Professional Documents
Culture Documents
Fukuyama Analyse
Fukuyama Analyse
Fukuyama Analyse
عرفت الساحة الدولية سياسيًا وثقافيًا في العقدين األخيرين من القرن المنصرم فكرتيْن أساسيتيْن ق امت عليهم ا
العدي د من النظري ات واالتجاه ات الفكري ة ال تي تحلّ ل األوض اع العام ة وخريط ة األي ديولوجيات ومس تقبل
الليبرالية في العالم؛ نُشرت هاتان الفكرتان في كتَابيْن يحمالن نفس عنوانهما :فكرة صراع الحضارات ،ألستاذ
العل وم السياس ية في جامع ة «هارف ارد» األمريكي ة ،ص امويل هنتنجت ون ( ،)Samuel P. Huntington
وفكرة نهاية التاريخ ،ألستاذ العلوم السياسية في جامعة «ستانفورد» األمريكية ،فرانسيس فوكوياما ( Francis
.)Fukuyama
نُشرت الفكرتان في كتابين يُوصى كلُّ طالب العلوم السياسية في العالم حتى يومنا هذا باالطالع عليهما ،ولكن
في الوقت الذي شهدت فيه العديد من الدول الغربية ،ال تي اعتبره ا الكاتب ان النم وذ َج األمث ل من أج ل تط بيق
ت على المستوى األيديولوجي ،يُطل علينا من أفكار الديمقراطية الليبرالية ،ونقلِها إلى ُمختلف دول العالم ،نكسا ٍ
جدي د الك اتب وأس تاذ العل وم السياس ية األم ريكي فرانس يس فوكويام ا للح ديث عن موج ات ص عود اليمين
المتطرف في الدول الغربية ،أو حتى في أنحا ٍء مختلف ٍة من العالم ،مثل الواليات المتحدة األمريكية ،وبريطانيا.
ومن هن ا ،يس عى ه ذا التقري ر لتحلي ل أطروحة فوكويام ا الجدي دة ح ول ص عود اليمين ،ب التزامن م ع تحلي ل
أطروح تي «الموج ة الثالث ة للديمقراطي ة» ،و«نهاي ة الت اريخ» ،باالستش هاد بنم اذج غربي ٍة ،وغ ير غربي ٍة،
تص َّدرت فيه ا موج ات اليمين المتط رف الس احة السياس ية ،أو نم اذج مختلف ة فش لت فيه ا فك رة الديمقراطي ة
الليبرالية ،أو بدأت في التالشي ،مع طرح احتمالية تالشي فكرة الديمقراطية الليبرالية نهائيً ا من الع الم بحل ول
عام .2100
واعتُبرت تلك الموجة الثالثة للديمقراطي ة ،ألنه ا رفعت ع دد ال دول الديمقراطي ة في الع الم من 36دول ة ،إلى
أك ثر من 110دول ة .واتف ق العدي د من علم اء السياس ة على ه ذا الط رح باعتب ار ه ذه المرحل ة موج ةً ثالث ةً
للديمقراطية ،سبقتها موجتان :كانت األولى من أواخر القرن التاسع عشر ،وتحديدًا منذ عام 1828بعد ترس يخ
مبادئ الثورة الفرنسية واألمريكية ،وحتى قبل الحرب العالمي ة الثاني ة ،وتحدي دًا بوص ول موس وليني إلى حكم
إيطاليا عام .1922
أ َّما الموجة الثانية فكانت ببداية حكم الفاشية في الق رن العش رين بحكم موس وليني ،ومن بع ده هتل ر ،والح رب
العالمية الثانية ،وحتى بعد نهاية الحرب ،إال أن عددًا من هذه ال ديمقراطيات تس اقطت واح دة تل و األخ رى في
عصر الديكتاتوريات العسكرية في ستينيات الق رن الماض ي ،خاص ةً في دول أمريك ا الالتيني ة ،ووص واًل إلى
الثورة البرتغالية عام ،1974بدأت الموجة الثالثة للديمقراطية ،والتي اعتبر علم اء السياس ة قِ ّمته ا في ب دايات
القرن الحادي والعشرين الحالي.
