تسييس العلم؛ قراءة نقدية في كتاب العلم والأيديولوجيا

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 24

‫مجلّة‬

‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫«تسييس العلم»‪ :‬قراءة نقدية في كتاب «العلم‬


‫واليديولوجيا»‬
‫الشريف(*)‬ ‫د‪ /‬حمدي‬
‫قسم الفلسفة – جامعة سوهاج‬
‫تاريخ القبول‪2018/05/05:‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪2018/04/22 :‬‬
‫امللخص‪:‬‬
‫َ‬
‫إّل وفته لااحهاا ّوقد امهدت‬ ‫لم تترك السياسة أيّ نوع من العلوم واملعارف ّ‬
‫لوجيا‬ ‫ً‬
‫اسهخداما أيدي ّو ً‬ ‫سطوة السياسة في هذا احجانب إلى اسهخدام العلم واملعرفة العلمية‬
‫ً‬
‫خالاا في جميع املجاّلت ّومن هذا املنطلق يعرض هذا املقال للكهاب املام والرائد‬ ‫ً‬
‫نتعيا‬
‫مؤخرا‪ ،‬لااحب األسهاذ الدكهور‪ /‬حسين علي (أسهاذ املنطق وفلستة العلوم‬ ‫ً‬ ‫الذي صدر‬
‫في جامعة عين شمس ‪ -‬مار)‪ ،‬وهو ُي َع ُّد من بين الباحثين اإلبسهمولوجيين أصهاب الرؤية‬
‫التلستية املستنيرة‪ ،‬ويمهلك أساليب علمية دقيقة وواضهة‪ ،‬ويجمع‪ -‬عالوة على ذلك‪ -‬بين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اصية العلم وفي احهقيقة إن كهابات التي تدور في مجملاا حول فلستة‬
‫اصية التلستة ّون ِ‬
‫ن ِ‬
‫العلوم‪ ،‬والهتكير النقدي‪ ،‬ومناهج البحث العلمي‪ ،‬مع التركيز على العديد من القضايا‬
‫التلستية املعاصرة األخرى‪ ،‬إن كهابات تسهحق القراءة والدراسة النقدية؛ ملا تهضمن من‬
‫طرح شمولي في معاحجة القضايا العلمية والتلستية‪ ،‬ومن أسلوب علمي ومنهجي رصين َي ُ‬
‫ندر‬
‫أن يهوافر لدى الكثيرين في عاملنا العربي واإلسالمي ّ‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬العلم؛ األيديولوجيا؛ الهقنية؛ أدحجة العلم؛ تسييس العلم ّ‬
‫‪Abstrat:‬‬
‫‪Politics has employed every kind of science and knowledge to its favor. The‬‬
‫‪influence of politics, in this aspect, has extended to the use of science and scientific‬‬
‫‪knowledge in a purely utilitarian and ideological way in all fields. In this context, this‬‬
‫‪article presents an important and leading book recently published by Prof. Hussein Ali‬‬
‫‪(Professor of Logic and Philosophy of Science at Ain Shams University- Egypt). He‬‬
‫‪is one of the most prominent Epistemological researchers who have an enlightened‬‬
‫‪philosophical vision. He has precise and clear scientific methods, moreover he‬‬

‫‪2018‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪153‬‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫‪combines the foundations of philosophy and the foundations of science. In fact, his‬‬
‫‪writings, which revolve around the Philosophy of Science, Critical Thinking, and‬‬
‫‪Methods of Scientific Research, with a focus on many other contemporary‬‬
‫‪philosophical issues, are worthy of critical reading and studying because of their‬‬
‫‪holistic profound approach to scientific and philosophical issues, and because of their‬‬
‫‪scientific and mythological approach rarely existing to many researchers in our Arab‬‬
‫‪and Islamic world.‬‬
‫;‪Keywords: Science; Ideology; Technology; “Ideologization” of Sciences‬‬
‫‪Politicization of Science.‬‬
‫مقدمة‪ّ-:‬‬
‫حمل الكهاب عنوان‪« :‬العلم واإليديولوجيا بين اإلطالق والنسبية»‪ ،‬وقد صدرت‬ ‫َ‬
‫ي ِ‬
‫طبعه األولى عام ‪ 2011‬عن دار الهنوير للطباعة والنشر في بيروت ّو َب ِاد َئ ِذي َب ْد ٍء ينهمي‬
‫هذا الكهاب إلى إطار فلستة العلم‪ ،‬وفلستة السياسة في آن واحد‪ّ ،‬وهو يتناول بأسل ّوب‬
‫علمي دقيق قضايا مخهلتة ومسائل شائكة تندرج جميعاا تحت إشكالية "الهوفيف‬
‫األيديولوجي والسياس ي للعلم" أما بالنسبة ملحهويات الكهاب فههضمن سهة فا ّول‬
‫أساسية؛ موضوع كل فال في يالح أن يكون دراسة فلستية مسهقلة بذاتها وّل ينبغي‬
‫أن ُيتام من قولنا هذا أن فاول الكهاب وموضوعات منتالة عن بعضاا‪ ،‬على العكس‬
‫من ذلك ً‬
‫تماما؛ فإن موضوعات وأفكاره األساسية تجمعاا وحدة مهماسكة‪ ،‬ومترابطة‬
‫تهأسس على بنية واحدة‪ ،‬وكل ما في األمر أن املؤلف أراد أن يعاحج هذه املسائل واملوضوعات‬
‫في إطارها الشامل‪ ،‬وفي ضوء إشكالياتها املترابطة ّ‬
‫ومن املوضوعات التي يعاحجاا املؤلف في كهاب هذا‪ّ-:‬‬
‫ً‬
‫مهحيزا؟‬ ‫ً‬
‫محايدا‪ ،‬أم‬ ‫( ‪ ) 1‬هل يكون العلم بطبيعه‬
‫( ‪ ) 2‬هل قضايا العلم وقوانين نسبية‪ ،‬أم مطلقة؟ وهل أحكام موضوعية‪ ،‬أم‬
‫مابوغة بهحيزات خاصة وأيديولوجيات معينة؟ّ‬
‫( ‪ ) 3‬متاوم «املوضوعية العلمية»ّكما يراها فيلسوف العلم األشار "كارل بوبر" ّ‬
‫ً‬
‫( ‪ ) 4‬اسهخدام العلم في الهقنية (على اعهبار أن العلم "اكتشافّ" ملا هو موجود ّ‬
‫فعال‬
‫َ‬
‫في الكون والعالم‪ ،‬أما الهكنولوجيا فهي "اختراع"‪ ،‬أو تطبيق لقوانين وفرضيات العلم ّ‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪154‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫( ‪ ) 5‬تتكيك الالة بين العلم واأليديولوجيا باتة عامة ّ‬


