ا أيت برجل نصراين أسلم مث تنصر‪،‬‬
‫فسأله عن كلمة فقال له‪ ،‬فقام إليه علي فرفسه برجله‪ ،‬فقام الناس إليه فضربوه حىت قتلوه‬
‫( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪.123 / 8‬‬ ‫‪5‬‬

‫() ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪ .123 / 8‬وانظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.268 / 12‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع املبحث السابق صفحة ‪.404‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪.395 / 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫() يف املصنف ‪ .143 / 10‬وذكره ابن حزم يف احمللى ‪ .190 / 11‬واهلندي يف كنز العمال ‪.314 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪402‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -3‬اإلح راق بع د القتل‪ ،‬كما يف قص ة املس تورد العجلي‪ ،‬ف إن عليً ا ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أحرقه‬
‫بعد أن قتله‪ .‬ولعل عليً ا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬احرقه ملا خاف أن ينبش قومه جثته‪ ،‬بعد أن‬
‫رفض علي تسليمها مقابل مبلغ من املال بذلوه له ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -4‬القتل باإلحراق‪ ،‬كما يف قصة علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع السبئية كما سبق بيانه‪.‬‬

‫() عبد الرزاق يف املصنف ‪ .170 / 10‬و سنن البهقي ‪ ،254 / 6‬واحمللى ‪ .190 / 11‬وحممد رواس قلعه‬ ‫‪6‬‬

‫جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.275‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪403‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫سمات منهج أمير المؤمنين في دعوة غير أهل الكتاب‬

‫مما س بق ميكن اس تنتاج مسات منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫يف دعوة غري أهل الكتاب وهي‪-:‬‬

‫‪ -1‬الشدة على املشركني املعاندين‪ ،‬والتضحية يف مواجهتهم‪ ،‬ويتضح ذلك من مواقفه ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬يف بدر وأحد واألحزاب وحنني وغريها‪ ،‬ولقد أدرك‬
‫رس ول اهلل ص من علي ه ذه الش دة‪ ،‬كم ا ع رف من ه أع داؤه ذل ك‪ ،‬فك ان علي ه الص الة‬
‫والسالم يتهدد املشركني به‪ ،‬ومن ذلك قوله ص هلم يف صلح احلديبية‪(( :‬يا معشر قريش!‬
‫لتنتهن‪ ،‬أو ليبعثن اهلل عليكم من يض رب رق ابكم بالس يف على ال دين‪ ،‬ق د امتحن اهلل قلب ه‬
‫ّ‬
‫على اإلميان‪ .‬ق الوا‪ :‬ومن ه و ي ا رس ول اهلل ؟ ق ال أب و بك ر‪ :‬من ه و ي ا رس ول اهلل ؟ ق ال‬
‫عمر‪ :‬من هو يا رسول اهلل ؟ قال‪ :‬هو خاصف النعل‪ .‬وكان أعطى عليً ا نعله خيصفها ))‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعند اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة أن رسول اهلل ص قال لوفد ثقيف حني جاءوا‪:‬‬
‫(( واهلل لتس لمن أو ألبعثن إليكم رجاًل ‪ ،‬م ين أو ق ال مث ل نفس ي‪ ،‬فليض ربن أعن اقكم‪،‬‬
‫وليس بني ذراريكم‪ ،‬وليأخ ذن أم والكم‪ .‬ق ال عم ر‪ :‬فواهلل م ا اش تهيت اإلم ارة إال يومئذ‪،‬‬
‫جعلت انصب صدري له رجاء أن يقول هذا‪ .‬فالتفت إىل علي فأخذ بيده‪ ،‬مث قال‪ :‬هو‬
‫هذا‪ ،‬هو هذا مرتني ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب املناقب ‪ .634 / 5‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد ‪ .134 / 1‬وذكره احملب الطربي‪ ،‬ذخائر العقىب ص ‪.76‬‬
‫() فضائل الصحابة ‪ .593 / 2‬وقال احملقق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ :‬مرسل رجاله ثقات‪ .‬وأخرجه عبد‬ ‫‪2‬‬

‫الرزاق يف مصنفه ‪ 226 / 11‬بنحوه‪ .‬وذكره احملب الطربي يف الرياض النضرة ‪.119 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪404‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن عبداهلل بن شداد( ) قال‪ :‬قدم على رسول اهلل وفد أيب سرح من اليمن‪ ،‬فقال هلم‬
‫‪1‬‬

‫رس ول اهلل ص‪ (( :‬لتقيمن الص الة‪ ،‬ولتؤتن الزكاة‪ ،‬ولتسمعن‪ ،‬ولتطيعن‪ ،‬أو ألبعثن إليكم‬
‫رجاًل كنفس ي يقات ل مق اتلتكم‪ ،‬ويس يب ذراريكم‪ ،‬اللهم أن ا أو كنفس ي‪ ،‬مث أخ ذ بي د‬
‫علي ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -2‬التغليظ على املنافقني‪ ،‬وخاصة ممن يكيدون لإلسالم وأهله‪ ،‬إىل درجة التحريق بالنار‪ ،‬كما‬
‫يف اتب اع عبداهلل بن س بأ‪ ،‬ملا ت بني ل ه ش دة خط رهم على اإلس الم وأهل ه‪ ،‬وم ا ح اكوه من‬
‫مؤامرات كانت أول مثارها تلك اجلرمية النكرة (قتل أمري املؤمنني عثمان بن عفان رضي‬
‫اهلل عنه) أضف إىل ذلك دعوهتم إىل فساد االعتقاد ‪ ،‬والطعن على األمراء‪ .‬وكل ذلك عن‬
‫طريق استمالة الناس باسم الدين‪ ،‬مما يعظم خطرهم ويفشي شرورهم( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -3‬إتاحة فرصة أكثر للمرتدين قبل قتلهم رجاء عودهتم إىل اإلسالم‪ ،‬كما علمنا فيما سبق من‬
‫شهرا رجاء عودهتم إىل اإلسالم( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫منهجه أنه يستتيبهم ً‬

‫‪ -4‬ب ذل اجله د م ع املش ركني الب احثني عن احلقيق ة‪ ،‬من تبليغهم دع وة اهلل س بحانه وتع اىل‬
‫وإجابتهم إىل مايريدون من الدالئل على صحة هذا الدين وصدق رسول رب العاملني‪.‬‬

‫() ابن اهلاد الليثي‪ ،‬أبو الوليد املدين‪ ،‬كان يأيت الكوفة‪ ،‬قال ابن املديين ‪ :‬شهد مع علي يوم النهروان‪ .‬وقال‬ ‫‪1‬‬

‫العجلي واخلطيب ‪ :‬من كبار التابعني وثقاهتم‪ .‬مات سنة‪81‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.) 222 / 5‬‬
‫() أخرجه ابن آىب شيبة يف املصنف ‪.68 / 12‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.423‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.429 ،428‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪405‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -5‬التدرج مع املدعوين يف مراحل االدعوة‪ ،‬ويتضح ذلك من حواره مع املشرك عمرو بن عبد‬
‫ود( )‪ ،‬وكذا موقفه من غالة الرافضة( )‪ ،‬ومع املرتدين( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -6‬اجلرأة يف ال دعوة‪ ،‬فه و الرج ل ال ذي ال تاخ ذه يف اهلل لوم ة الئم‪ ،‬وي دل على ذل ك مبادرت ه‬
‫ملبارزة عمرو بن عبد ود وهو فارس قريش املشهور‪ ،‬الذي يهابه الشجعان‪ ،‬لكن علي بن‬
‫أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬واث ق من نص ر اهلل ل ه‪ ،‬ألن ه ال يه دف إىل املب ارزة‪ ،‬ولكن‬
‫يهدف إىل الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫() راجع صفحة ‪.410 ،409‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪ ،417‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪ ،428‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪406‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الباب الثالث‬

‫منهج أمير المؤمنين علي (رضي اهلل عنه ) في إعداد الداعية وتوجيهه‬

‫الفصل األول‪ :‬منهجه في اإلعداد العلمي للداعية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬منهجه في اإلعداد العملي للداعية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬منهجه في معالجة أخطاء الدعاة‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪407‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل األول‬

‫منهجه في اإلعداد العلمي للداعية‬

‫اإلعداد العلمي للداعية هو أهم جوانب اإلعداد اليت تتطلبها العملية الدعوية‪ ،‬وذلك ألن‬
‫الداعية ال ميكن أن يقوم هبذه املهمة ما مل يكن عنده العلم الكايف مبا يدعو إليه‪ .‬وإن كان العلم‬
‫ضروريًا لكل مسلم‪ ،‬لصالح دينه ودنياه‪ ،‬فهو للداعية أكثر ضرورة‪،‬ألن مرتبة التبليغ لشرع اهلل‬
‫ال تك ون إال مبعرف ة م ا ج اء عن اهلل ورس وله ص‪ ،‬ومعرف ة تأوي ل ذل ك ومقتض اه‪ ،‬ح ىت ال يَ ِز َّل‬
‫املبل غ يف عقي دة أو خيطئ يف حكم‪ ،‬وال يعج ز عن إش باع النف وس املتطلع ة إىل معرف ة األحك ام‬
‫الشرعية‪ ،‬وما يتعلق هبا‪ ،‬حىت يكون اإلذعان له أمت‪ ،‬والقبول منه أكمل‪.‬‬

‫ويؤكد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أمهية العلم للدعاة‪ ،‬ويبني هلم‬
‫مصدر التلقي حيث يقول‪ (( :‬الفقيه كل الفقيه من مل يقنط الناس من رمحة اهلل‪ ،‬ومل يرخص هلم‬
‫يف معاصي اهلل‪ ،‬ومل يؤمنهم من عذاب اهلل‪ ،‬ومل يدع القرآن رغبة عنه إىل غريه ؛ ألنه ال خري يف‬
‫عبادة ال علم فيها‪ ،‬وال علم ال فهم معه‪ ،‬وال قراءة ال تدبر فيها ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وي بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬نوعي ة العلم ال ذي ينبغي أن‬
‫حيرص علي ه الداعي ة إىل اهلل ( ط الب العلم )‪ ،‬فيق ول‪ (( :‬ي ا ط الب العلم ! إن للع امل ثالث‬
‫عالمات‪ :‬العلم باهلل‪ ،‬ومبا حيب اهلل‪ ،‬ومبا يكره اهلل ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه ‪ .89 / 1‬وأبو نعيم يف احللية ‪ .77 / 1‬وذكره السيوطي يف تاريخ اخللفاء ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .209‬وابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪.325 / 1‬‬


‫() تاريخ اليعقويب ‪.207 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪408‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ف العلم باهلل س بحانه وتع اىل ه و العلم بأمساء اهلل احلس ىن‪ ،‬وص فاته العلى‪ ،‬وم ا تفي ده من‬
‫صفات الكمال واجلالل‪ ،‬الذي يورث عند العامل حب اهلل سبحانه وتعاىل وخشيته‪ ،‬اليت هبما‬
‫يندفع اإلنسان إىل طاعته والبعد عن معصيته‪.‬‬

‫والعلم مبا حيب اهلل هو العلم بالطاعات‪ ،‬الواجبات منها واملندوبات ؛ ليتمكن من فعلها‪،‬‬
‫والعلم مبا يكره اهلل هو‬ ‫والتقرب إىل اهلل هبا‪ ،‬إضافة إىل دعوة الناس إليها وحثهم عليه ا‪.‬‬
‫العلم باملعاصي ليتجنبها وحيذر الناس منها ‪.‬‬

‫والعلم الذي حيتاجه الداعي‪ ،‬له عدة جوانب هي‪-:‬‬

‫‪ -1‬العلم مبوضوع الدعوة وهو أهم اجلوانب‪.‬‬

‫‪ -2‬العلم بأحوال املدعوين‪.‬‬

‫‪ -3‬العلم بكيفية الدعوة‪.‬‬

‫‪ -4‬العلم بأحوال الدعاة‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪409‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أواًل ‪ :‬العلم بموضوع الدعوة‬

‫لق د اهتم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بب ذل العلم للن اس عام ة‬
‫وللدعاة منهم على وجه اخلصوص‪ ،‬ومما يدل على حرصه على التعليم ما رواه سعيد بن املسيب‬
‫‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ { :‬م ا ك ان أح د من الن اس يق ول س لوين غ ري علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪.) (}-‬‬
‫‪1‬‬

‫كما كان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حيث الناس على سؤاله واالستزادة من العلم‪ ،‬ويبني أن يف‬
‫نفع ا للسائل والسامع‪ ،‬حيث يقول ألصحابه‪ { :‬أال رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه }‬
‫ذلك ً‬
‫( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وإن ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيث الن اس على العلم‬
‫بش كل ع ام فإن ه حيرص على من حول ه من أهل ه وأص حابه‪ ،‬كم ا يوص ي ابن ه احلس ن ق ائاًل ‪:‬‬
‫(( أوص يك أي ب ين ! بتق وى الله‪ ،‬وإق ام الص الة لوقته ا‪ ،‬وإيت اء الزك اة عن د حمله ا‪ ،‬وحس ن‬
‫الوضوء‪ ،‬فإنه ال صالة إال بطهور‪ ،‬وال تقبل صالة من مانع زكاة‪ ،‬وأوصيك بغفر الذنب وكظم‬
‫الغيظ‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬واحللم عن اجلاهل‪ ،‬والتفقه يف الدين‪ ،‬والتثبت يف األمر‪ ،‬والتعاهد للقرآن‪،‬‬
‫وحسن اجلوار‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬واجتناب الفواحش ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،646 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪1‬‬

‫ص حيح‪ .‬وابن عب د ال رب‪ ،‬ج امع بي ان العلم وفض له ص ‪ .183‬وك ذلك يف االس تيعاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د‬
‫البج اوي ص ‪ ،1103‬واحلاكم يف املس تدرك ‪ .352 / 2‬بلف ظ آخ ر‪ .‬وابن األث ري يف أس د الغاب ة ‪.32 / 4‬‬
‫وذكره والسيوطي يف تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬
‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.183‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .158 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .328 / 7‬و ابن األثري‪ ،‬الكامل يف‬ ‫‪3‬‬

‫التاريخ ‪.436 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪410‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما ي دل على ح رص أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬على تعليم‬
‫خاصته ومن حوله وصيته لكميل بن زياد‪ ،‬اليت مشلت جوانب كثرية‪ ،‬كبيان أصناف القلوب‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وأصناف الناس‪ ،‬واحلث على العلم وبيان منفعته‪ ،‬وبيان فضل العلماء‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫وكم ا أن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيث على طلب العلم‬
‫أيض ا ح ريص على تعليم ذل ك للخاص ة من أص حابه‪ ،‬وأله ل‬
‫املتض من ملوض وع ال دعوة‪ ،‬فه و ً‬
‫املكان ة بني الن اس يف ال دعوة إىل اهلل‪ ،‬ومن ذل ك حرص ه على تعليم ابن عم ه عبداهلل بن عب اس‬
‫علي بييت فدعا بوضوء‪،‬‬
‫علي ٌّ‬
‫(رضي اهلل عنهما)‪ ،‬فعن ابن عباس (رضي اهلل عنهما) قال‪ :‬دخل َّ‬
‫فجئنا بقعب يأخذ املد أو قريبه‪ ،‬حىت وضع بني يديه‪ ،‬وقد بال‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن عباس ! أال أتوضأ‬
‫لك وضوء رس ول اهلل ص ؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬فداك أيب وأمي‪ .‬قال‪َ :‬ف ُو ِض ع له إناء‪ ،‬فغسل يديه‪ ،‬مث‬
‫مض مض واستنشق واستنثر‪ ،‬مث أخذ بيديه فصك هبما وجهه‪ ،‬وألقم إهبامه ما أقبل من أذنيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬مث عاد يف مثل ذلك ثالثًا‪ ،‬مث أخذ ك ًف ا من ماء بيده اليمىن فأفرغ على ناصيته‪ ،‬مث أرسلها‬
‫تس يل على وجه ه‪ ،‬مث غس ل ي ده اليم ىن إىل املرف ق ثالثً ا‪ ،‬مث ي ده األخ رى مث ل ذل ك‪ ،‬مث مس ح‬
‫برأسه وأذنيه من ظهورمها‪ ،‬مث أخذ بكفيه من املاء فصك هبما على قدميه وفيهما النعل‪ ،‬قلبها‬
‫هبا‪ ،‬مث على الرج ل األخ رى مث ل ذل ك‪ ،‬ق ال‪ :‬فقلت‪:‬ويف النعلني؟ ق ال‪ :‬ويف النعلني‪ .‬قلت‪ :‬ويف‬
‫النعلني؟ قال‪ :‬ويف النعلني‪ .‬قلت‪ :‬ويف النعلني؟ قال‪ :‬ويف النعلني ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وإىل جانب العلم مبوضوع الدعوة فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫علوم ا مساعدة كعلم النحو ؛ ألنه تستقيم به األلسنة وتقوى به‬
‫‪ -‬حيرص على أن يتعلم الدعاة ً‬

‫() انظر نص الوصية يف صفحة ‪.340‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .50 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪411‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫احلج ة‪ ،‬ومما ي دل على حرص ه على ه ذا العلم م ا رواه أب و إس حق الطلحي‪ (( :‬أن علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كان يضرب احلسن واحلسني على اللحن ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومما أنشده املربد يف مدح النحو وبيان أمهيته‪:‬‬


‫والـمرء يعظمه إذا مل يلحن‬ ‫النحو يبسط من لسان األلكن‬
‫(‪)2‬‬
‫فأجلها منها مقيم األلسن‬ ‫فإذا أردت مــن العلوم أج ــلها‬

‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي‪ ،‬وآداب السامع ‪.28 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ب ل أجله ا كت اب اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬والبيت ان أوردمها اخلطيب البغ دادي‪ ،‬اجلامع ألخالق ال راوي وآداب‬ ‫‪2‬‬

‫السامع ‪ .28 / 2‬وقائل هذه األبيات هو إسحاق بن خلف كما يف كتاب الكامل للمربد (حتيق حممد أمحد‬
‫الدايل ) ‪.536 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪412‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬العلم بأحوال المدعوين‬

‫العلم ب أحوال املدعوين من أهم ج وانب العلم ال يت جيب أن ال يغف ل عنه ا الداعي ة إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومىت ما كان العلم بأحوال املدعوين أكثر‪ ،‬استطاع الداعية أن حيدد الوسائل‬
‫واألساليب اليت يتناوهلا مع هذا الصنف من املدعوين‪ ،‬وما حيتاجونه من الدعوة‪ ،‬وبالتايل يتمكن‬
‫من الوصول إىل قلوهبم‪ ،‬وحتقيق اهلدف من دعوهتم‪.‬‬

‫وألمهية هذا اجلانب من العلم للدعاة‪ ،‬فقد بني رسول اهلل ص ملعاذ بن جبل ‪ -‬رضي اهلل‬
‫قوما أهل كتاب ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عنه ‪ -‬حال املدعوين عندما أرسله إىل اليمن بقوله‪ (( :‬إنك ستأيت ً‬

‫وإىل أمهي ة ه ذا العلم بالنس بة للداعي ة يش ري أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬بقول ه‪ (( :‬ح دثوا الن اس مبا يعرف ون‪ ،‬أحتب ون أن يك ذب اهلل ورس وله؟))( )‪ .‬ف إن خماطب ة‬
‫‪2‬‬

‫الناس مبا يعرفون تتطلب معرفة أحواهلم‪ ،‬وما هم عليه من الفهم‪ ،‬وما عندهم من االجتاه‪ ،‬وإن مل‬
‫يكن األمر كذلك فرمبا كان القصور يف معرفة أح وال املدعوين سببًا يف التكذيب مبا جاء عن‬
‫اهلل ورسوله ص ‪.‬‬

‫وإىل أمهية خماطبة املدعوين على قدر عقوهلم أشار بعض أهل العلم‪ ،‬فقد قال ابن مسعود‬
‫قوم ا حديثًا ال تبلغه عقوهلم‪ ،‬إال كان لبعضهم فتنة ))‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬ما أنت مبحدث ً‬
‫()‬ ‫()‬
‫أحدا بشيء من العلم قط مل يبلغه‬
‫‪ .‬وعن هشام بن عروة قال‪ :‬قال يل أيب‪ (( :‬ما حدثت ً‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الزكاة ‪.463 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ذكره البخاري يف صحيحه تعلي ًقا مث ذكر إسناده بعد ذلك‪ ،‬كتاب العلم ‪.62 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬املقمة ‪ .1/11‬وابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.213‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن الزبري بن العوام األسدي‪ ،‬أبو املنذر‪ ،‬وقيل ‪ :‬أبو عبداهلل‪ .‬قال ابن سعد والعجلي ‪ :‬كان ثقة‪ ،‬زاد ابن‬ ‫‪4‬‬

‫ورعا‪ ،‬فاض اًل ‪ ،‬حافظًا‪ .‬ولد سنة ‪61‬‬


‫سعد ‪ :‬ثبتًا كثري احلديث‪ .‬ذكره ابن حبان يف الثقات وقال ‪ :‬كان متقنًا‪ً ،‬‬
‫هـ‪ .‬وتويف سنة ‪ 140‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 45،46 / 11‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪413‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫علمه إال كان ضالاًل عليه ))( )‪ .‬وعن أيب قالبة قال‪ (( :‬ال حتدث حبديث من ال يعرفه‪ ،‬فإن من‬
‫‪1‬‬

‫ال يعرفه يضره وال ينفعه ))( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وإىل أمهية هذا املنهج يف فهم املدعوين واستجابتهم يقول الشافعي (رمحه اهلل)‪ (( :‬لو أن‬
‫حممد بن احلسن كان يكلمنا على قدر عقله ما فهمنا عنه‪ ،‬ولكنه كان يكلمنا على قدر عقولنا‬
‫فنفهمه ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ل ذا ف إن على الداعي ة ع دم احلديث بك ل م ا يع رف لك ل الن اس‪ ،‬ب ل علي ه أن ميس ك عن‬


‫التحديث عن بعض الشيء‪ ،‬أو عن بعض الناس ؛ حىت ال يكون كالمه ذريعة للتقصري والتهاون‬
‫سلما ألهل األهواء والبدع‪ ،‬ومن هو يف شاكلتهم ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫بسبب قصور النظر‪ ،‬أو يكون ً‬

‫وت رك احلديث مبا ال يعرف ه الن اس ليس على إطالق ه‪ ،‬ف إن كث ًريا من أم ور ال دين جيهله ا‬
‫الن اس‪ ،‬فهن ا ال ي رتك الداعي ة تعليمهم خش ية التك ذيب‪ ،‬ب ل يعلمهم برف ق وي دعوهم ب اليت هي‬
‫أحسن( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ل ذا ف إن أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مل يغـ ـ ـــفل يف وص اياه‬
‫ومواعظه عن بيان أحوال املدعوين‪ ،‬ومن ذلك ما رواه إياس بن عامر( ) قال‪ :‬أخذ علي بن أيب‬
‫‪6‬‬

‫() أخرجه ابن عبد الرب‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله ص ‪.213‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مجعه عبد العزيز‪ ،‬الدعوة قواعد وأصول ص ‪.181‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬حممد أبو زهو‪ ،‬احلديث واحملدثون ص ‪.74 - 72‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬الشيخ سليمان بن عبداهلل بن حممد بن عبد الوهاب‪ ،‬تيسري العزيز احلميد ص ‪.578‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الغ افقي مث املن اري املص ري‪ ،‬ق ال ابن ي ونس ‪ :‬ك ان من ش يعة علي والواف دين علي ه من أه ل مص ر‪ .‬ق ال‬ ‫‪6‬‬

‫العجلي‪ :‬ال ب أس ب ه‪ .‬وذك ره ابن حب ان يف الثق ات‪ .‬وص حح ل ه ابن خزمية‪ .‬ومن خ ط ال ذهيب يف تلخيص‬
‫املستدرك ‪ :‬ليس بالقوي‪) .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 340 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪414‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بيدي مث قال‪ (( :‬إن بقيت سيقرأ القرآن ثالثة أصناف‪ :‬صنف هلل‪،‬‬
‫ب به َْأد َر َك))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وصنف للجدال‪ ،‬وصنف للدنيا‪ ،‬ومن طَلَ َ‬

‫اشتملت هذه الوصية من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على بيان‬
‫ثالثة أصناف من املدعوين‪ ،‬وهؤالء ظاهر حاهلم أهنم من املسلمني وممن يقرأ القرآن‪ ،‬وهم على‬
‫النحو التايل‪-:‬‬

‫‪ -1‬من يق رأ الق رآن هلل‪ ،‬وه ؤالء من جنس املهت دين‪ ،‬ال ذين أخلص وا علمهم هلل وقص دوا بتعلم‬
‫القرآن وقراءته وجه اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪ -2‬من يق رأ الق رآن للج دال وه ذا الص نف من علم اء الس وء‪ ،‬ال ذين تعلم وا الق رآن للج دال‬
‫واملراء‪ ،‬وهذا الصنف من الناس قد ورد فيهم الوعيد على لسان‬
‫رسول اهلل ص ملا ورد عن أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رس ول اهلل ص ‪(( :‬من تعلم العلم ليب اهي ب ه العلم اء‪ ،‬و جياري ب ه الس فهاء‪ ،‬ويص رف ب ه‬
‫وجوه الناس إليه‪ ،‬أدخله اهلل جهنم))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫جاه ا‪ ،‬وهذا الصنف من الناس‬


‫‪ -3‬صنف يقرأ القرآن من أجل الدنيا‪ ،‬كأن يبتغي به م ااًل ‪ ،‬أو ً‬
‫أيض ا‪ ،‬ملا رواه أب و هري رة ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل‬
‫ق د ورد فيهم الوعي د ً‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه ‪.434 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه الرتم ذي يف س ننه‪ ،‬كت اب العلم ‪ .32 / 5‬وابن ماج ة يف س ننه‪ ،‬واللف ظ ل ه‪ ،‬املقدم ة ‪.96 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫وصححه األلباين يف صحيح اجلامع ‪ ،272 / 5‬برقم ‪.6034‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪415‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عرض ا من الدنيا‪،‬‬
‫علم ا مما يبتغى به وجه الله‪ ،‬ال يتعلمه إال ليصيب به ً‬
‫ص‪ (( :‬من تعلم ً‬
‫مل جيد َع ْرف اجلنة( ) يوم القيامة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومما ورد من كالم ه يف بي ان أص ناف املدعوين م ا ج اء يف وص يته لكمي ل بن زي اد‪:‬‬


‫(( الناس ثالثة‪ :‬عامل رباين‪ ،‬ومتعلم على سبيل جناة‪ ،‬ومهج رعاع أتباع كل ناعق‪ ،‬مييلون مع‬
‫كل ريح‪ ،‬مل يستضيئوا بنور العلم‪ ،‬ومل يلجأوا إىل ركن وثيق ))‪.‬‬

‫وهذه األصناف الثالثة اليت ذكرها أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪-‬‬
‫لكميل بن زياد هي‪- :‬‬

‫‪ -1‬عامل رباين( )‪ ،‬وهو العامل العامل بعلمه‪ ،‬أو هو العايل الدرجة يف العلم( )‪ ،‬وهذا الصنف من‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫الناس هم الدعاة القائمون بأمر اهلل سبحانه وتعاىل ؛ ألن العمل بالعلم يقتضي من صاحبه‬
‫الدعوة إليه‪.‬‬

‫‪ -2‬عامل على سبيل النجاة‪ ،‬وهذا الصنف من الناس هم من املقتصدين املتعلمني فقط على سبيل‬
‫جناهتم‪ ،‬وهم ممن حيتاج يف دعوهتم إىل حثهم على املزيد من اخلري‪.‬‬

‫‪ -3‬وص نف مهج رع اع‪ ،‬اهلمج هم ال رذال من الن اس‪ ،‬وهم احلمقى اجلهالء من الن اس ال ذين ال‬
‫رأي عن دهم وال نظ ام( )‪ ،‬وس بب ض الهلم أهنم (( مل يستض يئوا بن ور العلم )) ف احنجب‬
‫‪5‬‬

‫() أي رحيها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه اإلم ام أمحد يف املس ند واللف ظ ل ه ‪ .338 / 2‬وأب و داود يف س ننه‪ ،‬كت اب العلم ‪ ،.71 / 4‬وابن‬ ‫‪2‬‬

‫ماجة يف سننه‪ ،‬املقدمة ‪ .93 / 1‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع برقم ‪.6035‬‬
‫() قال النحويون ‪ :‬الربانيي منسوب إىل الرب‪ ،‬وزيدت األلف والنون للمبالغة‪( .‬األنباري‪ ،‬الزاهر ‪.)1/178‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق‪ ،‬املدرك السابق‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،351 / 1‬مادة [مهج]‪ .‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،393 / 2‬مادة [مهج]‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وانظر ‪ :‬األنباري‪ ،‬الزاهر ‪.1/178‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪416‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عنهم احلق‪ ،‬فجعل وا ي تيهون يف متاه ات الباطل‪ ،‬فه ذا الن وع من الن اس مييل ون م ع ال ريح‪،‬‬
‫ويتبعون كل ناعق‪ ،‬دون تفكري والروية‪.‬‬

‫ويبني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه يسلك هذا املنهج مع مكانته يف العلم وضلوعه فيه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫(( وا َب ْر َد َه ا على القلب‪ ،‬ثالث م رات‪ ،‬ق الوا‪ :‬وم ا ذاك ي ا أم ري املؤم نني؟ ق ال أن يس أل الرج ل‬
‫عما ال يعلم‪ ،‬فيقول‪ :‬اهلل أعلم ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫َّ‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه‪ ،‬املقدمة ‪.63 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪417‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬العلم بكيفية الدعوة‬

‫من اإلعداد العلمي الذي كان يهتم به أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬تعليمهم كيفية الدعوة على الوجه الصحيح‪ ،‬ويتمثل ذلك بالنقاط اآلتية‪-:‬‬

‫‪ -2‬التوازن في الدعوة بين الخوف والرجاء‬

‫يوج ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ال دعاة يف خماطب ة الن اس‬
‫ووعظهم إىل التوازن بني اخلوف والرجاء حيث يقول‪ (( :‬الفقيه كل الفقيه من مل يقنط الناس‬
‫من رمحة اهلل‪ ،‬ومل ي رخص هلم يف معاص ي اهلل‪ ،‬ومل ي ؤمنهم من ع ذاب اهلل‪ .) ()) ...‬الرج اء‬
‫‪1‬‬

‫واخلوف جناحان هبما يطري املقربون إىل كل مقام حممود‪ ،‬ومطيتان هبما يقطع من طرق اآلخرة‬
‫ك ل عقب ة ك ؤود ( )‪ .‬ق ال أب و علي الروذب اري‪ :‬اخلوف والرج اء كجن احي الط ائر إذا اس تويا‬
‫‪2‬‬

‫اس توى الط ري‪ ،‬ومت طريان ه‪ ،‬وإذا نقص أح دمها وق ع في ه النقص‪ .‬وإذا ذهب ا ص ار الط ائر يف ح د‬
‫املوت ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫والداعية احلكيم هو الذي تكون دعوته للناس بني هذا وذاك‪ ،‬ولكل من املدعوين حاله‪،‬‬
‫ولك ل ح ال م ا يناس بها من الرج اء واخلوف‪ .‬فمنهم من ه و حباج ة لدعوت ه بالرج اء أك ثر من‬
‫دعوته باخلوف‪ .‬ومنهم من هو حباجة إىل دعوته باخلوف أكثر من دعوته بالرجاء‪.‬‬

‫والدعوة بالرجاء تصلح ألحد رجلني‪ :‬إما رجل قد غلب عليه اليأس حىت ترك العبادة‪ .‬وإما‬
‫رج ل ق د غلب علي ه اخلوف ح ىت ض ر بنفس ه وأهل ه‪ .‬وأم ا العاص ي املغ رور املتم ين على اهلل م ع‬
‫() أخرجه الدارمي يف سننه ‪ .89 / 1‬وأبو نعيم يف احللية ‪ .77 / 1‬وذكره السيوطي يف تاريخ اخللفاء ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .209‬وابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪ .325 / 1‬والذهيب يف تذكرة احلفاظ ‪.13 / 1‬‬
‫() انظر ‪ :‬أمحد بن عبد الرمحن املقدسي خمتصر منهاج القاصدين ص ‪.300‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن القيم‪ ،‬مدارج السالكني ‪.36 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪418‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اإلع راض عن العب ادة‪ ،‬فال ينبغي أن يس تعمل يف حق ه إال اخلوف‪ ،‬والرج اء مع ه يزي ده يف‬
‫اإلعراض واإلمعان يف الغرور ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -3‬الترويح عن المدعوين‬

‫املدعو بَ َشٌر له طاقة حمدودة‪ ،‬والنفوس هلا إقبال وإدبار‪ ،‬لذا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫بعدا عن اإلمالل‪ ،‬وبغية إلقبال‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يوجه الدعاة إىل الرتويح عن املدعوين ً‬
‫القل وب‪ ،‬فيق ول يف ذل ك‪َ (( :‬ر ِّوح وا القل وب‪ ،‬وابتغ وا هلا طُ َرف احلكم ة‪ ،‬فإهنا متل كم ا متل‬
‫األبدان ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وترويح القلوب والبعد عن إمالهلا منهج أصيل من مناهج الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫كما بني ذلك رسول اهلل ص ملا يف حديث عبداهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ (( :‬كان‬
‫رس ول اهلل ص يتخولنا( ) باملوعظ ة يف األي ام كراه ة الس آمة( ) علين ا ))( )‪ .‬وق ال قس امة بن‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫زهير( )‪ (( :‬روحوا القلوب تَ ِع الذكر ))( )‪.‬‬


‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫() انظر ‪ :‬أمحد بن عبد الرمحن املقدسي‪ ،‬خمتصر منهاج القاصدين ص ‪.300‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪.129 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يتخولنا ‪ :‬أي يتعهدنا‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1690 / 4‬مادة [خول] )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() السآمة ‪ :‬امللل‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،1947 / 5‬مادة [سأم] )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرج ه البخاري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كتاب العلم ‪ .42 / 1‬ومسلم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب ص فات املن افقني‬ ‫‪5‬‬

‫وأحكامهم ‪.2172 / 4‬‬


‫() املازين التميمي البصري‪ ،‬روى عن بعض الصحابة‪ .‬قال العجلي ‪ :‬بصري تابعي ثقة‪ .‬وقال ابن سعد ‪ :‬كان‬ ‫‪6‬‬

‫ثقة إن شاء اهلل‪ .‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬تويف يف والية احلجاج على العراق‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.) 338 / 8‬‬
‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪.129 / 2‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪419‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ل ذا ف إن على الداعي ة أن ي روح عن مدعوي ه إذا أحس منهم ملاًل مبا حيس ن عن دهم من‬
‫احلديث‪ ،‬مما ليس في ه إمث علي ه وعليهم‪ ،‬كمس اجلة األش عار‪ ،‬وطرائ ف احلكاي ات واألخب ار‪،‬‬
‫ونوادر احلكم مما يشرح الصدور ويهيئ النفوس وجيدد النشاط‪.‬‬

‫‪ -4‬تعليم الناس بالقول والفعل‬

‫يوجه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الدعاة بأال يقتصروا يف تعليم‬
‫الناس على القول‪ ،‬بل يكونوا هلم قدوة يف أفعاهلم‪ ،‬فيقول يف ذلك‪ (( :‬علموا الناس اخلري بعرب‬
‫ألسنتكم‪ ،‬وكونوا دعاة هلم بفعلكم‪ ،‬والزموا الصدق والورع))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والداعي ة إذا مل يكن داعي ة للن اس بأفعال ه قب ل أقوال ه فدعوت ه عقيم ة‪ ،‬ومواعظ ه من النف ع‬
‫عدمية‪ ،‬فحاله كحال من يصيح يف واد أو ينفخ يف رماد‪ ،‬ولقد جعل اهلل سبحانه وتعاىل رسوله‬
‫حممدا ص خري قدوة للناس‪ ،‬كما يف قوله سبحانه وتعاىل {لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة‬
‫ً‬
‫كثريا }( )‪ .‬فنفعت دعوته أميا نفع‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل ً‬

‫‪ -5‬الخالص بقول‪ :‬اهلل أعلم‬

‫من اجلدير بالذكر أن الداعي لن يكون حميطً ا بكل ما حيتاج إليه املدعوون من العلوم‪،‬‬
‫عما ال يعرفه‪ ،‬ويف هذه احلال يوجه أمري املؤمنني علي‬
‫فهو بالتايل قد يواجه من مدعويه بالسؤال َّ‬
‫بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ال دعاة إىل اخلالص يف ه ذه احلال ة ب اهلرب‪ ،‬إذ يق ول‪ (( :‬إذا‬
‫عما ال تعلموا فاهربوا‪ .‬قالوا‪:‬وكيف اهلرب يا أمري املؤمنني ؟ قال‪ :‬تقولون‪ :‬اهلل أعلم ))‬
‫سئلتم َّ‬
‫( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.210 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه‪ ،‬املقدمة ‪.63 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪420‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -6‬الجد في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬

‫يوج ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ال دعاة إىل اجلدي ة يف األم ر‬
‫ب املعروف والنهي عن املنك ر‪ ،‬كم ا يق ول يف خطاب ه أله ل الكوف ة‪ (( :‬ي ا أه ل الكوف ة ! لت أمرن‬
‫أقواما يعذبونكم فيعذهبم اهلل ))‬
‫باملعروف ولتنهون عن املنكر‪ ،‬ولتجدن يف أمر اهلل‪ ،‬أو ليسومنك ً‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والقيام باألمر باملعروف والنهي عن املنكر من الدعاة سبب لصيانة اجملتمعات من عذاب‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويف هذا املع ىن أخ رج الرتم ذي من حديث حذيفة بن اليمان ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬عن الن يب ص ق ال‪ (( :‬وال ذي نفس ي بي ده لت أمرن ب املعروف‪ ،‬ولتنه ون عن املنك ر‪ ،‬أو‬
‫ليوشكن اهلل أن يبعث عليكم عقابًا منه‪ ،‬مث تدعونه‪ ،‬فال يستجاب لكم ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر حيتاج من الداعية إىل اجلد وبذل اجلهد فيه‪ ،‬وإذا أدرك‬
‫املدعوون من الداعي ة ذل ك‪ ،‬اس تفادوا من دعوت ه ‪ -‬ب إذن اهلل ‪ -‬وحس بوا حس ابه‪ ،‬فهاب ه أه ل‬
‫الباطل ملا عنده من اجلدية يف هذا األمر‪.‬‬

‫جادا يف دعوته تقل فائدته‪ ،‬وال تؤخذ أوامره باحلسبان‪ ،‬وال يأبه أهل الباطل‬
‫ومن مل يكن ً‬
‫بنهيه‪.‬‬

‫() أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .172 / 15‬وأورده السيوطي يف مجع اجلوامع ‪.170 /2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سنن الرتمذي‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬كتاب الفنت ‪ .468 / 4‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬وحسنه األلباين‬ ‫‪2‬‬

‫يف ص حيح س نن الرتم ذي ‪ .233 / 2‬ورواه اإلم ام أمحد ( انظ ر الفتح الرب اين ل رتتيب مس ند اإلم ام أمحد بن‬
‫حنب ل‪ ،‬كت اب األم ر ب املعروف والنهي عن املنك ر‪ ،‬ب اب وجوب ه واحلث علي ه والتش ديد في ه ‪- 172 / 19‬‬
‫‪.) 173‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪421‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رابعا‪ :‬العلم بأحوال الدعاة‬


‫ً‬

‫من األم ور املهم ة يف اإلع داد العلمي لل دعاة تبص ريهم مبا جيب أن يكون وا علي ه من‬
‫األحوال احلميدة اليت تليق مبقامهم يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن ذلك بيان الصفات‬
‫ال يت جيب أن يتص فوا هبا مما ل ه ت أثري كب ري يف أعم اهلم الدعوية‪ ،‬وكذا تبص ريهم ببعض األح وال‬
‫اليت جيب أن جيتنبوها‪ ،‬مما يتعارض مع ما هم فيه من شرف املهنة‪ ،‬ومن توجيهاته يف هذا الشأن‬
‫ما يلي‪- :‬‬

‫(ا) الصفات المحمودة‬

‫ل و تأملن ا وص ية أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬لولدي ه احلس ن‬
‫واحلس ني‪ ،‬لوج دناها تش تمل على مجل ة من الص فات اجلميل ة‪ ،‬واألخالق احلمي دة للن اس عام ة‪،‬‬
‫وللدعاة خاصة ملا فيها من التأثري املباشر على العمل الدعوي‪ ،‬ومما جاء يف وصيته ما يلي‪-:‬‬

‫(( أوص يكما بتق وى الله‪ ،‬وأال تبغي ا ال دنيا وإن بغتكم ا‪ ،‬وال تبكي ا على ش يء زوي عنكم ا‪،‬‬
‫خصما‪ ،‬وللمظلوم‬
‫ً‬ ‫وقوال احلق‪ ،‬وارمحا اليتيم‪ ،‬وأغيثا امللهوف‪ ،‬واصنعا لآلخرة‪ ،‬وكونا للظامل‬
‫ناصرا‪ ،‬واعمال مبا يف الكتاب‪ ،‬وال تأخذكما يف اهلل لومة الئم‪.) ()) ...‬‬
‫‪1‬‬
‫ً‬

‫اش تمل ه ذا اجلزء من الوص ية على ع دة ج وانب ش ديدة األمهي ة يف حي اة الداعي ة إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل وهي‪-:‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .157 / 3‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪ .436 / 2‬واملسعودي يف مروج‬ ‫‪1‬‬

‫الذهب ‪.425 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪422‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -1‬أوص يكما بتق وى اهلل‪ ،‬الوص ية بتق وى اهلل س بحانه وتع اىل فهي خ ري زاد للن اس عام ة‬
‫وللدعاة خاصة { وتزودوا فإن خري الزاد التقوى }( )‪ ،‬فالداعية الذي حيمل هذا الزاد‬
‫‪2‬‬

‫العظيم تنفذ دعوته إىل قلوب الناس‪ .‬وتقوى اهلل سبحانه وتعاىل جتعل الداعية يصرب على‬
‫أعباء الدعوة ومشاقها‪ ،‬وحيتسب ذلك كله عند اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وتقوى اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل جتعل الداعية يدعو الناس بفعله قبل قوله‪ ،‬وتقوى اهلل سبحانه وتعاىل جتعل الداعية‬
‫يضحي بالغايل والنفيس من أجل دعوته‪.‬‬

‫‪ -2‬وأال تبغي ا ال دنيا‪ ،‬الزه د يف ال دنيا‪ ،‬الداعي ة حباج ة إىل تفري غ قلب ه ملواله س بحانه وتع اىل‪،‬‬
‫وإشغاله حببه وطاعته والدعوة إليه‪ .‬أما إذا انصرف قلب اإلنسان للدنيا وحطامها فال جمال‬
‫يف القلب ملا ذك ر ؛ ألن ال دنيا متأل علي ه قلب ه‪ ،‬وتس تحوذ علي ه مهه‪ ،‬فتتش عب مهوم ه يف‬
‫أوديتها‪ ،‬فال يفكر إال فيها‪ ،‬وال يسعى إال هلا‪.‬‬

‫ويؤكد علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عليهما بالبعد عن الدنيا بقوله‪ (( :‬وال تبكيا على شيء‬
‫زوي عنكما )) وهو البعد عن األسف على عدم إدراكه ا‪ ،‬والبع د عن اجلزع من فواهتا‪،‬‬
‫كما تتضمن الوصية بالرضاء مبا كتب اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ومن دقته يف هذه الوصية قوله‪ (( :‬وإن بغتكما )) فإن اإلنسان رمبا يسهل عليه ترك‬
‫الدنيا والزهد فيها يف حال إدبارها عنه‪ ،‬ولكن إذا أقبلت عليه الدنيا طائعة‪ ،‬وانفتح له باب‬
‫الرزق من كل جانب‪ ،‬فهنا تكون املسألة أشد والزهد فيها أصعب‪.‬‬

‫وحب املال من أشد العوائق يف مهمة الداعية‪ ،‬ويف هذا يقول سفيان الثوري‪ (( :‬العلم‬
‫طبيب هذه األمة‪ ،‬واملال داؤها‪ ،‬فإذا كان جير الداء إىل نفسه فكيف يعاجل غريه ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.197‬‬ ‫‪2‬‬

‫() علي حمفوظ‪ ،‬هداية املرشدين ص ‪.98‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪423‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إن أكثر ما يعوق عمل الداعي إىل اهلل سبحانه وتعاىل هو من جنس الدنيا وزينتها‪ ،‬فإذا‬
‫ختلص الداعي املسلم من التعلق بالدنيا‪ ،‬وأفرغ ما يف قلبه من مسومها‪ ،‬وأقبل على اآلخرة‪،‬‬
‫أحس بغربة شديدة يف الدنيا‪ ،‬ولكن مع خفة يف روحه‪ ،‬وإقبال شديد على مراضي ربه‪،‬‬
‫وعلى رأسها الدعوة إليه‪ ،‬وهداية احليارى من عباده‪ ،‬ال يعيقه عن ذلك تعب‪ ،‬وال نصب‪،‬‬
‫وال أمل‪ ،‬وال سفر‪ ،‬وال سهر‪ ،‬وال بذل‪ ،‬وال تضحية ؛ ألن ذلك كله من الزاد املؤكد نفعه‬
‫وفائدته يف سفره الطويل البعيد إىل اآلخرة‪ .‬بل إنه سيجد يف تعبه راحة‪ ،‬ويف أمله لذة‪ ،‬ويف‬
‫عوضا مضمونًا ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫بذله رحبًا‪ ،‬ويف تضحيته ً‬

‫‪ (( -3‬وق وال الح ق‪ ...‬وال تأخ ذكما في اهلل لوم ة الئم )) ه ذا من الواجب ات األساس ية‬
‫للداعية‪ ،‬وعلى ذلك بايع أصحاب رسول اهلل ص‪ ،‬كما يف حديث عبادة بن الصامت ‪-‬‬
‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ (( :‬بايعن ا رس ول اهلل ص على الس مع والطاع ة‪ ،‬يف العس ر واليس ر‪،‬‬
‫واملنش ط واملك ره‪ ،‬وعلى أث رة علين ا‪ ،‬وعلى أال نن ازع األم ر أهل ه‪ ،‬وعلى أن نق ول ب احلق‬
‫أينما كنا‪ ،‬ال خناف يف اهلل لومة الئم ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فال ب د للداعي ة من ق ول احلق واإلعالن ب ه‪ ،‬ولكن رمبا يع وق ه ذا الق ول ع ائق ي رتتب‬


‫علي ه حص ول مض رة أو فوات منفعة على ال داعي نفس ه‪ ،‬وإذا ك ان الداعي ة ممن ال تأخ ذه‬
‫لوم ة الئم فإن ه ‪ -‬ب إذن اهلل ‪ -‬س وف يتج اوز ه ذه العقب ات‪ ،‬وأم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يريد من بنيه أن يكونا كذلك‪ ،‬يقوالن احلق يف موضعه‪ ،‬ولو‬
‫كلفهما قول احلق أي مثن‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬عبد الكرمي زيدان‪ ،‬أصول الدعوة ص ‪.220‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب األحكام ‪ .343 / 4‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلمارة ‪/ 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.1470‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪424‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ (( -4‬وكون ا للظ الم خص ًما‪ ،‬وللمظل وم ناص ًرا )) إن مهم ة ال دعوة إىل اهلل س بحانه وتع اىل‬
‫ليست حمصورة باملواعظ واخلطب‪ ،‬بل تشمل نصرة املظلوم وردع الظامل‪ ،‬وإع ادة احلق إىل‬
‫أهله‪ ،‬وخاصة إذا كان الداعية صاحب سلطة ميكنه التنفيذ‪.‬‬

