بحث في السياسه الشرعيه

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 25

‫السياسة الشرعية‬

‫بني املاضي واحلاضر‬


‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫إَّلل ََ َن َ َِسي ًَا‬ ‫إَّلل يَأْ ُم ُرُ ُْك َأ ْن تُ َؤ ُّدوإ ْ َإْل َماَنَ ِت إ ََل َأ ْه ِلهَا َوإ َذإ َح َ َْك ُ ُْت ب َ ْ َْي إلنَّ ِاس َأ ْن َ َْت ُ َُكوإ ِبلْ ََْْ ِِ إ َّن َّ َ‬
‫إَّلل ِ َِ ََّّا ي َ َِ ُُ ُ ُْ ِب ِِ إ َّن َّ َ‬ ‫﴿ إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إَّلل و َأ ِطي َُوإ ِ‬ ‫ِ‬
‫إَّلل َو َّإلر ُسوِِ إ ْن ُك ْن ُ ُْت ت ُْؤ ِمنُ َ‬
‫ون‬ ‫َش ٍء فَ ُردُّو ُه إ ََل َّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫إلر ُسو َِ َو ُأ ِوِل ْ َإْل ْم ِر ِمنْ ُ ُْ فَا ْن تَنَ َازع ُ ُْْت ِِف َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ب َ ِص ًريإ * ََي َأُّيُّ َا َّ ِإَّل َين أ َمنُوإ َأ ِطي َُوإ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب َّ َِّلل َوإلْ َي ْو ِم ْإْل ِخ ِر َذ ِ َِل َخ ْ ٌري َو َأ ْح َس ُن تَأْ ِو ًيل ﴾(إلنساء‪)85 ،85 :‬‬
‫وبعد‪...‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان دمحم سيد اخللق أمجعني ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إالَّ‬
‫هللا امللك احلق املبني وأشهد أن دمحم عبده ورسوله األمني ‪ ،‬فاللهم صل وسلم وابرك على خري الربية ومعلم‬
‫البشرية وعلى آله وصحبه أمجعني وعلى من اهتدى هبديه واسنت بسنته إىل يوم الدين ‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فإن السياسة الشرعية من املوضوعات اليت أثريت من القدمي ‪ ،‬فقد اهتم املسلمني ابحلديث عن السياسة مذ أن‬
‫وضح اإلسالم هذه املعامل والعلوم واملعارف الدنيوية‪ ،‬فكان هلا من كتاابهتم نصيب فعلى سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬
‫ٍ‬
‫شاملة‬ ‫الكتاب يف أصله رسالةٌ بدأها املؤلِّف بنصيحة‬ ‫يوسف األنصاري (ت ‪ 281‬ه)‪ ،‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫كتاب "اخلراج"؛ أليب‬
‫أيضا يف السياسة الشرعية كتاب" الرد على سري‬ ‫للخليفة هارون الرشيد يف شؤون السياسة وغريها‪،‬ومن مصنَّفاته ً‬
‫موضوع السياسة االقتصادية للدولة اإلسالمية ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وتناول‬
‫األوزاعي"‪ ،‬حبث فيه مسائل احلرب‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬والغنائم‪َ ،‬‬
‫الذمة‪،‬‬‫كتاب "اخلراج"؛ للفقيه حيىي بن آدم ال ُقرشي (ت ‪ 102‬ه) تناول فيه موارد الدولة املالية‪ ،‬ومعاملة أهل ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بيد القاسم بن سالَّم (ت ‪ 112‬ه)‬ ‫وخصص الباب الرابع من الكتاب ملوضوع الزكاة ‪ ،‬كتاب "األموال"؛ أليب ع ٍ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫صنفت يف القانون الدويل‬ ‫‪،‬كتاب "السري الكبري"؛ حملمد بن احلسن الشيبا ي (ت ‪ 281‬ه) وهو من الكتب اليت ُ‬
‫وقواعد احلرب ‪ ،‬كتاب "اخلراج"؛ لعبدامللك األصمعي (ت ‪ 122‬ه)‪ ،‬وهو من املصنَّفات األُوىل يف موضوعات‬
‫القانون العام‪ ،‬والقانون اخلاص للدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫ألهم أبوابه ومن ذلك‪:‬‬ ‫عرض ِّ‬ ‫َّفات أخرى تتناول علم السياسة الشرعية وتَ ِّ‬ ‫ظهرت مصن ٌ‬‫ْ‬ ‫وإىل جانب هذه الكتب‬
‫يؤرخ للخالفة ‪ ،‬ومن أهم الكتب‬ ‫الدينَوِّر ِّي (ت ‪ 172‬ه) والكتاب ِّ‬ ‫كتاب "اإلمامة والسياسة"؛ البن قُتيبة ِّ‬
‫َ‬
‫وأشهرها‪ ،‬واليت ظهرت يف هذه املرحلة أيضاً‪ :‬كتاب "األحكام السلطانيَّة‪ ،‬والوالايت الدينيَّة"؛ للقاضي الشافعي‬
‫موضوع اإلمامة وأحكامها وشروطها‪ ،‬مث‬ ‫َ‬ ‫أيب احلسن علي امل َاوْرِّد ِّي (ت ‪ 250‬ه (ويبحث هذا الكتاب‬
‫َ‬
‫اإلدارية؛ ِّ‬
‫وعرض يف هناية الكتاب لشؤون‬ ‫َ‬ ‫املظامل‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ووالي‬ ‫القضاء‪،‬‬ ‫ووالية‬ ‫وإمارة‪،‬‬ ‫ارة‪،‬‬‫ز‬‫و‬ ‫ن‬‫م‬ ‫مؤسسات الدولة‬
‫الدولة االقتصادية فيما يتعلق أبحكام ال َف ْيء والغنيمة واجلزية واخلراج وأحكام اجلرائم واحلِّ ْسبة وقد ألَّفه املاوردي‬
‫ِّ‬
‫لغرضني اثنني‪:‬‬ ‫بعد عام (‪ 225‬ه) للوزير أيب القاسم علي بن مسلمة (‪ 250 - 228‬ه)‬
‫أ ‪-‬إعادة التأكيد على أمهية اخلالفة كأصل للشرعية بعد اهنيار السلطنة البويهية‪ ،‬واشتداد الفوضى‪ ،‬وظهور‬
‫ِّ‬
‫السالجقة‪.‬‬
‫األحكام املتعلِّقة أبمور السلطة (من النواحي االقتصادية واالجتماعية والسياسية( مباشرة يف صعيد‬ ‫ِّ‬ ‫ب ‪-‬مجع‬
‫مكتواب للدولة ميكن للوزير أن يرجع إليه يف كل حني(‪ ، )2‬إال أن الدكتور‬ ‫ً‬ ‫دستورا‬
‫ً‬ ‫واحد‪ ،‬فيما يُشبه تقنينًا أو‬
‫رضوان السيد حمقق كتاب "تسهيل النظر‪ ،‬وتعجيل الظفر" رتَّب كتب اإلمام املاوردي ترتيبًا زمنيًّا‪ ،‬فكانت‬

‫‪2‬‬
‫كاآليت‪:‬كتاب "أدب الدنيا والدين" حوايل (‪ 210‬ه) ‪ ،‬كتاب "نصيحة امللوك" حوايل (‪ 215‬ه) ‪،‬كتاب "قوانني الوزارة‬
‫وسياسة امللك" حوايل (‪ 217‬ه) واملعروف أبدب الوزير ‪ ،‬كتاب "تسهيل النظر وتعجيل الظفر" حوايل (‪ 225‬ه) يف أخالق‬
‫امللك وسياسة امللك ‪ ،‬كتاب "األحكام السلطانية والوالايت الدينية" حوايل (‪ 225‬ه) (‪.)1‬‬
‫‪ -‬مث يلي هذه الكتب كتاب عن) األحكام السلطانية( ‪ ،‬وهذه املرة أليب يعلى الفراء احلنبلي (ت ‪ 258‬ه ‪-‬‬
‫‪ 2025‬م) وقد جاء هذا الكتاب متشاهبًا كل التشابه مع كتاب اإلمام املاوردي يف االسم واألبواب والفصول‪،‬‬
‫إال أن األول يورد األحكام على املذهب الشافعي خاصة‪ ،‬والثا ي يذكرها على املذهب احلنبلي‪ ،‬ومها ِّمن أوىف ما‬
‫ُكتِّب يف موضوع الدولة يف اإلسالم على مذهب أهل السنة (‪.)2‬‬
‫"غيَاب األمم‪ ،‬يف الْتياث الظُّلَم"؛ إلمام احلرمني اجلويين (ت ‪278‬‬ ‫‪ -‬ومن املصنفات أيضاً يف هذا اجملال كتاب ِّ‬
‫ه) وهو يف موضوع اإلمامة (‪ ،)2‬مث كتاب "الترب املسبوك يف نصيحة امللوك"؛ أليب حامد الغزايل (ت ‪ 505‬ه)‪،‬‬
‫والذي يُ َع ُّد من مصادر الفكر الفلسفي السياسي اإلسالمي‪ ،‬جاءت موضوعات الكتاب يف صورة مواعظ‬
‫وآداب أخالقية (‪، )5‬كتاب "سراج امللوك" للطرطوشي ت (‪ 510‬ه) (‪، )2‬كتاب "الشفا يف مواعظ امللوك‬
‫واخللفا"؛ البن اجلوزي (ت ‪ 517‬ه) (‪ ، )7‬ولشيخ اإلسالم ابن تيمية (ت ‪ 718‬ه) كتاب "السياسة الشرعية‬
‫يف إصالح الراعي والرعية"‪ ،‬وهو دعوة إلصالح السياسة واإلدارة‪ ،‬وقد بَىن رسالته هذه على آيتني من كتاب هللا‪،‬‬
‫ت إِّ َىل أ َْهلِّ َها َوإِّذَا َح َك ْمتُ ْم‬ ‫اان ِّ‬ ‫ومها‪ :‬قوله تعاىل يف سورة النساء اآلايت ‪ 58‬و‪ ﴿: 51‬إِّ َّن َّ‬
‫اَّللَ ََيْ ُم ُرُك ْم أَ ْن تُ َؤُّدوا ْاأل ََم َ‬
‫صريا * اي أَيُّها الَّ ِّذين آمنُوا أ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اَّللَ نِّعِّ َّما يَعِّظُ ُك ْم بِِّّه إِّ َّن َّ‬
‫َّاس أَ ْن ََْت ُك ُموا ِّابلْ َع ْد ِّل إِّ َّن َّ‬
‫ني الن ِّ‬
‫اَّللَ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫َ َ‬ ‫اَّللَ َكا َن ََ ًيعا بَ ً َ َ‬ ‫بَ ْ َ‬
‫الر ُسوِّل إِّ ْن ُكْن تُ ْم تُ ْؤِّمنُو َن ِّاب ََّّللِّ َوالْيَ ْوِّم ْاآل ِّخ ِّر‬ ‫ُويل ْاأل َْم ِّر ِّمْن ُك ْم فَِّإ ْن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِّيف َش ْي ٍء فَ ُرُّدوهُ إِّ َىل َّ‬
‫اَّللِّ َو َّ‬ ‫ول َوأ ِّ‬‫الر ُس َ‬ ‫وأ ِّ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫َ‬
‫َح َس ُن ََتْ ِّو ًيال ﴾ [النساء‪.]51 ،58 :‬‬ ‫ِّ‬
‫ك َخْي ٌر َوأ ْ‬
‫َذل َ‬
‫‪ -‬فقال بعد شرحه لآليتني‪ :‬وإذا كانت اآلية قد أوجبت أداء األماانت إىل أهلها‪ ،‬واحلكم ابلعدل‪ ،‬فهذان ِّمجاع‬
‫احملتسب‪،‬‬ ‫السياسة العادلة‪ ،‬والوالية الصاحلة ‪ ،‬والبن تيمية كتاب آخر عنوانه" احلِّسبة"‪َ ،‬تدَّث فيه عن وظيفة ِّ‬
‫ومنع االحتكار والتسعري‪ ،‬وله كذلك كتاب" اجلهاد" ‪ ،‬ومن الكتب اليت تناولت موضوع اإلمامة والوزارة‬
‫والدواوين وأحكام أهل الذمة واحلرب‪ :‬كتاب "َترير األحكام يف تدبري أهل اإلسالم"؛ لبدر الدين بن مجاعة (ت‬
‫ابن قيِِّّم اجلوزية (ت ‪ 752‬ه) كتابه" الطرق احلكمية يف السياسة‬ ‫ابن تيمية ُ‬ ‫‪ 722‬ه) ‪ ،‬ووضع تلمي ُذ الشيخ ِّ‬
‫خاصا ابلبيِّنات‪ ،‬والقرائن يف الدعاوى وطرق اإلثبات ‪ ،‬والبن القيم كذلك‬ ‫موضوعا ًّ‬ ‫ً‬ ‫الشرعية"‪ ،‬عاجل من خالله‬
‫كتاب َاه" أحكام أهل الذمة" ‪ ،‬ابإلضافة إىل كتاب" املنهج املسلوك يف سياسة امللوك"؛ للشريازي (ت‬
‫‪772‬ه)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪َّ -‬أما عن املصنَّفات األُوىل للكتب اليت نظَّرت للسياسة الشرعية وقعَّدت هلا‪ ،‬ال يكتمل دون اإلحالة إىل مصدر‬
‫انلت شهرة كبرية يف السياسة الشرعية‪ ،‬وهو "مقدمة ابن خلدون"؛ لعبدالرمحن بن‬ ‫يُ َع ُّد من أهم املصادر اليت ْ‬
‫خلدون (ت ‪ 808‬ه) وهو عمل موسوعي‪ ،‬مجع فيه صاحبه بني علم االجتماع والتاريخ والسياسة الشرعية‪.‬‬
‫تطور نظام‬ ‫كتااب عنوانه" مآثر اإلانفة يف معامل اخلالفة"‪ ،‬ذكر فيه ُّ‬
‫‪ -‬وقد كتب أيضاً القلقشندي (ت ‪ 812‬ه) ً‬
‫اخلالفة يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ووظيفة الكتابة ومتطلباهتا‪ ،‬والتنظيم املكتيب ‪ ،‬مث كتاب" بدائع السلك يف طبائع‬
‫امللك"؛ البن األزرق (ت ‪ 812‬ه)‪ ،‬وهو كتاب يبحث يف نظام امللك وموجباته‪ ،‬وأركانه وقواعده‪ ،‬وواجبات‬
‫ُ‬
‫امللك‪.‬‬
‫دوهنا القدامى يف جمال السياسة الشرعية‪ ،‬وهي كما يقال غيض من فيض‪ ،‬أورد ُهتا‬ ‫‪ ‬هذه إ ًذا بعض الكتب اليت َّ‬
‫تبني مدى ِّغىن املكتبة اإلسالمية وثرائها يف هذا اجملال‪ ،‬فقد عد‬ ‫للتمثيل ال للحصر أو االستقراء‪ ،‬واليت ِّ‬
‫الدكتور نصر عارف ما يزيد عن ثالمثائة مؤلف يف املوضوع ما بني مطبوع وخمطوط‪ ،‬مع العلم أن هذه‬
‫الدراسة اليت قام هبا الدكتور نصر عارف ختص ما كتب ابللغة العربية فقط‪ ،‬أما ما كتب ابللغات األخرى‪،‬‬
‫كدا‪" :‬إنه ال ميكن‬
‫ففي حاجة إىل دراسة يقوم هبا من يتقنها‪ ،‬يقول الدكتور نصر عارف يف ختام دراسته مؤ ً‬
‫كد أن هناك مصادر أخرى" ‪)8(.‬‬ ‫اعتبارها دراسة جامعة حاوية لكل الرتاث السياسي واإلسالمي‪ ،‬وإمنا من املؤ‬
‫وأما من املعاصرين فقد كتب الشهيد حسن البنا َتت عنوان " مشكالتنا يف ضوء النظام اإلسالمي" ‪ ،‬وكذلك‬
‫كتب الشهيد عبد القادر عوده " املال واحلكم يف اإلسالم" و "اإلسالم وأوضاعنا السياسية" ‪ ،‬وكتب الشيخ دمحم‬
‫الغزايل " اإلسالم واالستبداد السياسي" ‪ ،‬وما كتبه الشهيد سيد قطب يف "السالم العاملي واإلسالم" و عن‬
‫سياسة املال يف كتاب "العدالة االجتماعية يف اإلسالم" و كتابه "معركة اإلسالم والرأَالية" ‪ ،‬وكتب الدكتور علي‬
‫جريشة عن "املشروعية العليا يف اإلسالم" و "القرآن فوق الدستور" ‪ ،‬وغريهم الكثري(‪.)1‬‬

