Professional Documents
Culture Documents
منهج أبى حنيفة رحمه الله في أصول الحديث وعلومه
منهج أبى حنيفة رحمه الله في أصول الحديث وعلومه
إعداد الباحث
إرجاع الحسن بن عبد الكريم جسري
العام الجامعي
1444-1445الهجري الموافق 2024-2023م
1
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
المقدمة
الحمــد هلل رب العالمين والصالة والسـالم %على أكرم خلق هللا أجمعين ومن بعثه هللا إلى الناس
كافة بشيراً ونذيراً %وداعيا ً إلى هللا بإذنه وسراجاً %منيراً وعلى صحابته الكرام رضي %هللا عنهم جميعا ً
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمَّا َبعْ ُد
فإن أصدق الحديث كتاب هللا تعالى ،وأحسن الهدي ،هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها ،وكل محدثة
بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة في النار .
يق َخي ِْر ْال َخ ْل ِق َوَأ ْك َر ِم
ْف اَل َي ُكونُ َوه َُو َب َيانُ َط ِر ِ% ب ِإلَى َربِّ ْال َعالَم َ
ِينَ ،و َكي َ ث مِنْ َأ ْف َ
ض ِل ْالقُ َر ِ فِإنَّ عِ ْل َم ْال َحدِي ِ
ِين َواآْل خ ِِر َ
ين اَأْل َّول َ
وكذلك علم الحديث من العلوم التي انفرد بها المسلمون ،وجاءوا فيها بما لم تأت بمثله أمة من األمم إلى
يوم الناس هذا ،حتى قال قائلهم «ليفتخر المسلمون بعلم حديثهم ما شاءوا» ،1ولقد شرف هذا العلم؛
اللتصاقه بصاحب الوحي ﷺ ،فإن هذا العلم إنما يُعنى بدراسة ما يُنسب إلى النبي ﷺ من أقوال أو
أفعال؛ ألن ما صح عنه ﷺ بمنزلة القرآن في ال َه ْدي ،ألنه هو البيان عن القرآن ،فيه تفصيل ما َ
أج َمل
القرآن ،وإيضاح ما َأبهم ،واستثناء ما استثناه هللا ،وزيادة ما زاده هللا بالوحي %إلى رسوله ﷺ ،وهو في
كل ذلك يتعلق بكل كبيرة وصغيرة في حياة الفرد المسلم ،وفي حياة الجماعة ،وفي %روابط هذه الجماعة،
وروابطها بغيرها من الجماعات .2
ولذا فقد أفرغ أهل العلم جهدهم ووقتهم في ال َّتقعِيد وال َّتنظِ ير لهذا العلم الشريف.
وكان من بين هؤالء االمام االعظم االمام ابو حنيفة رحمه هللا تعالى ،لقد أثر عن هذا اإلمام الجليل
أقوال ونسبت إليه آراء كثيرة في علم أصول الحديث وعلومه حيث تكلّم فيما ال يقل عن أثنين وعشرين
نوعا ً من هذا العلم والتي اشتملت على ما ال يقل عن خمسين مسألة في هذا المجال مما ي ّدل على عظم
الجهود التي بذلها هذا اإلمام في خدمة حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصيانته ووضع القواعد
والضوابط %لحفظه من الدسّ والكذب عليه .كما ي ّدل على أن هذا العلم اعتنى به علماء القرون األولى .
وبتوفيق هللا تعالى قمت على الكتابه على هذا الموضوع . %ونحن االن في مرحلة تعلم كتابه البحث
الفصلى .أسال هللا تعالى ان يسهل االمر لنا ويوفق هللا لنا ان نكمّل البحث .امين!
1نقله العالمة المعلمي اليماني ،عن المستشرق ،مرجليوث ،في مقدمة تحقيقه لكتاب الجرح والتعديل
2اقتباس من كالم أديب العربية الشيخ أبي فهر محمود محمد شاكر ﵀ في كتابه ( ...أباطيل وأسمار ،ص )١٩١
2
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
لقد أثر عن هذا اإلمام الجليل أقوال ونسبت إليه آراء كثيرة في علم أصول الحديث وعلومه حيث تكلّم
فيما ال يقل عن أثنين وعشرين نوعا ً من هذا العلم والتي اشتملت على ما ال يقل عن خمسين مسألة في
هذا المجال مما ي ّدل على عظم الجهود التي بذلها هذا اإلمام في خدمة حديث رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم وصيانته ووضع القواعد والضوابط لحفظه من الدسّ والكذب عليه .كما ي ّدل على أن هذا العلم
اعتنى به علماء القرون األولى .
أهمية الموضوع:
الشك أن معرفة منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه من مهمات علوم الحديث.
خصوصا %لمن قلّد مذهبه من الحنفية .فان له منهجا ً خاصا ً فى الحديث .فلو لم يعلم أحد منهجه فى
الحديث ولم يفهمه فهما ً ثاقباً ، %طعن في اإلمام كما طعن فيه غير المقلدين فى هذا الزمان لقلة علومهم
وجهلهم عن أصوله ومنهجه .لهذا البد لنا أن نعرف هذه األصول معرفة جيدة .
قدعلمنا أن ابا حنيفة رحمه هللا تعالى امام فى الحديث .لكن قلما نعرف أصوله ومنهجه في الحديث .
لهذا هنا تساؤالت %سيجيب عنها هذا البحث بإذن هللا تعالى .وهي:
( )١ما رأيه في خبر الواحد؟ وما شروطه ؟ ولماذا شدد في اشتراط قبوله ؟
( )٢هل ق ّدم ابو حنيفه رحمه هللا القياس على حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم%.
( )٣ما هو موقفه في العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس؟
( )٤ماذا قال االمام ابو حنيفه في بعض انواع علوم الحديث
( )٥ما حكم روايه مجهول الحال او المستور %عنده.
( )٦ما حكم روايه اهل االهواء والبدع عنده.
( )٧ما منهجه في صفه تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ
( )٨ما هو مذهبه في القراءة على الشيخ ابي العرض عليه
( )٩هل الرواية بالمعنى جائز عنده ام ال؟
( )١٠كيف يرجح االمام عند التعارض بين االحاديث؟
أما المبحث الثاني وهو صلب هذا البحث وفيه ستة مطالب:
المطلب األول :مقوالته في الحث على األخذ بالحديث الشريف %وتعلمه والعمل به .
المطلب الثاني :مقوالته فيما افترى عليه من تقديم القياس على حديث رسول هللا ﷺ
المطلب الثالث :مقوالته في في بعض أنواع علوم الحديث وٓارائه فيه .وهذا المطلب مشتمل على عدة
مسائل :الخبر الواحد عند ابي حنيفة رحمه هللا ،االخذ بالحديث الصحيح ،غاية االحتياط في االخذ
بالحديث ،موقفه في العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس ،مذهبه في الحديث الموقوف على
الصحابه وحجيته ،حكم الحديث المرسل عند ابي حنيفة ،حكم الحديث المعنعن ،زيادة الثقات .
المطلب الرابع :مقوالته في الجرح والتعديل وٓارائه فيهما (صفه من تقبل روايته) .وهذا المطلب مشتمل
على عدة مسائل :اشتراط %ابي حنيفة رحمه هللا في الراوى لقبول روايته ،حكم روايه المستور %وهو
مجهول العداله باطال مع كونه عدال في الظاهر ،حكم رواية مجهول العين ،حكم روايه اهل االهواء
والبدع من حيث قبولها او عدمه ،مذهب ابي حنيفه رحمه هللا في الرجال .
المطلب الخامس :مقوالته وآرائه في صفه تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ وحفظه وادائه .وهذا
المطلب مشتمل على عدة مسائل:
الزمن الذي يصح فيه السماء من الصبي ،صفة تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ قراءه الشيخ او استمع
من الشيخ والقراءه على الشيخ يقول له العرض ايضا ،األلفاظ التي يجوز استعمالها ، %مقوالت االمام
ابي حنيفه في هذا الباب ،الكتابة ،والرسالة ،اشتراط البينة ،االجازة ،االختالف في تصحيح االجازة
وعدمه ،األلفاظ التي يجوز استعمالها ، %هل العلم بما في الكتاب شرط ام ال ،المناولة ،طرق الحفظ ،
طرق االداء ،الرواية بالمعنى .
المطلب السادس :مقوالته في مسائل متفرقة كمعرفة الصحابة و الترجيح عند التعارض بين الخبرين .
المصادر والمراجع
فهرس الموضوعات
المبحث األول
في تعريف االمام وتعريف أصول الحديث وعلومه
المطلب األول
3
ترجمة اإلمام ابي حنيفة رحمه هللا
اسمه ونسبه وكنيته
بن ُز ْو َطى ال َّت ْيمِيّ َ ،أبُو حنيفة الكوفي ،مولى بني تيم هللا بن ثعلبة ،فقيه أهل العراق
النعمان بن ثابت ِ
وإمام أصحاب الرأي ،
اصله ومولده
يقال اصله من ابناء فارس ،وُ ل َد بالكوفة َس َن َة َث َما ِني َْن (هذا هو المشهور) ،فِي َح َيا ِة صِ َغ ِ
ار الص ََّحا َبةِ .رأى
أنس بن مالك غير مرة لما قدم عليهم الكوفة .
نشاته وطلبه العلم
نشأ بالكوفة وعاش معظم %حياته فيها ،ولجأ في بداية نشأته إلى حفظ القرآن الكريم وقد حفظه ،وكان من
أكثر الناس تالوة للقرآن الكريم حتى إنه كان يختمه مرات كثيرة في رمضان ،وأخذ القراءة عن اإلمام
عاصم أحد القرّ اء السبعة .
وبعد حفظه للقرآن الكريم اطلع على السنن التي يصحح بها دينه أي على السنن واألحاديث
المتعلقـة بالعقيـدة والتوحيـد ،ودرس علـم الكالم حتى برع فيه وبلغ فيه شأواً عظيما ً .ثم التحق بمجلس
حماد بن أبي سليمان شيخ فقهاء الكوفة في زمانه وتتصل حلقته بالصحابي الجليل عبد هللا بن مسعود
رضي هللا عنه ،وبقي أبو حنيفة يداوم على حضور حلقة شيخه حماد حتى توفاه هللا تعالى سنة 120هـ،
وأخذ العلم أيضا ً عن شيوخ كثيرين في فنون عدة سنذكر أشهر شيوخه فيما بعد إن شاء هللا .
وبعد وفاة شيخه حماد بن أبي سلـمان اجتمع رأي تالميذه على استخالف %اإلمام أبي حنيفة مكانه
وأجمعوا على رئاسته مدرسة الكوفة التي عُرفت بمدرسة الرأي وأصبح إمام فقهاء العراق بال منازع
واجتمع بأشهر علماء عصره وسار %الركبان بذكره وانتشر صيته في أقاليم الدولة اإلسالمية كالبصرة
ومكة والمدينة وبغداد .
وطبقت شهرته اآلفاق حتى غدت حلقته ومجلسه َمجْ معا ً علميا ً يلتقي فيها كبار المحدثين كعبد هللا
بن المبارك ،وكبار %الفقهاء كالقاضي أبي يوسف %تلميذه ،وكبار الزهاد والعبّاد كالفضيل بن عياض وداود
الطائي .
ثم كان أبو حنيفة مولعا ً بالجدل المفيد والنظر واالستدالل %منذ صغره وشبوبه في طلب العلم،
وقد جادل نحواً من اثنتين وعشرين فرقة ودافع %عن الدين ونافح عنه وجادل الدهريين وأفحمهم %ووجّههم
إلى اإليمان بالخالق سبحانه وتعالى .
الخــز وكان عنده ص ّناع
ّ خزازاً أي يبيع الخ ّز وكانت له دار كبيرة لعمل
وكان أبو حنيفة ّ
وأجراء .
الخ ْلقية وال ُخلُقية :
صفاته َ
الخ ْلقية أنه كان أبو حنيفة النعمان جميل الوجه َربْعة بين الرجال من أحسن الناس صورة
فمن صفاته َ
وأبلغهم نطقا ً وأعذبهم نغمة وأبينهم %عما في نفسه ،وكانت تعلوه سمرة كما كان حسن الهيئـة سرى الثوب
كثير التعطر هيوبا ً ال يتكلم إالّ جوابا ً ولم يكن يخوض فيما ال يعنيه .
أما صفاته ال ُخلُقية رحمه هللا فح ّدث عنها وال حرج ،فقد كان اإلمام أبو حنيفة إماما ً ورعا ً عامالً متعبداً
كبير الشأن ال يقبل جوائز السلطان بل كان يتاجر بالخ ّز وينفق من كسب يده وجمع بين الفقـه والعبادة
والورع والسخـاء ،وقام بأمانـة العلـم خيـر قيام مع االجتهاد في العبادة واالستقامة في الخلق والمعاملة
والزهد في الدنيا والنصيحة هلل ولرسوله وللمسلمين .