أن التغيّرات التي طرأت على العالم ،من وفي الوقت نفسه ،افترض فوكوياما في أطروحته حول نهاية التاريخ ّ
خالل الموجة الثالثة للديمقراطية ،ومع انهي ار االتح اد الس وفيتي ،س تؤدي بالتبعي ة إلى نهاي ة الت اريخ بوص فه
تاري ًخا ،فضاًل عن طرحه فكرة حتمية لخط التطور األيديولوجي للبشرية بتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربي ة
بوصفها بدياًل عن كل األيديولوجيات األخرى ،والك ّل النهائي للحكم اإلنساني.
تبدو أطروحتا فرانسيس فوكوياما و ص امويل هنتنجت ون ح ول نهاي ة الت اريخ ،والموج ة الثالث ة للديمقراطي ة،
مك ّملتيْن لبعض هما البعض ،ولكن الواق ع الح الي يثبت عكس ذل ك؛ إذ س يطر في ه رج ل األعم ال والشخص ية
التلفزيونيّة دونالد ترامب ،على رئاسة الواليات المتحدة األمريكية ،في الوقت الذي حشدت فيه جماعات اليمين
المتطرف من أجل خروج بريطانيا من االتحاد األوروبي ،والميل إلى االتجاه االنعزالي ،ال ذي ي ّ
ُفض له ت رامب
ضا ،في ظل ص عود موج ات الش عبوية ،والقومي ة ،وانتش ار «أش باه ت رامب» في الع الم ،وآخ رهم ال رئيس أي ً
البرازيلي ،جايير بولسنارو ،المنتخب أواخر شهر أكتوبر (تشرين األول) الماضي.
أن الصراع في القرن العشرين تر َّكز في ثالثة أقطاب رئيسية، ذكر فوكوياما في أطروحته حول نهاية التاريخ ّ
َّ
مان ًحا الوجود والحقيقة المطلقة للديمقراطية اليبرالية الغربية؛ إذ تمثلت هذه األقطاب في الديمقراطية الليبرالي ة
ثان ،التي يرى أنها دُم رت خاللباعتبارها قطبًا أ ّول يدعو له ويناصره فوكوياما ،واأليديولوجيا الفاشية قطب ٍ
الح رب العالمي ة الثاني ة ،والقطب الش يوعي الث الث ،ال ذي ي رى أن ه قُض ي علي ه بوص ول ميخائي ل
جورباتشوف إلى السلطة وانهيار االتحاد السوفيتي.
وفي الوقت نفسه ،طرح فوكوياما عددًا من التحديات التي قد تواجه الديمقراطية الليبرالي ة الغربي ة في مس تقبل
تخوف؛ إذ إن ه ي رى أن
طرحه لفكرته ،والتي اختزلها في أمرين رئيسين :التحدي الديني ،والذي لم يُبد منه أي ُّ
َّ
محص لة ض عف المجتمع ات ذات األس اس ال ديني .وأ َّما التح دي الث اني فتمثل فيِّ الديمقراطية الليبرالية كانت
أيض ا ،م ب ّررًا أنه ا لن تش كل خط ًرا على الديمقراطي ة ،وأنه ا ستس ود
القومية ،والتي لم يُب د منه ا أي تخ ُّوف ً
بأبعادها المختلفة في دول العالم الثالث فقط.
ظ ّن فوكوياما أنه انتهى وقُضي عليه بانهيار االتحاد الس وفيتي ،لم ينت ِه حقً ا ،ب ل ازداد
القطب الشيوعي ،الذي َ
ق وةً وص البةً ،خاص ةً في ظ ل تن امي وص عود الص ين على الس احة الدولي ة ،باس تخدام قوته ا االقتص ادية،
وعضويتها في مجلس األمن الدولي؛ إذ يرى كلٌّ من أستاذ العلوم السياس ية ،روب رت بالكويل ،وزميل ه آش لي
تيليز ،في دراستهما حول االستراتيجية الكبرى للصين خالل الس نوات الحالي ة والقادم ة ،وعالقته ا بالوالي ات
المتح دة األمريكي ة ،وال تي نُش رت ع بر مجلس العالق ات الخارجي ة األمريكية ع ام 2015أن م ا ع ّزز
رغبة الحزب الشيوعي الصيني في الحفاظ على سيطرته الداخلي ة ،ه و اله دف االس تراتيجي للص ين المتعل ق
بـ«تعظيم السلطة القومية الشاملة» بحسب الكاتبين ،وهو ما يعني تعزيز مكانة الصين بص فتها ف اعاًل محوريًّ ا
في النظام الدولي.
