�� - - القضية الفلسطينية ذوقان عبيدات - �

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫المناهج المدرسية والقضية الفلسطينية‪ ..

‬األردن‬
‫نموذجاً‪ :‬د‪ .‬ذوقان عبيدات‬

‫أصاب التراجع الذي تعيشه القضية الفلسطينية كل مجاالتها وعناصرها ومفاهيمها‪ ،‬واختلطت‬
‫العدو الصديق واالحتالل الحر‪ ،‬والوطن المنفى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المفاهيم بعضها ببعض‪ ،‬وصرنا نتحدّث عن‬
‫والمقاوم اإلرهابي والمواطن المقيم‪ ،‬والالجئ المواطن واألراضي المتنازع عليها‪ ،‬والقدس أو في‬
‫القدس‪ ،‬والمستوطنات الشرعية والمستوطنات غير الشرعية‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬إضافة إلى ما حققته‬
‫إسرائيل من تقدم على المستوى الدولي‪ ،‬وإلغاء قرار أممي يسمها بالعنصرية‪ .‬وتسابقت دول كثيرة‬
‫إلى إقامة عالقات اقتصادية وثقافية معها‪ ،‬وعدم شعور أي دولة‪ ،‬أفريقية أو آسيوية‪ ،‬بحرج من إقامة‬
‫العالقات الدبلوماسية والسياسية معها‪ ،‬بدعوى أن دولة فلسطين ودوالا عربية أخرى تقيم عالقات‬
‫سرية مع الكيان الغاصب‪.‬‬
‫“شرعية علنية” أو ّ‬

‫حققت إسرائيل إنجازات كبرى‪ ،‬مثل االعتراف األميركي بالقدس عاصمة لها‪ ،‬والضغوط المتواصلة‬
‫لمحاصرة حق عودة الالجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم‪ ،‬وتضاؤل فرص حل الدولتين‪.‬‬
‫أثرت كل هذه األوضاع وغيرها سلبا ا على مفاهيم األجيال الجديدة‪ ،‬عربية وغير عربية‪ ،‬إلى درجة‬
‫خطرا على الوعي الثقافي واألخالقي العالمي‪ ،‬مثل تبدل األدوار واعتبار إسرائيل دولة معتدى‬‫ا‬ ‫تشكل‬
‫عليها‪ ،‬والعرب (ال دولهم) معتدين‪ ،‬فالدول العربية تتسابق في حماية نفسها من أن تصنف عدو‬
‫إسرائيل بطرق وأشكال شتى‪ .‬ويمكن مقاومة هذه المترتبات الخطيرة على تزييف الوعي العربي‬
‫والعالمي بالمناهج التعليمية‪ ،‬لسببين‪:‬‬

‫األول‪ :‬ال تستطيع الدول العربية الرسمية‪ ،‬لو رغبت‪ ،‬أن تمنع وصول أي منهج تربوي إلى األجيال‪،‬‬
‫صا أننا قد نتحدّث عن منهاج إلكتروني يتحدث عن بناء الشخصية القادرة على توضيح‬ ‫وخصو ا‬
‫مفاهيم القضية الفلسطينية وبنائها في عقول الشباب‪ .‬واقتباساا من ميثاق منظمة األمم المتحدة للتربية‬
‫والثقافة والعلوم (يونسكو)‪ ،‬كما تبدأ الحرب في عقول الرجال‪ ،‬فإن بناء السالم يجب أن يتم في‬
‫سا أقول‪ ،‬كما هزمنا نفسياا في القضية الفلسطينية ففي أنفسنا يجب أن نبني حصون‬ ‫عقولهم‪ .‬واقتبا ا‬
‫النصر‪.‬‬

‫المطلوب بناء منهاج مزدوج‪ ،‬عادي وإلكتروني‪ ،‬أو كما يسميه التربويون بناء منهاج مدمج‪:‬‬
‫إلكتروني وورقي‪ .‬وقبل التحدث عن نتائج هذا المنهاج‪ ،‬من المهم اإلشارة إلى واقع القضية‬
‫الفلسطينية ومفاهيمها التي توجد في مناهج التعليم‪ ،‬متخذاا من المنهاج األردني نموذ اجا‪ .‬والكاتب يدعو‬
‫هنا إلى تسجيل القضية الفلسطينية في خبرة الطلبة ووعيهم‪ ،‬كي ال تضيع مع انتهاء أجيال النكبة‬
‫والنكسة والمقاومة‪ ،‬وحتى الهزيمة‪ .‬والقصد بالتسجيل البدء بإعداد مناهج بمفاهيم الوعي العربي‪،‬‬
‫لتسجيل أحداث القضية قبل تزييف وعي األجيال‪ .‬وأسباب اختيار واقع القضية الفلسطينية في مناهج‬
‫التعليم األردنية‪:‬‬

