Fukuyama Analyse

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 7

‫هل سنعود للعصور الوسطى في عام ‪2100‬؟!


‫عرفت الساحة الدولية سياسيًا وثقافيًا في العقدين األخيرين من القرن المنصرم فكرتيْن أساسيتيْن ق امت عليهم ا‬
‫العدي د من النظري ات واالتجاه ات الفكري ة ال تي تحلّ ل األوض اع العام ة وخريط ة األي ديولوجيات ومس تقبل‬
‫الليبرالية في العالم؛ نُشرت هاتان الفكرتان في كتَابيْن يحمالن نفس عنوانهما‪ :‬فكرة‪ ‬صراع الحضارات‪ ،‬ألستاذ‬
‫العل وم السياس ية في جامع ة «هارف ارد» األمريكي ة‪ ،‬ص امويل هنتنجت ون ( ‪،)Samuel P. Huntington‬‬
‫وفكرة‪  ‬نهاية التاريخ‪ ،‬ألستاذ العلوم السياسية في جامعة «ستانفورد» األمريكية‪ ،‬فرانسيس فوكوياما ( ‪Francis‬‬
‫‪.)Fukuyama‬‬

‫نُشرت الفكرتان في كتابين يُوصى كلُّ طالب العلوم السياسية في العالم حتى يومنا هذا باالطالع عليهما‪ ،‬ولكن‬
‫في الوقت الذي شهدت فيه العديد من الدول الغربية‪ ،‬ال تي اعتبره ا الكاتب ان النم وذ َج األمث ل من أج ل تط بيق‬
‫ت على المستوى األيديولوجي‪ ،‬يُطل‪ ‬علينا من‬ ‫أفكار الديمقراطية الليبرالية‪ ،‬ونقلِها إلى ُمختلف دول العالم‪ ،‬نكسا ٍ‬
‫جدي د الك اتب وأس تاذ العل وم السياس ية األم ريكي فرانس يس فوكويام ا للح ديث عن موج ات ص عود اليمين‬
‫المتطرف في الدول الغربية‪ ،‬أو حتى في أنحا ٍء مختلف ٍة من العالم‪ ،‬مثل الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وبريطانيا‪.‬‬

‫ومن هن ا‪ ،‬يس عى ه ذا التقري ر لتحلي ل‪ ‬أطروحة‪ ‬فوكويام ا الجدي دة ح ول ص عود اليمين‪ ،‬ب التزامن م ع تحلي ل‬
‫أطروح تي «الموج ة الثالث ة للديمقراطي ة»‪ ،‬و«نهاي ة الت اريخ»‪ ،‬باالستش هاد بنم اذج غربي ٍة‪ ،‬وغ ير غربي ٍة‪،‬‬
‫تص َّدرت فيه ا موج ات اليمين المتط رف الس احة السياس ية‪ ،‬أو نم اذج مختلف ة فش لت فيه ا فك رة الديمقراطي ة‬
‫الليبرالية‪ ،‬أو بدأت في التالشي‪ ،‬مع طرح احتمالية تالشي فكرة الديمقراطية الليبرالية نهائيً ا من الع الم بحل ول‬
‫عام ‪.2100‬‬

‫الموجة الثالثة للديمقراطية أم نهاية التاريخ؟‪ ‬‬


‫ظهر مصطلح «الموج ة الثالث ة للديمقراطي ة» ألول م رة ع ام ‪ ،1991‬وذل ك من‪ ‬خالل الكت اب‪ ‬ال ذي أص دره‬
‫صامويل هنتنجتون تحت عنوان «الموجة الثالثة‪ :‬التحول الديمقراطي في أواخ ر الق رن العش رين»‪ ،‬وذل ك في‬
‫إشارة إلى وصف التح ّوالت الجذرية ال تي ش هدها االتج اه الع المي في أك ثر من ‪ 60‬دول ة في أنح اء أوروب ا‪،‬‬
‫وأمريكا الالتينية‪ ،‬وأفريقيا‪ ،‬وآسيا‪ ،‬بالتحول الديمقراطي‪ ،‬وذلك منذ الثورة البرتغالية التي تُع رف باس م «ث ورة‬
‫القرنفل» عام ‪.1974‬‬

‫واعتُبرت تلك الموجة الثالثة للديمقراطي ة‪ ،‬ألنه ا‪ ‬رفعت‪ ‬ع دد ال دول الديمقراطي ة في الع الم من ‪ 36‬دول ة‪ ،‬إلى‬
‫أك ثر من ‪ 110‬دول ة‪ .‬واتف ق العدي د من علم اء السياس ة على ه ذا الط رح باعتب ار ه ذه المرحل ة موج ةً ثالث ةً‬
‫للديمقراطية‪ ،‬سبقتها موجتان‪ :‬كانت األولى من أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬وتحديدًا منذ عام ‪ 1828‬بعد ترس يخ‬
‫مبادئ الثورة الفرنسية واألمريكية‪ ،‬وحتى قبل الحرب العالمي ة الثاني ة‪ ،‬وتحدي دًا بوص ول موس وليني إلى حكم‬
‫إيطاليا عام ‪.1922‬‬