‫(‪" )2‬تسهيل النظر وتعجيل الظفر" للماوردي ‪َ ،‬تقيق ودراسة رضوان السيد ص ‪.82‬‬
‫(‪" )1‬يف مصادر الرتاث السياسي اإلسالمي" لنصر عارف ص ‪.228 ،227‬‬
‫(‪" )2‬يف مصادر الرتاث السياسي اإلسالمي" ص ‪.220‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ص ‪.222‬‬
‫(‪ )5‬نفسه ص ‪.225 ،222‬‬
‫(‪ )2‬نفسه ص ‪.227‬‬
‫(‪" )7‬يف مصادر الرتاث السياسي اإلسالمي" ص ‪.251‬‬
‫(‪" )8‬يف مصادر الرتاث السياسي اإلسالمي" للدكتور نصر دمحم عارف ص ‪.125‬‬
‫(‪ )1‬السياسة الشرعية يف ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها للدكتور يوسف القرضاوي ص ‪21‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬وقبل الدخول يف موضوع هذ البحث نود اإلشارة إىل أن الشريعة اخلامتة اليت أنزهلا هللا تعاىل على رسوله دمحم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص وجاءت أحكامها يف الكتاب والسنة بصور متعددة ما بني التصريح والتنبيه واإلشارة واإلمياء وغري ذلك من‬
‫طرق داللة األدلة على األحكام من خالل األمر أو النهي أو التوجيه واإلرشاد أو التقرير أو من خالل القصص‬
‫وأخبار السابقني وحنو ذلك‪.‬‬
‫وسوف تدور خطة البحث َتت عنوان القضاء يف احلدود واحلقوق يف ظل السياسة الشرعية ‪ ،‬نفرد هلا ابابً متهيدايً َتت عنوان‬
‫السياسة لغة وفقهاً ‪ ،‬مث ابابً اثنياً يف احلدود ‪ ،‬وأخرياً ابابً اثلثاً يف احلقوق‪.‬‬
‫تعريف السياسة‪:‬‬
‫السياسة لغة‪ :‬القيام على الشيء مبا يصلحه‪ ،‬ولفظ 'السياسة' يف لغة العرب حممل بكثري من الدالالت‬
‫واإلرشادات واملضامني‪ ،‬فهي إصالح واستصالح‪ ،‬بوسائل متعددة من اإلرشاد والتوجيه والتأديب والتهذيب‬
‫واألمر والنهي‪ ،‬تنطلق من خالل قدرة تعتمد على الوالية أو الرائسة‪ .‬وما جاء يف معاجم اللغة يدل على ما‬
‫تقدم‪ ،‬فقد جاء يف اتج العروس يف مادة سوس‪' :‬سست الرعية سياسة' أمرهتا وهنيتها‪ ،‬والسياسة القيام على‬
‫الشيء مبا يصلحه'‪ ،‬ويف لسان العرب يف املادة نفسها‪' :‬السوس‪ :‬الرايسة‪ ،‬وإذا رأسوه قيل سوسوه‪ ،‬وأساسوه‪،‬‬
‫وس ِّوس الرجل على ما مل يسم فاعله‪ :‬إذ ملك أمرهم‪ ،‬وساس األمر‬ ‫وسوس أمر بين فالن‪ :‬أي كلف سياستهم‪ُ ،‬‬
‫سياسة‪ :‬قام به‪ ،‬والسياسة‪ :‬القيام على الشيء مبا يصلحه‪ ،‬والسياسة‪ :‬فعل السائس يقال‪ :‬هو يسوس الدواب إذا‬
‫قام عليها وراضها‪ ،‬والوايل يسوس رعتيه'"‪ ،1‬والسياسة كما عرفها النسفي يف طلبة الطلبة بقوله "السياسة حياطة‬
‫الرعية مبا يصلحها لطفا وعنفا"‪.‬‬
‫وقد عرفت السياسة الشرعية بتعاريف عدة‪ ،‬والفقهاء هلم اجتاهان يف بيان ذلك‪ ،‬االجتاه األول‪ :‬ميثله قول أيب‬
‫الوفاء بن عقيل احلنبلي‪" :‬السياسة ما كان من األفعال؛ حبيث يكون الناس أقرب إىل الصالح وأبعد عن الفساد‪،‬‬
‫وإن مل يشرعه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وال نزل به وحي'‪ ،‬وقد قيده بقوله‪' :‬ما مل خيالف ما نطق به الوحي' وعلى هذا النحو‬
‫حيمل كالم ابن جنيم احلنفي‪ ،‬حيث يقول يف ابب حد الزان‪' :‬وظاهر كالمهم هاهنا أن السياسة هي فعل شيء‬
‫من احلاكم ملصلحة يراها‪ ،‬وإن مل يرد بذلك الفعل دليل جزئي'‪ ،‬وكالم ابن عقيل أدق منه وأسد؛ ألنه قيد َتقيق‬
‫املصاحل ودرء املفاسد بعدم خمالفة الشريعة ومل يربطها برؤية احلاكم‪ ،‬بعكس كالم ابن جنيم فلم يقيدها بعدم خمالفة‬
‫الشريعة وربطها برؤية احلاكم‪ ،‬وقد يكون مراد ابن جنيم كمراد ابن عقيل‪ ،‬لكن عبارته قصرت عن ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫التعريف يوسع جمال السياسة الشرعية‪.‬‬

‫‪ 1‬جملة البيان عدد ‪ 217‬مقال السياسة الشرعية تعريف وَتصيل دمحم بن شاكر الشريف‬
‫‪5‬‬
‫اان‬
‫واالجت اه الث ا ي‪ :‬اجت اه يض يق جم ال السياس ة وحيص رها يف ابب اجلن اايت أو العق وابت املغلظ ة‪ ،‬وق د جتع ل أحي ً‬
‫مرادف ة للتعزي ر‪ ،‬وه ذا االجت اه غال ب عل ى الفق ه احلنف ي يف نظرت ه للسياس ة‪ ،‬ق ال ع الء ال دين الطرابلس ي احلنف ي‪:‬‬
‫'السياسة شرع مغلظ'‪.‬‬

‫وق د 'نق ل العالم ة اب ن عاب دين احلنف ي ع ن كت ب امل ذهب‪ :‬أن السياس ة جت وز يف ك ل جناي ة وال رأي فيه ا إىل‬
‫اإلم ام‪ ،‬كقت ل مبت دع يت وهم من ه انتش ار بدعت ه وإن مل حيك م بكف ره ‪ ..‬ول ذا عرفه ا بعض هم أبهن ا تغل يط جناي ة هل ا‬
‫حسما ملادة الفساد‪ ،‬وقوله‪ :‬هلا حكم شرعي معناه أهنا داخلة َتت قاعدة الشرع وإن مل ينص عليها‬
‫حكم شرعي ً‬
‫خبصوصه ‪ ..‬ولذا قال يف البحر‪ :‬ظاهر كالمهم أن السياسة هي فعل ش يء م ن احل اكم ملص لحة يراه ا‪ ،‬وإن مل ي رد‬
‫بذلك الفعل دليل جزئي'‪.‬‬

‫وقال بعض علماء احلنفية‪' :‬والظاهر أن السياسة والتعزيز مرتادفان‪ ،‬ولذا عطفوا أحدمها عل ى اآلخ ر لبي ان التفس ري‬
‫كما وقع يف اهلداية والزيلعي وغريمها'"‪.1‬‬

‫ومراد الفقهاء هنا ابلسياسة هو ما يطلق عليه السياسة الشرعية‪ ،‬والسياس ة احلق ة ليس ت يف حاج ة إىل ه ذا القي د‬
‫ألن السياسة تعين اإلص الح واالستص الح وذل ك يك ون عل ى أقص ى درج ات الكم ال ح ني التقي د ابلش ريعة‪ ،‬ف ال‬
‫َتتاج السياسة من املنظور اإلسالمي لذلك التقييد‪ ،‬لكن ملا وجد من الوالة من ال يفهم ذلك‪ ،‬وظن أن السياس ة‬
‫أن يفع ل م ا ي راه جالب ا ملص لحة أو ي درأ مفس دة م ن خ الل تق ديره الشخص ي للموق ف‪ ،‬احت يج لتقيي د ذل ك‬
‫ابلشريعة دفعا لذلك التوهم الفاسد‬

‫ولعلنا نلحظ أن جانبا من هذه التعريفات ركز أو اقتصر على ج زء ا ا تعاجل ه السياس ة الش رعية‪ ،‬س واء م ن حي ث‬
‫التص رف فق د حص رهتا يف األفع ال دون غريه ا‪ ،‬أو م ن حي ث الق ائم هب ا فق د حص رته يف احل اكم دون غ ريه‪ ،‬لك ن‬
‫ابلنظر إىل أن اإلنسان عضو يف جمتمع م ن اآلدمي ني أمثال ه وه و ال يس تطيع الع يد منف ردا‪ ،‬وال ميكن ه القي ام بك ل‬
‫م ا حيت اج إلي ه م ن الش اون إال ابملس اعدة واملعون ة م ن اآلخ رين‪ ،‬وه ذه عالق ات متش ابكة ومص احل متداخل ة ب ني‬
‫الناس مب ا َتتمل ه م ن تواف ق اآلراء والطب اع أو ختالفه ا‪ ،‬وحينا ذ ف إن حي اهتم ال تس تقيم إال بوج ود نظ ام يش مل ك ل‬
‫العالقات املتشابكة واملصاحل املتداخلة يقيمها ويديرها على أساس من العدل‪.‬‬