وكان رحمه هللا ضابطاً %لنفسه مستولياً %على مشاعره ال تعبث به الكلمات العابرة وال تبعده عن
الحق ،كما كان هادئـا ً واسع الصدر ،ولم يكن هـذا الهدوء هدوء من ال يحسّ بل هدوء مـن علـت نفسـه
وسمـت بالتقـوى ،وكان عميق الفكـرة غوّ اصا ً في المسائل حريصا ً على معرفـة مرامى %األمور %البعيدة
والقريبـة ،وكان حاضر البديهة واسع الحيلـة متطلعـا ً للحقائق .
وبالجملة فإن اإلمام أبا حنيفة رحمه هللا اتصف بصفات تجعله في الذروة العليا بين العلماء
الثقات المتثبتين في العلم .
أقوال العلماء في أبي حنيفة :
لقد وردت في توثيق %وتعديل اإلمام أبي حنيفة وتجريحه أقوال عدة للعلماء ولكن يرجّ ح توثيق %هذا اإلمام
الجليل وتعديله ألن من طعن عليه وجرّ حه إما لكونه من أقرانه أو لم يتع ّرف %إلى اإلمام األعظم عن
قرب أو حاقد عليه .
8
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
وقيس بن الربيع ومحمد بن أبان العنبري ومحمد بن الحسن الشيباني والمعافى %بـن عمران ومكي بـن
إبراهيم ونوح بـن أبي مريـم وهُشيم بن بشير ووكيع بن الج ّراح ويحيـى بن أيوب المصري %ويزيد بن
زريع ويزيد بن هارون ويونس %بن بُكير وأبو إسحاق الفزاري وأبو شهاب الحناط والقاضي %أبو
يوسف .
هل هو من التابعين ام ال؟
لقد اختلف العلماء في في تعريف التابعى فقال بعضهم %التابعي من لقي الصحابي %وان لم يصحبه فعلى
هذا انه من التابعين النه لقي عددا من اصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم منهم أنس بن مالك الذي توفى%
سنة ٩٣وعبد هللا بن أو فى المتوفى %سنة ٨٧ووائلة بن األسفع المتوفى سنة ٨٥وأبو الطفيل عامر بن
وائلة المتوفى %سنة ١٠٢بمكة .وهو آخر الصحابة موتا ً .وسهل بن ساعد المتوفى %سنة ۸۸وغيرهم
واما من اشترط %في تعريفه 'البد أن يكون قد صحبه ،وتلقى عنه ' فعلى ذلك ال يعد أبو حنيفة تابعيا ً ،
اللهم إال إذا صدقنا ما يقال :إنه روى عن بعض الصحابة
ولقد اختلفوا في روايته عنهم .قال بعض العلماء إنه روى %عنهم وذكروا %أحاديث رواها .ولكن أهل
الخبرة من علماء الحديث ضعفوا سندها إليه وإن كان لبعضها قوة من طرق أخرى من ذلك حديثه « :
من بني هللا مسجداً وار كمفحص قطاة ،بنى هللا له بيتا ً في الجنة ، ،وحديث ،دع ما يريبك إلى ماال
يريبك ،وحديث :إن هللا يحب إغاثة اللهفان ، ،وحديث « طلب العلم فريضة على كل مسلم ،وحديث
الدال على الخير كفاعله ، ،وحديث التظهر %الشماتة ألخيك ،فيعافيه هللا ويبتليك ،
و كثيرون من العلماء على أن أبا حنيفة وإن انتقى ببعض الصحابة لم يروعنهم %.واحتجوا بأنه عندما
التقى بهم لم يكن في سن من يتلقى العلم ،ويعيه وينقله ،وبأنه في مطلع حياته قد اتجه إال االشتغال
بالسوق وما يتصل بها ،حتى صرفه إلى العلم بما أسداه إليه الشعبي من نصيحة ،و بأن كل سند ينتهى
إليه ،وفيه أنه .سمع من صحابي ال يخلو من كذاب أو ضعيف ، %وبأن أصحابه كأبي يوسف و محمد
عبد هللا بن المبارك ،وزفر ،وغيرهم لم يدونوا فيما أثر عنهم من كتب ،ولم يذكروا فيما عرف لهم من
أقوال ،تلك األحاديث التي تذكر مروية عن أبي حنيفة على أنها من روايته ،ولو كانت هذه النسبة
4
صحيحة لعرفوها ، %وال شاعوها ،وذكروها في مآثره ؛ ألنهم كانوا معنيين بذلك .انتهي
قال أبو بكر الرازي %الجصاص (ت )٣٧٠فى الفصول في األصول — فى ر ّد من قال انه ليس من
التابعين فكيف قال'إذا اجتمعت الصحابة على شيء سلمناه لهم ،وإذا اجتمع التابعون زاحمناهم' فأجاب :
" أما أبو حنيفة فهو تابعي قد أدرك فيما يحكي (أربعة) من الصحابة :أنسا وعبد هللا بن الحارث بن جزء
الزبيدي ،وعبد هللا بن أبي أوفى ،وآخر قد ذهب علي اسمه ،فجاز له مزاحمة التابعين.
وأيضا :فإن أبا حنيفة قد كان من أهل االجتهاد في زمن التابعين ،وكان يفقه الناس فيما قبل أربعين سنة.
وكثير من التابعين كانوا موجودين بعد سنة عشرين ومائة ،فلما لحق أيامهم وهو من " أهل " الفتيا جاز
5
له مخالفتهم والقول معهم.
قلت :هذا يدل على أن الرواية عن الصحابى %ليس شرطا ً ليكون تابعيّا عند الحنفية .
.
وفاته :
توفي رحمه هللا ببغداد في شهر رجب سنة ١٥٠هـ وقيل :سنة ١٥١هـ وقيل :سنة ١٥٣هـ .
صلّي عليه ست مرات من كثرة الزحام
وغسّله الحسن بن عُمارة ورجل آخر .وقال الحسن بن يوسف ُ :
آخرهم صلّى عليه ابنه حماد .
المطلب الثاني
المبحث الثانى
المطلب األول
مقوالته في الحث على األخذ بالحديث الشريف وتعلمه والعمل به :
( )١وكان اإلمام أبو حنيفة رضي هللا عنه يقول« :إياكم والقول في دين هللا تعالى بالرأي؛ وعليكم
باتباع السنة فمن خرج عنها ضل» .
( )٢ودخل عليه مرة رجل من أهل الكوفة والحديث يقرأ عنده فقال الرجل« :دعونا من هذه األحاديث!»
فزجره اإلمام أشد الزجر ،وقال له« :لوال السنة ما فهم أحد منا القرآن» .
ثم قال للرجل :ما تقول في لحم القرد واين دليله من القرآن؟ فأفحم %الرجل .فقال لإلمام :فما تقول أنت
فيه؟ فقال :ليس هو من بهيمة االنعام .فانظر %يا أخي إلى مناضلة اإلمام عن السنة وزجره من عرض له
بترك النظر في أحاديثها %فكيف %ينبغي ألحد أن ينسب اإلمام إلى القول في دين هللا بالرأي الذي ال يشهد
له ظاهر كتاب وال سنة وكان رضي هللا عنه يقول عليكم بآثار من سلف ،وإياكم ورأي الرجال وإن
زخرفوه بالقول فإن األمر ينجلي حين ينجلي ،وأنتم %على صراط %مستقيم،
( )٣وكان يقول :إياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم باألمر األول العتيق ،ودخل شخص الكوفة
بكتاب»:دانيال«فكاد %أبو حنيفة أن يقتله ،وقال %له أكتاب َث َّم غير القرآن والحديث ،
( )٤وقيل له مرة :ما تقول فيما أحدثه الناس من الكالم في العرض والجوهر والجسم ،فقال :هذه مقاالت
الفالسفة فعليكم باآلثار %وطريقة السلف وإياكم وكل محدث فإنه بدعة ،
( )٥وقيل له مرة :قد ترك الناس العمل بالحديث ،وأقبلوا على سماعه فقال رضي هللا عنه :نفس سماعهم
للحديث عمل به ،وكان يقول :لم تزل الناس في صالح ما دام فيهم من يطلب الحديث فإذا طلبوا %العلم بال
حديث فسدوا،
( )٦وكان رضي هللا عنه يقول :قاتل هللا عمرو بن عبيد فإنه فتح للناس باب الخوض في الكالم فيما ال
يعنيهم ،وكان يقول :ال ينبغي ألحد أن يقول قواًل حتى يعلم أن شريعة رسول هللا ﷺ تقبله» انتهى
8
ملخ ً
صا.
المطلب الثاني
مقوالته فيما افترى عليه من تقديم القياس على حديث رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم:
ليعلم ان القول بتقديم القياس على حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يكن صادرا اال من متعصب
ص َ%ر َو ْالفَُؤ ادَ ُك ُّل
َّمْع َو ْال َب َ
على االمام متهور %في دينه غير متورع في مقاله غافال عن قوله تعالى ﴿ ِإنَّ الس َ
ِظ مِنْ َق ْو ٍل ِإال لَدَ ْي ِه َرقِيبٌ َعتِي ٌد ) وعن قوله ﷺان َع ْن ُه مسئوالً ) وعن قوله تعالى َ ( :ما َي ْلف ُ ُأولَِئ َ
ك َك َ
لمعاذ « :وهل يكب الناس في النار على وجوههم %اال حصائد ألسنتهم »
15
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
قال اإلمام أبو جعفر الشيزاماري بسنده المتصل إلى اإلمام أبي حنيفة رضي %هللا عنه :أنه كان يقول :
كذب وهللا وافترى علينا من يقول عنا إننا نقدم القياس على النص ،وهل يحتاج بعد النص إلى قياس ..؟
وكان رضي هللا عنه يقول :نحن ال نقيس إال عند الضرورة الشديدة ،وذلك أننا ننظر أوالً في دليل تلك
المسألة من الكتاب والسنة أو اقضية الصحابة فإن لم نجد دليالً قسنا حينئذ مسكوتا ً .عنه على منطوق %به
بجامع اتحاد العلة بينهما . .
وفي رواية أخرى عن اإلمام أنا نأخذ أوالً بالكتاب ثم السنة ثم باقضية الصحابة ونعمل بما يتفقون
عليه ،فإن اختلفوا قسنا حكما علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعنى
وفي رواية أخرى إنا نعمل بكتاب هللا ثم بسنة رسول هللا ﷺ ثم بأحاديث أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
رضي هللا عنهم
وفي رواية أخرى أنه كان يقول :ما جاء عن رسول هللا ﷺ فعلى الرأس والعين بابي هو وأمي وليس
لنا مخالفته وما جاءنا عن أصحابه تخيرنا %وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال .
وكان أبو مطيع البلخي يقول :قلت لإلمام أبي حنيفة رضي هللا عنه أرأيت لو رأيت رأيا ً ورأي أبو بكر
رأيا ً أكنت تدع رأيك لرأيه ..؟
قال :نعم فقلت له :أرأيت لو رأيت رأيا ً ورأى :عمر .رأيا ً أكنت تدع رأيك لرأيه ..؟ فقال :نعم :
وكذلك كنت أدع رأيي لرأي عثمان وعلي وسائر الصحابة ما عدا أبا هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن
جندب .
قال بعضهم : %ولعل ذلك لنقص معرفتهم %وعدم اطالعهم على المدارك واالجتهاد وذلك ال يقدح في
عدالتهم
وكان أبو مطيع يقول :كنت يوما عند اإلمام أبي حنيفة في جامع الكوفة فدخل عليه سفيان الثوري
ومقاتل بن حيان ،وحماد بن سلمة وجعفر الصادق %وغيرهم من الفقهاء فكلموا اإلمام أبا حنيفة وقالوا :
قد بلغنا أنك تكثر من القياس في الدين وانا نخاف عليك منه فإن أول
من قاس إبليس :فناظرهم اإلمام من بكرة نهار الجمعة إلى الزوال وعرض عليهم مذهبه وقال :إني
اقدم العمل بالكتاب ثم بالسنة ثم باقضية الصحابة مقدما ً ما اتفقواعليه على ما اختلفوا فيه ،وحينئذ %اقيس
16
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
فقاموا كلهم وقبلوا يده وركبته وقالوا له :أنت سيد العلماء فاعف عنا فيما مضى منا من وقيعتنا فيك
بغيرعلم .فقال :غفر هللا لنا ولكم أجمعين..
ومما كان كتبه الخليفة أبو جعفر المنصور %إلى اإلمام أبي حنيفة " :بلغني أنك تقدم القياس على الحديث"
فقال :ليس األمر كما بلغك يا أمير المؤمنين إنما أعمل أوال بكتاب هللا ثم بسنة رسول %هللا ﷺ ،ثم
بأقضية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي هللا عنهم ثم بأقضية بقية الصحابة ثم أقيس بعد ذلك إذا
اختلفوا وليس بين هللا وبين خلقه قرابة اهـ .
خالصة القول ان االمام ابا حنيفة رحمه هللا لم يكن يقيس اال بعد المراجعة الى كتاب هللا اوال ثم بالسنه
ثم باقضية خلفاء الراشدين ثم باقضية بقية الصحابة .وانما قاس عند فقدان األشياء المذكورة .
