Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 68

‫الجامعة البنور ّية العالم ّية – كراتشي‬

‫‪Binoria Internationaln University Karachi‬‬

‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول‬


‫الحديث وعلومه‬
‫اشراف‬
‫فضيلة الشيخ الدكتور محمد يعقوب بلياوي‬

‫إعداد الباحث‬
‫إرجاع الحسن بن عبد الكريم جسري‬

‫العام الجامعي‬
‫‪ 1444-1445‬الهجري الموافق ‪2024-2023‬م‬
‫‪1‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المقدمة‬

‫‪          ‬الحمــد هلل رب العالمين والصالة والسـالم‪ %‬على أكرم خلق هللا أجمعين ومن بعثه هللا إلى الناس‬
‫كافة بشيراً ونذيراً‪ %‬وداعيا ً إلى هللا بإذنه وسراجاً‪ %‬منيراً وعلى صحابته الكرام رضي‪ %‬هللا عنهم جميعا ً‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫أمَّا َبعْ ُد‪ ‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب هللا تعالى‪ ،‬وأحسن الهدي‪ ،‬هدي محمد ﷺ وشر األمور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪ .‬‬
‫يق َخي ِْر ْال َخ ْل ِق َوَأ ْك َر ِم‬
‫ْف اَل َي ُكونُ َوه َُو َب َيانُ َط ِر ِ‪%‬‬ ‫ب ِإلَى َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ِين‪َ ،‬و َكي َ‬ ‫ث مِنْ َأ ْف َ‬
‫ض ِل ْالقُ َر ِ‬ ‫‪ ‬فِإنَّ عِ ْل َم ْال َحدِي ِ‬
‫ِين َواآْل خ ِِر َ‬
‫ين‪ ‬‬ ‫اَأْل َّول َ‬
‫وكذلك علم الحديث من العلوم التي انفرد بها المسلمون‪ ،‬وجاءوا فيها بما لم تأت بمثله أمة من األمم إلى‬
‫يوم الناس هذا‪ ،‬حتى قال قائلهم «ليفتخر المسلمون بعلم حديثهم ما شاءوا» ‪ ،1‬ولقد شرف هذا العلم؛‬
‫اللتصاقه بصاحب الوحي ﷺ‪ ،‬فإن هذا العلم إنما يُعنى بدراسة ما يُنسب إلى النبي ﷺ من أقوال أو‬
‫أفعال؛ ألن ما صح عنه ﷺ بمنزلة القرآن في ال َه ْدي‪ ،‬ألنه هو البيان عن القرآن‪ ،‬فيه تفصيل ما َ‬
‫أج َمل‬
‫القرآن‪ ،‬وإيضاح ما َأبهم‪ ،‬واستثناء ما استثناه هللا‪ ،‬وزيادة ما زاده هللا بالوحي‪ %‬إلى رسوله ﷺ‪ ،‬وهو في‬
‫كل ذلك يتعلق بكل كبيرة وصغيرة في حياة الفرد المسلم‪ ،‬وفي حياة الجماعة‪ ،‬وفي‪ %‬روابط هذه الجماعة‪،‬‬
‫وروابطها بغيرها من الجماعات ‪.2‬‬
‫ولذا فقد أفرغ أهل العلم جهدهم ووقتهم في ال َّتقعِيد وال َّتنظِ ير لهذا العلم الشريف‪.‬‬
‫وكان من بين هؤالء االمام االعظم االمام ابو حنيفة رحمه هللا تعالى‪  ،‬لقد أثر عن هذا اإلمام الجليل‬
‫أقوال ونسبت إليه آراء كثيرة في علم أصول الحديث وعلومه حيث تكلّم فيما ال يقل عن أثنين وعشرين‬
‫نوعا ً من هذا العلم والتي اشتملت على ما ال يقل عن خمسين مسألة في هذا المجال مما ي ّدل على عظم‬
‫الجهود التي بذلها هذا اإلمام في خدمة حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وصيانته ووضع القواعد‬
‫والضوابط‪ %‬لحفظه من الدسّ والكذب عليه ‪  .‬كما ي ّدل على أن هذا العلم اعتنى به علماء القرون األولى ‪.‬‬
‫وبتوفيق هللا تعالى قمت على الكتابه على هذا الموضوع‪ . %‬ونحن االن في مرحلة تعلم كتابه البحث‬
‫الفصلى ‪ .‬أسال هللا تعالى ان يسهل االمر لنا ويوفق هللا لنا ان نكمّل البحث‪ .‬امين!‪ ‬‬

‫‪ 1‬نقله العالمة المعلمي اليماني‪ ،‬عن المستشرق‪ ،‬مرجليوث‪ ،‬في مقدمة تحقيقه لكتاب الجرح والتعديل‬
‫‪ 2‬اقتباس من كالم أديب العربية الشيخ أبي فهر محمود محمد شاكر ﵀ في كتابه ‪( ...‬أباطيل وأسمار‪ ،‬ص ‪)١٩١‬‬
‫‪2‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫التعريف بالموضوع ‪:‬‬

‫لقد أثر عن هذا اإلمام الجليل أقوال ونسبت إليه آراء كثيرة في علم أصول الحديث وعلومه حيث تكلّم‬
‫فيما ال يقل عن أثنين وعشرين نوعا ً من هذا العلم والتي اشتملت على ما ال يقل عن خمسين مسألة في‬
‫هذا المجال مما ي ّدل على عظم الجهود التي بذلها هذا اإلمام في خدمة حديث رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم وصيانته ووضع القواعد والضوابط لحفظه من الدسّ والكذب عليه ‪  .‬كما ي ّدل على أن هذا العلم‬
‫اعتنى به علماء القرون األولى ‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‪:‬‬
‫الشك أن معرفة منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه من مهمات علوم الحديث‪.‬‬
‫خصوصا‪ %‬لمن قلّد مذهبه من الحنفية ‪ .‬فان له منهجا ً خاصا ً فى الحديث‪ .‬فلو لم يعلم أحد منهجه فى‬
‫الحديث ولم يفهمه فهما ً ثاقباً‪ ، %‬طعن في اإلمام كما طعن فيه غير المقلدين فى هذا الزمان لقلة علومهم‬
‫وجهلهم عن أصوله ومنهجه‪ .‬لهذا البد لنا أن نعرف هذه األصول معرفة جيدة ‪.‬‬

‫أسباب اختيار هذا الموضوع‪:‬‬


‫‪ _١‬االضافة في خدمة السنة النبوية‬
‫‪ _٢‬الرغبة على الوقوف فى منهج ابى حنيفة رحمه هللا في اصول الحديث وعلومه‪.‬‬
‫‪ _٣‬لكى ار ّد من افترى على االمام‪  ‬من انه قدم القياس على حديث رسول هللا‪  ‬ﷺ وأنه يعمل على‬
‫الحديث الضعيف ويترك‪ %‬القياس وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ _٤‬شاورت مع اخى الشقيق المتخصص في الحديث انعام الحسن جسري فأشارنى على هذا الموضوع‪%‬‬
‫المهم‪.‬‬
‫‪ _٥‬امتثال أمر استاذنا العزيز وشيخنا‪ %‬الكريم‪ ‬‬
‫الدراسات السابقة ‪:‬‬
‫‪ ‬أستخدمت حينما كتبت هذه الرسالة كتب المتقدمين والمتاخرين والمعاصرين‪  ،‬واستفدت كثيرا وبتوفيق‬
‫هللا تعالى اكملت رسالتي هذه ‪ ،‬وارجو‪ %‬ان هللا يقبل جهدنا اليسير‪ ،‬ويوفقنا الجهد الكبير المقبول العالء‬
‫كلمة هللا ‪  .‬‬
‫الكتب التي استفدت منها هي مما يلي‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫أصول السرخسي = تمهيد الفصول في األصول ‪   —  ‬شمس األئمة السرخسي‪. %‬‬


‫تقويم األدلة في أصول الفقه ‪   —  ‬أبو زيد الدبوسي‪( %‬ت ‪)٤٣٠‬‬
‫الفصول في األصول ‪   —  ‬أبو بكر الرازي‪ %‬الجصاص (ت ‪)٣٧٠‬‬
‫مقدمة ابن الصالح = معرفة أنواع علوم الحديث ‪ -‬ت عتر ‪   —  ‬ابن الصالح (ت ‪)٦٤٣‬‬
‫اإللماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ‪   —  ‬القاضي عياض (ت ‪ )٥٤٤‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه ‪   —  ‬بدر الدين الزركشي (ت ‪)٧٩٤‬‬
‫‪ ‬قواعد في علوم الحديث _ ظفر احمد عثماني‪ ‬‬
‫تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي‪   — %‬الجالل السيوطي‪( %‬ت ‪)٩١١‬‬
‫توضيح األفكار في معاني تنقيح األنظار‪%‬‬
‫الكفاية في علم الرواية _ الخطيب البغدادي‪ ‬‬
‫حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي ‪   —  ‬ابن عابدين (ت ‪ )١٢٥٢‬‬
‫‪ ‬مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة‪ ‬‬
‫فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته ط الحلبي ‪   —  ‬الكمال بن الهمام (ت ‪)٨٦١‬‬
‫التحرير البن الهمام‪  ‬‬
‫التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام ‪   —  ‬ابن أمير حاج (ت ‪ )٨٧٩‬‬
‫‪ ‬نخبة الفكر البن حجر رحمه هللا ص‬
‫فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ‪   —  ‬شمس الدين السخاوي‪( %‬ت ‪)٩٠٢‬‬
‫منهاج السنة النبوية ‪   —  ‬ابن تيمية (ت ‪)٧٢٨‬‬
‫اختصار علوم الحديث __ ابن كثير‬
‫‪ ‬أصول الدين عند اإلمام أبي حنيفة ‪   —  ‬محمد بن عبد الرحمن الخميس (معاصر)‪ ‬‬
‫‪ ‬شرح العقيدة الطحاوية ‪ -‬البراك ‪   —  ‬عبد الرحمن بن ناصر البراك (معاصر)‪ ‬‬
‫شرح نخبة الفكر للقاري ‪   —  ‬المال على القاري (ت ‪ )١٠١٤‬‬
‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز‪ %‬البخاري‪( %‬ت ‪ )٧٣٠‬‬
‫طبقات الحنفية للحافظ عبد القادرالقرشي ‪.‬‬

‫مشكلة البحث ‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫قدعلمنا أن ابا حنيفة رحمه هللا تعالى امام فى الحديث ‪ .‬لكن قلما نعرف أصوله ومنهجه في الحديث ‪.‬‬
‫لهذا هنا تساؤالت‪ %‬سيجيب عنها هذا البحث بإذن هللا تعالى‪ .‬وهي‪:‬‬
‫(‪ )١‬ما رأيه في خبر الواحد؟ وما شروطه ؟ ولماذا شدد في اشتراط قبوله ؟‬
‫(‪ )٢‬هل ق ّدم ابو حنيفه رحمه هللا القياس على حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪%.‬‬
‫(‪ )٣‬ما هو موقفه في العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس؟‬
‫(‪ )٤‬ماذا قال االمام ابو حنيفه في بعض انواع علوم الحديث‬
‫(‪ )٥‬ما حكم روايه مجهول الحال او المستور‪ %‬عنده‪.‬‬
‫(‪ )٦‬ما حكم روايه اهل االهواء والبدع عنده‪.‬‬
‫(‪ )٧‬ما منهجه في صفه تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ‪ ‬‬
‫(‪ )٨‬ما هو مذهبه في القراءة على الشيخ ابي العرض عليه‬
‫(‪ )٩‬هل الرواية بالمعنى جائز عنده ام ال؟‬
‫(‪ )١٠‬كيف يرجح االمام عند التعارض بين االحاديث؟‬

‫منهج البحث ‪:‬‬


‫منهج فى هذا البحث انى قد جمعت اقوال ابى حنيفة رحمه هللا تعالى في اصول الحديث وارائه و منهجه‬
‫فيه ‪ .‬وأضفت معها اقوال العلماء الحنفية وآرائهم‪ .‬واوردت في بعض األحيان أقوال غير االحناف‬
‫ايضا‪ .‬وما نسىت التلخيص في كتابة البحوث‪ .‬وأضفت فى اخر كل بحث الهوامش ‪.‬‬

‫خطة البحث ‪:‬‬


‫هذه خطه بحثي التي ساسير عليها تشتمل على المقدمة ومبحثين وخاتمه وفهارس‪.‬‬
‫فالمقدمة ‪:‬‬
‫تشتمل على التعريف‪ %‬بالموضوع‪ %‬و أهمية الموضوع‪ %‬واسباب اختيار‪ %‬الموضوع والدراسات‪ %‬السابقه‬
‫ومشكله البحث ومنهج البحث وخطة البحث‪ .‬‬
‫ثم مبحثان ‪:‬‬
‫فالمبحث األول في تعريف االمام وتعريف‪ %‬أصول الحديث وعلومه فقسّمته إلى مطلبين ‪ :‬‬
‫األول ‪ :‬ترجمة اإلمام أبي حنيفة من حيث اسمه ونسبه وصفاته وشيوخه وتالميذه ووفاته‪ ،‬‬
‫والمطلب الثاني ‪:‬تعريف‪ %‬أصول الحديث وعلومه وبيان موضوعه وثمرته وفائدته ‪ .‬‬
‫‪5‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪ ‬أما المبحث الثاني وهو صلب هذا البحث وفيه ستة مطالب‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬مقوالته في الحث على األخذ بالحديث الشريف‪ %‬وتعلمه والعمل به ‪ .‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مقوالته فيما افترى عليه من تقديم القياس على حديث رسول هللا ﷺ‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬مقوالته في في بعض أنواع علوم الحديث وٓارائه فيه‪ .‬وهذا المطلب مشتمل على عدة‬
‫مسائل‪ :‬الخبر الواحد عند ابي حنيفة رحمه هللا‪ ،‬االخذ بالحديث الصحيح ‪ ،‬غاية االحتياط في االخذ‬
‫بالحديث‪ ،‬موقفه في العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس ‪ ،‬مذهبه في الحديث الموقوف على‬
‫الصحابه وحجيته ‪ ،‬حكم الحديث المرسل عند ابي حنيفة ‪ ،‬حكم الحديث المعنعن ‪ ،‬زيادة الثقات ‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬مقوالته في الجرح والتعديل وٓارائه فيهما (صفه من تقبل روايته)‪ .‬وهذا المطلب مشتمل‬
‫على عدة مسائل‪ :‬اشتراط‪ %‬ابي حنيفة رحمه هللا في الراوى لقبول روايته ‪ ،‬حكم روايه المستور‪ %‬وهو‬
‫مجهول العداله باطال مع كونه عدال في الظاهر‪ ،‬حكم رواية مجهول العين‪ ،‬حكم روايه اهل االهواء‬
‫والبدع من حيث قبولها او عدمه ‪ ،‬مذهب ابي حنيفه رحمه هللا في الرجال ‪.‬‬

‫المطلب الخامس ‪ :‬مقوالته وآرائه في صفه تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ وحفظه وادائه ‪  .‬وهذا‬
‫المطلب مشتمل على عدة مسائل‪:‬‬
‫الزمن الذي يصح فيه السماء من الصبي‪ ،‬صفة تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ قراءه الشيخ او استمع‬
‫من الشيخ والقراءه على الشيخ يقول له العرض ايضا ‪ ،‬األلفاظ التي يجوز استعمالها‪ ، %‬مقوالت االمام‬
‫ابي حنيفه في هذا الباب ‪ ،‬الكتابة‪  ،‬والرسالة‪  ،‬اشتراط البينة‪ ،‬االجازة‪  ،‬االختالف في تصحيح االجازة‬
‫وعدمه‪ ،‬األلفاظ التي يجوز استعمالها‪ ، %‬هل العلم بما في الكتاب شرط ام ال ‪،‬المناولة ‪ ،‬طرق الحفظ ‪،‬‬
‫طرق االداء ‪ ،‬الرواية بالمعنى ‪.‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬مقوالته في مسائل متفرقة كمعرفة الصحابة و الترجيح عند التعارض بين الخبرين ‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‬


‫‪6‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المبحث األول‬
‫في تعريف االمام وتعريف أصول الحديث وعلومه‬

‫المطلب األول‬
‫‪3‬‬
‫ترجمة اإلمام ابي حنيفة رحمه هللا‬
‫اسمه ونسبه وكنيته‬
‫بن ُز ْو َطى ال َّت ْيمِيّ ‪َ ،‬أبُو حنيفة الكوفي‪ ،‬مولى بني تيم هللا بن ثعلبة‪ ،‬فقيه أهل العراق‬
‫النعمان بن ثابت ِ‬
‫وإمام أصحاب الرأي‪ ،‬‬
‫اصله ومولده‬
‫‪ ‬يقال اصله من ابناء فارس‪ ،‬وُ ل َد بالكوفة َس َن َة َث َما ِني َْن (هذا هو المشهور)‪ ،‬فِي َح َيا ِة صِ َغ ِ‬
‫ار الص ََّحا َبةِ‪ .‬رأى‬
‫أنس بن مالك غير مرة لما قدم عليهم الكوفة ‪.‬‬
‫نشاته وطلبه العلم‬
‫نشأ بالكوفة وعاش معظم‪ %‬حياته فيها‪ ،‬ولجأ في بداية نشأته إلى حفظ القرآن الكريم وقد حفظه‪ ،‬وكان من‬
‫أكثر الناس تالوة للقرآن الكريم حتى إنه كان يختمه مرات كثيرة في رمضان‪ ،‬وأخذ القراءة عن اإلمام‬
‫عاصم أحد القرّ اء السبعة ‪ .‬‬
‫‪          ‬وبعد حفظه للقرآن الكريم اطلع على السنن التي يصحح بها دينه أي على السنن واألحاديث‬
‫المتعلقـة بالعقيـدة والتوحيـد‪ ،‬ودرس علـم الكالم حتى برع فيه وبلغ فيه شأواً عظيما ً ‪ .‬ثم التحق بمجلس‬
‫حماد بن أبي سليمان شيخ فقهاء الكوفة في زمانه وتتصل حلقته بالصحابي الجليل عبد هللا بن مسعود‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬وبقي أبو حنيفة يداوم على حضور حلقة شيخه حماد حتى توفاه هللا تعالى سنة ‪ 120‬هـ‪،‬‬
‫وأخذ العلم أيضا ً عن شيوخ كثيرين في فنون عدة سنذكر أشهر شيوخه فيما بعد إن شاء هللا ‪ .‬‬
‫‪          ‬وبعد وفاة شيخه حماد بن أبي سلـمان اجتمع رأي تالميذه على استخالف‪ %‬اإلمام أبي حنيفة مكانه‬
‫وأجمعوا على رئاسته مدرسة الكوفة التي عُرفت بمدرسة الرأي وأصبح إمام فقهاء العراق بال منازع‬

‫‪ 3‬انظر ترجمته في‪ ‬‬


‫السنه ومكانتها في التشريع ص ‪٤٠١‬‬
‫و تذكرة الحفاظ للذهبي ص‪ ١٢٦/١‬‬
‫‪ ‬سير أعالم النبالء ص ‪٣٩٠‬‬
‫تهذيب الكمال (الرقم ‪)٦٤٣٩‬‬
‫ابو حنيفة حياته وعصره ص ‪ ٧٥–٦٠‬‬
‫‪7‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫واجتمع بأشهر علماء عصره وسار‪ %‬الركبان بذكره وانتشر صيته في أقاليم الدولة اإلسالمية كالبصرة‬
‫ومكة والمدينة وبغداد ‪ .‬‬
‫‪          ‬وطبقت شهرته اآلفاق حتى غدت حلقته ومجلسه َمجْ معا ً علميا ً يلتقي فيها كبار المحدثين كعبد هللا‬
‫بن المبارك‪ ،‬وكبار‪ %‬الفقهاء كالقاضي أبي يوسف‪ %‬تلميذه‪ ،‬وكبار الزهاد والعبّاد كالفضيل بن عياض وداود‬
‫الطائي ‪ .‬‬
‫‪          ‬ثم كان أبو حنيفة مولعا ً بالجدل المفيد والنظر واالستدالل‪ %‬منذ صغره وشبوبه في طلب العلم‪،‬‬
‫وقد جادل نحواً من اثنتين وعشرين فرقة ودافع‪ %‬عن الدين ونافح عنه وجادل الدهريين وأفحمهم‪ %‬ووجّههم‬
‫إلى اإليمان بالخالق سبحانه وتعالى ‪ .‬‬
‫الخــز وكان عنده ص ّناع‬
‫ّ‬ ‫خزازاً أي يبيع الخ ّز وكانت له دار كبيرة لعمل‬
‫‪          ‬وكان أبو حنيفة ّ‬
‫وأجراء ‪ .‬‬
‫الخ ْلقية وال ُخلُقية ‪ :‬‬
‫صفاته َ‬
‫الخ ْلقية أنه كان أبو حنيفة النعمان جميل الوجه َربْعة بين الرجال من أحسن الناس صورة‬
‫فمن صفاته َ‬
‫وأبلغهم نطقا ً وأعذبهم نغمة وأبينهم‪ %‬عما في نفسه‪ ،‬وكانت تعلوه سمرة كما كان حسن الهيئـة سرى الثوب‬
‫كثير التعطر هيوبا ً ال يتكلم إالّ جوابا ً ولم يكن يخوض فيما ال يعنيه ‪ .‬‬
‫أما صفاته ال ُخلُقية رحمه هللا فح ّدث عنها وال حرج‪ ،‬فقد كان اإلمام أبو حنيفة إماما ً ورعا ً عامالً متعبداً‬
‫كبير الشأن ال يقبل جوائز السلطان بل كان يتاجر بالخ ّز وينفق من كسب يده وجمع بين الفقـه والعبادة‬
‫والورع والسخـاء‪ ،‬وقام بأمانـة العلـم خيـر قيام مع االجتهاد في العبادة واالستقامة في الخلق والمعاملة‬
‫والزهد في الدنيا والنصيحة هلل ولرسوله وللمسلمين ‪ .‬‬
‫‪          ‬وكان رحمه هللا ضابطاً‪ %‬لنفسه مستولياً‪ %‬على مشاعره ال تعبث به الكلمات العابرة وال تبعده عن‬
‫الحق‪ ،‬كما كان هادئـا ً واسع الصدر‪ ،‬ولم يكن هـذا الهدوء هدوء من ال يحسّ بل هدوء مـن علـت نفسـه‬
‫وسمـت بالتقـوى‪ ،‬وكان عميق الفكـرة غوّ اصا ً في المسائل حريصا ً على معرفـة مرامى‪ %‬األمور‪ %‬البعيدة‬
‫والقريبـة‪ ،‬وكان حاضر البديهة واسع الحيلـة متطلعـا ً للحقائق ‪ .‬‬
‫‪          ‬وبالجملة فإن اإلمام أبا حنيفة رحمه هللا اتصف بصفات تجعله في الذروة العليا بين العلماء‬
‫الثقات المتثبتين في العلم ‪ .‬‬
‫أقوال العلماء في أبي حنيفة ‪:‬‬
‫‪ ‬لقد وردت في توثيق‪ %‬وتعديل اإلمام أبي حنيفة وتجريحه أقوال عدة للعلماء ولكن يرجّ ح توثيق‪ %‬هذا اإلمام‬
‫الجليل وتعديله ألن من طعن عليه وجرّ حه إما لكونه من أقرانه أو لم يتع ّرف‪ %‬إلى اإلمام األعظم عن‬
‫قرب أو حاقد عليه ‪ .‬‬
‫‪8‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫فمن أقوال المعدلين والموثقين له ما يلي ‪ :‬‬


‫قـال يحيى بـن معين ‪ :‬كان أبو حنيفة ثقة ال يح ّدث بالحديث إالّ بما يحفظ وال يحدث بما ال يحفظ ‪ .‬وقال‬
‫مرة ‪ :‬كان أبو حنيفة ثقة في الحديث ‪ .‬وقال مرة ثالثة ‪ :‬كان أبو حنيفة ال بأس به ‪ .‬وروى عنه أيضا ً أنه‬
‫قال ‪ :‬هو عندنا من أهل الصدق ولم يتهم بالكذب ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون‬
‫قاضيا ً ‪ .‬‬
‫وقال يحيى بن سعيد القطان ‪ :‬ال نكذب وهللا؛ ما سمعنا أحسن من رأى أبي حنيفة‪ ،‬وقد‪ %‬أخذنا بأكثر أقواله‬
‫‪ .‬‬
‫وقـال على بـن عاصـم ‪ :‬لو وُ زن علـم اإلمـام أبـي حنيفـة بعلم أهل زمانه لرجح عليهم ‪ .‬‬
‫وقال ضرار بن ص َُرد ‪ :‬سُئل يزيد بن هارون ‪ :‬أيما أفقه الثوري أو أبو حنيفة ؟ فقال ‪ :‬أبو حنيفة أفقه‪،‬‬
‫وسفيان أحفظ للحديث ‪ .‬‬
‫وقـال ابـن المبارك‪ : %‬أبو حنيفة أفقه الناس ‪ .‬وقال الشافعي‪ : %‬الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ‪ .‬‬
‫وقال يزيد بن هارون ‪ :‬ما رأيت أحداً أورع وال أعقل من أبي حنيفة ‪ .‬‬
‫‪          ‬ويُروى‪ %‬عن القاضي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة قوله ‪ :‬بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت‬
‫رجالً يقول لرجل ‪ :‬هذا أبو حنيفة ال ينام الليل ‪ .‬فقال أبو حنيفة ‪ :‬ال يتحدث عني بما لم أفعل‪ ،‬فكان يحيي‬
‫الليل صالة ودعاء وتضرعا ً ‪ .‬‬
‫وقـال محدث الديـار المصريـة الحافظ محمد بـن يوسـف‪ %‬الصالحي ‪ :‬كان أبـو حنيفـة مـن كبـار ح ّفاظ‬
‫الحديث وأعيانهـم ولوال كثـرة اعتنائه بالحديث ما تهيّأ له استنباط مسائل الفقه ‪ .‬‬
‫وقال الحسن بن صالح ‪ :‬كان أبو حنية متثبتا ً ‪ .‬‬
‫وقال مكي بن إبراهيم ‪ :‬كان أعلم أهل زمانه‪ ،‬وما رأيت في الكوفيين أورع منه ‪.‬‬
‫وقال أبو داود السجستاني‪ : %‬إن أبا حنيفة كان إماما ً ‪                             .‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ :‬ما عقلت عيني مثل أبي حنيفة ‪.‬‬
‫وقـال األعمشي ألبي حنيفة ‪ :‬لو كان األمر بالطلب واللقى لكنت أفقه منك‪ ،‬ولكنه عطاء من هللا تعالى ‪ .‬‬
‫وقال عبد هللا بن داود ال ُخ َريبي ‪ :‬الناس في أبي حنيفة حاسد وجاهل وأحسنهم عندي حاالً الجاهل ‪ .‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومن أقوال المج ّرحين له والطاعنين فيه ما يلي‪ ‬‬
‫روى عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده إلى عبد هللا بن المبارك أنه قال ‪ :‬كان أبو حنيفة مسكينا ً في‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫كما روى بسنده إلى أحمد بن حنبل قال ‪ :‬رأيه مذموم ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫مكانته العلمية ‪ :‬‬


‫لقي اإلمام أبو حنيفة بعض الصحابة مثل أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي وأبي الطفيل عامر بن‬
‫واثلة الليثي ‪ .‬والتقى بالتابعين وجالسهم وروى‪ %‬عنهم وأخذ فقههم‪  ‬مثل عامر الشعبي ‪.‬‬
‫‪          ‬وكانت له حلقة علم يجتمع فيها كبار المحدثين في زمانه مثل عبد هللا بن المبارك وحفص بن‬
‫غياث‪ ،‬مع كبار الفقهاء مثل القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وزفر‪ %،‬مع كبار‬
‫الزهاد مثل الفضيل بن عياض وداود‪ %‬الطائي ‪.‬‬
‫شيوخ أبي حنيفة ‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة ‪ :‬كنت فى معدن العلم والفقه ‪ ،‬فجالست أهله ‪،‬‬
‫ولزمت فقيها ً من فقهائهم ‪.‬‬
‫‪ ‬لقد تتلمذ اإلمام أبو حنيفة على عدد كبير من الشيوخ في شتى العلوم كان من أشهرهم‪ : %‬إبراهيم بن‬
‫وج َبلة بن سُحيم والحارث ابن عبد الرحمن والحسن بن عبيد هللا والحكم‬
‫محمد وإسماعيل بن عبد الملك َ‬
‫بن عُتيبة وحماد بن أبي سليمان وخالد بن علقمة وربيعة ابن أبي عبد الرحمن و ُزبيد‪ %‬اليامي وزياد‪ %‬بن‬
‫عالقة وسماك‪ %‬بن حرب وشيبان بن عبد الرحمن وطاووس بن كيسان وطلحة بن نافع وعاصم بن ُكلَيب‬
‫وعاصم بن أبي النجود وعامر الشعبي وعبد هللا بن دينار وعون بن عبد هللا بن عتبة وعبد هللا بن أبي‬
‫حبيبة وعبد الملك بن عمير وعدي بن ثابت وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن السائب وعكرمة مولى ابن‬
‫عباس وعمرو بن دينار‪ %‬وقابوس بن أبي ظبيان وقتادة بن ِد َعامة ومحارب بن دِثـَار ومحمد بن علي بن‬
‫الحسين ومحمد بن مسلم الزهري ومحمد بن المنكدر‪ %‬ومسلَم البطين ومنصور بن المعتمر ونافع مولى‬
‫ابن عمر وهشام بن عروة ويحيى‪ %‬بن سعيد األنصاري‪ %‬ويونس بن عبد هللا وأبو إسحاق السَّبيعي وأبو‬
‫جناب الكلبي وأبو الزبير المكي وأبو‪ %‬فروة الجهني وأبو يعفور ‪ .‬‬
‫تالميذه ‪ :‬‬
‫تتلمذ على يدي اإلمام أبي حنيفة نفر كثير من الطالب كان من أشهرهم‪ : %‬‬
‫إبراهيم بن طهمان وأسباط بن محمد القرسي‪ %‬واسد‪ %‬بن عمرو البجلي وجعفر بن عون والحسن بن زياد‬
‫والحسين بن الحسن بن عطية العوفي‪ %‬والحكم بن عبد هللا البلخي وابنه حماد بن أبي حنيفة وحمزة بن‬
‫حبيب الزيات وخارجة بن مصعب وداود بن نصير وزفر‪ %‬ابن الهذيل وزيد بن الحُباب وقاضي‪ %‬شيراز‬
‫سعد الصلت و َس ْلم بن سالم وسليمان بن عمرو النخعي وشعيب بن إسحاق والصباح بن محارب‬
‫والضحاك بن مخلد وعامر ابن الفرات وعبـد هللا بـن المبـارك وعبـد الحميـد بـن عبـد الرحمـن الحمّاني‬
‫وعبد الرازق ابن همّام الصنعاني وعبد الوارث بن سعيد وعبيد هللا بن الزبير القرشي وعلي بن عاصم‬
‫الواسطي وعلي بن مسهر وعمرو بن الهيثم وعيسى بن يونس والفضل بن ُدكين والفضل ابن موسى‬
‫‪10‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫وقيس بن الربيع ومحمد بن أبان العنبري ومحمد بن الحسن الشيباني والمعافى‪ %‬بـن عمران ومكي بـن‬
‫إبراهيم ونوح بـن أبي مريـم وهُشيم بن بشير ووكيع بن‪    ‬الج ّراح ويحيـى بن أيوب المصري‪ %‬ويزيد بن‬
‫زريع ويزيد بن هارون ويونس‪ %‬بن بُكير وأبو إسحاق الفزاري وأبو شهاب الحناط والقاضي‪ %‬أبو‬
‫يوسف ‪ .‬‬
‫هل هو من التابعين ام ال؟‬
‫لقد اختلف العلماء في في تعريف التابعى فقال بعضهم‪ %‬التابعي من لقي الصحابي‪ %‬وان لم يصحبه فعلى‬
‫هذا انه من التابعين النه لقي عددا من اصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم منهم أنس بن مالك الذي توفى‪%‬‬
‫سنة ‪ ٩٣‬وعبد هللا بن أو فى المتوفى‪ %‬سنة ‪ ٨٧‬ووائلة بن األسفع المتوفى سنة ‪ ٨٥‬وأبو الطفيل عامر بن‬
‫وائلة المتوفى‪ %‬سنة ‪ ١٠٢‬بمكة ‪ .‬وهو آخر الصحابة موتا ً ‪ .‬وسهل بن ساعد المتوفى‪ %‬سنة ‪ ۸۸‬وغيرهم‪ ‬‬
‫واما من اشترط‪ %‬في تعريفه 'البد أن يكون قد صحبه ‪ ،‬وتلقى عنه ' فعلى ذلك ال يعد أبو حنيفة تابعيا ً ‪،‬‬
‫اللهم إال إذا صدقنا ما يقال ‪ :‬إنه روى عن بعض الصحابة‪ ‬‬
‫ولقد اختلفوا في روايته عنهم ‪ .‬قال بعض العلماء إنه روى‪ %‬عنهم وذكروا‪ %‬أحاديث رواها ‪ .‬ولكن أهل‬
‫الخبرة من علماء الحديث ضعفوا سندها إليه وإن كان لبعضها قوة من طرق أخرى من ذلك حديثه ‪« :‬‬
‫من بني هللا مسجداً وار كمفحص قطاة ‪ ،‬بنى هللا له بيتا ً في الجنة ‪ ، ،‬وحديث ‪ ،‬دع ما يريبك إلى ماال‬
‫يريبك ‪ ،‬وحديث‪ :‬إن هللا يحب إغاثة اللهفان ‪ ، ،‬وحديث « طلب العلم فريضة على كل مسلم ‪ ،‬وحديث‬
‫الدال على الخير كفاعله ‪ ، ،‬وحديث التظهر‪ %‬الشماتة ألخيك ‪ ،‬فيعافيه هللا ويبتليك ‪ ،‬‬

‫و كثيرون من العلماء على أن أبا حنيفة وإن انتقى ببعض الصحابة لم يروعنهم‪ %.‬واحتجوا بأنه عندما‬
‫التقى بهم لم يكن في سن من يتلقى العلم ‪ ،‬ويعيه وينقله ‪ ،‬وبأنه في مطلع حياته قد اتجه إال االشتغال‬
‫بالسوق وما يتصل بها ‪ ،‬حتى صرفه إلى العلم بما أسداه إليه الشعبي من نصيحة ‪ ،‬و بأن كل سند ينتهى‬
‫إليه ‪ ،‬وفيه أنه‪ .‬سمع من صحابي ال يخلو من كذاب أو ضعيف‪ ، %‬وبأن أصحابه كأبي يوسف و محمد‬
‫عبد هللا بن المبارك ‪ ،‬وزفر‪ ،‬وغيرهم لم يدونوا فيما أثر عنهم من كتب ‪ ،‬ولم يذكروا فيما عرف لهم من‬
‫أقوال ‪ ،‬تلك األحاديث التي تذكر مروية عن أبي حنيفة على أنها من روايته ‪ ،‬ولو كانت هذه النسبة‬
‫‪4‬‬
‫صحيحة لعرفوها‪ ، %‬وال شاعوها ‪ ،‬وذكروها في مآثره ؛ ألنهم كانوا معنيين بذلك‪ .‬انتهي‬

‫والراجح عند الحنفية أنه تابعى ‪.‬‬


‫ويدل على ذلك ما يلى ‪:‬‬

‫أبو حنيفة‪  ‬حياته وعصره ص ‪)٧٥–٦٠‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪11‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫قال أبو بكر الرازي‪ %‬الجصاص (ت ‪ )٣٧٠‬فى الفصول في األصول ‪  —  ‬فى ر ّد من قال انه ليس من‬
‫التابعين فكيف قال'إذا اجتمعت الصحابة على شيء سلمناه لهم‪ ،‬وإذا اجتمع التابعون زاحمناهم' فأجاب‪  :‬‬
‫" أما أبو حنيفة فهو تابعي قد أدرك فيما يحكي (أربعة) من الصحابة‪ :‬أنسا وعبد هللا بن الحارث بن جزء‬
‫الزبيدي‪ ،‬وعبد هللا بن أبي أوفى‪ ،‬وآخر قد ذهب علي اسمه‪ ،‬فجاز له مزاحمة التابعين‪.‬‬
‫وأيضا‪ :‬فإن أبا حنيفة قد كان من أهل االجتهاد في زمن التابعين‪ ،‬وكان يفقه الناس فيما قبل أربعين سنة‪.‬‬
‫وكثير من التابعين كانوا موجودين بعد سنة عشرين ومائة‪ ،‬فلما لحق أيامهم وهو من " أهل " الفتيا جاز‬
‫‪5‬‬
‫له مخالفتهم والقول معهم‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬هذا يدل على أن الرواية عن الصحابى‪ %‬ليس شرطا ً ليكون تابعيّا عند الحنفية ‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫وفاته ‪:‬‬
‫‪ ‬توفي رحمه هللا ببغداد في شهر رجب سنة ‪ ١٥٠‬هـ وقيل ‪ :‬سنة ‪ ١٥١‬هـ وقيل‪ :‬سنة ‪ ١٥٣‬هـ ‪ .‬‬
‫صلّي عليه ست مرات من كثرة الزحام‬
‫وغسّله الحسن بن عُمارة ورجل آخر ‪ .‬وقال الحسن بن يوسف ‪ُ :‬‬
‫آخرهم صلّى عليه ابنه حماد ‪ .‬‬
‫‪ ‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫تعريف علوم الحديث واصوله‬


‫ليعلم ان علوم الحديث تنقسم الى قسمين‪:‬‬
‫(‪)١‬علم الحديث رواية‬
‫‪ 5‬الفصول في األصول ‪   —  ‬أبو بكر الرازي الجصاص (ت ‪ )٣٧٠‬ص ‪ ٣٧٣/٣‬‬
‫‪12‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫(‪)٢‬علم الحديث دراية‬


‫قال ابن األكفاني في كتاب إرشاد القاصد‪ ،‬الذي تكلم فيه على أنواع العلوم‪ :‬علم الحديث الخاص‬
‫بالرواية‪ :‬علم يشتمل على نقل أقوال النبي ﷺ وأفعاله‪ ،‬وروايتها‪ ،‬وضبطها‪ ،‬وتحرير ألفاظها‪.‬‬
‫وعلم الحديث الخاص بالدراية‪ :‬علم يعرف منه حقيقة الرواية؛ وشروطها‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬وحال‬
‫الرواة‪ ،‬وشروطهم‪ ،‬وأصناف‪ %‬المرويات‪ ،‬وما يتعلق بها‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪ ‬فحقيقة الرواية‪ :‬نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عزي إليه بتحديث أو إخبار أو غير ذلك‪ ،‬‬
‫وشروطها‪ :‬تحمل راويها‪ %‬لما يرويه بنوع من أنواع التحمل‪ ،‬من سماع أو عرض أو إجازة ونحوها‪%.‬‬
‫وأنواعها‪ :‬االتصال واالنقطاع ونحوهما‪ .‬‬
‫وأحكامها‪ :‬القبول والرد‪ .‬‬
‫وحال الرواة‪ :‬العدالة والجرح‪ ،‬وشروطهم‪ %‬في التحمل وفي األداء كما سيأتي‪%.‬‬
‫وأصناف‪ %‬المرويات‪ %:‬المصنفات من المسانيد والمعاجم واألجزاء وغيرها‪ ،‬أحاديث وآثارا وغيرهما‪ ،‬وما‬
‫يتعلق بها‪ :‬هو معرفة اصطالح أهلها‪.‬‬
‫وموضوعه‪ :‬السند والمتن‪(.‬من حيث القبول والرد)‬
‫وغايته‪ :‬معرفة الصحيح من غيره‪ ‬‬
‫وثمرته‪ :‬الفوز بسعادة الدارين من خالل اتباعها وتطبيقها‪ %‬والسير‪ %‬على نهجها وتنفيذ احكامها وبهذا يتم‬
‫حسن االقتداء به صلى هللا عليه وسلم‬
‫{التعريف الثاني}‬
‫‪6‬‬
‫وقال الشيخ عز الدين بن جماعة‪ :‬علم الحديث‪ :‬علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن‬
‫{التعريف الثالث}‬
‫وقال شيخ اإلسالم أبو الفضل بن حجر‪ :‬أولى التعاريف‪ %‬له أن يقال‪ :‬معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي‬
‫‪7‬‬
‫والمروي‪ ،‬قال‪ :‬وإن شئت حذفت لفظ «معرفة» فقلت القواعد إلى آخره‪.‬‬

‫المبحث الثانى‬

‫مقوالت االمام ابي حنيفة رحمه هللا تعالى و آرائه في‬


‫اصول الحديث‬

‫‪ 6‬تدريب راوي ص ‪٢٥/١‬‬


‫‪ 7‬النكت البن حجر ‪٢٢٥/١‬‬
‫‪13‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫سأبينها في عدة مطالب ان شاء هللا تعالى‪: ‬‬

‫المطلب األول‬
‫مقوالته في الحث على األخذ بالحديث الشريف وتعلمه والعمل به ‪:‬‬
‫(‪ )١‬وكان اإلمام أبو حنيفة رضي هللا عنه يقول‪« :‬إياكم والقول في دين هللا تعالى‪  ‬بالرأي؛ وعليكم‬
‫باتباع السنة فمن خرج عنها ضل»‪ .‬‬
‫(‪ )٢‬ودخل عليه مرة رجل من أهل الكوفة والحديث يقرأ عنده فقال الرجل‪« :‬دعونا من هذه األحاديث!»‬
‫فزجره اإلمام أشد الزجر‪ ،‬وقال له‪« :‬لوال السنة ما فهم أحد منا القرآن»‪  .‬‬
‫‪ ‬ثم قال للرجل‪ :‬ما تقول في لحم القرد واين دليله من القرآن؟ فأفحم‪ %‬الرجل‪ .‬فقال لإلمام‪ :‬فما تقول أنت‬
‫فيه؟ فقال‪ :‬ليس هو من بهيمة االنعام‪ .‬فانظر‪ %‬يا أخي إلى مناضلة اإلمام عن السنة وزجره من عرض له‬
‫بترك النظر في أحاديثها‪ %‬فكيف‪ %‬ينبغي ألحد أن ينسب اإلمام إلى القول في دين هللا بالرأي الذي ال يشهد‬
‫له ظاهر كتاب وال سنة وكان رضي هللا عنه يقول عليكم بآثار من سلف‪ ،‬وإياكم ورأي الرجال وإن‬
‫زخرفوه بالقول فإن األمر ينجلي حين ينجلي‪ ،‬وأنتم‪ %‬على صراط‪ %‬مستقيم‪،‬‬
‫(‪ )٣‬وكان يقول‪ :‬إياكم والبدع والتبدع والتنطع وعليكم باألمر األول العتيق‪ ،‬ودخل شخص الكوفة‬
‫بكتاب‪»:‬دانيال«فكاد‪ %‬أبو حنيفة أن يقتله‪ ،‬وقال‪ %‬له أكتاب َث َّم غير القرآن والحديث‪ ،‬‬
‫(‪ )٤‬وقيل له مرة‪ :‬ما تقول فيما أحدثه الناس من الكالم في العرض والجوهر والجسم‪ ،‬فقال‪ :‬هذه مقاالت‬
‫الفالسفة فعليكم باآلثار‪ %‬وطريقة السلف وإياكم وكل محدث فإنه بدعة‪ ،‬‬
‫(‪ )٥‬وقيل له مرة‪ :‬قد ترك الناس العمل بالحديث‪ ،‬وأقبلوا على سماعه فقال رضي هللا عنه‪ :‬نفس سماعهم‬
‫للحديث عمل به‪ ،‬وكان يقول‪ :‬لم تزل الناس في صالح ما دام فيهم من يطلب الحديث فإذا طلبوا‪ %‬العلم بال‬
‫حديث فسدوا‪،‬‬
‫(‪ )٦‬وكان رضي هللا عنه يقول‪ :‬قاتل هللا عمرو بن عبيد فإنه فتح للناس باب الخوض في الكالم فيما ال‬
‫يعنيهم‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ال ينبغي ألحد أن يقول قواًل حتى يعلم أن شريعة رسول هللا ﷺ تقبله» انتهى‬
‫‪8‬‬
‫ملخ ً‬
‫صا‪.‬‬

‫‪ 8‬قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ‪ — ٢٩٨/١‬جمال الدين القاسمي (ت ‪)١٣٣٢‬‬


‫‪14‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المطلب الثاني‬

‫مقوالته فيما افترى عليه من تقديم القياس على حديث رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪: ‬‬

‫ليعلم ان القول بتقديم القياس على حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لم يكن صادرا اال من متعصب‬
‫ص َ‪%‬ر َو ْالفَُؤ ادَ ُك ُّل‬
‫َّمْع َو ْال َب َ‬
‫على االمام متهور‪ %‬في دينه غير متورع في مقاله غافال عن قوله تعالى ﴿ ِإنَّ الس َ‬
‫ِظ مِنْ َق ْو ٍل ِإال لَدَ ْي ِه َرقِيبٌ َعتِي ٌد )‪  ‬وعن قوله ﷺ‬‫ان َع ْن ُه مسئوالً )‪  ‬وعن قوله تعالى ‪َ ( :‬ما َي ْلف ُ‬ ‫ُأولَِئ َ‬
‫ك َك َ‬
‫لمعاذ ‪ « :‬وهل يكب الناس في النار على وجوههم‪ %‬اال حصائد ألسنتهم »‬
‫‪15‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫قال اإلمام أبو جعفر الشيزاماري‪  ‬بسنده المتصل إلى اإلمام أبي حنيفة رضي‪ %‬هللا عنه ‪ :‬أنه كان يقول ‪:‬‬
‫كذب وهللا وافترى علينا من يقول عنا إننا نقدم القياس على النص‪ ،‬وهل يحتاج بعد النص إلى قياس ‪ ..‬؟‬
‫وكان رضي هللا عنه يقول ‪ :‬نحن ال نقيس إال عند الضرورة الشديدة ‪ ،‬وذلك أننا ننظر أوالً في دليل تلك‬
‫المسألة من الكتاب والسنة أو اقضية الصحابة فإن لم نجد دليالً قسنا حينئذ مسكوتا ً ‪ .‬عنه على منطوق‪ %‬به‬
‫بجامع اتحاد العلة بينهما ‪. .‬‬

‫وفي رواية أخرى عن اإلمام أنا نأخذ أوالً بالكتاب ثم السنة ثم باقضية الصحابة‪  ‬ونعمل بما يتفقون‬
‫عليه ‪ ،‬فإن اختلفوا قسنا حكما علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعنى‬

‫وفي رواية أخرى إنا نعمل بكتاب هللا ثم بسنة رسول هللا ﷺ ثم بأحاديث أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‬
‫رضي هللا عنهم‬

‫وفي رواية أخرى أنه كان يقول ‪ :‬ما جاء عن رسول هللا ﷺ فعلى الرأس والعين بابي هو وأمي وليس‬
‫لنا مخالفته وما جاءنا عن أصحابه تخيرنا‪ %‬وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال ‪.‬‬

‫وكان أبو مطيع البلخي يقول ‪ :‬قلت لإلمام أبي حنيفة رضي هللا عنه أرأيت لو رأيت رأيا ً ورأي أبو بكر‬
‫رأيا ً أكنت تدع رأيك لرأيه ‪ ..‬؟‬
‫قال ‪ :‬نعم فقلت له ‪ :‬أرأيت لو رأيت رأيا ً ورأى ‪ :‬عمر ‪ .‬رأيا ً أكنت تدع رأيك لرأيه ‪ ..‬؟ فقال ‪ :‬نعم ‪:‬‬
‫وكذلك كنت أدع رأيي لرأي عثمان وعلي وسائر الصحابة ما عدا أبا هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن‬
‫جندب ‪.‬‬
‫‪ ‬قال بعضهم‪ : %‬ولعل ذلك لنقص معرفتهم‪ %‬وعدم اطالعهم على المدارك واالجتهاد وذلك ال يقدح في‬
‫عدالتهم‪ ‬‬
‫وكان أبو مطيع يقول ‪ :‬كنت يوما عند اإلمام أبي حنيفة في جامع الكوفة فدخل عليه سفيان الثوري‬
‫ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وحماد بن سلمة وجعفر الصادق‪ %‬وغيرهم من الفقهاء فكلموا اإلمام أبا حنيفة وقالوا ‪:‬‬
‫قد بلغنا أنك تكثر من القياس في الدين وانا نخاف عليك منه فإن أول‬
‫من قاس إبليس ‪ :‬فناظرهم اإلمام من بكرة نهار الجمعة إلى الزوال وعرض عليهم مذهبه وقال ‪ :‬إني‬
‫اقدم العمل بالكتاب ثم بالسنة ثم باقضية الصحابة مقدما ً ما اتفقواعليه على ما اختلفوا فيه ‪ ،‬وحينئذ‪ %‬اقيس‬
‫‪16‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫فقاموا كلهم وقبلوا يده وركبته وقالوا له ‪ :‬أنت سيد العلماء فاعف عنا فيما مضى منا من وقيعتنا فيك‬
‫بغيرعلم ‪ .‬فقال ‪ :‬غفر هللا لنا ولكم أجمعين‪..‬‬

‫ومما كان كتبه الخليفة أبو جعفر المنصور‪ %‬إلى اإلمام أبي حنيفة ‪" :‬بلغني أنك تقدم القياس على الحديث"‬
‫فقال ‪ :‬ليس األمر كما بلغك يا أمير المؤمنين إنما أعمل أوال بكتاب هللا ثم بسنة رسول‪ %‬هللا ﷺ ‪ ،‬ثم‬
‫بأقضية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي هللا عنهم ثم بأقضية بقية الصحابة ثم أقيس بعد ذلك إذا‬
‫اختلفوا وليس بين هللا وبين خلقه قرابة اهـ ‪.‬‬

‫خالصة القول ان االمام ابا حنيفة رحمه هللا لم يكن يقيس اال بعد المراجعة الى كتاب هللا اوال ثم بالسنه‬
‫ثم باقضية خلفاء الراشدين ثم باقضية بقية الصحابة ‪ .‬وانما قاس عند فقدان األشياء المذكورة ‪.‬‬
‫وال خصوصية لإلمام أبي حنيفة في القياس بشرطه المذكور بل جميع العلماء يقيسون في مضايق‬
‫األحوال إذا لم يجدوا في المسألة نصا ً من كتاب وال سنة وال اجماع وال اقضية الصحابة وكذلك لم يزل‬
‫مقلدوهم يقيسون إلى وقتنا‪ %‬هذا في كل مسألة ال يجدون فيها نصا ً من غير نكير فيما بينهم بل جعلوا‬
‫القياس أحد األدلة األربعة فقالوا الكتاب والسنة واالجماع والقياس‪.‬‬
‫فاالمام ابو حنيفة رحمه هللا تعالى اليقيس ابدا مع وجود النص‪  ‬فان وجدنا‪ %‬نصا في المسألة التي قاس‬
‫فيها فال طعن عليه لعدم استحضاره ذلك حال القياس وكذلك ال طعن عليه عند وجود الحديث الفرد ‪..‬‬
‫‪ ‬وانما كان سبب كثرة القياس في مذهبه و قلته في مذهب غيره وذلك‪  ‬لما كانت أدلة الشريعة مفرقة في‬
‫عصره مع التابعين وتابع التابعين في المدائن والقرى والثغور‪ %‬كثر القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره‬
‫من األئمة‪ .‬ضرورة لعدم وجود‪ %‬النص في تلك المسائل التي قاس فيها بخالف غيره من األئمة فإن‬
‫الحفاظ كانوا قد رحلوا في طلب األحاديث وجمعوها في عصرهم من المدائن والقرى ودونوها فجاوبت‬
‫أحاديث الشريعة بعضها بعضا ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫هذا ما قلت استفدت من قول العالمة عبد الوهاب الشعراني‪%.‬‬

‫الميزان ص ‪ ٢٢٩-٢٢٤‬لالمام الشعراني (ت‪)٩٧٣‬‬ ‫‪9‬‬


‫‪17‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المطلب الثالث‬

‫مقوالته في بعض أنواع الحديث وآرائه فيه‪:‬‬


‫خبر الواحد عند أبي حنيفة‪:‬‬
‫اشترط اإلمام أبو حنيفة لألخذ بخبر الواحد شروطا‪ %‬وأصوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ال يخالفه راويه‪ ،‬فإن خالفه فالعمل بما رأى‪ ،‬ال بما روى‪ ،‬ألنه ال يخالف مرويه إال وقد اطلع‬
‫على قادح استند فيه لدليل‪(.‬كحديث أبي هريرة في غسل اإلناء من ولوغ الكلب سبعا‪ ،‬فإنه مخالف لفتيا‬
‫أبي هريرة فترك أبو حنيفة العمل به لتلك العلة‪).‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ال يكون مما تعم به البلوى‪ ،‬فإن عموم البلوى يوجب اشتهاره أو توافره‪ ،‬فإذا روي‪ %‬آحاد فهو‬
‫علة قادحة عنده‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫الثالث‪ :‬أن ال يخالف القياس‪ ،‬وأن يكون راويه فقيها‪ ،‬فإن خالف القياس‪ ،‬ولم يكن راويه فقيها‪ ،‬فالحديث‬
‫المعارض للقياس ال يقبل إذا عرفت العلة بنص راجح على الخبر‪ ،‬ووجدت العلة قطعا‪ %‬في الفرع‪،‬‬
‫ويتوقف اإلمام أبو حنيفة إذا وجدت العلة ظنا في الفرع‪ ،‬ويقبل الحديث المخالف للقياس إذا لم توجد في‬
‫الفرع ‪.‬‬

‫فإذا توفرت هذه الشروط في خبر الواحد فإنه يأخذ به‪ ،‬ولو كان ضعيف‪ %‬السند‪ ،‬ويقدمه على القياس‪ ،‬وال‬
‫يلتفت لسنده الخاص‪ ،‬وال لكونه على وفق‪ %‬عمل أهل المدينة أو خالفهم‪ ،‬وعلى هذا يحمل كالم ابن القيم‬
‫في األعالم‪« :‬وأصحاب أبي حنيفة رحمه هللا تعالى مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة»أن ضعيف‬
‫‪10‬‬
‫الحديث أولى عنده من القياس«‪ ،‬وعلى ذلك بنى مذهبه‪  ...‬الخ‬

‫‪ ‬فإذا لم تتوفر‪ %‬تلك الشروط في الحديث اعتبر الحديث شاذا‪ ،‬وذهب إلى القياس‪ ،‬وترك الحديث‪ ،‬ولو‬
‫صحيحا‪ ،‬أو عمل به أهل المدينة أجمع‪.‬‬
‫وقد فعل ذلك في حديث المصراة‪ ،‬والحديث في الصحيحين‪( :‬ال تصروا اإلبل والغنم‪ ،‬فمن ابتاعها بعد‬
‫فهو بخير النظرين بعد حلبها‪ :‬إن شاء أمسك‪ ،‬وإن شاء ردها وصاعا من تمر)‪ ،‬فأبو حنيفة يرى أن رد‬
‫‪11‬‬
‫التمر بدل اللبن مخالف للقياس فيما يضمن به المتلف من مثله أو قيمته‪.‬‬

‫ههنا شروط‪ %‬اخرى نقلها العالمة‪  ‬المال على القاري رحمه هللا تعالى (ت ‪ )١٠١٤‬في شرح مسند االمام‬
‫ابي حنيفة منها‪ ..‬‬
‫(الف) عرض أخبار اآلحاد على األصول المجتمعة عنده بعد استقرائه موارد الشرع‪ ،‬فإذا خالف خبر‬
‫اآلحاد تلك األصول يأخذ باألصل عمال بأقوى‪ %‬الدليلين‪ ،‬ويعد الخبر المخالف له شاذا‪ .‬وليس في ذلك‬
‫مخالفة للخبر الصحيح‪ ،‬وإنما فيه مخالفة لخبر بدت علة فيه للمجتهد‪ .‬وصحة الخبر فرع خلوه من العلل‬
‫القادحة عند المجتهد‪.‬‬

‫‪ 10‬إعالم الموقعين‪.٨١ /١ :‬‬

‫استفدت من اول البحث الي هذا من كتاب 'المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية ' ص‪   —٩٨/١‬عمر‬ ‫‪11‬‬

‫سليمان األشقر (ت ‪)١٤٣٣‬‬


‫‪19‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫(باء) عرض أخبار اآلحاد على عمومات الكتاب وظواهره فإذا خالف الخبرعاما أو ظاهرا في الكتاب‪،‬‬
‫أخذ بالكتاب وترك الخبر عمال بأقوى‪ %‬الدليلين‪ ،‬ألن الكتاب قطعي الثبوت‪ ،‬وظواهره وعموماته قطعية‬
‫الداللة عنده‪.‬‬
‫أما إذا لم يخالف الخبر عاما أو ظاهرا في الكتاب بل كان بيانا لمجمل فيه فيأخذ‪ %‬به حيث ال داللة فيه‬
‫بدون بيان‪.‬‬
‫(جيم) أن ال يخالف السنة المشهورة سواء أكانت سنة فعلية أو قولية عمال بأقوى الدليلين‬
‫(دال) أن ال يعارض خبر مثله‪ ،‬وعند التعارض يرجح أحد الخبرين على اآلخر‪ ،‬بوجوه ترجيح تختلف‬
‫أنظار المجتهدين فيها ككون أحد الراويين فقيها أو أفقه بخالف اآلخر‪.‬‬
‫(ه‍اء) أن ال يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة االحتجاج بالخبر‪ %‬الذي رواه أحدهم‬
‫(واو) عدم مخالفة ‪ -‬الخبر للعمل المتوارث بين الصحابة والتابعين وبمقتضى‪ %‬هذه القواعد ترك اإلمام‬
‫أبو حنيفة‪  ‬رحمه هللا العمل بأحاديث كثيرة من اآلحاد ‪...‬‬
‫والحق أنه لم يخالف األحاديث عنادا‪ ،‬بل خالفها اجتهادا لحجج واضحة ودالئل صالحة‪ ،‬وله بتقدير‬
‫‪12‬‬
‫الخطأ أجر‪ ،‬وبتقدير اإلصابة أجران‪.‬‬

‫سبب تشدد اإلمام في الرواية‬


‫نقل العالمة‪  ‬المال على القاري رحمه هللا تعالى (ت ‪ )١٠١٤‬في شرح مسند االمام ابي حنيفة "وأما‬
‫تشدده رحمه هللا تعالى في شروط قبول األحاديث التي تروى‪ %‬آحادا فكان مبعثه االحتياط البالغ لدين هللا‪،‬‬
‫وذلك أن وضع األحاديث في عصره قد كثر كثرة مزعجة من الزنادقة والمبتدعة فاضطره ذلك إلى‬
‫تشدده في شرط الصحيح ولهذا قال العلماء‪ :‬إن أبا حنيفة لم يخالف األحاديث عنادا بل خالفها اجتهادا‬
‫لحجج واضحة ودالئل صالحة وله بتقدير الخطأ أجر‪ ،‬وبتقدير اإلصابة أجران‪ ،‬والطاعنون عليه إما‬
‫حساد أو جهال بمواقع‪ %‬االجتهاد ‪.‬‬
‫هذا وأن أبا حنيفة ممن تذكر آراؤهم في مصطلح الحديث‪ ،‬فكيف يكون قليل البضاعة فيه‪ ،‬ثم يعتبر عند‬
‫علماء ذلك الفن من األئمة الذين تدون آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله‪ ،‬ويعتمد‪ %‬مذهبه بينهم ويعول‪%‬‬
‫عليه ردا أو قبوال؟‪.‬‬

‫مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪٣–١‬‬ ‫‪12‬‬


‫‪20‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫ولقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آالف شيخ‪ ،‬حتى عده الذهبي في تذكرته التي هي ثبت الحفاظ‪ ،‬وحدث‬
‫عنه يحيى بن نصر فقال‪ :‬دخلت عليه في بيت مملوء كتبا فقلت له‪ :‬ما هذا؟ فقال‪ :‬هذه األحاديث ما حدثت‬
‫‪13‬‬
‫منها إال اليسير‪ %‬الذي ينتفع به‪ ".‬انتهى _‬

‫االخذ بالحديث الصحيح‬


‫روي‪  ‬عن اإلمام أبي حنيفة رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫‪« - ١‬إذا صح الحديث فهو مذهبي»‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫قلت قواًل يخالف كتاب هللا وخبر الرسول صلى هللا عليه وسلم فاتركوا قولي»‪.‬‬
‫‪« - ٢‬إذا ُ‬
‫وقـد ذكـر السيوطي ضمـن الشروط المختلف فيها في صحة الحديث اشتراط فقه الراوي وذكر أن أبا‬
‫‪15‬‬
‫حنيفة اشترط‪ %‬ذلك في صحةالحديث‪،‬‬

‫غاية االحتياط في األخذ بالحديث‪ ‬‬

‫الجل ذلك تشدد أبو حنيفة رحمه هللا في عدة امور‪:‬‬

‫(الف) تشدده في ما تقدم من الشروط التي اشترطها‪  ‬ابو حنيفة رحمه هللا في قبول خبر االحاد مثالً‪:‬‬

‫‪  1‬أن ال يخالفه راويه‪    ،‬‬


‫‪ 2‬ال يكون مما تعم به البلوى‪   ‬‬
‫‪ 3‬أن ال يخالف القياس‪ ،‬وأن يكون راويه فقيها‪     ،‬‬
‫‪ 4‬عرض أخبار اآلحاد على األصول المجتمعة عنده بعد استقرائه موارد الشرع‪  ،‬‬
‫‪ 5‬عرض أخبار اآلحاد على عمومات الكتاب وظواهره‪    ‬أن ال يخالف السنة المشهورة سواء أكانت‬
‫سنة فعلية أو قولية عمال بأقوى الدليلين‬
‫‪ 6‬أن ال يعارض خبر مثله‪ ،‬وعند التعارض يرجح أحد الخبرين على اآلخر‪ ،‬بوجوه ترجيح تختلف‬
‫أنظار المجتهدين فيها ككون أحد الراويين فقيها أو أفقه بخالف اآلخر‪.‬‬
‫‪ 7‬أن ال يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة االحتجاج بالخبر الذي رواه أحدهم‬

‫‪ 13‬مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪٥‬‬


‫‪ 14‬الرد على اللمع‪   — ٦٨/١  ‬شحاتة صقر (معاصر)‬
‫‪ 15‬انظر قول ابن حزم في ملخص إبطال الرأي والقياس واالستحسان ص‪ .٦٨‬وقواعد في علم الحديث ص‪ ، ٩٦–٩٥‬‬
‫‪21‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪ 8‬عدم مخالفة‪  ‬الخبر للعمل المتوارث بين الصحابة والتابعين وبمقتضى هذه القواعد ترك اإلمام أبو‬
‫‪16‬‬
‫حنيفة‪  ‬رحمه هللا العمل بأحاديث كثيرة من اآلحاد …‬

‫(باء) تشدده فيما اشترط في الضبط من عدم جواز الرواية من الكتب‬

‫كما جاء في الجواهر المُضِ يَّة في طبقات الحنفية للحافظ عبد القادر‬
‫القرشي‬
‫" قال َّ‬
‫الط َحاوي ‪ :‬حدثنا سليمان بن شعيب‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬قال‪ :‬أملى علينا أبو يوسف‪ %‬قال ‪ :‬قال أبو حنيفة ‪:‬‬
‫ث من الحديث إال بما َحفِ َظ ُه من يوم َس ِم َع ُه إلى يوم ي َُح ِّد ُ‬
‫ث بـه"‪ ‬‬ ‫ال ينبغي للرجل أن ي َُح ِّد َ‬
‫ِ‬

‫سمعت شيخنا العالمة الحجة زين الدين بن الكناني‪ ،‬في درس الحديث بالقُ َّب ِة‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬قال القرشي قلت ‪:‬‬
‫ص ُر هذا القول‪ ،‬وسمعته يقول في هذا المجلس‪ :‬ال َي ِح ُّل لي‬‫المنصورية ‪ ،‬وكان أحد سالطين العلماء‪َ ،‬ين ُ‬
‫أن أروي‪ %‬إال قوله ' أنا النبيُّ ال َكذِب‪،‬أنا ابن عبد الم َّ‬
‫ُطلِب'‬
‫فإني َحفِظ ُت ُه من ِ‬
‫حين سمعته إلى اآلن‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬ولكنَّ أكثر الناس على خالف ذلك‪ ،‬ولهذا قلَّ ْ‬


‫ت رواية أبي حنيفة لهذه العلة ال لعلة أخرى َز َعمها‬
‫‪17‬‬
‫المتحاملون عليه‪.‬‬

‫و كذلك ما روي (عن) اإلمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي‪( %‬المنع)‪ ،‬وأنه ال حجة إال فيما رواه‬
‫الراوي من حفظه وتذكره للمروي‪ %‬تفصيال من حين سمعه إلى أن يؤديه‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫قال ابن معين فيما رواه الخطيب‪ :‬كان أبو حنيفة يقول‪ :‬ال يحدث الرجل إال بما يعرف ويحفظ‪.‬‬

‫قال الخطيب فى الكفاية في علم الرواية‪ ‬‬

‫‪ 16‬انظر إعالم الموقعين‪ ٨١ /١ :‬و مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪٣–١‬‬

‫‪ 17‬طبقات الحنفية للحافظ عبد القادرالقرشي ص ‪ ۳۰ : ۱‬و ‪ ۳۱‬و ‪  ۳۲‬الطبعة األولى‪.‬‬


‫‪ 18‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ص ‪   ___١٢٤ / ٣‬شمس الدين السخاوي (ت ‪ )٩٠٢‬‬
‫‪22‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫ْن َسه ٍْل ْالم َُخرِّ مِيُّ ‪ ،‬ثنا‬ ‫ْن َع ْب ِد هَّللا ِ ْال َكاتِبُ ‪ ،‬أنا َأبُو َب ْك ٍر م َُح َّم ُد بْنُ ُح َم ْي ِد ب ِ‬ ‫"َأ ْخ َب َر َنا‪َ %‬أبُو َع ْب ِد هَّللا ِ َأحْ َم ُد بْنُ م َُح َّم ِد ب ِ‬
‫ِين َوسُِئ َل‬ ‫ب َأ ِبي ِب َخ ِّط َي ِد ِه َقا َل َأبُو َز َك ِريَّا َيعْ نِي َيحْ َيى ب َْن َمع ٍ‬ ‫ت فِي ِك َتا ِ‬ ‫َّان‪َ ،‬قا َل َو َج ْد ُ‬‫ْن ِحب َ‬ ‫َعلِيُّ بْنُ ْال ُح َسي ِ‬
‫ْن ب ِ‬
‫ث ِإاَّل ِب َما َتعْ ِرفُ‬ ‫ان َأبُو َحنِي َف َة َيقُو ُل اَل ُت َح ِّد ُ‬ ‫ِيث ِب َخ ِّط ِه اَل ِب ِح ْفظِ ِه َف َقا َل َأبُو َز َك ِريَّا « َك َ‬ ‫َع ِن الرَّ ج ُِل‪َ ،‬ي ِج ُد ْال َحد َ‬
‫ث ِب ُك ِّل َشيْ ٍء َي ِج ُدهُ فِي ِك َت ِاب ِه ِب َخ ِّط ِه َع َر َف ُه َأ ْو لَ ْم َيعْ ِر ْف ُه "‬ ‫ظ» ‪َ .‬قا َل َأبُو َز َك ِر َّيا‪َ %‬وَأمَّا َنحْ نُ َف َنقُو ُل ِإ َّن ُه ي َُح ِّد ُ‬ ‫َو َتحْ َف ُ‬

‫ص َّح عِ ْندَ هُ َس َما ُع َما َت َ‬


‫ضم ََّن ِك َتا ُب ُه‬ ‫َقا َل ْال َخطِ يبُ ‪َ :‬ق ْولُ ُه َأ ْو لَ ْم َيعْ ِر ْف ُه َيعْ نِي ِب ِه َأ ْو لَ ْم َيحْ َف ْظ ُه ِب َع ْي ِنهِ‪َ ،‬وَأِل َّن ُه ِإ َذا َ‬
‫ث ِبا ْنف َِرا ِد ِه َعلَى ال َّت ْفصِ ِ‬
‫يل‬ ‫ِيث ِم ْنهُ‪َ ،‬واَل َيحْ َتا ُج ِإلَى َأنْ َيعْ َت ِب َر َس َما َع ُه لِ ُك ِّل َحدِي ٍ‬ ‫از لَ ُه ال َّتحْ د ُ‬ ‫فِي ْال ُج ْملَ ِة َج َ‬
‫‪19‬‬
‫ين َوهَّللا ُ َأعْ لَ ُم"‬
‫َوال َّتعْ ِي ِ‬

‫ار َأ ِبي َحنِي َف َة ‪َ -‬رضِ َي هَّللا ُ َت َعالَى َع ْن ُه ‪َ -‬ما ُيفِي ُدهُ َق ْولُهُ‪ :‬اَل َي ْن َبغِي لِلرَّ ج ُِل َأنْ‬ ‫َأ‬
‫قال ابن عابدين '' َومِنْ عْ َذ ِ‬
‫ث ِبهِ‪َ ،‬فه َُو اَل َي َرى الرِّ َوا َي َة إاَّل لِ َمنْ َحفِ َظ‪َ .‬و َر َوى‬ ‫ظ ُه َي ْو َم َس ِم َع ُه إلَى َي ْوم ي َُح ِّد ُ‬ ‫ث إاَّل ِب َما َيحْ َف ُ‬
‫ث مِنْ ْال َحدِي ِ‬ ‫ي َُح ِّد َ‬
‫ِ‬
‫ث فِي ِه فِ ْق ٌه َوَأ َش ُّد‬
‫ان َأحْ َف َظ ُه لِ ُك ِّل َحدِي ٍ‬ ‫س َأ َّن ُه َقا َل‪ :‬نِعْ َم الرَّ ُج ُل ال ُّنعْ َمانُ ‪َ ،‬ما َك َ‬ ‫ْال َخطِ يبُ َعنْ إسْ َراِئي َل ب ِ‬
‫ْن يُو ُن َ‬
‫‪20‬‬
‫ْن َح َج ٍر‪".‬‬ ‫ان اِل ب ِ‬ ‫َفحْ صِ ِه َع ْنهُ‪َ ،‬وَأعْ لَ ُم ُه ِب َما فِي ِه مِنْ ْالفِ ْقهِ‪َ ،‬و َت َما ُم ُه فِي ْال َخي َْرا ِ‬
‫ت ْالح َِس ِ‬

‫وقد مرّ سبب تشدد اإلمام في الرواية‬


‫نقل العالمة‪  ‬المال على القاري رحمه هللا تعالى (ت ‪ )١٠١٤‬في شرح مسند االمام ابي حنيفة "وأما‬
‫تشدده رحمه هللا تعالى في شروط قبول األحاديث التي تروى‪ %‬آحادا فكان مبعثه االحتياط البالغ لدين هللا‪،‬‬
‫وذلك أن وضع األحاديث في عصره قد كثر كثرة مزعجة من الزنادقة والمبتدعة فاضطره ذلك إلى‬
‫تشدده في شرط الصحيح ولهذا قال العلماء‪ :‬إن أبا حنيفة لم يخالف األحاديث عنادا بل خالفها اجتهادا‬
‫لحجج واضحة ودالئل صالحة وله بتقدير الخطأ أجر‪ ،‬وبتقدير اإلصابة أجران‪ ،‬والطاعنون عليه إما‬
‫حساد أو جهال بمواقع‪ %‬االجتهاد ‪.‬‬
‫هذا وأن أبا حنيفة ممن تذكر آراؤهم في مصطلح الحديث‪ ،‬فكيف يكون قليل البضاعة فيه‪ ،‬ثم يعتبر عند‬
‫علماء ذلك الفن من األئمة الذين تدون آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله‪ ،‬ويعتمد‪ %‬مذهبه بينهم ويعول‪%‬‬
‫عليه ردا أو قبوال؟‪.‬‬
‫ولقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آالف شيخ‪ ،‬حتى عده الذهبي في تذكرته التي هي ثبت الحفاظ‪ ،‬وحدث‬
‫عنه يحيى بن نصر فقال‪ :‬دخلت عليه في بيت مملوء كتبا فقلت له‪ :‬ما هذا؟ فقال‪ :‬هذه األحاديث ما حدثت‬
‫‪21‬‬
‫منها إال اليسير‪ %‬الذي ينتفع به‪ ".‬انتهى _‬

‫‪ 19‬الكفاية في علم الرواية ص ‪٢٣١/١‬‬


‫‪ 20‬حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي ‪   —  ‬ابن عابدين (ت ‪ )١٢٥٢‬ص ‪ ٦١/١‬‬
‫‪ 21‬مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص ‪٥‬‬
‫‪23‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫موقفه في العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس‪:‬‬

‫قال ابن حزم أيضا ً في كتابه ( اإلحكام في أصول األحكام ‪ ) ٥٤ : ،‬قال أبو حنيفة " الخبر الضعيف عن‬
‫‪22‬‬
‫رسول هللا أولى من القياس ‪ ،‬وال يحل القياس مع وجوده ''‬
‫ألنه أقوى عنده من رأي الرجال ‪،‬ولهذا قال شيخ اإلسالم ابن تيميه‪« :‬ومن ظن بأبي حنيفة أو غيره من‬
‫أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم‪ ،‬وتكلم إما بظن‪،‬‬
‫وإما بهوى‪ ،‬فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضؤ‪ %‬بالنبيذ في السفر ‪ 23‬ومخالفته للقياس‪ ،‬وبحديث القهقهة‬
‫‪25‬‬
‫في الصالة ‪ 24‬مع مخالفته للقياس‪،‬‬

‫‪. 22‬اإلحكام في أصول األحكام ‪ ٥٤ : ،‬‬


‫‪ 23‬يشير إلى حديث عبد هللا بن مسعود أن النبي ﷺ قال له ‪-‬ليلة الجن‪ -‬ما في إداوتك قال‪ :‬نبيذ‪ ،‬قال تمرة طيبة وماء‬
‫طهور‪ ،‬رواه اإلمام أحمد في مسند ابن مسعود ‪ ،٦٦٣ / ١‬وأبو داود في سننه ‪ ،٢١ / ١‬برقم ‪ ،٨٤‬وانظر سنن ابن ماجه‪١‬‬
‫‪ ،١٣٥ /‬رقم ‪ ،٣٨٤‬وسنن الترمذي ‪ ،١٤٧ / ١‬رقم ‪ ،٨٨‬قال الحافظ في الفتح ‪« :٣٥٤ / ١‬وهذا الحديث أطبق علماء‬
‫السلف على تضعيفه»‬
‫‪ 24‬الحديث رواه الدارقطني بسنده عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال إذا قهقه أعاد الوضوء وأعاد الصالة‪ ،‬ثم قال‬
‫الدارقطني‪« :‬فهذه أقاويل أربعة عن الحسن كلها باطلة؛ ألن الحسن إنما سمع هذا الحديث من حفص بن سليمان المنقري‬
‫عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية الرياحي مرسال عن النبي ﷺ» ا‪ .‬هـ‪ ،‬انظر سنن الدارقطني كتاب الطهارة ‪ -‬باب‬
‫أحاديث القهقهة في الصالة وعللها ‪ ،١٦٥-١٦٤ / ١‬وانظر في تمام تخريجه نصب الراية للزيلعي مع الهداية ‪-١٠٦ / ١‬‬
‫‪.١١٤‬‬
‫‪ 25‬مجموع الفتاوى ‪   —  ‬ابن تيمية (ت ‪)٧٢٨‬‬
‫‪24‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪26‬‬
‫وهذا أيضا ً رأي اإلمام أحمد ‪ ،‬فانه قال ‪ :‬إن ضعيف الحديث أحب إليه من رأي الرجال‬
‫قال الشيخ ظفر احمد عثماني (في قواعد في علوم الحديث) وليس المراد بالضعيف‪ %‬ما كان شديد‬
‫الضعف ‪ ،‬فانه ال يُعمل أصالً ‪ ،‬كما قدمناه " عن الدر المختاره‪ ،‬وال يثبت به شي؟ بل المراد به ما قاله‬
‫ابن القيم في " إعالم الموقعين" حيث ذكر أصول أحمد في فتاواه ) ‪ .‬وقال ‪>>:‬ا ألصل الرابع األخذ‬
‫بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه‪ ،‬وهو الذي رجحه على القياس ‪ ،‬وليس‬
‫المراد بالضعيف عنده الباطل وال المنكر وال ما في روايته متهم ( بالكذب ) ‪ ،‬بحيث ال يسوغ الذهاب‬
‫إليه فالعمل به ‪.‬‬
‫وليس المراد بالحديث الضعيف في اصطالح السلف هو الضعيف في اصطالح المتأخرين‪ ،‬بل ما يُسميه‬
‫‪27‬‬
‫المتأخرون َح َسنا ً قد يسميه المتقدمون ضعيفا ً كما تقدم بيانه<<<‬

‫* قال الشيخ عوامة ينبغي أن يجعل الحديث الضعيف‪ %‬في هذا الباب أربعة أقسام ‪ :‬‬
‫(‪ )١‬الضعيف‪ %‬المنجبر‪ %‬الضعف‪ %‬بمتابعة أو شاهد وهو ما يقال في أحد رواته ‪ :‬لين الحديث‪ ،‬أو ‪ :‬فيه‬
‫لين ‪ ... ،‬وهو الحديث الملقب بالمشبه أي المشبه بالحسن من وجه ‪ ،‬وبالضعيف من وجه آخر ‪ ،‬وهو‬
‫إلى الحسن أقرب ‪ .‬‬
‫(‪ )٢‬الضعيف‪ %‬المتوسط الضعف ‪ ،‬وهو ما يقال في راويه ‪ :‬ضعيف الحديث ‪ ،‬أو ‪ :‬مردود‪ %‬الحديث ‪ ،‬أو ‪:‬‬
‫منكر الحديث ‪ )٣( . ،‬الضعيف الشديد الضعف ‪ ،‬وهو ما فيه متهم أو متروك ‪.‬‬
‫(‪ )٤‬الموضوع‪ ‬‬
‫فالشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما هللا تعالى يدخالن القسم األول تحت كالم اإلمام أحمد ‪ ،‬بناء‬
‫على أنه يشمله اسم الضعيف من جهة ‪ ،‬واسم الحسن لغيره من جهة أخرى ‪ .‬والظاهر‪ - %‬وهللا أعلم ‪-‬‬
‫إدخال القسم الثاني في مراد اإلمام أحمد‪..‬‬
‫والذي حمل الشيخ ابن تيمية ‪ -‬ومن تابعه – على هذا التفسير لكالم اإلمام أحمد رأي آخر له أي البن‬
‫تيمية ‪ ،‬بنى عليه هذا التفسير ‪ ،‬وهو ادعاؤه أن الحديث عند المتقدمين ينقسم إلى صحيح و ضعيف فقط‪ ‬‬
‫وأن الحسن اصطالح أحدثه الترمذي ‪ ،‬بل نقل ابن تيمية اإلجماع على هذا االدعاء ‪ ،‬كما في «فتح‬
‫المغيث ‪ ،‬للسخاوي ص ‪ ، ٥‬‬
‫وهذا غير صحيح‪ ،‬إذ أن إطالق ( الحسن ) على الحديث ‪ -‬وعلى الراوي أيضا ً ‪ -‬وارد‪ %‬على لسان عدة‬
‫من العلماء السابقين للترمذي ‪ ،‬من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه‪ ،‬بل ورد هذا اإلطالق على لسان اإلمام‬
‫أحمد نفسه ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في نكته على مقدمة ابن الصالح » ‪ :‬ه وأما علي بن المديني فقد أكثر‬

‫‪ 26‬قواعد في علوم الحديث ص‪١٠٧-٩٧‬‬


‫‪ 27‬المرجع السابق‬
‫‪25‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫من وصف‪ %‬األحاديث بالصحة وبالحسن في مسنده » ولي علله ‪ ..‬وظاهر‪ %‬عبارته قصد‪ %‬المعنى‬
‫االصطالحي ‪ ،‬وكأنه اإلمام السابق لهذا االصطالح ‪ ،‬وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد ‪،‬‬
‫وعن البخاري‪ %‬أخذ الترمذي ‪ ....‬‬
‫ثم قال في اخره‪...‬ثم ما هو الداعي إلى تفسير كلمة ( ضعيف ) بالحسن ؟ مع أن ظاهر كالم اإلمام أحمد‬
‫يشير إلى أن مراده بالضعيف ‪ :‬الضعيف الذي لم تحقق فيه شروط القبول ‪ ،‬فإنه يريد أن الرأي ال يعتد‬
‫به عنده ما دام قد نقل في المسألة نص ولو ضعيفا ً ‪ ،‬فإن الضعيف خير من الرأي روى ابن حزم في‬
‫المحلى ( ‪ ) ٦۸ : ۱‬عن عبد هللا بن أحمد بن حنبل قال ‪ :‬سألت أبي عن الرجل يكون ببلد ال يجد فيه إال‬
‫صاحب حديث ال يعرف صحيحه من سقيمه‪ ،‬وأصحاب‪ %‬رأي ‪ ،‬فتنزل به النازلة من يسأل ؟ فقال أبي ‪:‬‬
‫يسأل صاحب الحديث وال يسأل صاحب الرأي ‪ ،‬‬
‫وال عتب عليه في هذا التقديم واالعتبار ‪ ،‬ألنه معلوم ومقرر أن التضعيف ومثله التصحيح ‪ -‬أمر‬
‫اجتهادي ‪ ،‬فقد يضبط المغفل المختلط المتغير ‪ ،‬وقد‪ %‬يحفظ سيء الحفظ ‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫وإذا فسرنا ( الضعيف‪ ) %‬بالحسن ‪ -‬بقسميه ‪ -‬فأي فائدة في هذا التنصيص من اإلمام أحمد على أن الحسن‬
‫مقدم على الرأي ؟ إذ أن هذا أمر ثابت مقرر ‪ ،‬فالحسن حجة في كافة وجوه االحتجاج ‪ ،‬ولم ينقل أحد‬
‫من المتقدمين نفي االحتجاج بالحسن ‪ ،‬إال ما نقل عن أبي حاتم ثم عن القاضي ابن العربي‪ %‬وشيخه‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫(انتهى ملخص ما قال الشيخ عوامه)‬

‫مذهبه في الحديث الموقوف على الصحابة و حجيته‪:‬‬


‫ههنا مسئلتان ‪:‬‬
‫(‪ )١‬حجية قول الصحابي‬
‫(‪ )٢‬حكم‪  ‬قول الصحابي‬

‫(‪ )١‬حجية قول الصحابي‬


‫ليعلم اوال شيئين‬

‫‪ 28‬قواعد في علوم الحديث ص‪١٠٧-٩٧‬‬


‫‪26‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪ _١‬ليس قول الصحابي حجة لذاته؛ فالصحابي في نفسه ليس معصوما‪ ،‬بدليل أن الصحابة يختلفون على‬
‫قولين‪ ،‬فإذن ليس قول الصحابي‪ %‬في نفسه حجة‪ ،‬وإنما هو حجة لما انضاف إليه‪ ،‬كما قاله اإلمام ابن القيم‬
‫‪_٢‬قول الصحابي حجة من باب الظن الغالب‪ ،‬وقد‪ %‬نص على هذا ابن القيم في كتابه «إعالم‬
‫الموقعين» ؛ وذلك أن اإلجماع الظني إجماع من باب الظن الغالب؛ ألن اإلجماع نوعان‪ :‬قطعي‪ %‬وظني‪،‬‬
‫فما بني على نص ظاهر‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬أقيموا الصالة وآتوا الزكاة﴾‪ ،‬فهو‪ %‬إجماع قطعي‪ ،‬وما ليس كذلك‬
‫‪29‬‬
‫فهو إجماع ظني‪ ،‬فالقول بحجية قول الصحابي هو من باب الظن الغالب‪.‬‬

‫ثم اعلم_ إذا قال الصحابي قوال فإما أن يخالفه صحابي آخر أو ال يخالفه‪ ،‬فإن خالفه مثله لم يكن قول‬
‫أحدهما حجة على اآلخر‪ ،‬وإن خالفه أعلم منه كما إذا خالف الخلفاء الراشدون‪ %‬أو بعضهم غيرهم من‬
‫الصحابة في حكم‪ ،‬فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أو بعضهم‪ %‬حجة على اآلخرين؟ فيه‬
‫قوالن للعلماء‪ ،‬وهما روايتان عن اإلمام أحمد‪ ،‬والصحيح أن الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم أرجح‪،‬‬
‫وأولى أن يؤخذ به من الشق اآلخر‪ ،‬فإن كان األربعة في شق فال شك أنه الصواب‪ ،‬وإن كان أكثرهم في‬
‫شق فالصواب فيه أغلب‪ ،‬وإن كانوا اثنين واثنين فشق‪ %‬أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب‪ ،‬فإن اختلف‬
‫أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر‪ .‬‬
‫‪ ‬‬
‫وان لم يخالفه احد من الصحابة فهو ال يخلو عن حالتين اما اشتهر قوله او لم يشتهر فان اشتهر قوله فهو‪%‬‬
‫اجماع وحجة عند جماهير الطوائف من الفقهاء لكن قالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء‬
‫المتأخرين‪ :‬ال يكون إجماعا وال حجة‪ ،‬وان لم يشتهر‪ %‬او لم يعلم انه هل اشتهر ام ال؟ فالذي‪ %‬عليه جمهور‬
‫األمة أنه حجة هذا قول جمهور الحنفية‪ ،‬صرح به محمد بن الحسن‪ ،‬وذكر عن أبي حنيفة نصا‪ ،‬وهذا‬
‫‪30‬‬
‫ايضا قول االمام مالك واحمد والشافعي‪ %‬في القديم والجديد ‪.‬‬
‫و قول الصحابي مقدم على القياس عند ابي حنيفه رحمه هللا تعالى حيث قال‪« :‬إني آخذ بكتاب هللا إذا‬
‫وجدته‪ ،‬فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول هللا ﷺ‪ ،‬واآلثار‪ %‬الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات؛‬
‫فإذا لم أجد في كتاب هللا وال سنة رسول هللا أخذت بقول من شئت من أصحابه وأدع قول من شئت‪ ،‬ثم ال‬
‫أخرج من قولهم إلى غيرهم‪ ،‬فإذا انتهى األمر إلى إبراهيم والشعبي‪ ،‬والحسن‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وسعيد بن‬
‫‪31‬‬
‫المسيب‪ ،‬فلي أن اجتهد كما اجتهدوا»‪.‬‬

‫‪ 29‬ص ‪ ١٦‬االنتصار في حجية قول الصحابة األخيار ‪   —  ‬عبد العزيز الريس (معاصر)‬
‫‪ 30‬إعالم الموقعين عن رب العالمين ‪ -‬ط العلمية ‪   —  ‬ابن القيم (ت ‪ )٧٥١‬ص‪٩٥/٤—٩١/٤‬‬
‫‪ 31‬ص‪ ٣٣٢/١‬تاريخ التشريع اإلسالمي ‪   —  ‬مناع القطان (ت ‪)١٤٢٠‬‬
‫‪27‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫وفي رواية أخرى عن اإلمام أنا نأخذ أوالً بالكتاب ثم السنة ثم باقضية الصحابة‪  ‬ونعمل بما يتفقون‬
‫‪32‬‬
‫عليه ‪ ،‬فإن اختلفوا قسنا حكما علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعنى‪.‬‬

‫(‪ )٢‬حكم قول الصحابي‪:‬‬

‫س»‪ِ :‬إ َذا َقا َل الص ََّح ِابيُّ َق ْواًل اَل َي ْق َتضِ ي ِه ْالقِ َياسُ ‪َ ،‬فِإ َّن ُه َمحْ مُو ٌل َعلَى ْالمُسْ َن ِد ِإلَى‬ ‫َو َقا َل ابْنُ ْال َع َر ِبيِّ فِي ْ‬
‫«ال َق َب ِ‬
‫‪33‬‬
‫ال َّن ِبيِّ ﷺ‪َ ،‬و َم ْذ َهبُ َمالِكٍ َوَأ ِبي َحنِي َف َة َأ َّن ُه َك ْالمُسْ َندِ‪ .‬ا ْن َت َهى‪.‬‬
‫نقل الشيخ ظفر احمد عثماني مثله في كتابه 'قواعد في علوم الحديث' حيث قال وكذا ان يقول الصحابي‪%‬‬
‫الذي لم يأخذ عن الكتب القديمة قوال ال مجال لالجتهاد فيه ‪ ،‬وال له تعلق ببيان لغة وشرح غريب كأخبار‬
‫َب ْدء ْالخلق واألنبياء والمالحم‪ %‬والفتن وأحوال‪َ %‬ي ْوم ْالقِ َيا َمة وكأخبار‪َ %‬ت َ‬
‫ضمَّنت اِإْل ْخ َبار‪َ %‬عمَّا يحصل ِبفِعْ لِ ِه‬
‫ً ‪34‬‬
‫َث َواب َم ْخصُوص َأو عِ َقاب َم ْخصُوص ‪ :‬مرفوع حكما ً كما في قفو األثر أيضا‬

‫وكذا قو ُل الصحابي‪ %‬المجتهد فيما ال نص فيه حُجَّ ًة عندنا يُترك به القياس ‪ ،‬فاذا شاع وسكتوا‪ %‬مسلمين‬
‫يجب تقليده إجماعا ً ‪ ،‬وال يجب إجماعا ً فيما ثبت الخالفُ بينهم‪ ،‬ألن ذلك بمنزلة خالف المجتهدين ‪،‬‬
‫فيجوز‪ %‬لمن بعدهم أن يعمل بأيهما شاء‪ ،‬وال يتعدى إلى الشق الثالث ألنه صار باطالً باإلجماع المر َّكب‬
‫من هذين الخالفين ‪ .‬وإذا اختلفوا فكل ما ما ثبت فيه اتفاق الشيخين يجب االقتداء به ‪ .‬وإذا لم يُعلم فيه‬
‫خالفهم من وفاقهم‪ %‬فهو حجة عندنا ‪ ،‬الحتمال السماع من النبي ‪ .‬ولئن سلّم أنه ليس مسموعا ً منه بل هو‬
‫‪35‬‬
‫رأي ‪ ،‬فرأي الصحابة أقوى من رأي غيرهم كذا في «نور األنوار »‬

‫حكم الحديث المرسل عند أبي حنيفة‪:‬‬


‫مراسل الصحابة مقبولة باالجماع أما مراسل التابعين و اتباعهم مقبولة عند ابي حنيفة ومالك رح‪ .‬مطلقا‬
‫وكذلك عند احمد في روايته المشهورة‪ .‬اما عند الشافعي فمقبول مقيدا بشرائط‪ %‬اي بشرط أن يكون‬

‫الميزان ص ‪ ٢٢٩-٢٢٤‬لالمام الشعراني (ت‪)٩٧٣‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ 33‬ص ‪ ١٦٢/١‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ‪   —  ‬شمس الدين السخاوي (ت ‪)٩٠٢‬‬

‫‪ 34‬قفو األثر ص ‪ ٢٣‬و قواعد في علوم الحديث ص‪١٢٧‬‬


‫‪ 35‬نور األنوار ص ‪ ٢١٦‬و قواعد في علوم الحديث ص ‪٢٢٨‬‬
‫‪28‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫الحديث مسندا من طريق اخر او مرسال من طريق‪ %‬اخر وشيوخهما مختلفة أو أن يقويه قول صحابي أو‬
‫أن يعضده قول اكثر العلماء او أن يكون الراوي ممن ال يرسل اال عن ثقة ‪ .‬فالخالصة ان مراسل اهل‬
‫القرون الثالثة المشهود اها بالخيرة مقبولة مطلقا ً عند ابي حنيفة رحمه هللا‪.‬‬

‫وقد نقل شيخنا ظفر احمد العثماني التهانوي قول ابن الحنبلي في كتابه "قواعد في علوم الحديث"‬
‫والمختار في التفصيل قبول‪ %‬مرسل الصحابي‪ %‬إجماعاً‪ ،‬ومرسل‪ %‬أهل القرن الثاني والثالث عندنا ( أي‬
‫الحنفية ) وعند مالك مطلقاً‪ ،‬وعند الشافعي‪ %‬بأحد أمور خمسة ‪ :‬أن يُسنده غيره‪ ،‬أو أن يرسله آخر‬
‫وشيوخهما‪ %‬مختلفة ‪ ،‬أو أن يعضده قول صحابي‪ ، %‬أو أن َيعضُده قو ُل أكثر العلماء‪ ،‬أو أن يُعرف ‪ .‬أنه ال‬
‫يُرسل إال عن عدل ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫مرس ُل من دون هؤالء فمقبول عند بعض أصحابنا مردود‪ %‬عند آخرين ‪ ،‬إال أن يروي الثقات‬
‫َ‬ ‫‪ - ‬وأما‬
‫مرسله كما رووا مُس َنده ‪ ( ،‬فيقبل اتفاقاً‪ .‬فان كان الراوي‪ %‬يرسل عن الثقات وغيرهم ‪ :‬فعن أبي بكر‬
‫الرازي من أصحابنا وأبي الوليد الباجي من المالكية عدم قبول مرسله اتفاقا ً ‪ .‬كذا في «قفو‬
‫‪37‬‬
‫األثر»‪36.‬أيضاً_ انتهى‪.‬‬

‫ذكر العالمة‪  ‬المال على القاري رحمه هللا تعالى (ت ‪ )١٠١٤‬في شرح مسند االمام ابي حنيفة حيث قال‬
‫"من أصوله (اي اصول ابي حنيفة ) قبول مرسالت الثقات إذا لم يعارضها‪ %‬ما هو أقوى منها‪،‬‬
‫واالحتجاج بالمرسل كان سنة متوارثة جرت عليه األمة في القرون الفاضلة حتى قال ابن جرير‪ :‬رد‬
‫‪38‬‬
‫المرسل مطلقا بدعة حدثت في رأس المائتين"‪.‬‬

‫وههنا تفصيل اخر من كالم الشيخ ابن تيمية حيث ذكره 'في منهاج السنة النبوية'‪"  ‬والمراسيل قد تنازع‪%‬‬
‫الناس في قبولها وردها‪ ،‬وأصح األقوال أن منها المقبول‪ ،‬ومنها المردود‪ ،‬ومنها الموقوف‪ ،‬فمن علم من‬
‫حاله أنه ال يرسل إال عن ثقة قبل مرسله‪ ،‬ومن عرف أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية‬
‫‪39‬‬
‫عمن ال يعرف حاله فهذا موقوف‪ %،‬وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا‪".‬‬

‫‪ 36‬قفو األثر ص‪١٥–١٤‬‬


‫‪ 37‬قواعد في علوم الحديث ص ‪١٣٨‬‬
‫‪ 38‬شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪٥‬‬
‫‪ 39‬منهاج‪ %‬السنة النبوية ‪٤٣٥/٧‬‬
‫‪29‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المالحظة ‪ :‬حكم المرسل عند المحدثين‬


‫«‪:‬الذي ذهب إليه جمهور المحدثين أن المرسل من قبيل الحديث الضعيف‪ %‬للجهل بحال المحذوف؛ ألنه‬
‫ال يتعين أن يكون التابعي رواه عن الصحابي‪ ،‬بل يجوز أن يكون رواه عن تابعي آخر‪ ،‬وهو يحتمل أن‬
‫يكون ثقة أو غير ثقة‪ ،‬وعلى األول يحتمل أن يكون رواه عن تابعي أو صحابي‪ ،‬وعلى األول يحتمل أن‬
‫يكون ثقة أو غير ثقة‪ ،‬وهكذا يتعدد هذا االحتمال إما بالتجويز‪ %‬العقلي‪ ،‬فإلى ما ال نهاية‪ ،‬وإما باالستقراء‪،‬‬
‫فإلى ستة أو سبعة‪ ،‬وهو أكثر ما وجد من رواية بعض التابعين عن بعض‪ ،١‬ومتى‪ %‬احتمل أن يكون‬
‫المروي عنه ضعيفا‪ ،‬فقد سقط عن درجة االحتجاج به‪.‬‬
‫وأما حكم المرسل عند الفقهاء فقد احتج به مالك وأبو حنيفة وأصحابهما‪ ،‬وقد حكي عن اإلمام أحمد‬
‫االحتجاج به في رواية‪ .‬وقال في التدريب‪»:‬قال النووي في «شرح المهذب»‪ :‬وقيد ابن عبد البر وغيره‬
‫ذلك بما إذا كان من أرسله ال يرسل عن غير الثقات‪ ،‬فإن كان‪ ،‬فال خالف في رده‪ ،‬وقال غيره‪ :‬محل‬
‫قبوله عند الحنفية ما إذا كان مرسله من أهل القرون الثالثة الفاضلة‪ ،‬فإن كان من غيرهم‪ ،‬فال؛ لحديث‪:‬‬
‫«ثم يفشو الكذب» ‪ ،٢‬رواه النسائي وصححه‪.‬‬
‫ونقل أبو بكر الرازي من الحنفية‪ ،‬وأبو‪ %‬الوليد الباجي من المالكية‪ :‬أن الراوي إذا كان يرسل عن الثقات‪،‬‬
‫‪40‬‬
‫وغيرهم‪ :‬أن مرسله ال يقبل اتفاقا‪ ،‬وأما إذا لم يعلم حاله‪ ،‬فمرسله مقبول اتفاقا عند الحنفية والمالكية‪.‬‬

‫ونقل الشيخ عبد الفتاح ابو غده رحمه هللا تعالى‪(  ‬في تعليق قواعد في علوم الحديث) قول الحافظ‪ %‬ابن‬
‫رجب الحنبلي رحمه هللا تعالى حيث قال‪ :  ‬واحتج بالمرسل‪ %‬أبو حنيفة وأصحابه‪ ،‬ومالك وأصحابه ‪،‬‬
‫وكذا الشافعي وأحمد وأصحابهما ‪ - ١ :‬إذا اعتقد بمسند آخر ‪ - ۲ ،‬أو مرسل آخر بمعناه عن آخر ‪ ،‬فيدل‬
‫على تعدد المخرج ‪ - ٣ ،‬أو وافقه قول بعض الصحابة ‪ - ٤ ،‬أو إذا قال به أكثر أهل العلم ‪ .‬فإذا وجد‬
‫أحد هذه األربعة دل على حجة صحة المرسل‪ .  ‬‬
‫ثم قال رحمه هللا تعالى ‪  :‬واعلم أنه ال تنافي‪ %‬بين كالم الحفاظ وكالم الفقهاء في هذا الباب ‪ ،‬فإن الحفاظ‬
‫إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسالً‪ ،‬وهو ليس بصحيح على طريقهم ‪ ..‬ومصطلحهم‪. %‬‬
‫اتصال إسناده إلى الذي ‪ .‬وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث ‪ ،‬فإذا عضد ذلك‬
‫المرسل قرائن تدل على أن له أصالً قوي الظن بصحة ما دل عليه ‪ ،‬فاحتج به مع ما احنف من‬
‫‪41‬‬
‫القرائن ‪..‬‬

‫‪ 40‬ص ‪ ٢٨٣-٢٨٢‬الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ‪                    —  ‬‬


‫‪     ‬محمد أبو شهبة (ت ‪)١٤٠٣‬‬
‫‪ 41‬انظر تعليق قواعد في علوم الحديث ص ‪١٤٣‬‬
‫‪30‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫حكم الحديث المعنعن‪:‬‬


‫‪ ‬وهو الحديث المروي بلفظ عن فحكمه عند المحدثين هو القبول بشروط ومنهم‪ %‬أبو حنيفة ‪ .‬قال السخاوي‪%‬‬
‫في فتح المغيث ‪ " :‬أجمعوا ‪ -‬أي أهل الحديث ‪ -‬على قبول اإلسناد المعنعن ال خالف بينهم في ذلك إذا‬
‫‪42‬‬
‫جمع شروطاً‪ %‬ثالثة ‪ :‬العدالة واللقاء مجالسة ومشاهدة والبراءة من التدليس "‬

‫قال ابن الصالح‪ :‬ومن الحجة في ذلك وفي‪ %‬سائر‪ %‬الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه‪ ،‬لكان بإطالقه الرواية‬
‫عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا‪ ،‬والظاهر السالمة من وصمة التدليس‪ ،‬والكالم فيمن لم‬
‫يعرف بالتدليس (وبعضهم) كالحاكم (حكى بذا) المذهب (إجماعا)‪ ،‬وعبارته‪ :‬األحاديث المعنعنة التي‬
‫ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل‪.‬‬
‫وكذا قال الخطيب‪ :‬أهل العلم مجمعون على أن قول المحدث غير المدلس‪ :‬فالن عن فالن‪ ،‬صحيح‬
‫‪43‬‬
‫معمول به إذا كان لقيه وسمع منه‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫زيادة الثقات‬

‫وحكمها القبول عند أبي حنيفة ‪ .‬ذكر الصنعاني في توضيح األفكار أن ابن حجر العسقالني حكـى عـن‬
‫‪44‬‬
‫الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة" ‪.‬‬
‫َونقل َعن مُعظم َأصْ َحاب أبي حني َفة‪ ‬‬
‫َو ْالم ُْخ َتار عِ ْند ابْن الساعاتي َو َغيره من ْال َح َنفِيَّة انه ِإذا ا ْن َفرد‬
‫تخالف َك َما لَو نقل َأنه ﷺ دخل ْال َبيْت َف َزاد َوصلى َفِإن ْ‬
‫اختلف ْالمجْ لس قبلت ِبا ِّت َفاق َوِإن‬ ‫ْال ْ‬
‫عدل ِب ِز َيا َدة اَل َ‬
‫ص َّور غفلتهم َعن مثل َما َزاد لم تقبل‪َ .‬وِإن لم ي ْن َته‬ ‫ان َغيره قد ا ْنتهى فِي ْالعدَد ِإلَى حد اَل ي َت َ‬ ‫ا َّتحد َو َك َ‬

‫‪ 42‬توضيح األفكار في معاني تنقيح األنظار ‪.2/21‬‬


‫‪ 43‬فتح المغيث‪ %‬بشرح ألفية الحديث ‪   —  ‬شمس الدين السخاوي (ت ‪)٩٠٢‬‬
‫‪ 44‬الجامع ألدب الراوي وأخالق السامع ‪2/159‬‬
‫‪31‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫فالجمهور‪ %‬على ْالقبُول خال ًفا ل َبعض ْالمُحدثين َوأحمد فِي ِر َوا َية‪َ .‬وِإن جهل َحال ْالمجْ لس َفه َُو ِب ْالقب ِ‬
‫ُول أولى‬
‫‪45‬‬ ‫الز َيا َدة م َُخال َفة َف َّ‬
‫الظاهِر ال َّت َعارُض‪.‬‬ ‫ِممَّا ِإذا ا َّتحد بذلك ال َّشرْ ط‪َ .‬وأما ِإذا َكا َنت ِّ‬
‫‪46‬‬
‫وبهذا عرفت ان الحنفيه ال يقبلون زيادة الثقة اذا لم تخالف ايضا اال بشرائط‪ %‬ال مطلقا‬

‫المطلب الرابع‬

‫مقوالته في الجرح والتعديل (صفة من تقبل روايته)‬

‫اشتراط ابي حنيفة رح‪ .‬في الراوي لقبول روايته ‪ :‬‬

‫اشترط ابو حنيفه رحمه هللا تعالى في الراوي‪  ‬لقبول روايته مع عدالة الراوي‪ %‬وضبطه شرطين منقولين‬
‫عنه ‪ :‬‬
‫(‪ )١‬الذكورية واستثنى‪ %‬منه عائشة وأم سلمة رض‪.‬‬
‫كما ذكر السخاوي في فتح المغيث‪  ‬حيث قال " وال (يشترطوا) الذكورية خالفا لما نقله الماوردي‪ %‬في‬
‫‪47‬‬
‫الحاوي عن أبي حنيفة قال‪ :‬واستثنى أخبار عائشة وأم سلمة‪،‬‬
‫(‪ )٢‬فقه الراوي إذا خالف خبره قياس األصول‪ .‬وقد اشتهر عن اإلمام أبي حنيفة اشتراطه له كما نقله‬
‫‪48‬‬
‫السخاوي في فتح المغيث‪.‬‬

‫‪ 45‬فو األثر في صفوة علوم األثر لمحمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي القادري التاذفي‪ ، ٦٠/١‬وقواعد في علوم الحديث‬
‫ص‪١٢٣‬‬
‫‪ 46‬قواعد في علوم الحديث ص ‪١٢٤‬‬
‫‪ 47‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ص‪( ٨/٢‬نسخة مكتبة السنة ) — ‪  ‬شمس الدين السخاوي (ت ‪ )٩٠٢‬‬
‫و ضوابط الجرح والتعديل ص ‪١٩‬‬
‫‪ 48‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ص ‪  ٩/٢‬و ضوابط الجرح والتعديل‪ %‬ص ‪١٩‬‬
‫‪32‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫وقد ذكر السيوطي في تدريب الراوي "ومنها‪ :‬أن أبا حنيفة اشترط فقه الراوي‪ .‬قال شيخ اإلسالم‪:‬‬
‫‪49‬‬
‫والظاهر أن ذلك إنما يشترط‪ %‬عند المخالفة أو عند التفرد بما تعم به البلوى_انتهي"‬

‫وذكر عالء الدين البخاري‪ %‬أن القول باشتراط‪ %‬فقه الراوي‪ %‬لتقديم خبره على القياس هو مذهب عيسى بن‬
‫أبان وأكثر المتأخرين من الحنفية‪ ،‬وأما المتقدمون منهم فالمتقول عنهم تقديم خبر الواحد على القياس‬
‫‪50‬‬
‫دون تفرقة بين خبر الفقيه وخبر غير الفقيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الظاهر‪:‬‬ ‫حكم رواية المستور وهو مجهول العدالة باطنا ً مع كونه عدالً في‬
‫‪ ‬أقوال أصحابنا الحنفية في هذه المسألة مختلفة ‪ :‬‬
‫منهم قال قبوله عندنا مطلقا‪ ‬‬
‫ومنهم قال عدم قبوله اال في الصدر االول‪ ‬‬
‫وقد ذكرالشيخ ظفر احمد عثماني (في قواعد في علوم الحديث) حيث قال " و اختلفت كلمة أصحابنا في‬
‫المستور‪ ،‬فيعلم من كالم اآلمدي وعلي القاري ‪ -‬المذكور‪ %‬سابقا ً "" ‪ -‬قبوله عندنا مطلقاً‪.‬‬

‫‪ ‬وقال في 'قفو األثر' (ص‪ ")٢٠‬وأما المستور وهو عندنا من كان عدالً في الظاهر ولم تعرف عدالته في‬
‫الباطن‪ ،‬سوال انفرد بالرواية عنه واحد أم روى عنه اثنان فصاعداً‪ ،‬فحكم حديثه االنقطاع الباطن وعدم‬
‫القبول إال في الصدر األول ‪ .‬اهـ ‪ .‬أي القرون الثالثة المشهود‪ %‬لها بالخير‪ ،‬كما صرح به في باب‬
‫االنقطاع"‬
‫ونقله ( أي العالمة السنبهلي في وتنسيق‪ %‬النظام في مسند اإلمام) في مقدمة (مسند اإلمام ) عن القاري‬
‫أيضا ً حيث قال ‪ :‬والثامن عشر ما نقل عنه (أي عن اإلمام أبي حنيفة)" وحاصل الخالف أن المستور‪ %‬من‬
‫الصحابة والتابعين وأتباعهم يقبل‪ ،‬بشهادته لهم بقوله وخير القرون قرني ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين‬
‫يلونهم ) وغيرهم ال يقبل إال بتوثيق ‪ ،‬وهو تفصيل حسن ‪ .‬اهـ‬

‫تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ص‪   —   ٦٩/١‬الجالل السيوطي (ت ‪ )٩١١‬‬ ‫‪49‬‬

‫انظر‪ :‬كشف األسرار ص ‪۳۸۳ /۲‬‬ ‫‪50‬‬


‫‪33‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫والذي ظهر لي من كالم فقهائنا أن المراد بقبول رواية المستور‪ %‬من غير الصحابة عندهم هو ‪ :‬جواز‪%‬‬
‫‪51‬‬
‫العمل بها دون الوجوب ‪ ،‬وكذا مجهول العين من غيرهم‪ ،‬وهللا اعلم (انتهى نقل الشيخ)‬

‫وفي شرح نخبة الفكر للخضير " يرى جماعة من العلماء أن رواية المستور مقبولة‪ ،‬وبه يقول الحنفية‬
‫وابن حبان‪ ،‬وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ألن الناس في أحوالهم على الصالح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب الطعن‪ ،‬ولم يكلف الناس‬
‫معرفة ما غاب عنهم‪ ،‬وإنما كلفوا بالظاهر‪ %‬من األشياء غير المغيب عنهم‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬أن الرسول ﵊ كان يعمل بالظاهر‪ ،‬ويتبرأ من علم الباطن «هال شققت عن قلبه؟» يعني لما‬
‫قال‪« :‬ال إله إال هللا» في الظاهر‪ ،‬قال له الصحابي‪« :‬إنه إنما قالها معتصما بها من السيف» قال‪« :‬هال‬
‫شققت عن قلبه؟» يعني عليك أن تحكم بالظاهر‪ ،‬وإلى ذلك اإلشارة بقوله تعالى‪﴿ :‬ال تعلمهم نحن نعلمهم﴾‬
‫[(‪ )١٠١‬سورة التوبة] في الحديث‪« :‬هال شققت عن قلبه؟» ولذا قال النووي‪« %:‬األصح قبول‪ %‬رواية‬
‫‪52‬‬
‫المستور» والراجح ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬قبول رواية المستور‪"،‬‬

‫حكم رواية مجهول العين‪:‬‬


‫حكمه عند المحدثين ليس بمردود‪ %‬اتفاقا ً بل عند البعض ال يقبل مطلقا‪  ‬و عند البعض يقبل مطلقا وعند‬
‫البعض يقبل بشرط مثال إن تفرد بالرواية عنه من ال يروي إال عن عدل ‪ -‬كابن مهدي ويحيى بن سعيد‬
‫‪ -‬قبل وإال فال أو إن كان مشهوراً في غير العلم بالزهد أو النجدة قبل وإال فال‪ ،‬او إن زكاه أحد أئمة‬
‫‪53‬‬
‫الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإال فال‪(.‬انتهي الملخص)‬

‫وحكمه عند الحنفية فيه تفصيل كما ذكرالشيخ ظفر احمد عثماني (في قواعد في علوم الحديث)‬
‫"والمجهول ‪ -‬أي مجهول العين ‪ -‬عندنا هو من لم يُعرف إال بحديث أو حديثين وجهلت عدالته ‪ ،‬سواء‬
‫انفرد بالرواية عنه واحد أم روى‪ %‬عنه اثنان فصاعداً ‪ ،‬فحكمه أن هذا المجهول إن كان صحابياً‪ %‬فال يضر‬

‫قواعد في علوم الحديث ص ‪٢٠٨‬‬ ‫‪51‬‬

‫شرح نخبة الفكر للخضير‪  ‬ص‪[ ١/٧‬تراث] — ‪  ‬عبد الكريم الخضير (معاصر)‬ ‫‪52‬‬

‫شرح نخبة الفكر للخضير‪  ‬ص‪[ ٣٠/٦‬تراث] — ‪  ‬عبد الكريم الخضير (معاصر)‬ ‫‪53‬‬
‫‪34‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫جهالته كما مر (‪ ، )٣‬وإن كان غيره ‪ :‬فإما أن يظهر حديثه في القرن الثاني أو ال‪ ،‬فإن لم يظهر جاز‬
‫العمل به في الثالث ال بعده ‪ ،‬وإن ظهر فإن شهد له السلف بصحة الحديث أو سكنوا عن الطعن فيه قبل‪،‬‬
‫أو ردوه رد‪ ،‬أو قبله البعض ورده البعض مع نقل الثقات عنه‪ ،‬فإن وافق حديثه قياسا‪ %‬مّا قبل وإال رد ‪،‬‬
‫‪54‬‬
‫كذا في «قفو األثر ‪ -‬مع تغيير يسير في التعبير ‪-‬انتهي‪ ‬‬

‫حكم رواية أهل األهواء والبدع من حيث قبولها أوعدمه‪  :‬‬


‫مذهب الحنفية فيه إن أ ّدت إلى الكفر لم تقبل رواية صاحبها‪ %‬وفاقا ً ألكثر األصوليين‪ ،‬وإن أ ّدت إلى الفسق‬
‫‪55‬‬
‫فقيل ‪ :‬قبلت رواية صاحبها إذا كان عدالً ثقة غير داعية ‪ .‬هذا هو المختار ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫قول ابي حنيفة فيه كما قال الخطيب أخبرني أبو بشر محمد بن عمر الوكيل‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عمر بن أحمد بن‬
‫عثمان الواعظ‪ ،‬ثنا محمد بن الحسن المقرئ‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد هللا بن محمود المروزي‪ ،‬ثنا أحمد بن‬
‫مصعب‪ ،‬ثنا عمر بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ابن المبارك‪ ،‬يقول‪ :‬سأل أبو عصمة أبا حنيفة‪ :‬ممن تأمرني‪%‬‬
‫أن أسمع اآلثار؟ قال‪« :‬من كل عدل في هواه‪ ،‬إال الشيعة‪ ،‬فإن أصل عقدهم تضليل أصحاب محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن أتى السلطان طائعا‪ ،‬أما إني ال أقول‪ :‬إنهم يكذبونهم أو يأمرونهم‪ %‬بما ال ينبغي‪ ،‬ولكن‬
‫وطأوا لهم حتى انقادت العامة بهم‪ ،‬فهذان ال ينبغي أن يكونا‪ %‬من أئمة المسلمين» وأما من ترك الدعاة من‬
‫‪56‬‬
‫أهل البدع أن يروي عنهم‪ ،‬وروى‪ %‬عمن لم يكن داعية أو أفتى بذلك‬

‫وذكر الصنعاني‪"  %‬إن كان يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإال قبل وإن كان داعية إلى مذهبه عزاه‬
‫الخطيب إلى الشافعي» كما نقله عنه الخطيب في الكفاية ألنه قال أقبل من غير الخطابية ما نقلوا قال‬
‫ألنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه فمن لم يستحل الكذب كان مقبوال ألن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من‬
‫اإلقدام عليه فيحصل صدقه قال الخطيب ويحي أيضا أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ونحوه‬

‫‪ 54‬قواعد في علوم الحديث ص ‪٢٠٧‬‬


‫قواعد في علوم الحديث ص‪٢٣١‬‬ ‫‪55‬‬

‫الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ‪   —  ١٢٦/١‬الخطيب البغدادي (ت ‪)٤٦٣‬‬ ‫‪56‬‬


‫‪35‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫عن أبي حنيفة بل حكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث وقال الفخر الرازي في المحصول إنه‬
‫‪57‬‬
‫الحق ورجحه ابن دقيق العيد‪".‬‬

‫مذهب ابي حنيفه رحمه هللا تعالى في الرجال‪:‬‬


‫نقل شيخنا العالمة ظفر احمد العثماني التهانوي‪ %‬رحمه هللا تعالى في قواعد في علوم الحديث كلمة االمام‬
‫احمد حيث قال‪" .‬قال الحافظ في التهذيب (في ترجمة عبد هللا ابن لهيعه) قال يعقوب قال لي احمد مذهبي‬
‫‪58‬‬
‫في الرجال اني ال اترك حديثا محدث حتى يجتمع اهل مصر‪ %‬على ترك حديثه"]‬
‫‪ ‬ثم قال 'قلت هذا ايضا مذهب الحنفيه' كما قدمناه ‪..‬انتهى‬
‫اقول شاركهما االمام النسائي في هذه المساله حيث قال‪ :‬ال يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على‬
‫‪59‬‬
‫ترك‬

‫توضيح األفكار لمعاني تنقيح األنظار ص ‪   —   ١٤٥/٢‬الصنعاني (ت ‪)١١٨٢‬‬ ‫‪57‬‬

‫تهذيب التهذيب ‪٣٣٧/٥‬‬ ‫‪58‬‬

‫قواعد في علوم الحديث ص‪ ٣٧‬و ص‪٣٥٣‬‬ ‫‪59‬‬


‫‪36‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المطلب الخامس‬
‫مقوالته وآرائه في صفة تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ و حفظه و‬
‫‪ :‬أداءه‬
‫‪ :‬الزمن الذي يصح فيه السماع من الصبي‬

‫يصح التحمل اذا كان عاقال مميزا ضابطا‪ %‬لما حمله وال يشترط‪ %‬له البلوغ بل يصح التحمل قبل البلوغ‬
‫وكذا قبل االسالم فان الحسن والحسين وابن الزبير رضي هَّللا عنهم تحملوا قبل البلوغ‪ ،‬ولم يزل الناس‬
‫يسمعون الصبيان‪،‬وكذا ابوسفيان فى قصة هرقل تحمل قبل االسالم هذا القدر ادعى السخاوي‪ %‬عليه‬
‫االتفاق ‪  .‬‬
‫لكن خ ُتل َ‬
‫ِف في الزمن الذي يصح فيه السماع من الصبي‪ ،‬فمذهب ابي حنيفة فيه وكذا مذهب بعض اهل‬
‫العلم يصح السماع من الصبي إذا فهم الخطاب ور ّد الجواب ‪.‬‬
‫كما ذكر السخاوي في فتح المغيث "أو نحو ما اتفق ألبي حنيفة حين استأذن على جعفر بن محمد‪ ،‬فإنه‬
‫بينما هو جالس في دهليزه ينتظر‪ %‬اإلذن ; إذ خرج عليه صبي خماسي من الدار‪.‬‬
‫قال أبو حنيفة‪ :‬فأردت‪ %‬أن أسبر عقله‪ ،‬فقلت‪ :‬أين يضع الغريب الغائط من بلدكم يا غالم؟ قال‪ :‬فالتفت إلي‬
‫مسرعا فقال‪ :‬توق شطوط األنهار‪ ،‬ومساقط‪ %‬الثمار‪ ،‬وأفنية المساجد‪ ،‬وقوارع‪ %‬الطرق‪ ،‬وتوار خلف جدار‪،‬‬
‫وأشل ثيابك‪ ،‬وسم بسم هللا‪ ،‬وضعه أين شئت‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬من أنت؟‬
‫فقال‪ :‬أنا موسى‪ %‬بن جعفر‪.‬‬
‫{أوردها ابن النجار في ترجمة محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان من تأريخه‪}.‬‬
‫‪37‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫أراد اإلمام أبو حنيفة يختبر تمييز الصبي وإدراكه وكان عمر الصبي خمس سنوات وهو موسى‪ %‬بن‬
‫شيخه جعفر بن محمد فسأل الصبي السؤال ور ّد هذا الصبي الجواب المناسب الذي د ّل على تمييزه ومن‬
‫‪60‬‬
‫ث ّم استشهد السخاوي‪ %‬بهذه القصة على تمييز الصبي بفهم الخطاب ور ّد الجواب ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫صفة تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ ‪:‬‬


‫هذا طرف اول من الطراف التي يتقوم بها الحديث و طرق التحمل اوال على قسمين ‪:‬‬
‫(‪ )١‬العزيمة‪ :‬هي علي أربعة أقسام‪ ‬‬
‫‪ 1‬قراءة الشيخ‪  ‬او سماع من الشيخ‬
‫‪ 2‬قراءة علي الشيخ ويقال له العرض ايضا‬
‫‪ 3‬الكتابة‪ ‬‬
‫‪ 4‬الرسالة‪ ‬‬
‫(‪ )٢‬الرخصة وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬اإلجازة‪ ‬‬
‫‪ 2‬والمناولة‪ ‬‬

‫هذا خالصة تقسيم الحنفيه وبيان منهجهم فطرق‪ %‬التحمل لديهم سته وغير ان بعضهم ذكروا الوجادة ايضا‬
‫في اخر الباب فطرق‪ %‬التحمل لديهم سبعة‪.‬‬

‫‪ 60‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ‪   —  ‬شمس الدين السخاوي (ت ‪ )٩٠٢‬ص ‪١٥٢/٢‬‬
‫الديباج المذهب في مصطلح الحديث ‪   —  ‬الجرجاني‪ ،‬الشريف (ت ‪ )٨١٦‬ص ‪٥٣/١‬‬
‫‪38‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫القسم االول‪ :‬العزيمة ما يكون من جنس االسماع ‪:‬‬

‫(‪ ) ١.٢‬قراءة الشيخ او السماع من الشيخ والقراءة على الشيخ يقال له‬
‫العرض ايضا ‪:‬‬
‫تعريفهما‪:‬‬
‫قراءة الشيخ او السماع من الشيخ ‪:‬‬
‫وهو أن يسمع من لفظ الشيخ‪،‬وهو ينقسم إلى إمالء‪ ،‬وتحديث من غير إمالء‪ ،‬وسواء كان من حفظه أو‬
‫من كتابه‪ .‬‬
‫القراءة على الشيخ ‪:‬‬
‫‪ ‬أوهو ن يقرأ على الشيخ وهو يسمع‪ ،‬وأكثر‪ %‬المحدثين يسمون القراءة على الشيخ عرضا من حيث إن‬
‫القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه‪ ،‬ويقول له بعد الفراغ من القراءة أو قبلها‪ .‬هل سمعت‪ :‬فيقول الشيخ‬
‫‪61‬‬
‫نعم‪ ،‬أو يقول بعد الفراغ‪ :‬األمر كما قرئ‪ %‬علي‪  ،‬‬

‫أيهما أقوى‪ :‬قراءة الشيخ على الراوي أم العكس‪ ،‬أم‬


‫ماذا؟‬

‫قراءة الشيخ على الراوي و العرض كالهما جائز لكن ايهما اقوي‪  ‬اختلف العلماء في ذلك على مذاهب‪:‬‬

‫المذهب األول‪ :‬أن قراءة الشيخ على الراوي أقوى من قراءة‬


‫الراوي على الشيخ‪ ،‬وهو مذهب الجمهور‪.‬‬
‫وهو الحق‪ ،‬لدليلين‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬أنه طريق رسول‪ %‬هللا ﷺ؛ فإنه الذي كان يحدث أصحابه كما نقلوه عنه‪.‬‬

‫‪ 61‬استفدت هذا من ‪..‬‬


‫البحر المحيط في أصول الفقه ‪   —  ‬بدر الدين الزركشي (ت ‪)٧٩٤‬ص ‪٣١١/٦–٣١٠/٦‬‬
‫مقدمة ابن الصالح = معرفة أنواع علوم الحديث ‪ -‬ت عتر ‪   —  ‬ابن الصالح (ت ‪ )٦٤٣‬ص ‪١٣٢‬‬
‫‪39‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫الدليل الثاني‪ :‬أن قراءة الشيخ على الراوي أبعد عن الخطأ والسهو‬
‫والغلط؛ لكونه يقرأ ما تحقق منه‪ ،‬فيكون أحق فيما هو المقصود‪،‬‬
‫وهو تحمل األمانة بصفة تامة‪.‬‬

‫المذهب الثاني‪ :‬العكس‪ ،‬وهو‪ :‬أن قراءة الراوي على الشيخ‬


‫أقوى‪.‬‬
‫ذهب إلى ذلك أبو حنيفة كما نقله عنه شمس األئمة‬
‫السرخسي‪ ،‬وحكاه ابن الصالح عن ابن أبي ذؤيب حيث قال أبو حنيفة "أن قراءتك على المحدث أقوى‪%‬‬
‫من قراءة المحدث عليك‪ .‬قال‪ :‬وإنما كان ذلك لرسول هللا ﷺ خاصة؛ ألنه مأمون من السهو؛ وألنه كان‬
‫يذكر ما يذكره حفظا وال يكتب‪ ،‬وإنما كالمنا فيمن يخبر عن كتابه ال عن حفظه‪ ،‬حتى إذا كان يروي‪%‬‬
‫عن كتاب فالجانبان سواء في نفس التحديث بما في الكتاب‪" ،‬‬
‫دليل هذا المذهب‪:‬‬
‫أن عناية الطلب أشد عادة؛ ألنه إذا قرأ الراوي‪ %‬على الشيخ كانت‬
‫المحافظة من الطرفين‪ ،‬وإذا قرأ الشيخ ال تكون المحافظة إال منه ‪.‬‬
‫وايضا قال أبو حنيفة‪  ‬الوجهان سواء بل الثاني أحوط‪ %‬ويترجح على األول؛ ألن السامع إذا قرأه بنفسه‬
‫كان هو أشد عناية في ضبط المتن والسند من المبلغ لحاجته إلى ذلك فإن لم يترجح هذا الجانب فال أقل‬
‫من المساواة أشد عادة وطبيعة؛ ألن اإلنسان في أمر نفسه أحوط منه في أمر غيره ثم الطالب عامل‬
‫لنفسه والمحدث عامل لغيره فيحتمل أن يسهو عن البعض ويشذ منه أكثر ما يشذ من الطالب فال يؤمن‬
‫على الذي يقرأ‪.‬‬
‫وهو المحدث الغلط في بعض ما يقرأه لقلة رعايته إذ هو ال يحتاط في أمر غيره كما يحتاط الغير في‬
‫أمر نفسه وقوله وإنما بقي احتمال الغفلة إلى آخره إشارة إلى الجواب عما يقال قد يتوهم‪ %‬عند قراءة‬
‫الطالب أن يسهو المحدث عن بعض ما قرئ‪ %‬عليه وينتفي هذا التوهم عند قراءة المحدث لشدة رعاية‬
‫الطالب في ضبط ما يسمع منه فأجاب أن كال األمرين موهوم‪ %‬إال أن سهو المحدث عن سماع البعض‬
‫الذي ال يمكن التحرز‪ %‬عنه عادة أهون من ترك شيء في المتن أو السند وال بد من تحمل أحد األمرين‬
‫فيحتمل أيسرهما‪،‬‬

‫المذهب الثالث‪ :‬هما سواء‪.‬‬


‫ذهب إلى ذلك اإلمام مالك وأصحابه‪ ،‬وأشياخه من علماء المدينة‪ ،‬‬
‫‪40‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫ومعظم علماء الحجاز‪ ،‬والكوفة‪ ،‬البخاري‪ ،‬وغيرهم‪ .‬فيما نقله عنه ابن الصالح‪ ،‬واختاره ابن الساعاتي‪.‬‬
‫دليل هذا المذهب‪:‬‬
‫أن الذي يقرأ كتابا ويسهو ال فرق‪ %‬فيه بين القارئ والسامع؛ نظرا‬
‫لمساواة من يتكلم أو يستمع فيستفهم فيقول‪ :‬نعم‪.‬‬
‫جوابه‪:‬‬
‫يجاب عنه‪ :‬بأنه ال يسلم تساوي القارئ والمستمع‪ ،‬فإن الشيخ‬
‫إذا قرأ مع تثبت ودقة في حين أن الراوي قد اتصف بشدة الطلب‬
‫يكون هذا أقوى‪ %‬وأصح‪ .‬‬

‫‪62‬‬
‫الخالصة ‪ :‬ما يحترز فيه عن الخطأ و السهو اكثر فهو اقوي‪ %‬وارجح‪ ‬‬

‫االلفاظ التي يجوز استعمالها‪:‬‬


‫قال القاضي اإلمام المؤلف رحمه هللا تعالى "ال خالف بين أحد من الفقهاء والمحدثين واألصوليين بجواز‬
‫إطالق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبأنا‪ %‬وخبرنا فيما سمع من قول المحدث ولفظه وقراءته وإمالئه‬
‫‪63‬‬
‫وكذلك سمعته يقول أو قال لنا وذكر‪ %‬لنا وحكى لنا"‬

‫ذكر الشيخ الشيخ عالء الدين عبد العزيز البخاري في كشف االسرار _ إذا قال الشيخ حدثني فالن بكذا‬
‫أو أخبرني أو سمعت فالنا يقول كذا يلزم السامع العمل بهذا الخبر ويجوز له الرواية عنه بقوله حدثني‬
‫‪64‬‬
‫أو أخبرني مطلقا أو بقوله قال فالن أو سمعته يقول"‬

‫استفدت هذا من‪..‬‬ ‫‪62‬‬

‫مقدمة ابن الصالح = معرفة أنواع علوم الحديث ‪ -‬ت عتر ‪   —  ‬ابن الصالح (ت ‪ )٦٤٣‬ص ‪١٣٧‬‬
‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪ ٤١/٣–٣٩/٣‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه ‪   —  ‬بدر الدين الزركشي (ت ‪٣٠٩/٦)٧٩٤‬‬
‫فتح المغيث ص ‪١٧٢/٢‬‬
‫‪ 63‬اإللماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد‪ %‬السماع ‪   —  ‬القاضي عياض (ت ‪ )٥٤٤‬ص‪١٢٢/١‬‬
‫‪ 64‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪٣٩/٣‬‬
‫‪41‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫أجود العبارة وأحوطها‪ %‬ألداء من سمع بالعرض أن يقول‪( :‬قرأت) على فالن إن كان هو الذي قرأ‪( ،‬أو‬
‫قرى) على فالن وأنا أسمع إن سمع عليه بقراءة غيره‪.‬ويتلوه قول‪ :‬حدثنا‪ ،‬أو‪ :‬أخبرنا‪ ،‬مقيدا بقيد‪ :‬قراءة‬
‫عليه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫واختلفوا في استعمال‪ :‬حدثنا وأخبرنا‪ %‬مطلقتين‪ ،‬‬
‫فمنع ابن المبارك وأحمد بن حنبل والنسائي‪ %‬وغيرهم‪.‬‬
‫وجوزهما‪ %‬الزهري ومالك وسفيان بن عيينة وغيرهم‪ .‬وهو مذهب البخاري‪.‬‬
‫والمذهب الثالث‪ :‬أنه يجوز إطالق أخبرنا‪ ،‬وال يجوز‪ %‬إطالق حدثنا‪ ،‬وهو مذهب الشافعي وأصحابه‪،‬‬
‫ومسلم وجمهور‪ %‬أهل المشرق‪ ،‬وهو‪ ‬‬
‫‪65‬‬
‫الشائع الغالب اآلن‪.‬‬

‫وال يجوز(فى العرض) أن يقول سمعت وال أملى على وجاز أن يقول القارىء والسامع حدثنى فالن‬
‫وأخبرنى‪ %‬فالن في احدى الروايتين نقلها إسحاق بن إبراهيم واختارها أبو بكر والقاضى‪ %‬وبها قالت‬
‫‪66‬‬
‫الشافعية والحنفية ‪.‬‬

‫مقوالت االمام ابي حنيفه في هذا الباب‪ :‬‬


‫ابن ج َُريْج‬ ‫ُ‬
‫وسمعت َ‬ ‫ض ال ُك ُتب ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وقال أبو عاصم ‪ :‬سمعت أبا حنيفة يقول‪ :‬القراءة جائزة‪ ،‬يعني َعرْ َ‬
‫يقول ‪ :‬هي جائزة يعني َعرْ ض الكتب ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬وسمعت مالك بن أنس وسفيان وسألت أبا حنيفة عن الرجل يقرأ عليه الحديث يقول ‪ :‬أخبرنا أو‬
‫كالما ً هذا معناه‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ال بأس ‪.‬‬
‫وعن أبي عاصم أخبرني‪ %‬ابنُ ج َُريج وابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك بن أنس واألوزاعي والثوري‪ %‬كلُّهم‬
‫يقولون ‪ :‬ال بأس إذا قرأت على العالم أن تقول ‪ :‬أخبرنا ‪.‬‬

‫وقال أبو قطن فيما رواه الطحاوي‪ %:‬قال لي أبو حنيفة‪ :‬اقرأ عليَّ وقُلْ‪َ :‬ح َّدثني ‪ .‬وقال لي مالك ‪ :‬اقرأ علي‬
‫وقل ‪ :‬حدثني‪. %‬‬

‫‪ 65‬شرح ألفية العراقي ‪ -‬ابن العيني ‪   —  ‬ابن العيني (ت ‪ )٨٩٣‬ص‪ ١٨٠/١‬و إشراقات األصول في علم حديث الرسول ‪ -‬مجلة التراث النبوي ‪ ‬‬
‫— ‪  ‬جالل الدين القايني (ت ‪ )٨٣٨‬ص ‪٢٧٠‬‬
‫‪ 66‬المسودة في أصول الفقه ‪   —  ‬مجد الدين بن تيمية (ت ‪ )٦٥٢‬ص‪٢٨٣/١‬‬
‫‪42‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫قال الطحاوي‪ %:‬حدثنا َر ْو ُح بن ال َف َرج‪ ،‬أنا ابن ُب َكيْر‪ ،‬قال‪ :‬لَمَّا َف َر ْغ َنا من قراءة الموطأ على مالك قام إليه‬
‫رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد هللا كيف نقول في هذا ؟ فقال ‪ :‬إن شئت فقل ‪ :‬حدثني‪ ،‬وإن شئت فقل‪:‬‬
‫أخبرني‪،‬وإن شئت فقل ‪ :‬أخبرنا قال وأراه قد قال‪ :‬وإن شئت فقل‪ :‬سمعت‪ ‬‬
‫‪67‬‬
‫قال الطحاوى‪ %:‬وممن قال بهذا أبو حنيفة‪ ،‬وأبو يوسف‪ ،‬ومحمد ‪.‬‬

‫نقل‪  ‬شمس األئمة السرخسي‪ %‬عن ابي حنيفة رحمه هللا ‪ ،‬قال أبو حنيفة "أن قراءتك على المحدث أقوى‪%‬‬
‫من قراءة المحدث عليك‪ .‬قال‪ :‬وإنما كان ذلك لرسول هللا ﷺ خاصة؛ ألنه مأمون من السهو؛ وألنه كان‬
‫يذكر ما يذكره حفظا وال يكتب‪ ،‬وإنما كالمنا فيمن يخبر عن كتابه ال عن حفظه‪ ،‬حتى إذا كان يروي‪%‬‬
‫‪68‬‬
‫عن كتاب فالجانبان سواء في نفس التحديث بما في الكتاب‪" ،‬‬

‫نقل الخطيب البغدادي في الكفاية قول ابي يوسف‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا حنيفة عن رجل عرض على رجل‬
‫حديثا‪ ،‬هل يجوز يحدث به عنه؟ قال‪ :‬نعم يجوز‪ %‬أن يقول‪ :‬حدثني فالن‪ ،‬وسمعت فالنا‪ ،‬وهذا مثل قول‬
‫الرجل يقرأ عليه الصك فيقر به فيجوز لك أن تقول‪ :‬أقر عندي فالن بجميع ما في هذا الكتاب‪ ،‬وإنما‬
‫‪69‬‬
‫سمعت نعم‪،‬‬

‫(‪ )٣.٤‬الكتابة والرسالة‪:‬‬

‫‪ ‬أما الكتاب فهو ان يكتب المح ّدث الي الطالب على رسم الكتب (وذلك بأن يكون مختوما‪ %‬بختم معروف‬
‫معنونا‪ ،‬وهو أن يكتب فيه قبل التسمية من فالن بن فالن إلى فالن بن فالن ثم يبدأ بالتسمية ثم بالثناء ثم‬
‫بالمقصود ) ويقول فيه حدثنا فالن إلى أن يذكر متن الحديث ثم يقول فإذا بلغك كتابي هذا وفهمته فحدث‬
‫به عني لهذا اإلسناد‬

‫الجواهر المضية فى طبقات الحنفية ‪ -‬ت الحلو ‪   —  ‬عبد القادر القرشي (ت ‪)٧٧٥‬ص ‪٣١/١‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪ 68‬البحر المحيط في أصول الفقه ‪   —  ‬بدر الدين الزركشي (ت ‪ )٧٩٤‬ص‪٣٠٩/٦‬‬

‫الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ‪   —  ‬الخطيب البغدادي (ت ‪)٤٦٣‬ص ‪٢٧٩/١‬‬ ‫‪69‬‬
‫‪43‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫أما الرسالة وهى أن يقول المحدث للرسول بلغ عني فالنا أنه قد حدثني بهذا الحديث فالن بن فالن‪،‬‬
‫ويذكر إسناده فإذا بلغك رسالتي هذه فاروه عني بهذا اإلسناد ‪.‬‬

‫هذان ايضا من طرق تحمل الحديث فيجوز‪ %‬للمكتوب اليه او المرسل اليه ان يروي الحديث بالسند‬
‫المذكور‪.‬‬
‫ألن الكتاب والرسالة إلى الغائب بمنزلة الخطاب للحاضر شرعا وعرفا‪ %‬أما شرعا فألن النبي ﷺ كان‬
‫مأمورا بتبليغ الرسالة إلى الناس كافة‪ ،‬وقد‪ %‬بلغ الغيب بالكتاب والرسالة كما بلغ الحضور بالخطاب‬
‫وكذلك الطالق والعتاق وسائر‪ %‬العقود المتعلقة بالكالم يثبت بهما كما يثبت بالخطاب‪،‬‬
‫وأما عرفا فألن الناس يعدونهما مثل الخطاب حتى قلد الخلفاء والملوك القضاء واإلمارة واإليالة بالكتاب‬
‫والرسالة كما قلدوها بالمشافهة وعدوا مخالفهما مخالفا لألمر فعرفنا‪ %‬أنهما مثل الخطاب فكانا من باب‬
‫العزيمة‪ ‬‬
‫والدليل على صحة هذين القسمين فى الحديث أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان مأمورا‪ %‬بتبليغ رساالته‬
‫وقد بلغ الى قوم‪ %‬مشافهة وإلى آخرين بالكتاب والرسول‪ %‬فقد بعث النبي صلى هللا عليه وسلم‪ %‬دحيهدة‬
‫الكلبى الى هرقل عظيم الروم (البخاري كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب ‪  ) ٦‬وكذلك بعث النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم معاذا الى اليمن ‪ (.‬البخاري كتاب الزكاة‪ ،‬باب وجوب الزكاة (‪) )١٣٩٥‬‬

‫وكل منهما على قسمين ‪:‬‬

‫‪_١‬المقترنة باالجازه وهو مثل السماع في جواز الرواية باالتفاق‪.‬‬


‫‪_٢‬الكتابه المقترنة بغير االجازه ‪ .‬‬
‫أجاز الرواية به كثير من المتقدمين‪ %‬والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وغير واحد من الشافعيين‬
‫وأكثر الحنفية ألن في الكتابة وكذلك الرسالة إشعارا بمعنى اإلجازة فهي وإن لم تقترن باإلجازة لفظا فقد تضمنت اإلجازة‬
‫‪70‬‬
‫معنى كذا ذكر أبو عمرو‪.‬‬

‫اشتراط البينة‪:‬‬

‫‪ 70‬انظر كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص ‪ ٤١/٣‬‬
‫كنز االصول لفخر االسالم البزداوي ص ‪١٨٥–١٨٣‬‬
‫‪44‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫ب إلَ ْي ِه َأ َّن ُه‬ ‫ضي ََّق َأبُو َحنِي َف َة) َحي ُ‬


‫ْث ُنسِ َ‬ ‫"(و َ‬
‫اشترط أبو حنيفة رحمه هللا في الكتابة البينة حيث قال ابن الهمام َ‬
‫ب ْال َقاضِ ي إلَى ْال َقاضِ ي " واختار هذا المذهب فخر االسالم‬
‫(ب ْال َب ِّي َنةِ) َك َما فِي ِك َتا ِ‬
‫اَل َي ِح ُّل فِي ُك ٍّل ِم ْن ُه َما إاَّل ِ‬
‫‪71‬‬
‫البزدوي ‪.‬‬

‫لكن هذا ليس مذهب اكثر المحققين من المتأخين ولهذا اجاب ابن الهمام عن قول ابي حنيفة رحمه هللا‪ ‬‬
‫(بال َّداعِ َيةِ) إلَى َترْ ِوي ِج َها‬ ‫ب ْال َقاضِ ي إلَى ْال َقاضِ ي َو َما َنحْ نُ فِي ِه ِ‬ ‫(واَل َي ْل َز ُم ِك َتابُ ْال َقاضِ ي لِاِل ْخ ِتاَل فِ ) َبي َْن ِك َتا ِ‬ ‫َ‬
‫اط َها‪ %‬فِي َما َنحْ نُ فِي ِه َفاَل َج َر َم َأنَّ فِي ُأص ِ ْ‬ ‫ب ْال َقاضِ ي ا ْشت َِر ُ‬ ‫ْث اَل َي ْل َز ُم مِنْ ا ْشت َِراطِ َها فِي ِك َتا ِ‬ ‫ِب َحي ُ‬
‫ُول الفِ ْق ِه لِل َّشي ِ‬
‫ْخ‬
‫ت ِم ْن ُه‬‫ص َّح عِ ْن َدهُ َأ َّن ُه ِك َتا ُب ُه إمَّا ِب َق ْو ِل ِث َق ٍة َأ ْو ِب َعاَل َما ٍ‬ ‫ث َفِإ َّن ُه إ َذا َ‬‫ب إلَ ْي ِه ِب َحدِي ٍ‬ ‫ازيِّ َوَأمَّا َمنْ َك َت َ‬ ‫ِبي َب ْك ٍر الرَّ ِ‬
‫َأ‬

‫وب إلَ ْي ِه ْال ِك َتابُ َأنْ َيقُو َل َأ ْخ َب َرنِي فُاَل نٌ َيعْ نِي ْال َكات َ‬
‫ِب‬ ‫س َأ َّن ُه ِك َتا ُب ُه َفِإ َّن ُه َي َس ُع ْال َم ْك ُت َ‬
‫َو َخ ٍّط َي ْغلِبُ َم َع َها فِي ال َّن ْف ِ‬
‫‪72‬‬
‫إلَ ْي ِه َواَل َيقُو ُل َح َّد َثنِي‪.‬‬

‫االلفاظ التي يجوز استعمالها‪:‬‬


‫(‪)١‬كتب إلى فالن قال‪ :‬حدثنا فالن بكذا وكذا‬
‫(‪)٢‬ارسل الى فالن‪ ‬‬
‫(‪)٣‬أخبرني‪ %‬به مكاتبة أو كتابة أو رسالة‪ ‬‬
‫(‪ )٤‬أخبرنا وأنبأنا‪ %‬نبأنا بالكتاب والرسالة‬
‫ً‬
‫'رسالة' ‪ .‬فقال بعض المحدثين ال يجوز‪ %‬أن‬ ‫ً‬
‫'كتابة' أو‬ ‫انما الكالم في حدثنى‪ %‬و اخبرني مطلقا من غير قيد‬
‫يقول في هذين القسمين أخبرنا كما ال يجوز أن يقول‪ :‬حدثنا ألن اإلخبار‪ %‬والتحديث‪ %‬واحد بل يقول كتب‬
‫إلي فالن أو أرسل إلي بكذا‪ .‬‬
‫وجوّ ز البعض اخبرنا دون حدثنا (منهم الحنفية) وفرق‪ %‬بينهما فجعل 'حدثنا' خاصا بالمشافهة وجعل‬
‫'اخبرنا' اع ّم انا أن يكون إجازة أو كتابة أو مشافهة‪،‬والدليل‪ %‬على ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪_١‬ذكر العالمة البزدوي‪":‬المختار أن يقول أخبرنا؛ ألن الكتاب والرسالة ليسا بمشافهة‪ ،‬أال ترى أنا‬
‫نقول‪ :‬أخبرنا هللا وأنبأنا نبأنا بالكتاب والرسالة وال تقول‪ :‬حدثنا وال كلمنا إنما ذلك خاص لموسى‬
‫صلوات هللا عليه قال هللا تعالى ﴿وكلم هللا موسى‪ %‬تكليما﴾ [النساء‪"]١٦٤ :‬‬

‫‪ 71‬كنز االصول لفخر االسالم البزداوي ص‪٢٨٥‬‬


‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص ‪٤٢/٣‬‬
‫التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام ‪   —  ‬ابن أمير حاج (ت ‪ )٨٧٩‬ص ‪٢٨٠/٢‬‬ ‫‪72‬‬
‫‪45‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪  _٢‬ثم ذكر الشيخ ''ولهذا قلنا فيمن حلف ال يحدث بكذا وال يكلم به أنه ال يحنث بالكتاب والرسالة‬
‫‪73‬‬
‫بخالف ما حلف ال يخبر بكذا أنه يحنث بذلك‪ ،‬وأما الرخصة فما ال أسماع فيه''‪.‬‬

‫وقد خالفهم اكثر المحدثين وقالوا اليجوز‪ %‬من االلفاظ اال ما هي ظالة على الكتابة أو الرسالة‪ ‬‬
‫قال ابن الصالح ''والمختار قول من يقول في المكاتبة‪  ‬كتب إلى فالن قال‪ :‬حدثنا فالن بكذا وكذا‪.‬وهذا‬
‫‪74‬‬
‫هو الصحيح الالئق بمذاهب أهل التحري والنزاهة‪.‬‬
‫وهكذا لو قال‪ :‬أخبرني‪ %‬به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من العبارات‪.‬‬
‫قال االمام االنووي‪ %‬في شرحه على مسلم "وقد أكثر البخاري ومسلم وسائر‪ %‬المحدثين والمصنفين في‬
‫تصانيفهم من االحتجاج بالمكاتبة فيقول الراوي منهم وممن قبلهم كتب إلي فالن كذا أو كتب إلي فالن‬
‫‪75‬‬
‫قال حدثنا فالن أو أخبرني مكاتبة "‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫فائدة ‪ :‬المكاتبة المقرونة بلفظ اإلجازة فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة باإلجازة‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬الرخصة ما ال أسماع فيه‬

‫االجازة ‪ :‬‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫ً‬
‫لغة‪ :‬‬
‫اإلجازة مأخوذة من جواز‪ %‬الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال‪ :‬استجزت فالنا فأجازني‪ ،‬إذا‬
‫أسقاك ماء ألرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه فعلى هذا‬
‫للمجيز أن يقول أجزت فالنا مسموعاتي أو مروياتي فيعد به بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر‬
‫لفظ الرواية‪ ،‬ويحتاج إلى ذلك من يجعل اإلجازة بمعنى التسويغ واإلذن واإلباحة وذلك هو المعروف‪%‬‬

‫‪ 73‬استفدت ما قلت من 'كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص ‪٤٢/٣‬‬


‫‪ 74‬الشذا الفياح من علوم ابن الصالح ‪   —  ‬برهان الدين األبناسي (ت ‪ )٨٠٢‬ص‪٣٢٠/١‬‬
‫مقدمة ابن الصالح = معرفة أنواع علوم الحديث ‪ -‬ت عتر ‪   —  ‬ابن الصالح (ت ‪)٦٤٣‬ص‪ ٢٨٤/١‬‬

‫‪75‬شرح النووي على مسلم ‪   —  ‬النووي (ت ‪٤٥/١٤ )٦٧٦‬‬


‫‪ 76‬الشذا الفياح من علوم ابن الصالح ‪   —  ‬برهان الدين األبناسي (ت ‪ )٨٠٢‬ص‪٣٢٠/١‬‬
‫‪46‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫فتقول أجزت لفالن رواية مسموعاتي مثال ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي‪ %‬فعلى سبيل الحذف الذي‬
‫ال يخفى نظيره‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫أن يقول المجيز لغيره إن فالنا قد حدثنا بما في هذا الكتاب على ما فهمته بأسانيده هذه فأنا أحدثك منه‬
‫وأجزت لك الحديث به فيصح اإلجازة على هذا الوجه إذا كان المستجيز مأمونا بالضبط‪ %‬والفهم‬

‫او أن يقول المحدث لغيره أجزت لك أن تروي‪ %‬عني هذا الكتاب الذي حدثني به فالن ويبين إسناده‪ ‬‬
‫أو يقول أجزت لك أن تروي‪ %‬عني جميع ما صح عندك من مسموعاتي‪ %‬وحينئذ‪ %‬يجب تعيين المسموع من‬
‫غيره‬

‫االختالف في تصحيح االجازة وعدمه‬


‫اختلف في اإلجازة فأبطلها جماعة منهم إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو محمد األصبهاني وأبو نصر‬
‫الوايلي السجزي والشافعي‪ %‬في رواية الربيع عنه وأبو طاهر الدباس من أصحابنا فيما حكاه محمد بن‬
‫ثابت الخجندي عنه وغيرهم؛ ألن ظاهرها‪ %‬إباحة التحدث واإلخبار عنه من غير أن يحدثه أو يخبره وهذا‬
‫إباحة الكذب وليس له ذلك وال لغيره أن يستبيح الكذب إذا أبيح‪،‬‬
‫وجوزها‪ %‬الجمهور‪ %‬من الفقهاء والمحدثين‪ ،‬وهو الظاهر من مذهب الشافعي‪ %‬أيضا؛ ألن الضرورة دعت‬
‫إلى تجويزها؛ فإن كل محدث ال يجد من يبلغ إليه ما صح عنده وال يرغب كل طالب إلى سماع جميع ما‬
‫صح عند شيخه فلو لم يجوز اإلجازة ألدى إلى تعطيل السنن واندراسها وانقطاع أسانيدها ولذلك كانت‬
‫اإلجازة من قبيل الرخصة ال من العزيمة فكان قوله أجزت لك أن تروي عني ما صح من مسموعاتي‬
‫في العرف جاريا‪ %‬مجرى‪ %‬قوله ما صح عندك من أحاديثي قد سمعته فاروه عني فال يكون كذبا إليه أشير‬
‫‪77‬‬
‫في المحصول والمعتمد ‪.‬‬

‫االلفاظ التي يجوز استعمالها‪:‬‬

‫‪ 77‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص‪٤٤/٣‬‬


‫‪47‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫األصح ما ذكره شمس األئمة‪  ‬السرخسي "أن األحوط‪ %‬أن يقول‪ :‬أجاز لي فالن وإن قال‪ :‬أخبرني فهو‬
‫‪78‬‬
‫جائز أيضا وال ينبغي أن يقول‪ :‬حدثني؛ فإن ذلك يختص باإلسماع ولم يوجد‪".‬‬

‫ومختار العالمه البزدوي‪ " %‬المستحب في ذلك أن يقول‪ :‬أجاز لي فالن (هذه هي العزيمة) ويجوز‪ %‬أن‬
‫يقول‪ :‬حدثني أو أخبرني‪ %‬واألول أن يقول‪ :‬أجاز لي ويجوز‪ %‬أخبرني؛ ألن ذلك دون المشافهة‪("،‬هذه هي‬
‫الرخصة‬

‫اختلف العلماء فى حدثني واخبرني مطلقا من غير قيد االجازة‬


‫وعامة األصوليين والمحدثين ذهبوا إلى امتناع جواز حدثني وأخبرني مطلقا إلشعارهما بصريح نطق‬
‫الشيخ وهما من غير نطق منه كذب بخالف المقيد نحو حدثني أو أخبرني‪ %‬إجازة وهذا بناء على أن‬
‫اإلخبار كالتحديث عندهم كما ذكره صاحب المعتمد وذهب البعض إلى امتناع المقيد أيضا احتياطا‪،‬‬
‫و يجوزعند الحنفية أن يقول أخبرني أو حدثني بطريق‪ %‬الرخصة لوجود‪ %‬الخطاب والمشافهة فيهما‪ ،‬وهو‬
‫قوله أجزت لك بخالف الكتاب والرسالة إذ الخطاب لم يوجد فيهما‪ %‬أصال إال أن ما ذكرنا دون حقيقة‬
‫‪79‬‬
‫القراءة فكانت العزيمة فيه ما قلنا‪.‬‬

‫هل العلم بما في الكتاب شرط ام ال‪:‬‬


‫ههنا ثالثه امور‪:‬‬
‫(‪ )١‬ان كان المجاز له يعلم ما في الكتاب والكتاب محفوظ من الزياده والنقصان صحت االجازة عند‬
‫الحنفية باالتفاق‪.‬‬

‫(‪ )٢‬وإن لم يعلم المجاز له ما في الكتاب فإن كان الكتاب محتمال للزيادة والنقصان غير مأمون عن‬
‫التغيير ال يحل له الرواية باالتفاق‪ ‬‬

‫‪ 78‬كتاب أصول السرخسي = تمهيد‪ %‬الفصول في األصول‬


‫[شمس األئمة السرخسي] ص ‪٣٧٨/١‬‬

‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص‪٤٤/٣‬‬ ‫‪79‬‬


‫‪48‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫(‪ )٣‬وإن كان مأمونا عن التغيير‪ %‬غير محتمل للزيادة والنقصان مع عدم العلم المجاز له بما في الكتاب‬
‫فان هذا محل النزاع‪ ‬‬
‫وال نص عن ابي حنيفة رحمه هللا واصحابيه في عين هذه المسالة وانما النص عنهم يوجد فى مسألة‬
‫كتاب القاضي إلى القاضي والرسائل أن علم ما فيهما شرط لصحة اإلشهاد عندهما خالفا ألبي يوسف‬
‫وإنما جوز ذلك أبو يوسف فيما كان من باب اإلسرار‪ %‬في العادة حتى ال يجوز في الصكوك‪ .‬فاختلف‪%‬‬
‫اصحاب التخريج‪  ‬في اشتراط‪ %‬العلم للمجاز له بما في الكتاب وعدمه بناء على مسالة الكتاب القاضي الى‬
‫‪80‬‬
‫القاضى ‪.‬‬

‫تخريج الدبوسي وإبن الهمام‪ :‬‬

‫حاصل ما قال العالمة الدبوسي‪ %‬اوإبن الهمام‪  ‬إذا لم يعلم المجاز له ما في الكتاب ال تصح الرواية عند‬
‫ابي حنيفة ومحمد رحمهما هللا وتصح عند ابي يوسف‪ %‬رحمه هللا تعالى على قِ َياس ْ‬
‫اختاَل فه ْم فِي كتاب‬
‫ال َقاضِ ي ِإلَى ال َقاضِ ي َوكتاب ال َّش َها َدة كما قلنا‪ ،‬لكن االحتياط فيما قاله أبو حنيفة ومحمد‪ %‬رحمهما هللا كذا‬
‫قال الدبوسي‪ %‬‬

‫أنظر نص الدبوسي‪ :‬‬
‫فأما إذا قال له الراوي‪ :‬أجزت لك الحديث عني بما فيه‪ ،‬والسامع غير عالم به فال يحل له‪ ،‬فإنا قد ذكرنا‬
‫أنه لو سمع‪ ،‬ولم يعلم لم يحل فكيف اإلجازة‪.‬‬
‫وهذا كما قالوا في القاضي يشهد الشاهد على كتابه أو المقر على صك عليه‪ ،‬والشاهد ال علم له بما فيه‬
‫أن شهادته باطلة‪.‬‬
‫وهذا مذهب أبي حنيفة ومحمد رحمهما هللا‪ ،‬وقال أبو يوسف‪ %:‬جائز ذلك إذا كان الكتاب معلوما بنفسه‬
‫وصورته بحيث يعلم ما يزاد فيه أو ينقص منه‪ ،‬فأما ما كان على غير ذلك ينبغي أن ال يحل بحال ألنه‬
‫ال يدري عند الشهادة أنه ذلك إال أن يشهد على كتاب ويسلمه إلى الشاهد فيصير‪ %‬كالمختوم‪.‬‬
‫واالحتياط‪ %‬فيما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما هللا‪ ،‬ألنه إذا لم يعلم بما فيه كان الضبط بالخط والختم وكل‬
‫ذلك يحتمل التغيير فإن الخط يشبه الخط والكتاب يشبه الكتاب وكذلك الختم‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫ثم اإلجازة إذا صحت كانت كالسماع‪ %‬وحلت الرواية بحدثنا‪ ،‬أو خبرنا‪ %‬جميعا ألنهما خطاب‪.‬انتهى_‬

‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص‪٤٤/٣‬‬ ‫‪80‬‬

‫تقويم األدلة في أصول الفقه ‪   —  ‬أبو زيد الدبوسي (ت ‪)٤٣٠‬ص‪١٩٢‬‬ ‫‪81‬‬


‫‪49‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫أنظر نص إبن الهمام‪:‬‬


‫ك ‪َ ،‬وِإال َفِإ ِن احْ َت َم َل التغيير كلم‬ ‫ت الرِّ َوا َي ُة كال َّش َها َد ِة َعلَى ال ِّد َ‬ ‫ان َيعْ لَ ُم َما فِي ْال ِك َتا ِ‬
‫ب َج َ‬
‫از ِ‬ ‫َو ْال َح َنفِ َّي ُة ِإنْ َك َ‬
‫ب ْال َقاضِ ي ِإ ْذ علم ال ُّشهُو ُد َما فِي ِه َشرْ ُ‬
‫ط خِالفا ً لَ ُه ‪،‬‬ ‫ُف َككِتا ِ‬ ‫تصيح ‪َ ،‬و َك َذا ِإنْ لَ ْم َيحتمل ‪ ،‬خالفا ألبي يُوس َ‬
‫ار َو َي ْك َرهُ‬ ‫َأْل‬ ‫ِضر َ َأ‬ ‫َو َش ْمسُ اَأْل ْغ ِة َع َد ُم الصحة اتفاق ‪َ ،‬و َتجْ ِوي ُ‪%‬ر َأ ِبى يُوس َ‪%‬‬
‫ُف فِي ْال ِك َتا ِ‬
‫ُور ِة ْش َمالِ ِه َعلَى ا سْ َر ِ‬ ‫بل َ‬
‫ار ‪ِ ،‬ب ِخاَل فِ ُك ُت ِ َأْل‬
‫ِبان ااْل ْن ِت َش َ‪%‬‬
‫ب ا ْخ َب ِ‬ ‫ال ُم َت َكات ِ‬
‫‪82‬‬
‫ار ‪.‬‬

‫تخريج الجصاص والسرخسى والبزدوي‪:‬‬

‫حاصل ما قال الجصّاص والسرخسي‪ %‬وكذلك البزدوي ان المجاز له اذا لم يعلم بما في الكتاب ال تصح‬
‫سن ابو يوسف‪  %‬في كتاب ال َقاضِ ي ِإلَى ال َقاضِ ي‬
‫الروايه عند ائمتنا الثالثة دون اي خالف ‪ ،‬وإنما‪  ‬اسْ تحْ َ‬
‫َوكتاب ال َّش َها َدة لضرورة إشتمالها على االسرار فى كثير من األحيان وهذه الضرورة معدومة في كتب‬
‫األخبار ألن الخبر أصل الدين و أمره عظيم ‪ .‬‬

‫أنظر نص أبو بكر الرازي الجصاص ‪:‬‬


‫فإن كانا قد علما ما فيه‪ ،‬جاز له أن يرويه عنه‪ .‬فيقول‪ :‬حدثني‪ ،‬وأخبرني‪ ،‬كما أن رجال لو كتب صكا‬
‫والشهود‪ %‬يرونه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اشهدوا علي بما فيه‪ ،‬جاز لهم إقامة الشهادة عليه بما فيه‪.‬‬
‫وأما إذا لم يعلم الراوي‪ ،‬وال السامع بما فيه‪ ،‬فإن الذي يجيء على مذهب أصحابنا ال يجوز له أن يقول‪:‬‬
‫أخبرني فالن بذلك‪ ،‬كما قالوا في الصك إذا أشهدهم وهم ال يعلمون ما فيه‪ :‬لم يصح اإلشهاد‪ .‬وكذلك إذا‬
‫قالوا له‪ :‬أجزنا لك ما يصح عندك من حديثنا‪ ،‬فإن هذا ليس بشيء‪ ،‬كما لو قال‪ :‬ما صح عندك من صك‬
‫‪83‬‬
‫فيه إقراري‪ %‬فاشهد‪ %‬به علي‪ .‬لم يصح ذلك‪ ،‬ولم يجز الشهادة به عليه‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫أنظرنص شمس األئمة السرخسي‪ : %‬‬


‫ازة اَل تصح فِي َق ْولهم َج ِميعً ا ِإاَّل َأن َأ َبا يُوسُف اسْ تحْ َ‬
‫سن‬ ‫صح عِ ْندِي َأن َهذِه اِإْل َج َ‬ ‫َقا َل َرضِ ي‪ %‬هللا َعن ُه َواَأل َ‬
‫ُورة فالكتب ت ْش َتمل على أسرار اَل ي ُِريد ْال َكاتِب والمكتوب‪ِ %‬إلَ ْي ِه َأن يقف َعلَ ْي َها َغيره َما‬ ‫ضر َ‬ ‫ك ألجل ال َّ‬ ‫ُه َنا َ‬
‫َو َذل َِك اَل يُوجد فِي كتب اَأْل ْخ َبار‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬ث َّم ْال َخ َبر أصل ال ّدين أمره عَظِ يم وخطبه جسيم َفاَل َوجه ْللحكم ِبصِ حَّ ة تحمل اَأْل َما َنة فِي ِه قبل َأن يصير‬
‫َمعْ لُوما مفهوما لَ ُه َأال ترى َأنه لَو َق َرَأ َعلَ ْي ِه ْالمُحدث َفلم يسمع َولم يفهم لم يجز لَ ُه َأن يروي َواِإْل َج َ‬
‫ازة ِإذا‬
‫‪ 82‬التحرير البن الهمام ص ‪٣٤٠‬‬
‫‪ 83‬الفصول في األصول ‪   —  ‬أبو بكر الرازي الجصاص (ت ‪ )٣٧٠‬ص‪١٩٣/٣‬‬
‫‪50‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫يف تجوز الرِّ َوا َية ِب َه َذا ْالقدر وإسماع‪ %‬الصّبيان الَّذين اَل‬
‫لم يكن َما فِي ْالكتاب َمعْ لُوما لَ ُه دون َذلِك َك َ‬
‫‪84‬‬
‫يميزون َواَل يفهمون نوع تبرك استحسنه ال َّناس َفَأما َأن يثبت ِبمثلِ ِه نقل ال ّدين َفاَل ‪ .‬انتهى‬

‫أنظر نص البزدوي‪:‬‬

‫وإذا لم يعلم بما فيه بطلت اإلجازة عند أبي حنيفة ومحمد‪ %‬رحمهما هللا وصح في قياس قول أبي يوسف‬
‫﵀ وأصل ذلك في كتاب القاضي إلى القاضي والرسائل أن علم ما فيهما‪ %‬شرط لصحة اإلشهاد عندهما‬
‫خالفا ألبي يوسف‪%‬‬
‫وإنما جوز ذلك أبو يوسف فيما كان من باب اإلسرار‪ %‬في العادة حتى ال يجوز في الصكوك‪  ‬‬
‫ثم قال البزدوي واألحوط قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما هللا‪ .‬ويحتمل أن يكون قول أبي يوسف‪ %‬مثله‬
‫أيضا؛ ألن السنة أصل في الدين وأمرها عظيم وخطبها‪ %‬جسيم وفي تصحيح اإلجازة من غير علم‬
‫‪85‬‬
‫ومعرفة رفع االبتالء وحسم لباب المجاهدة وفتح لباب التقصير والبدعة‪.‬‬

‫الراجح فى المسألة‪ :‬‬
‫الراجح في هذه المساله هو ما اختاره االمام ابو يوسف رحمه هللا كما رجحه محقق المتاخرين وذلك الن‬
‫الضرورة داعيه والحاجه ماسة الى تصحيح مثل هذه االجازة الن المحدث يحتاج الى تبليغ ما صح عنده‬
‫ليتصل االسناد‪ %‬ويبقى الدين وقد ظهر التكاسل والتواني‪ %‬في امور الدين وربما‪ %‬ال يتيسر للطالب القراءه‬
‫عليه وفي اشتراط‪ %‬العلم بما فيه نوع تنفير فجوز اإلجازة بال علم للضرور فابو‪ %‬يوسف رحمه هللا يجوز‬
‫االجازه بغير علم ما فيه كما جوز في كتاب القاضي الن جنس الضروره يشملهما‪ %‬وان لم توجد عين تلك‬
‫‪86‬‬
‫الذروره بعينها وهي االشتمال على االسرار ‪.‬‬

‫‪ 84‬كتاب أصول السرخسي = تمهيد‪ %‬الفصول في األصول‬


‫[شمس األئمة السرخسي] ص ‪٣٧٧/١‬‬

‫عبارة البزدوي في كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص‪٤٤/٣‬‬ ‫‪85‬‬

‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ص ‪٤٥/٣‬‬ ‫‪86‬‬


‫‪51‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المناولة ‪:‬‬
‫المناولة قسمان‪ ‬‬
‫األول ‪ :‬المناولة المقرونة باالجازة وهي أن يعطي الشيخ كتاب سماعه بيده إلى المستجيز ويقول هذا‬
‫كتابي وسماعي عن شيخي فالن فقد أجزت لك أن تروي‪ %‬عني‬

‫والثاني‪  :‬المناولة المجردة عن اإلجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره يقتصر على قوله هذا من حديثي‬
‫أو من سماعاتي وال يقول اروه عني أو أجزت لك روايته عني ونحو‪ %‬ذلك‬

‫حكمهما ‪:‬‬
‫(‪ )١‬المناولة المقرونة باالجازة حكمها مثل اإلجازة المفردة مع جميع تفاصيلها‪ %‬التي قد مرّ من اشتراط‬
‫العلم بما في الكتاب أو عدم اشتراطه‪  ‬فليست هي اال لتأكيد االجازة ألن مجرد المناولة بدون اإلجازة‬
‫غير معتبر واإلجازة بدون المناولة فكان االعتبار لإلجازة دون المناولة غير أنها زيادة تكلف أحدثها‬
‫بعض المحدثين تأكيدا لإلجازة فكانت المناولة قسما‪ %‬من اإلجازة‬
‫‪ ‬وهي أعلى أنواع اإلجازة على اإلطالق‪ ،‬ولها صور منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو‬
‫فرعا مقابال به ويقول هذا سماعي أو روايتي‪ %‬عن فالن فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم تملكه‬
‫إياه أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو هذا‪ .‬ومنها‪ %‬أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب أو‬
‫جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ‪ ،‬وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما‬
‫فيه‪ ،‬وهو حديثي‪ %‬عن فالن أو روايتي‪ %‬عن شيوخي فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته عني‪ ،‬وقد‪ %‬سمى‬
‫هذا غير واحد من أئمة الحديث عرضا‪ ،‬وقد قلنا إن القراءة على الشيخ تسمى عرضا أيضا إال أن األول‬
‫يسمى عرض القراءة وهذا عرض المناولة‪،‬‬
‫(‪ )٢‬فهذه مناولة مختلة ال يجوز الرواية بها وعليها غير واحد من الفقهاء واألصوليين وعابوا على‬
‫المحدثين الذين أجازوها‪ %‬وسوغوا‪ %‬الرواية بها‪ ،‬وحكي‪ %‬عن جماعة أنهم صححوها مثل ابن جريج وأبي‬
‫‪87‬‬
‫نصر بن الصباغ وأبي العباس بن الوليد والقاضي أبي محمد بن خالد وغيرهم‪ .‬‬

‫‪ ‬استفدت هذا من‪ ‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪٤٦/٣–٤٣/٣‬‬ ‫‪87‬‬

‫كنز االصول اللبزدوي‪  ‬ص ‪١٨٥‬‬


‫‪52‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫طرق الحفظ ‪:‬‬


‫‪ ‬وهي علي قسمين ‪:‬‬
‫(‪ )١‬العزيمة‪  ‬وهى ان يحفظ المسموع‪ %‬من حين سمعه الى وقت االداء ‪ .‬وقد إختار ابو حنيفة رحمه هللا‬
‫تعالى‪  ‬العزيمىة في هذا القسم ‪ ،‬كما " قال َّ‬
‫الط َحاوي ‪ :‬حدثنا سليمان بن شعيب‪ ،‬حدثنا أبي‪ ،‬قال‪ :‬أملى‬
‫ث من الحديث إال بما َحف َِظ ُه من يوم َس ِم َع ُه‬
‫علينا أبو يوسف‪ %‬قال ‪ :‬قال أبو حنيفة ‪ :‬ال ينبغي للرجل أن ي َُح ِّد َ‬
‫‪88‬‬ ‫إلى يوم ي َُح ِّد ُ‬
‫ث بـه"‬ ‫ِ‬

‫(‪ )٢‬والرخصة وهي االعتماد على الكتاب‬


‫وهي علي قسمين _‪ ١‬تذكرة ‪_٢‬امام‬
‫أما التذكرة‬
‫فهي ما يكون مذكراً و هو أن ينظر في المكتوب فيتذكر‪ %‬به ما كان مسموعا له‪  ‬وما لم يكن كذلك ألن‬
‫المقصود هو الذكر فال يبالي بعد حصوله بأن حصل بالتفكر أو بالنظر في الكتاب والنسيان الواقع قبل‬
‫التذكر معفو؛ ألنه لو اعتبر في حق عدم جواز الرواية أدى إلى تعطيل األخبار واألحاديث كيف‬
‫والنسيان مركب في اإلنسان وال يمكنه االحتراز عنه إال بحرج بين وذلك مدفوع وبعد النسيان النظر في‬
‫الكتاب طريق للتذكر وعود إلى ما كان عليه من الحفظ‪ ،‬وإذا عاد كما كان فالرواية تكون عن حفظ تام '‪ ‬‬

‫فلهذا النقل بهذا الطريق جائز عند ابي حنيفة وصاحبيه رحمهم هللا‪ ‬‬

‫أما اإلمام‪:‬‬
‫وهو ما ال يذ ّكر شيأ‪ ‬‬
‫النقل بهذا الطريق ال يجوز‪ %‬عند ابي حنيفة رحمه هللا خالفا لصاحبيه‬
‫الن‪  ‬أبا حنيفة قال "ال يجوز له أن يعتمد الكتاب ما لم يتذكر ألن النظر في الكتاب لمعرفة القلب كالنظر‪%‬‬
‫في المرآة للرؤية بالعين ثم النظر في المرآة إذا لم تفده إدراكا ال يكون معتبرا فالنظر في الكتاب إذا لم‬

‫طبقات الحنفية للحافظ عبد القادرالقرشي ص ‪ ۳۰ : ۱‬و ‪ ۳۱‬و ‪  ۳۲‬الطبعة األولى‪.‬‬ ‫‪88‬‬
‫‪53‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫يفده تذكرا يكون هدرا وهذا ألن الرواية والشهادة وتنفيذ القضاء ال يكون إال بعلم والخط يشبه الخط‬
‫فبصورة الخط ال يستفيد علما من غير التذكر وما كان الفساد في سائر األديان إال باالعتماد على الصور‬
‫‪89‬‬
‫بدون المعنى" ‪.‬‬

‫وايضا روي (عن) اإلمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي‪( %‬المنع)‪ ،‬وأنه ال حجة إال فيما رواه الراوي‬
‫من حفظه وتذكره للمروي‪ %‬تفصيال من حين سمعه إلى أن يؤديه‪.‬‬
‫قال ابن معين فيما رواه الخطيب‪ :‬كان‬
‫‪90‬‬
‫أبو حنيفة يقول‪ :‬ال يحدث الرجل إال بما يعرف ويحفظ‪.‬‬

‫طرق األداء‪ ‬‬
‫وهى على قسمين ايضا‪: ‬‬
‫(‪ )١‬العزيمة‬
‫وهو ان يودي كما سمع من شيخه وال خالف في اولويته كما قال رسول‪  ‬ﷺ‪َ « :‬نض ََّر هَّللا ُ ام َْرًأ َسم َِع‬
‫‪91‬‬
‫َم َقالَتِي َف َو َعا َها َو َحفِ َظ َها َو َبلَّ َغ َها‪َ ،‬فرُبَّ َحام ِِل فِ ْق ٍه ِإلَى َمنْ ه َُو َأ ْف َق ُه ِم ْنهُ»‬

‫(‪ )٢‬والرخصة‪ ‬‬
‫وهي أن يروي بالمعنى‪ ‬‬
‫اختلف العلماء في جواز الرواية بالمعنى اختالفا كثيرا فقال طائفة من أصحاب الحديث والفقه واألصول‪:‬‬
‫ال يجوز له الرواية بالمعنى كذلك‪ ،‬بل يتعين اللفظ‪ ،‬وإليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من‬
‫الحنفية‪ ،‬وهو مروي عن ابن عمر‪ ،‬وجوز بعضهم‪ %‬ذلك في غير حديث النبي ‪ ،‬ولم يجوزه في الحديث‬
‫والكالم في الحديث‪،‬‬

‫‪ 89‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪ ٥٠/٣‬‬
‫أصول السرخسي = تمهيد الفصول في األصول ‪   —  ‬شمس األئمة السرخسي (ت ‪)٤٨٣‬ص ‪٣٥٧/١‬‬
‫‪ 90‬فتح المغيث‪ %‬بشرح ألفية الحديث ص ‪   ___١٢٤ / ٣‬شمس الدين السخاوي (ت ‪)٩٠٢‬‬
‫‪ 91‬سنن الترمذي ‪ -‬ت شاكر ‪   —  ‬أبو عيسى الترمذي (ت ‪)٢٧٩‬‬
‫‪54‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫والذي ظهر لي من كالم العالمة المال على القاري رحمه هللا ان الروايه بالمعنى ال تجوز عند ابي حنيفة‬
‫رحمه هللا تعالى حيث ذكر‪ ‬‬
‫‪ ‬المال على القاري رحمه هللا في "شرح مسند أبي حنيفة" ما أخرجه الطحاوي‪ %‬حدثنا سليمان بن شعيب‪،‬‬
‫حدثنا أبي قال‪ :‬أملى علينا أبو يوسف‪ %،‬قال قال أبو حنيفة‪ :‬ال ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إال ما‬
‫يحفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدث به‪ ،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وحاصله‪ :‬أنه لم يجوز له الرواية بالمعنى‪ ،‬ولو كان مرادفا للمبنى خالفا للجمهور من المحدثين‪،‬‬
‫‪92‬‬
‫فإنهم جوزوا‪ %‬رواية المعنى ال سيما عند نسيان المبنى‪ .‬فقلّت رواية أبي حنيفة لهذه العلة الشريفة‪،‬‬

‫لكن المعتمد في ذلك هو قول المتاخرين من الحنفية و جمهور‪ %‬العلماء من الفقهاء والمحدثين‪ :‬بجواز‬
‫الرواية بالمعنى من مشتغل بالعلم ناقد‪ %‬لوجوه تصرف‪ %‬األلفاظ‪ ،‬على أال يكون الحديث متعبدا بلفظه‪ ،‬وأال‬
‫‪93‬‬
‫يكون من جوامع كلم النبي ﷺ ‪.‬‬

‫والدليل على جوازه‪  ‬مما يلي‪ :‬‬


‫‪ 1‬ذكر عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬في كشف األسرار‪ %‬عن أصول فخر اإلسالم‬
‫البزدوي‪ ‬‬
‫"ما روى يعقوب بن سليمان الليثي عن أبيه عن جده قال «أتينا رسول‪ %‬هللا ﷺ فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا‪ %‬يا‬
‫رسول هللا إنا لنسمع منك الحديث وال نقدر على تأديته كما سمعناه منك‬
‫قال ﷺ إذا لم تحلوا حراما وال تحرموا‪ %‬حالال وأصبتم‪ %‬المعنى فال بأس» كذا رأيت بخط اإلمام الحافظ‬
‫أبي الرشيد األصبهاني‪ %‬‬

‫‪ 2‬وأورده أبو بكر الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية في معرفة أصول علم الرواية‪ ،‬وباتفاق الصحابة‬
‫على روايتهم بعض األوامر‪ %‬والنواهي‪ %‬بألفاظهم مثل ما روى‪ %‬صفوان بن عسال المرادي‪ %‬أن «النبي ﷺ‬
‫كان يأمرنا إذا كنا سفرا أن ال ننزع خفافنا ثالثة أيام ولياليها»‪ %‬الحديث‪.‬‬

‫‪ 92‬شرح مسند أبي حنيفة ‪   —  ‬المال على القاري (ت ‪)١٠١٤‬‬


‫‪ 93‬السبر عند المحدثينص‪   —   ٤٧٢‬عبد الكريم جراد (معاصر) اإللماع للقاضي عياض ص ‪.١٧٨‬‬
‫التقريب والتيسير ص ‪٦٤/١‬‬
‫‪55‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪ ‬وما روى «أبو محذورة‪  ‬رضى هللا عنه أنه ﷺ أمره بالترجيع» وما روى‪ %‬عامر بن سعيد عن أبيه قال‬
‫«أمر النبي‪  ‬ﷺ بقتل الوزغ وسماه فويسقا» وما روى جابر رضى هللا عنه أنه ﷺ «نهى عن المحاقلة‬
‫والمزابنة ورخص في العرايا»‪ ‬‬
‫وما روى أنس رضى هللا عنه أنه‪  ‬ﷺ «نهى عن بيع الثمار حتى تزهي»‪ ‬‬
‫وما روى أبو هريرة رضي هللا عنه انه ﷺ «نهى عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة»‬
‫‪ ‬وما روى حكيم بن حزام أو غيره أنه ﷺ «نهى عن بيع ما ليس عند اإلنسان ورخص في السلم» في‬
‫شواهد لها كثيرة ال تحصى‪ %‬فحكوا معاني خطابه‪  ‬من غير قصد إلى لفظه إذ لم يقولوا قال النبي ﷺ‬
‫افعلوا كذا أو ال تفعلوا كذا‪ ،‬وكانوا‪ %‬ينقلون أيضا الحديث الواحد الذي جرى في مجلس واحد في واقعة‬
‫معينة بألفاظ مختلفة‪ ،‬مثل ما روي في حديث «األعرابي الذي بال في المسجد ودعا بعد الفراغ فقال‬
‫اللهم ارحمني ومحمدا‪ %‬وال ترحم بعدنا أحدا أنه ﵇ قال له لقد تحجرت واسعا» وروي‪ %‬لقد ضيقت واسعا‬
‫لقد منعت واسعا ومثل ما روي في الحديث الذي رواه مسلم ﵀ رحم هللا امرأ‪ ،‬مكان نضر هللا وروي‬
‫فرب حامل فقه ال فقه له مكان غير فقيه ولم ينكر عليهم أحد في جميع ما قلنا فكان ذلك إجماعا منهم‬
‫‪94‬‬
‫على الجواز‪.‬‬

‫‪ 3‬قال الترمذي‪« %‬ت ‪ ٢٧٩‬هـ»‪« :‬فأما من أقام اإلسناد وحفظه وغير اللفظ‪ ،‬فإن هذا واسع عند أهل العلم‬
‫‪95‬‬
‫إذا لم يتغير المعنى»‬

‫‪ 4‬ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة‪ ،‬القصة الواحدة تروى‪ %‬عن جمع من الصحابة بألفاظ‬
‫مختلفة‪ ،‬فهذا يدل على جواز الرواية بالمعنى‪ ،‬‬
‫‪ 5‬قال ابن حجر‪ :‬ومن أقوى حججهم اإلجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به‪ ،‬فإذا‬
‫‪96‬‬
‫جاز اإلبدال بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى‪'،‬‬

‫والسنة في هذا الباب أنواع‪ :‬ما يكون محكما ال يشتبه معناه وال يحتمل غير ما وضع له‪ ،‬وظاهر‪ %‬يحتمل‬
‫غير ما ظهر من معناه من عام يحتمل الخصوص أو حقيقة يحتمل المجاز‪ ،‬ومشكل‪ %‬أو مشترك ال يعمل‬

‫‪ 94‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪٥٦/٣‬‬
‫العلل الصغير للترمذي ص ‪.٧٤٦‬‬ ‫‪95‬‬

‫لتقريب والتيسير ص ‪٦٤/١‬‬ ‫‪96‬‬


‫‪56‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫به إال بتأويل‪ ،‬ومجمل أو متشابه‪ ،‬وقد‪ %‬يكون من جوامع الكلم التي اختص بها رسول هللا ﵇ قال ﵇ فيما‬
‫يحكي من اختصاصه «وأوتيت جوامع الكلم» فهي خمسة أقسام‪:‬‬

‫أما األول فال بأس لمن له بصر بوجوه اللغة أن ينقله إلى لفظ يؤدي معناه؛ ألنه إذا كان محكما مفسرا‬
‫أمن فيه الغلط على أهل العلم بوجوه اللغة فثبت النقل رخصة وتيسيرا‪ ،‬وقد ثبت في كتاب هللا ضرب من‬
‫الرخصة مع أن النظم معجز قال النبي ﷺ «أنزل القرآن على سبعة أحرف» وإنما ثبت ذلك ببركة‬
‫دعوة النبي ﵇ غير أن ذلك رخصة إسقاط وهذه رخصة تخفيف وتيسير مع قيام األصل على نحو ما مر‬
‫تقسيمه في باب العزيمة والرخصة‪.‬‬

‫وأما القسم الثاني فال رخصة فيه إال لمن حوى إلى علم اللغة فقه الشريعة (كشف) والعلم بطريق‪%‬‬
‫االجتهاد؛ ألنه إذا لم يكن (ثالث) كذلك ال يؤمن عليه أن ينقله إلى ما ال يحتمل ما احتمله اللفظ المنقول‬
‫من خصوص أو مجاز ولعل المحتمل هو المراد ولعله يزيده عموما فيخل بمعانيه فقها وشريعة‪.‬‬

‫وأما القسم الثالث فال يخل فيه النقل؛ ألنه ال يفهم معناه إال بتأويل‪ %‬وتأويله على غيره ليس بحجة‪.‬‬

‫وأما الرابع فال يتصور فيه النقل لما مر أن المجمل ما ال يفهم مراده إال بالتفسير والمتشابه ما انسد علينا‬
‫باب دركه وابتلينا بالكف عنه‪.‬‬

‫وأما الخامس فإنه ال يؤمن فيه الغلط إلحاطة الجوامع بمعان قد يقصر عنها عقول ذوي األلباب‪ ،‬وكل‬
‫مكلف بما في وسعه‪ ،‬وذلك مثل قول النبي ﵇ «والخراج بالضمان» وذلك أكثر من أن يحصى ويعد‬
‫‪97‬‬
‫ومن مشايخنا من لم يفصل بين الجوامع وغيرها لكن هذا أحوط الوجهين عندنا وهللا أعلم بالصواب‪.‬‬

‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي ‪   —  ‬عالء الدين عبد العزيز البخاري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪٥٧/٣‬‬ ‫‪97‬‬
‫‪57‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المطلب السادس‪%‬‬

‫مذهب ابي حنيفة رحمه هللا تعالى في المسائل المتفرقة ‪:‬‬

‫المسألة االولى‪ :‬فى معرفة الصحابة‬


‫هل الردة محبطة للعمل مطلقا أم بشرط اتصالها بالموت ‪  :‬‬
‫‪ ‬‬
‫الردة محبطة للعمل مطلقا ً وال يشترط‪ %‬له االتصال بها الموت عند ابي حنيفة رحمه هللا ولهذا لو ارت ّد‬
‫صحابي في حياة النبي صلى هللا عليه وسلم أو بعد موته ثم عاد الى‪  ‬اإلسالم بعد وفاته عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ :‬فقد رُوي عن أبي حنيفة أن هذه الردة محبطة للعمل ومن ث ّم محبطة للصحبـة مطلقا ً سـواء‬
‫اتصلت بالموت أو لم تتصل بموت ذلك الصحابي‪. %‬‬

‫قال العراقي‪(  %‬ت ‪ )٨٠٦‬فى ''التقييد واإليضاح‪ %‬شرح مقدمة ابن الصالح‪ "  ‬وأما من ارتد منهم في حياته‬
‫وبعد موته ثم عاد إلى اإلسالم بعد موته ﷺ كاألشعث بن قيس ففي عود الصحبة له نظر عند من يقول‬
‫‪98‬‬
‫إن الردة محبطة للعمل وإن لم يتصل بها الموت وهو قول أبي حنيفة‪.‬‬

‫وقال ايضا في موضع آخر "وفي دخول من لقيه مسلما ثم ارتد ثم أسلم بعد وفاة النبي ﷺ في الصحابة‬
‫نظر كبير‪ ،‬فإن الردة محبطة للعمل عند أبي حنيفة‪ ،‬ونص عليه الشافعي‪ %‬في األم‪ ،‬وإن كان الرافعي‪ %‬قد‬
‫حكى عنه أنها إنما تحبط بشرط‪ %‬اتصالها‪ %‬بالموت‪ ،‬وحينئذ فالظاهر‪ %‬أنها محبطة للصحبة المتقدمة‪ ،‬كقرة‬
‫بن هبيرة‪ ،‬وكاألشعث‪ %‬بن قيس أما من رجع إلى اإلسالم في حياته‪ ،‬كعبد هللا بن أبي سرح‪ ،‬فال مانع من‬
‫‪99‬‬
‫دخوله في الصحبة بدخوله الثاني في اإلسالم‪ ،‬وهللا أعلم" ‪.‬‬
‫‪ ‬وذكر مالّ علي القاري رحمه هللا تعالى في شرح نخبة الفكر ' َو َقا َل ْالحلَ ِبي فِي َ‬
‫«حاشِ َية شِ َفاء ال َقاضِ ي»‪:‬‬
‫أخرج لأل ْش َعث َه َذا اَأْلِئمَّة [ال ِّس َّتة] َوأحمد فِي ْالمسند‪َ ،‬وقد صرح ِبَأ َّن ُه َ‬
‫ص َح ِابيّ ‪َ ،‬و َه َذا ِإ َّن َما يتمشى عِ ْند من‬
‫‪ 98‬التقييد واإليضاح شرح مقدمة ابن الصالح ‪   —  ‬العراقي (ت ‪)٨٠٦‬ص‪٢٩٢‬‬

‫‪ 99‬شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي ‪   —  ‬العراقي (ت ‪ )٨٠٦‬ص ‪١٢٠ / ٢‬‬


‫‪58‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫َيقُول‪ِ :‬إن الرِّ دة ِإ َّن َما ُتحبط ِب َشرْ ط َأن تتصل ِب ْال َم ْوتِ‪ ،‬أما َمن َيقُول‪ِ :‬إن الرِّ دة ُتبطل َوِإن لم تتصل‬
‫عبارة ال َّشافِعِي َما يدل على َه َذا‪َ ،‬ك َذا َقالَه بعض‬
‫َ‬ ‫[ب ْال َم ْوتِ] َفاَل يعدو َه َذا ال َق ْول َقول أبي حني َفة‪َ ،‬وفِي‬
‫ِ‬
‫مشايخي‪ ،‬لَكِن الَّذِي َح َكاهُ الرَّ افِعِيّ َعن ال َّشافِعِي‪ِ %:‬إ َّن َها ِإ َّن َما ُتحبط ِب َشرْ ط‪ %‬اتصالها‪ْ %‬لل َم ْوت َوهللا ُسب َْحا َن ُه‬
‫‪100‬‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪ ‬أفضل الصحابة على اإلطالق ‪ :‬‬


‫ان القول المتفق عليه أن افضل الصحابة ابو بكر رضي هللا عنه ثم من بعده عمر قال ابن تيمية‪ ''  ‬لَ ْم‬
‫ِين فِي َت ْفضِ ِ َأ‬
‫ِف َأ َح ٌد م َِن الص ََّحا َب ِة َوال َّت ِابع َ‬
‫يل ِبي َب ْك ٍر‪َ ،‬و ُع َم َر ﵄ َو َت ْقدِيم ِِه َما‪َ %‬علَى َجم ِ‬
‫ِيع الص ََّحا َبةِ»‪ ‬‬ ‫َي ْخ َتل ْ‬
‫ك‪َ ،‬ك َما ه َُو َق ْو ُل َمالِكٍ َوَأصْ َح ِابهِ‪َ ،‬وَأ ِبي َحنِي َف َة َوَأصْ َح ِابهِ‪،‬‬‫ِف ُعلَ َما ُء اِإْلسْ اَل ِم فِي َذلِ َ‬ ‫َو َك َذل َِك َأ ْي ً‬
‫ضا لَ ْم َي ْخ َتل ْ‬
‫ث َوَأصْ َح ِابهِ‪َ ،‬واَأْل ْو َزاعِ يِّ َوَأصْ َح ِابهِ‪،‬‬
‫الث ْو ِرىِّ َوَأصْ َح ِابهِ‪َ ،‬واللَّ ْي ِ‬
‫َوَأحْ َم َد َوَأصْ َح ِابهِ‪َ ،‬ودَاوُ َ‪%‬د َوَأصْ َح ِابهِ‪َ ،‬و َّ‬
‫اِئر ْال ُعلَ َما ِء‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫ْن َجر ٍ َأ‬ ‫وِإسْ َح َ َأ‬
‫ير َو صْ َح ِابهِ‪َ ،‬و ِبي َث ْو ٍر َو صْ َح ِابهِ‪َ ،‬و َك َما ه َُو َق ْو ُل َس ِ‬ ‫اق َو صْ َح ِابهِ‪َ ،‬واب ِ ِ‬
‫ْال َم ْشه ِ‬
‫‪101‬‬
‫ين‪.‬‬‫ُور َ‬

‫ولكن علماء األمة اإلسالمية اختلفوا في تفضيل عثمان وعليّ رضي هللا عنهما كل منهما على اآلخر'‬
‫قال ابن كثير ''والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم "علي" على "عثمان"‪.‬‬
‫ويحكى عن سفيان الثوري‪ ،‬لكن يقال إنه رجع عنه‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫ونقل مثله عن وكيع بن الجراح‪ ،‬ونصره ابن خزيمة والخطابي‪ ،‬وهو ضعيف مردود بما تقدم‪''.‬‬
‫وروي‪ %‬هذا القول عن اإلمام أبي حنيفة فقد أسند إليه ابن عبد البر في االنتقاء قوله‪" :‬الجماعة أن تفضل‬
‫‪ ٣‬أبا بكر وعمر وعليا وعثمان وما تتنقص أحدا من أصحاب رسول‪ %‬هللا ﷺ ‪.  " ...‬‬
‫وجاء في السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني أن نوح بن أبي مريم سأل أبا حنيفة عن مذهب أهل‬
‫السنة فقال‪" :‬أن تفضل أبا بكر وعمر وتحب عليا وعثمان ‪ " ...‬‬
‫وجاء في مناقب أبي حنيفة للمكي‪" :‬كان أبو حنيفة يفضل أبا بكر على أصحاب النبي ﷺ ثم عمر‪ ،‬ثم‬
‫يقول علي وعثمان"‪.‬‬
‫وقال ابن أبي العز‪" :‬وقد روي عن أبي حنيفة تقديم علي على عثمان رضي‪ %‬هللا تعالى عنه‬

‫‪ 100‬شرح نخبة الفكر للقاري ‪   —  ‬المال على القاري (ت ‪ )١٠١٤‬ص ‪٥٨٣/١‬‬


‫‪ 101‬منهاج السنة النبوية ‪   —  ‬ابن تيمية (ت ‪)٧٢٨‬‬
‫ص ‪٢٨٦/٧‬‬
‫اختصار علوم الحديث __ ابن كثير ص ‪٢٧٨‬‬ ‫‪102‬‬
‫‪59‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪ ‬ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على علي‪ ،‬وعلى هذا عامة أهل السنة" فقوله روي بصيغة التمريض؛‬
‫وهي تشعر بعدم ثبوت هذه الرواية عن اإلمام أبي حنيفة‪ .‬ولعله قد استند على ما روي عن اإلمام أبي‬
‫حنيفة في غير ما موضع من أنه كان يفضل أبا بكر وعمر ويحب عليا وعثمان فقوله‪" :‬علي وعثمان" ال‬
‫يقتضي تقديم علي على عثمان ألن الوار في اللغة العربية لمطلق الجمع‪ ،‬وألن التقديم الذكري ال يستلزم‪%‬‬
‫التقديم في الفضل‪ ،‬فالذي استقر عليه اإلمام أبو حنيفة هو تفضيل عثمان على علي دل على ذلك قوله‪:‬‬
‫"وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصالة والسالم أبوبكر الصديق‪ %‬ثم عمر بن الخطاب الفاروق‪ %‬ثم عثمان‬
‫بن عفان ذو النورين ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين عابدين ثابتين‬
‫على الحق ومع الحق نتوالهم‪ %‬جميعا"ويقول‪" %:‬ونقر بأن أفضل هذه األمة بعد نبينا محمد ﷺ‪ :‬أبو بكر‬
‫الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان هللا عليهم أجمعين"‪ ‬‬
‫وقال‪" :‬أفضل الناس بعد رسول هللا ﷺ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬ثم نكف عن جميع أصحاب‬
‫رسول هللا ﷺ إال بذكر جميل"‪ ‬‬

‫وهذا ما قرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال‪:‬‬
‫"ونثبت الخالفة بعد رسول هللا ﷺ أوال ألبي بكر الصديق‪ %‬رضي هللا عنه تفضيال وتقديما‪ %‬على جميع‬
‫األمة‪ ،‬ثم لعمر بن الخطاب رضي‪ %‬هللا عنه‪ ،‬ثم لعثمان رضي هللا عنه‪ ،‬ثم لعلي بن أبي طالب رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬وهم الخلفاء الراشدون واألئمة المهتدون"‪ ‬‬
‫وهذا ما استقر عليه أئمة الفقه كالشافعي‪ %‬ومالك في إحدى الروايتين‪.‬‬

‫وفي هذا يقول ابن تيمية‪" :‬وجمهور‪ %‬الناس فضلوا عثمان وعليه استقر أمر أهل السنة‪ ،‬وعليه أئمة الفقه‬
‫‪103‬‬
‫كالشافعي‪ %‬وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك" ‪.‬‬

‫ّأول من أسلم‪  :‬‬

‫أصول الدين عند اإلمام أبي حنيفة ‪   —  ‬محمد بن عبد الرحمن الخميس (معاصر) ص ‪٥٤٧‬‬ ‫‪103‬‬

‫➔ شرح العقيدة الطحاوية ‪ -‬البراك ‪   —  ‬عبد الرحمن بن ناصر البراك (معاصر) ص ‪٣٦٤‬‬
‫‪60‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫روى الحاكم في ترجمة أحمد بن عباس بن حمزة الواعظ من تاريخ نيسابور من طريق أبي مسهر‪ :‬ثنا‬
‫سعيد بن عبد العزيز قال‪ :‬كان أبو حنيفة يقول‪ :‬أول من أسلم من الرجال أبو بكر‪ ،‬ومن النساء خديجة‪،‬‬
‫ومن الصبيان علي‪ .‬وكان البرهان التنوخي يقول‪ :‬األولى أن يقال‪ :‬ومن غير البالغين علي‪ ،‬وهو‬
‫‪104‬‬
‫حسن‪.‬‬

‫‪ ‬قال ابن الصالح وتبعه المصنف (وهو االمام النووي) (واألورع أن يقال‪ ):‬أول من أسلم (من الرجال‬
‫األحرار أبو بكر‪ ،‬ومن الصبيان علي‪ ،‬ومن النساء خديجة‪ ،‬ومن الموالي زيد‪ ،‬ومن العبيد بالل) ‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫قال البرماوي‪ :‬ويحكى هذا الجمع عن أبي حنيفة‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬الترجيح عند التعارض بين األحاديث ‪ :‬‬


‫اذا وقعت التعارض بين الخبرين نرفع التعارض باالصول‪ٰ %‬‬
‫االتية‪ ‬‬
‫‪ _١‬إن علم المتأخر فحكم‪ %‬الخبر االول النسخ‬

‫‪ 104‬فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ‪   —  ‬شمس الدين السخاوي (ت ‪ )٩٠٢‬ص ‪١٢٧/٤‬‬
‫‪ 105‬تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ‪   —  ‬الجالل السيوطي (ت ‪ )٩١١‬ص ‪٦٩١/٢‬‬
‫‪61‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫‪ _٢‬وإن لم يُعلم يرجح بوجوه الترجيح من فقه الرواة مثال كما قال ابن الهمام فى فتح القدير بعد سرد‬
‫مناظرة االمام ابي حنيفة رحمه هللا مع االوزعي‪ "  ‬فرجح بفقه الرواة كما رجح األوزاعي بعلو اإلسناد‪%‬‬
‫‪106‬‬
‫وهو المذهب المنصور‪ %‬عندنا"‪.  ‬‬
‫‪ _٣‬وإن لم يمكن الترجيح يجمع‪ ‬‬
‫‪ _٤‬تركا أي المتعارضان إلى ما دونهما من األدلة على الترتيب إن كان أي وجد ما دونهما بأن كان‬
‫التعارض بين آيتين فإنهما‪ %‬يتركان إلى السنة إن كانت ولم تكن متعارضة فإن لم يوجد في ذلك سنة أو‬
‫وجدت لكن متعارضة ففخر اإلسالم تركها إلى القياس وأقوال الصحابة‪. ‬‬
‫‪107‬‬
‫‪ _٥‬واال قررت الصول أي يجب العمل باألصل في جميع ما يتعلق بالمتعارضين ‪.‬‬
‫هذه الطريقة اختارها االحناف و اكثر األصوليين‪ ‬‬

‫‪108‬‬
‫واما مذهب األئمة الثالثة فالجمع اوال ان امكن واال حكمه النسخ ان علم المتأخر وإال فالترجيح وإال فالتوقف ‪.‬‬

‫تمّت بالخير‬

‫‪ ‬ثبت المصادر والمراجع‬


‫السنه ومكانتها في التشريع ص ‪٤٠١‬‬
‫و تذكره الحفاظ للذهبي ص‪ ١٢٦/١‬‬

‫‪ 106‬فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته ط الحلبي ‪   —  ‬الكمال بن الهمام (ت ‪)٨٦١‬ص ‪٣١١/١‬‬
‫‪ 107‬التحرير البن الهمام‪  ‬ص ‪٢٦٢‬‬
‫التقرير والتحبير‪ %‬علي تحرير الكمال بن الهمام ‪   —  ‬ابن أمير حاج (ت ‪ )٨٧٩‬‬

‫‪ 108‬نخبة الفكر البن حجر رحمه هللا ص ‪٥٦‬‬


‫‪62‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫سيروا اعلى من النبالء ص ‪٣٩٠‬‬


‫تهذيب الكمال (الرقم ‪)٦٤٣٩‬‬
‫ابو حنيفة حياته وعصره ص ‪  ٧٥–٦٠‬‬
‫الفصول في األصول ‪   —  ‬أبو بكر الرازي الجصاص (ت ‪ )٣٧٠‬ص ‪ ٣٧٣/٣‬‬
‫‪ ‬دريب راوي ص ‪٢٥/١‬‬
‫‪ ‬قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ‪ — ٢٩٨/١‬جمال الدين القاسمي (ت ‪)١٣٣٢‬‬
‫‪ ‬الميزان ص ‪ ٢٢٩-٢٢٤‬لالمام الشعراني (ت‪)٩٧٣‬‬
‫إعالم الموقعين عن رب العالمين ‪ -‬ط العلمية ‪   —  ‬ابن القيم (ت ‪ )٧٥١‬ص‪  ٩٥/٤—٩١/٤‬وص ‪ .٨١ /١ :‬‬
‫‪' ‬المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية ' ص‪ ' , ٩٨/١‬ص‪   —٩٨/١‬عمر سليمان األشقر (ت ‪)١٤٣٣‬‬
‫‪ ‬مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪–١‬‬
‫مقدمة شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪ ٣–١‬و ص‪٥‬‬
‫الرد على اللمع‪   — ٦٨/١  ‬شحاتة صقر (معاصر)‬
‫ملخص إبطال الرأي والقياس واالستحسان ص‪ .٦٨‬‬
‫قواعد في علم الحديث ص‪ ، ٩٦–٩٥‬ص‪ ١٠٧-٩٧‬و‪  ‬ص‪١٢٧‬و ص ‪ ٢٢٨‬ص ‪ ،١٣٨‬ص ‪ ،٢٠٨‬ص ‪٢٠٧‬‬
‫اإلحكام في أصول األحكام ‪ ٥٤ : ،‬‬
‫‪  ‬حديث عبد هللا بن مسعود أن النبي ﷺ قال له ‪-‬ليلة الجن‪ -‬ما في إداوتك قال‪ :‬نبيذ‪ ،‬قال تمرة طيب‪%%‬ة وم‪%%‬اء طه‪%%‬ور‪ ،‬رواه اإلم‪%%‬ام أحم‪%%‬د‬
‫في مسند ابن مسعود ‪ ،٦٦٣ / ١‬وأبو داود في سننه ‪ ،٢١ / ١‬برقم ‪ ،٨٤‬وانظر سنن ابن ماجه‪ ،١٣٥ / ١‬رقم ‪ ،٣٨٤‬وس‪%%‬نن الترم‪%%‬ذي‬
‫‪ ،١٤٧ / ١‬رقم ‪ ،٨٨‬قال الحافظ في الفتح ‪« :٣٥٤ / ١‬وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه» ‪.‬‬
‫الحديث رواه الدارقطني بسنده عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال إذا قهقه أعاد الوضوء وأعاد الصالة‪ ،‬ثم قال ال‪%%‬دارقطني‪« :‬فه‪%%‬ذه‬
‫أقاويل أربعة عن الحسن كلها باطلة؛ ألن الحسن إنما سمع هذا الح‪%%‬ديث من حفص بن س‪%%‬ليمان المنق‪%%‬ري عن حفص‪%%‬ة بنت س‪%%‬يرين عن‬
‫أبي العالية الرياحي مرسال عن النبي ﷺ» ا‪ .‬هـ‪ ،‬انظر سنن الدارقطني كتاب الطهارة ‪ -‬باب أحاديث القهقهة في الصالة وعلله‪%%‬ا ‪/ ١‬‬
‫‪ ،١٦٥-١٦٤‬وانظر في تمام تخريجه نصب الراية للزيلعي مع الهداية ‪.١١٤-١٠٦ / ١‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪   —  ‬ابن تيمية (ت ‪)٧٢٨‬‬
‫ص ‪ ١٦‬االنتصار في حجية قول الصحابة األخيار ‪   —  ‬عبد العزيز الريس (معاصر)‬
‫ص‪ ٣٣٢/١‬تاريخ التشريع اإلسالمي ‪   —  ‬مناع القطان (ت ‪)١٤٢٠‬‬
‫‪ ‬الميزان ص ‪ ٢٢٩-٢٢٤‬لالمام الشعراني (ت‪)٩٧٣‬‬
‫فتح المغيث بش‪%%‬رح ألفي‪%%‬ة الح‪%%‬ديث ‪   —  ‬ش‪%%‬مس ال‪%%‬دين الس‪%%‬خاوي (ت ‪)٩٠٢‬ص ‪ ، ١٦٢/١‬ص ‪، ٨/٢%‬ص ‪ ، ٩/٢‬ص ‪ ،١٥٢/٢‬ص‬
‫‪، ١٧٢/٢‬ص ‪ ،١٢٤ / ٣‬ص ‪_١٢٤ / ٣‬ص ‪١٢٧/٤‬‬
‫قفو األثر ص ‪٢٣‬‬
‫نور األنوار ص ‪٢١٦‬‬
‫شرح مسند االمام ابي حنيفة ص‪٥‬‬
‫منهاج السنة النبوية ‪٤٣٥/٧‬‬
‫الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ‪—  ‬محمد أبو شهبة (ت ‪  )١٤٠٣‬ص ‪٢٨٣-٢٨٢‬‬
‫‪ ‬ضوابط الجرح والتعديل ص ‪١٩‬‬
‫تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي — ‪  ‬الجالل السيوطي (ت ‪)٩١١‬ص‪ ، ٦٩/١‬ص ‪٦٩١/٢‬‬
‫شرح نخبة الفكر للخضير‪  ‬ص‪[ ١/٧‬تراث] — ‪  ‬عبد الكريم الخضير (معاصر)و ص‪٣٠/٦‬‬
‫‪63‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص ‪   —  ١٢٦/١‬الخطيب البغدادي (ت ‪)٤٦٣‬‬


‫توضيح األفكار لمعاني تنقيح األنظار ص ‪   —   ١٤٥/٢‬الصنعاني (ت ‪)١١٨٢‬‬
‫الجواهر المضية في طبقات الحنفية ‪ ٣٠ :١‬و‪ ٣١‬من طبعة الهند‪.‬‬
‫كتاب العلل الواقع بآخر جامع الترمذي ص ‪ - ٧٣٩‬ت شاكر ‪   —  ‬أبو عيسى الترمذي (ت ‪)٢٧٩‬‬
‫'مكانة اإلمام أبي حنيفة في الحديث‪  ‬ص ‪   —  ٨٠–٦٨‬محمد عبد الرشيد النعماني (ت ‪)١٤٢٠‬‬
‫الديباج المذهب في مصطلح الحديث ‪   —  ‬الجرجاني‪ ،‬الشريف (ت ‪ )٨١٦‬ص ‪٥٣/١‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه ‪   —  ‬بدر الدين الزركشي (ت ‪)٧٩٤‬ص ‪٣١١/٦–٣١٠/٦‬‬
‫مقدمة ابن الصالح = معرفة أنواع علوم الحديث ‪ -‬ت عتر ‪   —  ‬ابن الصالح (ت ‪ )٦٤٣‬ص ‪ ،١٣٢‬ص ‪،١٣٧‬ص‪ ٢٨٤/١‬‬
‫كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم ال‪%%‬بزدوي ‪   —  ‬عالء ال‪%%‬دين عب‪%%‬د العزي‪%%‬ز البخ‪%%‬اري (ت ‪ )٧٣٠‬ص‪ ، ٤١/٣–٣٩/٣%‬ص ‪/۲‬‬
‫‪۳۸۳‬‬
‫‪ ،‬ص‪ ،٣٩/٣‬ص ‪ ، ٤١/٣‬ص ‪، ٤٢/٣‬ص ‪،٤٢/٣‬ص‪ ،٤٤/٣‬ص‪ ،٤٦/٣–٤٣/٣‬ص‪ ، ٥٠/٣‬ص‪ ،٥٦/٣‬ص‪ ،٥٧/٣‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه ‪   —  ‬بدر الدين الزركشي (ت ‪ ، ٣٠٩/٦)٧٩٤‬ص‪٣٠٩/٦‬‬
‫اإللماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ‪   —  ‬القاضي عياض (ت ‪ )٥٤٤‬ص‪  ، ١٢٢/١‬ص ‪.١٧٨‬‬
‫شرح ألفية العراقي ‪ -‬ابن العيني ‪   —  ‬ابن العيني (ت ‪ )٨٩٣‬ص‪ ١٨٠/١‬‬
‫‪  ‬إشراقات األصول في علم حديث الرسول ‪ -‬مجلة التراث النبوي ‪   —  ‬جالل الدين القايني (ت ‪ )٨٣٨‬ص ‪٢٧٠‬‬
‫المسودة في أصول الفقه ‪   —  ‬مجد الدين بن تيمية (ت ‪ )٦٥٢‬ص‪٢٨٣/١‬‬
‫الجواهر المضية فى طبقات الحنفية ‪ -‬ت الحلو ‪   —  ‬عبد القادر القرشي (ت ‪)٧٧٥‬ص ‪٣١/١‬‬
‫الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ‪   —  ‬الخطيب البغدادي (ت ‪)٤٦٣‬ص ‪٢٧٩/١‬‬
‫كنز االصول لفخر االسالم البزداوي ص ‪ ،١٨٥–١٨٣‬ص‪٢٨٥‬‬
‫التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام ‪   —  ‬ابن أمير حاج (ت ‪ )٨٧٩‬ص ‪٢٨٠/٢‬‬
‫التحرير البن الهمام ص ‪ ،٣٤٠‬ص ‪٢٦٢‬‬
‫الشذا الفياح من علوم ابن الصالح ‪   —  ‬برهان الدين األبناسي (ت ‪ )٨٠٢‬ص‪ ،٣٢٠/١‬ص‪٣٢٠/١‬‬
‫تقويم األدلة في أصول الفقه ‪   —  ‬أبو زيد الدبوسي (ت ‪)٤٣٠‬ص‪١٩٢‬‬
‫شرح النووي على مسلم ‪   —  ‬النووي (ت ‪٤٥/١٤ )٦٧٦‬‬
‫الفصول في األصول ‪   —  ‬أبو بكر الرازي الجصاص (ت ‪ )٣٧٠‬ص‪١٩٣/٣‬‬
‫كتاب أصول السرخسي = تمهيد الفصول في األصول‬
‫[شمس األئمة السرخسي] ص ‪ ،٣٧٧/١‬ص ‪٣٥٧/١‬‬
‫‪ ‬طبقات الحنفية للحافظ عبد القادرالقرشي ص ‪ ۳۰ : ۱‬و ‪ ۳۱‬و ‪  ۳۲‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫سنن الترمذي ‪ -‬ت شاكر ‪   —  ‬أبو عيسى الترمذي (ت ‪)٢٧٩‬‬
‫شرح مسند أبي حنيفة ‪   —  ‬المال على القاري (ت ‪)١٠١٤‬‬
‫ص‪،٣–١‬ص ‪٥‬‬
‫السبر عند المحدثينص‪   —   ٤٧٢‬عبد الكريم جراد‬
‫التقريب والتيسير ص ‪٦٤/١‬‬
‫العلل الصغير للترمذي ص ‪.٧٤٦‬‬
‫الكفاية في علم الرواية ص ‪٢٣١/١‬‬
‫حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي ‪   —  ‬ابن عابدين (ت ‪ )١٢٥٢‬ص ‪ ٦١/١‬‬
‫‪64‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫شرح مقدمة ابن الصالح ‪   —  ‬العراقي (ت ‪)٨٠٦‬ص‪٢٩٢‬‬


‫اختصار علوم الحديث __ ابن كثير ص ‪٢٧٨‬‬
‫منهاج السنة النبوية ‪   —  ‬ابن تيمية (ت ‪)٧٢٨‬‬
‫ص ‪٢٨٦/٧‬‬
‫شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي ‪   —  ‬العراقي (ت ‪ )٨٠٦‬ص ‪١٢٠ / ٢‬‬
‫شرح نخبة الفكر للقاري ‪   —  ‬المال على القاري (ت ‪ )١٠١٤‬ص ‪٥٨٣/١‬‬
‫أصول الدين عند اإلمام أبي حنيفة ‪   —  ‬محمد بن عبد الرحمن الخميس (معاصر) ص ‪٥٤٧‬‬
‫شرح العقيدة الطحاوية ‪ -‬البراك ‪   —  ‬عبد الرحمن بن ناصر البراك (معاصر) ص ‪٣٦٤‬‬
‫نخبة الفكر البن حجر رحمه هللا ص ‪٥٦‬‬

‫{ الجدير بالذكر‪ :‬أنّ أكثر رقم الصفحة والمجلّد على حسب‬


‫ماعثرت عليه فى ‪ PDF‬من مكتبة التراث }‪ ‬‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫المقدمة‪١ .........................................................................................................‬‬
‫‪65‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫التعريف بالموضوع‪٢ ..........................................................................................‬‬


‫أهمية الموضوع‪٢ ...............................................................................................‬‬
‫اسباب اختيار الموضوع‪٢ ......................................................................................‬‬
‫الدراسات السابقة‪٢ ..............................................................................................‬‬
‫مشكلة البحث‪٤ ..................................................................................................‬‬
‫منهج البحث‪٤ ...................................................................................................‬‬
‫خطة البحث‪٤ ...................................................................................................‬‬
‫المبحث األول فى تعريف‪ %‬االمام و تعريف اصول الحديث و علومه وغرضه وغايته‪٦ .................. ‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬ترجمة اإلمام أبي حنيفة‪٦ ...................................................................  ‬‬
‫اسمه ونسبه‪٦ ...................................................................................................‬‬
‫صفاته‪٧ .........................................................................................................‬‬
‫اقوال العلماء في ابى حنيفة‪٨ .................................................................................  ‬‬
‫‪ ‬شيوخه‪  ‬وتالميذه‪ ٩ ............................................................................................‬‬
‫هل هو تابعى ام ال؟‪١٠  ........................................................................................‬‬
‫وفاته‪١٢ ........................................................................................................  ‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬تعريف أصول الحديث وعلومه و بيان موضوعه وثمرته وفائدته‪١٣ .................... ‬‬
‫المبحث الثاني فى مقوالت االمام ابي حنيفة رحمه هللا وآرائه فى اصول الحديث و علومه‪١٤ ...........‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬مقوالته في الحث على األخذ بالحديث الشريف‪ %‬وتعلمه والعمل به‪١٤ ................... ‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مقوالته فيما افترى عليه من تقديم القياس على حديث رسول هللا ﷺ‪..................‬‬
‫‪١٦‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مقوالته في في بعض أنواع علوم الحديث وارائه فيه‪ ١٩ .................................‬‬
‫الخبر الواحد عند ابي حنيفة رحمه هللا‪١٩ ....................................................................‬‬
‫سبب تشدد االمام في الرواية‪٢١ .............................................................................  ‬‬
‫األخذ بالحديث الصحيح‪٢١ ...................................................................................‬‬
‫غاية االحتياط في االخذ بالحديث‪٢٢ .........................................................................‬‬
‫موقفه في العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس‪٢٥ .................................................‬‬
‫مذهبه في الحديث الموقوف‪ %‬على الصحابه وحجيته‪٢٧ ......................................................  ‬‬
‫حكم الحديث المرسل عند ابي حنيفة‪٢٩ ......................................................................  ‬‬
‫‪66‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫حكم الحديث المعنعن‪ ٣٢ ......................................................................................  ‬‬


‫المطلب الرابع ‪ :‬مقوالته في الجرح والتعديل وٓارائه فيهما (صفه من تقبل روايته)‪٣٣ ....................‬‬
‫اشتراط ابي حنيفة رحمه هللا في الراوى لقبول روايته‪٣٣ ....................................................‬‬
‫حكم روايه المستور‪٣٤ .........................................................................................‬‬
‫حكم رواية مجهول العين‪ ٣٥ ..................................................................................‬‬
‫حكم روايه اهل االهواء والبدع من حيث قبولها او عدمه‪ ٣٦ ...............................................‬‬
‫مذهب ابي حنيفه رحمه هللا في الرجال‪٣٧ ....................................................................‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬مقاالته وآرائه في صفه تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ وحفظه وادائه‪٣٨ ......... ‬‬
‫الزمن الذي يصح فيه السماء من الصبي‪٣٨ ..................................................................‬‬
‫‪  ‬صفة تحمل الحديث واخذه عن الشيوخ‪٣٩ ...................................................................‬‬
‫‪ ‬قراءة الشيخ او استمع من الشيخ والقراءه على الشيخ يقال له العرض أيضا‪٣٩  ..........................‬‬
‫أيهما اقوى‪ %‬قراءه الشيخ على الراوى أم العكس ؟‪٤٠ .........................................................‬‬
‫‪  ‬األلفاظ التي يجوز استعمالها‪٤٢  ..............................................................................‬‬
‫مقوالت االمام ابي حنيفه في هذا الباب‪٤٣ ...................................................................  ‬‬
‫الكتابة والرسالة‪٤٤ .............................................................................................‬‬
‫اشتراط البينة‪٤٥ ...............................................................................................  ‬‬
‫األلفاظ التي يجوز استعمالها‪٤٦ ................................................................................‬‬
‫اإلجازة‪.......................................................................................................‬‬
‫‪٤٧‬‬
‫االختالف في تصحيح االجازة وعدمه‪٤٨ .....................................................................‬‬
‫األلفاظ التي يجوز استعمالها ‪٤٨................................................................................‬‬
‫هل العلم بما في الكتاب شرط‪ %‬ام ال‪٤٩ ........................................................................‬‬
‫الراجح فى المسألة‪٥٢ ..........................................................................................‬‬
‫المناولة‪٥٣ .....................................................................................................  ‬‬
‫طرق الحفظ (تذكرة و إمام )‪٥٤ ...............................................................................‬‬
‫طرق األداء‪٥٥ ..................................................................................................‬‬
‫الرواية بالمعنى‪٥٥ ..............................................................................................‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬مقوالته في مسائل متفرقة‪٥٩ .............................................................  ‬‬
‫‪67‬‬
‫منهج أبى حنيفة رحمه هللا في أصول الحديث وعلومه‬

‫المسألة األولى فى معرفة الصحابة‪٥٩  .......................................................................‬‬


‫هل الردة محبطة للعمل مطلقا ام بشرط اتصالها بالموت‪٥٩ .................................................‬‬
‫افضل الصحابة على االطالق‪٦٠ ..............................................................................‬‬
‫أول من أسلم‪٦٢ .................................................................................................‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬الترجيح عند التعارض بين الخبرين‪٦٢  .....................................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪٦٤ ....................................................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‪ ٦٧ .......................................................................................‬‬

‫‪ ‬‬

You might also like