‫أ َّما الموجة الثانية فكانت ببداية حكم الفاشية في الق رن العش رين بحكم موس وليني‪ ،‬ومن بع ده هتل ر‪ ،‬والح رب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬وحتى بعد نهاية الحرب‪ ،‬إال أن عددًا من هذه ال ديمقراطيات تس اقطت واح دة تل و األخ رى في‬
‫عصر الديكتاتوريات العسكرية في ستينيات الق رن الماض ي‪ ،‬خاص ةً في دول أمريك ا الالتيني ة‪ ،‬ووص واًل إلى‬
‫الثورة البرتغالية عام ‪ ،1974‬بدأت الموجة الثالثة للديمقراطية‪ ،‬والتي اعتبر علم اء السياس ة قِ ّمته ا في ب دايات‬
‫القرن الحادي والعشرين الحالي‪.‬‬

‫أن التغيّرات التي طرأت على العالم‪ ،‬من‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬افترض فوكوياما في أطروحته حول نهاية التاريخ ّ‬
‫خالل الموجة الثالثة للديمقراطية‪ ،‬ومع انهي ار االتح اد الس وفيتي‪ ،‬س تؤدي بالتبعي ة إلى نهاي ة الت اريخ بوص فه‬
‫تاري ًخا‪ ،‬فضاًل عن طرحه فكرة حتمية لخط التطور األيديولوجي للبشرية بتعميم الديمقراطية الليبرالية الغربي ة‬
‫بوصفها بدياًل عن كل األيديولوجيات األخرى‪ ،‬والك ّل النهائي للحكم اإلنساني‪.‬‬

‫تبدو أطروحتا فرانسيس فوكوياما و ص امويل هنتنجت ون ح ول نهاي ة الت اريخ‪ ،‬والموج ة الثالث ة للديمقراطي ة‪،‬‬
‫مك ّملتيْن لبعض هما البعض‪ ،‬ولكن الواق ع الح الي يثبت عكس ذل ك؛ إذ س يطر في ه رج ل األعم ال والشخص ية‬
‫التلفزيونيّة دونالد ترامب‪ ،‬على رئاسة الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬في الوقت الذي حشدت فيه جماعات اليمين‬
‫المتطرف من أجل خروج بريطانيا من االتحاد األوروبي‪ ،‬والميل إلى االتجاه االنعزالي‪ ،‬ال ذي ي ّ‬
‫ُفض له ت رامب‬
‫ضا‪ ،‬في ظل ص عود موج ات الش عبوية‪ ،‬والقومي ة‪ ،‬وانتش ار «أش باه ت رامب» في الع الم‪ ،‬وآخ رهم ال رئيس‬ ‫أي ً‬
‫البرازيلي‪ ،‬جايير بولسنارو‪ ،‬المنتخب أواخر شهر أكتوبر (تشرين األول) الماضي‪.‬‬

‫الواقع ينسف «نهاية التاريخ»‬


‫يبدو أن فوكوياما كان حال ًما آماًل أكثر من كونه واقعيًا‪ ،‬أو رُبم ا خذلت ه ال دول الغربي ة بتف ُوق وتص اعد اليمين‬
‫كل رئيس ي إلى انتش ار‬ ‫المتط رف في ال دول المختلف ة خالل األع وام القليل ة الماض ية‪ ،‬وال ذي أدى بش ٍ‬
‫ال ديكتاتوريات واألنظم ة الفاش ية‪ ،‬والش مولية في الع الم؛ خاص ةً في ال وقت ال ذي تنته ك ق وى وحك ام اليمين‬
‫ّ‬
‫ت مض ى‪ ،‬وذل ك تحت مس مى «الح رب على اإلره اب»‪ ،‬في‬ ‫الشعبوي حقوق اإلنسان بصور أكبر من أي وق ٍ‬
‫الوقت الذي تبقى فيه عدد من الدول الديمقراطية‪ ،‬والتي ترأسهم ألمانيا في الوقت الحالي المسماة بـ«قائدة العالم‬
‫الحر»‪ ،‬تقف عاجزة عن اتخاذ إجراءات حازمة وصارمة ض د ه ذه األنظم ة ال تي تنته ك حق وق اإلنس ان في‬
‫العالم‪.‬‬

‫احتجاجات ع ّمالية في العاصمة الفرنسية باريس‬

‫أن الصراع في القرن العشرين تر َّكز في ثالثة أقطاب رئيسية‪،‬‬ ‫ذكر فوكوياما في أطروحته حول نهاية التاريخ ّ‬
‫َّ‬
‫مان ًحا الوجود والحقيقة المطلقة للديمقراطية اليبرالية الغربية؛ إذ تمثلت هذه األقطاب في الديمقراطية الليبرالي ة‬
‫ثان‪ ،‬التي يرى أنها دُم رت خالل‬‫باعتبارها قطبًا أ ّول يدعو له ويناصره فوكوياما‪ ،‬واأليديولوجيا الفاشية قطب ٍ‬
‫الح رب العالمي ة الثاني ة‪ ،‬والقطب الش يوعي الث الث‪ ،‬ال ذي ي رى أن ه قُض ي علي ه بوص ول ‪ ‬ميخائي ل‬
‫جورباتشوف‪ ‬إلى السلطة وانهيار االتحاد السوفيتي‪.‬‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬طرح فوكوياما عددًا من التحديات التي قد تواجه الديمقراطية الليبرالي ة الغربي ة في مس تقبل‬
‫تخوف؛ إذ إن ه ي رى أن‬
‫طرحه لفكرته‪ ،‬والتي اختزلها في أمرين رئيسين‪ :‬التحدي الديني‪ ،‬والذي لم يُبد منه أي ُّ‬
‫َّ‬
‫محص لة ض عف المجتمع ات ذات األس اس ال ديني‪ .‬وأ َّما التح دي الث اني فتمثل في‬‫ِّ‬ ‫الديمقراطية الليبرالية كانت‬
‫أيض ا‪ ،‬م ب ّررًا أنه ا لن تش كل خط ًرا على الديمقراطي ة‪ ،‬وأنه ا ستس ود‬
‫القومية‪ ،‬والتي لم يُب د منه ا أي تخ ُّوف ً‬
‫بأبعادها المختلفة في دول العالم الثالث فقط‪.‬‬