‫ا‬
‫أوال‪ :‬األردن بلد عايش القضية الفلسطينية تاريخياا وجغرافياا وإنسانياا وسيكولوجياا واجتماعياا‬
‫واقتصادياا‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬األردن بلد العيش األردني الفلسطيني المشترك‪ ،‬مهما اختلفت النسب المئوية لمكوناته‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬األردن بلد يدّعي أن سياسته ثابتة في دعم القضية الفلسطينية‪ ،‬عل اما أنه ال يعرف أحد ما هي‬
‫هذه السياسة‪ ،‬وما مدى ثباتها‪.‬‬

‫رابعاا‪ :‬األردن بلد يقيم عالقات تطبيعية مع إسرائيل‪ ،‬ويمارس كالسلطة الوطنية الفلسطينية سلوكات‬
‫تنسيقية في مجاالت مختلفة‪.‬‬

‫فلسطين في النظام التعليمي األردني‬

‫ينص قانون التربية والتعليم األردني رقم ‪ 16‬لعام ‪ 1964‬على “عروبة فلسطين وجميع األجزاء‬
‫المغتصبة من الوطن العربي‪ ،‬والعمل على استردادها (فقرة ‪ 4‬من المادة ‪ .)3‬وبنا اء عليه‪ ،‬كان طلبة‬
‫األردن يدرسون مادة مستقلة هي القضية الفلسطينية‪ ،‬وبقيت حتى تم إلغاؤها في ‪.1992‬‬

‫وفي قانون التربية والتعليم األردني رقم ‪ 3‬لعام ‪ ،1994‬ورد نص في الفقرة ب‪ 6 /‬من المادة الثالثة‬
‫صا‬
‫مطابق تما اما ما ورد في القانون السابق‪ .‬وأضاف هذا القانون الذي صدر بعد معاهدة السالم ن ا‬
‫آخر في الفقرة ب‪ 7/‬من المادة الثالثة‪ :‬القضية الفلسطينية قضية مصيرية للشعب األردني‪ ،‬والعدوان‬
‫الصهيوني على فلسطين هو تح ّد سياسي وعسكري وحضاري لألمة العربية واإلسالمية بعامة‪،‬‬
‫واألردن بخاصة‪ .‬وهذا نص جريء وملفت في بلد يقيم عالقات طبية أو طبيعية مع إسرائيل التي هي‬
‫سياسياا دولة طبيعية‪ ،‬لها حق العيش ويقيم األردن معها عالقات‪ ،‬وفيما لكل منهما سفارة‪ .‬أما تعليمياا‬
‫أو تربوياا فإنها دولة صهيونية معتدية تتحدّى األردن عسكرياا وسياسياا وحضارياا (!)‪ .‬وقد زالت بعد‬
‫معاهدة وادي عربة المادة عن عروبة فلسطين والعمل على استردادها‪.‬‬

‫وخلت السياسات التربوية واألهداف العامة والنتاجات‪ ،‬تما اما‪ ،‬من أي تركيز أو إشارة إلى فلسطين‬
‫تفوق الجانب السياسي على الجوانب التربوية‪ ،‬وهذا يمكن أن يقود إلى‬ ‫وغيرها‪ .‬وهذا يعني ّ‬
‫االستنتاجات اآلتية‪:‬‬

‫ضا يجعلنا نعي أن‬


‫هناك انفصال بين السياسات “السياسية” والسياسات التربوية‪ ،‬قد يعكس تناق ا‬
‫الموقف األردني الصحيح هو “التعامل الطبيعي مع إسرائيل”‪ ،‬ونعتبر ما كتب في النظام التربوي‬
‫كال اما إنشائياا “مأذوناا به”! ّ‬
‫ويقوي هذا الزعم أن المناهج التعليمية واألهداف التربوية لم تشر إلى‬
‫ا‬
‫مقبوال من‬ ‫القضية الفلسطينية‪ .‬وقد يكون هذا الضباب مفهو اما من ناحية الدولة الرسمية‪ ،‬لكنه ليس‬
‫الناحية الشعبية‪ ،‬مع أن الدولة تدفع دائ اما بأن البرلمان وافق على معاهدة وادي عربة‪ ،‬وعلى العالقات‬
‫السلمية مع إسرائيل‪ ،‬وهذا يتضمن أن دعاة عدم التطبيع أقلية يمكن التعامل معها على أنها خارجة‬
‫عن القانون‪.‬‬