‫‪ 2‬جملة البيان عدد ‪ 217‬مقال السياسة الشرعية تعريف وَتصيل دمحم بن شاكر الشريف‬
‫‪6‬‬
‫وإدارة العالقات املتشابكة بني الناس وجلب املصاحل ودفع املفاسد يف مجيع اجملاالت مبا ميكن أن حيقق تطلعات‬
‫اجلميع مع احملافظة على الصالح والعدالة هو ما ميكن أن يطلق عليه سياسة‪ ،‬والسياسة هبذا الفهم جماهلا واسع‬
‫ميتد ليشمل جماالت احلياة كلها‪ ،‬فهي ليست حمصورة يف أفعال يقوم هبا احلاكم كما سبق ذكره‪ ،‬وإمنا تتعداها إىل‬
‫األنظمة والرتتيبات اليت يضعها أهل احلل والعقد حمققة لتلك األهداف‪ ،‬وهي أيضا ليست مساوية لنظام احلكم‬
‫كما يعرفها القانونيون والكاتبون يف جمال السياسة الوضعية‪ ،‬فنظام احلكم أو النظام السياسي ليس إال جزءا من‬
‫السياسة مبعناها الواسع الذي يشمل أمور احلياة كلها من سياسة (مبعناها الضيق) واقتصاد ومعامالت وقضاء‪،‬‬
‫وعالقات دولية وحنو ذلك‪ ،‬وفيما نظن أنه تعريف أكثر مشوال للسياسة الشرعية نقول‪ :‬إهنا قيادة وإدارة اجملتمع يف‬
‫مجيع النواحي الداخلية واخلارجية وأمور الدين والدنيا جللب املصاحل ودفع املفاسد املتعلقة ابلفرد أو اجملموع‪،‬‬
‫ابلعدل واحلق‪ ،‬رغبا ورهبا‪ ،‬لتحقيق الغاية اليت خلق اإلنسان من أجلها مبا يوافق كليات الشريعة وجزئياهتا وال‬
‫يتعارض معها‪ ،‬إضافة إىل النظم والرتتيبات اليت ميكن هبا َتقيق ما تقدم‪ ،‬ولعلنا نلحظ هذا الشمول يف تعريف‬
‫السياسة الشرعية من تعريف أيب البقاء الكفوي هلا يف كلياته‪ ،‬حيث قال‪" :‬السياسة هي استصالح اخللق‬
‫إبرشادهم إىل الطريق املنجي يف العاجل واآلجل‪ ،‬وهي من األنبياء على اخلاصة والعامة يف ظاهرهم وابطنهم‪،‬‬
‫ومن السالطني وامللوك على كل منهم يف ظاهرهم ال غري‪ ،‬ومن العلماء ورثة األنبياء على اخلاصة يف ابطنهم ال‬
‫غري"‪.2‬‬
‫والسياسة إذا كانت تنطلق من الشريعة وتتقيد بنصوصها وأحكامها كانت سياسة شرعية‪ ،‬وإما إن كانت تنطلق‬
‫اا ترى العقول صوابه من خالل تصوراهتا وجتارهبا من غري تقيد ابلشرع فهذه سياسة عقلية أو مدنية‪ ،‬وهي مباينة‬
‫للسياسة الشرعية‪.‬‬
‫والسياسة الشرعية ثالثة أقسام‪ :‬قسم اثبت ابلقرآن فهو سياسة إهلية‪ ،‬وقسم اثبت ابلسنة فهو سياسة نبوية‪،‬‬
‫وقسم اثبت ابالجتهاد وفق قواعد االجتهاد املعروفة يف أصول الفقه فهو سياسة اجتهادية‪ ،‬وكل ذلك يطلق عليه‬
‫سياسة شرعية‪.‬‬
‫والسياسة الشرعية تواكب التطورات الداخلة على تصرفات الناس وأوضاعهم وال تقف عند حد السياسات‬
‫التفصيلية اجلزئية السابقة‪ ،‬بل تتجاوزها إذا مل تكن حمققة ألحكام الشريعة ومقاصدها إىل سياسات مناسبة‬
‫للتطور الداخل على حياة األفراد واألمم يف ظل احملافظة على أحكام الشريعة ومقاصدها‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه هي السياسة الشرعية بعمومها ومشوهلا فإننا نعاجلها يف مبحثني‪ :‬أحدمها‪ :‬على مستوى اإلسالم‬
‫نفسه يف داللة مصادره على السياسة وفيه رد على الفريق األول الذي يقول إن الشريعة مل تعنت ابلسياسة‪،‬‬
‫‪ 3‬الكليات أليب البقاء أيوب بن موسى احلسيين الكفوي‪808/2‬‬

‫‪7‬‬
‫والثا ي‪ :‬على مستوى كتاابت العلماء وتواليفهم يف موضوعات السياسة‪ ،‬وفيه رد على الفريق الثا ي الذي يقول‪:‬‬
‫إن العلماء أمهلوا العناية ابلسياسة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫املبحث األول‪ :‬السياسة الشرعية على مستوى اإلسالم نفسه يف داللة مصادره عليها وفيها الرد على الفريق‬
‫األول‪:‬‬

‫إن املطلع على نصوص الوحي املعصوم من الكتاب والسنة جيد أهنا مل تقتصر على األمور املتعلقة ابآلخرة فقط‪،‬‬
‫كما يقول ذلك احملادون هلل ورسوله‪ ،‬كما مل تقتصر على األمور املتعلقة بنظام احلكم وحده‪ ،‬وإمنا أفردت مكاان‬
‫كبريا وعظيما للحديث عن كل املسائل اليت حيتاجها اإلنسان يف حياته يف مجيع مراحله‪ ،‬انطالقا من كونه فردا‪،‬‬
‫ومن كونه عضوا يف مجاعته احملدودة أو يف مجاعته املتسعة‪ ،‬ولو حاولنا إيراد وتقصي ما ورد من النصوص املتعلقة‬
‫بذلك الحتاج األمر إىل أسفار‪ ،‬ولو أضفنا على ذلك شروح أهل العلم هلذه النصوص الحتاج كل سفر إىل‬
‫أسفار‪ ،‬لكن لعلنا نورد هنا ما يكون مبثابة العناوين من غري تفصيل فهو الالئق مبثل هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪-2‬ففي جمال نظام احلكم‪:‬‬


‫وردت النصوص اليت تدل على طبيعة هذا النظام ووجوب إقامته‪ ،‬واَه وصفات القائمني عليه وشروطهم‬
‫وواجباهتم وحقوقهم وهل له حصانة َتول دون حماسبته‪ ،‬ومرجعية النظام التشريعية والقانونية‪ ،‬وَتدثت عن حكم‬
‫طلب الوالية‪ ،‬كما َتدثت عن موقع أهل الذمة ومدى إمكانية توليهم للوالايت‪ ،‬ودور املرأة يف ذلك وكيفية‬
‫الوصول إىل ذلك املنصب‪ ،‬واجلهات اليت تعني املتصدين للمنصب األَى‪ ،‬وبينت دور األمة يف ذلك‪ ،‬ومراقبة‬
‫تصرفات احلاكم ومدى تقيدها ابلشرع‪ ،‬وإدارة أمور الدولة ومن يعاونه يف ذلك كما َتدثت عن مساولية ويل‬
‫األمر ومساولية من يعاونه عن تصرفاهتم‪ ،‬وبينت صفاهتم وصالحياهتم‪ ،‬وذكرت الشورى يف إدارة األمور وصفات‬
‫من يستشار والصالحيات املمنوحة ألهل الشورى‪ ،‬كما َتدثت النصوص عن السمع والطاعة لويل األمر يف‬
‫املعروف‪ ،‬وأنه ال طاعة يف املعصية‪ ،‬كما َتدثت النصوص عن املوقف الذي ينبغي اختاذه عند وجود خالف بني‬
‫ويل األمر والرعية وكيف حيل ذلك األمر‪ ،‬كما َتدثت النصوص عن مسوغات عزل املتويل لألمر واخلروج عليه إن‬
‫احتيج لذلك‪ ،‬مع بيان الضوابط والشروط اليت تلزم لذلك‪ ،‬كما بينت النصوص صاحب السيادة واملرجع الذي‬
‫يرجع إليه وتصدر عنه مجيع اللوائح واألنظمة والقوانني‪ ،‬والعمل مع اخلارجني عن النظام بغري حق وهم البغاة‪،‬‬
‫وأحكام ذلك إىل غري ذلك من األمور‪.‬‬

‫‪-1‬ويف جمال العالقات الدولية‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫َتدثت النصوص عن عالقة دولة اإلسالم بغريها من األنظمة القائمة‪ ،‬وما واجبها جتاه رعااي الدول الكافرة اليت‬
‫تدين بغري دين اإلسالم‪ ،‬وبيان أصل العالقة بني املسلمني وغريهم من الكافرين‪ ،‬وأثر العلم بدين اإلسالم وعدمه‬
‫على تلك العالقة‪ ،‬وَتدثت عن مسوغات احملاربة هلذه الدول وما احلد الذي ينتهي عنده القتال‪ ،‬كما َتدثت‬
‫عن عقد املعاهدات واهلدنة واألمان معهم‪ ،‬والوفاء مبا عاهد عليه املسلمون‪ ،‬ومن الذي له حق إبرام املعاهدات‬
‫نيابة عن األمة‪ ،‬واملدة الزمنية للمعاهدات‪ ،‬ومىت جيوز نبذ العهد‪ ،‬كما َتدثت عن التحالف مع الكفار وضوابط‬
‫ذلك‪ ،‬والواجب حيال السفراء الذين ينقلون رسائل أقوامهم إىل ويل األمر املسلم‪ ،‬وهل للسفري حصانة وما‬
‫ضوابطها‪ ،‬وَتدثت عن أسرى العدو وما يفعل معه‪ ،‬والتجارة مع أهل احلرب‪ ،‬ومناصرة املسلمني يف خارج دولة‬
‫ويل األمر على عدوهم وأحوال ذلك‬