اآلن – وبعدما صارت الصين قوة اقتصادية عُظمى – أصبح لعضويتها في مجلس األمن أهمية إض افية ،وهي
الحقيقة التي يُبرزها رفض بكين ألي توسع في هيكل المجلس يمكن أن يقلّل من امتيازاتها طويلة األمد ،وح تى
فيما يتجاوز مجلس األمن ،فإن القدرات المادية المتزايدة للصين جعلته ا وثيق ة الص لة بكاف ة مؤسس ات النظ ام
العالمي ،وليس مستغربًا أنها سعت لتحقيق سلطة متزايدة في تلك الكيانات ،مثل صندوق النق د ال دولي ،والبن ك
الدولي على سبيل المثال؛ إذ عملت الصين على توجيه عملياتهم لخدمة مصالحها وأغراضها الخاصة.
وباالنتقال إلى القطب الثاني المتمثل في األيديولوجيا القومي ة ال تي تأخ ذ منحى فاش يًا ،يمكنن ا مالحظ ة وج ود
أشباه ترامب حول العالم؛ من ميانمار إلى مصر ،ومن كوريا الشمالية إلى سوريا ،ومن السعودية إلى روس يا،
وغيرها من األنظمة الديكتاتورية الفاشية ،التي تضع الحرب على اإلرهاب والقومية مبر ًرا للفاشية العس كرية،
أو حتى المدنية.
الج دير بال ذكر أن تح دي القومي ة ال ذي لم يتخ َّوف من ه فوكويام ا ك بر وترع رع ليص بح ش بحًا أك بر يُ دعى
«النيوقومي ة» ،يوش ك على الته ام الديمقراطي ة الليبرالي ة .فمص طلح «النيوقومي ة» أو القومي ة الجدي دة ه و
المصطلح الذي من المتوقَّع أن يسود خالل الفترة القادمة؛ إذ تناوله م ارك بليث ،أس تاذ االقتص اد السياس ي في
جامعة براون ،في مقالته على موقع «فورين أفيرز» .وقد شبَّه «بليث» فترة حكم ترامب بأنها تتص ف بكونه ا
فترة حكم «نيوقومي ة» ،وال تي ال تهتم ب أي ن وع من الحق وق ،وتتس م بالعنص رية ،ومع اداة األقلي ات وحق وق
اإلنسان ،وال تهتم إال بشأن االنغالق على نفس ها وع دم ال ترحيب ب أي جدي د أو غ ريب .ومن المتوقَّع أن تق ود
النيوقومية العالم في حالة فشلت الديمقراطية الليبرالية في الوقوف أمامها.
فوكوياما VSفوكوياما
أعاد فرانسيس فوكوياما ترتيب أوراقه ،وذلك في مقاله األخير الذي صدر خالل أغسطس (آب) الماضي تحت
عنوان «ضد سياسة الهُوية » ،والتي نشرتها مجلة «فورين أفيرز» األمريكية المتخصصة في تحلي ل العالق ات
بشكل رئيسي.
ٍ الخارجية األمريكية
مسيرة النساء تجاه البيت األبيض عقب انتخاب الرئيس األمريكي ترامب
واعترف فوكوياما بانخفاض عدد الديمقراطيات ،وتراجع الديمقراطي ة في جمي ع أنح اء الع الم خالل الس نوات
القليلة الماضيةُ ،مرجعًا ذلك إلى أم رين رئيس يين؛ التغيّ رات االقتص ادية والتكنولوجي ة ال تي جلبته ا العولم ة،
وصعود ما أسماه «سياسة الهُوية» ،وتغيير أولويات التيارات اليسارية واليمينية في الوقت الحالي ،عم ا ك انت
عليه خالل القرن الماضي.
من جانبه ،أكد فوكوياما وجود العديد من الدول االستبدادية ،بقيادة الصين وروس يا ،وال تي أض حت أك ثر ق وة
وصالبة من قبل ،في الوقت الذي تراجعت فيه بعض الدول إلى ال وراء ،وال تي ك انت ق د ب دت لوهل ة أنه ا ق د
تصبح ديمقراطيات ليبرالية ناجحة ،مثل المجر وبولندا وتركيا ،خالل تسعينيات الق رن الماض ي ،فم ا ك ان إال
أنها أضحت أكثر استبدادية عن قبل.