‫( ‪ ) 6‬مسألة توفيف العلم حخدمة أهداف سياسية محضة ّ‬
‫ُ‬
‫مثل في حد‬
‫وإذا كانت إشكالية الهوفيف السياس ي والهكييف األيديولوجي للعلم ّت ِّ‬
‫ذاتها إشكالية جد خطيرة‪ ،‬فإن هذا املقال يأتي ليقف على جملة من املسائل املهعلقة‬
‫باّلرتباط بين العلم من جانب‪ ،‬والسياسة واأليديولوجيا من جانب آخر؛ األمر الذي اسهلزم‬
‫تقسيم إلى عنارين أساسيين‪ :‬يدور األول منها حول تحديد معنى «العلم»ّباتة عامة‪،‬‬
‫كمحاولة لضبط املتاوم‪ ،‬وتحديد أوج الالة بين وبين «األيديولوجيا» (هذا على افتراض‬
‫وجود صلة بين اّلثنين)‪ ،‬أما العنار الثاني فنكشف من خالل عن قضية الهوفيف‬
‫األيديولوجي للقوانين والنظريات العلمية‪ّ ،‬وعلى وج احخاوص نناقش قضية ّ«تسييس‬
‫العلم»‪ ،‬مع التركيز باتة خاصة على تجارب األنظمة الشمولية في القرن العشرين‬
‫ً‬
‫خالاا ّ‬ ‫أيديولوجيا‪ً /‬‬
‫نتعيا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اسهخداما‬ ‫واسهخداماا للعلم‬
‫ا‬
‫أوًل‪ :‬العلم واليديولوجيا‪ :‬جدل اًلرتباط والصراع‪.‬‬
‫يهميز اإلنسان عن بقية الكائنات البشرية األخرىّ بخاائص وسمات مهعددة‪ ،‬لعل‬
‫ًّ‬
‫قديما‪:‬‬ ‫أهماا خاصية الهتكير وتعقل األشياء والظواهر واألحداث‪ ،‬ولقد قال أرسطو‬
‫"اإلنسان حيوان ناطق"‪ ،‬بمعنى إن لدي القدرة على الهتكير والهعبير فاإلنسان يسير‪ -‬أو‬
‫هو ينبغي أن يسير‪ -‬في حيات وسلوكيات وفق منطق العقل‪ ،‬وقواعد العلم الدقيقة ولكن‬
‫ما الذي يعني "العلم" على وج الهحديد؟ّ‬
‫ُ‬
‫العلم ‪ّ -Science‬لغة‪ -‬نقيض احجال‪ ،‬ويشير العلم‪ -‬في معناه الواسع‪ -‬إلى ذلك النوع‬
‫من املعرفة الدقيقة‪ ،‬والقابلة للهحقق سواء عن طريق احهواس (العلوم الطبيعية)‪ ،‬أ ّو عن‬
‫طريق التكر والهأمل (العلوم اإلنسانية)‪ ،‬أو عن طريق العقل والبرهان (الرياضيات‪،‬‬
‫ُ‬
‫واملنطق) فالعلم إذن نوع من املعرفة املنظمة التي تدور حول م ّوضوعات جزئية قابلة‬
‫للهحقق سواء عن طريق العقل‪ ،‬أو عن طريق احهواس‪ ،‬أو هو ً‬
‫أيضا مجموعة من املبادئ‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪155‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫والقوانين والنظريات الدقيقة التي يطرحاا العالم وهو بادد موضوع معين أو ميدان معين‬
‫مثل‪ :‬التلك‪ ،‬والتيزياء‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬احخ ّ‬
‫إيجابا‪ -‬كما َّ‬
‫قدم لنا الكثير من‬ ‫سلبا أو ً‬
‫دائما في تغيير حياة اإلنسان‪ً -‬‬
‫وقد أسام العلم ً‬
‫اّلختراعات املامة التي أدت إلى تطور البشرية وزيادة رفاهيتها ّوازدهارها والعلم في حد ذات‬
‫يهدف إلى السيطرة على الطبيعة والكون الذي نعيش في ‪ ،‬وكذلك السيطرة على سلوك‬
‫اإلنسان وضبط وتتسيره ووصت بدقة شديدة ولذلك يخهلف العلم عما هو "ّل علمي"‬
‫‪ ،Unscientific‬ويشير هذا املتاوم األخير إلى كل ما ُيضاد العلم مثل السهر‪ ،‬واحخرافة‪،‬‬
‫والشعوذة‪ ،‬واألسطورة‪ ،‬والتراسة‪ ،‬والطب القديم‪ ،‬والهنجيم‪ ،‬إحخ ّ‬
‫إن هذه املجاّلت الال علمية تهتق مع العلم من حيث الادف‪ ،‬حيث أن كليهما يهدف‬
‫إلى تتسير الطبيعة وفاماا والهحكم فيها ومعنى هذا أن "الال علم" يهتق مع "العلم" من‬
‫ناحية "الادف"‪ ،‬ولكن يخهلف عن من ناحية "املنهج" ذلك أن "الال علم" ّل يستند إلى‬
‫منهج دقيق وواضح يمكن الهثبت من صدق مزاعم صاحب أو كذب ‪ّ ،‬وبعبارة أخرى فإن‬
‫يتهقر إلى شرطي "الثقة" و"الثبات"‪ ،‬وهما شرطان أساسيان من شروط املنهج العلمي‬
‫السليم(‪ّ )1‬‬
‫ّوهناك سمات ّوخاائص عديدة للعلم‪ ،‬ولعل من أهماا‪«ّ:‬املوضوعية»ّ‪Objectivity‬‬
‫واملقاود باملوضوعية هنا أن املعرفة العلمية معرفة وصتية‪ ،‬وليست معيارية؛ حيث‬
‫وتتسير الطبيعة املادية‪ ،‬واإلنسانية؛ من أجل السيطرة عليها‬
‫ّ‬ ‫العالم إلى فام‬
‫ِ‬ ‫يسعى‬
‫بهتسير الظواهر‬
‫ّ‬ ‫العالم‬
‫ِ‬ ‫واّلسهتادة منها بما يخدم البشرية‪ ،‬ومن أجل ذلك يكهتي‬
‫الطبيعية‪ ،‬واإلنسانية بإرجاعاا إلى أسبابها املباشرة ّوالقريبة‪ّ ،‬ل العلل البعيدة‪ ،‬أو الغيبية‬
‫سائدا فـي العاور القديمة وبعبارة أخرى فإن ِ‬
‫العالم يتسر الظواهر بمثيالتها‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫كما كان‬
‫دون أي توجي للظاهرة‪ ،‬ولذلك نجده يبهعد عن الهتسيرات "امليهافيزيقية"‪ ،‬وكذلك‬
‫الق َيمية؛ ألن أية فاهرة لاا مجموعة أسباب معينة تحركاا ّوتسيرها‪ ،‬وهدف‬ ‫الهتسيرات ِ‬
‫العالم هو الكشف عن هذه ا ّألسباب ومن هنا تهميّز املعرفة العلمية بأنها مسهقلة عـن‬ ‫ِ‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪156‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫والعالم بذلك‬
‫ِّ‬ ‫األهواء وامليول الذاتية‪ ،‬وكذلك عن املااحح الشخاية واملنافع احخاصة‬
‫يسهخدم األدلة الهجريبية والبراهين املنطقية املسهقلة عن ذات ّوميول الشخاية ّ‬
‫العالم‬
‫كذلك فمن خاائص املعرفة العلمية «النسبية»ّ‪ Relativity‬فعندما يهوصل ِ‬
‫إلى نهائج معينة فاو ّل ُيجزم أن هذه النهائج يقينية‪ ،‬ونهائية‪ ،‬ولكنها تظل نهائج نـسبية؛‬
‫بمعنى أنها مقيدة بالوسائل واألدوات ذاتها التي يسهخدماا ويرجع ذلك إلى أن الوسائل‬
‫واألدوات العلمية (املالحظة والهجريب على رأساا) فـي تـطـور مسهمر وعلى هذا فإن‬
‫ً‬
‫فشيئا‪ ،‬ولذا نجد‬ ‫ً‬
‫وشيئا‬ ‫القوانين والنظريات العلمية تـابو نحو الدقة قدر اإلمكان‪،‬‬
‫النسبية هي خاصية العلم بامهياز في بحث عن تتسيرات للظواهر الطبيعية واإلنسانية ّ‬
‫إن أول طرح مام من جانب املؤلف في هذا الكهاب‪ -‬الذي نحن بادده‪ -‬هو معاحجه‬
‫لتكرة عدم احخلط بين "احهقيقة العلمية" في ذاتها‪ ،‬وبين "النظريات والقوانين والتروض‬
‫ُ‬
‫العلمية"؛ فالثانية ت َع ُّد ّ‬
‫مقاربات وتتسيرات علمية حول األولى‪ ،‬وه ّو األمر الذي جعل يذهب‬
‫إلى أن ليس هناك حقيقة علمية واحدة ّوثابهة‪ ،‬وعلى حد تعبيره‪« :‬الحقيقة العلمية ليست‬
‫َ‬
‫قرره العلماء عن هذا الواقع‪ .‬ومن ث َّم‬
‫هي الواقع في حد ذاته‪ ،‬وإنما هي‪ -‬بالحرى‪ -‬ما ي ِّ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫فليس َّثمة حقيقة علمية نهائية‪ ،‬بل تدنو النظريات املتعاقبة منها شيئا فشيئا (‪)...‬‬
‫اسا‬ ‫دائما تحت اًلختبار املتواصل؛ فهي ليست انعك ا‬
‫ولذلك فإن الحقيقة العلمية تظل ا‬
‫للوجود أو الواقع في املرآة‪ ،‬والعلماء ًل َيكفون عن تفسير الطبيعة وتغييرها لخدمة‬
‫أهدافهم العلمية‪ ،‬وًل يحدث هذا التفسير وذلك التغيير فقط من خالل اًلختراع‬
‫واإلنتاج‪ ،‬بل في مواصلة اصطناعهم وتطويرهم املستمر للمناهج العلمية نفسها»(‪ّ )2‬‬
‫هذا بالنسبة ملتاوم العلم‪ ،‬وأهم احخاائص التي تهميز بها املعرفة العلمية‪ ،‬أما فيما‬
‫يهال بمتاوم «األيديولوجيا» فإن يشير‪ -‬في معناه األصلي‪ -‬إلى منظومة األفكار وا ّلراء‬
‫اّلجهماعية التي ترتبط بمااحح طبقة أو جماعة معينة في املجهمع وقد عرفاا ماركس في‬
‫ُ‬
‫عبر عن مااحح طبقية»‬‫«األيديولوجيا األملانية»ّبأنها « مجموعة الهاورات الكلية التي ت ِ‬
‫وعلى هذا النحو فإن متاوم األيديولوجيا ّل يسهلزم فحسب تقسيم املجهمع إلى طبقات‪،‬‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪157‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اسهخداما معينا للهاورات هو في مالهة فئة حاكمة في‬ ‫ً‬
‫أيضا أن يكون‬
‫بل يسهلزم ّ‬
‫ى(‪ّ )3‬‬
‫املجهمع تسهخدماا لترسيخ سيطرتها على الطبقات األخر ّ‬
‫واأليديولوجيا ماطلح حديث ارتبط فاوره بهطور املجهمعات األوروبية البرجوازية‬
‫وكان للبروليهاريا (طبقة العمال الاناعيين التي تعمل وّل تملك) أيديولوجيتها‪ ،‬وهي التكر‬
‫املاركس ي‪ ،‬كما كان للرأسماليين (طبقة أصهاب رأس املال التي تملك وّل تعمل)‬
‫أيديولوجيتها‪ ،‬وهي التكر الليبرالي ولكن اصطالح األيديولوجيا خرج من نطاق األصلي‬
‫الضيق‪ ،‬فأصبح يسهخدم‪ ،‬على نطاق واسع وباورة عامة‪ ،‬في مجال السياسة‪ ،‬واألخالق‪،‬‬
‫والدين‪ ،‬والتلستة(‪ّ )4‬‬
‫وفي الواقع إن اّلرتباط بين السياسة واأليديولوجيا أمر طبيعي؛ ألن السلطة السياسية‬
‫ُ‬
‫دائما إلى أيديولوجيا تحركاا وتعمل وفق منظومتها ومن هذا املنطلق ت َع ُّد‬ ‫في حاجة ً‬
‫نهاجا لهالقح التكر مع السياسة وعلى هذا النحو ُي ْم ِك ُن القول‪:‬‬
‫األيديولوجيات السياسية ًّ‬
‫مضمونا ذا نهائج سياسية‪ ،‬كما أن‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫سياسيا أو‬ ‫ًّ‬
‫مضمونا‬ ‫«إن األيديولوجيا تحمل في ذاتها‬
‫الدين»(‪)5‬‬ ‫السلطة السياسية تجد في األيديولوجيا أداة مميزة‪ّ ْ ،‬‬
‫إن لم تجد فيها ما يشب‬
‫وعالوة على ذلك فإن «كل أيديولوجيا تنطوي بالضرورة على موقف من الدولة أو من‬
‫الدول التي تقع جماعتها ضمن مجالاا وبالهالي فهي إما أن تكون قابلة بما هو قائم كدولة‬
‫أو كدول تهتاعل معاا احجماعة التي تعبر عنها وتدافع عن مااحهاا‪ ،‬وإما أن تكون رافضة‪،‬‬
‫وبالهالي داعية إلى إنشاء دولة جديدة»(‪ّ )6‬‬
‫ا‬
‫طبيعيا‪ ،‬فإن اًلرتباط بين‬ ‫لكن إذا كان اًلرتباط بين السياسة واليديولوجيا ا‬
‫أمرا‬
‫نظرا ملا يتسم به العلم من طبيعة حيادية‬ ‫ا‬
‫طبيعيا ا‬ ‫العلم واليديولوجيا قد يكون ا‬
‫أمرا غير‬
‫(أو على القل ملا يفترض أنه يتسم بالحيادية)‪ .‬فكيف إذن يمكن أن نفكك عالقة‬
‫اًلرتباط بين العلم واليديولوجيا؟‬
‫ُ‬
‫قبل أن نخوض في هذه املسألة الشائكة‪ -‬كما يعاحجاا املؤلف‪ -‬يجدر بنا أن نثير ثمة‬
‫نقطة مامة هنا‪ ،‬وتهمثل في مشكلة املوضوعية في العلوم باتة عامة‪ ،‬والعلوم اإلنسانية‬
‫باتة خاصة‪ ،‬وتهعلق هذه املشكلة باحهياد عند تتسير الظواهر الطبيعية واإلنسانية‪ ،‬أو‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪158‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫اّللتزام بالنزاهة والهجرد واحهيادية في كهابة الهاريخ واألحداث والوقائع اإلنسانية فإذا‬
‫كانت العلوم الطبيعية والرياضية تهاف‪ -‬بحكم طبيعتها‪ -‬بأنها تقوم على مرجعية ما ُيسمى‬
‫"عقالنية العلم احهيادي ً‬
‫قيميا"‪ ،‬ومناهجاا تهاف باملوضوعية‪ ،‬حيث إن أحكاماا تقريرية‪،‬‬
‫ومناهجاا وصتية‪ ،‬وّل تستند إلى احجدل‪ ،‬والرأي‪ ،‬فإن العلوم اّلجهماعية واإلنسانية من‬
‫تماما‪ ،‬أو حيادية صرفة؛ إذ تهدخل ذات الباحث‪ ،‬أو املؤرخ‬ ‫الاعب أن تكون موضوعية ً‬
‫ً‬
‫(مثال) بدرجة أو بأخرى عند كهابة األحداث الهاريخية والوقائع اإلنسانية‪ ،‬عالوة على عوامل‬
‫أخرى غير ذلك‬
‫ذات مرة قال الكاتب والروائي البريطاني «جورج أورويل»ّ‪-1903( George Orwell‬‬
‫‪«ّ:)1950‬أعرف أن الشائع اليوم أن ُيقال إن أكثر الهاريخ املدون هو على كل حال مجموعة‬
‫كنت على اسهعداد ألن أعلن لكم أن معظم الهاريخ ينقا الدقة والهجرد‬ ‫أكاذيب وإذا ُ‬