‫‪-2‬ويف جمال احلفاظ على دولة اإلسالم‪:‬‬


‫شرعت النصوص اجلهاد يف سبيل هللا تعاىل ودعت لالستعداد لذلك عن طريق جتييد اجليوش‪ ،‬وإعداد العدة‬
‫والعناية ابلصناعات احلربية‪ ،‬واحلث على التدرب على املعدات القتالية واملسابقة فيها‪ ،‬كما بينت حدود استخدام‬
‫السالح الفتاك‪ ،‬كما بينت حكم مواالة األعداء ومساعدهتم ضد املسلمني واخلروج يف صفوفهم‪ ،‬واحلكم فيمن‬
‫جتسس على املسلمني لصاحل الكفار‪ ،‬واالستعانة بغري املسلمني يف احلفاظ على دولة املسلمني‪ ،‬كما َتدثت عن‬
‫العمل يف الغنائم اليت تكون إحدى نتائج املعارك‪ ،‬وكذلك أسرى احلرب‪.‬‬
‫كما بينت النصوص اجلانب األخالقي للجهاد يف سبيل هللا تعاىل حبيث مل يعد قاصرا على محاية دار اإلسالم‬
‫وإمنا تعدى ذلك للدفاع عن حقوق غري املسلمني يف أن خيرجوا من َتت سلطان احلكام الطغاة‪ ،‬ويف التعرف‬
‫على اإلسالم وَاع كالم هللا‪ ،‬وقد َتمل املسلمون يف سبيل َتقيق ذلك أهواال مجة‪ ،‬مل يدفعهم إليها احلرص على‬
‫دنيا زائلة أو مغامن فانية‪ ،‬بل إخراجا للناس من الظلمات إىل النور إبذن رهبم‬
‫كما َتدثت النصوص عن محاية اجملتمع واحلفاظ عليه أمنيا وأخالقيا فدعت لألخالق احلميدة ومنعت الظلم‬
‫والعدوان وشرعت العقوابت املناسبة للتعدي على اآلخرين يف أنفسهم وأعراضهم وأمواهلم‪ ،‬وظهرت لذلك والية‬
‫احلسبة ووالية املظامل‬
‫‪-2‬ويف جمال حقوق وحرايت اإلنسان املسلم‪ :‬بينت النصوص أن املسلم عبد هلل وحده ومن مث فإن الذي حيدد‬
‫حقوقه ويبني واجباته هو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وقد ساوت النصوص بني املسلمني فال تفضيل ألحد على آخر إال‬
‫ابلتقوى‪ ،‬وجعلت النصوص الشرعية حرمة ملال املسلم ودمه وعرضه وعملت على صيانة ذلك بكل سبيل‬
‫ووضعت عقوابت ملن خيالف ويعتدي على تلك احلقوق‪ ،‬كما مل تلزم النصوص أحدا ابلتبعية الفكرية ألحد بل‬
‫كفلت له حقه يف التفكري ويف األخذ مبا يظهر له أنه الصواب دون إلزام له بتبين رأي السلطة احلاكمة أو غريها‬
‫‪11‬‬
‫ما دام ما توصل إليه ال خيرج عن حدود الشرع‪ ،‬وانطالقا من أن هذه احلقوق اثبتة للمسلم من تشريع هللا تعاىل‬
‫وليست منحة من أحد سواء كان األحد هذا فردا ملكا أو رئيسا أو كان مجاعة أو شعبا أبكمله‪ ،‬فإن أحدا من‬
‫هؤالء ال ميلك إلغاء هذه احلقوق أو تقييدها بغري ما قيدهتا به الشريعة‪ ،‬ويف ذلك أكرب الضمان للحفاظ على‬
‫حقوق املسلم‪ ،‬كما بينت النصوص حقوق وواجبات املقيمني على أرض اإلسالم من غري املسلمني‪ ،‬وعملت‬
‫على احرتامها والتقيد هبا وعدم خمالفتها سواء من السلطة احلاكمة أو من أفراد الشعب‬
‫‪-5‬ويف جمال االخرتاع واالبتكار‪ :‬أاتحت الشريعة للمسلم العمل والسعي ودعته للجد يف كل ما يعود عليه أو‬
‫على جمتمعه ابخلري‪ ،‬كما دللت على األخذ ابملصلحة ومنع الضرر‪ ،‬ومل تقيد حركاته أو جهوده يف ذلك بغري‬
‫االلتزام أبحكام الشريعة وعدم اخلروج عليها‪،‬‬
‫‪ -2‬ويف جمال البناء والتعمري والعناية ابحلرف واملهن اليت تسمو ابجملتمع‪َ :‬تدثت النصوص عن العناية ابلزرع وعن‬
‫إحياء املوات‪ ،‬واالهتمام ابحلرف وتعلم الصناعات‪ ،‬والصيد واستخراج الثروات اليت يف ابطن األرض أو البحر‪،‬‬
‫ومحاية البياة من التلوث‪ ،‬والعناية ابلنظافة والصحة والعمل على منع اإلصابة ابألمراض أو نقلها من مكان إىل‬
‫آخر‬
‫‪-7‬ويف جمال القضاء بني الناس‪َ :‬تدثت النصوص عن احلكم ابلعدل وعدم الظلم وبينت شروط القاضي بني‬
‫الناس‪ ،‬ومن أين َيخذ أجره‪ ،‬والشريعة اليت حيكم هبا‪ ،‬كما بينت ضرورة إنفاذ حكم القضاء وبينت أيضا األحوال‬
‫اليت ينقض فيها حكم القضاء‪ ،‬وَتدثت عن الصلح بني الناس وشروطه وحكمه‪ ،‬والتحكيم ‪.‬‬
‫‪-8‬ويف جمال االقتصاد‪َ :‬تدثت النصوص عن َترمي الراب ودعت للقرض احلسن‪ ،‬كما َتدثت عن منع الغرر‬
‫والغد وحرمت كثريا من البيوع اليت توافرت فيها دواعي ذلك كاجلهالة أو الغنب‪ ،‬أو اخلداع كالنجد وغريه‪،‬‬
‫وأابحت البيوع واالستاجار واملضاربة‪ ،‬ودعت إىل الصدق يف املعامالت ومراعاة أداء األمانة‪ ،‬ودعت أيضا إىل‬
‫كتابة الديون واإلشهاد عليها‪ ،‬كما دعت للتنمية االقتصادية‪ ،‬وعظمت قيمة العمل ودعت للضرب يف األرض‬
‫وابتغاء فضل هللا‪ ،‬وحقرت من أمر املسألة واالتكال على اآلخرين‪ ،‬وغري ذلك من اجملاالت األخرى اليت غطتها‬
‫الشريعة كبيان موارد الدولة املالية وكيفية اإلنفاق وضوابط ذلك‪ ،‬ذلك أن السياسة من معا ي الدين‪ ،‬قال‬
‫الزخمشري يف أساس البالغة‪" :‬دان القوم إذا ساسهم وقهرهم فدانوا له"‪ ،‬ويف لسان العرب البن منظور‪" :‬الداين‬
‫ودنته‪َ :‬ملَكْتُه‪ ،‬و ُدي ْن تُه أَي ُملِّكته‬
‫الذي يلي أمرك ويسوسك"‪ ،‬ويف لسان العرب‪ :‬أيضا« ِّدنْته أ َِّدينُه ديناً‪ :‬سسته‪ِّ ،‬‬
‫َْ ُ ْ‬
‫القوم‪ :‬ولَّيته سياستهم‪ ...‬والداين‪ :‬السائس»‪ ،‬وهذا يعين أن السياسة من معا ي الدين‬ ‫وَديَّْن تُه َ‬

‫‪11‬‬
‫املبحث الثا ي‪ :‬السياسة الشرعية على مستوى كتاابت العلماء وتواليفهم‪ ،‬وفيه الرد على الفريق الثا ي‪:‬‬

‫وانطالقا من تلك اجملاالت املتعددة اليت عاجلتها مصادر الشريعة يف ابب السياسة الشرعية‪ ،‬ظهرت الكتاابت‬
‫املتعددة اليت تعاجل هذه املسائل‬

‫ومن املعروف أن وجود العلم يسبق تدوينه مبدة قد تطول وقد تقصر‪ ،‬فتدوين العلم الحق على وجوده‪ ،‬وذلك‬
‫أمر موجود يف كل العلوم الدينية أو الدنيوية‪ ،‬وال يعين عدم تدوين العلم يف الفرتة السابقة على التدوين عدم وجد‬
‫العلم فيها فذلك أمر مل يقل به أحد‪ ،‬وموضوعنا ال خيرج عن تلك القاعدة‪.‬‬

‫ميكننا أن نقول إن الكتابة يف السياسة الشرعية مر ت بثالثة أطوار‪:‬‬

‫الطور األول‪ :‬كانت بداايت كالم العلماء يف ذلك الباب مرتبطة ابلرواية اليت كانت تعتمد يف أول األمر يف‬
‫أغلب أحياهنا على النقل الشفوي‪.‬‬

‫الطور الثا ي‪ :‬وانتقل كالم العلماء يف ذلك يف طور الحق إىل التدوين لكنه كان اتزجا مبا كتب من تفسري‬
‫القرآن الكرمي واحلديث النبوي الشريف‪ ،‬قبل أن تظهر الكتاابت املتخصصة اليت تعاجل موضوعات خاصة من‬
‫موضوعات السياسة الشرعية‪ ،‬واا ميثل كتب هذا الطور كتب احلديث املصنفة على األبواب كصحيح البخاري‬
‫ومسلم وأيب داود والرتمذي والنسائي وابن ماجه وموطأ مالك وسنن الدارمي وحنوها‪ ،‬وكذلك كتب الفقه املصنفة‬
‫على األ بواب ككتاب األم للشافعي‪ ،‬وسائر ما كتب من الكتب الفقهية يف سائر املذاهب‪ ،‬فقد ضمنت هذه‬
‫الكتب يف داخلها فصوال متعددة عن كثري من مسائل السياسة الشرعية ففيها فصول عن اإلمارة والشورى‬
‫واجلهاد وأحكام البغاة‪ ،‬واحلدود واجلزية والعهد واألمان واملوادعة والقضاء والبيوع واملزارعة واملساقاة وحنو ذلك‪،‬‬
‫وكتب السرية النبوية أيضا‪ ،‬وكذلك كتب العقائد أو الكالم حيث ضمت يف ثناايها احلديث عن اإلمامة الكربى‬
‫(رايسة الدولة) وما دار حوهلا من اختالفات وما يتعلق هبا من أحكام‪ ،‬وقد تداخل هذا الطور مع الطور الثالث‬
‫فما زالت تؤلف الكتب على هنجه حىت مع ظهور الكتاابت املتخصصة‪ ،‬كتلك الكتب املصنفة يف بعض‬
‫املوضوعات الشرعية حيث تتعرض يف ثنااي ذلك ملسائل من السياسة الشرعية كفضائح الباطنية للغزايل حيث‬
‫خصص جزءا من كتابه للحديث عن اإلمامة‪ ،‬وكمنهاج السنة النبوية يف الرد الشيعة القدرية البن تيمية حيث‬
‫ضمنه كثري من الكالم حول اإلمامة وطرق انعقادها‪ ،‬كما َتدث عن إثبات خالفة الصديق كما ذكر الشروط‬
‫اليت ينبغي توافرها فيمن يعقد اإلمامة ملستحقها‪ ،‬وكذلك كتاب اآلداب الشرعية البن مفلح حيث تعرض لكثري‬

‫‪12‬‬
‫من مسائلها كإنكار املنكر‪ :‬حاالته وأحكامه وأنواع من ينكر عليهم واإلنكار على السلطان‪ ،‬وَتدث عن‬
‫الشورى وعن االستعانة أبهل الذمة يف أمور املسلمني‪ ،‬وغري ذلك من الكتب‪.‬‬

‫الطور الثالث‪ :‬مث انتقلت الكتابة إىل الطور الالحق وهو إفراد مسائل السياسة الشرعية أو بعضها ابلتصنيف‪،‬‬
‫وإن كان هذا ال مينع من وجود كتاابت متخصصة يف مسائلها وجدت يف الطور الثا ي‪ ،‬والكتاابت املتخصصة يف‬
‫جمال السياسة الشرعية وجدت على صورتني إحدامها‪ :‬االقتصار على مسائل السياسية الشرعية‪ ،‬والثانية‪ :‬ذكر‬
‫مجلة كبرية من مسائلها مع وجود مسائل أخرى ال تنتمي هلا‪ ،‬وإن كان هلا مبوضوع الكتاب تعلق‪.‬‬

‫ويف هذا الطور تكثر الكتاابت املتخصصة يف مسائل السياسة الشرعية‪ ،‬وقد استغرق الوصول إىل هذا الطور إىل‬
‫قرابة ثالثة قرون من الزمان‪.‬‬

‫ويف دراسة د‪/‬نصر دمحم عارف الرائدة اليت توصل من خالهلا إىل وجود أكثر من ثالمثائة مؤلف يف مسائل‬
‫السياسة الشرعية واليت طبع منها أكثر من مائة مؤلف مع االعرتاف واإلقرار أن هذا العدد ال ميثل مجيع ما كتب‪،‬‬
‫وهو ما يعين أن حماولة استيعاب احلديث عنها خيرج عن حدود هذه املقالة‪ ،‬ولذا فقد اقتصرت من أمثلة هذا‬
‫الطور على ما َتت يدي من الكتب (سواء كان يف صورة إلكرتونية أو صورة ورقية أو خمطوط)‪ ،‬على أن‬
‫الباحث جيد صعوبة يف الفصل احلاد بني جماالت هذه املؤلفات‪ ،‬فكثري منها مل خيلص لغرض واحد اا يُصعِّب‬
‫مسألة التصنيف‪ ،‬الذي يرتتب عليه االختالف يف عد هذا الكتاب ضمن هذا النطاق أو غريه‪.‬‬

‫وال شك أن الصورة املتكاملة يف تغطية موضوع السياسة الشرعية يف والايته مجيعا اليت ظهر هبا مؤلف األحكام‬
‫السلطانية‪ ،‬يرشد إىل أن هذا الكتاب يعد تطويرا وجتميعا جلهود سبقته يف اجملال نفسه‪ ،‬على أساس وجود‬
‫كتاابت تقتصر على ذكر والية أو عدة والايت إىل أن جاء املاوردي فجمع الوالايت كلها يف كتاب واحد ‪:‬‬

‫‪ -2‬كتب األحكام السلطانية وهي الكتب اليت تتحدث عن اإلمامة العظمى وما يرتبط هبا من والايت عدة‪،‬‬
‫وإن كان بعضها يقتصر يف احلديث عليها‪:‬‬