الجدير بالذكر أنه حتى النسخة التي تحيي إرث الدولة القومية الشيوعية التي تقودها دول مثل روس يا والص ين
في الع الم هي مج رد نس خة من الش يوعية االس تبدادية ،وليس ت تل ك ال تي يُطل ق عليه ا مص طلح «الش يوعية
التحرري ة» ،وال تي ت دعم التنظيم االجتم اعي الح ر الق ائم على الملكي ة الجماعي ة لوس ائل اإلنت اج وعلى
الديمقراطي ة المباش رة وعلى س لطة مج الس العم ال ب التوافق م ع الحري ة الفردي ة والديمقراطي ة ،أي أن
الديمقراطية قد تش ترك في بعض األحي ان م ع الش يوعية ،ولكن ه ذا ه و م ا لم يح دث في األنظم ة الش يوعية
شكل من األشكال ،حتى الحريات الفردية.
ٍ الحالية ،والتي لم تشترك مع الديمقراطية بأي
وفي الوقت الذي اعتبر بعض علماء السياسة أن الربيع العربي مثَّل موجةً رابعة للديمقراطي ة ،ي رى فوكويام ا
أن الثورات العربية نجحت في عام 2011في تقويض األنظمة الديكتاتورية في جميع أنح اء الش رق األوس ط،
إال أنه ا لم تُس فر عن تغي ير ج ذري فيم ا يتعل ق بالديمقراطي ة ،ب ل ّ
تمس كت األنظم ة االس تبدادية في أعقابه ا
بالسُلطة ،مما أدى إلى نشوب ع دد من الح روب األهلي ة في ع دد من ال دول ،مث ل الع راق ،وليبي ا ،وس وريا،
واليمن.
وفي الوقت نفسه ،أعرب عن دهشته بعد نج اح التي ارات القومي ة الش عوبية في االنتخاب ات ال تي أج ريت ع ام
2016في اثنتين من أقوى الديمقراطيات الليبرالية في العالم؛ المملكة المتحدة ،حيث ص وت الن اخبون لص الح
مغادرة االتحاد األوروبي ،وفي الواليات المتحدة ،حيث س جل دونال د ت رامب مفاج أة عن دما ف از بالس باق إلى
البيت األبيض.
وأرجع عالم السياسة األمريكي ذو األصل الياباني ،تصاعد التيارات اليمينية والقومي ة الش عبوية في الع الم إلى
التغيّرات االقتصادية والتكنولوجية التي جلبتها العولمة ،مش يرًا في ال وقت نفس ه إلى ص عود مص طلح سياس ة
الهوية؛ فيرى فوكوياما أن االهتمامات السياسية اليوم تختلف عما كانت عليه من قبل؛ فتاريخيًا ،كانت السياس ة
طوال القرن العشرين تهيمن عليها القضايا االقتصادية؛ فمن ناحية االتجاه اليساري ،ترك زت مح اور السياس ة
على أوضاع العمال ،والنقاب ات ،وب رامج الرعاي ة االجتماعي ة ،وسياس ات إع ادة توزي ع الث ورة ،ومن ناحي ة
تيارات اليمين ،كان التركيز في المقام األول على تقليص دور الحكومة وتعزيز القطاع الخاص.
لكن السياسة في الوقت الحالي أصبحت أكثر تركي ًزا على قضايا الهُوية ،من التركيز على القضايا االقتصادية؛
فاليوم ،في العديد من الديمقراطيات ،تغيَّرت أولويات اليسار وأصبحت تُر ِّكز بشكل أك بر على تعزي ز مص الح
مجموعة واسعة من الجماع ات المهمش ة ،مث ل األقلي ات العرقي ة والمه اجرين والالج ئين والنس اء والمثل يين،
وذلك مع تراجع أولوية خلق مساواة اقتصادية بين الناس.