‫مي ّز عارنا هذا هو اإلقالع عن الرأي القائل بإمكان‬‫عن الاوى‪ ،‬فإن األمر الغريب الذي ُّي ِّ‬
‫تحري احهقيقة في الهاريخ»(‪!)7‬‬
‫ق باحهقائق في‬‫تكشف عبارة «أورويل»ّعن مدى الهحريف احخطير واملسهمر الذي ِحه َ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظار في ذات الوقت الاعوبات التي تهخلل تتسير الظواهر الطبيعية‬ ‫العالم املعاصر‪ ،‬كما ت ِّ‬
‫ّ‬
‫واإلنسانية‪ ،‬وصع ّوبة الوقوف على حقائق يقينية في ميادين الهاريخ‪ ،‬والسياسة‪ ،‬واّلجهماع ّ‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬يبدأ املؤلف فاول كهاب بطرح إشكالية رئيسية مهمثلة في‪ :‬هل‬
‫يكون العلم باتة عامة (أو باألحرى ما نطلق عليها حقائق علمية) محاي ًّدا؟ ّويعاحج هذه‬
‫اإلشكالية من خالل الهعرض لقضايا العلم وقوانين ‪ ،‬وهل هي نسبية أم ثابهة ّومطلقة؟‬
‫وما إذا كانت أحكام موضوعية أم مابوغة بهحيزات خاصة وأيديولوجيات معينة؟‬
‫ّوباياغة أخرى‪ :‬هل احهقيقة العلمية بطبيعتها واحدة‪ّ ،‬وعاملية‪ ،‬تترض نتساا في كل مكان‬
‫معايير قومية ونزعات شخاية؟ وهو‬
‫وزمان‪ ،‬أم إن هذه (احهقيقة) قد تجيء مخهلطة ب ّ‬
‫يذهب إلى أن في تاريخ العلم الطويل واملمهد‪« ،‬جرى فال العلم عن املناخ اّلجهماعي الذي‬
‫يهواجد في ‪ ،‬وراج احهديث عن حياد العلم وعدم انحيازه وكأن يستهدف حقائق مطلقة؛‬
‫مجردة وثابهة»(‪ّ )8‬‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪159‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫يشير د‪ /‬حسين علي كذلك‪ -‬في مستهل كهاب ‪ -‬إلى أن احهديث عن حيادية العلم ّوعدم‬
‫انحيازه جاء في األساس من أصهاب اّلتجاه الوضعي ‪ Positivism‬الذين يرون أن ّل ُب َد‬
‫للهقيقة العلمية أن تجيء مسهقلة– بقدر املسهطاع– عن قائلاا‪ ،‬فال يمازجاا ش يء من‬
‫ميول وأهوائ ‪ ،‬ونزعات الذاتية‪ ،‬و ِّق َّي ِّم التي ُّي ِّ‬
‫قوم بها األشياء من حيث خيرها أو شرها‪،‬‬
‫ً‬
‫مثال‪ -‬حين ياف السلوك اإلنساني أن يقول عن‬ ‫لعالم النتس‪ّ -‬‬ ‫وجمالاا أو قبحاا؛ فليس ِ‬
‫إن سلوك مسهحب أو مسههجن كذلك فليس للباحث العلمي أن يخهار من الشواهد‬
‫ً‬
‫لبحث ما يخدم رغبة في نتس ‪ ،‬أو ينتيها‪ ،‬أو ما يحقق ل مثال أعلى يهمناه وبذلك فإن‬
‫الوصول إلى احهقيقة العلمية‪ -‬في نظر الوضعيين‪ -‬هو غاية البحث العلمي‪ّ ،‬وإن احهقيقة‬
‫العلمية قواماا (املوضوعية) واملقاود باملوضوعية الهعامل مع موضوع البحث كما هو‪،‬‬
‫أيّ في اسهقالل عن آرائنا وعواطتنا وميولنا احخاصة(‪ّ )9‬‬
‫وعلى صعيد آخر‪ ،‬هناك َم ْن ينكر على العلم حياده من حيث إن معرفة إنسانية‪،‬‬
‫واملعرفة اإلنسانية كأي كائن اجهماعي هي نظام مهطور؛ هي كائن تاريخي والعلم ًّأيا كان‬
‫موضوع نظام للمعرفة ّل ينتال عن النظام اّلجهماعي الذي يهطور بداخل ومن هنا‬
‫فإن احهقيقة العلمية ًّّأيا كان موضوعاا ليست حقيقة مجردة على اإلطالق‪ ،‬بل هي تقوم‬
‫على افتراضات مهغيرة ومعلومات مهجددة وعلى الرغم من النزوع املسهمر ألساليب البحث‬
‫في العلوم الطبيعية إلى النماذج الرياضية البالغة الدقة كمحاولة لهمثيل الطبيعة املعقدة‬
‫وفام تحوّلتها وعملياتها‪ ،‬فإن هذه ا ّألساليب تظل مع هذا محدودة القدرات ومعرضة‬
‫ُّ‬
‫والهحيز باسهمرار ومن هنا كان العلم في نظر بعض الباحثين مجرد نشاط اجهماعي‬ ‫للخطأ‪،‬‬
‫موج ‪ ،‬وإلى احهد الذي يذهبون مع إلى القول بأن املوضوعية العلمية مجرد (وهم)‪ ،‬وبأن‬
‫هذا اّلنضباط املنهجي الاارم‪ ،‬وتلك الشخاية العلمية املهجردة هما مجرد (نماذج‬
‫مثالية) موجودة في كهب مناهج البحث فقط‪ ،‬ولكن يهعذر وجودها في واقع املمارسات‬
‫التعلية للبحث العلمي (ّل سيما األبحاث والدراسات اّلجهماعية) فالباحث ماما زعم بأن‬
‫ًَ‬
‫عاملا ًّ‬
‫خاصا من املعاني والرموز‪،‬‬ ‫محايد وموضوعي ّل يمكن أن ينكر أن كإنسان متكر يملك ّ‬
‫ً ْ‬
‫خاصا ُين ِش ئ داخل حقيقه احخاصة التي تهضمن وتستند إلى تحيزات‬
‫نسقا ّ‬‫ويملك كذلك ًّ‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪160‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬
‫َ‬
‫التكرية والشخاية املُ َم َي ّزة‪ ،‬والتي تجعل يرى العالم احخارجي بعيون غير محايدة أو بعيون‬
‫الهحي ّزات احخاصة وعلى هذا النحو ّل يمكن للباحث أن يزعم أن يسهقبل‬ ‫ُّّ‬ ‫مابوغة بهلك‬
‫الواقع على شاشة بيضاء نقية مسهعدة ّلسهقبال كل ما يال إليها من حقائق ومعلومات‬
‫حسية بموضوعية ودون ُّ‬
‫تحيزات مسبقة(‪ّ )10‬‬
‫ّل يمكننا القول بأن حيادية العلم والتي جرى احهديث عنها طوال املراحل الطويلة‬
‫التي مر بها تاريخ العلم‪ ،‬وفلستة العلم على حد سواء‪ّ ،‬ل يمكننا القول بأن حيادية العلم‬
‫مجرد (خرافة) كما يزعم أناار الرأي األخير‪ ،‬ولكننا في املقابل نود الهأكيد‪ -‬مع ما يراه‬
‫املؤلف‪ -‬على أن العلم‪ ،‬أو باألحرى الهتسيرات العلمية ليست محايدة ومن مظاهر عدم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيادية العلم «عملية انهقاء عوامل توصف باألهمية‪ ،‬واستبعاد عوامل أخرى توصم‬
‫العالم والتي يتسر من خاللاا تحوّلت‬
‫بالاامشية ومنها كذلك الطريقة التي يسهخدماا ِ‬
‫معينة‪ ،‬أو تلك التي تتشابك فيها فواهر متزامنة »(‪ّ )11‬‬
‫إن احهديث عن حيادية العلم‪ ،‬وهل هي ممكنة أم صعبة الهحقيق‪ ،‬يدفعنا بالضرو ّرة‬
‫إلى احهديث عن إشكالية الهوفيف األيديولوجي للعلم‪ ،‬وهي إشكالية مامة ّل تزال تشغل‬
‫كثير من الباحثين والدارسين في مجال فلستة السياسة‪ ،‬وفلستة العلم فماذا عن‬
‫ً‬
‫أحيانا «بتسييس‬ ‫اسهخدام العلم حخدمة أهداف سياسية‪ّ ،‬وأيديولوجية‪ ،‬أو ما ُيعرف‬
‫العلم»‪ ،‬و«أدحجة العلم»؟ّ‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬التوظيف السياس ي للعلم‪.‬‬
‫يمكن القول إن السياسة راحت عبر عاور احهضارات اإلنسانية تمارس ً‬
‫نوعا من‬
‫(تثبيت النسق العقيدي "ألفكار" معينة دون غيرها)‪ ،‬بما يخدم أهدافاا وتوجااتها في ترسيخ‬
‫هيمنتها على جميع املجاّلت اإلنسانية وقد كان هذا األمر يهم في كثير من األحيان عن طريق‬
‫َ‬
‫توفيف حقائق العلم (الطبيعي‪ ،‬واإلنساني)‪ ،‬وتحريف احهقائق التي من شأنها أن ّتعوقاا‬
‫عن اّلحهتاظ بالسلطة ومن هنا تأتي أهمية إشكالية توفيف "احهقيقة العلمية"‪ ،‬أو‬
‫الهالعب بها‪ ،‬لااحح أهداف سياسية معينة ّ‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪161‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫من ناحية أخرى يمكن القول إن هناك عالقة طردية‪ -‬في جانب كبير منها‪ -‬بين تقدم‬
‫العلوم من جانب وبين تطور األنظمة السياسية من جانب آخر‪ ،‬بل يمكن القو ّل‪ -‬في هذا‬
‫الادد‪ -‬أن األنظمة السياسية واّلجهماعية الشمولية في القرن العشرين تطورت نتيجة‬
‫لهطور علم البيولوجيا‪ ،‬ونظرية صراع الطبقات اّلجهماعية ومرة أخرى‪ ،‬إذا كان من‬
‫خاائص العلم‪ :‬املوضوعية‪ ،‬واحهيادية‪ ،‬وانعدام املالهة احخاصة‪ ،‬وإذا كانت احهقائق‬
‫التلستية بديهية ّوواضهة بذاتها‪ ،‬وإذا كانت حقائق العلم الطبيعي ثابهة (ولو باتة‬
‫مؤقهة)‪ ،‬ومناهج موضوعية‪ ،‬ونهائج محايدة‪ ،‬إذا كان ذلك كذلك‪ ،‬فقد اسهطاعت‬
‫العديد من األنظمة السياسية في القرن العشرين‪ :‬األنظمة الشمولية‪ ،‬والدينية‪،‬‬
‫والديمقراطية كذلك‪ ،‬توفيف نهائج العلم وبعض جزئيات ‪ ،‬وتأويلاا لتسير بها في اتجاه‬
‫معين يخدم توجااتها األيديولوجية ّ‬
‫ُ‬
‫إن جوهر هذا اّلرتباط بين العلم من ناحية والسياسة من ناحية أخرى ي ِ‬
‫مثل محور‬
‫تركيز املؤلف في كل فاولّ كهاب ‪ ،‬وهو يذهب إلى أن ثمة تداخل وثيق بين العلم والسياسة‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬
‫العالم أن يمض ي في حيات العلمية مسهقال‪،‬‬ ‫في العالم املحيط بنا؛ فلم ّيعد في اسهطاعة ِ‬
‫ً‬
‫ويبحث املشكالت التي َّت ِه ُم أو التي يريد كشتاا‪ ،‬بل إن أصبح مرتبطا على الدوام‬
‫َُ‬
‫املك ِّلتة التي‬
‫بمؤسسات أكبر من ‪ ،‬هي التي تقدم إلي اإلمكانات‪ ،‬وتزوده باألدوات املعقّدة ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أساسيا للبحث العلمي في العار احهاضر وينطبق هذا على مخهلف أنظمة‬ ‫أصبحت شرطا‬
‫َ‬
‫احهكم القائمة في العالم املعاصر(‪ّ )12‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مثل هذا‪ -‬في حد ذات ‪ -‬مشكلة‪ ،‬وإنما املشكلة احهقيقة ّت ُنبع من سطوة‬ ‫لكن ّّل ي ِ‬
‫نتعيا يخدم خطاا‬ ‫ً‬
‫توفيتا ً‬ ‫السياسة ذاتها‪ ،‬وهي السطوة التي تمهد إلى توفيف العلم‬
‫األيديولوجي املحدد ً‬
‫سلتا وعلى سبيل املثال‪ ،‬لم تكن سياسة الكذب واحخداع التي وفتتها‬
‫األنظمة الشمولية في القرن العشرين مجرد أدوات أو تدابير سياسية محضة من اختراع‬
‫الزعماء والقادة الشموليين فحسب‪ ،‬بل كانت عالوة على ذلك مؤسسة على نظريات علمية‪،‬‬
‫وأصول فلستية ملتكرين وفالستة كبار‪ ،‬عمل كل منهم‪ ،‬بطريقه احخاصة‪ ،‬على وضع‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪162‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬
‫َ‬
‫اللبنات واألسس التي مك َنت هذه األنظمة من نجاح أكاذيبها السياسية وأهدافاا‬
‫ا ّأليديولوجية العنارية واملغلوطة ّ‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬تذهب « َ‬
‫حن أرندت»ّ)‪ ،)1975-1906( (Hannah Arendt‬إلى أن إذا‬
‫كان من الساولة أن تهالعب السلطة السياسية باحهقائق في ميادين الهاريخ‪ ،‬واّلجهماع‪،‬‬
‫ّوالسياسة؛ أي أن تقوم بهحريتاا وتزييتاا‪ ،‬فإن من الاعوبة بمكان أن تنجح في تحريف‬
‫أنواع معينة من احهقائق‪ ،‬مثل احهقائق الرياضية والتلستية‪ ،‬أو ما ُيطلق عليها "احهقائق‬
‫العقلية" ‪( rational truths‬في مقابل "حقائق الواقع" ‪)factual truths‬؛ ألن هذا النوع من‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وصائبا في كل زمان ومكان وعندما تحاول‬ ‫"احهقائق العقلية" ُي َع ُّد مشتركا بين كل البشر‪،‬‬
‫السياسة أن تقوم بتزييف احهقائق العقلية فإنما تهعدى بذلك حدودها‪ -‬إذا جاز الهعبير‪-‬‬
‫ً‬ ‫وسيكون من الاعوبة ً‬
‫جدا أن تنجح في ذلك وعلى خالف ذلك فإن األمر سيكون ساال إلى‬