‫هذه الكتب ظهرت متأخرة نسبيا ومنهجها منهج فقهي يعتمد األدلة من النصوص الشرعية يف بيان الوالايت‬
‫وشروطها وصالحياهتا وصفات من يتوالها‪ ،‬فمن هذه الكتب كتاب تثبيت اإلمامة وترتيب اخلالفة للحافظ أيب‬
‫نعيم أمحد بن عبد هللا بن أمحد األصبها ي (ت‪220‬ه ) َتدث فيه عن تثبيت إمامة اخللفاء األربعة‪ ،‬وذكر أدلة‬
‫ذلك ورد على من خالف فيه كالرافضة وغريهم‪ ،‬وكتاب األحكام السلطانية والوالايت الدينية أليب احلسن علي‬
‫بن دمحم بن حبيب املاوردي الشافعي (ت ‪250‬ه ) [دار الكتب العلمية‪/‬بريون لبنان] تكلم فيه عن اإلمامة والوزارة‬
‫‪13‬‬
‫واإلمارة على البالد واإلمارة على اجلهاد والوالية على حروب املصاحل ووالية القضاء ووالية املظامل ووالية النقابة‬
‫على ذوي األنساب والوالية على إمامة الصالة والوالية على احلج والوالية على الصدقات وقسمة الفيء‬
‫والغنيمة وإحياء املوات واستخراج املياه وأحكام اجلرائم ووضع الديوان وذكر أحكامه واحلسبة‪ ،‬فهو يكاد يتعرض‬
‫لكل والايت الدولة ومؤسساهتا‪ ،‬وعلى املنوال نفسه َيه كتاب األحكام السلطانية والوالايت الدينية أليب يعلى‬
‫الفراء احلنبلي (ت‪258‬ه )‪[ ،‬دار الكتب العلمية‪/‬بريون لبنان]‪ ،‬وكتاب غياث األمم يف التياث الظلم إلمام احلرمني أيب‬
‫املعايل اجلويين (ت‪278‬ه ) [مؤسسة الراين‪/‬بريوت ط‪2218 2‬ه ]‪ ،‬وقد قسم كتابه إىل ثالثة أركان‪ :‬أحدها عن اإلمامة‬
‫وما يتعلق هبا من أبواب‪ ،‬والثا ي يف تقدير خلو الزمان من األئمة والوالة‪ ،‬والثالث يف تقدير انقراض محلة‬
‫الشريعة‪ ،‬وقد تفرد اجلويين مبنهج مل يسبقه إليه أحد حيث افرتض خلو الزمان من وجود ويل األمر الشرعي وبني‬
‫ما الذي ينبغي عمله يف هذه احلالة‪ ،‬ورسالة اخلالفة وامللك لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد‬
‫السالم ابن تيمية احلرا ي ت(‪718‬ه ) [مكتبة املنار‪/‬األردن ط‪2222 1‬ه وهي موجودة ضمن جمموع الفتاوى]‪َ ،‬تدث فيها عن‬
‫اخلالفة وامللك والفرق بينهما وبني معىن اخلليفة وخطأ من قال إنه مبعىن النائب عن هللا‪،‬كما َتدث عن أحكام‬
‫قتال البغاة والفرق بينهم وبني اخلوارج‪ ،‬وكتاب َترير األحكام يف تدبري أهل اإلسالم لبدر الدين دمحم بن إبراهيم‬
‫ابن مجاعة (ت‪722‬ه )‪[ ،‬دار الثقافة‪ /‬قطر‪ /‬الدوحة ‪2208 -‬ه ‪ 2188-‬ط‪ ]2‬فتحدث عن اإلمامة والوزارة والديوان‪،‬‬
‫وأكثر من احلديث عن اجلهاد وما يتعلق به‪ ،‬وقتال أهل البغي وعقد الذمة‪ ،‬لكنه مل يستوعب ما استوعبه كتاب‬
‫األحكام السلطانية‪ ،‬وكتاب حسن السلوك احلافظ دولة امللوك حملمد بن دمحم بن عبد الكرمي املوصلي‪،‬‬
‫(ت‪722‬ه ) [مدار الوطن‪/‬الرايض ط‪ ،] 2222 2‬وكتاب مآثر اإلانفة يف معامل اخلالفة ألمحد بن علي بن أمحد‬
‫القلقشندي (ت ‪812‬ه ) [مطبعة حكومة الكويت‪/‬الكويت ط‪2185 1‬م]‪ ،‬جوانب عديدة من هذا الكتاب تدخل َتت‬
‫كتب األحكام السلطانية حيث تتحدث عن معىن اخلالفة وطرق االنعقاد وواجب اخلليفة جتاه الرعية وحقه‬
‫عليهم كذلك احلديث عن والية العهد وعن الطوارئ اليت مبقتضاها يعزل اخلليفة أو ويل العهد‪ ،‬لكن هناك‬
‫جوانب أخر تعد من قبيل التاريخ السياسي حيث يعرض لتاريخ اخلالفة من بدايتها إىل زمنه يف العديد من‬
‫اجلوانب‪،‬وكتاب الوالايت ألمحد بن حيىي الونشريسي املالكي (ت‪122‬ه )‪[ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪/‬بورسعيد‪/‬ط‪1002 2‬م]‬

‫‪-1‬اجلوانب املالية املتعلقة ابلدولة اإلسالمية‪:‬‬

‫الدولة ال بد أن يكون هلا مصادر مالية تنفق منها على املصاحل العامة لتحقيق الغاايت من وجود الدولة‪ ،‬وَتتاج‬
‫إىل مسلك الرمحة واإلحسان يف مجع هذه املوارد‪ ،‬ومسلك العدل يف توزيعها‪ ،‬وأول ما يقابلنا من الكتاابت‬
‫املتخصصة يف اجلوانب املالية كتاب اخلراج للقاضي أيب يوسف (ت‪281‬ه ) [املكتبة األزهرية‪/‬القاهرة عام ‪2210‬ه ]‬
‫صاحب اإلمام أيب حنيفة‪ ،‬وهو كتاب مطبوع متداول كتبه أبو يوسف أبمر اخلليفة هارون الرشيد‪ ،‬تناول فيه‬
‫‪14‬‬
‫اجلانب املتعلق ابملوارد املالية للدولة كالغنيمة والفيء واخلراج والصدقات وكيفية اإلنفاق منه‪ ،‬ورواتب القضاة‬
‫والعمال‪ ،‬كما تناول بعض ما يتعلق ابلوالة واألمراء‪ ،‬كما تناول احلدود وأنواعها وكيفية إقامتها‪ ،‬وحكم املرتد عن‬
‫اإلسالم‪ ،‬مث اختتم كتابه ابحلديث عن قتال أهل الشرك واألمان واملوادعة وهو اا يدخل يف القانون الدويل‬
‫والعالقات الدولية‪ ،‬ومن الكتب اليت حنت هذا املنحى االقتصادي كتاب اخلراج ليحىي بن آدم (ت‪102‬ه ) [دار‬
‫الشروق‪/‬مصر ط‪2187 2‬م]‪ ،‬وكتاب األموال أليب عبيد القاسم بن سالم (ت‪112‬ه ) [دار اهلدي النبوى مبصر‪/‬دار الفضيلة‬
‫ابلسعودية ط‪2218 2‬ه ]‪ ،‬وكتاب األموال حلميد بن زجنوية (ت‪152‬ه ) [مركز امللك فيصل للبحوث والدراسات‪/‬الرايض]‬
‫وكتاب األموال أليب جعفر أمحد بن نصر الداوودي (ت‪201‬ه )‪[ ،‬دار السالم‪/‬مصر‪/‬ط‪2217 1‬ه ]‪ ،‬وكتاب االستخراج‬
‫ألحكام اخلراج البن رجب احلنبلي [دار الكتب العلمية‪/‬بريوت ط‪2205 2‬ه ]‪ ،‬ورسالة قاعدة يف األموال السلطانية لشيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية (ت‪718‬ه )‪[ ،‬سلسلة حبوث وَتقيقات خمتارة من جملة احلكمة (‪2211 )11‬ه ]‪ ،‬على أن هذه الكتب‬
‫كلها مل تقتصر على اجلانب املايل‪ ،‬وإمنا َتدثت عن أمور أخرى اا هو من مسائل السياسة‪ ،‬كاحلكم ابلعدل‬
‫ووجوب السمع والطاعة ألئمة املسلمني وترك منازعتهم وحنو ذلك‪ ،‬وال شك أن هناك جوانب من املوارد املالية‬
‫للدولة املذكورة يف هذه الكتب غري موجودة اآلن‪ ،‬لكن الذي يهمنا بيان اشتغال علماء املسلمني يف زمنهم‬
‫وعنايتهم به‬

‫‪-2‬القانون الدويل والعالقات الدولية‪:‬‬

‫هناك أحكام شرعية َتكم العالقة بني الدولة اإلسالمية وبني الدول الكافرة‪ ،‬كاألحكام املتعلقة ابملغازي والسري‬
‫والعهد واألمان والصلح واملوادعة واجلزية وحنو ذلك‪ ،‬ومن الكتب املبكرة جدا يف ذلك ما كنبه أبو عمر عبد‬
‫الرمحن بن عمرو األوزاعي (ت‪257‬ه )‪ ،‬يف كتابه السري وقد رواه اإلمام الشافعي بسنده يف كتاب األم‪ ،‬وكتاب‬
‫السري أليب إسحق إبراهيم بن دمحم الفزاري (ت‪282‬ه ) [مؤسسة الرسالة‪/‬بريوت ط‪2187 2‬م‪ ،‬والكتاب بعضه مفقود]‪،‬‬
‫وكتاب السري الكبري حملمد بن احلسن الشيبا ي‪0‬ت‪281‬ه ) تلميذ أيب حنيفة‪ ،‬وقد شرحه مشس األئمة السرخسي‬
‫(ت‪210‬ه ) [دار الكتب العلمية بريوت ط‪2227 2‬ه ]‪ ،‬وكان الشيبا ي صنف قبله كتاب السري الصغري‪ ،‬وأليب يوسف‬
‫مشاركة يف ذلك حيث ألف كتااب اَه الرد على سري األوزاعي‪ ،‬واا ميكن إضافته إىل ذلك الواثئق السياسية‬
‫اليت متثل العقود والعهود اليت أعطاها النيب ملسو هيلع هللا ىلص وقادة الفتح للبلدان املفتوحة‪ ،‬وقد مجع أغلب هذه الواثئق يف‬
‫‪2‬‬
‫كتاب بعنوان"جمموعة الواثئق السياسية يف العهد النبوي واخلالفة الراشدة"‬

‫‪-2‬الوزارة‪:‬‬

‫‪ 4‬جمموعة الواثئق السياسية مجعها د‪/‬دمحم محيد هللا احليدر آابدي مكتبة الثقافة الدينية‪ /‬القاهرة‬

‫‪15‬‬
‫الوزارة من الوالايت السياسية اهلامة اليت ظهرت يف نظامنا السياسي‪ ،‬وهي تشمل جانبني‪ :‬وزارة التفويض يقوم‬
‫فيها الوزير مقام اخلليفة أو الرئيس يف كل فعله فهو مفوض من قبله يف ذلك‪ ،‬لذا يشرتط له من الشروط ما‬
‫يشرتط للخليفة خال شرط النسب‪ ،‬واحلرية على الصحيح‪ ،‬ووزارة التقييد (كذا َاها الثعاليب وهي اليت َاها‬
‫املاوردي وزارة التنفيذ) يكون فيها الوزير مبثابة السفري بني اخلليفة والرعية فليست متثل والية على احلقيقة‪ ،‬وقد‬
‫وجدت الكتب املتخصصة اليت اعتنت بذلك‪ ،‬فمن الكتب ذات االهتمام التارخيي كتاب الوزراء والكتاب أليب‬
‫عبد هللا دمحم بن عبدروس اجلهشياري (ت‪222‬ه ) [مكتبة مصطفى البايب احلليب‪/‬القاهرة ط‪2202 2‬ه ]‪ ،‬ومن الكتب ذات‬
‫االهتمام الفقهي كتاب َتفة الوزراء أليب منصور عبد امللك بن دمحم بن إَاعيل الثعاليب (ت‪211‬ه ) [دار‬
‫البشري‪/‬عمان ط‪2222 2‬ه ]‪ ،‬حيث رتب املؤلف كتابه على مخسة أبواب حبث فيها أصل الوزارة واشتقاقها وصفات‬
‫الوزير الصاحل‪ ،‬واحلقوق املتبادلة بني الوزير وامللك‪ ،‬وأقسام الوزارة والفرق بني وزارة التفويض ووزارة التقييد‪،‬‬
‫واحلديث عن الشورى وبيان من يستشار ومن ال يستشار وكتمان األسرار‪ ،‬ومنها كتاب قوانني الوزارة أل ي‬
‫احلسن علي بن دمحم بن حبيب املاوردي (ت‪250‬ه )‪[ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪/‬اإلسكندرية ط‪ ،] 2‬وكتاب َتفة األمراء‬
‫يف اتريخ الوزراء أليب احلسن اهلالل بن احملسن الصايب (ت‪288‬ه ) [مطبعة اآلابء اليسوعيني‪/‬بريوت]‪ ،‬وهو كتاب‬
‫اترخيي كما يظهر من اَه‪.‬‬

‫‪-2‬القضاء‪:‬‬

‫يعد القضاء من الوالايت السياسية املهمة يف الدولة إذ تنتظم به أحوال الراعي والرعية واجملتمع وَيمن الناس على‬
‫دمائهم وأعراضهم وأمواهلم‪ ،‬وَيخذ كل صاحب حق حقه‪ ،‬ويف هذا الفرع تذكر أحكام احلدود والتعزير والشهود‬
‫والدعاوى والبينات واحلكم ابلقرائن واألمارات والفراسة‪ ،‬وعقوبة املتهم‪ ،‬وشهادة الفسقة من املسلمني وشهادة‬
‫غريهم من الكفرة وحنو ذلك‪ ،‬فمن الكتب اليت َتدثت عن أخبار القضاة واترخيهم كتاب أخبار القضاة للقاضي‬
‫أيب بكر دمحم بن خلف بن حيَّا َن بن صدقة الضَِّّيب الب ْغ َد ِّ‬
‫ادي‪ ،‬امللَقَّب بِّ"وكِّيع" (املتوىف سنة ‪202‬ه ) [املكتبة التجارية‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الكربى‪/‬القاهرة ط‪2222 2‬ه ]‬
‫ومن الكتب اليت َتدثت عن مسائل القضاء نفسها كتاب أدب القاضي للخصاف (ت‪122‬ه ) الذي‬
‫شرحه عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري املعروف ابلصدر الشهيد (ت‪522‬ه ) [مطبعة اإلرشاد بغداد‬
‫ط‪2217/2‬ه ‪2177-‬م] وقد رتبه على مائة وعشرين اباب تناول فيه كل ما يتعلق ابلقضاء‪ ،‬وكتاب الطرق احلكمية يف‬
‫‪16‬‬
‫السياسة الشرعية (الفراسة) أليب عبد هللا دمحم بن أيب بكر بن قيم اجلوزية (اشتهر اببن القيم ت ‪752‬ه )‪،‬‬
‫[املؤيد‪/‬الطائف ط‪2220 2‬ه ]‪ ،‬وكتاب تبصرة احلكام يف أصول األقضية ومناهج األحكام لربهان الدين أيب الوفاء‬
‫إبراهيم بن علي بن دمحم بن فرحون املالكي (ت‪711‬ه ) [دار عامل الكتب‪/‬الرايض ‪2212‬ه ]‪ ،‬وهو كتاب حافل يف اببه‪،‬‬
‫وكتاب معني احلكام فيما يرتدد بني اخلصمني من األحكام لعالء الدين علي بن خليل الطرابلسي احلنفي‬
‫(ت‪822‬ه ) [دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع] وكتاب جواهر العقود ومعني احلكام واملوقعني والشهود لشمس الدين‬
‫دمحم بن أمحد املنهاجي األسيوطي (ت ‪880‬ه ) [ مصورة عن الطبعة األوىل املطبوعة على نفقة األديب الكبري دمحم سرور الصبان]‪،‬‬
‫وكتاب املقدمة السلطانية يف السياسة الشرعية لطوغان شيخ احملمدي احلنفي (ت‪882‬ه )‪ ،‬وكتاب لسان احلكام‬
‫يف معرفة األحكام أليب الوليد إبراهيم بن دمحم‪ ،‬املعروف اببن الشحنة احلنفي (ت ‪881‬ه )‪[ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‬
‫‪5‬‬
‫والتوزيع]‪ ،‬وكتاب السياسة الشرعية لدده أفندي (ت ‪2222‬ه )‬

