‫موجز تاريخي لوظيفة الفن وغايته في الفلسفة الحديثة والمعاصرة‬

‫محاضرة عن وظيفة الفن في المجتمع فلسفيا‬

‫اعداد ‪:‬أ‪.‬م‪.‬د صبا الياسري‬

‫مع بداية التنظير للفلسفة والنظام الشامل للفكر اوضح أفالطون (‪ )774-724‬ق‪.‬م ان للفن‬
‫وظيفة اساسية هي التربية وهذه الوظيفة التربوية ناشئة من قدرة الفن على ترقيق القلوب وتهذيب‬
‫االنفعاالت‪.‬‬
‫اما ارسطو (‪ )722-787‬ق‪.‬م فالوظيفة االساسية للفن عنده تطهير االنفعاالت من الشرور‬
‫فهي ذات اهمية كبيرة وتعد وظيفة جمالية نفسية اجتماعية اخالقية وتربوية وتعد ايضا وظيفة‬
‫عالجية‪.‬‬
‫بينما نظر ابن خلدون (‪)2741 -2772‬م لوظيفة الفن على انها بناء العقل وتقدم الخبرات‬
‫والتجارب يكتسبها الفنان بنفسه او من محيطه ويحاول ايصالها الى المتلقي بصورة بسيطة وسهلة‪..‬‬
‫اما بدايات الفلسفة الحديثة وكانط(‪)2847-2428‬م فيرى أن وظيفة الفن‪ :‬أنه يحدث قربى‬
‫وتشارًكا بين الناس‪ ،‬فإذا اشترك الناس في حكم جمالي فهذا يرجع إلى وجود تنظيم مشابه لدى‬
‫جميعا ‪.‬وال غاية للفن عنده‪ ،‬إذ هو ‪ -‬كما يراه ‪ :-‬نشاط حر موجه إلى الذات ِإلحداث بهجة‬
‫ً‬ ‫األفراد‬
‫جمالية منزهة عن الهوى والغاية المحددة‪.‬‬
‫في حين يرى الفيلسوف فريدريك شيلر (*)(‪)2847-2471‬م "أن الفن يطهر االنسان كما‬
‫انه يحرر االنسانية من البربرية والرق ‪ ،‬واكد سلطة االنسانية و الهارمونية ‪ ،‬ويعطي اهمية عظمى‬
‫لدور الفن النه يرفع االنسان الى مستويات اجتماعية رفيعة‪.‬‬
‫(**)‬
‫(‪)2872-2471‬م يرى " ان من المستحيل معالجة مسائل الفن بمعزل عن‬ ‫اما غوته‬
‫الحياة والواقع ‪.‬ويربط غوته انحطاط ونهوض الفن مباشرة بالظروف الواقعية لحياة الناس ‪.‬‬
‫ويذهب هيغل (‪)2872 - 2444‬م إلى أن الفن " صبغ العالم الخارجي بالصبغة االنسانية‬
‫واعاد انتاج االنسان"‪ ،‬وهذا يتفق ما تم ذكره سابقا عنده بان الجمال الفني ارقى من الجمال الطبيعي‪.‬‬
‫وأسمى مقصد للفن‪ ،‬هو ذاك المشترك بينه وبين الدين والفلسفة‪ ،‬فهو كهذين األخيرين نمط تعبير‬
‫عن ِ‬
‫اإللهي عن أرفع حاجات الروح وأسمى مطالبه‪، .‬وعليه الفن يلطف ويهذب االخالق‪،‬و" الفن كي‬
‫يكون حقيقيا يجب ان يحقق الوفاق بين الخارج والداخل وهذا االخير يجب ان يكون في وفاق مع‬
‫ذاته وهو الشرط إلمكانية ظهوره في الخارج"‪.‬‬