‫وفي األردن حركة لتطوير المناهج‪ ،‬حيث تم إعداد إطار جديد للمنهاج األردني‪ .‬وردت فيه عبارة‬
‫“الوقوف مع القضايا العربية‪ ،‬وفي مقدمتها تحرير فلسطين”‪ .‬وسواء كان هذا الوضع القانوني قوياا‬
‫أو ضعيفاا‪ ،‬ال نستطيع أن نقيمه ّإال بمقدار انعكاسه على محتويات الكتب المدرسية‪.‬‬

‫تضمنت المناهج والكتب المدرسية األردنية مقاالت وقصائد وإشارات إلى هذا الموضوع‪،‬‬
‫صا كتب التربية الوطنية واللغة العربية‪ ،‬بينما بدا االهتمام في كتب التاريخ بدور األردن في‬
‫وخصو ا‬
‫فلسطين محدوداا‪ ،‬وغاب تما اما في مجاالت مهمة‪ ،‬مثل كتب التربية اإلسالمية والفن والجغرافيا‬
‫والعلوم والرياضيات‪ ،‬كما كان توزيع الموضوعات عبر الكتب وعبر الصفوف المختلفة مفقوداا‪ ،‬أو‬
‫غير مقصود في معظم الحاالت‪.‬‬

‫تم االهتمام في كتب التربية الوطنية بدور الجيش األردني في معركتي اللطرون والكرامة في‬
‫الصفوف‪ ،‬الرابع األساسي والخامس والعاشر‪ ،‬وغاب في بقية الصفوف‪ .‬وكان االهتمام أردنياا بحتاا‪،‬‬
‫وليس فلسطينياا بنائياا‪ ،‬فلم تركز االهتمامات بمفاهيم فلسطينية أساسية‪ ،‬مثل االحتالل والمقاومة والحل‬
‫العادل وغيرها‪ ،‬ما يس ّهل الحكم بأن هذه االهتمامات ال تساعد على بناء وعي بالقضية الفلسطينية‪،‬‬
‫وال تن ّمي لدى الطلبة مهارات الدفاع ضد حجج األعداء‪ ،‬وال مهارات البحث عن أساليب لمقاومة‬
‫االحتالل‪.‬‬

‫وفي كتب التاريخ‪ ،‬تم ذكر معلومات تاريخية عن فتح بيت المقدس‪ ،‬ومكانة القدس كما أكدها الخليفة‬
‫عمر بن الخطاب في صفحة واحدة‪ ،‬ليتحدّث كتاب الصف السابع عن صورة المسجد األقصى وقصر‬
‫هشام في أريحا‪ ،‬وعن بعض المدن الفلسطينية‪ .‬وتناول كتاب الثامن بإشارة بسيطة معركة عين‬
‫جالوت‪ ،‬ثم وردت الحروب الصليبية في الصف العاشر‪ .‬أما بقية الكتب فأبدت اهتما اما في دعم‬
‫الموقف األردني وتضامنه مع فلسطين في ثورتي ‪ 1936‬والبراق ‪ ،1929‬وأوردت أسماء شهداء‬
‫أردنيين في فلسطين‪ ،‬مثل كايد مفلح عبيدات‪ ،‬مع شروح عن وعد بلفور ومؤتمر أريحا ومعارك باب‬
‫الواد واهتمام الهاشميين بصيانة األماكن المقدسة‪ .‬وقد لوحظ عدم ذكر معاهدة السالم األردنية‬
‫اإلسرائيلية المس ّماة معاهدة وادي عربية (هل هذا خجل أو نأي بالنفس؟)‪ .‬وبذلك يمكن القول إن في‬
‫حد يمكن استنتاج أن هذه‬‫كتب التاريخ اهتما اما بالدور األردني‪ :‬جيشاا وشعباا ونظا اما بفلسطين‪ .‬إلى ّ‬
‫الكتب لم تكن تمتلك خطة لشرح القضية الفلسطينية‪ ،‬بل إلقناع الطلبة بالدور األردني‪ ،‬تبرئة للذمة‬
‫من دم يعقوب‪.‬‬