وال خصوصية لإلمام أبي حنيفة في القياس بشرطه المذكور بل جميع العلماء يقيسون في مضايق
األحوال إذا لم يجدوا في المسألة نصا ً من كتاب وال سنة وال اجماع وال اقضية الصحابة وكذلك لم يزل
مقلدوهم يقيسون إلى وقتنا %هذا في كل مسألة ال يجدون فيها نصا ً من غير نكير فيما بينهم بل جعلوا
القياس أحد األدلة األربعة فقالوا الكتاب والسنة واالجماع والقياس.
فاالمام ابو حنيفة رحمه هللا تعالى اليقيس ابدا مع وجود النص فان وجدنا %نصا في المسألة التي قاس
فيها فال طعن عليه لعدم استحضاره ذلك حال القياس وكذلك ال طعن عليه عند وجود الحديث الفرد ..
وانما كان سبب كثرة القياس في مذهبه و قلته في مذهب غيره وذلك لما كانت أدلة الشريعة مفرقة في
عصره مع التابعين وتابع التابعين في المدائن والقرى والثغور %كثر القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره
من األئمة .ضرورة لعدم وجود %النص في تلك المسائل التي قاس فيها بخالف غيره من األئمة فإن
الحفاظ كانوا قد رحلوا في طلب األحاديث وجمعوها في عصرهم من المدائن والقرى ودونوها فجاوبت
أحاديث الشريعة بعضها بعضا .
9
هذا ما قلت استفدت من قول العالمة عبد الوهاب الشعراني%.
المطلب الثالث
الثالث :أن ال يخالف القياس ،وأن يكون راويه فقيها ،فإن خالف القياس ،ولم يكن راويه فقيها ،فالحديث
المعارض للقياس ال يقبل إذا عرفت العلة بنص راجح على الخبر ،ووجدت العلة قطعا %في الفرع،
ويتوقف اإلمام أبو حنيفة إذا وجدت العلة ظنا في الفرع ،ويقبل الحديث المخالف للقياس إذا لم توجد في
الفرع .
فإذا توفرت هذه الشروط في خبر الواحد فإنه يأخذ به ،ولو كان ضعيف %السند ،ويقدمه على القياس ،وال
يلتفت لسنده الخاص ،وال لكونه على وفق %عمل أهل المدينة أو خالفهم ،وعلى هذا يحمل كالم ابن القيم
في األعالم« :وأصحاب أبي حنيفة رحمه هللا تعالى مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة»أن ضعيف
10
الحديث أولى عنده من القياس« ،وعلى ذلك بنى مذهبه ...الخ
فإذا لم تتوفر %تلك الشروط في الحديث اعتبر الحديث شاذا ،وذهب إلى القياس ،وترك الحديث ،ولو
صحيحا ،أو عمل به أهل المدينة أجمع.
وقد فعل ذلك في حديث المصراة ،والحديث في الصحيحين( :ال تصروا اإلبل والغنم ،فمن ابتاعها بعد
فهو بخير النظرين بعد حلبها :إن شاء أمسك ،وإن شاء ردها وصاعا من تمر) ،فأبو حنيفة يرى أن رد
11
التمر بدل اللبن مخالف للقياس فيما يضمن به المتلف من مثله أو قيمته.
ههنا شروط %اخرى نقلها العالمة المال على القاري رحمه هللا تعالى (ت )١٠١٤في شرح مسند االمام
ابي حنيفة منها ..
(الف) عرض أخبار اآلحاد على األصول المجتمعة عنده بعد استقرائه موارد الشرع ،فإذا خالف خبر
اآلحاد تلك األصول يأخذ باألصل عمال بأقوى %الدليلين ،ويعد الخبر المخالف له شاذا .وليس في ذلك
مخالفة للخبر الصحيح ،وإنما فيه مخالفة لخبر بدت علة فيه للمجتهد .وصحة الخبر فرع خلوه من العلل
القادحة عند المجتهد.
استفدت من اول البحث الي هذا من كتاب 'المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية ' ص —٩٨/١عمر 11
(باء) عرض أخبار اآلحاد على عمومات الكتاب وظواهره فإذا خالف الخبرعاما أو ظاهرا في الكتاب،
أخذ بالكتاب وترك الخبر عمال بأقوى %الدليلين ،ألن الكتاب قطعي الثبوت ،وظواهره وعموماته قطعية
الداللة عنده.
أما إذا لم يخالف الخبر عاما أو ظاهرا في الكتاب بل كان بيانا لمجمل فيه فيأخذ %به حيث ال داللة فيه
بدون بيان.
(جيم) أن ال يخالف السنة المشهورة سواء أكانت سنة فعلية أو قولية عمال بأقوى الدليلين
(دال) أن ال يعارض خبر مثله ،وعند التعارض يرجح أحد الخبرين على اآلخر ،بوجوه ترجيح تختلف
أنظار المجتهدين فيها ككون أحد الراويين فقيها أو أفقه بخالف اآلخر.
(هاء) أن ال يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة االحتجاج بالخبر %الذي رواه أحدهم
(واو) عدم مخالفة -الخبر للعمل المتوارث بين الصحابة والتابعين وبمقتضى %هذه القواعد ترك اإلمام
أبو حنيفة رحمه هللا العمل بأحاديث كثيرة من اآلحاد ...
والحق أنه لم يخالف األحاديث عنادا ،بل خالفها اجتهادا لحجج واضحة ودالئل صالحة ،وله بتقدير
12
الخطأ أجر ،وبتقدير اإلصابة أجران.
ولقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آالف شيخ ،حتى عده الذهبي في تذكرته التي هي ثبت الحفاظ ،وحدث
عنه يحيى بن نصر فقال :دخلت عليه في بيت مملوء كتبا فقلت له :ما هذا؟ فقال :هذه األحاديث ما حدثت
13
منها إال اليسير %الذي ينتفع به ".انتهى _
(الف) تشدده في ما تقدم من الشروط التي اشترطها ابو حنيفة رحمه هللا في قبول خبر االحاد مثالً:
8عدم مخالفة الخبر للعمل المتوارث بين الصحابة والتابعين وبمقتضى هذه القواعد ترك اإلمام أبو
16
حنيفة رحمه هللا العمل بأحاديث كثيرة من اآلحاد …
كما جاء في الجواهر المُضِ يَّة في طبقات الحنفية للحافظ عبد القادر
القرشي
" قال َّ
الط َحاوي :حدثنا سليمان بن شعيب ،حدثنا أبي ،قال :أملى علينا أبو يوسف %قال :قال أبو حنيفة :
ث من الحديث إال بما َحفِ َظ ُه من يوم َس ِم َع ُه إلى يوم ي َُح ِّد ُ
ث بـه" ال ينبغي للرجل أن ي َُح ِّد َ
ِ
سمعت شيخنا العالمة الحجة زين الدين بن الكناني ،في درس الحديث بالقُ َّب ِة
ُ قال القرشي قلت :
ص ُر هذا القول ،وسمعته يقول في هذا المجلس :ال َي ِح ُّل ليالمنصورية ،وكان أحد سالطين العلماءَ ،ين ُ
أن أروي %إال قوله ' أنا النبيُّ ال َكذِب،أنا ابن عبد الم َّ
ُطلِب'
فإني َحفِظ ُت ُه من ِ
حين سمعته إلى اآلن.
و كذلك ما روي (عن) اإلمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي( %المنع) ،وأنه ال حجة إال فيما رواه
الراوي من حفظه وتذكره للمروي %تفصيال من حين سمعه إلى أن يؤديه.
18
قال ابن معين فيما رواه الخطيب :كان أبو حنيفة يقول :ال يحدث الرجل إال بما يعرف ويحفظ.
16انظر إعالم الموقعين ٨١ /١ :و مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص٣–١
ْن َسه ٍْل ْالم َُخرِّ مِيُّ ،ثنا ْن َع ْب ِد هَّللا ِ ْال َكاتِبُ ،أنا َأبُو َب ْك ٍر م َُح َّم ُد بْنُ ُح َم ْي ِد ب ِ "َأ ْخ َب َر َناَ %أبُو َع ْب ِد هَّللا ِ َأحْ َم ُد بْنُ م َُح َّم ِد ب ِ
ِين َوسُِئ َل ب َأ ِبي ِب َخ ِّط َي ِد ِه َقا َل َأبُو َز َك ِريَّا َيعْ نِي َيحْ َيى ب َْن َمع ٍ ت فِي ِك َتا ِ َّانَ ،قا َل َو َج ْد ُْن ِحب َ َعلِيُّ بْنُ ْال ُح َسي ِ
ْن ب ِ
ث ِإاَّل ِب َما َتعْ ِرفُ ان َأبُو َحنِي َف َة َيقُو ُل اَل ُت َح ِّد ُ ِيث ِب َخ ِّط ِه اَل ِب ِح ْفظِ ِه َف َقا َل َأبُو َز َك ِريَّا « َك َ َع ِن الرَّ ج ُِلَ ،ي ِج ُد ْال َحد َ
ث ِب ُك ِّل َشيْ ٍء َي ِج ُدهُ فِي ِك َت ِاب ِه ِب َخ ِّط ِه َع َر َف ُه َأ ْو لَ ْم َيعْ ِر ْف ُه " ظ» َ .قا َل َأبُو َز َك ِر َّياَ %وَأمَّا َنحْ نُ َف َنقُو ُل ِإ َّن ُه ي َُح ِّد ُ َو َتحْ َف ُ
ار َأ ِبي َحنِي َف َة َ -رضِ َي هَّللا ُ َت َعالَى َع ْن ُه َ -ما ُيفِي ُدهُ َق ْولُهُ :اَل َي ْن َبغِي لِلرَّ ج ُِل َأنْ َأ
قال ابن عابدين '' َومِنْ عْ َذ ِ
ث ِبهَِ ،فه َُو اَل َي َرى الرِّ َوا َي َة إاَّل لِ َمنْ َحفِ َظَ .و َر َوى ظ ُه َي ْو َم َس ِم َع ُه إلَى َي ْوم ي َُح ِّد ُ ث إاَّل ِب َما َيحْ َف ُ
ث مِنْ ْال َحدِي ِ ي َُح ِّد َ
ِ
ث فِي ِه فِ ْق ٌه َوَأ َش ُّد
ان َأحْ َف َظ ُه لِ ُك ِّل َحدِي ٍ س َأ َّن ُه َقا َل :نِعْ َم الرَّ ُج ُل ال ُّنعْ َمانُ َ ،ما َك َ ْال َخطِ يبُ َعنْ إسْ َراِئي َل ب ِ
ْن يُو ُن َ
20
ْن َح َج ٍر". ان اِل ب ِ َفحْ صِ ِه َع ْنهَُ ،وَأعْ لَ ُم ُه ِب َما فِي ِه مِنْ ْالفِ ْقهَِ ،و َت َما ُم ُه فِي ْال َخي َْرا ِ
ت ْالح َِس ِ
قال ابن حزم أيضا ً في كتابه ( اإلحكام في أصول األحكام ) ٥٤ : ،قال أبو حنيفة " الخبر الضعيف عن
22
رسول هللا أولى من القياس ،وال يحل القياس مع وجوده ''
ألنه أقوى عنده من رأي الرجال ،ولهذا قال شيخ اإلسالم ابن تيميه« :ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من
أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم ،وتكلم إما بظن،
وإما بهوى ،فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضؤ %بالنبيذ في السفر 23ومخالفته للقياس ،وبحديث القهقهة
25
في الصالة 24مع مخالفته للقياس،
26
وهذا أيضا ً رأي اإلمام أحمد ،فانه قال :إن ضعيف الحديث أحب إليه من رأي الرجال
قال الشيخ ظفر احمد عثماني (في قواعد في علوم الحديث) وليس المراد بالضعيف %ما كان شديد
الضعف ،فانه ال يُعمل أصالً ،كما قدمناه " عن الدر المختاره ،وال يثبت به شي؟ بل المراد به ما قاله
ابن القيم في " إعالم الموقعين" حيث ذكر أصول أحمد في فتاواه ) .وقال >>:ا ألصل الرابع األخذ
بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ،وهو الذي رجحه على القياس ،وليس
المراد بالضعيف عنده الباطل وال المنكر وال ما في روايته متهم ( بالكذب ) ،بحيث ال يسوغ الذهاب
إليه فالعمل به .
وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطالح السلف هو الضعيف في اصطالح المتأخرين ،بل ما يُسميه
27
المتأخرون َح َسنا ً قد يسميه المتقدمون ضعيفا ً كما تقدم بيانه<<<
* قال الشيخ عوامة ينبغي أن يجعل الحديث الضعيف %في هذا الباب أربعة أقسام :
( )١الضعيف %المنجبر %الضعف %بمتابعة أو شاهد وهو ما يقال في أحد رواته :لين الحديث ،أو :فيه
لين ... ،وهو الحديث الملقب بالمشبه أي المشبه بالحسن من وجه ،وبالضعيف من وجه آخر ،وهو
إلى الحسن أقرب .