‫حد كبير عندما تحاول تزييف "احهقائق الواقعية"؛ أي أن تكذب بشأنها‪ ،‬ألن هذا النوع‬
‫ٍ‬
‫دائما من جانب البشر الذين يهعايشون ويهارفون ً‬ ‫َ‬
‫من احهقائق يهولد ً‬
‫معا‪ ،‬ومن أمثلتها‬
‫شكل النسيج احج ّوهري‬ ‫ُ‬
‫احهقائق الهاريخية واّلجهماعية كذلك فإن هذا النوع من احهقائق ي ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫صمودا من جميع أنواع احهقائق العقلية مجهمعة‪،‬‬ ‫لعالم السياسة بالذات‪ ،‬حيث يبدو أقل‬
‫ّ‬
‫وبالهالي سهكون فرصة السلطة السياسية في إختاء هذه احهقائق‪ ،‬أو تزييتاا‪ ،‬أكبر(‪ّ )13‬‬
‫مهناه‬
‫على هذا النحو تبدو (حقائق الواقع) أكثر هشاشة‪ ،‬أو أقل حاانة على نحو ّل ٍ‬
‫من بديهيات العلم‪ ،‬والتلستة‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬التي تقوم عليها (احهقائق العقلية)‪،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ألخير‬
‫واّلكتشافات والنظريات العلمية (حتى أشدها إغراقا في الهجريد) ّوملا كان هذا النوع ا ّ‬
‫نهاجا للعقل البشري‪ ،‬فإن (حقائق الواقع) تقع في حقل الشئون البشرية‪،‬‬ ‫من احهقائق ًّ‬
‫وهو حقل دائم ُّ‬
‫الهغير والهقلب‪ ،‬وّل ش يء يدوم وسط سيالنها وتدفقاا سوى بنية العقل‬
‫البشري الذي يهعامل معاا وبعد أن تضيع تلك احهقائق‪ ،‬فلن يكون ً‬
‫أبدا في وسع أي‬
‫جد ًيا‪ ،‬أن ُيعيدها أما بالنسبة (للهقائق العقلية)‪ ،‬فاألمر على‬
‫مجاود عقلي‪ ،‬ماما كان ِ‬
‫خالف ذلك؛ فلو كان مبدعو الرياضيات اإلقليدية‪ ،‬أو نظرية النسبية ألينشهاين‪ ،‬أو حتى‬
‫ُ‬
‫فلستة أفالطون‪ ،‬قد أعيقوا عن نقلاا أو تمريرها إلى األجيال الالحقة‪ ،‬فإن حظوظ إعادة‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪163‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫َ‬
‫إبداعاا مع مرور الزمن قد تكون غير مواتية‪ ،‬إّل أن ذلك أفضل على نحو كبير من حظوظ‬
‫إعادة اكتشاف احهقائق الواقعية املامة التي تم تجاهلاا ونسيانها عن عمد‪ ،‬أو على األصح‬
‫الكذب بشأنها وطمساا بطريقة مقاودة(‪ّ )14‬‬
‫حد ما (رغم أهميتها على كل حال)؛‬
‫لكن يبدو لنا أن هذه الوجاة من النظر قاصرة إلى ٍ‬
‫ألن السياسة قد تحاول في بعض األحيان تزييف احهقائق العلمية‪ ،‬وقد تنجح في ذلك‬
‫تكهف األنظمة الشمولية‪ ،‬على مدار تاريخاا الطويل‪ ،‬بتزوير‬
‫ٍ‬ ‫ًّ‬
‫أيضا وعلى سبيل املثال‪ ،‬لم‬
‫(حقائق الواقع)‪ :‬حقائق الهاريخ والسياسة واّلجهماع؛ لااحهاا‪ ،‬بل عملت كذلك على‬
‫تزوير بعض احهقائق في مخهلف املجاّلت العلمية الطبيعية والرياضية للترويج ألكاذيبها‬
‫السياسية وتبرير أهدافاا األيديولوجية والعنارية ّ‬
‫ً‬
‫وخاوصا املسهمدة من‬ ‫لقد وفتت األنظمة الشمولية احهقائق العلمية‪،‬‬
‫األنثروبولوجيا‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم النتس‪ ،‬ضمن منظومتها األيديولوجية الدعائية فقد‬
‫اسهعانت النازية‪ -‬على سبيل املثال‪ -‬بنظرية الهطور في ميدان البيولوجيا‪ ،‬والنظريات‬
‫العرقية في ميدان األنثروبولوجيا وعلم تحسين النسل‪ ،‬وبأفكار من علم النتس‪ ،‬حيث‬
‫ًّ‬
‫تحديدا‪ -‬في دعايتها السياسية‪ ،‬وتآمرها وخداعاا‬ ‫كانت تطوع جزئيات من هذه العلوم‪-‬‬
‫للجماهير األملانية وقد أرغمت النازية الكثير من العلماء على تزييف النظريات العلمية‪ ،‬في‬
‫ّ‬
‫الترويج ألفكارها احخاصة بالهتوق العرقي ولذلك «كانت هذه األفكار والنظريات التي‬
‫اسهعانت بها تقوم على تاور مقلوب للقيم ُيحقر من قدر التكر والذكاء والعقل البشري‪،‬‬
‫ق»(‪ )15‬وبعبارة أخرى فإنها َ‬
‫سخ َّرت‬ ‫مجد القوى الغامضة واملظلمة للغريزة والدم والعر ّ‬ ‫ُّ‬
‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫العلم الطبيعي للترويج لألفكار واملزاعم الشمولية التي تعلي من شأن العاطتة والوجدان‬
‫َ‬
‫واإلرادة باعهبارها أرقى من قيم الذكاء ّوالتكر اإلنساني ومن ث َم «كان اإلنسان في فل‬
‫األنثروبولوجيا الشمولية ّل يهحدد بالتكر والعقل‪ ،‬أو احهكم‪ ،‬ألن الغالبية العظمى من‬
‫ُ‬
‫البشر‪ -‬وفقا لاا‪ -‬تتهقر إلى هذه امللكات وعالوة على ذلك فإنها ّتنكر وجود أي ماهية مشتركة‬
‫جميعا‪ ،‬فاّلخهالف عندها بين إنسان و"إنسان آخر" هو اخهالف في الطبيعة أو‬ ‫ًّ‬ ‫بين البشر‬
‫ً‬
‫النوع‪ ،‬وليس اخهالفا في الدرجة»(‪ّ )16‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪164‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫نسهنهج من ذلك أن إذا كان العلم في ذات قوة محايدة يمكن توفيتاا حخدمة البشر‪،‬‬
‫َ‬
‫العالم واإلنسان‪ ،‬فإن في كل األنظمة الشمولية واّلستبدادية ً‬
‫تقريبا‪ ،‬يهم‬ ‫أو توجيهاا لهدمير‬
‫اسهخدام العلم للترويج ألفكار سياسية محددة لقد ارتكزت هذه األنظمة في األساس على‬
‫دعائم علمية وأنثروبولوجية وهنا تظار املتارقة‪ ،‬عندما استند العديد من قادة األنظمة‬
‫الشمولية إلى علوم البيولوجيا‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪ ،‬وعلم تحسين النسل‪ ،‬وغيرها‪ ،‬كدعائم‬
‫للترويج لعقائدهم السياسية التاسدة‪ ،‬وتبرير مزاعمام بشأن تتوق عرق بعين ولكن‬
‫املتارقة سرعان ما تهالش ى إذا دققنا في أنها تسهخدم العلم من أجل تبرير وتمرير بعض‬
‫املزاعم األيديولوجية العنارية عن طريق تشوي حقائق العلم وباخهاار‪ ،‬فإن أخطر‬
‫دعاة العنارية هم أولئك الذين يوفتون العلم ألغراض سياسية شمولية!ّ‬
‫حد كبير د‪ /‬حسين علي‪ ،‬حيث كان تركيزه ي ُّ ّ‬
‫ناب في املقام األول‬ ‫وهذا ما َ َ‬
‫تنب إلي إلى ٍ‬
‫على فكرة اسهغالل السلطة السياسية للعلم بمعناه الواسع‪ ،‬وليس فقط اسهغاللاا‬
‫ُ‬
‫وتالعبها باحهقائق الهاريخية واّلجهماعية فقط‪ ،‬وهو َيذك ّر أن اسهغالل السياسة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحيانا‬ ‫واسهخداماا لسلطة العلماء تأخذ أشكاّل مهنوعة؛ إذ يقوم بعض السياسيين‬
‫باسهخدام العلماء كواجاة للتستر خلتام من أجل اتخاذ قرارات غير مسئولة وخاطئة‬
‫ّويمكن لرجل السياسة في هذه احهالة اّلدعاء بأن ليس في مقدوره أن يانع ً‬
‫شيئا أمام‬ ‫ِ‬
‫قوة البداهة والضرورة العلميهين‪ ،‬كما يمكن ً‬
‫أيضا اّلسهعانة بسلطة العلماء من قبل‬
‫رجال السياسة لهوفيف ذلك من أجل الهالعب بهوقيت اخهيار أو تطبيق قرار سياس ي‬
‫معين؛ وما حدث عند غزو أمريكا للعراق في مارس ‪ 2003‬تحت زعم أن العراق يمهلك‬
‫ً‬
‫استنادا إلى تقارير اسهخباراتية مستندة إلى معلومات دقيقة وحقائق علمية‪،‬‬ ‫أسلهة نووية‬
‫لاو دليل على اسهغالل السياسة للعلم والعلماء(‪ّ )17‬‬
‫َ َ‬
‫رس ّخت هيمنتها على السلطة‪،‬‬ ‫نسهنهج من هذا أن األنظمة الشمولية ّواّلستبدادية‬
‫عبر الهاريخ‪ ،‬عن طريق توفيف حقائق العلم وتأويلاا‪ -‬ومن بينها ً‬
‫أيضا احهقائق الدينية‪-‬‬
‫لتسير بها في اتجاه معين يخدم توجااتها األيديولوجية‪ ،‬وكان ذلك يهم إما عن طريق‬
‫تتسير احهقيقة العلمية بهأويل بعض نهائجاا لكي تهماش ى مع ال َه ُّ‬
‫وجاات‬ ‫ّ‬ ‫الهعسف في‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪165‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫األيديولوجية‪ ،‬أو عن طريق اسهنباط أحكام مغلوطة من خالل هذه احهقائق‪ ،‬أو من خارج‬
‫ً‬ ‫املجال احخاص بها‪ً ،‬‬
‫أصال بالقانون العلمي أو النظرية‬
‫وفقا لهوجاات محددة ّل عالقة لاا ّ‬
‫العلمية ّ‬
‫‪ -‬النازية (كمثال) واًلستخدام اليديولوجي للعلم‪.‬‬
‫لقد أعطى الهقدم املذهل في البيولوجيا (علم األحياء) عشر قوة دافعة لزيادة اّلعهماد‬
‫على املعايير البيولوجية في التترة األخيرة في فكر القرن الهاسع عشر وقد أكد «جونتر مان»‬
‫‪ Gunter Mann‬أن البيولوجيا مارست نوع من الايمنة التكرية في أواخر القرن الهاسع‬
‫َ‬
‫تجلى ذلك في النظريات اّلجهماعية البيولوجية وقد شجعت الداروينية هذا‬
‫عشر‪ ،‬وقد ّ‬
‫اّلتجاه عن طريق الهقليل من اّلخهالفات بين البشر واحهيوانات(‪ّ )18‬‬
‫يمكن اعهبار األيديولوجية النازية بمثابة الهطبيق السياس ي للنظريات العرقية‬
‫والبيولوجية‪ ،‬وهدفاا هو الهموي ومحاولة إختاء جرائماا ضد الشعوب اإلنسانية وإن‬
‫فكرة (النقاء) العرقي‪ ،‬أو "اّلصطتاء الطبيعي" في ميدان البيولوجيا والتي طرحاا «داروين»‬
‫تكزت عليها النازية‪ ،‬إن هذه‬
‫‪ )1882-1809( Charles Robert Darwin‬عام ‪ ،1838‬والتي ار ّ‬
‫التكرة هي محض أسطورة لم يهم الهثبت من صهتها بعد‪ ،‬وعلى األقل فإن النازية‬
‫َ‬
‫تبنت العديد من الدول األوروبية في واقع األمر ّ‬
‫النظرة‬ ‫تسهخدماا بطريقة مغل ّوطة «وقد ّ‬
‫الهطورية التي تنظر إلى البشر على أنهم ليسوا سوى حيوانات مهطورة‪ ،‬وبالهالي يمكن‬
‫الهعامل معام على أنهم مجرد آّلت وهذا هو السبب في أن النظرية العلمية الداروينية‬
‫مادت الطريق‪ ،‬من بين أمور أخرى‪ ،‬إلى حجة النازية التي تقول بأن تحسين النسل يقوم‬
‫على أساس علمي‪ ،‬وأن تحسين العرق األملاني جاء نتيجة ملبادئ بيولوجية أوضهاا داروين‬
‫نتس والواقع أن أكبر أنظمة اإلبادة احجماعية الثالثة في القرن العشرين‪ -‬أملانيا النازية‪،‬‬
‫وروسيا السهالينية‪ ،‬ودولة الاين الشيوعية‪ -‬كانت تستند بشكل دائم إلى املادية العلمية‬
‫الداروينية»(‪ّ )19‬‬
‫ُ‬
‫يقول «موريس دوفرجي »‪ :‬هناك نظريهان تنزّلن العوامل البيولوجية في الاراعات‬
‫السياسية منزلة الادارة‪ :‬نظرية "تنازع البقاء" و"النظرية العرقية" فأما النظرية األولى‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪166‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫فهي تتناول الاورة التي رسماا داروين لهطور األنواع احهيوانية‪ ،‬فهنقلاا إلى املجهمعات‬
‫َ‬
‫اإلنسانية وتذهب هذه النظرية إلى أن كل فرد ّّل ُب َّد أن ياارع الخرين ليبقى‪ ،‬وّل يبقى إّل‬
‫ُ‬
‫من هم أفضل فاّلصطتاء الطبيعي يكتل بقاء ونمو خيار الناس ّوت َع ُّّد نظرية داروين‬
‫الشكل البيولوجي للتلستة البورجوازية التي ُي َع ُّّد الهنافس احهر تجسيدها اّلقهاادي‬
‫وتنازع البقاء يسهحيل هنا إلى صراع من أجل إشباع احهاجات‪ ،‬وياير في امليدان السياس ي‬
‫اعا من أجل السلطة"‪ ،‬وهو أساس (نظريات الاتوة)‪ :‬فمن الهنافس على السلطة‬ ‫"صر ً‬