أيض ا في ال وقت الح الي عن الق رن الماض ي؛ إذ أع ادت التي ارات وفي الوقت نفس ه ،تغيَّرت أولوي ات اليمين ً
اليميني ة تعري ف مهمته ا األساس ية ب التركيز على حماي ة الهوي ة الوطني ة التقليدي ة ،ال تي ترتب ط في كث ير من
األحيان بالعرق والدين.
ونتيجةً ل ذلك ،تواج ه ال ديمقراطيات الليبرالي ة الحديث ة تح ديًا وجوديً ا ،بحس ب م ا ي راه فوكويام ا؛ فق د جلبت
العولمة معها تغيّرات اقتصادية واجتماعية وثقافيّة سريعة ،جعلت المجتمعات أكثر تنوعًا عما كانت عليه ،مم ا
حث الجماع ات ال تي لم تمل ك ص وتًا من قب ل ،أو لم تكن ظ اهرة لعم وم المجتم ع ،على الب دء بالمطالب ة
باالعتراف؛ مما أدى إلى رد فعل عنيف بين المجموعات األخرى ،التي تش عر بأنه ا تفق د مكانته ا وامتيازاته ا
بسبب هذه الخطوة.
رُبما يمكن للتهديدات المتص ّورة للوضع االقتصادي للناس أن تُفسِّر صعود النزعة القومية الشعبوية في أم اكن
مختلفة من العالم؛ فحتى في دول غنية مثل الوالي ات المتح دة؛ وعلى ال رغم من ث راء ه ذه ال دول ،ف إن هن اك
زيادة هائلة في التفاوت في مستوى الدخل خالل األعوام القليلة الماض ية؛ إذ تع اني ع دة ش رائح مجتمعي ة من
الركود في نمو رواتبهم ودخولهم ،بل إن شرائح بأكملها من المجتمع قد هبطت بالفعل في مستواها االجتم اعي
إلى طبقات أقل.
وفي الوقت نفسه ،ومن منظور اجتماعي ،قد تكون أحد أهم الدوافع وراء القومي ة الجدي دة ال تي دفعت المملك ة
المتحدة للتصويت لصالح مغ ادرة االتح اد األوروبي ،وال تي وض عت ت رامب في ال بيت األبيض ،ه و تص ور
الطبق ة العامل ة أنه ا أص بحت غ ير مرئي ة بحس ب فوكويام ا؛ إذ تل وم ك ل المجموع ات والفئ ات في المجتم ع
لبعضهما البعض؛ فقد غضب المواطنون في الطبق ة الوس طى من فق دان مك انتهم ،فص بوا اس تياءهم على ك ل
النخب األعلى منهم؛ ألنهم ال ي أبهون بهم كم ا يعتق دون ،وعلى الفق راء ال ذين هم أدنى منهم ،إذ يش عر ه ؤالء
المواطن ون الغاض بون بأن ه يتم تفض يل الفق راء بش كل غ ير ع ادل على حس ابهم؛ وهن ا يمكن أن يتم تص ور
التدهور االقتصادي على أنه فقدان للهوية أكثر من كونه خسارة للموارد كما يصِّ وره فوكوياما.
ومن هنا ،يمكن فهم ه ذا الراب ط بين ال دخل والمكان ة ،وال ذي يس اعدنا في تفس ير الس بب في نج اح ال دعوات
القومية أو الدينية المحافظة بشكل أكثر فعالية من النداءات التقليدي ة القائم ة على القض ايا الطبقي ة؛ فك ل طبق ة
تناصر وتحشد لصالحها بالفكرة ذاتها المتعلقة بسياسة الهُوية؛ ف القوميون يقول ون للمواط نين الس اخطين ب أنهم
كانوا يو ًما ما جز ًء ا من أمة عظيمة قبل أن يأتي األجانب والمهاجرون والنخب ويتآمرون إلفشالهم ،وهو الدافع
الذي اتخذه ترامب ،ومن بعده آخرون مثل رئيسة الوزراء البريطانية ،تريزا ماي ،وأخ يرًا ال رئيس ال برازيلي
جايير بولسنارو.
ضا اتخذت نفس الدافع من أجل الحشد؛ إذ إنهم يقولون إن جم اعتهم ك انت وفي الحقيقة ،فإن التيارات الدينية أي ً
جماعة مؤمنة من قبل ،وتعيش في الخير والرخاء ،ولكن بقدوم غ ير المؤم نين إلى جم اعتهم ،أس قط هللا بالءه
عليهم بسبب هذه الخطيئة.