( )٢الضعيف %المتوسط الضعف ،وهو ما يقال في راويه :ضعيف الحديث ،أو :مردود %الحديث ،أو :
منكر الحديث )٣( . ،الضعيف الشديد الضعف ،وهو ما فيه متهم أو متروك .
( )٤الموضوع
فالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما هللا تعالى يدخالن القسم األول تحت كالم اإلمام أحمد ،بناء
على أنه يشمله اسم الضعيف من جهة ،واسم الحسن لغيره من جهة أخرى .والظاهر - %وهللا أعلم -
إدخال القسم الثاني في مراد اإلمام أحمد..
والذي حمل الشيخ ابن تيمية -ومن تابعه – على هذا التفسير لكالم اإلمام أحمد رأي آخر له أي البن
تيمية ،بنى عليه هذا التفسير ،وهو ادعاؤه أن الحديث عند المتقدمين ينقسم إلى صحيح و ضعيف فقط
وأن الحسن اصطالح أحدثه الترمذي ،بل نقل ابن تيمية اإلجماع على هذا االدعاء ،كما في «فتح
المغيث ،للسخاوي ص ، ٥
وهذا غير صحيح ،إذ أن إطالق ( الحسن ) على الحديث -وعلى الراوي أيضا ً -وارد %على لسان عدة
من العلماء السابقين للترمذي ،من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه ،بل ورد هذا اإلطالق على لسان اإلمام
أحمد نفسه ،قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصالح » :ه وأما علي بن المديني فقد أكثر
من وصف %األحاديث بالصحة وبالحسن في مسنده » ولي علله ..وظاهر %عبارته قصد %المعنى
االصطالحي ،وكأنه اإلمام السابق لهذا االصطالح ،وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد ،
وعن البخاري %أخذ الترمذي ....
ثم قال في اخره...ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة ( ضعيف ) بالحسن ؟ مع أن ظاهر كالم اإلمام أحمد
يشير إلى أن مراده بالضعيف :الضعيف الذي لم تحقق فيه شروط القبول ،فإنه يريد أن الرأي ال يعتد
به عنده ما دام قد نقل في المسألة نص ولو ضعيفا ً ،فإن الضعيف خير من الرأي روى ابن حزم في
المحلى ( ) ٦۸ : ۱عن عبد هللا بن أحمد بن حنبل قال :سألت أبي عن الرجل يكون ببلد ال يجد فيه إال
صاحب حديث ال يعرف صحيحه من سقيمه ،وأصحاب %رأي ،فتنزل به النازلة من يسأل ؟ فقال أبي :
يسأل صاحب الحديث وال يسأل صاحب الرأي ،
وال عتب عليه في هذا التقديم واالعتبار ،ألنه معلوم ومقرر أن التضعيف ومثله التصحيح -أمر
اجتهادي ،فقد يضبط المغفل المختلط المتغير ،وقد %يحفظ سيء الحفظ ،وهكذا..
وإذا فسرنا ( الضعيف ) %بالحسن -بقسميه -فأي فائدة في هذا التنصيص من اإلمام أحمد على أن الحسن
مقدم على الرأي ؟ إذ أن هذا أمر ثابت مقرر ،فالحسن حجة في كافة وجوه االحتجاج ،ولم ينقل أحد
من المتقدمين نفي االحتجاج بالحسن ،إال ما نقل عن أبي حاتم ثم عن القاضي ابن العربي %وشيخه.
28
(انتهى ملخص ما قال الشيخ عوامه)
_١ليس قول الصحابي حجة لذاته؛ فالصحابي في نفسه ليس معصوما ،بدليل أن الصحابة يختلفون على
قولين ،فإذن ليس قول الصحابي %في نفسه حجة ،وإنما هو حجة لما انضاف إليه ،كما قاله اإلمام ابن القيم
_٢قول الصحابي حجة من باب الظن الغالب ،وقد %نص على هذا ابن القيم في كتابه «إعالم
الموقعين» ؛ وذلك أن اإلجماع الظني إجماع من باب الظن الغالب؛ ألن اإلجماع نوعان :قطعي %وظني،
فما بني على نص ظاهر ،كقوله تعالى﴿ :أقيموا الصالة وآتوا الزكاة﴾ ،فهو %إجماع قطعي ،وما ليس كذلك
29
فهو إجماع ظني ،فالقول بحجية قول الصحابي هو من باب الظن الغالب.
ثم اعلم_ إذا قال الصحابي قوال فإما أن يخالفه صحابي آخر أو ال يخالفه ،فإن خالفه مثله لم يكن قول
أحدهما حجة على اآلخر ،وإن خالفه أعلم منه كما إذا خالف الخلفاء الراشدون %أو بعضهم غيرهم من
الصحابة في حكم ،فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أو بعضهم %حجة على اآلخرين؟ فيه
قوالن للعلماء ،وهما روايتان عن اإلمام أحمد ،والصحيح أن الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم أرجح،
وأولى أن يؤخذ به من الشق اآلخر ،فإن كان األربعة في شق فال شك أنه الصواب ،وإن كان أكثرهم في
شق فالصواب فيه أغلب ،وإن كانوا اثنين واثنين فشق %أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب ،فإن اختلف
أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر .
وان لم يخالفه احد من الصحابة فهو ال يخلو عن حالتين اما اشتهر قوله او لم يشتهر فان اشتهر قوله فهو%
اجماع وحجة عند جماهير الطوائف من الفقهاء لكن قالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء
المتأخرين :ال يكون إجماعا وال حجة ،وان لم يشتهر %او لم يعلم انه هل اشتهر ام ال؟ فالذي %عليه جمهور
األمة أنه حجة هذا قول جمهور الحنفية ،صرح به محمد بن الحسن ،وذكر عن أبي حنيفة نصا ،وهذا
30
ايضا قول االمام مالك واحمد والشافعي %في القديم والجديد .
و قول الصحابي مقدم على القياس عند ابي حنيفه رحمه هللا تعالى حيث قال« :إني آخذ بكتاب هللا إذا
وجدته ،فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول هللا ﷺ ،واآلثار %الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات؛
فإذا لم أجد في كتاب هللا وال سنة رسول هللا أخذت بقول من شئت من أصحابه وأدع قول من شئت ،ثم ال
أخرج من قولهم إلى غيرهم ،فإذا انتهى األمر إلى إبراهيم والشعبي ،والحسن ،وابن سيرين ،وسعيد بن
31
المسيب ،فلي أن اجتهد كما اجتهدوا».
29ص ١٦االنتصار في حجية قول الصحابة األخيار — عبد العزيز الريس (معاصر)
30إعالم الموقعين عن رب العالمين -ط العلمية — ابن القيم (ت )٧٥١ص٩٥/٤—٩١/٤
31ص ٣٣٢/١تاريخ التشريع اإلسالمي — مناع القطان (ت )١٤٢٠
27
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
وفي رواية أخرى عن اإلمام أنا نأخذ أوالً بالكتاب ثم السنة ثم باقضية الصحابة ونعمل بما يتفقون
32
عليه ،فإن اختلفوا قسنا حكما علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعنى.
س»ِ :إ َذا َقا َل الص ََّح ِابيُّ َق ْواًل اَل َي ْق َتضِ ي ِه ْالقِ َياسُ َ ،فِإ َّن ُه َمحْ مُو ٌل َعلَى ْالمُسْ َن ِد ِإلَى َو َقا َل ابْنُ ْال َع َر ِبيِّ فِي ْ
«ال َق َب ِ
33
ال َّن ِبيِّ ﷺَ ،و َم ْذ َهبُ َمالِكٍ َوَأ ِبي َحنِي َف َة َأ َّن ُه َك ْالمُسْ َندِ .ا ْن َت َهى.
نقل الشيخ ظفر احمد عثماني مثله في كتابه 'قواعد في علوم الحديث' حيث قال وكذا ان يقول الصحابي%
الذي لم يأخذ عن الكتب القديمة قوال ال مجال لالجتهاد فيه ،وال له تعلق ببيان لغة وشرح غريب كأخبار
َب ْدء ْالخلق واألنبياء والمالحم %والفتن وأحوالَ %ي ْوم ْالقِ َيا َمة وكأخبارَ %ت َ
ضمَّنت اِإْل ْخ َبارَ %عمَّا يحصل ِبفِعْ لِ ِه
ً 34
َث َواب َم ْخصُوص َأو عِ َقاب َم ْخصُوص :مرفوع حكما ً كما في قفو األثر أيضا
وكذا قو ُل الصحابي %المجتهد فيما ال نص فيه حُجَّ ًة عندنا يُترك به القياس ،فاذا شاع وسكتوا %مسلمين
يجب تقليده إجماعا ً ،وال يجب إجماعا ً فيما ثبت الخالفُ بينهم ،ألن ذلك بمنزلة خالف المجتهدين ،
فيجوز %لمن بعدهم أن يعمل بأيهما شاء ،وال يتعدى إلى الشق الثالث ألنه صار باطالً باإلجماع المر َّكب
من هذين الخالفين .وإذا اختلفوا فكل ما ما ثبت فيه اتفاق الشيخين يجب االقتداء به .وإذا لم يُعلم فيه
خالفهم من وفاقهم %فهو حجة عندنا ،الحتمال السماع من النبي .ولئن سلّم أنه ليس مسموعا ً منه بل هو
35
رأي ،فرأي الصحابة أقوى من رأي غيرهم كذا في «نور األنوار »
33ص ١٦٢/١فتح المغيث بشرح ألفية الحديث — شمس الدين السخاوي (ت )٩٠٢
الحديث مسندا من طريق اخر او مرسال من طريق %اخر وشيوخهما مختلفة أو أن يقويه قول صحابي أو
أن يعضده قول اكثر العلماء او أن يكون الراوي ممن ال يرسل اال عن ثقة .فالخالصة ان مراسل اهل
القرون الثالثة المشهود اها بالخيرة مقبولة مطلقا ً عند ابي حنيفة رحمه هللا.
وقد نقل شيخنا ظفر احمد العثماني التهانوي قول ابن الحنبلي في كتابه "قواعد في علوم الحديث"
والمختار في التفصيل قبول %مرسل الصحابي %إجماعاً ،ومرسل %أهل القرن الثاني والثالث عندنا ( أي
الحنفية ) وعند مالك مطلقاً ،وعند الشافعي %بأحد أمور خمسة :أن يُسنده غيره ،أو أن يرسله آخر
وشيوخهما %مختلفة ،أو أن يعضده قول صحابي ، %أو أن َيعضُده قو ُل أكثر العلماء ،أو أن يُعرف .أنه ال
يُرسل إال عن عدل .اهـ .
مرس ُل من دون هؤالء فمقبول عند بعض أصحابنا مردود %عند آخرين ،إال أن يروي الثقات
َ - وأما
مرسله كما رووا مُس َنده ( ،فيقبل اتفاقاً .فان كان الراوي %يرسل عن الثقات وغيرهم :فعن أبي بكر
الرازي من أصحابنا وأبي الوليد الباجي من المالكية عدم قبول مرسله اتفاقا ً .كذا في «قفو
37
األثر»36.أيضاً_ انتهى.
ذكر العالمة المال على القاري رحمه هللا تعالى (ت )١٠١٤في شرح مسند االمام ابي حنيفة حيث قال
"من أصوله (اي اصول ابي حنيفة ) قبول مرسالت الثقات إذا لم يعارضها %ما هو أقوى منها،
واالحتجاج بالمرسل كان سنة متوارثة جرت عليه األمة في القرون الفاضلة حتى قال ابن جرير :رد
38
المرسل مطلقا بدعة حدثت في رأس المائتين".
وههنا تفصيل اخر من كالم الشيخ ابن تيمية حيث ذكره 'في منهاج السنة النبوية'" والمراسيل قد تنازع%
الناس في قبولها وردها ،وأصح األقوال أن منها المقبول ،ومنها المردود ،ومنها الموقوف ،فمن علم من
حاله أنه ال يرسل إال عن ثقة قبل مرسله ،ومن عرف أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية
39
عمن ال يعرف حاله فهذا موقوف %،وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا".
ونقل الشيخ عبد الفتاح ابو غده رحمه هللا تعالى( في تعليق قواعد في علوم الحديث) قول الحافظ %ابن
رجب الحنبلي رحمه هللا تعالى حيث قال : واحتج بالمرسل %أبو حنيفة وأصحابه ،ومالك وأصحابه ،
وكذا الشافعي وأحمد وأصحابهما - ١ :إذا اعتقد بمسند آخر - ۲ ،أو مرسل آخر بمعناه عن آخر ،فيدل
على تعدد المخرج - ٣ ،أو وافقه قول بعض الصحابة - ٤ ،أو إذا قال به أكثر أهل العلم .فإذا وجد
أحد هذه األربعة دل على حجة صحة المرسل .