‫القرن الواحد والعشرين‪ :‬شبح الـ«نيوقومية»‪ ‬لم ينتبه له أحد‬


‫الواقع الحالي يثبت فشل فكرة فوكوياما حول نهاية التاريخ وانتصار الديمقراطية الليبرالية الغربي ة في مختل ف‬
‫دول العالم؛ فبدايةً من طرحه لألقط اب األيديولوجي ة الموج ودة في الع الم؛ لم تب ق الديمقراطي ة الليبرالي ة هي‬
‫إن كال القط بين اآلخ رين م ا زاال موج ودين‪ ،‬ب ل وي زدادان ق وةً‬ ‫القطب الوحيد كما رأى فوكوياما من قبل؛ إذ ّ‬
‫وانتشارًا يو ًما بعد اآلخر‪.‬‬

‫المف ّكر السياسي فرانسيس فوكوياما‬

‫ظ ّن فوكوياما أنه انتهى وقُضي عليه بانهيار االتحاد الس وفيتي‪ ،‬لم ينت ِه حقً ا‪ ،‬ب ل ازداد‬
‫القطب الشيوعي‪ ،‬الذي َ‬
‫ق وةً وص البةً‪ ،‬خاص ةً في ظ ل تن امي وص عود الص ين على الس احة الدولي ة‪ ،‬باس تخدام قوته ا االقتص ادية‪،‬‬
‫وعضويتها في مجلس األمن الدولي؛ إذ يرى كلٌّ من أستاذ العلوم السياس ية‪ ،‬روب رت بالكويل‪ ،‬وزميل ه آش لي‬
‫تيليز‪ ،‬في‪ ‬دراستهما‪ ‬حول االستراتيجية الكبرى للصين خالل الس نوات الحالي ة والقادم ة‪ ،‬وعالقته ا بالوالي ات‬
‫المتح دة األمريكي ة‪ ،‬وال تي نُش رت ع بر‪ ‬مجلس العالق ات الخارجي ة األمريكية‪ ‬ع ام ‪ 2015‬أن م ا ع ّزز‬
‫رغبة‪ ‬الحزب الشيوعي الصيني‪ ‬في الحفاظ على سيطرته الداخلي ة‪ ،‬ه و اله دف االس تراتيجي للص ين المتعل ق‬
‫بـ«تعظيم السلطة القومية الشاملة» بحسب الكاتبين‪ ،‬وهو ما يعني تعزيز مكانة الصين بص فتها ف اعاًل محوريًّ ا‬
‫في النظام الدولي‪.‬‬

‫اآلن – وبعدما صارت الصين قوة اقتصادية عُظمى – أصبح لعضويتها في مجلس األمن أهمية إض افية‪ ،‬وهي‬
‫الحقيقة التي يُبرزها رفض بكين ألي توسع في هيكل المجلس يمكن أن يقلّل من امتيازاتها طويلة األمد‪ ،‬وح تى‬
‫فيما يتجاوز مجلس األمن‪ ،‬فإن القدرات المادية المتزايدة للصين جعلته ا وثيق ة الص لة بكاف ة مؤسس ات النظ ام‬
‫العالمي‪ ،‬وليس مستغربًا أنها سعت لتحقيق سلطة متزايدة في تلك الكيانات‪ ،‬مثل صندوق النق د ال دولي‪ ،‬والبن ك‬
‫الدولي على سبيل المثال؛ إذ عملت الصين على توجيه عملياتهم لخدمة مصالحها وأغراضها الخاصة‪.‬‬

‫وباالنتقال إلى القطب الثاني المتمثل في األيديولوجيا القومي ة ال تي تأخ ذ منحى فاش يًا‪ ،‬يمكنن ا مالحظ ة وج ود‬
‫أشباه ترامب حول العالم؛ من ميانمار إلى مصر‪ ،‬ومن كوريا الشمالية إلى سوريا‪ ،‬ومن السعودية إلى روس يا‪،‬‬
‫وغيرها من األنظمة الديكتاتورية الفاشية‪ ،‬التي تضع الحرب على اإلرهاب والقومية مبر ًرا للفاشية العس كرية‪،‬‬
‫أو حتى المدنية‪.‬‬

‫دونالد ليس وحيدًا‪« ..‬أشباه ترامب» حول العالم‬


‫وتأكيدًا على هذه الفكرة‪ ،‬عادةً ما تتبنى األنظمة الديكتاتورية نه ًج ا يمينيً ا ش عبويًا‪ ،‬يتّس م بالعنص رية‪ ،‬ومع اداة‬
‫األقليات‪ ،‬وحقوق اإلنسان؛ وهو ما يتّضح بشدة في ظل أزمة الالجئين في العالم؛ فمن دونالد ترامب إلى تريزا‬
‫ماي‪ ،‬ومن فيكتور أوربان‪ ،‬رئيس وزراء المجر إلى فالديمير بوتين في روسيا‪ ،‬ومن ه تين كي او في ميانم ار‪،‬‬
‫أيض ا فش ل ط رح فوكويام ا في التح ديات ال تي ق د تواج ه‬ ‫إلى ب َّشار األسد في سوريا‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وهو ما يثبت ً‬
‫الديمقراطية الليبرالية في المستقبل؛ إذ إن عدم إبدائه ألي تخوفات من القومية لم يكن تحليالً صائبًا‪.‬‬

‫الج دير بال ذكر أن تح دي القومي ة ال ذي لم يتخ َّوف من ه فوكويام ا ك بر وترع رع ليص بح ش بحًا أك بر يُ دعى‬
‫«النيوقومي ة»‪ ،‬يوش ك على الته ام الديمقراطي ة الليبرالي ة‪ .‬فمص طلح «النيوقومي ة» أو القومي ة الجدي دة ه و‬
‫المصطلح الذي من المتوقَّع أن يسود خالل الفترة القادمة؛ إذ‪ ‬تناوله‪ ‬م ارك بليث‪ ،‬أس تاذ االقتص اد السياس ي في‬
‫جامعة براون‪ ،‬في مقالته على موقع «فورين أفيرز»‪ .‬وقد شبَّه «بليث» فترة حكم ترامب بأنها تتص ف بكونه ا‬
‫فترة حكم «نيوقومي ة»‪ ،‬وال تي ال تهتم ب أي ن وع من الحق وق‪ ،‬وتتس م بالعنص رية‪ ،‬ومع اداة األقلي ات وحق وق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وال تهتم إال بشأن االنغالق على نفس ها وع دم ال ترحيب ب أي جدي د أو غ ريب‪ .‬ومن المتوقَّع أن تق ود‬
‫النيوقومية العالم في حالة فشلت الديمقراطية الليبرالية في الوقوف أمامها‪.‬‬

‫فوكوياما ‪ VS‬فوكوياما‪ ‬‬
‫أعاد فرانسيس فوكوياما ترتيب أوراقه‪ ،‬وذلك في مقاله األخير الذي صدر خالل أغسطس (آب) الماضي تحت‬
‫عنوان «ضد سياسة الهُوية »‪ ،‬والتي نشرتها مجلة «فورين أفيرز» األمريكية المتخصصة في تحلي ل العالق ات‬
‫بشكل رئيسي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الخارجية األمريكية‬

‫مسيرة النساء تجاه البيت األبيض عقب انتخاب الرئيس األمريكي ترامب‬

‫واعترف فوكوياما بانخفاض عدد الديمقراطيات‪ ،‬وتراجع الديمقراطي ة في جمي ع أنح اء الع الم خالل الس نوات‬
‫القليلة الماضية‪ُ ،‬مرجعًا ذلك إلى أم رين رئيس يين؛ التغيّ رات االقتص ادية والتكنولوجي ة ال تي جلبته ا العولم ة‪،‬‬
‫وصعود ما أسماه «سياسة الهُوية»‪ ،‬وتغيير أولويات التيارات اليسارية واليمينية في الوقت الحالي‪ ،‬عم ا ك انت‬
‫عليه خالل القرن الماضي‪.‬‬

‫من جانبه‪ ،‬أكد فوكوياما وجود العديد من الدول االستبدادية‪ ،‬بقيادة الصين وروس يا‪ ،‬وال تي أض حت أك ثر ق وة‬
‫وصالبة من قبل‪ ،‬في الوقت الذي تراجعت فيه بعض الدول إلى ال وراء‪ ،‬وال تي ك انت ق د ب دت لوهل ة أنه ا ق د‬
‫تصبح ديمقراطيات ليبرالية ناجحة‪ ،‬مثل المجر وبولندا وتركيا‪ ،‬خالل تسعينيات الق رن الماض ي‪ ،‬فم ا ك ان إال‬
‫أنها أضحت أكثر استبدادية عن قبل‪.‬‬

‫الجدير بالذكر أنه حتى النسخة التي تحيي إرث الدولة القومية الشيوعية التي تقودها دول مثل روس يا والص ين‬
‫في الع الم هي مج رد نس خة من الش يوعية االس تبدادية‪ ،‬وليس ت تل ك ال تي يُطل ق عليه ا مص طلح «الش يوعية‬
‫التحرري ة»‪ ،‬وال تي ت دعم التنظيم االجتم اعي الح ر الق ائم على الملكي ة الجماعي ة لوس ائل اإلنت اج وعلى‬
‫الديمقراطي ة المباش رة وعلى س لطة مج الس العم ال ب التوافق م ع الحري ة الفردي ة والديمقراطي ة‪ ،‬أي أن‬
‫الديمقراطية قد تش ترك في بعض األحي ان م ع الش يوعية‪ ،‬ولكن ه ذا ه و م ا لم يح دث في األنظم ة الش يوعية‬
‫شكل من األشكال‪ ،‬حتى الحريات الفردية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الحالية‪ ،‬والتي لم تشترك مع الديمقراطية بأي‬