‫مدرسوها‬
‫تأثيرا في بناء الطلبة‪ ،‬ويتمتع ّ‬
‫ا‬ ‫المقررة للتربية اإلسالمية‪ ،‬وهي األكثر‬
‫ّ‬ ‫ونأت بنفسها الكتب‬
‫بمهارات الخطابة والصوت المؤثر‪ ،‬داخل المدارس وخارجها‪ ،‬عن متاعب الصراعات‪ ،‬فمناهج‬
‫التربية اإلسالمية لم تذكر كلمة فلسطين‪ ،‬أما كتبها‪ ،‬فكانت محيّرة!‪ ،‬إذ خلت كتب صفوف عديدة من‬
‫انتظارا لكتاب الصف الحادي عشر الذي أورد عبارات مهمة مثل؛ لألقصى مكانة‬ ‫ا‬ ‫أي ذكر لفلسطين‪،‬‬
‫تعرض األقصى لالحتالل‪ ،‬وحرره صالح الدين‪ .‬الرعاية الهاشمية‪ .‬دافعنا عن‬ ‫في نفوس المسلمين‪ّ .‬‬
‫حقوق المسلمين في الصالة في األقصى‪ .‬دافعنا عن فلسطين في المحافل الدولية‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يمكن إثارة أسئلة بشأن الجهاد‪ ،‬ولماذا غابت فلسطين عن درس الجهاد؟ هل يريدون‬
‫أن نجاهد في أوروبا لنقلها من الظلمات إلى النور؟ كيف لكتب تربية إسالمية تناولت األدعية‬
‫ونواقض الوضوء وآداب السفر أن ال تشير إلى فلسطين؟ نعم‪ ،‬اهتم كتاب الحادي عشر (أدبي)‬
‫بمكانة المسجد األقصى والفتح العمري وانتهاكات اليهود األقصى ودور الهاشميين في اإلعمار‪.‬‬
‫ولكن ذلك لم يرتبط بقضية فلسطين‪ .‬وبذلك أقول‪ ،‬بضمير مرتاح جداا‪ ،‬إن كتب التربية اإلسالمية لم‬
‫تخطط ألي دور توعوي بقضية “األردن األولى”! وقد ربطت بين الدين والرياضيات وبين الدين‬
‫والعلوم‪ ،‬لكنها لم تجرؤ (أو لم تفطن) على الربط بين الدين وفلسطين! وفي كتب العلوم‪ ،‬تم الربط‬
‫القوي بين العلم والدين في كل درس‪ ،‬ولكن لم يتم ربط العلوم وفلسطين‪ ،‬عل اما أن العلوم ميدان واسع‬
‫للحديث عن فلسطين ومواردها وعلمائها‪ .‬وفي كتب الرياضيات‪ ،‬تم الربط بين الرياضيات والصالة‪،‬‬
‫وبعد المسجد عن المنزل‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولكن ليس ثمة مسألة واحدة عن أعداد الشهداء‪ ،‬أو المسافات بين‬
‫مدن فلسطين‪ ..‬إلخ‪ .‬وغابت القضية الفلسطينية عن كتب اللغة العربية التي تحتل الحجم األكبر من‬
‫وقت الطلبة وبرامجهم وحفظهم‪ ،‬بينما وردت نصوص عن فلسطين في الصفوف من الرابع إلى‬
‫السابع‪ ،‬ثم في الصفين الحادي عشر والثاني عشر‪ .‬بينما غاب أي اهتمام بفلسطين في الصفوف‬
‫الثالثة األولى‪ ،‬وفي الصفوف الثامن والتاسع والعاشر‪ .‬تحدثت كتب اللغة العربية عن مسرى النبي‬
‫وصالح الدين‪ ،‬واإلعمار الهاشمي‪ ،‬وحريق المسجد األقصى‪ ،‬ورحيل اليهود‪ ،‬وعز الدين القسام‪،‬‬
‫وثورة ‪ ،1936‬وشهداء األردن‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وأريحا المحتلة‪ ،‬والالجئين‪ ،‬وعودة الالجئين‪ ،‬وفلسطين‬
‫عربية والعدوان الصهيوني‪ ،‬وزهرة المدائن وفتح بيت المقدس وعالقة الهاشميين في القدس‪ ،‬وحب‬
‫الملك القدس‪ .‬وردت بعض هذه المفاهيم في قصائد أو نصوص‪ ،‬ولكن معظمها ورد في جمل ضمن‬
‫نصوص‪ .‬ولكن التدقيق في هذه النصوص يشير إلى غياب أي اهتمام بالعمل الفدائي الحالي‬
‫والمقاومة والتطبيع والتهويد والمحكمة الجنائية‪ ،‬واتفاقية السالم وحل الدولتين واألسرى‪ ،‬والفن‬
‫الفلسطيني‪ ،‬والتراث الفلسطيني وفلسطين في قائمة التراث العالمي‪ ،‬والهوية الفلسطينية‪ ،‬والشعب‬
‫الفلسطيني والدولة الفلسطينية‪ ،‬وأدب المقاومة‪ ،‬والحدود‪ ،‬والمستوطنات‪ .‬وهذه مفاهيم أساسية‬
‫لفلسطين قضية‪ .‬وبذلك‪ ،‬تتناغم مناهج وكتب اللغة العربية مع سائر الكتب في تقديم فلسطين بعيداا عن‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬من دون وجود خطة لتوزيع مفاهيم فلسطينية عبر كل الصفوف أو لندرة وجودها‬
‫سا‪.‬‬
‫أسا ا‬

