Professional Documents
Culture Documents
مكتبة الكتب - يوميات قط
مكتبة الكتب - يوميات قط
أسامة جراري
يوميات قط
قصة قصيرة
.
يوميات قط
أمشي وحيدا بدون وجهة ،وال أصدقاء ،وال عائلة بشرية تؤويني من قسوة بعض
الوحوش اآلدمية ،وال من بني جنسي العديمين الرحمة الذين يتلذذون بفرض
سيطرتهم على أشباهي من القطط الضعيفة ،وال أيضا من الكالب التي أبدوا لها
كلعبة في طريقها..
في غالب األحيان أقتات على نفايات البشر ..وحينا أتوسد عجالت تلك اآللة التي
تسير بسرعة وتخرج شيئا أسود حينا وأبيض حينا منها ،حقا أخاف منها ،لكن
دفؤها يغريني دائما رغم أنها انتزعت مني روحا من أرواحي السبعة..
مرت األيام واأليام ،فوجدتُ في صحبتي قطا ً يشارك معي معاناتي ومخاوفي التي
ال تنتهي في هذا المكان المتناقض ..صديقي جميل المظهر ،عينيه مثل السماء،
وأشباهه يبدون كالسادة عند البشر ...هل أنا أيضا مثل صديقي؟ هل سيصبح مثل
أشباهه في كنف واحد مع البشر؟ هل أنا ملعون؟ ...
مرت أيام قليلة حتى أجابني العالم على أسئلتي ،وكانت إجابة واحدة بدون كلمات..
وجدنا نفسنا أنا وصديقي في مكان ال يوجد فيه أي شخص ،وفي لحظة لحق بنا
بشري من صنفهم الذي له فروين في وجهه ،فقام بوضع قطعة من الجبن مع
الحليب داخل قفص صغير لحصر أمثالنا ،فبدأ ينادينا ،فتوجه له صديقي أوال رغم
أني حذرته من ذلك الشيء المسمى بالقفص ،فذهبت مسرعا وراءه لحمايته وأيضا
متشوق ألتذوق الجبن ...ما إن اقتربت حتى وجدتُ قدم البشري تضرب بطني،
وصديقي لم يكترث لي أبدا ..حينها علمتُ بأني لستُ مث َل صديقي ،ولن تكونَ لي
عائلة بشرية ،وأيضا بأني ملعون..
تألمت بسبب موقف صديقي أما حتى الضربة " قهقهة " فكانت ال شيء بالنسبة
للزجاج والنار ...جلستُ رفقت أدمعي غير بارزة ،وأنا أشاهد الجميل بمظهر ِه
طرف البشري الذي توجه لتلك اآللة التي تسير بسرعة ،فذهب وأخد
ِ يُ ْح َم ُل من
روحي معه ولم يعد ،وأنا عدتُ وحيدا بأرواحي الخمسة..
فرحلت بعدها األيام والليالي ،واصطحبت معها روحا من أرواحي الخمسة ،حتى
تبقت لي رو ٌح واحدة فقط " ،قهقه " ،يبدوا أن نهاية معاناتي اقتربت ،وبعدها
ْ
وبدت عظام جسمي بارزة الظهور من سيستريح هذا المكان من ُموائي الحزين..
ْ
وأصبحت طاقتي كذلك ضعيفة ،ولم أعد أقوى على خلف فروي الباهت اللون،
الفرار من مخاوفي بسهولة كما عهدت في الماضي..
ٌ
وجدت نفسي بين ثالث بشريين وكلب بصحبتهم ..أمسكني واحد في ليلة كئيبة،
فيهم من رقبتي كما كانت تمسكني أمي عندما كنت صغيرا ً وقام بأخذي لداخل
إحدى أقفاص البشر ،في البداية كنت خائفا ،لكن في دخيل ِة نفسي كنت أحس بأمل
غريب ،كما لو أن نهاية أحزاني ستنتهي بشكل جميل ،وهؤالء الثالثة مع كلبهم
سيرحبون ببائس داخل قفصهم ،ويجعلون كلبهم صديقي ،وسأًصبح في األخير أنا
أيضا سيد لمكان ما..
فصعدوا وأخذوني معهم إلى أعلى القفص ،وكانت السماء المظلمة بارزة الظهور،
فبدؤوا يقهقهون فيما بينهم ،ويوزعون أوراقا خضراء ،ويقولون كلمة واحدة
{رهان} ..شيء ما أيقض غريزتي ،وحاولت الهرب ،فإذا بهم يمسكوني ويهددون
برميي للخارج من ذلك المكان العالي جداً ..ورغم ذلك قاومت تهديدهم بمخالب
يدي الضعيفة ،وكان بعدها ردهم بسيطا برميي إلى كلبهم ،فمسكني بأنيابه من
رقبتي وبدأ يلوح بجسدي الهزيل يمنتا ويسرى حتى مرت من أمامي ذكرياتي من
اء أمي ،إلى لحظتي هذه بين فكي هذا الكلب اللعين..
طعام تناولته من أثد ِ
ٍ يوم أول
فقام بإخراجي من فم ذلك الكلب شخص من تلك الثالثة ،وما إن بدأت أنفاسي
تعود ،حتى وجدتُ نفسي محلقا لألسفل ،ونضرات تلك البشريين تبتعد عني،
وذكرياتي عادت ألول لعق ٍ
ت أهدتها لي أمي.
ًً ًً ًً ًً
نعم ،أنا القط ذو السبعة أرواح ،لن تؤثر سقطة من هذا االرتفاع ،على كائن مثلي..
لكن الفرق يكمن بيني وبين أمثالي ،فهناك فرق بين سبعة أرواح وجسد قوي ،مع
روحٍ واحدة وجسد هزيل ..أدمعيا أصبحت بارزة الظهور ،وأنفاسي متقطعة،
والظلمة تحيطني اآلن ..يا ليت هذه الظلمة دائمة ،ألن مخاوفي ،وآالمي ،لم يعد
لها وجود( ..قهقه -متقطعة بسبب الدم الخارج من فتحت الفم) ..يبدوا أن الظلمة
رحيمة ،والنور قاسي ،في هذا المكان غير عادل بأمثالي.
{ تمت }