‫تولده منافع السلطة‪ ،‬يظار خيار البقاء لألصلح‪ ،‬أي أكثر األفراد كتاءة وأقدرهم على‬
‫الذي ِ‬
‫احهكم وأما النظرية الثانية‪ -‬النظرية العرقية‪ -‬فهي تنقل هذه األفكار من املسهوى التردي‬
‫إلى املسهوى احجماعي فالتروق في املقدرة بين األفراد أقل من التروق في املقدرة بين‬
‫ُ‬
‫العروق فبعض العروق أقدر من بعضاا الخر على تولي القيادة؛ وقد خلق بعضاا للسيطرة‬
‫ُ‬
‫بطبيعه ‪ ،‬وخلق بعضاا الخر للخضوع بطبيعه فالاراع بين العروق الدنيا والعروق‬
‫العليا إذن هو الاراع السياس ي األساس ي وقد روجت هاتان النظريهان‪ ،‬رغم أنهما ليس‬
‫لاما قيمة علمية‪ ،‬للتكرة املغلوطة والقائلة بأن "للسياسة ً‬
‫أسسا بيولوجية"(‪ّ )20‬‬
‫وقد اسهتادت النظريات العرقية املخهلتة من النظرية الهطورية اّلجهماعية ولكن‬
‫األخيرة ليست في الغالب سوى تموي علمي كاذب ملوضوع قديم لم َّي ُع ّْد من املؤكد ً‬
‫أبدا أن‬
‫املالحظة واّلسهقراء يمكن أن يقدما ذات يوم املتهاح لتام إذ أنها وبهأكيدها على واقعة‬
‫الهنوع الثقافي‪ ،‬تحاولّ‪ -‬وبطريقة ختية‪ -‬إثبات أن حضارة بعينها هي وحدها التي اسهطاعت‬
‫أن تال إلى أعلى درجات الترقي اّلجهماعي ومن هنا تظار ماطلهات مثل‪ :‬بربري‪،‬‬
‫مه ّوحش‪ ،‬بدائي فوراء هذه املاطلهات يخهتي احهكم نتس في تانيتاا للجماعات‬
‫وبالهالي فإنها تقع فيما يسمي «كلود ليتي شتراوس» في‬ ‫اإلنسانية(‪)21‬‬ ‫البشرية والشعوب‬
‫(الهطورية املغلوطة)(‪ ،False Evolutionary )22‬التي «تحاول في احهقيقة إلغاء الهنوع الثقافي‬
‫عبر الهظاهر باّلعتراف الكامل ب ألننا إذا ما عاحجنا احهاّلت املخهلتة التي توجد فيها‬
‫املجهمعات البشرية‪ ،‬سواء القديمة أو البعيدة‪ ،‬على أنها أطوار أو مراحل تطور منطلقة من‬
‫النقطة نتساا‪ ،‬فإن ذلك يقهض ي أن يؤدي بها إلى الادف ذات ولكن الهنوع هنا في احهقيقة‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪167‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫ليس سوي تنوع فاهري؛ ألنها إذا كانت تهظاهر بأن اإلنسانية واحدة ومهماثلة‪ ،‬فإن هذه‬
‫َ‬
‫الوحدة وذلك الهماثل ّل يمكن أن يهحققا إّل بالهدريج‪ ،‬كما أن تنوع الثقافات يظار أوقات‬
‫عملية تختي حقيقة أعمق أو تؤخر فاورها»(‪ّ )23‬‬
‫فإ َ ّن إشكالية الهكييف األيديولوجي للعلم تهم في كل األحيان إما عن طريق‬
‫وعلى هذا ِّ‬
‫تحريف النظريات واحهقائق العلمية‪ ،‬أو عن طريق اسهنباط آراء مزيتة من هذه النظريات‬
‫(أي القيام بعملية تلتيق وتزييف) إن املشكلة هنا تهمثل في خطورة الهوفيف السياس ي‬
‫للعلم‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن مكمن احخطورة يهمثل في ما يمكن أن نطلق علي "التوجيهات‬
‫اليديولوجية عند استخدام الحقيقة العلمية وتطبيقها"‪ ،‬واملهمثلة في تزييف النظريات‬
‫تحريتاا بشكل أو بآخر‪ ،‬حخدمة أهداف سياسية واجهماعية معينة ّ‬
‫واحهقائق العلمية‪ ،‬أو ّ‬
‫ليس أدل على الهوفيف السياس ي للعلم مما فعله النازية فعن طريق اسهتادتها من‬
‫النظريات الهطورية في مجال البيولوجيا‪ ،‬وعلى األخص من الداروينية اّلجهماعية‪،‬‬
‫وتطبيقاا على املجال اّلجهماعي‪ ،‬عملت النازية في عام ‪ 1933‬على تحسين النسل من خالل‬
‫تطبيق قوانين عدم الزواج مع غير الريين‪ ،‬ومن أجل ذلك اندفعت إلى ممارسة أبشع‬
‫احجرائم اإلنسانية ضد املعاقين‪ ،‬واملرض ى العقليين‪ ،‬عالوة على ممارساتها لإلبادة العرقية‬
‫نوعا من الهنظير املبهذل‬ ‫ضد اليهود على نطاق أوسع بعد ذلك وقد َّ‬
‫قدم النازيون « ً‬
‫واملهطرف إلى أبعد احهدود حول العرق‪ ،‬إلى درجة أن أنهم أشاعوا لتكرة أن احجماع مع‬
‫اليهودية يمكن أن يايب الريين ويلوثهم‪ ،‬ألن الشخص املخاب (اليهود في نظر النازيين)‬
‫هو شخص ّل يمكن إصالح ("ملطخ") كما أسست قوانين نورمبرج عام ‪ 1935‬للهمييز‬
‫العناري ضد كل من ّل ينهمي إلى العرق الري‪ ،‬ودعمتها مجموعة كبيرة من الباحثين في‬
‫ُّ‬
‫التشدد‬ ‫األعراق البشرية وباخهاار فإن ما ساد في أملانيا النازية لم يكن سوى نوع من‬
‫(العلمي) أحادي احجانب حول نظريات العرق‪ ،‬والهطورّ»(‪ّ )24‬‬
‫ً‬
‫مطلوبا لرؤية النازية للهداثة والكتاءة وفي الوقت نتس‬ ‫كان علم البيولوجيا إذن‬
‫ً‬
‫أيديولوجيا يجمع‬ ‫ً‬
‫نموذجا‬ ‫اعهنق األيديولوجيون الشعبويون العرقيون واملنظرون النازيون‬
‫لقد كان‬ ‫الريّ(‪)25‬‬ ‫بين البيولوجيا وحماية أفراد األسر األملانية األصهاء وتقوية املجهمع‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪168‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬
‫البشر صر ً‬
‫اعا بين األعراق في املقام األولّ وبدوره تم تحويل الاراع بين األعراق‬ ‫ّ‬ ‫الاراع بين‬
‫البشرية إلى صراع في ميادين السياسة واّلجهماع واّلقهااد وفي هذا اإلطار يشير «بول‬
‫فيندلينج» ‪ Paul Weindling‬إلى أن األيديولوجيين النازيين اسهخدموا فكرة اّلنهقاء‬
‫الطبيعي عند داروين كأيديولوجية إبادة عبرت عنها املحرقة وعالوة على ذلك‪ ،‬فقد كان‬
‫يهم فرض األدلة لهحسين النسل واملزودة بهقنيات اإلبادة واملدارة باحتراف‪ ،‬وكان يهم‬
‫فرضاا باإلكراه كذلك فإن فكرة «البقاء لألصلح»‪ ،‬و«الاراع من أجل البقاء» ‪(Kampf‬‬
‫)‪ ،ums Dasein‬اسهخدماا ههلر في برنامج األساس ي في كهاب "كتاحي" عام ‪ّ )26(1925‬‬
‫ًّ‬
‫أساسا أليديولوجيتها‪ ،‬وقد أكد العديد‬ ‫لقد اتخذت النازية من الداروينية اّلجهماعية‬
‫اجهماعيا‪ ،‬كما وصف البعض الداروينية‬‫ً‬ ‫ً‬
‫داروينيا‬ ‫من املؤرخين على أن ههلر كان‬
‫ّوقد ّلحظ بعض املؤرخين‬ ‫ً‬
‫أساسيا في األيديولوجية النازية(‪)27‬‬ ‫ً‬
‫عنارا‬ ‫اّلجهماعية باعهبارها‬
‫أهمية الهطور البشرى في ا ّأليديولوجية النازية؛ فقد أكد «كريسهوفر هوتونّ» ‪Christopher‬‬
‫ُ‬
‫ماما ّو ًّ‬
‫حاسما ل ّأليديولوجية العرقية النازية ّوقد‬ ‫عنارا ً‬
‫ًّ‬ ‫مثل‬
‫‪ Hutton‬أن الداروينية ت ِ‬
‫أوضهت الكهابات املامة لـ«أوفي هوستيلد» ‪ Uwe Hoßfeld‬و«توماس يونكر» ‪Thomas‬‬
‫‪ Junker‬عن البيولوجيين واألنثروبولوجيين في فل النظام النازي‪ ،‬لقد أوضهت كهاباتهما‬
‫الاالت بين العلماء الهطوريين والنظام النازي‪ ،‬رغم أن تركيزهما كان على العلماء أكثر‬
‫من على ا ّأليديولوجية النازية ذاتها(‪ّ )28‬‬
‫خل السياسة في شئون العلم والعلماء‪ ،‬وهو‬ ‫إن النتيجة احهاسمة لاذا النوع من تد ُّّ‬
‫خل الذي ُيتض ي إلى نوع من الترابط بين ما هو (علمي) و(فكري) من جانب‪ ،‬وما هو‬ ‫الهد ُّّ‬
‫خل تهمثل‬‫(سياس ي) و(أيديولوجي) من جانب آخر‪ ،‬إن النتيجة احهاسمة لاذا النوع من الهد ُّّ‬
‫ً‬
‫حهما في نوع من النتعية السياسية في اسهخدام العلم اسهخد ًاما مغلوطا فعن‬
‫في الوقوع ً‬
‫طريق توفيتاا للنظريات البيولوجية‪ ،‬واألنثروبولوجية‪ ،‬ونظريات "التاعلية" السياسية‬
‫ُ‬
‫للهقيقة‪« ،‬تنكر األنظمة الشمولية القيمة الكامنة واحخالاة للتكر‪ ،‬حيث تدعي أن هدف‬
‫ً‬
‫العلم والتكر ليس كشف الواقع كما هو‪ ،‬أي ما يوجد فعال‪ ،‬وإنما هو سالح وفيته تغيي ّر‬
‫ً‬
‫موجودا وما دام األمر‬ ‫الواقع وتحويل طبقا للغاية التي تساعد في توجيهنا إلى ما ليس‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪169‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫كذلك‪ ،‬فإن األسطورة تبدو متضلة على العلم ذات ‪ ،‬وتبدو احخطابة التي تؤثر في النتوس‬
‫وتخاطب العواطف واملشاعر‪ ،‬متضلة على البراهين التي تحهكم إلى العقل»(‪ّ )29‬‬
‫ّولكي يهم هذا اّلرتباط بين ما هو (علمي) وما هو (أيديولوجي) ّل ُب َد من حدوث (تزييف)‬
‫من جانب و(تلتيق) من جانب آخر في القوانين والنظريات العلمية؛ ألن ّل يمكن إحداث‬
‫هذا النوع من الهالحم الوثيق بين اّلثنين دون عملية من الهالعب املسهمر باحهقائق‬
‫العلمية وعلى هذا النحو يبدو اللجوء إلى األسطورة‪ ،‬وتحريف املاض ي‪ -‬إذا اقهض ى األمر‬
‫ذلك‪ -‬الطريق األسال لدى قادة األنظمة الشمولية في توفيتام لتكرتهم احخاصة عن‬
‫"احهقيقة" ّ‬
‫ّل نريد احخوض في مسائل اّلرتباط بين السياسة والعلم في فل النظام النازي‪ ،‬وفي‬
‫فل األنظمة الشمولية وغير الشمولية‪ ،‬ولكننا أملحنا حجوهر هذا اّلرتباط‪ -‬على النح ّو‬
‫َ‬
‫السابق‪ّ -‬ل لش يء إّل لكي نشير إلى أن كل هذه املسائل كانت تشغل تتكير د‪ /‬حسين علي في‬
‫العالم وابهعاده‬
‫ركز عليها مسألة حيادية ِ‬‫معاحجات خالل كهاب ومن النقاط املامة التي ُّي ِّ‬
‫ُ‬
‫عن اّلنخراط في ميدان السياسة‪ ،‬وهو َيذك ّر «أن على الرغم من أن اّلعهبارات السياسية‬
‫كثيرا من املجهمعات تطالب العلماء بأّل يهدخلوا في‬ ‫تهحكم في العلم إلى درجة كبيرة‪ ،‬فإن ً‬
‫عالم‬ ‫السياسة‪ ،‬وتضع ً‬
‫كثيرا من املؤسسات واحجمعيات العلمية هذا الشرط على كل ِ‬
‫مشهغل بها فاملطلوب من العلم أن يكون طاقة للمعرفة‪ ،‬تعمل جاات أخرى على توجيهاا‬
‫عبر عن آرائ‬ ‫ُ‬
‫العالم أن ّي ِ‬
‫ِ‬ ‫وتحديد األهداف اّلجهماعية التي تسهخدماا أما إذا أراد‬
‫ً‬
‫عاديا‪ ،‬وليس بوصت‬ ‫ً‬
‫مواطنا‬ ‫السياسية واّلجهماعية‪ ،‬فعلي أن يتعل ذلك بوصت‬
‫ً‬
‫عاملا»(‪ّ )30‬‬
‫ِ‬
‫وهنا على وج الهحديد نجد غياب ملهوظ من جانب املؤلف ّإلشكالية الهوفيف‬
‫السياس ي للعلم؛ فتي ميدان السياسة يرتبط ما هو (علمي) بما هو (أيديولوجي) بأوثق‬
‫الروابط‪ ،‬بحيث نجد أن آليات البحث العلمي‪ ،‬وإنهاج األفكار والنظريات العلمية تابعة‬
‫لأليديولوجيا واملمارسة السياسية وتتسم كل التلستات الرسمية لألنظمة الشمولية‬
‫بسمة واحدة تهمثل في ادعاءها بعدم ّوجود أية حقيقة موضوعية صاحهة للجميع‪ ،‬وأن‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪170‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫معيار "احهقيقة" ‪ truth‬ليس هو اتتاقاا مع قيمتها الكونية‪ ،‬وإنما مطابقتها لروح ال ِعرق‪،‬‬
‫واألمة‪ ،‬والطبقة؛ أي إن معيار احهقيقة في النهاية هو منتعتها من الناحية ال ِعرقية‬
‫والقومية(‪ّ )31‬‬
‫لكن ّل يعني هذا أن املؤلف تغافل عن هذه النقطة‪ ،‬أو أن أهملاا ً‬
‫عمدا‪ ،‬على العكس‬
‫من ذلك فثمة إشارات وتأكيدات كثيرة من جانب على أن ُّّ‬
‫تدخل السياسة في شئون العلم‬
‫والعلماء‪ ،‬وتوجي قوانين العلم وفروض بما يخدم توجاات السلطة وأهدافاا‬
‫األيديولوجية‪ ،‬إن هذا ال ُّّ‬
‫هدخل وهذا الهوجي من شأن أن يؤدي إلى نهائج سلبية وخيمة‪،‬‬
‫ضر بالعملية السياسية ذاتها‪ ،‬وعلى حد قول ‪ِّ « :‬إ َ ّن سعي بعض احهكومات للهدخل في‬
‫وأن َي ُ‬