‫‪ (( -5‬واعمال بكت اب اهلل )) توجي ه من أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫إىل املستند الذي يقوم عليه العمل‪ ،‬والدليل الذي يسري العامل على خطاه‪ ،‬أال وهو كتاب‬
‫اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬وك ذا س نة رس وله ص وق د أم ر باتباعه ا والعم ل هبا يف مواع ظ‬
‫وكلمات أخرى‪.‬‬

‫‪ (( -6‬واص نعا لآلخ رة )) ه ذه ه و اهلدف ال ذي يعم ل الداعي ة ل ه‪ ،‬ابتغ اء رض اء اهلل س بحانه‬


‫وتع اىل‪ ،‬وطلب ثواب ه ال ذي أع ده يف اآلخ رة لعب اده الط ائعني‪ .‬ورس ل اهلل (عليهم الص الة‬
‫والسالم) الذين جاءوا دعاة إىل دينه‪ ،‬ال يرجون من الناس شيًئا‪ ،‬إمنا كانوا يرجون األجر‬
‫من اهلل سبحانه وتعاىل يف الدار اآلخرة‪ ،‬وكانوا يصرحون ألقوامهم هبذا األمر‪ ،‬فقد قال‬
‫ه ود علي ه الس الم { وي ا ق وم ال أس ألكم علي ه أج راً إن أج ري إال على ال ذي فط رين أفال‬
‫تعقلون }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫(ب) الصفات المذمومة‬

‫وكم ا ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ي بني الص فات احملم ودة‬
‫أيض ا ي بني يف املقاب ل مجل ة من‬
‫ال يت ينبغي أن يتص ف هبا ال دعاة إىل اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬فه و ً‬
‫الصفات املذمومة‪ ،‬اليت رمبا تكون عند بعضهم‪ ،‬ليتجنبها الدعاة وحيذروا منها‪.‬‬

‫() سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.51‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪425‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومن هذه الصفات ما ورد يف وصيته لكميل بن زياد‪ ،‬إذ يقول يف وصف بعض املنتسبني‬
‫للعلم فيق ول‪ ...(( :‬يس تعمل آل ة ال دين لل دنيا‪ ،‬يس تظهر بنعم اهلل على عب اده‪ ،‬وحبجج ه على‬
‫كتاب ه‪ ،‬أو منق ًادا أله ل احلق ال بص رية ل ه يف إحيائ ه‪ ،‬ينق دح الش ك يف قلب ه‪ ،‬ب أول ع ارض من‬
‫منهوم ا باملل ذات س لس القي اد للش هوات‪ ،‬أو مغ رى جبم ع األم وال‬
‫ش بهة‪ ،‬ال ذا وال ذاك‪ .‬أو ً‬
‫شبها هبما األنعام السائمة ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫واالدخار‪ ،‬ليسا من دعاة الدين‪ ،‬أقرب ً‬

‫هذه بعض الصفات املذمومة اليت تكون عند بعض الناس املنتسبني للعلم ممن قل ورعهم‬
‫وإخالصهم هلل سبحانه وتعاىل وتتلخص هذه الصفات من توجيه أمري املؤمنني بالنقاط اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬يستعمل ما هو عليه يف الظاهر من الدين والعلم يف مصاحل دنيوية‪.‬‬
‫مغرتا مبا أعطاه اهلل من النعم‪.‬‬
‫‪ -2‬يتصف حبب الظهور واالستعالء على الناس ً‬
‫‪ -3‬ليس عن ده اليقني مبا ه و علي ه من احلق‪ ،‬ب ل س ريع التغ ري والتب دل والـتأثر مبا يع رض ل ه من‬
‫الشبه‪.‬‬
‫منقادا للشهوات‪.‬‬
‫‪ -4‬يكون حمبًا للملذات ً‬
‫‪ -5‬شديد احلب جلمع املال واالدخار‪.‬‬

‫() أخرجه أبو نعيم يف احللية ‪ .80 / 1‬وذكره ابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪ .331 - 330 / 1‬والذهيب يف‬ ‫‪1‬‬

‫تذكرة احلفاظ ‪.12 ،11 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪426‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫منهجه في اإلعداد العملي للداعية‬

‫إن الدروس العلمية‪ ،‬والتوجيهات النظرية وحدها ليست كافية إلعداد جيل من الدعاة ليقوم‬
‫مبهمته على أكمل وجه‪ ،‬لذا فإنه البد من اإلعداد العملي للدعاة‪ ،‬واملقصود من اإلعداد العملي‬
‫لل دعاة يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو اإلجراء العملي الذي‬
‫يقوم به أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وما يتبع ذلك من توجيهات لبعض‬
‫األعمال اليت من شأهنا إفادة الدعاة يف حياهتم العملية‪ ،‬ويتمثل هذا املنهج يف ثالثة جوانب‪-:‬‬

‫‪ -1‬تدريب الدعاة على ممارسة مهمات الدعوة‪.‬‬

‫‪ -2‬احلث على االجتهاد يف العبادة والعمل بالعلم‪.‬‬

‫‪ - 3‬السرية الذاتية الدعوية ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫أواًل ‪ :‬التدريب على مهمات الدعوة‬

‫من أساسيات اإلع داد العلمي للدعاة إىل اهلل‪ ،‬التدريب العـ ـــملي ملزاولة مهمات الدعوة‬
‫بشىت أنواعها املمكنة حتت إش ــراف أساتذة الدعوة املخلـ ــصني العاملني فيها‪.‬‬

‫وعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬هو الداعية املخلص واملعلم اجملرب‪ ،‬الذي خاض‬
‫ميادين الدعوة ومارس أساليبها ووسائلها مع صنوف املدعوين‪ ،‬من املسلمني وغري املسلمني‪،‬‬
‫م ع املس لمني مبا فيهم من املهت دين والعاص ني‪ ،‬وم ع غ ري املس لمني مبا فيهم من أه ل الكت اب‬
‫وغريهم من املشركني واملنافقني‪ .‬فهو املعلم احلكيم للدعاة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن إعداده‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪427‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫العملي للدعاة إتاحة الفرصة هلم ملمارسة املهمات الدعوية حتت إشرافه وتوجيهه‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫يلي‪-:‬‬

‫( ا ) إقامة الحدود‬

‫وردع ا لغريهم‪ ،‬لذا فإن‬


‫من مهام الدعوة يف جمال العصاة إقامة احلدود عليهم‪ ،‬جزاءً هلم ً‬
‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أت اح البن ه احلس ن وابن أخي ه عبداهلل بن‬
‫أربع ا‪،‬‬
‫جعفر إقامة احلد على شارب اخلمر‪ ،‬كما يف قصة الوليد بن عقبة ملا صلى بالناس الصبح ً‬
‫علي للحسن بن‬
‫مث التفت إليهم وقال‪ :‬أزيدكم؟ فرفع ذلك إىل عثمان‪ ،‬فأمر به أن جيلد‪ ،‬فقال ٌّ‬
‫علي‪ :‬قم ي ا حس ن فاجل ده‪ ،‬ق ال‪ :‬وفيم أنت وذاك ؟ فق ال علي‪ :‬ب ل عج زت ووهنت ! قم ي ا‬
‫عبداهلل بن جعفر فاجلده‪ ،‬فقام عبداهلل بن جعفر فجلده‪ ،‬وعلي يعد‪ ،‬فلما بلغ أربعني‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫صدرا‬
‫أمسك مث قال‪ :‬ضرب رسول اهلل ص يف اخلمر أربعني‪ ،‬وضرب أبو بكر أربعني‪ ،‬وعمر ً‬
‫من خالفته‪ ،‬مث أمتها عمر مثانني‪ ،‬وكل سنة ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وإقام ة احلدود على العص اة ليس ت لك ل أح د من ال دعاة‪ ،‬ب ل هي لإلم ام أو من يعين ه‪،‬‬
‫واإلمام يف ذلك الوقت وصاحب الصالحية يف إقامة احلدود هو عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬فرتك إقامة احلد لعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وعلي تركه لبنيه‪ ،‬ومن املالحظ‬
‫يف ه ذا اخلرب أن احلسن بن علي امتنع من إقامة احلد‪ ،‬معلاًل ذلك بقوله يف رواية أخرى (( َو ِّل‬
‫قارها ))( ) ومل يشدد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على‬
‫حارها من توىل َّ‬
‫‪2‬‬
‫َّ‬

‫() أخرجه اإلمام مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب احلدود ‪ .1331 / 3‬واإلمام أمحد يف املسند واللفظ له ( املسند‬ ‫‪1‬‬

‫بتحقيق أمحد شاكر ) ‪ .295 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وكذلك أخرجه اإلمام أمحد‬
‫يف فضائل الصحابة ‪ .668 ،667 / 2‬وابن أيب شيبة يف املصنف ‪.545 / 9‬‬
‫() عند اإلمام مسلم يف صحيحه‪ ،‬يف املوضع املشار إليه‪ .‬واإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬يف املوضع املشار‬ ‫‪2‬‬

‫إليه كذلك‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪428‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ابنه احلسن امتناعه عن التنفيذ ؛ ألن ذلك ليس واجبًا عليه ال يسعه االمتناع منه‪ ،‬بل مل يزد على‬
‫أن قال له‪ (( :‬بل عجزت ووهنت ))‪.‬‬

‫ومما يؤكد حرص علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على تعليم مهام الدعوة لبنيه‪ ،‬ما‬
‫تعليما هلم السنة يف جلد شارب اخلمر حيث قال‪ (( :‬ضرب‬
‫قاله هلم بعد الفراغ من تنفيذ احلد‪ً ،‬‬
‫صدرا من خالفته‪ ،‬مث أمتها عمر‬
‫رسول اهلل ص يف اخلمر أربعني‪ ،‬وضرب أبو بكر أربعني‪ ،‬وعمر ً‬
‫مثانني‪ ،‬وكل سنة ))‪ .‬ويف رواية أنه قال‪(( :‬وهذا أحب إيل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫( ب ) الحوار الدعوي‬

‫ح وار الداعي ة م ع املدعوين من األس اليب املهم ة يف دع وة الن اس‪ ،‬واحلوار فن من فن ون‬
‫الدعوة ال يتقنه كل أحد‪ ،‬بل حيتاج إىل مراس ومران‪ ،‬وقدرة على طرح اآلراء والردود‪ ،‬بشكل‬
‫ميكن الداعية من الوصول إىل هدفه‪.‬‬

‫وأمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يدرك أمهية احلوار‪ ،‬وما له من تأثري‬
‫كبري على املدعوين‪ ،‬فقد جرب احلوار وعرف نتيجته مع اخلوارج وغريهم‪ ،‬لذا فإنه يتيح لبنيه‬
‫فرص ة مس اجلة اآلراء مع ه‪ ،‬ملا يف ذل ك من نف ع هلم يف مهم اهتم الدعوي ة‪ ،‬ويف الرواي ة الس ابقة‬
‫إشارة إىل ما بني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وابنه احلسن من مساجلة اآلراء‪ ،‬وإال ما‬
‫ال ذي جع ل احلس ن يتج رأ على وال ده ويط رح ذل ك ال رأي ؟ إن من مل يتع ود من وال ده تق دير‬
‫قوله‪ ،‬واحرتام رأيه‪ ،‬فإنه ال جيرؤ أن يرد على والده مثل هذا الرد‪ ،‬وال حىت أقل منه‪.‬‬

‫() عند اإلمام مسلم يف صحيحه‪ ،‬فيي املوضع املشار إليه‪ .‬واإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬يف املوضع املشار‬ ‫‪1‬‬

‫إليه كذلك‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪429‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما يؤكد هذا املبدأ عند أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬جتاه بنيه‪ ،‬ما‬
‫جرى بينه وبني احلسن ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من احلوار عندما خرج علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من‬
‫املدينة إىل البصرة‪ ،‬ومما جاء فيه‪-:‬‬

‫غدا مبضيعة ال‬


‫جاء احلسن إىل والده يف مسريه هذا فقال له‪ :‬قد أمرتك فعصيتين‪ ،‬فتقتل ً‬
‫ناصر لك‪.‬‬

‫قال علي‪ :‬إنك ال تزال ختن علي خنني اجلارية( ) ! ما الذي أمرتين فعصيتك ؟‬
‫‪1‬‬

‫قال احلسن‪ :‬أمرتك يوم أحيط بعثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن خترج من املدينة فيقتل ولست هبا‪،‬‬
‫مث أمرتك يوم قتل أال تبايع حىت يأتيك وفود أهل األمصار والعرب وبيعة كل مصر‪ ،‬مث أمرتك‬
‫حني فعل هذان الرجالن ما فعال أن جتلس يف بيتك حىت يصطلحوا‪ ،‬فإن كان الفاسد كان على‬
‫يدي غريك‪ ،‬فعصيتين يف ذلك كله‪.‬‬

‫قال علي‪ :‬أي بين ! أما قولك‪ :‬لو خرجت من املدينة حني أحيط بعثمان‪ ،‬فواهلل! لقد أحيط بنا‬
‫كم ا أحي ط ب ه‪ .‬وأم ا قول ك‪ :‬ال تب ايع ح ىت تأتي ك بيع ة األمص ار‪ ،‬ف إن األم ر أم ر أه ل املدين ة‪،‬‬
‫وكرهنا أن يضيع هذا األمر‪ .‬وأما قولك‪ :‬حني خرج طلحة والزبري‪ ،‬فإن ذلك كان وهنً ا على‬
‫منقوص ا ال أص ل إىل ش يء مما ينبغي‪ .‬وأم ا‬
‫ً‬ ‫ورا م ذ وليت‪،‬‬
‫أه ل اإلس الم‪ ،‬وواهلل ! م ا زلت مقه ً‬
‫قول ك‪ :‬اجلس يف بيت ك‪ ،‬فكي ف يل مبا قد لزم ين ! أو من تري دين ؟ أتري د أن أكون مث ل الضبع‬
‫اب َدب ِ‬
‫اب( ) ! ليس ت هاهن ا‪ ،‬ح ىت حيل عرقوهبا مث خترج‪ ،‬وإذا مل أنظ ر‬ ‫‪2‬‬ ‫ال يت حياط هبا ويق ال‪َ :‬دب ِ‬
‫فيما لزمين من هذا األمر‪ ،‬ويعنيين‪ ،‬فمن ينظر فيه ! فكف عنك أي بين ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() ويف البداية والنهاية ‪ : 235 / 7‬حتن علي حنني اجلارية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كلمة تقال للضبع‪ ( .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،373 / 1‬مادة [دبب] )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪430‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫هذا احلوار بني علي وابنه يتسم بطبيعة احلوار بني األخ وأخيه‪ ،‬ال بني والد وولده‪ ،‬وليس‬
‫شائعا عند العرب ذلك الزمان‪ ،‬وجاء اإلسالم‬
‫فيها شيء من تسامي الوالد على ولده الذي كان ً‬
‫وهذب هذا التسامي ومل يبطله ؛ ملا للوالد من حق على ولده‪ .‬ولكن أمري املؤمنني علي بن أىب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يتنازل عن شيء من هذا احلق‪ ،‬فيما ال ضرر فيه‪ ،‬وإال لكان أحرص‬
‫الناس على ردعه وتقوميه وهو الرجل اجملرب والعامل اخلبري‪.‬‬

‫إضافة إىل ما متيز به هذا احلوار من احلكمة الدعوية اليت تتمثل يف النقاط اآلتية‪-:‬‬
‫‪ -1‬احرتام الرأي يف النقاش من اجلانبني‪.‬‬
‫‪ -2‬لطف املعاملة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لولده‪.‬‬
‫‪ -3‬صراحة الولد مع والده وإبداء كل ما يراه صوابًا يف موضوع النقاش‪.‬‬
‫‪ -4‬حسن االستماع للطرف الثاين‪ ،‬حيث استمع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬من ابنه احلسن مجيع ما عنده من احلجج‪.‬‬
‫تفنيدا علميًا‪.‬‬
‫‪ -5‬تفنيد احلجج واحدة بعد األخرى ً‬

‫( جـ ) البعثات الدعوية‬

‫إن مهم ة ال دعاة إىل اهلل س بحانه تع اىل ال تتح دد يف املك ان ال ذي يقيم ون في ه‪ ،‬ب ل رمبا‬
‫ل زمهم تنفي ذ بعض امله ام الدعوي ة يف أم اكن أخ رى‪ ،‬كتبلي غ الن اس‪ ،‬أو إزال ة األص نام‪ ،‬أو ردع‬
‫األع داء‪ ،‬أو رد املظ امل‪ ...‬وحنو ذل ك‪ ،‬فهن ا يك ون الب د من البعث ات ال يت ينف ذها قائ د ال دعوة‬
‫بنفسه أو من ينيبه‪ ،‬كما بعث رسول اهلل ص الكثري من أصحابه هبذه املهام‪ ،‬ومنهم أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الذي بعثه لتسوية القبور وطمس التماثيل‪ ،‬وعلي بن أيب‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .11 ،10 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .235 ،234 / 7‬وابن قتيبة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫اإلمامة والسياسة ‪ .49 / 1‬وأخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف بنحوه ‪.100 ،99 / 15‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪431‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ب دوره يبعث من حول ه لتنفي ذ املهم ة‪ ،‬كم ا يف ح ديث أيب اهلي اج‬
‫األسدي قال‪ :‬قال يل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( : -‬أال أبعثك على ما بعثين عليه‬
‫قربا مشرفًا إال سويته))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬أن ال تدع متثااًل إال طمسته‪ ،‬وال ً‬

‫بعث علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أبا اهلياج األسدي يف مهمة جرهبا هو وقام‬
‫بتنفي ذها بتكلي ف من رس ول اهلل ص‪ ،‬وحيدد يف ه ذه املهم ة األعم ال املطل وب تنفي ذها من‬
‫قربا مشرفًا إال سويته ))‪.‬‬
‫الداعية‪ (( :‬أن ال تدع متثااًل إال طمسته‪ ،‬وال ً‬

‫طمس الصور والتماثيل لئال تعبد من دون اهلل‪ ،‬وتسوية القبور‪ ،‬ملا فيها من أسباب الفتنة‬
‫هبا‪ ،‬والتعظيم هلا‪ ،‬والذي بدوره يؤدي إىل عبادهتا من دون اهلل‪.‬‬

‫( د ) حماية قادة الدعوة‬

‫رج ال ال دعوة وقادهتا مس تهدفون من قِبَ ل أع داء ه ذا ال دين‪ ،‬وال أدل على ذل ك من أن‬
‫ثالثة من اخللفاء الراشدين قتلوا على أيدي احلاقدين على هذا الدين‪ ،‬لذا فإنه من مهمات الدعاة‬
‫إىل اهلل أخذ احليطة واحلذر من كيد األعداء‪ ،‬والتضحية يف سبيل محاية قادة الدعوة ورجاالهتا‪،‬‬
‫كما هي حال صحابة رسول اهلل ص الذين كانوا يضحون بأنفسهم يف سبيل محاية رسول اهلل‬
‫ص ومنهم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫ولقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يدرك أمهية هذا اجلانب يف‬
‫الدعوة إىل اهلل‪ ،‬لذا فإنه يُ َع ِّود بنيه على هذه التضحية والفداء‪ ،‬وذلك ملا حصر اخلليفة عثمان بن‬
‫عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أرسل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ابنيه احلسن واحلسني مع‬
‫حياجون عن ه‪،‬‬
‫بعض أبن اء الص حابة إىل عثم ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وه و حمص ور يف ال دار ُّ‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪.666 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪432‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويناضلون دونه أن يصل إليه أحد من أولئك الثوار الذين أرادوا قتله‪ ،‬ولكن عثمان ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬أعف اهم من ال دفاع عن ه‪ ،‬فق ال‪ :‬أقس م على من يل علي ه ح ق أن يك ف ي ده وينطل ق إىل‬
‫منزله( )‪ .‬وملا انقضى األمر وقتل عثمان ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬قال علي لبنيه‪ (( :‬كيف قتل أمري‬ ‫‪1‬‬

‫املؤم نني وأنتم ا على الب اب؟)) فرف ع ي ده ولطم احلس ن‪ ،‬وض رب ص در احلس ني ( )‪ .‬ظنً ا أهنم ا‬
‫‪2‬‬

‫قصرا يف الدفاع عن أمري املؤمنني عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫( هـ ) القضاء‬

‫القض اء مبا في ه من بي ان لألحك ام الش رعية للن اس‪ ،‬ونص ح هلم وت وجيههم مبا يتعل ق‬
‫باخلصومات اليت يتناوله القاضي‪ ،‬هو من هذا اجلانب من مهام‬
‫الدعوة إىل اهلل‪.‬‬

‫ويف جمال تعويد أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من حوله على هذه‬
‫املهام روى إمساعيل عن عامر قال‪ :‬جاءت امرأة إىل علي ختاصم زوجها يف طالقها‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫قد حضت يف شهر ثالث حيض‪ .‬فقال علي لشريح( )‪ :‬اقض بينهما‪ .‬قال‪ :‬يا أمري املؤمنني وأنت‬
‫‪3‬‬

‫ههن ا ؟! ق ال‪ :‬اقض بينهم ا‪ .‬ق ال‪ :‬ي ا أم ري املؤم نني وأنت ههن ا ؟! ق ال‪ :‬اقض بينهم ا‪ .‬فق ال‪ :‬إن‬
‫جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته تزعم أهنا حاضت ثالث حيض تطهر عند كل‬
‫ٍ‬
‫قرء وتصلي‪ ،‬جاز هلا‪ ،‬وإال فال‪ .‬فقال علي‪ ( :‬قالون ) و قالون بلسان الروم أحسنت ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.181 ،176 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أمحد بن حجر اهليتمي‪ ،‬الصواعق احملرقة ص ‪.182‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن احلارث بن قيس بن اجلهم الك ويف القاض ي‪ ،‬وقي ل ش ريح بن ش رحبيل‪ ،‬وقي ل ‪ :‬ابن ش راحيل‪ .‬ق ال ابن‬ ‫‪3‬‬

‫معني ‪ :‬كان يف زمن النيب ص ومل يسمع منه‪ ،‬استقضاه عمر على الكوفة‪ ،‬وأقره علي‪ ،‬وأقام على القضاء هبا‬
‫ستني سنة‪ ،‬وقضى بالبصرة سنة‪ .‬قال ابن سعد ‪ :‬كان ثقة‪ .‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪.‬قال أبو نعيم ‪ :‬مات‬
‫سنة ‪ ،78‬وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 287،288 / 4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪433‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لقد كلف أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬شرحيًا يف القضاء يف هذه‬
‫ٍ‬
‫صواب علمه ووجهه‪ ،‬ولكن جاء حكم‬ ‫املسألة لينظر كيف يكون حكمه فيها‪ ،‬فإن كان غري‬
‫شريح فيها مواف ًقا ملا يراه علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فأثىن عليه لذلك‪.‬‬

‫ويف موقف آخر مع شريح يف مسألة من مسائل املواريث‪ ،‬أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ُ -‬أيِت َ يف ابين عم أحدمها زوج‪ ،‬واآلخر أخ ألم‪ ،‬فقال لشريح‪ :‬قل فيها‪ .‬فقال شريح‪:‬‬
‫لل زوج النص ف‪ ،‬وم ا بقي فلألخ‪ ،‬فق ال علي‪ :‬رأي‪ ،‬ق ال ك ذلك رأيت‪ ،‬ف أعطى علي ال زوج‬
‫النصف‪ ،‬واألخ السدس‪ ،‬وجعل ما بقي بينهما))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يف ه ذا اخلرب جند أن رأي علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬خيالف رأي ش ريح يف‬
‫حكم ه يف املس ألة‪ ،‬ويتض ح من رد علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬اح رتام رأي ش ريح‪،‬‬
‫وبيان الصواب يف املسألة‪.‬‬

‫( و ) الخطابة‬

‫ومن املهم ات الدعوي ة ال يت حيرص أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫على الت دريب عليه ا اخلطاب ة ومواجه ة اجلمه ور‪ ،‬ومن ذل ك تدريب ه البن ه احلس ن‪ ،‬فق د ق ال ل ه‬
‫يوم ا‪ :‬ي ا ب ين ! أال ختطب ح ىت أمسعك ؟ فق ال‪ :‬إين أس تحي أن أخطب وأن ا أراك‪ ،‬ف ذهب علي‬
‫ً‬
‫حيث ال يراه احلسن‪ ،‬مث قام احلسن يف الناس خطيبً ا‪ ،‬وعلي يسمع‪ ،‬فأدى خطبة بليغة فصيحة‪،‬‬
‫فلما انصرف جعل علي يقول‪ :‬ذرية بعضها من بعض واهلل مسيع عليم( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() أخرج ه ال دارمي يف س ننه‪ ،‬كت اب الطه ارة ‪ .213 ،212 / 1‬وانظ ر ‪ :‬ابن قدام ة يف املغ ين ‪.310 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫وحممد رواس قلعه جي‪ ،‬موسوعة فقه علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪.238‬‬
‫() أخرجه البيهقي يف السنن الكربى ‪ 239 / 6‬عن طريق شعبة‪ .‬وسعيد بن منصور يف السنن ‪ 63 / 1‬من‬ ‫‪1‬‬

‫طريق هشام بن أوس‪ .‬وابن أيب شيبة يف املصنف ‪ ،252 ،251 / 11‬واللفظ له‪.‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.37 / 8‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪434‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫والتدريب على اخلطابة منهج سلكه رسول اهلل ص من قبل‪ ،‬ملا ورد عن أيب الدرداء قال‪:‬‬
‫خطب رسول اهلل ص خطبة خفيفة‪ ،‬فلما فرغ من خطبته قال‪ (( :‬يا أبا بكر ! قم فاخطب ))‬
‫ص ر دون رسول اهلل ص‪ ،‬فلما فرغ من خطبته‪ ،‬قال‪((:‬يا عمر ! قم فاخطب )) فقصر دون‬
‫َف َق َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َّق‬
‫رسول اهلل ص ودون أيب بكر‪ ،‬فلما فرغ من خطبته‪ ،‬قال‪(( :‬يا فالن ! قم فاخطب )) فَ َش ق َ‬
‫الق ول‪ ،‬فق ال ل ه رس ول اهلل ص‪(( :‬اس كت ‪ -‬أو اجلس‪ -‬ف إن التش قيق من الش يطان‪ ،‬وإن من‬
‫لسحرا ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫البيان ً‬

‫فاخلطابة من األساليب اهلامة يف الدعوة‪ ،‬اليت ال يستغين عنها الداعية‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫هي من األس اليب الص عبة على الداعي ة‪ ،‬ول ذا فه و حباج ة إىل ت دريب عملي على مواجه ة‬
‫اجلمهور‪ ،‬حىت يتمكن بعد ذلك من االستفادة من هذا األسلوب يف موعظة الناس‪ ،‬وحثهم على‬
‫اخلري‪ ،‬وحتذيرهم من الشر‪.‬‬

‫() تطلب فيه لبخرجه أحسن خمرج‪( .‬ابن األثري‪ ،‬النهاية ‪.)492/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اهليثمي‪ ،‬جممع الزوائد ‪ ،290 / 9‬وقال ‪ :‬رواه الطرباين ورجاله ثقات‪ ،‬إال أن عبيد اهلل بن عثمان بن خثيم‬ ‫‪2‬‬

‫مل يسمع من أيب الدرداء‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬وانظر ‪ :‬مفيد خالد عيد‪ ،‬العالقة بني الفقه والدعوة ص‪.116-114‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪435‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحث على االجتهاد في العبادة والعمل بالعلم‬

‫احلث على العب ادة خاص ة ص الة اللي ل على ج انب كب ري من األمهي ة يف اإلع داد العملي‬
‫(‪)1‬‬
‫للداعي ة‪ ،‬وهلذا فق د أوجب اهلل س بحانه وتع اىل على نبي ه حمم د ص ومن مع ه من املس لمني‬
‫األوائل قيام الليل بقوله سبحانه وتعاىل { يا أيها املزمل ‪ .‬قم الليل إال قلياًل ‪ .‬نصفه أو انقص منه‬
‫قلياًل ‪ .‬أو زد عليه ورتل القرآن ترتياًل ‪ .‬إنا سنلقي عليك قواًل ثقياًل }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إن قي ام اللي ل والن اس ني ام‪ ،‬واالنقط اع عن غبش احلي اة اليومي ة وسفاس فها‪ ،‬واالتص ال باهلل‪،‬‬
‫وتلقي فيضه ونوره‪ ،‬واألنس باخللوة إليه‪ ،‬وترتيل القرآن يف ظالم الليل والكون ساكن‪ ،‬وتدبر‬
‫آياته‪ ،‬واالتعاظ بعظاته‪..‬إن هذا كله من الزاد النافع للداعية الحتمال مهام الدعوة ومسؤولياهتا‪،‬‬
‫وهو الذي ينري القلب يف الطريق الطويل الشاق‪ ،‬ويعصمه من وسوسة الشيطان‪ ،‬ومن التيه يف‬
‫الظلمات احلافة هبذا الطريق املنري( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫لقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مدر ًكا ألمهية هذا الزاد‪ ،‬وهو‬
‫الذي عاش مع رسول اهلل ص هذه الفرتة من اإلعداد بقيام الليل‪ ،‬فكان رضي اهلل عنه حيرص‬
‫على حث أصحابه عليه‪ ،‬كما يف قوله‪:‬‬
‫(( كونوا مصابيح الليل))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فرض ا على النيب ص وحده‪ ،‬أو عليه وعلى من كان قبله من‬
‫() قال القرطيب ‪ :‬اختلف يف وجوبه ‪ :‬هل كان ً‬
‫‪1‬‬

‫األنبياء‪ ،‬أو عليه وعلى أمته ؟ ثالثة أقول ‪ :‬األول قول سعيد بن جبري‪ ،‬لتوجه اخلطاب إليه خاصة‪ .‬والثاين قول‬
‫ابن عباس‪ ،‬قال ‪ :‬كان قيام الليل فريضة على النيب ص وعلى األنبياء قبله‪ .‬والثالث قول عائشة وابن عباس‬
‫أيضا وهو الصحيح كما يف صحيح مسلم‪ ( .‬اجلامع ألحكام القرآن ‪.) 24 / 19‬‬ ‫ً‬
‫() سورة املزمل اآليات ‪.5 -1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سيد قطب‪ ،‬يف ظالل القرآن ( بتصرف ) ‪.3745 / 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪.77 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪436‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ولق د ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يس تنكر على أص حابه‬
‫الغفل ة عن قي ام اللي ل‪ ،‬فعن أيب أراك ة ق ال‪ :‬ص ليت م ع علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫صالة الفجر ‪ ،‬فلما سلم انفتل عن ميينه‪ ،‬مث مكث كأن عليه الكآبة‪ ،‬حىت إذا كانت الشمس‬
‫على حائط املسجد قيد رمح‪ ،‬قال وقلب يده‪(( :‬لقد رأيت أصحاب رسول اهلل ص فما أرى‬
‫غربا بني أعينهم أمثال ركب املعزى‪ ،‬قد‬
‫صفرا ً‬
‫اليوم شيًئا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون شعثًا ً‬
‫وقياما‪ ،‬يتلون كتاب اهلل يراوحون بني جباههم وأقدامهم‪ ،‬فإذا أصبحوا فذكروا‬
‫سجدا ً‬‫باتوا هلل ً‬
‫اهلل مادوا كما متيد الشجرة يف يوم الريح‪ ،‬ومهلت أعينهم حىت تبل ثياهبم‪ ،‬واهلل لكأن القوم باتوا‬
‫غافلني )) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأم ا يف احلث على العم ل ب العلم فإن ه ك ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ال يك اد يغف ل عن ه يف‬
‫نص ائحه وتوجيهات ه‪ ،‬الفردي ة واجلماعي ة‪ ،‬ومن ذل ك قول ه خماطبً ا محل ة العلم‪(( :‬ي ا محل ة العلم !‬
‫اعمل وا به‪ ،‬فإمنا الع امل من عم ل مبا علم‪ ،‬وواف ق علم ه عمل ه‪ ،‬وس يكون أق وام حيمل ون العلم ال‬
‫علمهم‪ ،‬جيلس ون حل ًق ا‪ ،‬فيب اهى‬
‫جياوز ت راقيهم‪ ،‬ختالف س ريرهُت م عالنيتَهم‪ ،‬وخيالف عملُهم َ‬
‫بعض ا‪ ،‬ح ىت إن أح دهم ليغض ب على جليس ه حني جيلس إىل غ ريه ويدع ه‪،‬أولئك ال‬
‫بعض هم ً‬
‫تصعد أعماهلم يف جمالسهم تلك إىل اهلل عز وجل))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫حيذر أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من هذا الصنف من الناس الذي‬
‫علما مل يعملوا به‪ ،‬وهم قوم‬
‫ينتصب للتعليم ؛ ألهنم أناس فقدوا النية الصاحلة يف التعليم‪ ،‬ومحلوا ً‬
‫خالفت سريرهُت م عالنيتَهم‪ ،‬وما ذاك إال أهنم قل خوفهم من اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن سيماهم‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.332 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه ال دارمي يف س ننه‪ ،‬املقدم ة ‪ .106 / 1‬والبغ دادي‪ ،‬اجلامع ألخالق ال راوي وآداب الس امع ‪/ 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .90‬وذكره ابن مجاعة‪ ،‬تذكرة السامع واملتكلم يف آداب العامل واملتعلم ص ‪.16‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪437‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أن الرج ل منهم يغض ب على جليس ه إذا جلس إىل غ ريه‪ ،‬فه و كال داعي إىل نفس ه ال إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫والعامل الذي ال يعمل بعلمه ال ينتفع الناس من دعوته‪ ،‬ويف ذلك يقول مالك بن دينار‪:‬‬
‫(( إن العامل إذا مل يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() علي حمفوظ‪ ،‬هداية املرشدين ص ‪.90‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪438‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬السيرة الذاتية الدعوية‬

‫إن السرية الدعوية ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬خري مصدر لتلقي‬
‫من حوله الدروس العملية يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫وعلي ابن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬ه و تلميذ رس ول اهلل ص الذي ترىب بني يديه‪ ،‬وتعلم‬
‫منه دروس الدعوة على اختالف مراحلها‪ ،‬وتنوع أساليبها ووسائلها‪.‬‬

‫وس رية أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل اهلل س بحانه‬
‫وتعاىل غنية بالدروس العملية‪ ،‬اليت يشاهدها من حوله‪ ،‬فريون بأبصارهم‪ ،‬ويسمعون بآذاهنم‪،‬‬
‫ويدركون بعقوهلم كيفية هذه ال دعوة ونتائجها‪ ،‬فتك ون هلم املصباح املنري الذي يض يء درب‬
‫سريهم يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬واملواقف الدعوية ذات الدروس العملية للدعاة كثرية‬
‫يف حي اة أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬ولعلن ا نكتفي منه ا مبا ي دل ع ل‬
‫بقيتها يف النقاط اآلتية‪-:‬‬

‫الموقف األول‪ :‬المبادرة في الدعوة والجد في التنفيذ‬

‫متث ل مواق ف علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬الدعوي ة يف عه د رس ول اهلل ص‬


‫شخصية اجلندي املخلص للدعوة‪ ،‬الذي ينتهز الفرص املتاحة له يف تنفيذها‪ ،‬ويبذل غاية جهده‬
‫يف حتقيق أهدافها‪ ،‬ومنها ما يرويه علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬بنفسه حيث يقول‪:‬‬
‫كان رسول اهلل ص يف جنازة قال‪ (( :‬أيكم ينطلق إىل املدينة فال يدع هبا وثنً ا إال كسره‪ ،‬وال‬
‫قرب ا إال سواه‪ ،‬وال صورة إال لطخها ؟ فقال رجل‪ :‬أنا يا رسول اهلل‪ ،‬فانطلق فهاب أهل املدينة‪،‬‬
‫ً‬
‫علي‪ :‬أنا أنطلق يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فانطلق‪ ،‬فانطلق مث رجع‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل !‬
‫فرجع‪ ،‬قال ٌّ‬
‫قربا إال سويته‪ ،‬وال صورة إال لطختها‪ ،‬مث قال رسول اهلل ص‪:‬‬
‫مل أدع هبا وثنً ا إال كسرته‪ ،‬وال ً‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪439‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫من ع اد لص نعة ش يء من ه ذا فق د كف ر مبا أن زل على حمم د ص‪ ،‬مث ق ال‪ :‬ال تك ونن فتانً ا وال‬
‫تاجرا إال تاجر خري‪ ،‬فإن أولئك هم املسبوقون بالعمل))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫خمتااًل ‪ ،‬وال ً‬

‫درس ا بليغً ا يف املبادرة بتنفيذ أمر القادة‪ ،‬واجلد يف تنفيذ ما أوكل‬


‫فهنا جيد الدعاة إىل اهلل ً‬
‫إليهم من مهمات دعوية‪ ،‬ال يردعهم عنها رهبة املعوقني‪ ،‬و ال ختذيل املثبطني‪ ،‬ويؤكد علي بن‬
‫قربا إال سويته‪،‬‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ما فعله بقوله‪ ((:‬مل أدع هبا وثنً ا إال كسرته‪ ،‬وال ً‬
‫وال صورة إال لطختها))‪.‬‬

‫الموقف الثاني‪ :‬انتهاز الفرص في تلقين الدروس‬

‫ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ش ديد احلرص على انته از‬
‫دروس ا يف مناسباهتا‪ ،‬لتكون أبلغ يف النفوس‪ ،‬وأثبت‬
‫الفرص اليت تكون مناسبة لتلقني املدعوين ً‬
‫يف القلوب‪.‬‬

‫ومما يدل على هذا املوقف ما حصل من أمر ذلك املنجم الذي لقيه علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬عندما خرج إىل قتال اخلوارج‪ ،‬ففي طريقه لقيه املنجم فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني !‬
‫ال تسافر ؛ فإن القمر يف العقرب ؛ فإنك إن سافرت والقمر يف العقرب هزم أصحابك ـ أو كما‬
‫قال ـ فقال علي‪ :‬بل أسافر ثقة باهلل‪ ،‬وتوكاًل على اهلل‪ ،‬وتكذيبًا لك‪ .‬فسافر فبورك له يف ذلك‬
‫(‪)2‬‬
‫السفر فقاتل عامة اخلوارج‪.‬‬

‫درس ا عمليً ا يف العقيدة‪ ،‬خالف املنجم يف قوله‪ ،‬فلما فرغ‬


‫ويف هذا أراد أن يلقن أصحابه ً‬
‫من قت ال اخلوارج ونص ره اهلل عليهم‪ ،‬مل ينس تل ك املقول ة ال يت قاهلا ل ه املنجم‪ ،‬ف أراد أن يؤك د‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،68 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوي ‪ .179 / 35‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.288 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪440‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ألصحابه خطأ املنجم يف قوله واعتقاده فقال‪ (( :‬إمنا أردت أن أبني خطأه‪ ،‬وخشيت أن يقول‬
‫جاهل‪ ،‬إمنا ظفر لكونه وافقه ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الموقف الثالث‪ :‬الدعوة بالقول والعمل‬

‫من حرص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على صالح مدعويه فإنه‬
‫ال يكتفي بالتوجيه ات النظري ة هلم‪ ،‬ب ل يض يف إليه ا التوض يحات العملي ة‪ ،‬ومن ذل ك تعليمهم‬
‫كيفية الوضوء كما يف حديث عبد خري قال‪ :‬جلس علي بعد ما صلى الفجر يف الرحبة‪ ،‬مث قال‬
‫لغالمه‪ :‬ايتين بطهور‪ ،‬فأتاه الغالم بإناء فيه ماء وطست‪ ،‬قال عبد خري‪ :‬وحنن جلوس ننظر إليه‪،‬‬
‫فأخذ بيمينه اإلناء فأكفأ على يده اليسرى‪ ،‬مث غسل كفيه‪ ،‬مث أخذ بيده اليمىن اإلناء فأفرغ على‬
‫يده اليسرى‪ ،‬مث غسل كفيه‪ ،‬فعله ثالث مرار‪ ،‬قال عبد خري‪ :‬كل ذلك ال يدخل يده يف اإلناء‬
‫حىت يغسلها ثالث مرات‪ ،‬مث أدخل يده يف اإلناء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى‪ ،‬مث فعل‬
‫ذلك ثالث مرات‪ ،‬مث أدخل يده اليمىن يف اإلناء فغسل وجهه ثالث مرات ‪ ،‬مث غسل يده اليمىن‬
‫ثالث م رات إىل املرف ق‪ ،‬مث غس ل ي ده اليسرى ثالث م رات إىل املرف ق‪ ،‬مث أدخ ل ي ده اليم ىن يف‬
‫اإلن اء ح ىت غمره ا املاء‪ ،‬مث رفعه ا مبا محلت من املاء‪ ،‬مث مس حها بي ده اليس رى‪ ،‬مث مس ح رأس ه‬
‫بيديه كلتيهما مرة‪ ،‬مث صب بيده اليمىن ثالث مرات على قدمه اليمىن‪ ،‬مث غسلها بيده اليسرى‪،‬‬
‫مث ص ب بي ده اليم ىن على قدم ه اليس رى‪ ،‬مث غس لها بي ده اليس رى ثالث م رات‪ ،‬مث أدخ ل ي ده‬
‫اليمىن فغرف بكفه فشرب‪ ،‬مث قال‪ :‬هذا طهور نيب اهلل ص‪ ،‬فمن أحب أن ينظر إىل طهور نيب‬
‫اهلل ص فهذا طهوره ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.288 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .261 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪441‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫منهجه في معالجة أخطاء الدعاة‬

‫أواًل ‪ :‬نماذج من معالجة أمير المؤمنين ألخطاء الدعاة‬

‫ال دعاة إىل اهلل هلم مكان ة خاص ة يف اجملتم ع املس لم‪ ،‬فهم ورث ة األنبي اء يف وظيفتهم‪ ،‬وهم‬
‫الذين يدلون الناس على طريق فالحهم ورشادهم يف دنياهم وأخراهم‪ ،‬ومما يدل على مكانتهم‬
‫وعلو قدرهم قوله سبحانه وتعاىل { ومن أحسن قواًل ممن دعا إىل الله وعمل صاحلًا وقال إنين‬
‫من املسلمني }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وال دعاة إىل اهلل س بحانه وتع اىل جيوز عليهم اخلط أ كم ا جيوز على غ ريهم من البش ر‪،‬‬
‫ولكنهم ليسوا ممن يتعمد اخلطأ أو يصر عليه عندما يتبني له الصواب‪ ،‬فهذا سيد الدعاة حممد‬
‫ص يق ول خماطبً ا صحابته رض وان اهلل عليهم فيم ا رواه ابن مسعود ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ (( :-‬إمنا‬
‫أنا بشر مثلكم‪ ،‬أنسى كما تنسون‪ ،‬فإذا نسيت فذكروين))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وتوجيه الدعاة ومعاجلة أخطائهم حيتاج إىل أسلوب خاص‪ ،‬وال يتأتى ذلك ألي إنسان‪،‬‬
‫بل لصاحب العلم‪ ،‬الواثق من نفسه‪ ،‬البصري بالعواقب‪ ،‬املستند إىل الدليل من كتاب اهلل وسنة‬
‫رس وله حمم د ( ص لى اهلل علي ه وس لم) ‪ .‬ل ذا فإنن ا جند يف منهج علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫حكيما يف معاجلة أخطاء الدعاة‪ ،‬يتبني من النماذج اآلتية‪-:‬‬
‫ً‬ ‫منهجا‬
‫عنه ‪ً -‬‬

‫() سورة فصلت‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب الص الة ‪ .148 / 1‬ومس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب املس اجد‬ ‫‪2‬‬

‫ومواضع الصالة ‪.400 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪442‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -1‬مع عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫أم ري املؤم نني عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع عل وه ومكان ة ق دره وض لوعه يف‬
‫العلم‪ ،‬ودقت ه يف الفهم‪ ،‬وذكائه وفطنته‪ ،‬جند أن علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬يعرتض‬
‫عليه يف بعض املسائل‪ ،‬كما يف مسألة املرأة اجملنونة اليت أمر عمر برمجها‪ ،‬ويف املرأة اليت وضعت‬
‫لستة أشهر‪ ،‬كما يف األخباراآلتية‪- :‬‬

‫أخرج اإلمام أمحد بسنده عن أيب ظبيان اجلنيب( )‪ :‬أن عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪1‬‬

‫ُأيت ب امرأة ق د زنت ف أمر برمجه ا‪ ،‬ف ذهبوا هبا لريمجوه ا‪ ،‬فلقيهم علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬فق ال‪ :‬م ا ه ذه ؟ ق الوا‪ :‬زنت‪ ،‬ف أمر عم ر برمجه ا‪ .‬فانتزعه ا علي من أي ديهم وردهم‪.‬‬
‫فرجعوا إىل عمر‪ ،‬فقال ماردكم ؟ قالوا ردنا علي‪ .‬قال‪ :‬ما فعل هذا علي إال لشيء قد علمه‪،‬‬
‫فأرسل إىل علي فجاء وهو شبه املغضب‪ ،‬فقال‪ :‬مالك رددت هؤالء ؟ قال‪ :‬أما مسعت النيب ص‬
‫يق ول‪ (( :‬رف ع القلم عن ثالث ة‪ :‬عن الن ائم ح ىت يس تيقظ‪ ،‬وعن الص غري ح ىت يك رب‪ ،‬وعن املبتلى‬
‫حىت يعقل ؟ ))‪ .‬قال‪ :‬بلى‪ .‬قال علي‪ :‬هذه مبتالة بين فالن فلعله أتاها وهو هبا‪ .‬فقال عمر‪ :‬ال‬
‫أدري‪ ،‬قال‪ :‬وأنا ال أدري‪ ،‬فلم يرمجها ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() وعند أيب داود يف إحدى رواياته يف كتاب احلدود ‪ :‬عن أيب ظبيان عن ابن عباس‪ .‬وأبو ظبيان هو حصني‬ ‫‪1‬‬

‫بن جندب بن احلارث بن وحشي بن مالك اجلنيب‪ ،‬أبو ظبيان الكويف‪ ،‬روى عن عدد من الصحابة‪ .‬قال ابن‬
‫معني والعجلي وأبو زرع ة والنس ائي وال دارقطين ‪ :‬ثق ة‪ .‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬وق ال ابن سعد ‪ :‬كان‬
‫ثق ة‪ ،‬ول ه أح اديث‪ .‬ق ال ابن أيب عاص م ‪ :‬م ات س نة ‪ 89‬هـ‪ ،‬وقي ل غ ري ذل ك‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن حج ر‪ ،‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.) 327 / 2‬‬
‫() املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .335 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وكذلك أخرجه اإلمام أمحد يف‬ ‫‪2‬‬

‫فضائل الصحابة ‪ ،707 / 2‬وقال احملقق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه أبو داود يف‬
‫س ننه كت اب احلدود ‪ .560 - 558 / 4‬وأورده احملب الط ربي يف الري اض النض رة يف من اقب العش رة ‪/ 3‬‬
‫‪ .164‬وأخرجه سعيد بن منصور يف سننه بنحوه‪ ،‬حتقيق حبيب الرمحن األعظمي ‪.68 ،67 /2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪443‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ويف رواية أليب داود‪ (( :‬فجعل عمر يكرب )) وهذا التكبري يدل على فرح أمري املؤمنني‬
‫عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬برأي علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حيث جعل‬
‫خمرج ا مما هي فيه‪ ،‬وهذا شأن الدعاة املخلصني يفرحون بظهور احلق‪ ،‬ومصلحة الناس‬
‫للمرأة ً‬
‫ولو كان فيه خمالفة لرأيهم‪.‬‬

‫ولنا أن نتساءل‪ :‬هل خفي على أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬احلكم‬
‫يف حق اجملنون‪ ،‬أو هل خفي عليه أن هذه املرأة جمنونة ؟‬