‫‪-5‬رعاية األخالق واآلداب وصيانة اجملتمع‪:‬‬

‫ويف هذا اجلانب من جوانب السياسة الشرعية تطالعنا الكتب املوسومة بكتب احلسبة‪ ،‬واليت تعنيت ابحلفاظ على‬
‫أخالق اجملتمع وآدابه وتصونه ان حياول اخلروج عليها‪ ،‬من حيث إنكار املنكرات كلها واألمر ابملعروف يف كل‬
‫األمور اجملتمعية‪ ،‬ويف هذا الباب جند الكثري من الكتب منها كتاب السوق ليحىي بن عمر الكنا ي (ت‪181‬ه )‬
‫[مكتبة الثقافة الدينية‪/‬بور سعيد ط‪2212 2‬ه ]‪ ،‬الذي يتحدث عن تنظيم األسواق ومراقبتها وعن املنكرات اليت ميكن‬
‫[دار‬ ‫وقوعها يف السوق ويبني كيفية العمل معها‪ ،‬وكتاب الرتبة يف طلب احلسبة للماوردي (ت‪250‬ه )‬
‫وكتاب هناية الرتبة الظريفة يف طلب احلسبة الشريفة لعبد الرمحن بن نصر بن عبد هللا‬ ‫الرسالة‪/‬القاهرة ط‪2211 2‬ه ]‬

‫الشيزري (ت‪581‬ه ) يبني شرائط احملتسب وصفته ويتكلم عن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ويبني كيفية‬
‫االحتساب على كثري من أصحاب املهن يف اجملتمع كاألطباء والصيادلة والصاغة والفصادين والعطارين واخلياطني‬
‫والنجارين واخلبازين والطباخني وغريهم كثري‪ ،‬وعلى املنهج نفسه كتاب معامل ال ُقربة يف أحكام احلسبة حملمد بن‬
‫دمحم بن أمحد املعروف اببن اإلخوة القرشي (ت‪711‬ه )[دار الكتب العلمية‪/‬لبنان‪/‬ط‪2212 2‬ه ]‪ ،‬وكتاب احلسبة البن‬
‫تيمية (ت‪718‬ه ) حيث يبني أن األصل يف الوالايت أن تكون والايت شرعية مث يبني بعض واجبات احملتسب‬
‫واالحتساب يف املعامالت احملرمة ويتحدث عن التعزير ابلعقوابت املالية وأخريا عن استخدام اليد يف إنكار‬
‫‪ 5‬يف املخطوطة اليت وقفت عليها مل تذكر من اسم املؤلف سوى‪ :‬دده افندي وابلبحث يف األعالم للزركلي عن دده أفندي وجدت ما يلي‪-..( :‬‬
‫‪ 2222‬ه =‪ 2722 -..‬م) دمحم (بري دمحم دده) بن مصطفى ابن حبيب االرضرومي مث القسطنطيين‪ ،‬زين الدين‪ ،‬املعروف بدده أفندي‪ :‬من علماء‬
‫الدولة العثمانية‪ ،‬فقيه حنفي" وذكر أن له من الكتب "السياسة واألحكام" وكذلك جاء يف إيضاح املكنون ‪ 202/1‬إلَاعيل ابشا البغدادي‬
‫‪17‬‬
‫املنكر‪ ،‬وكتاب بغية اإلربة يف أحكام احلسبة لوجيه الدين عبد الرمحن بن علي الشيبا ي املعروف اببن الديبع‬
‫[جامعة أم القرى‪/‬مكة ط‪2212 2‬ه ]‬ ‫(ت‪122‬ه )‬

‫‪-2‬كتب تعىن ابستقرار األحوال وانتظامها وإصالحها عن طريق النصائح واملواعظ املتعلقة ابلسياسة‪:‬‬

‫األمراء والوزراء يف تعاملهم مع شعوهبم ويف قيادهتم لألمة يف حاجة إىل التحلي بفضائل خلقية تعد من قبيل‬
‫الصفات الذاتية كالشجاعة والصدق والكرم‪ ،‬والوفاء والشكر‪ ،‬واإلحسان واهليبة واملظهر املالئم‪ ،‬والبعد عن‬
‫أضدادها‪ ،‬من اجلنب واخلور والكذب والبخل والغدر وإخالف الوعد‪ ،‬كما حيتاجون يف قيادهتم لألمة جبانب‬
‫الصفات السابقة إىل صفات كالعدل بني الناس ‪ ،‬والتمسك ابحلق وطيب املعشر ودوام األلفة بينهم وبني الرعية‬
‫واحلرص على املشاورة وعدم االستبداد ابلرأي‪ ،‬لذلك وجدت الكتب اليت َتض على تلك الفضائل وتنهي عن‬
‫ذميمها وتبني ما يرتتب على األخالق احلسنة من اخلري‪ ،‬وما يرتتب على السياة من شرور‪ ،‬كما هتدف تلك‬
‫الكتب إىل تقدمي النصيحة ملتويل األمور‪ ،‬وبيان الطريق الذي ينبغي سلوكه سواء يف تولية الوالايت أو يف َتصيل‬
‫األموال وإنفاقها‪ ،‬واحلكم بني الناس ابحلق وإقامة احلدود وترك احملاابة‪ ،‬وسريته مع خمتلف فاات الدولة‪ ،‬وحنو‬
‫ذلك‪ ،‬لكن من هذه الكتب ما يغلب احلديث عن الفضائل الذاتية‪ ،‬ومنها ما يغلب احلديث عما يصلح به أمر‬
‫الراعي والرعية‪.‬‬

‫[عامل‬ ‫فمن هذه الكتب كتاب آداب امللوك أليب منصور عبد امللك بن دمحم بن إَاعيل الثعاليب (ت‪211‬ه )‬
‫الكتب‪/‬القاهرة ط‪2218 2‬ه ]‪ ،‬يقول يف مقدمته‪" :‬قد جعلت له مقدمة وسياقة‪ ،‬وبنيته على أن يتضمن الغُرر والنكت‬
‫واللمع والعهد‪ ،‬اا يصلح للملوك وأصحاهبم وذكر ما هلم وعليهم‪ ،‬ورتبته يف عشرة أبواب يشتمل كل ابب منها‬
‫على عدة فصول"‪ ،‬وكتاب تسهيل النظر وتعجيل الظفر يف أخالق امللك أليب احلسن املاوردي (ت‪250‬ه ) [دار‬
‫النهضة‪/‬بريوت عام ‪2182‬م]‪ ،‬حيث رتبه على اببني وكل ابب فيه عدة فصول فالباب األول يف أخالق امللك‪ ،‬والباب‬
‫الثا ي يف سياسة امللك‪ ،‬وكتاب نصيحة امللوك املنسوب للماوردي‪[ 2‬مكتبة الفالح‪/‬الكويت ط‪2202 2‬ه ]‪ ،‬يقول يف‬
‫مقدمته‪":‬فكتبنا كتابنا هذا نصيحة للملوك وإظهارا حملبتهم‪ ،‬وإشفاقا هلم على أنفسهم ورعاايهم‪ ،‬ورجوان أن من‬
‫وقع له كتابنا هذا مبا فيه من صادق النصيحة وبليغ املوعظة‪ ،‬وأعطاه من عناية حظه ابلنظر فيه والتدبر له‬
‫واإلصغاء إليه‪ ،‬علم أان من أعظم أوليائه له نصيحة‪ ،‬وأبلغ خدمه وأعوانه له معونة"‪ ،‬وكتاب الترب املسبوك يف‬

‫‪ 6‬ذكر الدكتور فؤاد عبد املنعم يف مقدمة َتقيقه لكتاب قوانني الوزارة أن كتاب نصيحة امللوك ليس من َتليف املاوردي‬

‫‪18‬‬
‫نصيحة امللوك أليب حامد دمحم بن دمحم بن دمحم الغزايل (ت‪505‬ه )‪ ،‬وكتاب درر السلوك يف سياسة امللوك أليب‬
‫احلسن املاوردي (ت‪250‬ه ) [دار الوطن ‪/‬الرايض ‪2227‬ه ] وقد قسمه إىل اببني‪ :‬الباب األول‪ :‬يف أخالق امللك‪،‬‬
‫والباب الثا ي‪ :‬يف سياسة امللك‪َ ،‬تدث يف الباب األول عن اخلالق احملمودة وما يقابلها من اخلالق املذمومة‪،‬‬
‫وَتدث يف الباب الثا ي عن الرجوع إىل احلق وحماسبة النفس‪ ،‬وبني أن أصل ما تبىن عليه السياسة العادلة يف‬
‫سريه الرغبة والرهبة واإلنصاف‪ ،‬كما َتدث عن سياسة امللك حلاشيته وأعوانه‪ ،‬مث َتدث عن القضاة واحلكام‬
‫وعمال اخلراج‪ ،‬وأمهية حسم مواد الفساد‪ ،‬وتفقد أحوال الرعية والعناية أبمن السبل واملسالك ورعاية العلم‬
‫والعلماء ومكافأة احملسن على إحسانه واملسيء على إساءته‪ ،‬وختم كتابه بدعوة امللك إىل أن يكون دأبه فعل‬
‫اخلريات إما ابتداء من نفسه أو اقتداء ابألخيار من سلفه‪.‬‬
‫وكتاب سراج امللوك أليب بكر دمحم بن الوليد الفهري الطرطوشي املالكي (ت‪510‬ه )‪[ ،‬الدار املصرية اللبنانية‪/‬القاهرة ط‪2‬‬
‫‪1002‬م]‪ ،‬حيث رتبه على أربعة وستني اباب بدأها ابحلديث عن موعظة السلطان مث َتدث عن اخلصال اليت‬
‫يستمر هبا نظام امللك‪ ،‬واخلصال اليت يكون هبا زواله‪ ،‬وَتدث عن خصال احللم واجلود والسخاء والصرب‬
‫وأضدادها‪ ،‬وَتدث عن الوزراء وصفاهتم واملشورة والنصيحة‪ ،‬كما َتدث عن اخلصال اليت تصلح هبا الرعية‬
‫واخلصال املوجبة لذم السلطان‪ ،‬وَتدث عن سرية السلطان مع اجلند ويف جباية اخلراج وسريته يف بيت املال‬
‫وتدوين الدواوين وفرض األعطيات‪ ،‬كما َتدث عن أحكام أهل الذمة وتقدير اجلزية والصفات املعتربة يف الوالة‬
‫والشروط اليت تؤخذ عليهم‪ ،‬وحذر من أخالق مردية كالظلم والغيبة والنميمة‪ ،‬وَتدث عن احلروب وتدبريها‬
‫وحيلها وأحكامها‪ ،‬مث ختم كتابه أبخبار ملوك العجم وحكاايهتم والعديد من احلكم املنثورة‪ ،‬وكتاب املنهج‬
‫املسلوك يف سياسة امللوك‪ ،‬لعبد الرمحن بن نصر بن عبد هللا الشيزري (ت‪581‬ه ) ‪[ ،‬دار املنار‪/‬األردن ‪2207‬ه ]‪،‬‬
‫وكتاب هتذيب الرايسة وترتيب السياسة حملمد بن علي بن احلسن القلعي (ت‪220‬ه )‪[ ،‬مكتبة املنار‪/‬األردن ط‪،]2‬‬
‫يقول يف مقدمة كتابه‪" :‬فهذا الكتاب مجعته يف هتذيب الرايسة وترتيب السياسة وجعلته قسمني‬
‫القسم األول منه يشتمل على أنواع أبواب حيتوي على غرر من كالم احلكماء ودرر الفصحاء ‪ ..‬يتضمن حماسن‬
‫األوصاف احملمودة من ذوي األمر وذم أضدادها وما جيب استعماله أو تركه من األمور اليت حيمد متبعها عاقبة‬
‫إصدارها وإيرادها‬
‫والقسم الثا ي حبكاايت من اخللفاء ووزرائهم وعماهلم وأمرائهم اا يدل على نبلهم وغزارة فضلهم وحسن سريهتم‬
‫وكمال مروءهتم وما اشتملت عليه طرائقهم وحوتة خالئفهم من العدل واإلنصاف والبذل واإلسعاف والعفو عند‬
‫االقتدار ومعرفة حقوق ذوي األقدار وقبول النصح من الناصحني وَاع املوعظة من الصاحلني مع ما اتصفوا به‬
‫من علم وأدب ووقار وحلم وفصاحة وبراعة وَاحة وشجاعة فمن اختذ ذلك إماما ارتفع وانتفع ومن عمل مبا‬