‫* ‪ -‬جوهان شيلر ‪ )9087-9571( :‬شاعر وكاتب مسرحي ومؤرخ وفيلسوف الماني ‪.‬‬
‫** ‪ -‬غوته‪ )9081-9571( :‬كبير شعراء االلمان واحد عمالقة االدب العالمي تميز بتعدد المواهب ‪ ،‬فكان شاعر‬
‫ومسرحيا ‪،‬ورساما وفيلسوفا ‪.‬‬
 ‫موجز تاريخي لوظيفة الفن وغايته في الفلسفة الحديثة والمعاصرة‬
‫محاضرة عن وظيفة الفن في المجتمع فلسفيا‬
‫اعداد ‪:‬أ‪.‬م‪.‬د صبا الياسري‬

‫اما النزعة الماركسية نادت بفن واع يدعوا الى فكرة التقدم االنساني وان ماركس(‪-2828()‬‬
‫‪)2887‬م ‪،‬مع عدم اغفال الظروف المادية التي تقرر والدة الفن ونموه‪.‬‬
‫(**)‬
‫( ‪) 2177 -2847‬م "الفن عنده ال يخرج عن كونه مظه ار من مظاهر‬ ‫اما كاسيرر‬
‫الحضارة البشرية ‪ ،‬بما فيها االسطورة ‪ ،‬والدين ‪ ،‬و اللغة ‪ ،‬و التاريخ ‪ ،‬والعلم ‪ ،...‬وان مكانة الفن‬
‫في مضمار الحضارة البشرية انما ترجع الى كونه لغة من اللغات الرمزية العديدة التي حاول االنسان‬
‫اصطناعها في فهمه للعالم"‪ ،‬وهذه غايته وسيلة لفهم العالم‪.‬‬
‫(***)‬
‫(‪)2114-2127‬م فيؤكد" ان الفن صورة من‬ ‫البير كامو‬ ‫أما الفيلسوف الوجودي‬
‫صور (التمرد االنساني) فيذهب إلى أن الفن يعلمنا رغم التمرد ورفض العالم عدم االستغناء عن‬
‫أيضا أن يعلمنا‪:‬‬
‫الواقع ‪ ،‬والرفض هو للنقص الموجود في الواقع حسب احساس الفنان ‪ ،‬فمهمة الفن ً‬
‫أسير للعالم‪ ،‬بل هو ال بد أن يتمرد عليه‪ ..‬لكي يعلو عليه"‪.‬‬
‫أن اإلنسان ال يمكن أن يظل ًا‬
‫اما هربرت ريد(‪ )2118- 2817()‬م فيوضح ان التذوق والشعور بالفن " ال في العقل ولكن‬
‫في الحواس‪ ،‬وما لم نتمكن من استخدام الحواس‪ ،‬وتربية الحواس‪ ،‬ال يمكن ان تحقق الظروف‬
‫العضوية للحياة االنسانية‪ ،‬فما بالك واالمر أدهى وأمر عند النظر الى التقدم االنساني"‪ ،‬وهنا الغاية‪.‬‬
‫اما ارنست فيشر(‪)9151 -9011 ()‬يرى ان " الفن تعويضاً للحياة‪ ،‬ووسيلة اليجاد التوازن‬
‫بين االنسان والعالم الذي يعيش فيه‪ .‬وهي فكرة تحوي اعترافاً جزئيا بطبيعة الفن وضرورته‪ .‬لكن‬
‫وجود التوازن الدائم بين االنسان وعالمه امر مستبعد حتى في ارقى اشكال المجتمع"‪.‬‬