‫جييب على هذا اخلطايب يف معامل السنن بقوله‪ :‬مل يأمر عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬برجم جمنونة مطبق عليها يف اجلنون‪ ،‬وال جيوز أن خيفى هذا عليه‪ ،‬وال على أحد ممن حبضرته‪،‬‬
‫ولكن هذه امرأة كانت جتن مرة وتفيق أخرى‪ ،‬فرأى عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬أن ال يسقط‬
‫عنها احلد ملا يصيبها من اجلنون‪ ،‬إذ كان الزنا منها حبالة اإلفاقة‪ ،‬ورأى علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫عمن يبتلى ب ه‪ ،‬واحلدود ت درأ بالش بهات‪ ،‬فلعله ا ق د أص ابت م ا‬
‫أن اجلن ون ش بهة ي درأ هبا احلد َّ‬
‫أصابت وهي يف بقية من بالئها‪ ،‬فوافق اجتهاد عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬اجتهاده يف ذلك فدرأ‬
‫عنها احلد‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال ابن تيمية ( رمحه اهلل )‪ (( :‬رجم اجملنونة ال خيلو إما أن يكون مل يعلم جبنوهنا‪ ،‬فال‬
‫يقدح يف ذلك يف علمه باألحكام‪ ،‬أو كان ذاهاًل عن ذلك فَ ُذ ِّكَر بذلك))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وم ع عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م رة أخ رى يف مس ألة املرأة ال يت ول دت لس تة‬


‫أشهر( )‪ ،‬ففي رواية عن أيب حرب بن أيب األسود الدؤيل قال‪ :‬رفع إىل عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫() معامل السنن ( املطبوع على حاشية سنن أيب داود) ‪.558 / 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫() منهاج السنة النبوية ‪.45 / 6‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ورد يف ذلك روايات خمتلفة يدل بعضها على أن الرد كان على عمر بن اخلطاب (رضي اهلل عنه) كما يف‬ ‫‪3‬‬

‫الرواية األوىل والثانية‪ ،‬وقد أقر شيخ اإلسالم ابن تيمية ( رمحه اهلل ) أنه على عمر يف معرض رده على الرافض‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪444‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ام رأة ول دت لس تة أش هر‪ ،‬فس أل عنه ا أص حاب الن يب ص‪ ،‬فق ال علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬ال‬
‫(‪)2‬‬
‫شهرا}( ) وقال {وفصاله يف عامني }‬
‫رجم عليها‪ ،‬أال ترى أنه يقول { ومحله وفصاله ثالثون ً‬
‫‪1‬‬

‫وكان احلمل ههنا ستة أشهر‪ .‬فرتكها عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬قال‪ :‬مث بلغنا أهنا ولدت آخر‬
‫لستة أشهر( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقد ثبت يف الصحيحني أن من منهج أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫تنفي ذ ح د ال زىن على املرأة إذا محلت من غ ري زوج وال س يد‪ ،‬فعن عبداهلل بن عب اس (رض ي اهلل‬
‫عنهما) قال‪ :‬قال عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حىت‬
‫يقول قائل‪ :‬ال جند الرجم يف كتاب اهلل‪ ،‬فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل‪ ،‬أال وإن الرجم حق على‬
‫من زىن‪ .‬وقد أحصن‪ ،‬إذا قامت البينة أو كان احلمل أو االعرتاف ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ول ذا رأى أن عليه ا ال رجم‪ ،‬ولكن رمبا غ اب عن ه أن أق ل م دة للحم ل س تة أش هر‪ ،‬كم ا‬


‫استنبط ذلك أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬ألن الوالدة لستة أشهر نادرة‬
‫جدا‪ ،‬واألمور النادرة قد ال ختطر بالبال‪ ،‬فأجرى عمر ذلك على األمر املعتاد املعروف يف النساء‬
‫ً‬
‫( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫يف منهاج السنة ‪ ،93 / 6‬وإال لكان ينفي أن هذه القصة مع عمر بن اخلطاب (رضي اهلل عنه) وهو يرد على‬
‫الرافضي‪ .‬وق د أورد ابن كثري ( رمحه اهلل ) القصة منس وبة إىل عثمان بن عفان (رض ي اهلل عنه)‪ .‬وحيتمل أن‬
‫تكون القصة متكررة وقعت يف عهد عمر ويف عهد عثمان ( رضي اهلل عنهم أمجعني )‪.‬‬
‫() سورة األحقاف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة لقمان‪ ،‬جزء من اآلية ‪.14‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الس يوطي يف ال در املنث ور ‪ ،442 ،441 / 7‬ونس به لعب د ال رزاق وعب د بن محي د وابن املن ذر‪ .‬وانظ ر ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫موسوعة فقه عمر بن اخلطاب‪ ،‬حممد رواس قلعه جي ص ‪.373 ،288‬‬


‫() البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح واللفظ له‪ ،‬كتاب احلدود ‪ .257 / 4‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب احلدود ‪/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.1317‬‬
‫() انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬منهاج السنة النبوية ‪.95 / 6‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪445‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬مع عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬

‫ولعلي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مواقف أخرى مع ذي النورين عثمان بن عفان‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف تصحيح بعض املواقف‪ ،‬ومن ذلك أن عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬كان ينهى عن التمتع باحلج‪ ،‬وعلي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يرى ذلك‪.‬‬

‫ففي الص حيحني من ح ديث س عيد بن املس يب ق ال‪ :‬اجتم ع علي وعثم ان (رض ي اهلل‬
‫عنهم ا) بعُ ْس َفان‪ .‬فك ان عثم ان ينهى عن املتع ة أو العم رة‪ .‬فق ال علي‪ :‬م ا تري د إىل أم ر فعل ه‬
‫رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) تنهى عنه‪ ،‬فقال عثمان دعنا منك‪ .‬فقال‪ :‬إين ال أستطيع أن‬
‫مجيعا( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أدعك‪ .‬فلما أن رأى علي ذلك أهل هبما ً‬
‫وحا‪،‬‬
‫ولع ل من املفي د ذك ر بعض الرواي ات األخ رى هلذه احلادث ة‪ ،‬لكي تزي د األم ر وض ً‬
‫وتوض ح بش كل أك ثر م ا دار بني عثم ان وعلي (رض ي اهلل عنهم ا ) يف ه ذه املس الة على النح و‬
‫التايل‪-:‬‬

‫روى اإلم ام مس لم بس نده عن عبداهلل بن ش قيق ق ال‪ (( :‬ك ان عثم ان ينهى عن املتع ة‪،‬‬
‫وكان علي يأمر هبا‪ .‬فقال عثمان لعلي كلمة‪ .‬مث قال علي‪ :‬لقد علمت أنا قد متتعنا مع رسول‬
‫اهلل ص‪ .‬فقال‪ :‬أجل‪ ،‬ولكنا كنا خائفني( ) ))‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلج ‪ .484 / 1‬ومسلم يف صحيحه‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬كتاب احلج‬ ‫‪1‬‬

‫‪.897 / 2‬‬
‫() قال ابن حجر يف الفتح ‪ : 425 / 3‬قال النووي ‪ :‬لعله أشار إىل عمرة القضية سنة سبع‪ ،‬ولكن مل يكن يف‬ ‫‪2‬‬

‫تلك السنة حقيقة متتع‪ ،‬إمنا كان عمرة وحدها‪ .‬قلت ( أي ابن حجر ) ‪ :‬هي رواية شاذة‪ ،‬فقد روى احلديث‬
‫م روان ين احلكم وس عيد بن املس يب‪ ،‬ومها أعلم من عبداهلل بن ش قيق فلم يق وال ذل ك‪ ،‬والتمت ع إمنا ك ان يف‬
‫حجة الوداع‪ ،‬وقد قال ابن مسعود كما ثبت عنه يف الصحيحني (( كنا آمن ما يكون الناس ))‪ .‬وقال القرطيب‬

‫‪ :‬قوله (( خائفني )) أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من متتع‪ ،‬كذا قال‪ ،‬وهو مجع حسن ولكن‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪446‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وعن د اإلم ام أمحد يف مس نده من ح ديث عبداهلل بن الزب ري ق ال‪ :‬واهلل إن ا ملع عثم ان بن‬
‫عف ان باجلحفة‪ ،‬ومع ه ره ط من أه ل الش ام‪ ،‬فيهم ح بيب بن مس لمة الفه ري‪ ،‬إذ ق ال عثم ان‪،‬‬
‫وذُكر له التمتع بالعمرة إىل احلج‪ :‬إن أمت احلج والعمرة أال يكونا يف أشهر احلج‪ ،‬فلو أخرمت هذه‬
‫العمرة حىت تزوروا هذا البيت زورتني كان أفضل‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قد َو َّس ع يف اخلري‪ ،‬وعلي بن‬
‫أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف بطن ال وادي يعل ف بع ًريا ل ه‪ ،‬ق ال‪ :‬فبلغ ه ال ذي ق ال عثم ان‪،‬‬
‫فأقبل حىت وقف على عثمان‪ ،‬فقال‪ :‬أعمدت إىل سنة سنها رسول اهلل ص ورخصة رخص اهلل‬
‫ضيِّق عليهم فيها وتنهى عنها‪ ،‬وقد كانت لذي احلاجة ولنائي الدار ؟‬
‫تعاىل هبا للعباد يف كتابه‪ ،‬تُ َ‬
‫معا‪ ،‬فأقبل عثمان على الناس فقال‪ :‬وهل هنيت عنها ؟ إين مل أنه عنها‪ ،‬إمنا‬
‫مث أهل حبجة وعمرة ً‬
‫كان رأيًا أشرت به‪ ،‬فمن شاء أخذ به‪ ،‬ومن شاء تركه ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫جالس ا عن د‬
‫وعن د النس ائي يف س ننه من ح ديث علي بن حس ني عن م روان ق ال‪ :‬كنت ً‬
‫عثمان فسمع عليً ا يليب بعمرة وحجة‪ ،‬فقال‪ :‬أمل نكن نُْنهى عن هذا‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكين مسعت‬
‫مجيعا فلم أدع قول رسول اهلل ص لقولك ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫رسول اهلل ص يليب هبما ً‬

‫ال خيفى بعده‪ .‬وحيتمل أن يكون عثمان أشار إىل أن األصل يف اختياره ص فسخ إىل العمرة يف حجة الوداع‬
‫دفع اعتقاد قريش منع العمرة يف أشهر احلج‪ ،‬وكان ابتداء ذلك باحلديبية ألن إحرامهم بالعمرة كان يف ذي‬
‫القعدة وهو من أشهر احلج‪ ،‬وهناك يصح إطالق كوهنم خائفني‪ ،‬أي من وقوع القتال بينهم وبني املشركني‪،‬‬
‫وكان املشركون قد صدوهم عن الوصول إىل البيت فتحللوا من عمرهتم‪ ،‬وكانت أول عمرة وقعت يف أشهر‬
‫أيضا‪ ،‬مث أراد ص تأكيد ذلك باملبالغة فيه حىت أمرهم بفسخ احلج‬
‫احلج‪ ،‬مث جاءت عمرة القضية يف ذي القعدة ً‬
‫إىل العمرة‪ .‬واحلديث يف صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احلج ‪.2/896‬‬
‫() املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .91 ،90 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() كتاب احلج ‪ .148 / 5‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي ‪ .576 / 2‬وحنوه عند البخاري يف‬ ‫‪2‬‬

‫صحيحه‪ ،‬كتاب احلج ‪.483 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪447‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ق ال الن ووي‪ :‬املخت ار أن املتع ة ال يت هنى فيه ا عثم ان هي التمت ع املع روف يف احلج‪ ،‬وك ان‬
‫عم ر وعثم ان ينهي ان عنه ا هني تنزي ه‪ ،‬ال حترمي‪ ،‬وإمنا هني ا عنه ا ألن اإلف راد أفض ل‪ ،‬فك ان عم ر‬
‫وعثمان يأمران باإلفراد ألنه أفضل‪ ،‬وينهيان عن التمتع هني تنزيه ؛ ألنه مأمور بصالح رعيته‪،‬‬
‫وكان األمر باإلفراد من مجلة صالحهم‪ ،‬واهلل أعلم( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومما يؤك د أن هني أم ري املؤم نني عثم ان بن عف ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن التمت ع مل يكن‬
‫هني حترمي‪ ،‬ولكن لبي ان م ا ي راه األفض ل يف حقهم‪ ،‬قول ه يف رواي ة اإلم ام أمحد ((إن أمت احلج‬
‫أيض ا عدم عزمه على األمر لقوله يف رواية‬
‫والعمرة أال يكونا يف شهر واحد ))‪ ،‬كما يدل عليه ً‬
‫أيض ا (( فل و أخ رمت ه ذه العم رة‪ ،)) ...‬وقول ه‪ (( :‬إين مل أن ه عنه ا‪ ،‬وإمنا ك ان رأيً ا‬
‫اإلم ام أمحد ً‬
‫أشرت به‪ ،‬فمن شاء أخذ به‪ ،‬ومن شاء تركه ))‪ .‬ويؤكد النووي هذا االجتاه كما سبق‪.‬‬

‫أيض ا أنه مل يلزم علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬باتباع رأيه‪ ،‬ومل‬
‫ومن هذا الباب ً‬
‫ينكر عليه خمالفته‪ ،‬وعثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬األمري يومئذ‪ .‬وقد علل‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ما ذهب إليه من الرأي أنه اتباع هلدي الرسول ص‪ ،‬فال‬
‫يعدل عنه لقول أحد من الناس حىت ولو كان األمري‪.‬‬

‫ومع عثمان ابن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مرة أخرى يف مسألة أخرى عندما جاء ناس‬
‫يشكون سعاته‪ ،‬فعن ابن احلنفية قال‪ (( :‬لو كان علي‬
‫ذاكرا عثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ) (-‬ذكره يوم جاءه ناس‬
‫‪2‬‬
‫ً‬
‫() شرح النووي علي صحيح مسلم ‪.202 / 8‬‬ ‫‪1‬‬

‫ذاكرا عثمان (رضي اهلل عنه) ‪ :‬أي لو كان ذاكره بسوء‪ .‬وقد روي من وجه آخر عن حممد‬ ‫() لو كان علي ً‬
‫‪2‬‬

‫بن سوقة قال ‪ :‬حدثين منذر قال ‪ :‬كنا عند ابن احلنفية فنال بعض القوم من عثمان‪ ،‬فقال ‪ :‬مه‪ ،‬فقلنا له ‪:‬‬
‫يوم ا‪ ،‬لسبه يوم جئته‪ ،‬وذكر احلديث‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح‬
‫أكان أبوك يسب عثمان ؟ فقال ‪ :‬ما سبه‪ ،‬ولو سبه ً‬
‫الباري ‪.) 214 / 6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪448‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فش كوا س عاة( ) عثم ان فق ال يل علي‪ :‬اذهب إىل عثم ان ف أخربه أهنا ص دقة رس ول اهلل ص فم ر‬
‫‪1‬‬

‫س عاتك يعمل وا هبا‪ ،‬فأتيت ه هبا فق ال أغنِه ا عنا( )‪ ،‬ف أتيت هبا عليً ا‪ ،‬فأخربت ه‪ ،‬فق ال‪ :‬ض عها حيث‬
‫‪2‬‬

‫أخذهتا ))( ) ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫ويف رواي ة عن حمم د بن احلنفي ة ق ال‪ (( :‬أرس لين أيب‪ ،‬خ ذ ه ذا الكت اب ف اذهب ب ه إىل‬
‫عثمان‪ ،‬فإن فيه أمر النيب ص بالصدقة ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ويف ه ذه األخب ار دالل ة على أن علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ملا علم اخلط أ يف‬
‫التصرف من سعاة أمري املؤمنني عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بشأن الصدقة‪ ،‬وكان عنده‬
‫علم مكتوب بشأن هذه الصدقة‪ ،‬أراد أن ينبه عثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل هذا األمر فبعث‬
‫إليه بالكتاب‪ ،‬ولكن أمري املؤمنني عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل ينظر يف هذا الكتاب‬
‫الذي بعث به علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وما ذاك إال أن عنده علم ما فيه‪.‬‬
‫أو أنه مل يثبت عنده ما طعن به على سعاته‪.‬‬
‫أو ثبت عنده وكان التدبري يقتضي تأخري اإلنكار‪.‬‬

‫أو كان الذي أنكره من املستحبات ال من الواجبات ولذلك عذره علي ومل يذكره بسوء ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -3‬مع ابن عباس (رضي اهلل عنهما)‬

‫() السعاة مجع ساع وهو العامل الذي يسعى يف استخراج الصدقة ممن جتب عليه وحيملها إىل اإلمام‪ ( .‬ابن‬ ‫‪1‬‬

‫حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 215 / 6‬‬


‫() أغنها عنا ‪ :‬أي اصرفها عنا‪ ،‬وهي كلمة معناها الرتك واإلعراض‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 215 / 6‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب فرض اخلمس ‪.391 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق ‪.391 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.215 / 6‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪449‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وكم ا ك ان لعلي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬مواق ف تقوميي ة يف بعض املس ائل‬
‫أيضا مواقف أخرى مع بعض الصحابة (رضي‬
‫الدعوية مع والة األمر من اخللفاء الراشدين‪ ،‬فله ً‬
‫اهلل عنهم أمجعني)‪ ،‬ومن ذلك مواقفه مع ابن عمه عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) حرب األمة‬
‫وترمجان القرآن‪.‬‬

‫فقد أخرج اإلمام مسلم يف صحيحه بسنده عن حممد بن علي عن علي أنه مسع ابن عب اس‬
‫(رض ي اهلل عنهم ا) يلني يف متع ة النس اء( )‪ ،‬فق ال‪:‬مهاًل ي ا ابن عب اس ! ف إن رس ول اهلل ص هنى‬
‫‪1‬‬

‫عنها( ) يوم خيرب( )‪،‬وعن حلوم احلمر األنسية( )‪.‬‬


‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ورمبا ك ان ت رخيص ابن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا) يف املتع ة من أج ل ش دة احلاج ة وقل ة‬


‫النس اء‪ ،‬وي دل على ذل ك م ا أخرج ه البخ اري يف ص حيحه بس نده عن أيب مجرة قال‪ (( :‬مسعت‬
‫ابن عب اس يُ ْس أل عن متع ة النس اء ف رخص‪ ،‬فق ال ل ه م وىل ل ه‪ :‬إمنا ذل ك يف احلال الش ديد‪ ،‬ويف‬
‫النساء قلة أو حنوه‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬نعم ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫شهرا أو سنة أو إىل‬


‫() متعة النساء هي زواج املتعة‪ ،‬وهو أن يتزوج املرأة مدة مثل أن يقول ‪ :‬زوجتك ابنيت ً‬
‫‪1‬‬

‫انقض اء املوس م أو ق دوم احلاج وش بهه س واء ك انت املدة معلوم ة أو جمهول ة‪ .‬وعن د اإلمامي ة غايت ه إىل مخس ة‬
‫يوم ا‪ ( .‬انظ ر ‪ :‬ابن قدام ة‪ ،‬املغ ين ‪ .644 / 6‬و حمم د بن إمساعيل الص نعاين‪ ،‬س بل الس الم ‪/ 3‬‬ ‫وأربعني ً‬
‫‪.) 125‬‬
‫مباح ا‪ .‬قال ابن املنذر ‪ :‬جاء عن األوائل الرخصة فيها‪ ،‬وال‬
‫() النهي عن نكاح املتعة هني حترمي بعد أن كان ً‬
‫‪2‬‬

‫أعلم الي وم أح ًدا جييزه ا إال بعض الرافض ة‪ .‬وال مع ىن ملا خيالف ق ول اهلل وس نة رس وله ص‪ .‬وق ال عي اض ‪ :‬مث‬
‫وقع اإلمجاع من مجيع العلماء على حترميها إال الروافض‪ ( .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.) 174 / 9‬‬
‫() ورد خالف طويل يف زمن حترمي املتعة‪ ،‬فقيل يف غزوة خيرب‪ ،‬وقيل عام الفتح‪ ،‬وقيل عام أوطاس‪ ،‬وقيل يف‬ ‫‪3‬‬

‫غزوة تبوك‪ ،‬وقيل يف حجة الوداع‪ (...‬انظر كالم ابن حجر بطوله على هذا اخلالف يف الفتح ‪- 168 / 9‬‬
‫‪.) 171‬‬
‫() كتاب النكاح ‪.1027 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب النكاح ‪.367 / 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪450‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ولكن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل يوافقه على هذا الرأي‪ ،‬ألن‬
‫الناس رمبا اختذوا هذا الرتخيص حجة فتوسعوا يف األمر واستباحوا املتعة‪ ،‬وهذا ما يدل عليه ما‬
‫رواه سعيد بن جبري قال‪ :‬قلت البن عباس‪ :‬لقد كثرت القالة يف املتعة‪ ،‬حىت قال فيها الشاعر‪:‬‬
‫ياصاح هل لك يف فتوى ابن عباس ؟‬ ‫أقول وقد طــال الثواء بنـا مع ــًا‬
‫تكـون مثـواك حىت مصـدر الن ــاس‬ ‫هل لك يف رخصة األطراف آنسة‬
‫فقام خطيبًا وقال‪ (( :‬إن املتعة كامليتة والدم وحلم اخلنزير )) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال بعض العلماء إن ابن عباس رجع عن قوله بالرتخيص( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫كما روي أن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال يف رده على ابن عباس‪:‬‬
‫(( إنك امرؤ تائه( ) ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -4‬مع بعض الصحابة (رضي اهلل عنهم)‬

‫كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يتواىن عن تصويب ما يراه‬
‫خطًأ من الدعاة سواء من والة األمور أو غريهم من عامة الناس‪ ،‬ومن ذلك ‪-‬إضافة إىل ما س بق‬
‫‪ -‬املواقف اآلتية‪-:‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬املغين ‪ .645 / 6‬والشوكاين‪ ،‬نيل األوطار ‪.153 / 6‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪ .181 / 9‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .173 / 9‬وابن قدامة‪ ،‬املغين‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .645 / 6‬والصنعاين‪ ،‬سبل السالم ‪.126 / 3‬‬


‫() التائه ‪ :‬أي احلائر الذاهب عن الطريق املستقيم‪ ،‬وابن عباس (رضي اهلل عنهما) له مكانته يف العلم والفقه‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫فهو حرب األمة وترمجان القرآن ‪ -‬وعلى (رضي اهلل عنه) يعرف له ذلك‪ -‬وحيمل كالم علي على أن ابن عباس‬
‫(رضي اهلل عنهما) ذاهب عن الطريق املستقيم يف هذه السألة بعينها‪(.‬انظر ‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪/ 9‬‬
‫‪.) 189‬‬
‫() أخرجه عبد الرزاق يف مصنفه ‪ .501 / 7‬وأورده ابن حجر يف الفتح ( ‪ ) 168 / 9‬ونسبه للدارقطين من‬ ‫‪4‬‬

‫طريق الثوري‪ .‬و أخرجه مسلم يف صحيحه ( ‪ ) 1027 / 2‬ومل يرد عنده التصريح بأنه ابن عباس‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪451‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫موقف ه م ع أيب مس عود( ) ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬فيم ا رواه اإلم ام أمحد بس نده عن نعيم بن‬
‫‪1‬‬

‫دجاجة األسدي( ) قال‪ :‬دخل أبو مسعود عقبة بن عمرو األنص اري على علي بن أيب طالب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فقال له علي‪ :‬أنت الذي تقول‪ :‬ال يأيت على الناس مائة سنة وعلى األرض عني تطرف؟ إمنا قال‬
‫رسول اهلل ص‪:‬ال يأيت على الناس مائة سنة وعلى األرض عني تطرف ممن هو حي اليوم‪ ،‬واهلل!‬
‫إن رجاء هذه وفرجها بعد مائة عام))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ويف رواي ة أن ه ق ال ل ه‪ (( :‬ي افروخ( ) !‪ ،‬أنت القائ ل‪ :‬ال ي أيت على الن اس مائ ة س نة وعلى‬
‫‪4‬‬

‫األرض عني تطرف ؟ أخطت استك احلفرة !‪.) ())...‬‬


‫‪5‬‬

‫ملا علم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬خط أ أيب مس عود يف‬
‫التحديث‪ ،‬مل يسكت على ذلك‪ ،‬بل أرشده للصواب مع شيء من العتاب‪.‬‬

‫عما أقدموا‬
‫وله مع طلحة والزبري وعائشة (رضي اهلل عنهم أمجعني) مواقف عدة لصرفهم َّ‬
‫علي ه من اخلروج للطلب ب دم عثم ان بن عف ان ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬ومن ه ذه املواقف م ا رواه‬
‫أب و ح رب بن أيب األس ود الديلي ق ال‪ :‬شهدت الزبري خ رج يريد عليً ا‪ ،‬فقال له علي‪ :‬أنشدك‬

‫() عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسرية األنصاري‪ ،‬البدري‪ ،‬صاحب النيب ص‪ ،‬شهد العقبة‪ ،‬مات سنة ‪ 40‬هـ‬ ‫‪1‬‬

‫بالكوفة‪ ،‬وقيل ‪ :‬باملدينة‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 221 ،220 / 7‬‬
‫() الك ويف‪ ،‬روى عن عم ر وعلي وأيب مس عود‪ .‬ذك ره ابن حب ان يف الثق ات‪ .‬ذك ره ابن س عد ومس لم بن‬ ‫‪2‬‬

‫احلجاج يف الطبقة األوىل من الكوفيني‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪.) 413 / 10‬‬
‫أيض ا يف‬
‫() املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .94 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه اإلمام أمحد ً‬
‫‪3‬‬

‫فضائل الصحابة ‪ .721 / 2‬وقال احملقق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫() ي افروخ ‪ :‬ليس ن داءً ل ه بامسه‪ ،‬ولعل ه قال ه ل ه كناي ة عن ع دم فهم ه كالم رس ول اهلل ص‪ .‬ألهنم ق الوا إن‬ ‫‪4‬‬

‫(فروخ) هو أبو العجم الذين يف وسط البالد‪ .‬وأنه ابن إبراهيم وأخو إسحاق وإمساعيل عليهم السالم‪( .‬أمحد‬
‫شاكر‪ ،‬حاشية مسند اإلمام أمحد ‪.) 281 / 2‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .280 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وأبو يعلى يف مسنده ‪.438 ،360 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪452‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اهلل ! ه ل مسعت رس ول اهلل ص يق ول‪(( :‬تقاتل ه وأنت ل ه ظ امل‪ ،‬فق ال مل أذك ر‪ .‬مث مض ى الزب ري‬
‫منصرفًا))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويف رواية‪ :‬ملا رجع الزبري على دابته يشق الصفوف فعرض له ابنه عبداهلل‪ ،‬فقال‪ :‬مالك ؟‬
‫فق ال‪ :‬ذك ر يل علي ح ديثًا مسعته من رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم يق ول‪ (( :‬لتقاتلن ه‬
‫وأنت ظامل له )) فال أقاتله‪ .‬قال‪ :‬وللقتال جئت ؟ إمنا جئت لتصلح بني الناس‪ ،‬ويصلح اهلل هذا‬
‫األمر بك‪.) (..‬‬
‫‪2‬‬

‫وكان هذا األسلوب احلكيم هو هنجه مع خمالفيه من أهل اجلمل‪ ،‬فإنه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫وسعا يف ملِّ الشمل‪ ،‬وهتدئة األمور‪ ،‬وأخذهم باللني ومداواهتم بالرفق‪ ،‬ويدل على ذلك‬
‫مل يدخر ً‬
‫أقواله وتصرحياته يف هذا األمر‪.‬‬

‫ومنه أنه ملا أراد اخلروج إىل البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع( ) فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني‬
‫‪3‬‬

‫أي شيء تريد ؟ وإىل أين تذهب بنا ؟ فقال علي‪ :‬أما الذي نريد وننوي فاإلصالح إن قبلوا منا‬
‫وأجابوا إليه ‪ ،‬قال‪ :‬فإن مل جييبوا إليه ؟ قال‪ :‬ندعهم بعذرهم‪ ،‬ونعطيهم احلق ونصرب‪ ،‬قال فإن مل‬
‫يرضوا ؟ قال‪ :‬ندعهم ما تركونا‪ ،‬قال‪ :‬فإن مل يرتكونا ؟ قال امتنعنا منهم‪ ،‬قال‪ :‬فنعم إ ًذا ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() أخرجه احلاكم يف املستدرك ‪ ،366 / 3‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬ووافقه الذهيب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه احلاكم يف املستدرك ‪ .366 / 3‬وذكره ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ ،242 / 7‬وقال ‪ :‬وقد رواه‬ ‫‪2‬‬

‫البيهقي‪.‬‬
‫بدرا‪ ،‬له من األبناء ‪ :‬عبيد ومعاذ‪ .‬قال ابن عبد الرب ‪ :‬شهد‬
‫() ابن مالك بن العجالن‪ ،‬أبو معاذ الزرقي‪ ،‬شهد ً‬
‫‪3‬‬

‫رفاعة مع علي اجلمل وصفني‪ .‬قال ابن قانع ‪ :‬مات سنة إحدى أو اثنتني وأربعني‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.) 242 / 3‬‬
‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .24 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.235 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪453‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يت بني من ه ذا احلوار بني أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬قص ده يف‬
‫أيض ا ما جاء يف خطابه ألهل الكوفة‪ :‬يا أهل‬
‫اخلروج‪ ،‬ومنهجه يف معاجلة املوقف‪ .‬ومن ذلك ً‬
‫الكوف ة ! أنتم لقيتم مل وك العجم فغضض تم مجوعهم‪ ،‬وق د دع وتكم لتش هدوا معن ا إخوانن ا من‬
‫أهل البصرة‪ ،‬فإن يرجعوا فذاك الذي نريده‪ ،‬وإن أبوا داويناهم بالرفق‪ ،‬حىت يبدأونا بالظلم‪ ،‬لن‬
‫أمرا فيه صالح إال آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اهلل ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ندع ً‬

‫ومما يدل على كره علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬للقتال إجابته ملالك بن حبيب‬
‫حينما سأله فقال‪ :‬ما أنت صانع إذا لقيت القوم ؟ قال‪ :‬قد بان لنا وهلم أن اإلصالح والكف‬
‫عن هذا األمر أحوط‪ ،‬فإن بايعونا فذلك‪ ،‬وإن أبوا وأبينا إال القتال فصدع ال يلتئم‪.) (..‬‬
‫‪2‬‬

‫ومع ما وصل إليه األمر من الشدة إال أنه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل ينس حق إخوته عليه‪،‬‬
‫فه و حيس ن هبم الظن‪ ،‬ويلتمس هلم الع ذر فيم ا فعل وه‪ ،‬وي دل على ذل ك إجابت ه أليب س المة‬
‫الدَّأالين حني سأله‪ :‬أترى هلؤالء القوم حجة فيما طلبوا من الدم‪ ،‬إن كانوا أرادوا اهلل عز وجل‬
‫بذلك ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فرتى لك حجة بتأخريك ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إن الشيء إذا كان ال يدرك‬
‫غدا ؟ قال‪ :‬إين ألرجو أال يقتل‬
‫نفعا‪ .‬قال‪ :‬فما حالنا وحالكم إذا ابتلينا ً‬
‫فاحلكم فيه أحوط وأعم ً‬
‫أحد َنقَّى قلبه اهلل منا ومنهم إال أدخله اهلل اجلنة ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ثانيًا‪ :‬سمات منهج أمير المؤمنين في معالجة أخطاء الدعاة‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.237 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.34 ،33 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .33 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.239 / 7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪454‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫النماذج السابقة الذكر اليت تبني حال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫م ع غ ريه من ال دعاة‪ ،‬يف ج انب تق ومي األخط اء‪ ،‬تعطين ا بعض الس مات هلذا املنهج املتمثل ة يف‬
‫النقاط اآلتية‪- :‬‬

‫‪ -1‬الجد في تقويم أخطاء الدعاة‬

‫إن أول م ا يلفت نظ ر املتأم ل لنم اذج معاجلة أخط اء ال دعاة ألم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ليلحظ جديته يف هذا األمر‪ ،‬وحرصه عليه ومبادرته فيه‪ ،‬سواء كان‬
‫درا‪ ،‬وأرف ع من ه مكان ة‪ ،‬كحال ه م ع أم ري املؤم نني عم ر بن‬
‫الداعي ة ممن ه و مثل ه‪ ،‬أو أعلى من ه ق ً‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وحاله مع أمري املؤمنني عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ .-‬أو‬
‫ممن هو دونه يف املكانة والقدر كحاله مع ابن عمه‬
‫عبداهلل بن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا) وبعض الص حابة اآلخ رين‪ .‬وإن دل ذل ك على ش يء فإمنا‬
‫يدل على نصحه هلل ورسوله‪ ،‬وال يرده عن تقومي ما يراه مكانة الرجل كائنًا من كان‪.‬‬

‫ومما يؤكد هذه اجلدية عند أم ري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬حرصه‬
‫على التق ومي ح ىت ول و ك ان األم ر أم ًرا اجتهاديً ا‪ ،‬ف إن م ا دار بين ه وبني أم ري املؤم نني عم ر بن‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف رجم اجملنونة( )‪ ،‬وما دار بينه وبني أمري املؤمنني عثمان بن عفان‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف متع ة احلج( )‪ ،‬هي من األم ور ال يت اجته دوا فيه ا‪ ،‬إض افة إىل أن أولئك‬
‫‪2‬‬

‫كانوا هم والة األمر يف زماهنم‪ ،‬ومع هذا كله فلم يتوان علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫عن بيان ما عنده من العلم‪ ،‬والرد عليهم فيما رأوه‪.‬‬

‫‪ -2‬التماس العذر وحسن الظن بالدعاة‬

‫() راجع صفحة ‪.475 ،474‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪.479 ،478‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪455‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫مما اتصف به منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف معاجلة أخطاء‬
‫الدعاة التماس العذر هلم فيما حيصل منهم من اخلطأ‪ ،‬ألن منشأ اخلطأ عندهم ليس قصد اخلطأ‪،‬‬
‫ور يع ذرون هبا‪ ،‬كالنس يان‪ ،‬أو اجله ل ب احلكم‪ ،‬أو التأوي ل ال ذي يرون ه هم ص وابًا‪ .‬ومما‬
‫وإمنا أم ٌ‬
‫ي دل على التم اس الع ذر وحس ن الظن بال دعاة إجابت ه أليب س المة ال دَّأالين حني س أله‪ :‬أت رى‬
‫هلؤالء القوم حجة فيما طلبوا من الدم‪ ،‬إن كانوا أرادوا اهلل عز وجل بذلك ؟ قال‪ :‬نعم ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -3‬تقدير الدعاة ومعرفة الفضل لهم‬

‫ال دعاة إىل اهلل هلم مكان ة خاص ة يف اجملتم ع املس لم وي دل على فض لهم ق ول اهلل س بحانه‬
‫وتع اىل { ومن أحس ن ق واًل ممن دع ا إىل اهلل وعم ل ص احلًا وق ال إن ين من املس لمني }( ) وه ذه‬
‫‪2‬‬

‫املكانة والقدر ال ينقصها أن يقع اإلنسان منهم يف خطأ من األخطاء‪ ،‬ال سيما إن كان سبب‬
‫اخلطأ كما سبق اإلشارة إليه وحنوه‪.‬‬

‫وت دل النم اذج املذكورة ملعاجلة أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫ألخطاء الدعاة على ما كان يكنه هلم من احملبة والتقدير واإلقرار بالفضل مهما كانت درجة‬
‫اخلالف بينهم‪ ،‬فلم يكن ي واجههم ب التوبيخ أو التقري ع‪ ،‬إال م ا ك ان من الت أنيب اللطي ف‪،‬‬
‫والعت اب اخلفي ف‪ .‬كقول ه البن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا)‪ (( :‬إن ك ام رؤ تائ ه ))( )‪ ،‬وقول ه أليب‬
‫‪3‬‬

‫مسعود البدري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( : -‬يا فروخ ! ))( )‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫() راجع صفحة ‪.487‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة فصلت‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.483‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.485‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪456‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وامسع ‪ -‬إن شئت ‪ -‬ماذا قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لطلحة‬
‫بن عبيد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وهو ميسح عن وجهه الرتاب‪ ،‬يوم قتل يف وقعة اجلمل‪ (( :‬رمحة‬
‫اهلل عليك أبا حممد ! يعز علي أن أراك جمدواًل حتت جنوم السماء‪ ،‬مث قال‪ :‬إىل اهلل أشكو عجري‬
‫وجبري‪ ،‬واهلل إين لوددت أين كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومل يكن موقفه من أم املؤمنني عائشة (رضي اهلل عنها) بأقل من هذا‪ ،‬فلقد دخل عليها‬
‫الدار بعد الفراغ من اجلمل فسلم عليها ورحبت به‪ ،‬وكانت عائشة تسأل عمن قتل معها من‬
‫املس لمني ومن قت ل من عس كر علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬فجعلت كلم ا ذك ر هلا واح د منهم‬
‫ت رمحت علي ه‪ ،‬ودعت ل ه‪ .‬وملا أرادت اخلروج من البص رة بعث إليه ا علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫بك ل م ا ينبغي من م ركب وزاد ومت اع وغ ري ذل ك‪ ،‬واخت ار هلا أربعني ام رأة من نس اء البص رة‬
‫املعروفات‪ ،‬وسري معها أخاها حممد بن أيب بكر‪ ،‬وسارت معززة مكرمة ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وليس األم ر ك ذلك فحس ب ب ل إن ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ش ديد احلرص على أن ال يُنَ ال‬
‫أحد الدعاة بشيء‪ ،‬ولو أهنم من خمالفيه‪ ،‬وإن علم بشيء من ذلك عاقب عليه‪ ،‬ومما يدل على‬
‫هذا اجلانب ما حصل بعد الفراغ من اجلمل عندما جاءه رجل فقال له‪ :‬يا أمري املؤمنني ! إن‬
‫على الباب رجلني يناالن من عائشة‪ .‬فأمر علي القعقاع بن عمرو( ) أن جيلد كل واحد منهما‬
‫‪3‬‬

‫مائة جلدة‪ ،‬وأن خيرجهما من ثياهبما( )‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.248 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.246 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن عم رو التميمي‪ ،‬ك ان من الش جعان الفرس ان‪ ،‬ك ان أح د فرس ان الع رب وش عرائهم‪ ،‬قي ل ‪ :‬إن أب ابكر‬ ‫‪3‬‬

‫الصديق (رضي اهلل عنه) كان يقول ‪ :‬لصوت القعقاع يف اجليش خري من ألف رجل‪ .‬قال ابن عساكر ‪ :‬يقال‬
‫أن ل ه ص حبة‪ .‬ش هد فتح دمش ق وأك ثر فت وح الع راق‪ ،‬ول ه يف ذل ك أش عار‪ ،‬ومواقف ه مش هورة‪( .‬انظ ر ‪ :‬ابن‬
‫حجر‪ ،‬اإلصابة ‪.)240 / 3‬‬
‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.246 / 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪457‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إىل أي مدى كانت القلوب صافية عند سلفنا من الدعاة‪ .‬فهذا أمري املؤمنني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حيزن على مقتل طلحة بن عبيد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أشد احلزن‪،‬‬
‫وهو من زعماء خصومه‪ ،‬ومن عادة الناس الفرح مبثل هذا الشأن‪ ،‬ولكن األمر خيتلف عند أمري‬
‫املؤمنني وخصومه‪ ،‬ملا يف نفوسهم من اإلخالص هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬والنصح للمسلمني‪ ،‬وجتريد‬
‫القلوب من أدىن شائبة تؤثر يف عالقاهتم‪ ،‬ونصرهتم للحق‪.‬‬

‫‪ -4‬الحوار مع الدعاة‬

‫لق د ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يس لك س بيل احلوار م ع‬
‫الدعاة لإلقناع باخلطأ والتعريف بالصواب‪ ،‬ومن ذلك حواره مع أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف شان املرأة اليت أمر عمر برمجها( )‪ .‬وحواره مع أمري املؤمنني عثمان بن‬
‫‪1‬‬

‫عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف أمر متعة احلج( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ -5‬التخطيط والتدرج في التقويم‬

‫كبريا فإن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬


‫إذا كان اخلطأ احلاصل من الدعاة ً‬
‫عنه ‪ -‬ال يتسرع يف عالج اخلطأ يف مثل هذه احلالة دون تأمل ودراسة للحدث‪ ،‬ووضع خمطط‬
‫هلذا التق ومي‪ ،‬وتنفي ذ املخط ط على مراح ل حمددة‪ ،‬وي دل على ه ذا اجلانب أس لوبه يف معاجلة‬
‫أصحاب اجلمل‪ ،‬كما يصرح هبذا املخطط يف حوار مع أحد أصحابه جاء فيه‪:‬‬
‫ي ا أم ري املؤم نني أي ش يء تري د ؟ وإىل أين ت ذهب بن ا ؟ فق ال علي‪ :‬أم ا ال ذي نري د ونن وي‬
‫فاإلصالح إن قبلوا منا وأجابوا إليه ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإمل جييبوا إليه ؟‬

‫() انظر القصة صفحة ‪.474‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ما دار بينهما يف الروايات صفحة ‪.479 ،478‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪458‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قال‪ :‬ندعهم بعذرهم‪ ،‬ونعطيهم احلق ونصرب‪.‬‬


‫قال‪ :‬فإن مل يرضوا ؟‬
‫قال‪ :‬ندعهم ما تركونا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن مل يرتكونا ؟‬
‫قال‪ :‬امتنعنا منهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنعم إ ًذا ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أيضا ما جاء يف خطابه ألهل الكوفة‪ :‬يا أهل الكوفة ! أنتم لقيتم ملوك العجم‬
‫ومن ذلك ً‬
‫فغضض تم مجوعهم‪ ،‬وق د دع وتكم لتش هدوا معن ا إخوانن ا من أه ل البص رة‪ ،‬ف إن يرجع وا ف ذاك‬
‫أمرا فيه صالح إال آثرناه‬
‫الذي نريده‪ ،‬وإن أبو داويناهم بالرفق‪ ،‬حىت يبدءونا بالظلم‪ ،‬لن ندع ً‬
‫على ما فيه الفساد إن شاء اهلل ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -6‬االعتماد على الدليل والفهم الصحيح‬

‫مل يكن عالج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ألخط اء ال دعاة مبنيً ا‬
‫على أقواله فحسب ‪ -‬مع مكانة قوله وسداد فهمه ‪ -‬ولكن يعتمد يف ذلك على‬

‫() راجع صفحة ‪.487‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪.487‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪459‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الدليل من كتاب اهلل وسنة رسوله ص‪ ،‬والفهم الصحيح املستنبط منهما‪ ،‬ولو تأملنا ما سبق من‬
‫النماذج‪ ،‬لوجدنا أن النموذج ال يكاد خيلو من ذكر الدليل واالعتماد عليه‪.‬‬

‫فمنه استدالله على عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بقوله ص‪ (( :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم‬
‫حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصغري حىت يكرب‪ ،‬وعن املبتلى حىت يعقل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫شهرا } وقوله {وفصاله يف‬


‫أيض ا بقوله تعاىل { ومحله وفصاله ثالثون ً‬
‫ومنه استالله على عمر ً‬
‫عامني}( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومنه استدالله على عثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬باستمتاع الصحابة يف احلج مع رسول اهلل ص‪،‬‬
‫وقوله له‪ :‬إهنا سنة سنها رسول اهلل ص ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومنه استدالله على عثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بالكتاب الذي فيه أمر رسول اهلل ص بالصدقة‬
‫( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وكذلك استدالله على ابن عمه عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) بتحرمي‬
‫رسول اهلل ص لنكاح املتعة ( )‪ .‬إىل غري من األدلة الواضحة‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ومما حيس ن ذك ره يف ه ذا اجلانب أس لوبه يف املخاطب ة بال دليل م ع أولئك ال دعاة‪ ،‬فإن ه ‪-‬‬
‫رضي اهلل عن ه ‪ -‬خياطبهم خبطاب ِّ‬
‫املذكر فقط ألمر قد عرفوه‪ ،‬ال خبط اب املعلم ألمر جهلوه‪،‬‬

‫() راجع صفحة ‪.474‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪.476‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.479‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.481‬‬ ‫‪4‬‬

‫() راجع صفحة ‪.483 ،482‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪460‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كقوله لعمر‪ :‬أما مسعت رسول اهلل يقول‪...‬وذكر احلديث ؟‪ .‬ويف رواية أيب داود قال له‪ :‬يا أمري‬
‫املؤمنني ! أما علمت أن القلم قد رفع عن ثالثة‪...‬وذكر احلديث( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقوله‪ :‬أال ترى أن اهلل يقول‪ ...‬وذكر اآليتني ؟( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫وقال لعثمان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬لقد علمت أنا قد متتعنا مع رسول اهلل ص ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقول ه للزب ري بن الع وام ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ :-‬أنش دك اهلل ! ه ل مسعت رس ول اهلل ص يق ول‪...‬؟‬
‫وذكر احلديث( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫علم ا يف‬
‫هذا األسلوب يف خماطبة الدعاة فيه نوع من التقدير هلم‪ ،‬واالعرتاف بأن عندهم ً‬
‫مسألة اخلالف‪ ،‬إضافة إىل كونه أدعى لالستجابة وتقومي اخلطأ‪.‬‬

‫() راجع صفحة ‪.474‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪.476‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.478‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.486‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪461‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الباب الرابع‬

‫كيفية االستفادة من منهج أمير المؤمنين علي‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في الدعوة إلى اهلل‬

‫الفصل األول‪ :‬كيف يستفيد المدعو المعاصر من المنهج‬

‫الفصل الثاني‪ :‬كيف يستفيد الداعيةالمعاصرمن المنهج‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪462‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل األول‬

‫كيف يستفيد المدعو المعاصر من المنهج‬

‫أواًل ‪ :‬نظرة إلى أحوال المدعو في العصر الحاضر‬

‫املدعو يف العصر احلاضر هو ذلك اإلنسان الذي يعيش يف زمن طغت فيه املادة على حياة‬
‫البشر‪ ،‬وأصبحت األمم والشعوب تقاس مبا لديها‬
‫وما ميكن أن تنتجه من هذه املاديات‪ .‬فأصبحت الــدول تتبارى يف تسابق حمــموم يف االخرتاعات‬
‫والصنــاعات‪ ،‬حىت تنال السـ ــيادة والصــدارة مبا تصل إليه من تفوق مادي‪.‬‬

‫وأصبح هذا اجلهد وهذا التن افس يف املادي ات بني األمم ‪ -‬وإن كان فيه مص لحة دنيوية‬
‫للن اس ‪ -‬على حس اب مص لحتهم الديني ة‪ .‬وال دين احلق ال يع ارض تق دم اإلنس ان وتط وره يف‬
‫أموره الدنيوية‪ ،‬ولكنه يعارض عبوديته هلا‪.‬‬

‫واملدعو يف العصر احلاضر ليس كاملدعو يف السابق‪ ،‬ال من حيث الطبيعة واجلنس‪ ،‬بل من‬
‫حيث البيئة والظروف ووسائل املعيشة‪ ،‬اليت هلا تأثري كبري يف دعوته‪.‬‬

‫و إيص ال ال دعوة إىل املدعو يف الس ابق حيت اج يف الغ الب إىل جه د كب ري‪ ،‬وخاص ة يف حال ة‬
‫بُ ْع د املدعو عن مكان الداعية‪ ،‬فيحتاج إيصال الرسالة الدعوية إىل أي ام‪ ،‬ورمبا إىل أشهر‪ ،‬ومع‬
‫هذا اجلهد فإن الرسالة الدعوية ال تصل إال إىل عدد حمدود من الناس‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪463‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأما يف العصر احلاضر فإنه ميكن إيصال الرسالة الدعوية يف اللحظة ذاهتا ‪ -‬أي يف حلظة‬
‫البث ‪ -‬إىل ماليني البشر‪ ،‬مع العلم أنه ميكن تدعيم الرسالة الدعوية‬
‫بوسائل التشويق‪.‬‬