ثم قال رحمه هللا تعالى :واعلم أنه ال تنافي %بين كالم الحفاظ وكالم الفقهاء في هذا الباب ،فإن الحفاظ
إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسالً ،وهو ليس بصحيح على طريقهم ..ومصطلحهم. %
اتصال إسناده إلى الذي .وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث ،فإذا عضد ذلك
المرسل قرائن تدل على أن له أصالً قوي الظن بصحة ما دل عليه ،فاحتج به مع ما احنف من
41
القرائن ..
قال ابن الصالح :ومن الحجة في ذلك وفي %سائر %الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه ،لكان بإطالقه الرواية
عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا ،والظاهر السالمة من وصمة التدليس ،والكالم فيمن لم
يعرف بالتدليس (وبعضهم) كالحاكم (حكى بذا) المذهب (إجماعا) ،وعبارته :األحاديث المعنعنة التي
ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل.
وكذا قال الخطيب :أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس :فالن عن فالن ،صحيح
43
معمول به إذا كان لقيه وسمع منه.
وحكمها القبول عند أبي حنيفة .ذكر الصنعاني في توضيح األفكار أن ابن حجر العسقالني حكـى عـن
44
الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة" .
َونقل َعن مُعظم َأصْ َحاب أبي حني َفة
َو ْالم ُْخ َتار عِ ْند ابْن الساعاتي َو َغيره من ْال َح َنفِيَّة انه ِإذا ا ْن َفرد
تخالف َك َما لَو نقل َأنه ﷺ دخل ْال َبيْت َف َزاد َوصلى َفِإن ْ
اختلف ْالمجْ لس قبلت ِبا ِّت َفاق َوِإن ْال ْ
عدل ِب ِز َيا َدة اَل َ
ص َّور غفلتهم َعن مثل َما َزاد لم تقبلَ .وِإن لم ي ْن َته ان َغيره قد ا ْنتهى فِي ْالعدَد ِإلَى حد اَل ي َت َ ا َّتحد َو َك َ
فالجمهور %على ْالقبُول خال ًفا ل َبعض ْالمُحدثين َوأحمد فِي ِر َوا َيةَ .وِإن جهل َحال ْالمجْ لس َفه َُو ِب ْالقب ِ
ُول أولى
45 الز َيا َدة م َُخال َفة َف َّ
الظاهِر ال َّت َعارُض. ِممَّا ِإذا ا َّتحد بذلك ال َّشرْ طَ .وأما ِإذا َكا َنت ِّ
46
وبهذا عرفت ان الحنفيه ال يقبلون زيادة الثقة اذا لم تخالف ايضا اال بشرائط %ال مطلقا
المطلب الرابع
اشترط ابو حنيفه رحمه هللا تعالى في الراوي لقبول روايته مع عدالة الراوي %وضبطه شرطين منقولين
عنه :
( )١الذكورية واستثنى %منه عائشة وأم سلمة رض.
كما ذكر السخاوي في فتح المغيث حيث قال " وال (يشترطوا) الذكورية خالفا لما نقله الماوردي %في
47
الحاوي عن أبي حنيفة قال :واستثنى أخبار عائشة وأم سلمة،
( )٢فقه الراوي إذا خالف خبره قياس األصول .وقد اشتهر عن اإلمام أبي حنيفة اشتراطه له كما نقله
48
السخاوي في فتح المغيث.
45فو األثر في صفوة علوم األثر لمحمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي القادري التاذفي ، ٦٠/١وقواعد في علوم الحديث
ص١٢٣
46قواعد في علوم الحديث ص ١٢٤
47فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ص( ٨/٢نسخة مكتبة السنة ) — شمس الدين السخاوي (ت )٩٠٢
و ضوابط الجرح والتعديل ص ١٩
48فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ص ٩/٢و ضوابط الجرح والتعديل %ص ١٩
32
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
وقد ذكر السيوطي في تدريب الراوي "ومنها :أن أبا حنيفة اشترط فقه الراوي .قال شيخ اإلسالم:
49
والظاهر أن ذلك إنما يشترط %عند المخالفة أو عند التفرد بما تعم به البلوى_انتهي"
وذكر عالء الدين البخاري %أن القول باشتراط %فقه الراوي %لتقديم خبره على القياس هو مذهب عيسى بن
أبان وأكثر المتأخرين من الحنفية ،وأما المتقدمون منهم فالمتقول عنهم تقديم خبر الواحد على القياس
50
دون تفرقة بين خبر الفقيه وخبر غير الفقيه.
الظاهر: حكم رواية المستور وهو مجهول العدالة باطنا ً مع كونه عدالً في
أقوال أصحابنا الحنفية في هذه المسألة مختلفة :
منهم قال قبوله عندنا مطلقا
ومنهم قال عدم قبوله اال في الصدر االول
وقد ذكرالشيخ ظفر احمد عثماني (في قواعد في علوم الحديث) حيث قال " و اختلفت كلمة أصحابنا في
المستور ،فيعلم من كالم اآلمدي وعلي القاري -المذكور %سابقا ً "" -قبوله عندنا مطلقاً.
وقال في 'قفو األثر' (ص ")٢٠وأما المستور وهو عندنا من كان عدالً في الظاهر ولم تعرف عدالته في
الباطن ،سوال انفرد بالرواية عنه واحد أم روى عنه اثنان فصاعداً ،فحكم حديثه االنقطاع الباطن وعدم
القبول إال في الصدر األول .اهـ .أي القرون الثالثة المشهود %لها بالخير ،كما صرح به في باب
االنقطاع"
ونقله ( أي العالمة السنبهلي في وتنسيق %النظام في مسند اإلمام) في مقدمة (مسند اإلمام ) عن القاري
أيضا ً حيث قال :والثامن عشر ما نقل عنه (أي عن اإلمام أبي حنيفة)" وحاصل الخالف أن المستور %من
الصحابة والتابعين وأتباعهم يقبل ،بشهادته لهم بقوله وخير القرون قرني ثم الذين يلونهم ،ثم الذين
يلونهم ) وغيرهم ال يقبل إال بتوثيق ،وهو تفصيل حسن .اهـ
والذي ظهر لي من كالم فقهائنا أن المراد بقبول رواية المستور %من غير الصحابة عندهم هو :جواز%
51
العمل بها دون الوجوب ،وكذا مجهول العين من غيرهم ،وهللا اعلم (انتهى نقل الشيخ)
وفي شرح نخبة الفكر للخضير " يرى جماعة من العلماء أن رواية المستور مقبولة ،وبه يقول الحنفية
وابن حبان ،وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي:
أوال :ألن الناس في أحوالهم على الصالح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب الطعن ،ولم يكلف الناس
معرفة ما غاب عنهم ،وإنما كلفوا بالظاهر %من األشياء غير المغيب عنهم.
األمر الثاني :أن الرسول ﵊ كان يعمل بالظاهر ،ويتبرأ من علم الباطن «هال شققت عن قلبه؟» يعني لما
قال« :ال إله إال هللا» في الظاهر ،قال له الصحابي« :إنه إنما قالها معتصما بها من السيف» قال« :هال
شققت عن قلبه؟» يعني عليك أن تحكم بالظاهر ،وإلى ذلك اإلشارة بقوله تعالى﴿ :ال تعلمهم نحن نعلمهم﴾
[( )١٠١سورة التوبة] في الحديث« :هال شققت عن قلبه؟» ولذا قال النووي« %:األصح قبول %رواية
52
المستور» والراجح -وهللا أعلم -قبول رواية المستور"،
وحكمه عند الحنفية فيه تفصيل كما ذكرالشيخ ظفر احمد عثماني (في قواعد في علوم الحديث)
"والمجهول -أي مجهول العين -عندنا هو من لم يُعرف إال بحديث أو حديثين وجهلت عدالته ،سواء
انفرد بالرواية عنه واحد أم روى %عنه اثنان فصاعداً ،فحكمه أن هذا المجهول إن كان صحابياً %فال يضر
شرح نخبة الفكر للخضير ص[ ١/٧تراث] — عبد الكريم الخضير (معاصر) 52
شرح نخبة الفكر للخضير ص[ ٣٠/٦تراث] — عبد الكريم الخضير (معاصر) 53
34
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
جهالته كما مر ( ، )٣وإن كان غيره :فإما أن يظهر حديثه في القرن الثاني أو ال ،فإن لم يظهر جاز
العمل به في الثالث ال بعده ،وإن ظهر فإن شهد له السلف بصحة الحديث أو سكنوا عن الطعن فيه قبل،
أو ردوه رد ،أو قبله البعض ورده البعض مع نقل الثقات عنه ،فإن وافق حديثه قياسا %مّا قبل وإال رد ،
54
كذا في «قفو األثر -مع تغيير يسير في التعبير -انتهي
وذكر الصنعاني" %إن كان يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإال قبل وإن كان داعية إلى مذهبه عزاه
الخطيب إلى الشافعي» كما نقله عنه الخطيب في الكفاية ألنه قال أقبل من غير الخطابية ما نقلوا قال
ألنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه فمن لم يستحل الكذب كان مقبوال ألن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من
اإلقدام عليه فيحصل صدقه قال الخطيب ويحي أيضا أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ونحوه
عن أبي حنيفة بل حكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث وقال الفخر الرازي في المحصول إنه
57
الحق ورجحه ابن دقيق العيد".
المطلب الخامس
مقوالته وآرائه في صفة تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ و حفظه و
:أداءه
:الزمن الذي يصح فيه السماع من الصبي
يصح التحمل اذا كان عاقال مميزا ضابطا %لما حمله وال يشترط %له البلوغ بل يصح التحمل قبل البلوغ
وكذا قبل االسالم فان الحسن والحسين وابن الزبير رضي هَّللا عنهم تحملوا قبل البلوغ ،ولم يزل الناس
يسمعون الصبيان،وكذا ابوسفيان فى قصة هرقل تحمل قبل االسالم هذا القدر ادعى السخاوي %عليه
االتفاق .
لكن خ ُتل َ
ِف في الزمن الذي يصح فيه السماع من الصبي ،فمذهب ابي حنيفة فيه وكذا مذهب بعض اهل
العلم يصح السماع من الصبي إذا فهم الخطاب ور ّد الجواب .
كما ذكر السخاوي في فتح المغيث "أو نحو ما اتفق ألبي حنيفة حين استأذن على جعفر بن محمد ،فإنه
بينما هو جالس في دهليزه ينتظر %اإلذن ; إذ خرج عليه صبي خماسي من الدار.
قال أبو حنيفة :فأردت %أن أسبر عقله ،فقلت :أين يضع الغريب الغائط من بلدكم يا غالم؟ قال :فالتفت إلي
مسرعا فقال :توق شطوط األنهار ،ومساقط %الثمار ،وأفنية المساجد ،وقوارع %الطرق ،وتوار خلف جدار،
وأشل ثيابك ،وسم بسم هللا ،وضعه أين شئت.
فقلت له :من أنت؟
فقال :أنا موسى %بن جعفر.
{أوردها ابن النجار في ترجمة محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان من تأريخه}.
37
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
أراد اإلمام أبو حنيفة يختبر تمييز الصبي وإدراكه وكان عمر الصبي خمس سنوات وهو موسى %بن
شيخه جعفر بن محمد فسأل الصبي السؤال ور ّد هذا الصبي الجواب المناسب الذي د ّل على تمييزه ومن
60
ث ّم استشهد السخاوي %بهذه القصة على تمييز الصبي بفهم الخطاب ور ّد الجواب .
هذا خالصة تقسيم الحنفيه وبيان منهجهم فطرق %التحمل لديهم سته وغير ان بعضهم ذكروا الوجادة ايضا
في اخر الباب فطرق %التحمل لديهم سبعة.
60فتح المغيث بشرح ألفية الحديث — شمس الدين السخاوي (ت )٩٠٢ص ١٥٢/٢
الديباج المذهب في مصطلح الحديث — الجرجاني ،الشريف (ت )٨١٦ص ٥٣/١
38
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
( ) ١.٢قراءة الشيخ او السماع من الشيخ والقراءة على الشيخ يقال له
العرض ايضا :
تعريفهما:
قراءة الشيخ او السماع من الشيخ :
وهو أن يسمع من لفظ الشيخ،وهو ينقسم إلى إمالء ،وتحديث من غير إمالء ،وسواء كان من حفظه أو
من كتابه .
القراءة على الشيخ :
أوهو ن يقرأ على الشيخ وهو يسمع ،وأكثر %المحدثين يسمون القراءة على الشيخ عرضا من حيث إن
القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه ،ويقول له بعد الفراغ من القراءة أو قبلها .هل سمعت :فيقول الشيخ
61
نعم ،أو يقول بعد الفراغ :األمر كما قرئ %علي ،
قراءة الشيخ على الراوي و العرض كالهما جائز لكن ايهما اقوي اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
الدليل الثاني :أن قراءة الشيخ على الراوي أبعد عن الخطأ والسهو
والغلط؛ لكونه يقرأ ما تحقق منه ،فيكون أحق فيما هو المقصود،
وهو تحمل األمانة بصفة تامة.
ومعظم علماء الحجاز ،والكوفة ،البخاري ،وغيرهم .فيما نقله عنه ابن الصالح ،واختاره ابن الساعاتي.