وعلى الرغم من أنهم أعضاء في المجموعة العرقية المهيمنة التي تمثل األغلبية ،فإن العديد من أعضاء الطبقة
العاملة البيضاء يرون أنفسهم ضحايا مهمشين ،وهو ما قال عنه فوكوياما« :لقد مه دت ه ذه المش اعر الطري ق
لظهور سياسة الهوية بالنسخة اليمينية التي تتخذ في أقصى حاالته ا ش كل القومي ة البيض اء العنص رية الوقح ة
والصريحة».
نموذجا ..كيف سيصبح العالم في حال أصبحت الصين القوة األهم في العالم؟
ً أفريقيا
الديكتاتورية الضخمة التي تعمل الصين على بنائها كانت ،وما زالت ،ضد الديمقراطية في ك ل األح وال؛ على
عكس الواليات المتحدة التي قد تتدخل عسكريًا من أجل ال دفاع ول و ش كليًا باس م الديمقراطي ة ،وتزي ل الطغ اة
أحيانًا ولو كان الهدف األساس ي من ذل ك ع ادة ه و تحقي ق مص الحها بش كل مختل ف ،وك انت آخره ا الت دخل
العسكري في ليبيا من أجل إزاحة معمر القذافي عن الحكم ،كما أن الواليات المتحدة قد تع اقب بل دًا أو جه ةً أو
ضا في بلدانهم ،إال أن الموقف يختلف مع الصين؛ إذ إنها تعتم د أفرادًا لما فيه مصلحتها ويصادف أنهم طغاة أي ً
في عالقاتها السياسية على جعل األولوية لالقتص اد ،دون إعط اء أي ق در من االهتم ام ول و ش كليًا إلى حق وق
اإلنسان ،ولو ح تى بالتندي د اللفظي فق ط ،وه و م ا تعم ل الص ين على اس تغالله من أج ل الس يطرة في الق ارة
األفريقية.
وكان الرئيس الصيني قد ص َّر ح إلى قادة الدول األفريقية في القمة األفريقية الصينية أن الصين تتبع مب دأ تحت
عنوان «ال قيود سياسية مرفقة » ،أي أنه ال توجد شروط سياسية أو حقوقية من أجل الشراكة مع الص ين ،على
عكس ما تفعله الواليات المتحدة التي عادةً ما تُملي شروطها.
كلمة الرئيس الصيني جاءت قبل لحظ ات من إعالن ه ض خ اس تثمارات تص ل قيمته ا إلى 60ملي ار دوالر في
القارة األفريقية؛ إذ تهدف الصين من وراء هذا التصريح إلى تعزيز دخولها إلى أس واق أجنبي ة جدي دة وك ذلك
موارد غير محدودة تمتلكها هذه األسواق ،فضاًل عن تعزيز نفوذها السياسي في ه ذه البل دان؛ إذ إن الش راكات
االستراتيجية المحتملة معهم ستزيد من القوة الصينية في التفاوض ح ول الكث ير من الملف ات األخ رى .ويعت بر
هذا التصريح للرئيس الصيني هو بمثابة مفتاح لألنظمة الديكاتوتورية في القارة األفريقية للتحالف مع أح د أهم
الدول في العالم؛ والتي من المتوقَّع أن تص بح بالفع ل أهم دول ة في الع الم؛ وه و م ا سيش ِّكل الفرص ة الذهبي ة
لل ديكتاتوريات واألنظم ة الس لطوية في الق ارة األفريقي ة والش رق األوس ط لف رض س يطرتهم على الحكم في
بالدهم بالقوة وبمساعدة واحدة من أقوى الدول في العالم ،دون حتى أن يتلقوا توبي ًخا واحدًا على انتهاك حق وق
اإلنسان.
وفي ظل انتقال الش راكات العس كرية واالقتص ادية من الوالي ات المتح دة إلى الص ين ،ستس قط ك ل الش روط،
والقيود ،التي فرضتها الواليات المتحدة األمريكية على هذه الدول مهما كانت بساطتها أو اضطرار أمريكا له ا
بسبب ضغط المجتمع الحقوقي داخلها ،وبالت الي ،س تجد ه ذه الس لطويات نفس ها أم ام س احة عالمي ة تخل و من
نداءات الديموقراطية وحقوق اإلنسان في ظل الدور المتنامي لصعود الصين بوصفها قوة عظمى.