‫إذا ك ان األم ر ك ذلك‪ ،‬فمن املس يطر على وس ائل االتص ال ؟ ومن ال ذي ميتل ك األقم ار‬
‫الصناعية‪ ،‬واحملطات الفضائية ؟ وبالتايل من املتحكم بطبيعة الرسالة الدعوية؟‬

‫ال ش ك أن املتص رف يف ذل ك كل ه هم أص حاب ال دعوات املض للة‪ ،‬أم ا أه ل احلق م ع‬


‫ماعن دهم من وس ائل اإلعالم إال أهنم ال يس خروهنا _ يف الغ الب _ ل دعوة احلق إال يف ال نزر‬
‫اليسري‪ ،‬الذي يذوب يف خضم البحر اهلائج من الضالل‪.‬‬

‫وعلى ه ذا األس اس ف إن املدعو يف العص ر احلاض ر يتع رض غ الب وقت ه لتل ك ال دعوات‬
‫اهلدامة‪ ،‬اليت تغزوه يف بيته‪ ،‬ويف سوقه‪ ،‬ويف مقر عمله‪ ،‬تغزوه بأشكال متعددة‪ ،‬بالصوت وحده‪،‬‬
‫مع ا‪ ،‬أض ف إىل ذل ك م ا ه و مق روء من أن واع‬
‫أو الص ورة وح دها‪ ،‬أو الص ورة والص وت ً‬
‫املطبوعات‪ ،‬اليت تستحوذ على قلبه‪ ،‬ومتلك عليه مسعه وبصره‪ ،‬وعندئذ ميرض القلب بالشهوات‬
‫والش بهات‪ ،‬والقلب املريض ال حيس ن تلقي دع وة احلق‪ ،‬و ق د ال ينتف ع من كالم اهلل ورس وله‬
‫ص‪.‬‬

‫ومن جانب آخر فقد كان خيشى على املدعو يف السابق االغرتار بالدنيا وزينتها‪ ،‬فكيف‬
‫هي احلال باملدعو يف العص ر احلاض ر ؟! عص ر تعل ق الن اس في ه ب املراكب الفاره ة‪ ،‬والقص ور‬
‫الف اخرة‪ ،‬فض اًل عن م ا يهمهم من مجي ل الثي اب‪ ،‬وص نوف الطع ام والش راب‪ .‬فأص بح الن اس يف‬
‫العصر احلاضر أكثر تعل ًق ا بدنياهم‪ ،‬مما كان له األثر البالغ يف ضعف الدين والرغبة عن اآلخرة‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪464‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومن األمور اهلامة اليت جيب أال يغفل عنها يف العصر احلاضر تزيني الباطل للناس وتسميته‬
‫بغري امسه‪ ،‬كما تسمى اخلمور باملشروبات الروحية‪ ،‬والغناء واملوسيقا بالفن‪ ،‬مما يوحي للناس‬
‫بأن هذه األشياء حممودة وال غىن لإلنسان عنها‪.‬‬

‫أضف إىل ذلك فساد الفطرة واحنطاط األخالق عند كثري من أهل العصر احلاضر‪ ،‬حىت‬
‫أص بح للرذائ ل عن دهم مجاع ات منظم ة ت دعو هلا وت دافع عنه ا‪ ،‬كجماع ات الع راة ومجاع ات‬
‫الش ذوذ اجلنس ي وحنوه ا‪ ...‬وتل ك اجلماع ات جتد يف بعض البل دان من يع رتف هبا ويس اعد يف‬
‫تنظيمها ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فسادا من جانب األخالق‪،‬‬


‫واجلانب الديين عند أكثر الناس يف العصر احلاضر ليس بأقل ً‬
‫فق د ختب ط الن اس يف أدي اهنم‪ ،‬وك ان الكف ار يف الس ابق من الع رب يف اجلاهلي ة يعرف ون اهلل‪،‬‬
‫ويؤمنون بوجوده‪ ،‬ويتوجهون إليه‪ ،‬ولكنه توجه سقيم !حيث كانوا يشركون معه غريه‪ ،‬ولقد‬
‫أخرب اهلل عنهم سبحانه وتعاىل بقوله { ولئن سألتهم من خلق السماوات واألرض ليقولن اهلل }‬
‫( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقوله { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن اهلل }( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫أيض ا ب أن اهلل ه و ال ذي ي رزقهم من الس ماوات واألرض‪ ،‬وه وا ل ذي ميل ك‬


‫ويع رتفون ً‬
‫السمع واألبصار‪ ،‬وهو الذي خيرج احلي من امليت‪ ،‬ويدبر األمر‪ ،‬وهو الذي بيده ملكوت كل‬
‫شيء( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() انظر أمساء بعض هذه اجلماعات وأماكنها عند جنيب عبداهلل الرفاعي يف كتابه جولة يف عامل التيه والضياع‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة لقمان جزء من اآلية ‪.25‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الزخرف‪ ،‬جزء من اآلية ‪.87‬‬ ‫‪3‬‬

‫() اقرأ اآليات ‪ 31 :‬من سورة يونس‪ 89 - 84 ،‬من سورة املؤمنون‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪465‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وقد أخرب عنهم املوىل سبحانه وتعاىل بقوله { ما نعبدهم إال ليقربونا إىل اهلل زلفى}( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولكن ُج َّل كف ار ه ذا الزم ان ال يق رون هبذه األش ياء هلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬وال يع رتفون‬
‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كبريا‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫بوجوده‪ ،‬ويقول قائلهم ( ال إله واحلياة مادة ) تعاىل اهلل عما يقولون ً‬
‫كما بني شيخ اإلسالم حممد بن عبد الوهاب (رمحه اهلل ) ما خيتلف به أهل هذا الزمان‬
‫عن األولني فيقول‪:‬‬

‫(( اعلم أن ش رك األولني أخ ف من ش رك أه ل وقتن ا ب أمرين‪ :‬أح دمها‪ :‬أن األولني ال‬
‫يش ركون وال ي دعون املالئك ة واألولي اء أوثانً ا م ع اهلل إال يف ح ال الرخ اء‪ ،‬وأم ا يف الش دة‬
‫أناس ا مقربني عند اهلل‪ ،‬إما أنبياء‬
‫فيخلصون هلل الدين‪ ...‬واألمر الثاين‪ :‬أن األولني يدعون مع اهلل ً‬
‫وأحجارا مطيعة ليست عاصية‪ .‬أما أهل زماننا يدعون‬
‫ً‬ ‫أشجارا‬
‫ً‬ ‫أو أولياء أو مالئكة‪ ،‬ويدعون‬
‫أناسا من أفسق الناس ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مع اهلل ً‬

‫ومما جيب التنبه له من أحوال املدعو يف العصر احلاضر هو ما يواجهه من يلتزم الدين احلق من‬
‫غ زو فك ري منظم وح رب ش عواء ال تس تهدف القض اء على ه ذا اإلنس ان‪ ،‬ولكن تس تهدف‬
‫القضاء على خصائص هذا اإلنسان‪ .‬لتحوله إىل آلة من ناحية‪ ،‬وإىل حيوان من ناحية أخرى( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ويف نظرة إىل املدعو من جانب املرأة يف العصر احلاضر‪ ،‬جند أن حضارة هذا العصر خترج‬
‫باملرأة عن طبيعتها‪ ،‬وتتكلف هلا الظروف من أجل مساواهتا بالرجل يف كل جوانب حياهتا( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬جزء من اآلية ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر حممد قطب‪ ،‬جاهلية القرن العشرين ص ‪.47 - 42‬‬ ‫‪2‬‬

‫() كشف الشبهات يف التوحيد ص ‪.17 ،16‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر ‪ :‬سيد قطب‪ ،‬اإلسالم ومشكالت احلضارة ص ‪.5‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر ‪ :‬د‪ .‬علي حممد جريشة ورفيقه‪ ،‬أساليب الغزو الفكري للعامل اإلسالمي ص ‪ .91 -85‬وانظر ‪ :‬أنور‬ ‫‪5‬‬

‫اجلندي‪ ،‬تاريخ الغزو الفكري والتغريب ص ‪.76 - 69‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪466‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومما ي ذكر من أص ناف املدعوين يف العص ر احلاض ر أن اس عرف وا شيًئا من دق ائق ص نع اهلل‬
‫س بحانه وتع اىل وعج ائب خلق ه يف الك ون والنفس ال يت ق ال اهلل س بحانه وتع اىل عنه ا { ويف‬
‫أنفس كم أفال تبص رون }( )‪ .‬وبتط ور العلم واكتش اف األدوات احلديث ة املس اعدة‪ ،‬كاملن اظري‬
‫‪1‬‬

‫الفلكي ة‪ ،‬واجملاهر الطبي ة انكشف للن اس ش يءٌ من عظمة اهلل سبحانه وتع اىل يف خملوقاته‪ ،‬ما مل‬
‫يكن معروفً ا فيما سبق‪ ،‬مما جعل بعض الناس يتساءل عن هذه القدرة اإلهلية‪ ،‬مما أهلهم لقبول‬
‫الدعوة احلقيقية‪ ،‬وترك ما هم عليه من الباطل‪.‬‬

‫وصنف آخر من الناس يف الغرب ملّ وا هذه احلضارة وزيفها‪ ،‬وعرفوا سخافة ما يدين به‬
‫كثري من الناس‪ ،‬فأحدث عندهم فرا ًغا روحيًا جعلهم يبحثون عن الدين احلق الذي تطمئن إليه‬
‫نفوسهم‪.‬‬

‫كما حند من علماء الغرب من يرى أن احلضارة احلديثة ال تالئم اإلنسان‪ ،‬يقول الدكتور‬
‫ألكسيس كارل( )‪ (( :‬إن احلضارة اإلنسانية جتد نفسها يف موقف صعب‪ ،‬ألهنا ال تالئمنا‪ .‬لقد‬‫‪2‬‬

‫أنش أت دون أي ة معرف ة بطبيعتن ا احلقيقي ة‪ ،‬إذ أهنا تول دت من خي االت االكتش افات العلمي ة‪،‬‬
‫وشهوات الناس‪ ،‬وأوهامهم‪ ،‬ونظرياهتم ورغباهتم‪ ،‬وعلى الرغم من أهنا أنشأت مبجهوداتنا‪ ،‬إال‬
‫أهنا غري مناسبة حلجمنا وشكلنا‪.) ()) ..‬‬
‫‪3‬‬

‫() سورة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عامل فرنسي مشهور‪ ،‬حصل على عدة جوائز علمية يف الطب‪ ،‬مارس التدريس يف جامعة ليون يف فرنسا‬ ‫‪2‬‬

‫عام ا‬
‫عدة أعوام‪ ،‬مث رحل إىل أمريكا واشتغل يف معهد روكفلر لألحباث العلمية بنيويورك وبقي قرابة ثالثني ً‬
‫حىت اعتزل العمل يف سنة ‪ 1939‬م‪ ( .‬حاشية كتاب اإلسالم ومشكالت احلضارة ص ‪.) 9‬‬
‫() اإلنسان ذلك اجملهول ص ‪ ،37‬وانظر الصفحات ‪ .42 - 37‬وانظر ‪ :‬سيد قطب‪ ،‬اإلسالم ومشكالت‬ ‫‪3‬‬

‫احلضارة ص ‪.109‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪467‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وال نقول إن هذه احلضارة كلها ليست مناسبة حلجم اإلنسان وشكله‪ ،‬بل فيها املناسب‬
‫وغري املناسب‪ ،‬فاملسلم يأخذ منها ما يناسب دينه ويرتك منها ما سوى ذلك‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪468‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬كيف يستقيد المدعو في العصر الحاضر من المنهج‬

‫عدم االغترار بالحضارة‬

‫لقد غرق املدعو يف العصر احلاضر هبذه احلياة الدنيا وزينتها‪ ،‬اليت حذر اهلل سبحانه وتع اىل‬
‫هلوا ولعبًا‬
‫من االغ رتار هبا يف كتاب ه العزي ز يف آي ات كث رية‪ ،‬كم ا يف قول ه { ال ذين اختذوا دينهم ً‬
‫وغرهتم احلياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا جيحدون }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقوله سبحانه { فال تغرنكم احلياة الدنيا و اليغرنكم باهلل الغرور }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وكم ا ك ان الن يب ص حيذر ص حابته من ال دنيا ملا يعلم ه من خطره ا عليهم‪ ،‬ففي ح ديث‬
‫أيب س عيد اخلدري ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ (( :-‬أن الن يب ص جلس ذات ي وم على املن رب وجلس نا‬
‫حول ه‪ ،‬فق ال‪ :‬إن مما أخ اف عليكم من بع دي م ا يفتح عليكم من زه رة ال دنيا وزينته ا‪ .‬فق ال‬
‫رجل‪ :‬يا رسول اهلل ! أو يأيت اخلري بالشر ؟‪.) ()) ...‬‬
‫‪3‬‬

‫وم ا أن واع املخرتع ات واملص نوعات يف العص ر احلاض ر يف املآك ل واملش ارب‪ ،‬واملس اكن‬
‫واملراكب‪ ،‬إال من قبيل زهرة احلياة الدنيا‪ ،‬اليت حذر اهلل ورسوله ص من االغرتار هبا‪ .‬لذا فإن‬
‫املدعو يف العصر احلاضر يف حاجة إىل حتذيره من االخنداع باحلياة الدنيا وزينتها‪ ،‬أشد من غريه‬
‫يف عص ور س ابقة ؛ وذل ك ألن ال دنيا يف الس ابق مل تكن بتل ك اجلاذبي ة واإلغ راء كم ا هي علي ه‬
‫اليوم‪ ،‬إضافة إىل ما عند املدعوين اليوم من قلة الدين و ضعف اليقني‪.‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.51‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة لقمان‪ ،‬جزء من اآلية ‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الزكاة ‪.453 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪469‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ومنهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل اهلل غ ين‬
‫بالتوجيه ات والعظ ات يف ه ذا الش أن‪ ،‬وق د س بقت اإلش ارة إىل ش يء من ه ذا يف دع وة أم ري‬
‫املؤمنني للمهتدين‪ ،‬تلك الكلمات والعظات اليت ما برح الناس يتناقلوهنا ويدونوهنا يف أسفارهم‪،‬‬
‫حىت وصلت إىل املدعو يف العصر احلاضر‪.‬‬

‫واملدعو يف العصر احلاضر عندما يسمع هذه الكلمات والعظات‪ ،‬من أمري املؤمنني علي‬
‫بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ش أن ال دنيا‪ ،‬يع رف أهنا ص درت من قلب جترد من حب‬
‫الدنيا وشهواهتا‪ ،‬ومل ينعم بشيء من زينتها ولذاهتا‪ ،‬بل يفر منها فرار الصحيح من اجملذوم‪ .‬كما‬
‫يدرك املدعو أن هذه الكلمات صدرت من رجل ال مثيل له يف هذا العصر‪ ،‬أما الكلمات اليت‬
‫يسمعها من بعض دعاة هذا العصر‪ ،‬فرمبا رآها ال ختلو من رائحة تعلق صاحبها بالدنيا‪ ،‬وحبه‬
‫هلا‪.‬‬

‫ومن كلمات أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف التزهيد بالدنيا قوله‪:‬‬
‫(( ارحتلت ال دنيا م دبرة وارحتلت اآلخ رة مقبل ة‪ ،‬ولك ل واح دة منهم ا بن ون فكون وا من أبن اء‬
‫وغدا حساب وال عمل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫اآلخرة وال تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب‪ً ،‬‬

‫فكم من الن اس الي وم أص بحوا أبن اء ب ررة لل دنيا‪ ،‬وترك وا اآلخ رة وش أهنا‪ ،‬فك انت ال دنيا‬
‫مههم الوحيد يصبحون يف شغلها‪ ،‬وميسون يف ذكرها‪ ،‬يفرحون مبا أوتوا منها‪ ،‬وحيزنون على ما‬
‫فاهتم من شأهنا‪ .‬إن تعلموا فللدنيا‪ ،‬وإن عملوا فللدنيا‪ ،‬وإن أعطوا فللدنيا‪ ،‬وإن أخذوا فمن أجل‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫() البخ اري يف ص حيحه تعلي ًق ا‪ ،‬كت اب الرق اق ‪ .176 / 4‬وأخرج ه اإلم ام أمحد يف فض ائل الص حابة ‪/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،530‬وقال احملقق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .76 / 1‬وذكره‬
‫ابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪ .321 / 1‬وانظر ‪ :‬د‪ .‬حبيب يوسف مغنية‪ ،‬األدب العريب من ظهور اإلسالم‬
‫إىل هناية العصر الراشدي ص ‪.351-349‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪470‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ف أين ه ؤالء من وص يته ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬البن عم ه عبداهلل بن عب اس (رض ي اهلل‬


‫عنهما)‪ (( :‬أما بعد فإن املرء يسوءه فوت ما مل يكن ليدركه‪ ،‬ويسره درك ما مل يكن ليفوته‪،‬‬
‫فليكن سرورك مبا نلت من أمر آخرتك‪ ،‬وليكن أسفك على ما فاتك منها‪ ،‬وما نلت من دنياك‬
‫فرحا‪ ،‬وما فاتك منها فال تأس عليه حزنًا‪ ،‬وليكن مهك فيما بعد املوت ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فال تكثرن به ً‬

‫ومما قال ه ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ش أن تزهي د الن اس ب دنياهم‪ ،‬وص رفهم إىل أخ راهم‪:‬‬
‫((وليعلم املرء منكم أن ال دنيا دار بالء وفن اء‪ ،‬واآلخ رة دار ج زاء وبق اء‪ ،‬فمن اس تطاع أن ي ؤثر‬
‫ما يبقى على ما يفىن فليفعل‪ ،‬فإن اآلخرة تبقى والدنيا تفىن))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وليست أقوال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فحسب هي ما يستفيد‬
‫أيض ا الدال ة على زه ده يف ال دنيا وزينته ا‪ ،‬ورغبت ه يف‬
‫من ه املدعو يف العص ر احلاض ر‪ ،‬ب ل س ريته ً‬
‫اآلخرة ونعيمها‪ ،‬مع أنه توىل خالفة الدولة اإلسالمية فكانت أموال البالد كلها بني يديه‪.‬‬

‫فلو تأملنا حال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫يف وقت خالفته وشأنه مع الدنيا يف مأكله وملبسه ‪ -‬مثاًل ‪ -‬فيما روى‬
‫عبداهلل بن زرير( ) قال‪ :‬دخلت على علي بن أيب طالب‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ - -‬قال حسن( ) يوم األضحى ‪ -‬فقرب‬


‫‪4‬‬

‫إلينا خزيرة( )‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلحك اهلل ! لو قربت إلينا من هذا البط‪ ،‬يعين الوز‪ ،‬فإن اهلل عز وجل‪،‬‬
‫‪5‬‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.327 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() شرح ابن أيب احلديد ‪ .26 / 2‬و أمحد زكي صفوت‪ ،‬مجهرة رسائل العرب ‪474 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الغافقي املصري‪ ،‬روى عن عمر وعلي‪ .‬قال العجلي ‪ :‬مصري تابعي ثقة‪ .‬وقال ابن سعد ‪ :‬كان ثقة وله‬ ‫‪3‬‬

‫أحاديث‪ .‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪ .‬مات سنة ‪81‬هـ وقيل غري ذلك‪( .‬انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب‬
‫‪.)190/ 5‬‬
‫() هو أحد الرواة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫صغار ا ويصب عليه ماء كثري‪ ،‬فإذا نضج صب عليه الدقيق‪ ( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪/ 2‬‬
‫() اخلزيرة ‪ :‬حلم يقطع ً‬
‫‪5‬‬

‫‪ ،644‬مادة [خزر] )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪471‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قد أكثر اخلري‪ .‬فقال‪ :‬يا ابن زرير ! إين مسعت رسول اهلل ص يقول‪ :‬ال حيل للخليفة من مال اهلل‬
‫إال قصعتان‪ ،‬قصعة يأكل منها هو وأهله‪ ،‬وقصعة يضعها بني يدي الناس ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأما اللباس فلم يكن أحسن حااًل من الطعام‪ ،‬فقد كانت فيه الداللة الواضحة على الزهد‬
‫يف ال دنيا واحلذر منه ا‪ ،‬فق د ع وتب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف لباسه م رة فق ال‪ (( :‬يقت دي املؤمن‪،‬‬
‫وخيشع القلب ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومما ج اء يف وص فه ال ذي ي دل على حال ه م ع ال دنيا م ا ق ال ض رار الص دائي‪...(( :‬‬


‫يستوحش من الدنيا وزهرهتا‪ ،‬ويأنس إىل الليل ووحشته‪ ،‬كان غزير العربة طويل الفكرة‪ ،‬يعجبه‬
‫من اللب اس م ا قص ر‪ ،‬ومن الطع ام م ا خش ن‪ ...‬لق د رأيت ه يف بعض مواقف ه ـ وق د أرخى اللي ل‬
‫قابضا على حليته يتململ متلمل السليم‪ ،‬ويبكي بكاء احلزين‪ ،‬ويقول‪ :‬يا‬
‫سدوله وغارت جنومه ـ ً‬
‫إيل تشوقت ؟ هيهات‪ ،‬هيهات ! ـ قد طلقتك ثالثًا‪ ،‬ال رجعة‬
‫إيل تعرضت أم َّ‬
‫دنيا غري غريي‪َّ ،‬‬
‫فيه ا ؛ فعم رك قص ري‪ ،‬وعيش ك حق ري‪ ،‬وخط رك كب ري‪ .‬آه‪ ..‬آه ! من قل ة ال زاد‪ ،‬وبع د الس ف‪،‬‬
‫ووحشة الطريق!))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ .26 / 2‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأورده اهليثمي يف جممع الزوائد ‪ 231 / 5‬وقال ‪ :‬وفيه ابن هليعة‪ ،‬وحديثه حسن وفيه ضعف‪ .‬وأورده ابن‬
‫كثري يف البداية والنهاية ‪.3 / 8‬‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ .549 / 1‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪2‬‬

‫أيضا يف الزهد ص ‪ .163‬ويف املسند ‪ 88 / 2‬بلفظ ‪ (( :‬مالكم وللباس‪ ،‬أبعد‬ ‫صحيح‪ .‬وأخرجه اإلمام أمحد ً‬
‫من الكرب‪ ،‬وأجدر أن يقتدي املسلم )) ‪ .‬وقال أمحد شاكر يف حتقيقه ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وذكره احملب الطربي يف‬
‫الرياض النضرة ‪.213 / 3‬‬
‫() انظ ر‪ :‬ابن عب د ال رب‪ ،‬االس تيعاب(املطب وع على ه امش اإلص ابة) ‪ .44 / 3‬وابن اجلوزي‪ ،‬ص فة الص فوة‬ ‫‪3‬‬

‫‪.1/315‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪472‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫جانب العقيدة‬

‫املدعو من املس لمني يف العص ر احلاض ر يعيش ج ًوا مليًئا ب الفنت ال يت تنهش إميان ه من ك ل‬
‫جانب‪ ،‬فنت مل تكن موجودة يف سلف هذه األمة‪ ،‬ولكن املصطفى عليه الصالة والسالم الذي‬
‫ال ينط ق عن اهلوى يعلم م ا س تواجه أمت ه من بع ده من الفنت إذا تق دم هبم الزم ان‪ ،‬ل ذا فإن ه مل‬
‫يغفل عن حتذيرهم منها وبيان طرق النجاة من هذه كما يف حديث أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ص‪ (( :‬بادروا باألعمال‪ ،‬فتنً ا كقطع الليل املظلم‪ ،‬يصبح الرجل مؤمنً ا‬
‫كافرا‪ ،‬يبيع دينه بعرض من الدنيا ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫كافرا‪ ،‬أو ميسي مؤمنًا ويصبح ً‬
‫وميسي ً‬

‫ويف العصر احلاضر تكاثرت الفنت وانتشرت‪ ،‬فأصبح املسلم حباجة إىل ما حيصن به إميانه‪،‬‬
‫ويقاوم به ما حوله من فنت هذا الزمان‪ ،‬ففي جانب حتصني البيوت مما يضر باإلميان يروي عن‬
‫رسول اهلل ص أنه قال‪ (( :‬ال تدخل املالئكة( ) بيتًا فيه كلب وال صورة( ) ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإلميان ‪.110 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قال اخلطايب ‪ :‬املراد باملالئكة الذين ينزلون بالرمحة والربكة‪ ،‬ال احلفظة‪ ( .‬معامل السنن‪ ،‬املطبوع مع سنن‬ ‫‪2‬‬

‫أيب داود ‪.) 154 / 1‬‬


‫() ق ال اخلط ايب ‪ :‬ك ل م ا ص ور من ذوات األرواح س واء ك انت هلا أش خاص منتص بة أو ك انت منقوش ة يف‬ ‫‪3‬‬

‫سقف أو جدار أو مصنوعة يف منط‪ ،‬أو منسوجة يف ثوب فإن قضية العموم تأيت عليه‪ ،‬فليجتنب وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫(معامل السنن‪ ،‬املطبوع مع سنن أيب داود ‪.) 154 / 1‬‬
‫() أخرج ه اإلم ام أمحد واللف ظ ل ه‪ ،‬املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر ‪ .139 / 2‬وق ال أمحد ش اكر يف حتقيق ه ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه أبو داود يف سننه‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ .154 ،153 / 1‬والنسائي يف سننه‪ ،‬كتاب‬
‫الطه ارة ‪ .141 / 1‬واحلديث عن د البخ اري يف ص حيحه‪ ،‬كت اب ب دء اخلل ق ‪ .448 / 2‬وعن د مس لم يف‬
‫صحيحه‪ ،‬كتاب اللباس والزينة ‪ 1665 / 3‬من حديث ابن عباس عن أيب طلحة قال مسعت رسول اهلل ص‬
‫يقول ‪ (( :‬ال تدخل املالئكة بيتًا فيه كلب وال صورة ))‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪473‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فليت شعري أي بيت يف هذا الزمان خيلو من الصور بأشكاهلا وألواهنا‪ ،‬وخمتلف أحجامها‬
‫!!! وكم يف البيوت من صور الكاسيات العاريات‪ ،‬املائالت املميالت‪ ،‬و ال يقتصر وجود هذه‬
‫الصور على النقوش الثابتة‪ ،‬والرسوم اجلامدة‪ ،‬بل صور ماثلة للعيان بألواهنا الطبيعية وحركاهتا‬
‫وأصواهتا الفعلية‪.‬‬

‫وليعلم املدعو أن االحتفاظ بالصور حرام بل هو من كبائر الذنوب‪ ،‬ملا ورد يف ذلك من‬
‫األح اديث الص حيحة املتض منة للوعي د الش ديد‪ ،‬واملن ذرة بالع ذاب األليم للمص ورين‪ ،‬والتح ذير‬
‫من ه ذه الص ور‪ ،‬وملا يف ذل ك من التش به باهلل يف خلق ه لألحي اء‪ ،‬وألن ه ق د يك ون ذريع ة إىل‬
‫الش رك كص ور العظم اء والص احلني‪ ،‬أو بابً ا من أب واب الفتن ة‪ ،‬كص ور اجلميالت واملمثالت‬
‫والكاسيات العاريات( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وكيف يتخلص املدعو املعاصر من هذا البالء العظيم‪ ،‬والشر اجلسيم احلاصل هبذه الصور‬
‫؟ إن منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ال دعوة إىل اهلل ال خيل و من‬
‫عالج هلذه املشكلة‪ ،‬والعالج يتمثل يف قوله أليب اهلياج األسد‪ (( :‬أال أبعثك على ما بعثين عليه‬
‫قربا مشرفًا إال سويته ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫رسول اهلل ص‪ ،‬أن ال تدع متثااًل إال طمسته‪ ،‬وال ً‬

‫إذن ال خالص من هذه الصور وما فيها من الفنت إال بطمسها وإزالتها‪ ،‬واملبادرة يف ذلك‬
‫وعدم التسويف والتأجيل‪ ،‬ففي ذلك خالص من الفنت‪ ،‬وسالمة يف الدين‪.‬‬

‫() انظر فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬مجع وترتيب الشيخ أمحد بن عبد الرزاق الدويش ‪/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .455‬وه ذه اإلجاب ة على س ؤال ورد إىل اللجن ة ونص ه ‪ :‬حص ل نق اش بني اإلخ وان يف حكم التص وير‬
‫الشمسي‪ ،‬واالحتفاظ بالصور الشمسية‪ ،‬ومل ينته النقاش إىل نتيجة‪ ،‬فما حكم التصوير الشمسي‪ ،‬واالحتفاظ‬
‫هبذه الصور ؟‬
‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪.666 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪474‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫يف جانب آخر من جوانب العقيدة‪ ،‬جانب الوالء والرباء‪ ،‬الذي خف ميزانه عند الناس‬
‫قرب بني الناس‪ ،‬وأحدث تفاعاًل بني القريب‬
‫يف العصر احلاضر‪ ،‬بفعل التطور احلضاري‪ ،‬الذي َّ‬
‫منهم والبعيد‪ ،‬وارتباطً ا بني الش رقي منهم والغريب‪ ،‬فتعارفوا وتآلفوا‪ ،‬دون النظر لفوارق الدين‬
‫والقيم‪.‬‬

‫رائع ا من حي اة أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬


‫أمنوذج ا ً‬
‫ً‬ ‫إن املدعو املعاص ر ال يع دم‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذا اجلانب‪ ،‬جانب الوالء والرباء‪ ،‬لكي يفيق من رقدته‪ ،‬و ينتبه من غفلته‪،‬‬
‫حيدثنا أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن هذا النموذج فيقول‪ (( :‬ملا مات‬
‫أب و ط الب أتيت الن يب ص فقلت‪ :‬إن عم ك الش يخ الض ال ق د م ات‪ ،‬فق ال انطل ق ف واره‪ ،‬وال‬
‫حتدث ش يًئا ح ىت ت أتيين‪ ،‬ق ال‪ :‬ف انطلقت فواريت ه‪ ،‬ف أمرين أن أغتس ل‪ ،‬فاغتس لت مث دع ا يل‬
‫ض من شيء))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫بدعوات‪ ،‬ما أحب أن يل هبن ما َعُر َ‬

‫فهذا والده ملا تويف مل يتول جتهيزه ومواراته حىت حيتاط لدينه‪ ،‬فسالمة دينه أغلى عنده‬
‫من عالقت ه بوال ده ؛ ل ذا توج ه إىل رس ول اهلل ص مستفس ًرا م اذا يص نع يف ه ذه احلال ؟ مث بع د‬
‫ذلك نفذ ما أمر به وهو مطمئن النفس‪ ،‬هادئ البال‪ ،‬ال على مصري والده‪ ،‬بل على التصرف‬
‫الذي يضمن له سالمة الدين‪.‬‬

‫جانب آخر يف العقيدة يستفيده املدعو املعاصر‪ ،‬فإنه ال يُ ْع َدم أن يستفيد من تلك العظات‬
‫البليغة والتوجيهات النافعة له ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬اليت ما تزال مسطرة يف أثناء الكتب‪ ،‬واليت هي‬
‫مادة قيمة يف أثناء اخلطب واملواعظ‪ ،‬فمن مواعظه ذات التأثري يف النفوس قوله‪ ...(( :‬فاتقوا اهلل‬
‫عباد اهلل‪ ،‬وجدوا يف الطلب ‪ ،‬وبادروا بالعمل مقطع النهمات‪ ،‬وهادم اللذات‪ .‬فإن الدنيا ال يدوم‬
‫() أخرجه اإلمام أمحد يف املسند‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬املسند حتقيق أمحد شاكر ‪ .274 / 2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪ .‬وأبو داود يف سننه ‪ /‬كتاب اجلنائز ‪ .547 / 3‬والنسائي يف سننه‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪.80 ،79 / 4‬‬
‫وابن أيب شيبة يف املصنف ‪ .347 / 3‬وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي ‪.431 / 2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪475‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫نعيمه ا‪ ،‬وال ت ؤمن فجائعه ا‪ ،‬غ رور حائ ل‪ ،‬وس ناد مائ ل‪ ...‬اتعظ وا عب اد اهلل ب العرب‪ ،‬واعت ربوا‬
‫باآليات واألثر‪ ،‬وازدجروا بالنذر‪ ،‬وانتفعوا باملواعظ‪ .‬فكأن قد علقتكم خمالب املنية‪ ،‬وضمكم‬
‫بيت الرتاب‪ ،‬ودمهتكم مقطعات األمور بنفخة الصور‪ ،‬وبعثرة القبور‪ ،‬وسياقة احملشر‪ ،‬وموقف‬
‫احلس اب‪ ،‬بإحاط ة ق درة اجلب ار‪ .‬ك ل نفس معه ا س ائق يس وقها حملش رها‪ ،‬وش اهد يش هد عليه ا‬
‫بعمله ا { وأش رقت األرض بن ور رهبا ووض ع الكت اب وجيء ب النبيني والش هداء وقض ي بينهم‬
‫ب احلق وهم ال يظلم ون }( ) ف ارجتت ل ذلك الي وم البالد‪ ،‬ون ادى املن اد‪ ،‬وك ان ي وم التالق‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وكش ف عن س اق‪ ،‬وكس فت الش مس‪ ،‬وحش رت الوح وش‪ ،‬مك ان م واطن احلش ر‪ ،‬وب دت‬
‫األسرار‪ ،‬وهلكت األشرار‪ ،‬وارجتت األفئدة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪ .78 / 1‬وابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.328 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪476‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫في جانب العبادة‬

‫إن اإلنسان املسلم مأمور يف عبادته باتباع هدي املصطفى ص وهدي اخللفاء الراشدين‪،‬‬
‫كم ا ج اء يف ح ديث العرب اض بن س ارية( ) ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ق ال‪ :‬ص لى بن ا رس ول اهلل ص‬
‫‪1‬‬

‫ذات يوم‪ ،‬مث أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ ،‬فقال‬
‫قائل‪ :‬يا رسول اهلل ! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال‪ (( :‬أوصيكم بتقوى اهلل‬
‫كثريا‪ ،‬فعليكم‬
‫عبدا حبشيًا‪ ،‬فإنه من يعش منكم بعدي فسريى اختالفً ا ً‬
‫والسمع والطاعة‪ ،‬وإن ً‬
‫ض وا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم وحمدثات‬
‫وع ُّ‬
‫بسنيت وسنة اخللفاء املهديني الراشدين‪ ،‬متسكوا هبا‪َ ،‬‬
‫األمور‪ ،‬كل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فاألمر باتباع سنة اخللفاء الراشدين‪ ،‬ومنهم أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ ،-‬أم ر من رس ول اهلل ص للمس لمني يف ك ل األزم ان‪ ،‬وعلى ه ذا األس اس ف إن املس لم يف‬
‫العصر احلاضر م أمور باتب اع أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬ال ذي يس ري‬
‫على سنة رسول اهلل ص‪ ،‬كما كان بقية الصحابة يعملون (رضي اهلل عنهم أمجعني)‪.‬‬

‫واالستفادة من منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف العب ادة من‬
‫وجهني‪ :‬أحدمها يف احلث على العبادة‪ ،‬والثاين التفقه يف العبادة‪.‬‬

‫() العرباض بن سارية السلمي‪ ،‬كنيته أبو جنيح‪ ،‬كان من أهل الصفة ونزل محص‪ ،‬أسلم قدميًا‪ ،‬قال أبو مسهر‬ ‫‪1‬‬

‫وغري واحد ‪ :‬مات سنة ‪ 75‬هـ ( انظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬هتذيب التهذيب ‪ ،158 ،157 / 7‬ترمجة ‪.) 341‬‬
‫() أخرجه أبو داود يف سننه واللفظ له‪ ،‬كتاب السنة ‪ 13 / 5‬ـ ‪ .15‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬كتاب العلم ‪/ 5‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،44‬وقال أبو عيسى ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وابن ماجة يف سننه‪ ،‬املقدمة ‪ .16 ،15 / 1‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح سنن ابن ماجة ‪.4 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪477‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فأما الوجه األول فإن ما جاء عن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫حث على العب ادة أو ت رغيب أو ت رهيب ف إن ه ذا كل ه داف ٌع لإلنس ان املس لم يف العص ر احلاض ر‬
‫للنشاط يف عبادته‪ ،‬وعدم الكسل فيها‪.‬‬

‫ومن ذل ك ‪ -‬على س بيل املث ال ‪ -‬يف ج انب احلث على العب ادة وال رتغيب فيه ا قول ه‪:‬‬
‫((أوصيكم بإقام الصالة فإهنا امللة‪ ،‬وإيتاء الزكاة فإهنا فريضته‪ ،‬وصوم شهر رمضان‪ ،‬فإنه جنة‬
‫من عذاب ه‪ ،‬وحج ال بيت فإن ه منف اة للفق ر‪ ،‬مدحض ة لل ذنب‪ ،‬وص لة ال رحم‪ ،‬فإهنا م ثراة للم ال‪،‬‬
‫منسأة لألجل‪ ،‬حمبة يف األهل‪ ،‬وصدقة السر‪ ،‬فإهنا تكفر اخلطيئة‪ ،‬وتطفئ غضب الرب‪ ،‬وصنع‬
‫املعروف فإنه يدفع ميتة السوء‪ ،‬ويقي مصارع اهلول ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأما اجلانب الثاين‪ ،‬جانب الفقه يف العبادة ففيه الفقه بأحكامها‪ ،‬والفقه يف كيفيتها‪ ،‬ومن‬
‫أخ رج البخ اري بس نده عن‬ ‫الفق ه باألحك ام احلديث املش هور عن ه يف حكم املذي‪ ،‬فق د‬
‫علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنت رجاًل مذاءً‪ ،‬فأمرت رجاًل أن يسأل النيب ص ـ ملكان ابنته ـ‬
‫فسأل‪ ،‬فقال‪ (( :‬توضأ‪ ،‬واغسل ذكرك))( )‪ .‬وملسلم (( يغسل ذكره ويتوضأ ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومنه ا النهي عن ق راءة الق رآن يف الرك وع والس جود‪ ،‬كم ا أخ رج مس لم يف ص حيحه‬
‫بسنده عن علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن يقول‪ (( :‬هناين‬
‫رسول اهلل ص عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد ))( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫() وردت هذه الوصايا يف خطبة لعلي (رضي اهلل عنه)‪ ( .‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.) 308 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الغسل ‪.106 ،105 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احليض ‪.247 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كتاب الصالة ‪.349 ،348 / 1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪478‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأم ا الفق ه بالكيفي ة فمن ه م ا بين ه من ص فة ص الة رس ول اهلل ص من اللي ل حيث يق ول‪:‬‬
‫(( كان إذا قام إىل الصالة قال‪ :‬وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حني ًف ا وما أنا‬
‫من املش ركني‪ .‬إن ص اليت ونس كي وحمي اي وممايت هلل رب الع املني ال ش ريك ل ه وب ذلك أم رت‬
‫وأن ا من املس لمني‪ .‬اللهم ! أنت املل ك ال إل ه إال أنت‪ .‬أنت ريب وأن ا عب دك‪ ،‬ظلمت نفس ي‪،‬‬
‫مجيعا‪ .‬إنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ .‬واهدين ألحسن األخالق‪.‬‬
‫واعرتفت بذنيب‪ ،‬فاغفر يل ذنويب ً‬
‫ال يه دي ألحس نها إال أنت‪ .‬واص رف ع ين س يئها‪ ،‬ال يص رف ع ين س يئها إال أنت‪ .‬لبي ك‬
‫وسعديك‪ ،‬واخلري كله يف يديك‪ ،‬والشر ليس إليك‪ ،‬أنا بك وإليك‪ ،‬تباركت وتعاليت أستغفرك‬
‫وأت وب إلي ك‪ .‬وإذا رك ع ق ال‪ :‬اللهم ! ل ك ركعت‪ ،‬وب ك آمنت‪ ،‬ول ك أس لمت‪ ،‬خش ع ل ك‬
‫مسعي وبصري‪ ،‬وخمي وعظمي‪ ،‬وعصيب‪ .‬وإذا رفع قال‪ :‬اللهم ! ربنا لك احلمد ِم ْلءَ السماوات‪،‬‬
‫وملء األرض‪ ،‬وملء م ا بينهم ا‪ ،‬وملء م ا ش ئت من ش يء بع د‪ .‬وإذا س جد ق ال‪ :‬اللهم ! ل ك‬
‫سجدت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬ولك أسلمت‪ .‬سجد وجهي للذي خلقه وصوره‪ ،‬وشق مسعه وبصره‪.‬‬
‫تبارك اهلل أحسن اخلالقني‪ .‬مث يكون من آخر ما يقول بني التشهد والتسليم‪ :‬اللهم ! اغفر يل ما‬
‫قدمت وما أخرت‪ ،‬وما أسررت وما أعلنت‪ ،‬وما أسرفت‪ ،‬وما أنت أعلم به مين‪ .‬أنت املقدم‬
‫وأنت املؤخر‪ .‬ال إله إال أنت ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها ‪ 534 / 1‬ـ ‪.536‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪479‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫جانب اآلداب واألخالق‬

‫إن املدعو يف ه ذا العصر ال ذي ض اعت في ه القيم‪ ،‬وفس دت في ه األخالق ‪ -‬إال من رحم‬


‫اهلل ‪ -‬حباجة إىل منبع أصيل يستقي منه قيمه وأخالقه‪ ،‬الشك أن هذا املنبع األصيل هو كتاب‬
‫اهلل وسنة رسوله ص‪ ،‬وإذا رأى ذلك متمثاًل يف مناذج واقعية استقت من ذلك املنبع وحذقت ما‬
‫فيه‪ ،‬يدرس تارخيها ويعرف سريهتا‪ ،‬ويسنت بسنتها‪ ،‬حصل له بذلك النفع الكبري‪.‬‬

‫إن س ري اخللف اء الراش دين ومنهم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف‬
‫آداهبم وأخالقهم خري مناذج عرفتها هذه األمة يف حسن اآلداب وكرم األخالق‪ ،‬بعد رسول اهلل‬
‫ص‪.‬‬

‫واملسلم يف الوقت احلاضر لو تأمل ما كان عليه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫درس ا بليغً ا له يف التغلب على نفسه‪ ،‬فمن كان‬
‫اهلل عنه ‪ -‬من التواضع وقهر النفس‪ ،‬لكان ذلك ً‬
‫عجب ه بنفس ه مما ل ه من احلس ب والنس ب‪ ،‬فلينظ ر إىل ح ال ابن عم رس ول اهلل ص وزوج ابنت ه‬
‫ووالد سبطيه‪.‬‬

‫ومن كان عجبه بنفسه لعلو املنصب وجودة الوظيفة‪ ،‬فلينظر إىل حال من بلغ املنصب‬
‫األعلى يف الدولة اإلسالمية يف وقت من األوقات‪.‬‬

‫ومن كان عجبه بنفسه ملا عنده من العلم وعلو الشهادة‪ ،‬فلينظر إىل من بلغ املنزلة الرفيعة‬
‫يف هذا الشأن‪ ،‬بشهادة أهل العلم أنفسهم‪ ،‬فعن عائشة (رضي اهلل عنها) قالت‪ { :‬أما إنه أعلم‬
‫الناس بالسنة}( )‪ .‬وعن احلسن بن علي ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬أنه خطب الناس بعد وفاة علي ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرج ه ابن عب د ال رب‪ ،‬االس تيعاب يف معرف ة األص حاب‪ ،‬حتقي ق علي حمم د البج اوي ص ‪ .1104‬وأورده‬ ‫‪1‬‬

‫احملب الطربي‪ ،‬ذخائر العقىب ص ‪ .78‬والسيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ص ‪.196‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪480‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رض ي اهلل عن ه ‪ -‬فق ال‪ { :‬لق د ف ارقكم رج ل أمس‪ ،‬م ا س بقه األول ون بعلم‪ ،‬وال أدرك ه‬
‫(‪)1‬‬
‫اآلخرون }‬

‫ومن ك ان عجب ه بنفس ه ملا عن ده من املال‪ ،‬ف إن املال ال يس اوي ش يًئا ولق د أدرك أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وغريه من السلف هذه احلقيقة‪ ،‬ولو كان املال‬
‫مفخرة حقيقية لكانوا أحرص الناس على طلبه‪.‬‬

‫جوانب أخرى‬

‫إن تلك السرية العطرة ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مبا فيها من‬
‫اجلهود الدعوية‪ ،‬فيها النفع الكب ري للم دعوين على اختالف من ازهلم وتباين أح واهلم‪ ،‬فإن كان‬
‫املدعو عامل ا جيد يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬القدوة احلسنة يف‬
‫ً‬
‫احلرص على تط بيق العلم ونش ره‪ ،‬فم ازال ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬بع د رس ول اهلل (ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم) متصديًا لنصر العلم والفتيا ( )‪ .‬وهو ذلك العامل الذي ال مينعه من قول احلق مكانة أحد‬
‫‪2‬‬

‫كائنً ا من ك ان‪ ،‬كم ا يف قص ته م ع أم ري املؤم نني عم ر بن اخلط اب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬وأم ري‬
‫املؤمنني عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) ( -‬‬
‫‪3‬‬

‫متعلم ا جيد الق دوة يف علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف احلرص‬
‫وإن ك ان املدعو ً‬
‫على طلب العلم وجماه دة النفس يف حتص يله‪ ،‬كم ا خيرب علي بن أيب ط الب عن نفس ه يف ه ذا‬
‫فيقول‪ (( :‬ما دخل نوم عيين‪ ،‬والغمض رأسي على عهد رسول اهلل ص حىت علمت ذلك اليوم‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،595 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪ .‬وأخرجه أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪.65 / 1‬‬


‫() انظر اإلصابة ‪.508 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع الباب الثالث‪ ،‬الفصل الثالث‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪481‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ما نزل به جربيل ( رضي اهلل عنه ) من حالل أو سنة‪ ،‬أو كتاب أو أمر أو هني‪ ،‬وفيمن نزل ))‬
‫( )‪ .‬كما كان شديد احلرص على طلبه وفهمه‪ ،‬كما حيدث عن نفسه فيقول‪ { :‬واهلل ! ما أنزلت‬ ‫‪1‬‬

‫آية إال وقد علمت فيم نزلت‪ ،‬وأين نزلت‪ ،‬إن ريب وهب يل قلبًا عقوال‪ ،‬ولسانًا سؤواًل }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وإن ك ان املدعو أم ًريا جيد يف منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫قدوة يف حرصه على صالح أمته‪ ،‬واستغالل الفرص واملناسبات يف دعوهتا إىل املوىل جل وعال‪،‬‬
‫ويدل على هذا ما جاء يف أول خطبة له ملا بويع باخلالفة‪ (( :‬إن اهلل تعاىل أنزل كتابًا هاديًا بني‬
‫فيه اخلري والشر‪ ،‬فخذوا باخلري ودعوا الشر‪ .‬الفرائض أدوها إىل اهلل سبحانه وتعاىل يؤدكم إىل‬
‫()‬
‫متر دون أن ي بني هلم‬
‫حرم ا غ ري جمهول ة‪ . ))...‬وه و ال ذي ال ي دع فرص ة ُّ‬
‫‪3‬‬
‫اجلن ة‪ ،‬إن اهلل ح رم ً‬
‫شرا‪.‬‬
‫خريا‪ ،‬أو حيذرهم ً‬
‫ً‬

‫مأمورا‪ ،‬جيد يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫وإن كان املدعو ً‬
‫الق دوة الص احلة يف ح ال املأمور ال ذي يعني أم ريه يف نش ر احلق وقم ع الباط ل‪ ،‬كتنفي ذه ألم ر‬
‫الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) له بطمس الصور‪ ،‬وتسوية القبور ( )‪ .‬كما كان مع اخللفاء أيب‬
‫‪4‬‬