‫‪19‬‬
‫شاكله رشد ومحد‪ ،‬مث يقول‪ :‬وقد ابتدأت ذلك بذكر وجوب اإلمامة وعدم االستغناء عن الوالة وما جيب هلم‬
‫على الكافة من الطاعة واملواالة" وكتاب الشهب الالمعة يف السياسة النافعة أليب القاسم عبد هللا بن يوسف بن‬
‫رضوان املالقي (ت‪782‬ه ) [دار الثقافة‪/‬الدار البيضاء‪/‬املغرب ط‪2202 2‬ه ]‪ ،‬وقد رتبه على مخسة وعشرين اباب حيث ذكر‬
‫فضل العدل واحللم وكظم الغيظ والصرب والتأ ي واجلود والسخاء ورعاية العهود‪ ،‬والتواضع مع احلزم والقوة‪ ،‬والتدبري‬
‫واملشاورة وعمارة األرض وإصالح اململكة‪ ،‬كما َتدث عن تولية اخلطط الدينية وبيت املال وسياسة احلروب‬
‫وتدبريها وكتاب السياسة الشرعية ألمحد بن عبد احلليم ابن عبد السالم ابن تيمية (ت‪718‬ه )‪ ،‬وكتاب َتفة‬
‫الرتك فيما جيب أن يعمل يف امللك لنجم الدين إبراهيم بن علي احلنفي الطرسوسي (ت‪758‬ه ) [دار الطليعة‪/‬بريوت‬
‫َ‬
‫ط‪2212 2‬ه ]‪ ،‬يقول يف مفتتح كتابه‪" :‬فإن هللا تعاىل‪ ،‬جعل حفظ نظام األانم ابلسلطان‪ ،‬وأدام له األايم‪ ،‬ابلعدل‬
‫يف الشريعة واإلحسان‪ ،‬ورأيت الواجب يف هذا الزمان‪ ،‬بذل النصيحة له بقدر اإلمكان بتأليف كتاب يشتمل‬
‫على فصول‪ ،‬جيتمع فيها أنواع مصاحل امللك‪ ،‬اا تعتمد عليه امللوك ‪ ،‬وبيان طريق يدوم هلم هبا امللك أبحسن‬
‫السلوك‪ ،‬ومل أقصد بذلك سوى القيام هبذا الواجب‪ ،‬وحفظ نظام امللك ملن هو يف اتباع الشرع من امللوك‬
‫راغب"‪ ،7‬وكتاب َترير السلوك يف تدبري امللوك أليب الفضل دمحم بن عبد الوهاب السنباطي امللقب ابألعرج (ت‬
‫بعد ‪111‬ه ) فتحدث عن أمهية ابتعاد امللك عن الرذائل‪ ،‬ومجع أمهاهتا يف مخس فأوهلا الكرب واثنيها العجب‬
‫واثلثها الغرور ورابعها الشح وخامسها الكذب‪ ،‬مث شرع يف الكالم على الشروط اليت ينبغي توافرها يف الناظر يف‬
‫املظامل‪.‬‬
‫‪-7‬كتب التاريخ السياسي‪ :‬تعتين بذكر الوقائع واألحداث املرتبطة ابلدول واخللفاء والسالطني وامللوك‪ ،‬وقد‬
‫تكون هذه خاصة بزمان أو مكان وقد تكون عامة‪ ،‬فمن ذلك كتاب اإلمامة والسياسة املنسوب أليب دمحم عبد‬
‫هللا بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪( ،‬ت‪172‬ه ) [دار الكتب العلمية‪/‬بريوت ط‪1002 2‬م] والذي يؤرخ فيه لإلمامة من‬
‫بدايتها وما جرى من فتنة وقتال بني املسلمني بسببها إىل بداية الدولة العباسية‪ ،‬وكتاب والة مصر أليب عمر دمحم‬
‫بن يوسف الكندي (ت‪250‬ه ) [دار صادر‪/‬بريوت] وكتاب الفخري يف اآلداب السلطانية والدول اإلسالمية حملمد‬
‫بن علي بن طباطبا املعروف اببن الطقطقى (ت ‪701‬ه )‪[ ،‬دار صادر‪/‬بريوت]‪ ،‬يؤرخ فيه للدول اإلسالمية من‬
‫خالفة الراشدين إىل زمن انقضاء الدولة العباسية سنة‪252‬ه ‪ ،‬يقول يف كتابه‪" :‬وهذا كتاب تكلمت فيه على‬
‫أحوال الدول وأمور امللك وذكرت فيه ما استظرفته من أحوال امللوك الفضالء واستقريته من سري اخللفاء والوزراء‬
‫وبنيته على فصلني‪:‬‬

‫‪َ 7‬تفة الرتك فيما جيب أن يعمل يف امللك ص ‪12‬‬

‫‪21‬‬
‫فالفصل األول تكلمت فيه على األمور السلطانية والسياسات امللكية وخواص امللك اليت يتميز هبا على السوقة‬
‫واليت جيب أن تكون موجودة أو معدومة فيه وما جيب له على رعيته وما جيب هلم عليه‪..‬والفصل الثا ي تكلمت‬
‫فيه على دولة دولة من مشاهري الدول" (والفصل األول ال يبلغ من الكتاب ما نسبته ‪ ،)%25‬وهو يشرح حال‬
‫الوزارة مع كل خليفة يذكره وكتاب سرية السلطان الناصر صالح الدين األيويب لبهاء الدين ابن شداد أيب احملاسن‬
‫يوسف بن رافع بن متيم بن عتبة األسدي املوصلي نشأ عند أخواله بين شداد فنسب إليهم (ت‪221‬ه )‪[ ،‬دار‬
‫األوائل‪/‬دمشق ط‪1002 2‬م]‪ ،‬وكتاب السلوك ملعرفة دول امللوك ألمحد بن علي بن عبد القادر‪ ،‬أبو العباس احلسيين‬
‫العبيدي‪ ،‬تقي الدين املقريزي (ت‪825‬ه ) يتكلم فيه عن ملوك مصر يف حقبة زمنية معينة‪ ،‬يقول املقريزي‪" :‬ملا‬
‫يسر هللا وله احلمد‪ ،‬إبكمال كتاب عقد جواهر األسفاط من أخبار مدينة الفسطاط‪ ،‬وكتاب اتعاظ احلنفاء‬
‫أبخبار اخللفاء‪ ،‬ومها يشتمالن على ذكر من ملك مصر من األمراء واخللفاء‪ ،‬وما كان يف أايمهم من احلوادث‬
‫واألنباء‪ ،‬منذ فحت إىل أن زالت الدولة الفاطمية وانقرضت‪ ،‬أحببت أن أصل ذلك بذكر من ملك مصر بعدهم‬
‫من امللوك األكراد األيوبية‪ ،‬والسالطني املماليك الرتكية واجلركسية‪ ،‬يف كتاب حيصر أخبارهم الشائعة‪ ،‬ويستقصي‬
‫أعماهلم الذائعة‪ ،‬وحيوى أكثر ما يف أايمهم من احلوادث واملاجرايت"‪ ،‬فهي كتب تركز على اجلانب التارخيي فيما‬
‫يتعلق ابلوالايت السياسية‪.‬‬
‫‪-8‬كتب الفكر السياسي‪:‬‬

‫وهي الكتب اليت تعين ببحث العالقة بني الظواهر اإلنسانية والسياسة والتأثري املتبادل بينهما‪ ،‬من خالل التدبر‬
‫والتأمل يف الطبائع اإلنسانية وتتبع واستقراء الوقائع واألحداث‪ ،‬واخلروج من ذلك بقواعد عامة َتكم العالقة بني‬
‫الظواهر اإلنسانية والسياسة‪ ،‬فمن ذلك كتاب مقدمة ابن خلدون لويل الدين عبد الرمحن بن دمحم بن أيب بكر‬
‫ابن خلدون (ت‪808‬ه ) [دار الفجر‪/‬القاهرة ط‪2215 2‬ه ]‪ ،‬أفرد ابن خلدون يف كتابه هذا قدرا كبريا للحديث عن‬
‫السياسة سواء من حيث احلديث عن القواعد اليت َتكم السلوك اإلنسا ي أو من حيث احلديث عن األحكام‬
‫الشرعية اليت ترتبط هبا‪ ،‬ففي اجلانب األول َتدث عن عالقة العصبية ابلرائسة وعن عوائق امللك‪ ،‬وعن ولع‬
‫املغلوب ابالقتداء ابلغالب‪ ،‬وأن األمة إذا غلبت وصارت يف ملك غريها أسرع إليها الفناء‪ ،‬وَتدث عن أطوار‬
‫الدولة وعن عمرها وعن َتثري الرتف على بقائها وَتثري كثرة القبائل واألوطان على االستقرار كما َتدث يف‬
‫اجلانب الثا ي عن معىن اخلالفة واإلمامة والبيعة وانقالب اخلالفة إىل امللك‪ ،‬كما َتدث عن والية العهد والوزارة‬
‫واحلجابة والشرطة واخلطط الدينية كالعدالة واحلسبة والسكة‪ ،‬والدواوين كديوان األعمال واجلباايت وديوان‬
‫الرسائل والكتابة ومن ذلك كتاب بدائع السلك يف طبائع امللك أليب عبد هللا دمحم بن علي بن دمحم األصبحي‬
‫الغرانطي ويعرف اببن األزرق (ت‪812‬ه ) [الدار العربية للموسوعات‪/‬بريوت ط‪2217 2‬ه ]‪ ،‬يقول عنه د‪/‬علي سامي‬
‫‪21‬‬
‫النشار يف مقدمة َتقيقة‪" :‬فإ ي أقدم للمكتبة العربية وألول مرة أعظم كتاب يف علم االجتماع السياسي لدى‬
‫املسلمني"‪ ،‬وقد رتب ابن األزرق كتابه على مقدمتني وأربعة كتب وخامتة‪ ،‬تكلم يف املقدمة األوىل عما ميكن‬
‫تسميته بطبائع األقوام وأثرها يف امللك‪ ،‬ذكر فيها عشرين مسألة وهم مأخوذة من مقدمة ابن خلدون‪ ،‬وَتدث يف‬
‫املقدمة الثانية عن املأخذ الشرعي يف تولية الوالة ونصب األئمة وأمهية ذلك‪ ،‬وسقوط بعض شروط الوالية لعدم‬
‫توفرها وإمكان االستعاضة عنها ويف هنايتها بني أن صالح الرعية بصالح السلطان وفسادها بفساده‪ ،‬وأما‬
‫الكتاب األول فقد خصصه للحديث عن حقيقة اخلالفة وامللك وسائر أنواع الرايسات وسبب وجود ذلك‬
‫وشرطه وقد جعل ذلك يف اببني‪ ،‬والكتاب الثا ي بني فيه أركان امللك وقواعد مبناه ضرورة وكماال وجعله يف اببني‬
‫أيضا فتحدث عن نصب الوزير‪ ،‬وإقامة الشريعة‪ ،‬وإعداد اجلند‪ ،‬وحفظ املال‪ ،‬وإقامة العدل‪ ،‬وتولية اخلطط‬
‫الدينية كالفتيا والقضاء واحلسبة والسكة‪ ،‬وترتيب املراتب السلطانية كاحلجابة والكتابة واجلباية والشرطة‪،‬ورعاية‬
‫السياسة وتقدمي مشورة ذوي الرأي وبذل النصيحة وإحكام التدبري كما َتدث عن الفضائل الذاتية كالعقل والعلم‬
‫والشجاعة والعفة والسخاء واحللم وكظم الغيظ‪ ،‬والكتاب الثالث َتدث فيه عما يتمكن به السلطان من تشييد‬
‫أركان امللك وَتسيس قواعده‪ ،‬والكتاب الرابع يف عوائق امللك وعوارضه املانعة من دوامه أو الالحقة لطبيعة‬
‫وجوده‪ ،‬وأما اخلامتة فقد ذكر فيها أن سرية الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف سياسة الدين والدنيا هي السرية اجلامعة حملاسن الشيم‬
‫ومكارم األخالق‪ ،‬واملطالع لكتاب بدائع السلك يلحظ بدون تكلف مدى َتثر ابن األزرق اببن خلدون يف‬
‫مقدمته وأيب بكر الطرطوشي يف سراج امللوك‪.‬‬