وعن هذا األمر ،يقول فوكوياما إن عالمنا اليوم يتحرك في اتجاهين متناقضين في ال وقت نفس ه؛ إذ أن االتج اه
األول متمثّل في العالم المخيف نحو الديكتاتورية المفرطة في المركزي ة ،وأ َّما االتج اه الث اني فيتمثَّل في الع الم
المخيف المنقسم والمتشرذم إلى ما ال نهاية.
وتعتبر الصين أحد أبرز أمثلة االتجاه األول للعالم؛ إذ تقوم في الوقت الح الي ببن اء ديكتاتوري ة ض خمة تجم ع
فيه ا الحكوم ة بيان ات شخص ية مفص لة للغاي ة ح ول التع امالت اليومي ة لك ل م واطن على ش كل نظ ام تق ييم
اجتماع ّي؛ بينما تشهد أجزاء أخرى من الع الم انهي ار المؤسس ات المركزي ة ،وظه ور ال دول الفاش لة ،وزي ادة
االستقطاب ،ونقصًا متزايدًا في التوافق حول األهداف المشتركة.
الجدير بالذكر أن وسائل اإلعالم االجتماعي ،واإلنترنت ،كانوا سببًا رئيسيًا في انتشار االتجاه الثاني للع الم؛ إذ
أدى إلى ظهور مجتمعات قائمة بذاتها غير محصورة بحواجز مادية ،ولكن محصورة بالهويات المشتركة.
وفي النهاي ة ،لن يتوقّ ف الن اس عن التفك ير في أنفس هم ومجتمع اتهم باس تعمال مقي اس الهوي ة ،لكن هوي ات
األش خاص ليس ت ثابت ة وليس ت أم رًا وراثيً ا .وفي ال وقت ال ذي يمكن في ه اس تخدام الهوي ة للتقس يم ،يمكن
ضا للتوحيد ،وذلك عن طريق صهر جميع الهُويات الفرعية في بوتقة واحدة ،هي فكرة المواطنة، استخدامها أي ً
المتمثلة في تساوي المواطنين جميعًا ،مهم ا ك انت أص ولهم أو ع روقهم أو أجناس هم أو أدي انهم أو غيره ا من
الهُويات الفرعية ،وهو م ا يعت بر العالج األساس ي للسياس ات الش عبوية المهيمن ة في ال وقت الحاض ر .وم ا لم
تتمكن الديمقراطيات الليبرالية من العودة إلى مفهوم كوني للكرامة اإلنس انية ،فإنه ا س تحكم على نفس ها وعلى
العالم بالعيش في صراع مستمر.
لم يب ِد فوكوياما أي تخوف أو قلق من تحدي القومية والشعبوية خالل أطروحته األشهر عام ،1992ولكنه عاد
بعد ما يقارب ربع قرن فقط ،ليؤكد على خطئه ،وذلك بع د أن ظن فوكويام ا أن القومي ة والش عبوية م ا هي إال
ً
وحوش ا متمثل ة في مص طلحين أشباح ُمتخيلة غير حقيقة ،إال أن ه ذه األش باح ك برت وترع رعت وأص بحت
جديدين هما «النيوقومي ة» و«الترامبي ة» ،ليتخ ذان من الكث ير من دول الع الم مواض ع لهم ،ب ل يوش كان على
ت قريب ..فهل تختفي الديمقراطي ة بحل ول ع ام 2100أم قب ل التهام الديمقراطية الليبرالية بهذه السرعة في وق ٍ
ذلك؟ هل ستنتصر القومية الحديثة بعزل الدول عن بعضها البعض لنع ود إلى العص ور الوس طى؛ حيث يعيش
العالم في حالة نزاع وحرب وانعزال وديكتاتورية؟
عالمات
ألمانيا ,البرازيل ,الديكتاتورية ,الديمقراطية ,الش عبوية ,الص ين ,اليمين المتط رف ,بريطانيا ,بريكس يت ,بولس نارو ,ت رامب ,تري زا م اي ,دولي ,ص راع
الحضارات ,فرنسا ,فوكوياما