‫بك ر وعم ر وعثم ان ( رض ي اهلل عنهم أمجعني ) من خ ري الرعي ة يف خالفتهم‪ ،‬ي أمتر ب أمرههم‪،‬‬
‫ويسعى معهم يف مصلحة األمة‪ ،‬ويضرب بالسيف بني أيديهم( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() مسند اإلمام زيد بن علي ص ‪.343‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن سعد يف الطبقات ‪ ،338 / 2‬وأبو نعيم يف احللية ‪ 67 / 1‬واللفظ له‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.701 / 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سبق ذكر احلديث وخترجيه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬اخللفاء الراشدون من تاريخ اإلسالم ص ‪ .251 ،250‬و عبد الستار الشيخ‪ ،‬علي بن أيب‬ ‫‪5‬‬

‫طالب (رضي اهلل عنه) ص ‪ 106‬وما بعدها‪ ،‬يف كالمه عن علي مع اخللفاء الثالثة ( رضي اهلل عنهم )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪482‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وإن كان املدعو أبًا ألوالد فإنه جيد يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬القدوة املثلى يف رعاية األبناء‪ ،‬وتنشئتهم على قول احلق‪ ،‬وأال تأخذهم يف اهلل لومة الئم‪،‬‬
‫واألمر باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬كما كان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يوصي بنيه بذلك‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫(( وقوال احلق‪ ...‬وال تأخ ذكما يف اهلل لومة الئم )) ( )‪ .‬وقوله‪ (( :‬وال ت رتكوا األمر باملعروف‬
‫‪1‬‬

‫والنهي عن املنكر ))( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪.157 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪.158 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪483‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫كيف يستفيد الداعية المعاصر من المنهج‬

‫نظرة إلى الداعية في العصر الحاضر‬

‫الداعي ة يف العص ر احلاض ر ه و اإلنس ان املس لم ال ذي محل هم ال دعوة إىل اهلل س بحانه‬
‫وتعاىل‪ ،‬وقام مبا ميكنه القيام به من متطلباهتا‪ ،‬يف عصر التقدم املادي‪ ،‬والتفوق التكنولوجي‪.‬‬

‫ولكن مباذا خيتلف الداعية يف العصر احلاضر عن الداعية يف السابق ؟ إن االختالف بينهما‬
‫لن يك ون يف موض وع ال دعوة ؛ ألن موض وع ال دعوة مس تمد مما ج اء عن اهلل تع اىل من ذ ب دء‬
‫نزول القرآن على رسول اهلل ص‪ ،‬وما صاحب هذا التنزيل من أحاديث نبوية شريفة‪ ،‬بنَّي فيها‬
‫رسول اهلل ص كتاب اهلل كما أمره اهلل تعاىل بذلك‪ ،‬حيث قال {وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس‬
‫ما نزل إليهم}( )‪ ،‬وإمنا خيتلف حال الداعية يف العصر احلاضر‪ ،‬عن الداعية يف السابق من حيث‬
‫‪1‬‬

‫ظ روف املدعوين‪ ،‬ووس ائل ال دعوة وأس اليبها‪ ،‬فق د اختلفت الظ روف‪ ،‬وتن وعت الوس ائل‬
‫واألس اليب‪ ،‬فأص بح الداعي ة يف حاج ة إىل مراع اة ظ روف املدعوين وأح واهلم‪ ،‬فيخت ار من‬
‫الوسائل واألساليب احلديثة ما يراه أصلح هلم وأدعى أن يقبلوا منه ويأخذوا عنه‪.‬‬

‫أض ف إىل ذل ك ف إن م ا تواجه ه ال دعوة اإلس المية يف العص ر احلاض ر من الع داء الس افر‪،‬‬
‫بوسائل جديدة مل تكن يف السابق‪ ،‬فالصراع بني احلق‬

‫() سورة النحل‪ ،‬جزء من اآلية ‪.44‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪484‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫والباط ل ب اق إىل قي ام الس اعة‪ ،‬كم ا يف قول ه س بحانه وتع اىل { وال يزال ون يق اتلونكم ح ىت‬
‫يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فقوى الشر والفساد يف العصر احلاضر يتفقون مع سابقيهم يف اهلدف‪ ،‬ولكنهم خيتلفون‬
‫عنهم يف الوسيلة‪ .‬فتارة بالعداء السافر‪ ،‬وأخرى بالكيد املسترت‪ .‬ومرة بالقنبلة والصاروخ‪ ،‬وثانية‬
‫بالصوت والصورة‪ ،‬و ال تفوهتم احلروب االقتصادية أو الضغوط السياسية‪ .‬فض اًل عن حماوالت‬
‫التشويه والتشكيك يف هذا الدين احلنيف‪ .‬إىل غري ذلك من الوسائل واألساليب ‪.‬‬

‫وال دعاة إىل اهلل هم جنود احلق‪ ،‬ال ذين يواجه ون جن ود الش ر‪ ،‬ال ذين اس تخدموا حضارة‬
‫هذا العصر يف استحداث الوسائل واألساليب حملاربة هذا الدين وأهله‪ ،‬فكلما خابت بأيديهم‬
‫أداة اختذوا أخرى بدهلا‪ ،‬وكلما خذهلم أسلوب هنجوا غريه‪.‬‬

‫ل ذا ف إن ال واجب على دع اة الي وم كب ري‪ ،‬واملس ؤولية عظيم ة‪ ،‬ومن أهم واجب اهتم يف ه ذا‬
‫العصر ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬مواجهة التحديات ضد اإلسالم واملسلمني‪ ،‬ومعرفة خططها ووسائلها‪ ،‬وذلك مبعرفة ما‬
‫يس تخدم فيه ا من تقني ات العص ر ووس ائله احلديث ة‪ .‬وه ذا حيت اج إىل دع اة متخصص ني‬
‫متس لحني ب العلم واإلميان‪ ،‬ن ذروا أنفس هم لل دفاع عن دين اهلل‪ ،‬حمتس بني أج رهم وث واهبم‬
‫عند اهلل‪ ،‬عندهم القدر الكايف من الفطنة والذكاء وعلوم العصر‪.‬‬

‫‪ -2‬تبليغ هذا الدين إىل أولئك احليارى الذين أدركوا من علوم العصر احلاضر‬
‫ما هم فيه من الضالل ‪ ،‬وعلى سبيل املثال يقول أحد‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.217‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪485‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ه ؤالء احلي ارى( ) ال ذين ه داهم اهلل لإلس الم بع د احلرية‪ (( :‬لق د أحسس ت بتفاه ة احلي اة‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وخوائها من كل معىن‪ ،‬وشرعت بدراسة كافة املبادئ‪ ،‬والنظريات الفلسفية‪ ،‬فلم يعجبين‬
‫أي منه ا‪ .) ()) ...‬وه ؤالء الن اس حيت اجون ِمن ال دعاة َم ْن حيس ن التعام ل معهم‪ ،‬ويع رف‬
‫‪2‬‬

‫مداخل أنفسهم‪ ،‬خياطبهم مبا يفهمون‪ ،‬ويأتيهم من طريق علومهم اليت يعرفون‪.‬‬

‫‪ -3‬من اظرة أه ل العل وم ال ذين فتحت هلم عل ومهم آفاقً ا من التفك ري يف حقيق ة ه ذا الك ون‬
‫وم دبره‪ ،‬كعل وم الفل ك والكيمي اء واألحي اء والطب‪ ،‬واس تغالل م ا توص ل إلي ه العلم من‬
‫اكتشافات حديثة‪ ،‬وأسرار عجيبة يف هذا الكون إلثبات قدرة املوىل جل وعال‪ ،‬وأحقيته‬
‫بالعبادة‪ .‬وامسع إجابة أحد األطباء الذين أسلموا( )‪ ،‬عندما سئل‪ :‬بصفتكم طبيبً ا‪ ،‬أال تعتقد‬
‫‪3‬‬

‫أن املعج زات املوج ودة يف اجلس م‪ ،‬والتك وين اإلنس اين ت دل على وحداني ة اخلالق‪ ،‬كم ا‬
‫نظام ا دقي ًق ا ليس عفويًا‪ ،‬وأنا بصفيت‬
‫حدثنا القرآن الكرمي ؟ فأجاب قائاًل ‪ :‬إن هلذا الكون ً‬
‫وجراح ا‪ ،‬كانت تصدمين حقائق مذهلة‪ ،‬تستدعي التأمل واحلرية‪ .‬كما أكدت يل‬
‫ً‬ ‫طبيبً ا‬
‫ه ذه احلق ائق أن ه ذا الك ون ل ه خ الق واح د ق ادر ف وق تص ورات البش ر‪ ،‬فال ب د من إل ه‬
‫واحد وراء هذا الكون ودقته العظيمة( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫إضافة إىل ما هو معروف من واجبات الدعوة يف كل زمان‪ ،‬من تبصري املسلمني بأمور‬
‫دينهم‪ ،‬ودعوة غري املسلمني للدخول يف هذا الدين‪.‬‬

‫() وامسه ‪ :‬يوسف علي كابري من أصل أسباين‪ ،‬ولد يف برشلونه سنة ‪ 1940‬م‪ ،‬واعتنق اإلسالم ‪ 1969‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(عرفات كامل العشي‪،‬رجال ونساء أسلموا ‪.) 665 / 7‬‬


‫() املرجع السابق ص ‪.68‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهو الدكتور شوقي فوتاكي من اليابان‪ ( .‬عرفات كامل العشي‪ ،‬رجال ونساء أسلموا ‪.) 36 / 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املرجع السابق ص ‪.39‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪486‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأما كيفية استفادة الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬فيمكن احلديث عنه من خالل النقاط اآلتية‪- :‬‬

‫أواًل ‪ :‬االستفادة في موضوع الدعوة‬

‫لو تأمل الداعية املعاصر يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫جانب موضوع الدعوة‪ ،‬لوجد أن ثقة املدعوين بالدعاة وتأثريه فيهم مرتبط مبدى ما عندهم من‬
‫العلم يف موضوع الدعوة‪ .‬وال خيفى ما ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من‬
‫املكانة يف قلوب معاصريه‪ ،‬ملا عنده من سعة العلم يف موضوع الدعوة‪ ،‬مما جعل كالمه عندهم‬
‫مقبواًل ‪ ،‬كما يشهد بذلك عبداهلل بن عباس (رضي اهلل عنهما) فيقول‪ { :‬إذا حدثنا ثقة عن علي‬
‫بفتيا ال نعدوها }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وعن سويد بن غفلة أنه جاءه رجل يسأله عن فريضة رجل ترك ابنته وامرأته‪ ،‬قال‪ :‬أنا‬
‫أنبئك قضاء علي‪ .‬قال‪ :‬حسيب قضاء علي‪ .‬قال‪ :‬قضى علي المرأته الثمن‪ ،‬والبنته النصف‪ ،‬مث‬
‫رد البقية على ابنته( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫إذا ك ان األم ر ك ذلك فعلى الداعي ة املعاص ر أن يش مر عن س اعد اجلد لطلب العلم يف‬
‫موضوع الدعوة ؛ ليكسب ثقة مدعويه وميكنه التأثري فيهم‪.‬‬

‫وليعلم الداعية املعاصر أن طلب هذا العلم حيتاج إىل بذل الوسع من اجلهد‪ ،‬كما كانت‬
‫حال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬إذ يقول عن نفسه‪ { :‬ما دخل نوم‬

‫() أخرجه ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.338 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه ‪.375 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪487‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عنيي‪ ،‬وال غمض رأسي على عهد رسول اهلل ص حىت علمت ذلك اليوم ما نزل به جربيل ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬من حالل أو سنة‪ ،‬أو كتاب‪ ،‬أو أمر‪ ،‬أو هني‪ ،‬وفيمن نزل }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن اجلد يف طلب العلم أال جيع ل طلب ه ل ه يف فض ل أوقات ه‪ ،‬فمن ك ان ك ذلك ق َّل حظ ه‬
‫من ه‪ ،‬ومل ي درك من ه م ا يغني ه‪ .‬أض ف إىل ذل ك أن الداعي ة اجلاد يف طلب العلم الن افع حمت اج إىل‬
‫مالزمة شيخ يأخذ عنه‪ ،‬ويفهم منه‪ ،‬كما كانت مالزمة علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫لرسول اهلل ص‪ ،‬فكان علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬شديد احلرص على التلقي عن رسول اهلل ص يف‬
‫حضره وسفره‪.‬‬

‫وم ع املالزم ة واجلد يف الطلب‪ ،‬ف إن الداعي ة حباج ة ماس ة إىل ب ذل الس ؤال لطلب العلم‬
‫وفهمه‪ ،‬كما كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ذا لسان سؤول‪ ،‬وقلب‬
‫عقول‪ ،‬حيث يقول واص ًفا نفسه‪...(( :‬إن ريب وهب يل قلبً ا عقوال‪ ،‬ولسانًا سؤواًل }( )‪ .‬كما‬
‫‪2‬‬

‫يعل ل ك ثرة علم ه بطلب ه إي اه من رس ول اهلل ص بالس ؤال‪ ،‬بقول ه‪ { :‬كنت واهلل ! إذا س ألت‬
‫أعطيت‪ ،‬وإذا سكت ابتديت }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ومما جيب التنب ه ل ه يف ه ذا اجلانب ك ثرة أن واع العل وم يف العص ر احلاض ر‪ ،‬وك ثرة الكتب‬
‫فيه ا‪ ،‬مما خترج ه املط ابع من مئات الكتب‪ ،‬ب ل آالف الكتب يف الي وم الواح د‪ ،‬مما يص عب مع ه‬
‫قراءهتا واالستفادة منها‪ ،‬هنا يأيت دور االختيار من هذه الكتب واملعلومات‪ ،‬كما وجه بذلك‬
‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬حيث يق ول‪ (( :‬العلم أك ثر من أن حيفظ‪،‬‬

‫() مسند اإلمام زيد بن علي ص ‪.343‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه ابن سعد يف الطبقات ‪ ،338 / 2‬وأبو نعيم يف احللية ‪ 67 / 1‬واللفظ له‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ ،647 / 2‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح‪ .‬وأخرجه ابن أيب شيبة‪ ،‬الكتاب املصنف ‪ .59 / 12‬وأبو نعيم يف احللية ‪.68 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪488‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فخذوا من كل علم حماسنه ))( )‪ .‬االختيار املبين على أساس احلسن والنفع‪ ،‬فكم هي الكتب يف‬
‫‪1‬‬

‫العص ر احلاض ر ال يت ُش غل هبا الن اس‪ ،‬ال يت ال تش في غلياًل ‪ ،‬وال ت داوي علياًل ‪ ،‬فض اًل عن الكتب‬
‫الفاسدة املفسدة‪.‬‬

‫وهنا يأيت دور مهم للدعاة يف العصر احلاضر وهو توجيه املدعوين إىل اختيار ما يقرؤونه‬
‫من أنواع الكتب وأصناف العلوم‪.‬‬

‫ومع هذا القول ‪ -‬القول باالختيار ‪ -‬فإن ما يتم اختياره ال ميكن قراءته واالستفادة منه‬
‫مهم ا‪ ،‬أال وهو تقدمي الفاضل على املفضول‪ ،‬و األهم على املهم‪،‬‬
‫أمرا آخر ً‬
‫كله‪ ،‬لذا فإن هناك ً‬
‫وال ش يء من العل وم أفض ل من كت اب اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬وال ذي ال يكفي من ال داعي قراءت ه‬
‫وفهم ه‪ ،‬ب ل حفظ ه وت دبره الب اعث على العم ل ب ه وال دعوة إلي ه‪ .‬مث س نة رس ول اهلل ص‪ ،‬مث م ا‬
‫حيتاجه الداعية يف دعوته‪.‬‬

‫أيض ا من ه ذا التوجي ه اللطي ف من أم ري املؤم نني علي بن أيب‬


‫وليس تفد الداعي ة املعاص ر ً‬
‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬إذ يق ول‪ (( :‬علي ك باحلف ظ دون اجلم ع يف الكتب))( )‪ .‬وذل ك ألن‬
‫‪2‬‬

‫مجع الكتب يف هذا الزمان أصبح مفخرة عند بعض الناس‪ ،‬مع قلة اهتمامهم يف الفهم واحلفظ‪.‬‬
‫وم ا مجع الكتب واقتناؤه ا يف احلقيق ة إال وس يلة لتعلم م ا فيه ا وحفظ ه‪ ،‬ال للمف اخرة هبا‬
‫واملتاجرة‪.‬‬

‫وح ىت يس تفيد الداعي ة من ه ذا العلم الب د ل ه من ض بطه وفهم ه‪ ،‬وأن يس تخدم كاف ة‬
‫أساليب الضبط من حفظه يف الصدور‪ ،‬وكتابته يف سطور خبط واضح َبنِّي يسهل معه الرجوع‬
‫إليه‪ ،‬واالستفادة منه‪ ،‬وأبعد عن اخلطأ عند قراءته‪ ،‬والنص الدعوي إذا كتب بدون عناية ودقة‬

‫() تاريخ اليعقويب ‪.5 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬صفحة ‪ ،54‬الوجه ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪489‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رمبا ختون الكتاب ةُ ص احبَها وقت الرج وع إليه ا‪ .‬وكتاب ة النص ال دعوي بدق ة وعناي ة ميس ور يف‬
‫العصر احلاضر مع وجود احلاسبات اآللية‪ ،‬والطابعات العصرية‪.‬‬

‫أمورا منها‪-:‬‬
‫وليعلم الداعية املعاصر أن مما يعينه يف ضبط النصوص الدعوية ً‬

‫‪ -1‬العم ل ب ه‪ ،‬وإىل ه ذا يش ري أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬فيق ول‪:‬‬
‫{ تعلموا العلم تعرفوا به‪ ،‬واعملوا به تكونوا من أهله }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬مدارسته مع غريه من طلبة العلم ؛ من أجل رسوخه وعدم نسيانه‪ ،‬كما وجه أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بقوله‪ { :‬تزاوروا وتدارسـوا احلديث‪ ،‬وال ترتكوه‬
‫يدرس }( )‪.‬ويف رواية‪{ :‬تزاوروا وحتدثوا‪ ،‬فإن مل تفعلوا فإنه يدرس }( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬احلرص على تبليغه والدعوة إليه ؛ فذلك نافع يف حفظه واستذكاره‪ ،‬مع ما حيصل لصاحبه‬
‫من الربكة يف علمه وعمله‪.‬‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه‪ ،‬كتاب املقدمة ‪ .81 / 1‬وذكره ابن كثري يف البداية والنهاية ‪ .6 / 8‬وابن قتيبة‬ ‫‪1‬‬

‫يف عيون األخبار ‪.352 /2‬‬


‫() أخرجه اخلطيب البغدادي‪ ،‬اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪.236 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املرجع السابق ص ‪.237‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪490‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثانيًا‪ :‬االستفادة في فقه المدعو‬

‫ومما يستفيده الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬أمهية فقه املدعوين‪ ،‬الذي ينبين عليه اختيار وسائل الدعوة وأساليبها املناسبة هلم‪ ،‬فقد كان‬
‫أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬عن ده العلم الك ايف بأص ناف املدعوين يف‬
‫عصره‪ ،‬وكان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يتعامل مع كل صنف مبا يناسبه من الوسائل واألساليب‪.‬‬

‫واملدعوون يف هذا العصر أكثر أصنافًا‪ ،‬وأشد اختالفً ا من السابقني‪ ،‬فعلى الداعية التنبه‬
‫ل ذلك‪ ،‬وع دم احلكم على الن اس مبظ اهرهم‪ ،‬وم ا يص در من أق واهلم‪ .‬فق د ج اء رج ل إىل أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فأثىن عليه فأطراه‪ ،‬وكان قد بلغه عنه قبل ذلك‪،‬‬
‫فقال له علي‪ (( :‬إين لست كما تقول‪ ،‬وأنا فوق ما يف نفسك ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫كما أن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مل ينخدع مبا قاله اخلوارج يف‬
‫بادئ أمرهم‪ ،‬عندما قالوا‪ :‬ال حكم إال هلل‪ .‬قال‪ :‬كلمة حق أريد هبا باطل ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن الط رق األساس ية ال يت يس تفيدها الداعي ة من املنهج يف معرف ة أح وال املدعوين‬


‫طريقان‪-:‬‬

‫‪ -1‬الـتأمل يف أحواهلم‪ ،‬والنظر يف أقواهلم‪.‬‬

‫‪ -2‬االستعانة بأهل اخلربة واالختصاص‪.‬‬

‫() السيوطي‪ ،‬تاريخ اخللفاء ‪ .204‬ابن أيب الدنيا‪ ،‬كتاب الصمت وآداب اللسان ص ‪.555‬‬ ‫‪1‬‬

‫() صحيح مسلم ‪ .749 / 2‬ويف مصنف عبد الرزاق ‪ : 150 / 10‬كلمة حق عزي هبا باطل‪ .‬ويف مصنف‬ ‫‪2‬‬

‫ابن أيب شيبة ‪ 327 / 15‬قال علي ‪ :‬كلمة حق يبتغى هبا باطل‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪491‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فأمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪ -‬ع رف اخلوارج بوصف رسول اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل هلم وبيان آياهتم ودالئلهم‪ ،‬كما يقول أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬أيها الناس ! إين مسعت رسول اهلل ص يقول‪ (( :‬خيرج‬
‫قوم من أميت يقرأون القرآن‪ ،‬ليس قراءتكم إىل قراءهتم بشيء‪ ،‬وال صالتكم إىل صالهتم بشيء‪،‬‬
‫وال صيامكم إىل صيامهم بشيء‪ ،‬يقرأون القرآن‪ ،‬حيسبون أنه هلم وهو عليهم‪ ،‬ال جتاوز صالهتم‬
‫تراقيهم‪ ،‬ميرقون من اإلسالم كما ميرق السهم من الرمية ))( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ناس ا‪ ،‬إين ألعرف‬


‫ويف رواية قال علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬إن رسول اهلل ص وصف ً‬
‫صفتهم يف هؤالء‪.) ())...‬‬
‫‪2‬‬

‫ومعرف ة ال داعي ب أحوال مدعوي ه متكن ه من معرف ة م ا عن دهم من االعتق ادات واألفك ار‪،‬‬
‫وتفنيد ما هو باطل بأسلوب علمي حكيم‪ ،‬كما فعل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬يف تفنيده ملزاعم اخلوارج‪.‬‬

‫والن اس يف ه ذا الزم ان تن وعت أفك ارهم وتش عبت م ذاهبهم ومعتق داهتم‪ ،‬فق د م اجت‬
‫األرض هبم وأنتنت البق اع منهم‪ .‬فال دعاة حباج ة إىل معرف ة م ا هم علي ه من املعتق دات الباطل ة‪،‬‬
‫واألفكار املنحرفة‪ ،‬وما يسلكونه من سبل يف بث مسومهم‪ ،‬ونشر سخافاهتم‪.‬‬

‫() أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة ‪.748 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املرجع السابق ‪.749 / 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪492‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فم ا موق ف ال دعاة الي وم من العلمانية( ) (‪ - )SECULARISM‬مثاًل ‪ -‬ال يت ت دعو‬


‫‪1‬‬

‫إىل قي ام احلي اة على أس اس العلم املطل ق‪ ،‬وحتت س لطان العق ل والتج ريب‪ ،‬وإىل إقام ة ح اجز‬
‫مسيك بني علمي الروح واملادة( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وم ا م وقفهم من املاس ونية( )‪ ،‬ال يت تق وم على ه دم ال دين واألخالق‪ ،‬ونش ر االحنالل‬
‫‪3‬‬

‫والفوضى واإلرهاب واإلحلاد( )‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫وم ا م وقفهم من الوجودية( )‪ ،‬ال ذين يقول ون حبري ة اإلنس ان املطلق ة‪ ،‬وأن ل ه أن يثبت‬
‫‪5‬‬

‫وجوده كما يشاء‪ ،‬وبأي وجه يريد‪ ،‬دون أن يقيده شيء‪ .‬ويقولون إن على اإلنسان أن يطرح‬
‫املاضي‪ ،‬وينكر كل القيود دينية كانت أو اجتماعية( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫() العلمانية ‪ :‬معىن الرتمجة هلا عن اإلجنليزية ‪ :‬الالدينية‪ ،‬أو الدنيوية‪ ،‬وهي دعوة إىل إقامة احلياة على غري دين‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتع ين يف اجلانب السياس ي بال ذات ‪ :‬الالديني ة يف احلكم‪ ،‬وهي اص طالح ال ص لة ل ه ب العلم (‪)SCIENCE‬‬
‫واملذهب العلمي (‪ ( .)SCIENTISM‬املوس وعة امليس رة يف األدي ان واملذاهب املعاص رة‪ ،‬من مطبوع ات الندوة‬
‫العاملية للشباب اإلسالمي )‪.‬‬
‫() انظر ‪ :‬املرجع السابق ص ‪.372 - 367‬‬ ‫‪2‬‬

‫() املاس ونية لغ ة معناه ا البن اءون األح رار‪ ،‬هي يف االص طالح منظم ة يهودي ة س رية إرهابي ة غامض ة حمكم ة‬ ‫‪3‬‬

‫التنظيم هتدف إىل ضمان سيطرة اليهود على العامل‪ ،‬وتدعو إىل اإلحلاد واإلباحية والفساد‪ ،‬جل أعضائها من‬
‫الشخصيات املرموقة يف العامل‪ ،‬يوثقهم عهد حبفظ األسرار‪ ،‬ويقومون مبا يسمى باحملافل للتجمع والتخطيط‬
‫والتكلي ف بامله ام‪ ( .‬املوس وعة امليس رة يف األدي ان واملذاهب املعاص رة‪ ،‬من مطبوع ات الن دوة العاملي ة للش باب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ .499‬وانظر ‪ :‬عبداهلل التل‪ ،‬جذور البالء ص ‪ 116‬وما بعدها )‪.‬‬
‫() انظر ‪ :‬املرجع السابق (املوسوعة) ص ‪.453 - 449‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الوجودي ة ‪ :‬طائف ة يكف رون باهلل وكتب ه ورس له وبك ل الغيبي ات‪ ،‬وك ل م ا ج اءت ب ه األدي ان‪ ،‬ويعتربوهنا‬ ‫‪5‬‬

‫عوائق أمام اإلنسان حنو املستقبل‪ ،‬وقد اختذوا اإلحلاد مبدءًا ووصلوا إىل ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة‪ .‬يؤمنون‬
‫إميانًا مطل ًقا بالوجود اإلنساين ويتخذونه منطل ًقا لكل فكرة‪ ( .‬املوسوعة امليسرة يف األديان واملذاهب املعاصرة‪،‬‬
‫من مطبوعات الندوة العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.) 544 ،543‬‬
‫() انظر ‪ :‬املرجع السابق ص ‪.545 - 543‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪493‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وم ا موق ف دع اة الي وم من الربليوية( )‪ ،‬ال ذين يس تغلون الس ذج من الن اس وحيث وهنم على‬
‫‪1‬‬

‫االستغاثة باألنبياء واألولياء‪ ،‬ويصفون رسول اهلل ص بأن له قدرة يتحكم هبا يف الكون‪ ،‬يقول‬
‫أحد زعمائهم ( أمحد علي( ) )‪ (( :‬إن النيب ص نائب مطلق هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإن العلم كله‬
‫‪2‬‬

‫حتت تصرفاته‪ ،‬فيفعل ما يشاء‪ ،‬يعطي ما يشاء ملن يشاء‪.) ()) ...‬‬
‫‪3‬‬

‫وم ا موق ف دع اة الي وم من الداروينية( )‪ ،‬ال يت تنك ر أص ل ه ذا اإلنس ان وآدميت ه‪ ،‬وتفس ر‬


‫‪4‬‬

‫وج وده على أس اس النش وء واالرتق اء‪ .‬وال يت ت دعو إىل عب ادة الطبيع ة‪ ،‬فق د ق ال داروين‪:‬‬
‫(( الطبيعة ختلق كل شيء‪ ،‬وال ح ّد لقدرهتا على اخللق ))( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫() الربليوية ‪ :‬فرقة صوفية‪ ،‬ولدت يف اهلند أيام االستعمار الربيطاين‪ ،‬وقد غاال أفرادها يف حمبة وتقديس األنبياء‬ ‫‪1‬‬

‫بعامة‪ ،‬والنيب حممد ص خباصة‪ ،‬وأضفوا عليهم صفات تعلو هبم عن خصائص البشر‪ ( .‬املوسوعة امليسرة يف‬
‫األديان واملذاهب املعاصرة‪ ،‬من مطبوعات الندوة العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.) 69‬‬
‫() أمحد علي بن مجال ال دين بن خ داخبش‪ ،‬ول د يف كهوس ي‪ ،‬وخترج يف املدرس ة احلنفي ة جبنب ور س نة ‪1320‬‬ ‫‪2‬‬

‫هـ‪ ،‬وكان موته سنة ‪1367‬هـ‪.‬‬


‫() املوسوعة امليسرة يف األديان واملذاهب املعاصرة ص ‪.70‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الدارويني ة ‪ :‬نس بة إىل الب احث اإلجنل يزي ( تش ارلز داروين ) ال ذي نش ر كتاب ه ( أص ل األن واع ) س نة‬ ‫‪4‬‬

‫معتربا أصل احلياة خلية كانت يف مستنقع آسن قبل‬ ‫‪ 1859‬م‪ ،‬والذي طرح فيه نظريته يف النشوء واالرتقاء‪ً ،‬‬
‫ماليني الس نني‪ ،‬وق د تط ورت ه ذه اخللي ة وم رت مبراح ل منه ا ‪ :‬مرحل ة الق رد‪ ..‬انته اءً مبرحل ة اإلنس ان‪.‬‬
‫( املوس وعة امليس رة يف األدي ان واملذاهب املعاص رة‪ ،‬من مطبوع ات الن دوة العاملي ة للش باب اإلس المي‪ ،‬ص‬
‫‪.) 211‬‬
‫() املوسوعة امليسرة لألديان واملذاهب املعاصرة ص ‪.213‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪494‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وما موقفهم من شهود يهوه( )‪ ،‬الذين يعادون مجيع األديان‪ ،‬إال اليهودية‪ ،‬ويستغلون اسم‬
‫‪1‬‬

‫املسيح‪ ،‬والكتاب املقدس عند النصارى للوصول إىل هدفهم‪،‬‬

‫() شهود يهوه ‪ :‬منظمة علمية تقوم على سرية التنظيم و علنية الفكرة‪ ،‬دينية سياسية‪ ،‬ظهرت يف أمريكا يف‬ ‫‪1‬‬

‫النصف الثاين من القرن التاسع عشر‪ ،‬وهي تدعي أهنا مسيحية‪ ،‬والواقع أهنا تقع حتت سيطرة اليهود وتعمل‬
‫حلساهبم‪ ،‬وتعرف باسم ( العامل اجلديد ) إىل جانب ( شهود يهوه ) الذي عرفت به ابتداءً من سنة ‪1931‬م‪،‬‬
‫رئيس ا ململك ة اهلل‪ ( .‬املوس وعة امليس رة يف األدي ان واملذاهب املعاص رة‪ ،‬من‬
‫يؤمن ون بيه وه إهلً ا هلم‪ ،‬وبعيس ى ً‬
‫مطبوعات الندوة العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.) 293‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪495‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وهو إقامة دولة دينية دنيوية للسيطرة على العامل( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ ...‬إىل غري ذلك من املعتقدات مما يعرف ومما ال يعرف‪.‬‬

‫فعلى الداعي ة يف العص ر احلاض ر ال ذي يري د التعام ل م ع أي جنس من ه ذه األجن اس أن‬


‫يعرف ما هم عليه من املعتقدات‪ ،‬وما عندهم من التصورات‪ ،‬ومدى رسوخهم يف ما هم فيه‪،‬‬
‫ليتسىن له السالمة منهم‪ ،‬والرد على باطلهم‪ ،‬وحتذير الناس من شرهم‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬املوسوعة امليسرة يف األديان واملذاهب املعاصرة ص ‪.296 - 293‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪496‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ثالثًا‪ :‬االستفادة في كيفية الدعوة‬

‫جيد الداعي ة املعاص ر يف منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫توجيهات سديدة‪ ،‬ونصائح مفيدة‪ ،‬يف كيفية القيام بالدعوة إىل اهلل‪ ،‬وميكنه االستفادة من هذه‬
‫التوجيهات يف دعوته يف الوقت احلاضر من عدة جوانب منها‪-:‬‬

‫الجانب األول‪ :‬مخاطبة الناس من خالل تخصصاتهم‬

‫يستفاد هذا من قول علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬حدثوا الناس مبا يعرفون‪ ،‬أحتبون أن‬
‫يك ذب اهلل ورس وله؟))( )‪ .‬ووجه تطبيق هذا التوجي ه يف العص ر احلاض ر‪ ،‬يكون مبخاطبة الن اس‬
‫‪1‬‬

‫علم ا من العل وم العص رية‬


‫حبس ب م ا عن دهم من العلم‪ ،‬فالع امي غ ري ص احب العلم‪ ،‬ومن جيي د ً‬
‫ليس كغ ريه‪ ،‬فعلى س بيل املث ال‪ ،‬من ك ان ل ديهم علم بالفل ك وببعض م ا يف ه ذا الك ون من‬
‫الك واكب والنج وم‪ ،‬وم ا يرتب ط هبا من ت ركيب دقي ق ونظ ام عجيب‪ ،‬تلفت أنظ ارهم إىل ق درة‬
‫وعظمة خالق هذا الكون‪ ،‬ومدبره‪ ،‬وأن هذه األفالك الضخمة مل توجد نفسها‪ ،‬والبد هلا من‬
‫موجد‪ ،‬وأهنا التصرف نفسها هبذا النظام العجيب‪ ،‬الذي يربط هذا الكون ببعضه‪ .‬وأن خالق‬
‫هذه األفالك والقادر على تدبريها وتسيريها‪ ،‬يتصف بصفات العظمة والقدرة املطلقة‪.‬‬

‫ومن ك ان ل ديهم علم هبذا اإلنس ان‪ ،‬وببعض مكون ات جس مه‪ ،‬وم ا فيه ا من دق ة الص نع‬
‫وعظيم اخللق‪ ،‬تُلفت أنظارهم إىل هذه األجهزة العجيبة يف هذا اجلسم البشري‪ ،‬الذي اجتمعت‬
‫مص انع الي وم بأكمله ا على أن توج د مثله ا‪ ،‬ملا اس تطاعت إىل ذل ك س بياًل ‪ ،‬ول و ع اون بعض ها‬
‫بعضا‪.‬‬
‫ً‬

‫() ذكره البخاري يف صحيحه تعلي ًقا مث ذكر إسناده بعد ذلك‪ ،‬كتاب العلم ‪.62 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪497‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ولكن مما جيب التنبه له أن خماطبة مثل هذه األصناف من الناس حتتاج إىل دعاة جييدون‬
‫عل ومهم وختصص اهتم‪ ،‬من أج ل أن يك ون اخلط اب هلم والنق اش معهم‪ ،‬فيم ا يفهمون ه على‬
‫حقيقته‪.‬‬

‫وقد جنح يف هذا العصر كثري من الدعاة الذين سلكوا هذا السبيل‪ ،‬واستفادوا من العلوم‬
‫الدنيوية‪ ،‬والتخصصات العلمية‪ ،‬يف إجياد ثغرات يف نفوس بعض املدعوين‪ ،‬استطاعوا النفوذ من‬
‫خالهلا‪ ،‬وهداية أصحاهبا‪.‬‬

‫الجانب الثاني‪ :‬التوازن في دعوة الناس‬

‫يستفاد هذا من قول أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬إن الفقيه‬
‫ح ق الفقيه من مل يقنِّط الن اس من رمحة اهلل‪ ،‬ومل ي رخص هلم يف معاص ي اهلل‪ ،‬ومل ي ؤمنهم من‬
‫ع ذاب اهلل‪ .) ()) ...‬والت وازن املطل وب يف ه ذا التوجي ه الب د أن يتواف ق م ع أح وال املدعوين‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وب النظر للم دعوين يف العص ر احلاض ر جند طائف ة منهم حباج ة إىل دع وهتم ب اخلوف أك ثر من‬
‫دع وهتم بالرج اء‪ ،‬وم ا ذاك إال أهنم هتاونوا يف حرم ات اهلل‪ ،‬وجترؤوا على معاص ي اهلل ؛ ملا يف‬
‫زماهنم من كثرة املغريات‪ ،‬وغلبة الشهوات‪ .‬اليت حتتاج النفوس معها إىل رادع اخلوف‪ ،‬الذي‬
‫حيول بينها وبني شهواهتا‪.‬‬

‫وطائف ة أخ رى حباج ة إىل دع وهتم بالرج اء‪ ،‬وذل ك أن إغ راق الن اس الي وم يف الش هوات‬
‫كثريا من األمراض النفسية‪ ،‬حىت كثر عدد املنتحرين الذين كرهوا احلياة وملوا‬
‫واملاديات سبب ً‬
‫منها‪ ،‬فهؤالء حباجة إىل من يبعث يف نفوسهم األمل والرجاء‪ ،‬وأن يربطهم باهلل تعاىل‪ ،‬وبدينه‬

‫() أخرجه الدارمي يف سننه ‪ .89 / 1‬وأبو نعيم يف احللية ‪ .77 / 1‬وذكره السيوطي يف تاريخ اخللفاء ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .209‬وابن اجلوزي يف صفة الصفوة ‪ .325 / 1‬والذهيب يف تذكرة احلفاظ ‪.13 / 1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪498‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫القومي‪ .‬وهذا هو التوازن الذي أشار إليه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من‬
‫قوله املتقدم‪.‬‬

‫الجانب الثالث‪ :‬التوثيق في التبليغ‬

‫من املالحظ يف منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف دعوته توثيق‬
‫م ا يبلغ ه للن اس‪ ،‬باس تناده على ال دليل يف ج ل أقوال ه ملدعوي ه‪ ،‬فه و ال يلقي األم ر أو النهي أو‬
‫اإلخبار منسوبًا لنفسه‪ ،‬بل يقول أمر رسول اهلل ص بكذا‪ ،‬وهنى عن كذا‪ ،‬وقال رسول اهلل ص‬
‫كذا‪ ،‬وفعل كذا‪ ...‬وما مل ينسبه جتد شواهده ظاهرة يف الكتاب والسنة‪ ،‬مع أنه حمل ثقة عند‬
‫املدعوين‪ ،‬وال يرتابون يف األخذ عنه والتلقي منه‪ ،‬ولكنه املنهج الصحيح يف الدعوة هلذا الدين‪.‬‬

‫والداعية يف هذا العصر حباجة أكثر إىل توثيق أقواله‪ ،‬وأمره‪ ،‬وهنيه بالدليل من كتاب اهلل‬
‫وسنة رسوله ص‪ ،‬وذلك ألنه ليس يف قلوب الناس تلك املكانة اليت كانت ألمري املؤمنني علي‬
‫بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف قل وب مدعوي ه‪ ،‬وليس ت ل ه تل ك الثق ة ال يت ك انت عن د‬
‫السابقني ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫أضف إىل ذلك أن املدعوين يف هذا الزمان َبعُ َد عهدهم عن رسول ص وكان هلذا البعد‬
‫الزمين أثره فيما ينسب إليه من أقوال وأفعال‪ ،‬كنسبة ما مل يقله إليه‪ ،‬أو الزيادة فيه‪ ،‬أو النقص‬
‫منه‪ ،‬لذا فإن على الداعية يف هذا العصر واجبًا جتاه الدليل‪ ،‬هو التحري من صحة نسبته لرسول‬
‫اهلل ص‪ ،‬ولقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع صحبته لرسول اهلل‬
‫ص ومعرفته بأقواله وأفعاله‪ ،‬شديد التوثق يف قبول ما ينسب إليه‪ ،‬فقد كان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫يس تحلف من حيدث ه عن رس ول اهلل ص حيث يق ول يف ذل ك‪ { :‬كنت رجاًل إذا مسعت من‬
‫رسول اهلل ص حديثًا نفعين اهلل منه مبا شاء أن ينفعين‪ ،‬وإذا حدثين أحد من أصحابه استحلفته‪،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪499‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فإذا حلف يل صدقته‪ ،‬قال‪ :‬وحدثين أبو بكر ـ وصدق أبو بكر ـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪:‬‬
‫مسعت رسول اهلل ص يقول‪ :‬ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور‪ ،‬مث يقوم فيصلي ركعتني‪ ،‬مث‬
‫يس تغفر اهلل‪ ،‬إال غف ر اهلل ل ه‪ .‬مث ق رأ ه ذه اآلي ة { وال ذين إذا فعل وا فاحش ة أو ظلم وا أنفس هم‬
‫ذكروا اهلل }( ) إىل آخر اآلية }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجانب الرابع‪ :‬اإلقناع بالمناظرة والحوار‬

‫الن اس يف ه ذا الزم ان مييل ون أك ثر إىل املناقش ة واحلوار‪ ،‬نظ ًرا لتق دم العلم واتس اع ثقاف ة‬
‫الناس‪ ،‬إضافة إىل تأثر بعضهم باملناهج العقلية‪ .‬لذا فإن الداعية حباجة إىل استغالل هذا اجلانب‬
‫عند الناس يف دعوهتم إىل اهلل‪ ،‬وهذا جزء من منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عن ه ‪ -‬يف دعوت ه‪ ،‬فق د س لك فيه ا احلوار واملن اظرة م ع مدعوي ه‪ ،‬وحق ق ب ذلك النت ائج املرج وة‬
‫منها‪.‬‬

‫والناظر يف حوار أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف منهجه الدعوي‬
‫حوارا مع من هو فوقه كحواره لعمر بن اخلطاب( ) وعثمان بن عفان( ) (رضي اهلل عنهم‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫جند له ً‬
‫وحوارا مع من هو دونه كحواره مع ابنه احلسن( )‪ .‬إضافة إىل حواره مع خمالفيه من‬
‫‪5‬‬
‫ً‬ ‫أمجعني)‪،‬‬
‫اخلوارج وغريهم‪ ،‬ولكل حوار من ذلك طريقته وأسلوبه‪ ،‬وأدبه مع الطرف اآلخر‪.‬‬

‫() س ورة آل عم ران‪ ،‬ج زء من اآلي ة ‪ .135‬ومتامه ا ‪ { :‬فاس تغفروا ل ذنوهبم ومن يغف ر ال ذنوب إال اهلل ومل‬ ‫‪1‬‬

‫يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون }‪.‬‬


‫() أخرجه أبو داود يف سننه ‪ 180 / 2‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي يف سننه ‪ ،258 / 2‬وابن ماجة يف سننه ‪/ 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،446‬وحس نه األلب اين‪ ،‬انظ ر ‪ :‬ص حيح س نن الرتم ذي ‪ ،128 / 1‬وص حيح س نن ابن ماج ة ‪،233 /1‬‬
‫ومشكاة املصابيح ‪.416 / 1‬‬
‫() راجع صفحة ‪.474‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع صفحة ‪.478‬‬ ‫‪4‬‬

‫() راجع صفحة ‪.458‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪500‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫إذن‪ ،‬فما املانع أن يكون للدعاة يف العصر احلاضر حوار مع أنفسهم أواًل ‪ ،‬يناقشون فيه‬
‫كثريا من خالفاهتم ومشاكلهم‪ ،‬ويضعون األسس فيما يقبل اخلالف فيه‪،‬‬
‫قضاياهم‪ ،‬وحيلون فيه ً‬
‫وما ال يقبل‪ ،‬وحوار مع مشاخيهم وعلمائهم‪ ،‬يتناصحون فيه‪ ،‬ويستفيد الصغري فيه من الكبري‪،‬‬
‫ويُعرف فيه ألهل العلم والفضل حقهم‪ ،‬ملتزمني يف ذلك أدب العلماء‪ ،‬وطريقة السلف الصاحل‬
‫يف مناقشة األم ور املختل ف فيها‪ ،‬وبيان اخلطأ ال ذي رمبا وقع فيه أحدهم‪ ،‬فاخلطأ والنسيان ال‬
‫يسلم منهما أحد من الناس اليوم‪ ،‬وأهل السنة ال يعتقدون العصمة لعلمائهم ومشاخيهم‪ .‬ولذا‬
‫عمر بن اخلطاب‪ ،‬كما ناقش عثمان بن عفان يف املتعة‪ ،‬وليس يف ذلك‬
‫ناقش علي بن أيب طالب َ‬
‫خروج ا عن إم رهتم وط اعتهم‪ ،‬ولكن ه النص ح هلل ولرس وله ص وألئم ة املس لمني وع امتهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫من ه‬
‫والدعاة اليوم يف أمس احلاجة إىل احلوار البناء‪ ،‬امللتزم ألدب اإلسالم‪ ،‬املتأسى فيه برسول اهلل ص‬
‫وبصحابته الكرام (رضي اهلل عنهم أمجعني)‪.‬‬

‫الجانب الخامس‪ :‬الدعوة إلى اهلل في كل حين وآن‬

‫ليعلم الداعي ة املعاص ر أن ال دعوة إىل اهلل س بحانه وتع اىل ليس ت قص ًرا على حماض رات‬
‫منظمة‪ ،‬أو خطب خمصوصة‪ ،‬أو دروس حمدودة‪ .‬بل هي مع هذا كله توجيهات وكلمات وبكل‬
‫وسيلة وأسلوب ممكن يف كل حني وآن‪.‬‬

‫فقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يغفل عن توجيه مدعوية‬
‫يف كل فرصة مواتية‪ ،‬أو موقف مناسب‪ ،‬ال يشغله عن ذلك شاغل‪ ،‬فكان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫م ع م ا ه و في ه من مس ؤوليات اخلالف ة‪ ،‬وم ا ص احب عص ره من مش كالت وفنت ال يغف ل عن‬
‫رسالته الدعوية‪ ،‬وموعظة أصحابه‪ ،‬وتوجيههم يف أمور دينهم ودنياهم‪.‬‬

‫فما بال دعاة اليوم يعتذرون عن مهمات الدعوة إىل اهلل بأمور تتعلق بالوظيفة والدراسة‬
‫أو األهل واملال ؟ وما باهلم ال حيملون هم الدعوة كما محله أسالفهم‪ ،‬الذي من شأنه أن حيرك‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪501‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فيهم النشاط الدعوي ؟ وهم مع هذه األعذار يغفلون عن تلك املواقف الدعوية اليت ال حتتاج‬
‫جهدا وال وقتًا‪.‬‬
‫منهم ً‬

‫إن من أسباب التقصري يف دعاة اليوم ضعف اهلمة وقلة اليقني‪ ،‬فأين هم من قول رسول‬
‫اهلل ص لعلي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ (( :-‬فواهلل ! ألن يه دي اهلل ب ك رجاًل واح ًدا‪،‬‬
‫خري لك من أن يكون لك محر النعم))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الجانب السادس‪ :‬تأليف المدعوين بحسن الكالم‬

‫الداعية إىل اهلل حباجة إىل أن يكون مألوفً ا من قبل مدعويه‪ ،‬كما كانت حال نبينا حممد‬
‫ص كم ا خيرب عن ه م واله بقول ه { فبم ا رمحة من اهلل لنت هلم ول و كنت فظً ا غلي ظ القلب‬
‫النفضوا من حولك }( )‪ .‬فعلى الداعية اختاذ الوسائل‪ ،‬وحتري األسباب اليت تقرب منه مدعويه‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وحتببهم فيه‪.‬‬