‫وفي الوقت الذي‪ ‬اعتبر‪ ‬بعض علماء السياسة أن الربيع العربي مثَّل موجةً رابعة للديمقراطي ة‪ ،‬ي رى فوكويام ا‬
‫أن الثورات العربية نجحت في عام ‪ 2011‬في تقويض األنظمة الديكتاتورية في جميع أنح اء الش رق األوس ط‪،‬‬
‫إال أنه ا لم تُس فر عن تغي ير ج ذري فيم ا يتعل ق بالديمقراطي ة‪ ،‬ب ل ّ‬
‫تمس كت األنظم ة االس تبدادية في أعقابه ا‬
‫بالسُلطة‪ ،‬مما أدى إلى نشوب ع دد من الح روب األهلي ة في ع دد من ال دول‪ ،‬مث ل الع راق‪ ،‬وليبي ا‪ ،‬وس وريا‪،‬‬
‫واليمن‪.‬‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬أعرب عن دهشته بعد نج اح التي ارات القومي ة الش عوبية في االنتخاب ات ال تي أج ريت ع ام‬
‫‪ 2016‬في اثنتين من أقوى الديمقراطيات الليبرالية في العالم؛ المملكة المتحدة‪ ،‬حيث ص وت الن اخبون لص الح‬
‫مغادرة االتحاد األوروبي‪ ،‬وفي الواليات المتحدة‪ ،‬حيث س جل دونال د ت رامب مفاج أة عن دما ف از بالس باق إلى‬
‫البيت األبيض‪.‬‬

‫وأرجع عالم السياسة األمريكي ذو األصل الياباني‪ ،‬تصاعد التيارات اليمينية والقومي ة الش عبوية في الع الم إلى‬
‫التغيّرات االقتصادية والتكنولوجية التي جلبتها العولمة‪ ،‬مش يرًا في ال وقت نفس ه إلى ص عود مص طلح سياس ة‬
‫الهوية؛ فيرى فوكوياما أن االهتمامات السياسية اليوم تختلف عما كانت عليه من قبل؛ فتاريخيًا‪ ،‬كانت السياس ة‬
‫طوال القرن العشرين تهيمن عليها القضايا االقتصادية؛ فمن ناحية االتجاه اليساري‪ ،‬ترك زت مح اور السياس ة‬
‫على أوضاع العمال‪ ،‬والنقاب ات‪ ،‬وب رامج الرعاي ة االجتماعي ة‪ ،‬وسياس ات إع ادة توزي ع الث ورة‪ ،‬ومن ناحي ة‬
‫تيارات اليمين‪ ،‬كان التركيز في المقام األول على تقليص دور الحكومة وتعزيز القطاع الخاص‪.‬‬

‫لكن السياسة في الوقت الحالي أصبحت أكثر تركي ًزا على قضايا الهُوية‪ ،‬من التركيز على القضايا االقتصادية؛‬
‫فاليوم‪ ،‬في العديد من الديمقراطيات‪ ،‬تغيَّرت أولويات اليسار وأصبحت تُر ِّكز بشكل أك بر على تعزي ز مص الح‬
‫مجموعة واسعة من الجماع ات المهمش ة‪ ،‬مث ل األقلي ات العرقي ة والمه اجرين والالج ئين والنس اء والمثل يين‪،‬‬
‫وذلك مع تراجع أولوية خلق مساواة اقتصادية بين الناس‪.‬‬

‫أيض ا في ال وقت الح الي عن الق رن الماض ي؛ إذ أع ادت التي ارات‬ ‫وفي الوقت نفس ه‪ ،‬تغيَّرت أولوي ات اليمين ً‬
‫اليميني ة تعري ف مهمته ا األساس ية ب التركيز على حماي ة الهوي ة الوطني ة التقليدي ة‪ ،‬ال تي ترتب ط في كث ير من‬
‫األحيان بالعرق والدين‪.‬‬

‫ونتيجةً ل ذلك‪ ،‬تواج ه ال ديمقراطيات الليبرالي ة الحديث ة تح ديًا وجوديً ا‪ ،‬بحس ب م ا ي راه فوكويام ا؛ فق د جلبت‬
‫العولمة معها تغيّرات اقتصادية واجتماعية وثقافيّة سريعة‪ ،‬جعلت المجتمعات أكثر تنوعًا عما كانت عليه‪ ،‬مم ا‬
‫حث الجماع ات ال تي لم تمل ك ص وتًا من قب ل‪ ،‬أو لم تكن ظ اهرة لعم وم المجتم ع‪ ،‬على الب دء بالمطالب ة‬
‫باالعتراف؛ مما أدى إلى رد فعل عنيف بين المجموعات األخرى‪ ،‬التي تش عر بأنه ا تفق د مكانته ا وامتيازاته ا‬
‫بسبب هذه الخطوة‪.‬‬

‫كيف تُف ِّ‬


‫سر «سياسة ال ُهوية» صعود التيارات القومية في العالم؟‪ ‬‬
‫يمكن تفسير األمر دائ ًم ا بارتباطه باالقتصاد كما ذكر فوكوياما؛ ففي الديمقراطيات الليبرالية‪ ،‬ال تؤدي المساواة‬
‫بموجب القانون إلى مساواة اقتصادية أو اجتماعي ة تلقائيً ا؛ إذ ال ي زال التمي يز قائ ًم ا ض د مجموع ة كب يرة من‬
‫الناس‪ ،‬خاصةً في ظل سيطرة األنظمة االقتصادية النيوليبرالية‪ ،‬فضاًل عن المستوى المرتفع من عدم المس اواة‬
‫في توزيع ثمارها؛ إذ إنها كانت السبب الرئيسي في زيادة األغنياء ثرا ًء‪ ،‬وزيادة الفقراء فقرًا‪.‬‬

‫رُبما يمكن للتهديدات المتص ّورة للوضع االقتصادي للناس أن تُفسِّر صعود النزعة القومية الشعبوية في أم اكن‬
‫مختلفة من العالم؛ فحتى في دول غنية مثل الوالي ات المتح دة؛ وعلى ال رغم من ث راء ه ذه ال دول‪ ،‬ف إن هن اك‬
‫زيادة هائلة في التفاوت في مستوى الدخل خالل األعوام القليلة الماض ية؛ إذ تع اني ع دة ش رائح مجتمعي ة من‬
‫الركود في نمو رواتبهم ودخولهم‪ ،‬بل إن شرائح بأكملها من المجتمع قد هبطت بالفعل في مستواها االجتم اعي‬
‫إلى طبقات أقل‪.‬‬

‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬ومن منظور اجتماعي‪ ،‬قد تكون أحد أهم الدوافع وراء القومي ة الجدي دة ال تي دفعت المملك ة‬
‫المتحدة للتصويت لصالح مغ ادرة االتح اد األوروبي‪ ،‬وال تي وض عت ت رامب في ال بيت األبيض‪ ،‬ه و تص ور‬
‫الطبق ة العامل ة أنه ا أص بحت غ ير مرئي ة بحس ب فوكويام ا؛ إذ تل وم ك ل المجموع ات والفئ ات في المجتم ع‬
‫لبعضهما البعض؛ فقد غضب المواطنون في الطبق ة الوس طى من فق دان مك انتهم‪ ،‬فص بوا اس تياءهم على ك ل‬
‫النخب األعلى منهم؛ ألنهم ال ي أبهون بهم كم ا يعتق دون‪ ،‬وعلى الفق راء ال ذين هم أدنى منهم‪ ،‬إذ يش عر ه ؤالء‬
‫المواطن ون الغاض بون بأن ه يتم تفض يل الفق راء بش كل غ ير ع ادل على حس ابهم؛ وهن ا يمكن أن يتم تص ور‬
‫التدهور االقتصادي على أنه فقدان للهوية أكثر من كونه خسارة للموارد كما يصِّ وره فوكوياما‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يمكن فهم ه ذا الراب ط بين ال دخل والمكان ة‪ ،‬وال ذي يس اعدنا في تفس ير الس بب في نج اح ال دعوات‬
‫القومية أو الدينية المحافظة بشكل أكثر فعالية من النداءات التقليدي ة القائم ة على القض ايا الطبقي ة؛ فك ل طبق ة‬
‫تناصر وتحشد لصالحها بالفكرة ذاتها المتعلقة بسياسة الهُوية؛ ف القوميون يقول ون للمواط نين الس اخطين ب أنهم‬
‫كانوا يو ًما ما جز ًء ا من أمة عظيمة قبل أن يأتي األجانب والمهاجرون والنخب ويتآمرون إلفشالهم‪ ،‬وهو الدافع‬
‫الذي اتخذه ترامب‪ ،‬ومن بعده آخرون مثل رئيسة الوزراء البريطانية‪ ،‬تريزا ماي‪ ،‬وأخ يرًا ال رئيس ال برازيلي‬
‫جايير بولسنارو‪.‬‬

‫ضا اتخذت نفس الدافع من أجل الحشد؛ إذ إنهم يقولون إن جم اعتهم ك انت‬ ‫وفي الحقيقة‪ ،‬فإن التيارات الدينية أي ً‬
‫جماعة مؤمنة من قبل‪ ،‬وتعيش في الخير والرخاء‪ ،‬ولكن بقدوم غ ير المؤم نين إلى جم اعتهم‪ ،‬أس قط هللا بالءه‬
‫عليهم بسبب هذه الخطيئة‪.‬‬

‫ضا لسياسة الهوية ‪-‬التي تبنّاها اليسار مؤ ّخ ًرا‪ -‬بأي ش ٍ‬


‫كل من األش كال؛‬ ‫ومع ذلك فإن صعود ترامب ال يمثل رف ً‬
‫ب ل إن ه في الواق ع يعكس احتض ان اليمين لسياس ة الهوي ة؛ فالعدي د من أف راد الطبق ة العامل ة البيض اء ال ذين‬
‫يناص رون ت رامب يش عرون ب أنهم تعرّض وا للتجاه ل من قِب ل النخب‪ ،‬بينم ا يعتق د الن اس ال ذين يعيش ون في‬
‫المناطق الريفية ‪-‬وهم العمود الفقري للحركات الشعبوية‪ -‬أن قيمهم مهددة من قبل النخب الحضرية المتنوعة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أنهم أعضاء في المجموعة العرقية المهيمنة التي تمثل األغلبية‪ ،‬فإن العديد من أعضاء الطبقة‬
‫العاملة البيضاء يرون أنفسهم ضحايا مهمشين‪ ،‬وهو‪ ‬ما قال عنه فوكوياما‪« :‬لقد مه دت ه ذه المش اعر الطري ق‬
‫لظهور سياسة الهوية بالنسخة اليمينية التي تتخذ في أقصى حاالته ا ش كل القومي ة البيض اء العنص رية الوقح ة‬
‫والصريحة»‪.‬‬

‫نموذجا‪ ..‬كيف سيصبح العالم في حال أصبحت الصين القوة األهم في العالم؟‬
‫ً‬ ‫أفريقيا‬
‫الديكتاتورية الضخمة التي تعمل الصين على بنائها كانت‪ ،‬وما زالت‪ ،‬ضد الديمقراطية في ك ل األح وال؛ على‬
‫عكس الواليات المتحدة التي قد تتدخل عسكريًا من أجل ال دفاع ول و ش كليًا باس م الديمقراطي ة‪ ،‬وتزي ل الطغ اة‬
‫أحيانًا ولو كان الهدف األساس ي من ذل ك ع ادة ه و تحقي ق مص الحها بش كل مختل ف‪ ،‬وك انت آخره ا الت دخل‬
‫العسكري في ليبيا من أجل إزاحة معمر القذافي عن الحكم‪ ،‬كما أن الواليات المتحدة قد تع اقب بل دًا أو جه ةً أو‬
‫ضا في بلدانهم‪ ،‬إال أن الموقف يختلف مع الصين؛ إذ إنها تعتم د‬ ‫أفرادًا لما فيه مصلحتها ويصادف أنهم طغاة أي ً‬
‫في عالقاتها السياسية على جعل األولوية لالقتص اد‪ ،‬دون إعط اء أي ق در من االهتم ام ول و ش كليًا إلى حق وق‬
‫اإلنسان‪ ،‬ولو ح تى بالتندي د اللفظي فق ط‪ ،‬وه و م ا تعم ل الص ين على اس تغالله من أج ل الس يطرة في الق ارة‬
‫األفريقية‪.‬‬

‫وكان الرئيس الصيني قد ص َّر ح إلى قادة الدول األفريقية في القمة األفريقية الصينية أن الصين تتبع مب دأ تحت‬
‫عنوان «ال قيود سياسية مرفقة »‪ ،‬أي أنه ال توجد شروط سياسية أو حقوقية من أجل الشراكة مع الص ين‪ ،‬على‬
‫عكس ما تفعله الواليات المتحدة التي عادةً ما تُملي شروطها‪.‬‬

‫كلمة الرئيس الصيني جاءت قبل لحظ ات من إعالن ه ض خ اس تثمارات تص ل قيمته ا إلى ‪ 60‬ملي ار دوالر في‬
‫القارة األفريقية؛ إذ تهدف الصين من وراء هذا التصريح إلى تعزيز دخولها إلى أس واق أجنبي ة جدي دة وك ذلك‬
‫موارد غير محدودة تمتلكها هذه األسواق‪ ،‬فضاًل عن تعزيز نفوذها السياسي في ه ذه البل دان؛ إذ إن الش راكات‬
‫االستراتيجية المحتملة معهم ستزيد من القوة الصينية في التفاوض ح ول الكث ير من الملف ات األخ رى‪ .‬ويعت بر‬
‫هذا التصريح للرئيس الصيني هو بمثابة مفتاح لألنظمة الديكاتوتورية في القارة األفريقية للتحالف مع أح د أهم‬
‫الدول في العالم؛ والتي من المتوقَّع أن تص بح بالفع ل أهم دول ة في الع الم؛ وه و م ا سيش ِّكل الفرص ة الذهبي ة‬
‫لل ديكتاتوريات واألنظم ة الس لطوية في الق ارة األفريقي ة والش رق األوس ط لف رض س يطرتهم على الحكم في‬
‫بالدهم بالقوة وبمساعدة واحدة من أقوى الدول في العالم‪ ،‬دون حتى أن يتلقوا توبي ًخا واحدًا على انتهاك حق وق‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫وفي ظل انتقال الش راكات العس كرية واالقتص ادية من الوالي ات المتح دة إلى الص ين‪ ،‬ستس قط ك ل الش روط‪،‬‬
‫والقيود‪ ،‬التي فرضتها الواليات المتحدة األمريكية على هذه الدول مهما كانت بساطتها أو اضطرار أمريكا له ا‬
‫بسبب ضغط المجتمع الحقوقي داخلها‪ ،‬وبالت الي‪ ،‬س تجد ه ذه الس لطويات نفس ها أم ام س احة عالمي ة تخل و من‬
‫نداءات الديموقراطية وحقوق اإلنسان في ظل الدور المتنامي لصعود الصين بوصفها قوة عظمى‪.‬‬

‫هل تختفي الديمقراطية بحلول عام ‪2100‬؟‪ ‬‬


‫ما يحدث اليوم هو أن المجتمعات الديمقراطية تتشرذم وتنقسم إلى شرائح تتمح ور ح ول هوي ات أض يق‪ ،‬مم ا‬
‫يضيِّق من أفق التعاون والعمل الجماعي من قبل المجتمع ككل؛ هذا الطريق سوف يؤدي فقط إلى انهيار الدولة‬
‫وإفشالها في النهاية‪ ،‬وتالشي فكرة الديمقراطية الليبرالية‪.‬‬

‫وعن هذا األمر‪ ،‬يقول فوكوياما إن عالمنا اليوم يتحرك في اتجاهين متناقضين في ال وقت نفس ه؛ إذ أن االتج اه‬
‫األول متمثّل في العالم المخيف نحو الديكتاتورية المفرطة في المركزي ة‪ ،‬وأ َّما االتج اه الث اني فيتمثَّل في الع الم‬
‫المخيف المنقسم والمتشرذم إلى ما ال نهاية‪.‬‬

‫وتعتبر الصين أحد أبرز أمثلة االتجاه األول للعالم؛ إذ تقوم في الوقت الح الي‪ ‬ببن اء ديكتاتوري ة ض خمة‪ ‬تجم ع‬
‫فيه ا الحكوم ة بيان ات شخص ية مفص لة للغاي ة ح ول التع امالت اليومي ة لك ل م واطن على ش كل نظ ام تق ييم‬
‫اجتماع ّي؛ بينما تشهد أجزاء أخرى من الع الم انهي ار المؤسس ات المركزي ة‪ ،‬وظه ور ال دول الفاش لة‪ ،‬وزي ادة‬
‫االستقطاب‪ ،‬ونقصًا متزايدًا في التوافق حول األهداف المشتركة‪.‬‬

‫الجدير بالذكر أن وسائل اإلعالم االجتماعي‪ ،‬واإلنترنت‪ ،‬كانوا سببًا رئيسيًا في انتشار االتجاه الثاني للع الم؛ إذ‬
‫أدى إلى ظهور مجتمعات قائمة بذاتها غير محصورة بحواجز مادية‪ ،‬ولكن محصورة بالهويات المشتركة‪.‬‬

‫وفي النهاي ة‪ ،‬لن يتوقّ ف الن اس عن التفك ير في أنفس هم ومجتمع اتهم باس تعمال مقي اس الهوي ة‪ ،‬لكن هوي ات‬
‫األش خاص ليس ت ثابت ة وليس ت أم رًا وراثيً ا‪ .‬وفي ال وقت ال ذي يمكن في ه اس تخدام الهوي ة للتقس يم‪ ،‬يمكن‬
‫ضا للتوحيد‪ ،‬وذلك عن طريق صهر جميع الهُويات الفرعية في بوتقة واحدة‪ ،‬هي فكرة المواطنة‪،‬‬ ‫استخدامها أي ً‬
‫المتمثلة في تساوي المواطنين جميعًا‪ ،‬مهم ا ك انت أص ولهم أو ع روقهم أو أجناس هم أو أدي انهم أو غيره ا من‬
‫الهُويات الفرعية‪ ،‬وهو م ا يعت بر العالج األساس ي للسياس ات الش عبوية المهيمن ة في ال وقت الحاض ر‪ .‬وم ا لم‬
‫تتمكن الديمقراطيات الليبرالية من العودة إلى مفهوم كوني للكرامة اإلنس انية‪ ،‬فإنه ا س تحكم على نفس ها وعلى‬
‫العالم بالعيش في صراع مستمر‪.‬‬

‫لم يب ِد فوكوياما أي تخوف أو قلق من تحدي القومية والشعبوية خالل أطروحته األشهر عام ‪ ،1992‬ولكنه عاد‬
‫بعد ما يقارب ربع قرن فقط‪ ،‬ليؤكد على خطئه‪ ،‬وذلك بع د أن ظن فوكويام ا أن القومي ة والش عبوية م ا هي إال‬
‫ً‬
‫وحوش ا متمثل ة في مص طلحين‬ ‫أشباح ُمتخيلة غير حقيقة‪ ،‬إال أن ه ذه األش باح ك برت وترع رعت وأص بحت‬
‫جديدين هما «النيوقومي ة» و«الترامبي ة»‪ ،‬ليتخ ذان من الكث ير من دول الع الم مواض ع لهم‪ ،‬ب ل يوش كان على‬
‫ت قريب‪ ..‬فهل تختفي الديمقراطي ة بحل ول ع ام ‪ 2100‬أم قب ل‬ ‫التهام الديمقراطية الليبرالية بهذه السرعة في وق ٍ‬
‫ذلك؟ هل ستنتصر القومية الحديثة بعزل الدول عن بعضها البعض لنع ود إلى العص ور الوس طى؛ حيث يعيش‬
‫العالم في حالة نزاع وحرب وانعزال وديكتاتورية؟‬

‫عالمات‬
‫ألمانيا‪ ,‬البرازيل‪ ,‬الديكتاتورية‪ ,‬الديمقراطية‪ ,‬الش عبوية‪ ,‬الص ين‪ ,‬اليمين المتط رف‪ ,‬بريطانيا‪ ,‬بريكس يت‪ ,‬بولس نارو‪ ,‬ت رامب‪ ,‬تري زا م اي‪ ,‬دولي‪ ,‬ص راع‬
‫الحضارات‪ ,‬فرنسا‪ ,‬فوكوياما‬

You might also like