‫‪-1‬كتب متعددة األغراض‪:‬‬

‫وهناك العديد من الكتب اليت قد يصعب تصنيفها َتت قسم من األقسام السابقة وذلك الحتوائها على أكثر‬
‫من غرض من األغراض من ذلك فبينما يدخل جزء منه َتت قسم حلديثه املفصل عنه‪ ،‬فإن جزءه الثا ي يتعلق‬
‫بقسم آخر ولعل أوضح كتاب على ذلك هو كتاب ختريج الدالالت السمعية على ما كان يف عهد رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم من احلرف والصنائع والعماالت الشرعية أليب احلسن (أو أيب السعود) علي بن دمحم بن أمحد‬
‫اخلزاعي (ت ‪781‬ه ) [دار الغرب اإلسالمي‪/‬بريوت ط‪2185 2‬م]‪ ،‬حيث قسمه إىل عشرة أجزاء‪ :‬فاجلزء األول يف‬
‫اخلالفة والوزارة وما ينضاف إىل ذلك وفيه سبعة أبواب‪ ،‬واجلزء الثا ي يف العماالت الفقهية‪ ،‬وأعمال العبادات وما‬
‫ينضاف إليها من عماالت املسجد‪ ،‬وعماالت آالت الطهارة وما يقارب منها‪ ،‬ويف اإلمارة على احلج وما يتصل‬
‫هبا وفيه مخسة وعشرون ابابً‪ ،‬واجلزء الثالث يف العماالت الكتابية وما يشبهها وما ينضاف إليها وفيه ثالثة عشر‬

‫‪22‬‬
‫ابابً‪ ،‬واجلزء الرابع يف ذكر العماالت األحكامية (كاإلمارة على النواحي والقضاء واملظامل واحلسبة) وما ينضاف‬
‫إليها وفيه سبعة عشر ابابً‪ ،‬واجلزء اخلامس يف ذكر العماالت اجلهادية وما يتشعب منها وما يتصل هبا وفيه مخسة‬
‫وأربعون ابابً‪ ،‬اجلزء السادس يف املعامالت اجلبائية (كالزكاة واجلزية واخلراج والعشور والصدقات) وفيه اثنا عشر‬
‫ابابً‪ ،‬اجلزء السابع يف العماالت االختزانية (كاخلازن والوازن والكيال وصاحب السكة وصاحب الضرب وأَاء‬
‫األوزان واألكيال يف عهد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص) وفيه أحد عشر ابابًن واجلزء الثامن يف سائر العماالت وفيه عشر أبواب‪،‬‬
‫واجلزء التاسع يف ذكر حرف وصناعات كانت يف عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وذكر من عملها من‬
‫الصحابة رضوان هللا عليهم وفيه أربعة وثالثون ابابً‪ ،‬واجلزء العاشر‪ ،‬وبه كمال التأليف‪ ،‬يف ذكر أمور متفرقة اا‬
‫يرجع إىل معىن الكتاب وفيه أربع أبواب‪:‬‬
‫فاألول‪ :‬يف معىن احلرفة والعمالة والصناعة‬
‫والثا ي‪ :‬يف النهي عن استعمال غري املسلمني من الكفار من أهل الكتاب وغريهم‪ ،‬وعن االستعانة هبم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬فيما جاء يف أرزاق العمال‬
‫الرابع‪ :‬يف ذكر الكتب اليت استخرج منها مجيع ما تضمنه هذا الكتاب‬
‫ومن ذلك كتاب الدرة الغراء يف نصيحة السالطني والقضاة واألمراء حملمود بن إَاعيل بن إبراهيم اخلري بييت (أو‬
‫اخلري مييت) (ت بعد ‪822‬ه ) [مكتبة نزار الباز‪/‬الرايض ‪2227‬ه ]‪ ،‬حيث رتبه على عشرة أبواب فتحدث عن اإلمامة‬
‫وشروطها وعن الوزارة وعن قواعد األجناد وآداهبا‪ ،‬كما َتدث عن أمور متعلقة ابلقضاء والفتوى واحليل الشرعية‪،‬‬
‫ومتفرقات أخرى ال تعلق هلا ابلسياسة العامة‬
‫ومن ذلك أيضا كتاب سياست انمه أو سري امللوك للوزير السلجوقي أيب علي احلسن بن علي بن إسحاق‬
‫الطوسي‪ ،‬لقب بنظام امللك (ت‪285‬ه ) [دار الثقافة‪/‬قطر ط‪ 12207‬ه ]‪ ،‬يعد من األمثلة الواضحة على ذلك‪ ،‬فقد‬
‫رتبه مؤلفه على مخسني فصال‪ ،‬يقول يف مقدمة كتابه‪" :‬عمدت إىل درج وشرح كل ما كنت أعرفه أو رأيته أو‬
‫خربته من جتارب يف حيايت أو تعلمته من أساتذيت يف املوضوع يف هذا الكتاب يف مخسني فصال مث يقول‪ :‬ليس‬
‫ألي ملك أو حاكم مندوحة من اقتناء هذا الكتاب ومعرفة ما فيه خاصة يف هذه األايم فكلما قرؤوه أكثر‬
‫ازدادت درايتهم أبمور الدين والدنيا واتسعت رؤيتهم يف معرفة أحوال الصديق والعدو وانفتحت أمامهم سبل‬
‫تصريف األمور وإدارهتا واتضحت هلم قواعد تدبري شاون البالط والقصر والديوان واجمللس وامليدان واألموال‬
‫واملعامالت والعسكر والرعية حبيث ال يظل يف أرجاء اململكة شيء خافيا صغريا كان أم كبريا قريبا أم بعيدا إن‬
‫شاء هللا تعاىل" ‪.‬‬

‫كتب السياسة الشرعية يف احلديث‪:‬‬


‫‪23‬‬
‫قد يكون من الصعب َتديد معيار للحداثة حبيث يقال‪ :‬إن هذا الكتاب ينتمي إىل كتب الرتاث أو إىل الفرتة‬
‫احلديثة‪ ،‬إضافة إىل أن املعيار املختار لن يلقى قبوال من الدارسني كلهم إذ كل واحد ينظر هلذه الظاهرة مبنظار‬
‫خمتلف‪ ،‬وقد ميكن كاصطالح يف هذا املقال أن جنعل زمن وقوع الدول اإلسالمية َتت اهليمنة األجنبية معيارا‬
‫نفصل به بني كتب الرتاث وبني الكتب احلديثة وذلك أنه بعد الثورة الفرنسية العلمانية وبعد انتشار رؤاها يف كثري‬
‫من بلدان العامل وبعدما غزت تلك األفكار بالدان العربية واإلسالمية مل يعد املؤثر الوحيد يف الفكر والثقافة‬
‫املصدر اإلسالمي وإمنا تداخلت معه مصادر أخرى وزامحته‪ ،‬بلغ من مزامحتها عند بعض الناس أن صارت هي‬
‫األصل الذي يعول عليه حبيث يرد ما خالفه من املصدر اإلسالمي وحبيث يصبح ما يذكر من املصادر اإلسالمية‬
‫مبثابة االستشهاد وليس عمدة الكالم‪ ،‬ولعل بداايت هذا التأثر يف طورها األول تظهر يف كتاابت رفاعة‬
‫الطهطاوي وخري الدين التونسي‪ ،‬من ذلك كتاب أقوم املسالك يف معرفة أحوال املمالك خلري الدين التونسي‬
‫(ت‪2208‬ه )‪[ ،‬مطبعة الدولة‪/‬تونس ط‪2182 2‬ه ]‪ ،‬حيث يذكر أن الظلم مقتض خلراب العمران‪ ،‬وأن استقامة الوزير‬
‫ال تكفي إذا مل تكن هناك قوانني ضابطة ألن عدم القوانني جتعل استقامة األحوال مرهونة إبرادة امللك‪،‬‬
‫ويتحدث عن عيوب االستبداد ويدعو إىل احلرية ويذكر أسباب تراجع األمة ويطالب ابالَتاد بني رجال السياسة‬
‫والعلماء جللب مصاحل األمة ودرء املفاسد عنها‪ ،‬لكنه ال يلبث بعد ذلك أن يعقد أبوااب متتالية عن الدول‬
‫واملمالك الكافرة يف زمنه ويبني ما هم عليه من الرقي والتقدم يف أمور السياسات ويكاد يقص علينا تفاصيل‬
‫النظام السياسي يف كثري من البلدان كفرنسا وإجنلرتا والنمسا وروسيا وأملانيا وإيطاليا والسويد وهولندا وسويسرا‬
‫وبلجيكا والدمنارك‪ ،‬ويظهر إعجابه حبال تلك الدول وابلقوانني املنظمة حلياهتم وللحرايت املمنوحة هلم‬

‫وبوقوع البالد اإلسالمية َتت هيمنة اآلخر الكافر حدث التغري املتوقع يف كل جوانب احلياة الفكرية والعملية‪،‬‬
‫ومن ذلك جانب السياسة الشرعية‪ ،‬قد ال ميكننا يف هذه املقالة املوجزة التعرض لكل أو لكثري اا كتب حديثا‪،‬‬
‫ولكن من خالل املتابعة لعشرات من الكتب اليت كتبت يف هذا الباب جند أهنا متثل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬قسم أهل الغلو والتطرف يف متابعة هيمنة اآلخر‪ ،‬فقد رفضوا كل ما لديهم يف هذا الباب وعدوا ما‬
‫جاءهم من اآلخر الكافر املتغلب هو احلق الذي ليس وراءه حق‪ ،‬وميثل هذا االجتاه كتاب اإلسالم وأصول‬
‫احلكم لعلي عبد الرازق ‪ ،‬والكتاب الذي أعد من قبل الكماليني يف تركيا وترمجه عبد العين سين للعربية وعنوانه‬
‫اخلالفة وسلطة األمة وكتاب من هنا نبدأ خلالد دمحم خالد قبل أن يرتاجع عنه بعد مضي ما يقارب ربع قرن من‬
‫الزمن‪ ،‬وقريب منه من مل يبلغ هذا املبلغ ولكنه َتثر كثريا مبا عند اآلخر فحاول أن يبني أن ديننا قد دل على ما‬
‫عند اآلخر ويتصيد لذلك الدالالت ولو ابإلكراه‪ ،‬وهذا فيه خطورة إذ يقدم ما عند اآلخرين وكأنه بضاعة‬
‫إسالمية‪ ،‬ولسان حاهلم يقول‪ :‬هذه بضاعتنا ردت إلينا‪ ،‬فحاصله تصويب ما عند اآلخر املخالف‪ ،‬وميثل هذا‬
‫‪24‬‬
‫االجتاه د‪ /‬عبد احلميد متويل يف كتابه مبادئ نظام احلكم يف اإلسالم وخالد دمحم خالد يف طوره اجلديد يف كتابه‬
‫دفاع عن الدميقراطية‪،‬‬
‫والقسم الثا ي‪ :‬هو من وقف يف كتابته عند حد كتاب اإلمامة يف كتب األحكام السلطانية ووقف عند املدون يف‬
‫ذلك من غري التفات إىل الواقع وإىل العوامل اجلديدة الداخلة املؤثرة يف الواقع‪ ،‬وكل ما قام به يف هذا الصدد هو‬
‫حماولة التعبري عن القدمي بلغة معاصرة تكون سهلة الفهم على املتلقي‪ ،‬وهؤالء قد أحسنوا ابحلفاظ على‬
‫خصوصياتنا‪ ،‬وإن مل خيل بعضها من التأثر ابلفكر السياسي الوضعي‪،‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬الذي يعتمد الكتاب والسنة املرجع األساس‪ ،‬ويؤسس بناء عليهما نظاما إسالميا يف حلمته‬
‫وسداه مستفيدا من اترخينا السياسي‪ ،‬ويقف من اآلخرين موقف العزة والعلو‪ ،‬فينتقي انتقاء اا عند اآلخرين من‬
‫الوسائل ما ال يتعارض مع ديننا‪ ،‬ويقدم صورة معاصرة لنظام سياسي ينطلق من شريعتنا قابال للتحقيق يف أرض‬
‫الواقع‪ ،‬مل يظهر بصورة كاملة وإن كانت تباشريه تلوح يف األفق‬
‫ولعل من الكتاابت املعتزة بنظامها غري املهزومة أمام الفكر الدميقراطي ما كتبه د‪/‬دمحم رأفت عثمان يف كتابه رايسة‬
‫الدولة يف الفقه اإلسالمي‪[ ،‬دار الكتاب اجلامعي‪/‬القاهرة]‪ ،‬وما كتبه د‪ /‬عبد هللا بن عمر الدميجي يف كتابه اإلمامة‬
‫العظمى [دار طيبة‪/‬الرايض ط‪ ،]2‬وما تقدم ذكره يف هذه األقسام هو جمرد أمثلة ال متثل كل املوجود‬

‫وأخريا لقد تبني من دراسة د‪/‬نصر دمحم عارف أن هناك قدرا كبريا من خمطوطات كتب السياسة الشرعية تعد‬
‫ابلعشرات ما زالت حبيسة مل تر بعد نور الطباعة‪ ،‬ولعلي أوجه من هذا املنرب دعوة إىل مراكز األحباث ودور‬
‫النشر اباللتفات إىل ذلك والعناية به‪ ،‬وحماولة إخراج ما ميكن إخراجه من هذه املخطوطات مطبوعا تقديرا جلهود‬
‫علماء األمة على ما بذلوه من جهد يف ذلك‪ ،‬وحىت يتيسر وصوله واإلطالع عليه من قبل الدارسني والراغبني‬
‫لالستفادة منه يف إجياد بنية فكرية وهيكلية لنظام سياسي إسالمي يف وقتنا احلاضر‪.‬‬

‫‪25‬‬

You might also like