‫ويف ه ذا اجلانب يس تفيد الداعي ة املعاص ر من توجي ه لطي ف ألم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إذ يقول‪ (( :‬من عذب لسانه كثر إخوانه ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ف الكالم اجلمي ل م ع املدعوين من الثن اء عليهم مبا يس تحقون‪ ،‬وال دعاء هلم‪ ،‬وحثهم على‬
‫اخلري‪ ،‬ومالطفتهم ب الكالم من أس باب اجتم اع الن اس ح ول الداعي ة وق رهبم من ه‪ .‬وإذا حص لت‬
‫األلفة بينه وبينهم‪ ،‬كانت الفرصة مواتية لدعوهتم إىل اهلل‪،‬حبثهم على اخلري‪ ،‬وحتذيرهم من الشر‪،‬‬
‫ومن مث حيصل االنتفاع منه وقبول دعوته‪.‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املغازي يف قصة بعثه إىل خيرب ‪.138 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬جزء من اآلية ‪.159‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حممد بن حممد بن عبد اجلليل العمري‪ ،‬مطلوب كل طالب من شرح كلمات علي بن أيب طالب (رضي‬ ‫‪3‬‬

‫اهلل عن ه) ( خمط وط ) ورق ه ‪ ،103‬وج ه ‪ .1‬والثع اليب‪ ،‬اإلعج از واإلجياز ص ‪ .28‬و علي اجلن دي ورفاق ه‪،‬‬
‫سجع احلمام من حكم اإلمام علي (رضي اهلل عنه) ص ‪.408‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪502‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رابعا‪ :‬االستفادة في مؤهالت الداعية‬


‫ً‬

‫من اجلوانب املهمة اليت يستفيدها الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف الدعوة إىل اهلل معرفة تلك املؤهالت اليت اتصف هبا‪،‬‬
‫وكان هلا ال دور الكب ري يف جناحه يف دعوت ه‪ ،‬وت أثريه يف الن اس‪ ،‬وما زال تأثري كلماته ومواعظه‬
‫ساريًا إىل اليوم‪.‬‬

‫وما أحوج دعاة اليوم إىل تلك املؤهالت اليت كان يتمتع هبا أمري املؤمنني‬
‫علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ومن أبرزها ذات التأثري املباشر يف دعوته ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬اإلخالص في الدعوة‬

‫اإلخالص من أهم ما جيب أن يتصف به الداعية إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال تعاىل { وما‬
‫()‬
‫الزم ا لك ل مس لم‪ ،‬فه و‬
‫أم روا إال ليعب دوا الله خملص ني ل ه ال دين } ‪ .‬وإذا ك ان اإلخالص ً‬
‫‪1‬‬

‫للداعية ألزم‪ .‬ومما يدل على أمهية اإلخالص للدعاة ما كان يقوله كل نيب لقومه { يا قوم ال‬
‫أجرا إن أجري إال على الذي فطرين أفال تعقلون }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أسألكم عليه ً‬

‫ل و تأم ل الداعي ة املعاص ر منهج أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف‬
‫دعوت ه ألدرك م دى م ا ك ان علي ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف ه ذا‬
‫اجلانب‪ ،‬وحرصه عليه يف كلماته وتوجيهاته‪.‬‬

‫لو تأمل الداعية املعاصر ذلك التوجيه الذي يقول فيه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ (( :-‬يا محلة العلم ! اعملوا به‪ ،‬فإمنا العامل من عمل مبا علم‪ ،‬ووافق عمله علمه‪،‬‬

‫() سورة البينة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.5‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.51‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪503‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وس يكون أق وام حيمل ون العلم ال جياوز ت راقيهم‪ ،‬ختالف س ريرهُت م عالنيتَهم‪ ،‬وخيالف عملُهم‬
‫بعضا‪ ،‬حىت إن أحدهم ليغضب على جليسه حني جيلس‬
‫علمهم‪ ،‬جيلسون حل ًقا‪ ،‬فيباهي بعضهم ً‬
‫َ‬
‫إىل غريه ويدعه‪ ،‬أولئك ال تصعد أعماهلم يف جمالسهم تلك إىل اهلل عز وجل ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فليحذر الداعية املعاصر من أن يكون من ذلك الصنف املذموم‪ ،‬املشار إليه يف توجيه أمري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وهو ذلك الرجل الذي ال يعمل بعلمه‪ ،‬وجيلس‬
‫للتعليم لكن للمباهاة والسمعة‪ ،‬ومما يدل على عدم إخالصه أنه يغضب على طالبه لو تركوه‬
‫وذهبوا لغريه‪ ،‬ولو كان هذا الذهاب فيه مصلحة هلم‪ ،‬فليست مصلحة طالبه عنده هي املهمة‪،‬‬
‫بل املهم عنده مكانته ومسعته‪ ،‬وإن مل يقل ذلك بلسان املقال‪ ،‬فإنه يتبني من حكاية احلال‪.‬‬

‫ومن دليل إخالص الداعي إىل اهلل أن يكون مهه أن يتبع الناس احلق حىت ولو خالفوا رأيه‪،‬‬
‫وهذه حال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كما يدل عليه قوله‪ (( :‬اقضوا‬
‫كما كنتم تقضون فإين أكره االختالف‪ ،‬حىت يكون الناس مجاعة‪ ،‬أو أموت كما مات أصحايب‬
‫))( )‪ .‬وكان ذلك يف رأي رآه يف عدم جواز بيع أم الولد‪ ،‬وكان عمر يرى رأيه‪ ،‬مث رجع علي‬ ‫‪2‬‬

‫عن رأيه فرأى أهنن يبعن( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫وليس اإلخالص يف ال دعوة إىل اهلل جمرد ادع اء‪ ،‬ب ل ل ه ظ واهر وعالم ات‪ ،‬ومنه ا كم ا‬
‫ك انت ح ال أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬التض حية يف ال دعوة إىل اهلل‬
‫وب ذل الغ ايل والنفيس يف س بيلها‪ ،‬فه و ال ذي ب ذل نفس ه للم بيت يف ف راش رس ول اهلل ص ليل ة‬

‫() أخرج ه ال دارمي يف س ننه‪ ،‬املقدم ة ‪ .106 / 1‬والبغ دادي‪ ،‬اجلامع ألخالق ال راوي وآداب الس امع ‪/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .90‬وذكره ابن مجاعة‪ ،‬تذكرة السامع واملتكلم يف آداب العامل واملتعلم ص ‪.16‬‬
‫() أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪.23 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪ .73 / 7‬وانظر الرواية عن علي يف هذا ص ‪.545‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪504‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اهلجرة حني قال له رسول اهلل ص‪ (( :‬من على فراشي وتسج بربدي هذا احلضرمي األخضر‪ ،‬فنم‬
‫فيه‪ ،‬فإنه لن خيلص إليك شيء تكرهه))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫()‬ ‫()‬
‫وهو الذي بذل نفسه ملبارزة عمرو بن عبد ود ‪ ،‬ومبارزة مرحب اليهودي ‪ ،‬فض اًل‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫عن مواقفه املشهورة يف بدر وأحد وحنني وغريها‪ ،‬فلم خيف املوت‪ ،‬ومل يبخل بنفسه يف نصرة‬
‫دين اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬كم ا تس جل ل ه ه ذه املواق ف م ا لدي ه من التض حية‪ ،‬فإهنا تش هد ل ه‬
‫بالشجاعة النادرة‪.‬‬

‫وأما تضحيته مباله ووقته‪ ،‬فلم يكن ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من أهل املال والثراء‪ ،‬ولو كان‬
‫كذلك‪ ،‬جلاد به كما كان جيود بنفسه‪ ،‬وأما الوقت فتدل جمموع سريته على ما كان يبذله من‬
‫الوقت يف توجيه الناس ودعوهتم للخري‪.‬‬

‫ومن اإلخالص يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل الذي يستفيده الداعية املعاصر من منهج‬
‫أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬التجرد من العالقات الشخصية اليت تؤثر يف‬
‫تأثريا سلبيًا‪ ،‬كما يف قصة علي مع عمرو بن حريث عندما جاء عمرو يعود احلسن‬
‫عمل الدعوة ً‬
‫بن علي (رضي اهلل عنهما) قال له علي‪ :‬أتعود احلسن ويف نفسك ما فيها ؟ فقال له عمرو‪ :‬إنك‬
‫لس ت ب ريب فتص رف قل يب حيث ش ئت ! ق ال علي‪ :‬أم ا إن ذل ك المينعن ا أن ن ؤدي النص يحة‪،‬‬
‫مسعت رس ول اهلل ص يق ول‪ (( :‬م ا من مس لم ع اد أخ اه إال ابتعث اهلل ل ه س بعني أل ف مل ك‬
‫يصلون عليه من أي ساعات النهار كان حىت ميسي‪ ،‬ومن أي ساعات الليل كان حىت يصبح ))‬
‫قال له عمرو‪ :‬كيف تقول يف املشي يف اجلنازة بني يديها أو خلفها ؟ فقال علي‪ :‬إن فضل املشي‬

‫() ابن هشام‪ ،‬السرية النبوية ‪ .483 ،482 / 1‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.176 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() راجع صفحة ‪.410 ،409‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع صفحة ‪.396‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪505‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫من خلفها على بني يديها كفضل صالة املكتوبة يف مجاعة على الوحدة‪ ،‬قال عمرو‪ :‬فإين رأيت‬
‫(‪)1‬‬
‫أبا بكر وعمر ميشيان أمام اجلنازة ؟ قال علي‪ :‬إهنما إمنا كرها أن حيرجا الناس‪.‬‬

‫ودعاة اليوم حباجة إىل أن يراجعوا أنفسهم يف هذا اجلانب‪ ،‬جانب اإلخالص‪ ،‬وأن يسألوا‬
‫املوىل سبحانه وتعاىل أن يزيدهم منه وأن يوفقهم له‪ ،‬حىت تثمر دعوهتم إىل اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫كما أمثرت دعوة من سبقهم من املخلصني‪.‬‬

‫‪ -2‬الثقافة الواسعة‬

‫املقصود بالثقافة الواسعة هو أن يكون لدى الداعي العلم الكايف مبوضوع الدعوة‪ ،‬والعلم‬
‫باملدعوين‪ ،‬والعلم بوس ائل ال دعوة وأس اليبها‪ ،‬والعلم مبا يتعل ق بالداعي ة من ص فات وواجب ات‪،‬‬
‫ولقد سبق احلديث عن هذا اجلانب يف الفقرات السابقة‪.‬‬

‫ومما ينبغي التأكي د علي ه يف ه ذا اجلانب أن يك ون الداعي ة على علم بطبيع ة عص ره‪،‬‬
‫وظ روف جمتمع ه‪ ،‬مما ل ه ت أثري على ال دعوة س لبًا‪ ،‬أو إجيابً ا ؛ ح ىت يتس ىن ل ه ختطي الس لبيات‪،‬‬
‫واالستفادة من اإلجيابيات‪.‬‬

‫‪ -3‬الفصاحة والبيان‬

‫فص احة اللس ان وق وة البي ان من أهم ع دة الداعي ة إىل اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬فكلم ا ك ان‬
‫الداعية أشد فصاحة وأقوى بيانًا‪ ،‬كان أجذب للنفوس وأملك للقلوب‪ ،‬وألمهية هذا املؤهل دعا‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد‪ ،‬املسند بتحقيق أمحد شاكر ‪ ،110 /2‬وقال أمحد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وأخرجه‬ ‫‪1‬‬

‫ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.234 / 3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪506‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫موسى عليه السالم قائاًل { واحلل عقدة من لساين‪ .‬يفقهوا قويل}( )‪ .‬وقال { وأخي هارون‬
‫‪1‬‬

‫هو أفصح مين لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدقين إين أخاف أن يكذبون }( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن املفي د أن يتأم ل الداعي ة املعاص ر م ا ك ان علي ه أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪-‬‬
‫صدى عند‬
‫ً‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ -‬يف هذا اجلانب من فصاحة اللسان وقوة البيان‪ ،‬مما جعل لكلماته‬
‫مدعويه‪ ،‬وما يزال الكثري منها حمفوظًا إىل اليوم يف بطون الكتب وصدور الناس‪ ،‬لعذوبة أسلوهبا‬
‫عما حتمله من مسو املعىن‪.‬‬
‫وجودة ألفاظها‪ ،‬فضاًل َّ‬

‫فالنفوس البشرية تأنس للكالم البليغ والقول الفصيح‪ ،‬وإال ما الذي جعل بعض القصائد‬
‫الشعرية‪ ،‬والقطع األدبية حتفظ لزمن طويل ؟ ورمبا عري بعضها من مسو املعاين‪ ،‬بل قد يكون‬
‫كالما حمفوظًا متناقاًل ‪.‬‬
‫املضمون رديًئا‪ ،‬ولكن مجال األسلوب‪ ،‬وجودة األلفاظ أهلته ألن يكون ً‬

‫إذن على الداعية املعاصر أن حياول تأهيل نفسه بقدر ما يستطيع بالفصاحة والبيان‪ ،‬ومن‬
‫األسباب املعينة على هذا ما يلي‪-:‬‬
‫( ا ) حفظ كتاب اهلل سبحانه وتعاىل واإلكثار من قراءته‪ ،‬واستحضار معانيه‪.‬‬
‫( ب ) قراءة األحاديث النبوية وحفظ ما تيسر منها‪.‬‬
‫( جـ ) حفظ ما تيسر من األشعار اجلميلة‪ ،‬ذات األساليب الرفيعة‪ ،‬واملعاين السامية‪.‬‬
‫( د ) حفظ بعض القطع األدبية القيمة‪.‬‬
‫( هـ ) معرفة القدر الكايف من قواعد النحو العريب‪.‬‬
‫( و ) التعرف على بعض األساليب البالغية‪.‬‬
‫( ز ) حضور بعض الدروس النحوية اليت يقيمها بعض املشايخ‪.‬‬

‫() سورة طه‪ ،‬اآليتان ‪.28 ،27‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪507‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -4‬الجرأة في قول الحق‬

‫لو تأمل الداعية املعاصر منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لوجد‬
‫أن هذه اخلصلة بارزة يف منهجه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من فعله وقوله‪ ،‬أما فعله فيدل عليه مواقفه‬
‫م ع عم ر بن اخلط اب وعثم ان بن عف ان (رض ي اهلل عنهم)‪ ،‬فق د ك ان علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪-‬‬
‫أمورا ي أمتر ب أمرهم‪ ،‬وينتهي بنهيهم‪ ،‬وم ع ذل ك مل ي رتدد يف بي ان احلق هلم يف بعض‬
‫معهم م ً‬
‫املواقف اليت سبق ذكرها ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأم ا من قول ه في دل علي ه وص يته لبني ه بق ول احلق وأال تأخ ذمها يف اهلل لوم ة الئم‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪ (( :‬واعمال مبا يف الكتاب‪ ،‬وال تأخذكما يف اهلل لومة الئم ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وما أحوج الدعاة هذا اليوم هلذه اخلصلة ! لكثرة املنكرات بني الناس وشيوعها يف كل‬
‫مكان‪ ،‬وهلذه املنكرات من حيميها ويدافع عنها من أهل املكانة والوجاهة‪ .‬مما حيتاج معه تغيري‬
‫املنكر إىل اجلرأة يف قول احلق‪ ،‬واحتساب األجر عند اهلل سبحانه وتعاىل فيما يصيبه من األذى‬
‫من جراء ذلك‪.‬‬

‫‪ -5‬التجافي عن دار الغرور‬

‫مما يلحظه الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫ه و الزه د يف ال دنيا وزينته ا‪ ،‬فق د اختذ الزه د لنفس ه مس ل ًكا‪ ،‬وح رص ك ل احلرص على توجي ه‬
‫مدعويه إليه‪ ،‬وخاصة يف دعوة املهتدين( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() راجع الصفحات ‪.481-474‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الطربي‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك ‪ .157 / 3‬وابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪ .436 / 2‬واملسعودي يف مروج‬ ‫‪2‬‬

‫الذهب ‪.425 / 2‬‬


‫() راجع الصفحات ‪.339 - 334‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪508‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫والداعية يف هذا الزمان أحوج إىل هذا املؤهل منه يف السابق ؛ ألن الزاهد يف هذا العصر‪،‬‬
‫فريدا يف عصره‪.‬‬
‫متميزا يف جمتمعه‪ً ،‬‬
‫يف العصر الذي أقبل فيه الناس على الدنيا وشهواهتا‪ ،‬جيعله ً‬

‫وال نعين بزهد الداعية يف العصر احلاضر أن يلبس اخلَلِ َق من الثياب‪ ،‬وأال يركب السيارة‬
‫والطائرة وحنو ذلك‪ ،‬بل يستفيد من هذا كله‪ ،‬ولكنه يضع الدنيا يف كفه ال يف قلبه‪ ،‬فال يكثر‬
‫الفرح مبا نال منها‪ ،‬وال حيزن على ما فاته من زهرهتا‪.‬‬

‫وليستفد الداعية املعاصر يف هذا اجملال من وصية أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عن ه ‪ -‬البن عم ه عبداهلل بن عب اس (رض ي اهلل عنهم ا) حيث يق ول‪ (( :‬أم ا بع د ف إن املرء‬
‫يسوءه فوت ما مل يكن ليدركه‪ ،‬ويسره درك ما مل يكن ليفوته‪ ،‬فليكن سرورك مبا نلت من أمر‬
‫فرح ا‪ ،‬وما فاتك‬
‫آخرتك‪ ،‬وليكن أسفك على ما فاتك منها‪ ،‬وما نلت من دنياك فال تكثرن به ً‬
‫منها فال تأس عليه حزنًا‪ ،‬وليكن مهك فيما بعد املوت ))( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولش دة ت أثري الزاه د يف ال دنيا على مدعوي ه يف العص ر احلاض ر يق ول أب و احلس ن الن دوي‪:‬‬
‫(( ولق د رأين ا الزه د والتجدي د م رتافقني يف ت اريخ اإلس الم‪ ،‬فال نع رف أح ًدا ممن قلب التي ار‪،‬‬
‫روح ا جدي دة يف اجملتم ع اإلس المي‪ ،‬أو فتح عه ًدا جدي ًدا يف ت اريخ‬
‫وغ ري جمرى الت اريخ‪،‬ونفخ ً‬
‫اإلس الم‪ ،‬وخل ف تراثً ا خال ًدا يف العلم والفك ر وال دين‪ ،‬وظ ل قرونً ا ي ؤثر يف األفك ار واآلراء‪،‬‬
‫ويسيطر على العلم واألدب‪ ،‬إال وله نزعة يف الزهد‪ ،‬وتغلب على الشهوات‪ ،‬وسيطرة على املادة‬
‫ورجاهلا‪ ،‬ولع ل الس ر يف ذل ك أن الزه د يكس ب اإلنس ان ق وة املقاوم ة‪ ،‬واالعت داد بالشخص ية‬
‫والعقيدة‪ ،‬واالستهانة برجال املادة‪ ،‬وبصرعى الشهوات‪ ،‬وأسرى املعدة ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫() ابن اجلوزي‪ ،‬صفة الصفوة ‪.327 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حبث ‪ :‬بعض مسات ال دعوة املطلوب ة يف ه ذا العص ر ص ‪ .24‬وه و من جمموع ة حبوث املؤمتر األول لتوجي ه‬ ‫‪2‬‬

‫الدعوة وإعداد الدعاة املنعقد يف اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة يف الفرتة ‪ 1397 / 2 / 29 - 24‬هـ‪.‬‬
‫أيضا يف كتابه ( رجال الفكر والدعوة يف اإلسالم ) يف حديثه عن اإلمام أمحد بن حنبل ‪/ 1‬‬‫وانظر ‪ :‬الندوي ً‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪509‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -6‬الثقة باهلل والتوكل عليه‬

‫مما جيب أن يتصف به الداعية إىل اهلل سبحانه وتعاىل ثقته باهلل وشدة توكله عليه‪ ،‬مما له‬
‫األثر الكبري يف نتيجة دعوته‪ ،‬واستمراريته فيها { ومن يتوكل على اهلل فهو حسبه }( ) حسبه يف‬
‫‪1‬‬

‫نتيجة الدعوة‪ ،‬وحسبه يف معوقات الدعوة‪ ،‬حسبه يف أموره العامة واخلاصة كلها‪.‬‬

‫ومما يستفيده الداعية املعاصر من منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬يف ه ذا اجلانب موق ف علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع املنجم ال ذي ع رض ل ه يف طريق ه عن دما‬
‫س ار إىل اخلوارج فق ال ل ه‪ :‬ي ا أم ري املؤم نني ! ال تس افر ؛ ف إن القم ر يف العق رب ؛ فإن ك إن‬
‫سافرت والقمر يف العقرب هزم أصحابك ـ أو كما قال ـ فقال علي‪ :‬بل أسافر ثقة باهلل‪ ،‬وتوكاًل‬
‫(‪)2‬‬
‫على اهلل‪ ،‬وتكذيبًا لك‪ .‬فسافر فبورك له يف ذلك السفر فقاتل عامة اخلوارج‪.‬‬

‫فك انت نتيج ة التوك ل على اهلل س بحانه وتع اىل والثق ة ب ه حتقي ق م راده من مس ريه لقت ال‬
‫اخلوارج‪ .‬فلي ِع الدعاة إىل اهلل يف العصر احلاضر هذا الدرس‪ ،‬وليثقوا باهلل وحيسنوا التوكل عليه‬
‫بعد بذل ما يستطيعونه من أسباب يف الدعوة إليه‪.‬‬

‫‪ -7‬األخالق الحميدة‬

‫ما أكثر تلك الصفات احلميدة اليت يتحلى هبا أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ ! -‬اليت كان هلا األثر احلسن يف دعوته‪ ،‬وهذه الصفات احلميدة عند أمري املؤمنني علي‬

‫‪.105‬‬
‫() سورة الطالق‪ ،‬جزء من اآلية ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر ‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوي ( مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد ) ‪ .179 / 35‬وابن‬ ‫‪2‬‬

‫كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.288 / 7‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪510‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬دروس قيم ة للداعي ة املعاص ر حياس ب هبا نفس ه‪ ،‬ويق وم هبا‬
‫أخالقه‪ ،‬ومن هذه الصفات احلميدة‪-:‬‬

‫‪ -1‬الحلم وسعة الصدر‬

‫(( كمال العلم يف احللم ))( )‪ ،‬كم كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪1‬‬

‫حليم ا مع الناس‪ ،‬تدل على ذلك مواقفه الكثرية مع مدعويه‪ ،‬وليتأمل الداعية املعاصر ذلك‬
‫‪ً -‬‬
‫املوق ف ألم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬م ع ص فية ام رأة عبداهلل أم طلح ة‬
‫الطلحات بعد معركة اجلمل‪ ،‬إذ قالت له‪ (( :‬أيتم اهلل منك أوالدك‪ ،‬كم ا أيتمت أوالدي )) فلم‬
‫أيض ا فسكت‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا أمري املؤمنني !‬
‫يرد عليها شيًئا‪ ،‬فلما خرج أعادت عليه املقال ً‬
‫أتسكت عن هذه املرأة‪ ،‬وهي تقول ما تسمع ؟ فقال‪ (( :‬وحيك ! إنا أمرنا أن نكف عن النساء‬
‫وهن مشركات‪ ،‬أفال نكف عنهن وهن مسلمات ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وحلم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬وس ع ح ىت األع داء‪ ،‬ومنهم‬
‫ذلك اخلائن ( عبدالرمحن بن ملجم ) ملا ضربه بالسيف قال علي لبنيه‪(( :‬أطيبوا مطعمه‪ ،‬وألينوا‬
‫قصاص ا‪ ،‬وإن مت ف أحلقوه يب‪ ،‬أخاص مه عن د رب‬
‫ً‬ ‫فراشه‪ ،‬ف إن أعش فأن ا أوىل بدم ه عف ًوا أو‬
‫العاملني ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() من كالم أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب (رض ي اهلل عن ه)‪ ( .‬كت اب ن ثر الآليلء من كالم علي بن أىب‬ ‫‪1‬‬

‫طالب رضي اهلل عنه‪ ،‬خمطوط‪ ،‬ورقة ‪ ،54‬الوجه ‪.) 2‬‬


‫() ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.246 / 7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪ .37 / 3‬وابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية ‪.13 / 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪511‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ف أين الداعي ة املعاص ر من ه ذه املواق ف النبيل ة من احللم ؟! وه ذه اخلص لة مهم ة ج ًدا‬


‫للدعاة‪ ،‬ملا يالقونه من مدعويهم أحيانًا من الصد واإلعراض‪ ،‬وردود الفعل بالكالم وحنوه‪ ،‬وإذا‬
‫فقد الداعية تلك اخلصلة‪ ،‬فإنه قد يثور يف وجوه مدعويه ويغضب من تصرفاهتم‪ ،‬فيفقد توازنه‬
‫ويتصرف مبا ال ينبغي‪ ،‬ومن مث تفقد دعوته مثرهتا يف نفوس الناس‪.‬‬

‫كم ا جيب أن يك ون الداعي ة ذا ص در واس ع على من ي رد علي ه أخط اءه‪ ،‬ويض رب أم ري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف ذلك مثاًل للدعاة فيما رواه عبيدة السلماين‬
‫ق ال‪ :‬مسعت عليً ا يق ول‪ :‬اجتم ع رأيي ورأي عمر يف أمه ات األوالد أن ال يبعن‪ ،‬ق ال‪ :‬مث رأيت‬
‫بعد أن يبعن‪ ،‬قال عبيدة‪ :‬فقلت له‪ :‬فرأيك ورأي عمر يف اجلماعة أحب إيل من رأيك وحدك‬
‫علي ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يف الفرقة ‪ -‬أو قال يف الفتنة ‪ -‬قال‪ :‬فضحك ٌ‬


‫‪ -2‬التواضع‬

‫تواضع املرء يزيده رفعة عند اهلل وعند الناس‪ ،‬وتواضع الداعية فوق هذا يزيده قب واًل يف‬
‫نفوس مدعويه‪ ،‬وأمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فيه القدوة املثلى للدعاة يف‬
‫العصر احلاضر يف هذا اجلانب‪.‬‬

‫ومن أقواله يف ه ذا اجلانب‪ (( :‬تواض ع املرء يكرمه ))( )‪ ،‬هذا يف عامة الناس‪ ،‬فكيف لو‬
‫‪2‬‬

‫كان التواضع من الدعاة‪ ،‬لكان يف كرامتهم زيادة يف قبول دعوهتم‪.‬‬

‫وليتأم ل ال دعاة مقولت ه عن دما ع وتب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬يف لباس ه فق ال‪ (( :‬يقت دي‬
‫املؤمن‪ ،‬وخيشع القلب ))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫() أخرجه عبد الرزاق يف املصنف ‪.292 ،291 / 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) (خمطوط ) ورقة ‪ ،52‬وجه ‪.2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪512‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وليتأملوا ما ورد يف وصف ضرار الصدائي له حيث يقول‪ (( :‬يعجبه من اللباس ما قصر‪،‬‬
‫ومن الطعام ما خشن‪ .‬كان فينا كأحدنا‪ ،‬جييبنا إذا سألناه‪ ،‬وينبئنا إذا‬

‫استنبأناه‪ .‬وحنن واهلل مع تقريبه إيانا وقربه منا ال نكاد نكلمه هيبة له )) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وجيب أال يغف ل الداعي ة املعاص ر عن س بب ه ذا التواض ع عن د أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫طالب‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إمنا هو لرسوخه يف العلم‪،‬وعمله به‪،‬ومعرفته حبقيقة نفسه‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن عل ة من أعجب بنفس ه من دع اة الي وم إمنا هي من قل ة العلم والفهم‪ ،‬إض افة إىل‬
‫انصراف نظر الداعي إىل كثرة من حوله من اجلهال‪ ،‬وغفلته عن النظر إىل من فوقه من العلماء‪،‬‬
‫وه ذا من م داخل الش يطان اخلفي ة على ال دعاة‪ .‬وق د قي ل من منث ور احلكم‪ (( :‬إذا علمت فال‬
‫تفكر يف كثرة من دونك من اجلهال‪ ،‬ولكن انظر إىل من فوقك من العلماء ))( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -3‬الصبر في مقام الدعوة إلى اهلل‬

‫ال دعوة إىل اهلل ليس ت ب األمر اهلني‪ ،‬والداعي ة احلق ال ب د أن يواج ه الكث ري من الص عوبات‬
‫واملش اق يف س بيل دعوت ه‪ ،‬وإذا مل يتس لح الداعي ة بالص رب والتحم ل‪ ،‬فرمبا ال يس تطيع الس ري يف‬
‫طريق الدعاة‪.‬‬

‫() أخرجه اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة‪ ،‬حتقيق وصي اهلل بن حممد عباس ‪ .549 / 1‬وقال احملقق ‪ :‬إسناده‬ ‫‪3‬‬

‫أيضا يف الزهد ص ‪ .163‬ويف املسند ‪ 88 / 2‬بلفظ ‪ (( :‬مالكم وللباس‪ ،‬أبعد‬ ‫صحيح‪ .‬وأخرجه اإلمام أمحد ً‬
‫من الك رب‪ ،‬وأج در أن يقت دي املس لم ))‪ .‬وق ال أمحد ش اكر يف حتقيق ه ‪ :‬إس ناده ص حيح‪ .‬واحملب الط ربي يف‬
‫الرياض النضرة ‪.213 / 3‬‬
‫() انظ ر ‪ :‬ابن عب د ال رب‪ ،‬االس تيعاب ( املطب وع على ه امش اإلص ابة ) ‪ .44 / 3‬وابن اجلوزي‪ ،‬ص فة الص فوة‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .315 / 1‬و احملب الطربي‪ ،‬الرياض النضرة يف مناقب العشرة ‪ .187/ 2‬وكذلك يف ذخائر العقىب ص ‪.100‬‬
‫() علي حمفوظ‪ ،‬هداية املرشدين ص ‪.105‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪513‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وليتأمل الداعية املعاصر ما عاناه أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫مرورا‬
‫سرا مع رسول اهلل ص ً‬
‫سبيل الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل منذ نعومة أظفاره‪ ،‬وإسالمه ً‬
‫مبا القاه يف املغازي والسرايا‪ ،‬ومن مث ما واجهه من صنوف الفنت يف خالفته‪ ،‬إىل أن انتهى األمر‬
‫بقتله ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬

‫كل هذه املراحل يف حياته ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فيها الدروس البليغة لدعاة اليوم‪ ،‬والتنبيه‬
‫هلم ملا حتتاجه الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل من الصرب والتحمل ودفع الثمن‪.‬‬

‫‪ -4‬الرحمة‬

‫الرمحة من األخالق املهم ة لل داعي‪ ،‬ح ىت تدفع ه لإلش فاق على مدعوي ه بتعليمهم اخلري‪،‬‬
‫حممدا ص هبذا اخللق حيث قال { لقد‬
‫وحتذيرهم من الشر‪ ،‬ولقد وصف اهلل سبحانه وتعاىل نبيه ً‬
‫جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم باملؤمنني رؤوف رحيم }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولعل الداعي املعاصر يلحظ هذه الصفة يف أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬من خالل منهجه الدعوي‪ ،‬يف تلك الكلمات الرقيقة‪ ،‬واملواعظ البليغة‪ ،‬اليت كان يوجهها‬
‫إىل مدعوي ه بني احلني واآلخ ر‪ ،‬س واء على املس توى الف ردي أو اجلم اعي‪ ،‬رمحة هبم‪ ،‬وش فقة‬
‫عليهم‪.‬‬

‫فالرمحة يف قلب الداعي حتثه على توجيه مدعويه إىل اخلري رغبة هلم يف الثواب‪ ،‬وحتذيرهم‬
‫من الشر خوفًا عليهم من العقاب‪ ،‬وهذا هو الذي صرح به نوح عليه السالم لقومه‪ ،‬كما أخرب‬
‫نوح ا إىل قومه فقال يا قوم اعب دوا اهلل مالكم من إله‬
‫عنه املوىل سبحانه بقوله { ولقد أرسلنا ً‬
‫غريه إين أخاف عليكم عذاب يوم عظيم }( )‪ .‬وهذا الذي صرح به نوح عليه السالم صرح به‬
‫‪2‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.128‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪514‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫غريه من إخوانه املرسلني‪ ،‬وهذا هو هنج الدعاة املخلصني‪ ،‬أصحاب القلوب الرحيمة‪ ،‬والنفوس‬
‫املشفقة‪.‬‬

‫وليست هذه األخالق فحسب هي اليت ميكن أن يستفيدها الداعية املعاصر من منهج أمري‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف ال دعوة إىل اهلل‪ ،‬بل غريها الكث ري مما ال جمال‬
‫لبسطه‪ ،‬من هذه األخالق‪ :‬الصدق‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬واإليثار‪ ،‬واجلود‪ ،‬والبعد عن اللغو وحنوها‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪515‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الخـ ــاتمة‬

‫احلم د هلل ال ذي بنعمت ه تتم الص احلات‪ ،‬وص لى اهلل على نبين ا حمم د إم ام املرس لني وس يد‬
‫كثريا‪ ،‬أما بعد‪-:‬‬
‫تسليما ً‬
‫الدعاة‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم ً‬

‫فقد عشت مع هذا البحث‪ ،‬مع منهج أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وأدركت ما كان عليه أمري املؤمنني ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من جد واجتهاد يف‬
‫رورا ب اختالف موض وع‬
‫دعوت ه إىل اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬ابت داءً من ض بط النص وفقه ه‪ ،‬وم ً‬
‫الدعوة‪ ،‬من عقيدة وش ريعة وأخالق وآداب وحنوها‪ ،‬وما س لكه من أساليب متنوعة‪ ،‬ومناهج‬
‫خمتلفة باختالف املدعوين‪ ،‬ففيهم املسلمون من املهتدين والعصاة‪ ،‬وفيهم غري املسلمني من أهل‬
‫الكت اب وغ ريهم‪ .‬ولك ل من ه ؤالء أس لوب خ اص‪ ،‬ومنهج مالئم يف دعوت ه إىل اهلل س بحانه‬
‫جناح ا كب ًريا يف‬
‫وتع اىل‪ ،‬وك ان أم ري املؤم نني ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬الداعي ة احلكيم ال ذي حق ق ً‬
‫دعوته‪ ،‬على اختالف ميادينها‪ ،‬واختالف أصناف املدعوين‪ ،‬كما تبني ذلك من البحث‪.‬‬

‫ومن خالل معايشيت هلذا البحث خرجت بنتائج أمهها‪-:‬‬

‫‪ -1‬لق د ك انت ال دعوة إىل اهلل عن د أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬هي‬
‫الشغل الشاغل‪ ،‬الذي مأل عليه حياته‪ ،‬فهو الذي مارس الدعوة منذ إسالمه وقبل أن يعلن‬
‫به‪ ،‬وحىت آخر حلظات حياته‪ ،‬فقد كانت وصيته عند موته ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬رسالة يف‬
‫الدعوة إىل اهلل‪ .‬ومل يكن ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يغفل عن الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل بني‬
‫ذلك حىت يف أشد املواقف عليه‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪516‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -2‬أن من كم ال ت أثري الداعي ة يف مدعوي ه ثقتهم في ه‪ ،‬ولن ي درك الداعي ة ثق ة املدعوين في ه إال‬
‫برسوخه يف العلم‪ ،‬وحرصه على تطبيقه والعمل به‪ ،‬كما هي حال أمري املؤمنني علي بن‬
‫أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬الذي يدل عليه قول ابن عمه عبداهلل بن عباس (رضي اهلل‬
‫عنهما)‪ ،‬حيث يقول‪ { :‬إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا ال نعدوها }( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -3‬أن التوجيه ات الدعوي ة واخلطب واملواع ظ حتت اج إىل ج انب العلم أس لوبًا أدبيً ا ؛ لتك ون‬
‫أثريا يف نف وس الس امعني‪ ،‬وأش د ثبوتً ا يف أذه اهنم‪ ،‬فاملواع ظ اجلميل ة والكلم ات‬
‫أك ثر ت ً‬
‫دهرا يتناقلها الناس وتؤثر يف السامعني‪ .‬ولقد كانت كلمات أمري‬
‫الرزينة تعيش بعد قائلها ً‬
‫املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كذلك‪ ،‬فهي إىل اليوم تؤيت مثارها‪.‬‬

‫‪ -4‬الدعوة باحلال أبلغ من الدعوة باملقال‪ ،‬فكلما كان الداعية إىل اهلل أتقى لربه‪ ،‬وأشد خشية‬
‫من ذنب ه‪ ،‬ك انت حال ه للمش اهدين والس امعني تش كل م ادة قيم ة يف ال دعوة إىل اهلل‪ ،‬ول و‬
‫َقلَّت مواعظه وكلماته‪ .‬وإن كان الداعية ليس كذلك‪ ،‬فإن حاله تناقض مقاله‪ ،‬فيصبح مع‬
‫املدعوين كمن يص يح يف واد‪ ،‬أو ينفخ يف رم اد‪ .‬ولق د ك ان أم ري املؤم نني علي بن أيب‬
‫ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬نعم النم وذج ملن ي دعو باحلال إض افة إىل املق ال‪ ،‬ولق د ك انت‬
‫صفاته وأحواله ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬داعية بذاهتا إىل املوىل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫‪ -5‬الداعية احلق هو ذلك اإلنسان الذي يتجرد من هوى نفسه‪ ،‬ويُغَلِّب مصلحة الدعوة إىل اهلل‬
‫أمنوذج ا يف هذا‬
‫ً‬ ‫سبحانه‪ ،‬ولقد كان أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫اجلانب‪ ،‬ويدل على ذلك قصته ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع عمروبن حريث( )‪ .‬وكذلك قصته‬
‫‪2‬‬

‫مع خمالفيه من أهل اجلمل وصفني‪.‬‬

‫() أخرجه ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.338 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر صفحة ‪.341،342‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪517‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -6‬إن مش اغل اإلنس ان مهم ا ك ثرت وتش عبت فينبغي أال تش غل اإلنس ان عن ال دعوة إىل اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬فهذا علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬مع مشاغله يف اخلالفة وما يف‬
‫عصره من املشكالت والصعوبات فلم يشغله ذلك كله عن الدعوة إىل اهلل‪.‬‬

‫وأما مايراه الباحث من التوصيات فمن أمهها ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬يوصي الباحث مجيع الدعاة بتقوى اهلل سبحانه وتعاىل والرجوع إىل مناهج السلف الصاحل‬
‫(رضي اهلل عنهم) يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وهم اخللفاء الراشدون ومن سار على هنجهم واقتفى‬
‫أثرهم‪ ،‬والنظر فيها واالستفادة منها‪ .‬وكذا املؤسسات الدعوية يف إعداد دعاهتا‪.‬‬

‫‪ -2‬يوصي الباحث الدعاة إىل اهلل سبحانه وتعاىل يف كسب ثقة املدعوين بطلب العلم‪ ،‬والعمل‬
‫به‪.‬‬

‫‪ -3‬يوص ي الب احث ال دعاة إىل اهلل س بحانه وتع اىل ب التجرد من اهلوى وحظ وظ النفس‪ ،‬والبع د‬
‫تأثريا سلبيًا على مسرية الدعوة الصحيحة‪.‬‬
‫عن اخلالفات اليت تؤثر ً‬

‫‪ -4‬يوصي الباحث ال دعاة إىل اهلل سبحانه وتعاىل إض افة إىل طلب العلم الش رعي معرفة ش يء‬
‫من اجلوانب اللغوية واألساليب األدبية ؛ حىت يتمكنوا من عرض الدعوة إىل الناس بقوالب‬
‫جذابة‪.‬‬

‫‪ -5‬يوص ي الب احث ال دعاة إىل اهلل بدراس ة أح وال املدعوين ؛ وذل ك من أج ل اختي ار أفض ل‬
‫الوسائل واألساليب يف دعوهتم إىل اهلل‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪518‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫‪ -6‬يوصي الباحث الدعاة إىل اهلل سبحانه وتعاىل ببذل اجلهد يف الدعوة‪ ،‬وأال تأخذهم يف اهلل‬
‫لومة الئم‪ ،‬كما يوصي بذلك أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.) (-‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -7‬يوص ي الب احث ال دعاة إىل اهلل س بحانه وتع اىل بالعم ل بك ل وس يلة ممكن ة باحلال واملق ال‪،‬‬
‫بالكلمة والرسالة‪ ،‬باهلدية والعطية‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫‪ -8‬يوصي الباحث الدعاة إىل اهلل سبحانه وتعاىل ممن هلم مكانة عند الناس‪ ،‬كاألمري والوزير‪،‬‬
‫والرئيس واملدير‪ ،‬وحنوهم‪ ،‬باستغالل هذه املكانة يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ه ذه بإجياز أهم النت ائج والتوص يات‪ ،‬نس أل اهلل س بحانه وتع اىل أن جيعلن ا من الع املني‬
‫بشريعته‪ ،‬الداعني إىل دينه‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫() انظر وصيته الصفحات ‪.452- 450‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪519‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫قائمة املراجع‬

‫‪ -‬القرآن الكرمي‬

‫الكتب املطبوعة‬
‫اآلث ار‪ ،‬أب و يوس ف يعق وب بن إب راهيم األنص اري (ت ‪ ،) ()182‬نش ر (دار الكتب‬
‫‪1‬‬
‫‪-1‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫اآلجرومية‪ ،‬ابن آجروم (ت ‪ ،)723‬املطبوعة مع احلاشية لعبدالرمحن بن قاسم‪ ،‬ط‪( 4‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪1408‬هـ)‪.‬‬
‫اآلحاد واملثاين‪ ،‬ابن أيب عاصم (ت ‪ ،)287‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬باسم اجلوابرة‪ ،‬ط‪( 1‬دار الراية‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الرياض‪1414 ،‬هـ)‪.‬‬
‫إبطال التنديد شرح كتاب التوحيد‪ ،‬محد بن علي بن عتيق‪ ،‬نشر (دار القرآن الكرمي‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫بريوت)‪.‬‬
‫إمتام الوفاء يف سرية اخللفاء‪ ،‬حممد اخلضري بك‪ .‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اإلحس ان يف ت رتيب ص حيح ابن حب ان‪ ،‬ت رتيب ابن بلب ان الفارس ي‪ ،‬ط‪(1‬دار الكتب‬ ‫‪-6‬‬
‫العلمية‪.)1407 ،‬‬
‫اِحكام األحكام‪،‬ابن دقيق العيد (ت ‪،)702‬نشر(درا الكتاب العريب‪ ،‬بريوت)‬ ‫‪-7‬‬
‫األحك ام الس لطانية‪ ،‬أب و احلس ن املاوردي (ت ‪ ،)450‬نش ر (دار الكتب العلمي ة‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫بريوت)‪.‬‬

‫() رمز لتاريخ الوفاة بالسنة اهلجرية‪ .‬وعند وجود خالف فيي تارخ الوفاة فال أشري إليه‪ ،‬بل أكتفي بذكر ما‬ ‫‪1‬‬