‫عمل العلماء‪ ،‬ومحاولة وضع العقبات والعراقيل للهد من حرياتهم في البحث والهأمل‬
‫واّلسهكشاف سوف يؤدي في نهاية املطاف إلى القضاء على مادر من أهم ماادر قوة أية‬
‫حكومة من احهكومات»(‪ّ )32‬‬
‫وفي هذا اإلطار نشير إلى أن مؤسسات الهعليم في فل النظام النازي كانت تقوم بتزييف‬
‫اإلطار أ ً‬
‫يضا‬ ‫ّ‬ ‫كل احهقائق بما يخدم القوة السياسية ّواحخط األيديولوجي للنازية وفي هذا‬
‫نشير إلى ما قامت ب وزارة التربية والهعليم في عام ‪ ،1938‬من تطوير للمناهج الهعليمية‪،‬‬
‫بحيث يهم تعزيز مناهج البيولوجيا العرقية التي تؤكد صهة نظرية الهطور‪ ،‬بما تهضمن‬
‫هذه النظرية من اّلدعاء بهترد وسمو العرق الري على جميع األعراق البشرية األخرىّ ّوقد‬
‫نجهت بالتعل في توفيف نظرية الهطور في مجال البيولوجيا‪ ،‬بما يخدم هدفاا السياس ي‪،‬‬
‫ي‪ ،‬الذي ينحدر من األملان‪ ،‬على جميع‬
‫وهو الهوفيف الذي يروج ألكذوبة سيادة العرق الر ّ‬
‫َ‬
‫األعرق وقد اسهعانت في ذلك بالعديد من علماء البيولوجيا األكثر شارة في ّ‬
‫العالم‬
‫وباخهاار‪ ،‬فقد عملت األيديولوجية النازية على فرض نظرية الهطور العرقي‪ ،‬وغيرها من‬
‫النظريات األخرى‪ ،‬في كل مناهج الهعليم‪ً ،‬‬
‫بدءا من الهعليم األساس ي‪ ،‬بل «كان من ضمن‬
‫األنشطة الدراسية في مدارس األطتال األملانية خالل الرايخ الثالث هو زيارة حديقة‬
‫احهيوان لرؤية القرود باعهبارها أقاربهم الهطوريين(‪ّ!)33‬‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪171‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫كذلك فقد امهدت سطوة النازية في كل مجاّلت احهياة اإلنسانية في املجهمع األملاني‪،‬‬
‫حتى وصلت إلى الرياضة والسينما‪ ،‬حيث اإلقااء املمنهج لليهود‪ ،‬وغيرهم من "غير الريين"‪،‬‬
‫من غالبية املرافق واحجمعيات الرياضية والتنية وقد شملت هذه املمارسات اسهغالل‬
‫السينما وحتى املوسيقى ذاتها‪ ،‬وكل أنواع التنون واأللعاب الرياضية ً‬
‫بدءا من األلعاب‬
‫األوملبية‪ ،‬للترويج للعقيدة اّلشتراكية القومية (النازية)‪ ،‬وتسويغ أيديولوجيتها ّوعلى النحو‬
‫ذات تم تزييف كثير من احهقائق والنظريات العلمية‪ ،‬وتبرير احهرب‪ ،‬وغزو البلدان األوروبية‬
‫املجاورة ّ‬
‫‪ -‬خاتمة‪ّ.‬‬
‫لم نستهدف‪ -‬في هذا املقال‪ -‬أن نعرض لكل املوضوعات التي يحهويها كهاب د‪ /‬حسين‬
‫علي‪ ،‬وإنما أردنا فقط الوقوف عند اإلشكالية الرئيسية التي يهضمنها الكهاب‪ ،‬وهي إشكالية‬
‫ُ‬
‫ت َع ُّّد على درجة عالية من األهمية‪ ،‬ونعني بها إشكالية اّلسهخدام األيديولوجي للعلم‪ ،‬والتي‬
‫كانت ترا ّود ذهن املؤلف خالل كل صتحات كهاب ّ‬
‫وفي الواقع إننا أمام دراسة أكاديمية وعمل فكري رائد في مجال الدراسات التكرية‬
‫املعاصرة التي تدور حول قضايا السياسة‪ ،‬وقضايا العلم وقوانين وهل هي نسبية أم‬
‫ً‬
‫إسااما م ً‬
‫اما‬ ‫مثل‪ -‬في حد ذات ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫مطلقة‪ ،‬والعالقة بين العلم واأليديولوجيا فاذا الكهاب ي ِ‬
‫معا؛ فاو ْ ّ‬
‫وإن كان يتناول قضايا ومسائل تدخل‬ ‫في مجال فلستة العلم‪ ،‬وفلستة السياسة ً‬
‫في صميم فلستة العلم وخاصة "أخالقيات العلم"‪ ،‬فإن هذه القضايا واملسائل تقع من‬
‫الناحية األخرى في دائرة فلستة السياسة‪ ،‬هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الادف‬
‫املركزي للكهاب يهمثل في فك اّلشتباك بين األيديولوجيا والعلم‪ ،‬وترتبط قضاياه ومشكالت‬
‫ّ‬
‫األساسية والترعية بما ُيسمى «محاوًلت ربط اًلستقالل النسبي لليديولوجيا مع ما يبدو‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫استقالًل مطلقا للعلم»(‪ّ )34‬‬
‫إن أهمية هذا الكهاب‪ -‬الذي نحن بادده‪ -‬إنما تكمن في أن يقع في صدارة الكهابات‬
‫العربية التي تعاحج هذا املوضوع املام والشائك وفي احهقيقة إن هذا الكهاب ليس الوحيد‬
‫الذي يعاحج هذا املوضوع بإشكاليات املخهلتة ومسائل األساسية والترعية التي تدور حول‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪172‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫قضايا العلم‪ ،‬واأليديولوجيا‪ ،‬والسياسة‪ ،‬والهقنية إحخ؛ فاناك كهابات أجنبية بعضاا‬
‫ُمترجم إلى اللغة العربية‪ ،‬منها‪ -‬على سبيل املثال ّل احهار‪ -‬كهاب «العلم وا ّأليديولوجيا»ّ‬
‫لـ"ميشيل ماركوفيتش" (ترجمة‪ :‬أحمد السطاتي‪ ،‬املغرب‪ ،)1973 ،‬وكذلك كهاب التيلسوف‬
‫األملاني "هابرماس"‪« :‬العلم والهقنية كأيديولوجيا»ّ(ترجمة‪ :‬حسن صقر‪ ،‬كولونيا‪ -‬أملانيا‪،‬‬
‫منشورات احجمل‪ )2003 ،‬ولكن ورغم أن هذا الكهاب ليس الوحيد في هذا املجال البحثي‪،‬‬
‫ِفإ َن ما يهميز ب هو الطابع العلمي واملنهجي الدقيق الذي يناقش قضايا اّلرتباط بين العلم‬
‫ً‬
‫خاوصا‪ ،‬وهو طابع يجمع‪ -‬كما أشرنا في مقدمة‬ ‫ً‬
‫عموما‪ ،‬والعلم والسياسة‬ ‫واأليديولوجيا‬
‫هذا املقال‪ -‬بين الرؤية التلستية الواضهة‪ ،‬مع الهأصيل النظري والعلمي الدقيق‪ ،‬إضافة‬
‫إلى الطرح الشمولي املستنير من جانب املؤلف في معاحجة هذه القضايا املخهلتة ّ‬
‫لكن غابت عن املؤلف نقطهين‪ :‬تهمثل األولى في أن لم يههم بشكل كبير بمعاحجات‬
‫هيدجر حول العلم‪ ،‬والهقنية‪ ،‬وكيف أن العلم بطبيعه غير محايد‪ ،‬رغم أن تعرض لراء‬
‫ُ‬
‫هيدجر في هذا املوضوع وبعبارة أخرى فإن لم ي ٍ‬
‫عط كهابات هيدجر القدر البحثي املام‬
‫حد ما نقد الواقع الهاريخي‬
‫الذي تسهحق وتهمثل النقطة الثانية في أن غاب عن إلى ٍ‬
‫واّلجهماعي الذي تهخلق فيها قضايا الهوفيف السياس ي ّواّلسهخدام األيديولوجي للعلم‪،‬‬
‫مع اإلقرار بأن املؤلف ذات أشار إلى أن «العلم‪ًّ -‬أيا كان موضوع ‪ -‬نظام للمعرفة ّل ينتال‬
‫عن النظام اّلجهماعي الذي يهطور بداخل » ّومن هنا تكمن أهمية هذا الكهاب من كون‬
‫محاولة جادة من جانب املؤلف ملناقشة وتتكيك هذه القضايا‪ ،‬ومن كون ‪ -‬عال ّوة على‬
‫ذلك‪ -‬يكشف النقاب عن بعض قضايا فلستة العلم بأسلوب منهجي رصين ّ‬
‫أما املآخذ األساس ي والوحيد الذي نأخذه على املؤلف هو عدم تعرض ‪ -‬أو إشارت ‪ -‬في‬
‫الكهاب إلشكالية الهوفيف الديني للعلم؛ أعني الهكييف األيديولوجي النتعي للدين حخدمة‬
‫ذلك أن السياسة تهج في كثير من األحيان إلى‬ ‫بعينها(‪)35‬‬ ‫مااحح وأهداف حركات سياسية‬
‫تحريف أي نوع من احهقائق التي ّل تهالءم ومااحهاا األيديولوجية‪ ،‬ومن ضمنها احهقيقة‬
‫الدينية وقد كانت السياسة عبر عاور احهضارة العربية واإلسالمية‪ -‬على سبيل املثال‪ّ-‬‬
‫ات تهاارع فيما بينها‪ ،‬وتقبل أن يهحول املرء من إحداها إلى غيره؛‬
‫ات وخيار ٍ‬
‫«تهعلق بانحياز ٍ‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪173‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬
‫قارا ومن هنا كانت العقائد الدينية تهحول إلى ساحات حروب‬ ‫ُّ‬
‫الهحول ً‬ ‫ولو تحقق هذا‬
‫ُ‬
‫ومنازعة؛ وإلى حد أن "هللا" نتس يهحول إلى ٍ‬
‫قناع تغطي ب السياسة معاركاا التي ّل تنههي‬
‫من أجل الايمنة واإلقااء»(‪ّ )36‬‬
‫من هنا فإن من الساولة بالنسبة للسياسة أن تزيف احهقائق العلمية‪ ،‬والدينية‪،‬‬
‫َ‬ ‫والتلستية‪ ،‬أو أن تهالعب بها‪ ،‬أو حتى تمحوها ً‬
‫العالم الذي يوجد في مثل هذا‬
‫تماما وإن ّ‬
‫اّلرتباط بين (احهقيقة) و(السياسة) يكون من السال في تتش ي الكذب املمنهج‪ّ ،‬وتزييف‬
‫احهقيقة أو حتى تدميرها ً‬
‫تماما وقد رأى د‪ /‬علي مبروك‪ -‬أسهاذ التلستة في جامعة القاهرة‪-‬‬
‫في اّلرتباط الظاهر‪ ،‬واملسهتر‪ ،‬بين احهقيقة (الدينية) من جانب‪ ،‬والسياسة من جانب‬
‫آخر‪ ،‬لقد رأى في هذا اّلرتباط املظار املركزي في كل عاور احهضارة العربية واإلسالمية‪،‬‬
‫َ‬
‫مثل هذا اّلرتباط "التكرة املذهبية"؛ والتي تقض ي بأن "خالفات‬
‫وعلى حد قول ‪«ّ :‬فقد ّ‬
‫السياسة" تحولت إلى "قواعد في الدين" وإذا كانت السياسة هي التي اطلقت شرارة النار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتقاتال بين املسلمين في صدر اإلسالم‪ ،‬فإن اسهمرار هذا الهقاتل بينهم حتى اليوم‬
‫ّ‬ ‫تاارعا‬
‫ُ‬
‫قد ارتبط بما جرى من املراوغات التي راحت معاا السياسة تختي نتساا وراء أقنعة‬
‫الدين»(‪ )37‬وهكذا يمكن القول بأن مسألة الهوفيف األيديولوجي (للهقيقة الدينية)‪،‬‬
‫أكثر ما يمكن أن ُيايب أيّ مجهمع من املجهمعات‬
‫(ونعني بها تسييس احهقيقة الدينية)‪ ،‬هي ّ‬
‫اإلنسانية باحخطر والدمار ّ‬
‫ً‬
‫وأخيرا فإن التساؤل الذي يطرح نتس ‪ :‬هل من سبيل حهماية (احهقائق) العلمية‪،‬‬
‫والدينية‪ ،‬والتلستية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬من سطوة السياسة وأهدافاا األيديولوجية؟ّ‬
‫فإ َن العالقة بين السياسة ّوبين احهقيقة هي في رأينا عالقة صراع‬
‫في حقيقة األمر‪ِّ ،‬‬
‫آخر ليس‬‫في املقام األول‪ِ ،‬وإ َن هذا الاراع بين السياسة من جانب واحهقيقة من جانب ّ‬
‫وم ْ ّ‬
‫ن‬ ‫قائما إلى أن يرث هللا األرض َّ‬ ‫من املحهمل أن يخهتي ً‬
‫تماما‪ ،‬وسيظل الاراع بينهما ً‬
‫عليها ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪174‬‬ ‫مجلة المدونة‬