‫*‪ -‬ماركس( ‪ :)9008-9090‬ولد في ترير في منطقة الرين بالمانيا السرة يهودية اهتم منذ الصغر بالشعر والفلسفة‬
‫حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جينا‪ ،‬ترك المانيا في سن ‪ 17‬وعاش في المنفى بين باريس وبروكسل‬
‫ولندن‪ ،‬اسس مع زميلة انجلز الحركة الماركسية ان فلسفة ماركس مادية والمادية تشكل اساس علم االجتماع‪ ،‬ومن‬
‫مسلمات الماركسي ة هي ان العامل االقتصادي هو المحدد االساسي لبناء المجتمع وتطوره‪ ،‬ويرى ماركس ان المجتمع‬
‫يتكون من طبقتين رئيسيتين تمثل احداهما نظام االنتاج البائد (البرجوازية) اما الثاني فيتمثل بنظام االخذ في التكوين‬
‫(البروليتاريا)‪.‬‬
‫** ‪ -‬كاسيرر ‪ )9177-9057( :‬فيلسوف ومربي الماني عرف بغزارة االنتاج وتعليمه للقيم الثقافية‪.‬‬
‫***‪ -‬البير كامو ‪ )9198-9198( :‬روائي فرنسي جزائري المولد اكد على عبثية الحياة االنسانية وال معقوليتها ‪ ،‬اهم‬
‫اعماله الروائية (الغريب ‪ ،‬الطاعون ) ‪.‬‬
‫****‪ -‬هربرت ريد (‪ :)9190 -9018‬ناقد وشاعر بريطاني يعد اشهر مؤرخ وناقد في الفنون التشكيلية‪ ،‬واحد ابرز‬
‫من طوروا جماليات الفنون في العالم خالل القرن العشرين‪ ،‬وهو احد رجال حركة الحداثة التي ارتبطت باالتجاهات‬
‫التجريدية‪ ،‬رغم ميوله الرومانتيكية القومية‪ ،‬له العديد من الكتب في فلسفة الفن وجمالياته منها الفن والمجتمع وتربية‬
‫الذوق الفني والنحت الحديث‪.‬‬
‫*****‪ -‬ارنست فيشر( ‪ :)9151 -9011‬مفكر وشاعر ولد في احدى القرى النمساوية في اسرة شغل كثير من رجالها‬
‫في مناصب في الجيش‪ ،‬اشترك في الحرب العالمية االولى‪ ،‬درس الفلسفة‪ ،‬انظم الى الحركة العلمانية‪ ،‬اشتغل في تحرير‬
‫بعص الصحف االشتراكية الديمقراطية‪ ،‬ثم انتقل الى تحرير الجريدة االشتراكية الرئيسية في فيينا سنة ‪ ،9115‬شغل عدة‬
‫مناصب في الحكومة منها وزيرا للتعليم سنة ‪ 9177‬بعد ذلك تفرغ للعمل االدبي فنشر اول ديوان له سنة ‪ 9118‬ثم‬
‫اصدر عدد من الكتب اغلبها في النقد االدبي والفني‪.‬‬
 ‫موجز تاريخي لوظيفة الفن وغايته في الفلسفة الحديثة والمعاصرة‬
‫محاضرة عن وظيفة الفن في المجتمع فلسفيا‬
‫اعداد ‪:‬أ‪.‬م‪.‬د صبا الياسري‬

‫بينما يذهب الفيلسوف الوجودي األلماني هيدجر (*) ( ‪)2141-2881‬م إلى أن مهمة الفن‬
‫هي الكشف عن حقيقة الموجود‪ ،‬بعمل فني تتجلى فيه حقيقة متخفية ‪.‬‬
‫(**)‬
‫(‪)2187-2817‬م إلى أن "مهمة الفن تنحصر‬ ‫وتذهب المفكرة االمريكية سوزان النجر‬
‫‪.‬‬
‫في التعبير عن بعض المعاني العميقة بطريقة رمزية ال تتأتى ألية وسيلة أخرى من وسائل التعبير"‬
‫اما على صيعد الفكر الفلسفي العربي المعاصر يدعو احمد امين (***)(‪ )2177-2881‬الى‬
‫"توثيق الصلة بين الفن و المجتمع ‪ ...‬وان الفن مسخر لخدمة الضرورات اليومية في المجتمع "‪.‬‬
‫في حين احمد حسن الزيات (****)(‪" )2118-2887‬يعترف بسمو الجمال الفني على الجمال‬
‫الطبيعي‪...‬بيد يقرر‪ -‬في موضع اخر ‪-‬انه ليس من شان الفن ان يعارض الطبيعة او ان يناقضها‪،‬‬
‫وانما من شانه ان يحسنها ويزينها و يعمل احسن مما عملت‪ ...‬وان الفنان كلما دنا من الطبيعة كان‬
‫انقى و اصدق " ‪.‬‬
‫اما الكاتب توفيق الحكيم (*****) (‪ )2184-2818‬فيقول‪ ":‬ليس لنا أن نسأل عن غاية الجمال‪،‬‬
‫وال عن غاية الفن‪ ،‬وال عن غاية العلم‪ ،‬إن الغاية ال تهم‪ ،‬إنما المعنى كله في الوسيلة‪ ،‬الحياة هي‬
‫الطريق‪ ،‬العلم هو الطريقة‪ ،‬الفن هو األسلوب أما الغاية فال غاية ‪ .. .‬وان الفن الخالص لوجه‬
‫الجمال الفني هو االرقى و االبقى ‪ ...‬مؤكدا على دور الحرية في نطاق الفن"‬
‫واخي ار زكي نجيب محمود(******)(‪ )2117-2147‬يجد " ان االنسان في مجال الفنون كائنا‬
‫متكامال بكل مقوماته ‪ ،‬غير منشطر وال منقسم ‪.‬وفضال عن ذلك فان الناس منقسمون – في حياتهم‬
‫العادية – الى اهل فكر ‪ ،‬واهل عمل ‪ ،‬وهذا االنقسام نفسه سبب من من اسباب عجزهم عن التفاهم‬
‫‪.‬ولكنهم بمجرد ما يجتمعون في دولة الفن ‪ ،‬فان ابصارهم و اسماعهم تجتمع كلها على ملتقى واحد‪.‬‬
‫من خالل ما تقدم موجز التطور التاريخي لوظيفة الفن وغايته في الفلسفة الحديثة والمعاصرة‬
‫عبر نماذج من آراء في بيان مهمة الفن ووظيفته وغايته‪.‬‬

‫*‪ -‬هيدجر ‪ )9159-9001( :‬فيلسوف الماني يعتبر احد ابرز ممثلي الفلسفة الوجودية وقد طور جان بول سارتر بعض‬
‫افكاره‪.‬‬
‫**‪ -‬سوزان النجر ‪ )9107-9017( :‬مفكرة امريكية معاصرة تعد من اخلص تالميذ كاسيرر متاثرة بفلسفة االشكال‬
‫الرمزية التي قدم اصولها الفيلسوف االلماني كاسيرر وقد ترجمة كتاب كاسيرر اللغة و االسطورة ‪ ،‬وقد نالت درجة‬
‫الدكتوراه في الفلسفة ودرست في العديد من جامعات امريكا ‪.‬‬
‫***‪ -‬احمد امين ‪ )9177-9009( :‬كاتب وباحث مصري اشهر اثاره( فجر االسالم )و(ضحى االسالم) ‪.‬‬
‫****‪ -‬احمد حسن الزيات ‪ )9190-9007( :‬كاتب وباحث مصري صاحب ومؤسس مجلة الرسالة وكان من ارق‬
‫الناس طبعا ومن انضج كتاب العربية ديباجة واسلوبا‪.‬‬
‫*****‪ -‬توفيق الحكيم ‪ )9105-9010( :‬روائي وكاتب مسرحي مصري ‪.‬من اشهر اثاره رواية (عودة الروح)‬
‫ومسرحية (شهرزاد) ‪.‬‬
‫*‪ -‬زكي نجيب محمود‪ )9118-9187( :‬من أبرز فالسفة العرب ومفكريهم في القرن العشرين‪ ،‬وأحد ُر َّواد الفلسفة‬
‫وأديب يجعل من أدبه‬‫ٌ‬ ‫صفَه العقاد بأنه فيلسوف األدباء وأديب الفالسفة؛ فهو مف ِّك ٌر يصوغ فكره أدبًا‪،‬‬
‫الوضعية المنطقية‪ .‬و َ‬
‫فلسفة ‪.‬‬