‫ليس هناك من تهم‪ .‬قد ال يكون غياب القضية الفلسطينية مقصوداا‪ ،‬إذا افترضنا حسن النية‪ .‬ولكن‬
‫بالتأكيد يعكس هذا الغياب ضعف اهتمام واضح‪ ،‬ففلسطين ليست في ذهن المؤلفين‪ ،‬مع أنها في ذهن‬
‫القانون‪.‬‬

‫وملخص القول‪ :‬كان االهتمام بقضية فلسطين باعتبارها قضية صراع واحتالل معدو اما‪ .‬فالمناهج لم‬
‫صا‬
‫تقدم هذا المفهوم‪ .‬كان تناثر الحديث عن فلسطين متباعداا وغير مخطط له‪ ،‬فقد تجد قصيدة أو ن ا‬
‫عن فلسطين‪ ،‬كما تجد أي قصيدة في أي موضوع‪ .‬لم يترجم المؤلفون ما طلب منهم القانون‪ .‬وبذلك‬
‫سرية للمؤلفين‪ ،‬كي‬ ‫يمكن توجيه تهمة بأنهم أصدروا كتباا لم تلتزم بالقانون‪ .‬ال أعتقد بوجود تعليمات ّ‬
‫يبتعدوا عن فلسطين‪ .‬وقد يكونون خضعوا لرقابة ذاتية تدرك الجو العام ومتطلباته‪ .‬قضية فلسطين‬
‫تقزمت إلى قضية القدس‪ ،‬بينما تحولت قضية القدس إلى إعمار هاشمي‪.‬‬ ‫ّ‬

‫تشير هذه الوقائع إلى عدم وجود منهج للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية‪ ،‬وعدم وجود خطة‬
‫للتوعية بأبعادها‪ ،‬فالمفاهيم المتناثرة غير المنظمة ال تبني مهارات‪ ،‬وال اتجاهات‪ .‬المطلوب بناء‬
‫منهاج يحقق ما يصبو إليه الشباب العربي واألمة العربية‪ ،‬منهاج منظم عابر لألنظمة وعابر للدول‬
‫وعابر للصفوف وعابر للمواد الدراسية‪.‬‬

‫منهاج مقترح‬

‫على ضوء ما سبق‪ ،‬ومن دراسة واقع القضية الفلسطينية في المناهج والكتب المدرسية‪ ،‬يقترح كاتب‬
‫هذه المطالعة المنهاج اآلتي‪:‬‬

‫ا‬
‫أوال‪ :‬الخطوط العريضة أو اإلطار العام‪ :‬يتحدد منهاج القضية الفلسطينية بالخطوط العريضة اآلتية‪:‬‬

‫ـ المنهاج قضية‪ ،‬وليس مادة دراسية عادية‪ ،‬وهذا يعني أن المنهاج المدرسي ليس مجموعة معلومات‬
‫وحقائق عن التاريخ والجغرافيا والماضي والمستقبل‪ ،‬بل قضية الشعب الفلسطيني‪ ،‬واقعه وما‬
‫تعرض له‪ ،‬وتفسير ذلك الواقع وانعكاسه على الحياة الجمعية للشعب‪ ،‬وعلى الحياة الخاصة لكل‬ ‫ّ‬
‫فلسطيني‪ .‬وعلى حق الفلسطيني في السعي‪ ،‬بكل الوسائل‪ ،‬إلى الحصول على تطلعاته‪ ،‬وفق القانون‬
‫الدولي وحقوق اإلنسان‪ .‬ويتطلب مفهوم القضية إجراء حوارات بين الفلسطيني والفلسطيني‪ ،‬وبين‬
‫الفلسطيني واآلخر غير الفلسطيني‪ ،‬فالمنهاج الفلسطيني يعالج التحديات الحياتية والمستقبلية للشعب‬
‫الفلسطيني‪ .‬والقول إنها قضية‪ ،‬وليست مادة دراسية‪ ،‬يعني أن تدريس هذه القضية يتطلب استخدام‬
‫استراتيجيات تفاعلية‪ ،‬وليست تلقينية‪ .‬وتكون المهارات واالتجاهات والقيم هي أساس الوعي‬
‫بالقضية‪.‬‬