‫مجلّة‬
‫المدوّنة‬ ‫ر‪ .‬د‪.‬م‪.‬د‪-ISSN 2437-0819 :‬رقم اإليداع القانوني‪2014-6068:‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫(*) باحث وأكاديمي مصري ‪ -‬مدرس الفلسفة السياسية بكلية اآلداب‪ -‬جامعة سوهاج‬
‫)‪(Email: hamdyalsharif@yahoo.com‬‬
‫) ‪ ( 1‬حول هذذذه التفرقذذة بين "العلم" و"الال علم"‪ ،‬انظر ‪ :‬د‪ /‬صذ ذ ذ ذذالع قنصذ ذ ذ ذذوه‪ :‬فلسذ ذ ذ ذفذذة العلم‪ ،‬القذذاهرة‪ :‬دار‬
‫الثقافة‪ ،1981 ،‬ص ص‪.47-64 .‬‬
‫) ‪ ( 2‬د‪ /‬حسين علي‪ :‬العلم واإليديولوجيا بين اإلطالق والنسبية‪ ،‬بيروت‪ :‬دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.13 .‬‬
‫) ‪ ( 3‬برتران‪ ،‬ميشذ ذ ذذال‪ :‬وضذ ذ ذذعية الدين عند ماركس وأنمل‪ ،:‬ترجمة‪ :‬صذ ذ ذذالع كامل‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفارا ي‪،1990 ،‬‬
‫ص‪.121 .‬‬
‫) ‪ ( 4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.123 ،122 .‬‬
‫صذ ذار‪ :‬منطق الس ذذلطة‪ ،‬مدخل إبى فلس ذذفة المر‪ ،‬بيروت‪ :‬دار أمواج للطباعة والنش ذذر والتوزيع‪،‬‬ ‫) ‪ ( 5‬ناص ذذيف ن َّ‬
‫ط‪ ،2001 ،2 .‬ص‪.189 .‬‬
‫) ‪ ( 6‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.190-189 .‬‬
‫) ‪ ( 7‬مقتبس ذذة في‪ :‬فرنكل‪ ،‬تش ذذارل‪ ::‬أزمة اإلنس ذذان الحديث‪ ،‬ترجمة‪ :‬نقوًل زيادة‪ ،‬مراجعة‪ :‬عبد الحميد ياس ذذين‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر‪ ،1959 ،‬ص‪.125 .‬‬
‫) ‪ ( 8‬د‪ /‬حسين علي‪ :‬العلم واإليديولوجيا‪ ،‬ص‪.5 .‬‬
‫) ‪ ( 9‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.6-5 .‬‬
‫) ‪ ( 10‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.23-21 .‬‬
‫) ‪ ( 11‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.24-23 .‬‬
‫) ‪ ( 12‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.84 .‬‬
‫) ‪ ( 13‬أرندت‪ ،‬حنا‪ :‬الحقيقة والس ذ ذذياس ذ ذذة‪ ،‬ترجمة‪ :‬الحس ذ ذذين ر ذ ذذحبان‪ ،‬مملة يتفكرون‪ ،‬تص ذ ذذدر عن مؤسذ ذ ذس ذ ذذة‬
‫مؤمنون بال حدود للدراسات والبحاث‪ ،‬الرباط؛ اململكة املغربية‪ ،‬العدد السادس‪ ،2015 ،‬ص ص‪.49-48 .‬‬
‫) ‪ ( 14‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.49 .‬‬
‫‪( 15 ) Koyré, Alexandre: “The Political Function of the Modern Lie”, Contemporary‬‬
‫‪Jewish Record, Vol. 8, No. 3, (June 1945), P. 299.‬‬
‫‪( 16 ) Loc. Cit.‬‬
‫د‪ /‬حسني علي‪ :‬العلم واإليديولوجيا‪ ،‬ص ص‪( 17 ).86-85 .‬‬
‫‪( 18 ) Weikart, Richard: “The Origins of Social Darwinism in Germany- 1859-‬‬
‫‪1895”, Journal of the History of Ideas, Vol. 54, No. 3 (July 1993) , PP. 472-473.‬‬
‫‪( 19 ) Zimmermann, Augusto: “Evolutionary Legal Theories: The Impact of‬‬
‫‪Darwinism on Western Conceptions of Law”, Journal of Creation, Vol. 24, No.‬‬
‫‪2, 2010, P. 110.‬‬