دليل هذا المذهب:
أن الذي يقرأ كتابا ويسهو ال فرق %فيه بين القارئ والسامع؛ نظرا
لمساواة من يتكلم أو يستمع فيستفهم فيقول :نعم.
جوابه:
يجاب عنه :بأنه ال يسلم تساوي القارئ والمستمع ،فإن الشيخ
إذا قرأ مع تثبت ودقة في حين أن الراوي قد اتصف بشدة الطلب
يكون هذا أقوى %وأصح .
62
الخالصة :ما يحترز فيه عن الخطأ و السهو اكثر فهو اقوي %وارجح
ذكر الشيخ الشيخ عالء الدين عبد العزيز البخاري في كشف االسرار _ إذا قال الشيخ حدثني فالن بكذا
أو أخبرني أو سمعت فالنا يقول كذا يلزم السامع العمل بهذا الخبر ويجوز له الرواية عنه بقوله حدثني
64
أو أخبرني مطلقا أو بقوله قال فالن أو سمعته يقول"
مقدمة ابن الصالح = معرفة أنواع علوم الحديث -ت عتر — ابن الصالح (ت )٦٤٣ص ١٣٧
كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص ٤١/٣–٣٩/٣
البحر المحيط في أصول الفقه — بدر الدين الزركشي (ت ٣٠٩/٦)٧٩٤
فتح المغيث ص ١٧٢/٢
63اإللماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد %السماع — القاضي عياض (ت )٥٤٤ص١٢٢/١
64كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص٣٩/٣
41
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
أجود العبارة وأحوطها %ألداء من سمع بالعرض أن يقول( :قرأت) على فالن إن كان هو الذي قرأ( ،أو
قرى) على فالن وأنا أسمع إن سمع عليه بقراءة غيره.ويتلوه قول :حدثنا ،أو :أخبرنا ،مقيدا بقيد :قراءة
عليه ،ونحو ذلك.
واختلفوا في استعمال :حدثنا وأخبرنا %مطلقتين ،
فمنع ابن المبارك وأحمد بن حنبل والنسائي %وغيرهم.
وجوزهما %الزهري ومالك وسفيان بن عيينة وغيرهم .وهو مذهب البخاري.
والمذهب الثالث :أنه يجوز إطالق أخبرنا ،وال يجوز %إطالق حدثنا ،وهو مذهب الشافعي وأصحابه،
ومسلم وجمهور %أهل المشرق ،وهو
65
الشائع الغالب اآلن.
وال يجوز(فى العرض) أن يقول سمعت وال أملى على وجاز أن يقول القارىء والسامع حدثنى فالن
وأخبرنى %فالن في احدى الروايتين نقلها إسحاق بن إبراهيم واختارها أبو بكر والقاضى %وبها قالت
66
الشافعية والحنفية .
قال :وسمعت مالك بن أنس وسفيان وسألت أبا حنيفة عن الرجل يقرأ عليه الحديث يقول :أخبرنا أو
كالما ً هذا معناه ،فقالوا :ال بأس .
وعن أبي عاصم أخبرني %ابنُ ج َُريج وابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك بن أنس واألوزاعي والثوري %كلُّهم
يقولون :ال بأس إذا قرأت على العالم أن تقول :أخبرنا .
وقال أبو قطن فيما رواه الطحاوي %:قال لي أبو حنيفة :اقرأ عليَّ وقُلَْ :ح َّدثني .وقال لي مالك :اقرأ علي
وقل :حدثني. %
65شرح ألفية العراقي -ابن العيني — ابن العيني (ت )٨٩٣ص ١٨٠/١و إشراقات األصول في علم حديث الرسول -مجلة التراث النبوي
— جالل الدين القايني (ت )٨٣٨ص ٢٧٠
66المسودة في أصول الفقه — مجد الدين بن تيمية (ت )٦٥٢ص٢٨٣/١
42
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
قال الطحاوي %:حدثنا َر ْو ُح بن ال َف َرج ،أنا ابن ُب َكيْر ،قال :لَمَّا َف َر ْغ َنا من قراءة الموطأ على مالك قام إليه
رجل فقال :يا أبا عبد هللا كيف نقول في هذا ؟ فقال :إن شئت فقل :حدثني ،وإن شئت فقل:
أخبرني،وإن شئت فقل :أخبرنا قال وأراه قد قال :وإن شئت فقل :سمعت
67
قال الطحاوى %:وممن قال بهذا أبو حنيفة ،وأبو يوسف ،ومحمد .
نقل شمس األئمة السرخسي %عن ابي حنيفة رحمه هللا ،قال أبو حنيفة "أن قراءتك على المحدث أقوى%
من قراءة المحدث عليك .قال :وإنما كان ذلك لرسول هللا ﷺ خاصة؛ ألنه مأمون من السهو؛ وألنه كان
يذكر ما يذكره حفظا وال يكتب ،وإنما كالمنا فيمن يخبر عن كتابه ال عن حفظه ،حتى إذا كان يروي%
68
عن كتاب فالجانبان سواء في نفس التحديث بما في الكتاب" ،
نقل الخطيب البغدادي في الكفاية قول ابي يوسف ،قال :سألت أبا حنيفة عن رجل عرض على رجل
حديثا ،هل يجوز يحدث به عنه؟ قال :نعم يجوز %أن يقول :حدثني فالن ،وسمعت فالنا ،وهذا مثل قول
الرجل يقرأ عليه الصك فيقر به فيجوز لك أن تقول :أقر عندي فالن بجميع ما في هذا الكتاب ،وإنما
69
سمعت نعم،
أما الكتاب فهو ان يكتب المح ّدث الي الطالب على رسم الكتب (وذلك بأن يكون مختوما %بختم معروف
معنونا ،وهو أن يكتب فيه قبل التسمية من فالن بن فالن إلى فالن بن فالن ثم يبدأ بالتسمية ثم بالثناء ثم
بالمقصود ) ويقول فيه حدثنا فالن إلى أن يذكر متن الحديث ثم يقول فإذا بلغك كتابي هذا وفهمته فحدث
به عني لهذا اإلسناد
الجواهر المضية فى طبقات الحنفية -ت الحلو — عبد القادر القرشي (ت )٧٧٥ص ٣١/١ 67
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي — الخطيب البغدادي (ت )٤٦٣ص ٢٧٩/١ 69
43
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
أما الرسالة وهى أن يقول المحدث للرسول بلغ عني فالنا أنه قد حدثني بهذا الحديث فالن بن فالن،
ويذكر إسناده فإذا بلغك رسالتي هذه فاروه عني بهذا اإلسناد .
هذان ايضا من طرق تحمل الحديث فيجوز %للمكتوب اليه او المرسل اليه ان يروي الحديث بالسند
المذكور.
ألن الكتاب والرسالة إلى الغائب بمنزلة الخطاب للحاضر شرعا وعرفا %أما شرعا فألن النبي ﷺ كان
مأمورا بتبليغ الرسالة إلى الناس كافة ،وقد %بلغ الغيب بالكتاب والرسالة كما بلغ الحضور بالخطاب
وكذلك الطالق والعتاق وسائر %العقود المتعلقة بالكالم يثبت بهما كما يثبت بالخطاب،
وأما عرفا فألن الناس يعدونهما مثل الخطاب حتى قلد الخلفاء والملوك القضاء واإلمارة واإليالة بالكتاب
والرسالة كما قلدوها بالمشافهة وعدوا مخالفهما مخالفا لألمر فعرفنا %أنهما مثل الخطاب فكانا من باب
العزيمة
والدليل على صحة هذين القسمين فى الحديث أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان مأمورا %بتبليغ رساالته
وقد بلغ الى قوم %مشافهة وإلى آخرين بالكتاب والرسول %فقد بعث النبي صلى هللا عليه وسلم %دحيهدة
الكلبى الى هرقل عظيم الروم (البخاري كتاب بدء الوحي ،باب ) ٦وكذلك بعث النبي صلى هللا عليه
وسلم معاذا الى اليمن (.البخاري كتاب الزكاة ،باب وجوب الزكاة () )١٣٩٥
اشتراط البينة:
70انظر كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص ٤١/٣
كنز االصول لفخر االسالم البزداوي ص ١٨٥–١٨٣
44
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
لكن هذا ليس مذهب اكثر المحققين من المتأخين ولهذا اجاب ابن الهمام عن قول ابي حنيفة رحمه هللا
(بال َّداعِ َيةِ) إلَى َترْ ِوي ِج َها ب ْال َقاضِ ي إلَى ْال َقاضِ ي َو َما َنحْ نُ فِي ِه ِ (واَل َي ْل َز ُم ِك َتابُ ْال َقاضِ ي لِاِل ْخ ِتاَل فِ ) َبي َْن ِك َتا ِ َ
اط َها %فِي َما َنحْ نُ فِي ِه َفاَل َج َر َم َأنَّ فِي ُأص ِ ْ ب ْال َقاضِ ي ا ْشت َِر ُ ْث اَل َي ْل َز ُم مِنْ ا ْشت َِراطِ َها فِي ِك َتا ِ ِب َحي ُ
ُول الفِ ْق ِه لِل َّشي ِ
ْخ
ت ِم ْن ُهص َّح عِ ْن َدهُ َأ َّن ُه ِك َتا ُب ُه إمَّا ِب َق ْو ِل ِث َق ٍة َأ ْو ِب َعاَل َما ٍ ث َفِإ َّن ُه إ َذا َب إلَ ْي ِه ِب َحدِي ٍ ازيِّ َوَأمَّا َمنْ َك َت َ ِبي َب ْك ٍر الرَّ ِ
َأ
وب إلَ ْي ِه ْال ِك َتابُ َأنْ َيقُو َل َأ ْخ َب َرنِي فُاَل نٌ َيعْ نِي ْال َكات َ
ِب س َأ َّن ُه ِك َتا ُب ُه َفِإ َّن ُه َي َس ُع ْال َم ْك ُت َ
َو َخ ٍّط َي ْغلِبُ َم َع َها فِي ال َّن ْف ِ
72
إلَ ْي ِه َواَل َيقُو ُل َح َّد َثنِي.
_٢ثم ذكر الشيخ ''ولهذا قلنا فيمن حلف ال يحدث بكذا وال يكلم به أنه ال يحنث بالكتاب والرسالة
73
بخالف ما حلف ال يخبر بكذا أنه يحنث بذلك ،وأما الرخصة فما ال أسماع فيه''.
وقد خالفهم اكثر المحدثين وقالوا اليجوز %من االلفاظ اال ما هي ظالة على الكتابة أو الرسالة
قال ابن الصالح ''والمختار قول من يقول في المكاتبة كتب إلى فالن قال :حدثنا فالن بكذا وكذا.وهذا
74
هو الصحيح الالئق بمذاهب أهل التحري والنزاهة.
وهكذا لو قال :أخبرني %به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من العبارات.
قال االمام االنووي %في شرحه على مسلم "وقد أكثر البخاري ومسلم وسائر %المحدثين والمصنفين في
تصانيفهم من االحتجاج بالمكاتبة فيقول الراوي منهم وممن قبلهم كتب إلي فالن كذا أو كتب إلي فالن
75
قال حدثنا فالن أو أخبرني مكاتبة ".
76
فائدة :المكاتبة المقرونة بلفظ اإلجازة فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة باإلجازة.
االجازة :
تعريفها:
ً
لغة :
اإلجازة مأخوذة من جواز %الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال :استجزت فالنا فأجازني ،إذا
أسقاك ماء ألرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه فعلى هذا
للمجيز أن يقول أجزت فالنا مسموعاتي أو مروياتي فيعد به بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر
لفظ الرواية ،ويحتاج إلى ذلك من يجعل اإلجازة بمعنى التسويغ واإلذن واإلباحة وذلك هو المعروف%
فتقول أجزت لفالن رواية مسموعاتي مثال ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي %فعلى سبيل الحذف الذي
ال يخفى نظيره.
اصطالحا:
أن يقول المجيز لغيره إن فالنا قد حدثنا بما في هذا الكتاب على ما فهمته بأسانيده هذه فأنا أحدثك منه
وأجزت لك الحديث به فيصح اإلجازة على هذا الوجه إذا كان المستجيز مأمونا بالضبط %والفهم
او أن يقول المحدث لغيره أجزت لك أن تروي %عني هذا الكتاب الذي حدثني به فالن ويبين إسناده
أو يقول أجزت لك أن تروي %عني جميع ما صح عندك من مسموعاتي %وحينئذ %يجب تعيين المسموع من
غيره
األصح ما ذكره شمس األئمة السرخسي "أن األحوط %أن يقول :أجاز لي فالن وإن قال :أخبرني فهو
78
جائز أيضا وال ينبغي أن يقول :حدثني؛ فإن ذلك يختص باإلسماع ولم يوجد".