‫اخت اره أص حاب كتب ال رتاجم والوفي ات‪ ،‬مث ل ‪ :‬ال ذهيب يف كتاب ه اإلعالم يف وفي ات األعالم‪ ،‬وابن قنف ذ يف‬
‫كتابه الوفيات‪ ،‬وكحالة يف كتابه معجم املؤلفني‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪520‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫األحكام السلطانية‪ ،‬أبو يعلى احلنبلي (ت ‪ ،)458‬تصحيح وتعليق حممد حامد الفقي‪،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫نشر (دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫األخبار الطوال‪ ،‬أبو حنيفة الدينوري (ت ‪ ،)282‬حتقيق‪ :‬عبد املنعم عامر‪ ،‬مراجعة‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫الدكتور مجال الدين الشيال‪ ،‬نشر (دار الثقافة واإلرشاد القومي)‪.‬‬
‫أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬حممد بن عبداهلل بن أمحد األزرقي (ت ‪ ،)244‬ط‬ ‫‪-11‬‬
‫‪( 3‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪1399،‬هـ)‪.‬‬
‫اختي ار معرف ة الرج ال (املع روف برج ال الكش ي)‪ ،‬حمم د بن احلس ني بن علي الطوس ي‬ ‫‪-12‬‬
‫(ت ‪ ،)460‬بدون ناشر‪.‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬عبداللطيف حممد العبد‪ ،‬ط‪(2‬مكتبة دار العلوم‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫أدب اخللفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬جابر قميحة‪ ،‬نشر (دار الكتب اإلسالمية ) ‪.‬‬ ‫‪-14‬‬
‫أدب ال دنيا وال دين‪ ،‬أب و احلس ن علي بن حمم د املاوردي (ت ‪ ،)450‬نش ر(ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-15‬‬
‫‪1985‬م)‪.‬‬
‫األدب العريب من ظهور اإلسالم إىل هناية العصر الراشدي‪ ،‬د‪ .‬حبيب يوسف مغنية‪،‬‬ ‫‪-16‬‬
‫ط‪(1‬دار مكتبة اهلالل‪ ،‬بريوت‪1995 ،‬م)‪.‬‬
‫اإلرش اد إىل ص حيح االعتق اد‪ ،‬د‪ .‬ص احل بن ف وزان الف وزان‪ ،‬ط‪( 1‬مطبع ة س فري‪،‬‬ ‫‪-17‬‬
‫الرياض‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫إرش اد الس اري ش رح ص حيح البخ اري‪ ،‬القس طالين (ت ‪ ،)923‬نش ر (دار إحي اء‬ ‫‪-18‬‬
‫الرتاث‪ ،‬بريوت )‬
‫األس ئلة واألجوب ة األص ولية على العقي دة الواس طية‪ ،‬عب دالعزيز بن س لمان‪ ،‬ط‪16‬‬ ‫‪-19‬‬
‫(مطابع العزيزية )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪521‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫أس اليب الغ زو الفك ري للع امل اإلس المي‪ ،‬د‪ .‬علي حمم د جريش ة ورفيق ه ‪ ،‬نش ر (دار‬ ‫‪-20‬‬
‫االعتصام)‪.‬‬
‫االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبداهلل بن عبد الرب (ت ‪،)463‬‬ ‫‪-21‬‬
‫حتقيق علي حممد البجاوي‪ ،‬نشر (هنضة مصر‪ ،‬القاهرة)‪.‬وكذلك االستيعاب املطبوع‬
‫على حاشية اإلصابة‪ ،‬ط‪( 1‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪1328 ،‬هـ)‪.‬‬
‫أس د الغاب ة يف معرف ة الص حابة‪ ،‬ابن األث ري (ت ‪( ،)630‬دار إحي اء ال رتاث الع ريب‪،‬‬ ‫‪-22‬‬
‫بريوت)‪.‬‬
‫اإلسالم والدعوات اهلدامة‪ ،‬أنور اجلندي‪،‬نشر(دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-23‬‬
‫اإلسالم ومشكالت احلضارة‪ ،‬سيد قطب‪ ،‬ط‪ ( 7‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-24‬‬
‫وكذلك ط‪ ( 8‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ )‪.‬‬
‫اإلص ابة يف متي يز الص حابة‪ ،‬ابن حج ر العس قالين (ت ‪ ، )852‬ط‪( 1‬مطبع ة الس عادة‪،‬‬ ‫‪-25‬‬
‫مصر‪1328 ،‬هـ)‪.‬‬
‫أص ول البحث العلمي ومناهج ه‪ ،‬دكت ور عب دالرمحن ب در‪ ،‬ط‪( 8‬وكال ة املطبوع ات‪،‬‬ ‫‪-26‬‬
‫الكويت‪1986 ،‬م)‪.‬‬
‫أصول اخلطابة واإلنشاء‪ ،‬عطية حممد سامل‪ ،‬ط‪ ( 1‬دار الرتاث‪ ،‬املدينة املنورة‪1408 ،‬‬ ‫‪-27‬‬
‫هـ )‪.‬‬
‫أصول الدعوة‪ ،‬د‪ .‬عبدالكرمي زيدان‪ ،‬ط‪( 3‬دار عمر بن اخلطاب‪ ،‬األسكندرية)‪.‬‬ ‫‪-28‬‬
‫أض واء على البحث واملص ادر‪ ،‬ال دكتور عب دالرمحن عم رية‪ ،‬ط‪( 2‬دار عك اظ‪ ،‬ج دة‪،‬‬ ‫‪-29‬‬
‫‪.) 1400‬‬
‫اإلعجاز واإلجياز‪ ،‬أبو منصور الثعاليب (ت ‪ ، )429‬ط‪( 1‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪-30‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪522‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫األعالم‪ ،‬خري الدين الزركلي‪ ،‬ط‪( 8‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪1989 ،‬م)‪.‬‬ ‫‪-31‬‬
‫اإلعالم بوفي ات األعالم‪،‬مشس ال دين حمم د بن أمحد ال ذهيب(ت ‪،)748‬حتقي ق‪ :‬ري اض‬ ‫‪-32‬‬
‫عبد احلميد مراد‪ ،‬وعبد اجلبار زكار‪ ،‬نشر (دار الفكر بريوت)‪.‬‬
‫اعالم املوقعني عن رب الع املني‪ ،‬ابن قيم اجلوزي ة (ت ‪ ،)751‬نش ر (دار اجلي ل‪،‬‬ ‫‪-33‬‬
‫بريوت‪1973 ،‬م)‪.‬‬
‫اإلعالم يف صدر اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬عبد اللطيف محزة‪ ،‬ط‪( 2‬دار الفكر العريب‪1978 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-34‬‬
‫وعْب د علي مهنا‪،‬‬
‫األغاين‪ ،‬أبو الفرج األصفهاين (ت ‪ ،)356‬شرح األستاذ مسري جابر َ‬ ‫‪-35‬‬
‫ط‪( 2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1412 ،‬هـ )‪.‬‬
‫اإلفص اح عن مع اين الص حاح‪ ،‬أب و املظف ر حيىي بن حمم د بن هب رية (ت ‪ ،)560‬نش ر‬ ‫‪-36‬‬
‫(املؤسسة السعيدية‪ ،‬الرياض)‪.‬‬
‫اقتضاء العلم العمل‪ ،‬اخلطيب البغدادي (ت ‪ ،)463‬حتقيق حممد ناصر الدين األلباين‪،‬‬ ‫‪-37‬‬
‫ط‪( 5‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ 1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫االكتفاء يف مغازي رسول اهلل والثالثة اخللفاء‪ ،‬أبو الربيع سليمان البلنسي (ت‪،)634‬‬ ‫‪-38‬‬
‫حتقيق مصطفى عبد الواحد‪ ،‬نشر (مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪1388 ،‬هـ)‪.‬‬
‫األم‪ ،‬حممد بن إدريس الشافعي (ت ‪ ،) 204‬ط‪( 2‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1393 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-39‬‬
‫األمايل يف آثار الصحابة‪ ،‬عبد الرزاق الصنعاين (ت ‪ ،)211‬حتقيق وتعليق جمدي السيد‬ ‫‪-40‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬نشر (مكتبة الفرقان‪ ،‬القاهرة )‪.‬‬
‫اإلمام علي بن أيب طالب‪ ،‬عبد الفتاح عبد املقصود‪،‬ط‪(5‬مكتبة مصر‪،‬مصر)‪.‬‬ ‫‪-41‬‬
‫اإلمام علي رسالة وعدالة‪ ،‬خليل ياسني‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسسة الوفاء‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-42‬‬
‫اإلمامة والسياسة‪ ،‬ابن قتيبة الدينوري (ت‪ ،)276‬حتقيق د‪ .‬طه حممد الزيين‪ ،‬نش ر (دار‬ ‫‪-43‬‬
‫املعرفة)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪523‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫امت اع األمساع‪ ،‬املقري زي تقي ال دين أمحد بن علي (ت ‪،)845‬نش ر (مطبع ة جلن ة‬ ‫‪-44‬‬
‫التأليف والرتمجة‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫األم ر ب املعروف والنهي عن املنك ر وأثرمها يف حف ظ األم ة ‪ ،‬د‪ .‬عب دالعزيز ابن أمحد‬ ‫‪-45‬‬
‫املسعود‪ ،‬ط‪( 2‬دار الوطن‪ ،‬الوطن‪1414 ،‬هـ)‪.‬‬
‫إنب اه ال رواة على أنب اه النح اة‪ ،‬علي بن يوس ف القفطي (ت ‪ ،)646‬حتقي ق حمم د أيب‬ ‫‪-46‬‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪( 1‬دار الفكر العريب‪ ،‬بريوت‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اإلنسان ذلك اجملهول‪ ،‬ألكسيس كارل‪ ،‬تعريب شفيق أسعد‪ ،‬نشر (مكتبة املعارف‪،‬‬ ‫‪-47‬‬
‫بريوت‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫أمهي ة اجله اد يف نش ر ال دعوة اإلس المية‪ ،‬د‪ .‬علي بن نفي ع العلي اين‪ ،‬ط‪( 1‬دار طيب ة‪،‬‬ ‫‪-48‬‬
‫الرياض‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫أوض ح املس الك إىل ألفي ة ابن مال ك‪ ،‬ابن هش ام األنص اري (ت ‪ ،)761‬حتقي ق حمم د‬ ‫‪-49‬‬
‫حمي الدين عبد احلميد‪ ،‬نشر (املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫البحث العلمي‪ ،‬د‪ .‬ذوق ان عبي دات‪ ،‬ود‪ .‬عب دالرمحن ع دس‪ ،‬ود‪ .‬كاي د عب داحلق‪ ،‬ط‪4‬‬ ‫‪-50‬‬
‫(دار الفكر‪ ،‬عمان‪1992 ،‬م)‪.‬‬
‫حبوث اإلعالم‪ ،‬د‪ .‬مسري حممد حسني‪ ،‬نشر (عامل الكتب‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬ ‫‪-51‬‬
‫بداي ة اهلداي ة‪ ،‬اإلم ام أب و حام د الغ زايل (ت ‪ ،)505‬نشر (دار احلاوي) وك ذلك ط‪5‬‬ ‫‪-52‬‬
‫(دار الرتاث العريب )‪.‬‬
‫البداية والنهاية ‪ ،‬ابن كثري (ت ‪ ،)774‬ط‪( 4‬مكتبة املعارف‪ ،‬بريوت‪1402 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-53‬‬
‫الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬الزركشي (ت ‪ ،)794‬نشر(دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-54‬‬
‫بالغة اإلمام علي‪ ،‬أمحد حممد احلويف‪ ،‬نشر (دار طيبة‪ ،‬مصر )‪.‬‬ ‫‪-55‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪524‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫البالغة العربية يف ثوهبا اجلديد‪ ،‬الدكتور بكري شيخ أمني‪ ،‬ط‪ ( 2‬دار العلم للماليني‪،‬‬ ‫‪-56‬‬
‫بريوت ‪ 1984‬م )‪.‬‬
‫تاج العروس‪ ،‬الزبيدي (ت ‪ ،)1205‬ط‪( 1‬املطبعة اخلريية‪ ،‬مصر‪.) 1306 ،‬‬ ‫‪-57‬‬
‫تاريخ األدب العريب‪ ،‬أمحد حسن الزيات‪ ،‬نشر (دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-58‬‬
‫تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير الطربي (ت ‪ ،)310‬ط‪( 1‬دار الكتب‬ ‫‪-59‬‬
‫العلمي ة‪ ،‬ب ريوت‪1407 ،‬هـ)‪ .‬وك ذلك حتقي ق حمم د أيب الفض ل إب راهيم ( دار‬
‫املعارف )‪.‬‬
‫ت اريخ اإلس الم السياس ي وال ديين والثق ايف واالجتم اعي‪ ،‬حس ن إب راهيم حس ن‪ ،‬ب دون‬ ‫‪-60‬‬
‫ناشر‪.‬‬
‫الت اريخ اإلس المي (اخللف اء الراش دون)‪ ،‬حمم ود ش اكر‪ ،‬ط‪( 7‬املكتب اإلس المي‪،‬‬ ‫‪-61‬‬
‫بريوت‪1411 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ت اريخ الثق ات‪ ،‬أمحد بن عبداهلل العجلي (ت ‪ ،)261‬ت رتيب اهليثمي‪ ،‬وتض مينات ابن‬ ‫‪-62‬‬
‫حجر‪ ،‬ختريج د‪ .‬عبداملعطي قلعجي‪ ،‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫تاريخ اجلدل‪ ،‬اإلمام حممد أبو زهرة‪ ،‬ط‪( 2‬دار الفكر العريب)‪.‬‬ ‫‪-63‬‬
‫تاريخ اخللفاء‪ ،‬جالل الدين عبدالرمحن السيوطي (ت ‪ ،)911‬حتقيق حممد أيب الفضل‬ ‫‪-64‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬نشر (دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة )‪.‬‬
‫تاريخ الدعوة اإلسالمية‪ ،‬آدم عبداهلل األلوري‪ ،‬نشر (دار مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-65‬‬
‫تاريخ الغزو الفكري والتغريب‪ ،‬أنور اجلندي‪ ،‬نشر ( درا االعتصام )‪.‬‬ ‫‪-66‬‬
‫التاريخ الكبري‪ ،‬البخاري (ت ‪ ،)256‬نشر(دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-67‬‬
‫ت اريخ اليعق ويب‪ ،‬أمحد بن أيب يعق وب بن جعف ر (ت ‪ ،)292‬نشر (دار ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-68‬‬
‫بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪525‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫تاريخ بغداد‪ ،‬أبو بكر أمحد بن علي اخلطيب البغدادي (ت ‪ ،)463‬نشر (دار الكتاب‬ ‫‪-69‬‬
‫العريب‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫ت اريخ خليف ة بن خي اط ( ت ‪ ،)240‬حتقي ق ال دكتور أك رم ض ياء العمري‪ ،‬ط‪( 2‬دار‬ ‫‪-70‬‬
‫طيبة‪ ،‬الرياض‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ت اريخ من دفن ب العراق من الص حابة‪ ،‬علي بن احلس ني اهلامشي‪ ،‬ط‪(1‬دار الثقاف ة‪،‬‬ ‫‪-71‬‬
‫بريوت‪1394 ،‬هـ)‪.‬‬
‫التبصرة‪ ،‬مجال الدين أبو الفرج عبدالرمحن بن اجلوزي (ت ‪ ،)597‬حتقيق د‪ .‬مصطفى‬ ‫‪-72‬‬
‫عبد الواحد‪ ،‬نشر (مصطفى احلليب وشركاه‪ ،‬القاهرة‪1390 ،‬هـ)‪.‬‬
‫حتفة الذاكرين‪ ،‬حممد بن علي الشوكاين (ت ‪ ،)1250‬ط‪( 2‬مصطفى احلليب‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪-73‬‬
‫‪1375‬هـ)‪.‬‬
‫حتقيق مواقف الصحابة يف الفتنة من روايات اإلمام الطربي واحملدثني‪ ،‬د‪ .‬حممد أحمزون‪،‬‬ ‫‪-74‬‬
‫ط‪( 1‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪1415 ،‬هـ)‪.‬‬
‫التخوي ف من الن ار والتعري ف ب دار الب وار‪ ،‬ابن رجب احلنبلي (ت ‪ ،)795‬ط‪( 2‬دار‬ ‫‪-75‬‬
‫الرشيد‪ ،‬دمشق‪ 1404 ،‬هـ )‪.‬‬
‫ت ذكرة احلف اظ‪ ،‬اإلم ام أب و عبداهلل مشس ال دين ال ذهيب (ت ‪ ،)748‬نش ر (دار إحي اء‬ ‫‪-76‬‬
‫الرتاث العريب)‪.‬‬
‫تذكرة الدعاة‪ ،‬البهي اخلويل‪ ،‬ط‪( 6‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1399 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-77‬‬
‫ت ذكرة الس امع واملتكلم يف آداب الع امل واملتعلم‪ ،‬س عداهلل بن مجاع ة (ت ‪ ،)733‬نش ر‬ ‫‪-78‬‬
‫(دار الكتب العلمية)‪.‬‬
‫ترتيب أحاديث وآثار سنن الدارمي‪ ،‬عبدالرمحن دمشقية و مريفت فاخوري‪ ،‬ط‪( 1‬دار‬ ‫‪-79‬‬
‫الرشد‪ ،‬الرياض‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪526‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫التصنيف الفقهي ألحاديث كتاب الكىن واألمساء للدواليب‪ ،‬تصنيف أيب ياسر عصام‬ ‫‪-80‬‬
‫الدين بن غالم حسني‪ ،‬ط‪( 1‬دار الكتب اعلمية‪ ،‬بريوت‪1411 ،‬هـ)‪.‬‬
‫تفسري القرآن العظيم‪ ،‬أبو الفداء إمساعيل بن كثري (ت ‪ ،)774‬ط‪( 1‬دار الفكر)‪.‬‬ ‫‪-81‬‬
‫تق ريب الته ذيب‪ ،‬أمحد بن حج ر العس قالين (ت ‪ ،)852‬حتقي ق عب د الوه اب عب د‬ ‫‪-82‬‬
‫اللطيف‪ ،‬ط‪( 2‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1395 ،‬هـ)‪.‬‬
‫تقيي د العلم‪ ،‬اخلطيب البغ دادي (ت ‪ ، )463‬حتقي ق وتعلي ق يوس ف العش‪ ،‬نش ر‬ ‫‪-83‬‬
‫(دمشق‪1949 ،‬م)‪.‬‬
‫تل بيس إبليس‪ ،‬أب و الف رج بن اجلوزي (ت ‪ ،)597‬نش ر (دار الرائ د الع ريب‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-84‬‬
‫‪1368‬هـ)‪.‬‬
‫التلخيص (املطبوع بذيل املستدرك على الصحيحني )‪ ،‬الذهيب (ت ‪ ،)748‬نشر (دار‬ ‫‪-85‬‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫التمهي د‪ ،‬أب و بك ر بن حمم د بن الطيب بن الب اقالين (ت ‪ ،)403‬ض بط وتعلي ق حمم ود‬ ‫‪-86‬‬
‫حممد اخلضري وحممد عبد اهلادي أيب ريدة‪ ،‬نشر (دار الفكر العريب )‪.‬‬
‫هتذيب البالغ ة‪ ،‬د‪ .‬عب د اهلادي الفض لي‪ ،‬هتذيب جلن ة تنظيم الكتب الدراس ية‪ ،‬ط‪5‬‬ ‫‪-87‬‬
‫(اجملمع العلمي اإلسالمي‪1313 ،‬هـ)‪.‬‬
‫هتذيب الكم ال يف أمساء الرج ال‪ ،‬مجال ال دين أب و احلج اج يوس ف املزي (ت ‪،)742‬‬ ‫‪-88‬‬
‫حتقيق وضبط‪ :‬بشار عواد معروف‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫هتذيب اللغ ة‪ ،‬األزه ري‪ ،‬حتقي ق إب راهيم األبي اري‪ ،‬نش ر (دار الكت اب الع ريب‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-89‬‬
‫‪1967‬م)‪.‬‬
‫هتذيب ت اريخ اخللف اء للس يوطي‪ ،‬هتذيب وحتقي ق الش يخ ن ايف العب اس‪ ،‬ط‪( 1‬دار‬ ‫‪-90‬‬
‫األلباب‪ ،‬دمشق‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪527‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫هتذيب خص ائص أم ري املؤم نني علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ، -‬أمحد ابن‬ ‫‪-91‬‬
‫ش عيب النس ائي‪ ،‬هتذيب كم ال يوس ف احلوت‪ ،‬ط‪( 2‬ع امل الكتب‪ ،‬الري اض‪،‬‬
‫‪1404‬هـ)‪.‬‬
‫هتذيب سرية ابن هشام‪ ،‬عبد السالم هارون‪ ،‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫‪-92‬‬
‫التواض ع واخلم ول‪ ،‬ابن أيب ال دنيا (ت ‪ ،)281‬حتقي ق وتعلي ق لطفي الص غري وزميل ه‪،‬‬ ‫‪-93‬‬
‫نشر (دار االعتصام)‪.‬‬
‫تيسري العزيز احلميد يف شرح كتاب التوحيد‪ ،‬الشيخ سليمان بن عبداهلل ابن حممد بن‬ ‫‪-94‬‬
‫عبد الوهاب (ت‪ ،)1233‬ط‪( 4‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ج امع البي ان يف تفس ري الق رآن‪ ،‬أب و جعف ر حمم د بن جري ر الط ربي (ت ‪ ،)310‬نش ر‬ ‫‪-95‬‬
‫(دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫جامع الرس ائل‪ ،‬ابن تيمية (ت ‪ ،)728‬حتقيق د‪ .‬حممد رشاد سامل‪ ،‬ط‪( 1‬دار املدين‪،‬‬ ‫‪-96‬‬
‫جدة‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اجلامع الص حيح املس ند من أح اديث رس ول اهلل ‪ -‬ص لي اهلل علي ه وس لم ‪ -‬وس ننه‬ ‫‪-97‬‬
‫وأيام ه‪ ،‬أب و عبداهلل حمم د بن إمساعيل البخ اري (ت ‪ ،)256‬ت رقيم حمم د ف ؤاد عب د‬
‫الباقي‪ ،‬ط‪( 1‬املطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪.) 1400 ،‬‬
‫اجلامع الفريد‪ ،‬جمموعة رسائل لعدد من املشايخ‪ ،‬نشر (مطبعة املدينة‪ ،‬الرياض)‪.‬‬ ‫‪-98‬‬
‫جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبدالرب النمري القرطيب (ت‪ ،)463‬ط‪2‬‬ ‫‪-99‬‬
‫(دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬عابدين‪1402 ،‬هـ)‪ .‬وكذلك طبعة دار الفكر‪.‬‬
‫اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن أمحد األنصاري القرطيب (ت ‪ ،)671‬نشر‬ ‫‪-100‬‬
‫(دار الكتب العلمية‪.) 1413 ،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪528‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اجلامع ألخالق ال راوي وآداب الس امع‪ ،‬احلاف ظ اخلطيب البغ دادي (ت ‪ ،)463‬حتقيق‬ ‫‪-101‬‬
‫الدكتور حممود الطحان‪ ،‬نشر (مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫جاهلية القرن العشرين‪ ،‬حممد قطب‪،‬نشر (دار الشروق‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-102‬‬
‫جذور البالء‪ ،‬عبداهلل التل‪ ،‬ط‪( 3‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-103‬‬
‫اجلرح والتع ديل‪ ،‬ال رازي (ت ‪ ،)327‬ط‪( 1‬دائ رة املع ارف العثماني ة‪ ،‬حي در أب اد‪،‬‬ ‫‪-104‬‬
‫‪1371‬هـ)‪.‬‬
‫ج زء في ه مس ند أه ل ال بيت‪ ،‬أمحد بن حنب ل (ت ‪ ،)241‬حتقي ق عبداهلل اللي ثي‬ ‫‪-105‬‬
‫األنصاري‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مجع اجلوام ع‪ ،‬جالل ال دين الس يوطي (ت ‪( ،)911‬نس خة مص ورة عن خمطوط ة دار‬ ‫‪-106‬‬
‫الكتب املصرية رقم ‪.) 95‬‬
‫مجهرة أشعار العرب‪ ،‬أبو زيد حممد بن أيب اخلطاب القرشي (ت ‪ ،)171‬شرح وضبط‬ ‫‪-107‬‬
‫األستاذ علي فاعور‪ ،‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مجه رة خطب الع رب يف عص ور العربي ة الزاه رة‪ ،‬أمحد زكي ص فوت‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب ة‬ ‫‪-108‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫مجهرة رسائل العرب‪ ،‬أمحد زكي صفوت‪ ،‬نشر (دار املطبووعات العربية)‪.‬‬ ‫‪-109‬‬
‫جوامع السرية‪ ،‬ابن حزم (ت ‪ ،)456‬حتقيق الدكتور إحسان عباس والدكتور ناصر‬ ‫‪-110‬‬
‫الدين األسد‪ ،‬نشر (املطبعة العربية‪ ،‬الهور‪.) 1401 ،‬‬
‫جولة تارخيية يف عصر اخللفاء الراشدين‪ ،‬د‪ .‬حممد السيد الوكيل‪ ،‬ط‪( 2‬دار اجملتمع‪،‬‬ ‫‪-111‬‬
‫جده‪.) 1408 ،‬‬
‫جولة يف عامل التيه والضياع‪ ،‬جنيب عبداهلل الرفاعي‪ ،‬نشر(مكتبة الفالح)‪.‬‬ ‫‪-112‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪529‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اجلوهر النفيس يف سياس ة ال رئيس‪ ،‬ابن احلداد حمم د بن منص ور بن ح بيش‪ ،‬ط‪(1‬دار‬ ‫‪-113‬‬
‫الطليعة‪ ،‬بريوت‪1983 ،‬م)‪.‬‬
‫اجلوهرة يف نسب اإلمام علي وآله‪ ،‬حممد بن أيب بكر املعروف بالرِّب ي‪ ،‬حتقيق د‪.‬حممد‬ ‫‪-114‬‬
‫التوجني‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسسة األعلمي‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫حاشية اإلمام السندي على سنن النسائي‪ ،‬أبو احلسن نور الدين بن عبداهلادي السندي‬ ‫‪-115‬‬
‫(ت ‪ ،)1138‬ت رقيم أيب غ ده‪ ،‬ط‪( 2‬مكتب ة املطبوع ات اإلس المية‪ ،‬حلب‪،‬‬
‫‪1406‬هـ)‪.‬‬
‫حاشية الروض املربع شرح زاد املستقنع‪ ،‬عبدالرمحن بن قاسم احلنبلي (ت ‪،)1392‬‬ ‫‪-116‬‬
‫ط‪) 1403( 2‬‬
‫احلديث واحملدثون‪ ،‬حممد حممد أبو زهو‪( ،‬طبع الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية‬ ‫‪-117‬‬
‫واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫احلسبة يف اإلسالم‪ ،‬تقي الدين أمحد بن تيمية (ت ‪ ،)728‬نشر(دار عمر ابن اخلطاب‪،‬‬ ‫‪-118‬‬
‫اإلسكندرية)‪.‬‬
‫حكم وأحك ام من الس رية النبوي ة‪ ،‬عبداهلل عب دالغين خي اط‪ ،‬ط‪( 1‬دار الرف اعي‪،‬‬ ‫‪-119‬‬
‫‪1401‬هـ)‪.‬‬
‫احلكم ة يف ال دعوة إىل اهلل تع اىل‪ ،‬س عيد بن علي بن وه ف القحط اين‪ ،‬ط‪( 2‬مطبع ة‬ ‫‪-120‬‬
‫سفري‪ ،‬الرياض‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬أب و نعيم األصبهاين (ت ‪ ،)430‬ط‪( 3‬دار الكتاب‬ ‫‪-121‬‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫حياة الصحابة‪ ،‬حممد يوسف الكاندهلوي (ت ‪1965‬م)‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬نايف العباس‬ ‫‪-122‬‬
‫وحممد علي دولة‪ ،‬ط‪( 6‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ 1410 ،‬هـ )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪530‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫خ امت النب يني حمم د ‪ -‬ص لي اهلل علي ه وس لم ‪ ،-‬حمم د أب و زه رة‪ ،‬نش ر (دار الفك ر‬ ‫‪-123‬‬
‫العريب )‪.‬‬
‫اخلراج‪ ،‬أب و يوس ف يعق وب بن إب راهيم (ت ‪ ،)182‬نش ر (املطبع ة الس لفية‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬ ‫‪-124‬‬
‫‪1346‬هـ)‪.‬‬
‫اخلصائص‪ ،‬أبو الفتح عثمان بن جين (ت ‪ ،)392‬حتقيق حممد علي النجار‪ ،‬نشر (دار‬ ‫‪-125‬‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫خصائص أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬أمحد بن شعيب النسائي‬ ‫‪-126‬‬
‫(ت ‪ ،)303‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اخلطاب ة يف ص در اإلس الم‪ ،‬د‪ .‬حمم د ط اهر درويش‪ ،‬نش ر ( دار املع ارف مبص ر‪،‬‬ ‫‪-127‬‬
‫‪.)1965‬‬
‫اخلطابة وفن اإللقاء‪ ،‬أشرف حممد مرسي‪ ،‬نشر (مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬ ‫‪-128‬‬
‫خالص ة هتذيب هتذيب الكمال‪ ،‬ص في ال دين أمحد بن عبداهلل اخلزرجي‪ ،‬حتقي ق الشيخ‬ ‫‪-129‬‬
‫حممود عبدالوهاب فايد‪ ،‬ط‪( 5‬مكتبة القاهرة‪ ،‬مصر‪1393 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اخلالفة‪ ،‬الشيخ حممد رشيد رضا‪ ،‬نشر (الزهراء لإلعالم العريب )‪.‬‬ ‫‪-130‬‬
‫اخلالف ة اإلس المية ح ىت الق رن الراب ع اهلج ري‪ ،‬د‪ .‬ش حادة الن اطور وغ ريه‪ ،‬ط‪( 1‬دار‬ ‫‪-131‬‬
‫السعادة‪ ،‬األردن‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اخللفاء الراشدون‪ ،‬عبدالوهاب النجار‪ ،‬نشر (دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-132‬‬
‫اخللفاء الراشدون من تاريخ اإلسالم‪ ،‬حممد بن أمحد بن عثمان الذهيب (ت‪ ،)748‬ط‬ ‫‪-133‬‬
‫‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اخللق الكامل‪ ،‬حممد أمحد املوىل‪ ،‬نشر( مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت )‪.‬‬ ‫‪-134‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪531‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اخلوارج والشيعة‪ ،‬يوليوس فلهوزن‪ ،‬ترمجه عن األملانية الدكتور عبدالرمحن البدوي‪ ،‬ط‬ ‫‪-135‬‬
‫‪( 3‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪1978 ،‬م)‪.‬‬
‫دائ رة مع ارف الق رن العش رين‪ ،‬حمم د فري د وج دي‪ ،‬ط‪ ( 3‬دار املعرف ة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-136‬‬
‫‪1971‬م)‪.‬‬
‫در الس حابة يف من اقب القراب ة والص حابة‪ ،‬حمم د بن علي الش وكاين (ت ‪،)1250‬‬ ‫‪-137‬‬
‫حتقيق ودراسة حسني بن عبداهلل العمري‪ ،‬ط‪( 1‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الدر املنثور‪ ،‬السيوطي (ت ‪ ،) 911‬نشر(دار الفكر‪1414 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-138‬‬
‫ال درر الس نية يف األجوب ة النجدي ة‪ ،‬عب دالرمحن بن قاس م احلنبلي‪ ،‬ط‪( 3‬دار العربي ة‪،‬‬ ‫‪-139‬‬
‫بريوت‪1398 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ال دعوة إىل اإلس الم‪ ،‬أرنول د‪ ،‬ترمجة حس ن إب راهيم حس ن وآخ رين‪ .‬ط‪( 3‬مكتب ة‬ ‫‪-140‬‬
‫النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪.)1970 ،‬‬
‫الدعوة إىل اإلسالم مضامينها وميادينها‪ ،‬عبدالكرمي اخلطيب‪ ،‬ط‪( 1‬دار الكتاب العريب‪،‬‬ ‫‪-141‬‬
‫بريوت‪1402 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ال دعوة اإلس المية أص وهلا ووس ائلها‪ ،‬د‪ .‬أمحد غل وش (دار الكت اب اللبن اين‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-142‬‬
‫‪1987‬م)‪.‬‬
‫الدعوة اإلسالمية دعوة عاملية‪ ،‬حممد الراوي‪ ،‬ط‪( 2‬دار العربية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-143‬‬
‫ال دعوة اإلس المية واإلعالم ال ديين ‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل ش حاته‪ ،‬نش ر(اهليئة املص رية للكت اب‪،‬‬ ‫‪-144‬‬
‫‪1978‬م)‪.‬‬
‫الدعوة قواعد وأصول‪ ،‬مجعة أمني عبدالعزيز‪ ،‬ط‪( 2‬دار الدعوة‪ ،‬اإلسكندرية‪1409 ،‬‬ ‫‪-145‬‬
‫هـ)‪.‬‬
‫الدعوة واإلنسان‪ ،‬عبداهلل يوسف الشاذيل‪،‬نشر(املكتبة القومية احلديثة‪ ،‬طنطا)‪.‬‬ ‫‪-146‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪532‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ال دعوة والداعي ة يف ض وء س ورة الفرق ان‪ ،‬حمم د س عيد الب ارودي‪ ،‬ط‪( 1‬دار الوف اء‪،‬‬ ‫‪-147‬‬
‫جدة‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ديوان الشافعي‪ ،‬حممد بن إدريس الشافعي (ت ‪ ،)204‬مجع وحتقيق وشرح‪ :‬د‪ .‬أميل‬ ‫‪-148‬‬
‫بديع يعقوب‪ ،‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1411 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ديوان املتنيب‪ ،‬نشر (دار بريوت للطباعة والنشر‪ 1403 ،‬هـ)‬ ‫‪-149‬‬
‫دي وان حس ان بن ث ابت‪ ،‬وض ع وض بط وتص حيح عب دالرمحن ال ربقوقي‪ ،‬نش ر (دار‬ ‫‪-150‬‬
‫الكتاب العريب‪ 1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫دي وان دعب ل بن علي اخلزاعي‪ ،‬مجع وحتقي ق د‪ .‬حمم د يوس ف جنم‪ .‬نش ر(دار الثقاف ة‪،‬‬ ‫‪-151‬‬
‫بريوت‪1962 ،‬م )‪.‬‬
‫دي وان زه ري بن أيب س لمى‪ ،‬ش رح وحتقي ق حج ر عاص ي‪ ،‬ط‪( 1‬دار الفك ر الع ريب‪،‬‬ ‫‪-152‬‬
‫بريوت‪1994 ،‬م)‪.‬‬
‫دي وان عن رتة‪ ،‬حتقي ق ودراس ة حمم د س عيد مول وي‪ ،‬ط‪( 2‬املكتب اإلس المي‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-153‬‬
‫‪1403‬هـ)‪ .‬وكذلك ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ذخ ائر العق ىب يف من اقب ذوي الق ريب‪ ،‬حمب ال دين الط ربي (ت ‪ ،)695‬نش ر (دار‬ ‫‪-154‬‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫ذخائر املواريث‪ ،‬عبدالغين النابلسي(ت ‪ ،)1143‬نشر(دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-155‬‬
‫رئاس ة الدول ة يف الفق ه اإلس المي‪ ،‬د‪.‬حمم د رأفت عثم ان‪ ،‬ط‪( 2‬دار القلم‪ ،‬ديب‪،‬‬ ‫‪-156‬‬
‫‪1406‬هـ )‪.‬‬
‫رج ال الفك ر وال دعوة يف اإلس الم‪ ،‬أب و احلس ن الن دوي‪ ،‬ط‪( 7‬دار القلم‪ ،‬الك ويت‪،‬‬ ‫‪-157‬‬
‫‪1405‬هـ)‪.‬‬
‫رجال ونساء أسلموا‪ ،‬عرفات كامل العشي‪ ،‬ط‪( 1‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪1402 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-158‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪533‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫رسائل اإلمام علي‪ ،‬د‪ .‬كامل حيدر‪ ،‬ط‪( 1‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1995 ،‬م)‪.‬‬ ‫‪-159‬‬
‫رسالة يف الرد على الرافضة‪ ،‬أبو حامد املقدسي (ت ‪ ،)888‬حتقيق عبدالوهاب خليل‬ ‫‪-160‬‬
‫الرمحن‪ ،‬ط‪( 1‬الدار السلفية‪ ،‬بومبائي‪1403 ،‬هـ )‪.‬‬
‫الرسول وخلفاؤه‪ ،‬عبداهلل عمر خياط‪ ،‬ط‪ 1411( 2‬هـ )‪.‬‬ ‫‪-161‬‬
‫الرواة الذين تأثروا بعبداهلل بن سبأ‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬سعدي اهلامشي‪ ،‬ط‪1413( 1‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-162‬‬
‫الروض املربع شرح زاد املستقنع (املطبوع مع احلاشية)‪ ،‬منصور بن يونس البهويت (ت‬ ‫‪-163‬‬
‫‪ ،)1051‬ط‪.) 1403 ( 2‬‬
‫ال روض النض ري‪ ،‬القاض ي ش رف ال دين احلس ني بن أمحد (ت ‪ ،)1221‬ط‪( 2‬مكتب ة‬ ‫‪-164‬‬
‫املؤيد‪ ،‬الطائف‪1388 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الري اض النض رة يف من اقب العش رة‪ ،‬احملب الط ربي (ت ‪ ،)695‬ط‪( 1‬دار الكتب‬ ‫‪-165‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫زاد املسري‪ ،‬مجال الدين أبو الفرج عبدالرمحن بن اجلوزي (ت ‪ ، ) 597‬ط‪( 1‬املكتب‬ ‫‪-166‬‬
‫اإلسالمي)‪.‬‬
‫زاد املعاد‪ ،‬ابن القيم (ت ‪ ، ) 751‬ط‪( 3‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ 1402 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-167‬‬
‫الزاهر يف معاين كلمات الناس‪ ،‬أبو بكر حممد بن القاسم األنباري (ت ‪ ،)328‬حتقيق‪:‬‬ ‫‪-168‬‬
‫د‪.‬حامت صاحل الضامن‪ ،‬ط‪(1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬
‫زبدة التفسري من فتح القدير‪ ،‬حممد سليمان األشقر‪ ،‬ط‪( 7‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪-169‬‬
‫‪1414‬هـ)‪.‬‬
‫الزه د‪ ،‬اإلم ام أمحد بن حنب ل (ت ‪ ،)241‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمي ة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-170‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪534‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الزوائد يف فقه إمام السنة أمحد بن حنبل الشيباين رضي اهلل عنه‪ ،‬حممد بن عبداهلل آل‬ ‫‪-171‬‬
‫حسني‪ ،‬ط‪( 3‬مطابع الفرزدق‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ )‪.‬‬
‫سبل السالم‪ ،‬حممد بن إمساعيل الصنعاين (ت‪ ،)1182‬نشر(مكتبة الرياض احلديثة)‪.‬‬ ‫‪-172‬‬
‫س جع احلم ام يف حكم اإلم ام علي أم ري املؤم نني ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬علي اجلن دي‬ ‫‪-173‬‬
‫ورفاقه‪ ،‬نشر(مكتبة األجنلوا املصرية)‪.‬‬
‫سلس لة األح اديث الص حيحة‪ ،‬حمم د ناص ر ال دين األلب اين‪ ،‬ط‪( 4‬املكتب اإلس المي‪،‬‬ ‫‪-174‬‬
‫بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الس نة‪ ،‬أب و بك ر أمحد بن حمم د اخلالل (ت ‪ ،)311‬حتقي ق عطي ة الزه راين‪ ،‬ط‪( 1‬دار‬ ‫‪-175‬‬
‫الراية‪ ،‬الرياض‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫س نن أيب داود‪ ،‬احلاف ظ س ليمان بن األش عث السجس تاين (ت ‪ ،)275‬إع داد وتعلي ق‬ ‫‪-176‬‬
‫عزت عبيد الدعاس‪ ،‬ط‪( 1‬دار احلديث‪ ،‬بريوت‪1388 ،‬هـ)‪ .‬وكذلك السنن بضبط‬
‫وتعليق حممد حميي الدين عبداحلميد (املكتبة اإلسالمية‪ ،‬إستانبول)‪.‬‬
‫سنن ابن ماجة‪ ،‬احلافظ أبو عبداهلل حممد بن يزيد القزويين (ت ‪ ،)275‬حتقيق وترقيم‬ ‫‪-177‬‬
‫حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬نشر(املكتبة اإلسالمية‪ ،‬استانبول)‪.‬‬
‫س نن الرتم ذي‪ ،‬احلاف ظ حمم د بن عيس ىنب س ورة الرتم ذي (ت ‪ ،)279‬حتقي ق وش رح‬ ‫‪-178‬‬
‫أمحد حممد شاكر‪ ،‬نشر(دار إحياء الرتاث العريب)‪.‬‬
‫س نن ال دارقطين‪ ،‬علي بن عم ر ال دارقطين (ت ‪ ،)385‬ت رقيم وحتقي ق الس يد عبداهلل‬ ‫‪-179‬‬
‫هاشم املدين‪ ،‬نشر(دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫سنن الدارمي‪ ،‬أبو عبداهلل عبدالرمحن بن فضل بن هبرام الدارمي (ت ‪ ،)255‬نشر(دار‬ ‫‪-180‬‬
‫إحياء السنة النبوية)‪.‬‬
‫السنن الكربى‪ ،‬احلافظ البيهقي (ت ‪ ،)458‬نشر(دار املعرفة‪ ،‬بريوت )‪.‬‬ ‫‪-181‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪535‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫س نن النس ائي (ت ‪ ،)303‬بش رح احلاف ظ جالل ال دين الس يوطي وحاش ية اإلم ام‬ ‫‪-182‬‬
‫السندي‪ ،‬ترقيم أيب غدة‪ ،‬ط‪( 2‬مكتبة املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫سنن سعيد بن منصور (ت ‪ ،)227‬حتقيق حبيب الرمحن األعظمي‪ ،‬ط‪( 1‬دار الكتب‬ ‫‪-183‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫س ري أعالم النبالء‪ ،‬اإلم ام مشس ال دين حمم د بن أمحد بن عثم ان ال ذهيب (ت‪،)748‬‬ ‫‪-184‬‬
‫نشر(مؤسسة الرسالة)‪.‬‬
‫س رية ابن إس حاق‪ ،‬حمم د بن إس حاق بن يس ار (ت‪ ،) 151‬حتقي ق وتعلي ق حمم د‬ ‫‪-185‬‬
‫محيداهلل‪ ،‬نشر(مطبعة حممد اخلامس‪ ،‬فاس‪1396 ،‬هـ)‪.‬‬
‫السرية النبوية‪ ،‬أبو احلسن الندوي‪ ،‬ط‪( 7‬دار الشروق‪ ،‬جدة‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-186‬‬
‫السرية النبوية‪ ،‬أبو حممد عبد امللك بن هشام(ت ‪ ،)213‬حتقيق وضبط مصطفى السقا‬ ‫‪-187‬‬
‫وغريه‪ ،‬نشر(دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫الس رية النبوية الصحيحة‪ ،‬الدكتور أكرم ضياء العمري‪ ،‬ط‪( 6‬مكتبة العل وم واحلكم‪،‬‬ ‫‪-188‬‬
‫املدينة املنورة‪1415 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ش بهات حول األمر ب املعروف والنهي عن املنك ر‪ ،‬د‪ .‬فضل إهلي‪ ،‬ط‪( 1‬مطبعة س فري‪،‬‬ ‫‪-189‬‬
‫الرياض‪1411 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ش ذا الع رف يف فن الص رف‪ ،‬أمحد احلمالوي‪ ،‬ط‪( 16‬مص طفى الب ايب احلل يب‪ ،‬مص ر‪،‬‬ ‫‪-190‬‬
‫‪.) 1384‬‬
‫ش ذرات ال ذهب يف أخب ار من ذهب‪ ،‬ابن العم اد احلنبلي (ت ‪ ،)1089‬ط‪( 2‬دار‬ ‫‪-191‬‬
‫املسرية‪ ،‬بريوت‪.)1399 ،‬‬
‫شرح احلافظ السيوطي على سنن النسائي‪ ،‬املطبوع مع السنن‪ ،‬ط‪( 2‬مكتبة املطبوعات‬ ‫‪-192‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬حلب‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪536‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫شرح السنة‪ ،‬احلسني بن مسعود البغوي (ت ‪ ،)516‬حتقيق شعيب األرناؤوط‪ ،‬وحممد‬ ‫‪-193‬‬
‫زهري الشاويش‪ ،‬ط‪(2‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪.)1403 ،‬‬
‫ش رح العقي دة الطحاوي ة‪ ،‬ابن أيب الع ز احلنفي (ت ‪ ،)792‬حتقي ق مجاع ة من العلم اء‬ ‫‪-194‬‬
‫وختريج حممد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪( 9‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ 1408،‬هـ)‪.‬‬
‫شرح املعلقات السبع‪ ،‬الزوزين (ت ‪ ،)486‬نشر ( دار صادر‪ ،‬بريوت )‪.‬‬ ‫‪-195‬‬
‫شرح ديوان طرفة بن العبد‪ ،‬تقدمي وتعليق سيف الدين الكاتب وزميله (دار احلياة‪،‬‬ ‫‪-196‬‬
‫بريوت‪.) 1989 ،‬‬
‫شرح على املائة كلمة ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب‪ ،‬كمال الدين ميثم البحراين‪،‬‬ ‫‪-197‬‬
‫نشر(مجاعة املدرسني يف احلوزة العلمية‪ ،‬قم )‪.‬‬
‫ش رح مع اين اآلث ار‪ ،‬أمحد بن حمم د الطح اوي (ت ‪ ،)321‬نش ر(مطبع ة األن وار‬ ‫‪-198‬‬
‫احملمدية‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫ش رح هنج البالغ ة‪ ،‬ابن أيب احلدي د (ت ‪ ،)679‬حتقي ق حمم د أيب الفض ل إب راهيم‪ ،‬ط‬ ‫‪-199‬‬
‫‪(2‬دار إحياء الكتب العربية)‪.‬‬
‫ش رف أص حاب احلديث‪ ،‬اخلطيب البغ دادي (ت ‪ ،)463‬حتقي ق حمم د س عيد أوغلي‪،‬‬ ‫‪-200‬‬
‫نشر(دار إحياء السنة النبوية)‪.‬‬
‫شعر اخللفاء يف العصر الراشدي واألموي‪،‬نبال تيسري اخلماش‪ ،‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫‪-201‬‬
‫ش عر ال دعوة اإلس المية يف عه د النب وة واخللف اء الراش دين‪ ،‬عبداهلل احلام د‪ ،‬ط‪( 2‬دار‬ ‫‪-202‬‬
‫صادر‪ ،‬الرياض‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ش عر عبداهلل بن معاوي ة‪ ،‬مجع عب د احلمي د الراض ي‪ ،‬ط‪( 2‬مؤسس ة الرس الة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-203‬‬
‫‪.)1402‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪537‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ش عر معن بن أوس املزين‪ ،‬مجع وحتقي ق عم ر حمم د س ليمان القط ان‪ ،‬ط‪( 1‬دار العلم‪،‬‬ ‫‪-204‬‬
‫جدة‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الشفا ‪ ،‬القاضي عياض (ت ‪ ،)544‬املطبوع مع شرح القاري‪ ،‬نشر (مطبعة املدين‪،‬‬ ‫‪-205‬‬
‫القاهرة)‪.‬‬
‫الش مائل احملمدي ة‪ ،‬الرتم ذي (ت ‪ ،)279‬ختريج وتعلي ق ع زت عبي د ال دعاس‪ ،‬ط‪2‬‬ ‫‪-206‬‬
‫(مؤسسة الزعيب‪ ،‬محص‪1397 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ص حابة رس ول اهلل ‪ -‬ص لي اهلل علي ه وس لم ‪ -‬يف الكت اب والس نة‪ ،‬عي ادة أي وب‬ ‫‪-207‬‬
‫الكبيسي‪ ،‬ط‪(1‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الصحاح‪ ،‬إمساعيل بن محاد اجلوهري (ت ‪ ،)393‬حتقيق أمحد عبد الغفور عطار‪ ،‬ط‬ ‫‪-208‬‬
‫‪( 3‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ص حيح اجلامع الص غري‪ ،‬حمم د ناص ر ال دين األلب اين‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلس المي‪،‬‬ ‫‪-209‬‬
‫‪1388‬هـ)‪.‬‬
‫ص حيح الس رية النبوي ة‪ ،‬الش يخ حمم د بن رزق بن طره وين‪ ،‬ط‪( 1‬دار ابن تيمي ة‪،‬‬ ‫‪-210‬‬
‫القاهرة‪ 1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ص حيح س نن أيب داود‪ ،‬حمم د ناص ر ال دين األلب اين‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلس المي‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-211‬‬
‫‪1409‬هـ)‪.‬‬
‫صحيح سنن ابن ماجة‪ ،‬حممد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪-212‬‬
‫‪1407‬هـ)‪.‬‬
‫ص حيح س نن الرتم ذي‪ ،‬حمم د ناص ر ال دين األلب اين‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلس المي‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-213‬‬
‫‪1408‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪538‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ص حيح س نن النس ائي‪ ،‬حمم د ناص ر ال دين األلب اين‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلس المي‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-214‬‬
‫‪1409‬هـ)‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري (ت ‪ ،)261‬ترقيم حممد فؤاد‬ ‫‪-215‬‬
‫عبد الباقي‪ ،‬نشر (رئاسة إدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪1400‬هـ)‪ .‬وكذلك ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بروت‪1415 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ص حيح مس لم بش رح الن ووي‪ ،‬الش رح لإلم ام حميي ال دين أيب زكري ا حيىي بن ش رف‬ ‫‪-216‬‬
‫النووي (ت ‪ ،)677‬ط‪( 2‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪1392 ،‬هـ)‪.‬‬
‫صفة الصفوة‪ ،‬مجال الدين أبو الفرج عبدالرمحن بن اجلوزي (ت ‪ ،)597‬حتقيق وتعليق‬ ‫‪-217‬‬
‫حمم ود ف اخوري‪ ،‬ختريج د‪ .‬حمم د رواس قلع ه جي‪ ،‬ط‪(2‬دار املعرف ة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬
‫‪1399‬هـ)‪.‬‬
‫الص واعق احملرق ة‪ ،‬أمحد بن حج ر اهليتمي (ت ‪ ،)973‬ط‪( 3‬دار الكتب العلمي ة‪،‬‬ ‫‪-218‬‬
‫بريوت‪1414 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ضبط األعالم‪ ،‬أمحد تيمور باشا‪ ،‬ط‪ ( 1‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-219‬‬
‫طبقات احلفاظ‪ ،‬جالل الدين السيوطي (ت ‪ ،)911‬ط‪(1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪-220‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬
‫طبق ات الفقه اء‪ ،‬أب و إس حاق الش ريازي (ت ‪ ،)476‬حتقي ق إحس ان عب اس‪ ،‬ط‪(2‬دار‬ ‫‪-221‬‬
‫الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪1401 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الطبقات الكربى‪ ،‬ابن سعد (ت ‪ ،)230‬نشر(دار صادر‪ ،‬بريوت )‪.‬‬ ‫‪-222‬‬
‫طرح التثريب‪ ،‬زين الدين أبوالفضل (ت ‪،)806‬نشر(دار إحياء الرتاث العريب)‪.‬‬ ‫‪-223‬‬
‫عبداهلل بن سبأ وأثره يف أحداث الفتنة يف صدر اإلسالم‪ ،‬سليمان بن محد العوده‪ ،‬ط‬ ‫‪-224‬‬
‫‪ ( 2‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪.) 1412 ،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪539‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫عبقرية اإلمام علي‪ ،‬عباس حممود العقاد‪ ،‬نشر(املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت) ‪.‬‬ ‫‪-225‬‬
‫العبودي ة‪ ،‬ش يخ اإلس الم تقي ال دين أمحد بن تيمي ة (ت ‪ ،)728‬ط‪( 1‬دار الكتب‬ ‫‪-226‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1401 ،‬هـ)‪.‬‬
‫العدة شرح العمدة‪ ،‬هباء الدين املقدسي (ت ‪ ،)624‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫‪-227‬‬
‫عصر اخلالفة الراشدة‪ ،‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬ط‪( 1‬مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪،‬‬ ‫‪-228‬‬
‫‪1414‬هـ)‪.‬‬
‫عقد الدرر فيما وقع يف جند من احلوادث يف آخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع‬ ‫‪-229‬‬
‫عش ر‪ ،‬ذي ل كت اب عن وان اجملد يف ت اريخ جند‪ ،‬اب راهيم بن ص احل ابن عيس ى النج دي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1391 ،‬هـ ‪.‬‬
‫العق د الفري د‪ ،‬أمحد بن حمم د بن عب د رب ه األندلس ي (ت ‪ ،)328‬حتقي ق حمم د س عيد‬ ‫‪-230‬‬
‫العريان‪ ،‬نشر(دار الفكر)‪.‬‬
‫عقيدة أهل السنة واجلماعة‪ ،‬حممد الصاحل العثيمني‪،‬نشر ( جامعة اإلمام‪.)1404 ،‬‬ ‫‪-231‬‬
‫عقي دة أه ل الس نة واجلماع ة يف الص حابة الك رام (رض ي اهلل عنهم)‪ ،‬د‪ .‬ناص ر بن علي‬ ‫‪-232‬‬
‫عائض حسن الشيخ‪ ،‬ط‪( 1‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫العالق ة بني الفق ه وال دعوة‪ ،‬مفي د خال د عي د أمحد عي د‪ ،‬ط‪( 1‬دار ابن ح زم‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-233‬‬
‫‪1416‬هـ)‪.‬‬
‫عالم ات النب وة ‪ ،‬أمحد بن أيب بك ر البوص ريي (ت ‪ ،)840‬ط‪( 1‬مكتب ة الس وادي‪،‬‬ ‫‪-234‬‬
‫جدة‪.) 1411 ،‬‬
‫علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬عب د الس تار الشيخ‪ ،‬ط‪( 1‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪-235‬‬
‫‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫علي بن أيب طالب‪ ،‬حممد ضياء‪ ،‬ط‪( 1‬دار الفكر اللبناين‪1991 ،‬م)‪.‬‬ ‫‪-236‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪540‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫علي بن أيب طالب نظرة عصرية جديدة ‪ ،‬جمموعة من الكتاب‪ ،‬ط‪( 2‬املؤسسة العربية‬ ‫‪-237‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪1980 ،‬م)‪.‬‬
‫علي بن أيب ط الب وهنج البالغ ة‪ ،‬ف ؤاد أف رم البس تاين‪ ،‬نش ر ( املطبع ة الكاثوليكي ة‪،‬‬ ‫‪-238‬‬
‫بريوت‪1927 ،‬م)‪.‬‬
‫عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬البدر العيين (ت ‪ ،)855‬نشر(دار إحياء الرتاث‬ ‫‪-239‬‬
‫العريب‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫العواص م من القواص م‪ ،‬أب و بك ر بن الع ريب (ت ‪ ،)543‬ختريج حمم ود مه دي‬ ‫‪-240‬‬
‫االس تانبويل‪ ،‬حتقي ق الش يخ حمب ال دين اخلطيب‪ ،‬ط‪( 6‬مكتب ة الس نة‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬
‫‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫عيون األثر يف فنون املغازي والشمائل والسري‪ ،‬ابن سيد الناس (ت‪ ،)734‬ط‪( 2‬دار‬ ‫‪-241‬‬
‫اجليل‪ ،‬بريوت‪1974 ،‬م)‪.‬‬
‫عيون األخبار‪ ،‬ابن قتيبة الدينوري (ت ‪ ،)276‬نشر( دار الكتب )‪.‬‬ ‫‪-242‬‬
‫غرائب اللغة العربية‪ .‬رفائيل خنلة‪ ،‬ط‪( 4‬دار املشرق‪ ،‬بريوت )‪.‬‬ ‫‪-243‬‬
‫غ رر احلكم ودرر الكلم‪ ،‬عبدالواح د اآلم دي (ت ‪ ،)550‬ط‪( 1‬مؤسس ة األعلمي‪،‬‬ ‫‪-244‬‬
‫بريوت‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫غزوة خيرب‪ ،‬حممد أمحد بامشيل‪ ،‬ط‪( 4‬دار الفكر‪1394 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-245‬‬
‫الفائق يف غريب احلديث‪ ،‬الزخمشري (ت ‪ ،)538‬حتقيق علي حممد البجاوي و حممد‬ ‫‪-246‬‬
‫أيب الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪( 2‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫فت اوي اللجن ة الدائم ة للبح وث العلمي ة واإلفت اء‪ ،‬مجع وت رتيب الش يخ أمحد ابن عب د‬ ‫‪-247‬‬
‫الرزاق الدويش‪ ،‬ط‪( 1‬دار عامل الكتب‪ ،‬الرياض‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪541‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فتح الب اري‪ ،‬أمحد بن علي بن حج ر العس قالين (ت ‪ ،)852‬ت رقيم حمم د ف ؤاد عب د‬ ‫‪-248‬‬
‫الب اقي‪ ،‬تص يح وتعلي ق مساحة الش يخ عب دالعزيز بن ب از‪ ،‬نش ر(رئاس ة إدارات البح وث‬
‫العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض)‪.‬‬
‫الفتح الرب اين ت رتيب مس ند اإلم ام أمحد بن حنب ل الش يباين‪ ،‬أمحد عب دالرمحن البن ا‪،‬‬ ‫‪-249‬‬
‫نشر(دار الشهاب‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫فتح القدير‪ ،‬حممد بن علي الشوكاين (ت ‪ ،)1250‬نشر(دار الفكر)‪.‬‬ ‫‪-250‬‬
‫فتح اجملي د‪ ،‬الش يخ عب دالرمحن بن حس ن آل الش يخ (ت ‪ ،)1285‬نش ر(مؤسس ة‬ ‫‪-251‬‬
‫قرطبة)‪.‬‬
‫فت وح البل دان‪ ،‬اإلم ام أب و احلس ن البالذري (ت ‪ ،)279‬ط‪( 1‬دار اهلالل‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-252‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬
‫الفص ل يف املل ل واأله واء والنح ل‪ ،‬ابن ح زم الظ اهري (ت ‪ ،)456‬حتقي ق د‪ .‬حمم د‬ ‫‪-253‬‬
‫إبراهيم نصر‪ ،‬ود‪ .‬عبدالرمحن عمرية‪ ،‬ط‪( 1‬شركة عكاظ‪1402 ،‬هـ)‪.‬وكذلك نشر‬
‫مكتبة اخلاجني‪.‬‬
‫فص ول يف ال دعوة والثقاف ة اإلس المية‪ ،‬حس ن عيس ى عب د الظ اهر‪ ،‬ط‪( 1‬دار القلم‪،‬‬ ‫‪-254‬‬
‫الكويت‪1401 ،‬هـ)‪.‬‬
‫فقه الدعوة إىل اهلل‪ ،‬د‪ .‬علي عبداحلليم حممود‪ ،‬ط‪( 3‬دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-255‬‬
‫فقه السنة‪ ،‬سيد سابق‪ ،‬نشر(دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-256‬‬
‫فقه السرية‪ ،‬حممد الغزايل‪ ،‬ط‪( 1‬دار البيان للرتاث‪ ،‬القاهرة‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-257‬‬
‫فن اخلطابة‪ ،‬أمحد حممد احلويف‪ ،‬ط‪( 4‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬ ‫‪-258‬‬
‫فن اخلطابة وتطوره عند العرب‪ ،‬إيليا حاوي‪ ،‬نشر(دار الثقافة‪ ،‬بريووت)‪.‬‬ ‫‪-259‬‬
‫فهارس املعجم الكبري للطرباين‪ ،‬عدنان عرعور‪،‬نشر (دار الراية‪ ،‬الرياض)‪.‬‬ ‫‪-260‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪542‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫فه ارس معجم هتذيب اللغ ة‪ ،‬عب د الس الم ه ارون‪ ،‬ط‪( 1‬مكتب ة اخلاجني‪ ،‬الق اهرة‪،‬‬ ‫‪-261‬‬
‫‪1396‬هـ)‪.‬‬
‫الفهرست‪ ،‬ابن الندمي (ت ‪،)438‬نشر(دار املعرفة‪،‬بريوت )‪.‬‬ ‫‪-262‬‬
‫يف ظالل القرآن‪ ،‬سيد قطب‪ ،‬ط‪( 12‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪ 1406،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-263‬‬
‫ال َف رق بني ِ‬
‫الف رق‪ ،‬عب د الق اهر بن ط اهر البغ دادي اإلس فرائيين (ت ‪ ،)429‬حتقي ق‬ ‫‪-264‬‬
‫وتعليق حممد حميي الدين عبداحلميد‪ ،‬نشر (دار املعرفة‪ ،‬بريوت )‪.‬‬
‫القاموس الفقهي‪ ،‬سعدي أبو جيب‪ ،‬ط‪ ( 2‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.)1408 ،‬‬ ‫‪-265‬‬
‫القاموس احمليط‪ ،‬الفريوز أبادي(ت ‪ ،)817‬نشر(دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.)1398 ،‬‬ ‫‪-266‬‬
‫ق رة العي ون املبص رة بتلخيص كت اب التبص رة‪ ،‬الش يخ أب وبكر بن الش يخ حمم د املال‬ ‫‪-267‬‬
‫االحسائي‪،‬نشر (دار الكتاب العريب‪ ،‬القاهرة‪ 1383 ،‬هـ )‪.‬‬
‫القصاص واملذكرين‪ ،‬مجال الدين أبو الفرج عبدالرمحن بن اجلوزي (ت ‪ ،)597‬حتقيق‬ ‫‪-268‬‬
‫قاسم السامرائي‪ ،‬ط‪( 1‬دار أمية‪ ،‬الرياض‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫قض اء أم ري املؤم نني علي بن أيب ط االب‪ ،‬حمم د تقي التس رتي‪ ،‬ط‪( 5‬املكتب ة احليدري ة‪،‬‬ ‫‪-269‬‬
‫النجف )‪.‬‬
‫قط ر الن دى وب ل الص دى‪ ،‬عبداهلل بن يوس ف بن هش ام (ت ‪ ،)761‬ط‪،11‬‬ ‫‪-270‬‬
‫نشر(مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪1383 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الكامل‪ ،‬أبو العباس حممد بن يزي د املربد (ت ‪ ،)285‬حتقيق حممد أمحد الدايل‪ ،‬ط‪2‬‬ ‫‪-271‬‬
‫(مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الكامل يف التاريخ‪ ،‬ابن األثري (ت ‪ ،)630‬حتقيق وضبط علي شريي‪ ،‬ط‪( 1‬دار إحياء‬ ‫‪-272‬‬
‫الرتاث‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪543‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫كت اب األض داد‪ ،‬حمم د بن القاس م األنب اري (ت ‪ ،)328‬حتقي ق حمم د أيب الفض ل‬ ‫‪-273‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬نشر(املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫كتاب األمثال‪ ،‬القاسم بن سالم (ت ‪ ،)222‬حتقيق الدكتور عبد اجمليد قطامش‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪-274‬‬
‫(دار املأمون‪ ،‬دمشق‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كت اب األم وال‪ ،‬القاس م بن س الم (ت ‪ ،)222‬ط‪( 1‬دار الش روق‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-275‬‬
‫‪1409‬هـ)‪.‬‬
‫كت اب التعريف ات‪ ،‬اجلرج اين (ت‪ ،)816‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمي ة‪ ،‬ب ريوت‪ ،‬لبن ان‪،‬‬ ‫‪-276‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬
‫كت اب الزه د‪ ،‬وكي ع بن اجلراح (ت ‪ ،)196‬حتقي ق وتعلي ق عب دالرمحن عب داجلبار‬ ‫‪-277‬‬
‫الفريوائي‪ ،‬ط‪( 1‬مكتبة الدار‪ ،‬املدينة املنورة‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬عبداهلل بن املبارك (ت ‪ ،)181‬نشر(مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-278‬‬
‫كت اب الس نة‪ ،‬احلاف ظ أب و بك ر عم رو بن أيب عاص م (ت ‪ ،)287‬حتقي ق حمم د ناص ر‬ ‫‪-279‬‬
‫الدين األلباين‪ ،‬ط‪( 3‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1413 ،‬هـ )‪.‬‬
‫كت اب الص مت وآداب اللس ان‪ ،‬ابن أيب ال دنيا (ت ‪ ،)281‬حتقي ق ودراس ة جنم‬ ‫‪-280‬‬
‫عبدالرمحن خلف‪ ،‬ط‪( 1‬دار العرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب العزلة‪ ،‬اخلطايب (ت ‪ ،)388‬نشر (عزت البيطار‪1356 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-281‬‬
‫كتاب العلم‪ ،‬احلافظ أبو خيثمة زهري بن حرب النسائي (ت ‪ ،)234‬حتقيق األلباين‪،‬‬ ‫‪-282‬‬
‫ط‪( 2‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب الفروع‪ ،‬ابن مفلح (ت ‪ ،)763‬ط‪( 4‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-283‬‬
‫الكت اب املص نف يف األح اديث واآلث ار (اجلزء الفق ود )‪ ،‬أب و بك ر ابن أيب ش يبة (ت‬ ‫‪-284‬‬
‫‪ ،)235‬حتقيق عمر بن غرامة العمودي‪ ،‬ط‪( 1‬دار عامل الكتب‪ ،‬الرياض‪1408 ،‬هـ )‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪544‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫الكتاب املصنف يف األحاديث واآلثار‪ ،‬أبو بكر بن أيب شيبة (ت‪ ،)235‬ط‪( 2‬الدار‬ ‫‪-285‬‬
‫السلفية‪ ،‬اهلند‪1399 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كت اب املعرف ة والت اريخ‪ ،‬يعق وب بن س فيان البس وي (ت ‪ ،)277‬حتقي ق أك رم ض ياء‬ ‫‪-286‬‬
‫العمري‪ ،‬ط‪( 2‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1401 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب املغازي‪ ،‬الواقدي (ت ‪ ،)207‬حتقيق د‪ .‬مارسدن جونسن‪ ،‬نشر(عامل الكتب‪،‬‬ ‫‪-287‬‬
‫بريوت)‪.‬‬
‫كت اب هتذيب الته ذيب‪ ،‬أمحد بن حج ر العس قالين (ت ‪ ،)852‬ط‪( 1‬دار الفك ر‬ ‫‪-288‬‬
‫العريب‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬اإلمام أمحد بن حنبل (ت ‪ ،)241‬حتقيــق‬ ‫‪-289‬‬
‫وصي اهلل بن حممد عباس‪ ،‬ط‪( 1‬دار العلم‪ ،‬جدة‪1403 ،‬هـ )‪.‬‬
‫كشف اخلفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس‪ ،‬امساعيل بن‬ ‫‪-290‬‬
‫حممد العجلوين (ت ‪ ،)1162‬ط‪(5‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كشف الشبهات يف التوحيد‪ ،‬الشيخ حممد بن عبد الرهاب (ت ‪ ،)1206‬نشر(املط ابع‬ ‫‪-291‬‬
‫اإلسالمية العربية)‪.‬‬
‫ك نز العم ال يف س نن األق وال واألفع ال‪ ،‬املتقي بن حس ام ال دين اهلن دي (ت ‪،)975‬‬ ‫‪-292‬‬
‫نشر(مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1409 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الك ىن واألمساء‪ ،‬حمم د بن أمحد ال دواليب (ت ‪ ،)320‬ط‪( 2‬دار الكتب العلمي ة‪،‬‬ ‫‪-293‬‬
‫بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كي ف ننهض باجملتمع ات املس لمة املعاص رة‪ ،‬د‪ .‬حممد رأفت س عيد‪ ،‬نشر(ع امل الكتب‪،‬‬ ‫‪-294‬‬
‫الرياض)‪.‬‬
‫َّاب الوحي‪ ،‬د‪ .‬أمحد عبدالرمحن عيسى‪ ،‬ط‪( 1‬دار اللواء‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫ُكت ُ‬ ‫‪-295‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪545‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور األفريقي (ت ‪ ،)711‬نشر(دار صادر‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-296‬‬