‫تاريخ النشر‪ 30 :‬جوان ‪2018‬‬ ‫‪175‬‬ ‫المجلد الخامس (العدد األول)‬


‫مجلّة‬
‫‪ISSN: 2437-0819, EISSN: 2602-6333‬‬ ‫المدوّنة‬

‫) ‪ ( 20‬دوفرجيه‪ ،‬موريس‪ :‬مدخل إبى علم السذ ذذياسذ ذذة‪ ،‬ترجمة‪ :‬جمال التاس ذ ذ ي وسذ ذذامي الدرو ي‪ ،‬بيروت‪ :‬املرك‪:‬‬
‫الثقافي العر ي‪ ،2009 ،‬ص‪.25 .‬‬
‫) ‪ ( 21‬شتراوس‪ ،‬كلود ليفي‪ :‬العرق والتاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬سليم حداد‪ ،‬بيروت‪ :‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،1982 ،‬ص‪ .‬ص‪.18 ،14 ،13 .‬‬
‫) ‪ ( 22‬ما يعنيه "ليفي شذذتراوس" هنا هو النظرية التطورية في ممال اًلجتماع اإلنسذذاني‪ ،‬وهي سذذابقة في الظهور‬
‫من ناحية الوقائع على النظرية التطورية في ممال البيولوجيا التي أس ذذس لها داروين في كتابه "أص ذذل النواع"‬
‫عذذام ‪ .1859‬وإذا كذذانذذت النظريذذة التطوريذذة في البيولوجيذذا قذذائمذذة على املالحظذذة التي يمكن التثبذذت منهذذا‪ ،‬فذذإن‬
‫التطورية اًلجتماعية قائمة على بعض الوهام والفكار املغلوطة وامللتبسذ ذ ذذة‪ .‬وعلى هذا النحو فإذا كانت فكرة‬
‫التطور البيولوجي تتعلق بافتراض يتمتع بأرجحية عالية توازي معايير الصحة في ممال العلوم الطبيعية‪ ،‬فإن‬
‫فكرة التطور اًلجتماعي أو الثقافي ًل تقدم على الكثر‪ ،‬سذذوى طريقة جذابة وخادعة ولكنها ذات سذذهولة خطرة‬
‫لتقديم الوقائع‪.‬‬
‫) ‪ ( 23‬شتراوس‪ ،‬كلود ليفي‪ :‬العرق والتاريخ‪ ،‬ص‪ .‬ص‪17 ،16 .‬‬
‫‪( ) Weindling, Paul: “Genetics, Eugenics, and the Holocaust”, in: Biology and‬‬
‫‪24‬‬

‫‪Ideology from Descartes to Dawkins, edited by: Denis R. Alexander, and Ronald L.‬‬
‫‪Numbers, Chicago and London: The University of Chicago Press, 2010, PP. 193-194.‬‬
‫‪( 25 ) Ibid, P. 195.‬‬
‫‪( 26 ) Loc. Cit.‬‬
‫‪( 27 ) Weikart, Richard: “The Role of Darwinism in Nazi Racial Thought”, German‬‬
‫‪Studies Review, Vol. 36, No. 3, 2013, P. 537.‬‬
‫‪( 28 ) Ibid, P. 539.‬‬
‫‪( 29 ) Koyré, Alexandre: op. cit., P. 291.‬‬
‫) ‪ ( 30‬د‪ /‬حسين علي‪ :‬العلم واإليديولوجيا‪ ،‬ص‪.91 .‬‬
‫‪( 31 ) Koyré, Alexandre: op. cit., P. 291.‬‬
‫) ‪ ( 32‬د‪ /‬حسين علي‪ :‬العلم واإليديولوجيا‪ ،‬ص ص‪.95-94 .‬‬
‫‪( 33 ) Weikart, Richard: “The Role of Darwinism in Nazi Racial Thought”, P.‬‬
‫‪542-543.‬‬
‫) ‪ً ( 34‬لرين‪،‬جورج‪ :‬اًليديولوجيا والهوية الثقافية (الحداثة وحضذ ذ ذذور العالم الثالث)‪ ،‬ترجمة فريال حسذ ذ ذذن‬
‫خليفة‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبول‪ ،2002 ،‬ص‪.134 .‬‬
‫) ‪ ( 35‬حول هذه القضذ ذ ذ ذذية انظر مقالنا عن "جدل اًلرتباط بين الحقيقة والسذ ذ ذ ذذياسذ ذ ذ ذذة"‪ ،‬واملنشذ ذ ذ ذذور في مملة‬
‫"الثقافة الجديدة"‪ ،‬التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة‪ ،‬العدد ‪ ،328‬عدد يناير ‪.2018‬‬
‫) ‪ ( 36‬د‪ /‬علي مبروك‪ :‬الزهر وسؤال التمديد‪ -‬من الخديوي إسماعيل إبى الرئيس السيس ي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار مصر‬
‫العربية للنشر والتوزيع‪ ،2016 ،‬ص‪.142 .‬‬
‫) ‪ ( 37‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.138 .‬‬

‫مخبر الدراسات األدبية والنقدية‬ ‫‪176‬‬ ‫مجلة المدونة‬

You might also like