ومختار العالمه البزدوي " %المستحب في ذلك أن يقول :أجاز لي فالن (هذه هي العزيمة) ويجوز %أن
يقول :حدثني أو أخبرني %واألول أن يقول :أجاز لي ويجوز %أخبرني؛ ألن ذلك دون المشافهة("،هذه هي
الرخصة
( )٢وإن لم يعلم المجاز له ما في الكتاب فإن كان الكتاب محتمال للزيادة والنقصان غير مأمون عن
التغيير ال يحل له الرواية باالتفاق
( )٣وإن كان مأمونا عن التغيير %غير محتمل للزيادة والنقصان مع عدم العلم المجاز له بما في الكتاب
فان هذا محل النزاع
وال نص عن ابي حنيفة رحمه هللا واصحابيه في عين هذه المسالة وانما النص عنهم يوجد فى مسألة
كتاب القاضي إلى القاضي والرسائل أن علم ما فيهما شرط لصحة اإلشهاد عندهما خالفا ألبي يوسف
وإنما جوز ذلك أبو يوسف فيما كان من باب اإلسرار %في العادة حتى ال يجوز في الصكوك .فاختلف%
اصحاب التخريج في اشتراط %العلم للمجاز له بما في الكتاب وعدمه بناء على مسالة الكتاب القاضي الى
80
القاضى .
حاصل ما قال العالمة الدبوسي %اوإبن الهمام إذا لم يعلم المجاز له ما في الكتاب ال تصح الرواية عند
ابي حنيفة ومحمد رحمهما هللا وتصح عند ابي يوسف %رحمه هللا تعالى على قِ َياس ْ
اختاَل فه ْم فِي كتاب
ال َقاضِ ي ِإلَى ال َقاضِ ي َوكتاب ال َّش َها َدة كما قلنا ،لكن االحتياط فيما قاله أبو حنيفة ومحمد %رحمهما هللا كذا
قال الدبوسي %
أنظر نص الدبوسي :
فأما إذا قال له الراوي :أجزت لك الحديث عني بما فيه ،والسامع غير عالم به فال يحل له ،فإنا قد ذكرنا
أنه لو سمع ،ولم يعلم لم يحل فكيف اإلجازة.
وهذا كما قالوا في القاضي يشهد الشاهد على كتابه أو المقر على صك عليه ،والشاهد ال علم له بما فيه
أن شهادته باطلة.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد رحمهما هللا ،وقال أبو يوسف %:جائز ذلك إذا كان الكتاب معلوما بنفسه
وصورته بحيث يعلم ما يزاد فيه أو ينقص منه ،فأما ما كان على غير ذلك ينبغي أن ال يحل بحال ألنه
ال يدري عند الشهادة أنه ذلك إال أن يشهد على كتاب ويسلمه إلى الشاهد فيصير %كالمختوم.
واالحتياط %فيما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما هللا ،ألنه إذا لم يعلم بما فيه كان الضبط بالخط والختم وكل
ذلك يحتمل التغيير فإن الخط يشبه الخط والكتاب يشبه الكتاب وكذلك الختم.
81
ثم اإلجازة إذا صحت كانت كالسماع %وحلت الرواية بحدثنا ،أو خبرنا %جميعا ألنهما خطاب.انتهى_
حاصل ما قال الجصّاص والسرخسي %وكذلك البزدوي ان المجاز له اذا لم يعلم بما في الكتاب ال تصح
سن ابو يوسف %في كتاب ال َقاضِ ي ِإلَى ال َقاضِ ي
الروايه عند ائمتنا الثالثة دون اي خالف ،وإنما اسْ تحْ َ
َوكتاب ال َّش َها َدة لضرورة إشتمالها على االسرار فى كثير من األحيان وهذه الضرورة معدومة في كتب
األخبار ألن الخبر أصل الدين و أمره عظيم .
يف تجوز الرِّ َوا َية ِب َه َذا ْالقدر وإسماع %الصّبيان الَّذين اَل
لم يكن َما فِي ْالكتاب َمعْ لُوما لَ ُه دون َذلِك َك َ
84
يميزون َواَل يفهمون نوع تبرك استحسنه ال َّناس َفَأما َأن يثبت ِبمثلِ ِه نقل ال ّدين َفاَل .انتهى
أنظر نص البزدوي:
وإذا لم يعلم بما فيه بطلت اإلجازة عند أبي حنيفة ومحمد %رحمهما هللا وصح في قياس قول أبي يوسف
﵀ وأصل ذلك في كتاب القاضي إلى القاضي والرسائل أن علم ما فيهما %شرط لصحة اإلشهاد عندهما
خالفا ألبي يوسف%
وإنما جوز ذلك أبو يوسف فيما كان من باب اإلسرار %في العادة حتى ال يجوز في الصكوك
ثم قال البزدوي واألحوط قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما هللا .ويحتمل أن يكون قول أبي يوسف %مثله
أيضا؛ ألن السنة أصل في الدين وأمرها عظيم وخطبها %جسيم وفي تصحيح اإلجازة من غير علم
85
ومعرفة رفع االبتالء وحسم لباب المجاهدة وفتح لباب التقصير والبدعة.
الراجح فى المسألة :
الراجح في هذه المساله هو ما اختاره االمام ابو يوسف رحمه هللا كما رجحه محقق المتاخرين وذلك الن
الضرورة داعيه والحاجه ماسة الى تصحيح مثل هذه االجازة الن المحدث يحتاج الى تبليغ ما صح عنده
ليتصل االسناد %ويبقى الدين وقد ظهر التكاسل والتواني %في امور الدين وربما %ال يتيسر للطالب القراءه
عليه وفي اشتراط %العلم بما فيه نوع تنفير فجوز اإلجازة بال علم للضرور فابو %يوسف رحمه هللا يجوز
االجازه بغير علم ما فيه كما جوز في كتاب القاضي الن جنس الضروره يشملهما %وان لم توجد عين تلك
86
الذروره بعينها وهي االشتمال على االسرار .
عبارة البزدوي في كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص٤٤/٣ 85
المناولة :
المناولة قسمان
األول :المناولة المقرونة باالجازة وهي أن يعطي الشيخ كتاب سماعه بيده إلى المستجيز ويقول هذا
كتابي وسماعي عن شيخي فالن فقد أجزت لك أن تروي %عني
والثاني :المناولة المجردة عن اإلجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره يقتصر على قوله هذا من حديثي
أو من سماعاتي وال يقول اروه عني أو أجزت لك روايته عني ونحو %ذلك
حكمهما :
( )١المناولة المقرونة باالجازة حكمها مثل اإلجازة المفردة مع جميع تفاصيلها %التي قد مرّ من اشتراط
العلم بما في الكتاب أو عدم اشتراطه فليست هي اال لتأكيد االجازة ألن مجرد المناولة بدون اإلجازة
غير معتبر واإلجازة بدون المناولة فكان االعتبار لإلجازة دون المناولة غير أنها زيادة تكلف أحدثها
بعض المحدثين تأكيدا لإلجازة فكانت المناولة قسما %من اإلجازة
وهي أعلى أنواع اإلجازة على اإلطالق ،ولها صور منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو
فرعا مقابال به ويقول هذا سماعي أو روايتي %عن فالن فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم تملكه
إياه أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو هذا .ومنها %أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب أو
جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ ،وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما
فيه ،وهو حديثي %عن فالن أو روايتي %عن شيوخي فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ،وقد %سمى
هذا غير واحد من أئمة الحديث عرضا ،وقد قلنا إن القراءة على الشيخ تسمى عرضا أيضا إال أن األول
يسمى عرض القراءة وهذا عرض المناولة،
( )٢فهذه مناولة مختلة ال يجوز الرواية بها وعليها غير واحد من الفقهاء واألصوليين وعابوا على
المحدثين الذين أجازوها %وسوغوا %الرواية بها ،وحكي %عن جماعة أنهم صححوها مثل ابن جريج وأبي
87
نصر بن الصباغ وأبي العباس بن الوليد والقاضي أبي محمد بن خالد وغيرهم .
استفدت هذا من كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص٤٦/٣–٤٣/٣ 87
فلهذا النقل بهذا الطريق جائز عند ابي حنيفة وصاحبيه رحمهم هللا
أما اإلمام:
وهو ما ال يذ ّكر شيأ
النقل بهذا الطريق ال يجوز %عند ابي حنيفة رحمه هللا خالفا لصاحبيه
الن أبا حنيفة قال "ال يجوز له أن يعتمد الكتاب ما لم يتذكر ألن النظر في الكتاب لمعرفة القلب كالنظر%
في المرآة للرؤية بالعين ثم النظر في المرآة إذا لم تفده إدراكا ال يكون معتبرا فالنظر في الكتاب إذا لم
طبقات الحنفية للحافظ عبد القادرالقرشي ص ۳۰ : ۱و ۳۱و ۳۲الطبعة األولى. 88
53
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
يفده تذكرا يكون هدرا وهذا ألن الرواية والشهادة وتنفيذ القضاء ال يكون إال بعلم والخط يشبه الخط
فبصورة الخط ال يستفيد علما من غير التذكر وما كان الفساد في سائر األديان إال باالعتماد على الصور
89
بدون المعنى" .
وايضا روي (عن) اإلمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي( %المنع) ،وأنه ال حجة إال فيما رواه الراوي
من حفظه وتذكره للمروي %تفصيال من حين سمعه إلى أن يؤديه.
قال ابن معين فيما رواه الخطيب :كان
90
أبو حنيفة يقول :ال يحدث الرجل إال بما يعرف ويحفظ.
طرق األداء
وهى على قسمين ايضا:
( )١العزيمة
وهو ان يودي كما سمع من شيخه وال خالف في اولويته كما قال رسول ﷺَ « :نض ََّر هَّللا ُ ام َْرًأ َسم َِع
91
َم َقالَتِي َف َو َعا َها َو َحفِ َظ َها َو َبلَّ َغ َهاَ ،فرُبَّ َحام ِِل فِ ْق ٍه ِإلَى َمنْ ه َُو َأ ْف َق ُه ِم ْنهُ»
( )٢والرخصة
وهي أن يروي بالمعنى
اختلف العلماء في جواز الرواية بالمعنى اختالفا كثيرا فقال طائفة من أصحاب الحديث والفقه واألصول:
ال يجوز له الرواية بالمعنى كذلك ،بل يتعين اللفظ ،وإليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من
الحنفية ،وهو مروي عن ابن عمر ،وجوز بعضهم %ذلك في غير حديث النبي ،ولم يجوزه في الحديث
والكالم في الحديث،
89كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص ٥٠/٣
أصول السرخسي = تمهيد الفصول في األصول — شمس األئمة السرخسي (ت )٤٨٣ص ٣٥٧/١
90فتح المغيث %بشرح ألفية الحديث ص ___١٢٤ / ٣شمس الدين السخاوي (ت )٩٠٢
91سنن الترمذي -ت شاكر — أبو عيسى الترمذي (ت )٢٧٩
54
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
والذي ظهر لي من كالم العالمة المال على القاري رحمه هللا ان الروايه بالمعنى ال تجوز عند ابي حنيفة
رحمه هللا تعالى حيث ذكر
المال على القاري رحمه هللا في "شرح مسند أبي حنيفة" ما أخرجه الطحاوي %حدثنا سليمان بن شعيب،
حدثنا أبي قال :أملى علينا أبو يوسف %،قال قال أبو حنيفة :ال ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إال ما
يحفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدث به ،
ثم قال :وحاصله :أنه لم يجوز له الرواية بالمعنى ،ولو كان مرادفا للمبنى خالفا للجمهور من المحدثين،
92
فإنهم جوزوا %رواية المعنى ال سيما عند نسيان المبنى .فقلّت رواية أبي حنيفة لهذه العلة الشريفة،
لكن المعتمد في ذلك هو قول المتاخرين من الحنفية و جمهور %العلماء من الفقهاء والمحدثين :بجواز
الرواية بالمعنى من مشتغل بالعلم ناقد %لوجوه تصرف %األلفاظ ،على أال يكون الحديث متعبدا بلفظه ،وأال
93
يكون من جوامع كلم النبي ﷺ .
2وأورده أبو بكر الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية في معرفة أصول علم الرواية ،وباتفاق الصحابة
على روايتهم بعض األوامر %والنواهي %بألفاظهم مثل ما روى %صفوان بن عسال المرادي %أن «النبي ﷺ
كان يأمرنا إذا كنا سفرا أن ال ننزع خفافنا ثالثة أيام ولياليها» %الحديث.