‫لس ان امليزان‪ ،‬أمحد بن علي بن حج ر العس قالين (ت ‪ ،)852‬ط‪( 1‬دار الفك ر‪،‬‬ ‫‪-297‬‬
‫بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫لوامع األنوار البهية وسواطع األسرار األثرية‪ ،‬حممد بن أمحد السفاريين (ت ‪،)1188‬‬ ‫‪-298‬‬
‫نشر(املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫اجملتم ع املدين يف عه د النب وة (اجله اد ض د املش ركني)‪ ،‬د‪ .‬أك رم ض ياء العم ري‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪-299‬‬
‫(احلكمة اإلسالمية‪ ،‬املدينة املنورة‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫جمتم ع املدين ة املن ورة يف عه د الرس ول ‪ -‬ص لي اهلل علي ه وس لم ‪ ،-‬د‪ .‬حمم د لقم ان‬ ‫‪-300‬‬
‫األعظمي الندوي‪ ،‬نشر(دار االعتصام‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫جمتم ع املدين ة قب ل اهلج رة وبع دها‪ ،‬حس ن خال د‪،‬نش ر(دار النهض ة العربي ة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-301‬‬
‫‪1406‬هـ)‪.‬‬
‫جمم ع األمث ال‪ ،‬أمحد بن حمم د بن أمحد املي داين (ت ‪ ،)518‬حتقي ق حمم د أيب الفض ل‬ ‫‪-302‬‬
‫إبراهيم‪،‬نشر ( عيسى البايب احلليب وشركاه )‪.‬‬
‫جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬نور الدين علي بن أيب بكر اهليثمي (ت ‪ ،)808‬نشر(دار‬ ‫‪-303‬‬
‫الكتب العلمية بريوت‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫اجملموع شرح املهذب‪ ،‬أبو زكريا حميي الدين بن شرف النووي (ت ‪ ،)677‬نشر(دار‬ ‫‪-304‬‬
‫الفكر)‪ .‬وكذلك نشر (مطبعة اإلمام مبصر)‪.‬‬
‫جمموع فتاوى شيخ اإلسالم أمحد بن تيمية‪ ،‬مجع وترتيب عبدالرمحن بن حممد بن قاسم‬ ‫‪-305‬‬
‫وابنه حممد‪ ،‬ط‪1408( 1‬هـ)‪.‬‬
‫حماضرات يف النصرانية‪ ،‬حممد أبو زهرة‪ ،‬ط‪( 1‬الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية‬ ‫‪-306‬‬
‫واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪1404 ،‬هـ )‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪546‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫احمللى‪ ،‬أبو حممد علي بن حزم (ت ‪ ،)456‬حتقيق جلنة إحياء الرتاث العريب‪ ،‬نشر(دار‬ ‫‪-307‬‬
‫اآلفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫خمتص ر التحف ة االث ين عش رية‪ ،‬أمحد ال دهلوي‪ ،‬تع ريب غالم حمم د األس لمي‪ ،‬اختص ار‬ ‫‪-308‬‬
‫حمم ود ش كري األلوس ي‪ ،‬حتقي ق حمب ال دين اخلطيب‪ ،‬نش ر(الرئاس ة العام ة إلدارات‬
‫البحوث العلميةواإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫خمتص ر تفس ري املن ار‪ ،‬الس يد حمم د رش يد رض ا‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلس المي‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-309‬‬
‫‪) 1404‬‬
‫املختص ر يف أخب ار البش ر‪ ،‬عم اد ال دين امساعيل أب و الف داء (ت ‪ ،)732‬نش ر(مكتب ة‬ ‫‪-310‬‬
‫املتنيب‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫خمتصر منهاج القاصدين‪ ،‬أمحد بن عبدالرمحن املقدسي‪،‬نشر (مكتبة دار البيان‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪-311‬‬
‫‪1398‬هـ)‪.‬‬
‫املخص ص‪ ،‬علي بن إمساعيل األندلس ي املع روف ب ابن س يده (ت ‪ ،)458‬نش ر(دار‬ ‫‪-312‬‬
‫الفكر)‪.‬‬
‫مدارج السالكني‪ ،‬ابن القيم (ت ‪ ،)751‬حتقيق حممد حامد الفقي‪ ،‬ط‪( 2‬دار الكتاب‬ ‫‪-313‬‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪1392 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املدخل إىل البحث يف العل وم الس لوكية‪ ،‬د‪ .‬ص احل بن محد العس اف‪ ،‬ط‪( 1‬ش ركة‬ ‫‪-314‬‬
‫العبيكان‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املدخل إىل علم ال دعوة‪ ،‬حمم د أب و الفتح البي انوين‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسس ة الرس الة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-315‬‬
‫‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫املرأة املسلمة املعاصرة‪ ،‬د‪ .‬أمحد أبابطني‪ ،‬ط‪( 2‬دار علم الكتب‪ ،‬الرياض‪.) 1412 ،‬‬ ‫‪-316‬‬
‫مرشد الدعاة‪ ،‬الشيخ حممد منر اخلطيب‪ ،‬ط‪( 1‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1401 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-317‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪547‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املرشد الوثيق إىل مراجع البحث وأصول التحقيق‪ ،‬جاسم بن حممد بن مهلهل الياسني‪،‬‬ ‫‪-318‬‬
‫وعدنان بن سامل الرومي‪ ،‬ط‪( 1‬دار الدعوة‪ ،‬الكويت‪1407 ،‬هـ )‪.‬‬
‫م روج ال ذهب ومع ادن اجلوهر‪ ،‬أب و احلس ن علي بن احلس ني املس عودي (ت ‪،)346‬‬ ‫‪-319‬‬
‫حتقي ق حمم د حميي ال دين عب د احلمي د (ب دون ناش ر)‪ .‬وك ذلك نش ر الش ركة العاملي ة‬
‫للكتاب‪ ،‬بريوت‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫املستدرك على الصحيحني‪ ،‬احلافظ احلاكم النيسابوري (ت ‪،)405‬نشر (دار املعرفة‪،‬‬ ‫‪-320‬‬
‫بريوت)‪.‬‬
‫املس ند‪ ،‬أب و بك ر عبداهلل بن الزب ري احلمي دي (ت ‪ ،)219‬حتقي ق ح بيب ال رمحن‬ ‫‪-321‬‬
‫األعظمي‪ ،‬نشر(عامل الكتب‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫املس ند‪ ،‬اإلم ام أمحد بن حنب ل (ت ‪ ،)241‬ط‪( 5‬املكتب اإلس المي‪ ،‬ب ريووت‪،‬‬ ‫‪-322‬‬
‫‪1405‬هـ)‪ .‬وك ذلك املس ند بتحقي ق أمحد ش اكر‪ ،‬ط‪( 3‬دار املع ارف‪ ،‬مص ر‪،‬‬
‫‪1368‬هـ)‪.‬‬
‫مس ند أيب يعلى‪ ،‬أمحد بن علي املث ىن التميمي (ت ‪،)307‬حتقي ق وختريج حس ني س ليم‬ ‫‪-323‬‬
‫أسد‪ ،‬ط‪( 1‬دار املأمون للرتاث‪ ،‬دمشق‪141 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مس ند اإلم ام زي د بن علي‪ ،‬مجع عب دالعزيز بن إس حاق البغ دادي‪ ،‬ط‪( 2‬دار الكتب‬ ‫‪-324‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مس ند ال بزار‪ ،‬حتقي ق د‪ .‬حمف وظ ال رمحن زين اهلل‪ ،‬ط‪( 1‬مكتب ة العل وم واحلكم‪ ،‬املدين ة‬ ‫‪-325‬‬
‫املنورة‪1409 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املس ند اجلامع ألح اديث الكتب الس تة‪ ،‬ومؤلف ات أص حاهبا األخ رى‪ ،‬وموط أ مال ك‪،‬‬ ‫‪-326‬‬
‫ومس انيد احلمي دي‪ ،‬وأمحد بن حنب ل‪ ،‬وعب د بن محي د‪ ،‬وس نن ال دارمي‪ ،‬وص حيح ابن‬
‫خزمية‪ .‬حتقيق وضبط‪ :‬الدكتور بشار عواد معروف‪ ،‬والسيد أبو املعاطي حممد النوري‪،‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪548‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وأمحد عبد الرزاق عيد‪ ،‬وأمين إبراهيم الزاملي‪ ،‬وحممود حممد خليل‪ .‬ط‪( 1‬دار اجليل‪،‬‬
‫بريوت‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مس ند الش افعي‪ ،‬حمم د بن إدريس الش افعي (ت ‪ ،)204‬ت رتيب حمم د عاب د الس ندي‪،‬‬ ‫‪-327‬‬
‫نشر(دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1370 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مس ند الش هاب‪ ،‬حمم د بن س المة القض اعي‪ ،‬حتقي ق محدي عب د اجملي د الس لفي‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪-328‬‬
‫(مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مسند خليفة بن خياط (ت ‪ ،)240‬دراسة وحتقيق الدكتور أكرم ضياء العمري‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪-329‬‬
‫(‪1405‬هـ )‪.‬‬
‫مس ند علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬احلاف ظ جالل ال دين الس يوطي (ت‬ ‫‪-330‬‬
‫‪ ،)911‬ط‪( 1‬املطبعة العزيزية‪ ،‬حيدر أباد‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مس ند علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬يوس ف أزب ك‪( .‬بالتص وير من املؤل ف‬ ‫‪-331‬‬
‫قبل النشر)‪.‬‬
‫املش تبه يف أمساء الرج ال‪ ،‬حمم د بن أمحد بن عثم ان ال ذهيب (ت ‪ ،)748‬حتقي ق علي‬ ‫‪-332‬‬
‫حممد البجاوي ‪ ،‬ط‪ ( 1‬عيسى البايب احلليب‪1962 ،‬م)‪.‬‬
‫مشكاة املصابيح‪ ،‬اخلطيب التربيزي (ت ‪ ،)737‬حتقيق حممد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪2‬‬ ‫‪-333‬‬
‫(املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1399 ،‬هـ)‪.‬‬
‫مشكالة الدعوة والداعية‪ ،‬فتحي يكن‪ ،‬ط‪( 9‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-334‬‬
‫مصادر هنج البالغة‪ ،‬عبداهلل نعمة‪ ،‬بدون ناشر‪.‬‬ ‫‪-335‬‬
‫املص نف‪ ،‬أب و بك ر عب د ال رزاق بن مهام الص نعاين (ت ‪ ،)211‬حتقي ق ح بيب ال رمحن‬ ‫‪-336‬‬
‫األعظمي‪ ،‬ط‪( 2‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪549‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املعارف‪ ،‬أبو حممد عبداهلل بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت ‪ .)276‬ط‪( 1‬دار الكتب‬ ‫‪-337‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪)140 ،‬‬
‫معامل التنزيل ‪ ،‬احلسني بن مسعود البغوي (ت ‪ ،)516‬حتقيق حممد النمر وعثمان مجعة‬ ‫‪-338‬‬
‫وسليمان مسلم‪ ،‬نشر(دار طيبة‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ)‪.‬‬
‫معامل اخلالفة يف الفكر السياسي اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬حممد اخلالدي‪ ،‬ط‪( 1‬دار اجليل بريوت‪،‬‬ ‫‪-339‬‬
‫‪1404‬هـ)‪.‬‬
‫مع امل ال دعوة يف قص ص الق رآن‪ ،‬عب د الوه اب بن لط ف ال ديلمي‪ ،‬ط‪( 1‬دار اجملتم ع‪،‬‬ ‫‪-340‬‬
‫جدة‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫معامل السنن‪ ،‬حاشية سنن أيب داود‪ ،‬محد بن حممد بن إبراهيم اخلطايب (ت ‪ ،)388‬ط‬ ‫‪-341‬‬
‫‪( 1‬دار احلديث‪ ،‬بريوت‪1388 ،‬هـ)‪.‬‬
‫معجم األدباء‪ ،‬ياقوت احلموي (ت ‪ ،)626‬ط‪ ( 3‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-342‬‬
‫معجم األعالم‪ ،‬بسام عبد الوهاب اجلايب‪ ،‬ط‪( 1‬اجلفان واجلايب‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-343‬‬
‫معجم األوائل يف تاريخ العرب واملسلمني‪ ،‬الدكتور فؤاد صاحل السيد‪ ،‬ط‪(1‬دار املنهل‪،‬‬ ‫‪-344‬‬
‫بريوت‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املعجم األوس ط‪ ،‬الط رباين (ت ‪ ،)360‬حتقي ق ال دكتور حمم ود الطح ان‪ ،‬ط‪( 1‬مكتب ة‬ ‫‪-345‬‬
‫املعارف‪ ،‬االرياض‪1407 ،‬هـ )‪.‬‬
‫معجم البلدان‪ ،‬ياقوت احلموي (ت ‪ ،)626‬نشر(دار صادر‪ ،‬بريوت)‪.‬‬ ‫‪-346‬‬
‫املعجم الص غري‪ ،‬أب و القاس م س ليمان بن أمحد الط رباين (ت ‪ ،)360‬نش ر (دار الكتب‬ ‫‪-347‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ )‪.‬‬
‫املعجم الكب ري‪ ،‬أب و القاس م س ليمان بن أمحد الط رباين (ت ‪ ،)360‬حتقي ق محدي عب د‬ ‫‪-348‬‬
‫اجمليد السلفي‪ ،‬ط‪( 1‬الدار العربية للطباعة)‪ .‬وكذلك نشر مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪550‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫معجم املؤلفني‪ ،‬عمر كحالة‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1414 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-349‬‬
‫معجم املعربات الفارسية يف اللغة العربية ‪ ،‬الدكتور حممد التوجني‪ ،‬ط‪( 1‬دار األدهم‪،‬‬ ‫‪-350‬‬
‫دمشق‪.) 1988 ،‬‬
‫املعجم املفهرس أللفاظ احلديث النبوي‪ ،‬ترتييب وتنظيم لفيف من املستشرقني‪ .‬ونشر‪:‬‬ ‫‪-351‬‬
‫د‪ .‬ا‪ .‬ي‪ .‬ونسنك‪ ،‬نشر (مكتبة بريل‪،‬ليدن‪1936 ،‬م)‪.‬‬
‫املعجم املفه رس أللف اظ الق رآن الك رمي‪ ،‬وض ع حمم د ف ؤاد عب د الب اقي‪ ،‬نش ر (مؤسس ة‬ ‫‪-352‬‬
‫مجال للنشر‪ ،‬بريوت )‪.‬‬
‫املعجم الوسيط‪ ،‬إبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬ ‫‪-353‬‬
‫معجم قبائ ل الع رب القدمية واحلديث ة‪ ،‬عم ر رض ا كحال ة‪ ،‬ط‪( 6‬مؤسس ة الرس الة‪،‬‬ ‫‪-354‬‬
‫بريوت‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬
‫معجم مق اييس اللغ ة‪ ،‬أب و احلس ني أمحد بن ف ارس (ت ‪ ،)395‬حتقي ق عبدالس الم‬ ‫‪-355‬‬
‫هارون‪ ،‬ط‪( 2‬مصطفى البايب احلليب وشركاه‪ ،‬القاهرة‪1390 ،‬هـ)‪.‬‬
‫معرفة الصحابة‪ ،‬أبو نعيم األصبهاين (ت ‪ ،)430‬حتقيق حممد راضي بن حاج عثمان‪،‬‬ ‫‪-356‬‬
‫ط‪( 1‬مكتبة الدار‪ ،‬املدينة املنورة‪1408 ،‬هـ)‪.‬‬
‫معرفة علوم احلديث‪ ،‬احلاكم النيسابوري (ت ‪ ،)405‬نشر(املكتب التجاري)‪.‬‬ ‫‪-357‬‬
‫املعوقون للدعوة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬مسرية مججوم‪ ،‬نشر(دار اجملتمع‪ ،‬جدة‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-358‬‬
‫املغين‪ ،‬ابن قدامة‪ ،‬أبو حممد عبداهلل بن أمحد بن قدامة (ت ‪ ،)620‬نشر(رئاسة إدارات‬ ‫‪-359‬‬
‫البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪1401 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املفص ل يف ت اريخ الع رب قب ل اإلس الم‪،‬ج واد علي‪ ،‬ط‪( 3‬دار العلم للماليني‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-360‬‬
‫‪.) 1980‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪551‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫املقاص د احلس نة‪ ،‬اإلم ام الس خاوي (ت ‪ ،)902‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمي ة‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪-361‬‬
‫‪1399‬هـ)‪.‬‬
‫مقاالت اإلسالميني‪ ،‬أبو احلسن األشعري (ت ‪ ،)330‬نشر(املكتبة العصرية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪-362‬‬
‫‪1411‬هـ)‪.‬‬
‫مقدمة ابن خلدون (ت ‪ ،) 808‬نشر (دار ومكتبة اهلالل‪ ،‬بريوت‪1988 ،‬م)‪.‬‬ ‫‪-363‬‬
‫مقدم ة يف علم األخالق‪ ،‬د‪ .‬حمم ود محدي زق زوق‪ ،‬ط‪( 3‬دار القلم‪ ،‬الك ويت‪،‬‬ ‫‪-364‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬
‫مك ة واملدين ة يف اجلاهلي ة وعه د الرس ول ‪ -‬ص لي اهلل علي ه وس لم ‪ ،-‬أمحد إب راهيم‬ ‫‪-365‬‬
‫الشريف‪،‬نشر (دار الفكر العريب)‪.‬‬
‫املل ل والنح ل‪ ،‬أب و الفتح حمم د عب دالكرمي الشهرس تاين (ت ‪ ،)548‬حتقي ق عب دالعزيز‬ ‫‪-366‬‬
‫حممد الوكيل‪ ،‬نشر(دار الفكر)‪.‬‬
‫مناهج البحث العلمي‪ ،‬الدكتور عبدالرمحن بدوي‪ ،‬ط‪( 3‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪-367‬‬
‫‪1977‬م)‪.‬‬
‫مناهج الدعوة وأساليبها‪ ،‬د‪ .‬علي جريشة‪ ،‬ط‪( 1‬دار الوفاء‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-368‬‬
‫املنتخب‪ ،‬احلاف ظ عب د بن محي د‪ ،‬حتقي ق أيب عبداهلل مص طفى بن الع دوي ش لبابة‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪-369‬‬
‫(دار األرقم‪ ،‬الكويت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫منهاج السنة النبوية‪ ،‬ابن تيمية (ت ‪ ،)728‬حتقيق د‪ .‬حممد رشاد سامل‪ ،‬ط‪( 1‬جامعة‬ ‫‪-370‬‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املنه اج النب وي يف دع وة الش باب‪ ،‬س ليمان العي د‪ ،‬ط‪( 1‬دار العاص مة‪ ،‬الري اض‪،‬‬ ‫‪-371‬‬
‫‪1415‬هـ)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪552‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫منهج الرتبي ة عن د اإلم ام علي‪ ،‬علي حمم د احلس ني األديب‪ ،‬ط‪( 2‬دار الكت اب الع ريب‪،‬‬ ‫‪-372‬‬
‫بريوت‪ 1399 ،‬هـ )‪.‬‬
‫م وارد الظم آن إىل زوائ د ابن حب ان‪ ،‬للحاف ظ اهليثمي (ت ‪ ،)807‬نش ر( دار الكتب‬ ‫‪-373‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت )‪.‬‬
‫املواع ظ واالعتب ار‪ ،‬أمحد بن علي بن عب دالقادر املقري زي (ت ‪ ،)845‬ط‪( 2‬مكتب ة‬ ‫‪-374‬‬
‫الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪1987 ،‬م)‪.‬‬
‫موس وعة أط راف احلديث النب وي‪ ،‬أب و ه اجر حمم د الس عيد بن بس يوين زغل ول‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪-375‬‬
‫(دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫املوس وعة امليس رة يف األدي ان واملذاهب املعاص رة‪ ،‬ط‪( 2‬الن دوة العاملي ة للش باب‬ ‫‪-376‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الرياض‪1409 ،‬هـ)‪.‬‬
‫موسوعة فقه علي بن أيب طالب‪ ،‬د‪ .‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬ط‪( 1‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪-377‬‬
‫‪1403‬هـ)‪.‬‬
‫موسوعة فقه عمر بن اخلطاب‪ ،‬حممد رواس قلعه جي‪ ،‬ط‪(1‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪-378‬‬
‫‪1410‬هـ)‪.‬‬
‫موطأ اإلمام مالك‪ ،‬مالك بن أنس (ت ‪ ،)179‬نشر(دار النفائس )‪.‬‬ ‫‪-379‬‬
‫م يزان االعت دال‪ ،‬حمم د بن أمحد ال ذهيب (ت ‪ ،)748‬حتقي ق علي بن حمم د البج اوي و‬ ‫‪-380‬‬
‫فتحية علي البجاوي‪ ،‬نشر(دار الفكر العريب)‪.‬‬
‫النج وم الزاه رة يف مل وك مص ر والق اهرة‪ ،‬مجال ال دين يوس ف األت ابكي (ت‪،)874‬‬ ‫‪-381‬‬
‫نشر(املؤسسة املصرية العامة للتأليف والرتمجة والطباعة والنشر)‪.‬‬
‫نص ب الراية‪ ،‬مجال ال دين أبو حمم د عبداهلل بن يوس ف ال زيلعي (ت ‪ ،)762‬نش ر(دار‬ ‫‪-382‬‬
‫احلديث)‪.‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪553‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫النظريات السياسية اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬حممد ضياء‪ ،‬ط‪( 6‬دار الرتاث‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬ ‫‪-383‬‬
‫هناي ة األرب يف معرف ة أنس اب الع رب‪ ،‬أمحد بن علي بن أمحد بن عبداهلل القلقش ندي‬ ‫‪-384‬‬
‫(ت ‪ ،)821‬ط‪( 1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.)1405 ،‬‬
‫هناية الرتبة يف طلب احلسبة‪ ،‬عبدالرمحن بن نصر الشريازي (ت ‪ ،)1306‬نشر(مطبعة‬ ‫‪-385‬‬
‫جلنة التأليف والرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1365 ،‬هـ)‪.‬‬
‫النهاي ة يف غ ريب احلديث واألث ر‪ ،‬ابن األث ري (ت ‪ ،)606‬حتقي ق‪ :‬حمم ود الطن اجي‪،‬‬ ‫‪-386‬‬
‫وطاهر الزاوي‪ ،‬ط‪ ( 1‬املكتبة اإلسالمية‪1383 ،‬هـ )‪.‬‬
‫هنج البالغة‪ ،‬الشريف الرضي (ت ‪ ،)406‬ط‪( 2‬دار البالغة‪ ،‬بريوت‪.)1407 ،‬‬ ‫‪-387‬‬
‫نواس خ الق رآن‪ ،‬مجال ال دين أب و الف رج عب دالرمحن بن اجلوزي (ت ‪ ،)597‬نش ر(دار‬ ‫‪-388‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫ن ور القبس املختص ر من املقتبس للمرزب اين‪ ،‬اختص ار يوس ف اليغم وري‪ ،‬نش ر(جلن ة‬ ‫‪-389‬‬
‫املستشرقني األملانية )‪.‬‬
‫نيل األوطار‪ ،‬حممد بن علي الشوكاين (ت ‪ ،)1250‬الطبعة األخرية (مصطفى البايب‬ ‫‪-390‬‬
‫احلليب وشركاه‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫هداي ة احلي ارى يف أجوب ة اليه ود والنص ارى‪ ،‬ابن القيم (ت ‪( ،)751‬املطب وع ض من‬ ‫‪-391‬‬
‫اجلامع الفريد)‪.‬‬
‫هداية املرشدين إىل طرق الوعظ واخلطابة‪ ،‬الشيخ علي حمفوظ‪ ،‬ط‪( 5‬دار االعتصام‪،‬‬ ‫‪-392‬‬
‫‪1371‬هـ)‪ .‬وكذلك (دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫ه دي الس اري مقدم ة ص حيح البخ اري‪ .‬ابن حج ر العس قالين (ت ‪ ،)852‬نش ر‬ ‫‪-393‬‬
‫(رئاسة إدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة اإلرشاد )‪.‬‬
‫وجاء دور اجملوس‪ ،‬عبداهلل الغريب‪ ،‬نشر(دار اجليل للطباعة‪ ،‬مصر‪.)1981 ،‬‬ ‫‪-394‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪554‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫وفي ات األعي ان‪ ،‬ابن خلك ان (ت ‪ ،)681‬حتقي ق ال دكتور إحس ان عب اس‪ ،‬نش ر(دار‬ ‫‪-395‬‬
‫الثقافة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫الوفيات‪ ،‬أبو العباس أمحد بن حسن بن علي اخلطيب (الشهري بابن قنفذ القسطنطيين)‪،‬‬ ‫‪-396‬‬
‫حتقيق وتعليق عادل نويهض‪ ،‬ط‪( 4‬دار الفرقان‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ)‪.‬‬

‫الرسائل اجلامعية والبحوث غري املطبوعة‬


‫‪ -397‬علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬ومنهج ه يف االحتس اب‪ ،‬إع داد الط الب‪ :‬عق اب مس فر‬
‫السحيمي‪ .‬وهو حبث السنة النهائية ملرحلة املاجستري (‪1404/1405‬هـ)‪ .‬يف املعهد‬
‫العايل للدعوة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬التابع جلامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -398‬قضاء أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪ ،‬إعداد الطالب‪ :‬عبداهلل عثمان علي مقبل‪.‬‬
‫وهو حبث مقدم لنيل درجة املاجستري يف املعهد العايل للقضاء‪ ،‬شعبة السياسة الشرعية‪.‬‬
‫‪ -399‬املروي عن علي يف التفس ري من أول الق رآن ح ىت آخ ر س ورة النس اء‪ ،‬رس الة ماجس تري يف كلي ة‬
‫أصول الدين‪ ،‬حتقيق ودراسة‪ :‬حممد بن عبداهلل اخلضريي‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -400‬املروي عن علي يف التفسري من أول سورة املائدة إىل آخر سورة الناس‪ ،‬رسالة ماجستري يف كلية‬
‫أصول الدين‪ ،‬دراسة وحتقيق فهد بن عبدالعزيز الفاضل‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -401‬السرية النبوية يف الصحيحني وعند ابن اسحاق‪ ،‬دراسة مقارنة يف العهد املكي‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫يف كلي ة العل وم االجتماعي ة قس م الت اريخ ‪ ،‬إع داد س ليمان بن محد الع ودة‪ ،‬لع ام‬
‫‪1407-1406‬هـ‪.‬‬

‫املخطوطات‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪555‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫احلكمي ات من كالم علي بن أيب ط الب ك رم اهلل وجه ه‪ ،‬جالل ال دين الس يوطي (ت‬ ‫‪-402‬‬
‫‪ ،)911‬مكتبة السليمانية‪ ،‬استانبول‪ ،‬خمطوط رقم ‪ ،3554‬حتت فهرس (أسعد أفندي‬
‫‪.) Esad Efendi‬‬
‫خالف ة اإلم ام علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬دار الكتب املص رية‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬خمط وط رقم‬ ‫‪-403‬‬
‫‪.5744‬‬
‫رسالة تشتمل على مائة حكمة ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب ‪ -‬رض ي اهلل عنه ‪-‬‬ ‫‪-404‬‬
‫دار الكتب املص رية‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬اس تانبول‪ ،‬خمط وط رقم ‪( 12‬جماميع)‪ ،‬رقم امليك رو فيلم‬
‫‪ ،5113‬تاريخ النسخ ‪1213‬هـ‪.‬‬
‫رس الة يف ش رح كالم أم ري املؤم نني‪ ،‬دار الكتب املص رية‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬رقم امليك روفيلم‬ ‫‪-405‬‬
‫‪99( 53091‬م جماميع)‪.‬‬

‫رسالة من كالم أمري املؤمنني وإمام املتقني علي كرم اهلل وجهه‪ ،‬السيوطي ت ‪،)911‬‬ ‫‪-406‬‬
‫مكتبة السليمانية‪ ،‬استانبول‪ ،‬خمطوط رقم ‪ ،3647‬حتت فهرس (‪.)Laleli‬‬
‫كت اب علي إىل ابن ح نيف‪ ،‬مكتب ة الس ليمانية‪ ،‬اس تانبول‪ ،‬خموط رقم ‪ ،2756‬حتت‬ ‫‪-407‬‬
‫فهرس (أسعد أفندي ‪.) Esad Efendi‬‬
‫مطل وب ك ل ط الب من ش رح كلم ات علي ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬حمم د بن حمم د بن‬ ‫‪-408‬‬
‫عبد اجلليل العمري‪ ،‬مكتبة السليمانية‪ ،‬استانبول‪ ،‬رقم ‪ ،2854‬حتت فهرس (أياصوفيا‬
‫‪.) Aysofya‬‬
‫ملحم ة احلاكمي ة‪ ،‬مكتب ة الس ليمانية‪ ،‬اس تانبول‪ ،‬خمط وط رقم ‪ ،2790‬حتت فه رس‬ ‫‪-409‬‬
‫(أياصوفيا ‪.) Aysofya‬‬
‫من خطب أمري املؤمنني علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ومواعظ احلكماء‪ ،‬مكتبة السليمانية‪،‬‬ ‫‪-410‬‬
‫خمطوط رقم ‪ ،4250‬حتت فهرس (أياصوفيا ‪.) Aysofya‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪556‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫ن ثر الآليلء من كالم علي بن أيب ط الب ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ ،-‬مكتب ة الس ليمانية‪،‬‬ ‫‪-411‬‬
‫استانبول‪ ،‬خمطوط رقم ‪ ،3581‬حتت فهرس (أسعد أفندي ‪.)Esad Efendi‬‬
‫ي واقيت املواقيت‪ ،‬القاض ي أب و منص ور عب د املل ك بن حمم د بن امساعيل النيس ابوري‪،‬‬ ‫‪-412‬‬
‫مكتبة السليمانية‪ ،‬استانبول‪ ،‬خمطوط رقم ‪ ،1163‬حتت فهرس (‪.)Asir Efendi‬‬

‫مراجع باحلاسب اآليل‬


‫القرآن الكرمي‪ ،‬إنتاج شركة ‪. Zerosoft‬‬ ‫‪-413‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-414‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-415‬‬
‫مسند اإلمام أمحد‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-416‬‬
‫سنن أيب داود‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-417‬‬
‫سنن الرتمذي‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-418‬‬
‫سنن النسائي‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-419‬‬
‫سنن ابن ماجة‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-420‬‬
‫موطأ اإلمام مالك‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-421‬‬
‫سنن الدارمي‪ ،‬إنتاج الشركة العاملية (صخر)‪.‬‬ ‫‪-422‬‬
‫اجلامع الصغري وزيادته‪ ،‬إنتاج دار الدملجة ألنظمة احلاسب العريب‪.‬‬ ‫‪-423‬‬
‫حياة الصحابة للكاندهلوي‪ ،‬إنتاج املعامل للحاسب اآليل‪.‬‬ ‫‪-424‬‬

‫مراجع أخرى‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪557‬‬
‫منهج أمير المؤمنين‬
‫‪ www.alukah.net‬‬

‫اخللف اء الراش دون (م ذكرة )‪ ،‬ال دكتور الش يخ األمني ع وض‪( ،‬طب ع مؤسس ة دار‬ ‫‪-425‬‬
‫املعارف السعودية‪ ،‬الرياض)‪.‬‬
‫حبث‪ :‬بعض مسات ال دعوة املطلوب ة يف ه ذا العص ر ‪ ،‬وه و من جمموع ة حبوث املؤمتر‬ ‫‪-426‬‬
‫األول لتوجي ه ال دعوة وإع داد ال دعاة املنعق د يف اجلامع ة اإلس المية باملدين ة املن ورة يف‬
‫الفرتة ‪ 1397 / 2 / 29 - 24‬هـ‪.‬‬
‫تاريخ الدعوة‪ ،‬مقرر مادة تاريخ الدعوة لطالب السنة التمهيدية ملرحلة املاجستري عام‬ ‫‪-427‬‬
‫‪1408‬هـ‪ ،‬د‪ .‬فضل إهلي بن ظهور إهلي‪.‬‬
‫ه ذه س بيلي‪ ،‬جمل ة س نوية متخصص ة يص درها املعه د الع ايل لل دعوة اإلس المية جبامع ة‬ ‫‪-428‬‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬العدد السادس ‪ 1404‬هـ‪.‬‬
‫جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،90‬السنة العاشرة‪ ،‬صفر ‪1416‬هـ‪.‬‬ ‫‪-429‬‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪558‬‬

You might also like