‫ـ القضية الفلسطينية قضية إنسانية‪ ،‬بمعنى أنها ليست قضية صراع بين طرفين متناقضين‪ ،‬محتل‬
‫ومظلوم‪ ،‬بل قضية العدالة والمساواة والكرامة‪ ،‬وأن تطور حياة الفلسطيني سيسهم في بناء اإلنسانية‪،‬‬
‫ويقلل من القيم السلبية والحروب والتوترات في العالم‪ .‬وحين نطالب بحق الفلسطيني‪ ،‬فإننا نقف‬
‫موقفاا إنسانياا مع جميع الشعوب التي تعاني أو التي تبحث عن كرامتها‪ .‬وهذا يتضمن أن ال يكون حل‬
‫قضية سبباا في إيجاد مشكالت‪ ،‬ويجب أال يكون إنصاف شعب على حساب القيم اإلنسانية‪.‬‬
‫ـ حق الشعب الفلسطيني في استخدام الوسائل المتنوعة للوصول إلى حقوقه‪ ،‬فال نقيده بوسيلة ونحرمه‬
‫يقرر نوع الوسائل التي يمكن أن يستخدمها عبر تطور‬ ‫من أخرى‪ .‬والشعب الفلسطيني هو من ّ‬
‫العدو المحتل‪ ،‬والسعي‬
‫ّ‬ ‫نضاله‪ .‬ومهما كانت الوسائل‪ ،‬فإنها يجب أن تستند إلى حتمية الصراع مع‬
‫ليقرر بعدها الشعب الفلسطيني وحده نوعية الحياة التي يريدها‪،‬‬
‫المتواصل إلى تحرير فلسطين‪ّ ،‬‬
‫ونوعية العالقات التي يقيمها مع العالم‪ .‬ومهما تعدّدت وسائل النضال‪ ،‬فإنها يجب أن تستند إلى مبادئ‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وفي مقدمتها حقوق العيش بسالم وكرامة في بيئة آمنة‪.‬‬

‫ـ الديموقراطية وسيلة بناء الشعب الفلسطيني حول قضيته‪ ،‬والمقصود بالديموقراطية هنا ليس‬
‫عا فلسطينياا‪ ،‬وإذا تعذّر‪ ،‬فإن التوافق على حلول‬
‫التصويت واألغلبية‪ ،‬فقضية فلسطين تتطلب إجما ا‬
‫مكون وال يتحدث أحد باسم الشعب‬ ‫ّ‬ ‫أو‬ ‫فكر‬ ‫وسياسات يقبلها كل الفلسطينيين‪ ،‬فال إقصاء ألي‬
‫الفلسطيني‪ ،‬إال من يمثل اإلجماع أو التوافق‪ .‬كما أن الديموقراطية والتوافق ال يعنيان أن يمنع أي‬
‫فلسطيني‪ ،‬فرداا كان أو فئة‪ ،‬من الدعوة إلى أفكار إبداعية جديدة‪.‬‬

‫ـ نموذج الشخصية الفلسطينية التي يهدف لها المنهاج هو شخصية واثقة‪ ،‬ال تشعر بالنقص‪ ،‬قوية ال‬
‫تتراجع‪ ،‬حوارية منفتحة‪ ،‬تستمع لكل رأي‪ ،‬تمتلك مهارات‪ :‬الوعي بالذات‪ ،‬والثقة بالذات‪ ،‬واحترام‬
‫اآلخر‪ .‬التفكير الناقد‪ ،‬وقراءة األفكار‪ ،‬وتحليل المواقف‪ .‬الصمود النفسي وعدم اليأس أمام‬
‫الصعوبات‪ .‬المبادرة والمبادأة وتقديم أفكار جديدة‪ .‬االنخراط في العملين‪ ،‬الجمعي والمدني التطوعي‪.‬‬
‫التمسّك بالفكر المقاوم المتفائل‪ّ .‬‬
‫بث روح األمل والممكن أمام التحديات‪ .‬البحث المستمر عن األسئلة‬
‫الفلسطينية الكبرى وعن إجابات لها‪.‬‬

‫أهداف ومحتوى‬

‫يهدف المنهاج الى بناء الوعي بالقضية الفلسطينية لدى أبناء الشعب العربي‪ ،‬من خالل تحقيق‬
‫األهداف اآلتية‪ :‬الوعي بالمفاهيم األساسية للقضية الفلسطينية‪ ،‬مثل التحرير واالحتالل والوطن‬
‫والعودة والمقاومة‪ .‬إكساب المتعلمين مهارات البحث‪ ،‬وبناء المعرفة في القضية الفلسطينية‪ .‬الوعي‬
‫بإبعاد القضية الفلسطينية‪ :‬محلياا وعالمياا‪ .‬ممارسة مهارات التواصل الناجح والتأثير في اآلخرين‪.‬‬
‫بناء رأي عام محلي وعالمي حول الحقوق الفلسطينية‪.‬‬

‫خبيرا تربوياا في ع ّمان‪ .‬طلب‬


‫ا‬ ‫ومن أجل بناء محتوى المنهاج‪ ،‬تم إعداد استبانة وزعت على عشرين‬
‫منهم تحديد المفاهيم الضرورية لمنهاج حول القضية الفلسطينية‪ ،‬وتحديد درجة أهمية كل مفهوم‪ .‬ثم‬
‫سا‬
‫أتبع ذلك جلسة عصف فكري‪ ،‬نتج عنها االتفاق على المفاهيم والمهارات والقيم اآلتية‪ ،‬لتكون أسا ا‬
‫لمنهاج قضية فلسطين‪.‬‬

‫‪ -1‬مفاهيم تتعلق بالحقوق الفلسطينية‪ ،‬وتشمل‪ :‬حق تقرير المصير‪ ،‬العيش في وطن‪ ،‬الهوية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬الدولة الفلسطينية‪ ،‬الحق التاريخي‪.‬‬

‫‪ -2‬مفاهيم تتعلق بالتحرير‪ ،‬وتشمل‪ :‬المقاومة‪ ،‬الحوار والمفاوضات‪ ،‬بناء تحالفات عربية وإسالمية‪،‬‬
‫الشهادة‪ ،‬حق العودة‪ ،‬رفض االحتالل‪ ،‬دعم األسرى‪ ،‬الصراع الوجودي‪ ،‬الحرب‪.‬‬

‫‪ -3‬مفاهيم ثقافية فلسطينية‪ ،‬وتشمل‪ :‬التراث الفلسطيني‪ ،‬األدب والشعر والفن‪ .‬المنتجات الفكرية‪،‬‬
‫التراث الثقافي العالمي‪ ،‬أدب المقاومة‪ ،‬التراث المادي والمعنوي‪ ،‬المالبس الشعبية‪ ،‬األغاني‬
‫واالحتفاالت‪.‬‬

‫‪ -4‬مفاهيم حضارية دينية‪ ،‬وتشمل‪ :‬القدس‪ ،‬البعد اإلسالمي والمسيحي‪ ،‬مسجد األقصى وكنيسة المهد‬
‫والقيامة‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -5‬مفاهيم ذات صلة بالتأثيرات السلبية‪ ،‬وتشمل‪ :‬وعد بلفور‪ ،‬سايكس بيكو‪ ،‬المفاوضات غير‬
‫المتكافئة‪ .‬اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة‪ ،‬الصلح والتطبيع‪ ،‬االعتراف المجاني بإسرائيل‪.‬‬

‫‪ -6‬مفاهيم دولية‪ ،‬وتشمل‪ :‬مجلس األمن وقراراته‪ ،‬المنظمات الدولية‪ ،‬المحكمة الجنائية الدولية‪،‬‬
‫وكالة غوث وتشغيل الالجئين الفلسطينيين (أونروا)‪ ،‬القانون الدولي‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -7‬المبادئ الثابتة‪ ،‬وتشمل‪ :‬حق الشعب‪ ،‬حق الفلسطيني‪ ،‬حق العودة‪ ،‬االستقالل والسيادة‪ ،‬القدس‬
‫العاصمة‪ ،‬المساهمة في الحضارة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -8‬نتاجات سلبية‪ ،‬وتشمل‪ :‬المخيمات‪ ،‬اللجوء‪ ،‬الصراع أو النزاعات الفلسطينية العربية‪ ،‬غياب‬
‫الهوية الفلسطينية‪ ،‬حقوق الفلسطيني المنقوصة‪.‬‬

‫العدو‪ ،‬وتشمل‪ :‬الفكر الصهيوني‪ ،‬الدولة الدينية‪ ،‬تجنيد العمالء‪ ،‬الموساد‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -9‬مفاهيم الوعي بخطط‬
‫التجسس‪ ،‬سرقة التراث الفلسطيني‪ ،‬واالستيطان‪.‬‬

‫هذه هي المفاهيم األساسية‪ ،‬التي يجب أن تستند إلى القيم‪ :‬العدالة‪ ،‬الكرامة‪ ،‬حقوق المرأة‪ ،‬حق‬
‫المقاومة‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬احترام الذات واآلخر‪ ،‬العمل في فريق‪ ،‬الحوار والتواصل‪.‬‬

‫سيناريوهات التنفيذ‬

‫ينفذ المنهاج من خالل االستراتيجيات اآلتية‪:‬‬

‫ا‬
‫أوال‪ :‬بناء مصفوفة فلسطينية‪ :‬والمقصود حصر المفاهيم األساسية للقضية الفلسطينية وتوزيعها حسب‬
‫أعمار األطفال‪ ،‬وتحديد ما يناسب كل عمر‪ ،‬بحيث تنمو المفاهيم مع تطور نمو الطفل‪ .‬ويمكن أن‬
‫يبنى مجمع تعليمي “موديول”‪ ،‬حسب كل مفهوم‪ ،‬يقدّم إلكرتونياا أو ورقياا‪ ،‬حسب الحاجة واإلمكانات‬
‫المتوفرة‪ .‬وفي حال قبول بعض األنظمة العربية هذا المنهاج‪ ،‬يمكن توزيع المفاهيم الفلسطينية عبر‬
‫جميع المواد الدراسية‪ ،‬وعبر جميع الصفوف ال مادة مستقلة‪ ،‬ففي الرياضيات ا‬
‫مثال يمكن ربط بعض‬
‫المسائل بجغرافية فلسطين أو عدد األسرى أو الشهداء… إلخ‪.‬‬

‫“في العلوم‪ ،‬يمكن إبراز دور العلماء الفلسطينيين‪ ،‬والثروات الطبيعية الفلسطينية من معادن‬
‫وغيرها” وفي العلوم‪ ،‬يمكن إبراز دور العلماء الفلسطينيين‪ ،‬والثروات الطبيعية الفلسطينية من‬
‫معادن وغيرها‪ .‬وهكذا في بقية الدروس‪.‬‬

‫ا‬
‫متكامال بالقضية الفلسطينية‪ ،‬من‬ ‫ا‬
‫مقبوال (أعتقد غير ذلك) أن يبني وعياا‬ ‫ميزة هذا السيناريو‪ ،‬إن كان‬
‫دون إضافة أي عبء على الطالب أو برنامج الدراسة‪ .‬أما في حالة رفض األنظمة العربية (وهذا هو‬
‫المرجح) يمكن تقديم “موديوالت” المفاهيم اإللكترونية واالنتقال بالطلبة من مستوى إلى آخر‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬بناء كتب عادية‪ ،‬وتحقيق األهداف المطلوبة‪ ،‬بحيث تراعي مستويات الطلبة‪ .‬ويمكن أن ينجح‬
‫هذا السيناريو شعبياا بتداول هذه الكتب خارج النظام التعليمي‪ ،‬ويزداد نجاح هذا السيناريو بنجاح‬
‫تأليف كتب لألطفال‪ ،‬ترسّخ الوعي بالقضية وفق مستويات مختلفة‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬بناء منهاج إلكتروني يتضمن ما نريد أن نوصله من مفاهيم عابرة للحكومات واألنظمة‪.‬‬

‫ويمكن تطبيق السيناريوهات الثالثة مجتمعة‪ ،‬بإصدار منهاج إلكتروني‪ ،‬أو إصدار كتب أو موديوالت‬
‫ضا‪ ،‬حسب الظروف‪ ،‬فالدول العربية قد ال تقبل إدخال القضية‬
‫المفاهيم‪ .‬كما يمكن تطبيق أحدها أي ا‬
‫الفلسطينية مادة مستقلة على مناهجها‪ .‬ولكن يمكن إقناعها من خالل المنظمة العربية للتربية والثقافة‬
‫والعلوم (ألكسو)‪ ،‬بتضمين الكتب الحالية مفاهيم أساسية عن فلسطين وقضيتها‪ .‬كما أن سيناريو‬
‫عابرا للحكومات‪ ،‬وال سيطرة عليه‪ .‬ولذلك يبدو ا‬
‫حال عملياا أكثر‪.‬‬ ‫ا‬ ‫الكتب والموديوالت يمكن أن يكون‬
‫وستشجع منظمات عديدة في المجتمع المدني فكرة المنهاج‪ ،‬كما أن المواطن العربي حريص على‬
‫توعية بمنهاج على القضية الفلسطينية‪.‬‬

You might also like