وما روى «أبو محذورة رضى هللا عنه أنه ﷺ أمره بالترجيع» وما روى %عامر بن سعيد عن أبيه قال
«أمر النبي ﷺ بقتل الوزغ وسماه فويسقا» وما روى جابر رضى هللا عنه أنه ﷺ «نهى عن المحاقلة
والمزابنة ورخص في العرايا»
وما روى أنس رضى هللا عنه أنه ﷺ «نهى عن بيع الثمار حتى تزهي»
وما روى أبو هريرة رضي هللا عنه انه ﷺ «نهى عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة»
وما روى حكيم بن حزام أو غيره أنه ﷺ «نهى عن بيع ما ليس عند اإلنسان ورخص في السلم» في
شواهد لها كثيرة ال تحصى %فحكوا معاني خطابه من غير قصد إلى لفظه إذ لم يقولوا قال النبي ﷺ
افعلوا كذا أو ال تفعلوا كذا ،وكانوا %ينقلون أيضا الحديث الواحد الذي جرى في مجلس واحد في واقعة
معينة بألفاظ مختلفة ،مثل ما روي في حديث «األعرابي الذي بال في المسجد ودعا بعد الفراغ فقال
اللهم ارحمني ومحمدا %وال ترحم بعدنا أحدا أنه ﵇ قال له لقد تحجرت واسعا» وروي %لقد ضيقت واسعا
لقد منعت واسعا ومثل ما روي في الحديث الذي رواه مسلم ﵀ رحم هللا امرأ ،مكان نضر هللا وروي
فرب حامل فقه ال فقه له مكان غير فقيه ولم ينكر عليهم أحد في جميع ما قلنا فكان ذلك إجماعا منهم
94
على الجواز.
3قال الترمذي« %ت ٢٧٩هـ»« :فأما من أقام اإلسناد وحفظه وغير اللفظ ،فإن هذا واسع عند أهل العلم
95
إذا لم يتغير المعنى»
4ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ،القصة الواحدة تروى %عن جمع من الصحابة بألفاظ
مختلفة ،فهذا يدل على جواز الرواية بالمعنى ،
5قال ابن حجر :ومن أقوى حججهم اإلجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به ،فإذا
96
جاز اإلبدال بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى'،
والسنة في هذا الباب أنواع :ما يكون محكما ال يشتبه معناه وال يحتمل غير ما وضع له ،وظاهر %يحتمل
غير ما ظهر من معناه من عام يحتمل الخصوص أو حقيقة يحتمل المجاز ،ومشكل %أو مشترك ال يعمل
94كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص٥٦/٣
العلل الصغير للترمذي ص .٧٤٦ 95
به إال بتأويل ،ومجمل أو متشابه ،وقد %يكون من جوامع الكلم التي اختص بها رسول هللا ﵇ قال ﵇ فيما
يحكي من اختصاصه «وأوتيت جوامع الكلم» فهي خمسة أقسام:
أما األول فال بأس لمن له بصر بوجوه اللغة أن ينقله إلى لفظ يؤدي معناه؛ ألنه إذا كان محكما مفسرا
أمن فيه الغلط على أهل العلم بوجوه اللغة فثبت النقل رخصة وتيسيرا ،وقد ثبت في كتاب هللا ضرب من
الرخصة مع أن النظم معجز قال النبي ﷺ «أنزل القرآن على سبعة أحرف» وإنما ثبت ذلك ببركة
دعوة النبي ﵇ غير أن ذلك رخصة إسقاط وهذه رخصة تخفيف وتيسير مع قيام األصل على نحو ما مر
تقسيمه في باب العزيمة والرخصة.
وأما القسم الثاني فال رخصة فيه إال لمن حوى إلى علم اللغة فقه الشريعة (كشف) والعلم بطريق%
االجتهاد؛ ألنه إذا لم يكن (ثالث) كذلك ال يؤمن عليه أن ينقله إلى ما ال يحتمل ما احتمله اللفظ المنقول
من خصوص أو مجاز ولعل المحتمل هو المراد ولعله يزيده عموما فيخل بمعانيه فقها وشريعة.
وأما القسم الثالث فال يخل فيه النقل؛ ألنه ال يفهم معناه إال بتأويل %وتأويله على غيره ليس بحجة.
وأما الرابع فال يتصور فيه النقل لما مر أن المجمل ما ال يفهم مراده إال بالتفسير والمتشابه ما انسد علينا
باب دركه وابتلينا بالكف عنه.
وأما الخامس فإنه ال يؤمن فيه الغلط إلحاطة الجوامع بمعان قد يقصر عنها عقول ذوي األلباب ،وكل
مكلف بما في وسعه ،وذلك مثل قول النبي ﵇ «والخراج بالضمان» وذلك أكثر من أن يحصى ويعد
97
ومن مشايخنا من لم يفصل بين الجوامع وغيرها لكن هذا أحوط الوجهين عندنا وهللا أعلم بالصواب.
كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي — عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت )٧٣٠ص٥٧/٣ 97
57
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
المطلب السادس%
قال العراقي( %ت )٨٠٦فى ''التقييد واإليضاح %شرح مقدمة ابن الصالح " وأما من ارتد منهم في حياته
وبعد موته ثم عاد إلى اإلسالم بعد موته ﷺ كاألشعث بن قيس ففي عود الصحبة له نظر عند من يقول
98
إن الردة محبطة للعمل وإن لم يتصل بها الموت وهو قول أبي حنيفة.
وقال ايضا في موضع آخر "وفي دخول من لقيه مسلما ثم ارتد ثم أسلم بعد وفاة النبي ﷺ في الصحابة
نظر كبير ،فإن الردة محبطة للعمل عند أبي حنيفة ،ونص عليه الشافعي %في األم ،وإن كان الرافعي %قد
حكى عنه أنها إنما تحبط بشرط %اتصالها %بالموت ،وحينئذ فالظاهر %أنها محبطة للصحبة المتقدمة ،كقرة
بن هبيرة ،وكاألشعث %بن قيس أما من رجع إلى اإلسالم في حياته ،كعبد هللا بن أبي سرح ،فال مانع من
99
دخوله في الصحبة بدخوله الثاني في اإلسالم ،وهللا أعلم" .
وذكر مالّ علي القاري رحمه هللا تعالى في شرح نخبة الفكر ' َو َقا َل ْالحلَ ِبي فِي َ
«حاشِ َية شِ َفاء ال َقاضِ ي»:
أخرج لأل ْش َعث َه َذا اَأْلِئمَّة [ال ِّس َّتة] َوأحمد فِي ْالمسندَ ،وقد صرح ِبَأ َّن ُه َ
ص َح ِابيّ َ ،و َه َذا ِإ َّن َما يتمشى عِ ْند من
98التقييد واإليضاح شرح مقدمة ابن الصالح — العراقي (ت )٨٠٦ص٢٩٢
َيقُولِ :إن الرِّ دة ِإ َّن َما ُتحبط ِب َشرْ ط َأن تتصل ِب ْال َم ْوتِ ،أما َمن َيقُولِ :إن الرِّ دة ُتبطل َوِإن لم تتصل
عبارة ال َّشافِعِي َما يدل على َه َذاَ ،ك َذا َقالَه بعض
َ [ب ْال َم ْوتِ] َفاَل يعدو َه َذا ال َق ْول َقول أبي حني َفةَ ،وفِي
ِ
مشايخي ،لَكِن الَّذِي َح َكاهُ الرَّ افِعِيّ َعن ال َّشافِعِيِ %:إ َّن َها ِإ َّن َما ُتحبط ِب َشرْ ط %اتصالهاْ %لل َم ْوت َوهللا ُسب َْحا َن ُه
100
أعلم.
ولكن علماء األمة اإلسالمية اختلفوا في تفضيل عثمان وعليّ رضي هللا عنهما كل منهما على اآلخر'
قال ابن كثير ''والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم "علي" على "عثمان".
ويحكى عن سفيان الثوري ،لكن يقال إنه رجع عنه.
102
ونقل مثله عن وكيع بن الجراح ،ونصره ابن خزيمة والخطابي ،وهو ضعيف مردود بما تقدم''.
وروي %هذا القول عن اإلمام أبي حنيفة فقد أسند إليه ابن عبد البر في االنتقاء قوله" :الجماعة أن تفضل
٣أبا بكر وعمر وعليا وعثمان وما تتنقص أحدا من أصحاب رسول %هللا ﷺ . " ...
وجاء في السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني أن نوح بن أبي مريم سأل أبا حنيفة عن مذهب أهل
السنة فقال" :أن تفضل أبا بكر وعمر وتحب عليا وعثمان " ...
وجاء في مناقب أبي حنيفة للمكي" :كان أبو حنيفة يفضل أبا بكر على أصحاب النبي ﷺ ثم عمر ،ثم
يقول علي وعثمان".
وقال ابن أبي العز" :وقد روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان رضي %هللا تعالى عنه
ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على علي ،وعلى هذا عامة أهل السنة" فقوله روي بصيغة التمريض؛
وهي تشعر بعدم ثبوت هذه الرواية عن اإلمام أبي حنيفة .ولعله قد استند على ما روي عن اإلمام أبي
حنيفة في غير ما موضع من أنه كان يفضل أبا بكر وعمر ويحب عليا وعثمان فقوله" :علي وعثمان" ال
يقتضي تقديم علي على عثمان ألن الوار في اللغة العربية لمطلق الجمع ،وألن التقديم الذكري ال يستلزم%
التقديم في الفضل ،فالذي استقر عليه اإلمام أبو حنيفة هو تفضيل عثمان على علي دل على ذلك قوله:
"وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصالة والسالم أبوبكر الصديق %ثم عمر بن الخطاب الفاروق %ثم عثمان
بن عفان ذو النورين ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين عابدين ثابتين
على الحق ومع الحق نتوالهم %جميعا"ويقول" %:ونقر بأن أفضل هذه األمة بعد نبينا محمد ﷺ :أبو بكر
الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان هللا عليهم أجمعين"
وقال" :أفضل الناس بعد رسول هللا ﷺ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،ثم نكف عن جميع أصحاب
رسول هللا ﷺ إال بذكر جميل"
وهذا ما قرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال:
"ونثبت الخالفة بعد رسول هللا ﷺ أوال ألبي بكر الصديق %رضي هللا عنه تفضيال وتقديما %على جميع
األمة ،ثم لعمر بن الخطاب رضي %هللا عنه ،ثم لعثمان رضي هللا عنه ،ثم لعلي بن أبي طالب رضي هللا
عنه ،وهم الخلفاء الراشدون واألئمة المهتدون"
وهذا ما استقر عليه أئمة الفقه كالشافعي %ومالك في إحدى الروايتين.
وفي هذا يقول ابن تيمية" :وجمهور %الناس فضلوا عثمان وعليه استقر أمر أهل السنة ،وعليه أئمة الفقه
103
كالشافعي %وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك" .
ّأول من أسلم :
أصول الدين عند اإلمام أبي حنيفة — محمد بن عبد الرحمن الخميس (معاصر) ص ٥٤٧ 103
➔ شرح العقيدة الطحاوية -البراك — عبد الرحمن بن ناصر البراك (معاصر) ص ٣٦٤
60
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
روى الحاكم في ترجمة أحمد بن عباس بن حمزة الواعظ من تاريخ نيسابور من طريق أبي مسهر :ثنا
سعيد بن عبد العزيز قال :كان أبو حنيفة يقول :أول من أسلم من الرجال أبو بكر ،ومن النساء خديجة،
ومن الصبيان علي .وكان البرهان التنوخي يقول :األولى أن يقال :ومن غير البالغين علي ،وهو
104
حسن.
قال ابن الصالح وتبعه المصنف (وهو االمام النووي) (واألورع أن يقال ):أول من أسلم (من الرجال
األحرار أبو بكر ،ومن الصبيان علي ،ومن النساء خديجة ،ومن الموالي زيد ،ومن العبيد بالل) .
105
قال البرماوي :ويحكى هذا الجمع عن أبي حنيفة.
104فتح المغيث بشرح ألفية الحديث — شمس الدين السخاوي (ت )٩٠٢ص ١٢٧/٤
105تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي — الجالل السيوطي (ت )٩١١ص ٦٩١/٢
61
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه
_٢وإن لم يُعلم يرجح بوجوه الترجيح من فقه الرواة مثال كما قال ابن الهمام فى فتح القدير بعد سرد
مناظرة االمام ابي حنيفة رحمه هللا مع االوزعي " فرجح بفقه الرواة كما رجح األوزاعي بعلو اإلسناد%
106
وهو المذهب المنصور %عندنا".
_٣وإن لم يمكن الترجيح يجمع
_٤تركا أي المتعارضان إلى ما دونهما من األدلة على الترتيب إن كان أي وجد ما دونهما بأن كان
التعارض بين آيتين فإنهما %يتركان إلى السنة إن كانت ولم تكن متعارضة فإن لم يوجد في ذلك سنة أو
وجدت لكن متعارضة ففخر اإلسالم تركها إلى القياس وأقوال الصحابة.
107
_٥واال قررت الصول أي يجب العمل باألصل في جميع ما يتعلق بالمتعارضين .
هذه الطريقة اختارها االحناف و اكثر األصوليين
108
واما مذهب األئمة الثالثة فالجمع اوال ان امكن واال حكمه النسخ ان علم المتأخر وإال فالترجيح وإال فالتوقف .
تمّت بالخير
106فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته ط الحلبي — الكمال بن الهمام (ت )٨٦١ص ٣١١/١
107التحرير البن الهمام ص ٢٦٢
التقرير والتحبير %علي تحرير الكمال بن الهمام — ابن أمير حاج (ت )٨٧٩
فهرس الموضوعات
المقدمة١ .........................................................................................................
65
منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه